�شيء ،ولا ي�ستطيع �أح ٌد أ�ن يدرك ولو �شيئ ًا قليل ًا من علمه ٢٥٣أ�ولئك الر�سل الكرام الذين ذكرناهم ف َّ�ضلنا
إ�لا ما �أراد أ�ن ُي ْع ِل َم به ،أ�حاط كر�س ُّي ُملكه بال�سماوات بع�ضهم ببع�ض الخ�صائ�ص ،فمنهم َم ْن ف َّ�ضله الله ب�أن ك َّلمه
والأر�ض -والكر�س ُّي مخلوق عظيم ،وتن َّزه الله �أن دون وا�سطة ،كمو�سى -عليه ال�سلام -ومنهم َم ْن رفع
يكون محملا ًو على �شيء �أو محدوداً ب�شيء ،وو ِ�سع رتبته ومنزلته على �سائر ا ألنبياء -وهو نبينا محمد -
علمه و�سلطانه ال�سماوات وا ألر�ض -ولا ي�ش ّق عليه
تعالى حف ُظهما ،وهو المتعالي عن النق�ص ،ذو العظمة و�آتى الله عي�سى ابن مريم ا آليات الوا�ضحات على �صدق
الذي دونه ك ُّل �شيء. نبوتهِ ،م ْن إ�حياء الأموات ،و إ�براء المر�ضى ،و�أعانه الله
وحفظه بجبريل -عليه ال�سلام -ولو أ�راد الله أ� ّل يقتت َل
٢٥٦لا إ�جبار على الدخول في الإ�سلام ،قد َو َ�ضح
با ألدلة الظاهرة طري ُق الحق من طريق ال�ضلال ،فمن الذين جا�ؤوا ِم ْن بعد الر�سل ِم ْن بعد ما �أر�شدهم الله �إلى
َي َد ْع ربوبي َة ك ِّل معبود من دون الله ،وي�ؤم ْن ب أ�ن الله الحق وقامت عليهم الحج ُج البينا ُت لما اقتتلوا ،ولكن
إ�لهه ور ُّبه ومعبوده ،فقد تم�َّسك من الدين ب�أقوى أ��سباب اقت�ض ْت حكمته عدم �إرادة ذلك ،فافترقوا ،فمنهم َم ْن
النجاة ،التي ال انحلا َل ولا انقطا َع لها ،والله �سميع لزم دين الأنبياء ،ومنهم َم ْن كفر به ،ف�أ ّداهم ذلك �إلى
ألقوال عباده ،عليم ب أ�فعالهم ،و�سيجازيهم على ذلك. الاقتتال ،ولو أ�راد الله عدم اقتتالهم بعد هذا الاختلاف
٤٢ �أي�ض ًا ما اقتتلوا ،ولك ّن الله يدفع النا�س بع�ضهم ببع�ض،
و ُيجري ا ألمور بحكمته ،ويفعل ما يريد.
٢٥٤يا َم ْن آ�منتم بالله واليوم الآخر ،أ�نفقوا في �سبيل
الله مما رزقناكم ِم ْن �أموالكم ،وت�ص َّدقوا على المحتاجين،
و�آتوا منها الحقو َق التي فر�ضناها عليكمِ ،م ْن قبل مجيء
يو ٍم لا ت�ستطيعون فيه تدار َك ما فاتكم ،وهو يوم القيامة،
إ�ذ ال يمكن فيه البي ُع فت�شترون �أنف�سكم به من العذاب،
ولا مودة بين الع�صاة تنفعهم ،ولا �شفاعة فيه إ� ّل ِم ْن
بعد إ�ذنه تعالى ،والكافرون بالله هم الظالمون ألنف�سهم
بتكذيبهم للر�سل وتجاوز حدود الله.
٢٥٥الله هو الم�ست ِح ّق لجميع الكمالات ،الذي لا
معبو َد بح ّق �سواه ،فهو الدائ ُم البقاء ،لا �أ ّول ولا �آخر
لوجوده ،القائ ُم بحفظ الخلق وتدبير أ�مره ،الذي لا
يغفل عنهم �أبداً ،فلا ي�صيبه نعا�س ولا نوم ،له كل ما في
ال�سماوات وا ألر�ض ملك ًا و َخلق ًا وتدبيراً ،لي�س ألحد
�أن ي�شفع عنده إ�لا ب�إذنه ،و ِع ْل ُم ُه �سبحانه محيط بكل
قتله ،و أ��ستبقي َم ْن أ�ردت ا�ستبقاءه .ف أ�تى إ�براهي ُم -عليه ٢٥٧الله هو المعي ُن والنا�ص ُر للم�ؤمنين به تعالى ،يك�شف
ال�سلام -ب ُح َّجة أ�و�ضح لا تجري فيها المغالطة؛ ليقطع عنهم بتوفيقه دواعي الكفر ببراهين الإيمان ،فيخرجهم
مجادلته ،فقال :إ�ن الله الذي أ�عبده ي�أتي بال�شم�س من
الم�شرق ف ْأ�ت بها �أنت من المغرب .ف ُد ِه�ش هذا الكافر بذلك من ظلمات ال�شك والحيرة واتباع الهوى ،إ�لى
وانقطعت ُحجته ،والله لا يوفق �إلى الحق المعاندين نور الهدى واليقين ،والذين كفروا ت�ستولي عليهم
الم�ص ِّرين على الباطل.
ال�شياطين ف ُتزي ُن لهم ما هم فيه من الجهالات وال�ضلالات
� ٢٥٩أ َوما علمت -أ�يها الر�سولَ -م َث َل الذي َم َّر على فيحيدون به عن الهدى إ�لى ظلمات الكفر ،أ�ولئك هم
مدينة ،وهي خربة خالية من أ�هلها و�سكانها ،قد �سقطت
أ��صحا ُب النار الملازمون لها ،ال يخرجون منها أ�بداً.
حيطا ُنها على �سقوفها ،فقال م�ستعظم ًا �ش أ�ن �إحيائها أ�و
م�ستبعداً له من �شدة خرابها بعد �أن ر آ�ها من قب ُل عامر ًة ٢٥٨أ� َما علم َت � -أيها الر�سول -أ�م َر الم ِل ِك الذي
جادل إ�براهيم -عليه ال�سلام -في �ألوهية ربه و�صفاته
-وهو يعلم �أن الله هو الذي خلقها -كيف يحيي الله
ب�سبب غروره بالملك الذي �أعطاه الله �إياه؟ �إذ قال
هذه المدينة و أ�ه َلها فتعو َد كما كانت؟ ف�أماته الله مئة
عام ،ثم أ�حياه ِل ُي ِظهر له �سهولة ا إلحياء عليه تعالى ،فقال إ�براهيم له وهو يدعوه إ�لى الحق :ربي الذي بيده الحياة
له الله :كم مكثت م ِّيت ًا؟ فقال بح�سب ظنه :مكث ُت يوم ًا والموت ،يحيي َم ْن ي�شاء ويميت َم ْن ي�شاء ،ف أ�َعمى المل َك
أ�و بع�َض يوم .فقال الله له :بل مكثت م ِّيت ًا مئة عام .ثم غرو ُره وقال مغالط ًا� :أنا ُأ�حيي و أُ�ميت ،ف أ�قتل َم ْن �أردت
�أراه الله مظاهر متباينة لقدرته تعالى ،ف�أمره �أن ينظر �إلى
حال طعامه الذي كان معه كيف حفظه الله طول هذه
المدة فلم يتغير ،و�أمره �أن ينظر إ�لى حماره وقد َب ِل َي فلم
تبق إ�لا ِعظامه ولم ُي ْحفظ كما ُح ِف َظ الطعام ،وقد فعل
الله ذلك لتكون � -أيها ال�سائل -مثال ًا وا�ضح ًا للنا�س
على قدرة الله على البعث .وقال تعالى له أ�ي�ض ًا:انظر
�إلى ِعظام حمارك كيف نقيمها ونر ِّك ُب بع�ضها على
بع�ض ،ثم نك�سوها باللحم ،ونعيدها حية كما كانت.
فلما ات�ضح له ذلك ِعيان ًا ،قال� :أعلم أ�ن الله على كل
�شيء قدير.
٤٣
يتبعها أ�ذى بالم ِّن وغيره ،والله غن ّي عن هذا ا إلنفاق، ٢٦٠واذكر -أ�يها الر�سول -ق�ص َة �إبراهيم� ،إذ دعا
َح ِلي ٌم عن معاجلة َم ْن َ ُي ُّن وي ؤ�ذي بالعقوبة. ربه قائل ًا :ر ِّب �أ ِرني ِعيان ًا كيفية �إحياء الموتى ،ف�س�أله الله
وهو �أعلم به� :أولم ت ؤ�من بقدرتي على الإحياء؟ قال:
٢٦٤يا أ�يها الذين �آمنوا لا ُت�ض ّيعوا ثوا َب �صدقاتكم
ب إ�تباعها بالم ِّن والأذى ،فتكونوا في عدم الانتفاع بهذه بلى �آمنت ،ولكن �س أ�لت ذلك ألزداد ب�صير ًة و�سكو َن
ال�صدقات كحال المنافق الذي ينفق ماله ليراه النا�س ،لا قل ٍب باجتماع المعاينة مع ما ا�ستق ّر في قلبي من العلم
يق�صد بذلك وجه الله وثواب ا آلخرةَ ،ف َم َث ُل حال هذا بذلك .فقال الله تعالى لهُ :خ ْذ �أربع ًة من أ�نواع الطير
المرائي كمثل َحجر �أمل� َس عليه تراب ،يظنه الرائي �أر�ض ًا المختلفة فا�ضممهن �إليك لتت�أملهن وت ْع ِر َف أ��شكالهن،
ُم ْن ِبت ًة ،ف�أ�صابه مطر غزير ،ف أ�زال الترا َب وتركه أ�مل� َس ثم اذبحهن وق ّطعهن ،ثم اجعل على كل جبل من
لا ُين ِبت ولا ُيح َ�صد منه �شيء ،فكذلك ه�ؤلاء المرا ؤ�ون
لا ينتفعون يو َم القيامة ب�شيء مما عملوا في الدنيا ولا الجبال جزءاً من هذه الطيور ،ثم اد ُعهن �إليك ي�أتينك
يجدون له ثواب ًا .والله لا يوفق الكافرين لإ�صابة الحق، م�سرعا ٍت ،قد ُع ْد َن كما ك َّن ،واعلم أ�ن الله قادر لا
ف إ�ياكم أ�يها الم�ؤمنون أ�ن ي َت�س َّرب إ�ليكم �شيء من أ�حوالهم.
يعجزه �شيء ،حكيم قد �أتقن كل �شيء.
٤٤
َ ٢٦١مث ُل نفق ِة الذين ينفقون أ�موالهم في طاعة الله من
الجهاد وغيره من �أنواع البر ،في ِعظم جزائها وبركتها
كمثل ح َّبة ُزرعت في أ�ر�ض ط ّيبة ف أ�خرجت �سب َع �سنابل،
في كل �سنبلة مئ ُة حبة ،والله ي�ضاعف �إلى ال�سبعمئة ويزيد
بف�ضله �أكث َر من ذلك لمن ي�شاء ،والله وا�سع الف�ضل ،عليم
ب َم ْن ي�ستحق الم�ضاعفة و َم ْن لا ي�ستحق.
٢٦٢الذين يبذلون أ�موالهم ابتغا َء مر�ضاة الله وطلب ًا
لثوابه ثم لا ُي ْتبعون ما �أنفقوا من ال�صدقات م ّن ًا ِب َع ِّد
ال�صدقات على من ُت ُ�ص ِّد َق عليهم وتذكي ِرهم بها ،ولا
�أ ّي نوع من أ�نواع ا ألذى ،ه�ؤلاء المح�سنون لهم ثوابهم
وجزا�ؤهم عند الله ،ولا خو ٌف عليهم فيما ي�ستقبلونه
بع َد الممات من �أهوال يوم القيامة ،وغيرها ،ولا هم
يحزنون على ما خ ّلفوا وراءهم من الدنيا ،ألنهم قد
�صاروا �إلى ما هو خي ٌر لهم من ذلك.
٢٦٣كلم ٌة طيب ٌة ُي َر ُّد بها ال�سائل ،و�ست ٌر على حاجته،
وعف ٌو وتجاو ٌز عن إ��ساءته إ�ن أ��ساء ،خي ٌر عند الله من �صدقة
ري ٌح �شديد فيه نار فاحترقت ،فب ِق َي لا �شيء عنده .فهذا َ ٢٦٥و َم َث ُل نفقة الذين ينفقون أ�موالهم في وجوه الخير
َم َث ٌل آ�خر للنفقة التي يكون باعثها الرياء ،ي�أتي �صاح ُبها مبتغين مر�ضاة الله ،ومث ّبتين أ�نف َ�سهم على ا إلنفاق ب�سبب
يوم القيامة وهو في �أ�شد الحاجة إ�ليها فيجدها قد أ�حرقها ت�صديقهم بوعد الله َك َم َث ِل ب�ستا ٍن ب�أر�ض طيبة مرتفعة،
ف�أ�صاب هذا الب�ستان مط ٌر �شدي ٌد ف أ�عطى ثمرته م�ضا َع َف ًة،
الرياء فذهبت ،وبمثل هذا البيان الوا�ضح في �أمر النفقات ف�إ ْن لم ُي�صب هذا الب�ستان مط ٌر �شدي ٌد فالمطر الخفيف
يكفيه ل ُي ْث ِم َر؛ ل ِطي ِب �أر�ضه ،كذلك عم ُل الم ؤ�منين ابتغاء
يبين الله لكم ا آليات لتتفكروا فيها فتعتبروا. وجه الله لا يبور ولا يتخ ّلف خي ُره ،و�أجرهم متفاو ٌت
بح�سب الإخلا�ص ،والله لا يخفى عليه �شيء من
٢٦٧يا �أيها الذين �آمنوا ز ّكوا وت�ص ّدقوا ِم ْن ِخيار
أ�موالكم التي اكت�سبتموها و ِم ْن طيبات ما أ�خرجنا لكم �أعمالكم ،و�سيجازيكم ،ف�أح ِ�سنوا.
من الأر�ض من الزروع والثمار ،ولا تق�صدوا المال
٢٦٦أ�يح ُّب �أح ُدكم �أن تكو َن له جن ٌة (ب�ستان) فيها من
الرديء تنفقون منه دون غيره ،والحال أ�نكم لا تقبلونه �أ�شجار النخيل والعنب ،تجري خلال هذه الجنة ا ألنهار،
في معاملاتكم لرداءته �إلا أ�ن تت�سامحوا وتتغافلوا عما له فيها من كل �أنواع الثمرات ،وهو في �أ�ش ّد الحاجة �إلى
ثمرتها ،و�أ�صابه ال ِك َ ُب ف�أعجزه عن العمل ،وذر َّي ُت ُه ذر َّي ٌة
فيه ،فكيف َت ْع َمدون إ�ليه فتخ ّ�صونه با إلنفاق دون ما �صغا ٌر لا قدر َة لهم على الك�سب ،ف أ��صاب تلك الجن َة
عندكم من ال َّطيب؟ واعلموا �أن الله غني عن نفقاتكم،
٤٥
�شاكر لمن ت�صدق �صدقة طيبة ،بقبولها منه و�إثابته عليها.
٢٦٨ال�شيطا ُن يخ ّوفكم من الفقرِ ،ل ُت ْم�سكوا ما
ب�أيديكم فلا تنفقوه في مر�ضاة الله ،ويغريكم أ�ي�ض ًا
بمعا�صي الله و َت ْر ِك طاعته ،والله يعدكم َو ْع َد ال�صدق
الذي لا يتخلف أ�ن يغفر ذنوبكم ويزيدكم من ف�ضله،
فلا تخ َ�ش ْوا الفق َر و�أنتم تنفقون� ،إن الله وا�سع الف�ضل
والمغفرة ،عليم بما أ�نفقتم في �سبيله ،يح�صيه لكم،
و�سيجزيكم عليه.
٢٦٩ي�ؤتي الله العلم النافع الذي ي�ؤدي ب�صاحبه �إلى
ح�سن الفهم و�إ�صابة الحق في القول والعمل َم ْن ي�شا ُء
ِم ْن عباده -و ِم ْن تلك الحكم ِة ما ذ َّك ْرناكم به في ا آليات
ال�سابقات -و َم ْن ي�ُؤ َت هذا العل َم فقد ُ�أعطي عطاء
عظيم ًا ،يجمع له خيري الدنيا والآخرة ،وما ينتفع
بما ُذ ِك َر من المواعظ في ا آليات �إلا أ��صحا ُب العقول
ال�سليمة ،البعيدة عن طغيان الأهواء.
٢٧٠و أ� ُّي �صدق ٍة ت�ص ّدقتم بها ،أ�و نذ ٍر نذرتموه طاعة
لله ،ف�إن الله يعل ُم ذلك كله ،و�سيجزيكم عليه ،والذين
يمنعون ح ّق الله ،وينفقون �أموالهم في المعا�صي ،لي�س
لهم َم ْن ين�صرهم يوم القيامة ،ويدفع عنهم عقاب الله.
٢٧١إ� ْن ُتظ ِهروا ما َت َتطوعون به من ال�صدقات -من
غير رياء -فهذا �أم ٌر ح�س ٌن ،و�إن ُت ِ� ُّسوها عن النا�س،
وتعطوها الفقراء �سراً خ�شية الرياء واجتناب ًا لإحراجهم
فهو خير لكم ،ويكفر الله ب�صدقاتكم بع�َض �سيئاتكم،
والله يعلم ما ُت�س ُّرون وما ُتعلنون من ال�صدقات وغيرها،
لا تخفى عليه نواياكم ،و�سيوفيكم �أجوركم.
غير إ�لحاح ،تع ُّفف ًا منهم ،وما تبذلوا ِم ْن مال قلي ٍل أ�و كثي ٍر ٢٧٢لي�س عليك � -أيها الر�سول� -أن تجعل النا�س من
فلا يخفى على الله ،و�سيجزيكم عليه.
الم�شركين وغيرهم مهتدين ،و إ�نما عليك البلاغ ،فالذي
٢٧٤الذين يبذلون �أموالهم في وجوه الخير ابتغاء
مر�ضاة الله في �أ ِّي وق ٍت ِم ْن لي ٍل �أو نها ٍر ،وفي جميع بيده ذلك هو الله تعالى ،يوفق َم ْن ي�شاء من خلقه �إلى
ا ألحوال �س ّراً وعلانية ،فلهم ب�سبب ذلك الإنفاق ا إل�سلام ،فلا تمنعوا الم�شركين وغيرهم �صدقة التطوع،
الثواب العظيم يوم القيامة ،وقد ُأ� ِّمنوا فلا يخافون مما
ي�ستقبلون من أ�هوال في الآخرة ،ولا يحزنون على ما وما تبذلونه أ�يها الم�ؤمنون من مال فثوا ُبه ألنف�سكم،
والم�ؤمنون إ�نما ينفقون طلب ًا لمر�ضاة الله وثوابه ،لا لغر�ٍض
فاتهم من الدنيا.
�آخر ،فلا تنفقوا �إلا ابتغا َء مر�ضاة الله ،و�أ ُّي �شيء تبذلونه
٤٦ من الخير بهذا الق�صد ي ؤ� َّد �إليكم ثوا ُبه تا ّم ًا م�ضاعف ًا،
و أ�نتم الُ ت ْن َق�وصن من ثواب نفقاتكم �شيئ ًا.
٢٧٣خير َم ْن تت�ص ّدقون عليه � -أيها الم ؤ�منون -الفقرا ُء
الذين حب�سوا �أنف�سهم على التع ُّل ِم والجها ِد في �سبيل الله،
قد منعهم الا�شتغا ُل بذلك عن التفرغ لل�سعي في ا ألر�ض
طلب ًا للمعا�ش -وهم فقراء المهاجرين الذين كانوا ي�أوون
�إلى ُ�ص ّفة م�سجد ر�سول الله -يظ ُّنهم َم ْن لم يعرف
حالهم أ�غنيا َء ل�صبرهم َو ْتر ِكهم الم�س أ�ل َةَ ،ت ْع ِر ُفهم -أ�يها
الناظر -ب آ�ثار الحاجة فيهم ،من ال�ضعف والإجهاد
ورثاثة الحال ،لا ي�س أ�لون النا�س ال َب ّتة� ،س ؤ�ال �إلحاح �أو
� ٢٧٧إن الذين �ص ّدقوا بالله ور�سوله وبما جاء به من
عند ربهم ،وعملوا ال�صالحات التي �أمرهم الله عز وجل
بها ،و�أقاموا ال�صلاة المفرو�ضة بحدودها و أ�دوها تامة،
و أ�خرجوا الزكاة المفرو�ضة عليهم في �أموالهم ،لهم ثوا ُب
ذلك عند ربهم ،ولا خو ٌف عليهم من عقابه على ما
�سلف منهم في جاهليتهم وكفرهم قبل �أن تجيئهم موعظ ُة
ربهم ،والُ ح ْز ٌن على ما فاتهم ِم ْن حظوظ دنياهم.
٢٧٨يا أ�يها الذين آ�منوا خافوا الله وا�ست�شعروا هيبته في
قلوبكم ،واتركوا طل َب ما بقي لكم من الربا عند النا�س
إ�ن كنتم مح ّققين �إيمانكم قلا ًو وعمل ًا.
٢٧٩ف�إن لم َت ْر َتدعوا عما نهاكم الله عنه فتر َّقبوا حرب ًا ٢٧٥الذين يتعاملون بالربا �أخذاً و إ�عطا ًء لا يقومون من
من الله ور�سوله ،و�إن أ�نبتم �إلى ربكم وتركتم أ�كل الربا قبورهم يوم القيامة إ�لا كما يقوم الم�صرو ُع حا َل �صرعه
وتخ ُّب ِط ال�شيطان له؛ ذلك لأنهم اعتر�وضا على �أحكام
فلكم أ�خ ُذ ر�ؤو�س �أموالكم دون زيادة عليها ق ّلت �أو الله في �شرعه ،فقالوا� :إنما البي ُع مث ُل الربا -في أ�ن كل ًا
كثرت ،لا َت ْظ ِلمون غرماءكم ب�أخذ الزيادة ،ولا ُتظلمون منهما حلا ٌل ويجوز التر ُّب ُح به -فر ّد الله زعمهم وب ّي
أ�نه أ�ح ّل البي َع وح ّرم الربا ،ف َم ْن َب َلغه أ�م ُر ربه بتحريم
�أنتم من ِق َب ِلهم بالمطل والنق�ص. الربا واهتدى به فله ما �أخذه من الربا قبل تحريمه ،و�أم ُره
موكو ٌل �إلى الله فيما ي�ستقبل ع�صم ًة وتوفيق ًا ،و َم ْن عاد
٢٨٠و إ� ْن كان الم ِدي ُن غير قادر على ال�سداد ل ُع�ْسته �إلى التعامل بالربا با�ستحلاله بعد تحريمه ف�أولئك يلازمون
ف�أمهلوه عند حلول دينه �إلى وقت ُي�ْ ِسه ،و أ�ن ُتب ِّرئوه
من ر أ��س المال ك ِّله أ�و بع�ضه أ�ف�ض ُل لكم �إن كنتم تعلمون النار خالدين فيها.
ف�ضل ذلك. ُ ٢٧٦ين ِق�ُص الله الربا و ُيذهب بركة المال الداخل فيه،
ويزيد ما َل المت�صدق وي�ضاعف أ�جره فيه ،والله لا يحب
٢٨١واحذروا � -أيها النا�س -يوم ًا ُتـ َر ّدون فيه �إلى الله،
فيجازى ك ُّل واحد منكم بما عمل من خير �أو �شر ،دون ك َّل ُم ِ� ٍّص على الكفر بربه ،مقيم عليه ،م�ستح ّل لأكل
الربا ،متما ٍد في ا إلثم والحرام.
