The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

تفسير القرآن الكريم_compressed

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Ghada Alnawawy, 2021-11-09 00:37:41

تفسير القرآن الكريم_compressed

تفسير القرآن الكريم_compressed

‫‪ ١٤٤٠‬هـ ‪ ٢٠١٩ -‬م‬

‫الترقيم الدولي ‪ISBN 978-9948-38-988-0‬‬

‫دائرة ال�ش�ؤون الإ�سلامية والعمل الخيري بدبي‬
‫قطاع ال�ش ؤ�ون الإ�سلامية ‪ -‬اللجنة العلمية لتف�سير القر�آن الكريم‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫هاتف مبا�شر‪٨٠٠٦٠٠ :‬‬ ‫هاتف‪+٩٧١ ٤ ٦٠٨٧٧٧٧ :‬‬

‫�ص‪ .‬ب‪ ٣١٣٥ :‬دبي‪ ،‬ا إلمارات العربية المتحدة‬

‫البريد الإلكتروني‪ [email protected] :‬الموقع ا إللكتروني للدائرة‪www.iacad.gov.ae :‬‬





‫الحمد لله الذي بنعمت ِه تت ُّم ال�صالحات‪ ،‬وبعون ِه تدو ُم الح�سنات‪ ،‬وبعفوه ُتغف ُر‬
‫ال�سيئات‪ ،‬وال�صلا ُة وال�سلا ُم على �س ّيدنا محمد �س ِّيد ال�سادات‪ ،‬وعلى �آله و أ��صحابه‬

‫�ُأولي المزايا والم ْك ُرمات‪.‬‬
‫وبع ُد‪ :‬ف إ� َّن فه َم كلا ِم الله تعالى هو الحكم ُة التي َم ْن أُ�وتيها فقد أُ�وتي خيراً عظيم ًا‪،‬‬
‫فقد �أخرج اب ُن �أبي حاتم وغي ُره ِم ْن طريق علي بن �أبي طلحة عن اب ِن عبا�س ر�ضي الله‬
‫عنهما في قوله تعالى‪ } :‬ﯤﯥ{ قال‪« :‬المعرف ُة بالقر آ�ن‪ :‬نا�سخ ِه ومن�سوخ ِه‪،‬‬

‫ومحكم ِه ومت�شابه ِه‪ ،‬و ُمق َّدم ِه و ُم�ؤ َّخر ِه‪ ،‬وحلال ِه وحرام ِه‪ ،‬و أ�مثاله»‪.‬‬

‫و أ�خرج ابن أ�بي حاتم عن �أبي الدرداء ر�ضي الله عنه في قوله تعالى‪ } :‬ﯤﯥ{‬
‫قال‪« :‬قراءة القر�آن والفكرة فيه»‪.‬‬

‫وقد �َ ُش َفت دائر ُة ال�ش ؤ�ون ا إل�سلامية والعمل الخيري بدبي ب إ��صدار (م�صحف ال�شيخ‬
‫مكتوم بن را�شد �آل مكتوم) ‪ -‬رحمه الله‪ -‬وها هي َت�ْ ُش ُف اليو َم بتقديم (تف�سير القر آ�ن‬
‫الكريم) على هام�شه‪ ،‬إ��سهام ًا منها بتقريب معاني هذا الكتاب الحكيم‪ :‬كتا ِب الله ع َّز‬

‫وج َّل إ�لى قارئيه وتاليه والناظرين فيه‪ ،‬من الم�سلمين وغيرهم‪.‬‬

‫وهو تف�سير يتميز بمزايا متعددة‪ِ ،‬م ْن أ�ه ِّمها أ�نه عم ٌل م�شتر ٌك قام عليه ُث َّل ٌة من العلماء‪،‬‬
‫فقد أ�عدته لجن ٌة ِم ْن علماء الدائرة‪ ،‬ثم ُع ِر�َض على لجن ٍة من علماء جامعة القرويين في‬
‫المملكة المغربية‪ ،‬ثم نظر ْت فيه لجن ٌة من العلماء المخت�صين بالتف�سير وعلوم القر آ�ن‪،‬‬
‫وك ُّل ذلك َو ْفق خط ٍط مدرو�س ٍة ُمع ّد ٍة تقو ُم على النظر الطويل‪ ،‬والت�أ ّمل الدقيق في‬
‫�أثناء ا إلعداد‪ ،‬والمراجعة‪ ،‬والتحكيم‪ ،‬ولم ُيثبت �شي ٌء ولم ُيحذف �إلا بعد مداولا ٍت‬

‫ونقا�شات مع َّمقة‪.‬‬
‫وقد اع ُتمد في إ�عداد هذا التف�سير على أ�مهات كتب التف�سير‪ ،‬وعلى ما يحتاج إ�ليه‬

‫من الم�صادر الم�ساعدة من كتب علوم القر�آن ومعاجم اللغة‪.‬‬

‫�أ‬

‫ُك ِت َب هذا التف�سير بلغ ٍة �سهل ٍة معا�صر ٍة ج ّذاب ٍة‪ُ ،‬تخا ِطب القارئ في هذا الع�صر‪،‬‬
‫ويفهمها عموم القراء على اختلاف ثقافاتهم المعرفية وتفاوت قدراتهم العلمية‪،‬‬
‫و ُيلا َح ُظ فيها دائم ًا َأ� ْن تكون �صالح ًة للترجمة �إلى اللغا ِت ا ألخرى؛ �إذ كان ِم ْن �أ�سباب‬
‫انطلاق مبادرة هذا التف�سير رغبا ُت الم�سلمين من الناطقين بغير العربية بكتاب ِة تف�سي ٍر‬

‫ُيتر َج ُم �إلى لغاتهم كالرو�سية وغيرها‪.‬‬
‫وقد انطلقت الكتاب ُة في ِه ِم ْن مباد َئ ا ُّت ِفق عليها‪ ،‬خلا�ص ُتها �أن يكون هذا التف�سير‬
‫مفتاح ًا �آمن ًا لفه ِم كلا ِم الله ع َّز وج َّل‪ ،‬بعيداً عن الاختلافات العقدي ِة‪ ،‬والفقهي ِة‪،‬‬
‫والم�سائ ِل التخ�ص�صية‪ ،‬المتعلقة بالقراءات ‪ -‬مثل ًا‪ -‬وغيرها‪ ،‬وبعيداً عن أ�ي �شطط فكري‬
‫أ�و تكلف‪ ،‬مع التحري َق ْدر الطاقة في اختيار �أقوى الوجوه التي ذكرها أ�ئمة المف�سرين‬

‫في تف�سير ا آليات‪ ،‬ثم تقريبها للقارئ‪.‬‬

‫�إ َّن الغاية التي يرمي �إليها هذا التف�سير هي أ�َ ْن يكون عون ًا للقارئ وت�سهيل ًا له لمعرفة‬
‫ما ُ�أبهم عليه من بع�ض معاني القر آ�ن الكريم‪ ،‬من تقري ِر إ�يما ٍن‪ ،‬أ�و ت�شري ِع أ�حكا ٍم‪ ،‬أ�و تفري ِع‬

‫�آدا ٍب‪.‬‬

‫و ُيذكر �أنه رغم ِق ّلة الم�ساحة الـ ُمعطاة للتف�سير ‪ -‬وهي هام�ش �صفحة الم�صحف‬
‫ال�شريف‪ -‬لم يهمل تف�سير أ� ِّي جزء من ا آلية يحتاج إ�لى تف�سير‪ ،‬فهو تف�سي ٌر وجي ٌز تا ٌّم‪،‬‬
‫و أ�نه لم يعتمد على مجرد �إعطاء المعنى العام للآية‪ ،‬بل �سا َر على ن�س ٍق بحيث يجد القارئ‬

‫لكل جملة من ا آلية ما يقابلها من التف�سير‪.‬‬

‫وعلى وجازته �أُود َع كذلك بع�ض الفوائد التي ُتـ َجـ ِّلي معنى الآية و َتربطها غالب ًا‬
‫ب�سياقها و�سبب نزولها عند الحاجة‪ ،‬مما ي�ساعد القارئ على القيام بتد ّب ٍر عمي ٍق للآيات‪.‬‬

‫ونرجو أ�َ ْن نكون قد ُو ِّفقنا في هذه الغاية النبيلة التي �َس َعينا إ�ليها متم ّثلين قو َل الح�سن‬
‫الب�صري رحمه الله‪« :‬ما �أنز َل اللهُ�آي ًة �إلا وهو ُي ِح ُّب �أ ْن ُتعلم فيما �ُأنزل ْت‪ ،‬وما �َأراد بها»‪،‬‬
‫راجين الو�وصل �إلى المنزل ِة التي ُت ِّق ُقنا بمحبة الل ِه على ح�سب قول مجاهد بن جبر‬

‫رحمه الله‪ « :‬أ�ح ُّب الخلق �إلى الله أَ�عل ُمهم بما �أنزل»‪.‬‬

‫ب‬

‫وفي هذا المقام نتوجه �إلى الله ع ّز وج َّل بالحمد والثناء على ما م َّن به من التوفيق‬
‫وال�سداد في �إنجاز هذا التف�سير الق ِّيم؛ لنقدمه إ�لى الم�سلمين وغيرهم كاف ًة؛ وليكون �سبب ًا‬

‫في إ��سعادهم في الدنيا وا آلخرة‪.‬‬
‫ونتقدم بال�شكر الجزيل آلل مكتوم الكرام الذين لا ي أ�لون جهداً في العناية بالقر�آن‬

‫الكريم وطباعته ون�شره‪ ،‬وفي خدمة علوم القر�آن الكريم وال�سنة النبوية ال�شريفة‪.‬‬
‫و�ص ّلى الله و�سلم على �سيدنا محمد ر�سول الله وعلى آ�له و�صحبه و َمن والاه‪.‬‬

‫د‪ .‬حمد بن ال�شيخ أ�حمد ال�شيباني‬

‫مدير عام دائرة ال�ش�ؤون ا إل�سلامية والعمل الخيري‬
‫دبي ‪ -‬الإمارات العربية المتحدة‬
‫‪ 1440‬هـ ‪2019 /‬م‬

‫ج‬

‫د‬

‫(�أعوذ بالله من ال�شيطان الرجيم)‬
‫(�أعوذ بالله) �أي‪� :‬أ�ستجير و أ�تح�صن بالله ع ّز �سلطانه؛ وفي ذلك تح�صين للقارئ‪.‬‬

‫(من ال�شيطان)‪ :‬من ك ّل متم ّرد لعين‪ ،‬ي�صرفني عن طاعة الله تعالى‪.‬‬
‫(الرجيم)‪ :‬المطرود من رحمه الله‪.‬‬

‫واتفق العلماء على أ�ن الا�ستعاذة لي�ست �آية من القر�آن الكريم‪ ،‬و إ�نما هي م�شروعة لكل‬
‫من يقر ؤ�ه بقوله تعالى‪} :‬ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ{ [النحل‪.]٩٨ :‬‬

‫�أي‪� :‬إذا �أردت قراءة القر�آن الكريم فقل‪� :‬أعوذ بالله من ال�شيطان الرجيم‪.‬‬

‫‪tt t‬‬

‫هـ‬

‫‪} ٢‬ﭖﭗ{ �أي‪ :‬الثناء عليه تعالى ب�صفات‬ ‫�سورة الفاتحة مكية‪ ،‬وهي �سبع آ�يات باتفاق‪،‬‬
‫و�ُس ِّميت بالفاتحة‪ ،‬لأنه ُيفتتح بها القر آ� ُن العظيم‪ ،‬و�ُس ِّميت‬
‫الكمال‪ ،‬لأنه تعالى م�ستح ٌّق ك َّل حم ٍد من خلقه؛ �إذ له‬ ‫ب�أ�سماء أ�خرى منها‪ :‬ال�سبع المثاني‪ ،‬و أ�ُ ّم الكتاب‪ ،‬كما‬

‫الأ�سما ُء الح�سنى وال�صفا ُت ال ُعلا‪} .‬ﭘﭙ{‬ ‫ت�س َّمى �سورة‪ ‬ال�صلاة‪.‬‬

‫الر ُّب‪:‬هوال�سيدالمالكالم�صلحل�ش�ؤونالخلق‪،‬و(العالمين)‬ ‫‪ } ١‬ﭑﭒﭓﭔ{ �أي‪� :‬أبتدئ با�سم الله‬
‫أ�ي‪ :‬المخلوقين‪ ،‬من عالم الملائكة وا إلن�س والجن والحيوان‬
‫قراءتي‪ ،‬م�ستعين ًا بالله على ا ألداء رجا َء التوفيق والقبول‪.‬‬
‫وغيرها‪ ،‬وهم ك ُّل ما �سوى الله تعالى‪.‬‬
‫}ﭒ{‪َ :‬ع َل ٌم على الذات ا إللهية‪ ،‬خا�ص به �سبحانه‪،‬‬
‫‪} ٣‬ﭛ{‪ :‬ذو الرحمة ال�شاملة التي و�سعت‬
‫جميع الخلق‪} .‬ﭜ{‪ :‬ذو الرحمة الدائمة بالم�ؤمنين‪،‬‬ ‫لم ُي َ�س َّم به �سواه‪ ،‬ومعناه‪ :‬المعبو ُد بح ٍّق‪ ،‬الجام ُع ل�صفات‬

‫وهما ا�سمان من أ��سماء الله الح�سنى‪ .‬وفي تكرار هذين‬ ‫الجلال والجمال والكمال‪} .‬ﭓ{ أ�ي‪ :‬ذو الرحمة‬
‫الا�سمين ‪ -‬في الب�سملة وهنا‪ -‬إ��شعا ٌر جمي ٌل ب�صفة‬
‫ال�شاملة التي و�سعت جميع الخلق في ال ُّدنيا‪ ،‬فع ّمت‬
‫الرحمة التي كتبها الله على نف�سه‪.‬‬
‫الم�ؤمن والكافر‪} .‬ﭔ{ �أي‪ :‬دائم الرحمة‪ ،‬المنعم‬
‫‪} ٤‬ﭞﭟﭠ{ أ�ي‪ :‬المالك ليوم الح�ساب‬
‫بكل النعم �صغيرها وكبيرها‪ .‬وهذه الرحمة خا�صة‬
‫والجزاء‪ ،‬وهذا اليو ُم لا مال َك فيه ولا َم ِلك �إلا الله‬ ‫بالم�ؤمنين في‪ ‬ا آلخرة‪.‬‬
‫تعالى‪.‬‬
‫‪١‬‬
‫‪ } ٥‬ﭢﭣﭤﭥ{ أ�ي‪ :‬نخ ُّ�صك‬

‫بالعبادة‪ ،‬وهي الطاعة‪ ،‬ونخ ّ�صك بالا�ستعانة على‬
‫العباد ِة وك ِّل‪ ‬خير‪.‬‬

‫‪} ٦‬ﭧﭨﭩ{ �أي‪ :‬أ�ر ِ�ش ْدنا ووف ّقنا‬

‫إ�لى الطريق الم�ستقيم الذي لا عو َج فيه‪ ،‬وهو دين‬
‫الإ�سلام‪ .‬وفي هذا الدعاء �إيحاء بما ينبغي �أن يكون عليه‬

‫الم�سلم من الا�ستقامة‪.‬‬

‫‪} ٧‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ{ أ�ي‪ :‬طريق الذين‬

‫و ّفقتهم للهداية من النبيين وال�صديقين وال�شهداء‬

‫وال�صالحين‪} .‬ﭯ ﭰ ﭱ{ �أي‪ :‬احفظنا‬

‫من طريق الذين غ�ضب َت عليهم ممن عرفوا الحق ولم‬
‫يعملوا به ب�سبب كفرهم وعنادهم و إ��صرارهم على‬

‫الباطل‪ ،‬كاليهود‪} .‬ﭲ ﭳ{‪ :‬ولا تجعلنا من‬

‫الذين �ضلوا الطريق الم�ستقيم‪ ،‬ولم يهتدوا إ�لى الح ِّق‪،‬‬
‫كالن�صارى‪.‬‬

‫كالتوراة التي �ُأنزلت على النبي مو�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪-‬‬ ‫ف�ضل ال�سورة‪ :‬أ�خرج ا إلمام م�سلم عن �أبي هريرة‬
‫وا إلنجي ِل الذي أُ�نزل على النبي عي�سى ابن مريم ‪ -‬عليه‬ ‫ر�ضي الله عنه قال‪ :‬قال ر�سول الله ‪« :‬ال‪ْ َ ‬ت َعلوا‬
‫ال�سلام‪ -‬وغيرهما من الكتب‪ ،‬ويوقنون بالدار ا آلخرة‬ ‫ُب ُيو َت ُكم َم َقا ِب َر‪� ،‬إ َّن ال�َّشيطا َن َي ْن ِف ُر ِم ْن ال َب ْي ِت ا َّلذي ُتقر�ُأ‬

‫وما فيها من البعث والن�وشر والح�ساب والجنة والنار‪.‬‬ ‫ِفي ِه �ُسو َر ُة ال َب َق َر ِة»‪.‬‬

‫‪ ٥‬أ�ولئك المت�صفو َن بما تق ّدم من تقوى الله وا إليمان‬ ‫‪} ١‬ﭑ{‪ :‬هذه ا ألحرف من الحروف الـ ُمق ّطعة‬
‫بالغيب و أ�داء الفرائ�ض على وجهها‪ ،...‬هم أ�ه ُل الهداية‬
‫والر�شاد‪ ،‬الفائزون ب�سعادة الدارين‪ ،‬الناجون من عذاب‬ ‫التي اف ُت ِتحت بها ت�سع وع�شرون �سورة من القر آ�ن‬
‫الكريم‪ .‬وجميع ال�سور المف َت َتحة بهذه الحروف مكية‬
‫النار‪ .‬وهذا هو الفلاح الذي لا فلاح أ�عظم منه‪.‬‬ ‫عدا �سورة البقرة و�آل عمران‪ ،‬أ� ّما الرعد فمخت َلف‬
‫فيها والراجح �أنها مكية‪ .‬وقد ذهب عدد من المف�سرين‬

‫قديم ًا وحديث ًا �إلى �أن في هذه الحروف إ��شارة إ�لى إ�عجاز‬
‫القر�آن الكريم؛ �إذ هو م ؤ� َّلف من جن�س هذه الحروف‪،‬‬
‫ولكن المخا َطبين به لا ي�ستطيعون الإتيان ب�سورة من‬

‫مثله‪ .‬والله تعالى �أعلم بمراده‪.‬‬

‫‪ ٢‬ذلك القر آ�ن العظيم‪ ،‬الذي لا �ش َّك في �أنه نـزل من‬

‫عند الله تعالى‪ ،‬هو هداي ٌة و إ�ر�شا ٌد إ�لى ال�صراط الم�ستقيم‪،‬‬
‫ُير�شد المتقين الذين تحا�وشا غ�ض َب ربهم‪ ،‬بامتثال �أوامره‬

‫واجتناب نواهيه‪.‬‬

‫‪ ٣‬الذين ي�ص ِّدقون بكل ما أ�خبر به الل ُه ور�سو ُله مما‬
‫غاب عن أ�ب�صارهم ولم تدركه حوا�سهم‪ ،‬كالملائكة‬

‫والج ّن‪ ،‬والج ّنة وال ّنار‪ ،‬وال�صراط والميزان‪ ،‬وي ؤ�دون‬
‫ال�صلا َة على الوجه ا ألكمل‪ ،‬ب أ�ركانها و�ُس َننها‬
‫وخ�وشعها‪ ،‬و ُي�ؤتون مما رزقهم‪ ‬الله‪ :‬الزكاة المفرو�ضة‪،‬‬

‫وال�صدقات المندوبة‪ ،‬والنفقات الواجبة‪.‬‬

‫‪ ٤‬والذين ي�ص ّدقون بما �ُأنـزل إ�ليك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪-‬‬
‫من الكتاب وبكل ما ُ�أنزل على الأنبياء من قبلك‬

‫‪2‬‬

‫‪ُ ٩‬يظهرون ب أ�ل�سنتهم من الت�صديق خلاف الذي في‬
‫قلوبهم من ال�شك والتكذيب‪ ،‬يظنون �أنهم يخدعون‬

‫الله وعباده الم ؤ�منين بهذا المكر‪ ،‬وما يخدعون في‬

‫الحقيقة �إلا أ�نف�سهم‪ ،‬ولا يعلمون �أن َوبال خداعهم‬
‫هذا راجع عليهم‪.‬‬

‫‪ ١٠‬في قلوبهم مر� ٌض‪� ،‬أي نفاق‪ ،‬وحقد وح�سد‪،‬‬

‫فزاد الله مر�ضهم مر�ض ًا؛ بما َي َر ْون من ُعل ِّو كلمة الله‪،‬‬
‫وتثبيت قواعد ا إل�سلام‪ ،‬فلهم عذاب ُمو ِج ٌع ب�سبب‬

‫كذبهم ونفاقهم‪.‬‬

‫‪ ١١‬و إ�ذا قيل لهم‪ :‬لا ُتف�سدوا في ا ألر�ض بال�ص ِّد عن‬
‫�سبيل الله‪ ،‬وموالا ِة الكفار و إ�ثارة الفتن والنزاعات‪،‬‬

‫قالوا كذب ًا وجدال ًا‪ :‬إ�نما نحن م�صلحون‪.‬‬

‫‪� ١٢‬إن هذا الذي يفعلونه ويزعمون أ�نه �إ�صلاح هو‬ ‫‪ ٦‬إ�ن الذين كفروا بالله ي�ستوي عندهم �إنذا ُرك‬
‫عي ُن الف�ساد‪ ،‬لكنهم من جهلهم وعنادهم ال‪ ‬ي�شعرون‬ ‫‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬وعد ُمه‪ ،‬ف�إنهم لا ي ؤ�منون بما جئ َتهم به‬
‫من عند الله‪ .‬وقد نزلت هذه الآية في طائفة من الم�شركين‬
‫�أنه‪ ‬ف�ساد‪.‬‬
‫ومن �أهل الكتاب‪� ،‬سبق في علم‪ ‬الله �أنهم لا ي ؤ�منون‪.‬‬
‫‪ ١٣‬و إ�ذا ُطلب منهم �أن ي�ؤمنوا كما آ�من النا� ُس‬
‫ال�صادقون في �إيمانهم‪� ،‬أَ َب ْوا‪ ،‬وو�صفوهم بال�َّسفه‪ :‬وهو‬ ‫‪ ٧‬طبع الله على قلوب ه�ؤلاء الكفار لإ�صرارهم على‬
‫الطي� ُش و ِخ َّف ُة العقل؛ والحقيق ُة أ�نهم هم ال�ُّسفهاء الذين‬ ‫الكفر؛ إ�ذ جحدوا نبوة محمد ‪ - -‬بعد �أن تب َّي‬
‫لهم أ�نها حق‪ ،‬وزعماء اليهود و�أحبارهم �أخفوا‬
‫لا يعلمون ما هم فيه من ال�ضلال والخ�سران‪.‬‬ ‫�صفاته ‪ - -‬المدونة في كتبهم‪ ،‬فعاقبهم الله بالطبع‬
‫على قلوبهم و أ��سماعهم‪ ،‬وجعل على �أعينهم غ�شاوة‬
‫‪ ١٤‬و إ�ذا قابلوا الم�ؤمنين أ�ظهروا ا إليما َن لهم‪ ،‬و إ�ذا‬ ‫فلا يهتدون ولا ي ؤ�منون‪ .‬هذا في الدنيا‪ ،‬و أ� ّما في ا آلخرة‬
‫ان�صرفوا إ�لى ر�ؤ�سائهم في الكفر‪ ،‬قالوا‪ :‬نحن الثابتون‬
‫على طريقكم‪ ،‬الـ ُمـ�ْس َتـ ِخـ ُّفــون بالم�سلمين ب�إظهار‬ ‫فلهم عذاب عظيم‪.‬‬

‫الموافقة لهم‪.‬‬ ‫‪ ٨‬ومن النا�س فريق آ�خر منافقون يقولون ب�أل�سنتهم‪:‬‬
‫�ص َّدقنا بالله وباليوم ا آلخر‪ ،‬ولي�س في قلوبهم من‬
‫‪ ١٥‬والله �سبحانه يجازيهم على ا�ستهزائهم‪ ،‬و ُيهلهم‬
‫ولا يهملهم؛ ليزدادوا �ضلال ًا و َح ْي ًة وقلق ًا‪.‬‬ ‫ا إليمان �شيء‪.‬‬

‫‪ ١٦‬أ�ولئك المنافقون ا�ستح ّبوا ال�ضلال َة وا�ستبدلوها‬
‫بالهدى‪ ،‬فما ربحوا في تجارتهم بل خ�سروا؛ ل�شرائهم‬
‫الكفر بالإيمان‪ ،‬وما كانوا مهتدين إ�لى الحق وال�وصاب‪.‬‬

‫‪٣‬‬

‫‪ ٢٢‬وهو الذي جعل لكم الأر�ض ممهدة ثابتة‪،‬‬ ‫‪َ ١٧‬م َث ُل المنافقين في َف ْق ِد الانتفاع بالقر آ�ن في ا آلخرة‬
‫ت�ستقرون عليها و َي�ْس ُه ُل انتفا ُعكم بما فيها‪ ،‬وجعل‬ ‫بعد معرفتهم به كرج ٍل �أوقد ناراً في ليلة مظلمة فاتقى‬
‫ال�سماء من فوقكم �سقف ًا متما�سك ًا‪ ،‬يحميكم ولا‬ ‫ما ي�ضره ثم طفئت ناره‪ .‬فقد انتفعوا في الدنيا بحقوق‬
‫ي�سقط عليكم‪ ،‬و أ�نـزل من ال�سماء ماء ف�أخرج به أ�نواع‬
‫الثمرات رزق ًا لكم؛ فلا تزعموا لله أ��شباه ًا تعبدونهم‬ ‫الم�ؤمنين ثم يفقدون ذلك كله في ا آلخرة‪.‬‬

