32يريد ه ؤ�لاء الكفار إ�بطا َل دين الله الذي �أُر�سل به
محمد - -ولا َير�ضى الله �إلا أ�ن ُيعلي دينه ويظهر
كلمته و ُيت ّم الحق الذي بعث به ر�سوله محمداً ولو
كره ذلك الكافرون.
وا ألر�ضِ ،م ْن هذه ال�شهور أ�ربع ٌة ُح ُرم ،واحد َف ْر ٌد، 33هو الذي أ�ر�سل ر�سوله بالقر آ�ن الذي أ�نزله عليه
وهو رجب ،وثلاثة �َ ْس ٌد ،وهي :ذو القعدة وذو الحجة
والمح َّرم ،و إ�ن تحريم هذه الأ�شهر هو الدين الق ِّيم دي ُن وجعله هدى للمتقين ،وبالدين الحق وهو دين الإ�سلام؛
إ�براهيم و�إ�سماعيل عليهما ال�سلام ،فلا تظلموا فيهن
ل ُيعليه على �سائر ا ألديان ،ولو كره ذلك الم�شركون .وقد
�أنف�سكم بهتك ُحرمتها والبدء بالقتال فيها ،وقا ِتلوا �أنجز الله وعده ،و�أظهر دينه ور�سوله على ا ألديان كلها
الم�شركين جميع ًا كما يقاتلونكم جميع ًا ،واعلموا أ�ن
حتى ع َّم الم�شار َق والمغار َب.
الله مع المتقين بالن�صر والمعونة .وهذه ب�شار ٌة و�ضما ٌن
34يا �أيها الذين �آمنوا :اعلموا �أن كثيراً من �أحبار
لهم بالن�صر ب�سبب تقواهم. اليهود ورهبان الن�صارى ي�ستح ُّلون �أموال النا�س
بغير ح ٍّق ،في أ�خذونها بطريق الر�وشة وغيرها لتغيير
ا ألحكام وال�شرائع ،و َي�صرفون النا�س عن الدخول في
دين الإ�سلام ،والذين يجمعون وي ّدخرون ا ألموال من
الذهب والف�ضة ولا ي ؤ� ّدون زكاتها ولا الحقو َق الواجب َة
فيها؛ ف�أن ِذرهم -أ�يها الر�سول -بعذا ٍب ُمو ِج ٍع.
35يوم ُتمى ا ألموا ُل المكنوز ُة بنار جهنم ،ث ّم
ُترق بتلك الأموال المحماة جبا ُه أ��صحابها وجنوبهم
وظهورهم ،ث ّم يقال لهم توبيخ ًا :هذا ما �أردتم به منفع َة
�أنف�سكم فكان عي َن َم َ�ضتها و�سب َب تعذيبها ،فذوقوا
و َبا َل ما كنزتم في الدنيا من الأموال من غير �أن ت�ؤدوا
حق الله فيها.
36إ� ّن َع َد َد ال�شهور في كل �سنة في ُحكم الله
وتقديره اثنا ع�شر �شهراً أ� ّو ُلها المح َّرم و�آخرها ذو
الحجة ،وهذا العدد ثاب ٌت عند الله في اللوح المحفوظ،
وهو ثابت في نف�س ا أَل ْم ِر منذ خلق الله ال�سماوات
١٩٢
ك أ�نكم م�شدودون إ�لى ا ألر�ض با ألثقال -وكان ذلك 37وما ت�أخي ُر ُحرم ِة هذه الأ�شهر إ�لى أ��شهر �أخرى
في غزوة تبوك في العام التا�سع من الهجرة�ُ ،أمروا بها -كما كان يفعله �أهل الجاهلية� -إلا �إمعا ٌن في الكفر
بعد رجوعهم من الطائف في وقت ُع�ْ ٍس و َحـ ٍّر مع ُب ْع ِد يزداد به الذين كفروا �ضلال ًا على �ضلالهم .فقد كانوا
الم�سافة و َك ْثة العدو ف�شق ذلك عليهم فتخ ّلف عدد قليل أ��صحا َب حروب وغارات ،وكان ي�شق عليهم ت ْر ُك
منهم ،وتخ ّلف المنافقون وكثير من الأعراب -فهل القتال ثلاثة أ��شهر متتالية ،فكانوا ألجل هذا يح ّلون
�شهر المح َّرم غالب ًا ل ُي ِغيروا فيه ،ويح ِّرمون بدله �شهراً
ر�ضيتم بالحياة الدنيا و َك َدرها بدل ا آلخرة ونعيمها!! �آخر ،ليوافقوا بتقديرهم الباطل هذا َع َد َد ما حرم الله من
فما التمت ُع بالدنيا ولذائذها في َج ْن ِب ا آلخرة �إلا قليل الأ�شهر ،زعم ًا منهم �أن الواجب هو تحريم �أربعة �أ�شهر
م�ستح َقر ،لا ُي ؤ�ْبه به. من كل عام دون تعيين ،ولقد زين ال�شيطان لهم ذلك
� 39إ ْن لم تخرجوا �ِساع ًا �إلى الجهاد حين يدعوكم فح�سبوا أ�عمالهم القبيحة ح�سن ًة ،والله لا يهدي َم ْن كفر
�إليه ر�سول الله - -يعذ ْبكم الله عذاب ًا أ�ليم ًا في الدنيا إ�لى طريق الر�شد ،ما دام ُم�ص ّراً على كفره و�ضلاله.
وا آلخرة ،وي�ستبدل مكانكم قوم ًا غيركم ين�صر بهم
38يا أ�يها الذين �آمنوا ،مالكم حينما قال لكم
دينه ،ولا ي�ض ُّر اللهَ�سبحانه تخ ُّل ُفكم ولا ا�ستبدا ُلكم �شيئ ًا؛ ر�سول الله :- -اخرجوا للجهاد في �سبيل الله،
ف�إ ّنه الغني عن كل �شيء و أ�نتم الفقراء �إليه ،والله قادر لا
يعجزه �شيء .وهذا وعي ٌد وتهديد أ�ن يعودوا ِلـ ِم ْث ِل ذلك تباط�أتم عن الا�ستجابة ك�سل ًا وف�شل ًا وخو َف الموت
التثا ُقل في الم�ستقبل.
� 40إ ْن لا تن�صروا ر�سول الله ،ف�سين�صره الله كما
ن�صره حين أ�خرجه الذين كفروا من مكة ،حا َل َك ْون ِه
ثان َي اثنين � -إذ لم يكن معه إ�لا رجل واحد هو أ�بو بكر
ال�صديق -وحا َل َك ْونهما مختفيين في الغار ،إ�ذ يقول
ل�صاحبه �أبي بكر -ر�ضي الله عنه :-لا تحزن ،إ� ّن الله
معنا بالن�صرة والحفظ -وقد قال له ذلك لـ ّما ر أ�ى
�أبو بكر �أقدا َم الم�شركين ،فقال :لو ن َظ َر أ�ح ُدهم تحت
قدميه لر�آنا -ف أ�نزل الله �سكينته و أَ� ْمنه على قلب ر�سوله
- وقيل :على قلب �صاحبه لأ ّنه هو الذي حزن-
و أ� َّي َد الله ر�سوله بجنود ِم ْن عنده لا يعلمها �إلا هو،
وهم الملائكة ،و�أظه َر الله دينه و أ�على كلمته ،حيث
خ َّل�ص ر�سوله من بين الكفار ،و َن َقله �إلى المدينة،
ولم يزل ين�صره حتى َظ َهر التوحي ُد و َب َط َل الكف ُر،
والله عزي ٌز غال ٌب على �أمره ،حكيم في أ�مره وتدبيره.
١٩٣
ال�شك وهواج�س الكفر ،فهم يعي�وشن في حيرة دائمة � 41سا ِرعوا �إلى الا�ستجابة إ�ذا ُدعيتم �إلى القتال في
مهلكة لا تطمئن نفو�سهم ،ولا ت�صفو أ�فكارهم. �سبيل الله في ال ُع�ْس وال ُي�سر والـ َم ْن�شط والـ َم ْكره وعلى
كل حال ،وجا ِهدوا بما َ�أمكن من �أموالكم و�أنف�سكم في
46ولو أ�رادوا الخروج �إلى الغزو معكم وكانت �سبيل الله ،ذلكم خير لكم في الدنيا بالظهور والن�صر،
لهم نية في ذلك ألع ُّدوا له �أُ ْهب َته من الزاد والراحلة وخي ٌر لكم في ا آلخرة بما �أعده الله للمجاهدين ،إ�ن
وال�سلاح ،ولقد علم الله ما في قلوبهم ف َك ِره خروجهم
و َح َب�سهم و َك�َس عزمهم بالجبن والك�سل ،وقال قائلهم: كنتم تعلمون.
ا ْقعدوا مع القاعدين من �أ�صحاب المعاذير. 42ولو كان ما تدعو إ�ليه � -أيها الر�سول -ه�ؤلاء
المنافقين غنيم ًة �سهلة قريبة التناو ِل من متاع الدنيا،
47ولو خرجوا معكم مخالطين لكم ما نفعوكم و�سفراً �سهل ًا قريب ًا ،لا ّتبعوك ووافقوك على الخروج،
ب�شيء ولما زادكم خرو ُجهم �إلا تف ُّكك ًا وا�ضطراب ًا، طمع ًا في تلك المنافع التي تح�صل لهم ،ولكن لما كان
و َل َ�سعوا فيما بينكم ب أ��سباب الفتنة حتى تختلف قلوبكم، ال�سفر بعيداً وكانوا ي�ستعظمون غز َو الروم تخ ّلفوا،
وتذهب ِر ْي ُح ن�صركم ،وما كان كيدهم ب�ضا ّركم �شيئ ًا و�سيحلف المتخلفون �إذا رجع ر�سول الله من تلك
للاو �أن فيكم قوم ًا َ�ض َعفة يقبلون قولهم ،والله عليم الغزوة (غزوة تبوك) معتذرين يقولون :لو ا�ستطعنا
بالظالمين فيعلم �ضمائرهم وما يرمون إ�ليه ،و�سيجازيهم الخروج إ�لى تلك الغزوة لخرجنا معكم ،لكن لم تكن
لنا ا�ستطاعة من جهة ال ُع َّدة وقدر ِة ا ألبدان ،وهم ب�سبب
على فعلهم. هذه ا أليمان الكاذبة والنفاق ُيه ِلكون أ�نف�سهم ،والله يعلم
�إنهم لكاذبون في ذلك ،حيث إ�نهم كانوا م�ستطيعين
للخروج ولم يخرجوا.
43عفا الله عنك � -أيها الر�سول -لأ ِّي �سب ٍب �َأ ِذن َت
للمتخلفين في القعـود عن الخـروج معك لـ ّما تقـدموا
ب�أعذارهم الكاذبة؟ وه ّل توقف َت حتى يتبين لك الذين
�صدقوا في الاعتذار ،وتعلم الكاذبين فيه .و�إنما كان
يظهر ال�صادق لو لم ت أ�ذن لهم ،فتعامل كل ًا من الفريقين
بما ي�ستحقه.
44لي�س ِمن عاد ِة الم�ؤمنين �أن ي�ست�أذنوا في �أن يقعدوا
عن الجهاد ،بل الـ ُخ َّل�ص منهم يبادرون �إلى َب ْذل النف�س
والمال ،والله عليم بالمتقين فيثيبهم ويقربهم.
45إ�نما ي�ست أ�ذنك -أ�يها الر�سول -في التخ ّلف من
غير عذر الذين لا ي ؤ�منون �إيمان ًا �صادق ًا بالله وح�سابه
في اليوم الآخر ،وذلك لما يتردد في قلوبهم من �َأ�صداء
١٩٤
ما جرى يوم ُ�أحد؛ يتب ّجحوا بتخلفهم أ�و ان�صرافهم،
ُم�ْس َتح ِمدين ر أ� َيهم في ذلك ،وين�صرفوا وهم م�سرورون
ل�سلامتهم غير آ��سفين على ما نالك منها.
51قل لهم -أ�يها النبي :-لن ينا َلنا ِمن خير �أو �شر �إلا
ما ق َّدره الله لنا ،و إ� ّن الله وحده هو متولي �أمرنا وحاف ُظنا
ونا�صرنا ،و إ�ليه فليفو�ض الم ؤ�منون أ�مورهم ،وعليه
وحده فليعتمدوا.
52قل لهم -أ�يها النبي :-هل تنتظرون بنا �إلا إ�حدى 48ولقد �سعى ه ؤ�لاء المنافقون ِم ْن قب ُل �إلى ت�شتيت
�أمرك � -أيها النبي -وتفري ِق �أ�صحابك وتخذيلهم عنك،
العاقبتين� :إ ّما الن�صر والغنيمة ،و إ� ّما ال�شهادة والجنة، ود َّبروا لك ال ِحي َل والمكايد وق ّلبوا ا آلراء في �إبطال �أمرك،
وك ٌّل منهما ُح�سنى ،ونحن ننتظر بكم �إحدى العاقبتين: ف�أحبط الله �سعيهم ،و أ�يدك الله بن�صره وت�أييدهَ ،ف َعلا دي ُنه
إ� ّما �أن يهلككم الله بعذاب من عنده كما أ�هلك َم ْن كان
قبلكم من الأمم الخالية� ،أو يعذ َبكم بال ِّذلة على أ�يدينا أ�و و�ساد �َ ْشعه على الرغم منهم.
القتل على الكفر ،وك ٌل منهما �ُس ْو أ�ى .فانتظروا أ� ْم َر الله
49و ِم ْن ه�ؤلاء المنافقين َم ْن كان يقول للر�سول:
وعاقبته ،إ� ّنا معكم منتظرون. ائذن لي في القعود ،ف�إنني أ�خ�شى الفتنة ،وهم بذلك
53قل � -أيها النبي -له�ؤلاء المنافقين� :سوا ٌء عليكم قد وقعوا في َع ْي الفتنة ،وهي فتنة الكفر والنفاق
�أ أ�نفقتم ط ِّيب ًة بذلك �أنف�ُسكم أ�م كارهة فلن يتقبل الله ومخالف ِة الر�سول والقعود عنه ،و إ� ّن جهنم لجامع ٌة
�إنفاقكم الذي �أبطله نفا ُقكم وكو ُنكم قوم ًا َد ْيد ُنكم
لهم يوم القيامة محيطة بهم من كل جانب.
التمر ُد على دين الله والخرو ُج على أ�مره.
54وما َم َن َع من قبول نفقاتهم �إلا كف ُرهم بالله
ور�سوله ،وكونهم لا ي أ�تون ال�صلاة �إلا وهم متثاقلون،
ولا يعطون المال إ�لا وهم كارهون؛ ألنهم لا يرجون
بهما ثواب ًا ولا يخافون على تركهما عقاب ًا.
50و إ� ْن يتف�ضل الله عليك � -أيها النبي -بن�صر �أو
غنيمة في بع�ض الغزوات يت أ�لموا ويحزنوا لغيابهم عنها،
و�إ ْن ت�صبك -أ�يها النبيَ -ن ْكبة أ�و �شدة في بع�ضها نحو
١٩٥
في زيادته و َتكنه من قلوبهم ،وفي ف ِّك رقاب الذين 55فلا تعج ْبك -أ�يها النبي -كثر ُة أ�موال المنافقين
فقدوا حريتهم ُي�ْشترون بها و ُيعتقون ،و ُتعطى للعاجزين ولا �أولا ُدهم ،ف إ� ّن ذلك ا�ستدراج لهم و َوبا ٌل عليهم،
عن ق�ضاء ديونهم فيعانون على ق�ضائها ،ولم�صالح الجهاد إ�نما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا بما يكابدون
في �سبيل الله ،وللغريب المحتاج لما يو�صله إ�لى بلده و إ� ْن في جمعها وحفظها من المتاعب ،وما ُيقا�سون فيها من
كان م�ستغني ًا عن ال�صدقات في بلده ،وقد فر�ض الله هذه ال�شدائد والم�صائب ،و ُيدركهم المو ُت وهم كافرون
الحقو َق و�شرعها ،وهو �سبحانه عليم بم�صالح عباده،
فتكون عاقبتهم بعد عذاب الدنيا عذاب ا آلخرة.
حكي ٌم ي�ضع ا أل�شياء في موا�ضعها.
56ويحلفون لكم بالله :إ�نهم لمن ُج ْملة الم�سلمين.
61و ِم ْن ه ؤ�لاء المنافقين َم ْن يتع َّمد إ�يذاء النب ِّي وتناو َل ُه وهم كاذبون في �أيمانهم ،ولكنهم قوم يخافون منكم
بما يكره ،فيتهمونه ب أ�نه ي�سمع كل ما يقال له وي�ص ِّدقه �أن تفعلوا بهم ما تفعلون بالم�شركين ،ف ُيظهرون الإ�سلام
حق ًا كان أ�و باطل ًا ،فقل لهم �أيها النبي :لي�س ا ألمر
كما زعمتم ،بل هو ِنعم الم�ستمعُ� ،أ ُذن خير لكم لا تق ّي ًة وخوف ًا.
�شر ،ي�سمع الخير فيعمل به ،ولا يعمل بال�شر �إذا �سمعه،
ُي�ص ِّدق بالله ووحيه ،و ُي�ص ِّدق الم�ؤمنين ألن �إيمانهم يمنعهم 57ولو يجدون ح�صن ًا يلتج ُئون �إليه أ�و �سراديب في
عن الكذب ،وهو رحمة لكل َم ْن ي�ؤمن منكم ،والذين الجبال �أو جحوراً في ا ألر�ض يدخلون فيها لان�صرفوا
إ�ليها م�سرعين في ُنفو ٍر ،لا ير ُّدهم ولا ي�صرفهم عن
ي�ؤذون ر�سول الله لهم عذاب مو ِجع.
وجهتهم �شيء.
١٩٦
58ومن المنافقين َم ْن يعيبك ويطعن عليك �سراً
في َق�ْس ِم ال�صدقات ،ف�إن �ُأعطوا منها ما ير�ضيهم
ا�ستح�سنوه ،و إ� ْن لم ُيعطوا منها ما �أرادوا أ�توا بغير المتو َّقع
ِمن اللوم والغ�ضب.
59ولو أ�نهم ر�وضا بما َق َ�سم الله لهم وبما �أعطاهم
الر�سول - -من ال�صدقات َطيبي النفو� ِس به،
وقالوا :ر�ضينا بحكم الله وما ق�سمه لنا ،و�سيرزقنا الله
من ف�ضله و�سيعطينا ر�سول الله - -فيما بعد �أكثر مما
�آتانا ،و�إ ّنا لراغبون في �أن ُيغنينا الله من ف�ضله َوجوده ،لو
فعلوا ذلك لكان خيراً لهم و�أجدى.
60إ�نما ُتدفع ال�صدقات الواجبة ،وهي الزكاة ،له�ؤلاء
الأ�صناف الثمانية الآتية لا تتجاوزهم إ�لى غيرهم،
ف ُتعطى للفقراء المحتاجين الذين لا يملكون �شيئ ًا،
وللم�ساكين الذين لا يملكون ما يكفيهم ،وللعمال
ال�ساعين في تح�صيلها وجمعها ممن و َج َب ْت عليهم،
وللذين ت ؤ� َّلف قلوبهم إ� ّما بالترغيب في ا إليمان أ�و طمع ًا
ا�س َخروا وا�ستهزئوا ما �شئتم ف�إ ّن الله ُم ْظ ِه ٌر ما تحذرون مما
ت�سترونه وتخفونه من م�ساوئكم و َمثالبكم الـ ُم�ْس َت ِك ّنة
في قلوبكم.
65ولئن �س أ�لتهم � -أيها النبي -عن �سبب طعنهم في
الدين وا�ستهزائهم بالله و آ�ياته ،ليقو ُل َّن :إ�نما كنا نتحدث
ونخو�ض في الكلام كما يفعله الم�سافرون الذين يقطعون
طري َق �َس َفرهم باللعب والحديث .قل لهم -يا محمد-
توبيخ ًا لهم :أ�بالله و آ�ياته ور�سوله كنتم ت�ستهزئون؟!
66لا ت�شتغلوا �أيها المنافقون بالاعتذارات الكا ِذب ِة، 62يحلف لكم المنافقون � -أيها الم ؤ�منون -حين
يعتذرون عن تخ ُّل ِفهم عن الجهاد وغيره ِل َت�وضا عنهم
فقد �أظهرتم الكفر ب إ�يذاء الر�سول والطع ِن عليه ،بعدما وتقبلوا عذرهم ،والله ور�سوله �أح ُّق أ�ن ُير�وضه بالطاعة
كنتم قد �أظهرتم ا إليمان ،و إ� ْن َن ْع ُف عن طائفة منكم وال ِوفاق والمتابعة إ�ن كانوا م ؤ�منين ح َّق ا إليمان ،م�ص ّدقين
بتوبتهم و إ�خلا�صهم أ�و لكفهم عن الإيذاء والا�ستهزاء،
بوعد الله ووعيده.