�أن يناله ظل ٌم بنق�ص ح�سنة �أو زيادة �سيئة ،فت�أهبوا يا عباد
الله لم�صيركم إ�ليه. ٤٧
تتبادلونها يداً بيد دون ت أ�خير ،فلا مانع في هذه الحالة ٢٨٢يا أ�يها الذين آ�منوا إ�ذا كان لبع�ضكم َدين على
ِمن ترك الكتابة لعدم الحاجة إ�ليها ،و�َأ�ش ِهدوا على تلك
بع�ض� ،أو تبايعتم بال َّدين إ�لى �أجل معلوم ،فاكتبوا ذلك
التجارة وعلى بيعكم مطلق ًا دفع ًا للنزاع -وهذا �أمر
ال َّدين حفظ ًا للحقوق ودفع ًا للنزاع -والأمر بالكتابة
إ�ر�شاد لا وجوب عند جمهور العلماء -و ْل َيـ َت َفا َد الدائ ُن
والمدين أ�ن ُيل ِحقا أ� َّي �ضرر بكاتب أ�و �شاهد� ،سواء أ�رادا هنا على �سبيل الا�ستحباب عند جمهور الفقهاء -و ْل َي ُقم
به َح ْم َلهما على كتابة غير الحق �أو قول غير الحق� ،أو غير بالكتابة �شخ� ٌص أ�مي ٌن ماهر فيها ،كتاب ًة بالحق من غير
ذلك ،ف إ��ضرارهما خرو ٌج عن طاعة الله ،واتقوا الله فيما زيادة ولا نق�صان ولا تقدي ِم �أج ٍل ولا ت أ�خير ،وكما ع َّلم
�أمركم به ونهاكم عنه ،و ُي َع ِّل ُمكم الله ما ُي ْ�ص ِل ُح به دنياكم
و�أخراكم ،والله �سبحانه عالم بما ي�صلحكم ،لا يخفى اللهُ الكات َب الكتابة وجعله ماهراً فيها فلا ينبغي أ�ن
يمتنع عن الكتابة �إذا ُد ِعي إ�ليها -و إ�نه لي أ�ثم إ�ن امتنع
عليه �أي �شيء ِم ْن أ�عمالكم. عن الكتابة ،إ�ذا لم يوجد موثوق به فيها �سواهَ -ف ْل َي ْكتب
الكات ُب ال َّدين بالعدل كما ع ّلمه الله ،وليتو ّل الم ِدي ُن
إ�ملا َء ما عليه من ال َّدين على الكاتب ،وليتق الم ِدي ُن ر َّبه
ولا ينق�ص منه �شيئ ًا ،ف إ�ن كان الم ِدين لا يح�سن ا إلملاء،
ب�أن كان �سفيه ًا ،ب أ� ِّي نو ٍع من �أنواع ال�سفه التي تفيد
عد َم ُح�ْس ِن ت�صرفه في المال� ،أو �ضعيف ًا كال�صبي وال�شيخ
الكبير� ،أو لا ي�ستطيع الإملاء -لخر� ٍس� ،أو �ضعف نطق،
أ�و جه ٍل بلغ ِة الوثيقة �أو لا خبرة له ب�إملاء هذه المكاتبات،
�أو لعد ِم قدر ٍة على الح�وضر للإملاء �أو نحو ذلكَ -ف ْليقم
وليُّ المدين بالإملاء عنه بالعدل ،و أ��شهدوا على ذلك
ال َّدين رجلين َع ْد َلين من الم�سلمين ،زياد ًة للتوثق ،ف�إن لم
يتي�سر لكم رجلان ،ف أ��شهدوا رجل ًا وامر�أتين ممن تر�وضن
�شهادتهم لعدالتهم و�ضبطهم ،خ�شي َة �أن تن�سى إ�حدى
المر أ�تين ف ُتذ ّك َر إ�حداهما ا ألخرى ،ولا يمتنع ال�شهود عن
أ�داء ال�شهادة وتح ُّم ِلها متى ُدعوا �إليها ،حتى ال ت�ضيع
الحقوق ،ولا َ َت ُّلوا من كتابة ال َّدين �إلى الوقت المح ّدد
له �سواء أ�كان هذا الدين كبيراً �أم �صغيراً ،فكتابته أَ� ْع َد ُل
في �شريعة الله ،و َأ� ْقو ُم في الدلالة على �وصاب ال�شهادة،
و�َأ ْقرب �إلى عدم ح�وصل ريبة ،و إ�لى زوالها إ�ن ح�صلت،
�إلا �إذا كان التعام ُل على �سبيل التجارة الحا�ضرة ،التي
٤٨
فيغفر لمن ي�شاء ويعذب من ي�شاء ،وهو تعالى على كل ٢٨٣و إ�ن كنتم م�سافرين وتداينتم ولم تجدوا كاتب ًا
�شيء قدير. يكتب لكم ،وكذا �إن لم تجدوا �أدوات كتابة ،فليكن
� ٢٨٥ص َّد َق و أ�يق َن ر�سو ُل الله محم ٌد - -بما َب َد َل الكتابة َر ْه ٌن ُيدفع ل�صاحب الحق �ضمان ًا لحقه عند
�أوحي �إليه من ربه من الكتاب ،و�ص ّدق الم�ؤمنون أ�ي�ض ًا تع ُّذر أ�خذه من الم ِدين ،ف�إن َو ِث َق الدائن بالم ِدين فداينه بلا
رهن ،فلي�ؤد المدي ُن دينه الذي ا ؤ�تمن عليه �أدا ًء ح�سن ًا من
مع نبيهم بالله وملائكته وكتبه ور�سله ،وهم لا يفرقون غير �إنكار �أو مماطلةَ ،و ْلي ّتق اللهَر َّبه في حقوق غيره ،ولا
بين �أح ٍد من ر�سله ،وي ؤ�منون بهم جميع ًا ،فلا ي ؤ�منون تمتنعوا �أيها ال�شهود عن �أداء ال�شهادة التي تحملتموها إ�ذا
ببع�ض ويكفرون ببع�ض ،و�أ َّكدوا �إيما َنهم القلب َّي بقولهم ُدعيتم إ�ليها ،و َمن يمتنع عن أ�دائها ،ف إ� َّن قلبه آ�ثم � -إذ إ�نه
الل�ساني م َّتجهين �إلى الله تعالى في خطابهم قائلين :ر َّبنا لم َي ْح ِم ْله على الكتمان إ�لا ما في قلبه من �إثم وف�ساد-
�سمعنا تنزيلك المح َكم ،وا�ستجبنا لما فيه ،فامنحنا اللهم
والله عليم بكل أ�عمالكم و�سيجازيكم بها.
مغفرتك� ،إليك وح َدك الم�صير والمرجع.
٢٨٦إ�ن الله لا يك ِّلف نف�س ًا ف َي َتع ّبدها �إلا بما َي َ�سعها،
فلا ُي�ض ِّيق عليها ولا ُي ْجهدها .لك ِّل نف� ٍس ما عمل ْت من
خير ،وعليها ما عمل ْت من �شر ،فا�ضرعوا إ�لى الله أ�يها
الم�ؤمنون داعين :ر َّبنا لا تعاقبنا إ�ن ن�سينا �شيئ ًا مما افتر�ضته
علينا �أو أ�خط�أنا في فعل �شيء نهيتنا عن فعله ،ر َّبنا ولا
ت�ش ّدد علينا في الت�شريع كما �ش ّدد َت على َم ْن قب َلنا ِمن
أ�هل الكتاب ،ر ّبنا ولا ُتك ّلفنا من ا ألعمال ما لا ُنطيق
القيام به لثقل ِح ْم ِله علينا ،واع ُف عنا بكرمك ،واغفر
لنا بف�ضلك ،وارحمنا برحمتك الوا�سعة� ،إنك ملاونا
ومال ُك أ�مرنا؛ فان�صرنا يا ر ّب على القوم الكافرين
و�أعداء الله الجاحدين.
٢٨٤واعلموا أ�ن لله ما في ال�سماوات وا ألر�ض ملك ًا
وتدبيراً و إ�حاط ًة ،و�سواء �أ ْظهرتم ما في �أنف�سكم �أو
�أخفيتموه؛ ف�إن الله يعلمه و�سيحا�سبكم به يوم القيامة؛
٤٩
هذا المت�شابه إ�لا الله .و أ� ّما العلماء الرا�سخون المتمكنون } ١ﭑ{� :سبق الكلام على هذه الحروف
في العلم ،فيقولون :آ�منا بالمت�شابه ،و َن ِك ُل معرف َة حقيقة الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة.
معناه إ�لى اللهُ ،ك ٌّل من المح َكم والمت�شابه ح ٌّق و�صد ٌق من
عند ربنا ،وير ُّدون فهم المت�شابه �إلى الم ْح َكم ،وما يدرك ٢الله ،هو ا إلله الذي لا معبو َد بح ٍّق �إلا هو ،الح ُّي
هذه الحقائق الدينية وي َّتعظ بمواعظ القر آ�ن وهديه� ،إلا الذي ال يموت ،القائم ب أ�مر كل �شيء يكل ؤ�ه ويحفظه
أ��صحاب العقول ال�سليمة ،البعيد ِة عن الأهواء. ويدبر� أمره.
٨ويقول ه ؤ�لاء العلماء الرا�سخون :ر ّبنا لا ُت ِزغ
قلوبنا عن الحق والهدى بعد إ�ذ وفقتنا وهديتنا �إليه، ٣ن ّزل الله عليك � -أيها الر�سول -القر�آن بالحق
و َه ْب لنا منك رحم ًة وتوفيق ًا تث ِّبت بهما قلوبنا على الذي لا ريب فيه ،م�صدق ًا لما قب َله من الكت ِب المنزلة ،وقد
الحق ،وتع�صمنا بهما عن اتباع الهوى ،إ�نك �أنت �أنزل الله من قبله التوراة على مو�سى -عليه ال�سلام-
الوا�سع الف�ضل ،المعطي بلا� س�ؤال ولا ح�ساب. والإنجيل على عي�سى -عليه ال�سلام.-
٩ويقولون :ر ّبنا �إننا نعلم �أنك جامع النا�س جميع ًا
-كما َو َع ْد َت -للح�ساب والجزاء يوم القيامة ،الذي � ٤أنز َلهما من قب ِل نزول القر�آن ،لهداية النا�س ،فلما
هو ح ٌّق لا �ش َّك في وقوعه ،فهب لنا فيه رحمة وف�ضل ًا، انحرفوا �أنزل القر آ� َن فارق ًا بين الحق والباطل ،والذين
جحدوا آ�يا ِت الله المنزلة لهم عذا ٌب عظي ٌم ،والله عزي ٌز
�إنك لا تخلف الميعاد
الُ ي َغا َلب ،ذو انتقام ممن جحد ُحججه و�أدلته.
٥٠
٥إ� ّن الله محي ٌط عل ُمه بالخلائق ،لا يخفى عليه �شيء
في الأر�ض ولا في ال�سماء� ،صغيراً كان �أو كبيراً ،ظاهراً
�أو باطن ًا.
٦هو وح َده الذي ي�و ّصركم جميع ًا في �أرحام
أ�مهاتكم كما ي�شاءِ ،من ذك ٍر و�أنثى ،و َح َ�س ٍن وقبيح،
و�شقي و�سعيد ،لا معبو َد بح ٍّق �سواه ،العزي ُز الذي لا
ُيغا َلب ،الحكي ُم في �أمره وتدبيره.
٧وهو تعالى الذي �أنزل عليك � -أيها الر�سول-
القر�آن :منه �آيات وا�ضحات الدلالة ،لا التبا�س فيها ولا
ا�شتباه ،هن أ��صل الكتاب الذي ُيرجع �إليه عند الا�شتباه.
ومنه �آيا ٌت �ُأ َخر غير وا�ضحة الدلالة ،ي�شتبه معناها� ،أو
يتبادر من ظاهرها غير المراد بها ولا ُيعرف المرا ُد منها،
إ�لا بر ِّدها إ�لى الم ْح َك ِم الوا�ضح من ا آليات؛ ف أ�ما الذين
في قلوبهم َمي ٌل عن الحق إ�لى الأهواء الباطلة ،فيتعلقون
بظاهر المت�شا ِبه من الكتاب ويتركون الم ْح َك َم؛ طلب ًا لفتنة
الم ؤ�منين عن دينهم ،بالت�شكيك والتلبي�س ،وطلب ًا لت�أويله
على ح�سب أ�هوائهم الفا�سدة ،ولا يعلم حقيقة ت�أويل
و ِلـ َمن على �شاكتلهم من الكفار� :س ُتغ َلبون في الدنيا، � ١٠إ ّن الذين جحدوا الح َّق الذي عرفوه من نبوة
وتح�شرون في الآخرة �إلى نار جهنم؛ فتدخلونها لتكون محمد - -لن ُتنجيهم �أموالهم ولا �أولادهم من
عقوبة الله �إن �أح ّلها بهم ،عاجل ًا في الدنيا أ�و �آجل ًا
لكم فرا�ش ًا ،وبئ�س الفرا�ش هي. في ا آلخرة ،فتدفعها عنهم ،وه�ؤلاء هم َح َطب النار
١٣قد كان لكم �أيها اليهود آ�ي ٌة دال ٌة على �أن الله مع ٌّز يوم القيامة.
دي َنه ،ونا�صرٌ ر�سو َله ،وهي ما كان يوم بد ٍر حين التقت
طائفة من الم�ؤمنين يقاتلون ل ُن ْ�صة دين الله ،وطائفة ١١إ� ّن حال ه ؤ�لاء الكافرين الذين جحدوا الح َّق
�أخرى من الكفار تقاتل ا�ستعلا ًء وا�ستكباراً ،وهم كفار -في تكذيبهم وا�ستحقاقهم العذاب -كحال آ�ل فرعون
قري�ش ،فكان من ت أ�ييد الله للم�سلمين أ�ن ر آ�هم الم�شركون والذين ِم ْن قبلهم كعاد وثمود وغيرهم ،ك ّذبوا ب آ�ياتنا مع
ِ�ض ْع َفي عددهم؛ ر ؤ�ي ًة ظاهر ًَة ،والله يق ِّوي بن�صره َم ْن و�وضحها ،ف أ�هلكناهم ب�سبب تكذيبهم وذنوبهم ،والله
ي�شاء� ،إن في ذلك الت أ�ييد من الله للم�ؤمنين ون�صره لهم
�شديد العقاب لمن كفر به وك ّذب ر�سله.
لعبر ًة عظيمة لمن له ب�صيرة وفهم.
١٢قل يا ر�سول الله له�ؤلاء اليهود الذين ك ّذبوك
ُ ١٤ج ِب َل النا� ُس على حب ال�شهوات ،و ِم ْن َ�أ ْظ َه ِر ما وعادوك ،وغ َّرتهم ق ّوتهم فلم يعتبروا بما حدث لغيرهم،
ُجبلوا على ُحبه منها :الن�ساء ،والبنون ،والمال الكثير من
الذهب والف�ضة ،والخيل الح�سان ،المع َّلمات بعلامات
الح�سن كال ُغ َّرة والتحجيل ،و ُجبلوا على ُح ِّب ا ألنعام
من البقر والإبل والغنم ،وح ِّب الزروع والثمار .ذلك
متاع الحياة الدنيا ،والذي ِم ْن �ش أ�نه أ�ن يزول ويفنى ،والله
عنده المقام الكريم والثواب الدائم العظيم في الآخرة.
١٥قل يا ر�سول الله للنا�سَ :أ� ُؤ�خبركم بخير من
هذه المتع واللذائذ الدنيوية الفانية؟ خير منها ما �أع ّده
الله تعالى في الآخرة لمن خافه و�أطاعه فيما �أمر ونهى،
فقد أ�ع َّد لهم فيها ب�ساتين تجري من تحت ق�وصرها
و�أ�شجارها الأنهار ،خالدين فيها ،ولهم فيها زوجات
ُم َط ّهرات من كل َد َن� ٍس وعيب ،ويكرمهم الله بر�وضانه،
الذي هو أ�كبر نعيم ،والله ب�صير ب�سرائر عباده و أ�حوالهم،
يجازي الم�سيء ب إ��ساءته والمح�سن ب�إح�سانه.
٥١
والن�صارى ولم�شركي العرب :قد تب َّي لكم الحق ،فهل ١٦ه�ؤلاء المتقون الطائعون الذين أ�ع َّد الله لهم هذا
أ��سلمتم لله وحده كما �َأ�ْس َل ْم ُت؟ ف إ�ن �أ�سلموا لله وفعلوا ما النعيم ،يت�ضرعون �إلى الله طالبين منه المغفرة قائلين :ربنا
يقت�ضي ذلك وهو ا ّتبا ُعك على دينك ،فقد اهتدوا �إلى إ�ننا �آمنا بك و�ص ّدقنا ر�سولك ،فاغفر لنا ذنوبنا ،و ِقنا
الر�شاد ،و�إن �أعر�وضا ،فما عليك -يا محمد� -إلا تبليغ
الر�سالة ،وقد ب ّلغ َتهم ،فلا ي�ضرك عنا ُدهم ،والله م ّطلع عذاب النار.
على عباده ،و�سيجزيهم على �أعمالهم. ١٧وهم ال�صابرون على أ�داء الطاعات وترك
المعا�صي ،وعلى الـ ِمحن وال�شدائد ،وال�صادقون في
� ٢١إ َّن الذين يجحدون �آيات الله الدالة على توحيده �أقوالهم ونياتهم ،الخا�ضعون لله الملازمون لعبادته
و ِ�ص ْدق أ�نبيائه ،ويقتلون ا ألنبياء ،ظلم ًا وبغي ًا بغير ح ٍّق، وطاعته ،المنفقون من �أموالهم في وجوه الطاعات
ويقتلون الم�صلحين الذين ي�أمرونهم بالعدل في ح ِّق الله وال ُق ُربات التي �َأ ِذ َن الله بها ،القائمون لله �آخر الليل
وح ِّق النا�س ،فب�شرهم بعذاب ُم ْو ِجع ُمهين. ي�س�ألونه المغفرة.
٢٢ه�ؤلاء المو�وصفون بتلك ال�صفات القبيحة ب َط َلت � ١٨شهد اللهُ -وكفى به �شهيداً -أ�نه المتف ِّرد با أللوهية،
�أعما ُل الخير التي عملوها ،فلا ينتفعون بثوابها في و�أن جميع َم ْن �سواه عبي ٌد له ،و�أنه قائم على �ش�ؤون خلقه
وجميع �أمره بالعدل ،و�أقرت بذلك الملائكة ،وا ألنبياء
الآخرة ،ولا ب�آثارها الط ّيبة في الدنيا ،ولي�س لهم نا�صر والعلماء .لا إ�له �إلا هو ،له العزة الكاملة ،فلا ُيغا َلب ولا
ين�صرهم ِم ْن عذاب الله الذي �َأنذرهم به.
ُي�شا َرك ،وله الحكمة التامة في خلقه وجميع� أمره.
١٩إ� ّن الدين الح َّق عند الله ،والذي لا يقبل �سواه ،هو
ا إل�سلام -وهو ا إلقرار بتوحيد الله ،والخ�وضع له واتباع
�شريعة ُر�ُس ِله ك ٌّل في زمنه ،إ�لى أ�ن ُختموا بمحمد -
وما اختلف �أهل الكتاب من اليهود والن�صارى ،في �أمر
دينهم فكانوا �أ�شياع ًا و�أحزاب ًا وتعا َدوا فيما بينهم ،ل ُ�شبه ٍة
ولكن بعدما عرفوا الحق ،وقامت عليهم الحجج ،وذلك
ب�سبب الح�سد وطلب الريا�سة والجاه فيما بينهم ،و َم ْن
يكف ْر ب�آيات الله الدالة على توحيده ،ف�إن الله يجازيه
على كفره عن قري ٍب ،ف إ�نه تعالى �سريع الح�ساب.
٢٠ف�إ ْن جادلك -يا محمد -الن�صارى في أ�مر عي�سى
عليه ال�سلام ،وخا�صموك فيه بالباطل بعد أ�ن ب َّي ّنا لهم
الحق ،فلا تجادلهم ،وقل� :أخل�ص ُت عبادتي لله وحده،
لا �شريك له ولا ولد ،وا ْن َقد ُت له أ�نا و َمن ا ّت َبعني على
ديني .وقل -يا محمد -للذين �أوتوا الكتاب من اليهود
٥٢
و أَ� َخ َذ ك ُّل واح ٍد جزا َء ما اكت�سب ،وهم لا يظلمون؟
ُ ٢٦قل -أ�يها النبي :-يا أ�لله يا مال َك الـ ُمل ِك،
يا َم ْن له ُملك الدنيا والآخرة ،تعطي الملك َم ْن ت�شاء
ِم ْن عبادك ،ب�أن تم ِّلكه و ُت�س ِّلطه على َم ْن ت�شاء ،وت�س ُلب
الملك ممن ت�شاء أ�ن ت�س ُلبه منه ،و ُتع ُّز من ت�شاء ب إ�عطائه
الملك وال�سلطان ،و ُتذ ُّل من ت�شاء ب�سلب ملكه وت�سليط
عد ّوه عليه ،ك ُّل ذلك بيدك و إ�ليك ،لا �إلى غيرك ،لا
يقدر على ذلك غي ُرك.
ُ ٢٧تدخل ما َن َق�ص َت ِم ْن وقت الليل في وقت
الونحب َّاي ٍتم.ن..الم ِّيمنت بخمالاييتاجحدَّيةد و ُتخرج النهار ،وبالعك�س،
وحيوا ٍن في الح ِّي ِم ْن �إن�سا ٍن
أ��ص ُلها مادة لا حياة فيها .و ُتخرج الـم ِّيت ِمن الح ِّي بما
يتح ّلل ِمن خلاياه الح ّية .وهذا في دورة الحياة بالن�سبة
لماكد ُّتله اكلاـئمنِّيت ُةحفٍّيي تفيك أ�وثينانءححييااٍةته؛ج فد�إيذدا ٍةمفايتكاتئحن َّلا ٍلتوأ�دخخرلىْت.
و َتـ ُجو ُد على َم ْن ت�شاء ِم ْن خلقك بغير محا�سبة لمن
�أعطيته؛ ألن خزائنك لا َتنق�ص. ٢٣أ� َل َت ْع َجب -أ�يها الر�سول -من حال اليهود،
الذين نالوا ح ّظ ًا وافراً من التوراة؟ ُيط َلب منهم �أن
٢٨لا ت َّتخذوا � -أيها الم�ؤمنون -الكفا َر �أعوان ًا يتحاكموا �إلى التوراة ،المنزلة من عند الله ،لتحكم
و�أن�صاراً ،توالونهم في دينهم و َت ُد ُّلونهم على عورات بينهم فيما تنازعوا فيه ،ثم ُي ْع ِر�ض فري ٌق منهم عن
الم�سلمين ،و َم ْن يتخذ الكافرين �أولياء ويترك ولاية قبول حكم الله ،وهم قو ٌم طبيعتهم الإعرا�ُض عن
الم�ؤمنين ،فقد ب ِر َئ من الل ِه وب ِر َئ اللهُ منه ،إ�لا أ�ن تخافوا
منهم مخاف ًة؛ فتظهروا لهم ال َولاية ب أ�ل�سنتكم؛ وت�ضمروا الحق ،وا إل�صرا ُر على الباطل.
لهم العداوة بقلوبكم ،ويخ ِّوفكم الله من نف�سه؛ �أن
ترتكبوا معا�صيه �أو توالوا �أعداءه� ،إلى الله مرجعكم ٢٤ذلك ا إلعرا�ُض عن ُح ْكم التوراة وما فيها
من الحق؛ من �أجل قولهم :لن تم�َّسنا النا ُر إ�لا �أيام ًا
وم�صيركم بعد مماتكم ،فيحا�سبكم على أ�عمالكم معدودات -وهي الأيام الأربعون التي عبدوا فيها
العجل -ثم يخرجنا منها ربنا؛ اغتراراً منهم با ِّدعائهم
٢٩قل -أ�يها النبي -للذين �أمر َتهم أ� َّل ي َّتخذوا
الكافرين �أولياء ِم ْن دون الم ؤ�منين :إ� ْن تكتموا ما ا�ستق َّر أ�نهم �أبنا ُء الله و أ�حبا�ؤه.
في قلوبكم ِم ْن موالاة الكافرين و ُن�صرتهم ،أ�و ُتظهروا
ذلك؛ لا ي ْخ َف منه على الله �شيء؛ ف�إن علمه تعالى ٢٥ف�أ ّي حا ٍل يكون حال ه�ؤلاء القو ِم الذين قالوا
محي ٌط بكل ما في ال�سماوات وما في ا ألر�ض ،والله قاد ٌر هذا القو َل ،وف َعلوا ما ف َعلوا ،من إ� ْعرا�ضهم عن كتاب
الله ،واغ ِتارهم بر ِّبهم ،وافترائهم الكذ َب إ�ذا ح�شرناهم
أ�ن ُيعاجلكم بالعقوبة على موالاتكم الكافرين. وجمعناهم ليو ٍم لا �ش َّك في وقوعه ،وهو يوم القيامة،
٥٣
٣٠و ُيح ِّذركم الله نف َ�سه ،يو َم تجد ك ُّل نف� ٍس ما عملته
من خير حا�ضراً مـو َّفـراً ،والذي عملته من �سوء ،تو ُّد لو
�أ ّن بينها وبينه غاي ًة بعيدة ،ويخ ِّوفكم الله �سخ َطه وعقا َبه،
و ِم ْن ر�أفته ورحمته لكم َأ� ْن ح َّذركم من موالاة �أعدائه.
٣١قل � -أيها الر�سول� :-إن كنتم كما تزعمون
تحبون الله ،و أ�نكم تع ِّظمون الم�سيح حب ًا منكم لر ّبكم؛
فحققوا قولكم باتباعي -ف إ�ن ذلك علام ُة ِ�ص ْد ِقكم في
محبتكم للهُ -يحببكم الله وي�صفح و َيع ُف عما م�ضى من
ذنوبكم ،والله غفور لذنوب عباده ،رحيم بهم.
٣٢قل -أ�يها الر�سول :-أ�طيعوا الله ور�سو َله محمداً،
ف إ�ن أ�عر�وضا عما دعوتهم إ�ليه ،ف�أ ِعل ْمهم �أن الله ال يحب
الجاحد للحق ،بعد معرفته له.
-والله عليم بما ولد ْت -ث ّم قالت :ولي�س الذكر الذي ٣٣إ� ّن الله اختار آ�دم ونوح ًا ،واختار الم ؤ�منين من �آل
كنت أ�رجوه لخدمة بيتك المق ّد�س كا ألنثى في ذلك، �إبراهيم و�آل عمرانَ ،ف َّ�ض َل كل ًا منهم على �أهل زمانه
و إ�ني �سميت هذه المولودة مريم ،و إ�ني ُأ�جيرها و�أح ِّ�صنها
بك يا ر ّب هي و�أولادها ِم ْن �شر ال�شيطان الذي يقذف لدينهم الذي كانوا عليه وهو دين الإ�سلام.
بال�شر والو�سو�سة في قلوب بني آ�دم. ٣٤ذ ِّري ًة بع�ضهم ِم ْن بع�ض في ال�صلاح والدين،
والإخلا�ص والتوحيد لله ،والله �سمي ٌع ألقوال العباد
٣٧ت َّقبل اللهُ مري َم ِم ْن أ�مها لخدمة بيت المقد�س قبلا ًو
ح�سن ًا ،و أ�نبتها ر ُّبها حتى �صارت بالغ ًة كاملة ،و�ض َّمها عليم ب�أفعالهم.
الله �إلى زكريا -عليه ال�سلام -ليتكفل بتربيتها .كلما
دخل زكريا على مجل�سها وم�لّصها وجد عندها ٣٥اذك ْر � -أيها الر�سول -لقومك ،حين قالت زوجة
طعام ًا ،فقال لها :من أ�ين لك هذا الرزق؟ قالت :رز ٌق العبد ال�صالح عمران -وهي �أم مريم جدة عي�سى عليه
�ساقه الله �إليَّ ،إ�ن الله ي�سوق الرزق لمن ي�شاء من خلقه ال�سلام� -إني جعل ُت لك يا ر ِّب الذي في بطني نذراً
مح َّرراً� ،أي :خال�ص ًا ِم ْن �وشاغل الدنيا لخدمة بيتك
بغير إ�ح�صا ٍء ولا عد ٍد. المقد�س ،فتق َّب ْل مني ما نذر ُت لك �إنك �أنت ال�سميع
٥٤ لدعائي ،العليم بنيتي.
٣٦فل ّما ولد ْت ،قالت على وجه التح�ُّس والاعتذار:
يا ر ِّب �إنها �أنثى! �أي لا ت�صلح للخدمة في بيت الـ َمقد�س
يخلق ولداً من ال َّرجل الكبير الذي يئ�س من الولد ،ومن
العاقر التي ال تلد ،كما خلقك من قب ُل ولم تك �شيئ ًا.