‫و أ�نتم تعلمون �أنه وحده الخالق والمنعم‪.‬‬ ‫‪ ١٨‬هم كال ُّ�صم لا ي�سمعون الح َّق‪ ،‬كال ُخـ ْر� ِس لا‬
‫ينطقون به‪ ،‬كال ُع ْمي لا ينظرون فيه‪ ،‬فلا يرجعون �إليه‬
‫‪ ٢٣‬و إ�ن كنتم في �ش ٍّك من القر�آن الذي �أنـزلناه على‬
‫عبدنا محم ٍد تزعمون �أنه لي�س من عند الله‪ ،‬ف�أتوا بمقدار‬ ‫ليهتدوا به‪.‬‬
‫�أ ِّي �سورة مما يماثله وا�ستعينوا ب�آلهتكم التي تعبدون‬
‫وبكل من ي�شهد لزعمكم ليعينوكم في ذلك �إن كنتم‬ ‫‪ ١٩‬وفي المنافقين نو ٌع آ�خر‪َ :‬م َث ُلهم مع القر آ�ن وبراهين‬
‫الحق فيه والوعيد على تركه مع تلقيهم ذلك بال�ش ِّك‬
‫�صادقين في‪ ‬زعمكم‪.‬‬ ‫كقوم نـزل بهم مطر غزير فيه ظلمات ورعد وبرق‪،‬‬
‫فالقر آ� ُن في إ�حياء القلوب كالمطر الغزير‪ ،‬و�ش ُّكهم‬
‫‪ ٢٤‬ف إ�ن لم ت�أتوا ب�سورة من مثله ‪ -‬ولن ت أ�توا بذلك‪-‬‬ ‫فيه كظلمات غيومه‪ ،‬و إ�نذا ُره ووعي ُده كالرعد ذي‬
‫َف ُقوا �أنف�سكم من النار التي ُتو َقد بالنا�س والحجارة‪،‬‬ ‫ال�وصاعق المحرقة‪ ،‬وبراهي ُنه الباهرة كالبرق الخاطف‪،‬‬
‫وذلك ب أ�ن ت ؤ�منوا بر�سولنا محمد ‪ - -‬وما أُ�نزل‬ ‫ف إ�ذا �سمعوا الوعيد �أعر�وضا عنه مخافة أ�ن يت�أثروا‬
‫فيهتدوا ألن ا إليمان عندهم بمثابة الموت‪ ،‬فهم كالذين‬
‫عليه‪ ،‬فهذه النار أ�عدت للكافرين‪.‬‬ ‫ي�ضعون ر ؤ�و�س �أ�صابعهم في آ�ذانهم إ�ذا �سمعوا الرعد‬
‫حذر أ�ن تقتلهم �وصاعقه‪ ،‬وذلك لا ينفعهم ألن الله‬
‫‪٤‬‬
‫يهلكهم متى �شاء؛ فهو محيط بهم لا َي ُفوتونه‪.‬‬

‫‪ ٢٠‬و�إذا ظهرت براهي ُن القر آ�ن كالبرق الذي ي�سلب‬
‫ا ألب�صار بلمعانه �أقبلوا إ�لى الإيمان؛ كما يم�شي النا�س‬
‫في البرق في الليل‪ .‬و إ�ذا أ�حاطت بقلوبهم ال�شبهات لم‬
‫يتقدموا �إلى ا إليمان‪ ،‬ووقفوا حائرين مترددين‪ ،‬وتم َّلكهم‬
‫النفاق مرة ثاني ًة‪ ،‬كما يقف من ي�سير في �وضء البرق‬
‫إ�ذا انطف أ�‪ .‬ولو �شاء الله لذهب ب أ��سماعهم و�أب�صارهم‬
‫الظاهرة كما ذهب ب أ��سماعهم و�أب�صارهم الباطنة‪ ،‬فهم‬
‫�أَ ْه ٌل لذلك ‪ -‬وهذا تحذير وتهديد لهم بالعقوبة الدنيوية‬
‫ليرتدعوا‪ -‬إ�ن الله على كل �شيء قدير‪ ،‬فلا يعجزه �شيء‪.‬‬

‫‪ ٢١‬يا �أيها النا�س اعبدوا ربكم الذي أ�وجدكم ولم‬
‫تكونوا �شيئ ًا‪ ،‬و�أوجد الذين من قبلكم؛ فالخالق وحده‬
‫هو الم�ست ِح ُّق العباد َة‪ ،‬وبذلك ترجون الوقاية من عذابه‪.‬‬

‫على ما فيه من ِح َكم‪ ،‬و أ� ّما الكفار فلانطما�س ب�صيرتهم‬
‫ي�ستنكرونه‪ ،‬ويقولون م�ستنكرين‪� :‬أي �شيء أ�راد الله‬

‫بهذا المثل؟! ف أ�جابهم الله تعالى بما ينا�سب مرادهم‬

‫من �س ؤ�الهم‪ ،‬وهو أ�نه ي�ضل‪� ،‬أي‪ :‬يخذل به كثيراً‬
‫‪ -‬وذلك �أنهم حين لا يتع ّقلونه يك ّذبونه وي�سخرون منه‪،‬‬
‫فيزدادون بذلك �ضلال ًا‪ -‬ويزيد به في �إيمان الم ؤ�منين‪،‬‬

‫وما ُي�ضل الله به �إلا الفا�سقين الكاملين في ف�سقهم‪ ،‬وهم‬
‫الكافرون الم�صرون على كفرهم‪.‬‬

‫‪ 27‬الذين يخالفون ويتركون عه َد الله الذي أ�خذه‬ ‫‪ 25‬وب�ِّش ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬الذين �آمنوا وعملوا‬
‫عليهم بالتوحيد والطاعة‪ ،‬من بعد توثيقه عليهم وتوكيده‬ ‫ال�صالحات‪ ،‬ب أ� ّن لهم في الآخرة جنات‪ ،‬فيها �أنهار تجري‬
‫لهم ب�إر�سال الر�سل‪ ،‬و�إنزال الكتب‪ ،‬و َي ْقطعون ما أ�مر‬ ‫تحت أ��شجارها وق�وصرها‪ ،‬وفيها الثمار ال�شهية‪ ،‬كلما‬
‫الله أ�ن يكون مو�لاو ًص؛ ك�صلة ذوي ا ألرحام‪ ،‬والتوا ّد‪،‬‬
‫والتعارف‪ ،‬والتراحم بين بني الإن�سان‪ ،‬ويف�سدون‬ ‫ُق ِّدمت لهم ثمر ٌة منها قالوا متعجبين‪ :‬هذه الثمرة كالتي‬
‫في الأر�ض بالمعا�صي وب�إثارة الفتن‪ ،‬و إ�يقاد الحروب‪،‬‬ ‫ر أ�يناها في الدنيا‪ .‬ف�إذا تذ ّوقوها و�أكلوها ر�أوا عجب ًا‪،‬‬
‫و�إعاقة النا�س عن الإيمان بر�سالة محمد ‪ - -‬أ�ولئك‬ ‫و�أدركوا �أنها ت�شبه ثما َر الدنيا في ال�شكل واللون فقط‪،‬‬
‫أ�ما في ال َّذوق وال َّطعم فهذا ما لم يروه �أبداً‪ ،‬ولهم فيها‬
‫هم الخا�سرون في الدنيا والآخرة‪.‬‬
‫�أي�ض ًا زوجا ٌت كاملات الطهارة‪ ،‬لي�س فيهن ما ُيعاب‪،‬‬
‫‪ 28‬كيف تجحدون ‪� -‬أيها الم�شركون‪ -‬وحداني َة الله‬ ‫وهم فيها خالدون‪.‬‬
‫تعالى‪ ،‬وتعبدون معه غيره بعد إ�قامة البرهان القاطع‬
‫عليها في �أنف�سكم؟! وقد كنتم عدم ًا ف أ�خرجكم إ�لى‬ ‫‪� 26‬أخب َر الله ُ‪� -‬سبحانه‪� -‬أنه لا َي�ست�صغ ُر �شيئ ًا َي�ضرب‬
‫الوجود‪ ،‬ونفخ فيكم الروح‪ ،‬ثم يميتكم بعد انق�ضاء‬ ‫به مثل ًا ولو كان بعو�ضة فما فوقها في ال�صغر والحقارة‪،‬‬
‫آ�جالكم‪ ،‬ثم يعيدكم �أحيا ًء يوم البعث‪ ،‬ثم �إليه ترجعون‬
‫للح�ساب والجزاء‪ .‬فالذي �أحياكم �أول مرة قادر على‬ ‫�أو فوقها في الكبر؛ لما في ذلك من الحكمة وك�شف المعنى‬

‫إ�حيائكم مرة �أخرى‪.‬‬ ‫و�إي�ضاح الحق الذي يريد تعالى إ�ي�ضاحه‪ ،‬ف�أ ّما الذين‬
‫�آمنوا في�صدقونه لعلمهم �أنه كلام الله الح ّق‪ ،‬ويقفون‬
‫‪ 29‬الله ‪ -‬تعالى‪ -‬هو وح َد ُه الذي خلق لأج ْلكم كل‬
‫ما في الأر�ض من النعم ‪ -‬النبات والحيوان والمعادن‬
‫والجبال والبحار‪ -‬التي تنتفعون بها‪ ،‬ثم ق�صد إ�لى خلق‬
‫ال�سماوات ف�سواهن �سبع �سماوات‪ ،‬وهو بكل �شيء‬

‫عليم؛ ف ِع ْل ُمه �سبحانه محيط بجميع الخلق‪.‬‬

‫‪٥‬‬

‫أ�بداً هذه ال�شجرة التي ح ّددتها لكما‪� ،‬إنكما �إن �أكلتما‬ ‫‪ 30‬واذكر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬نعم ًة أ�خرى من ربك‬
‫منها كنتما من الظالمين‪ .‬وكان هذا اختباراً لهما وابتلاء‪.‬‬ ‫على الإن�سان‪ ،‬وهي �أنه قال للملائكة‪� :‬إني جاع ٌل‬
‫في الأر�ض قوم ًا يخلف بع�ضهم بع�ض ًا في عمارتها‪.‬‬
‫‪ 36‬ف أ�وقعهما ال�شيطا ُن في المخالفة ب�أن �أكلا من‬ ‫واذكر قول الملائكة‪ :‬أ�تجعل فيها من يف�سد فيها‬
‫ال�شجرة التي نهاهما الله عن ا ألكل منها‪ ،‬و�أخرجهما‬ ‫ويريق الدماء بالعدوان والقتل بينما نحن نن ّزهك‬
‫مما كانا فيه من نعيم الجنة‪ ،‬ب�سبب َو�سو�سته وا ّدعائه‬ ‫عما لا يلي ُق بعظمتك‪ ،‬ونم ّجدك بكل �صفات الكمال‬
‫لهما أ�نها �شجر ُة الخلد‪ ،‬فقال الله تعالى آلدم وحواء‬ ‫والجلال؟ ف�أجابهم ر ُّبهم‪ :‬إ�ني �أعلم ما لا تعلمون من‬
‫و إ�بلي�س‪ :‬اهبطوا الأر�َض يعادي بع ُ�ضكم بع�ض ًا‪،‬‬
‫ولكم فيها ا�ستقرا ٌر‪ ،‬و�إقام ٌة‪ ،‬وانتفا ٌع بما فيها �إلى‬ ‫الحكمة في َخ ْلقهم‪.‬‬

‫وق ِت انتهاء �آجالكم‪.‬‬ ‫‪ 31‬وع ّلم الله تعالى �آد َم أ��سما َء ا أل�شياء ك ّلها التي �شاء‬
‫الله تعالى �أن يع ِّلمه إ�ياها‪ ،‬ثم عر�ض تلك ا أل�شياء على‬
‫‪ 37‬ف أ�ل َه َم الله �آد َم كلما ٍت فيها إ�قرا ٌر بظلمه لنف�سه‪،‬‬ ‫الملائكة �إظهاراً لعجزهم ول�شرف �آدم بما ا ْخ ُت�ص به من‬
‫وطل ٌب للمغفرة والرحمة له ولزوجه‪ ،‬وهي‪} :‬ﭒﭓ‬ ‫عل ٍم‪ ،‬وقال الله للملائكة‪ :‬أ�خبروني ب أ��سماء ما عر�ض ُته‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ{‪،‬‬ ‫عليكم إ�ن كنتم �صادقين �أن آ�دم وذريته غير جديرين‬
‫فقبل الله توبتهما‪ ،‬إ�نه �سبحانه التوا ُب على من تاب من‬
‫بالا�ستخلاف في ا ألر�ض‪.‬‬
‫عباده‪ ،‬الرحي ُم بهم‪.‬‬
‫‪ 32‬أ�جابت الملائكة معترفين بعجزهم‪ ،‬ومنزهين‪ ‬الله‬
‫‪٦‬‬ ‫تعالى �أن ُيعتر�ض على ق�ضائه‪ ،‬قائلين‪� :‬سبحانك‪ ،‬لا علم‬
‫لنا إ�لا ما علمتنا إ�ياه‪ ،‬إ�نك أ�نت العليم بكل �شيء‪ ،‬الحكيم‬

‫في تدبيرك وق�ضائك‪.‬‬

‫‪� 33‬أمر الله آ�د َم ب�إخبار الملائكة ب�أ�سماء المخلوقات‬
‫التي عجزوا عن معرفة أ��سمائها‪ ،‬فلما أ�خبرهم بها‪،‬‬
‫قال الله تعالى للملائكة‪ :‬لقد �أخبرتكم �أني �أعلم‬
‫ما خفي عنكم في ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬و�أعلم ما‬

‫ُتظهرون وما ُتخفون‪.‬‬

‫‪ 34‬واذكر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬حين �أمرنا الملائكة‬
‫بال�سجود لآدم �سجو َد تحي ٍة وتكري ٍم‪ ،‬لا �سجو َد عباد ٍة‪،‬‬
‫ف�سجدوا جميع ًا إ�لا �إبلي�س امتنع عن ال�سجود تك ُّباً‬

‫وح�سداً‪ ،‬و�صار من الكافرين بالله‪ ،‬العا�صين لأمره‪.‬‬

‫‪ 35‬وقلنا آلدم‪ :‬ا�ْسكن �أنت وزو ُجك الجنة‪ ،‬ف ُكلا من‬
‫ثمارها �أكل ًا هنيئاً مريئاً‪ ،‬وتم ّتعا بكل ما فيها‪ ،‬ولا تقربا‬

‫�صحيح التوراة‪ ،‬ولا تكونوا أ�و َل فري ٍق من �أهل الكتاب‬ ‫‪ 38‬قال تعالى لآدم وزوجه و إ�بلي�س‪ :‬اهبطوا من الجنة‬
‫يك ُفر به‪ ،‬ولا تبيعوا آ�ياتي بثمن قليل من متاع الدنيا‬ ‫جميع ًا‪ ،‬ف إ�ن �أتاكم ‪� -‬أي يا آ�دم وحواء‪ ،‬ثم ذريتهما من‬
‫الزائل‪ ،‬وخافوني بطاعتي واتقاء �أ�سباب غ�ضبي‪ ،‬ولا‬ ‫بعدهما‪ -‬م ِّني هد ًى و�إر�شا ٌد وت�شري ٌع؛ َف َم ْن َق ِبله وعمل‬
‫به‪ ،‬فلا خو ٌف عليهم من عذاب ا آلخرة‪ ،‬ولا هم‬
‫تخافوا �أحداً غيري‪.‬‬
‫يحزنون على ما فاتهم في‪ ‬الدنيا‪.‬‬
‫‪ 42‬ولا َتخلطوا الح َّق المن َّزل من عند الله‪ ،‬بالباطل‬
‫الذي تفترونه‪ ،‬ولا تخفوا ما في كتابكم (التوراة)‬ ‫‪ 39‬والذين جحدوا ب�آيات الله وك ّذبوا‪� ،‬أولئك �أهل‬
‫من أ�و�صاف محمد ‪ - -‬و أ�نتم تعلمون أ�نها ح ٌّق‬ ‫النار‪ ،‬يخلدون فيها أ�بداً‪ ،‬لا يخرجون‪ ،‬ولا يفنون‪.‬‬

‫و�صد ٌق‪.‬‬ ‫‪ 40‬يا بني �إ�سرائيل‪ :‬اذكروا نعمي الكثيرة عليكم؛‬
‫وا�شكروا لي‪ ،‬و أ� ْوفوا بعهدي الذي �أخذته عليكم‪،‬‬
‫‪ 43‬وا�ستجيبوا ل إليمان‪ ،‬و�أقيموا ال�صلاة‪ ،‬وادفعوا‬ ‫و�أقررتم به على �أنف�سكم‪ :‬ب أ�ن ت ؤ�منوا بكتبي ور�سلي‬
‫زكا َة أ�موالكم‪ ،‬واخ�ضعوا لله و�صلوا �صلاة الم�سلمين‬ ‫جميع ًا‪ ،‬وتعملوا ب�شرائعي؛ ف�إن فعلتم ذلك‪� ،‬أحق ْق لكم‬
‫ما �ضمن ُت لكم من الجزاء الح�سن والثواب الجزيل على‬
‫الراكعين‪.‬‬
‫الطاعة؛ وخافوني ولا تخافوا �أحداً �سواي‪.‬‬
‫‪ 44‬أ�ت�أمرون يا مع�شر علماء اليهود النا� َس بال ِ ِّب ‪ -‬وال ِ ُّب‬
‫ا�سم جامع لأعمال الخير‪ ،‬وكل ما فيه ر�وضان الله‪-‬‬ ‫‪ 41‬و�ص ِّدقوا ‪ -‬يا بني �إ�سرائيل‪ -‬بالقر�آن الذي أ�نزل ُته‬
‫وتتركون �أنف�سكم فلا ت أ�مرونها بذلك ولا تلتزمون‬ ‫على نب ّيي محمد‪ ،‬موافق ًا وم�صدق ًا لما تعلمون من‬
‫به‪ ،‬و أ�نتم تقر�ؤون وتدر�سون التوراة وتعلمون ما فيها‬
‫على َم ْن ق ّ�ص في �أوامر الله؟! �أفلا تعقلون ُقبح حالكم‪،‬‬ ‫‪٧‬‬

‫فتنتهوا عن ذلك‪.‬‬

‫‪ 4٦ 45‬وا�ستعينوا على القيام بما �أمرتكم به من‬
‫طاعات‪ ،‬وفي أ�موركم كلها بال�صبر‪ ،‬وبال�صلاة التي هي‬
‫ثقيلة إ�لا على الطائعين‪ ،‬الذين اطم أ�نت قلوبهم للطاعة‪،‬‬
‫وتي َّقنوا أ�نهم ملاقو ربهم بعد الموت‪ ،‬و أ�نهم راجعون‬

‫إ�ليه للح�ساب‪ ‬والجزاء‪.‬‬

‫‪ 47‬يا بني �إ�سرائيل اذكروا نعم َي الكثير َة عليكم‪،‬‬
‫فقوموا بح ِّقها‪ ،‬وتذ َّكروا �أني ف ّ�ضلت �أ�سلا َفكم على‬
‫العالمين في زمانهم‪ ،‬وذلك بكثرة الأنبياء منهم والكتب‬
‫المنزلة فيهم؛ و�إغدا ُق تلك النعم على أ��سلافكم �شر ٌف‬

‫لكم‪.‬‬

‫‪ 48‬واحذروا يو َم القيامة‪ ،‬يو َم البعث والح�ساب‪،‬‬
‫يو َم لا تغني نف� ٌس عن نف� ٍس �شيئ ًا‪ ،‬ولا يقبل الله �شفاع ًة‬
‫في الكافرين‪ ،‬ولا يقبل منهم فدية بدل العذاب‪ ،‬ولا‬

‫يجدون �أحداً يمن ُع عنهم عذا َب الله تعالى‪.‬‬

‫‪ ٤٩‬واذكروا ‪ -‬يا بني �إ�سرائيل‪ -‬من ِن َعمنا عليكم �أ ْن‬
‫نجيناكم من ظلم فرعو َن و�أعوانه الذين كانوا يذيقونكم‬

‫�أ�ش ّد العذاب‪ ،‬فهم يذبحون الذكور من �أولادكم‪،‬‬

‫وي�ستبقون ا إلناث‪ .‬وفي هذا العذاب والتع ُّر�ِض للفناء‪،‬‬
‫ابتلا ٌء �شديد من ربكم‪ ،‬واختبا ٌر عظيم لكم‪.‬‬

‫‪ ٥٠‬واذكروا �أي�ض ًا نعم َتنا عليكم حين �ش َق ْقنا لكم‬
‫البح َر وجعلنا لكم فيه طريق ًا َي َب�س ًا تم�وشن على �أر�ضه‪،‬‬
‫ف أ�نجيناكم‪ ،‬و أ�غرقنا فرعو َن وقو َمـه‪ ،‬و أ�نتم تنظرون‬

‫إ�ليهم‪ ،‬وهم يغرقون‪.‬‬

‫‪ ٥١‬واذكروا حين واعد ر ُّبكم مو�سى أ�ربعين ليل ًة‬
‫لمناجاته‪ ،‬فلما ذهب إ�لى ميعاده عاد وقد انحرفتم‪،‬‬

‫وعبدتم العج َل الذي �صنعه ال�سامر ُّي‪ ،‬وهذا من �أ�شنع‬
‫الكفر وال�شرك بالله‪.‬‬

‫وقد كان هذا طلب الكفرة قديم ًا‪ ،‬فكيف يع ّلق الكافر‬ ‫‪ ٥٢‬ثم عفونا عنكم‪ ،‬فمحونا ذنبكم هذا حين تبتم‬
‫الآن إ�يمانه بالله على ر�ؤيته �سبحانه في الدنيا‪ ،‬مع �أنه‬ ‫وا�ستغفرتم من إ�ثمكم ون َّفذتم العقوبة التي فر�ضناها‬
‫عليكم‪ ،‬لعلكم ت�شكرون ربكم على َ�ص ْفحه وعفوه‬
‫ي ؤ�من بوجود أ��شياء لم يرها‪ ،‬ولكنه عرفها من �آثارها‪.‬‬
‫وف�ضله‪.‬‬
‫‪ ٥٦‬واذكروا يا بني �إ�سرائيل نعمتي عليكم في بعثي‬
‫لكم بعد �إماتتكم بال�صاعقة؛ لعلكم ت�شكروني‪ .‬فهذا‬ ‫‪ ٥٣‬واذكروا نعم َتنا عليكم حين آ�تينا مو�سى التوراة‪،‬‬
‫الموت كان عقوب ًة لهم‪ ،‬ث َّم بعثهم الله لي�ستوفوا �آجالهم‬ ‫َت ْف ِرق ًة بين الحق والباطل؛ لكي تهتدوا من ال�ضلالة‪.‬‬

‫التي ق ّدرها لهم‪.‬‬ ‫‪ ٥٤‬واذكروا حين قال مو�سى لقومه‪ :‬إ�نكم ظلمتم‬
‫أ�نف َ�سكم بعبادة العجل فتوبوا �إلى خالقكم‪ :‬ب�أن يقت َل‬
‫‪ ٥٧‬و ِم ْن ف�ضلنا عليكم أ�ننا جعلنا ال�سحاب لكم‬ ‫البري ُء منكم المجرم‪ ،‬فذلك خير لكم عند خالقكم‬
‫كال ُّظلة لي�وص َنـكم من الحر ال�شديد‪ ،‬و�أنزلنا عليكم‬ ‫للنجاة من عذاب الآخرة فامتثلتم لذلك‪ ،‬فم َّن الله بقبول‬
‫الم ّن‪ ،‬وهو مادة حلوة لزجة كالع�سل‪ ،‬كما �أنزلنا عليكم‬ ‫توبتكم‪ ،‬إ�نه كثير التوبة على عباده‪ ،‬وا�سع الرحمة بهم‪.‬‬
‫ال�سلوى وهو طير ي�شبه ال�ُّس َما َنى‪ ،‬وقلنا لكم‪ :‬كلوا‬
‫من طيبات رزقنا‪ ،‬فكفرتم بهذه النعم‪ ،‬وما ظلمتمونا‬ ‫‪ ٥٥‬واذكروا قول �أ�سلافكم لمو�سى‪ :‬إ�ننا لن ن�ص ّدقك‬
‫بع�صيانكم أ�م َرنا‪ ،‬وكف ِركم نع َمنا‪ ،‬ولكن ظلمتم أ�نف َ�سكم‬ ‫بما جئتنا به‪ ،‬حتى نرى الله ِعيان ًا ب�أب�صارنا‪ ،‬فانق ّ�ضت‬
‫عليهم نار من ال�سماء ف�أهلكتهم وهم يرون ذلك عيان ًا‪.‬‬
‫بتعري�ضها للعذاب‪.‬‬

‫‪٨‬‬

‫‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬ال�ُّسقيا لكم من ربه حين ا�شت ّد بكم‬
‫العط�ش و أ�نتم في ال ِّتيه‪ ،‬فرحمناكم‪ ،‬وقلنا لمو�سى‪ :‬ا�ضرب‬
‫بع�صاك الحجر‪ ،‬ف�ضربه فانفجر الماء من اثنتي َع�ْشة عين ًا‬
‫بعدد ا أل�سباط‪ ،‬ف�صار لكل قبيلة منهم عين‪ ،‬فعرفت كل‬

‫قبيلة مكا َن �شربها‪ ،‬وقلنا لكم‪ُ :‬كلوا من الم ّن وال�سلوى‪،‬‬
‫وا�شربوا من هـذا الماء الذي ف ّجرناه لكم‪ ،‬ولا ت�سعوا في‬

‫ا ألر�ض مف�سدين‪.‬‬

‫‪ 61‬واذكروا ‪ -‬يا بني �إ�سرائيل‪ -‬قول أ��سلا ِفكم لمو�سى‬ ‫‪ 58‬واذكروا ‪ -‬يا بني إ��سرائيل‪� -‬إذ �أمرناكم بالدخول‬
‫�إلى مدينة بيت المقد�س والأكل من خيراتها وطيب‬
‫‪ -‬عليه ال�سلام‪ :-‬لن ن�ستطيع ال�صب َر على طعا ٍم واح ٍد‬ ‫ثمراتها كيف �شئتم أ�كل ًا هنيئ ًا وا�سع ًا‪ ،‬وقلنا لكم‪:‬‬
‫كل يوم من الم ّن وال�سلوى‪ ،‬دائم لا يتغير‪ ،‬فاد ُع لنا ربك‬ ‫ادخلوا باب المدينة خا�ضعين خا�شعين توا�ضع ًا لله رب‬
‫يخر ْج لنا مما تنب ُت ا ألر�ض من بقولها وقثائها وثومها‬ ‫العالمين‪ .‬وقولوا‪ :‬ر َّبنا ُح َّط عنا خطايانا‪ ،‬ف إ�ن فعلتم ذلك‬
‫وعد�سها وب�صلها‪ ،‬فقال مو�سى م�ستنكراً‪� :‬أتطلبون‬ ‫غفرنا لكم‪ ،‬و�سنزيد المح�سنين منكم بالطاعة ثواب ًا‬