ف�إ ّنا نعذب طائفة أ�خرى منكم �أجرموا ب�إ�صرارهم على
النفاق أ�و ا�ستمرارهم على مبا�شرة الإيذاء والا�ستهزاء. 63أ�لم يعلم ه ؤ�لاء المنافقون أ�ن ِم ْن �شرائع الدين التي
ع َّلمهم إ� ّياها ر�سولنا أ�نه َم ْن ُيعا ِد الله ور�سو َله ويخال ْف
67المنافقون والمنافقات مت�شابهون في الكفر وال ُب ْع ِد أ�مرهما فجزا ؤ�ه أ� ّن له نار جهنم خالداً فيها على الدوام،
عن ا إليمان ،ي�أمرون بالمنكر كالكفر والمعا�صي ،وينهون
وذلك هو ال ُّذ ُّل والهوان المقارن للف�ضيحة والندامة.
عن المعروف كالإيمان والطاعة ،ويبخلون ببذل المال في
64يخ�شى المنافقون أ�ن ُتن َّزل على النبي - -في
وجوه الخير ،أ� ْع َر�وضا عن الله ف�أعر�ض عنهم و َح َرمهم �ش�أنهم �سورة من القر�آن تخبر بما في قلوبهم ِمن ال�شك
من توفيقه وهدايته في الدنيا و ِمن رحمته في ال ُع ْقبى، والنفاق والعداو ِة للم�ؤمنين ،وهم مع ذلك معاندون
و�إن ه ؤ�لاء المنافقين هم أ�هل التمرد والخرو ِج عن طاعة
ي�ستهزئون ب أ�مر الوحي والدين ،فقل لهم -أ�يها النبي:-
الله والان�سلا ِخ عن كل خير.
68وعد الله المنافقين والكافرين نا َر جهنم ُيع َّذبون
فيها ولا يخرجون منها ،هي جزا�ؤهم عقاب ًا وعذاب ًا لا
ُيزاد عليه وال يحتاج �إلى غيره من العذاب ،واج َت َمع
لهم مع هذا التعذيب ا إلهان ُة وا إلبعاد عن رحمة الله،
والعذا ُب الدائم الذي لا ينقطع في الدنيا وا آلخرة.
١٩٧
69أ�نتم َمعا�ش َر المنافقين ِم ْثل الذين ِم ْن قبلكم من ا ألمم
الـ ُمه َلكة ،كانوا �أكث َر َم َنع ًة و�أكثر �أموال ًا و�أولاداً منكم
فتمتعوا بن�صيبهم ِمن ملا ِّذ الدنيا و�شهواتها ور�وضا بها
ِعو�ض ًا عن ا آلخرة ،وتم َّتعتم �أنتم بن�صيبكم الـ ُمق َّدر لكم
كما فعل َم ْن كان قبلكم ،ثم َت َركوا ذلك ورحلوا عنه،
كذلك َترحلون �أنتم عنه وتتركونه ،و َد َخلتم فيما دخلوا
فيه من اتباع الباطل ،فك ٌّل منكم َب َط َل عم ُله في الدنيا
ولا ي�ستحق عليه ثواب ًا في ا آلخرة ،وك ٌّل منكم خ�سارته
كاملة ،قد خ�سر الدنيا والآخرة.
72وقد َو َع َد الله أ�هل ا إليمان الجنة دائ ِمين في نعيمها، � 70ألم ي�أت ه ؤ�لاء المنافقين خب ُر الذين ِمن قبلهم كيف
و أ�ع َّد لهم فيها م�ساكن تطيب بها نفو�سهم في دار د ّمرهم الله و أ�هلكهم حين خالفوا ُر�ُس َلهم ،منهم قوم
نوح أ�غرقهم الله بالطوفان ،وقو ُم عاد أ�هلكهم بالريح،
الإقامة والخلود ،و�إ َّن ر�ضا الله عنهم الذي ينزله عليهم وقو ُم ثمود أ�هلكهم بال�صيحة ،وقو ُم إ�براهيم �أهلكهم
�أكبر ِم ْن كل ما �َس َلف ذكره من نعيم الجنة ،وذلك هو ب�سلب النعمة ،وقوم �شعيب أ�هلكهم بالنار يوم ال ُّظـ ّلـة،
و َمدائ ُن قوم لوط انقلب ْت ف�صار عاليها �سافلها و ُ�أمطروا
الفوز العظيم الذي ُت�س َت ْح َقر دونه الدنيا وما فيها. حجارة من ِ�س ّجيل -وهو الطين المتح ّجر المطبوخ
بالنار -ك ُّل أ�م ٍة من هذه الأمم �أتاها ر�سول بالمعجزات
الوا�ضحة ،فما كان الله ليظلمها ،ولكنهم كانوا يظلمون
أ�نف�سهم بتعري�ضها للعقاب بالكفر والتكذيب.
71والم�ؤمنون والم ؤ�منات بع ُ�ضهم �أَ ِح ّبا ُء بع�ض
ون�صرا�ؤهم ،وهم -خلاف ًا للمنافقين -ي أ�مرون بالطاعة
والبر ،وينهون عن ال�شرك والع�صيان ،وي ؤ�دون ال�صلاة
في أ�وقاتها و ُيتمونها ب أ�ركانها وحدودها ،وي�ؤتون
الزكاة لم�ستحقيها ،ويطيعون الله ولا يخالفون أ�مر
ر�سوله في �سائر ا ألمور ،وه ؤ�لاء هم الذين �سوف يفي�ض
الله عليهم �آثار رحمته ِمن الت�أييد والن�صرة ،والله غال ٌب
على كل �شيء ،لا يمتنع عليه ما يريد ،حكي ٌم ي�ضع ا أل�شياء
في موا�ضعها.
١٩٨
يعر�وضا عن الإيمان والتوبة و ُي�ص ّروا على النفاق والكفر
يعذبهم الله عذاب ًا أ�ليم ًا في الدنيا بالخزي وا إلذلال ،وفي
ا آلخرة بالنار ،ولي�س لهم �أحد ينجيهم من عذاب الله.
75و ِمن المنافقين َم ْن عاهد الله لئن أ�عطانا الله المال
لن�ؤتي َّن الزكاة وغيرها من ال�صدقات ،ولنكون َّن من
ال�صالحين فيما نعمل.
76فل ّما ا�ستجاب الله لهم و أ�عطاهم المالَ ،منعوا حق
الله ولم يفوا بالعهد ،وتو َّلوا عن طاعة الله وهم م�صرون
على هذا ا إلعرا�ض.
77ف َج َع َل الله عاقبة ِف ْع ِلهم ذلك نفاق ًا متم ّكن ًا في 73يا أ�يها النبي جاهد الكفار بال�سلاح وغيره،
قلوبهم إ�لى يوم موتهم � -أو �إلى يوم القيامة الذي
وجاهد المنافقين بالل�سان ب إ�قامة الحجة عليهم ،و�َش ِّدد
يلقون فيه الله تعالى فيجدون عنده جزاء عملهم-
وذلك ب�سبب �إخلافهم ما وعدوه تعالى ِمن الت�ص ّد ِق عليهم في القول والفعل ،و�إ ّن جهنم م�سك ُنهم ،وبئ�س
الم�صير م�صيرهم إ�ليها.
وال�صلاح ،وبكونهم كاذبين فيه.
74يحلف المنافقون أَ�مامك � -أيها الر�سول -بالله
� 78ألم يعلم المنافقون أ�و َم ْن عاهد الله ف أ�خل َف وع َده �أنهم ما قالوا منكراً مما َب َلغك عنهم ،وهم كاذبون
أ�ن الله يعلم ما أ��سروا في أ�نف�سهم من الإثم ،وما يتناجون في هذه ا أليمان ،ولقد ك َّذبوا النبي - -و�أظ َهروا
به فيما بينهم ِمن الـ َمطاعن في الدين ،و أ� ّن الله ع ّلم كفرهم بعد �إظهار الإ�سلام ،وهموا بما لم َيح�صلوا عليه
ِمن َق ْت ِل النبي - -وما كان �س َبب ِنقمتهم عليك إ�لا
الغيوب فلا يخفى عليه �شيء؟ َب َطر النعمة والكفر بها بعد إ�غناء الله ور�سوله إ�ياهم بما
غنموا مع الم�سلمين ،مما كان ي�ستوجب ال�شك َر ال ال َب َطر،
79و ِمن المنافقين َم ْن يعيبون على المتطوعين المتبرعين ف�إ ْن يرجعوا عما هم عليه من الكفر والنفاق َي ْقبل الله
ِمن أ�غنياء الم�ؤمنين َت َ�ص ُّد َقهم بالمال الكثير على المحتاجين، منهم ويكن ذلك خيراً لهم في العاجل وا آلجل ،و�إن
وي�ستهزئون بفقراء الم�ؤمنين الذين لا يجدون �إلا القليل
-الذي هو �أَق�صى جهدهم و َم ْبل ُغ طاق ِتهم -فيت�صدقون
به ،وقد جا َزى الله ه ؤ�لاء المنافقين على �ُسخريتهم ،في
الدنيا ب�أن ف�ضحهم و�أخزاهم وجعلهم َمح ّ ًل ل�سخرية
النا�س ،ولهم عذاب م�ؤلم في ا آلخرة.
١٩٩
المنافقين إ�ذا مات على كفره ،ولا َت ِق ْف على قبره للدفن 80و�سوا ٌء � -أيها الر�سول� -أ�ستغفر َت له�ؤلاء المنافقين
�أو للزيارة ،لأنهم عا�وشا حيا َتهم كافرين بالله ور�سوله، أ�م لم ت�ستغفر لهم ،ومهما �أكثر َت ِمن طل ِب المغفرة
لهم ،فلن يغفر الله لهم ،و�إ َّن َع َدم قبول ا�ستغفارك لي�س
وماتوا وهم خارجون عن دائرة ا إل�سلام. لتق�صي ٍر منك في الا�ستغفار؛ بل لعدم قابليتهم و ِ�ش ّدة
عنادهم و�إ�صرارهم على ما هم عليه .والله لا يو ّفق
85ولا تعجبك � -أيها الر�سول� -أموا ُل المنافقين ولا للحق الخارجين عن طاعته ،المخالفين لأمره؛ ما داموا
�أولادهم ،ف إ�ن ذلك ا�س ِت ْدرا ٌج و َوبا ٌل عليهم� ،إنما يريد الله
ليعذبهم بها في الحياة الدنيا بما ُيكابدون في َج ْمعها مختارين الكفر مقيمين على الع�صيان.
وحفظها ِمن المتاعب ،وما يقا�سون في تح�صيلها من
ال�شدائد والم�صائب ،و�َس ُي ْد ِر ُك ُهم الموت وهم كافرون 81فرح الذين َتخ ّلفوا عن الغزو ،وقعدوا عنه،
بقعودهم عن الغزو مخالف ًة لأمر ر�سول الله إ�ياهم
فتكون عاقبتهم بعد عذاب الدنيا عذاب ا آلخرة. بالجهاد معه ،وكرهوا أ�ن يجاهدوا ب�أموالهم و أ�نف�سهم
في �سبيل �إعلاء كلمة الله و ُن�صرة دينه� ،إيثاراً للراحة
86و�إذا ُأ�نزلت �سورة أ�و بع�ض �سور ٍة من القر آ�ن فيها وال َّد َعة على طاعة الله ور�سوله ،وقال بع�ضهم لبع�ض
ا ألمر بالإيمان وبما يقت�ضيه من الجهاد مع ر�سول الله ،طل َب -أ�و قالوا للم ؤ�منين تثبيط ًا لهم :-لا تخرجوا �إلى الجهاد
أُ�ولو الغنى وال�َّسعة ِمن المنافقين �أن ت�أذن لهم في التخلف، في الحر ،فقل لهم -أ�يها الر�سول :-نار جهنم التي هي
وقالوا لك -أ�يها الر�سول :-اتركنا مع القاعدين الذين َموعدهم في الآخرة أ��ش ُّد ح ّراً من ح ِّر الدنيا لو كانوا
لهم عذر في التخلف كالمر�ضى وال َّز ْمنى. يعلمون �أ ّن م آ�لهم� إليها.
٢٠٠ 82ف ْل َي�ضحك ه ؤ�لاء المنافقون وليفرحوا في الدنيا
ما �شا ؤ�وا؛ ف�إ ّن �ضحكهم وفرحهم فيها قلي ٌل زائل.
و�سيبكون ويحزنون في ا آلخرة كثيراً ،جزا ًء بما اكت�سبوا
ِمن الذنوب وا آلثام وال�سخرية ِمن الم�ؤمنين والتخ ُّل ِف
عن قتال الكافرين.
83ف إ� ْن ر ّدك الله -أ�يها الر�سولِ -من الغزو �إلى
المدينة ،وفيها طائفة ِمن المنافقين الذين تخ ّلفوا عن
الغزو ،فا�ست أ�ذنوك في أ�ن يخرجوا معك للجهاد في
غزو ٍة أ�خرى بعد غزوة تبوك ،فلا َت�أْ َذن لهم ،وقل لهم:
لن تخرجوا معي في أ� َّي ِة غزوة ،ولن ت�شتركوا معي في
قتال �أي عدو ،لأنكم ر�ضيتم بالتخلف عن غزوة تبوك،
فاقعدوا كما ارت�ضيتم أ�ن تقعدوا مع المتخلفين لعدم
ت�أ ُّه ِلهم للجهاد كالمر�ضى وال�صبيان وال َع َجزة.
84ولا ُت�ص ّل� -أيها الر�سول -أ�بداً على �أحد ِمن
عن الغزو معه ،وتخ َّل َف �آخرون لا ِلعذر ولا ل ُ�ش ْبه ِة عذر،
فك َذبوا في دعواهم ا إليمان بالله ور�سوله� ،سي�صيب الذين
كفروا من الأعراب عذاب م�ؤلم في الدنيا وفي ا آلخرة.
91لي�س على أ�هل ا ألعذار من ال�ضعفاء والمر�ضى
والفقراء الذين لا يجدون من المال ما يتجهزون به
للخروج �إلى الغزو ِ�إ ْث ٌم في التخلف عن الغزو �إذا ن�صحوا
لله ور�سوله ب أ�ن آ�منوا و�أطاعوا في ال�سر والعلن ،ولي�س
على َم ْن �أح�س َن ُجنا ٌح ولا �إلى ُمعاتبتهم �سبي ٌل ،والله
غفور للم�سيئين رحيم بهم ،فكيف بالمح�سنين؟!
92وكذلك لا َح َر َج في التخ ّلف على َم ْن جاء ِمن 87ر�وضا ب أ�ن يكونوا في تخلفهم عن الجهاد كالن�ساء
الم ؤ�منين يلتم�سون ما يركبونه للخروج َمع َك � -أيها وال�صبيان ،و َخ َتم اللهُعلى قلوبهم فهم ال يفهمون ما في
الر�سول� -إلى الجهاد ،فقل َت لهم :ال أ�جد ما أ�حملكم الجها ِد وموافق ِة الر�سول من ال�سعادة وما في التخلف
عليه ،فان�صرفوا عنك و�أعي ُنهم يفي�ض َدمعها حزن ًا على
عنه من ال�شقاوة.
�أ ّل يجدوا ما ينفقون على أ�نف�سهم في الجهاد.
88ف�إ ْن َت َخ َّل َف ه ؤ�لاء ولم يجاهدوا فقد جاه َد بن ْف ِ�سه
� 93إ ّنا الح َر ُج والمعاتب ُة على الذين ي�ست�أذنونك -أ�يها وماله َم ْن هو خي ٌر منهم :ر�سول الله والذين آ�منوا معه،
الر�سول -في القعود وهم قادرون على الجهاد ر�وضا و�أولئك لهم منافع الدا َرين ،وهي الن�صر والغنيمة في
الدنيا ،والجنة والكرامة في الآخرة ،و�أولئك هم الفائزون.
بالدناءة وانتظموا في ُج ْملة َمن تخلف وهم الن�ساء
وال�صبيان ،و َخ َتم الله على قلوبهم بالكفر والغفلة ،فهم
لا يعلمون ما َي ؤ�ول إ�ليه حالهم ِمن الندم وا أل�سف.
89أ�ع ّد الله لهم في الآخرة النعيم المقيم ،في جنات
تجري من تحتها ا ألنهار ،وذلك هو الفوز العظيم الذي
لا فو َز وراءه.
90وجاء المعتذرون من أ�عراب البوادي �إلى ر�سول
الله َ - -ي ْن َت ِحلون الأعذا َر ِل ُي�ؤذن لهم في التخ ُّلف
٢٠١
الله ،ولا يرجو عليه ثواب ًا ،و إ�نما ينفقه ريا ًء �أو تق ّي ًة ،وينتظر 94يعتذر ه ؤ�لاء المتخ ّلفون إ�ليكم �إذا رجعتم ِمن
بكم م�صائب الزمان لتذهب َغ َلب ُتكم عليه فيتخ ّل�ص من غزوة تبوك ،قل لهم � -أيها الر�سول :-لا تعتذروا
ا إلنفاق الذي ُك ِّلف به ،أ� َل ر َّد الله عليهم ما ينتظرون
لكم من الم�صائب والنوائب ،والله �سمي ٌع لما يقولونه عند با ألعذار الكاذبة ،ف إ� ّنا لن ن�صدقكم فيما اعتذرتم به ،قد
ُ�أ ْعلمنا بالوحي ببع�ض �أخباركم وما ت�ضمرونه من ال�ش ِّر
الإنفاق ،علي ٌم بما ي�ضمرونه من ال�سوء. والف�ساد ،و�سيعلم الله ور�سو ُله ما يكون منكم بعد ذلك،
وهل تتوبون من الكفر �أم تثبتون عليه -وهذه ا�س ِتتا َب ٌة
99وهناك ِ�صنف آ�خر من الأعراب يخالفون الذين من الله تعالى لهم و إ�مها ٌل للتوبة -ثم م�صيركم بعد
�سبق ِذكرهم ،فهم م ؤ�منون بالله م�ص ّدقون بيوم القيامة، الحياة الدنيا �إلى الله ،العا ِلـ ِم بكل �س ٍّر وعلانية ،فيخبركم
ي ّتخذون الإنفاق في �سبيل الله و�سيل ًة تقربهم �إلى الله،
و�سبب ًا لدعاء الر�سول لهم� ،إذ كان يدعو للمت�صدقين بما كنتم تعملون ،ويجازيكم عليه بما ت�ستح ّقون.
بالخير والبركة .وهذه النفقات التي َتق َّربوا بها إ�لى � 95سيحلفون بالله لكم إ�ذا رجعتم إ�ليهم من
الله تعالى ،هي ُق ْرب ٌة مقبول ٌة عنده تعالى قبلا ًو م�ؤ َّكداً،
و�ستو�صلهم إ�لى ما يبتغون من دخول جنته التي هي غـزوكم أ�نهم �صادقون في َمعاذيرهم ،يريدون بذلك
أ�ن تجتنبوهم فاجتنبوهم ولا ُتعاتبوهم ،و َد ُعوهم وما
مح ُّل الكرامة عنده ،واللهُ يغفر ما َف َرط من الخلل، اختاروا لأنف�سهم من النفاق ،ف�إ ّن بواطنهم خبيثة نج�سة
ويتف ّ�ضل برحمته فيقبل ما لم يبلغ درجة الكمال. و أ�عما َلهم قبيحة ،وم�صيرهم �إلى جهنم ،عقاب ًا على ما
٢٠٢ اقترفوه من الكفر والنفاق.
ُ 96يق ِ�سمون لكم طمع ًا في ر�ضاكم وفي ا�ستدامة
ما كنتم تفعلون بهم من ال�ستر وا إلرفاق و إ��شرا ِكهم في
الغنائم ،ف إ�ن ر�ضيتم عنهم -أ�يها الم ؤ�منون -بما حلفوا
لكم و َق ِبلتم عذرهم ف�إ َّن ر�ضاكم لا ي�ستلزم ر�ضا الله،
ور�ضاكم وح َدكم ال ينفعهم �إذا كانوا في �سخط الله.