٤١قال زكريا عليه ال�سلام :يا ر ّب اجعل لي علامة،
أ�عرف بها َح ْم َل زوجتي ،قال :علامتك �أن لا َت ْق ِد َر
على كلام النا�س إ�لا با إل�شارة ،ثلاثة أ�يام من غير َخ َر� ٍس
ولا عاه ٍة ولا مر�ٍض .ثم �أمره الله بكثرة الذكر وال�شكر
والت�سبيح في تلك الأيام من حين الزوال �إلى الغروب،
ومن طلوع الفجر �إلى ال�ضحى.
٤٢واذكر -أ�يها الر�سول -وقت قول الملائكة لمريم:
إ�ن الله ا ْختار ِك وا ْجتبا ِك لطاعته وما خ َّ�ص ِك به من
كرامته ،وط َّهرك من ال ِّر َيب وا ألدنا�س ،واختارك على
ن�ساء العالمين في زمانك ،فف َّ�ضلك عليهم.
٤٣يا مري ُم �أ ْخل�صي عباد َة ر ِّبك ،واخ�شعي لطاعته ٣٨لـ ّما ر�أى زكريا ما ر�أى عن َد مريم من رزق الله
وعبادته ،مع َم ْن خ�شع له ِم ْن خلقه� ،شكراً له على الذي يرزقها ،فعند ذلك دعا ر ّبه ،ورجا �أن يرزقه من
امر أ�ته العاقر ،مع ِك َب ِ�س َّنه ولداً ،فقال :يا ر ّب ارزقني
الا�صطفاء والتف�ضيل.
من عندك ولداً مبارك ًا� ،إنك ت�سمع دعاء َم ْن دعاك.
٤٤هذه الأخبار التي ق�ص�صناها عليك � -أيها
الر�سول -هي ِم ْن أ�خبار الغيب التي لم ت َّطلع عليها ٣٩فنادته الملائكة في حال قيامه م�صلي ًا في محرابه:
�أنت ولا قومك ،وما كنت عندهم حين اقترعوا على
�أن الله يخبرك بما ي�سرك ،وهو هبته لك ولداً ي�س َّمى
َم ْن يكفل مريم ،وما كن َت عندهم حين اخت�صموا فيها يحيى ،م�ص ِّدق ًا بعي�سى -عليه ال�سلام -و�شريف ًا في قومه
أ�يهم �أح ُّق بها و�أولى .والغر�ُض بيا ُن �أن هذه ا ألخبار، في عبادته وحلمه وورعه ،وعفيف ًا يحب�س نف�سه عن
إ�نما جاءت ِم ْن عند الله العليم؛ لتكون برهان ًا على �صدق
ال�شهوات ،ونبي ًا من �أنبيائه ال�صالحين.
ر�سالة محمد .
٤٠قال زكريا -عليه ال�سلام :-ر ِّب من أ�ين ي أ�تيني
٤٥اذكر -أ�يها الر�سول -حين قالت الملائكة لمريم: غلا ٌم ،وكيف يكون ذلك ،وقد بلغ ُت من ال�س ِّن ما
�إن الله يب�ِّش ِك بب�شرى من عنده هي ول ٌد يكون وجوده بلغ ُت ،وامر أ�تي عاقر لا تلد؟ -ولم يكن قوله عليه
بكلمة من الله ،من غير �أب ،هذا المولود ا�سمه عي�سى ال�سلام �شك ًا ولكن ليتثبت من الب�شارة -ف�أجابه الله
ولقبه الم�سيح ،يكون �س ِّيداً ومع َّظم ًا في الدنيا ،ومن
تعالى :الأمر ه ِّ ٌي على الله ،يفعل ما ي�شاء فلا يعجزه �أن
المق َّربين عند الله في الآخرة.
٥٥
�أر�سلني الله تعالى؛ لأُح َّل لكم بع�ض ما كان محرم ًا ٤٦ويك ِّلم النا� َس وهو طفل ر�ضيع على ال�سرير،
عليكم في التوراة .وقد جئتكم ب آ�ية تلو ُ�أخرى من وكذلك يك ِّلمهم وهو بالغ كبير ،بما �أوحاه الله إ�ليه؛
الله على �صدقي فيما �أقول لكم ،فخافوا عذاب الله دلال ًة على براء ِة �أُ ّمه مما رماها به المف َتون ،و ُحج ًة له على
و�أطيعوا أ�مري. ُن ُب َّوته ،وهو من عبادنا ال�صالحين.
� ٥١إنني ل�ست ب�إل ٍه ،بل �أنا عب ٌد لله ،فالله ر ّبي ور ّبكم ٤٧قالت مريم منده�ش ًة من وجود الولد على خلاف
فاعبدوه وح َده ،ولا ت�شركوا به غيره ،هذا هو الطريق العادةِ :من أ�ين يكون لي ولد ولم َيْ َ�س�ْسني رجل ،ولم
�أكن امر�أة بغ ّي ًا؟! ف�أجابها الوحي :هكذا َي ْخل ُق الله منك
الم�ستقيم ،الذي ي�ؤدي ب�صاحبه إ�لى النعيم المقيم. ولداً لك من غي ِر �أن َ َي�َّس ِك ب�شرٌ ،فيجعله الله آ�ي ًة للنا�س
و ِعبر ًة ،ف�إنه ي ْخلق ما ي�شاء ،وي�صنع ما يريد ،لا يتع َّذر
٥٢فل ّما َو َج َد عي�سى من اليهود :الجحو َد لنب ّوته، عليه خ ْل ُق �شيء �أراد خلقه� ،إذا �أراد أ�مراً ،ف�إنما يقول له:
والتكذيب لر�سالته؛ قال ألتباعهَ :من �أن�صاري في
ن�صرة دين الله؟ قال الم�ؤمنون الأ�صفياء من أ�تباعه :نحن «كن» فيكون ما �أراد.
أ�ن�صار الله� ،ص َّدقنا بالله ،وا�شهد أ�نت يا عي�سى ب أ�ننا
م�سلمون .وفي هذا دلالة على أ�ن الإ�سلام بمفهومه ٤٨و ُيع ِّلم اللهُ هذا الولد الكتابة والفقه في الدين،
والتوراة التي أُ�نزلت على مو�سى ،وا إلنجيل الذي �سينزل
العام دين جميع ا ألنبياء.
عليه� ،أي :على عي�سى عليه ال�سلام.
٥٦
٤٩ونجعله ر�سلا ًو �إلى بني إ��سرائيل م ؤ�يداً بالمعجزات
الدالة على �صدق ر�سالته؛ يخبرهم :ب�أني ر�سول الله
إ�ليكم ،قد جئتكم ب آ�ية وا�ضحة من ربكم تدل على
�صدق ر�سالتي ،و آ�يتي هي �أني �أُ�و ِّصر من الطين ك�شكل
الطائر ،ف�أنفخ فيه فيكون طيراً ب إ�ذن الله ،و أ�َ�ْشفي ا ألعمى
الذي ُيولد أ�عمى ،وكذلك من به َب َر�ص ،م ّما لا يقدر
على �شفائه ذو ط ٍّب بعلا ٍج ،و�ُأحيي الموتى بقدرة الله
وم�شيئته لا بقدرتي ،و�ُأخبركم بما ت�أكلون م ّما لم �ُأعاينه
و�أ�شاهده معكم ،وما تدخرونه في بيوتكم ولا ت أ� ُك ُلونه.
�إ ّن في هذه ا آليات الباهرات التي أ�ظهرها الله على يدي
لعبر ًة لكم ،ودليل ًا قاطع ًا على �صدق ر�سالتي ،إ�ن كنتم
م�ص ِّدقين ب ُح َج َج الله و�آياته.
٥٠وجئ ُتكم م�ص ِّدق ًا لر�سالة مو�سى وكتابه ،عامل ًا
ب�أحكامها �إلا ما خ َّفف الله عن �أهلها في الإنجيل ،وقد
جحدوا نب َّوتك من جميع ال ِملل �إلى يوم القيامة.
٥٦ف أ� ّما الذين جحدوا نبوتك ،وك َّذبوك وقالوا فيك
الباطل؛ ف�إني أ�ع ِّذبهم في الدنيا بالقتل وال�سبي والذلة
والم�سكنة ،وفي ا آلخرة بنار جهنم ،وما لهم من عذاب
الله مان ٌع ،ولا عن أ�ليم عقابه دا ِف ٌع ،ولا �شفاعة لهم من
غي ِرهم؛ ألنه العزيز ذو الانتقام.
٥٧و�أ ّما الذين �ص َّدقوا ودانوا بالإ�سلام الذي بعثتك
به؛ ف أ�عطيهم جزا َء �أعمالهم ال�صالحة كامل ًا ،واللهُ لا
يح ّب َم ْن ظلم غيره ،أ�و و�ضع �شيئ ًا في غير مو�ضعه؛
فكيف يظلم خل َقه؟
٥٨تلك الأنباء التي نتلوها عليك -يا محمد -هي ٥٣ر َّبنا �ص َّدقنا بما �أنزل َت على نبيك عي�سى ِمن
من ال ِع َ ِب والـ ُحجج على َمن حا َّجك ِمن أ�هل الكتاب، كتابك ،و ِ�صنا أ�تباعه على دينك الذي ابتعثته به،
وهي من القر�آن ذي الحكمة الفا�صلة بين الحق والباطل.
و�أعوا َنه على الحق الذي أ�ر�سلته به إ�لى عبادك ،ف�أثب ْت
� ٥٩إ َّن َخ ْل َق عي�سى عند الله من غير �أب ،كخ ْلق آ�دم: �أ�سماءنا مع أ��سماء الذين �شهدوا بالحق ،و أ�ق ُّروا لك
خلقه من تراب ،ثم قال له :كن ،ب�شراً؛ ف إ�ذا هو كائن
بالتوحيد ،و�ص َّدقوا ر�ُسلك ،وا َّتبعوا �أم َرك ونه َيك.
كما أ�مر الله �سبحانه.
٥٤و َد َّب َر بع�ُض الذين كفروا من بني �إ�سرائيل لقتل
٦٠هذا الذي �أنب أ�تك -أ�يها الر�سول -به ِم ْن خبر عي�سى عليه ال�سلام ،ف�أحبط الله تعالى مكرهم ور َّده
عي�سى هو الحق ِم ْن عند ربك ،فلا تكن من ال�شا ِّكين في عليهم ،ب�أن �ألقى ِ�ش ْب َه عي�سى على �أحدهم ،فقتلوه ،والله
أ� َّن ذلك كذلك. خير َم ْن يدبر إلبطال كيد �أعدائه.
َ ٦١ف َم ْن جادلك -أ�يها الر�سول -في الم�سيح عي�سى ٥٥وذلك حين قال الله تعالى لعي�سى :إ�ني قاب ُ�ضك
ابن مريمِ ،م ْن بعد ما جاءك من العلم الذي قد ب َّينته لك من ا ألر�ض وراف ُعك �إلى مح ِّل كرامتي ،ومخ ِّل�صك
فيه وهو أ�نه عبد لله؛ فقل :هلموا َف ْل َن ْد ُع أ�بناءنا و�أبناءكم من الذين جحدوا ما جئ َت به من الحق ،وجاع ُل الذين
ون�ساءنا ون�ساءكم و�أنف�سنا و�أنف�سكم ،ثم نجتهد في اتبعوك على منهاجك من الإ�سلام وفطرته ،فوق الذين
الدعاء �أن يجعل الله لعنته على الكاذبين منا ومنكم في
�ش�أن عي�سى عليه ال�سلام.
٥٧
� ٦٨إ َّن أ�ح َّق النا�س ب إ�براهيم و ُن�صرته وولايته الذين ٦٢إ� َّن هذا الذي �أنب أ�تك به -أ�يها الر�سول -من أ�مر
�سلكوا طريقه ،فو َّحدوا الله مخل�صين له الدين، عي�سى عليه ال�سلام ِمن �أنه عبدي ور�سولي وكلمتي
ومحم ٌد - -والذين �ص َّدقوه ،والله نا�ص ُر الذين التي أ�لقي ُتها �إلى مريم ،ورو ٌح مني ،لهو الق�ص�ص الحق،
آ�منوا بمحمد -وبما جاءهم به ِم ْن عند الله -على َم ْن فاعلموا أ�نه لي�س للخلق معبو ٌد بح ٍّق إ�لا الله؛ لأنه الخالق
المالك المت�صرف ،و أ�نه هو العزيز في انتقامه ممن ع�صاه،
خالفهم ِم ْن �أهل ال ِملل والأديان.
الحكيم في تدبيره ،وقد ب ّي لكم فاحذروا.
٦٩تم َّنت جماع ٌة من اليهود والن�صارى لو ي�ص ّدونكم
-أ�يها الم�ؤمنون -عن الإ�سلام ويردونكم عنه �إلى ما هم ٦٣ف إ�ن أ�َ ْدب َر ه�ؤلاء الذين حا ُّجوك فيما جاءك من
عليه من الكفر ،ف ُيهلكونكم بذلك ،وما ُيهلكون �أحداً الحق في أ�مر عي�سى وغيره من الهدى فلم يقبلوه؛ ف�إن الله
غير أ�تباعهم و أ��شياعهم ،لا�ستحقاقهم من الله �سخطه عليم بع�صيانهم ،و إ�عرا�ضهم عن الحق ،و إ�ف�سادهم
وغ�ضبه ولعنته. لغيرهم بذلك ا إلعرا�ض؛ و�سيجازيهم عليه.
٧٠يا �أهل الكتاب من اليهود والن�صارى ِلـ َم ٦٤قل � -أيها الر�سول -لليهود والن�صارى َه ُل ّموا إ�لى
تجحدون بما في كتاب الله الذي أ�نزله على أ�نبيائكم ِمن كلم ِة عد ٍل بيننا وبينكم ،وهي أ�ن نو ِّحد الله فلا نعبد
غيره ولا يدين بع�ضنا لبع�ٍض بالطاعة في معا�صي الله� ،أو
آ�ياته و�أدلته ،و أ�نتم ت�شهدون أ�نه ح ٌّق من عند ربكم؟ يع ِّظمه بال�سجود له كما ي�سجد لربه ،ف�إن �أعر�وضا ع ّما
دعو َتهم إ�ليه؛ فقولوا أ�يها الم�ؤمنون للمعر�ضين :ا�ش َهدوا
ب أ� َّنا م�سلمون.
٦٥يا أ�هل التوراة والإنجيل ِلـ َم تجادلون في إ�براهيم،
فت َّدعون �أنه كان على دينكم ،ودي ُنكم :إ� ّما يهودي ٌة تعمل
بالتوراة� ،أو ن�صراني ٌة تعمل با إلنجيل ،وهذان الكتابان لم
ينزلا إ�لا ِم ْن بعد إ�براهيم ،فكيف يكون منكم ذلك؟!
٦٦ها أ�نتم جادلتم فيما لكم به عل ٌم ِم ْن أ�مر دينكم؛
ف ِل َم تخا�صمون فيما لا علم لكم به من أ�مر �إبراهيم
ودينه ،ولم تجدوه في كتب الله ،ولا �أتتكم به �أنبيا�ؤكم،
ولا �شاهدتموه فتعلموه؟! والله يعلم ما غاب عنكم من
ذلك ،و�أنتم ال تعلمونه ،فلا ت ّدعوا الباطل.
٦٧ما كان �إبراهيم يهودي ًا ولا ن�صراني ًا ولا كان من
الم�شركين الذين يعبدون ا أل�صنام ،ولكن كان م ّت ِبع ًا أ�مر
الله وطاعته ،م�ستقيم ًا على مح َّجة الهدى التي ُ�أمر
بلزومها ،خا�شع ًا لله بقلبه ،متذلل ًا بجوارحه ،مذعن ًا لما
فر�ض عليه و أ�لزمه من �أحكامه.
٥٨
�أن ُي�س ِقط �أح ٌد ُح َّج َتكم عند ربكم ،فلا حجة ألحد
عليكم ،ألنكم أ�كر ُم على الله بما ف�ضلكم به عليهم .قل يا
محمد� :إن الف�ض َل بيد الله ي�ؤتيه من ي�شاء ،لا ما تمنيتموه
أ�نتم يا مع�شر اليهود.
٧٤يخت�ُّص بنب َّوته من ي�شاء ،والله ذو الف�ضل الذي
لا ي�شبهه ف�ض ٌل من إ�ف�ضال خلقه ،ولا يقاربه في جلالة
َخ َطره ولا يدانيه.
٧٥و ِمن أ�هل الكتاب َم ْن إ�ن ت أ�منه -يا محمد -على ٧١يا �أهل الكتاب ِلـ َم تخلطون التوراة والإنجيل
َق ْد ٍر عظي ٍم ِمن المال ،ي�ؤ ّده إ�ليك ولا َي ُخ ْنك فيه ،ومنهم بالباطل الذي تكتبونه ب أ�يديكم �إخفاء للحق وت�ضليل ًا
الذي إ�ن ت أ�منه على دينار َي ُخ ْنك فيه فلا ي ؤ� ِّده إ�ليك ،إ�لا للنا�س ،و ِلـ َم تكتمون ما في كتبكم ِمن نع ِت محم ٍد
�أن ُتل ّح عليه في التقا�ضي والمطالبة ،ذلك ب أ�نهم قالوا :لا
حر َج علينا فيما أ��صبنا من �أموال العرب ولا �إثم ،ألنهم ومب َعثه ونبوته مع علمكم به؟
على غير الحق ،وهم بهذا يقولون الكذ َب على الله ب أ�نه
٧٢وقالت طائف ٌة من اليهود الذين يقر ؤ�ون التوراة:
�أح ّل لهم ذلك ،وهم يعلمون أ�نه لم ُيح ّله لهم. �ص ِّدقوا بالذي ُأ�نزل على الذين �آمنوا بمحمد �أول النهار،
واجحدوا ما �ص َّدقتم به في آ�خره ،لعلهم يرجعون عن
٧٦بلى َمن �أوفى بعهد الله الذي عاهده في كتابه،
ف آ�من بمحمد و�ص َّدق بما جاء به من الله ،من أ�داء الأمانة دينهم معكم وي َدعون ما جاءهم به محمد.
�إلى من ائتمنه عليها ،واتقى ما نهاه الله عنه من الكفر به
٧٣وقالت تلك الطائفة :لا ت�ص ِّدقوا إ�لا َم ْن تبع دينكم
و�سائر معا�صيه ،فهو المتقي ،و�إن الله يحب الذين يتقونه فكان يهودي ًا -ينهون بذلك عن ت�صديق الم�سلمين في
فيخافون عقابه ،ويطيعونه. �ش�أن الدين -قل أ�يها الر�سول� :إن الحق هو ما يبينه الله
� ٧٧إن الذين ي�ستبدلون عه َد الله باتباع محمد تعالى وما يهدي إ�ليه ،لا ما تزعمون �أيها اليهود أ�نكم
وت�صديقه ،ويحلفون �أيمان ًا كاذبة ي�ستح ّلون بها ما تحتكرونه .وقالت هذه الطائفة :لا ت�ص ِّدقوا أ�ن ُي ْن َز َل
على أ�حد من الكتاب ِم ْث ُل ما أ�ُنزل عليكم ،ولا ت�ص ِّدقوا
ح َّرم الله عليهم من �أموال النا�س التي ائ ُتمنوا عليها،
�إنما ي�ستبدلون بذلك ِعو�ض ًا خ�سي�س ًا من ع َر�ض الدنيا
و ُحطامها ،أ�ولئك لا ح َّظ لهم في خيرا ِت ا آلخرة ،ولا
يك ّلمهم الله يوم القيامة بما ي�س ُّرهم ،ولا يعط ُف عليهم؛
مقت ًا لهم ،ولا يط ّهرهم من د َن�س ذنوبهم و ُك ْفرهم،
ولهم عذاب مو ِجع.
٥٩
٧٨و�إ َّن من اليهود جماع ًة ُييلون أ�ل�س َن َتهم في قراءة
التوراة مح ِّرفين لها لتظنوا أ� َّن هذا المح َّر َف من كتاب
الله وتنزيله ،وهو لي�س منه ،ويزعمون �أ َّن هذا الذي
�ألحقوه بها هو م ّما �أنزل الله إ�لى �أح ٍد من �أنبيائه ،وهو لي�س
مما َ�أنزل الله ،لكنهم يتعمدون قو َل الكذب وال�شهادة
بالباطل ،طلب ًا للرئا�سة والخ�سي�س من ُحطام الدنيا وهم
يعلمون �أنهم كاذبون.
٧٩وما ينبغي ألحد من الب�شر �أن ين ِّزل الله عليه كتابه،
ويع ِّلمه ف�ص َل الحكمة ويعطيه النبوة ،ثم يدعو النا�س
�إلى عبادته دون الله ،ولكنه �إذا آ�تاه ذلك ف�إنما يدعوهم
إ�لى العلم بالله ومعرفة �شرائعه ،و�أن يكونوا ر�ؤ�ساء في
المعرفة ب�أمر الله ونهيه ،بكونهم معلمي النا�س الكتا َب
وبكونهم دار�سيه.
٨٢والمتو ّلو َن عن الإيمان بالر�سل -الذين و�صف الله ٨٠وما كان للنبي أ�ن ي�أم َركم أ�يها النا�س أ�ن تتخذوا
�أمرهم -بعد العهد والميثاق اللذ ْين �أُخذا عليهم بذلك الملائكة والنبيين آ�له ًة ُيعبدون من دون الله ،ولن ي�أمركم
نب ّيكم بجحود وحداني ِة الله بع َد �إذ �أنتم منقادون له
هم الخارجون عن دين الله وطاعة ربهم.
بالطاعة ،متذللون له بالعبودية.
٨٣أ�فغير دين الله يلتم�سون ويريدون؟ وله خ�شع َم ْن
في ال�سماوات وا ألر�ض ،فخ�ضع له بالعبودية ،و أ�ق ّر له ٨١واذكر -أ�يها الر�سول� -إذ �أخذ الله ميثاق النب ِّيين:
ب�إفراد الربوبية ،وانقاد له ب�إخلا�ص التوحيد والألوهية، بح ِّق ما �آتيتكم من كتاب وحكمة ،ثم جاءكم ر�سو ٌل من
عندي م�ص ِّد ٌق لما معكم -وهو محمد -لت�ص ِّد ُق َّنه
طائعين وكارهين .و�إليه ي�صيرون بعد مماتهم فيجزي ولتن ُ� ُص َّنه .ثم قال الله تعالى لهم :أ��أقررتم بالميثاق الذي
واثقتموني عليه ،و أ�خذتم على ما واثقتموني عليه عهدي
المح�سن منكم ب�إح�سانه والم�سيء ب إ��ساءته.
وو�صيتي ،وق ِبلتم ذلك مني ور�ضيتموه؟ قال النب ُّيون:
أ�قررنا بما �ألزمتنا .قال الله تعالى :ف ْل َي�ْشهد بع ُ�ضكم على
بع�ض بما �أقررتم به ،وا�شهدوا على �أتباعكم من ا ألمم� ،إذا
أ�نتم أ�خذتم ميثاقهم على ذلك ،و أ�نا معكم من ال�شاهدين
عليكم وعليهم بذلك.
٦٠
يو ِّفق للحق وال�وصاب الذين ب َّدلوا الحق �إلى الباطل؛ ٨٤ف�إن ابتغوا غي َر دين الله؛ فقل لهم � -أيها الر�سول:-
فاختاروا الكفر على ا إليمان. �ص َّدقنا بالله أ�نه ر ّبنا لا نعب ُد �أحداً �سواه ،و�ص َّدقنا بما
أ�نزل علينا من وحيه ،وبما �أنزل على �إبراهيم و�إ�سماعيل
٨٨ ٨٧ه�ؤلاء الذين كفروا بع َد �إيمانهم و�شهادتهم و إ��سحاق ويعقوب وا أل�سباط الاثني ع�شر ،و�ص َّدقنا �أي�ض ًا
�أن الر�سول ح ٌّق؛ جزا ؤ�هم �أن ي ِح َّل بهم من الله الإق�صاء بما �أُنزل على مو�سى وعي�سى من الكتب والوحي ،وبما
وا إلبعاد من رحمته ،وجزا ؤ�هم من جميع الملائكة �أُنزل على النب ِّيين ،لا ن�ص ِّدق بع َ�ضهم و َن ْك ُفر ببع�ضهم،
والنا�س الدعا ُء بما ي�سو ؤ�هم من العقاب ،وهم ماكثون كما كفرت اليهود والن�صارى ،ولكننا ن�ؤمن بجميعهم
في عقوبة الله ،لا ُيخ َّف ُف عنهم من العذاب �شيئ ًا في حا ٍل
ون�صدقهم ،ونحن لله منقادون وله متذللون.
من ا ألحوال ،ولا هم ُيهلون في ؤ� َّخر عنهم العذاب.
٨٥و َم ْن يطلب دين ًا غي َر دين الإ�سلام ل َيدين به؛ فلن
٨٩إ�لا الذين تابوا من ارتدادهم عن إ�يمانهم؛ يقبل الله منه ،وهو في ا آلخرة من الباخ�سين �أنف�سهم
فرجعوا �إلى ا إليمان بالله ور�سوله ،وعملوا ال�صالحا ِت
من ا ألعمال؛ ف�إ ّن الله ِلـ َمن َف َع َل ذلك بعد كفره �سات ٌر حظو َظها ِمن رحمة الله عز وجل.
عليه ذنبه الذي كان منه من الردة ،فتار ٌك عقوبته عليه،
٨٦كيف ُير�شد الله لل�وصاب ويو ِّفق للإيمان قوم ًا
متع ِّط ٌف عليه بالرحمة. جحدوا نبو َة محم ٍد - -بعد ت�صديقهم إ�ياه ،وبعد
�أن �َش ِهدوا �أنه ر�سو ُل الله �إلى خلقه ح ّق ًا ،وجاءتهم
٩٠إ�ن الذين كفروا من اليهود بمحمد - -عند ال ُح َج ُج من عند الله والدلائل ب�صحة ذلك؟! والله لا
َم ْبعثه ،بعد �إيمانهم به قبل �أن ُيبعث ،ثم ازدادوا كفراً بما
أ��صابوا من الذنوب في كفرهم و ُمقامهم على �ضلالتهم؛ ٦١
لن ُتقبل توب ُتهم من ذنوبهم التي �أ�صابوها في كفرهم،
حتى يتوبوا من كفرهم بمحمد - -وي�ص ِّدقوه فيما
جاء به من عند الله ،وه�ؤلاء الذين كفروا بعد إ�يمانهم
ثم ازدادوا كفراً؛ هم الذين �ضلوا �سبيل الحق؛ ف أ�خط�ؤوا
منهجه ،وتركوا ُه َدى الدين حير ًة منهم وعم ًى عنه.