‫ما هو أ�قل قدراً بدل ًا مما هو أ�ح�س ُن و�أف�ض ُل وهو الم ُّن‬ ‫وف�ضل ًا عظيم ًا‪.‬‬
‫وال�سلوى الذي اختاره الله لكم؟! ف�إذا كنتم ُم�ص ِّرين‬
‫على ذلك فاهبطوا أ� ّي بلد من البلاد ف�إ َّن لكم فيه ما‬ ‫‪ 59‬فلم يدخل الذين ظلموا منهم باب مدينة بيت‬
‫طلبتم‪ .‬ولهذا البطر والعناد أ�حاطت به ؤ�لاء اليهود‬ ‫المقد�س �ساجدين خا�ضعين‪ ،‬و إ�نما دخلوها زاحفين‬
‫على أ�دبارهم وهم يقولون غير الذي قيل لهم‪ ،‬فخالفوا‬
‫ال ِّذلة والفقر والخنوع وا�ستحقوا غ�ض َب الله عليهم‪،‬‬ ‫الفعل والقول جميع ًا‪ .‬وهذا غاية ما يكون من المخالفة‬
‫وذلك كله ب�سبب كفرهم بما �أظهر الله لهم من الحجج‬
‫والمعاندة؛ ولف�سقهم هذا �أنزل الله بهم‪ ‬ب�أ�سه وعذابه‪.‬‬
‫والمعجزات‪ ،‬وقت ِلهم ا ألنبيا َء ظلم ًا وعدوان ًا بغير حق‪.‬‬
‫وقد ج ّر�أهم على ذلك الكف ِر وهذا القت ِل‪ ،‬ما اعتادوه‬

‫من التم ّرد والعدوان ومجاوزة الحد في المعا�صي‪.‬‬

‫‪ 60‬واذكروا يا بني �إ�سرائيل يوم طلب نبيكم مو�سى‬

‫‪٩‬‬

‫‪� 62‬إ ّن الذين �آمنوا ‪ -‬وهم الم�سلمون‪ -‬والذي هادوا‬
‫‪ -‬وهم اليهود‪ -‬والن�صارى ‪ -‬وهم أ�تباع عي�سى عليه‬
‫ال�سلام‪ -‬وال�صابئين ‪ -‬وهم بقايا من كان على م َّلة‬

‫�إبراهيم و إ��سماعيل عليهما ال�سلام‪ ،‬الم�س َّمون بالحنفاء‪-‬‬
‫ك ُّل من �آمن بالله واليوم ا آلخر في زمنه من ه�ؤلاء وعمل‬

‫�صالح ًا‪ ،‬ف�إن لهم ثوابهم المحفوظ عند ربهم‪ ،‬ولا‬
‫يلحقهم خو ٌف من عقاب‪ ،‬ولا ينا ُلهم حز ٌن على فوا ِت‬

‫ثواب‪.‬‬

‫‪ 63‬واذكروا ‪ -‬يا بني �إ�سرائيل‪ -‬حين �أخ ْذنا عليكم‬
‫العه َد الم�ؤ َّك َد بالعمل بما في التوراة‪ ،‬ورفعنا فوقكم‬
‫جبل الطور حتى خفتم و�أذعنتم‪ ،‬وقلنا لكم‪ :‬خذوا ما‬
‫أ�مرناكم به في التوراة ب ِج ٍّد واهتمام وحزم واحفظوه‪،‬‬

‫واعملوا به؛ لكي تتقوا عقابي‪ ،‬وتفوزوا‪ ‬بر�ضاي‪.‬‬

‫لمعرفة قاتل �شخ�ص منهم‪ -‬فقالوا لمو�سى‪ :‬أ�تهز أ� بنا‪،‬‬ ‫‪ 64‬ث ّم نكثتم العه َد‪ ،‬و أ�عر�ضتم عن الطاعة‪ ،‬بعد �أن‬
‫وت�سخر منا؟ فر ّد عليهم قائل ًا‪� :‬إني أ�عت�صم بالله �أن �أكو َن‬ ‫عاهدتم ر َّبكم على ذلك‪ ،‬فللاو ف�ض ُل الله عليكم بالتوبة‪،‬‬
‫ورحمته بكم بالعفو عنكم‪ ،‬لكنتم من الخا�سرين في‬
‫من الجاهلين الذين ي�ستهزئون‪ ‬بعباده‪.‬‬
‫الدنيا والآخرة‪.‬‬
‫‪ 68‬قالوا‪ :‬يا مو�سى ادع لنا ربك حتى يب ِّي لنا �صفة‬
‫هذه البقرة‪ ،‬ف�أجابهم‪� :‬إن الله يقول لكم‪� :‬صفتها �أ ّل‬ ‫‪ 65‬ولقد علمتم ‪ -‬يا مع�شر اليهود‪ -‬ما عاقبنا به‬
‫تكو َن ُم�س ّن ًة َه ِرم ًة‪ ،‬ولا �صغير ًة فت ّي ًة‪ ،‬و إ�نما هي متو�سط ٌة‬ ‫أ��سلا َفـكم الذين ح َّرمنا عليهم ال�صيد يوم ال�ّسبت‬
‫فخالفوا �أمر الله احتيال ًا وعدوان ًا‪ ،‬فم�سخناهم قرد ًة‬
‫بينهما‪ ،‬فافعلوا ما �آمركم به تعرفوا القاتل‪.‬‬
‫منبوذين �أذلاء‪.‬‬
‫‪ 69‬لم يمتثلوا الأمر‪ ،‬وعادوا إ�لى جدالهم قائلين‪:‬‬
‫اطلب لنا من ربك يب ّ ْي لنا لونها‪ .‬قال‪ :‬إ�نه يقول‪ :‬إ�نها‬ ‫‪ 66‬فجعلنا هذه العقوبة زاجر ًة لمن �شهدها وعاينها‪،‬‬
‫وعبر ًة لمن جاء بعدها‪ ،‬وعظ ًة لكل عبد �صالح م ّت ٍق لله‬
‫بقر ٌة �صفرا ُء �شديد ُة ال ُّ�صفرة‪ُ ،‬ت ْع ِج ُب من ينظر �إليها‪.‬‬
‫عز‪ ‬وجل‪.‬‬

‫‪ 67‬واذكروا حين قال مو�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬لبني‬
‫إ��سرائيل‪ :‬إ�ن الله ي أ�م ُركم أ�ن تذبحوا بقرة ‪ -‬وكان ذلك‬

‫‪١٠‬‬

‫‪ 73‬فقلنا‪ :‬ا�ضربوا القتيل بجزء من هذه البقرة‪،‬‬
‫ف�ضربوه به‪ ،‬ف�أحياه الله‪ ،‬ف أ�خبرهم عن القاتل‪ ،‬وفي هذا‬
‫الإحياء دليل على �صحة البعث يوم القيامة؛ لأن من أ�حيا‬
‫نف�س ًا واحدة قادر على إ�حياء جميع الموتى يوم القيامة‪.‬‬

‫‪ 74‬ثم َق َ�س ْت قلو ُبكم ‪ -‬أ�يها الكفار من بني إ��سرائيل‪-‬‬
‫فلم يعد ُي�ؤ ّثر فيها ن�ص ٌح ولا تذكي ٌر‪ ،‬من بعد ر�ؤية كل‬
‫هذه المعجزات الباهرات‪ ،‬فهي في ق�سوتها مث ُل الحجارة‬

‫بل أ��ش ّد منها ق�سو ًة؛ ألن ِم َن الحجارة ما تتفجر منه‬
‫ا ألنهار‪ ،‬ومن الحجارة ما يت�ص ّدع فين�ش ّق‪ ،‬فتخرج منه‬
‫العيون والينابيع‪ ،‬ومن الحجارة ما ي�سقط من ُع ْل ٍو خ�شي ًة‬

‫لله تعالى وتعظيم ًا له‪.‬‬

‫‪� 75‬أترجون ‪� -‬أيها الم�سلمون‪� -‬إيمان اليهود وهم على‬ ‫‪ 70‬ثم َلـ ُّجوا في أ��سئلتهم فقالوا‪ :‬اد ُع لنا ربك يب ّ ْي‬
‫ما هم عليه من ا إل�صرار على تحريف كلام الله تعالى من‬ ‫لنا �صفات �أخرى؛ ألن البقر ت�شابه علينا لكثرة ا ألبقار‬
‫بعد ما عرفوه وفهموه بعقولهم‪ ،‬ولا �ش َّك �أنهم كانوا‬
‫ال ُّ�صفر المتو�سطة ال�سن‪ ،‬و�سنهتدي �إليها بم�شيئة الله‪.‬‬
‫يعلمون �شناعة ُجرمهم‪.‬‬
‫‪ 71‬قال لهم مو�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪� :-‬إن الله يقول‪:‬‬
‫‪ 76‬و�إذا ر�أ ْوا �أ�صحا َب النبي ‪ - -‬واجتمعوا معهم‬
‫قالوا بل�سانهم‪ :‬نحن ن�ص ّدق ب�أن ر�سو َلكم ح ّق‪ ،‬و�أنه‬ ‫إ�ن هذه البقرة لي�ست ُم�س ّخرة لحراثة ا ألر�ض‪ ،‬ولا ل�سقي‬
‫المب�َّش به عندنا في التوراة؛ و إ�ذا خلا بع�ضهم ببع�ض‪ ،‬قالوا‬ ‫الزرع‪� ،‬سليمة من العيوب جميعها‪ ،‬لي�س فيها لون �آخر‪،‬‬
‫في �إنكا ٍر‪ :‬أ�تحدثونهم بما في التوراة من �صفات محمد؛‬
‫لتكو َن لهم الحج ُة عليكم عند ربكم يوم القيامة؟ �ألي�ست‬ ‫يخالف لو َن جلدها ا أل�صفر‪ .‬قالوا‪ :‬الآن جئ َت بحقيقة‬
‫الو�صف‪ .‬فذبحوها بعد طول تع ّنت‪ ،‬وقد قاربوا �أ ّل‬
‫لكم عقو ٌل تدركون بها هذا الخط�أ الفاح�ش؟!‬ ‫يفعلوا ذلك لعنادهم‪ .‬وهكذا �ش ّددوا ف�ش ّدد الله عليهم‪.‬‬

‫‪ 72‬واذكروا حين قتل بع ُ�ضكم نف�س ًا‪ ،‬فتخا�صمتم‬
‫وتنازعتم فيمن هو القاتل‪ ،‬ك ّل فريق يتهم الآخر بلا دليل‪،‬‬
‫والله مظهر لا َمحال َة ما تخفونه من أ�مر القاتل الحقيقي‪.‬‬

‫‪١١‬‬

‫‪ 77‬أ� َولا يعل ُم ه�ؤلا ِء اليهو ُد أ�ن الله يعلم ما يخفو َن من‬
‫الكفر وغيره‪ ،‬وما يظهرون من الإيمان و�صالح ا ألعمال‬

‫على جهة النفاق والخداع؟‬

‫‪ 78‬ومن اليهود ُأ� ِّم ّيون‪ ،‬لا يقر�ؤون ولا يكتبون‪ ،‬ولا‬
‫يعرفون من التوراة �إلا �أموراً عجيبة و أ�كاذيب‪ ،‬ل ّفقها‬

‫لهم أ�حبا ُرهم‪ ،‬و أ�ل َق ْوا في ظ ّنهم أ�نها حقائق من الكتاب‪.‬‬

‫‪ 79‬فالهلا ُك والعذا ُب له ؤ�لاء ا ألحبار الذين يكتبون‬
‫الكتاب ب أ�يديهم‪ ،‬ثم يقولون‪ :‬هذا ِمن عن ِد‪ ‬الله وهو في‬
‫التوراة؛ ل َي ِ�صلوا من وراء ذلك �إلى غر�ض تافه من �أغرا�ض‬
‫الدنيا الفانية‪ ،‬فلهم عقوب ٌة مهلك ٌة ب�سبب كتابتهم هذا‬
‫الباط َل ب أ�يديهم‪ ،‬ولهم عقوب ٌة مهلكة ب�سبب ما ي�أخذونه‬

‫في المقابل من المال الحرام‪ ،‬كالر�وشة وغيرها‪.‬‬

‫الوالدين وا ألقربين واليتامى والم�ساكين‪ ،‬و�أن تح ِّدثوا‬ ‫‪ 80‬وا ّدعت اليهود أ�نهم لا يع َّذبون في جهنم �إلا �أيام ًا‬
‫قليلة‪ .‬قل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬هل أ�خذتم من الله وعداً‬
‫النا�س بخير الحديث و�أطيبه‪ ،‬وتحاوروهم ب أ�ح�سن ما‬
‫أ� ّل يعذبكم �إ ّل هذه المدة‪ ،‬وحينئذ لا يخلف الله وعده؟‬
‫تحبون أ�ن ُتا َوروا به‪ ،‬و أ�ن ت ؤ� ّدوا ما ُفر�ض عليكم من‬
‫�صلا ٍة وزكا ٍة‪ ،‬ثم أ�عر�ضتم ونق�ضتم العهو َد ‪� -‬إلا قليل ًا‬ ‫بل أ�نتم في الواقع تفترون على الله الكذب‪.‬‬

‫منكم‪ -‬و�أنتم م�ستمرون في إ�عرا�ضكم‪.‬‬ ‫‪ 81‬لي�س الأم ُر كما زعم ُتم �أيها اليهود‪ .‬فحك ُم الله‬
‫العا ُّم ناف ٌذ في خلقه جميع ًا ‪ -‬لا فرق بين يهودي وغير‬
‫يهودي‪ -‬ب أ� ّن َم ْن ارتكب �سيئ ًة و�أحاطت به �آثامه حتى‬
‫�َس ّدت عليه مناف َذ الرجوع والتوبة‪ ،‬ف�أولئك أ��صحاب‬

‫النار هم خالدون‪ ‬فيها‪.‬‬

‫‪ 82‬وك ُّل َم ْن آ�من وعمل �صالح ًا ِم ْن كل جن� ٍس و َلو ٍن‬
‫ف�أولئك �أ�صحاب الجنة هم فيها خالدون‪.‬‬

‫‪ 83‬واذكروا يا بني إ��سرائيل �إذ �أخذنا عليكم في التوراة‬
‫العهو َد الم ؤ� َّكدة‪� :‬أ ّل تع ُبدوا إ�لا الله‪ ،‬و�أن ُت ِ�سنوا �إلى‬

‫‪١٢‬‬

‫يوجب المفاداة‪ ،‬وتكفرون ببع�ضه ا آلخر الذي ُيح ِّرم‬
‫القتل والإخراج؟! فما جزاء من يفعل ذلك منكم إ�لا‬

‫خز ٌي في الحياة الدنيا‪ ،‬ويوم القيامة ير ّدهم الله �إلى‬
‫�أفظع العذاب في النار‪ .‬واعلموا أ�ن الله لي�س بغافل عما‬

‫تعملون‪.‬‬

‫‪ 86‬أ�ولئك الذين �آثروا الحياة الدنيا على الآخرة‬ ‫‪ 84‬و�إذ أ�خ ْذنا ‪ -‬يا بني إ��سرائيل‪ -‬العه َد في التوراة �أ ّل‬
‫فا�ستبدلوا بنعيمها الدائم متا َع الدنيا الزائل‪ ،‬فلا يخ َّفف‬ ‫يقتل يهود ٌّي يهودي ًا ظلم ًا و�أ َّل ُيخرج بع ُ�ضكم بع�ض ًا من‬
‫م�ساكنهم و�أر�ضهم‪ ،‬ثم قبلتم هذا الميثاق و أ�نتم ت�شهدون‬
‫عنهم عذا ُب جهنم‪ ،‬ولن يجدوا َم ْن ينقذهم منه‪.‬‬
‫وتقرون على أ�نف�سكم بذلك‪.‬‬
‫‪ 87‬ولقد �أنعمنا عليكم ‪ -‬يا بني إ��سرائيل‪ -‬ب أ�ن �أر�سلنا‬
‫إ�ليكم مو�سى‪ ،‬و�آتيناه التوراة لهدايتكم‪ ،‬و�أتبعنا �إليكم‬ ‫‪ 85‬ثم �أنتم ه�ؤلاء يقتل بع ُ�ضكم بع�ض ًا‪ ،‬و ُيخرج‬
‫في إ�ثره ر�سل ًا كثيرين‪ ،‬ر�سلا ًو بعد ر�سول‪ ،‬و�أر�سلنا �إليكم‬ ‫بع ُ�ضكم بع�ض ًا من ديارهم‪ ،‬ويتحالف ويتعاون ك ّل فريق‬
‫عي�سى ابن مريم م ؤ� َّيداً بال ُحجج والدلائل الوا�ضحة على‬ ‫منكم مع ا ألعداء على إ�خوانه بالإثم والعدوان‪ ،‬و�إ ْن‬
‫نبوته‪ ،‬و أ�يدناه بالمعجزات وبجبريل روح القد�س‪ ،‬فقابلتم‬ ‫�َأ�َ َس ا ألعداء �أحداً منكم‪ ،‬وجاءكم يطلب الفدا َء لنف�سه‬
‫هذه النعم بالكفر والإجرام‪ ،‬فك ّلما جاءكم ر�سول بما لا‬ ‫�أنقذتموه من الأ�سر بدفع الفدية؛ إ�يمان ًا بما في التوراة ‪-‬‬
‫يوافق هواكم‪ ،‬ا�ستكبرتم عن اتباعه وا إِليمان به‪ ،‬ففريق ًا‬
‫منهم كذبتم‪ ،‬وفريق ًا تقتلون‪ .‬فكما ك ّذب أ��سلافكم‬ ‫أ�ي �أنكم لا تنفذون من تعاليم التوراة �إلا فدا َء ا أل�سرى‬
‫المر�سلين‪ ،‬كذبتم محمداً ‪ - -‬وا�ستكبرتم عن اتباعه‪.‬‬ ‫فقط‪ -‬علم ًا ب�أنه ُمح َّرم عليكم �إخرا ُجهم من ديارهم‬
‫‪ -‬وهذا توبي ٌخ على تناق�ضهم؛ لأن الأ�سر نتيجة الإخراج‬
‫‪ 88‬وقال فريق منهم لر�سولنا محم ٍد حينما دعاهم‬ ‫من الديار‪ -‬فكيف ت�ص ّدقون ببع�ض التوراة‪ ،‬وهو الذي‬
‫�إلى الإ�سلام‪ :‬قلوبنا مغ ّطاة ب�أغطية تمنع نفوذ دعوتك‬
‫�إليها ‪ -‬يريدون بذلك تقنيط ر�سول الله ‪ ‬من دعوته‬
‫إ�ياهم‪ -‬ولي�س ا ألمر كما ا ّدعوا‪ ،‬بل هم مطرودون من‬
‫رحمة الله ب�سبب جحو ِدهم بنبوة محمد ‪ - -‬بعد‬

‫معرفتها‪ ،‬فلا ي�ؤمنون �إلا �إيمان ًا قليل ًا ببع�ض كتابهم‪.‬‬

‫‪١٣‬‬

‫‪ 89‬ولـ ّما �أنزل الله تعالى القر�آن م�ص ّدق ًا لما معهم من‬
‫التوراة‪ ،‬وكانوا قبل نزوله‪ ،‬يطلبون من‪ ‬الله الن�ص َر على‬
‫�أعدائهم بالنب ّي المبعوث �آخ َر الزمان‪ ،‬المو�وصف عندهم‬
‫في التوراة‪ ،‬فلما جاء الر�سول الذي عرفوا و�صفه‪،‬‬

‫كفروا به ح�سداً وبغ�ض ًا؛ لأنه لي�س منهم‪ ،‬فلعنة الله على‬
‫كل من كفر بنب ِّي الله ور�سوله محمد ‪ - -‬وكتابه‬

‫الذي �أوحاه الله إ�ليه‪.‬‬

‫‪ 90‬ولبئ�س ما باعوا به �أنف�سهم؛ �إذ ا�ستبدلوا الكفر‬

‫با إليمان بغي ًا وح�سداً وكراهي ًة إلنزال الله ِم ْن ف�ضله‬
‫القر�آ َن على ر�سوله محمد ‪ - -‬فرجعوا بغ�ضب‬
‫على غ�ضب‪ :‬غ�ض ٍب ِم َن الله عليهم فيما كانوا �ض ّيعوا‬
‫ِم َن التوراة وهي معهم‪ ،‬وغ�ض ٍب ب�سبب جحودهم‬
‫بالنبي محمد ‪ .‬وللجاحدين نبو َة محمد عذا ٌب ذو‬

‫إ�هانة عظيمة و�إذلال‪.‬‬

‫‪ 93‬واذكروا ‪ -‬يا مع�شر اليهود‪ -‬إ�ذ أ�خذنا عليكم‬ ‫‪ 91‬و�إذا قيل له ؤ�لاء اليهود‪� :‬ص ِّدقوا بما أ�نزل الله من‬
‫القر آ�ن‪ ،‬قالوا‪ :‬يكفينا ا إليمان بما أُ�نزل علينا من التوراة‪،‬‬
‫العهد على العمل بما في التوراة‪ ،‬ورفعنا فوق �أ�سلافكم‬ ‫ويجحدون بما أ�نزل الله بعد ذلك من القر آ�ن‪ ،‬وهو‬
‫الحق م�ص ّدق ًا لما معهم؛ ألن ُكت َب الله ُي�ص ّدق بع ُ�ضها‬
‫جبل الطور ك أ�نه ُظ ّلة‪ ،‬قائلين لهم‪ :‬خذوا ما �آتيناكم في‬ ‫بع�ض ًا‪ .‬قل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬إ�ن كنتم �صادقين في‬
‫دعواكم الإيما َن بما �أُنزل �إليكم‪ ،‬فل َم قتلتم أ�نبياء الله من‬
‫التوراة بج ٍّد واجتهاد‪ ،‬وا�سمعوا �سماع طاعة‪ ،‬فقالوا‬ ‫قبل؟! وقد و َّبخ الله تعالى بذلك الموجودين لر�ضاهم‬

‫بل�سان المقال‪� :‬سمعنا‪ ،‬ثم كان حالهم من بعده نق�ض‬ ‫بفعل‪� ‬أ�سلافهم‪.‬‬

‫العهد والع�صيان‪ ،‬وخالط ح ُّب العجل قلو َب أ��سلافكم‬ ‫‪ 92‬ولقد جاءكم مو�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬بالمعجزات‬
‫و�ُشغفوا به ب�سبب كفرهم‪ .‬قل لهم يا ر�سول الله مو ّبخ ًا‬ ‫الوا�ضحات والدلائل القاطعات على �أنه ر�سول الله‪:‬‬
‫لهم ‪ -‬وهم ي ّدعون الإيمان بما أ�ُنزل عليهم‪ :-‬بئ�س هذا‬ ‫كالع�صا‪ ،‬واليد‪ ،‬و َف ْل ِق البحر ‪ ...‬وغير ذلك‪ ،‬ومع كل‬
‫ا إليما ُن الذي ي أ�مركم بالكفر بما ُأ�نزل عل َّي‪ ،‬إ�ن كنتم ‪ -‬كما‬ ‫هذا اتخذتم العجل إ�له ًا معبوداً من بعد ذهاب مو�سى‬
‫تزعمون‪ -‬م�ؤمنين! والمعنى أ�نهم ك�أ�سلافهم‪ ،‬فقد ُح ِّب َب‬ ‫إ�لى مناجاة ربه‪ ،‬وقد فعلتم ذلك و�أنتم ظالمون ألنف�سكم‬
‫�إليهم تكذيب محمد ‪ ،‬ونق�وضا عهود التوراة بما‬
‫فيها ا ألمر بالإيمان به ‪ ،‬ب�سبب كفرهم‪ ‬ومعا�صيهم‪.‬‬ ‫متجاوزون لحدود الله‪.‬‬

‫‪١٤‬‬

‫‪ 97‬قل ‪� -‬أيها الر�سو ُل‪ -‬لليهود حينما قالوا‪ :‬إ� ّن‬
‫جبري َل الذي تخبرنا �أنه ينزل بالوحي عليك هو عد ّونا‬
‫من الملائكة؛ فلا ن ؤ�من بما نزل به �إليك‪َ :‬م ْن كان منكم‬
‫عدواً لجبريل؛ ف إ�نه الم َلك الذي ا�صطفاه الله تعالى لتنزيل‬

‫القر�آن على قلبك ب�أمر الله تعالى و إ�ذنه‪ ،‬م�صدق ًا لما �سبقه‬

‫من الكتب ا إللهية‪ ،‬فيه الهداية والإر�شاد‪ ،‬والب�شارة‬

‫للم ؤ�منين بجنات النعيم‪ .‬فعداوته إ�ذاً عداوة لا َو ْج َه لها‪،‬‬
‫وهي عداوة لله وتكـ ُّبـ ٌر على �أمره‪.‬‬

‫‪َ 98‬م ْن عادى الله تعالى وملائك َته ور�س َله‪ ،‬وعادى‬
‫جبريل وميكائيل ف�إنه يكون بذلك عد ّواً لله وكافراً‬
‫به‪ ،‬والله عد ٌّو للكافرين‪ .‬وقد خ�َّص الله تعالى جبريل‬

‫وميكائيل بالذكر ت�شريف ًا لهما‪.‬‬

‫‪ 99‬ولقد أ�نزلنا �إليك ‪� -‬أيها الر�سول‪� -‬آيا ٍت �ساطعا ٍت‪،‬‬ ‫‪ 94‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لليهود‪� :‬إ ْن كنتم تزعمون‬
‫وا�ضحا ِت الدلالة على �صدق نبوتك‪ ،‬وما يجح ُد بهذه‬ ‫أ� ّن الجن َة خال�ص ٌة لكم‪ ،‬و أ�نكم �أحبا ُب الله‪ ،‬و أ� ّن‪ ‬الله‬
‫لن يعذبكم على ذنوبكم‪ ،‬فاطلبوا من الله �أن يميتكم‪،‬‬
‫ا آليات ال�ساطعة‪ ،‬إ�لا ال َك َفر ُة الخارجون عن دين الله‪.‬‬
‫لت�ستمتعوا بنعيم الجنة؛ �إن كنتم �صادقين في‪ ‬دعواكم‪.‬‬
‫‪� 100‬أ َوكلما �أعطى اليهود عهداً‪ ،‬طرحه فري ٌق منهم‬
‫ونق�وضه! �إن معظ َمهم لا ي�ؤمن بحرم ِة عه ٍد ولا بقدا�س ِة‬ ‫‪ 95‬ولن يتمنى اليهود الموت أ�بداً؛ ب�سبب ما فعلوه‬
‫من الذنوب وا آلثام كالتحريف والتكذيب؛ فهم غي ُر‬
‫ميثا ٍق؛ يبرمون العه َد اليو َم وينق�وضنه غداً‪.‬‬ ‫آ�منين من العذاب‪ .‬والله علي ٌم بالكافرين و�سيجازيهم‬

‫‪ 101‬ولـ ّما جاء اليهو َد ر�سو ٌل ِم ْن عند الله‪ ،‬أ�و�صا ُفه‬ ‫على ذلك‪.‬‬
‫مطابق ٌة لما في �أ�سفارهم ‪ -‬وهو محم ٌد ‪ -‬نبذ فريق‬
‫منهم ما ُذكر في كتبهم عن هذا الر�سول‪ ،‬ك�أنه لم يرد‬ ‫‪ 96‬ولتجد ّن ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬اليهو َد �أ�ش ّد النا�س‬
‫حر�ص ًا على الحياة مهما كانت هذه الحياة‪ ،‬ولتجد َّنهم‬
‫فيها ولم يعلموا �شيئ ًا عنه!‬ ‫أ�حر�ص عليها من الذين �أ�شركوا‪ ،‬يو ُّد أ�حدهم لو يعي�ش‬
‫�ألف �سنة‪ ،‬ولي�س ذلك بمنجيهم ولا بمبعدهم من‬
‫عذاب‪ ‬الله؛ والله م ّطل ٌع على أ�عمالهم ومجازيهم عليها‪.‬‬