97ا ألعراب � -أهل البدو -أ��ش ُّد كفراً ونفاق ًا من
الكفار والمنافقين أ�ه ِل الح�ضر لجفائهم وق�سوتهم وعد ِم
مخالطتهم لأهل العلم ،وهم أ� َح ُّق و�أ ْخ َل ُق ب�أ ّل يعلموا
حدود ما أ�نزل الله على ر�سوله من ال�شرائع وا ألحكام
-لبعدهم عن مجال�س العلم -والله علي ٌم ب�أحوال
الفريقين ،حكي ٌم فيما يق ّدره من جزاء.
98و ِمن الأعراب َمن َي ُع ُّد ما ينفق من الزكاة وغيرها
ِمن م�صالح الم�سلمين غرام ًة وخ�سران ًا؛ �إذ لا يحت�سبه عند
102وهناك آ�خرون لم يعتذروا ِمن تخ ُّلفهم عن 100وال�سابقون الأ ّولون إ�لى ا إل�سلام من المهاجرين
الغزو والخروج مع الر�سول إ�لى تبوك با ألعذار الكاذبة -وهم الذين �ص ّلوا إ�لى القبلتين �أو الذين �شهدوا بدراً
كغيرهم ،واعترفوا على أ�نف�سهم نادمين و�أق ّروا بما فعلوا، أ�و الذين أ��سلموا قبل الهجرة -ومن ا ألن�صار -وهم
وه ؤ�لاء قد خلطوا العمل ال�صالح الذي هو �إظهار الندم أ�هل بيعة العقبة الأولى �أو �أهل العقبة الثانية -والذين
والاعترا ُف بالذنب ب آ�خر �س ِّيئ وهو التخ ُّلف وموافقة ا ّتبعوهم بالإيمان والطاعة إ�لى يوم القيامة ،ر�ضي الله
أ�هل النفاق ،وهم لهذا ُيرجى لهم �أن ُتقبل توبتهم ،والله عنهم بقبول طاعتهم وارت�ضاء أ�عمالهم ،ور�وضا عنه بما
أ�فا�ض عليهم من ِن َع ِمه الدينية والدنيوية ،و أ�ع َّد لهم في
غفو ٌر يتجاوز عن التائب ،رحي ٌم يتف�ضل عليه. الآخرة جنات تجري من تحتها ا ألنهار ،خالدين فيها أ�بداً
ُ 103خ ْذ -أ�يها الر�سولِ -من أ�موال ه ؤ�لاء التائبين و ِمن من غير انتهاء ،ذلك الفلاح الكبير.
غيرهم ِمن الم�سلمين �صدقات ُتط ِّهرهم بها ِمن الذنوب
والبخل ،وترفعهم إ�لى درجات المخ ِل�صين ،وا ْد ُع لهم 101وممن يحيط بكم في ال�سكن يا أ�هل المدينة ِمن
بالرحمة ف�إ َّن دعواتك َت�ْسكن �إليها نفو�سهم وتطمئن ا ألعراب منافقون ،و ِم ْن �سكان المدينة قوم �أقاموا على
بها قلوبهم؛ ل َتح ُّققهم بقبول دعائه -عليه ال�صلاة النفاق وتم َّهروا فيه ،لا تعرفهم -يا محمد -ب أ�عيانهم،
مع كمال ِفطنتك و ِ�صد ِق فرا�ستك ،الله يعلمهم لأنه لا
والت�سليم -والله �سمي ٌع لاعترافهم ،علي ٌم بندامتهم. تخفى عليه خافية و�إ ْن د ّقت ،و�سيعذبهم الله بالف�ضيحة
والقتل -أ�و يع َّذبون عذاب ًا متكرراً م�ضاعف ًا -ثم ُير ّدون
104أ�لم يعلم ه�ؤلاء الذين تابوا أ�ن الله تعالى يقبل التوبة
ال�صادقة وال�صدق َة الخال�صة ،و�أن الله ِم ْن �ش�أنه قبول توبة �إلى عذا ٍب عظي ٍم بعد الموت ،وهو عذاب النار.
التائبين والتف�ضل عليهم بجوده و إ�ح�سانه؟ ٢٠٣
105وقل � -أيها الر�سول -للنا�س على ِج َه ِة الترغيب
والترهيب لا على ِج َه ِة الترخي�ص :اعملوا ما �شئتم ِمن
خير أ�و غيره ،ف�إن الله يعلم كل �أعمالكم لا يخفى عليه
�شيء ،و�سيراها الر�سول والم�ؤمنون ،و�سترجعون يوم
القيامة �إلى َم ْن يعلم �س ّركم وعلانيتكم ولا يخفى عليه
�شيء من بواطنكم وظواهركم ،فيخبركم بما عملتم
بالمجازاة عليه.
106وهناك ِ�صن ٌف ثالث من المخ َّلفين بقي �أ ْم ُرهم
موقوف ًا ،وهم الثلاثة الذين تخ ّلفوا من غير عذر ،ولم
يكونوا من المنافقين ولا من الذين َق ِب َل اللهُ توبتهم
-وهم هلال بن �ُأم ّية وكعب بن مالك و ُمرارة بن
الربيع -قد �أ ّخر الله ُحكمه فيهم ،ولم ي أ�مر نب ّيه ب�شيء
في �ش�أنهم� .إ ّما أ�ن يعذبهم ب�سبب تخ ُّلفهم و إ� ّما أ�ن
يعفو عنهم .والله علي ٌم ب�أحوالهم ،حكي ٌم فيما اختار
لهم من الإرجاء والت�أخير.
في �سبيل الله ،وقد َ�أثبت الله هذا الوعد الح َّق في التوراة 107و ِمن المنافقين فري ٌق اتخذوا م�سجداً ِمن أ� ْج ِل تقوية
والإنجيل ،كما أ�ثبته في القر�آن ،ولا �أح َد أ�وفى من الله الكافرين و إ�لحاق ال�ضرر بالم�ؤمنين والتفرق ِة بينهم ،و ِمن
بالوعد ،فافرحوا -أ�يها الم ؤ�منون -بهذا البيع الذي أ� ْجل َج ْع ِله مر�صداً لتر ُّقب َم ْن يق�صدهم وين�ضم إ�ليهم
بايعتم الله به غاي َة الفرح ،ف إ�نه أ�َوجب لكم �أعظم لمحاربة الله ور�سوله ،و�سوف يحلفون :ما أ�ردنا ب ُبنيانه
المطالب -وهو ر�ضاه تعالى عنكم والجنة -وذلك إ�لا الخ�صلة الح�سنى وهي ال�صلاة وذكر الله والتو�سعة
البيع هو ال َّظ َف ُر الكبير. على الم�صلين .والله ي�شهد �إنهم لكاذبون في أ�يمانهم.
108لا ت�ص ّل � -أيها الر�سول -في هذا الم�سجد الذي
بناه ه ؤ�لاء المنافقون �أبداً ،و إ� َّن م�سجداً أ�قيم ابتغاء وجه
الله وطلب ًا لمر�ضاته من أ� ّول �أمره كم�سجد ُقباء �أَ ْولى ب أ�ن
ت�صلي فيه ،وفي هذا الم�سجد رجال يحبون �أن يتطهروا
بالماء من النجا�سات وا ألقذار ،ومن المعا�صي والخ�صال
المذمومة ،طلب ًا لمر�ضاة الله ،والله ير�ضى عنهم و ُي ْدنيهم
من جنابه ،بما اختاروه ألنف�سهم من المداومة على محبة
الطهارة.
109أ� َف َم ْن طل َب ببنائه الم�سجد الذي بناه وج َه الله
خي ٌر أ�م َم ْن بناه ق ْ�صد الرياء وال�سمعة ،فهو بذلك كمن
بناه على حا ّف ِة هاوي ٍة ،فهو وا ٍه �ساقط يقع ب�صاحبه في
نار جهنم؟ والله لا يوفق الظالمين إ�لى ما فيه �صلاحهم
ونجاتهم.
110لا يزال هذا البناء الذي بناه المنافقون م�صدر
ا�ضطراب و�ش ٍّك وتزا ُي ٍد في النفاق لا يزول من قلوبهم
حتى تتقطع قلوبهم بالموت �أو بالتوبة و�شدة الندم ،والله
علي ٌم بعزائمهم ،حكي ٌم في تدبيره وفي جزائه.
111قد ع َّو�ض الله الم ؤ�منين عن َب ْذل ُم َهجهم و أ�موالهم
في �سبيله الجن َة ونعي َمها ،ذلك أ�نهم يقاتلون في �سبيل
الله إلعلاء كلمة الله ،في ْق ُتلون الكفار و ُي ْق َتلون �شهدا َء
٢٠٤
بالا�ستغفار له � -أو ب�سبب وع ٍد من �أبيه با إليمان -فل ّما 112ه ؤ�لاء الذين َ�ص َدقوا في عهدهم مع الله هم:
انقطع رجا ُء �إبراهيم في �إ�سلام أ�بيه بموته على ال�شرك �أو التائبون عن الكفر والمعا�صي ،العابدون لله مخل�صين له
بما �أوحاه الله إ�ليه ،ت َر َك الا�ستغفار له .إ� ّن �إبراهيم لكمال الدين ،الحامدون الله في ال�سراء وال�ضراء وعلى كل حال،
ر�أفت ِه وتع ُّط ِف ِه ور ّق ِة قلب ِه ،كثي ُر الت�ضرع لله ،حلي ٌم كثير ال�صائمون ،الراكعون ال�ساجدون في ال�صلاة ،ا آلمرون
بكل ما هو معرو ٌف محمو ٌد والناهون عن كل ما هو
ال�صبر على من �آذاه. منك ٌر في ال�شرع ،والحافظون لكل ما ح َّده ال�شارع
وع َّينه من الحقائق وال�شرائع ،و َب�ِّش المو�وصفين بهذه
115وما كان الله ليق�ضي على قوم بال�ضلال؛
-ب�سبب ا�ستغفارهم لموتاهم الم�شركين �أو ب�سبب غيره الخ�صال الحميدة بر�وضان الله تعالى وجنات النعيم.
من المعا�صي -بعد �أن رزقهم الهداي َة ووفقهم ل إليمان 113لي�س للنب ِّي ولا للم ؤ�منين أ�ن َي ْدعوا بالمغفرة
بالله وبر�سوله حتى يبين لهم َخ َطر ما يجب اتقا�ؤه، للم�شركين ولو كانوا ذوي قرابة لهمِ ،من بعد ما
ف إ�ن �أ�ص ّروا على المخالفة بعد البيان ولم يتوبوا ،أ��ض َّلهم ظهر لهم أ�نهم ماتوا على ال�شرك ،فكانوا بذلك من
و أ�خزاهم .إ�ن الله بكل �شيء عليم ،لا يخفى عليه �شيء
�أ�صحاب الجحيم.
من �أمرهم قبل البيان وبعده.
114ولا ُح ّج َة لكم في ا�ستغفار �إبراهيم -عليه
� 116إ ّن لله وحده ملك ال�سماوات وا ألر�ض وما ال�سلام -ألبيه ،ف إ�ن ذلك لم يكن إ�لا من أ�جل وع ٍد منه
فيهما ،لا ي�شاركه ولا ينازعه �أحد في حكمه وتدبيره،
ُيحيي َمن اقت�ضت م�شيئته إ�حيا َءه ،ويميت َمن اقت�ضت
م�شيئته �إمات َت ُه ،و�أم ُر الحياة والموت بيده وحده .ولي�س
لكم من دون الله من وليٍّ يتولى أ�مركم ،ولا ن�صي ٍر
يمنعكم من عدوكم وين�صركم عليهم.
117لقد تف ّ�ضل الله على نب ّيه و�أ�صحابه الم�ؤمنين من
المهاجرين والأن�صار الذين خرجوا معه إ�لى الجهاد في
وقت ال�شدة وال�ضيق -وهي غزوة تبوك -ف أ�عادهم
الله منها بالثواب والأجر العظيم والمغفرة للذنوب،
من بعد ما كادت قلو ُب فري ٍق منهم أ�ن َتيد عن الإيمان
بالا�ستجابة لما تر ّدد في قلوبهم من القعود عن الخروج
�إليها ،أ�و بما َخا َم َر قلو َبهم في �أثناء الغزوة من ال�ضيق من
الخروج �إليها في تلك الظروف البالغ ِة ال�ِّش َّد ِة ،فث َّبتهم،
وتا َب عليهم ألجل ما كابدوه ِمن �شدة العناء� ،إنه
�سبحانه كثير الر أ�فة بهم عظيم الرحمة.
٢٠٥
118وتف َّ�ضل الله بالتوبة على ال�صحابة الثلاثة الذين
تخلفوا ،و�أ ّخر الحكم في �ش�أنهم ت أ�ديب ًا لهم ،حتى �إذا
�ضاقت عليهم الأر�ض مع �سعتها ،وذلك لإعرا�ض جميع
الم�ؤمنين عنهم -وهو َم َث ٌل ل�شدة الحيرة -و�ضاقت عليهم
أ�نف�سهم لا�ستيلاء ال َوح�شة والغ ِّم عليهم ،و َع ِلموا أ�ن لا
مفز َع ولا مف َّر من الله إ�لا �إليه ،ولا عا�صم ِم ْن �سخطه
�إلا هو ،فرحمهم ووفقهم للتوبة ليكون ذلك داعي ًا إ�لى
الا�ستمرار في إ�ظهار التوبة والا�ستقامة والدوام عليها،
�إن الله هو التواب لمن تاب ِم ْن عباده ،الرحيم المتف�ضل
عليهم ب�أنواع النعم مع ا�ستحقاقهم للعقاب.
119يا �أيها الذين آ�منوا اتقوا الله ،بطاعته وطاعة
ر�سوله في كل ما ت أ�تون وتذرون ،وكونوا مع ال�صادقين
في نياتهم و�أقوالهم و أ�فعالهم.
122وما كان ي�ستقيم للم ؤ�منين �أن ينفروا جميع ًا ِل َن ْحو 120ما كان ل�ساكني المدينة من المهاجرين وا ألن�صار
َغز ٍو �أو طل ِب عل ٍم ،فه ّل َن َف َر من كل جماعة كبيرة،
ك أ�هل بلدة �أو قرية جماع ٌة قليل ٌة منهم ليتعلموا أ�حكام و َم ْن يجاورهم من �سكان البوادي أ�ن يتخ ّلفوا عن
ر�سول الله - -عند توجهه إ�لى الغزو ،ولا أ�ن
ال�شريعة ويقفوا على ما خفي من مقا�صدها ويتحملوا
َي ِ�ض ّنوا ب أ�نف�سهم ع ّما بذل الر�سول فيه نف�سه ،إ�ذ إ�نهم لا
الم�شا َّق في �سبيل ذلك ،وليجعلوا غاي َة �سعيهم و ُم ْع َظم ي�صيبهم في �سبيل الله عط� ٌش �أو تع ٌب �شديدان �أو مجاعة،
غر�ضهم من التفقه �إر�شا َد قومهم و�إنذارهم حينما ولا ينزلون مكان ًا يغيظ وجو ُدهم فيه الكفا َر ،ولا
يرجعون �إليهم لعلهم يحذرون ما ُيـ ْحـ َذر ،ويفعلون ما ي�صيبون ِم ْن عد ٍّو لهم إ��صاب ًة ،كالقتل وا أل�سر والغنيمة
و�سائر ما ينكبهم �إلا ا�ستوجبوا به ثواب ًا جزيل ًا ،إ�ن الله لا
ي�ؤمرون بفعله ،ويتركون ما ي�ؤمرون بتركه.
ي�ضيع �أجر المح�سنين على إ�ح�سانهم.
121ولا ينفق المجاهدون �أ َّي نفقة في �سبيل الله،
�صغيرة كانت أ�و كبيرة ،ولا يجتازون في م�سيرهم وادي ًا
�إلا كتب الله لهم آ�ثارهم وخطاهم ونفقا ِتهم ،لينالوا
�أح�سن ما ي�ستحقه العاملون من جزاء.
٢٠٦
� ١٢٦أ َولا يرى المنافقون أ�نهم ُيبتلون ب�أ�صناف
الابتلاءات -كالأ�سقام وا ألمرا�ض� ،أو بالجهاد مع
ر�سول الله� ، أو بالافت�ضاح -في كل عام مرة أ�و
مرتين ،ثم لا ينتهون ِمن نفاقهم وكفرهم ولا هم
يعتبرون ولا يتعظون؟
١٢٧وكذلك �إذا ما أُ�نزلت �سورة فيها ف�ضيحتهم
ن َظ َر بع�ضهم إ�لى بع�ض يريدون بذلك الهرب ،يقول
بع�ضهم لبع�ض :هل أ�حد ِمن الم ؤ�منين يراكم إ�ن قمتم
ِمن مجل�سكم ،ف إ� ْن لم يرهم �أحد قاموا وان�صرفوا مخاف َة
الف�ضيحة! َ� َصف الله قلوبهم عن الإيمان وذلك ب�سبب
أ�نهم لا يفهمون عن الله ولا عن ر�سوله ،ولا يدركون
ما فيه نفعهم.
١٢٨لقد جاءكم ر�سول ِمن أ�ن ُف�سكم ،عرب ٌّي مثلكم ١٢٣يا �أيها الذين �آمنوا جا ِهدوا الكفار؛ ا ألقر َب منهم
تعرفون ن�سبه و َح َ�سبه و�صدقه و أ�مانته ،و أ�نه ي�ش ُّق عليه إ�ليكم فالأقر َب ،ف�إنه �أَ�س َلم لكم و أ��صلح ،وليجدوا فيكم
ما ي�صيبكم من ال�ضرر والمكروه في دينكم ودنياكم، �ش ّد ًة و�صبراً على قتالهم ،واعلموا أ�ن الله مع المتقين
حري� ٌص على إ�يمانكم و�سعادتكم و�صلاح �ش أ�نكم، يعينهم وين�صرهم ما داموا مطيعين له.
عظي ُم العطف والرحمة بالم�ؤمنين.
١٢٤و�إذا �أُنزلت �سورة من القر آ�ن ف ِمن المنافقين َمن
١٢٩ف إ�ن أ�عر�وضا عن اتباعك والإيمان بك � -أيها يقول على �سبيل الا�ستهزاء :أ� ّيكم زادته هذه ال�سورة
�إيمان ًا؟ ف أ� ّما الم�ؤمنون فزادتهم إ�يمان ًا ويقين ًا وثبات ًا ،وهم
الر�سول -فا�ستع ْن بالله وتوك ْل عليه وا ْم�ِض في دعوتك، ي�ستب�شرون بنزول القر آ�ن �شيئ ًا بعد �شيء؛ لأنه �سب ٌب
وقل :ح�سبي الله ،ف�إنه وحده يكفيك ويعينك ،لا �إله إ�لا
لزيادة إ�يمانهم وارتفا ِع منازلهم عند الله.
هو ،لا ُيتوكل �إلا عليه ولا ُي َف َّو�ض ا ألمر إ�لا إ�ليه ،وهو
ر ُّب العر� ِش العظي ِم.
١٢٥و أ� ّما الذين في قلوبهم حقد وح�سد فزادتهم كفراً
بها م�ضموم ًا إ�لى الكفر الذي كان حا�صل ًا بغيرها،
وا�س َت ْح َكم ذلك في قلوبهم حتى ماتوا عليه.
٢٠٧
٥وهو �سبحانه الذي جعل ال�شم�س م�ضيئ ًة بالنهار } ١ﭑﭒ{ :تق َّدم الكلام على هذه الحروف
والقمر منيراً بالليل ،وق َّدر ِل َ�سيرهما مناز َل لا يجاوزانها الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة .تلك ا آليات التي تتنزل
في ال�سير ولا يق�صران عنها ،ل َتعلموا بذلك ح�ساب عليك هي آ�يات الكتاب المح َكم في �أ�سلوبه و َن ْظمه،
ا ألوقات ِمن الأ�شهر وا أليام والليالي في معاملاتكم
وت�صرفاتكم ،ما َخ َلق الله ذلك �إلا بالحكمة البالغة ولم المن َّزه عن الخلل في معانيه و�أحكامه.
يخلقه عبث ًا ،يبين دلائل التوحيد بالبراهين القاطع ِة لقوم
٢ما كان لكفار قري�ش وغيرهم �أن َيعجبوا وينكروا
ي�ستدلون بها على قدرة الله ووحدانيته. َو ْح َينا �إلى رج ٍل منهم :أ�ن ح ِّذر النا� َس من غ�ضب ربهم.