٩١إ�ن الذين جحدوا نبو َة محمد ،ولم ي�ص ِّدقوا
به وبكل ما جاء به من عند الله من أ�هل كل ِم َّلة ،وماتوا
على ذلك؛ فلن ُيقبل ِمن أ�حدهم في الآخرة ِع َو� ٌض
يفتدي به نف�سه من العقاب ،ولو كان له من الذهب
ما يم أل الأر�ض من م�شرقها إ�لى مغربها ،ف َد َف َع ُه ِعو�ض ًا
م ّما �س ُيح ّل الله به ِم ْن عقوبته ،وه ؤ�لاء لهم عن َد الله في
ا آلخرة عذا ٌب موج ٌع ،وما لهم ِم ْن نا�ص ٍر في�ستنقذهم
ِم ْن عذاب الله.
و�آثار من �آثار خليله ،منها �أثر قدم إ�براهيم في الح َجر ٩٢لن ُتدركوا � -أيها الم ؤ�منون -ما تطلبونه من
الذي قام عليه عند بنائه للبيت ،و َم ْن دخله كان �آمن ًا جوامع الخير ،وح�سن الثواب في ا آلخرة ،حتى تت�صدقوا
على نف�سه ما دام فيه .وفر�ض الله الحج على َمن ا�ستطاع من ج ّيد أ�موالكم و أ�ن َف ِ�سها عندكم ،و أ� ُّي �شيء تنفقونه
ال�سبيل �إليه من المك َّلفين ،و َمن ترك فر�ض الله؛ فالله غني قليل ًا �أو كثيراً َيعل ُمه الله ،و�سيجازيكم عليه في الآخرة.
عنه وعن َحجه وعن العالمين جميع ًا .وقد ع ّب عن ذلك
٩٣لـ ّما اعتر�ضت اليهود على ر�سول الله فقالوا:
بالكفر تغليظ ًا وت�شديداً. تزعم أ�نك على م ّلة إ�براهيم ،وكان �إبراهيم لا ي أ�كل لحو َم
ا إلبل و أ�لبا َنها و�أنت ت�أك ُلها؟! فقال« :كان ذلك ِح ّل
٩٩ ٩٨قل -أ�يها الر�سول -ألهل الكتابِ :لـ َم إلبراهيم» .فقالوا :ك ُّل ما نح ّرمه كان محرم ًا على نوح
تجحدون ُحجج الله الدال َة على �صدق نب ّوتي؟ والله و إ�براهيم؛ فنزلت هذه الآية تكذيب ًا لهم :أ�ن كل الطعام
�شهيد على أ�عمالكم .وقل لهمِ :لـ َم ت�صرفون عن دين الط ّيب كان ِح ّل لبني يعقوب -عليه ال�سلام� -إلا ما
الله َم ْن �آمن به ،ب إ�لقاء ال�ُّشبه ،و إ�نكار الحق ،تطلبون لهذه ح ّرم يعقو ُب على نف�سه ،من لحوم ا إلبل و أ�لبانها -ولم
ال�سبيل اعوجاج ًا ،و�أنتم عالمون أ�نها �سبيل الله؟! والله يكن ذلك في �شريعة �إبراهيم ومن قبله حرام ًا ،وقد ح َّرمه
يعقو ُب وفا ًء بنذره -وكان ذلك قبل أ�ن تنزل التوراة
لي�س بغافل عما تعملون. -وكان في التوراة ت�صديق ذلك -فقل لهم أ�يها الر�سول:
١٠٠يا أ�يها الذين آ�منوا بالله ور�سوله� ،إن تطيعوا ائتوا بالتوراة فاتلوها �إن كنتم �صادقين في زعمكم أ�ن
جماعة من اليهود والن�صارى ،ي�ضلوكم فيردوكم بعد
الأمر لي�س كما قلناه ،فافت�ضحوا وبان كذ ُبهم.
إ�يمانكم جاحدين بما آ�منتم به ،فلا ت�أمنوهم.
٩٤ف َمن ا�ستم َّر على الكذب على الله منكم يا مع�شر
٦٢ اليهودِ ،م ْن بعد �أن جعلنا التوراة في�صل ًا بيننا ،وبعد ما
ظهرت الحجة ،ف�أولئك هم المكابرون القائلون على
الله الباطل.
٩٥قل �أيها الر�سول� :ص َد َق اللهُ فيما �أخبرنا به
� -أي :و�أنتم الكاذبون -ف إ�ن كنتم أ�يها اليهود ُمح ِّقين
في دعواكم �أنكم على الدين الذي ارت�ضاه الله ألنبيائه،
فاتبعوا مل َة إ�براهيم ،حنيف ًا :مائل ًا عن كل ِدين إ�لى
الإ�سلام ،وما كان من الم�شركين بالله في عبادته �أحداً.
� ٩٧ ٩٦إن أ�ول بي ِت عباد ٍة ُو�ضع للنا�س و ُن�ُسكهم،
هو البي ُت الحرا ُم الذي بمكة ،الذي بناه إ�براهيم ،الذي
َي ْزعم اليهود والن�صارى �أنهم على دينه ومنه ِجه ،ولا
َيح ُّجون �إليه! وهو بيت مبارك ،كثير الخيرات ،هدى
للعالمين .وفيه علاما ٌت وا�ضحا ٌت على ف�ضله و ُحرمته،
في الجاهلية تتقاتلون ،ف�أ ّلف الله بالإ�سلام بين قلوبكم،
ف�صرتم بنعمة الله �إخوان ًا ،وكنتم بكفركم على طرف
حفرة من النار ،ف أ�نقذكم منها بالإيمان .وهكذا يبين الله
لكم البيا َن الوا�ض َح ،لعلكم تهتدون �إلى �سبيل الر�شاد
فلا ت�ضلوا عنها.
١٠٤ولتكن منكم -أ�يها الم�ؤمنون -جماعة يدعون
�إلى ا إل�سلام و�شرائعه ،وي أ�مرون بالمعروف -وهو طاعته
تعالى ،وك ُّل �أم ٍر فيه �صلاح -وينهون عن مع�صيته وعن
كل ف�ساد .والقائمون بهذا هم الفائزون فوزاً كامل ًا
عند الله.
١٠٥ولا تكونوا �أيها الم�ؤمنون -بترككم ا ألم َر ١٠١كيف ُي َت َ�ص ّور منكم -أ�يها الم�ؤمنون -الكف ُر بعد
بالمعروف والنه ّي عن المنكر -ك أ�هل الكتاب الذين ا إليمان ،ولديكم ما يمنع منه؟! ف آ�يات الله ُتـقر أ� عليكم،
تف َّرقوا واختلفوا في دين الله ب�سبب ذلكِ ،م ْن بعد ور�سول الله بينكم ،يردكم إ�لى ال�وصاب ،و َمن ي�ستم�سك
ما جاءتهم الحج ُج المب ِّين ُة للحق ،والمو ِج َبة للاتفاق. بدين الله وطاعته فقد ُو ِّفق إ�لى الطريق الم�ستقيم ،فلا
ُيخ�شى عليه ال ّ�ضلال .وفي هذا َت ْيئي�س ألهل الكتاب من
والفاعلون ذلك لهم عذاب عظيم.
إ��ضلال الم ؤ�منين الطائعين.
١٠٧ ١٠٦ويكون هذا العذاب يوم القيامة ،يوم تبي�ُّض
وجوه الم ؤ�منين وت�س َو ّد وجوه الكافرين ،ف�أ ّما الذين ١٠٢يا َم ْن �ص ّدقتم بالله تعالى ور�سوله ،اتقوا الله تمام
ا�سود ْت وجو ُههم ،فيقال لهم توبيخ ًا� :أكفرتم بعد أ�ن التقوى ،وهي ب�أَ ْن يطاع �سبحانه فلا ُيع�صى ،و ُي ْذكر فلا
فطرناكم على الإيمان ،و أ�خذنا عليكم العهد والميثاق ُين�سى ،و ُي�شكر فلا ُيكفر ،ودوموا أ�يها الم�ؤمنون على
بالإيمان ،وجاءتكم البينات؟ فذوقوا العذاب ب�سبب ا إل�سلام حتى يدرككم الموت و�أنتم عليه.
كفركم .و�أ ّما الذين اب ّي�ض ْت وجو ُههم ،وهم الم ؤ�منون ١٠٣وتم�َّسكوا -أ�يها الم ؤ�منون -بدين الله الذي أ�مركم
الذين اختاروا الحق وثبتوا على العهد والميثاق ،فهم في به ،وما َع ِه َد إ�ليكم في كتابه ،من الألفة والاجتماع على
كلمة الحق؛ ولا َتف ّرقوا ،واذكروا �أيها الم ؤ�منون -المرا ُد
جنة الله ،لا يخرجون منها أ�بداً. بهم الأو�س والخزرج -نعم َة الله عليكم حين كنتم أ�عداء
١٠٨هذه الآيات ال�سابقات التي ب َّي َن ْت �أحوال أ�هل
الكتاب ،و�سوء عاقبتهم وعاقبة الكافرين ،و ُح�ْس َن
عاقبة الم ؤ�منين ،هي �آيات نق ّ�صها علي َك -أ�يها
الر�سول -م�شتملة على الحق والعدل ،ولا يظلم الله
�أحداً ِم ْن خلقه.
٦٣
ال�صغائر قد ُيف�ضي �إلى الكبائر ،وا إل�صرار على الكبائر ١٠٩ولله وح َده ما في ال�سماوات وما في ا ألر�ض؛
قد يف�ضي إ�لى الكفر. ُملك ًا و َخلق ًا وتدبيراً ،و إ�ليه م�صير الخلائق ،فيجازي ك ّ ًل
١١٤ ١١٣و أ�هل الكتاب الذين �سبق ذكرهم -أ�ي بما ي�ستحق.
من الم�ؤمنين والفا�سقين -لا ي�ستوون ،فالذين �أ�سلموا
منهم هم جماعة م�ستقيمة على الهدى ،يقر ؤ�ون القر آ�ن ١١٠أ�نتم -يا مع�شر الم�سلمين -خي ُر �أمة ُ�أخرجت
ويتدبرونه �ساعات الليل في �صلاتهم وتهجدهم ،وهم لنفع النا�س ،لكونكم قائمين على �أمر الدين ،ت�أمرون
ي�سجدون فيها خا�شعين لله .و ُي�ص ِّدقون بالله وبالبعث النا�س بك ّل معروف؛ من ا إليمان بالله ور�سوله ،والعمل
بعد الموت وبالح�ساب ،وي أ�مرون النا�س با إليمان بالله ب�شريعته ،وتنهون عن الكفر وعن كل ف�ساد ،وت ؤ�منون
وبمحمد - -وينهونهم عن الكفر بالله وتكذيب بالله ،فتذعنون له وتخل�وصن ،ولو �آمن �أهل الكتاب
ر�سوله ،ويبتدرون فعل الخيرات ،وه ؤ�لاء ممن �صلحت ك إ�يمان الم�سلمين بالله وبجميع ر�سله وكتبه لكان خيراً
لهم في دنياهم و آ�خرتهم ،ولكنهم لم يفعلوا ،فقليل
�أحوالهم عند الله ،وا�ستحقوا ر�ضاه وثناءه. منهم َم ْن ي ؤ�من -كعبد الله بن �سلام و�أ�صحابه من
اليهود ،والنجا�شي و�أ�صحابه من الن�صارى الذين
١١٥وما يفعل ه�ؤلاء ِمن الأعمال ال�صالحة َف َل ْن ي�ضيع أ��سلموا -و أ�كث ُر أ�هل الكتاب خارجون عن طريق الحق،
�أج ُره عند الله ،بل يجزيهم به �أوفر الجزاء ،والله عليم ُم ْع ِر�وضن ع ّما في كتبهم من ا ألمر با إليمان بمحمد .
بمن� أطاعه. ١١١ب�َّ َش اللهُالم�سلمين بالن�صر على أ�هل الكتاب ،فقال
عز وجل :لن ي�ضركم أ�يها الم�ؤمنون ه ؤ�لاء اليهود إ�لا �أذى
ي�سيراً ،يعني بالل�سانِ :م ْن طعنهم في دينكم أ�و تهديد �أو
إ�لقاء �ُشبهة ،و إ�ن يقاتلوكم يو ّلوكم الأدبا َر منهزمين ،ثم
لا يكون لهم ن�صرٌ عليكم.
١١٢أ�لز َم اللهُ اليهو َد ال ِّذلة وال َّ�ص َغار �أينما كانوا ،بما
ي�س ّلط عليهم من غيرهم ،فلا ي أ�منون �إلا أ�ن يعت�صموا
بعه ٍد ِمن الله -وهو َع ْقد ال ِّذمة لهم و َ� ْض ُب الجزية
عليهم� -أو يعت�صموا بعه ٍد وحماي ٍة ِم َن ال َّنا� ِس ،فلا
يعي�وشن إ�لا في حماية غيرهم ،ورجعوا بغ�ضب ِمن
الله هم ي�ستحقونه ،و�أحاطت بهم الم�سكنة -وهي
ال�ضعف والخوف الذي ُي َ�س َّل ُط عليهم ِم ْن داخلهم-
وك ُّل ذلك العقاب ب�سبب كفرهم ب آ�يات الله الدالة على
�صدق �أنبيائه ،وما �شرع لهم من �شرائعه ،وب�سبب قتلهم
ا ألنبياء ظلم ًا وعدوان ًا ،و إ�نما كفروا وقتلوا ا ألنبياء ب�سبب
كثرة معا�صيهم وتعديهم لحدود الله؛ ف إ� ّن ا ِإل�صرار على
٦٤
-ب�سبب عداوتهم -في إ�ف�ساد أ�مركم ،ويحبون ما ي�ش ُّق � ١١٦إ ّن الذين جحدوا نب ّو َة محمد ِ - -من �أهل
عليكم من ال�ضرر وا ألذى ،قد ظهرت البغ�ضا ُء �صراح ًة الكتاب وغيرهم ،لن َتدفع عنهم �أموالهم التي جمعوها
ِمن أ�قوالهم ،و ِمن فلتات أ�ل�سنة المنافقين منهم ،وما في الدنيا ولا �أولا ُدهم �شيئ ًا ولو ي�سيراً من عذاب الله يوم
ُتخفي �صدو ُرهم من العداوة �أكبر مما ُيظهرونه ،قد ب ّينا القيامة ،ولا في الدنيا إ� ْن ع ّجله لهم ،وه ؤ�لاء هم �أهل
لكم �أيها الم�ؤمنون علاما ِت عداوتهم لكم ،ودلائ َل �سوء
نواياهم إ�ن كنتم تعقلون ما ُب ّي لكم ،فتد ّبروا واتعظوا النار الملازمون لها ملازمة لا نهاية لها ولا انقطاع.
به. ١١٧إ� ّن َم َث َل نفق ِة الكفا ِر في هذه الحياة الدنيا ِمن
�أموالهم في وجوه البر والخير المختلفة -في عدم
١١٩ها �أنتم -أ�يها الم�ؤمنون الموا ّدون لهم -تح ّبونهم، انتفاع �صاحبها بها في ا آلخرة ،وهو في �أ�شد الحاجة
ِلـ َما يظهرون لكم من ا إليمان ،أ�و لما بينكم وبينهم من إ�ليها -كمثل ريح فيها َب ْرد �شديد ،أ��صابت َز ْر َع قو ٍم
القرابة وال�صلات ،وهم لا يح ّبونكم ،وت�ؤمنون بالقر آ�ن ظلموا �أنف َ�سهم بالكفر وارتكاب المعا�صي -وقد أ� َّملوا
وبكتابهم وبالكتب التي أ�نزلها الله على ر�سله ،وهم لا ثمر َة زرعهم ور َج ْوا نف َعه -ف�أهلكته ،وما ظلمهم الله،
ي ؤ�منون ب�شيء من كتابكم ،و�إذا لقوكم قال المنافقون ولكنهم ظلموا أ�نف�سهم بعدم ا إليمان الذي هو �شرط في
منهم ب أ�ل�سنتهم تقي ًة� :آم ّنا بدينكم وكتابكم .و إ�ذا خلا
بع ُ�ضهم �إلى بع�ض أ�ظهروا العداو َة و�شد َة الغيظ عليكم؛ قبول ا ألعمال.
ِلـ َما يرون من ائتلافكم ،قل � -أيها الر�سول �أنت
و�أتباعك على �سبيل الدعاء عليهم :-موتوا بغيظكم ،إ�ن ١١٨يا أ�يها الذين �آمنوا ،لا تتخذوا ممن هم على غير
دينكم؛ أ�خلاء تطلعونهم على أ��سراركم ،فهم لا يق ِّ�صون
الله عليم بما ت�ضمره قلوبهم وقلوب خلقه جميع ًا.
٦٥
١٢٠و إ� ْن تنالوا � -أيها الم ؤ�منون� -أمراً ح�سن ًا من ن�ص ٍر �أو
نعمة ُي ْح ِز ْن ه ؤ�لاء اليهو َد والمنافقين ذلك ،و إ�ن ي�ص ْبكم
مكروه ي�س ُّرهم ،و�إذا كان ا ألمر كذلك فكيف تحبونهم
وتتخذون منهم بطانة؟! و إ�ن تتلقوا �أيها الم ؤ�منون أ�ذاهم
بال�صبر والحذر منه ،لا ي�ضركم مكرهم �شيئ ًا ،إ�ن الله محيط
علم ًا بما يعمل ه ؤ�لاء من الف�ساد ،و�سيو ِّفيهم جزاءهم.
١٢١واذك ْر -يا ر�سول الله للم ؤ�منين ليعتبروا -حين
خرج َت ِم ْن منزل أ�هلك يوم أ�ُحد ،تتخذ للم ؤ�منين
موا�ضع لقتال عدوهم ،والله �سميع لما يقوله الم ؤ�منون
وغيرهم حين �شاورتهم في �أمر الخروج لذلك ،عليم
بما في �ضمائركم ،وقد �أحبط ب�صبركم كي َد المنافقين
فلم ي�ض َّركم.
١٢٩ولله وحده جميع ما في ال�سماوات وما في ١٢٢واذكر -يا ر�سول الله -نعم َة الله عليكم بتثبيتكم
الأر�ض ملك ًا وت�صرف ًا وتدبيراً ،يغفر ذنوب َم ْن ي�شاء من يوم أ�حد ،حين همت جماعتان منكم �أن ترجعا �ضعف ًا
الم�ؤمنين ف�ضل ًا وكرم ًا ،ويعذب من ي�شاء أ�ن يعذبه عدل ًا منهما عن لقاء العدو ،تبع ًا لمن رجع من المنافقين،
فع�صمهم الله وث َّبتهم ،والله متولي �أمرهما بحفظه
منه ،والله غفور لعباده ،وا�سع الرحمة بهم.
وتوفيقه ،وعلى الله وحده فليتوكل الم ؤ�منون.
١٣٠يا �أيها الذين آ�منوا بالله ور�سوله لا تتعاطوا الربا
بعد أ�ن هداكم الله للإ�سلام؛ فت�أكلوه كما كنتم ت�أكلونه ١٢٣واذكروا أ�يها الم�ؤمنون ن�صر الله لكم يو َم بدر،
في جاهليتكم �أ�ضعاف ًا م�ضاعفة -وقد كانوا في الجاهلية و أ�نتم قليلو ال َع َدد وال ُع ّدة ،وهذا الن�صر نعمة تقت�ضي
عند حلول �أجل �سداد ال َّدين يزيدون في المال مقابل ال�شكر ،فاتقوا الله بملازمة طاعته وطاعة ر�سوله،
ت أ�خير ا ألجل ،فربما فعلوا ذلك مراراً في�صير ال َّدين
�أ�ضعاف ًا م�ضاعفة -واتقوا الله في �أمر الربا فلا ت أ�كلوه، لتكونوا من ال�شاكرين.
لتكونوا من المفلحين في الدنيا وا آلخرة. � ١٢٤إذ تقول أ�يها النبي في يوم بدر للم ؤ�منين -تقوي ًة
لقلوبهم عندما علموا ب إ�مداد بع�ض الكفار لبع�ض ف�ش ّق
١٣٢ ١٣١واتقوا أ�يها الم�ؤمنون النار أ�ن َت ْ�ص َل ْوها ذلك عليهم� :-ألن يكف َيكم �أن ُي َّدكم ر ُّبكم بثلاثة �آلاف
ب�أكلكم الربا ،وبترك طاعتي؛ فت�شاركوا الكفار فيما
ُ�أ ِع ّد لهم من العذاب ،و�أطيعوا الله فيما �أمر به ونهى من الملائكة من َزلين لن�صرتكم؟
عنه ،و�أطيعوا ر�سوله محمداً؛ ل ُ ْت َحموا فلا ُت َع َّذبوا. ١٢٥بلى ،يكفيكم أ�يها الم�ؤمنون هذا ا إلمداد ،ف�إن
ت�صبروا على لقاء عدوكم وتتقوا مع�صي َة الله ومخالف َة
نبيه - -وي�أتكم الكفار في الحال م�سرعين يعينون
عدوكم ،يز ْدكم ربكم فيمددكم بتمام خم�سة �آلا ٍف
من الملائكة ،مع ِّلمين �أنف َ�سهم بعلاما ٍت مخ�وص�صة
ُيع َرفون بها.
١٢٧ ١٢٦وما جعل الله هذا الوعد والمدد إ�لا ب�شارة
لكم بالن�صر ،ولت�سكن به قلوبكم من الخوف ،وما
الن�صر �إلا ِم ْن عند الله العزيز الحكيم ،لا بال ُع ّدة وال َع َدد،
فا�ستعينوا به ،وتوكلوا عليه .وما الن�ص ُر الذي ن�صره الله
لكم إ�لا ليهل َك طائف ًة من الم�شركين بالقتل ،أ�و ي�صي َبهم
بغ ٍّم و َك َم ٍد ،ب�سبب القتل والهزيمة ،فيرجعوا إ�لى �أهليهم
بالخيبة لم ينالوا �شيئ ًا مما �أ َّملوه.
١٢٨لي�س لك � -أيها الر�سولِ -م ْن �أمر الكفار �شيء،
إ�نما أ�نت ر�سو ٌل م أ�مو ٌر ب إ�نذارهم وجهادهم ،و إ�نما
أ�م ُرهم إ�لى الله ،ف�إ ّما �أ ْن يهلكهم أ�و ي�صيبهم ب َك َم ٍد� ،أو
يتوب عليهم �إن �أ�سلموا� ،أو يعذبهم ب�سبب �إ�صرارهم
على الكفر.
٦٦
١٣٦ه�ؤلاء المتقون المو�وصفون بال�صفات ال�سابقة، ١٣٣وبا ِدروا -أ�يها الم�ؤمنون -و أ�قبلوا على تح�صيل
جزا�ؤهم أ�ن الله تعالى يعطيهم ما أ� َّملوه ،فيعفو عما ا ألعما ٍل التي تنالون بها مغفرة ربكم ،وتنالون بها َج ّن ًة
�َس َل َف من ذنوبهم ،ويدخلهم في الآخرة جنات تجري عظيم ًة� ،سعتها ك�سعة ال�سماوات وا ألر�ض ،أ�ع َّدها الله
من تحتها ا ألنهار ،مقيمين فيها لا يخرجون منها ،ونعم
للمتقين الذين �صانوا �أنف�سهم عن محارمه.
هذا الأجر �أجراً للعاملين.
١٣٤والمتقون الذين �أُ ِع َّدت الجنة لهمِ ،م ْن �صفتهم
١٣٧يقول الله تعالى ُم َ�س ّلي ًا للم�ؤمنين ع ّما �أ�صابهم �أنهم ينفقون أ�موالهم في �سبيل الله في حال ي�سرهم
يوم ُ�أحد ،ومب�شراً لهم :قد �سبق ْت ِم ْن قبلكم �أيها وع�سرهم ،فلم ُي ْب ِطرهم الرخا ُء ،ولم يمنعهم �ضي ُق العي�ش
الم ؤ�منون وقائع و�أحداث ،فهذا الذي جرى لكم قد فيبخلوا ،وهم الذين يكتمون غيظهم ،وي�صفحون عن
جرى مثله مع َم ْن كانوا قبلكم من أ�تباع ا ألنبياء ،ثم عقوبة َم ْن ظلمهم .واجتماع هذه ال�صفات هو كمال
كانت العاقبة لهم ،والدائرة على الكافرين ،وتلك من
�سنن الله تعالى الجارية ،ف�سيروا في الأر�ض لتعلموا الإح�سان ،والله يحب المح�سنين.
كيف كان عاقبة تكذيبهم الأنبياء ،وكيف كانت �ُس َّنتي
فيهم �ُس َّن ًة واحدة ،وكيف كانت قوة الظالمين �إلى ١٣٥و ِم ْن �صفات ه ؤ�لاء المتقين أ�نهم �إذا فعلوا ذنب ًا
فاح�ش ًا ،أ�و ظلموا أ�نف�سهم بارتكاب �أي نوع من �أنواع
زوال ،وعاقبتهم إ�لى هلاك. الذنوب ،ذكروا ح َّقه تعالى ووعيده فخافوه و�س�ألوه �أن
ي�ستر عليهم و�ألا ي�ؤاخذهم به -و َم ْن يعفو عن الذنب
١٣٨هذا الذي َتق َّدم في ا آليات ال�سابقة من تذكير وي�ستر عباده �إلا الله؟ -و َ�أ ْق َلعوا عن ذنوبهم فلم ي�ستمروا
الله تعالى للم�ؤمنين وتعريفهم حدوده و َح ِّ�ضهم على
لزوم طاعته والاعتبار ب أ�حوال ال�سابقين ،هو بيان للنا�س عليها ،وهم يعلمون �أنهم إ� ْن تابوا تاب الله عليهم.
عامة ،وهدى وتذكير للمتقين من الم ؤ�منين ،لأنهم
المنتفعون به حق ًا.