‫‪١٥‬‬

‫الم ؤ�منون‪ -‬بدل ًا منها‪ :‬ا ْن ُظرنا‪ ،‬و�أ ْح ِ�سنوا الإ�صغا َء إ�لى ما‬ ‫‪ 102‬وا َّتبع اليهو ُد ُكت َب ال�سحر‪ ،‬التي كانت تح ّدثهم‬
‫يتلوه عليكم‪ ،‬وللكافرين‪ ‬عذاب أ�ليم‪.‬‬ ‫بها ال�شياطين‪ ،‬في عهد �سليمان ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬ون�سبوا‬

‫‪ 105‬ما ُيح ّب اليهو ُد والن�صارى والم�شركون أ�ن ُين ّزل‬ ‫�سليمان إ�لى ال�سحر‪ .‬وما تع َّلم �سليمان ال�سحر وما كان‬
‫عليكم �أدنى خي ٍر من ربكم‪ :‬قر آ�ن ًا �أو علم ًا‪� ،‬أو ن�صراً أ�و‬
‫ب�شار ًة؛ ل�شدة بغ�ضهم وح�سدهم لكم‪ .‬والله يخت�ّص‬ ‫�ساحراً ‪ -‬ألن ال�سحر كفر‪ -‬و�إنما كان نب ّي ًا ر�سلا ًو آ�تاه الله‬
‫برحمته من ي�شاء من عباده بالنبوة والر�سالة‪ ،‬والله وا�س ُع‬ ‫الـ ُملك‪ ،‬ولك ّن ال�شياطين هم الذين ع َّلموا النا�س ال�سحر‪،‬‬
‫حتى انت�شر أ�م ُره بين النا�س‪ ،‬وكذلك اتبع اليهو ُد ال�سح َر‬
‫الف�ضل وا إلنعام‪.‬‬ ‫الذي أ�ُنزل على الم َل َكين‪ :‬هاروت وماروت ب أ�ر�ض بابل‬

‫في العراق؛ ابتلا ًء وامتحان ًا من الله لعباده‪ ،‬و�إن الم َل َكين لا‬
‫ُي َع ّلمان أ�حداً ال�سحر حتى يبذلا له الن�صيحة‪ ،‬ويقلاو له‪:‬‬
‫�إنما هذا ابتلاء وامتحان من الله؛ فلا تكفر بتع ُّلم ال�سحر‪،‬‬

‫فيتع َّلم النا� ُس منهما ما يكون �سبب ًا للتفريق بين الزوجين‪.‬‬
‫وما ي�ستطيع ه ؤ�لاء ال�َّسحر ُة أ�ن ي�ض ّروا أ�حداً من الخلق‪،‬‬
‫�إلا بم�شيئة الله وق�ضائه‪ .‬ولا َي ْح�صلون بتع ُّلم ال�سحر‪� ،‬إلا‬
‫على ال�ضرر‪ ،‬لا على النفع‪ ،‬ف�إن ال�َّسحر َة لا يتعلمونه لدفع‬
‫ا ألذى‪ ،‬و إ�نما يتعلمونه ل إل�ضرار بالنا�س‪ .‬ولقد َع ِل َم اليهو ُد‬
‫أ� ّن َمن اختار ال�سح َر وترك الحق ما له في ا آلخرة من‬
‫ن�صي ٍب في الخير‪ .‬ولبئ�س ما باعوا به �أنف َ�سهم من ال�سحر‬
‫والكفر ِعو�ض ًا عن ا إليمان ومتابعة الر�سول‪ ،‬لو كان لهم‬

‫عل ٌم بما وعظوا‪ ‬به‪.‬‬

‫‪ 103‬ولو �أ ّن اليهود �آمنوا بالحق‪ ،‬وخافوا مقا َم ربهم‪،‬‬
‫ألثابهم الله ثواب ًا ح�سن ًا‪ ،‬ولكان ذلك خيراً لهم من ال�سحر‬

‫ومما اكت�سبوه منه‪ ،‬لو كانوا يميزون النافع من ال�ضار‪.‬‬

‫‪ 104‬يا مع�شر الم ؤ�منين لا تقولوا في خطابكم للر�سول‪:‬‬

‫راعنا؛ قا�صدين أ�ن يجعلكم مو�ض َع رعايته‪ ،‬ويتم ّهل‬
‫عليكم في تلاوته‪ ،‬حتى تفهموا ما يقول؛ لأن اليهود‬
‫كانوا يقولونها للر�سول ‪ - -‬يق�صدون �س ّبه و ِن�سبته‬
‫�إلى ال ُّرعونة ‪ -‬وهي الطي�ش والحمق‪ -‬وقولوا ‪� -‬أيها‬

‫‪١٦‬‬

‫كما �ض ّلوا‪ ،‬و َم ْن ُيف ِّ�ضل الكفر على الإيمان فقد خرج‬
‫عن �صراط الله الم�ستقيم‪.‬‬

‫‪ ١٠٩‬تم ّنى كثي ٌر من �أهل الكتاب‪� ،‬أن تك ُفروا بعد إ�يمانكم‬
‫لت�صبحوا مثلهم‪ ،‬ح�سداً لكم على نعمة الإ�سلام‪ِ ،‬من‬

‫بعد ما ظهر لهم أ�ن دينكم هو الحق‪ ،‬ف َتجاوزوا عن‬
‫�سيئاتهم‪ ،‬وا�صفحوا عما بدر منهم ِمن عداوة‪ ،‬حتى‬

‫ي أ�ذ َن الله لكم بقتالهم‪ ،‬فالله قاد ٌر على ن�صرتكم عليهم‪.‬‬

‫‪ ١١٠‬و أ� ّدوا ‪ -‬أ�يها الم�سلمون‪ -‬ال�صلاة كاملة كما �أُمرتم‪،‬‬
‫و�آتوا الزكاة‪ ،‬وما تق ّدموا من أ�عمال �صالحة و�صدقة‬
‫تجدوا ثوابها عند الله‪� ،‬إن الله ب�صير بكل أ�عمالكم‪،‬‬

‫و�سيجازيكم عليها‪.‬‬

‫‪ ١١١‬زعم كل من اليهود والن�صارى �أن الجنة خا�صة‬ ‫‪ ١٠٦‬ما نب ِّد ْل حك َم �آية فنغيره ب�آخر‪� ،‬أو ُنـ ِز ْلـهـا ن�أ ِت‬
‫بهم لا يدخ ُلها غيرهم‪ .‬تلك َ�أما ٍن فا�سدة تمنوها! قل‬ ‫بما هو أ�نفع و أ�كثر �أجراً لكم أ�يها الم ؤ�منون‪ ،‬أ�و ن�أ ِت‬
‫لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬ائتوني بالحجة ال�ساطعة على هذه‬
‫المزاعم الكاذبة‪� ،‬إن كنتم �صادقين في دعواكم‪ .‬وهذا‬ ‫بمثلها في التكليف والثواب‪ ،‬أ�لم تعلم ‪� -‬أيها النبي‬

‫تعجيز لهم ألنهم لا حجة لهم في‪ ‬ذلك‪.‬‬ ‫�أنت و أ�متك‪ -‬أ�ن الله قاد ٌر ال‪ ‬يعجزه �شيء من الن�سخ‬
‫والتبديل وغيرهما؟‬
‫‪ ١١٢‬لي�س الأمر كما تزعمون‪ ،‬بل َم ْن أ��سلم وخ�ضع‬
‫لله‪ ،‬وهو م ؤ�من �صادق الإيمان ُي�ص ِّدق القو َل بالعمل‪،‬‬ ‫‪� ١٠٧‬ألم تعلم ‪ -‬أ�يها النبي‪� -‬أن الله مال ُك ال�سماوات‬
‫فله ثوا ُب عمله عند ربه يوم القيامة‪ ،‬وهو دخول الجنة‪،‬‬
‫ولا خو ٌف عليهم من العذاب‪ ،‬ولا هم يحزنون على ما‬ ‫وا ألر�ض يحكم فيهما بما ي�شاء فين�س ُخ ما ي�شاء ويثب ُت ما‬
‫ي�شاء‪ ،‬وما لكم ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ِ -‬م ْن دون الله ِمن وليٍّ‬
‫فاتهم من حظوظ‪ ‬الدنيا ‪.‬‬ ‫ي�شرع لكم ما ينفعكم ويدفع ال�ضر عنكم‪ ،‬وما لكم ِم ْن‬

‫دونه من ن�صير ين�صركم‪.‬‬

‫‪� ١٠٨‬أتريدون �س ؤ�ا َل ر�سولكم محم ٍد ‪� - -‬أ�سئلة‬
‫�إعنا ٍت‪ ،‬مثلما �س أ�ل بنو �إ�سرائيل مو�سى من قبل‪ ،‬ف َت ِ�ض ّلوا‬

‫‪١٧‬‬

‫‪ ١١٣‬و ِم ْن َع َج ٍب ادعاء ك ٍّل من اليهود والن�صارى �أ ّن‬
‫�صاحبه لي�س على �شيء‪ ،‬والحا ُل �أ ّن ك ّ ًل من الفريقين يقر�أ‬
‫كتابه‪ ،‬وفيه وجو ُب الإيمان با ألنبياء جميع ًا‪ .‬وكذلك‬
‫قال الم�شركون الذين لا علم عندهم ولا كتاب‪ ،‬أ�ي قالوا‬

‫لكل ذي دين‪ :‬ل�س َت على �شيء‪ .‬فالله هو الذي يحكم‬
‫بين العباد يوم القيامة فيما اختلفوا فيه من أ�مر الدين‪،‬‬

‫ويجازي ك ّ ًل بعمله‪.‬‬

‫‪ ١١٤‬ولا أ�ح َد �أظل ُم ممن منع عبادة الله في الم�ساجد‪،‬‬
‫و�سعى في خرابها بالهدم �أو الإغلاق أ�و غير ذلك؛‬

‫أ�ولئك الف ّجا ُر ما كان ينبغي لهم أ�ن يدخلوا الم�ساجد إ�لا‬
‫خائفين من عقاب الله‪ .‬لهم في الدنيا ذ ٌّل وهوان‪ ،‬وفي‬

‫ا آلخرة عذاب �شديد في النار‪.‬‬

‫�أمراً و أ�راد َك ْو َن ُه‪ ،‬ف إ�نما يقول له‪ُ « :‬ك ْن» فيكون‪ ،‬فكيف‬ ‫‪ ١١٥‬لله �سبحانه ا ألر�ُض ك ُّلها م�شرقها ومغربها‪ ،‬ف�إلى‬
‫يكون له ولد وهو الغن ُّي عن كل �شيء!‬ ‫�أي جهة أ�ُمرتم بالتوجه إ�ليها في ال�صلاة‪ ،‬فهي قبلته التي‬
‫ر�ضيها �سبحانه‪ .‬إ� ّن الله وا�س ُع الرحمة‪ ،‬علي ٌم ب أ�عمالكم‬
‫‪ ١١٨‬وقال الجهل ُة من كفار قري�ش لر�سول الله ‪:- -‬‬ ‫وما ي�صلحكم؛ ولهذا و�ّسع على العاجز والمتحير في �أمر‬
‫ه ّل يكلمنا الله ويخبرنا م�شا َفه ًة ب�أنك ر�سوله؟ �أو ت أ�تينا‬
‫‪ -‬يا محمد‪ -‬بمعجزة قاطعة على �صدق ر�سالتك! و ِمثل‬ ‫تحديد القبلة‪.‬‬
‫هذا القول قاله الذين من قبلهم من كفار ا ألمم ال�سابقة‬
‫ألنبيائهم‪ ،‬فقلوب ه ؤ�لاء و�أولئك مت�شابهة في الكفر‬ ‫‪ ١١٦‬وقال الكفار‪ :‬اتخذ الله ولداً؛ فقالت اليهود‪:‬‬
‫والعناد‪ ،‬قد ب ّي ّنا ا آليات لقوم ين�صفون‪ ،‬فيعلمون �أنها‬ ‫ُعزي ٌر ابن الله‪ ،‬وقالت الن�صارى‪ :‬الم�سي ُح ابن الله‪ ،‬وقال‬
‫كفار مكة‪ :‬الملائك ُة بنا ُت الله؛ تنزه الله ‪� -‬سبحانه‪ -‬عن‬
‫�آيات لا يمكن إ�لا الاعتراف بها وا إلذعان لها‪.‬‬ ‫اتخاذ الولد‪ ،‬بل لله جميع ما في ال�سماوات وا ألر�ض‪:‬‬
‫ملك ًا وخلق ًا وتدبيراً‪ ،‬وكلهم خا�ضعون له‪ ،‬فكيف‬
‫‪ ١١٩‬وي ؤ�كد ربنا أ�نه �أر�سل ر�سوله بالدين الحق مب�شراً‬
‫الم�ؤمني َن بالجنة‪ ،‬ومنذراً الكافرين بالنار‪ ،‬فلي�س عليك‬ ‫يكون �أح ُدهم ولداً لله؟!‬
‫‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬إ�لا تبليغ ر�سالتنا‪ ،‬ولن ُت�س�أل عن عدم‬
‫‪ ١١٧‬هذا �إخبار من الله تعالى ب�أنه هو الذي خلق‬
‫إ�يمان َم ْن لم ي�ؤمن بك من أ��صحاب الجحيم‪.‬‬ ‫ال�سماوات والأر�ض ابتدا ًء على غير مثال‪ ،‬و�أنه إ�ذا ق َّدر‬

‫‪١٨‬‬

‫�ص ّدقوا ر�سلي �إليهم‪ ،‬واتبعوا ما جا�ؤوا به‪ -‬ف آ� ِمنوا‬

‫بر�سولي الذي تجدون �صفته مكتوبة عندكم‪َ ،‬و َد ُعوا‬
‫التماد َي في ال�ضلال والغ ِّي‪.‬‬

‫‪ ١٢٣‬واتقوا يا مع�شر اليهود ‪ -‬المب ِّدلين كتا َب الله‪،‬‬
‫المكذبين بمحمد ‪ -‬عذا َب يو ٍم لا ُتغني فيه نف� ٌس عن‬
‫نف� ٍس �شيئ ًا‪ ،‬ولا ُيق َبل منها فدا ٌء‪ ،‬ولا تنفعها �شفاع ٌة‪ ،‬ولا‬

‫نا�صر لهم من عذاب الله‪.‬‬

‫‪ ١٢٤‬واذكر ‪� -‬أيها النبي‪ -‬حين اختبر الله إ�براهي َم‬
‫بتكاليف‪ ،‬ف أ� ّداهن على وجه الكمال والتمام‪ ،‬فقال‬
‫له‪� :‬إني جاعلك للنا�س قدوة‪ ،‬يتبعونك في الدين‪ .‬قال‬

‫إ�براهيم‪ :‬واجعل يا ر ِّب أ�ي�ض ًا من ذريتي �أئمة في الدين‪،‬‬
‫ف�أجابه ب أ�ن عهدي بالإمامة لا ي�صل �إلى الظالمين منهم‪.‬‬

‫‪ ١٢٥‬واذكر ‪� -‬أيها النبي‪� -‬أننا جعلنا البيت الحرام مر ِجع ًا‬ ‫‪ ١٢٠‬ولن تر�ضى عنك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬اليهو ُد ولا‬
‫للنا�س للعبادة‪ ،‬و أ�دا ِء المنا�سك فيه‪ ،‬ي أ�تونه ثم يعودون إ�ليه‪،‬‬ ‫الن�صارى حتى ت ّتبع دينهم‪ .‬قـل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪:-‬‬
‫وم�أمن ًا لكل من يلج أ� �إليه‪ .‬وقلنا للنا�س‪ :‬اتخذوا من مو�ضع‬ ‫إ�ن الإ�سلا َم الذي أ�ُنزل علينا وعليكم هو الدين الحق‪.‬‬
‫قيام �إبراهيم لبناء الكعبة (وهو الـ َحـ َجــر المعروف) مكان ًا‬ ‫ولئن اتبع َت أ�هواءهم من بعد ما جاءك من الحق و�أنزلنا‬
‫ُت�ص ّلون عن َده‪ .‬وو�صينا و أ�مرنا �إبراهيم وول َده إ��سماعيل‪:‬‬ ‫إ�ليك من الذكر‪ ،‬فلن تجد ولي ًا يعينك‪ ،‬ولا ن�صيراً يدفع‬
‫أ�ن ط ِّهرا البي َت الحرام مما لا يليق بحرمته؛ ألجل َم ْن‬ ‫عنك‪ .‬وهذا الخطاب للنبي ‪ ‬هو على جهة الفر�ض‬

‫يق�صده ِمن الطائفين والعاكفين والم�صلين‪.‬‬ ‫والتقدير‪ ،‬وهو ألمته على جهة ا إلنذار والتحذير‪.‬‬

‫‪ ١٢٦‬واذكر ‪� -‬أيها النبي‪ -‬دعوة �إبراهيم‪ :‬ر ِّب اجعل‬ ‫‪ ١٢١‬لك ّن الم�ؤمنين من أ�هل الكتاب الذين ي ؤ�منون بما‬
‫(مكة) بلداً �آمن ًا ِمن الخوف‪ ،‬وارزق أ�هله الم�ؤمنين بالله‬ ‫�أُنزل على هذه الأمة يقر�ؤون القر آ�ن قراءة ا ّتبا ٍع‪ ،‬و َمن‬
‫واليوم ا آلخر من الثمار التي ُتبى إ�ليه ِمن كل مكان‪،‬‬
‫فقال الله تعالى‪ :‬ومن كفر ف إ�ني أ�رزقه و أ�متعه بالرزق‬ ‫يكف ْر بالقر�آن فهو من الخا�سرين‪.‬‬
‫قليل ًا‪ ،‬ثم أُ�لجئه إ�لى نار جهنم‪ ،‬وبئ�س الم�صير الذي‬
‫‪ ١٢٢‬يا بني �إ�سرائيل تذ ّكروا نعم َي الكثير َة عليكم‪،‬‬
‫ي�صيرون �إليه‪.‬‬ ‫ومنها كثرة الر�سل والكتب المنزلة‪ ،‬فقوموا بحقها‪،‬‬

‫وتذ َّكروا أ�ني ف ّ�ضلت �أ�سلا َفكم على �أهل زمانهم ‪ -‬ألنهم‬

‫‪١٩‬‬

‫‪ ١٢٧‬واذكر ‪ -‬أ�يها النبي‪ -‬حين رفع �إبراهي ُم أُ��س�س‬
‫الكعبة‪ ،‬ومعه ابنه إ��سماعيل قائ َلين‪ :‬ربنا تق ّب ْل منا �إنك‬

‫أ�نت ال�سمي ُع لكل دعاء‪ ،‬العلي ُم بكل ق�صد‪ ‬ونية‪.‬‬

‫‪ ١٢٨‬ربنا واجعلنا ُم�ْس ِل َمين لك منقا َد ْين ُم ْخ ِل َ�ص ْي‪،‬‬
‫واجعل من ذريتنا أُ�م ًة خا�ضع ًة لك با إليمان‪ ،‬وع ِّلمنا‬

‫�سبيل عبادتنا وح ِّجنا لهذا البيت‪ ،‬إ�نك أ�نت كثير التوبة‬
‫على عبادك‪ ،‬الغافر لهم بف�ضلك ورحمتك‪.‬‬

‫‪ ١٢٩‬ربنا وابعث في هذه الأمة‪ ،‬ر�سلا ًو من ذرية‬
‫إ��سماعيل يقر أ� عليهم آ�ياتك‪ ،‬ويعلمهم ما يوحى �إليه من‬

‫كتاب وعلم نافع و�شريعة وحكمة‪ ،‬ويط ّهرهم من ال�شرك‬
‫وذميم ا ألخلاق‪ ،‬إ�نك �أنت الغالب القاهر‪ ،‬الحكيم فيما‬

‫تفعل وما ت�أمر به وما‪ ‬تنهى عنه‪.‬‬

‫حا�ضرين ُق َبيل نزول المو ِت به‪ ،‬إ�ذ جمع أ�بناءه ف�س�ألهم‬ ‫‪ ١٣٠‬لا تج ُد أ�حداً ُيعر�ض عن دين �إبراهيم‪� ،‬إلا إ�ن�سان ًا‬
‫ماذا تعبدون من بعدي؟ ف�أجابوا نعبد �إلهك و إ�له‬ ‫�أذ ّل نف َ�سه وا�ستخ ّف بها‪ ،‬ولقد اخترنا إ�براهيم في الدنيا‬
‫�آبائك �إبراهيم و�إ�سماعيل و إ��سحاق إ�له ًا واحداً‪ ،‬ونحن‬ ‫نبي ًا ور�سلا ًو وخليل ًا‪ ،‬و إ�نه في الآخرة لمن المق َّربين الذين‬
‫خا�ضعون له بالعبودية والطاعة‪ .‬فلا ت ّدعوا ‪ -‬يا مع�شر‬
‫اليهود‪ -‬على ر�سلي الأباطيل ولا تن�سبوهم �إلى غير‬ ‫لهم الدرجات ال ُعلا‪.‬‬

‫الحنيفية ال�سمحة‪.‬‬ ‫‪ ١٣١‬ولقد ا�ستجاب �إبراهي ُم لأمر ربه‪ ،‬حينما قال‬
‫له‪� :‬أ�سل ْم لله و ُك ْن من المنقادين له‪ ،‬قال‪� :‬أ�سلم ُت لرب‬
‫‪ ١٣٤‬تلك ُأ� َّم ٌة قد م�ضت ‪ -‬يعني إ�براهيم و�إ�سماعيل‬
‫و إ��سحاق ويعقوب عليهم ال�سلام ومن كان على‬ ‫العالمين‪ ،‬وخ�ضع ُت لحكمه‪.‬‬
‫ِم َّلتهم من ولدهم‪ -‬لها ثواب ما عمل ْت‪ ،‬ولكم جزاء‬
‫ما عملتم‪ ،‬فاقتدوا بهم فيما كانوا عليه من ا إل�سلام‬ ‫‪ ١٣٢‬ولقد أ�و�صى الخلي ُل إ�براهيم ‪ -‬عليه ال�سلام‪-‬‬
‫والعمل ال�صالح‪ ،‬واعلموا �أنكم لا ُت�س أ�لون يوم القيامة‬ ‫�أبناءه بالانقياد لله وا إل�سلام له‪ ،‬وكذلك أ�و�صى يعقوب‬
‫عن �أعمالهم‪ ،‬و�إنما �س ُت�س�ألون عن �أعمالكم‪ ،‬فك ٌّل مر َت َه ٌن‬
‫�أبناءه بذلك و أ�مرهم به‪ ،‬حيث قالا لذريتهما‪ :‬إ�ن الله‬
‫بعمله‪.‬‬
‫اختار لكم دي َن ا إل�سلام دين ًا‪ ،‬فاثبتوا عليه حتى تموتوا‬
‫م�س ِلمين‪.‬‬

‫‪ ١٣٣‬ولقد زعم ُتم ‪� -‬أيها اليهود‪ -‬أ�نكم على الدين‬
‫الذي مات عليه يعقو ُب ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬فهل كنتم‬

‫‪٢٠‬‬

‫في هذا كله منقادون خا�ضعون لله تعالى وعاملون‬ ‫‪ ١٣٥‬وقالت اليهود والن�صارى للم�سلمين‪ :‬ا ّت ِبعوا دي َننا‬
‫ب�شريعة ا إل�سلام‪.‬‬ ‫تهتدوا؛ فاليهو ُد قالوا للم�سلمين‪ :‬كونوا يهوداً تهتدوا‪،‬‬
‫والن�صارى قالوا‪ :‬كونوا ن�صارى تهتدوا‪ .‬قل لهم ‪ -‬أ�يها‬
‫‪ ١٣٩ - ١٣٧‬ف إ�ن �آمن �أه ُل الكتاب بجمي ِع ما آ�منتم به‬ ‫الر�سول‪ :-‬لي�ست الهداي ُة في اتباع اليهودية والن�صرانية‪،‬‬
‫�أيها الم�سلمون‪ ،‬و�ص ّدقوا مث َل ت�صديقكم‪ ،‬فقد اهت َد ْوا‬ ‫كما زعم �أهل الكتاب؛ بل ال�سعاد ُة في اتباع إ�براهيم‬
‫إ�لى الحق وال�وصاب‪ ،‬و إ�ن أ�عر�وضا ف�إنما ُهم في خلاف‬ ‫الذي َع َد َل عن كل دين إ�لى دين ا إل�سلام؛ وما كان‬
‫�شديد‪ ،‬ف�سيكفيك الله ‪ -‬أ�يها النبي‪� -‬ش َّرهم وين�صرك‬
‫عليهم‪ ،‬والله هو ال�سمي ُع ألقوالهم‪ ،‬العلي ُم بخفايا‬ ‫إ�براهيم م�شرك ًا‪ ،‬بل كان م�سلم ًا مو ِّحداً‪.‬‬
‫نفو�سهم‪ .‬فالزموا أ� ُّيها النا� ُس دي َن الله الذي فطركم عليه؛‬
‫وهو ا إل�سلام‪ ،‬فلا هداية أ�ف�ضل من هدايته‪ ،‬وقولوا‪:‬‬ ‫‪ ١٣٦‬قولوا ‪ -‬أ�يها الم�سلمون‪ -‬ر ّداً على ه ؤ�لاء اليهود‬
‫نحن له مطيعون‪ .‬قل ‪� -‬أ ُّيها ال َّنبي‪ -‬لأهل الكتاب‪:‬‬ ‫والن�صارى‪� :‬ص َّدقنا بالله وما أُ�نزل �إلينا في القر�آن‪،‬‬
‫أ�تجادلوننا في الله ‪ -‬زاعمين أ� َّنه لا ي�صطفي أ�نبياء إ�لا‬ ‫و�آم ّنا كذلك بما �ُأنزل �إلى �إبراهيم و إ��سماعيل و�إ�سحاق‬
‫منكم؟ ‪ -‬وهو رب العالمين جميع ًا‪ ،‬ي�صيب برحمته من‬ ‫ويعقوب وا أل�سباط ‪ -‬وهم الأنبياء من ولـد يعقـوب‬
‫ي�شاء‪ ،‬ويجزي ك َّل قوم ب�أعمالهم‪ ،‬ونحن له مخل�وصن‬ ‫الذين كانوا في قبائل بني إ��سرائيل الاثنتي ع�شرة ‪ -‬و آ�منا‬
‫بالتوراة التي �أنزلها الله على مو�سى‪ ،‬وبا إلنجيل الذي‬
‫في طاعتنا وعبادتنا دونكم‪.‬‬ ‫أ�نزله الله على عي�سى‪ ،‬وبما ُ�أوتي جمي ُع النبيين من ربهم‪،‬‬
‫لا نف ّر ُق بين أ�ح ٍد منهم‪ ،‬بل ن�ص ّدق بهم جميع ًا‪ ،‬ونحن‬
‫‪ ١٤٠‬أَ� ْم تزعمون يا أ�هل الكتاب أ�ن إ�براهيم و إ��سماعيل‬
‫و إ��سحاق ويعقوب والأ�سباط ‪ -‬وهم الأنبياء من ولد‬ ‫‪٢١‬‬
‫يعقوب‪ -‬كانوا على دين اليهود �أو الن�صارى؟ �أي هذا‬
‫كذب وافتراء لأن التوراة وا إلنجيل أُ�نزلت من بعدهم‪.‬‬
‫وقل لهم ‪ -‬أ� ُّيها ال َّنبي‪ :-‬هل أ�نتم أ�عل ُم بدينهم أ�م الله‬
‫تعالى؟ وقد �أخبر في القر آ�ن ب أ�نهم كانوا حنفاء م�سلمين‪،‬‬
‫ولا �أحد �أفجر و أ�ظلم منكم حين تخفون الحقيقة التي‬
‫أ�نزلها الله‪ ،‬وو َّ�ضحها في التوراة وا إلنجيل ِم ْن أ�ن ا ألنبياء‬
‫الكرام كانوا على ا إل�سلام‪ ،‬ولي�س الله بغافل عما تعملون‬