وب�ّ ِش الم�ؤمنين أ�ن لهم �سابق ًة ومنزل ًة رفيع ًة عند ربهم
٦إ� ّن في تعا ُقب الليل والنهار واختلافهما بالزيادة -ووجه عجبهم أ�نه من النا�س ،ولم يكن من الملائكة،
والنق�صان ،وفي خلق ال�سماوات وا ألر�ض وما فيهما ِمن
�أنواع الكائنات و ُ�ضوب المخلوقات؛ ألدل ًة وا�ضح ًة مع �أن هذه �سنة الله في ر�سله جميع ًا -وقال الكافرون:
و ُحج ًة ب ّين ًة على أُ�لوهية الخالق وقدرته لقوم َي ْحذرون
إ� ّن هذا الرجل الذي جاء بهذا القر آ�ن العجيب ،ل�ساح ٌر
�سو َء العاقبة بفعل الواجبات واجتناب المحرمات. ظاه ُر ال�سح ِر.
٢٠٨ � ٣إ ّن ربكم الذي ي�ستح ُّق العباد َة و ْح َده هو الله
الذي أ�ب َدع ال�سماوات والأر�ض في �ستة �أيام ،ثم ا�ستوى
على العر�ش ا�ستوا ًء يليق بهُ ،يد ِّبر أ�مر الكائنات على ما
تقت�ضيه حكمته و�سب َق ْت به كلم ُته ،ما ِمن �شفيع ُتقبل
�شفاعته عنده �إلا ِمن بعد إ�ذنه له بال�شفاعة -وهذا
تقرير لعظمته وعز ِة جلاله -ذلكم الله المو�وص ُف بتلك
ال�صفات المقت�ضية ل أللوهية والربوبية هو ر ُّبكم ف�َأف ِردوه
وحده بالعبادة ،أ�فلا تتعظون وتعتبرون بهذه الدلائل
وا آليات التي تدل على وحدانيته �سبحانه وتعالى؟
٤إ�ليه م�صيركم جميع ًا � -أيها النا�س -يوم القيامة
فيجازيكم على أ�عمالكمَ ،و َع َدكم الله ذلك وعداً
حق ًا ،إ�نه �سبحانه يبد أ� الخلق ب إ�ظهاره في الدنيا ثم يعيده
بعد إ�هلاكه في ا آلخرة ل َيجزي الله الذين �آمنوا وعملوا
ال�صالحات بالعدل الَ ينق�ص من أ�جورهم �شيئ ًا ،ويجزي
الذين كفروا ب�سبب كفرهم ما ًء حا ّراً �شديد الحرار ِة،
ولهم عذا ٌب مو ِج ٌع �شديد الإيلام.
١١ولو ُي َع ِّجل الله للنا�س �إجاب َة دعائهم في ال�ش ِّر بما ٨ ٧إ� ّن الذين لا يتو َّقعون لقاءنا ،فهم ال يخافون
لهم فيه م َ� َّض ٌة ومكرو ٌه في ن ْف� ٍس �أو ما ٍل كما يحبون عقابنا ،ولا َي ْطمعون في ثوابنا ،و َق ِنعوا بالحياة الدنيا،
أ�ن يع ّجل لهم إ�جاب َة دعائهم بالخير لفرغ من هلاكهم و�َس َكنوا إ�ليها مطمئنين بها ،والذين هم عن �آياتنا
وماتوا جميع ًا ،فن َد ُع الذين لا يخافون عقابنا ولا الدال ِة على كمال قدرتنا غافلون ال يتفكرون فيها ولا
يطمعون في ثوابنا -لأنهم لا يتوقعون بعث ًا بعد الموت َيعتبرون؛ أ�ولئك َم َق ّرهم النار جزا َء ما ك�سبوا في دنياهم
�أ�صل ًا -في تمردهم و ُعت ِّوهم يترددون. من الكفر والتكذيب وا ألعمال ال�سيئة.
١٢و�إذا أ��صاب الإن�سا َن �ض ٌّر في ن ْف�سه أ�و ماله أ�و ٩إ� ّن الذين �آمنوا وعملوا ا ألعمال ال�صالحة ُي َ�س ِّددهم
أ�حبابه ا�ستعان بنا لإزالته مخ ِل�ص ًا؛ يدعونا على أ� ِّي حال ربهم ب�سب �إيمانهم للا�ستقامة على �سلوك الطريق
من حالاته ،م�ضطجع ًا أ�و قاعداً أ�و قائم ًا ،فلما ا�ستجبنا ال�سدي ِد الم�ؤدي �إلى الثواب ،تجري بين أ�يديهم ا ألنهار
له و�أَز ْلنا ما به من ُ� ٍّض؛ م�ضى على طريقه وا�ستم َّر في
كفره ولم ي�شكر الله على دفعه ال�ض َّر عنه ،ك�أنه لم ي�صبه في جنات النعيم.
�ض ٌّر ولم َي ْد ُع الله لإزالته عنه ،و ِم ْث ُل هذا التزيـين ُزيِّن
للذين أ��سرفوا في الإجرام ما كانوا يعملون من الانهماك ١٠دعا ؤ�هم فيها ت�سبي ُح الله ،أ�ي تقدي�سه وتنزيهه
عما لا يليق بجلاله وكماله ،و ُي َح ِّيي بع ُ�ضهم بع�ض ًا
في ال�شهوات وا إلعرا�ض عن اتباع الحق. بال�سلام كما تحييهم بذلك الملائكة ،وخاتم ُة دعائهم في
١٣ولقد �أهلكنا ا ألمم ال�سابق َة ِمن قبلكم لـ ّما كفروا كل َموط ٍن حم ُده تعالى و�شكره.
وتمادوا في الغ ِّي وال�ضلال والتكذيب وقد جاءتهم
ر�س ُلهم بالمعجزات الوا�ضحات الدال ِة على �صدقهم، ٢٠٩
وما ا�س َتقام لهم أ�ن ي�ؤمنوا؛ ل ِـ َما كان منهم من ا إل�صرار
على الكفر والمع�صية .وكما �أهلكنا َم ْن �سبق من الأمم
بتكذيبهم وظلمهم ُنهلك ك َّل قوم تجاوزوا الح َّد في
الطغيان والكفر.
١٤ث ّم جعلناكم -أ�يها النا�س -خلفا َء في ا ألر�ض
ِمن بعد إ�هلاكهم؛ ل ُنظ ِهر ما �سبق به العلم ،فيتبين في
الوجود كي َف تعملون خيراً �أم �ش ّراً ،فنعاملكم على
ح�سب أ�عمالكم.
له وجود �أ�صل ًا ،تن َّزه الله عن ال�شريك وع ّما تفعلونه من ١٥و�إذا ُق ِرئت على ه ؤ�لاء الم�شركين آ�يات القر�آن
الإ�شراك في عبادته. وا�ضحات الدلالة على وحدانيتنا و�صح ِة نبوة نب ّينا
محم ٍد قال ه�ؤلاء الم�شركون الذين لا يخافون عذابنا ولا
١٩وما كان النا�س �إلا حنفا َء مو ّحدين على الفطرة يرجون ثوابنا لر�سولنا محم ٍد :- -ا ْئ ِت بكتاب
ا أل�صلية ،م ّتفقين على الحق والتوحيد ِمن غير اختلاف،
ثم اختلفوا ف�صاروا ِملل ًا ،وللاو ما ق�ضى الله به في �سابق آ�خر لي�س فيه ما َن�ستبعده من البعث والح�ساب ،والعقاب
علمه ا ألزلي ب أ�ن جعل لك ِّل �أم ٍة �أجل ًا و أ� َّخر الحك َم بينهم بعد الموت ،أ�و ب ِّد ْله ب�أن تجعل مكان آ�ي ِة عذا ٍب �آي َة رحم ٍة
�إلى يوم القيامة؛ لع ّجل ال َف ْ�ص َل بينهم فيما اختلفوا فيه ومكا َن الحرام حلال ًا ،قل لهم -أ�يها الر�سول :-ما
ي�ص ُّح لي �أن أ�ب ِّد َله من ِقب ِل نف�سي ،ما �أنا �إلا ُم َّت ِب ٌع و ُم َب ِّل ٌغ ما
ب�إهلاك الـ ُمـ ْبـ ِطـل و إ�بقاء الـ ُم ِح ِّق. ُيوحى إ�ليَّ من ربي من غير زيادة ولا نق�صان ،إ�ني �أخ�شى
من الله إ�ن خالف ُت أ�مره �أو غير ُت �أحكام كتابه �أو ب ّدلته
٢٠ويقول الكفار :ه ّل أُ� ْن ِز َل على محمد - -
معجزة من ربه تدل على ِ�صدقهُ ،يعاينها النا�س كلهم، عذا َب يو ٍم عظي ٍم َخ َط ُره �شدي ٍد هو ُله.
ف ُتلجئهم �إلى ا إليمان ،فقل لهم :ا ألمر كله لله وحده ،وهو
يعلم العواقب في ا ألمور .ف إ�ن كنتم لا َتقنعون بالقر آ�ن وبما ١٦قل لهم :لو �شاء الله ما �أمرني بقراءته عليكم ولا
جئ ُت من ا آليات ،ولا ت ؤ�منون حتى ت�شاهدوا ما طلبتم َأ� ْع َلمكم به على ل�ساني ،فقد مكث ُت فيكم قبل �أن يوحى
فانتظروا ق�ضاء الله فيَّ وفيكم ،و أ�نا معكم من المنتظرين. إ�ليَّ هذا القر آ�ن ُم ّد َة أ�ربعين �سنة لم �آتكم ب�شيء� ،أفلا
ت�ستعملون عقولكم بالتدبر والتف ُّكر ل َتعلموا أ�ن هذا
٢١٠
القر�آن من عند الله و�أنه فوق َط ْوق الب�شر؟
١٧لا أ�ح َد َ�أظل ُم ممن افترى على الله الكذ َب فزعم
�أن له �شريك ًا وولداً أ�و ك َّذب ب�آياته التي جاء بها ر�سو ُله
فكفر بها ،إ�نه لا يظفر المجرمون ِب ُب ْغ َيتهم ولا تنجح
م�ساعيهم لإ�شراكهم بالله.
١٨ويعبد ه ؤ�لاء الم�شركون ا أل�صنام التي لا ت�ض ُّرهم
إ� ْن تركوا عبادتها ،ولا تنفعهم �إن عبدوها ألنها حجارة
وجما ٌد لا ت�ضر ولا تنفع؛ والمعبو ُد ينبغي �أن يكون ُمثيب ًا
ومعاقب ًا حتى تكون عباد ُته لجلب نف ٍع أ�و دفع ُ� ٍّض،
ويقولون :ه�ؤلاء ا ألوثان ت�شفع لنا عند الله .قل لهم:
أ� ُتخبرون الله �أن له �شريك ًا خارج ًا عن علمه المحيط بما
في ال�سماوات وا ألر�ض؟! إ� ّن �إخبا َركم بلا َري ٍب إ�خبا ٌر
عن ُمحا ٍل ،ألن ما لم يكن معلوم ًا لله َت َع ّي أ�ن لا يكون
الدعاء لله عز وجل حينئ ٍذ من غير إ��شراك ،قائلين :لئن
�أنجيتنا يا ربنا من هذه ال�شدة لنكونن من ال�شاكرين لك
على �إنعامك علينا.
٢٣فل ّما ا�ستجاب الله لدعائهم �إذا ُه ْم ي�سارعون �إلى
ما كانوا عليه من البغي والف�ساد بغير الحق .يا �أيها النا�س
إ� ّن َوبا َل ب ْغ ِيكم وظلمكم راج ٌع عليكم ،و إ�ن ما تتمتعون
به في دنياكم متا ٌع زائل لا يخلو من َك َد ٍر ،ثم �إلى الله
مرجعكم بعد الممات؛ فيجزيكم يوم القيامة ب أ�عمالكم
التي عملتموها في دنياكم.
� ٢٤إنمامث ُلالحياةالدنيافي�سرعةزوالهاوذهابنعيمها ٢١و إ�ذا �أذقنا النا�س رخا ًء ونعم ًة ِمن بعد �ش ّد ٍة وبلا ٍء
بعد �إقبالها واغترا ِر النا�س بها؛ كمثل ماء أ�نزلناه من ال�سماء و�ضي ٍق في العي�ش َمكروا ب�آياتنا بالطعن فيها والاحتيال
فن َب َت به نبات الأر�ض مما ي أ�كله النا�س والأنعام من الحبوب في دفعها -وقد نزلت هذه ا آلية في م�شركي مكة -قل
والثمار وال َك أل ،حتى إ�ذا أ�خذت الأر�ُض زين َتها وبهجتها -أ�يها الر�سول -لهم :الله �َأ�سرع مكراً ،فقد د َّبر عقابكم
بكمال نباتها ،وتزينت ب أ��صناف النباتات و�أ�شكالها قبل أ�ن تدبروا كي َدكم ،إ�ن الح َف َظة الكرا َم الكاتبين
و أ�لوانها المختلفة ،وظن أ�ه ُل تلك ا ألر�ض أ�نهم متمكنون يكتبون ويحفظون عليكم الأعمال القبيحة ال�سيئ َة إ�لى
من ح�صادها والانتفاع بغلتها أ�تاها ق�ضا�ؤنا بهلاكها في
الليل أ�و النهار ،فجعلنا زر َعها مح�وصداً مقطوع ًا لا �شيء يوم القيامة حتى تفت�ضحوا بها وتجزوا على مكركم.
فيه ك�أن لم تكن تلك الأ�شجار والنبات والزروع نابت ًة
قائم ًة على ظهر ا ألر�ض ،كذلك نبين الحج َج والدلائل ٢٢هو الذي يم ِّكنكم من ال�سير وال�سعي في ال َ ِّب
المنبهة على �أحوال الحياة الدنيا لقوم يتفكرون ،فيزهدون م�شا ًة و ُركبان ًا ،وفي البحر بما �س َّخر لكم من ال�سفن التي
تجري في الماء ،حتى إ�ذا جرت ال�سف ُن بري ٍح طيب ٍة �ساكن ٍة،
فيها ويجعلونها مزرعة لدار البقاء. وفرح ُر ّكابها ب�سيرها ا آلم ِن الموافق لمق�وصدهم ،جاءتها
ريا ٌح �شديدة الهبوب فهاج البح ُر ،وجاءهم الموج من
٢٥والله يدعو النا�س جميع ًا �إلى الجنة دار ال�سلام، كل جهة ،وظنوا �أن الهلاك قد أ�حاط بهم؛ أ�خل�وصا في
التي َي�ْسلمون فيها من الموت والم�صائب و�سائر الآفات،
ويهدي َمن ي�شاء بتوفيقه �إلى الإ�سلام وهو الطريق الذي
يو�صله �إلى هذه الدار و إ�لى ر�وضان الله فيها.
٢١١
�أعطاكم هذه الحوا�س التي ت�سمعون وتب�صرون بها؟ و َمن ٢٦الذين �أح�سنوا عبادة الله في الدنيا و�أطاعوه فيما
يخرج الح َّي من المي ِت بما َي َتج ّدد في الح ِّي من مادة أ��ص ُلها �أمرهم به ونهاهم عنه ،لهم الـ َمثوب ُة الح�سنى ،وهي
مادة لا حياة فيها ،ويخرج المي َت من الح ِّي بما يتحلل ِمن الجنة ،وزياد ٌة وهي النظر إ�لى َو ْجه الله الكريم ،ولا
مادته الح ّية في�صبح مادة ميتة؟ و َم ْن يلي تدبير ا ألمر في يغ�شى وجو َههم ك�آبة ولا ك�سوف وال غبار ولا هوان،
ال�سماوات وا ألر�ض؟ ف�سيعترفون لا َمنا�َص �أن الله فاعل �أولئك �أ�صحاب الجنة ،هم فيها دائمون بلا زوال،
هذه ا أل�شياء كلها ،ف�إذا كانوا ُيقرون بذلك فقل لهم :أ�فلا
تخ�وشن عقاب الله وغ�ضبه ،ب�سبب �إ�شراككم معه غيره؟ مقيمون بلا انتقال.
٣٢فذلكم الله ربكم الحق المتولي لهذه الأمور ٢٧والذين عملوا ال�سيئات في الدنيا -كالكفر
والقادر عليها هو الذي ي�ستحق العبادة وحده ،فلي�س وال�شرك وما َي ْتبعهما من المعا�صي -ف�س ُيجزون بمثل ما
بعد َت َخ ّطي الحق ِمن توحيد الله وعبادته إ� ّل الوقو ُع في عملوا من �سوء ،ويغ�شاهم ذ ٌّل وهوا ٌن لعقاب الله �إياهم،
ما لهم مان ٌع من عذاب الله إ�ذا نزل بهمُ ،يح�شرون
ال�ضلال ،فكيف تن�صرفون عن الحق إ�لى ال�ضلال؟ م�ْسود ًة وجوههم ،ك�أنما أُ�لب�س ْت �سواداً من الليل المظلم،
٣٣كذلك َو َج َب ق�ضا ُء الله وحك ُمه في اللوح �أولئك �أ�صحاب النار ،هم فيها دائمون بلا زوال.
المحفوظ على الذين تمردوا في كفرهم وخرجوا عن
٢٩ ٢٨واذكر -أ�يها الر�سول -يو َم نح�شر النا�س
طاعته �إلى مع�صيته. جميع ًا للح�ساب ،ثم نقول للذين �أ�شركوا :ا ْل َزموا
مكانكم وما أ�نتم فيه ِمن الخزي والهوان حتى تنظروا
٢١٢ ما ُيفعل بكم� ،أنتم و�شركا ؤ�كم الذين كنتم تعبدونهم
من دون الله ،فف َّرقنا بين الم�شركين ومعبوداتهم ،وقال
ال�شركاء متبرئين من عبادة العابدين لهم :ما كنتم إ�يانا
تعبدون ،و�إنما عبدتم في الحقيقة أ�هواءكم ،ألنها الآمر ُة
لكم با إل�شراك .وكفى بالله ال�شهيد على ما كنتم
تعملون ،العاد ِل في حكمه فا�صل ًا بيننا وبينكم ،إ�نا كنا
ب َم ْع ِز ٍل عنكم لا ن�شعر بعبادتكم لنا �أيها الم�شركون.
٣٠في ذلك الـ ُمقام َتختبر ك ُّل نف�س ما قدم ْت ِمن عمل
خيراً كان أ�و �شراً ،فتعاين آ�ثاره ِمن نفع أ�و �ضر ،و�سعادة �أو
�شقاء ،بعد أ�ن عاد الجميع إ�لى الله مال ِكهم ومتولي أ�م ِرهم
على الحقيقة ليق�ضي بينهم بعدله ،وغا َب عن الم�شركين
ما كانوا َي ْختلقون من ال�شركاء لله ،و ِمن �شفاعتهم لهم.
٣١قل -يا محمد -له ؤ�لاء الم�شركينَ :م ْن يرزقكم ِمن
ال�سماء ب�إنزال المطر ،و ِمن الأر�ض ب�إنبات النبات؟ و َمن
�إن الله عليم بما هم عليه من الكفر والإعرا�ض عن الحق. ٣٤قل لهم -أ�يها الر�سول :-هل ِم ْن آ�لهتكم -التي
تزعمون -و�أوثانكم َمن يبد أ� الخلق ب إ�ظهاره للوجود
٣٧وما �ص َّح لهذا القر آ�ن في إ�عجازه و إ�حكامه وعل ِّو ثم ُيعيده بالبعث؟ قل :الله يبد أ� الخلق ثم يعيده؛ ألن
�ش�أنه �أن يفتريه �أح ٌد و َي ْن�ُسبه إ�لى الله ،ولكن أ�نزله الله ل َجا َجهم وجحودهم لا يتركهم يعترفون به ،ولذلك قال
ت�صديق ًا لما �سلف قبله من الكتب ا إللهية الم�شهود على
�صدقها ،وبيان ًا لما َك َتب عليكم من ا ألحكام وال�شرائع، لهم :ف�أ َّنى تن�صرفون عن �سواء ال�سبيل إ�لى الباطل.