١٣٩ولا َت ْ�ض ُعفوا -يا �أ�صحاب محمد -عن قتال
عدوكم ،ولا تحزنوا على ما أ��صابكم من القتل والجروح
يوم ُأ�حد ،و أ�نتم الغالبون ب�إيمانكم ،فلا تهنوا و�أيقنوا بما
وعدنا.
١٤٠إ� ْن ُي�صبكم -أ�يها الم�ؤمنون -قت ٌل �أو جرا ٌح ،فقد
�أ�صاب الم�شركين يوم بدر مث ُله .وهذا ت�سلية للم ؤ�منين
� -أي فلا تهنوا ولا ت�ش ّكوا في ن�صر ربكم -و إ�ن أ�يام
الدنيا؛ ِمن ال َغ َلب ِة والهزيم ِة تداو ٌل بين النا�س ،وهذا
التداول ليعلم الله الم ؤ�منين ال�صابرين على م�شا ّق الجهاد،
وليك ِر َم الله منكم بال�شهادة َم ْن أ�راد إ�كرامه ،والله لا
يح ُّب َم ْن ظلموا �أنف�سهم بكفرهم �أو بمع�صيتهم ،و إ�نما
يح ُّب الم ؤ�منين الثابتين على الحق.
٦٧
الغنيمة -وهذا تعري� ٌض بمن �شغلتهم الغنائم يوم �أحد- ١٤١وجعل الله هذا التداو َل في ال َغ َلبة والهزيمة ل ِحكم
ن�ؤته من ثوابها .و َم ْن يرد ثواب الآخرة ،أ�ي إ�علاء كلمة �ُأخر ،منها�َ :أ ْن ُيط ّهر الله بها الم ؤ�منين وي�صفيهم من
الله والدرجة في الآخرة ن ؤ�ته منها ،و�سنجزي ال�شاكرين. الذنوب ،ويخل�صهم من المنافقين ،ومنها �أن يمحق الله
١٤٧ ١٤٦وكم ِم ْن نب ٍّي قاتل معه أ�قوام �صادقون ،فما بها الكافرين فيهلكهم �شيئ ًا ف�شيئ ًا.
�ضعفوا تبع ًا لما أ��صابهم ،وما َذ ُّلوا ألعدائهم ،والله يحب
ال�صابرين .وما كان قولهم عند ال�شدة ونزول الم�صائب ١٤٢ولـ َّما ب َّي الله للم ؤ�منين ما أ��صابهم من �ضعف
في القتال� ،إلا بما يدل على �صبرهم وطلب عون ربهم، يوم ُ�أحد ،ب َّي لهم �أن دخول الجنة لا يح�صل �إلا ببذل
فقالوا :ربنا اغفر لنا ذنوبنا ،و�إ�سرافنا في أ�مرنا ،وث ِّبت الأرواح وال�صبر على الجهاد ،فقال :أ�م ح�سبتم أ�ن
تدخلوا الجنة ،ولـ ّما يح�صل منكم الجهاد ح َّق الجهاد
�أقدامنا ،وان�صرنا على القوم الكافرين.
ويح�صل منكم ال�صبر على عواقبه.
١٤٨فا�ستجاب الله دعاءهم ،ف آ�تاهم ثواب الدنيا بالن�صر
والغنيمة والثناء الح�سن ،و�آتاهم ُح�س َن ثواب الآخرة، ١٤٣ولقد كنتم �أيها الم�ؤمنون قبل أُ�ح ٍد تم َّنون القتال
وهي الجنة ،والله يحب المح�سنين -أ�ي :وه�ؤلاء والموت في �سبيل الله لـ َّما علمتم ما نال �شهداء بدر
مح�سنون والله يحبهم -وكل ما �سبق آ�يا ُت عتا ٍب من الكرامة ،فقد ر�أيتم ما كنتم تتم ّنون و أ�نتم تنظرون
وتوجيه للم ؤ�منين ،وليكونوا كال�صادقين ِم ْن قبلهم. ب�أعينكم ما تمنيتم ،فلم فررتم وتقهقرتم؟
٦٨ ١٤٤ولـ َّما ُأ��شيع يوم أ�ُحد مو ُت ر�سول الله - -
و أ��صاب الم�ؤمنين ما �أ�صابهم من ال�شدة والقتل ،قال
قوم :لئن كان ُق ِت َل محمد - -لنطلبن من الم�شركين
ا ألمان؛ ف إ�نهم لع�شائرنا و إ�خواننا ،ولو كان محمد حي ًا
لم نهزم فترخ�وصا في الفرار .وثبت �آخرون فقالوا:
قاتلوا على ما قاتل عليه نب ُّيكم حتى تلحقوا به ،فعاتب
الله الفارين عتاب ًا �شديداً ،وذ ّكرهم ب�أن محمداً - -
ما هو إ�لا ر�سول كال�سابقين من الر�سل الذين إ�ذا انق�ضت
آ�جالهم ماتوا وقب�ضهم الله إ�ليه ،أ�ف إ� ْن مات �أو ُقتل ارتددتم
ورجعتم �إلى الكفر؟! و َم ْن ينقلب على عقبيه فلن ي�ضر
الله �شيئ ًا ،و�إنما ي�ضر نف�سه ،و�سيجزي الله ال�شاكرين
بثباتهم على الحق خير الجزاء.
١٤٥ولي�س لنف�س َ�أ ْن تموت إ�لا ب�أمر الله � -سواء �أنتم أ�م
نبيكم َ -ك َتب الله ذلك عنده كتاب ًا له �أج ٌل معلو ٌم
لا يتقدم ولا يت أ�خر ،فالفرار من القتال لا يدفع الموت،
والثبا ُت لا يقطع الحياة ،و َم ْن ُي ِر ْد بقتاله ثواب الدنيا� ،أي
١٥٢ولـ ّما رجع الم ؤ�منون �إلى المدينة بعد ُأ� ُح ٍد ،وقد ١٤٩ح َّذر الله تعالى من ا ّتباع الكفار بعدما �أمر باتباع
�أ�صيبوا ،قال بع�ضهم لبع�ض :من أ�ين �أ�صابنا هذا وقد ال�صادقين من �أتباع المر�سلين ،فقال :يا أ�يها الذين آ�منوا �إن
وعدنا الله الن�صر؟ ف أ�نزل الله هذه الآية �إجاب ًة عن ذلك: تطيعوا الذين كفروا؛ بالخ�وضع لهم �أو طل ِب أ�مانهم� ،أو
ب�أنه تعالى ح ّقق لكم �أيها الم�ؤمنون وعده ،فن�صركم تطيعوا المنافقين الذين ُي َخ ِّذلونكم ويلقون ال�ُّش َب َه بينكم؛
أ�ول ا ألمر حين م ّكنكم من أ�عدائكم ،تقتلونهم يردوكم إ�لى َ�ضع ٍف وهوا ٍن� ،أو كفر و�ضلال كما كنتم
وت�ست أ��صلونهم بت أ�ييده ،وا�ستمر ذلك حتى َ�ض ُعفت من قبل ،فتخ�سروا الدنيا وا آلخرة .وهذا تحذي ٌر عا ٌّم من
�أنف�سكم -والمق�وصد بهم بع�ض الرماة -فلم ت�صبروا على
الثبات مكانكم كما أ�مركم نب ُّيكم حين ر أ�يتم الم ؤ�منين اتباع الكافرين إ�لى يوم القيامة.
يجمعون الغنائم ،وتنازعتم في البقاء أ�و النزول لجمع
الغنائم ،وع�صيتم أ�مر نب ِّيكم ،فترك �أكثركم أ�ماكنهم ،من ١٥٠واعت ِ�صموا بالله أ�يها الم�ؤمنون ،ولا تهنوا ،ف إ� ّن الله
بعد ما �أراكم الله ما تحبون من الن�صر والغنيمة .منكم ملاوكم ،ف أ�طيعوه وا�ستغنوا بموالاته عمن �سواه ،فهو
أ�يها الرماة َم ْن يريد الثواب العاجل ،وهو الغنيمة فنزل
لجمعها ،ومنكم َم ْن ثبت مكانه محافظة على عهد نا�صركم ،وهو خير النا�صرين.
ر�سول الله - -وابتغاء ما عند الله من الثواب بذلك
الفعل في الدار الآخرة ،ثم �صرفكم عن قتالهم -ب�سبب � ١٥١س ُنلقي الرعب في قلوب َم ْن يريد قتالكم من
مع�صيتكم ،ففررتم وكان ما كان من القتل -ليمتحن الله الكافرين ،ب�سبب �إ�شراكهم في عبادة الله ما لم ينزل الله
�صبركم على الم�صائب وثباتكم على الإِيمان ،ول ُ َي ّبيكم به ُح ّج ًة ولا برهان ًا؛ إ�ذ ا إل�شراك به تعالى لم ي�أذن به الله
فلا تعودوا مرة �أخرى إ�لى مخالفة ر�سولكم - - في دين من ا ألديان ،ومرجعهم �إلى النار ،وبئ�ست النار
ولقد عفا الله عن ذنبكم ،والله ذو ف�ضل على الم ؤ�منين. مثوى للذين ظلموا أ�نف�سهم باكت�ساب ما �أوجب عقابه.
١٥٣واذكروا يا �أهل ُ�أح ٍد لطف ًا من أ�لطاف الله تعالى
بكم؛ إ�ذ ُت ْ�ص ِعدون� ،أي تفرون م�سرعين في الوادي،
ال يلتفت بع�ضكم إ�لى بع�ض ،هرب ًا من عد ّوكم،
والر�سول يناديكم من خلفكم�« :إليّ عبا َد الله� ،إليّ عباد
الله» ،ثم لطف بكم ف أ�ثابكم ،أ�ي �أعقبكم َغ ّم ًا مت�صل ًا
ب َغ ّم ،وهو غم �إ�شاعة قتل نبي الله - -م ّت�صل ًا بغ ٍّم
�ساب ٍق ،هو غم ما أ��صابكم من الجروح والقتل وغلبة
الم�شركين ،وقد �أ�شا َع اللهُ بينكم خب َر قتل نبيكم
- -ليخف َف فر ُح معرف ِة نجاته - -عنكم الحز َن
على ما فاتكم ِم ْن ن�صر وغنيمة ،وما أ��صابكم ِم ْن قتل
وجراحات -فداواهم الله بهذا -والله علي ٌم ب أ�عمالكم
ونياتكم أ�يها الم�ؤمنون ،فاتقوه وراقبوه.
٦٩
عن عقوبة ذنوبهم ،والله غفور ،ي�ستر ويعفو ،حليم ،فلا ١٥٤ث ّم َل َط َف الله بكم � -أيها الم�ؤمنون -لطف ًا �آخر؛
يعجل بعقاب َم ْن ع�صاه. وهو أ�نه أ�نزل عليكم من بعد الحزن الذي أ��صابكم أ�من ًا
من النعا�س ،فنمتم نوم ًا خفيف ًا كان �سكينة لقلوبكم،
١٥٦ح ّذر الله الم ؤ�منين من م�شابهة الكفار في القول وتجديداً لن�شاطكم ،وقد �شمل هذا النعا�س �أهل ال�صدق
�أو الاعتقاد ،وذلك ب�ألا يكونوا كالذين كفروا بالله فلم وا إليمان ،ولم ي�شمل المنافقين ،الذين َج َل َب ْت عليهم
ي�ؤمنوا به تعالى وبق�ضائه وقدره ،فقالوا إلخوانهم من نفو�سهم المري�ضة وظنو ُنهم ال�سيئة اله َّم وخو َف القتل،
�أهل الكفر إ�ذا مات بع ُ�ضهم في �سفر �أو تجارة� ،أو قتلوا يظنون بالله ظنون ًا باطلة من أ�وهام الجاهليةِ ،م ْن �ُسو ِء
في غزاة :لو �أقاموا فلم يخرجوا ما �أ�صابهم مو ٌت أ�و تدبير الله تعالى لنبيه - -وت�و ّص ِرهم خذلانه له
قتل ،ف ُيع ِق ُبهم الله بهذا القول وهذا الظن حزن ًا و َغ ّما في وللم ؤ�منين ،وقد ظهر هذا الظ ُّن في قولهم :هل لنا من
قلوبهم ب�سبب عدم �إيمانهم -وهذا ر ٌّد ألقوال المنافقين الأمر من �شيء؟ �أي لم نكن نحن ال�سبب في الخروج
ال�سابقة -والله هو الذي بيده ا إلحياء والإماتة ،أ�ي فلا لمقابلة العدو الذي ن�ش أ� عنه ما ن�ش أ� -وهذا من اللمز
تجزعوا أ�يها الم ؤ�منون لموت َم ْن مات منكم ،والله يرى ما والت�شكيك في نبوة ر�سول الله -قل �أيها الر�سول
لهم :إ�ن ك َّل ما جرى بتدبير الله .وه ؤ�لاء المنافقون
تعملون فاتقوه. ُيخفون في أ�نف�سهم من الكفر وال�شك ما لا يظهرون
لك يا محمد ،يقولون فيما بينهم :لو كان أ�مر الخروج
١٥٧فجا ِهدوا أ�يها الم�ؤمنون في �سبيل الله واعلموا ب أ�يدينا ما خرجنا من المدينة إ�لى هذا المكان الذي ُقتل
�أنكم �إن ُقتلتم في �سبيل إ�علاء كلمة الله أ�و ُمتم َل َي ْغ ِف َر َّن فيه أ�قاربنا وع�شائرنا .قل لهم :لو كنتم في بيوتكم،
الله لكم وليرحمنكم ،وهذا خي ٌر مما يجمعه المنافقون وق ّدر الله عليكم �أن تموتوا ،لخرج منكم الذين كتب الله
عليهم القتل ف ُقتلوا في ا ألماكن التي حددها الله لقتلتهم.
المتخلفون عن الجهاد. وقد كان ما كان ليختبر الله به ما في �صدوركم فيميز
الخبيث من الطيب ويظهر َأ� ْم َر الم�ؤمن من المنافق ،وليط ِّهر
٧٠ قلوبكم � -أيها الم�ؤمنون -من الو�ساو�س وال�شبهات التي
ت�سمعونها بما يريكم من عجائب ُ�صنعه ،من الأ َم َنة،
و�صرف العدو ،و إ�ظهار �سرائر المنافقين ،والله عليم بما
تخفيه �صدور عباده ،فيعاملهم به ويحا�سبهم عليه.
١٥٥ث ّم ب َّي الله تعالى ال�سبب الخفي فيما حدث
للم ؤ�منين يوم �أحد ،فقال� :إن الذين تو َّلوا منكم،
�أيها الم ؤ�منون ،ففروا يوم التقى جم ُع الم�ؤمنين وجم ُع
الكافرين� ،إنما �أوقعهم ال�شيطان في هذه الزلة ب�سبب
بع�ض ذنوبهم ،من ع�صيان أ�مر الر�سول وا�ستعجال
الغنيمة وغير ذلك -وفي هذا َر ٌّد على المنافقين في
تعري�ضهم بالنبي ب�إلقاء ال ّت ِب َع ِة عليه حين أ�مرهم
بالخروج �إلى ُأ�حد -ولقد عفا الله عن الم�ؤمنين فتجاوز
١٦١ما كان لنب ٍّي ولا ُي َت�و َّصر في حقه ،أ�ن ي أ�خذ �شيئ ًا
من الغنائم لنف�سه ِخ ْفي ًة ،أ�و أ�ن يق�سمه بين طائفة من
الم ؤ�منين ويترك طائفة بغير حق� ،أي فلا تتعجلوا أ�يها
الم ؤ�منون الغنيمة �أو تخفوا �شيئ ًا منها ،و َمن يخ ْن من
غنائم الم�سلمين �شيئ ًا ي أ�ت به يوم القيامة في المح�شر،
مف�وضح ًا على ر�ؤو�س الخلائق ،ثم ُي ْع ِط الله ك َّل نف�س
جزاء ما ك�سبت من خير أ�و �شر وافي ًا يوم القيامة.
١٦٣ ١٦٢أ�يكون من اكت�سب الخير فاتبع �أوامر الله
واجتنب نواهيه كمن جاء يوم القيامة مح َّمل ًا ب�سخط
من الله ب�سبب مخالفته ألمره �سبحانه ،وكان مرجعه
وم�صيره إ�لى النار ،وبئ�س ذلك الم�صير؟ كلا .فه�ؤلاء
الطائعون والعا�وصن منازلهم متباينة تمام التباين يوم
القيامة ،فلمن �أطاع الله الثوا ُب العظيم ،ولمن باء
ب�سخطه العذا ُب ا ألليم ،والله م َّطلع على �أعمالهم
جميع ًا ومجازيهم عليها.
١٦٤لقد تف ّ�ضل الله على الم�ؤمنين ب أ�ن بعث فيهم ١٥٨ولئن ُم ّتم -أ�يها الم�ؤمنون -أ�و ُقتلتم ف إ�ن مرجعكم
ر�سلا ًو عربي ًا مث َلهم ،يعرفونه ويفهمونه ،وهو �أ�شفق �إلى الله ،فيجازيكم ب أ�عمالكم ،ف�آثروا ما ير�ضيه.
النا�س بهم ،يقر�أ عليهم كتاب الله و ُيطهرهم من الكفر
والذنوب ،ويعلمهم القر�آن وال�س ّنة ،وقد كانوا من ١٥٩فبرحم ٍة عظيم ٍة أ�ودعها الله في قبلك � -أيها
قبل إ�ر�سال الر�سول إ�ليهم لفي حيرة و�ضلال وا�ضح، النبي -رفقت بالم�ؤمنين هذا الرفق العظيم بعد
ما كان من خطئهم يوم �أحد ،ولو كنت جافي ًا في
وهو �ضلالات ال�شرك والجهالة .وهذا تنبيه للم�ؤمنين القول ،قا�سي القلب لتفرقوا ِم ْن حولك ،فتجاو ْز عن
ليتذكروا نعمته ب إ�ر�ساله محمداً - -لئلا يلتفتوا هفواتهم ،وا�ستغفر الله لهم ،وا�ستم َّر في م�شاورتك
لهم ،تطييب ًا لنفو�سهم ،ف إ�ذا عزم َت على أ�م ٍر بعد ما
لحظة عن لزوم هديه . تب َّي لك �وصا ُبه فام�ض له ،واعتم ْد على الله� ،إ ّن الله
�َ ١٦٥أ ِحي َن أ��صابتكم �أيها الم�ؤمنون م�صيبة ب ُأ�حد ،وقد يح ُّب المتوكلين عليه.
�أ�صبتم بت أ�ييد الله لكم من الم�شركين يوم بدر ِم ْث َليها -
وذلك �أن الم�شركين َقتلوا من الم�سلمين ب ُأ�حد �سبعين ١٦٠الأمور ك ُّلها بيد الله تعالى؛ ف إ� ْن ُي ِع ْنكم على
أ�عدائكم ،فلن يغلبكم أ�حد منهم ،و�إن يترك الله عونكم،
و َقتل الم�سلمون منهم ببدر �سبعين و�أ�سروا �سبعين -قلتم فلن ين�صركم أ�حد مع خذلان الله لكم ،وعلى الله وحده
متعجبينِ :م ْن أ�ين أ��صابنا هذا ،ونحن م�سلمون وفينا
ر�سول الله؟ قل لهم أ�يها النبي :هو ِم ْن عند �أنف�سكم ،حين فاعتمدوا وبه فا�ستعينوا.
خالفتم �أمري ،إ�ن الله قادر على ن�صركم وخذلانكم،
فلما ع�صيتم �أ�صابكم ما أ��صابكم.
٧١
١٧٢و ِم ْن ه�ؤلاء الذين لا ُي ِ�ضيع اللهُ أ�جرهم :الم ؤ�منون ١٦٦والذي أ��صابكم �أيها الم ؤ�منون يوم أُ� ُحد ،يوم
الذين ا�ستجابوا لله والر�سول ،بعد ما أ��صابهم القت ُل التقيتم بجمع الكافرين ،كان بق�ضاء الله وقدره،
والجرا ُح ب�أُحد -وكان الم�سلمون قد خرجوا مع
الر�سول ا�ستجاب ًة ألمره بعد انتهاء غزوة �أُ ُح ٍد في �إثر ول ُيظهر اللهُ به �أهل الإيمان ،ف�س ِّلموا له وا�صبروا.
الكفار الذين قاتلوهم ليرى النا� ُس أ�ن بهم قو ًة -فثوا ُب
ه ؤ�لاء الذين أ�ح�سنوا منهم بالا�ستمرار على الطاعة، ١٦٧و ِم ْن حكمته �أن َيـ ِميز الله المنافقين ،ويظهرهم
لكم -أ�يها الم�ؤمنون -حينما رجعوا عن القتال وهم
واتقوا مخالفة ر�سولهم �أج ٌر عظي ٌم. في الطريق ،وقد قلتم لهم :قاتلوا معنا في �سبيل الله ،ف إ� ْن
لم تقاتلوا فك ِّثوا عددنا ،فقالوا :لو نعلم �أنكم تقاتلون
١٧٣وه�ؤلاء الم ؤ�منون ال�صادقون هم الذين ثبتوا حينما ل�سرنا معكم .هم في هذه الحالة أ�قرب لإظهار الكفر من
قال لهم بع�ُض العرب تثبيط ًا وتخويف ًا لهم ،بعد �ُأ ُح ٍد: إ�ظهار ا إليمان ،يقولون ب أ�فواههم ما لا يعتقدونه -ألنهم
إ� ّن كفار قري�ش قد جمعوا لكم الرجال والعتاد ،فاتقوا اعتقدوا ح�وصل القتال ،ولكن ر�أوا فيه هلاكهم -والله
لقاءهم الذي تواعدتم عليه ،ف إ�نه لا طاقة لكم بهم، �أعلم بكذبهم وبما يكتمونه ،وقد �أظهر لكم علاماته.
فزادهم هذا التخوي ُف ثبات ًا في دينهم ،و ُن�صر ًة لنبيهم، ١٦٨و ِم ْن علامات نفاقهم �شمات ُتهم بالم ؤ�منين
وقالوا :ح�سبنا الله فهو يكفينا �أ ْمرهم ،وهو ِن ْعم المولى وتخطئ ُتهم في خروجهم للقتال ،حيث قالوا إلخوانهم
المنافقين بعد ما قعدوا عن القتال و�أ�شاعوا هذا القول:
لمن تلاوه. لو �أطاعنا الذين قتلوا ب�ُأحد في عدم الخروج للقتال
وفي الرجوع عنه ما ُقتلوا .قل لهم �أيها الر�سول� :إذا
كنتم تظنون أ�نكم دفعتم عن أ�نف�سكم القتل بقعودكم
في بيوتكم ،فادفعوا عن أ�نف�سكم الموت الذي ق ّدره الله
على جميع خلقه.
١٦٩ولا تح�سب َّن -أ�يها النبي -الذين ُقتلوا من الم�ؤمنين
في الجهاد في �سبيل الله أ�موات ًا لا َي ُح�ُّسون ولا يتنعمون،
بل إ�نهم �أحياء عند الله يرزقون.
١٧١ ١٧٠وال�شهداء في فرح و�سرور بما آ�تاهم الله
من الكرامة ،وم�سرورون بحال �إخوانهم الذين كانوا
يجاهدون معهم وتركوهم �أحياء ،ب�أنهم عندما يلحقون
بهم �سيكونون في كرامة الله فلا يخافون ولا يحزنون
على مفارقة الدنيا فرح ًا با آلخرة .ويفرحون بما َح َباهم
من نعمه ،وبما يزيدهم من ف�ضله ،وب�أنه تعالى لا ُي ِ�ضيع
أ�جر الم ؤ�منين ،بل يوفيهم ما وعدهم.
٧٢
ت�شكيك الم�ؤمنين ،و َع ْرقل ِة الدعوة ،و ُن�صرة الكافرين، ١٧٤فرجع الذين ا�ستجابوا لله والر�سول بالخروج
لأنهم لن ُيغ ِّيوا �شيئ ًا مما أ�راده الله ،ومنه إ�ظها ُر دينه للقاء العدو ،وفو�وضا �أمرهم إ�ليه تعالى بعافي ٍة من
على الدين كله ،يريد الله �أ ّل يجعل له ؤ�لاء المنافقين الله ،حيث لم َي ْل َقوا ع َّدوهم ،وبف�ض ٍل ِم ْن ربهم بما
�أ�صابوه ِم ْن �أرباح تجارة كانوا ا َّتروا بها ،وبما نالوه
ن�صيب ًا من ثواب الآخرة ،ولهم فيها عذا ٌب عظي ٌم. من الثواب ،ولم يم�س�سهم �أذى أ�و مكروه من ع ِّدوهم،
و أ�ر�وضا بهذا الخروج ر َّبهم ،والله ذو �إح�سان عظيم
� ١٧٨ ١٧٧إن الذين ارت ُّدوا عن دينهم فا�ستبدلوا
الكفر با إليمان ،لن ينق�وصا الله أ�و دينه �شيئ ًا ،و إ�نما على عباده.
ي�ضرون أ�نف�سهم بفعل ما يوجب لها عقاب ًا �شديداً لا
ُيطاق .ولا يظ َّن َن الذين كفروا �أن إ�مهالنا لهم بطول ١٧٥إ� َّن ما قيل لكم � -أيها الم ؤ�منونِ -م ْن أ� َّن الم�شركين
العمر وتوفي ِر و�سائل العي�ش هو خير ألنف�سهم� ،إنما قد جمعوا لكم ال ُع َّد َة والرجا َل ل ُي َخ ِّذلوكم عن لقائهم،
ُنهلهم ليزيدوا من آ�ثامهم ،إليثارهم الكفر على �إنما هو تخويف من ال�شيطان لكم جاء على ل�سان
أ�وليائه ،فلا تخافوا الم�شركين ولا َي ْع ُظم �أم ُرهم في
الإيمان ،ولهم يوم القيامة عذا ٌب ُم ِذ ٌّلُ مهين. قلوبكم ،وخافوني باتقاء مع�صيتي وبفعل �أمري ،فهذا
١٧٩لي�س من حكمة الله و�ُسننه في خلقه �أن يترك مقت�ضى الإيمان.