‫يا أ�هل الكتاب‪ ،‬بل هو ُم ْح�ٍص له ومجازيكم عليه ‪.‬‬

‫‪ ١٤١‬تلك أ�مة قد م�ضت ‪ -‬أ�ي‪� :‬إبراهيم و�إ�سماعيل‬
‫و إ��سحاق ويعقوب عليهم ال�سلام ومن كان على ملة‬
‫الإ�سلام من ولدهم‪ -‬لها ثواب ما عمل ْت من العبادة‬
‫والخير‪ ،‬ولكم جزاء ما عملتم‪ ،‬ولا ُت�س�ألون يوم القيامة‬
‫عن �أعمالهم‪ ،‬و�إنما �س ُت�س�ألون عن �أعمالكم‪ ،‬فك ٌّل ُم ْر َت َه ٌن‬

‫بعمله‪.‬‬

‫العرب‪ ،‬ف َلنو ِّجه َّنك حيث تح ُّب‪ ،‬فتو ّج ْه في �صلاتك‬ ‫‪ ١٤٢‬حين أ�مر الله تعالى نب َّيه ‪ - -‬والم�ؤمنين معه‬
‫�أنت و أ�م ُتك �إلى الم�سجد الحرام‪ ،‬وتو ّجهوا �إليه في أ� ِّي‬ ‫ب َ� ْص ِف وجوههم في ال�صلاة عن الم�سجد ا ألق�صى �إلى‬
‫مكان كنتم‪ ،‬ولا تخ�وشا طع َن �أهل الكتاب على ذلك‬ ‫الم�سجد الحرام‪ ،‬أ�خبرهم ب�أن أ�ه َل الجهل وخفة العقل‬
‫ألنهم يجدون في كتبهم �أن محمداً ‪ - -‬يتوجه �إلى‬
‫من اليهود والمنافقين وم�شركي العرب �سينكرون ذلك‬
‫قبلة �أبيه إ�براهيم‪ ،‬فهم يعلمون أ�ن طع َنهم باط ٌل‪ .‬و�إن‬
‫حا َلهم لا يخفى على الله‪ ،‬و�سيجازيهم على‪ ‬ذلك‪.‬‬ ‫عليهم فيقولون‪ :‬أ� ُّي داع �ص َر َفهم عن قبلتهم التي كانوا‬
‫عليها ‪ -‬يعني بيت المقد�س‪ -‬إ�لا التح ّي؟ قل لهم ‪ -‬أ�يها‬
‫‪ ١٤٥‬ولئن �أتي َت ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬الذين أ�وتوا الكتا َب‬ ‫الر�سول‪ :-‬الم�شرق والمغرب وما بينهما ملك لله‪ ،‬والخلق‬
‫بكل آ�ي ٍة‪ ،‬أ�ي‪ :‬معجز ٍة‪ ،‬ت�شه ُد على �صدقك في أ�مر القبلة‬
‫عبيده‪ ،‬يوجههم بهدايته إ�لى �أي جهة �شاء‪ ،‬وذلك هو‬
‫ما ا َّتبعوك فيها ألنهم لا يريدون الح َّق بل هم معاندو َن‪،‬‬ ‫الطريق الم�ستقيم‪ ،‬فالتو ُّجه �إلى الكعبة ِقبلة إ�براهيم ‪ -‬عليه‬
‫وما �أنت بتاب ٍع قبل َتهم فقد ع�صمك الله من مخالفته‪ ،‬وما‬ ‫ال�صلاة وال�سلام‪ -‬هو هداي ٌة من الله �إلى ال�صراط الم�ستقيم‬
‫اليهو ُد بتابعي قبل ِة الن�صارى‪ ،‬ولا الن�صارى بتابعي قبلة‬
‫اليهود فكلاهما معان ٌد ل آلخر‪ ،‬ولئن اتبعت �أهواءهم‬ ‫كما كان التو ُّجـ ُه إ�لى بيت المقد�س �سابق ًا هداي ًة منه‪.‬‬
‫‪ -‬افترا�ض ًا ‪ِ -‬م ْن بع ِد ما جاءك ِمن الحق الذي �ُأوحي إ�ليك‪،‬‬
‫‪ ١٤٣‬وكما هديناكم ‪� -‬أيها الم�سلمون‪� -‬إلى ال�صراط‬
‫�إنك �إ َذ ْن مجاو ٌز حدو َد �أمري‪ .‬وهذا تحذير لأ َّمته ‪.‬‬
‫الم�ستقيم في �ش�أن القبلة جعلناكم �أم ًة عدول ًا �أخياراً بلا‬
‫‪٢٢‬‬ ‫غل ٍّو ولا تفريط؛ لتكونوا يو َم القيامة �شهدا َء على ا ألمم‬
‫حين تنكر �أن ر�س َلها ب ّلغ ْتها ما �أمر الله بتبليغه‪ ،‬وليكون‬
‫ر�سو ُلنا محمد ‪ - -‬مز ّكي ًا ل�شهادتكم �أنها حق‪ .‬وما‬

‫جعلنا َ� ْص َف وج ِهك �أيها الر�سول في ال�صلاة من بيت‬
‫المقد�س إ�لى بيت الله الحرام �إلا ابتلا ًء وتمحي�ص ًا للم ؤ�منين‪،‬‬
‫وتمييزاً لأهل اليقين من أ�هل ال�شك‪ ،‬و إ�ن هذا ا ألمر كان‬

‫�شديداً على النفو�س �إلا على الذين و ّفقهم الله بهدايته‪،‬‬
‫وما كان الله لي أ�مركم ب�أم ٍر ت�ضي ُع به أ�عما ُل إ�يمانكم من‬
‫ال�صلاة وغيرها‪ ،‬فلا تخافوا �أن ت�ضيع �صلا ُة َم ْن مات‬
‫منكم قبل وتحيل القبلة؛ ألن الله ر�ؤو ٌف بعباده كلهم‪،‬‬

‫يهبهم �أعلى معاني الرحمة‪ ،‬رحي ٌم بعباده الم�ؤمنين في‬
‫الدنيا والآخرة‪.‬‬

‫‪ ١٤٤‬قد نرى ت�ص ُّر َف نظرك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬في جهة‬
‫ال�سماء‪ ،‬ت�و ُّشق ًا إ�لى نزول الوحي بتحويل ِق ْب َلتك �إلى‬
‫البيت الحرام ِقبل ِة إ�براهيم عليه ال�سلام و َم ْه َوى قلوب‬

‫كنتم من ا ألر�ض‪ ،‬فيجازيكم بالخير ثواب ًا وبال�شر عقاب ًا‪،‬‬ ‫‪ ١٤٦‬الذين �آتيناهم الكتا َب من اليهود والن�صارى‬
‫وما ذلك بعزي ٍز عليه ف إ�نه قدي ٌر على كل �شيء‪.‬‬ ‫و َع ِلموا ما في التوراة والإنجيل من �صفا ِت نبينا‬
‫محمد ‪ - -‬يعرفونه كما يعرفون �أبناءهم‪ ،‬ويعرفون‬
‫‪ ١٤٩‬ومن حيث خرج َت ‪ -‬أ�يها النبي‪� -‬إلى أ� ّي مكا ٍن‬ ‫من �صفته أ�نه يتوجه في �صلاته إ�لى الم�سجد الحرام ِق ْبل ِة‬
‫فو ِّل وج َهك جه َة الكعبة في �صلاتك‪ ،‬فهو فر�ض‬ ‫إ�براهيم وا ألنبياء‪ ،‬ومع ذلك فمنهم فري ٌق ُي�ص ُّرون على‬
‫عليكم في الح�ضر وال�سفر‪ .‬وما أ� َمرك به الله في �ش�أن‬
‫الكعبة هو الح ّق الكام ُل المن ّز ُل �إليك منه‪ ،‬والله عالـ ٌم‬ ‫الباطل فيكتمون الحق وهم يعلمونه‪.‬‬

‫بتو ّج ِهكم إ�ليه‪ ،‬لا يغفل عن �شيء مما تعملون‪.‬‬ ‫‪ ١٤٧‬هذا الذي ُذ ِك َر ‪� -‬أيها النبي‪ -‬من �ش أ�ن القبلة‬
‫هو الح ُّق الذي جاءك من ربك‪ ،‬لا الذي تزعمه اليهو ُد‬
‫‪ ١٥٠‬أ� َّكد الله �سبحانه ا ألم َر بالتوجه إ�لى الم�سجد الحرام‬ ‫والن�صارى‪ .‬وما جاء من عند الله ينبغي لكم يا أ�مة محمد‬
‫في ال َح َ�ض وال�سفر وكل مكان؛ لينقطع �َش َغ ُب اليهود‬
‫الذين يقولون‪ :‬يتبع قبلتنا ويخالف ديننا‪ .‬و�َش َغ ُب‬ ‫�أن تقتنعوا بـه‪ ،‬و�أ ّل ت�سلكوا �سبي َل المتر ِّددين فيه‪.‬‬
‫الم�شركين الذين يقولون‪ :‬ي َّدعي مل َة إ�براهيم ويخالف‬
‫قبلته‪ .‬لكن الذين ظلموا من الفريقين �سيظلون على‬ ‫‪ ١٤٨‬ولك ّل �صاح ِب مل ٍة قبل ٌة ي�ستقبلها في �صلاته‪ ،‬وقد‬
‫الاعترا�ض بالباطل‪ ،‬وقد ع ّلم الله هذه ا ألمـة أ� ّل تخ�شى‬ ‫هداكم الله ‪ -‬يا �أمة محمد‪ -‬للقبلة التي هي قبل ُته وقبل ُة‬
‫جدالهمـا‪ ،‬و�أن تخ�شى‪ ‬الله وحده‪ .‬وقد أ�مرتكم في‬ ‫خليله و أ�نبيائه‪ ،‬فحافظوا عليها ولا ُت�ض ّيعوها كما �ض ّيعها‬
‫القبلة بما �أمر ُتكم به ألت َّم نعمتي عليكم في الهداية �إلى‬ ‫ال�سابقون فت�ض ّلوا‪ ،‬وا�شكروا ربكم‪ ،‬وبادروا �إلى التز ّود‬
‫معالم دينكم‪ ،‬ولعلكم تهتدون �إلى الحق من اتباع قبلة‬ ‫بعمل الخيرات‪ ،‬ف إ�ن‪ ‬الله ي أ�تي بكم وبهم جميع ًا‪� ،‬أينما‬

‫إ�براهيم عليه ال�صلاة وال�سلام‪.‬‬ ‫‪٢٣‬‬

‫‪ ١٥١‬وكما أ�نعمنا عليكم ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬با�ستقبال‬
‫االل�كصعلباةة�أروا�لسل�نسالافيمك‪-‬متاعلنربف َّوي إ�نجا�بص ًةد َلقهدعووأ�ةما�إنبترها‪،‬هييتملو‪ -‬آ�ياعل ِيته‬
‫القر�آن عليكم‪ ،‬ويط ّهر نفو�َسكم من ال�شرك والمعا�صي‪،‬‬
‫ويع ّلمكم القر�آن ويفقهكم في ال ِّدين‪ ،‬ويعلمكم ما كنتم‬

‫تجهلونه ‪ -‬وهو كثي ٌر‪ -‬قبل �أن ي أ�تيكم هذا الر�سول‪.‬‬

‫‪ ١٥٢‬فاذكروني بال�صلاة والت�سبيح وتلاوة آ�ياتي‪،‬‬
‫أ�ذك ْركم بنعمي وثوابي‪ ،‬وا�شكروا لي بالطاعة‪،‬‬

‫وال‪ ‬تجحدوا نعمتي‪ ‬بالمع�صية‪.‬‬

‫‪ ١٥٣‬يا أ�يها الذين �آمنوا اطلبوا العو َن من الله بال�صبر‬
‫و إ�قامة ال�صلاة‪ ،‬ف إ�نهما ُي�س ِّهلان الطاع َة‪ ،‬و َي ْردعان عن‬

‫المع�صية‪ ،‬وبذلك يكون الله معكم بتوفيقه ون�صره‪.‬‬

‫الكتمان‪ ،‬و أ��ص َل َح ما بينه وبين الله بالإيمان والطاعة‬ ‫‪ ١٥٤‬ولا تظ ُّنوا أ�ن الذين ُيقتلون في �سبيل‪ ‬الله أ�موا ٌت‪،‬‬
‫وتج ّن َب المعا�صي وب َّ َي ما كان قد كتمه فيتوب الله عليه‬ ‫بل هم أ�حياء يتمتعون بما ُيع َطون ِم ْن نعيم الجنة‪ ،‬فهم‬
‫ويعفو عنه‪ .‬ثم ذكر تعالى أ�نه يقبل توبة العبد ك َّلما رجع‬ ‫جديرون أ�ن َت ْغ ِبطوهم ولك َّنكم ال‪ ‬تعلمون ما هم فيه �إ ّل‬

‫�إليه‪ ،‬و�أنه دائم الرحمة لعباده الم�ؤمنين‪.‬‬ ‫�أن أُ� ْع ِل َمكم‪.‬‬

‫‪ ١٦٢ ١٦١‬ولا تنال التوب ُة َم ْن مات على كفره‪ ،‬ف أ�ولئك‬ ‫‪ ١٥٥‬و َلنختبر ّنكم يا �أمـة محمد ‪ -‬ليظهر الطائ ُع من‬
‫عليهم دائم ًا لعنة الله والملائكة والنا�س �أجمعين‪ :‬م�ؤمنهم‬ ‫العا�صي‪ -‬ببع�ض الخوف من العدو‪ ،‬وبع�ض القحط‪،‬‬
‫وكافرهم‪ ،‬بل يلعن الكافرون بع�ضهم بع�ض ًا‪ .‬وهذه‬ ‫و َن ْق�ِص ا ألموال‪ ،‬ونق�ِص ا ألنف�س بالقتل والموت‪،‬‬
‫اللعن ُة يبقى لهم عذا ُبها فيخ ّلدون فيه‪ ،‬ولا يخ َّفف عنهم‬ ‫ونق�ِص الثمرات بف�سادها وجوا ِئ ِحها‪ .‬و َب�ِّش ‪ -‬أ�يها‬
‫النبي‪ -‬ال�صابرين الذين ي�س ّلمون لله فيما ي�صي ُبهم‬
‫منه �شي ٌء‪ ،‬ولا ينقطع عنهم ‪.‬‬
‫‪ ١٦٣‬لـ َّما ر ّغب �سبحانه في التوبة ب َّي على إ� ْثر ذلك �أ ّل‬ ‫بالثواب العظيم‪.‬‬
‫ملج�أ للعا�صي إ�لا إ�ليه �سبحانه‪ ،‬فقال‪} :‬ﯽﯾ‬
‫ﯿﰀﰁﰂﰃﰄ{ لا �شريك له ولا ِن َّد له ولا نظير‪،‬‬ ‫‪ ١٥٦‬وهذه الب�شائ ُر لل�صابرين الذين يذكرون عند‬
‫وهو }ﰅ{ الوا�سع الرحمة لكل خلقه في الدنيا‪،‬‬ ‫الم�صيبة أ�نهم ِمل ٌك لله فله أ�ن يفعل بملكه ما ي�شاء‪ ،‬و أ�نهم‬

‫}ﰆ{ يوم القيامة بمن آ�من به �سبحانه‪.‬‬ ‫راجعون �إليه بعد الموت فيكاف ُئهم على‪� ‬صبرهم‪.‬‬

‫‪٢٤‬‬ ‫‪ ١٥٧‬أ�ولئك الذين يقابلون الم�صائب بال�صبر والت�سليم‬
‫والا�سترجاع عليهم رحمة من ربهم م�ضا َعفة‪ ،‬وهم‬

‫مهتدون الهدى الكامل الذي ال‪ ‬هدى‪ ‬مثله‪.‬‬

‫‪� ١٥٨‬إ ّنال�صفاوالمروة‪-‬اللذ ْينهمافي َط َر َفالـ َم�ْس َعى‪-‬‬
‫من المعالم التي جعلها الله َع َلم ًا لعباده يعبدونه عندهما‬
‫بال�سعي بينهما‪ ،‬ويذكرونه عليهما‪ ،‬ف َم ْن َح َّج البي َت �أو‬
‫اعتمر فلي�سع بينهما‪ ،‬ولا ي�ضره ما كان عليه ا ألمر في‬
‫الجاهلية‪ ،‬و َم ْن ازداد من أ�عمال الخير ف إ�ن الله يزيده ثواب ًا‬

‫وف�ضل ًا‪ ،‬وهو عليم بنيته يكافئوه بح�سبها‪.‬‬

‫‪� ١٥٩‬إ ّن �أحبا َر اليهود ورهبا َن الن�صارى الذين �ُسئلوا‬
‫عما َب َّي الله من ا آليات والعلامات الهادية في �ش أ�ن نب ِّينا‬
‫محمد فكتموها بعد ما ب َّي ّناها الله في التوراة والإنجيل‬
‫للنا�س‪ ،‬أ�ولئك جزا�ؤهم �أن الله يلع ُنهم ‪ -‬أ�ي‪ :‬يطردهم‬
‫من رحمته‪ -‬وي�س ّل ُط عليهم دعوات النا�س ب�أن ُيبعدهم‬
‫الله من رحمته‪ .‬و ُع ُموم قوله تعالى‪} :‬ﮡﮢ{‬
‫ي�شمل ك َّل كات ِم ح ّق و إ�ن لم يكن ممن نزلت فيهم الآية‪.‬‬

‫‪ ١٦٠‬و َي ْ� ِصف الله �أث َر ذلك اللعن ع ّمن تاب من‬

‫�أوثا َنهم؛ إ�ذ يتب ّر أ� الكافر من أ�وثانه إ�ذا ر أ�ى �أح�س َن‬ ‫‪ ١٦٤‬إ� ّن في خلق ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬وفي تعاقب‬
‫منها‪ ،‬ويتب ّر�أ منها ك َّل التب ّر ؤ� يوم القيامة‪ .‬أ� ّما الذين‬ ‫الليل والنهار واختلافهما طلا ًو و ِق�صراً‪ ،‬وفي ال�سفن‬
‫�آمنوا فلا يت َخ َّل ْو َن عن ح ّبهم لله بحال من ا ألحوال‪ ،‬بل‬ ‫التي تجري في البحر بمنافع النا�س‪ ،‬مع ِع َظ ِم ما عليها‬
‫يتع ّلقون به عند ال�شدائد أ�كثر‪ .‬ولو ا َّطلع الذين ظلموا‬ ‫من ا ألثقال‪ ،‬وفيما أ�نزل الله من ال�سماء من ماء ف�أحيا به‬
‫�أنف َ�سهم باتخاذ ال�شركاء مع‪ ‬الله على عذابهم الم َع ّد لهم‬ ‫ا ألر�َض‪ ،‬ف�أنبت ْت واخ�ضر ْت بعد ُي ْب�سها‪ ،‬وما ب ّث فيها من‬
‫يوم القيامة‪ ،‬لر أ�وا هلا ًو عظيم ًا لا ُي ْق َدر َق ْد ُره‪ ،‬و َلعلموا‬ ‫أ�نواع الدوا ّب‪ ،‬وفي توجيه الرياح مع اختلاف مها ّبها‬
‫�أ ّن الله له القوة ك ّلها‪ ،‬و أ� ّن �آلهتهم لا تغني عنهم �شيئ ًا‪،‬‬ ‫فتختلف �آثا ُرها‪ ،‬وفي ت�صريف ال�سحاب الم�س َّ ِي بين‬
‫وعلموا علم المعاينة �أ ّن‪ ‬الله �شديد العذاب‪ ،‬فانت َهوا عما‬ ‫ال�سماء والأر�ض يوجهه الله �إلى حيث �شاء من البقاع‬
‫لنفع خلقه‪� ،‬إ َّن في ك ّل ذلك لآيا ٍت دال ًة على �أن ذلك‬
‫هم فيه ِم ْن �ضلال‪.‬‬ ‫�صنع ُة �إل ٍه قدي ٍر واح ٍد؛ ف َم ْن ت أ� ّمل ذلك اهتدى �إلى �أنه‬

‫‪ ١٦٦‬يكون ذلك يوم القيامة حين يتبر�أ الـ َمتبوعون‬ ‫�سبحانه الخالق المد ِّبر وحده لا �شريك له‪.‬‬
‫على ال�شرك بالله ِم ْن �أتباعهم‪ ،‬ويرى ه�ؤلاء وه�ؤلاء‬
‫العذاب الذي يح ُّل بهم‪ ،‬وتقطعت ال ِّ�صلا ُت التي‬ ‫‪ ١٦٥‬ومن النا�س َم ْن لا يتد ّب ُر في ذلك‪ ،‬ويتخذ غي َر‬
‫كانت بينهم في الدنيا ِم ْن قراب ٍة و�صداق ٍة ودي ٍن كانوا‬ ‫الله آ�له ًة بالباطل‪ ،‬يزعمها أ�مثال ًا له �سبحانه ت�شاركه‬
‫في الخلق والتدبير‪ ،‬يمنحونها من المحبة ما لا يليق إ�لا‬
‫عليه‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فلا ينفع بع�ضهم بع�ض ًا‪.‬‬ ‫بالله وحده‪ ،‬والذين آ�منوا أ�عظم ح ّب ًا لله ِم ْن ح ّب ه�ؤلا ِء‬

‫‪ ١٦٧‬ويتم ّنى حينئ ٍذ �أولئك ا ألتبا ُع �أن يعودوا إ�لى‬ ‫‪٢٥‬‬
‫الدنيـا فيتبر�ؤوا من قادتهم فيها كما تب ّر أ� قادتهم منهم‪،‬‬
‫وكما ر�أ ْوا العذاب يوم القيامة يرون أ�عمالهم التي تبعوا‬
‫فيها قاد َة ال�ضلال نداما ٍت عليهم‪ ،‬ولا تنفعهم الندام ُة‬

‫ألنهم لا يخرجون من النار أ�بداً‪.‬‬

‫‪ ١٦٨‬بع َد ما ذكر الله للخلق ما يكون من �ش أ�ن قادة‬
‫ال�ضلال و أ�تباعهم‪َ ،‬و َع َظهم فذكر لهم �أنه أ�باح لهم ما‬
‫في ا ألر�ض من حلال ُم�ست َل ّذ‪ ،‬و�أمرهم �أن لا ُيح ِّرموا‬
‫ما �أ َح ّل‪ ،‬ولا ُيح ّلوا ما ح ّرم‪ ،‬ونهاهم �أن ي َّتبعوا أ�عما َل‬
‫ال�شيطان وطرقه‪ .‬وذ َّكرهم ب أ�نه عد ّو لهم من أ�ول ما‬
‫خلقهم الله‪ ،‬و�أ ّن عداوته ب ّين ٌة؛ فلا ينبغي لهم �أن يغت ّروا به‪.‬‬

‫‪ ١٦٩‬ثم ب َّي الله تعالى لهم وج َه التحذير من ال�شيطان‪،‬‬
‫فب ّي �أنه ي�أم ُر ال ّنا�س بال�ش ّر والأعمال القبيحة‪ ،‬وي�أم ُرهم‬
‫ب أ�ن َي ْكذبوا على الله فين�سبوا �إليه من التحليل والتحريم‬
‫ما لم ي أ�مر به‪ ،‬وذلك ي ؤ�دي بهم إ�لى أ�ن يغ�ض َب الله‬