فلا ينبغي �أن ُيرتاب فيه؛ لكونه نزل من رب العالمين. ٣٥وقل لهم -أ�يها الر�سول -أ�ي�ض ًا :هل من �شركائكم
َمن يهدي �إلى الحق ب َن ْ�ص ِب الدلائل ،و�إر�سال الر�سل،
� ٣٨أم يقولون :افتراه محمد ِمن عند نف�سه؟ قل :ف ْ�أتوا والتوفيق للنظر والتدبر؟ قل :الله يهدي �إلى الحق� ،أف َم ْن
�أنتم ب�سورة مثله في البلاغة و ُح�سن ال َّنظم وجودة المعنى، يهدي إ�لى الح ِّق �أح ُّق أ�ن ُي َّتبع �أ ّمن لا يملك اهتدا ًء ولا هداية
وادعوا لذلك َم ْن قدرتم عليه من دون الله ِمن الجن إ�لا أ�ن يهديه غي ُره ،ف�أي �شيء ح�صل لعقولكم ،وكيف
والإن�س و�سائر الخلق؛ إ�ن كنتم �صادقين في زعمكم. تحكمون ب�شيء يقت�ضي العقل بطلا َنه ب أ�دنى تف ّكر؟
٣٩بل �َسا َرعوا �إلى التكذيب بالقر آ�ن من غير تدبر ٣٦وما يتبع �أكثر الم�شركين في اعتقادهم �إلا ظن ًا
آلياته ،ولم يقفوا َب ْع ُد على حقيقة ما أ�خبرهم به من الوعد م�ست ِنداً �إلى خيالات فارغة و�أَ ْق ِي�سة فا�سدة .والظن -عند
والوعيد ولم يعاينوه! و َق ْب َل تكذيب ه�ؤلاء ك َّذب الذين
ِم ْن قبلهم �أنبيا َءهم ،ف�سوف يعاقبون بمثل ما عوقب به التحقيق -لا يقو ُم مقام اليقين ولا ُيغني عن العلم �شيئ ًا،
َم ْن قبلهم جزا ًء على ظلمهم و�إ�صرارهم على الجحود
والتكذيب.
٤٠و ِمن ه ؤ�لاء المكذبين َم ْن ُي�ص ِّدق به في نف�سه
ويعلم أ�نه حق ولكن يعاند ،ومنهم َم ْن لا ي�ؤمن به في
نف�سه ل َف ْرط غباوته وقلة تدبره ،والله �أعلم ب َم ْن يف�سد
عناداً �أو �إ�صراراً.
٤١و�إ ْن ك َّذبك قومك بعد �إلزامهم الحجة فتبر ْ�أ منهم،
وقل لهم :لي جزاء عملي ،ولكم جزاء عملكم ،حق ًا
كان أ�و باطل ًا ،لا ت�ؤاخذون بعملي ولا أ��ؤاخذ بعملكم.
٤٢ومنهم َم ْن ي�ستمعون إ�ليك �إذا قر أ� َت القر�آن �أو
ع َّلم َت ال�شرائع ولكن لا يفقهون ،فهم كال ُّ�ص ِّم الذين
ال ي�سمعون ولا يعقلون أ��صل ًا ،ف إ�ن كنت لا تقدر على
�إ�سماعهم ،ف إ�نك لا تقدر أ�ي�ض ًا على هدايتهم� ،إلا �أن
ي�شاء الله.
٢١٣
أ�جلهم فلا يتجاوزونه ب أ�دنى وقت ولا يتقدمونه؛ ألن ٤٣و ِمن الكفار َمن ُيعاينون دلائل نبوتك ،ولكن
ق�ضاء الله واقع حتم ًا في أ�جله. لا ي�صدقون ،ألنهم ُعم ُي القلوب لا يب�صرون حق ًا ولا
يعقلون دليل ًا ،ف�إن كنت لا تقدر على هداية ال ُعمي،
٥٠قل �أر أ�يتم إ�ن أ�تاكم عذابه الذي ت�ستعجلون ليل ًا ف إ�نك لا تقدر �أي�ض ًا على هداية ه ؤ�لاء� ،إلا أ�ن يهدي
أ�و نهاراً ،ف أ�ي عذا ٍب ي�ستعجله المجرمون؟! �إنه عذا ٌب
الله قلوبهم.
�شدي ٌد لا ِق َب َل لهم به ولا قدرة لهم على ر ِّده.
� ٥١أَ َب ْع َد ما وقع العذاب وعاينتموه �آمنتم؟ �آلآن � ٤٤إ ّن الله لا يظلم النا�س �شيئ ًا ،أ�ي :بعقابهم ِم ْن دون
حين لا ينفعكم إ�يما ٌن آ�منتم بما كنتم ت�ستعجلون به ذنب ،ولكن النا�س هم الذين يظلمون أ�نف�سهم باقتراف
تكذيب ًا وا�ستهزاء؟! ا آلثام واختيار ال�ضلال وا إل�صرار على موجباته.
٥٢ثم قيل للذين ظلموا بعد هلاكهم :ذوقوا العذاب ٤٥واذكر يوم نح�شرهم ونجمعهم للح�ساب ،ك أ�نهم
الم�ؤلم الذي ُتخ َّلدون فيه ،هل تجزون إ�لا بما كنتم ِل َهول ما يرون لم يقيموا في الدنيا إ�لا قدر �ساعة من
نهارَ ،ي ْعرف بع�ضهم بع�ض ًا يومئ ٍذ كما كانوا في الدنيا،
تك�سبون؟! ك�أن لم يتفارقوا إ�لا قليل ًا ،قد خ�سر الذين ك َّذبوا بلقاء
الله خ�سران ًا لا ربح بعده ،وما كانوا مهتدين �إلى طريق
٥٣وي�ستخبرونك أ�ح ٌّق ما وعدتنا به من العذاب
والبعث؟ قل :إ�ي وربي �إن العذاب الموعود لحق ،وما ر�وضان الله تعالى.
أ�نتم بخارجين عن إ�رادة الله وقدرته بدفع عذابه أ�و
٤٦و�إ ّما ُنري ّنك -أ�يها الر�سول -بع�ض الذي َن ِعدهم
الهرب منه. من العذاب في حياتك �أو نتوفينك قبل أ�ن نر َيك ذلك
فيهم ،ف�إلينا مرجعهم ف ُ ِنيكه في الآخرة ،ثم الله �شهيد
٢١٤
على ما يفعلون فيجازيهم عليه حينئذ.
٤٧ولكل أ�مة من ا ألمم الما�ضية ر�سو ٌل بعثه �إليهم
يدعوهم �إلى الحق ،ف�إذا جاء ر�سولهم بالمعجزات
فكذبوهُ ،ق�ضي بينهم بالعدل ف أَ�نجى الله الر�سول و َمن
تبعه و�أهلك المك ّذبين ،وهم لا ُيظلمون ب أ�ن يع َّذبوا بغير
ُجرم.
٤٨ويقولون على ِج َهة الا�ستبعاد والا�ستهزاء:
متى هذا العذاب الذي ت ِع ُدنا به �إن كن َت و َمن تبعك
من ال�صادقين؟
٤٩قل لهم -أ�يها الر�سول :-لا أ�ملك لنف�سي �ضراً
ولا نفع ًا ،ولكن ما �شاء الله لي من ذلك يكون فكيف
أ�ملك لكم ما ت�ستعجلون ِمن طلب العذاب؟ لكل قوم
�أج ٌل م�ضروب لانق�ضاء �أعمارهم وهلاكهم� ،إذا جاء
٥٧يا �أيها النا�س قد جاءكم القر�آن موعظة من ربكم ٥٤ولو �أن لكل نف�س ظلم ْت بال�شرك ما في الأر�ض
و�شفاء لما في ال�صدور من ال�شك والجهل والنفاق و�سائر من خزائنها و أ�موالها لجعل َته فدي ًة لها من العذاب،
الأمرا�ض القلبية ،وهدى ورحمة للم ؤ�منين ير�شدهم �إلى و َ�أخفى الكفار الندام َة لـ ّما ر أ�وا العذاب فلم ينطقوا بها
طريق الحق وال�سعادة ،وينجيهم من العذاب و�سوء العاقبة. ل�ش َّدة ما َب َهتهم من الهول ،و ُق�ضي بينهم بالعدل وهم
٥٨قل -أ�يها الر�سول :-بف�ضل الله وبرحمته -وهو لا يظلمون.
ما جاءهم به ر�سول الله من الهدى ودين الحق ،دين
الإ�سلام -فبذلك فليفرحوا ،هو خير مما يجمعون من � ٥٥أ َل �إ ّن لله كل ما في ال�سماوات والأر�ض خ ْلق ًا
وملك ًا وتدبيراً ،يت�صرف فيهم ت�صر َف المال ِك في ملكه،
ُحطام الدنيا. �أ َل �إ ّن ما وعد به الله من الثواب والعقاب لا ُخ ْل َف
فيه ،ولكن �أكثرهم -لق�وصر عقولهم وا�ستيلاء الهوى
٥٩قل -أ�يها الر�سول� :-أخبروني ع ّما أ�نزل الله لكم
ِم ْن رزق ،و�َ َشعتم فيه ما لم ي�أذن به الله فجعلتم منه حرام ًا عليهم -ال يعلمون إ�لا ظاهراً من الحياة الدنيا.
كال َبحيرة وال�سائبة وغيرها من الأنعام ،و َحلال ًا كالميتة،
قل لهم :آ�لله �أَ ِذ َن لكم في التحليل والتحريم ،فتقولون ٥٦هو الذي بيده �أمر الإحياء وا إلماتة ،وهو وحده
القادر على البعث ،و�إليه ترجعون جميع ًا يوم القيامة
ذلك عنه َ�أ ْم على الله تفترون في ن�سبة ذلك إ�ليه؟
للح�ساب والجزاء.
٦٠وما ظ ُّن ه ؤ�لاء الذين َي ْختلقون على الله الكذب،
ف ُيحلون و ُيح ّرمون من تلقاء أ�نف�سهم ،أ�يح�سبون أ�نه
ال يجازيهم عليه؟ �إن الله لذو ف�ضل على النا�س حيث
َ�أنعم عليهم بالعقل وهداهم ب إ�ر�سال الر�سل و�إنزال
الكتب ،ولكن أ�كثرهم لا ي�شكرون هذه النعمة.
٦١وما تكون -أ�يها النبي -في أ�مر ِمن ا ألمور ،وما
تتلو �شيئ ًا ِمن القر آ�ن ،ولا تعملون -أ�يها الم�سلمون-
�شيئ ًا إ�لا كنا عليكم ُرقباء م ّطلعين عليه ظاهراً وباطن ًا
حين تخو�وضن فيه وتندفعون إ�ليه ،وما َيغيب عنه
�سبحانه وتعالى �شيء في الوجود ب�أَ�ْ ِسه؛ ما يوا ِزن نمل ًة
�صغيرة �أو َهبا ًء ولا �أ�صغ َر ِمن ذلك ولا �أكب َر إ�لا في علمه
تعالى المكتوب المبين في اللوح المحفوظ.
٢١٥
� ٦٢أ َل إ� ّن أ�ولياء الله الذين يتو َّلونه بالطاعة وهو
يتلاوهم بالكرامة ،لا خوف عليهم ِمن ل ُحوق مكروه،
ولا هم يحزنون بفوات م أ�مول.
٦٣و أ�وليا�ؤه تعالى هم الذين جمعوا بين الت�صديق
بالله واتباع ر�سوله والعم ِل على امتثال ا ألوامر
واجتناب النواهي.
٦٤لهم الب�شارة من الله في الحياة الدنيا بما ي�س ُّرهم
وي�شرح �صدورهم -والتي منها الر�ؤيا ال�صالحة يراها
الم�ؤمن أ�و ُترى له ،وب�شار ُة الملائكة لهم عند الموت
بر�ضا الله عنهم وغيرهما من الب�شارات -ولهم في
ا آلخرة الب�شارة بالرحمة والجنة والر�وضان ،لا تغيير
ألقوال الله ولا ُخ ْل َف لمواعيده ،ذلك هو الفلاح الكبير.
الله عما يقول الظالمون ،هو الغني عن ك ُّل �شي ٍء ،المفتقر ٦٥ولا يحزنك -أ�يها الر�سول -جحو ُدهم
�إليه كل �شيء ،ك ُّل ما في ال�سماوات وا ألر�ض في ملكه وا�ستهزا�ؤهم وافترا ؤ�هم و�سائر ما ي�ؤذونك به ِمن باط ِل
ولا يخرج عن �إرادته و أ�مره ،قل لهم -يا محمد :-ما القو ِل� ،إ ّن ال َغ َلبة لله جميع ًا ،هو ال�سميع ألقوالهم العليم
عندكم ِم ْن برهان على هذا ،بل افتريتموه ِم ْن عندكم،
بمكايدهم فيجازيهم عليها.
أ�تقولون على الله ما لا تعلمون �صحته وحقيقته؟!
� ٦٦أ َل �إ ّن لله َم ْن في ال�سماوات و َم ْن في ا ألر�ض ِمن
٦٩قل :إ� ّن الذين َي ْخت ِلقون على الله الكذ َب الملائكة وال َّث َق َلين خ ْلق ًا و أ�مراً وت�صريف ًا ،وما يتبع الذين
باتخاذ الولد و إ��ضاف ِة ال�شريك �إليه لا ينجون من النار يدعون من دون الله �شركاء يقين ًا� ،إ ْن يتبعون �إلا الظ ّن وما
�س ّول ْت لهم أ�نف�سهم ،و إ� ْن هم إ�لا يكذبون فيما ين�سبون
وال يفوزون بالجنة.
إ�لى الله.
٧٠إ� ّن ما يتمتع به ه�ؤلاء المفترون �إنما هو متاع قليل،
ثم يرجعون إ�لينا عند انق�ضاء �آجالهم ،فيلقون العذاب ٦٧هو الذي جعل لكم -أ�يها النا�س -الليل
ال�شدي َد في جهنم ،ب�سبب كفرهم وافترائهم على الله. ل�سكونكم وراحتكم ،والنها َر ل ُتب�صروا فيه وت�سعوا طلب ًا
لمعا�شكم ،إ� ّن في ذلك لآيات لقوم ي�سمعون �سما َع تد ُّب ٍر
واعتبا ٍر.
٦٨قال الم�شركون و َم ْن تبعهم :ا َّتخ َذ الله ولداً! َتن َّزه
٢١٦
٧٣ف َ�أ َ� ّصوا على تكذيب نوح بعد إ�لزامهم ال ُحجة،
فنجيناه و َم ْن �آمن معه في ال�سفينة ،وجعلناهم خلائف
عمروا الأر�ض بعد الهالكين و َخ َلفوهم فيها ،و�أغرقنا
الذين كذبوا ب�آياتنا بالطوفان ،فانظر كيف كانت
نهاية المن َذ ِرين.
٧٤ثم بعثنا ِمن بعد نوح -عليه ال�سلام -ر�سل ًا
َك ُهو ٍد و�صالح و إ�براهيم وغيرهم ،فجاء ك ُّل ر�سو ٍل
�إلى قومه بالمعجزات الوا�ضحات الم ْث ِبتة لدعواه ،فلما
جاءتهم المعجزات ا�ستمروا في تكذيبهم وتمادوا في
عنادهم .ولم َي�ْس َتقم لهم أ�ن ي ؤ�منوا بما ك َّذبوا به قبل مجيء
المعجزات ،كذلك نطبع على قلوب َم ْن تمادوا في الكفر
والاعتداء ،فلا تنفع فيهم معجزة ولا تذكير.
٧٥ثم بعثنا ِم ْن بعد ه ؤ�لاء الر�سل مو�سى وهارون ٧١وا ْت ُل عليهم خب َر نوح �إذ قال لقومه :يا قوم �إن
�إلى فرعون و َم َل ِئه بالمعجزات الدالة على �صدقهما كان َع ُظ َم و�ش َّق عليكم كوني بين َأ� ْظ ُهركم� ،أدعوكم
فا�ستكبروا عن اتباعها وكانوا قوم ًا مجرمين ومكذبين. �إلى الله و ُأ�ذ ّكركم ب آ�ياته ،فعلى الله اعتمد ُت وبه وثق ُت
فاعزموا �أم َركم مع �شركائكم على ق�صدي وال�سعي
٧٦فلما جاءهم الح ُّق من عندنا وعرفوه -وهو ب ْع ُثة في �إهلاكي ،ثم لا يكن أ�مركم فيما تق�صدون إ�ليه من
مو�سى عليه ال�سلام لتظا ُهر المعجزات على يديه -قالوا
ِم ْن َف ْر ِط تمردهم :إ� َّن هذا الذي جئ َت به ل�سح ٌر ظا ِه ٌر. ال�ش ِّر م�ستوراً خفي ًا ،بل اجعلوه ظاهراً مك�وشف ًا ،ثم
بادروا إ�لى إ�نفاذ ما ترون ِمن الحكم في �ش أ�ني ِمن غير
٧٧قال لهم مو�سى من ِكراً :أ�تقولون للحق الب ّ ِي
الوا�ضح لـ ّما جاءكم إ�نه �سحر؟ إ�ن ما ترونه ب�أعينكم ت�أ ُّخ ٍر �أو ت�أجيل.
لا يمكن أ�ن َي ْ�ص ُدق عليه و�ص ُف ال�سحر .والحا ُل أ�نه لا
يفوز ولا يفلح ال�ساحرون لأ َّن �أم َرهم �سرعان ما يفت�ضح ٧٢ف�إن �أعر�ضتم عن تذكيري؛ فما �س أ�لتكم ِمن �أجر
ويظهر بطلانه. ُيوجب َت َولِّيكم و إ�عرا�ضكم لثقله عليكم ،ما ثوابي
على الدعوة والتذكير �إلا على الله ،و�ُأمرت أ�ن أ�كون
٧٨قالوا :أ�جئتنا ِل َت ْ�صفنا عن الدين الذي وجدنا عليه من الم�سلمين المنقادين لحكمه ،لا �ُأخالف أ�مره ،ولا
�آباءنا ،ويكون لك و ألخيك هارون المل ُك والعظمة في
أ�رجو غيره.
ا ألر�ض؟ وما نحن لكما بم�ص ِّدقين فيما جئتنا به.
٢١٧
والتوج ِه �إلى القبلة ،ل َت ْ�أمنوا من فرعون وجنوده .و�أ ُّدوا ٧٩وقال فرعون ِلـ َم َل ِئه :اْئتوني بك ِّل �ساحر ،خبي ٍر
ال�صلا َة بتمامها في أ�وقاتها .و َب�ِّش يا مو�سى بني �إ�سرائيل بفنون ال�ِّس ْحر و�أ�ساليبه.
ب أ�ن الله �س ُيظهرهم على فرعون. ٨٠فل ّما أ�ت ْوه بال�َّسحرة قال لهم مو�سى :أ�ل ُقوا ما أ�نتم
٨٨وقال مو�سى :يا ر ّبنا� ،إنك أ�عطي َت فرعون و ُك َبا َء ُم ْلقونه ِمن حبا ِلكم و ِع ِ�ص ِّيكم.
قومه زين ًة من متاع الدنيا ،و�أنواع ًا كثيرة من ا ألموال،
ربنا �أعطي َتهم ما �أعطي َتهم ِمن النعم ،ف َب ِطروا بها و أ��ضلوا ٨١فل ّما أ�ل َقى ال�سحرة حبا َلهم و ِع ِ�ص َّيهم قال لهم
عبادك عن �سبيلك ،ر َّبنا �أه ِل ْك �أموالهم ،واختم على مو�سى :إ�ن الذي جئتم به هو ِ�سحر وتموي ٌه لا حقيق َة له،
و�إن الله �س ُيبطله ويمحقه ،إ�ن الله لا ُيق ُّر ولا ُي َث ِّبت عم َل
قلوبهم ،فلا ينفذ �إليها �إيما ٌن حتى يروا العذاب ا ألليم.
َم ْن �سعى في ا ألر�ض ف�ساداً ،بال�سحر وغيره.
٢١٨
٨٢و ُيظهر الله الح َّق الذي جئتكم به من عنده ،ويثبته
ب ُح َججه ،ولوكره المجرمون ظهو َر الحق.
٨٣فلم ُي ؤ�من لمو�سى -مع ما أ�تاهم به من الـ ُح َجج
وا ألدلة� -إلا َن َف ٌر قلي ٌل من أ�بناء بني إ��سرائيل ،وهم
خائفون ِمن فرعون و ُكبراء قومهم� ،أن َي ْ�صفوهم عن
دينهم ب أ�نواع من العذاب ،و�إ َّن فرعون لج ّبا ٌر متكبر،
و�إنه لمن المتجاوزين الح ّد في ال�ضلال؛ با ّدعائه الربوبية
و�سف ِكه الدماء بغير حق.
٨٤وقال مو�سى لـ ّما ر�أى تخ ّوف قومه :يا قومي �إن
كنتم �ص َّدقتم بالله؛ ففو�وضا �أمركم �إليه ،وبه ِثقوا� ،إن
كنتم مخل�صين له م�ست�سلمين لق�ضائه .وفي هذا بيان ب�أن
كمال الإيمان لا يكون �إلا بتفوي�ض ا ألمر إ�لى الله.