الم ؤ�منين ال�صادقين ،على ما هم عليه من ا�ستمرار حالة
ال َّلب�س بينهم وبين المنافقين واختلاط أ�هل الخبث بهم، ١٧٦ولا يحزنك � -أيها الر�سول -ه�ؤلاء المنافقون
دون أ�ن يميز المنافق -و إ�ن طال �ستره -من الم�ؤمن الذين يبادرون ويجتهدون في �أعمال الكفرِ ،م ْن
ال�صادق ،وذلك بما يبتليكم به من المحن -ومنها ما
َح َد َث يوم �أحد -وما كان من �سنن الله �أن يطلعكم ٧٣
�أيها الم ؤ�منون على الغيب؛ ومنه �سرائر العباد ،فتعلموا
المنافقين من الم ؤ�منين ،ولكن ُيظهرهم بالاختبارات
والمحن� ،إلا من ا�صطفاه الله من الر�سل فيطلعه على
بع�ض ما في �ضمائر عباده ،ف�أخ ِل�وصا لله ولر�سوله،
و إ�ن ت�ؤمنوا ح َّق ا إليمان ،وتتقوا الله بالمداومة على
طاعته ،فلكم أ�جر عظيم.
١٨٠لا ي ُظ َّن َّن الذين يبخلون بما تف َّ�ضل اللهُ عليهم من
ِن َع ٍم و أ�موال -فلم يخرجوا ما وجب عليهم فيها من
زكاة و�إنفاق في �سبيل الله -أ�ن ذلك خير لهم ،ك ّل
بل هو �ش ٌّر عظيم لهم� ،س ُي ْج َعل ذلك طوق ًا في �أعناقهم
يع َّذبون به يوم القيامة ،ولله وحده يرجع ما في
ال�سماوات وا ألر�ض � -أي فما لهم يبخلون بما أ�نعم به
عليهم؟! -والله بما تعملون خبير.
عن النار و�ُأدخل الجنة فقد ظفر بالنجاة والخير العظيم، ١٨٢ ١٨١لقد �سمع الله قول اليهود الذين قالوا :إ� َّن
وما لذات الدنيا ونعيمها �إلا متاع زائل َي ُغ ّر ا إلن�سان. الله فقير �إلينا ونحن أ�غنياء عنه -وكان ذلك بعد نزول
فلا تجزعوا لفقد �إخوانكم ،ولا تركنوا �إلى الدنيا. قوله تعالى} :ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ{،
َ ١٨٦و ِّطنوا أ�نف�سكم أ�يها الم ؤ�منون على الطاعة لله
وال�صبر على البلاء ،ف إ�نكم لا تزالون ُت ْخ َت َبون في فقالوا :ي�ستقر�ضنا ربنا� ،إنما ي�ستقر�ض الفقي ُر الغن َّي-
�أموالكم بتكاليف ا إلنفاق في �سبيل الله وبما ي�صيبها فقال الله متوعداً لهم� :سنكتب ما قالوا من هذا الفح�ش
من النق�ص وا آلفات ،ولا تزالون ُتختبرون في أ�نف�سكم
بالم�صائب ،ول َت�ْسم ُع َّن من اليهود والن�صارى ومن الكفار في �صحف آ�ثامهم ،فلا ُيحى ولا ُي ْ�صفح عنه ،و�سنكتب
كثيراً مما ي�ؤذيكم في دينكم ،و�إ ْن ت�صبروا على أ�ذاهم قت َلهم بع�َض الأنبياء ال�سابقين -؛ و�إنما أ�دخلهم الله في قتل
فتثبتوا وتتقوا الله بطاعته ف إ�ن ذلك مما �أمركم به أ�مراً ا ألنبياء و إ� ْن لم يقتلوا لأنهم را�وضن به ،-و�سنجزيهم
بذلك ،فنقول لهم :ذوقوا عذاب النار المحرقة .وذلك
م ؤ� َّكداً فالتزموه. العذاب جزاء جرائمكم وتج ُّر ِئكم على الله ،والله
٧٤ ال يظلم� أحداً.
١٨٣و ِم ْن �شناعات اليهود وكذبهم قولهم� :إ َّن الله
�أو�صانا في ُكتبه �ألا ن�ص ِّدق ر�سلا ًو فيما جاء به حتى ي�أتينا
بذبيحة �أو غيرها مما ُي َتقرب به إ�لى الله فت أ�تي نار فتحرقها.
فر َّد الله عليهم �أن تعليقكم الإيما َن بالر�سل على ما ذكرتم
مخال ٌف لواقعكم ،فقل لهم -أ�يها الر�سول :-قد
جاءكم ُر�ُس ٌل من قبلي بمعجزات كثيرة وبهذا ال ُقربان،
َف ِل َم قتلتموهم إ�ن كنتم �صادقين فيما قلتم؟ �أي ف أ�نتم �أيها
اليهود الذين كفرتم بمحمد - -في الكذب والكفر
ك�أ�سلافكم ألنكم علمتم نبوته بعلامات كثيرة ،ومع
ذلك لم ت�ؤمنوا به.
١٨٤ف إ� ْن ك ّذبك -يا محمد -اليهو ُد بعد َأ� ْن عرفوا
�صدق نب َّوتك ،فلا تحز ْن ،فقد ك َّذب ْت �أ�سلا ُفهم الر�س َل
بعد أ�ن جا�ؤوا بالحجج الوا�ضحة على �صدقهم ،وبال ُّزبر
الم�شتمل ِة على المواعظ وال ِحكم ،والكتب العظيمة المبينة
لل�شرائع وا ألحكام.
١٨٥ك ُّل َن ْف� ٍس مخلوقة لاب َّد لها أ�ن تموت ،و إ�نكم �إنما
ُت ْع َطون جزاء أ�عمالكم تام ًا وافي ًا يوم القيامةَ ،ف َم ْن أُ�بعد
١٨٩ولله ُملك جميع ما في ال�سماوات وما في
ا ألر�ض ،تعالى أ�ن يفتقر �إلى �شيء ،وهو قاد ٌر على كل
�شيء ،ومنه تعجيل العقوبة للمجرمين في الدنيا.
١٩٠تف َّكروا �أيها الم�ؤمنون في بدائع خلق ال�سماوات
وا ألر�ض ،ف�إن في خلق ال�سماوات وا ألر�ض على
هذا النظام البديع ،وما فيهما من ا آليات العظيمة من
كواك َب وبحا ٍر وزروع و أ��شجار ،ومنافع للنا�س ،وفي
تعاقب الليل والنهار َلدلائل وعظات ألولي ا أللباب؛
أ��صحاب العقول المنتبهة ال�سليمة.
١٩١و أ�ولو ا أللباب هم الذين يذكرون الله في �صلاتهم ١٨٧واذك ْر � -أيها الر�سول -إ�ذ �أخذ الله العهد
وعلى جميع أ�حوالهم قائمين وقاعدين وم�ضطجعين، على أ�هل الكتاب ل ُي َبي ُن َّن للنا�س ما �أنزل الله في التوراة
وا إلنجيل ،ومنه ما جاء فيها ِم ْن �صفتك و�أمر ر�سالتك
ويتفكرون في بديع خلق ال�سماوات وا ألر�ض ا�ستدلال ًا بالحق ،ف�ض ّيع َخ َل ُفهم هذا ا ألمر ولم يلتفتوا �إليه ،ونق�وضا
ما ُ�أخذ عليهم من الميثاق ،فكتموا عن النا�س أ�مر نبوتك
واعتباراً ،فتلهج أ�ل�سنتهم با إلقرار بربوبيته تعالى متذلِّلين والب�شارة بك فيها ،وقد فعلوا ذلك لينالوا حظ ًا قليل ًا من
�إليه م�ستجيرين من عذابه ،قائلين :ر َّبنا ما خلق َت هذا حطام الدنيا ،فبئ�س هذا ال�شراء الذي ا�شتروه.
عبث ًا ولا لعب ًا ،بل دليل ًا على وجودك ول ِح َك ٍم عظيمة
أ�نت تعلمها ،تن َّزه َت ع ّما لا يليق بك ،آ�منا بكَ ،ف ِقنا ١٨٨لا تظ َّن َّن -يا محمد� -أ ّن ه�ؤلاء اليهود الذين
يفرحون ب�إ�ضلال النا�س وبكتمانهم ِ�صفتك ،وبما نالوا في
و َ�أ ِجرنا ِم ْن عذاب النار. مقابل ذلك ِم ْن منافع الدنيا ،وزادوا على �سوء ما �صنعوا
طل َب ما لم ي�ستحقوه ،وهو ثناء �أهلهم وغيرهم عليهم
١٩٢ويقولون ُمع ِّبين عن �شدة خوفهم وطلبهم الوقاية ب�أنهم َح َف َظ ُة �شريعتهم و ُح َّرا�سها ،والحال أ�نهم لم يفعلوا
من العذاب :ر ّبنا �إنك َمن ُتدخل النا َر فقد �أخزيته -أ�ي بل فعلوا عك�س ذلك ،فلا حت�سب ّنهم بعيدين من العذاب
أ�هنته و أ�ذللته -وما للظالمين الذين أ��شركوا بك َم ْن يمنع الذي �أع ّده الله ألعدائه في الدنيا من الخ�سف والم�سخ وما
عنهم عذابك يوم القيامة. �شابه ذلك .ولهم و ألمثالهم عذا ٌب �ألي ٌم في ا آلخرة.
١٩٤ ١٩٣ويت�ضرعون قائلين :ر َّبنا إ�ننا �سمعنا نب َّيك ٧٥
محمداً - -وكتابك الذي �أَنزل َت يدعواننا �إلى
الإيمان بك فبادرنا وما تخ ّلفنا ،ر ّبنا فا�صفح عن ذنوبنا
فلا ت ؤ�اخذنا بها ،وامح ع ّنا خطايانا ،و�أمتنا على الإيمان
والطاعة ،ر َّبنا و�آتنا ما وعدتنا على َ�أ ْل ِ�سنة ر�سلك ،من
ثواب الدنيا والجنة في ا آلخرة -والمق�وصد بالر�سل
هنا محمد -ولا تخزنا يوم القيامة ،إ�نك كريم لا
تخلف ما وعد َت به عبادك من الخير.
١٩٥ف�أجاب الله دعاءهم :ب أ�ني لا ُأ� ِ�ضيع ثوا َب عم ِل
العام ِل منكم من الخير ،بل �أوفيه جزاءه كامل ًا ولا �أخزيه،
ولا فرق في ذلك بين الذكر وا ألنثى؛ فكما �أن الأ�صل
واحد والم�س�ؤولية واحدة فالثواب واحد .فالم ؤ�منون
والم ؤ�منات الذين هاجروا �إلى إ�خوانهم من أ�هل الإيمان،
و ُ�أل ِجئوا �إلى الخروج من ديارهم بمكة ،و أُ�وذوا ب�سبب
طاعتهم لله ولر�سوله ،وقاتلوا الم�شركين و ُقتلوا في �سبيل
الله ،جزا�ؤهم أ�ني أ�محو �سيئاتهم ،و أ�دخلهم جنات
تجري ا ألنهار من تحتها ،جزاء عظيم ًا لهم من ف�ضل الله،
والله عنده ح�سن الجزاء لمن �آمن وعمل �صالح ًا.
يوفيهم �إياه يوم القيامة ،إ�ن الله �سريع الح�ساب لعباده؛ �إذ ١٩٧ ١٩٦لا يغ ّرنك � -أيها الر�سول -ما عليه الكفار
من نعمة و�َسعة ،و�سيطر ٍة ونفو ٍذ في البلاد ،ف إ�ن ذلك
هو عالم ب أ�عمالهم لا يخفى عليه �شيء ،وقادر لا يعجزه متاع ي�سير ُي َّتعون به حتى ت�أتيهم �آجالهم فيموتوا ،فلا
يرون متاع ًا بعده ،ثم يكون م�صيرهم يوم القيامة إ�لى
�شيء.
النار ،وبئ�س الفرا�ش والم�ضجع نار َجهنم.
َ ٢٠٠خ َتم الله تعالى ال�سورة بو�صي ٍة جامع ٍة لما فيها من
المقا�صد ،فقال} :ﯪﯫﯬﯭ{� ،أي ١٩٨أ� ّما الذين اتقوا ربهم بتوحيده وطاعته ،فلهم
في الآخرة جنات تجري من تحتها الأنهار ،هي أ�ها الله
اث ُبتوا على طاعتكم لله وعلى جهاد أ�نف�سكم و أ�عدائكم، وجعلها إ�قام َة كرام ٍة للطائعين ،وما عند الله من النعيم
و َت َل ّقوا ق�ضاءه بالر�ضا .وقابلوا � -أيها الم�ؤمنون�َ -ص ْ َب في الجنة للطائعين خير مما يتقلب فيه الكافرون من النعيم
�أعدائكم ب�صبر أ�كبر ،وكونوا على َح َذ ٍر منهم ،فداوموا
على الإعداد والمرابطة لحماية أ�ر�ضكم ودينكم .و َخ َتم في الدنيا.
الو�صايا ب ِجماع الخيرات وهو ا ألمر بتقوى الله تعالى
ب�صيانة النف�س عن المعا�صي ومخالف ِة �أمر ِه �سبحانه، َ ١٩٩أ� ْخ َب اللهُتعالى �أن اليهود والن�صارى لي�سوا جميع ًا
�سوا ًء ،ف ِمن �أهل الكتاب فريق آ�منوا بالله �إيمان ًا حق ًا فلم
لعلكم بذلك �أن تفوزوا بالن�صر في الدنيا ،وح�س ِن ي�شركوا به ،و�ص ّدقوا بما �أُنزل على محمد - -من
الثواب في الآخرة. الحق فدخلوا في دينه واتبعوه بعد ما كانوا عليه من اتباع
التوراة وا إلنجيل والزبور ،وهم خا�ضعون لله بطاعته
ُم�ْستكينون له ،لم ُيح ّرفوا كلام الله ،ولم يكتموا �صفة
ر�سوله محمد - -كما فعل غي ُرهم طلب ًا للرئا�سة
ولمتاع الدنيا ،فه�ؤلاء لهم جزاء عظيم م َّدخر عند الله
٧٦
أ�موالكم ،ولا َت ُ�ض ّموا أ�موالهم �إلى �أموالكم من غير تمييز ١يا �أيها النا�س احذروا أ�ن تخالفوا ر َّبكم فيما
فت�أكلوا منها أ�و ت�ستولوا عليها� ،إن ذلك كان عند الله �أمركم به أ�و نهاكم عنه ،ف إ�نه الذي ابتد�أ خلقكم
من نف�س واحدة ،وهو �آدم -وهذا الخ ْلق يقت�ضي
�إثم ًا كبيراً. وجو َب طاعة الخالق ،و َك ْو ُنكم ِم ْن نف�س واحدة �أَ ْد َعى
للتراحم بينكم -ثم خلق الله من �آدم زوجه حواء فن�شر
٤ ٣و إ�ن خفتم -يا �أو�صياء اليتامى� -أ ّل تعدلوا بزواجهما رجال ًا كثيراً ون�ساء .واتقوا مع�صية الله الذي
في اليتيمات �إذا تزوجتموهن ،ب أ�ن ت�سيئوا معاملتهن ي�س�أل بع ُ�ضكم بع�ض ًا بح ِّقه ،كقولكم� :أ�س�ألك بالله؛
�أو تعطوهن أ�ق َّل من �صداق ِم ْث ِله ّن ،فا ألَ ْر�ش ُد لكم أ� ّل فكما تعظمونه في م�صالحكم فعظموه بطاعته ،واتقوا
تنكحوهن وانكحوا غيرهن ممن �أحلهن الله لكم ،من ا ألرحام �أن تقطعوها �أو ت�ضيعوا حقوقها� ،إن الله كان
واحدة �إلى �أربع ن�سوة ،لا تجمعون بين أ�كثر من ذلك،
ف إ�ن خ�شيتم �أ ّل تعدلوا بينهن ،فانكحوا واحدة وذروا عليكم رقيب ًا.
الجمع� ،أو اقت�صروا على َم ْن تملكون من الإماء والجواري
ف إ�نه لا يجب َق�ْسم بينهن ،فهذا �أقرب لكم و أ�عون على ٢ويا �أو�صياء اليتامى �أعطوا اليتامى �أموالهم �إذا
عدم الجور .و�أعطوا الن�ساء مهورهن �صداق ًا واجب ًا لهن، بلغوا الـ ُح ُل َم وكانوا يح�سنون الت�ص ُّرف فيها .ولا تتبدلوا
ف إ�ن َو َه ْ َب لكم � -أيها ا ألزواجِ -م ْن �صداقه َّن �شيئ ًا المح َّرم عليكم من أ�موالهم بالحلال من أ�موالكم فت�أخذوا
ألنف�سكم الجيد من �أموالهم وتدفعوا إ�ليهم الرديء من
بطيب نف�س ،فخذوه فهو حلال لكم.
٥ولا ُتعطوا ال�سفها َء الذين لا يح�سنون الت�صرف
في ا ألموال -ل�صغرهم أ�و ل�ضعف عقولهم من اليتامى
وغيرهم -أ�موالهم ،ف�إنها و إ�ن كانت ملك ًا لهم فلا ي�صح
تمكينهم من �إهدارها ،لأن الله جعل لكم في الما ِل ِقوا َم
دنياكم وتح�صي َل م�صالحكم ،واجعلوا لهم في أ�موالهم
ن�صيب ًا لحاجاتهم وما لاب َّد منه من النفقات والك�سوة،
وقولوا لهم قلا ًو طيب ًا.
٦واختبروا ُح�ْس َن ت�ص ُّر ِف اليتامى في المال بعد
التمييز وقبل البلوغ ،ف�إذا بلغوا �س َّن النكاح ووجدتم
منهم �سلامة عقل و ُح�ْس َن ت�صرف في المال فادفعوا �إليهم
�أموالهم ،ولا تحب�سوها عنهم وت�أكلوها بغير ما �أباحه الله
لكم؛ �إ�سراف ًا ،ومبادر ًة منكم في ا�ستهلاك المال قبل لزوم
ت�سليمه إ�ليهم عند بلوغهم ُر�ْشدهم .و َم ْن كان منكم
�أيها ا ألو�صياء غني ًا فا ألولى له أ�ن ي�ستعفف عن الأكل
من مال اليتيم ،و َم ْن كان منكم فقيراً محتاج ًا فلي أ�خذ
من مال اليتيم حا َل و�صاي ِت ِه عليه بالمعروف -وهو َق ْدر
الحاجة بلا إ��سراف �أو �أجرة المثل -ف�إذا دفعتم �إلى اليتامى
أ�موالهم ف�أ�شهدوا على ذلك ،وكفى بالله محا�سب ًا.
٧٧
الميراث ،و�إن كانت المتروكة بنت ًا واحدة ولم يكن للميت ٨ ٧للذكور ول إلناث � -صغاراً كانوا �أو كباراً-
ولد َذ َك ٌر فلها ن�صف التركة .و َن�صي ُب أ�بوي الميت �سواء ِح ّ�ص ٌة معلومة من ميراث الميت من الوالدين �أو ا ألقارب
الأم �أو الأب� ،إن كان للميت ولد واحد أ�و أ�كثر ،ذكراً أ�و -قليل ًا كان ما تركه الميت �أو كثيراً -ح ّ�ص ًة فر�ضها الله
�أنثى ،ن�صيب ا ألبوين :لكل واحد منهما �سد�س التركة، وق ّدرها بمقادير مخ�وص�صة -وقد نزلت هذه الآية
ف�إن لم يكن للميت ولد ذكر أ�و �أنثى وورثه �أبواه ولم لإبطال ما كان �شائع ًا في الجاهلية من عدم توريث الن�ساء
يكن له كذلك إ�خوة اثنان ف�صاعداً ،فن�صيب أ�مه ثلث و�صغار الذكور -و�إذا ح�ضر ق�سم َة الميراث ذوو القربى
الميراث وللأب الباقي .ف إ�ن كان للميت الذي لم يترك من الميت ممن لي�س لهم ح ٌّق في الميراث أ�و اليتامى �أو
ولداً إ�خوة ذكوراً �أو �إناث ًا أ�و مختلطين عددهم اثنان أ�و الفقراء من غير ا ألقارب� ،أو علمتم ب�شدة حاجتهم،
�أكثر ،فن�صيب الأم ال�سد�س .وهذه الق�سمة التي ق�سمها فاجعلوا لهم �أيها الوارثون �شيئ ًا من الميراث يعينهم على
الله تعالى في الميراث تكون بعد ق�ضاء دين الميت كامل ًا، �س ِّد حاجتهم -وهذا ا ألمر على �سبيل الا�ستحباب عند
وتنفيذ و�صيته ال�صحيحة فيما لا يزيد على الثلث ،وقد جمهور الفقهاء -وقولوا لهم قلا ًو ح�سن ًا ،كدعو ٍة لهم
ق�سم الله بينكم الميراث هذا التق�سيم العادل فعليكم أ�ن
تلتزموه ،ولا ي�صح لكم أ�ن ُت ّكموا فيه أ�هواءكم ،ف�إنكم بخير� ،أو اعتذا ٍر �إن لم يعطوا �شيئ ًا.
لا تعلمون َم ْن أ�نفع لكم ِم ْن أ��وصلكم وفروعكم في
دنياكم و�آخرتكم ،وهذا فر�ض من الله عليكم� ،إن الله ٩وليخ�ش اللهَ الذين لهم أ�ولاد �صغار ،وهم
يخافون عليهم � -إن ماتوا وتركوهم -الفق َر وال�ضيع َة،
عليم بما ي�صلح عباده ،حكيم فيما �شرع لهم. ب أ�ن يتقوا الله في جميع �ش ؤ�ونهم ،وفى أ�موال اليتامى
فيفعلوا بهم ما يحبون أ�ن ُيفعل ب أ�بنائهم لو كانوا مثلهم،
ول ُي ْح ِ�سنوا القو َل لليتامى وين�صحوا لهم كما ين�صحون
ألبنائهم .وا آلية متوجهة �أي�ض ًا �إلى َم ْن َي ْح�ضرون المري�ض
وهو يو�صي أ�و يعلمون بذلك ب�أن ي أ�مروه بعدم الح ْي ِف
في الو�صية وب ُح�ْسن الت�صرف حتى لا ي�ضر بورثته ه�ؤلاء.
١٠إ� ّن الذين ي أ�خذون �أموال اليتامى بغير حق
-من الورثة �أو ا ألو�صياء �أو غيرهم في�ستولون عليها
وي�ضيعونها -إ�نما ي أ�كلون ناراً تت�أجج في بطونهم يوم
القيامة ،و�سيقا�سون ح َّر نا ٍر هائل ٍة لا يعلم مقدا َر �شدتها
إ�لا الله.
َ ١١ب َد�أَ اللهُ في تف�صيل ن�صيب أ�هم الوارثين من
الرجال والن�ساء الذي َأ� ْج َمله ِم ْن َقبل ،وبد�أ بن�صيب
الأولاد لقربهم ،فقال تعالى} :ﮓ ﮔ ﮕ
ﮖﮗ{ ،أ�ي ُي ْع ِلمكم الله ويعهد �إليكم :للذكر
منهم ِ�ضع ُف ن�صيب الأنثى في الميراث إ�ذا اجتمعوا،
ف�إن ترك المي ُت من الأولاد إ�ناث ًا ولم يكن له ول ٌد ذك ٌر،
ف إ�ن كان عددهن اثنتين ف�أكثر فلهن الثلثان مما ترك من
٧٨
والفروع -ف إ�ن كان للمتو َّفى في هذه الحالة أ� ٌخ من الأم
أ�و �أخت من الأم ،ف إ�ن انفرد الأخ وحده أ�و الأخت
وحدها ،فن�صيبه أ�و ن�صيبها هو ال�سد�س .ف�إن كان
الإخوة وا ألخوات للأم اثنين ف أ�كثر ،فميراثهم أ�نهم
ي�شتركون في الثلث و ُيف َّرق بينهم بال�سوية ،لا َف ْر َق
بين ذكر و أ�نثى ،لأن �صلة القرابة بينهم وبين الميت
�أنثى ،وهي الأم � -أي والباقي من الميراث يق�سم بين
�أ�صحاب الفرو�ض وال َع َ�صبات من الورثة -وهذه
الق�سمة إ�نما تتم بعد تنفيذ الو�صية الجائزة للميت
وق�ضاء ما عليه من ديون.
ولا ي�ضر �أح ُدكم ورث َته ب�إكثار الو�صية ،وهو ما زاد على ١٢ولكم -أ�يها الرجال -ن�صف ما ترك ْت
الثلث� ،أو �أن يق�صد بالو�صية إ��ضرارهم دون نية التق ُّرب زوجا ُتكم من الميراث بعد وفاتهن� ،إن لم يكن له َّن
إ�لى الله� ،أو �أن ي�ضرهم ب إ�كثار ال َّدين .والذي َف َر ْ�ضناه ولد -منكم أ�و من غيركم� ،سواء كان الولد ذكراً أ�م
عليكم فيما �سبق من ق�سمة الميراث هو و�صية الله إ�ليكم أ�نثى -ف إ� ْن كان لهن ولد فن�صيبكم -أ�يها الأزواج-
فالتزموها ،والله عليم بم�صالح عباده ،وبمن ي�ستحق هو الربع ،مما بقي من تركات زوجاتكم بعد ق�ضاء
الميراث و َم ْن لا ي�ستحقه ،حليم لا يعاجل بالعقوبة،
ديونهن ،و إ�نفا ِذ و�صاياهن ال�صحيحة.
فا�ستجيبوا ألحكامه.
و أ� ّما ميراث الزوجات من الأزواج ،ف إ�ن لهن الرب َع مما
١٣هذه الق�سمة التي ق�سمها لكم ربكم في تركتم �أيها ا ألزواج من الميراث إ�ن لم يكن لكم ولد
المواريث ،هي حدود من الله عز وجل لكم لا يجوز -منهن �أو ِم ْن غيرهن -ف�إ ْن كان لكم ولد ،ف َن�صيب
أ�ن تتعدوها ،وال حت ُّل مخالف ُتها ،وهي حدود ُيعلم بها زوجاتكم هو ال ُّثمن ،مما يبقى بعد ق�ضاء ديونكم ،و�إنفاذ
�أه ُل الطاعة من أ�هل المع�صية ،و َم ْن يطع الله عز وجل
فيما أ�مر به من الأحكام ،وفيما �شرعه من �شرائع تتعلق و�صاياكم ال�صحيحة.