‫عليهم ويعذبهم ‪.‬‬

‫ه�ؤلاء في م آ�ل أ�مرهم ما أ�كلوا في بطونهم إ�لا ما يوردهم‬ ‫‪ ١٧٠‬اعتاد ال�ضالون الذين اتخذوا �أنداداً من دون‪ ‬الله‬
‫النار‪ ،‬و�َس ُي ْع ِر�ض‪ ‬الله عنهم يوم القيامة فلا يكلمهم‬ ‫�أن يتم�سكوا بما ورثوا عن آ�بائهم‪ ،‬ف إ�ذا ُطلب منهم �أن‬
‫‪ -‬يعني بما يحبون بل بما ي�سو�ؤهم‪ -‬ولا يط ّهرهم الله ِمن‬ ‫يعملوا بما �أنزل الله في كتابه على ر�سوله‪ ،‬فيحلوا حلاله‬
‫ويحرموا حرامه‪ ،‬ا�ستكبروا عن ا إلذعان للحق‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫َد َن�ِس ذنوبهم وكفرهم‪ ،‬ولهم عذاب �شديد ُمو ِجع‪.‬‬ ‫بل ن َّتبع ما وجدنا عليه آ�باءنا‪ ،‬ولو علموا �أن �أ�سلا َفهم‬
‫لا عق َل يردعهم ولا ر�ش َد يجمعهم لما اتخذوهم أ�ئم ًة‬
‫‪ ١٧٦ ١٧٥‬و أ�ولئك هم الآثمو َن الذين أ�خذوا ال�ضلالة‬
‫وتركوا الهدى‪ ،‬و أ�خذوا ما يوجب عذاب الله يوم‬ ‫يهتدون بهم‪ ،‬ولكن ُحرموا الب�صيرة ودلائ َل اليقين‪.‬‬
‫القيامة‪ ،‬وتركوا ما يوجب لهم غفرانه ور�وضانه‪ ،‬فما‬
‫�أجر�أهم ‪ -‬بما فعلوه ِم ْن ترك الحق واتباع الباطل‪ -‬على‬ ‫‪ ١٧١‬و َم َث ُل ه�ؤلاء الذين كفروا في ِق َّلة فهمهم وعدم‬
‫العمل الذي يق ِّربهم �إلى النار ويجعلهم م�ستحقين لها!‬ ‫قبولهم لما جاء عن الله ور�سوله كالبهيمة ت�سمع �وصت‬
‫ولقد ا�ستوجبوا ما ُق ّدر لهم من الجزاء لكفرهم بكتاب‬ ‫الراعي ولا تعق ُل ما يقال‪ ،‬فهم كذلك عن الح ّق‪�ُ :‬ص ُّم‬
‫الله الذي أ�نزله بالحق وال�صدق؛ ولكتمان الحق؛‬ ‫الآذان‪ُ ،‬عمي الب�صائر‪ُ ،‬خ ْر� ُس ا ألل�سنة‪ ،‬ال‪ ‬ينطقون‬
‫وكتمان ما فيه من ر�سالة النبي ‪ - -‬و إ�ن ه ؤ�لاء‬
‫الذين اختلفوا في كتاب الله من اليهود والن�صارى‪،‬‬ ‫بخير‪ ،‬ولا َي ْ�صدرون عن عقل‪.‬‬
‫ف آ�منوا ببع�ضه وكفروا ببع�ضه‪ ،‬لفي منازع ٍة ومفارق ٍة‬
‫‪ ١٧٢‬ف إ�ن كنتم ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪ -‬منقادين لله و ألمره‬
‫للحق بعيد ٍة من الر�شد وال�وصاب‪.‬‬ ‫�سامعين مطيعين له‪ ،‬دون غيره من الأنداد‪ ،‬ف ُكلوا مما‬
‫أ�باح لكم من الحلال الطيب‪ ،‬و أ�ثنوا على الله بما هو أ�ه ُله‪،‬‬
‫‪٢٦‬‬ ‫وا�شكروه على ما أ�ولاكم من نعمة التمكين من الطيبات‬
‫التي رزقكم إ�ياها‪ ،‬و�أباحها لكم با�ستعمالها في طاعته‪.‬‬

‫‪ ١٧٣‬واعلموا �أ ّن ما حرمه الله عليكم لي�س ما زعمه‬
‫الم�شركون واليهود‪ ،‬و�إنما المح َّرم عليكم �أك ُل الميت ِة‪،‬‬
‫و ِم ْث ُلها في التحريم الد ُم الم�سفوح ‪ -‬أ�ي ال�سائل‪-‬‬
‫ولح ُم الخنزير‪ ،‬وما ُذكر عند ذبحه غي ُر ا�سم الله‪ ،‬فمن‬
‫ا�ضط َّر إ�لى تناول �شيء من ذلك غير قا�ص ٍد إ��شباع‬
‫رغبته فيها و إ�نما يق�صد دفع ال�ضرورة‪ ،‬ولا متع ٍّد‬
‫حدود ما �أبيح له‪ ،‬فلا حرج‪ ،‬والله يغفر ما َب َد َر منكم‬

‫عند الا�ضطرار‪ ،‬رحي ٌم بكم �إن �أطعتموه‪.‬‬

‫‪ ١٧٤‬إ�ن الذين ُيخفون ما �أنزل الله من الحق‪ ،‬ولا‬
‫يظهرونه للنا�س حيث يجب �إظهاره‪ِ ،‬م ْن أ�حبار اليهود‬
‫وغيرهم‪ ،‬وذلك ِم ْن �أجل َع َر�ٍض من الدنيا ‪ -‬وقد كان‬
‫�أحبار اليهود يخفون �صفة النبي ‪ ‬في التوراة‪ ،‬وبع�ض‬
‫ما عندهم من الحق فيها ِم ْن �أجل عر�ض من الدنيا قليل‪-‬‬

‫‪� ١٧٨‬شرع الله لكم ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬الق�صا�َص ب�سبب‬ ‫‪ ١٧٧‬لي�س ا�ستقبا ُل جه ٍة مع َّين ٍة في الم�شرق �أو المغرب‬
‫القتل العمد‪ ،‬فالح ُّر القاتل ُيقتل بالح ِّر المقتول‪ ،‬وكذلك‬ ‫هو ِقوا َم الدين وجما َع الخير‪ ،‬إ�ن لم يكن عن �أمر الله‬
‫العبد بالعبد‪ ،‬والأنثى با ألنثى‪ .‬والقاتل عمداً إ�ذا ُعفي له‬ ‫و�شرعه‪ ،‬ولك ْن ِم َل ُك الخير ِع ّد ُة �أمو ٍر بع�ضها من �أركان‬
‫عن جنايته من جهة أ�خيه الم�سلم ‪ -‬وليِّ الدم‪ -‬ب أ�ن �صفح‬ ‫العقيدة‪ ،‬وبع�ضها من �أمهات الف�ضائل والعبادات؛‬
‫عنه‪ ،‬ور�ضي منه بالدية بدل الدم‪ ،‬فالواج ُب ا ِّتباع َمن‬ ‫فالأو ُل‪ :‬الإيما ُن الحق بالله تعالى‪ ،‬وبيو ِم القيامة والملائكة‬
‫عفا للقاتل بالمعروف؛ ب�ألا ي أ�خذ منه �أكث َر من حقه في‬ ‫وا ألنبياء والكتب المنزلة عليهم‪ .‬والثاني‪ :‬بذ ُل المال مع‬
‫الدية ولا يرهقه‪ ،‬وعلى القاتل �أداء الدية �إليه أ�دا ًء ح�سن ًا‬ ‫حبه‪ ،‬لمن كان في حاج ٍة �إليه من ا ألقارب واليتامى‬
‫لا َم ْطل فيه ولا َب ْخ�س‪ .‬وفي هذا الحكم ‪ -‬من جواز‬ ‫والم�ساكين‪ ،‬وللم�سافرين الذين انقطع بهم الطريق‪ ،‬فلا‬
‫الق�صا�ص أ�و العفو في مقابل الدية‪ -‬تخفي ٌف من ربكم‬ ‫يجدون ما يب ّلغهم مقا�ص َدهم‪ ،‬ولل�سائلين الذين �ألج أ�تهم‬
‫الحاج ُة �إلى ال�س ؤ�ال‪ ،‬ولعتق الأ ِر ّقاء‪ .‬و ِم ْن �أمهات‬
‫ورحم ٌة‪ ،‬حيث و�ّسع في ذلك ولم يح ّتم واحداً منهما‪،‬‬ ‫الف�ضائل والعبادات‪ :‬المحافظة على ال�صلاة‪ ،‬و�إخراج‬
‫كما ح ّتم على اليهود الق�صا�َص‪ .‬ف َم ْن جاوز هذا الحك َم‬ ‫الزكاة المفرو�ضة‪ ،‬والوفاء بالعهد والميثاق‪ ،‬وال�صبر على‬
‫بعد ذلك ب َأ� ْن قتل القات َل بعد العفو عنه و�أخ ِذ الدية فله‬ ‫ا ألذى حين ينزل بالنف�س �أو المال‪� ،‬أو حين مجاهدة العدو‬
‫بالقتال وغيره‪ ،‬فالذين يجمعون ذلك هم الذين �صدقوا‬
‫عذا ٌب م�ؤلم في الدنيا وا آلخرة‪.‬‬ ‫في �إيمانهم‪ ،‬وهم الذين ا ّتقوا الكفر والرذائل وتجنبوها‪.‬‬

‫‪ ١٧٩‬ولكم ‪ -‬يا أ��صحاب العقول‪ -‬فيما �شرع ُت لكم‬ ‫‪٢٧‬‬
‫من الق�صا�ص حياة؛ ألن َم ْن ه َّم بالقتل �إذا علم أ�نه إ�ذا‬
‫َقت َل اق ُت�َّص منه‪ ،‬ارتدع وانك َّف‪َ ،‬ف َ�س ِل َم هو َو�َس ِل َم �صاح ُبه‬
‫من القتل‪ ،‬و َم ْن قتل إ�ن�سان ًا واق ُت�ّص منه ارتدع غي ُره ممن‬
‫كان يه ّم بالقتل‪َ ،‬ف َ�س ِل َم النا� ُس من يده‪ ،‬وللاو هذا الت�شري ُع‬
‫الحكي ُم العاد ُل لف�شا القت ُل وهان �أم ُر الدماء على النا�س‪.‬‬

‫‪ُ ١٨٠‬ف ِر�َض عليكم ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪� -‬إذا ظهرت على‬
‫أ�حدكم �أمارا ُت الموت و أ��سبابه ‪ -‬وكان ذا مال‪ -‬أ�ن‬
‫يجع َل في ماله ن�صيب ًا لمن يدرك من والديه و�أقاربه من‬
‫غير تع ُّم ٍد لظلم ورثته‪ ،‬وهذا الحق قد �أثبته الله على من‬
‫اتقى الله فعمل بمقت�ضى الطاعة‪ .‬وقد ذكر العلماء أ�ن هذه‬

‫ا آلية من�سوخة ب�آية المواريث التي أ�عط ْت لكل ذي ح ٍّق‬
‫حقه‪ ،‬وبقي ا�ستحبا ُب الو�صية في ح ِّق غير الوارث‪.‬‬

‫‪ ١٨١‬ف َم ْن ب ّدل و�صية الميت بعد ما �سمعها وتح َّققها‬
‫من المو�صي ف إ� َّن إ�ثم ذلك التبديل يقع على المب ِّدل‪ ،‬ويبر�أ‬
‫المو�صي ِم ْن َت ِب َعته‪ ،‬والله �سمي ٌع لما أ�و�صى به المو�صي‪،‬‬

‫علي ٌم بتبديل المب ِّدل فمجازيه‪.‬‬

‫الخير‪ ،‬والفا�صلة بين الحق والباطل‪ ،‬ف َم ْن �أدرك هذا‬ ‫‪ ١٨٢‬ف َمن علم ِمن مو�ٍص ميل ًا عن الحق بالخط�أ في‬
‫ال�شهر ‪� -‬سليم ًا غي َر مري�ض‪ ،‬مقيم ًا غي َر م�سافر‪ -‬فعليه‬ ‫الو�صية‪ ،‬وعم ِل ما لا يح ّل فيها؛ ففعل ما فيه �صلا ُح‬
‫�وصمه‪ ،‬و َم ْن كان مري�ض ًا مر�ض ًا ي�ضر معه ال�وصم‪ ،‬أ�و كان‬ ‫المو ِ�صي والمو َ�صى لهم؛ وذلك ب�أن ي�أمر المو�صي في‬
‫على �سفر‪ ،‬فله أ�ن يفطر‪ ،‬وعليه ق�ضاء �صيام ما أ�فطره‬ ‫حياته بالعدل في و�صيته‪� ،‬أو قام بعد موت المو�صي‬
‫من �أيام ال�وصم؛ ف إ� ّن الله يريد التي�سير عليكم با�ستعمال‬ ‫بالإ�صلاح بين المو�صى لهم بالترا�ضي على وج ٍه ُيق ُّره‬
‫ُر َخ ِ�ص ِه‪ ،‬والبع ِد عما يجلب الم�شقة والت�شديد‪ ،‬ويريد في‬ ‫ال�شرع‪ ،‬فلا ي�ؤاخذه الله على ما أ�حدثه من تغيير الو�صية‪،‬‬
‫الوقت ذاته �أن يتم لكم ال�وصم ب إ�كمال ِع ّدة ما أ�فطرتم‪،‬‬
‫ويريد منكم ‪ -‬بعد هذا ا إلنعام عليكم بالهداية والتوفيق‬ ‫إ�ن الله غفور‪ ‬رحيم‪.‬‬
‫والتي�سير ألداء ما فر�ضه عليكم‪ -‬أ�ن تع ّظموه بالذكر‪،‬‬
‫‪ ١٨٣‬يا �أيها الم�ؤمنون ُف ِر�ض عليكم ال�صيام با إلم�ساك‬
‫وت�شكروه بالقلب والل�سان‪.‬‬ ‫عن �شهوتي البطن والفرج في وق ٍت مح ّد ٍد بني ٍة‬
‫خال�ص ٍة‪ ،‬كما ُفر�ض على ا ألمم ال�سابقة؛ لتتقوا المعا�صي‬
‫‪ ١٨٦‬و�إذا �س�ألك ‪� -‬أيها النبي‪ -‬عبادي ع ّني ف إ�ني‬ ‫الموجب َة للعقاب‪ ،‬و ُتز ّكوا �أنف�سكم التزكي َة الموجب َة‬
‫قري ٌب �أ�سمع دعاءهم‪ ،‬و أُ�جي ُب دعو َة الداعي منهم‪،‬‬
‫فلي�ستجيبوا لي بالدعاء‪ ،‬وليعملوا بمقت�ضى ا إليمان؛‬ ‫لمر�ضاة‪ ‬الله تعالى‪.‬‬
‫ليكونوا على رجا ٍء ِم ْن �إ�صابة ال ُّر�شد با�ستقامتهم على‬
‫‪ ١٨٤‬وي�ستغرق ال�وص ُم أ�يام ًا محدد ًة معلوم ًة هي �أيا ُم‬
‫هذا الطريق‪ ‬الحق‪.‬‬ ‫�شهر رم�ضان‪ ،‬فمن كان من المك َّلفين مري�ض ًا‪ :‬ال‪ ‬يطيق‬
‫ال�وصم‪� ،‬أو يطيقه مع ال�ضرر‪� ،‬أو كان على �سف ٍر‪ ،‬فله‬
‫‪٢٨‬‬
‫الفطر‪ ،‬وعليه �وصم عدد ا أليام التي �أفطرها في مر�ضه‬

‫أ�و �سفره‪ ،‬وعلى الذين يطيقون ال�صيام �إن أ�فطروا فدية‬

‫قد ُرها طعام م�سكين عن كل يوم ‪ -‬وقد كان ذلك في‬
‫ابتداء فر�ض ال�صيام‪ :‬كان َم ْن أ�طاق ال�وصم جاز له أ�ن‬
‫يفطر‪ ،‬ويفدي بالإطعام‪ ،‬ثم ُن�سخ ذلك بقوله تعالى‪:‬‬
‫}ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ{ فوجب ال�صيا ُم‬
‫على كل مقيم �صحيح البدن غير معذور‪ -‬فمن تط ّوع‬
‫خيراً ب أ�ن زاد في مقدار الفدية فهو أ�ف�ض ُل و أ�كثرُ ثواب ًا‪،‬‬
‫وال�صيا ُم خي ٌر لكم من ا إلفطار مع الفدية‪� ،‬إن كنتم‬

‫تعلمون ف�ض َل ال�صيام‪.‬‬

‫‪ ١٨٥‬وهذه ا أليا ُم المعدودات هي �شهر رم�ضان العظيم‬
‫القدر عند الله؛ فقد �ُأنزل القر�آن فيه ‪� -‬أُنزل من اللوح‬
‫المحفوظ �إلى بيت العزة في ال�سماء الدنيا ليلة القدر‬
‫ُجمل ًة واحد ًة‪ ،‬ثم نزل مف ّرق ًا بح�سب الوقائع‪ -‬يهدي‬
‫جميع النا�س �إلى الر�شد ببياناته الوا�ضحة المو�صلة �إلى‬

‫‪ ١٨٨‬ومن المحارم التي يجب ا ّتقا ؤ�ها‪ :‬أ�ن ي�أكل‬ ‫‪ ١٨٧‬لقد كان ا ألك ُل وال�شر ُب والجما ُع مح َّرم ًا عليكم‬
‫بع ُ�ضكم ما َل بع�ٍض بوج ٍه حرا ٍم‪ ،‬كال�سرقة والغ�صب‪،‬‬ ‫بعد النوم في ليالي رم�ضان‪ ،‬وقد علم الله ما كنتم تجدون‬
‫فاتقوا ذلك‪ ،‬ولا تق ِّدموا ا ألموال ِر�وش ًة إ�لى الحكام‬
‫والق�ضاة لتتو�صلوا بها �إلى �أكل طائفة من أ�موال‬ ‫من الم�شقة التي قد تج ُّركم إ�لى الوقوع فيما ُح ِّرم عليكم؛‬
‫فتاب عليكم وخ َّف َف عنكم؛ و أ�باح لكم في ليلة ال�صيام‬
‫النا�س‪ ،‬متل ِّب�سين بالإثم‪ ،‬و�أنتم متع ّمدون‪ ،‬تعلمون‬ ‫ما كان ممنوع ًا عليكم‪ ،‬فن�سا ُ�ؤكم مخالطا ٌت لكم‪،‬‬
‫�أنكم على باطل‪.‬‬ ‫و ِكلا ُكما ل�صاحبه �س َك ٌن و ِ�ست ٌر؛ فيحل لكم �إتيا ُنه ّن في‬
‫�أ ّي أ�جزاء الليل �شئتم‪ ،‬مبتغين ما ق َّدر الله لكم من الولد‪،‬‬
‫‪ ١٨٩‬ي�ْس أ� ُلو َنك ‪� -‬أيها النبي‪ -‬عن ا أله َّلة (جمع‬ ‫و َي ِح ُّل لكم ا ألكل وال�شرب حتى يطلع الفج ُر ال�صادق‪،‬‬
‫هلال)‪ِ :‬لـ َم تبدو دقيق ًة‪ ،‬ثم تزيد حتى تمتل َئ‪ ،‬ثم تعود‬ ‫الذي يتم ّيز به بيا�ُض النهار من �سواد الليل‪ ،‬ف�إذا طلع‬
‫كما بد أ�ت‪ ،‬ولا تكون على حالة واحدة كال�شم�س؟ قل‬ ‫ف ُك ّفوا عن �شهوتي البطن والفرج �إلى غروب ال�شم�س‪،‬‬
‫ولا تقربوا الن�ساء �إذا خرجتم من الم�ساجد لق�ضاء بع�ض‬
‫لهم‪ :‬هي مواقي ُت للنا�س؛ يعلمون بها أ�وقات زرعهم‬
‫وتجارتهم و ِع َدد ن�سائهم‪ ،‬و�صيا َمهم و�إفطا َرهم‪ ،‬وهي‬ ‫حاجتكم ما دمتم معتكفين‪ .‬تلك الأحكا ُم المذكورة‬
‫ميقا ٌت للحج؛ ُي ْع َلم ِبها وق ُت ُه‪ ،‬فلو ا�ستمرت على حالة‬ ‫حدو ُد الله‪ ،‬ح َّدها لعباده ليقفوا عندها فلا يقربوها‪،‬‬
‫واحدة لم ُيع َرف ذلك‪ .‬ولي�س الب ُّر ب َأ�ن ت�ْأتوا البيوت‬ ‫وكما ب َّي الله لكم ما ُذكر يب ِّي �آياته للنا�س لعلهم يتقون‬
‫في حال إ�حرامكم من ظهورها ‪ -‬كما كنتم تفعلون‬
‫في الجاهلية‪ -‬فلا ِب َّر لله في ذلك‪ ،‬ولك َّن الب َّر من اتقى‬ ‫محارمه‪ ،‬ويتجنبون �َس َخطه وغ�ضبه‪.‬‬
‫اللهَ فخافه وتج َّنب محارمه‪ ،‬و أ�ْتوا البيوت من حيث‬
‫�شئتم؛ ِم ْن أ�بوابها وغير أ�بوابها‪ ،‬ما لم تعتقدوا تحريم‬ ‫‪٢٩‬‬
‫إ�تيانها ِم ْن �أبوابها في حا ٍل من ا ألحوال‪ ،‬و�أطيعوا الله‬
‫فيما أ�مركم‪ ،‬واجتنبوا ما نهاكم عنه؛ تفوزوا وتدركوا‬

‫الخلود في‪ ‬جناته‪.‬‬

‫‪ ١٩٠‬وقاتلوا ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ُ -‬ن�صر ًة لدين الله الذين‬
‫يقاتلونكم‪ ،‬ولا تعتدوا بفعل ما ح ّرم الله ‪ -‬من الـ ُم ْثلة‬
‫وال َغ ْدر‪ ،‬و َق ْت ِل َم ْن لم يقاتل من الن�ساء والأطفال‬
‫وال�شيوخ والرهبان وغير ذلك مما حرمه الله‪ -‬إ� َّن الله لا‬
‫يح ّب الذين يجاوزون حدو َده؛ في�ستح ّلون ما ح ّرم الله‬

‫عليهم‪.‬‬

‫َم َنعكم من إ�تمامهما عد ٌّو أ�و غي ُره؛ فاذبحوا هدي ًا �شا ًة‬ ‫‪ ١٩١‬واقتلوا الذين يقاتلونكم من الم�شركين حيثما‬
‫تق ُّرب ًا لله‪ ،‬ولازموا ا إلحرام؛ فلا تتحللوا منه حتى ُينحر‬ ‫تمكنتم من قتلهم‪ ،‬و�أخرجوهم من ديارهم بمكة كما‬
‫الهدي‪ ،‬ف َم ْن كان منكم مري�ض ًا مر�ض ًا يقت�ضي الحلق‪،‬‬ ‫�أخرجوكم‪ ،‬والفتنة ‪ -‬وهي ابتلاء الم ؤ�من في دينه حتى‬
‫�أو بر أ��سه ما ي�ؤذيه‪ :‬فليحلق ر أ��سه وعليه فدي ٌة‪ :‬ذب ُح �شا ٍة‪،‬‬ ‫يرجع عنه في�صير م�شرك ًا‪ -‬أ��ش ُّد من القتل‪ ،‬ولا تبد ؤ�وهم‬
‫�أو �صيا ُم ثلاث ِة �أيام‪ ،‬أ�و �إطعام �ستة م�ساكين‪ ،‬وهو مخير‬ ‫بالقتال في الحرم إ�لا �أن يبد�ؤوكم بالقتال فيه‪ ،‬ف�إ ْن‬
‫في ذلك‪ .‬ف�إذا أ�منتم بعد الإح�صار ف َمن اعتمر في أ��شهر‬ ‫بد ؤ�وكم بالقتال فيه فلكم حينئ ٍذ قتا ُلهم وقت ُلهم فيه‪،‬‬
‫الحج (�وشال وذي القعدة وذي الحجة) منتظراً إ�لى‬ ‫ف إ� َّن الله جعل جزا َء الكافرين المعتدين القت َل في الدنيا‬
‫وقت الحج‪ :‬فعليه ما تي�سر من الهدي‪ :‬ب َدن ٌة‪ ،‬أ�و بقر ٌة‪،‬‬
‫�أو �شا ٌة‪ ،‬ف إ� ْن لم يجد فعليه �صيام ثلاثة أ�يام في الحج تبد أ�‬ ‫والخز َي في الآخرة‪.‬‬
‫من �إحرامه‪ ،‬و�سبع ٍة �إذا رجع �إلى بلده‪ ،‬تلك الأيا ُم ع�شر ٌة‬
‫كامل ٌة في الثواب ك َم ْن أ�هدى‪ ،‬وذلك الهدي �أو َب َد ُله‬ ‫‪ ١٩٢‬ف إ�ن َك ُّفوا عن قتالكم وتابوا من كفرهم؛ ف إ�ن‪ ‬الله‬
‫‪ -‬وهو ال�صيام‪ -‬خا�ص بالغريب عن مكة وما جاورها‬ ‫غفو ٌر لمن تاب إ�ليه‪ ،‬رحي ٌم به في �آخرته‪.‬‬
‫كي لا يعي َد ال�سف َر للعمرة‪ ،‬واتقوا الله فيما فر�ضه عليكم‪،‬‬
‫واعلموا أ� َّن عقاب الله �شديد على َم ْن لا يلتزم ب�شرعه‪.‬‬ ‫‪ ١٩٣‬وقا ِتلوهم حتى يرجعوا عن �شركهم ويعبدوا‪ ‬الله‬
‫وح َده‪ ،‬ف�إن �آمنوا وتركوا قتا َلكم‪ ،‬ف ُك ُّفوا عن قتالهم‪،‬‬
‫‪٣٠‬‬
‫ف إ�نه لا ينبغي أ�ن ُيعتدى �إلا على الظالمين‪.‬‬

‫‪ ١٩٤‬و إ�ن ا�ستح ُّلوا قتا َلكم في أ�حد ا أل�شهر ال ُح ُرم‬
‫‪ -‬وهي‪ :‬ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب‪-‬‬
‫فقاتلوهم فيه؛ فانتها ُكهم حر َمته يرفع عنكم الحرج‬
‫في انتهاك حرمته‪ ،‬فما يجب احترا ُمه إ�ذا ان ُت ِهك ُيقت�ُّص‬
‫بمثله؛ فمن اعتدى عليكم بالقتال في الـ َح َرم �أو ا إلحرام‬
‫�أو ال�شهر الحرام‪ ،‬فقاتلوه‪ ،‬واتقوا الله إ�ذا قاتلتم فلا‬
‫تجاوزوا الح َّد‪ ،‬واعلموا أ� ّن الله مع المتقين بالعون والن�صر‪.‬‬

‫‪ ١٩٥‬وتع ُّه ُد الله لكم بالن�صر والت أ�ييد لا ُي�سقط عنكم‬
‫أ�خ َذ ال ُع َّدة والحذر؛ ف�أنتم م�أمورون ببذل الو�سع في‬
‫تح�صيل و�سائل الن�صر‪ ،‬ف�أنفقوا من �أموالكم في ن�شر دينه‬
‫وابتغاء مر�ضاته‪ ،‬ولا تفعلوا ما فيه هلا ُككم ِم ْن تر ِك‬
‫الجهاد والا�ستعدا ِد له‪� ،‬أو الا�ست�سلام ل أل�سر‪ ،‬و�أح�سنوا‬
‫في ك ّل ما أ�مركم به �أو نهاكم عنه‪ :‬بفعل النافع الملائم؛‬

‫إ� ّن الله يحب الم�ؤمنين المح�سنين‪.‬‬

‫‪ ١٩٦‬و إ�ذا �أهللتم بالحج والعمرة ف�أتموهما طاع ًة لله‬
‫و ُقرب ًة له‪ ،‬ولا ترجعوا عنهما بعد ا إلهلال بهما‪ ،‬و إ�ن‬

‫الوقوف بها‪ ،‬فاذكروا الله بالتلبية والتهليل والدعاء‬
‫عند المَ�ْش َعر الحرام ‪ -‬وهو المزدلفة‪ ،‬وقيل مو�ضع بها‪-‬‬
‫واذكروه ذكراً ح�سن ًا كما هداكم هداي ًة ح�سن ًة‪ ،‬فلقد‬
‫كنتم قبل ُهداه �ضالين بعبادة ا أل�صنام وتغيير المنا�سك‪.‬‬