٨٦ ٨٥فقالوا :على الله اعتمدنا ،و�إليه ف َّو�ضنا أَ� ْمرنا،
ربنا لا ُت�س ّلط علينا عدونا فيظنوا �أنهم خير ِم ّنا ،ف ُي ْف َتنوا
بذلك ،ويتمادوا في كفرهم ،وخ ِّل�صنا برحمتك من
فرعون وقومه ،ومما ُيذيقوننا من �أنواع الذل والعذاب.
٨٧و�أوحينا �إلى مو�سى و أ�خيه هارون أ�ن اتخذا
لقومكما بم�ص َر بيوت ًا ،واجعلوها م�ساجد لل�صلاة
خارج البحر ليكون لمن �ش َّك في موتك آ�ي ًة ولمن بعدك ٨٩فقال الله لمو�سى وهارونَ :أ� ْب ِ�شا فقد أُ�جيب ْت
من الأمم عبر ًة وعظة ،و إ�ن كثيراً من النا�س عن دلائل دعوتكما ،فا�ستقيما على ما �أمرتكما بهِ ،من طاعتي
ودعو ِة النا�س إ�لى توحيدي وعبادتي ،والَ ت�سلكا طريق
قدرتنا ل�ساهون ،لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون.
َمن لا يعلم حقيقة و ْع ِدي ووعيدي فت�ْستعجلا ق�ضائي.
ُ ٩٣يخبر اللهُ تعالى ع ّما �أنعم به على بني إ��سرائيل
فقال :ولقد �أنزلنا بني �إ�سرائيل منزل ًا �صالح ًا كريم ًا بعد ٩٠و َع َ ْبنا ببني �إ�سرائي َل البح َر حتى و�صلوا �إلى البر
�أن أ�غرقنا فرعون وجنوده ،ورزقناهم من الرزق الحلال �سالمين ،فتبعهم فرعو ُن وجنو ُد ُه ،ظلم ًا واعتدا ًء عليهم.
الطيب .وما اختل َف بنو �إ�سرائيل وتف َّرقوا في أ�مر دينهم حتى �إذا أ�حاط بفرعون البح ُر من كل جانب ،و أ�يقن
إ�لا ِم ْن بعد ما ُأ�نزلت التوراة التي َذ َكر ْت �صفة النبي بالهلاك؛ قال فرعون :آ�من ُت �أنه لا إ�له �إلا الذي �آمن ْت به
- -وب ّين ْت لهم الح َّق الذي يجب اتباعه� .إن ربك
يحكم بينهم يوم القيامة ،فيما اختلفوا فيه ،فيثيب بنو �إ�سرائيل ،و�أنا ممن �أ�سلم نف�سه لله.
الطائع ويعاقب الكافر. ٩١ور َّد الله تعالى على فرعون -مو ِّبخ ًا له لت أ�خير
إ�يمانه إ�لى حا ٍل لا ُيقبل فيها �إيمان -فقال له :أ�ت�ؤمن الآن
٩٤ف إ�ن كنت -أ�يها الر�سول -في �ش ٍّك مما �أخبرناك حين أ�يقن َت بالغرق وعاين َت الموت؟! وقد ع�صي َت الله
به ِمن �أن اليهود والن�صارى يعلمون ِ�ص َفتك في التوراة
وا إلنجيل -وهذا على �سبيل الفر�ض والتقدير -فا�س أ� ْل قبل نزول نقم ِته بك ،وكنت من المف�سدين.
أ�هل ا إلن�صاف والرا�سخين في العلم من أ�هل الكتاب.
لقد جاءك الح ُّق الذي لا يخالطه باط ٌل ولا ت�وشبه �شبهة، ٩٢فاليوم ننجي ج�س َدك يا فرعون تا ّم ًا �سليم ًا ،ونلقيه
فلا تكون َّن من ال�شا ّكين في ذلك .ولم ي�ش ّك النب ُّي
إ�ذ الخطاب بهذا ونحوه في القر�آن الكريم و�إ ْن كان ٢١٩
مو َّجه ًا للنبي فالمرا ُد به غي ُره من ال�شا ِّكين في نبوته وفيما
يتنزل عليه من القر آ�ن.
٩٥ولا تكون َّن � -أيها الر�سول -من المكذبين ب�شيء
من ُحجج الله و أ�دلته ،فت�صبح ممن خ�سر دنياه و آ�خرته.
والمراد به قطع ًا غير النبي ،وهذا تخوي ٌف لكل َم ْن
يكذب ب آ�يات الله من الكفار و أ�هل الكتاب.
٩٧ ٩٦إ� َّن ا أل�شقياء الذين ا�ستوجبوا لعنة الله وغ�ض َبه
ب�سبب إ��صرارهم على الكفر والتكذيب ب آ�ياته ق�ضى الله
أ�نهم لا ي�ؤمنون .ولو جاءتهم ك ُّل البراهين والمعجزات
والمواعظ حتى ُيعاينوا العذاب الأليم المو ِجع ،فلا ينفعهم
حينئ ٍذ� إيمانهم.
١٠٤قل -أ�يها الر�سول -له ؤ�لاء الم�شركين من قومك: ٩٨فه ّل �آمن ْت قري ٌة ِمن القرى التي أ�هلكناها ،قبل
�إ ْن كنتم في �ش ٍّك مما ُ�أر�سل ُت به ،ف أ�نا بريء منكم ،لا أ�عب ُد أ�ن ُتعاين العذاب ،ولم ت ؤ�خ ْر �إيمانها إ�لى حين ُمعاينته،
ما تعبدون ،ولك ْن �أعبد الله الذي بيده مما ُتكم وحياتكم، كما �أ َّخر فرعو ُن إ�يمانه؟ لو َف َع َل ْت لنفعها إ�يمانها بقبول
فكيف ت�ش ّكون في عبادة َم ْن بيده ذلك؟ و أ�َ َمرني ربي أ�ن الله له وك�ش ِفه عنها العذاب؛ لك ّن قوم يون�س آ�منوا عند
أ�كو َن من الـ ُم�ص ِّدقين بكل ما جاءني من عنده ،فلا �أَ ِحيد ر�ؤية َأ�مار ِة العذاب ولم ي ؤ�خروا �إيمانهم �إلى حلوله،
فك�شفنا عنهم عذاب الذل والهوان في الدنيا ،ومتعناهم
عنه �أبداً.
بخيرات إ�لى حين مماتهم.
١٠٥قل -يا محمد :-و َ�أ َمرني ر ّبي بالا�ستقامة على
دينه والثبات عليه مائل ًا عما �سواه من الأديان ،و أ� َّل ٩٩ولو �شاء ر ُّبك -أ�يها الر�سول -لا ْ�ض َط َّر أ�ه َل
الأر�ض ك َّلهم �إلى الإيمان بما جئ َتهم به ،ولك ْن لم ت�ش أ�
�أ�شرك بالله� شيئ ًا. ِح ْكمته ذلك؛ ليكون ا إليمان عن اختيار منهم وليترت َب
على ذلك الثوا ُب والعقاب ،أ�ف�أن َت ُتلزمهم و ُتلجئهم �أن
١٠٦ولا ت ْد ُع -أ�يها الر�سولِ -من دون الله ما لا
ينفعك �إن عبد َته و َد َعو َته ،ولا ي�ضرك �إن ترك َت عبادته، ي�ؤمنوا؟ لي�س بو�سعك ذلك.
ف إ� ْن فعل َت فدعو َت غير الله ف إ�نك من الظالمين ألنف�سهم؛
ألنك و�ضع َت العبادة في غير مو�ضعها .وهذا الخطاب ١٠٠وما كان لنف� ٍس أ�ن ت�ؤمن إ�لا ب إ�رادة الله وتوفيقه؛
و�إن كان في الظاهر للنبي فالمراد به قطع ًا غيره؛ لأنه فلا ُ ْت ِهد َّن نف َ�سك في هداها ،و إ�نما عليك البلاغ
والدلال ُة ،و َيجع ُل الله العذا َب على الذين ال يتدبرون
لم َي ْد ُع غير الله ال َبـ َّتة.
�آيات الله الدال َة على توحيده.
٢٢٠
١٠١قل -أ�يها الر�سول -له�ؤلاء الكفار ِمن قومك:
انظروا َن َظر تفك ٍر واعتبار ،ما الذي في ال�سماوات
وا ألر�ض؟ َتروا �آيات تقت�ضي وجو َد �إل ٍه واحد خال ٍق
قادر مد ّبر! ولا تنفع الآيا ُت وا إلنذارات وال ِعب ُر وال ّر�س ُل
الم ْنذ ِر ُة عقا َب الله قوم ًا جاحدين معاندين قد ا�ستحبوا
الكفر على ا إليمان.
١٠٢فهل ينتظ ُر ه�ؤلاء الكفار ِمن قومك ،إ�لا ما نزل
بالمكذبين بالر�سل ِمن العذاب ،قل لهم -يا محمد:-
انتظروا عقا َب الله� ،إني معكم من الـ ُمنتظرين ما �سيفعله
الله بكم.
١٠٣و�إذا نز َل العذا ُب بالكفار؛ ف�إننا ُن َن ِّجي ر�س َلنا
و�أتبا َعهم الم ؤ�منين ،وكما نجيناهم ننجيك -يا محمد-
أ�نت و َمن ا ّتبعكَ ،و ْعداً علينا لا �ش َّك فيه ولا ارتياب.
قومك ِمن الأذى؛ حتى يق�ض َي اللهُ بينك وبينهم ،وهو
خير الفا�صلين ،يق�ضي بالحق ،ويحكم بالعدل.
} ١ﮔﮕ{� :سب َق الكلا ُم على هذه الحروف
الـ ُم َق َّطعة في أ�ول �سورة البقرة .هذا القر�آن كتا ٌب
�أُحكمت �آيا ُته ،أ�ي ُن ِظمت نظم ًا ُمح َكم ًا معجزاً ،لا
يعتريه �أدنى َخ َلل ،و ُب ِّين ْت فيها �أمور العقائد وا ألحكام
والمواعظ وا آلدابِ ،من عند الله الحكيم الخبير بم�صالح
العباد ،وتدبير الأمور.
٢وقد ف ّ�صل الله آ�يات كتابه وب ّينها لكم َلأ ْج ِل أ� ّل ١٠٧و إ�ن ُي ِرد اللهُ �إ�صاب َتك -أ�يها الر�سول -ب�ض ٍّر �أو
تعبدوا �أحداً �إلا الله .وقل -يا محمد -للنا�س :إ�نني بلا ٍء؛ فلا كا�شف ولا رافع له إ�لا الله وحده ،و�إ ْن يرد
مر�َس ٌل إ�ليكم من عند الله� ،أُنذركم بعذابه �إ ْن كفرتم، �إ�صابتك بنعم ٍة ورخا ٍء؛ فلا يقدر أ�ح ٌد أ�ن َيحو َل بينك
وبين ذلك ،ي�صيب ر ُّبك بف�ضله َم ْن يريد ِم ْن عباده،
و أ�ُب�ِّ ُشكم بثوا ِبه إ� ْن �آمنتم.
وهو الغفو ُر لذنوبهم ،الرحي ُم بمن آ�م َن و�أطا َع.
٣و أ�ر�سلني الله �إليكم آلمركم أ� ْن ت�ستغفروا ر َّبكم
من ال�شر ِك والمعا�صي ،و�أن ُت ْخ ِل�وصا التوبة إ�ليه؛ في َم ّتعكم ١٠٨قل -يا أ�يها الر�سول -للنا�س جميع ًا :قد جاءكم
في حياتكم الدنيا بالخيرات وال ِّنعم ،ويتف�ضل عليكم
ب�أج َز ِل الثوا ِب في ا آلخرة ،و إ� ْن ُتعر�وضا عما �أدعوكم كتاب الله بالحق الذي َي ْقطع ال ُعذ َر ولا تبقى معه ُح ّجة،
ف َم ْن �آمن به ف�إنما ينفع نف�سه ،و َمن زاغ عنه فقد �ض َّر
�إليه ،ف إ�ني �أخاف عليكم عذا َب يو ٍم عظي ِم ال َه ْول. نف�سه ،ول�س ُت مو َّكل ًا بحملكم على الإيمان و إ�نما ذلك
بيد الله تعالى ،وما �أنا إ�لا ر�سو ٌل �ُأب ِّل ُغكم ما أُ�ر�سل ُت به
٤إ�لى الله تعالى م آ�لكم جميع ًا بعد الموت ،فاحذروا
إ�ليكم.
عقابه ،فهو القادر على �إماتتكم ثم بعثكم وجزائكم.
١٠٩وا َّتب ْع � -أيها الر�سول -في جميع �ش�ؤونك ما
٥إ� ّن بع�ض الكفار َي ْحنون ظهو َرهم ويغ ّطون يوحيه الله �إليك ،وا�صب ْر على ما نالك من م�شركي
ر�ؤو�سهم بثيابهم �إذا َم َّر بهم ر�سول الله وهم
يتناجون ظا ِّنين أ�ن الله ال ي َّطلع على ما ُت�ضمره �صدو ُرهم
من الكفر والعداو ِة لر�سوله وللم�ؤمنين .والله يعلم ما
ُي�س ُّرون وما يعلنون.
٢٢١
١١أ� ّما الذين �صبروا عند ال�سراء وال�ض ّراء إ�يمان ًا بالله، ٦إ� ّن الله تعالى ُمتك ِّفل ب أ�رزاق المخلوقات ،من
وا�ست�سلام ًا لق�ضائه ،وعملوا ال�صالحات في الرخاء جميع دوا ِّب الأر�ض :إ�ن�سا ٍن أ�و حيوان ،تف ُّ�ضل ًا منه
وتك ُّرم ًا ،ويعلم ُم�ست َق َّرها في ا ألرحام ،و ُم�ستو َدعها في
وال�ِّش ّدة؛ ف�أولئك لهم مغفر ٌة لذنوبهم ،وجزا ٌء عظيم ا أل�صلاب ،ك ُّل ذلك مكتو ٌب في اللوح المحفوظ قبل
على أ�عمالهم ال�صالحة.
�أن يخلق الله الخلائق و ُيو ِج َدها.
١٢فل َعلك -يا محم ُد -تار ٌك تبلي َغ بع�ِض ما أ�وحاه
الله إ�ليك ِمن َع ْي ِب �آلهتهم ،و�ضائ ٌق �صد ُرك بتبليغه، ٧والله هو خالق ال�سماوات وا ألر�ض بعظيم
مخاف َة أ�ن يقولوا :ه ّل �أُنزل على محمد َكن ٌز؟ أ�و جاء
معه َم َلك ُم�ص ِّد ٌق له ب أ�نه ر�سو ٌل من الله .فلا َي�ضق قدرته في �ستة �أيام ،وكان عر�ُشه َقبل خلقهما على الماء.
�صد ُرك بذلك ولا تلتف ْت إ�ليه ف إ�نه لي�س عليك إ�لا البلاغ
وا إلنذار ،والله بيده تدبير كل �شيء ،فب ِّل ْغ ما أ�ُمر َت به. َخ َلقهن ليختب َركم أ�يكم �أح�س ُن له طاع ًة ،ولئن �أخبر َت
-يا محمد -ه�ؤلاء الم�شركين :إ�نكم �س ُتبعثون �أحيا ًء بعد
مماتكم للح�ساب والجزاء ،ليقو ُل َّن منكرين وم�ستهزئين:
ما هذا الذي ت ْتلوه علينا �إلا �سح ٌر وا�ض ٌح لا َيخفى أَ� ْمره.
٨ولئن �أ َّخرنا العذاب عن ه�ؤلاء الم�شركين إ�لى �أجل
مق َّدر معلوم؛ ليقو ُل ّن ا�ستعجال ًا له على جهة الا�ستهزاء
والتكذيب� :أ ُّي �شي ٍء يمنعه من النزول؟ أ�لا يوم ي أ�تيهم
هذا العذا ُب الذي يك ِّذبون به ،فلن ي�صر َفه عنهم
�صار ٌف ،ولن يدفعه عنهم داف ٌع ،و�سوف ينزل و ُيحيط
بهم هذا العذاب الذي كانوا ي�ستعجلونه .وهذا ت أ�كي ٌد
من الله ع َّز وج َّل على نزوله.
٩ولئن َم َن ْحنا الإن�سان نعم ًة م ّنا ِمن �ص ّح ٍة و أ�م ٍن
و�سع ِة رز ٍق وم ّتعناه بها ،ثم �َس َلبناها منه ،ف إ�نه ُي�صبح
قانط ًا يائ�س ًا من الخير ،قلي َل ال�شكر لر ّبه ،جاحداً لنعمه.
١٠ولئن رزقنا الإن�سا َن نعم ًا م ّنا بعد َمكاره قد
أ��صابته ك�صحة بعد مر�ض ،و�سع ٍة بعد �ضي ٍق؛ ليقو َل َّن:
زالت الم�صائ ُب والمكاره ع ّني .وهو ُمغت ٌّر بالنعمة ،كثير
التباهي بها والتطاو ِل على النا�س بما �أوتي منها ،م�شغو ٌل
بذلك عن �شكر ربه .وهذا �ش�أن �أكثر بني �آدم.
٢٢٢
16وه ؤ�لاء -الذين َق َ�صوا ه ّمهم على الدنيا 13ب ْل أ�يقول الم�شركون :إ� ّن مح ّمداً أ�تى بهذا القر آ�ن
ونعيمها -لي�س لهم في ا آلخرة إ�لا نا ُر جه ّنم َي ْ�صلونها، ِمن عند َن ْف�سه؟! ف�إن كان ا َلأ ْم ُر كذلك؛ فقل لهم � -أيها
النب ّي -متحد ّي ًا لهم :ف ْأ�توا بع�شر �سو ٍر مثل هذا القر�آن
و َذ َه َب ما عملوه في الدنيا ِم ْن خير ،و َب َط َل أ�جره. ُم ْخت َلقا ٍت ،وا�ستعينوا بمن �شئتم من ا ألعوان لي�ساعدوكم
� 17أ َف َم ْن كان ِم ْث َلك � -أيها الر�سول -على برها ٍن على الإتيان بذلك ،إ� ْن كنتم �صادقين فيما تزعمون.
من ر ّبه هو و�أ�صحابه و َم ْن َت ِبعه �إلى يوم القيامة ،ويتنزل
جبري ُل -عليه ال�سلام -بما َي�ْشهد له من القر آ�ن ،وي ؤ�يده 14ف إ� ْن لم ت�ستطيعوا -أ�يها الم�شركون -أ�نتم و َم ْن
برها ٌن آ�خر جاء ِمن قبله ،وهو كتاب مو�سى الذي جعله دعوتموهم ِمن دون الله �أن ت أ�توا بع�شر �سو ٍر مث ِل هذا
القر�آن مفت َريات ،فاعلموا و�أ ْيقنوا �أنه إ�نما �أُنزل من ال�سماء
الله �إمام ًا لبني �إ�سرائيل ورحم ًة لهم منه -كمن هو غار ٌق على محم ٍد - -ب ِع ْلم الله و�إذنه ،و أ�ي ِقنوا �أنه لا
في ال�ضلالة لا ُح ّجة له؟! -ف أ�ولئك ال�سعداء المو�وصفون معبو َد بح ٍّق إ�لا الله ،فهل �أنتم بعدما �أقمنا عليكم ُح ّجتنا
ب أ�نهم على ب ِّينة ونو ٍر من ربهم ،ي�ؤمنون بالقر�آن ،و َم ْن ُم ْذعنون لله بالطاعة ،ومخل�وصن له العباد َة؟
َيكف ْر بالقر آ�ن من أ�هل الملل والأديان فالنار م�صي ُره لا
َمحال َة ،فلا َت ُك -أ�يها الر�سول -في �ش ٍّك من هذا َ 15م ْن كان يريد ب أ�عماله مناف َع الدنيا ونعي َمها ،ولا
القر�آن� ،إنه الح ٌق المنزل من ر ِّبك ،ولك َّن �أكثر النا�س ي�ؤمن بالآخرة والجزاء فيها؛ نو ِّف إ�ليهم ما ن�شاء من أ�جور
لا ي�ص ِّدقون بذلك .ولا َيخفى أ� ّن الخطاب للنبي
�أعمالهم في الدنيا ،ولا ُين َق�وصن ِم ْن �أجورهم �شيئ ًا.
والمراد به غيره.