بالمواريث وغيرها ،يدخ ْله جنا ٍت تجري من تحت �أر�ضها
و أ��شجارها الأنهار ،مقيمين فيها لا يموتون ولا يخرجون و َم ْن مات من الرجال أ�و الن�ساء كلال ًة ،أ�ي لم يكن له
�أو لها وار ٌث من ولد أ�و والد ،وهم ا أل�وصل والفروع،
منها أ�بداً ،وذلك هو الفلاح الذي لي�س بعده فلاح. -والكلالة هو الذي ترثه القراب ُة ِم ْن غير الأ�وصل
١٤و َم ْن يخال ْف �أمر الله ور�سوله ،ويتجاوز ما ح ّده
الله من حدود طاعته� ،شا ّك ًا فيما �شرعه الله -ومنه ق�سم ُة
المواريث -أ�و م�ستنكراً له ،كما ا�ستنكره المنافقون
يدخ ْله الله ناراً عظيمة ،خالداً فيها ،لخروجه بهذا عن
ِم َّل ِة الإ�سلام.
٧٩
من الموت ،فهذا الزمن الي�سير لي�س زمن توبة -وهذا ١٥لـ ّما َذ َكر تعالى في �أول ال�سورة بع�َض ا ألحكام
ح ٌّث على ا إل�سراع بالتوبة وعدم الت�سويف -ولا توبة المتعلقة بنكاح الن�ساء ومعا�شرتهن على الوجه الم�شروع،
بعد الموت لمن يموتون وهم كفار ،وه�ؤلاء الذين ماتوا ذكر هنا �أحكام اجتماع الرجل والمر�أة على الوجه غير
الم�شروع ،وهو الزنا .فب َّي أ� َّن ُحكم َم ْن ي�أتين فاح�شة
وهم كفار �أعتدنا لهم عذاب ًا أ�ليم ًا. الزنا من ن�سائكم الم�سلمات ،هو أ�ن ت�ست�شهدوا على
ذلك �أربعة رجال ُعدول -وا�شتراط ا ألربعة ت�شدي ٌد إ�يثاراً
١٩كانت عادة الجاهلية �إذا مات الرجل وترك زوجة لل�ستر -ف إ�ن �شهدوا بر ؤ�ية ِف ْع ِلهن ذلك ،ف�أم�سكوهن
انتقل َح ُّق ولايتها �إلى أ�وليائه ،ف إ�ن �شا�ؤوا زوجوها في البيوت عقوبة لهن ورعاية ومحافظة عليهن ودفع ًا
و�إن �شا ؤ�وا لم يزوجوها ،أ�و تزوجها �أحدهم بغير مهر، للف�ساد حتى ي�أتيهن �أج ُلهن ف َي ُمتن� ،أو �إلى �أن يجعل الله
ف�أنزل الله هذه الآية إ�بطال ًا لذلك :فلا َي ِح ُّل لكم � -أيها
الم ؤ�منون� -أن ترثوا نكاحهن �إكراه ًا لهن من غير توكيل له َّن َمخرج ًا من هذا ،ب�أن ي�شرع حكم ًا آ� َخر.
منهن .ولا َي ِح ُّل لكم أ�يها الأزواج أ�ن ُت�ش ِّددوا عليهن
وت�ضروهن رغبة أ�ن تفتدي الزوجة نف�سها من زوجها ١٦واللذان ي�أتيان فاح�شة الزنا من الرجال والن�ساء
لتفارقه ب�أن تترك له بع�ض مهرها� ،إلا �أن ت�أتي الزوجة منكم -أ�يها الم�سلمون -عقوبتهما �أي�ض ًا أ�ن ت�ؤذوهما
ب�أمر فاح�ش كن�وشز أ�و زنا� ،أو �سوء ُخ ُل ٍق َب ّ ٍي فلكم ذلك، بالتوبيخ والزجر �أو الهجر ،ف إ�ن تابا من الفاح�شة
وعاملوا زوجاتكم بالمعروف ،ف إ�ن كرهتموهن فلا و َ�صلُحت �أعمالهما ف�أ�صلحوا معامل َتهما ،و�أعر�وضا
تتعجلوا مفارقتهن؛ فع�سى أ�ن تكرهوا �شيئ ًا ويجعل الله عن تعنفيهما وتذكيرهما بجريمتهما� ،إن الله يقبل توبة
عباده ،وا�سع الرحمة بهم .وهذه العقوبة لهما كانت
لكم فيه خيراً كثيراً في الدنيا وا آلخرة. في أ�ول الإ�سلام قبل نزول الحدود ،و ُن�سخ ذلك كله
بما �شرع اللهُ ور�سو ُله ،فجعل الله للن�ساء �سبيل ًا من دوام
٨٠ الحب�س ،ب أ�ن جعل الـ َج ْلد للأبكار -وهم غير الم ْح َ�صنين
من الرجال والن�ساء -والرج َم لل ُم ْح َ�صنين� ،سواء كانوا
متزوجين �أم �سبق لهم الزواج.
َ ١٧و َع َد اللهُ ع ّز وج ّل بقبول التوبة من الذين يقعون
في المعا�صي ،جهل ًا و�سفه ًا منهم -وهذا الوقوع في
المع�صية �سواء كانت عن ق�صد أ�و غير ق�صد هو جهالة،
إ�ذ ك ُّل عا�ٍص جاه ٌل حين َي ْع�صي ،ألنه �آثر العاجل على
الآجل ،ولم ُيق ِّدر عاقب َة �أمره� -إن أ��سرعوا بتوبتهم قبل
موتهم وقبل أ�ن ت�صل �أرواحهم إ�لى حناجرهم ،فه�ؤلاء
الذين بادروا بالتوبة �صادقين يتق ّبل الله توبتهم� ،إن الله
عليم بالتائبين وبما ي�صلحهم ،حكيم في ت�شريعه للتوبة
وقبولها من عباده.
١٨ولا ُتقبل توب ُة الذين يعملون ال�سيئات� ،إذا كانت
توبتهم عند ح�وضر موتهم ،وانقطع منهم َح ْب ُل الرجاء
في الحياة ب أ�ن بلغ ْت أ�رواحهم حناجرهم ،فتيقنوا بذلك
٢٢ولا َي ِح ُّل لكم � -أيها الم ؤ�منون� -أن تتزوجوا ٢٠و إ�ن َر ِغبتم -أ�يها الم�ؤمنون -في نكاح امر�أة
�أرامل آ�بائكم -ويدخل فيه الأجداد ،وقد كان ذلك مكان زوجة لكم -قد دخلتم بها -فلا َيح ُّل لكم أ�ن
فا�شي ًا بين العرب في الجاهلية� -سواء دخل �آبا�ؤكم بهن ُت َ�ض ّيقوا على َم ْن تريدون طلاقها لت أ�خذوا ِم ْن مهرها
�أم لم يدخلوا ،و أ� ّما ما م�ضى من ذلك قبل نزول هذه �شيئ ًا ولو قليل ًا ،حتى ولو كان المهر الذي دفعتموه لها
الآية فلا إ�ثم عليكم فيه ،وتثبت به ا ألحكام المترتبة على مال ًا كثيراً� .أتقبلون �أن ت�أخذوه ظلم ًا و إ��ساءة منكم بغير
النكاح .وعليه َف َم ْن كان متزوج ًا من امر أ�ة كانت زوج ًة �سبب؟ وتقعوا في ا إلثم بعد أ�ن ات�ضحت لكم حرم ُته.
لأبيه ِم ْن ن�سب أ�و ر�ضا ٍع؛ فيجب عليه �أن يفارقها� .إ ّن و إ�نما كان الأخذ بهتان ًا ألنه �سب ٌب في �أن ُيظ َّن بالمر�أة أ�نها
ذلك النكاح كان فاح�شة بالغ َة ال ُقبح ،وممقوت ًا عند الله �أتت �أم َر �سو ٍء ففد ْت نف َ�سها ببع�ض المال ل ُيط ّلقها زوجها
وعند ا أل�سوياء من النا�س ،وبئ�س هذا ال�سبيل �سبيل ًا. وي�ستر عليها.
٢٣و ُح ِّرم عليكم نكاح أ�مهاتكم -ويدخل فيهن ٢١ولي�س ِمن المروءة -أ�يها الرجال -أ�ن ت أ�خذوا
الجدات و�إن َع َلون -ونكا ُح بناتكم و َم ْن تنا�سل منهن -من غير �سببِ -عو�ض ًا من زوجاتكم عن الفراق،
من الن�ساء ،و ُح ِّرم عليكم نكاح �أخواتكم ،وعماتكم، بعد أ�ن عا�شرتموهن و�أف�ضى بع�ضكم �إلى بع�ض بالجماع
وخالاتكم ،وبنا ِت ا ألخ ،و َم ْن تنا�سل ِمن بنات ا ألخ، وغيره .وكيف ت�أخذونه أ�ي�ض ًا وقد �َأ َخ ْذ َن منكم عهداً
وبنا ِت الأخوات و َم ْن تنا�سل منهن .و ُح ِّرم عليكم متين ًا عند عقد النكاح ب�أن تم�سكوهن وتعا�شروهن
نكاح أ�مها ِتكم من الر�ضاعة ،و�أخوا ِتكم من الر�ضاعة،
و�أمهات زوجاتكم -ولو لم تدخلوا بهن ،ف ُحرم ُة بمعروف �أو ت�سرحوهن ب�إح�سان؟!
نكا ِح ا ألمهات تثبت بمجرد العقد على البنات -و ُح ِّرم
عليكم نكاح ربائبكم ،وهن بنات الزوجة من غيركم، ٨١
واللاتي غالب ًا ما يتر َّبي َن مع أ�مهاتهن في بيوتكم
-وتربيت ُهن في بيوتكم لي�ست �شرط ًا في التحريم -فهن
محرمات عليكم ولو لم يتر َّبين في بيوتكم ،ولكن ب�شرط
�أن تكونوا دخلتم ب�أمهاتهن ،ف إ�ن طلقتم �أمها ِتهن قبل
الدخول بهن �أو ماتت ا ألم قبله فيحل لكم �أن تنكحوا
بناتهن .و ُح ِّرم عليكم �أن تنكحوا زوجات أ�بنائكم
الذين ولدتموهم ِم ْن أ��صلابكم -و إ�ن لم يدخل ا ألبناء
بهن ،و ُي ْلحق بهم ا ألبناء من الر�ضاع؛ لأنه يحرم من
الر�ضاع ما يحرم من الن�سب -و ُح ِّرم عليكم أ�ن تجمعوا
في النكاح بين ا ألختين ،بحيث تكونان زوجتين
ألحدكم في وقت واحد .وما م�ضى من ذلك فلا إ�ثم
عليكم فيه ،إ�ن الله كان غفوراً رحيم ًا .فمن كانت تحته
�أختان اختار �إحداهما وفارق الأخرى .وكذلك َح َّرم
النب ُّي الجم َع بين المر أ�ة وعمتها ،وبين المر أ�ة وخالتها.
وهو ال َجل َُد خم�سون َجلدة ،والَ ر ْج َم على ا ألَ َمة. ٢٤و ُح ِّرم عليكم نكا ُح ك ِّل ذا ِت زوج من الن�ساء،
ونكا ُح المملوكا ِت عند عدم القدرة على نكاح الحرائر إ�لا �إذا كانت ممن ملكتموهن بوج ٍه م�شرو ٍع بعد حي�ٍض
إ�نما �أُبيح لمن خاف منكم على نف�سه (ال َع َن َت) �أي الفجور تعرفون منه عدم َح ْملها من زوجها ال�سابق ،فالت ِزموا
والوقوع في الزنا ،وال َّ�صب ُر عن نكاح الأ َمة أ�ولى و�أف�ضل بحدود الله ،ولا تقربوا ما ح َّرمه عليكم .ولقد أ�جاز
-وذلك لئلا ي�صير الولد رقيق ًا -والله وا�سع المغفرة الله لكم نكاح َم ْن ترغبون في زواجه َّن من الن�ساء غير
اللائي ح َّرم عليكم إ�ذا أ�تممتم �شروط الزواج ال�شرعي
عظيم الرحمة. الم�ستدام ،وو َّفيتم بحقوقه المالية من المهر والنفقة ،وي�صير
٢٦يريد الله بما �َ َشع لكم ِم ْن هذه ا ألحكام ،وبما حينئ ٍذ ال�شرط المالي لعقد الزواج ،الذي هو المهر ،كامل ًا
َذ َكر من محرمات ومباحات �أن ُيب ّي لكم �شرائع دينكم
الذي ارت�ضاه لكم ،وما خفي عنكم من م�صالحكم ،و�أن ِم ْن حق الزوجة بعد الدخول بها ،ولا إ�ثم عليكم بعدئ ٍذ
ير�شدكم �إلى �سنن الأنبياء والمر�سلين ِم ْن قبلكم في الحلال �إذا ترا�ضيتم فيما بينكم بالن�سبة للحقوق المالية ب أ�ن
والحرام؛ لتقتدوا بهم ،ويتو َب بذلك عليكم مما كنتم
تقعون فيه ِم ْن مع�صية ربكم قبل �أن ي ُم َّن عليكم بالإ�سلام، يزا َد َمثل ًا على المهر �أو ُينق�ص منه �أو يتنازل عنه ،وهذا
الذي �شرعه الله ِم ْن من ٍع و�إباح ٍة في الزواج� ،شرعه عن
والله عليم ب أ�حوال العباد ،حكيم فيما� شرعه لكم. علم محيط بما ُي�صلح أ�حوالكم ،وحكم ٍة بالغ ٍة في تدبير
�أموركم ،فهو تعالى العليم الحكيم .و أ� ّما نكاح المتعة،
٨٢ وهو المنتهي ب�أجل محدو ٍد متف ٍق عليه ،ف�إنه عن هذه
الآية بمعز ٍل ،ولفظ الا�ستمتاع الوارد فيها معناه الدخو ُل
المو ِج ُب للزوجة جميع المهر ،كما تق ّدم ،وجماهير �أهل
العلم على أ�ن نكاح المتعة كان مباح ًا ثم ا�ستق َّر ا ألمر
على تحريمه.
٢٥و َم ْن لم يجد منكم �َس َع ًة من المال ،للزواج من
الحرائر الم ؤ�منات ،فله �َأ ْن يتز ّوج أ� َم ًة � -أي مملوكة-
م�ؤمنة ،والله أ�علم بحقيقة إ�يمانكم ،فلا تتعالوا عن نكاح
الإماء فك ُّلكم ِم ْن �آدم و أ�نتم مت�شاركون في الإيمان الذي
هو �أعظم الف�ضائل ،ف ْليتزو ْج بها لهذه ال�ضرورة بموافقة
أ�هلها -أ�ي �س ّيدها -مع إ�عطائها مهرها على ما ترا�ضيتم
به عن ِط ْي ِب نف� ٍس منكم ،واختاروهن من العفيفات ،لا
مـ ّم ْن يجاهرن بالزنا أ�و ممن يعا�شرن الرجال �سراً � -إذ
كان ذلك حا�صل ًا بين بع�ض الإماء في الجاهلية -ف�إذا
تزوج ْت ثم زن ْت؛ فعليها من الح ّد ن�ص ُف عقوبة الح ّر ِة،
القتل ،والتعبير بقوله�« :أنف�سكم» ُم ْع ِل ٌم ب�أن الم ؤ�منين ٢٧والله يريد �أن يتوب عليكم و َي ْ� ِصفكم عما كنتم
كنف�س واحدة؛ فالعدوان على �أح ٍد منهم؛ عدوان عليه في الجاهلية ،ويهديكم إ�لى �شريعته ،ويريد متبعو
ال�شهوات ِم ْن �أهل الباطل أ�َ ْن تبتعدوا عن طريق الحق
على جميع الم�سلمين .ويدخل في النهي قت ُل الإن�سا ِن
ُبعداً �شديداً ،فتكونوا أ�مثالهم.
نف َ�سه ،فالله رحيم بكم ،و ِم ْن رحمته ما ح ّرم عليكم من
المح ّرمات وللاو ذلك لهلكتم. ٢٨يريد الله أ�ن ُيخ ِّفف عنكم ،فلذلك �شرع لكم
ال�شريعة الحنيفية ال�سمحة ،و أ�باح لكم عند ال�ضرورة
٣٠و َم ْن ي أ�خذ أ�موال النا�س بغير حق ،أ�و يقتل نف�س ًا
عدوان ًا وظلم ًا ،فم�صيره جهنم يحترق بنارها ،وهذا و�شدة الحاجة ُر َخ�ص ًا ترفع الـ َح َرج عنكم ،والتي منها
ما �أباحه من الزواج با إلماء ،وقد ُخلق الإن�سان �ضعيف ًا
على الله ي�سير؛ ألنه لا را َّد لم�شيئته ولا مع ِّق َب لـ ُحكمه.
فنا�سبه من التكاليف ما فيه ُي�ْسٌ و�َسع ٌة.
٣١إ� ْن َتت ْركوا �أيها الم ؤ�منون كبائر الذنوب :كا إل�شراك
٢٩يا أ�يها الذين آ�منوا لا ت أ�خذوا �أموال غيركم بال ُّطرق
بالله ،وعقوق الوالدين ،وقت ِل النف�س بغير الحق، التي ح َّرمها الله عليكم ،كالربا وال ِقمار وال َغ ْ�صب
وال�سحر والزنا ،ونحوها من الذنوب العظيمة؛ َن ُح وغيرها؛ ولكن يجوز لكم أ�خذ الأموال بالتجارة عن
عنكم ما دونها ِم ْن �صغائر الذنوب ،و ُندخ ْلكم في ترا�ٍض وطيب نف� ٍس منكم على الوجه الذي �شرع لكم.
ا آلخرة ُمدخل ًا مك َّرم ًا لا ه َّم فيه ولا ك َد َر ،وهو الجنة. ولا َي ْق ُت ْل بع ُ�ضكم بع�ض ًا حقيق ًة �أو بمبا�شرة ما ي ؤ� ّدي إ�لى
٣٢ولا تتمنوا -أ�يها الرجال والن�سا ُء -ما ف َّ�ضل الله ٨٣
به بع�ضكم على بع�ضِ ،م ْن منازل الف�ضل ودرجات
الخير ،و ْل َ ْي�َض �أح ُدكم بما ق�سم الله له .وللرجال ن�صي ٌب
من ثواب الله وعقابه ،جزاء ما اكت�سبوا من خي ٍر أ�و �ش ٍّر،
وللن�ساء ن�صي ٌب مثل ذلك ،وا�س�ألوا الله توفي َقه ومعون َته
على ما ير�ضيه ،إ�ن الله علي ٌم بما ي�صلح عباده ،فار�وضا بما
َق َ�سم الله لكم.
٣٣ولك ِّل واح ٍد من الرجال والن�ساء جعلنا ورث ًة
ِم ْن أ�قاربه يرثونه ،والذين َع َقد لهم المتو َّفى -من غير
قرابته -عقداً مقت�ضاه �أن يرثوه �إذا مات ف آ� ُتوهم ن�صي َبهم
و آ�توا ك َّل ذي حق حقه -وفي هذه الآية �إ�شارة �إلى ما
كانوا عليه من التوارث بالتحالف ،وكان ذلك أ�ول
ا إل�سلام ثم ُن�سخ حكمه بنزول آ�يات المواريث -والله
م ّطل ٌع على كل �شيء ِم ْن �أعمالكم ،و�سيجازيكم عليها.
٣٦واعبدوا الله ح َّق العبادة ،ولا تجعلوا معه �شريك ًا ٣٤الرجال قائمون على أ�مور الن�ساء ِمن ال ِحفظ
في �ألوهيته ،و�أح ِ�سنوا �إلى الوالدين ،و إ�لى أ�قربائكم، والتوجيه والرعاية ،فهي ِقوام ُة م�س ؤ�ولية وتكليف؛
و�إلى اليتامى ،والم�ساكين -وهم المحتاجون �إلى
الم�ساعدة لفقرهم و�ضعفهم -و�إلى الجار الذي له قرابة وذلك بما خ�َّص اللهُ به الرجال من القدرة على التح ُّمل
والجا ِر الذي لي�ست له قرابة ،والرفي ِق لكم في ك ِّل أ�م ٍر و ُح�ْسن التدبير ،وبما ك َّلفهم به من ا إلنفاق على
�صال ٍح ،والم�ساف ِر المحتاج ،وما ملك ْت �أيما ُنكم من العبيد الزوجات ،من المهر والم�أكل والملب�س وال�سكن ،وغيرها
والإماء .إ�ن الله تعالى لا يح ُّب المتكبرين من عباده،
من متطلبات المعي�شة .فالن�سا ُء ال�صالحات مطيعا ٌت لله
المفتخرين عليهم بما أ�عطاهم من نعمه. تعالى ولأزواجه ّن فيما ير�ضيه تعالى ،حافظات لما
يجب عليهن حف ُظه من ا ألموال ،وال ِعر�ض وال�شرف،
٣٧ولا يح ُّب الله الذين يمتنعون عن الإنفاق مما
رزقهم الله في وجوه الخير ،وي أ�مرون غيرهم بالبخل، وا أل�سرار الزوجية بما ا�ست�ؤم َّن عليه ب أ�مر الله �سبحانه.
ويكتمون ما أ�نزل الله في كتابهم ِم ْن �صفة نبي الله واللاتي تخ�وشن تر ُّف َعه َّن عن طاعتكم و�سو َء ع�شرتهن
محمد � - -أولئك من الكافرين بالله الجاحدين فان�صحوه َّن بالكلمة الطيبة ،ف�إن لم ُ ْت ِد معهن الموعظ ُة
لنعمته .و�أع َّد الله للكافرين عذاب ًا م�ؤلم ًا ُم ِذل ًا .وقد نزل ْت والن�صيحة فاهجروهن في ال ِفرا�ش؛ ف إ� ْن لم ي�ؤث ِّر ذلك
الهج ُر فيهن فا�ضربوه َّن �ضرب ًا غير �شديد� ،ضر َب
هذه ا آلية في اليهود. ت أ�ني ٍب ال� ضر َب إ�يلا ٍم .وهذا بيان لترتيب ت�أديب النا�شز
من الن�ساء ،ف إ�ن أ�طعنكم فيما لكم الحق فيه فاحذروا
٨٤
ظل َمه ّن .واتركوا م ؤ�اخذتهن بما �سبق منهن ،ف إ�ن الله
العلي الكبير أ�قد ُر عليكم ِمن ُق ْدرتكم على ن�سائكم،
فاحذروا مخالفة �أمره.
٣٥و إ� ْن َح َدث ِخلاف بين الزوجين ،و ِخفتم أ�ن
ُيف�ضي إ�لى ال ِفراق ف أ�ر�سلوا َح َك َمين َع ْدلين :أ�حدهما من
�أهل الزوج والآخر من �أهل الزوجة؛ لينظرا ويحكما بما
فيه الم�صلحة لهما -وخ�ّص الأقارب بال ِّذكر ألنهم في
الغالب �أعرف ببواطن الأحوال ،و أ��شد طلب ًا للإ�صلاح،
و أ�بعد عن الريبة -ف إ� ْن خل�صت ال ّنية للإ�صلاح ،و َّفق الله
بينهما للو�وصل لما فيه خير الزوجين .إ�ن الله تعالى عليم
ال يخفى عليه �شي ٌء ِم ْن أ�مور عباده ،خبير بما تنطوي
عليه نفو�ُسهم.
٤١يقول تعالى -مخبراً عن يوم القيامة و�شدة
أ�مره :-كيف يكون حال الكافرين والعا�صين �إذا جئنا
يوم القيامة بك ِّل نب ٍّي �شهيداً على أ�مته ،وجئنا بك -أ�يها
الر�سول -لتكون �شهيداً على أ�متك وعلى ا ألنبياء ِم ْن
قبلك �أنهم بلغوا أ�ممهم ر�سالات ربهم؟!
٤٢يومئ ٍذ يتم ّنى الذين كفروا بالله وع�وصا الر�سول
لو تن�ش ُّق بهم ا ألر�ُض فتبتلعهم� ،أو يكونوا تراب ًا .وهم
في هذا الموقف لا ي�ستطيعون �أن ُي ْخفوا عن الله أ� َّي �ش�أن
ِم ْن �ش�ؤونهم؛ �إذ لو كتموا �شيئ ًا ب�أل�سنتهم ،ل�شهد ْت به
بقي ُة جوارحهم.
٤٣يا أ�يها الم�ؤمنون لا ت�أتوا ال�صلاة و أ�نتم �سكارى ٣٨و�أعتدنا هذا العذاب �أي�ض ًا للذين ينفقون
�أموالهم ريا ًء و�ُسمعة؛ ولا ي�ؤمنون بوحدانية الله تعالى
حتى تم ِّيزوا وتعلموا ما تقر ؤ�ون فيها وما تقولون، ولا بيوم القيامة كالمنافقين و أ�مثالهم من �أهل الكفر،
وال تدخلوا الم�ساجد و�أنتم على جنابة حتى تغت�سلوا� ،إلا و�إنما َح َم َلهم على ذلك طاع ُتهم لل�شيطان ،و َم ْن َي ُكن
إ�ذا كنتم عابري الم�ساجد عبوراً دون ا�ستقرار فيها َف َل ُكم ال�شيطا ُن له �صاحب ًا فبئ�س هذا ال�صاحب والقرين؛ لأنه
ذلك ،و�إن كنتم مر�ضى لا ت�ستطيعون ا�ستعمال الماء� ،أو يورده المهالك.
كنتم م�سافرين ولم تجدوا ما ًء ،أ�و ق�ضيتم حاجتكم ِم ْن ٣٩وما الذي ي�ض ُّرهم لو آ�منوا بالله واليوم ا آلخر،
بول �أو غائط ،أ�و لام�ستم الن�ساء -والملام�سة �إما كناية و أ�نفقوا بع�َض ما رزقهم الله من ف�ضله ابتغا َء ر�وضانه
تعالى؟! والله لا يخفى عليه �شي ٌء ِم ْن �أعمالهم و َق ْ�صدهم،
عن ال ِجماع أ�و هي َم� ُّس الب�شر ِة الب�شر َة -فلم تجدوا ماء
للطهارة؛ فاق�صدوا أ�ر�ض ًا طاهرة؛ فام�سحوا بوجوهكم و�سيحا�سبهم عليها.