‫‪ ١٩٩‬ومن ذلك التغيير للمنا�سك أ� َّن قري�ش ًا كانت لا‬
‫تقف بعرفا ٍت مع علمهم أ�نه موقف �أبيهم �إبراهيم‬

‫‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬تم ُّيزاً عن بقية الحجيج؛ ف أ�بطل الله عمل‬
‫قري�ش هذا‪ ،‬و ُخوطبوا ب�أن يقفوا حيث يقف النا� ُس‬
‫بعرفات‪ ،‬ويدفعوا منها‪ ،‬و�أن ي�ستغفروا الله في هذه‬

‫المواطن المباركة‪ ،‬فذلك �أدعى �أن ُيغ َفر لهم ما َف َرط منهم‬
‫من ا آلثام ‪ -‬ومنها تغييرهم للمنا�سك‪ -‬ف إ�ن الله غفور‬

‫للم ؤ�منين رحيم بهم‪.‬‬

‫‪ ٢٠٠‬و إ�ذا فرغتم من أ�عمال الحج‪َ ،‬ف َدعوا ما كنتم عليه‬ ‫‪ ١٩٧‬وق ُت الحج أ��شه ٌر معلومة عندكم ِم ْن َع ْه ِد إ�براهيم‬
‫في الجاهلية من التفاخر با آلباء و ِذ ْكر م آ�ثرهم‪ ،‬وليكن‬ ‫‪ -‬عليه ال�سلام‪� :-‬وشال وذو القعدة وع�شر من ذي‬

‫ذك ُركم وتمجي ُدكم لله‪ ،‬فاذكروه كذكركم آ�باءكم بل‬ ‫الحجة؛ ف َم ْن �ألزم نف�سه الح َّج فيها‪ ،‬فليجتنب ال ّر َفث‬
‫أ��ش ّد ِم ْن ذكركم آ�باءكم؛ لأنه وليُّ النعمة عليكم وعلى‬ ‫‪ -‬وهو كل قول �أو فعل يتعلق بمعا�شرة الن�ساء‪ -‬ويجتن ِب‬
‫�آبائكم‪ .‬و�أماك ُن المنا�سك مواط ُن للدعاء و�س ؤ�ال الرحمة‬
‫والخير‪ ،‬فمن النا�س فري ٌق َي ْق ُ� ُص ه َّم ُه في الدعاء على طلب‬ ‫الف�سوق ‪ -‬وي�شمل جميع المعا�صي‪ -‬ويجتن ِب الجدال‬
‫الدنيا الفانية‪ ،‬ولا ُيلقي بال ًا آلخرته‪ ،‬فهذا لا َن�صي َب له‬
‫‪ -‬وهو المماراة والخ�صام‪ -‬وافعلوا الخير ف�إن الله ُم َّطل ٌع‬
‫في الدار الآخرة‪.‬‬ ‫على أ�عمالكم ومجازيكم عليها‪ ،‬واتخذوا الزاد في �سفر‬

‫‪ ٢٠١‬و ِمن النا�س َم ْن و َّفقه الله فالتج�أ بالدعاء لتح�صيل‬ ‫الحج‪ ،‬وتذكروا بذلك �سف َركم لـ َمعادكم فتز َّودوا له من‬
‫خ ْيي الدنيا وا آلخرة‪ ،‬وا�ستعاذ ِم ْن �ش ِّر النار وعذابها‪.‬‬ ‫ا ألعمال ال�صالحة‪ ،‬ف إ�ن ذلك خير الزاد‪ ،‬وا�ست�شعروا‬

‫‪ ٢٠٢‬فه�ؤلاء المو َّفقون لهم ثوا ُب الحج وثواب الدعاء‪،‬‬ ‫خ�شيتي فيما ت أ�تون وتذرون يا ذوي العقول فذلك‬
‫وي�ستجيب اللهُ لهم فيعطيهم ما ُق ِّدر لهم مما ك�سبوه‬
‫بالطلب والالتجاء إ�لى الله‪ ،‬والله يجزي ك ّ ًل بما ي�ستحق‪،‬‬ ‫مقت�ضى العقل‪ ‬والحكمة‪.‬‬

‫وهو �سري ُع الح�ساب والجزاء‪.‬‬ ‫‪ ١٩٨‬ولا حر َج عليكم في ابتغاء رزق الله في مو�سم‬
‫الحج بمزاولة التجارة‪ ،‬ف إ�ذا دفعتم من عرفات بعد‬

‫‪٣١‬‬

‫‪ ٢٠٣‬وع ِّظموا الله تعالى ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬بالتكبير في‬

‫�أيام الت�شريق الثلاثة بعد يوم النحر‪ ،‬وليك ِّب الحا ُّج أ�ي�ض ًا‬
‫عند رمي الجمرات‪ ،‬و ْل ُي ِقم في ِمن ًى تلك الأيام؛ فمن �أراد‬
‫التع ُّج َل فلا �إث َم عليه أ�ن ين�صرف بعد رمي الجمرات في‬
‫اليوم الثاني منها‪ ،‬و َم ْن مكث حتى أ�ت َّم الأيا َم الثلاث َة فقد‬
‫ثبتت له ف�ضيل ُة الإقامة بتلك المنازل المباركة‪ ،‬والم�شاركة‬

‫فيها بذكر الله‪� ،‬إن اتقى الله في ت�أخره فلم َي ْر ُفث ولم‬
‫َي ْف ُ�سق في �أيام منى‪ ،‬واتقوا‪ ‬الله ‪ -‬أ�يها الحجاج‪ -‬في �سائر‬
‫أ�ماكنكم و أ�حوالكم‪ ،‬وكما تح�شرون �إلى مواطنكم بعد‬

‫الحج‪ ،‬ف�إنكم مح�وشرون إ�لى ربكم وراجعون إ�ليه‪.‬‬

‫‪ ٢٠٩‬ف�إن انحرفتم عن طريق الا�ستقامة من بعد ما‬ ‫‪ ٢٠٤‬ومن النا�س َم ْن ُيظه ُر لك ما يعجبك ‪  -‬أ�يها‬
‫جاءتكم المعجزا ُت و�آيا ُت القر آ�ن؛ فاعلموا أ�ن الله عزيز‬ ‫الر�سول‪ -‬من ا إليمان وحب الخير والإعرا�ض عن‬
‫الكافرين‪ ،‬ويحلف ب أ� ّن الله يعلم أ�نه �صادق‪ ،‬وهو مناف ٌق‬
‫ال‪ ‬يمتنع عليه ما يريده‪ ،‬حكيم فيما يفعله‪.‬‬
‫‪ ٢١٠‬وماينتظرالتاركونللدخولفيالإ�سلاموالاجتماع‬ ‫�شدي ُد الخ�وصمة والعداوة لك وللم�سلمين‪.‬‬
‫عليه‪ ،‬إ�لا أ�ن ت�أتيهم الملائكة بعذا ِب الله في �ُس ُح ٍب‬
‫عظيم ٍة‪ ،‬ويتم �أم ُر هلاكهم‪ ،‬و�إلى الله ترجع ا ألمور في‬ ‫‪ ٢٠٥‬و�إذا ان�صرف ِم ْن عندك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬ق�ص َد‬
‫م�سرع ًا جاهداً �إلى ا إلف�ساد في ا ألر�ض‪ ،‬وت�ضييع ما به‬
‫ا آلخرة فيجازي ُك ّل بعمله‪.‬‬ ‫ِقوا ُم النا�س من ْحرث ون�ْسل‪ ،‬والله لا ير�ضى الف�ساد بل‬

‫‪٣٢‬‬ ‫يعاقب عليه‪.‬‬

‫‪ ٢٠٦‬و إ�ذا ُو ِعظ و ُذ ِّكر بتقوى الله ا�ستولت عليه الـ َح ِم ّية‬
‫وحملته على ارتكاب ا إلثم فيما ُنهي عنه عناداً‪ ،‬فجزا�ؤه‬

‫جهنم‪ ،‬وبئ�س‪ ‬الم�ست َق ّر‪.‬‬

‫‪ ٢٠٧‬و ِمن النا�س َم ْن يبذل نف�سه طلب ًا لر�ضا الله‪ ،‬والله‬
‫ر ؤ�و ٌف بالعباد إ�ذ �أر�َشدهم �إلى ما فيه مر�ضاته‪.‬‬

‫‪ ٢٠٨‬يا �أيها الذين آ�منوا ادخلوا في دين ا إل�سلام‬
‫ب ُك ِّليته‪ ،‬بالعمل بجميع �أحكامه و�شرائعه‪ ،‬مجتمعين عليه‬
‫غير متفرقين ولا متنابذين‪ ،‬ولا ت َّتبعوا تزيين ال�شيطان‬

‫بالتفريق؛ �إنه ب ِّ ُي العداو ِة لكم‪.‬‬

‫‪ ٢١٣‬ولقد كان النا�س أ� ّو َل �أمرهم على دي ٍن واح ٍد‬ ‫‪ ٢١١‬فا�س أ�ل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬بني �إ�سرائيل ‪ -‬تبكيت ًا‬
‫هو فطرة ا إليمان فاختلفوا؛ ب أ�ن ك َفر بع�ضهم وا�ستمر‬ ‫لهم و إ�لزام ًا بالحجة‪ -‬كم جاءهم من معجزا ٍت ودلائ َل‬
‫بع�ضهم على الإيمان؛ ف أ�ر�سل الله الر�سل مب�شرين بالثواب‬ ‫وا�ضح ٍة كثير ٍة كانت نعم ًة تهديهم �إلى قبول دعوة‬
‫على الطاعة‪ ،‬ومنذرين بالعقاب على المع�صية‪ ،‬و أ�نزل‬ ‫الر�سل! فلم يعملوا بها‪ ،‬وب ّدلوا قبولها وال�شكر عليها‬
‫معهم الكتب تب ِّ ُي الحق و ُتر�شد إ�ليه وتقط ُع الخلاف في‬ ‫كفراً؛ فا�ستح ّقوا العقا َب لأن َم ْن يب ِّدل نعمة‪ ‬الله ف�إن الله‬
‫الدين‪ .‬وما اختلف فيه إ�لا الذين �أوتوا الكتاب من بعد‬
‫ما جاءتهم الدلالات والحجج تع ِّدي ًا بالباطل وح�سداً‪،‬‬ ‫�شديد العقاب له‪.‬‬
‫ف أ�ر�شد الله أ�مة محمد ‪� - -‬إلى الحق تمكين ًا في‬
‫الاهتداء؛ ب�أن ب َّي لهم ما اخت َلف فيه َم ْن كان قبلهم‪،‬‬ ‫‪ ٢١٢‬و إ� َّن �س َب َب الكف ِر الاغترا ُر بالدنيا والافتتا ُن بها؛‬
‫والله ُير�شد َم ْن ي�شاء إ�لى طريق الحق‪ .‬وكما كان النا�س‬ ‫فقد ُزينت الدنيا للكفار‪ ،‬ف�أَق َبلوا عليها و�أع َر�وضا عن‬
‫على دين واحد قبل عرو�ض ال�ضلالات؛ ف إ�نهم بمجيء‬ ‫ا آلخرة‪ ،‬و�صاروا ي�سخرون من الذين �آمنوا لان�شغالهم‬
‫هذه الر�سالة الجامعة رجعوا �إلى هذا الدين الواحد‪،‬‬ ‫بالآخرة ويتعا َل ْو َن عليهم‪ .‬وه�ؤلاء المتقون من الذين‬
‫وهو دين ا إل�سلام الذي لا ُيقبل غيره‪ .‬وهدايتكم يا‬ ‫�آمنوا هم في ا آلخرة في التنعم والفوز بالرحمة فوق‬
‫مع�ش َر الم�سلمين ِلـ َما اخ ُتلف فيه من الحق منقب ٌة عظيم ٌة‬ ‫ما فيه ه�ؤلاء في دنياهم‪ ،‬والله يرزق ه ؤ�لاء الكفر َة في‬
‫ونعم ٌة جليل ٌة‪ ،‬لن ُت َو ُّفـوا ح َّق �شك ِرها إ�لا بال�صبر على ما‬ ‫الدنيا‪ ،‬فلا ت�ستعظموا ذلك؛ ف إ�ن الرزق لي�س ُمح َت َ�سب ًا‬
‫قد يعتر�ضكم في طريق الإيمان من المكاره وال�شدائد‪،‬‬ ‫على قدر ا إليمان والكفر‪ ،‬بل يجري تبع ًا لم�شيئة الله‬

‫اقتدا ًء ب�صالحي ا ألمم ال�سابقة‪.‬‬ ‫�سبحانه‪ ،‬و�إنما العي� ُش عي� ُش‪ ‬الآخرة‪.‬‬

‫‪� ٢١٤‬أم ظننتم �أنكم ‪� -‬أيها الم ؤ�منون بالله ور�سله‪-‬‬
‫تدخلون الجنة‪ ،‬ولـ ّما ي�صبكم مث ُل ما أ��صاب َم ْن قبلكم‬
‫من �أتباع الر�سل من ال ِمحن والاختبار‪ ،‬فقد اب ُتلوا بالفاقة‬
‫والعلل‪ ،‬و أ��صابهم من أ�عدائهم من الخوف والرعب �شد ٌة‬
‫و َجه ٌد حتى ي�ستبطئ الر�سول والم�ؤمنون معه ن�ص َر الله‬
‫إ�ياهم؛ فيقولوا‪ :‬متى ين�صرنا الله؟ أ�لا إ�ن ن�صر الله قريب‪،‬‬

‫ف�أب�شروا أ�يها الم ؤ�منون بقربه‪ ،‬ولا تي�أ�سوا من الفرج‪.‬‬

‫‪ ٢١٥‬ي�س أ�لك أ��صحا ُبك ‪� -‬أيها النبي‪ -‬في �ش�أن ا إلنفاق‪:‬‬
‫ماذا ينفقون؟ ‪ -‬وهو �س ؤ�ال لمعرفة وجوه الإنفاق التي‬
‫تقع موقع القبول‪ -‬فقل لهم‪ :‬ما أ�نفقتم من أ�موالكم‬
‫وت�ص ّدقتم به؛ فاجعلوه آلبائكم و أ�مهاتكم و�أقربائكم‪،‬‬
‫ولليتامى منكم‪ ،‬والم�ساكين‪ ،‬وابن ال�سبيل‪ ،‬ف إ�نكم ما‬
‫ت�أتوا من خي ٍر وت�صنعوه �إليهم‪ ،‬ف إ�ن الله به عليم‪ ،‬وهو‬
‫مح�صيه لكم حتى يو ِّفـ َيـكم أ�جوركم عليه يوم‪ ‬القيامة‪.‬‬

‫‪٣٣‬‬

‫‪ُ ٢١٦‬ف ِر�َض عليكم القتال ببذل النف�س في �سبيل‪ ‬الله‪،‬‬

‫إلعلاء كلمة الله‪ ،‬والقتا ُل مكرو ٌه للنفو�س ل ُنفرة الطبع‬
‫منه وما فيه‪ ،‬وربما كره الطب ُع ما فيه نف ُع النف�س‪،‬‬
‫و أ�ح َّب ما فيه هلا ُكها؛ والله يعلم الخير وال�شر و أ�نتم لا‬
‫تعلمونهما‪ ،‬فامتثلوا ما �أمركم به‪ ،‬واعلموا �أن فيه الخي َر‬

‫لكم في العاجل والآجل‪.‬‬

‫من الله لتحريمها‪ -‬وي�س�ألونك ماذا ينفقون؟ ف أ� ِج ْبهم‬ ‫‪ ٢١٧‬ي�س أ�لك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪� -‬أ�صحا ُبك عن القتال في‬
‫�أن ينفقوا لوجه الله مما زاد عن نفقاتهم التي َتلزمهم‪.‬‬ ‫ال�شهر الحرام؟ قل لهم‪� :‬إن ا�ستحلا َله و�سف َك الدماء فيه‬
‫وكما ب َّي الله لكم حك َم ما �س أ�لتم عنه‪ ،‬يب ِّ ُي‪ ‬لكم‬
‫ا آليا ِت لعلكم تتفكرون فيما يعود عليكم ِم ْن م�صالح‬ ‫عظي ٌم عند الله‪ .‬ولك ْن ما قام به الم�شركون من الكفر بالله‬
‫وال َّ�ص ِّد عن �سبيله وعن الم�سجد الحرام‪ ،‬و�إخراج الم�سلمين‬
‫الدنيا وا آلخرة‪.‬‬ ‫من مكة‪ ،‬أ�عظ ُم وزراً من القتال في ال�شهر الحرام‪ ،‬وفتن ُتهم‬
‫الم�سلمين عن دينهم حتى يهلكوا �أ�ش ُّد جرم ًا من قتلهم في‬
‫‪٣٤‬‬ ‫ال�شهر الحرام‪ .‬ولا يزال الم�شركون يقاتلونكم حتى يردوكم‬

‫عن دينكم �إ ْن قدروا على ذلك؛ و َم ْن يرج ْع منكم عن دين‬
‫الإ�سلام فيمت قبل أ�ن يتو َب من كفره‪ ،‬فقد ذهب ثوا ُب‬
‫أ�عماله والجزا ُء عليها في دار الدنيا والآخرة‪ ،‬وهو من �أهل‬

‫النار المخ ّلدين فيها‪.‬‬

‫‪� ٢١٨‬إن الذين �ص َّدقوا بالله وبر�سوله‪ ،‬والذين هاجروا‬
‫مع نبيه وجاهدوا في �سبيل الله يرجون رحمة الله �صدق ًا‪،‬‬

‫�أولئك يطمعون أ�ن يرحمهم الله فيدخلهم جنته‪ ،‬والله‬

‫�سات ٌر ذنو َب عباده بعفوه عنها‪ ،‬متف ِّ�ضل عليهم‪ ‬بالرحمة‪.‬‬

‫‪ ٢١٩‬ي�س�ألونك ‪� -‬أيها النبي‪ -‬عن الخمر وال ِقمار‪،‬‬
‫قل لهم‪ :‬إ�ن فيهما �ضرراً كبيراً من �إف�سا ِد ال�صحة‬
‫وذها ِب العقل والمال و�إثار ِة البغ�ضاء والعدوان بين‬

‫النا�س‪ ،‬وفيهما مناف ُع كالت�سلية والربح ال�سهل‪ ،‬ولك ْن‬
‫�ضر ُرهما �أكب ُر من نفعهما فاجتنبوهما ‪ -‬وهذا تمهيد‬

‫الحرج في مخالطة أ�هل ال�شرك؛ فلا ينكح الم�ؤم ُن م�شرك ًة‬ ‫‪ ٢٢٠‬وي�س�ألك ‪� -‬أيها النبي‪� -‬أ�صحا ُبك عن مال‬
‫ال‪ ‬تدين بكتاب منزل‪ .‬و َ أَل َم ٌة م�ؤمن ٌة بالله ور�سوله وبما‬ ‫اليتامى‪ ،‬وما يلقونه ِم ْن حر ٍج حيا َله‪ ،‬ب�سبب خلطهم‬
‫جاء به من عند الله خي ٌر عن َد الله و أ�ف�ض ُل من ح ّر ٍة م�شرك ٍة‬ ‫�أموا َلهم به‪ ،‬ف ُق ْل لهم‪ :‬إ�ن مداخلتهم ‪ -‬مداخلة يترتب‬
‫كافر ٍة‪ ،‬ولو نالت �إعجا َبكم‪ .‬ولا يز ِّوج المر ُء الم�سل ُم ‪َ -‬م ْن‬ ‫عليها �إ�صلاحهم في �أنف�سهم‪ ،‬وفي �أموالهم‪ -‬خير لهم‬
‫له ولاية عليها من الن�ساء‪ -‬م�شرك ًا لا ي ؤ�من بالله ور�سوله‪،‬‬ ‫وللقائمين ب�أمورهم ِم ْن مجانبتهم وتركهم بلا ولي‪.‬‬
‫ف�إن ذلك حرام عليكم‪ .‬و َلأَ ْن ُت َز ِّوجوه َّن ِمن عب ٍد م�ؤمن‬ ‫و�إ ْن تخالطوهم ف ُت�شاركوهم فيما زاد على ذلك من‬
‫م�ص ّدق بالله ور�سوله وبما جاء به من عند الله خي ٌر لكم‬ ‫أ�مور المعي�شة‪ ،‬ودواعي الم�صاهرة‪ ،‬فهم �إخوانكم في‬
‫من أ�ن ُت َز ِّوجوه َّن من ُح ٍّر م�شرك‪ ،‬و�إن أ�عجبكم؛ فالم�شر ُك‬ ‫الدين‪ ،‬و ِم ْن �ش أ�ن ا ألخ أ�ن يخال َط �أخاه‪ ،‬والله يعلم َم ْن‬
‫يجتذب َمن يعا�شرهم �إلى ال�شرك والمع�صية‪ ،‬في�ستوجبون‬ ‫يريد �صلاح ما ِل يتيم ِه ممن يريد إ�ف�ساده‪ ،‬فيجازي ك ّل‬
‫النار‪ .‬والله تعالى ‪ -‬إ�ذ يدعوكم �إلى اعتزال الم�شركين في‬ ‫منهما بما ي�ستح ّق‪ .‬ولو �شاء ل�ض ّيق عليكم و أ�حرجكم‬
‫الزواج‪ -‬يدعوكم إ�لى ما فيه �صلا ُحكم‪ ،‬لتكونوا بذلك‬ ‫بتحريم مخالطتهم‪ ،‬ولكنه و�ّسع عليكم وخ ّفف‬
‫�سالكين طري َق الو�وصل إ�لى المغفرة والجنة‪ ،‬والله يب ّ ُي‬ ‫عنكم‪ .‬واعلموا �أن الله غالب على �أمره‪ ،‬لا يمتنع عليه‬
‫ح َج َجه و�أدل َة �شرائعه للنا�س ليعتبروا بما هداهم الله إ�ليه‬ ‫�أم ٌر من ا ألمور‪ ،‬حكي ٌم ال‪ ‬ي�ش ّرع �إلا ما فيه م�صلح ُتـكم‬

‫فيفوزوا باتباعه‪.‬‬ ‫والتخفيف عنكم‪.‬‬

‫‪ ٢٢٢‬وي�س أ�لونك ‪� -‬أيها النبي‪ -‬عن �إتيان الن�ساء وقت‬ ‫‪ ٢٢١‬و إ�ذا كانت مخالط ُة اليتامى لا حر َج فيها ف�إن‬
‫المحي�ض‪ ،‬ف�أجبهم أ�ن المحي�َض أ�ذ ًى فامتنعوا عن إ�تيانهن‬
‫مدته حتى ينقطع عنهن دم الحي�ض ويغت�سلن‪ ،‬ف�إذا‬ ‫‪٣٥‬‬
‫اكتملت لهن الطهار ُة ف أْ�توه ّن من الوجه الذي ُ�أ ِذ َن لكم‬
‫ب�إتيانهن منه‪ ،‬و َم ْن وقع منه �شي ٌء يخالف ذلك فليتب‬
‫�إلى الله تعالى‪ ،‬ف�إنه �سبحانه يح ّب ِم ْن عباده كثر َة التوبة‪،‬‬

‫والحر�َص على‪ ‬الطهارة‪.‬‬

‫‪ ٢٢٣‬ن�سا�ؤكم َم ْن ِب ُت ولدكم‪ ،‬ف أ�ْتوه ّن في مكان الحرث‬
‫‪ -‬وهو الفرج ‪ -‬كيف �شئتم‪ ،‬وعلى أ�ي وجه من الوجوه‪،‬‬
‫وا�شتغلوا بتقديم الخير وال�صالح من الأعمال ليوم الـ َمعاد‪،‬‬
‫ومنه طلب الولد ال�صالح بهذه المبا�شرة‪ ،‬وتج ّنبوا ك َّل ما‬
‫نهاكم‪ ‬الله عنه من المعا�صي‪ ،‬ف أ�نتم لا َمحال َة قادمون عليه‬
‫فيحا�سبكم على جميع �أعمالكم‪ ،‬والب�شرى للمطيعين‬

‫الذين يقفون عند حدود الله تعالى فلا يتع َّد ْونها‪.‬‬

‫‪ ٢٢٤‬ولا تجعلوا ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪ -‬ال َق َ�س َم مانع ًا من البر‬
‫والتقوى وا إل�صلاح بين النا�س‪ ،‬والله �سميع ألقوالكم‬

‫و�أيمانكم‪ ،‬عليم ب�أحوالكم‪ ‬ونياتكم‪.‬‬

‫عند خ�شية عدم �إقامة ما ح ّده الله تعالى من الحدود‪،‬‬ ‫‪ ٢٢٥‬إ� َّن الله لا يعاقبكم بما يجري على �أل�سنتكم من‬
‫ف إ�ن خفتم عد َم إ�قامة ما �أوجب الله عليهما من الع�شرة‬ ‫أ�يمانكم التي ي�سبق إ�ليها الل�سا ُن من غير ق�صد الحلف‪،‬‬
‫بالمعروف وال�صحبة بالجميل فقد �شرع للزوجة �أن تق ِّدم‬ ‫إ�نما ي�ؤاخذكم بما تع ّمدتم فيه عق َد الأيمان و�إيجابها على‬
‫مال ًا في مقابل افتراقها عن زوجها ‪ -‬وهو ال ُخ ْل ُع‪ -‬وهذه‬ ‫�أنف�سكم‪ ،‬والله غفور لعباده فيما َل َغوا من أ�يمانهم‪ ،‬حليم‬
‫هي �أحكام الله المقررة فلا تخالفوها ولا تتجاوزوها؛‬ ‫في تركه معاجل َة �أه ِل مع�صيته العقوب َة على معا�صيهم‪.‬‬
‫ألن َم ْن يفعل ذلك ظالم لنف�سه وظالم للمجتمع الذي‬
‫‪ ٢٢٦‬للرجال الذين يحلفون �أ ّل يجامعوا ن�ساءهم أ�ن‬
‫يعي�ش‪ ‬فيه‪.‬‬ ‫يتمهلوا �أربعة أ��شهر‪ ،‬ف إ�ن رجعوا ف أ�َ َت ْوا ن�ساءهم في �أثنائها‬
‫ا�ستم ّر الزواج‪ ،‬وعليهم كفارة اليمين‪ ،‬والله يغفر لهم ما‬
‫‪ ٢٣٠‬ف إ� ْن ط ّلق الزوج امر أ�ته مرة ثالثة ‪ -‬بعد التطليقتين‬
‫ال�سابقتين‪ -‬فلا تح ّل له حينئذ �إلا بعد �أن تتزوج زوج ًا‬ ‫�صدر عنهم‪ ،‬ويقبل الكفار َة رحم ًة بهم‪.‬‬
‫غيره‪ ،‬ويدخل بها‪ .‬ف�إ ْن طلقها الزو ُج الثاني‪ ،‬و�صارت‬
‫أ�هل ًا لأن ُي ْع َق َد عليها َع ْق ٌد جديد‪ ،‬فلا إ�ث َم عليها ولا على‬ ‫‪ ٢٢٧‬و�إ ْن لم ي�أتوا ن�ساءهم في هذه المدة التي جعل الله‬
‫زوجها الأول في أ�ن ي�ست�أنفا حياة زوجية جديدة بعقد‬ ‫لهم الترب�ص فيها حتى تنق�ضي‪ ،‬ووقع العزم على الطلاق‬
‫جديد ومهر جديد‪ ،‬وعليهما في تلك الحال �أن يعتزما‬ ‫ف�إ ّن الله �سميع أليمانهم و أ�قوالهم‪ ،‬عليم ب أ�حوالهم‬
‫إ�قام َة حيا ٍة زوجي ٍة �صالح ٍة تراعى فيها الأحكا ُم التي‬
‫حددها الله تعالى وبي ّنها وف ّ�صلها لمن يريد العل َم والعم َل‬ ‫وعزمهم‪ ،‬ومحا�س ُبهم على ذلك‪.‬‬