٢٢٣
18ولا �أح َد أ�ظ َل ُم ممن ا ْخت َلق الكذ َب على الله،
فه�ؤلاء الذين َيكذبون على ر ِّبهم ُيعر�وضن عليه يو َم
القيامة ،في�س�ألهم عما كانوا يعملون في دار الدنيا،
وتقول الملائك ُة الح َف َظ ُة ،وا ألنبيا ُء المر�سلون ،و َم ْن �شهد
أ�عمالهم في الدنيا من الم�ؤمنين :ه ؤ�لاء الذين َك َذبوا في
الدنيا على ر ِّبهم� ،ألا ُبعداً للظالمين ِم ْن رحمة الله بما
افتروا عليه.
19ه�ؤلاء الظالمون الذين لعنهم الله لا َي ْكتفون
بان�صرافهم عن الحق ،بل يحاولون َم ْن َع النا�س عن دين
الله والدخول فيه ،ويريدون أ�ن يجعلوا دين الله معو ّج ًا
موافق ًا لأهوائهم ،وهم با آلخرة وما فيها من َب ْع ٍث
وح�سا ٍب وثوا ٍب وعقا ٍب هم كافرون.
20ه ؤ�لاء الكافرون با آلخرة ،الذين ي�ص ّدون عن
�سبيل الله؛ لا ُي ْع ِجزون الله �إذا أ�راد عقا َبهم في الدنيا،
والانتقا َم منهم و�إ ْن هربوا في ا ألر�ض ك َّل َم ْه َر ٍب.
ولي�س لهم �أن�صا ٌر يمنعونهم من عقابه ،و�سي�ضا ِع ُف الله
لهم العذاب في الآخرة؛ فقد كانوا رغم ما أ�عطاهم الله
ِمن ال�سمع والب�صر ال ي�سمعون الح َّق �سما َع منت ِ�ص ٍح ،ولا
يب�صرونه إ�ب�صا َر مهت ٍد ِل َف ْر ِط جحودهم وعنادهم.
� 21أولئك الذين َحر َموا أ�نف�سهم �سعاد َتها في الآخرة
ب إ��شراكهم بالله ،وغا َب عنهم ما كانوا يزعمون ِم ْن
�شفاع ِة �أوثانهم ،فلم ُتغ ِن عنهم �شيئ ًا.
22لا �ش َّك أ� ّن ه ؤ�لاء القوم هم أ�َ ْخ�سر النا�س يوم
القيامة؛ ألنهم باعوا نعيم الجنة بعذاب النار.
27فقال ُكبرا ُء قومه و�أ�شرا ُفهم الذين كفروا :أ�ن َت 23إ�ن الذين �ص َّدقوا الله ور�سو َله ،وعملوا في الدنيا
ل�س َت نبي ًا إ�ن أ�نت إ�لا �آدم ّي مثلنا فلا َم ِز َّية لك علينا بطاعة الله و َمر�ضاته ،وخافوا وخ�شعوا و أ�نابوا �إلى ر ِّبهم،
ت�ستحق بها النبوة دوننا ،وما نراك اتبعك �إلا فقراء النا�س
ه�ؤلاء هم �أه ُل الج ّنة ،من َّعمون فيها نعيم ًا لا ينتهي أ�بداً.
و�ضعفا�ؤهم ،ات َبعو َك من غير َر ِو َّية وت أ�مل ،وما نرى لك
ولمن اتبعك من ف�ض ٍل تتميزون به فنتب َعكم ألجله ،بل 24هذا َم َث ٌل �ضربه الله للكافر والم ؤ�من ،ف أ� ّما الكافر
فعم َي عن ر ؤ�ية الح ِّق فلا يب�صره ،و َ�ص َّم عنه فلا ي�سمعه،
نعتقد أ�نكم كاذبون فيما تقولون! و�أ ّما الم ؤ�من ف�سمع الح َّق فانتف َع به ،و�أب�ص َره فوعاه وعم َل
به ،فهل ي�ستوي الأعمى وا أل�صم بالب�صير وال�سميع
28قال نوح لقومه� :أخ ِبوني� ،إن كن ُت على ُح ّجة عندكم �أيها النا�س؟! فكذلك حا ُل الكافر والم�ؤم ِن
ظاهرة الدلالة على �صح ِة نب ّوتي وقد التب�س ْت عليكم لا ي�ستويان عند الله� .أفلا تت أ�ملون هذا وتتدبرونه
الـ ُح ّجة رغم و�وضحها ،فلم ُت َ�س ِّلموا بها ،أ� ُيـ ْم ِكنني �أن
�َأحملكم على قبولها و أ�نتم كارهون لها معر�وضن عن فتنتفعوا به؟
تد ُّبرها؟ إ� ّن هذا لا يقدر عليه إ�ال الله تعالى. 25ولقد َبع ْثنا نوح ًا ر�سلا ًو �إلى قومه ،فقال لهم:
إ�ني لكم نذي ٌر من اللهُ� ،أب ِّي لكم ُموجبا ِت العذاب،
و�سبي َل الخلا�ص.
26وقد أ�ر�سلني الله ألنهاكم عن عبادة غيره� ،إني
�أخاف عليكم إ�ن عبدتم غير الله ،عذا َب يو ٍم عقا ُبه أ�ليم.
٢٢٤
ب�شراً مث َلنا ،ف إ�ن الب�شرية لي�ست من موانع النبوة بل هي 29وقال نوح عليه ال�سلام لقومه :ال� أ�س أ�لكم على
ِم ْن ُم ْق َت َ�ضياتها .ولا أ�قول للذين �آمنوا بالله واحتق ْرتموهم ن�صيحتي وتبليغ ر�سالة ربي لكم مال ًا ُتعطونني إ�ياه
لفقرهم :لن ي�ؤتيهم الله ثواب ًا على أ�عمالهم ،الله �أعلم ف�أكون َمح ّ ًل للتهمة ،و�إنما �أبتغي ا ألج َر من الله وحده.
ب�ضمائر �صدورهم ،واعتقاد قلوبهم� ،إني �إن قل ُت ذلك ول�س ُت ب ُمب ِع ٍد ه ؤ�لاء الم ؤ�منين الذين ت�ست�ضعفونهم عن
مجل�سي� ،إنهم �سيلقون ر ّبهم يوم القيامة فيجازيهم على
أ�ك ْن ظالم ًا م�ستحق ًا للعقاب. �إيمانهم ،وي أ�خذ لهم ح ّقهم ممن ظلمهم و َ�ص َّغر �ش أ�نهم،
32قال القوم :يا نوح قد �أكثر َت و أ�طل َت الكلام في ولك ِّني أ�راكم قوم ًا لا تعلمون.
مجادلتنا ،ف ْ�أتنا بما َت ِعدنا من العذاب الذي تخ ّوفنا به ،إ�ن
30ويا قو ِمَ ،م ْن يمنع ع ِّني عقاب الله �إن طرد ُت ه�ؤلاء
كنت �صادق ًا فيما ت ّدعي ِم ْن أ�نك ر�سول لنا من الله. الم ؤ�منين المو ّحدين لله؟ �أفلا تتفكرون فتعرفوا ما أ�نتم
33قال نو ٌح لقومه حين ا�ستعجلوه العذا َب :يا قوم، عليه ِمن الخط�أ وما هم عليه ِمن ال�وصاب؟!
لي�س �َأ ْمر العذاب إ�ليَّ ،و�إنما هو إ�لى الله وحده ،فهو الذي
ي�أتيكم به ف�إ ْن �شاء َع َّجله و إ� ْن �شاء أ� َّجله ،ولا ُتع ِجزون اللهَ 31ولا �أقول لكم :عندي خزائن رز ِق الله ف ُ�أعطي
منها َم ْن �أ�شاء .ولا �أقول لكم� :إني �أعلم الغيب الذي
�إن �أراد عذا َبكم ألنكم تحت قهره و�سلطانه. اخت�ّص اللهُ بعلمه ،و�إنما �أنا ر�سول ُأ�ب ّلغ ما �أر�سلني الله
به .ولا �أقول لكم� :إني َم َلك حتى تقولوا :ما نراك إ�لا
34ولا ُيفيدكم ما أ�ب ُذله لكم من البيان وال ُّن�صح؛ �إن
كان الله يريد أ�ن ُي�ض ّلكم ويهلككم بعذابه إل�صراركم
على ما أ�نتم عليه من الكفر ،هو خا ِلقكم والمت�ص ّرف في
�ش�ؤونكم ،و إ�ليه ترجعون فيجازيكم على �أعمالكم.
َ 35أ� ْم يقول ه�ؤلاء الم�شركون :إ�ن ما أ�ُوحي إ�ليك يا
محمد ُم ّر ُد كذ ٍب واختلا ٍق ،قل لهم -على �سبيل
الافترا�ض� :-إن اختلق ُته وافتري ُته ،فعل َّي �إث ُم افترائي ،و إ� ْن
كنت ُم ِحق ًا فيما جئتكم به فعليكم عقا ُب تكذيبي ،و أ�نا
بري ٌء ِم ْن كفركم وتكذيبكم.
36و�َأوحى الله إ�لى نوح أ�نه لن يتبعك من قومك
وي�ص ِّدق بر�سالتك بعد اليوم �إلا َم ْن قد �آمن ِمن قب ُل
وا َّتبعك ،فلا ت�ْأ� َس ولا تحز ْن عليهم ،ف�إني ُمهل ُكهم بما
كانوا يفعلون.
37وا�صنع يا نو ُح ال�سفينة و�أنت م�شمو ٌل بحفظنا
ورعايتنا ،وم ؤ�يّ ٌد بوحينا ،ولا ت�س أ�لني العفو عن ه�ؤلاء
الذين ظلموا �أنف َ�سهم ،إ�نهم ُم ْه َلكون با إلغراق.
٢٢٥
38وي�صنع نو ٌح ال�سفينة ،وك ّلما م َّر عليه جماع ٌة
من ُوجهاء قومه �سخروا منه و�ضحكوا ،فكان ُيجيبهم
بقوله :إ�ن تهز ؤ�وا ِمن ِف ْعلنا في بناء ال�سفينة ا�ستجهال ًا
لنا ،ف إ�نا َنهز�أ منكم و َن�ْس َتجهلكم ألنكم ال تعلمون ما
في �صنع ال�سفينة من التدبير.
وعذاب ِه ولا أ�َ َح َد ينجو من عقابه إ�لا َمن رحم اللهُ ،وحا َل 39ف�سوف تعلمون َم ْن م ّنا الهال ُك الذي ي�أتيه عذا ٌب
الموج بين نو ٍح وابنه ،فكان ممن أ� ْهل َكه الله بالغرق. يهينه و ُيذ ُّله ،وينزل به في ا آلخرة عذا ُب النار الدائم.
44وقال الله ل ألر�ض بعد هلاك قو ِم نو ٍح :ابلعي 40حتى �إذا جاء َو ْع ُدنا ب إ�هلاكهم بالطوفان ،وفا َر
ماءك ،وقال لل�سماء :أَ�م�سكي عن المطر ،وذهب الماء الماء من التنور -وهو الفرن الذي ُيخ َبز فيه ،وقد جعله
الله تعالى له علامة على بدء الطوفان الذي به إ�هلاك
في ا ألر�ض ،وت َّم �أم ُر الله ب إ�هلاك المك ِّذبين من قوم نوح،
ونجا ِة َمن نجا ،وا�ستقرت ال�سفينة بمن فيها على الجبل كفار قومه -قلنا لنوح :ا ْح ِمل في ال�سفينة من البهائم
المعروف بـ «الـ ُجود ِّي» ،وقيل ُب ْعداً للكافرين فقد والطيور ِمن كل ِ�صنف ذكراً و أُ�نثى ،وا ْح ِمل أ�هل بيتك
إ�لا َمن ق�ضي ُت عليه بالهلاك منهم ،وا ْح ِمل معك َم ْن
هلكوا و ُلعنوا و َذهب ِذكرهم.
�آمن من قومك ،و ما �آمن مع نوح �إلا قلي ٌل من قومه.
45ودعا نو ٌح ر َّبه مت�ضرع ًا ،فقال :ر ِّب �إنك وعدتني
�أن ُتنجيني �أنا و أ�هلي من الغرق والهلاك ،وقد هلك 41وقال نو ٌح عليه ال�سلام لمن معه من الم�ؤمنين:
ابني ،و�إن ابني ِمن أ�هلي ،و إ� ّن َو ْع َدك ح ٌّق لا يتخ َّلف، اركبوا في ال�سفينة قائلين :ب�سم الله حين َ ْتري وحين
و�أنت أ�عد ُل الحاكمين ،فاحكم لي بما وعدتني. ُت ْر�سي ،إ�ن ر ّبي لغفور للذنوب ،رحيم بعباده .و ِمن
رحمته �إنجا ُء ه ؤ�لاء ل َت ْعمر الأر�ُض ببقائهم.
42فركبوا ال�سفينة ُم َ�س ّمين الله تعالى -كما أ�مرهم
نوح عليه ال�سلام -وهي تجري بهم و�سط �أموا ٍج
كالجبال ،ونادى نو ٌح أ�ح َد �أبنائه ،وكان في مكان َع َز َل
فيه نف�سه فلم يركب مع الم ؤ�منين :يا ُب َن َّي اركب في
ال�سفينة معنا ،ولا تك ْن خارجها مع الكافرين المغ َرقين.
43قال ابن نوح� :س�أرك ُن �إلى جب ٍل يمنعني من الماء
-ظن ًا منه �أن الماء لا ي�صل إ�لى ر ؤ�و�س الجبال -قال له
نوح عليه ال�سلام :لي�س �شيء َيع�صم اليوم من أ�مر الله
٢٢٦
49تلك ق�ص ُة نوح ،وهي ِم ْن �أخبار الغيب ،لم يكن
عند َك -أ�يها الر�سول -ولا عند �أح ٍد من قومك عل ٌم
بها من قبل هذا القر آ�ن ،فا�صبر على م�شا ِّق الر�سالة،
و أ�ذى قومك ،كما �صبر أ�خوك نوح على أ�ذى قومه� ،إ ّن
العاقب َة المحمود َة في الدنيا بالن�صر وال َّظ َفر ،وفي ا آلخرة
بالنعيم الأبد ِّي للمتقين .وفي هذا ت�سلي ٌة للر�سول
عما ي�صيبه من �أذى الم�شركين.
50ولقد أ�ر�سلنا �إلى عا ٍد نب ّي ًا منهم هو هود -عليه
ال�سلام -فقال لهم :اعبدوا الله وحده ،فلي�س لكم
معبو ٌد غي ُره ي�ستح ُّق العبادة ،ما أ�نتم في إ��شراككم ا ألوثا َن
مع الله ،إ�لا كاذبون عليه تعالى.
51يا قو ِم لا أ�طل ُب منكم �أجراً على ما �أُب ّلغه �إليكم 46قال له ر ّبه :يا نوح �إ ّن و َلدك هذا لي�س من �أهلك
و�أن�صحكم به ِمن الإر�شاد �إلى عبادة الله وحده ،ما الذين وعد ُتك أ�ن �أُنـ ِّج َيهم معك؛ ألنه كان كافراً ،ولا
َثوابي وجزائي �إلا على الذي خلقني ،أ�فلا تعقلون �أني لو َن َ�س َب بين الم ؤ�من والكافر� ،إ ّن عم َله ِمن الكفر والتكذي ِب
كن ُت أ� ْبتغي غي َر الن�صيحة لكم ،لا ْلت َم�س ُت بع�َض �أعرا�ض �س ِّي ٌئ غي ُر �صال ٍح ،فلا ت�س أ� ْلني عن �أمر لا تعلم أ��وصا ٌب هو
الدنيا ،وطلب ُت منكم ا ألجر والمال؟! �أم خط�أ؟ �إني �أنهاك عن ذلك لئلا تكون ِمن الجاهلين.
52ويا قو ِم اطلبوا المغفر َة من ربكم مما �أنتم عليه من 47قال نوح ملتم�س ًا ال�صف َح من ربه :يا ر ّب �إني
ال�شرك والع�صيان ،وذلك بالإيمان به تعالى وحده ،ثم �أ�ستجي ُر بك �أن �أ�س أ�لك َب ْع َد الآن �أمراً لا يليق بي �س�ؤاله،
توبوا �إليه بطاعته وامتثا ِل �أَ ْمره ،ف إ�نكم إ�ن فعلتم ذلك؛ و إ� ْن لم تغفر لي ما َف َرط م ّني وترحمني �أكن من الهالكين.
ير�س ْل عليكم المط َر متتابع ًا ،وتح َي بلادكم ِمن الـ َج ْدب
والق ْحط ،ويزدكم ِ�ش ّد ًة فوق ِ�ش َّد ِتكم ،وع ّزاً فوق 48قال الله لنوح :اهب ْط من ال�سفين ِة �إلى الأر�ِض
ع ِّزكم ،ولا ُت ْعر�وضا عما �أ ْدعوكم �إليه ،م�ص ّرين على ب�سلام ٍة و�أم ٍن م ّنا ،و ِن َع ٍم وخيرا ٍت عظيم ٍة عليك وعلى
الم ؤ�منين ِمن َن�ْسلك ون�سل َم ْن معك ،ممن �سبق ْت لهم
الكفر والع�صيان. ِمن الله ال�سعاد ُة ،أ� ّما الكافرون منهم ف�س ُن َم ِّتعهم في
الحياة الدنيا إ�لى انتها ِء آ�جالهم ،ثم ي�صيبهم العذا ُب
53قالوا :يا هود ما أ� َتي َتنا ب ُح ّجة وا�ضح ٍة تدل على
�صدقك ،حتى ُنق َّر لك بالنب ّوة ،ول�سنا بتاركي �آل َه ِتنا الألي ُم في الآخرة.
ِمن َأ� ْجل قو ِلك ،ول�سنا بم�ص ِّدقين لك فيما َت َّدعي من
النب ّوة والر�سالة!
٢٢٧
61و أ�ر�َسلنا �إلى ثمو َد أ�خاهم �صالح ًا -وكانت 55 54ما نقول �إلا �أ�صابك بع�ُض �آلهتنا بجنو ٍن
م�ساكنهم في ال ِح ْج ِر بين المدينة وال�شام -فقال لهم: و َخ َب ٍل في عقلك؛ ب�سبب ذ ِّمك لها و َنه ِيك عن عبادتها.
يا قو ِم ،ا ْع ُبدوا اللهَ وح َده ،لي�س لكم �إل ٌه غيره ،هو ا ْبتد َأ� قال لهم هود� :إني أ�ُ�ْش ِه ُد الله و أ�ُ�ْشه ُدكم أ�ي�ض ًا أ�ني متبر ٌئ
خ ْل َقكم من ا ألر�ِض ،وجعلكم ُع ّمارها و�ُس ّكانها، منكم ومن آ�لهتكم ،التي تعبدونها من دون الله ،فد ِّبروا
و أ�م ّدكم فيها ب ُك ِّل ما ي�صلحكم ،فا�ستغفروا ر َّبكم، لي ك َّل ما ت�ستطيعون في �إيذائي و ُ� ّضي من أ�نواع المكر
واتركوا ما يك َر ُهه �إلى ما ي ْر�ضاه ،ف�إنه قري ٌب ممن �أخل�ص والكيد� ،أنتم و�آله ُتكم التي تزعمون ،ثم لا تمهلوني بل
له العباد َة ،ور ِغ َب �إليه في التوبة ،مجي ٌب له إ�ذا دعاه. َع ِّجلوا ما لديكم.
62قالوا :يا �صالح لقد ُك ّنا ن ْرجو أ�ن تكون فينا �س ِّيداً،
ق ْب َل قولك :ما َلنا إ�ل ٌه غي ُر الل ِه ،أ� َت ْنهانا �أن َن ْعب َد الآلهة التي � 56إني اعتمد ُت على الله خالقي وخالقكم،
كان آ�با ؤ�نا يعبدونها؟! و�إننا ن�ش ُّك في حقيقة ما تدعونا وف َّو�ض ُت �أمري �إليهِ ،من أ� ْن ُت�صيبوني ب�سو ٍء ،ما ِم ْن �شي ٍء
إ�ليه من التوحيد ونرتا ُب في �صدقه ،لأنه ب ِخلاف ما َيد ُّب على ا ألر�ض� ،إلا واللهُ مال ُكه ،وهو في قب�ض ِته
خا�ض ٌع تحت �سلطانه� ،إن ر ّبي عاد ٌل في حكمهُ ،يجازي
وجدنا عليه آ�باءنا.
المح�س َن ب�إح�سانه والم�سي َء ب إ��ساء ِته ،ولا يظلم �أحداً.