و�أيديكم منها .إ�ن الله كثير العفو عن عباده بالترخي�ص � ٤٠إ ّن الله لا يظلم أ�حداً �شيئ ًا ،ولا ينق�ص ثوا َب عمله
مهما �صغر ولو كان وزن َذ َّر ٍة ،وي�ضا ِع ُف الح�سنات
والتو�سعة عليهم ،كثي ُر المغفرة عن التق�صير �أو الخط�أ.
�أ�ضعاف ًا م�ضاعفة ،و ُي ْد ِخ ُل الجنة بف�ضله.
٤٤أ� َل َت ْعجب -أ�يها الر�سول -من ه ؤ�لاء اليهود الذين
ُ�أعطوا ح ّظ ًا ِم ْن علم التوراة ،يختارون ال�ضلالة على
الهدى -وهو البقاء على اليهودية بعد أ�ن تب َّي لهم �صدق
نبوة ر�سول الله -ويزيدون على ذلك ب أ�ن يتمنوا لكم
�أيها الم ؤ�منون �أَ ْن ت�ضلوا �سبي َل الح ِّق كما �ض ُّلوا.
٨٥
اليهود والن�صارى :نحن �أبناء الله و�أحبا�ؤه!! بل اللهُ ٤٥والله أ�علم منكم �أيها الم ؤ�منون ب�أعدائكم،
تعالى وحده العالم بمن ي�ستح ُّق التزكية ،وهو الذي ويح ّذركم منهم ،و َح�ْس ُبكم ع ّزاً ون�صراً أ�ن يكون الله
يثني على َم ْن ي�شاء -ومع هذا الأمر -الُ يب َخ�سون ِم ْن ول ّي ًا ونا�صراً لكم على �أعدائكم و�أعداء دينكم؛ و َم ْن
أ�عمالهم �شيئ ًا ولو كان بمقدار الخيط الذي يكون في �ش ِّق
كان كذلك فليطمئن ويكتفي بلاوية الله و ُن ْ�صته.
نواة التمرة.
ِ ٤٦م ْن ه ؤ�لاء اليهود فري ٌق يب ِّدلون كلا َم الله في التوراة
٥٠انظر � -أيها الر�سول -كيف يتجر�ؤون فيفترون ق�صداً وعمداً ،ويقولون للر�سول � :- -س ِم ْعنا قو َلك
على الله الكذ َب ،بزعمهم �أنهم �أبناء الله و�أحبا ؤ�ه ،و أ�نهم -تظاهراً بت�صديقه -و َع�صينا َ�أ ْمرك - يقولون ذلك
مغفو ٌر لهم! وكفى بهذه الدعوى ذنب ًا عظيم ًا وا�ضح ًا. هم�س ًا فيما بينهم -وا�سم ْع ِم َّنا غير ُم�ْس َم ٍع ،يق�صدون
الدعاء عليه � ،أي :لا �أ�سمعك الله ،ويقولون:
� ٥١أ َل َت ْعج ُب � -أيها الر�سولِ -م ْن َ أ� ْم ِر ه�ؤلاء اليهود؛ }ﭩ{ ُيوهمون �أنهم يريدون رعايتهم ،أ�ي :را ِعنا
الذين �أُوتوا ن�صيب ًا من العلم بالتوراة ي�ص ِّدقون بال ِج ْب ِت �َس ْم َعك وا ْف َهم ع ّنا و أ� ْف ِهمنا ،و�إنما يق�صدون �َش ْتمه والدعاء
-الذي هو كل ما َخ�ضع له النا�س من دون اللهِ :من عليه بالرعونة َ -ح�ْس َب لغتهم -ويريدون الطعن في
�شيطان� ،أو �ساح ٍر� ،أو كاهن -وي�ص ّدقون الطاغوت، دين الإ�سلام .ولو �أنهم قالوا} :ﭳﭴ{ ،بدل
-وهو كل معبود من دون الله -ويقولون لم�شركي مكة: قولهم} :ﭤ ﭥ{} ،ﭦ{ فقط دون
}ﭧﭨ{} ،ﭶ{ بدل }ﭩ{ لكان خيراً
أ�نتم �أهدى �سبيل ًا ِم ْن محم ٍد و أ��صحابه ! لهم عند الله و�أعد َل و�أ�وص َب قلا ًو ،ولك َّن الله َط َردهم
و أ�ب َع َدهم من رحمته؛ ب�سبب كفرهم وجحدهم نب َّوة
محمد - -فلا ي�ستجيبون لداعي الإيمان إ�لا قليل ًا.
٤٧يا َم ْع�شر اليهود� :آمنوا بالقر�آن الذي �أنزلناه ،م�ؤيِّداً
لما معكم من التوراة من َقب ِل أ�ن ُنزيل معا ِلـ َم وجوهكم،
أ�و نح ّولها جهة ظهورهم -وهذا إ�نذا ٌر إ�له ٌّي بالغ�ضب
منه عليهم� -أو نلعنكم بم�سخكم قرد ًة وخنازير ،كما
لع ّنا اليهو َد ِم ْن �أ�صحاب ال�سبت ،الذين ُنهوا عن ال�صيد
فيه فلم ينتهوا؛ فجعلهم الله ِع ْب ًة ب أ�ن قال لهم} :ﮒ
ﮓﮔ{ ،وكان �أمر الله نافذاً لا َمحالة.
٤٨بيا ٌن من الله العزيز لعباده :ب أ� َّن الله لا يغفر ال�شر َك
به والكف َر لمن مات ولم َي ُتب من �شركه وكفره ،ويغف ُر
ما عدا ذلك من الذنوب لمن ي�شاء ِم ْن عباده .و َم ْن ي�شرك
بالله فقد ا ْخ َت َلق وارتك َب إ�ثم ًا عظيم ًا.
٤٩أ�لـ ْم َت ْنظر � -أيها الر�سول� -إلى الذين يمدحون
�أنف�سهم بالباطل ،با ّدعاء ف�ضائل لي�س ْت لهم ،كقول
٨٦
َ ٥٥ف ِم َن الذين �أُوتوا الكتاب من اليهود َم ْن �آم َن � ٥٢أولئك الذين أُ�وتوا ن�صيب ًا من الكتاب وهم
بالنب ِّي محم ٍد - -ومنهم َم ْن كفر به و�ص ّد النا�س ي ؤ�منون بال ِج ْب َت والطاغوت؛ �أخزاهم الله وطردهم ِم ْن
عن الإيمان به ،وح�س ُبكم أ�يها ال�صا ّدون عنه عذاب ًا نا ُر رحمته ،و َم ْن ُيخزه الله و َي ْط ُر ْد ُه ِم ْن رحمته فلن تجد له
جه ّنم التي تتو ّق ُد بكم �أ�شد ا إليقاد. نا�صراً يدفع عنه عذا َب الله و�سخطه.
� ٥٦إن الذين �َأ�ص ُّروا على تكذيبهم بما أ�نزل الله على ٥٣لي�س له�ؤلاء اليهود ن�صي ٌب من الملك كما
محمد ِم ْن يهو ٍد وغيرهم من الكفار �سوف ندخلهم ناراً يزعمون ،ولا ي�ستحقونه ،إ�ذ لو كان لهم ن�صي ٌب منه ،لما
هائل ًة عظيمة ،كلما احترق ْت جلو ُدهم ب ّدلناهم جلوداً �أعطوا النا�س منه �أق َّل القليل ،ولو كان مقدار ال ُّنقرة التي
�أخرى؛ ليدوم عذا ُبهم و�أ َلـ ُمهم .إ�ن الله عزيز ،لا يمتنع
تكون في ظهر ال َّنواة؛ ل�شدة بخلهم وح�سدهم.
عليه �شيء ،حكي ٌم في ق�ضائه وجزائه.
٥٧والم�ؤمنون الذين �آمنوا بالله ور�سوله محم ٍد، َ ٥٤أ� ْم يح�سد ه ؤ�لاء اليهود محمداً - -و�أ�صحابه
وعملوا ا ألعمال ال�صالحة في الدنيا� ،س ُيدخلهم الله على نعمة النب ّوة؟ ولي�س ذلك ِب ِبد ٍع وال غري ٍب على
جنا ٍت تجري ِم ْن تحتها ا ألنهار ،خالدين فيها �أبداً، ف�ضل الله ،فقد �أعطينا ذرية إ�براهيم عليه ال�سلام -الذي
فلا يموتون ولا هم منها يخرجون ،ولهم فيها أ�زواج هو َج ُّد محمد -النب ّوة والعلم ،و آ�تينا بع َ�ضهم الملك
ط ّهره َّن الله ِم ْن ك ِّل �أذ ًى ،و ُيدخلهم ِظ ّ ًل وارف ًا كثيف ًا، العظيم مع النب ّوة ،كداود و�سليمان -عليهما ال�سلام-
فكيف يح�سدون محمداً على النب ّوة ،وي�ستبعدون أ�ن
ينعمون به في جنات النعيم.
تكون الر�سالة في غي ِر اليهود؟!
� ٥٨إ َّن الله ي�أمركم -أ�يها الم�ؤمنون� -أن تر ُّدوا جمي َع
ما ا�ؤتمنتم عليه ِمن الله أ�و النا�س �إلى أ��صحابه ،وي أ� ُمركم ٨٧
إ�ذا ق�ضيتم بين النا�س أ�ن تحكموا بالعدل ،و ِن ْع َم الموعظ ُة
يعظكم بها الله ،في �أمره �إياكم ب�أداء الأمانة والعدل في
الق�ضاء ،والله �سميع ألقوالكم ،ب�صير ب�أعمالكم.
٥٩يا أ�يها الذين آ�منوا أ�طيعوا الله ربكم فيما �أمركم
به وفيما نهاكم عنه ،و أ�طيعوا ر�سو َله محمداً فيما جاء
به من الحق ،و�أطيعوا َمن يتولى منكم تدبي َر �أموركم،
ف�إن اختلفتم في �شيء فيما بينكم فاحت ِكموا فيه إ�لى
كتاب الله و إ�لى ر�سوله -و�ُس َّنته ِم ْن بعده -وا�س َت ِم ّدوا
منهما ما ير�شدكم �إلى ال�وصاب ،وهو ما لا ينفك عن
إ�يمانكم بالله وخ�وض ِعكم لأمره وا�ستح�ضاركم لح�سابه
في اليوم ا آلخر .ذلك خير لكم من التنازع والقو ِل ِم ْن
غير دلي ٍل يد ُّلكم وهداي ٍة تر�ش ُدكم ،و�أح�س ُن عاقبة وم آ�ل ًا
ألمر جماعتكم.
٦٠أ� َل تعج ُب � -أيها الر�سولِ -من حا ِل ه�ؤلاء
المنافقين الذين ي ّدعون أ�نهم آ�منوا بالقر آ�ن وبما �أنزل الله
من الكتب َقبله ،وهم يريدون أ�ن يتحاكموا في ف�صل
الخ�وصمات �إلى الطاغوت -وهم ر ؤ��ساء الكفر
وال�ضلال -ويرف�وضن حكم الله ور�سوله وقد �أُمروا
�أن يكفروا بالطاغوت! ويريد ال�شيطان بما ز َّين
لهم أ�ن ُي�ضلهم �ضلال ًا بعيداً ،وذلك ب�صرفهم عن
حكم الله ور�سوله.
٦٥فلا ور ِّبك يا محمد لا ي�ؤمنون حتى يجعلوك ٦١و�إذا قيل لهمَ :ه ُل ُّموا �إلى حكم الله الذي �أ ْنزل
ح َكم ًا فيما تنازعوا واختلفوا فيه من الأمور ،ثم في كتابه ،و�إلى الر�سول ليحكم بيننا ر أ�ي َت المنافقين
لا يجدوا �ضيق ًا في أ�نف�سهم مما حكم َت فيه بينهم، ُيعر�وضن عنك �إعرا�ض ًا �شديداً.
وي�س ِّلموا لق�ضائك و ُحكمك ت�سليم ًا مطلق ًا؛ إ�ذ ك ُّل َم ْن ٦٢فكيف يكون حا ُل ه�ؤلاء الذين يريدون �أن
ي َّدعي ا إليمان ،لا يكون إ�يمانه �صادق ًا إ�لا إ�ذا َق ِب َل حك َم الله يتحاكموا إ�لى الطاغوت �إذا نزل ْت بهم ِن ْقم ٌة من الله؟
ثم جا�ؤوك -أ�يها الر�سول -يحلفون كذب ًا :ما �أردنا
ور�سول ِه وارت�ضاه.
بتحاكمنا إ�لى غيرك إ�لا ا إلح�سا َن وال�صل َح وطل َب
التوفي ِق بين الخ�صمين ،ال مخالف ًة لحكمك!
٦٣أ�ولئك يعلم الله نفا َقهم وعداوتهم للحق،
ف أ�عر�ْض يا ر�سول الله عن قبول اعتذارهم ،وخ ِّوفهم من
النفاق ،وح ِّذرهم ِم ْن �سوء ما ُه ْم عليه ،و ُق ْل لهم قلا ًو
حكيم ًا م ؤ�ثراً ينفذ �إلى أ�عماق نفو�سهم ،لعلهم يرجعون
عن نفاقهم.
٦٤وما أ�ر�سلنا ر�سلا ًو �إ ّل فر�ضنا طاعته على ُأ�مته
ب�أمرنا ،ولو �أ َّن ه ؤ�لاء المنافقين حين ظلموا أ�نف�سهم
باحتكامهم �إلى الطاغوت ،جا ؤ�وك � -أيها الر�سول-
ُم َتو�سلين �إليك تائبين �إلى الله ُمنيبين� ،سائلين الله المغفر َة
لذنوبهم ،وا�ستغفر َت أ�يها الر�سول لهم؛ لوجدوا اللهَ
وا�س َع المغفرة رحيم ًا بهم في ترك عقوبتهم.
٨٨
كرامته ،ويجع ُله رفيق ًا ل ألنبياء ،و ُف َ�ضلا ِء �أتباعهم ،وهم
ال ِّ�صديقون الذين بلغوا الرتب َة العليا في ت�صديق �أنبيائهم،
ورفيق ًا لل�شهداء في �سبيل الله ،و�صالحي الم�ؤمنين ،وهم
الذين �صلحت �سرائرهم وعلانيتهم ،و ِن ْع َم الرفقاء ه�ؤلاء
في الجنة.
٧٠تلك المنزل ُة العظيمة ،هي ف�ض ٌل من الله ورحمة،
وهو الذي و َّفقهم لذلك ،وهو علي ٌم بمن ي�ستحق
الهداية والتوفيق.
٧١ي�أمر الله تعالى عبا َد ُه الم�ؤمنين ب أ�خذ الـ َح َذر ِم ْن
عدوهم؛ وهذا ي�ستلزم الت أ� ُّه َب له؛ ب�إعداد ا أل�سلحة
وال ُع َدد وتكثير ال َع َدد ،فا ْخ ُرجوا أ�يها الم ؤ�منون في �سبيل
الله لقتال عدوكم جماع ًة بعد جماع ٍة أ�و مجتمعين.
٧٢و إ� ّن منكم َم ْن ُي َب ِّطئ غي َره عن الجهاد ،وهم ٦٦ولو أ� ّنا َف َر�ضنا على الذين َي ْزعمون أ�نهم آ�منوا بما
المنافقون .ف إ� ْن �أ�صابكم قت ٌل �أو جرا ٌح �أو ذها ُب ما ٍل، أ�ُنزل إ�ليك ،وما أ�نزل من قبلكَ� ،أ ْن يقتل بع ُ�ضهم بع�ض ًا،
قال المنافق المتخ ِّلف �شامت ًا :قد أ�نعم الله عل ّي حيث لم �أو �أَ ْن يهاجروا من �أوطانهم ،ما ا�ستجاب لذلك إ�لا عد ٌد
قلي ٌل منهم -وهم الم�ؤمنون - ولو �أنهم ا�ستجابوا لما
�أكن حا�ضراً معهم؛ في�صيبني ما أ��صابهم. ُين�صحون به و ُي ْدعون إ�ليه ِم ْن طاعة الله ور�سوله ظاهراً
وباطن ًا لكان لهم في ذلك خي ُر الدنيا وا آلخرة ،ولكا َن
٧٣ولئن �أ�صابكم ن�صرٌ وغنيم ٌة ،ليقو َل َّن هذا المنافق
-نادم ًا متح�ِّساً على ما فاته -ك�أن لم تكن بينكم أ��ش ّد تثبيت ًا إليمانهم.
وبينه رابطة مودة :يا ليتني كن ُت معهم حتى �ُأ�صيب
٦٧ولو أ�طاعوا فيما أُ�مروا به ،لأعطيناهم ثواب ًا عظيم ًا
من الغنيمة. على �أعمالهم في ا آلخرة ،وهو الجنة.
٧٤ثم ح�َّض اللهُ الم ؤ�منين على الجهاد في �سبيله، ٦٨و ألر�شدناهم �إلى طري ٍق لا اعوجاج فيه ،يو�صلهم
فقال :فل ُيقا ِت ْل لإعلاء دين الله و ُن�صرة �شريعته الم�ؤمنون، �إلى �سعادة الدنيا والآخرة.
الذين يبيعون حيا َتهم الدنيا بثواب ا آلخرة .و َم ْن يجاهد
في �سبيل الله؛ ف ُيقتل� ،أو يظفر ب�أعدائه؛ ف�سوف ن ؤ�تيه ٦٩و َم ْن يعم ْل بما �أمره الله ور�سوله ،ويتر ْك ما
نهى الله عنه ور�سو ُله ،ف إ�ن الله ع َّز وجل ي�سكنه دار
ثواب ًا عظيم ًا.
٨٩
َح َذر الموت .و�إ ْن يح�صل للمنافقين ما ي�س ُّرهم من رخا ٍء � ٧٥أ ُّي �شيء يمنعكم -أ�يها الم ؤ�منون -من الجهاد
وفت ٍح وغنيم ٍة؛ قالوا :هذا من ِق َب ِل الل ِه وبتقديره و�إ ْن في �سبيل الله وفي �سبيل ُن�صرة الم�ست�ضعفين ،من الرجال
ت�صبهم �ش ّدة من هزيمة و�أل ِم جرا ٍح ،قالوا :هذا ب�سبب والن�ساء وال�صغار؛ الذين �آذاهم الم�شركون ،ونالوهم
محمد .وما َع ِلموا �أن ذلك ك ّله من عند الله وحده،
بق�ضائه وقدره ،فما له ؤ�لاء المنافقين لا يكادون يفهمون بالعذاب ليفتنوهم عن دينهم؟! ولا و�سيل َة لديهم إ�لا
حديث ًا ُيو َّجه �إليهم ،أ�و عظ ًة ُتلقى �إليهم .وهذا ذ ٌّم وتوبيخ الا�ستغاث ُة بربهم ،يدعونه قائلين :ربنا �أخرجنا من هذه
القرية -وهي مكة -التي ظل َمنا �أه ُلها ،واجعل لنا من
لهم على عدم فهمهم وفقههم عن الله تعالى. لدنك ول ّي ًا يكفينا فتنة الكافرين ون�صيراً ين�صرنا على
٧٩ما �أ�صابك ِم ْن نعم ٍة وخير فبف�ضل الله و�إح�سانه، َم ْن َظلمنا.
وما �أ�صابك من مكروه و�ش ٍّر فبما اكت�سب ْت يداك .ثم
قال تعالى تعظيم ًا ل�ش�أن الر�سول :- -و�أر�سلناك ٧٦وقتا ُلكم -أ�يها الم ؤ�منون� -إنما هو قتا ٌل في طاعة
� -أيها الر�سول -للنا�س عامة ر�سلا ًو تب ِّلغهم ر�سال َة
ربك ،و َح�ْس ُبك -أ�يها الر�سول� -أ َّن الله �شاه ٌد على الله ور�وضانه؛ وهو بذلك يتلاوكم وين�صركم ،و�أما
ِ�صدق نبوتك ور�سالتك. الكافرون فيقاتلون في �سبيل ُن ْ�صة ك ِّل متع ٍّد ُيعبد من
دون الله طاع ًة لل�شيطان ،فقاتلوا �أولياء ال�شيطان و�أتباعه
٩٠
�إ ّن كيد ال�شيطان ل�ضعيف ،فلا ت�أبهوا به.
� ٧٧ألم َت َر � -أيها الر�سول -إ�لى الذين َر ِغبوا في قتال
الكافرين فقيل لهم قبل الإذن بالجهاد :امنعوا �أن ُف َ�سكم
عن قتال الم�شركين وحربهم ،و�أدوا ال�صلاة محافظين
على أ�ركانها و�شروطها ،و أ�عطوا الزكاة إ�لى أ�هلها ،فل ّما
ُفر�ض عليهم القتال الذي كانوا يطلبونه؛ �إذا جماعة
منهم يخافون قتا َل الم�شركين كخوفهم ِمن الله �أو أ��ش َّد
خوف ًا ،وقالوا جزع ًا :ر َّبنا ِلـ َم ف َر�ض َت علينا القتال في
هذا الوقت؟ ه ّل �أ ّخرتنا �إلى وق ٍت قري ٍب ،رغب ًة منهم في
التمتع بالحياة الدنيا ،قل لهم � -أيها الر�سول :-تم ُّت ُعكم
في الدنيا قليل لأنها فانية ،ونعي ُم ا آلخرة خي ٌر لمن اتقى
ر َّبه؛ ألنها باقية ونعيمها دائم ،ولا َي ْن ُق�صكم الله ِم ْن
�أجور �أعمالكم �شيئ ًا ،ولو كان �شيئ ًا ي�سيراً مقدار الخيط
الذي يكون في �ش ِّق نواة التمرة .ف إ�ذا كان الأمر كذلك
فجاهدوا في �سبيل الله ح َّق جهاده.
� ٧٨أينما تكونوا � -أيها النا�سُ -ي ِ�ص ْبكم المو ُت ولو
تح ّ�صنتم دونه في الح�وصن المنيعة؛ فلا تهربوا من القتال
وتناق�ضت معانيه ،ولر�أوا فيه تناق�ض ًا كبيراً ،ولكنه من َّز ٌه َ ٨٠م ْن يطع الر�سو َل في ك ِّل ما ي أ�مر به وينهى عنه،
عن ك ِّل اختلا ٍف كثيراً كان �أو قليل ًا ،فكيف يكون من فقد �أطاع الله؛ ألنه مب ِّل ٌغ عن الله �أَ ْم َره ونهيه ،ومر�َس ٌل من
جهته ،وم�س َّدد بوحيه ،و َم ْن أَ�عر�ض عن طاعتك � -أيها
عند غير الله؟! الر�سول -فما بعثناك على ه ؤ�لاء المعر�ضين رقيب ًا ،و إ�نما
٨٣و�إذا بلغ ه�ؤلاء المنافقين َخ َ ٌب عن �َ ِس َّية للم�سلمين عليك البلاغ وعلينا الح�ساب.
بانت�صارها أ�و انهزامها أ�و غير ذلك مما يتعلق بالم�سلمين
-أ�من ًا وخوف ًا -أ�ف َ�شوه بين النا�س و أ�ذاعوه ،ولو ترك ٨١ويقول المنافقون للنبي - -إ�ذا �أمرهم ب�أمر:
المنافقون الحدي َث عن ذلك ا ألمر ور ّدوه �إلى الر�سول لك منا الطاع ُة فيما ت�أمرنا وتنهانا ف إ�ذا ان�صرفوا عن
و إ�لى �أكابر ال�صحابة ألدرك ه ؤ�لاء َو ْج َه الت�ص ّر ِف فيه مجل�سك غ َّي جماع ٌة منهم ليل ًا ما التزموا به من الطاعة
با إلذاعة أ�و الكتمان ،وذلك لما لهم من الب�صيرة والقدرة وعملوا على �إبطال ما قل َت ،والله ُيح�صي عليهم ما
على الاجتهاد وتدبير ا ألمور .وللاو توفيق الله و إ�نعا ُمه يد ِّبرون وما يغ ِّيون ويكتبه في �صحف أ�عمالهم؛ فتو َّل
عليكم � -أيها الم ؤ�منون -با إليمان و َم ْن ِع الفتنة ل�سلكتم عنهم � -أيها الر�سول -وف ِّو�ض �أمرك �إلى الله ولا ُتبا ِل
طريق ال�شيطان �إلا قليل ًا منكم .وفي هذه ا آلية من
ا إلنكار على َم ْن يبادر إ�لى ن�شر ا ألخبار قبل التح ُّقق منها بهم ،و َح�ْس ُبك اللهُ حافظ ًا ونا�صراً ومعين ًا.
ما لا َي ْخفى ،فقد لا تكون لها �صحة ،وقد تن�شر على ٨٢أ�فلا يتد َّبر ويتم َّعن ه ؤ�لاء كتا َب الله؛ ليقفوا على
ائتلاف معانيه و�أحكامه؟ ولو كان القر آ�ن من عند
وج ٍه ي�ض ُّر. غير الله -كما يزعم الكافرون -لاختلف ْت أ�حكا ُمه،
٨٤فجا ِه ْد -أ�يها النبي -أ�عداء الله وقا ِتلهم ولو ٩١
بقي َت وحدك ،ف إ�ن الله لا يكلفك إ�لا بما فر�ضه عليك،
و ُح�َّض الم�ؤمنين على قتال الم�شركين ،ور ِّغبهم في ثوابه؛
لعل الله �أن يدفع �ش َّر الكافرين .واللهُ أ��ش ُّد قو ًة وانتقام ًا
منهم ،و�أعظم عقوب ًة لهم.
َ ٨٥م ْن ي ؤ�ازر غيره في�سعى في َج ْل ِب منفع ٍة له �أو
دفع َم َ�ضة عنه ابتغاء وجه الله َي ُك ْن له ثوا ٌب من تلك
ال�شفاعة ،و َم ْن ي�ؤازر غيره في باط ٍل في�سعى ألذى غيره
و�إي�صال ال�شر إ�ليه َي ُك ْن له ن�صي ٌب ِم ْن ِو ْزر ذلك ،وكان
الله على كل �شيء �شهيداً وحفيظ ًا وح�سيب ًا.
٨٦و�إذا �س ّلم عليكم �أح ٌد فردوا عليه ب�أف�ضل مما
�س ّلم� ،أو ر ّدوا عليه بمثل ما �س ّلم ،إ�ن الله تعالى كان على
�أعمالكم حفيظ ًا ومجازي ًا ،و ِم ْن ُجملتها ما �ُأمرتم به في
التحية ،فحافظوا عليها.