‫بها؛ فينال نف َعها في دنياه و آ�خرته‪.‬‬ ‫‪ ٢٢٨‬والمطلقا ُت اللواتي ُط ِّلقن بعد الدخول ينتظرن‬
‫ب أ�نف�سهن عن نكاح الأزواج ثلا َث حي�ضا ٍت �أو ثلاث َة‬
‫‪٣٦‬‬ ‫�أطها ٍر تم�ضي من حين الطلاق‪ ،‬ولا يح ّل لهن أ�ن يكتمن‬
‫ما خلق الله في �أرحامه ّن من الحمل أ�و الحي�ض‪ ،‬وذلك‬
‫�ش�أن الم�ؤمنات بالله واليوم الآخر‪ ،‬ولأزواجهن الحق في‬
‫مراجعتهن م َّدة الع ّدة ولو أ� َب ْ َي وامتن ْع َن‪ ،‬وعليهم �أن‬
‫يق�صدوا بذلك الإ�صلا َح دو َن ق�صد الإ�ضرار بالمر�أة‪،‬‬
‫ولهن من ح�سن ال�صحبة والع�شرة بالمعروف على‬
‫�أزواجهن ِم ْث ُل الذي عليهن من الطاعة فيما �أوجب الله‬
‫عليهن‪ ،‬وللرجال عليهن درجة القوامة والإنفاق والقيام‬
‫على م�صالحهن‪ ،‬والله �سبحانه غال ٌب‪ ،‬ينتقم ممن ع�صاه‪،‬‬

‫حكيم في �أفعاله وت�شريعه‪.‬‬

‫‪ ٢٢٩‬الطلاق مرتان‪ ،‬يكون للزوج بعد كل واحدة‬
‫منهما الح ّق في �أن يم�س َك زوجته ب�إرجاعها في العدة‬
‫أ�و إ�عادتها بع َد العدة �إلى ع�صمته بعقد جديد‪ ،‬ثم‬
‫الواجب على َم ْن راجع منكم بعد التطليقتين �إم�سا ُك‬
‫زوجته بالمعروف ِم ْن غير �إ�ضرار‪� ،‬أو �إر�سالها ب�إح�سان‬
‫و أ�داء حقوقها‪ ،‬ولا يح ّل لكم ‪ -‬أ�يها الأزواج‪� -‬أن‬
‫ت�أخذوا مما آ�تيتموهن من المهور �شيئ ًا إ�ذا طلقتموهن �إلا‬

‫المط ِّلق وترا�ضيا بينهما على ما يق ُّره ال�شرع‪ ،‬فلا يح ّل‬
‫ل ألولياء عندئ ٍذ الت�ضييق عليهن وم ْنعهن من ا�ستئناف‬
‫النكاح بعقد ومهر جديدين‪ .‬وهذا الذي نهيتكم عنه‬

‫ِمن َع ْ�ض ِلهن عن النكاح عظ ٌة م ّني لمن كان منكم ي�صدق‬
‫بالله فيوحده ويق ّر بربوبيته‪ ،‬وي�صدق بالبعث للجزاء‬
‫والثواب والعقاب‪ ،‬وذلك �أف�ض ُل وخي ٌر عند الله من‬
‫ُفرقتهن أ�زواجهن‪ ،‬و�أَ ْطهر لقلوبكم‪ ،‬وقلوبهن‪ ،‬وقلوب‬

‫أ�زواجهن ِلـ َما ُيخ�شى من الريبة والتهمة ب�سبب العلاقة‬
‫التي كانت بينهما‪ ،‬والله يعلم من م�صالح الب�شر وخف ّيات‬

‫�أمورهم ما يجهلون‪.‬‬

‫‪ ٢٣٣‬وعلى ا أل ّمهات �أن َي ُقمن ب إ�ر�ضاع أ�ولاده َّن‬ ‫‪ ٢٣١‬و إ�ذا ط ّلق أ�ح ُدكم المر�أ َة طلاق ًا رجعي ًا فعليه‬
‫مد َة عامين تا ّمين‪ ،‬مراعا ًة لم�صلحة الطفل‪ ،‬إ�ذا طلب‬ ‫أ�ن ُيح�سن في �أمرها إ�ذا َق ُرب انتها ُء ع َّدتها‪ ،‬ف إ� ّما �أن‬
‫�أحد الوالدين ‪� -‬أو كلاهما‪ -‬ا�ستيفا َء مدة الر�ضاعة‬ ‫يرجعها �إلى ع�صمة نكاحه بمعروف‪ ،‬وينوي ع�شرتها‬
‫تام ًة‪ ،‬لاحتياج الولد �إليها‪ ،‬و ُيلزم الوال ُد ‪ -‬باعتبار‬ ‫بالمعروف‪� ،‬أو يتركها حتى تنق�ض َي عدتها‪ ،‬ثم تخرج‬
‫الولد من�سوب ًا �إليه‪ -‬با إلنفاق على ا ألم المط َّلقة حينئ ٍذ‪،‬‬ ‫من بيت الزوجية بالتي هي أ�ح�سن‪ ،‬من غير �إ�ضرار ولا‬
‫�إيذاء‪ .‬ولا يجوز أ�ن يكون الق�ص ُد من المراجعة م�ضا ّرة‬
‫ب�إطعامها وك�سوتها بما يجب لمثلها على قدر مي�سرته‪،‬‬ ‫المر أ�ة وتطويل عدتها‪ .‬ولا تتخذوا �آيا ِت الله و�أحكامه‪،‬‬
‫هز�ؤاً ولعب ًا‪ ،‬واذكروا نعمة الله عليكم بالإ�سلام و�إر�سال‬
‫بلا �إ�سراف ولا تقتير‪ ،‬فلا ُي َح َّم ُل المرء من الأمور �إلا ما‬ ‫الر�سول بالهدى والب ِّينات إ�ليكم‪ ،‬وما أ�نزل عليكم‬
‫يطيق‪ ،‬ولا ينبغي أ�ن يكون الولد �سبب ًا في �إلحاق ال�ضرر‬ ‫من القر آ�ن وال�سنة لتتعظوا بهما وتهتدوا‪ ،‬وعليكم �أن‬
‫ب أ�مه‪ ،‬ف ُيه�ضم ح ُّقها في نفقتها‪ ،‬أ�و ح�ضانة ولدها‪،‬‬ ‫تمتثلوا �أوامر الله وتجتنبوا نواهيه‪ ،‬واعلموا عل َم اليقين‬
‫كما لا ينبغي أ�ن يكون �سبب ًا في �إلحاق �ضرر ب�أبيه‪ ،‬ب�أن‬ ‫أ�ن الله يعلم �س ّركم وجه َركم ونيا ِتكم و أ�عما َلكم‪ ،‬وهو‬

‫ُيك َّلف فوق طاقته‪ ،‬أ�و ُيح َرم ح َّقه في ولده‪ .‬ويجب‬ ‫مجازيكم بما كنتم تعملون‪.‬‬
‫على الوارث عند موت الوالد مث ُل ما يجب على الوالد‬
‫‪ ٢٣٢‬و إ�ذا طلقتم الن�ساء ‪ -‬دون الثلاث‪ -‬وانق�ض ْت‬
‫قبل موته من النفقة أ�و الك�سوة‪ .‬ف إ�ن رغب الوالدان �أو‬ ‫عدتهن و�أرادت إ�حداهن أ�ن ت�ست أ�نف زواج ًا جديداً ِمن‬

‫�أحدهما في فطام الطفل قبل تمام العامين‪ ،‬وترا�ضيا على‬

‫ذلك‪ ،‬ونظرا �إلى م�صلحة الر�ضيع‪ ،‬فلا َت ِبع َة عليهما‪،‬‬
‫و إ�ذا �شئتم ‪� -‬أيها ا آلباء‪ -‬اتخا َذ مرا�ضع ل ألطفال غي َر‬
‫�أمهاتهم ب�سبب عجزهن �أو ا�ستنكافهن‪ ،‬فلا حرج ولا‬

‫�إثم في ذلك عليكم‪ ،‬وادفعوا �إليهن ما اتفقتم عليه من‬

‫الأجر بالر�ضا وا إلح�سان‪ ،‬وراقبوا الله في أ�عمالكم‪،‬‬

‫واعلموا أ�نه ‪ -‬تعالى‪ُ -‬م َّطل ٌع عليها‪ ،‬و ُمازيكم بها‪.‬‬

‫‪٣٧‬‬

‫‪ ٢٣٤‬والذين يموتون من الأزواج ويتركون زوجا ٍت‬

‫غي َر حوامل فعليهن �أن يمكثن بعدهم دون تع ُّر�ٍض‬
‫للزواج مد َّة �أربعة أ��شهر وع�شرة أ�يام بلياليها‪ ،‬قيام ًا بحق‬

‫الله تعالى وا�ستبرا ًء للرحم‪ ،‬و ِحداداً على الأزواج‪،‬‬
‫ف�إذا انتهت هذه الم ّدة‪ ،‬فلا َت ِبع َة عليكم �أيها ا ألولياء‬

‫فيما يفعلن في أ�نف�سهن من خروج وتز ُّين وزواج‬
‫بالمعروف‪ ،‬ولا يجوز لهن �أن ي�أتين من الأعمال ما‬

‫ينكره ال�شرع وي أ�باه‪ ،‬إ�ن‪ ‬الله ُم ّطلع على �سرائركم‪،‬‬
‫وعالم ب�أعمالكم‪ ،‬فيحا�سبكم على ما تعملون‪.‬‬

‫‪ ٢٣٧‬و إ�ذا ط ّلقتم الن�ساء قبل الدخول بهن‪ ،‬بعد ت�سمية‬ ‫‪ ٢٣٥‬ولا إ�ث َم عليكم ‪ -‬أ�يها الرجال‪ -‬في م َّدة الع َّدة‪،‬‬
‫إ�ذا أ�لمحتم بالزواج للمعت ّدات من وفا ٍة أ�و طلا ٍق بائ ٍن‪،‬‬
‫مهورهن‪ ،‬فقد وجب لهن ن�صف المهر المق َّدر‪ ،‬إ�لا �إذا‬ ‫�أو أ��ضمرتم ذلك في قلوبكم‪ ،‬ف إ� ّن الله يعلم �أنكم لا‬
‫تنازلت عنه الزوجة أ�و ول ُّيها‪ ،‬كما �أنهن لا ُي ْع َط ْ َي �أكث َر‬ ‫ت�صبرون عن التحدث عما في أ�نف�سكم من �ش�أنهن‪،‬‬
‫من الن�صف‪� ،‬إلا إ�ذا �سمحت نف� ُس الزوج‪ ،‬ف�أعطاها‬ ‫ولهذا أ�باح لكم التلوي َح دو َن الت�صريح‪ ،‬فلا َت ِع ُدوه ّن‬
‫المهر كله‪� ،‬أو ما هو �أكثر من الن�صف‪ ،‬و�سماح ُة ك ٍّل من‬ ‫بالزواج‪ ،‬إ�لا �أن يكون ذلك إ��شار ًة �أو كناية لا ت�صريح ًا‪،‬‬
‫ولا ُتبرموا عق َد الزواج حتى تنق�ضي ال ِع ّدة‪ ،‬و أ�يقنوا �أن‬
‫الزوجين أ�كر ُم و أ�ر�ضى عند الله و أ�لي ُق ب�أهل التقوى‪ ،‬فلا‬ ‫الله ُم َّطلع على ما تخفونه في قلوبكم‪ ،‬فخافوا عقابه‪،‬‬
‫تتركوها‪ ،‬ولا تغفلوا عن �أن يتف�ض َل بع�ضكم على بع�ض‬ ‫ولا ُت ْقدموا على ما نهاكم عنه‪ ،‬ولا تي أ��سوا من رحمته‬
‫�إن خالفتم أ�مره‪ ،‬ف�إنه وا�سع المغفرة‪ ،‬يقبل التوبة عن‬
‫بت�سامحه عن بع�ض حقوقه ل آلخر‪ ،‬والله م َّطلع على‬
‫عباده‪ ،‬ويعفو عن ال�سيئات‪ ،‬حلي ٌم لا يعجل بالعقوبة‬
‫�ضمائركم و أ�عمالكم‪ ،‬فيجازيكم‪ ‬عليها‪.‬‬ ‫لمن انتهك المحرمات‪.‬‬

‫‪ ٢٣٦‬و�إذا ط ّلقتم الن�ساء قبل الدخول بهن‪ ،‬وقبل �أن‬

‫ُت�س ّموا لهن مهراً‪ ،‬فلا يجب لهن مهر‪ ،‬ولا �إثم عليكم‬
‫في ذلك‪ ،‬و�أعطوهن ما َي َتم ّتعن به من أ�موالكم تطييب ًا‬
‫لخاطرهن على �أقداركم ومنازلكم من الغنى والفقر‪،‬‬

‫وليك ْن ذلك عن ر�ضا وطي ِب خاط ٍر‪ ،‬وهذه العطي ُة من‬
‫�أعمال البر‪ ،‬التي يلتزمها ذوو المروءات‪ ،‬و�أه ُل الخير‬

‫وا إلح�سان‪.‬‬

‫‪٣٨‬‬

‫�إثم عليكم أ�يها ا ألولياء �أن تتركوهن يت�صرفن في �أنف�سهن‬
‫بما لا ينكره ال�شرع عليهن‪ ،‬و أ�طيعوا الله في أ�حكامه‪،‬‬
‫واعلموا أ�نه قادر على أ�ن ينتقم ممن يخالف �أمره‪ ،‬وهو‬

‫ذو حكمة با ِلغة لا ي�شرع لكم إ�لا ما فيه‪ ‬الم�صلحة‪.‬‬

‫‪ ٢٤١‬وللن�ساء اللاتي ُيط َّلقن بعد الدخول ح ٌّق في �أن‬
‫ُيع َطين ما يتمتعن به من المال جبراً لخاطرهن‪ُ ،‬يدفع �إليهن‬
‫بالح�سنى‪ ،‬على قدر غنى الزوج وفقره؛ لأن ذلك مما‬

‫توجبه تقوى الله عز وجل‪ ،‬والالتزام ب�أحكامه‪.‬‬

‫‪ ٢٤٢‬وبمثل هذه الآيات الب ّينات‪ ،‬وال ّت�شريعات الوا�ضحة‪،‬‬
‫المح ِّققة للم�صلحة‪ ،‬يبي ُن الله لكم أ�حكامه و آ�ياته‬

‫لتتدبروها‪ ،‬وتعملوا بما فيها من الخير‪.‬‬

‫‪ ٢٤٣‬أ�لم ينته إ�لى علمك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬حا ُل القوم‬ ‫‪ ٢٣٨‬اح ِر�وصا على إ�قامة ال�صلوات المفرو�ضة؛‬
‫الذين خرجوا من ديارهم وهم أ�لوف كثيرة خ�شية‬ ‫بالمداومة عليها‪ ،‬و�أدائها في �أوقاتها مع توفية أ�ركانها‬
‫الموت‪ -‬قيل‪ :‬خرجوا ُجبن ًا عن قتال أ�عدائهم‪ .‬وقيل‪:‬‬ ‫و�شروطها و�سننها‪ ،‬والإخلا�ص الكامل لله فيها‪،‬‬
‫فراراً من الطاعون‪ -‬فق�ضى الله عليهم بالموت‪ ،‬ثم‬ ‫واحر�وصا على ال�صلاة الو�سطى ‪ -‬وهي �صلا ُة الع�صر‪-‬‬
‫أ�حياهم‪ ،‬و�إ ّن هذا الإحيا َء من ف�ضل‪ ‬الله‪ ،‬الذي ي�ستوجب‬
‫ال�شكر‪ ،‬ولكن أ�كثر النا�س لا ي�شكرون الله على نعمه‪.‬‬ ‫و�أتموا طاعة الله تعالى في �صلاتكم‪ ،‬خا�شعين لجلاله‪.‬‬

‫‪ ٢٤٤‬و�إذا علمتم �أن الفرا َر من الموت لا ينجي منه‬ ‫‪ ٢٣٩‬ف�إ ْن خفتم عد ّواً أ�و غيره ف َ�ص ّلوا م�شا ًة‪� ،‬أو راكبين‬
‫فجاهدوا وابذلوا �أنف�سكم لإعلاء كلمة الله‪ ،‬و أ�يقنوا أ�ن‬ ‫ب إ�يماء‪ ،‬كيف أ�مكن‪ ،‬م�ستقبلي القبلة وغيرها‪ ،‬ف إ�ذا زال‬
‫الله ي�سمع ما يقول المتخ ِّلفون وما يقول المجاهدون‪،‬‬ ‫الخو ُف عنكم ف أ�قيموا �صلاتكم تامة كاملة بركوعها‬
‫و�سجودها وحدودها‪ ،‬وا�شكروا الله الذي ع َّلمكم من‬
‫عليم بنياتكم و أ�عمالكم‪.‬‬
‫دينكم ما لم تكونوا تعلمون قبل نزول‪ ‬القر�آن‪.‬‬
‫‪ ٢٤٥‬والجهاد في �سبيل الله يحتاج إ�لى المال‪ ،‬فالذي‬
‫ينفق أ�مواله في �سبيل الله‪ ،‬فيعين �ضعيف ًا‪� ،‬أو يقوي ذا‬ ‫‪ ٢٤٠‬والذين ُيتوفون منكم ويتركون زوجا ٍت لهم؛ فقد‬
‫فاقة �أراد الجهاد في �سبيل الله‪َ ،‬و َع َد ُه الله �أن يخلفها عليه‬ ‫�أو�صى الله تعالى لهن بحق الإقامة في بيت الزوجية عام ًا‬
‫م�ضاعف ًة أ��ضعاف ًا كثيرة‪ .‬والرز ُق بيد الله ُي�ض ِّيق على َم ْن‬ ‫كامل ًا‪ ،‬موا�ساة لهن‪ ،‬ولا يحق ألحد أ�ن ُيخرجهن منه‪،‬‬
‫ي�شاء ِم ْن عباده ويو�ِّسع على �آخرين‪ ،‬له الحكمة البالغة في‬ ‫ف إ�ن كان الخروج من ِق َب ِله َّن واختياره َّن في �أثناء العام فلا‬
‫ذلك‪ ،‬و�إليه م�صيركم بعد الموت‪ ،‬فيجازيكم بما قدمتم‬
‫‪٣٩‬‬
‫من ا ألعمال‪.‬‬

‫‪� ٢٤٦‬ألم تعلم ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬ق�ص َة جماع ٍة من بني‬

‫إ��سرائيل بع َد َز َم ِن مو�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬طلبوا من‬
‫نب ِّيهم في ذلك الوقت أ�ن يجع َل عليهم حاكم ًا يجمع‬
‫�شملهم بع َد تف ُّر ٍق‪ ،‬ويقودهم تحت لوائه‪� ،‬إعلا ًء لكلمة‬
‫الله‪ ،‬ف�س�ألهم لي�ستوث َق من ِج ّدهم في ا ألمر و ُيح ِّذرهم‬
‫من المخالفة‪َ :‬أ�لا ُي ْن َتظر منكم أ�ن َتبنوا عن القتال �إذا‬
‫ُف ِر�ض عليكم؟ ف�أنكروا أ�ن يقع منهم ذلك‪ ،‬وقالوا‪:‬‬

‫وكيف ال‪ ‬نقاتل لا�سترداد حقوقنا‪ ،‬وقد طردنا �أعدا ؤ�نا‬

‫من أ�وطاننا؟! فل ّما �أجاب رغبتهم‪ ،‬و ُف ِر�َض عليهم‬
‫القتال‪ ،‬تخ ّلفوا �إلا جماع ًة قليل ًة منهم‪ ،‬وكان تخ ّل ُفهم‬

‫ظلم ًا ألنف�سهم‪ ،‬ولنب ِّيهم‪ ،‬ودينهم‪ ،‬والله يعلم ذلك‬
‫منهم‪ ،‬و�سيجزيهم جزاء‪ ‬الظالمين‪.‬‬

‫�آل مو�سى و آ�ل هارون من ا آلثار‪ ،‬وب إ�ح�ضاره تطمئن‬ ‫‪ ٢٤٧‬وقال لهم نب ُّيهم‪� :‬إ ّن الله تعالى ا�ستجاب لكم‪،‬‬
‫قلوبكم‪ .‬إ�ن في ذلك لدليل ًا يدفعكم إ�لى اتباعه‪ ،‬والر�ضا‬ ‫فاختار طالو َت حاكم ًا عليكم‪ ،‬فاعتر�ض كبرا ؤ�هم على‬
‫اختيار الله‪ ،‬قائلين‪ :‬كيف يكون ملك ًا علينا‪ ،‬ونحن‬
‫به‪ ،‬إ�ن كنتم للح ّق ُم ْذعنين وبه م�ؤمنين‪.‬‬
‫�أح ّق بالملك منه؟ لأنه لي�س ذا ن�سب في المُلك‪ ،‬ولا‬
‫ما َل له! فرد عليهم نب ُّيهم قائل ًا‪ :‬إ� ّن الله اختاره حاكم ًا‬
‫عليكم‪ِ ،‬لـما خ ّ�صه الله به ِم ْن �َس َعة الخبرة ب�ش ؤ�ون‬
‫الحرب‪ ،‬وتدبير ا ألمور‪ ،‬مع قوة الج�سم‪ .‬وال�ّسلطا ُن‬
‫بيد الله يعطيه من ي�شاء من عباده‪ ،‬والله �سبحانه وا�سع‬

‫الف�ضل عليم بما ي�صلحكم‪.‬‬

‫‪ ٢٤٨‬وقال لهم نب ّيهم‪ :‬إ� َّن الدليل على أ� َّن الله اختار‬
‫طالوت حاكم ًا لكم هو أ�ن يعود إ�ليكم �صندو ُق التوراة‪،‬‬

‫الذي �ُسلب منكم‪ ،‬تحمله الملائكة‪ ،‬وفيه بع�ُض ما ترك‬

‫‪٤٠‬‬

‫‪ ٢٥٠‬ولـ ّما تق َّدموا لقتال جالوت وجنوده َف ِزعوا‬
‫�إلى الله دا ِعين �ضار ِعين له أ�ن يمنحهم ال�صبر‪ ،‬ويقوي‬

‫عزائمهم ويث ِّبتهم على الجها ِد وعد ِم الفرار‪ ،‬و�أن‬
‫ين�صرهم بعونه وت�أييده على �أعدائهم الكافرين‪.‬‬

‫‪ ٢٥١‬ف�أجاب الله دعاءهم‪ ،‬وهزموا عد َّوهم ب أ�مر الله‪،‬‬
‫وقتل داو ُد ‪ -‬وكان أ�ح َد جنود طالوت‪ -‬جالو َت قائد‬
‫الكفار‪ ،‬و أ�عطى الله داود الحكم بعد طالوت‪ ،‬والنبو َة‪،‬‬

‫والعلم النافع‪ ،‬وع ّلمه مما ي�شاء‪ ،‬وللاو َد ْف ُع الله النا� َس‬
‫بع َ�ضهم ببع�ض‪� ،‬أي‪َ :‬د ْف ُع �أه ِل المع�صية لله وال�شرك‬
‫به ب أ�هل الطاعة له وا إليمان به؛ لف�سدت الأر�ُض‬

‫وا�ضطرب أ�م ُرها‪ ،‬ولك ّن‪ ‬الله دائ ُم الف�ضل والإح�سان‬
‫على عباده �أجمعين‪.‬‬

‫‪ ٢٥٢‬تلك الق�ص�ص نوحيها إ�ليك ‪ -‬أ�يها النبي‪-‬‬ ‫‪ ٢٤٩‬فل ّما خرج طالوت بجنوده للقتال قال لهم‪ :‬إ� ّن‬
‫الله ممتح ُنكم على ال�صبر بنهر تم ّرون عليه في طريقكم‪،‬‬
‫بال�صدق لتكون أ��سو ًة لك ودليل ًا على �صدق‬ ‫ف َم ْن �شرب منكم ِمن ماء النهر فلي�س ِمن أ�هل ولايتي‬
‫وطاعتي‪ ،‬و َم ْن لم يذق ماءه ف�إنه ِمن أ�هل ولايتي وجندي‬
‫ر�سالتك‪ ،‬ولتعلم �أننا �سنن�ص ُرك كما َن َ� ْصنا َم ْن‬ ‫ال�صادقين‪ ،‬إ�لا َم ْن تر ّخ�ص واغترف غرف ًة واحد ًة بيده‬
‫قبلك ِمن الر�سل وم َّتبعيهم‪ .‬وفي الق�صة �أي�ض ًا تنبيه‬ ‫فلا لو َم عليه‪ ،‬فلم ي�صبروا على هذا الاختبار و�شربوا منه‬
‫للم�سلمين أ� ّل‪ ‬يتقاع�سوا عن الجهاد والقتال في �سبيل‬ ‫�شرب ًا كثيراً �إلا جماعة قليلة منهم‪ ،‬فا�صطحب طالوت‬

‫الله �إن ِف ُر�َض عليهم‪.‬‬ ‫هذه ال ِق ّل َة ال�صابرة‪ ،‬واجتاز بها النهر‪ ،‬فل ّما ظهر ْت‬
‫لهم كثر ُة عدد عد ّوهم قالوا‪ :‬لن ن�ستطيع اليوم قتا َل‬
‫جالوت وجنوده لكثرتهم وقلتنا‪ ،‬فقال الذين يوقنون‬

‫بالـ َمعاد وي�ص ّدقون بالرجوع إ�لى الله‪ :‬كثيراً ما غلبت‬
‫ال ِق ّل ُة الم�ؤمن ُة الكثر َة الكافر َة‪ ،‬ب�أمر الله وعونه‪ ،‬والله مع‬

‫ال�صابرين‪ ،‬الذين ُي َ�ص ِّبون �أنف�سهم في �سبيل ر�ضاه و�أداء‬
‫طاعته‪.‬‬

‫‪٤١‬‬


Click to View FlipBook Version