٢٢٨
57ف إ�ن ُت ْع ِر�وضا عن َقبول دعوتي فقد أ�بلغتكم ر�سال َة
ر ّبي على الوجه الذي ُ�أمر ُت به ،وما على الر�سو ِل �إلا
البلا ُغ ،و�سوف ُي ْهل ُككم ر ِّبي ،ثم َي�ْست ْب ِد ُل قوم ًا �آخرين
غي َركم ُيو ِّحدونه ويخ�ضعون له بالعبادة ،ولا ت�ضرونه
ب إ�عرا�ضكم �شيئ ًا ،إ� ّن ر ِّبي حاف ٌظ لجميع خل ِقه ،ولا �ضا َّر
ولا نافع �إلا ب�إذنه.
58ولـ ّما جاء أ�َ ْم ُرنا ب�إهلاكهم ،نـ َّج ْينا هوداً والذين
آ�منوا بالله معه ،بف�ض ٍل م ّنا عليهم ونعم ٍة ،نجيناهم من
ال�ُّس ْخط والعذاب ال�شديد الذي نزل يومئ ٍذ بعا ٍد.
59وت ْل َك عا ٌد الذين �أهلكناهم ،كفروا ب ُح َجج الله
الدال ِة على وحدان ّيت ِه ،وع�وصا جميع ُر�ُس ِله بتكذيبهم
هوداً؛ لأ َّن َمن ك ّذب ر�سلا ًو واحداً فقد ك ّذب الر�سل
جميع ًا ،وا ّتبعوا �أم َر ك ِّل ُم�ْستكب ٍر على اللهُ ،م�ْش ٍك
معان ٍد لر ّبه.
60و َت ِبعهم �ُس ْخ ٌط من الله َوطر ٌد ِمن رحمته يلازمانهم
في الدنيا والآخرة� ،أ َل �إ ّن عاداً جحدوا وحدانية الله
ونب ّوة ر�سوله هو ٍد؛ �ألا ُبعداً لهم من كل خير.
66فل ّما جاء �أم ُرنا بعذابهم وهلاكهم ،نـ َّجينا �صالح ًا
و َم ْن آ�من معه ،بنعم ٍة وف�ض ٍل م ّنا ،ونـ َّجيناهم من َهوا ِن
ذلك اليو ِم و ُذلِّه� ،إن ر ّبك � -أيها الر�سول -هو القو ُّي في
َب ْط�شه ،العزيز في انتقامه ،لا ي ْق َه ُره قاه ٌر ،ولا َي ْغل ُبه غال ٌب.
67و أ��صاب ْت �صيح ُة العذا ِب َمن كفر بالله وك َّذب
بدعوة �صالح و َع َق َر الناق َة ،ف أ��صبحوا في ديارهم �ساقطين
على وجوههم َموتى.
68أ��صبح ْت ديار ثمو َد خالي ًة ،فك أ�نهم ِم ْن �ُسعة
زوالهم و َفنائهم لم َيعي�وشا فيها ولم يهن�ؤوا ب ِن َع ِمها ِمن
َقب ُل� ،أ َل �إ ّن ثمو َد َج َحدوا ب آ�يات ر ِّبهم ،أ�لا ُب ْعداً لهم ِمن
ك ِّل خير.
69ولقد جاءت ر�س ُلنا ِمن الملائكة إ�براهي َم ُتب�ِّشه 63قال �صالح لقومه� :أخ ِبوني إ�ن كن ُت على
بول ٍد �صال ٍح بعدما يئ�س ْت زوجه ،جا ؤ�وه في �وصر ِة َب�َ ٍش ُح ّج ٍة ظاهر ٍة وبرها ٍن �صحي ٍح من الله ،و�أ ْعطاني النب َّوة
ف�س َّلموا عليه ،فر ّد عليهم التحية ،وبادر إ�لى �إكرامهم والحكمة ،ف َمن الذي ي ْدف ُع ع ّني عقا َب الله �إن اتبع ُتكم
وع�صي ُته في تبليغ الر�سالة؟ وحينئ ٍذ أ�كون خا�سراً ِلـ َما
فق َّدم لهم عجل ًا م�وشي ًا ن�ضيج ًا. و ّفقني وهداني الله �إليه ،م�ض ِّيع ًا ِلـ َما َ�أ ْو َج َب عل َّي من
70فل ّما ر�أى �إبراهي ُم أ�يد َيهم لا تمتد إ�لى ال ِعجل الدعوة �إلى توحيده.
ا�ستغرب أ� ْم َرهم ،و�أح� َّس منهم في نف�سه الخوف والفزع،
و ُهنا طم أ�نته الملائكة فقالوا :لا تخ ْف م ّنا ،ف إ� ّنا لا ن�أكل؛ 64ويا قو ِم ،هذه ناقة اللهَ ،ج َعلها معجز ًة دا ّل ًة على
�صدق ما �أ ْدعوكم �إليه ،فاتركوها ت أ�كل في �أر�ض الله،
ألنا ملائك ُة ر ّبك ،أُ�ر�سلنا �إلى قوم لوط لإهلاكهم. فلي�س عليكم رز ُقها ولا ُم�ْؤن ُتها ،و إ� ْن تتعر�وضا لها ب�أدنى
71وكانت امر أ�ته �سار ُة قائم ًة ت�سمع محاور َتهم، �ُسو ٍء ُي ِ�صبكم عذا ٌب ُم َع َّج ٌل من الله.
َف َ�ض ِح َك ْت �سروراً بزوال الخوفَ ،ف َب�َّ ْشناها على ل�سان
الملائكة ب أ�نها َت ِل ُد ولداً �صالح ًا هو �إ�سحاق ،و أ�نه �س ُيو َلد 65ف َك َّذبوه فنحروها ،فقال �صال ٌح لهم :تم َّتعوا
بالعي�ش في منازلكم ثلاث َة �أيا ٍم ،ف إ�ن العقا َب ناز ٌل عليكم
لهم من �إ�سحاق حفي ٌد �صال ٌح ا�سمه يعقوب.
بعدها ،هذا وع ٌد �صاد ٌق لا َك ِذ َب فيه.
٢٢٩
72قالت �سار ُة لـ ّما ُب�ِّ َشت ب إ��سحاق َت َع ُّجب ًا :ياَ ويلتا
كيف يكون لي ول ٌد و أ�نا عجوز ،وزوجي هذا �شي ٌخ
كبي ٌر؟! إ�ن إ�نجاب الول ِد من ِمثلي ومث ِل َب ْعلي ،على ما
بلغناه من ال�س ِّن ل�شي ٌء عجي ٌب.
لها� :أتع َجبين من �أم ٍر �أم َر اللهُ به أ�ن 73قالت الملائكة
اللهُفي ِك وفي َب ْعل ِك؟! رحمكم الله يكون ،وق�ضا ٍء َق�ضاه
وبارك فيكم يا �أه َل بي ِت إ�براهي َم� ،إن الله محمو ٌد مم َّجد
في �صفاته و�أفعاله.
79قالوا ُمع ِر�ضين ع ّما َن َ�صحهم به :لقد علم َت 74فل ّما ذه َب عن �إبراهي َم الخو ُف الذي وجده في
يا لوط �أنه لا رغب َة لنا في البنات ،ولا حاج َة لنا فيه َّن، نف�سه ،واطم أ�ن قل ُبه ل�ضيوفه حين علم ب أ�نهم ملائكة،
و�إنك لتعلم أ�ن َغ َر�ضنا وحاجتنا -وهو �إتيان ال ُّذكور- وجاءت ُه الب�شرى ب إ��سحاق ،أ�خذ يجاد ُل ر�س َلنا في �أمر
في ه�ؤلاء ال�ضيوف. هلا ِك قو ِم لوط؛ ل َ ُي َّد عنهم العذاب.
75إ� ّن �إبراهي َم لحلي ٌم كثير ال�صبر على َمن �آذاه أ�و نا َله
80قال لهم لوط لـ ّما جـا َبـ َه �إ�صرا َر قوم ِه :تم َّني ُت لو
كان لي قوة أ��ستطيع أ�ن أ�دفـع أ�ذاكم بها� ،أو أ�لج أ� �إلى بمكروه ،كثي ُر الت�ضرع إ�لى ر ّبه ،ر َّجا ٌع �إلى طاعته.
جه ٍة تع�صمني و َتـ ْم َن ُعكم من الو�وصل �إلى ما تريدونه 76قالت الملائكة :يا �إبراهيم َد ْع عنك ال ِجدا َل في
أ�مرهم ،فقد جاء أ�م ُر ر ِّبك بعذابهم ،و�إن قو َم لو ٍط ناز ٌل
في أ��ضيافي. بهم عذا ٌب من الله غي ُر م�صروف عنهم ،لا بجدا ٍل ولا
81وحين �سمع الملائك ُة المر�سلون تح�ُّ َس لو ٍط على بدعا ٍء ولا بغيرهما.
َ�ضعفه وانقطا ِع ا ألن�صار عنه ،قالوا له :يا لوط إ�نا ُر�سل
ر ِّبك� ،أر�سلنا لإهلاك قومك ،و�إنهم لن َي�صلوا �إلينا ولا 77ولـ ّما جاء ْت ملائك ُتنا لوط ًا في �وصرة �شبا ٍب
إ�ليك بمكروه ،فه ِّو ْن عليك الأمر ،واخر ْج من بين �أَ ْظ ُهر ح�سا ٍن �سا َءه مجي ُئهم ،و�ضاق ْت نف ُ�سه غ ّم ًا ،وخاف
ه�ؤلاء القوم �أنت و�أهلك في جوف الليل ،ولا َينظ ْر �أح ٌد عليهم ِلـ َما يتوقعه ِمن فجور قومه وتع ِّديهم؛ وذلك
منكم وراءه �إلا امر�أ َتك ف�إنها �س َتهلك كما هلكوا ،إ� ّن أ�نه لم يك ْن يعلم أ�نهم ملائكة ،وقال في نف�سه :هذا يو ُم
مو ِعد هلا ِكهم وقت ال�صبح ،أ� َلي�س وقت ال�صبح قريب ًا؟
بلا ٍء و�ش َّد ٍة.
78و�َسعان ما َح َد َث ما كان لوط يتوقعه ويخ�شاه،
فقد جاءت طائف ٌة من قومه مق�وص ُدهم �أ�ضيا ُفه على
عادتهم في ال ُفح�ش بالذكور ،قال لهم لو ٌط :يا قوم
َ أ� ْطهر قعوق ِامب اهل،نبو ِّليا ُتك ِبذن ُّلاتوهني-ب ُههذّنا ه ؤ�لاء ِن�سا�ؤكم -ون�ساء
الفعل لكم ،فاخ�وشا الله وخافوا
في �أ�ضيافي ،أ� َلي�س فيكم � -أيها القوم -رج ٌل را�ش ٌد عاقل
يتن ّزه عن هذا ال ِفعل ال�شنيع و َينعه؟
٢٣٠
و إ�ني أ�خاف عليكم بمخالفتكم �أَ ْمر الله و َبخ�سكم النا� َس
�أموا َلهم ،عذاب ًا �شديداً يحيط بكم؛ فيهلككم جميع ًا.
85ويا قو ِم �أ ْو ُفوا النا� َس الكي َل والميزا َن بالعدل ،من غير
زياد ٍة ولا نق�ص ،ولا َت ْنق�وصا النا�س من حقوقهم �شيئ ًاَ ،ق َّل
�أو َك ُث ،ولا َت�سعوا في الأر�ض تبالغون في الإف�ساد.
86وما �َأ ْبقى الله لكم من الحلال بعد �إتما ِم الكي ِل
والوزن ،خي ٌر لكم مما ت أ�خذونه بالتطفيف و إ�خ�سا ِر
الميزان إ�ن كنتم م ؤ�منين بالله عا ِلين ب�أن الخير والبركات
َت ُّل فيما ُيك َ�سب بالعدل في الكيل والميزان ،وما �أنا
عليكم برقيب �أُراقبكم عند َكيلكم ووزنكم.
87قال قوم �ُشعيب له على �َسبيل التهكم والا�ستهزاء: 82فل ّما جاء �أ ْم ُرنا ب�إهلاك ه ؤ�لاء القوم المف�سدين،
يا �شعي ُب أ��صلا ُتك التي ُت ْك ِث منها ت�أمرك أ�ن نترك ما كان َق َل ْبنا ُقراهم التي كانوا ي�سكنونها ،فج َع ْلنا عال َيها �سافل ًا،
يعب ُد �آبا ؤ�نا من ا أل�صنام؟ أ�و أ� ْن نترك الت�صرف في أ�موالنا و أ�ر�سلنا عليهم حجار ًة من الطين المتح ِّجرُ ،ير�َسل
بما نراه منا�سب ًا -من الاحتيال والمكر ونح ِوهماِ -من
�أجل ال َك�ْسب في تجارتنا وم�ضا َعفة �أرباحنا؟ �إنك لأنت بع ُ�ضها في إ� ْثر بع�ض.
الحلي ُم الر�شيد! يق�صدون التهك َم به والتعري�َض بف�ساد
83وهذه الحجارة مع َّلم ٌة عند ربك بعلام ٍة خا�صة،
ر�أيه.
وما هي -يا محمد -ببعيدة من كل ظالم ومنهم ُم�شركو
88قال :يا قو ِم ،لقد �أكرمني الله بالـ ُح ّجة الوا�ضحة قومك ،إ�ن لم يتوبوا من �شركهم.
والبرها ِن القاطع ،وخ َّ�صني بال ُّنبوة والحكمة ورزقني
الما َل الحلال من غير َب ْخ� ٍس ولا تطفيف ،فهل ي�ص ُّح لي 84و�أر�سلنا إ�لى قبيلة َم ْد َين �أخاهم �شعيب ًا ،فقال لهم:
�أن أ�ترككم على ال�ضلال ،ولا �أنهاكم عن تر ِك المعا�صي؟ يا قوم و ِّحدوا الله ولا تعبدوا معه غيره ،فما لكم معبو ٌد
�سواه ي�ستح ُّق العبادة ،ولا َتنق�وصا النا� َس حقو َقهم في
ول�س ُت أ�ري ُد �أن �أنهاكم عن �أم ٍر ،ثم �أفعله؛ بل أ�فع ُل ما مكيالكم وميزانكم؛ إ�ني �أراكم في �َسع ٍة من الرزق ،فلا
آ�مركم به ،و أ�نتهي عما �أنهاكم عنه ،وما أ�ري ُد إ�لا �إ�صلاح ُتغ ِّيوا نعمة الله عليكم بمع�صيته وا إل�ضرا ِر بعباده ،ففي
هذه النعمة ما ُيغنيكم عن �أخذ �أموال النا�س بغير حقها،
أ�حوالكم وا�ستقام َة أ�مو ِركم َق ْدر ا�ستطاعتي ،وما توفيقي
في �إ�صابة الحق ،إ�لا بعون الله تعالى ،على الله اعتمادي،
و إ�ليه في ا ألمر ك ِّله رجوعي و إ�نابتي.
٢٣١
ظلموا ال�صيح ُة ،فخرج ْت �أرواحهم من أ�ج�سامهم، 89ويا قو ِم ،لا ي ْح ِم َل َّنكم خلافي وعداوتي على
ف أ��صبحوا في ديارهم موتى هامدين ،با ِركين على ا إل�صرا ِر على الكفر بالله و َت ْر ِك الإيمان به؛ في�صي َبكم من
النقمة والعذاب مث ُل ما أ��صاب قو َم نو ٍح من الغرق،
ال ُّر َك ِب� ،ساقطين على وجوههم. أ�و قوم هود من الريح التي �أهلكتهم ،أ�و قوم �صالح
95ك�أن لم يعي�وشا و ُيقيموا في ديارهم من قبل ذلك. من ال َّر ْجفة ! ولي�س خبر قوم لو ٍط الذين أ�هلكهم الله،
�أ َل �أ ْب َعد اللهُ قو َم م ْدي َن من رحمته ،كما �أَ ْب َعد ِم ْن قبلهم ولا مكا ُنهم ولا زما ُنهم منكم ببعيد ،فا ّت ِعظوا بم�صائر
قوم ثمود؛ ب�إنزال �ُس ْخ ِطه بهم .وهذا دعا ٌء و إ�خبا ٌر
المك ِّذبين من قبلكم واعت ِبوا بحالهم.
ب�أنهما ُأ� ْه ِلكا بعذاب من جن�س واحد.
90ويا قومي ا�ستغفروا ر َّبكم ِمن ُكفركم ومعا�صيكم،
96ولقد أ�ر�س ْلنا مو�سى ب آ�ياتنا و ُح َج ِجنا ُتب ّ ُي لمن ثمارجعوا إ�لىطاعتهبالامتثال ألمرهو َنهيه ،إ�نر ِّبيوا�سع
عا َي َنها وت أ� َّملها بفك ٍر �صحي ٍح أ�نها تد ُّل على �صدقه
الرحمة بالتائبين ،كثير المحب ِة لهم وا إلح�سا ِن� إليهم.
و�صحة نب ّوته.
91قالوا لنبيهم �شعي ٍب على َو ْج ِه الا�ستهانة :ما
� 97أر�سلناه إ�لى فرعون و�أ�شرا ِف جنده و أ� ْتباعه، نفهم كثيراً مما تقول! -على رغم ما �آتاه الله من البلاغة
فك ّذبوا مو�سى و�أعر�وضا عنه ،و�أطاعوا أ� ْم َر فرعون، والف�صاحة والقدرة على التبليغ -و�إ ّنا لنراك �ضعيف ًا
وما قو ُل فرعون ولا عم ُله ب�سديد ولا ر�شيد ،بل هو بيننا ،لا َح ْو َل لك ولا قوة ،وللاو َجماعتك و�أهلك؛
لقتلناك َرمي ًا بالحجارة ،وما �أن َت بكريم علينا ،ف َي ْع ُظ َم
ُك ْف ٌر و�ضلا ٌل.
علينا إ�ذلا ُلك وهوانك.
٢٣٢
92قال �شعي ٌب لقومه مو ِّبخ ًا :أ�ع�شيرتي و�أهلي �أع ُّز
عليكم من الله؟! و َن َب ْذتم ما جئتكم به ورا َء ظهوركم،
وا�ستخ َف ْف ُتم ب أ�مر ر ِّبكم ونهيه ،ولم ت�ستح�ضروا خ�شي َته
ولم تخافوا عقا َبه!! إ�ن ر ِّبي عالم بجميع �أعمالكم،
و�سيجازيكم عليها العذا َب ال�شديد.
93ويا قو ِم ،اعملوا على طريقتكم واثـ ُبتوا على ما
أ�نتم عليه من الكفر والعداوة ،ف�إني عام ٌل على طريقتي
وثاب ٌت على دعوتي ور�سالتي ،و�سوف تعلمون َمن
الذي �سينزل عليه عذا ٌب ُيذ ُّله ويهي ُنه ،و َم ِن الذي
�سينجو ،و�ستعلمون �أي�ض ًا َم ْن هو ال�صادق م ّنا و َمن هو
الكاذب! فانتظروا إ�ني معكم منتظر.
94ولـ ّما ق�ضينا بهلاكهم نجينا �شعيب ًا والذين �آمنوا
معه برحم ٍة م ّنا لهم ب�سبب إ�يمانهم ،و�َأ َخذ ِت الذين
الله �شيئ ًا من عقاب الله وعذابه ،حين جاء ُحكم الله 98يتق َّدم فرعو ُن قو َمه إ�لى النار يوم القيامة ،يقو ُدهم
بعذابهم ،وما زادتهم عباد ُة الأ�صنام التي يعبدونها �إلا فيم�ضي بهم إ�ليها ،وبئ� َس المو ِر ُد الذي وردوه ودخلوه،
وهو نار جهنم؛ لأن الوارد �إلى الماء �إنما َي ِر ُده ل ُيطفئ ح ّر
هلاك ًا وخ�سران ًا.
العط�ش و ُيذهب ظم َأ�ه ،والنا ُر على �ض ِّد ذلك.
102و ِبـ ِمثل العذاب الذي �َأخذ اللهُ به َمن تق َّدم ِذ ْكره 99و أ�تب َع اللهُ فرعو َن وكبار قومه في هذه الدنيا مع
من الأمم الظالمة ي�أخذ الله تعالى ك َّل �أم ٍة ظالمة� ،إ ّن عذابه العذاب الذي ع َّجله لهم فيها بالغرق ،لعن ًة عظيم ًة� :أي
موج ٌع �شديد .وهذا تحذي ٌر للم�ؤمنين من هذه ا ألمة� ،أن طرداً و�إبعاداً من رحمته ،وفي يوم القيامة أ�ي�ض ًا ُيل َع ُنون
ي�سلكوا طريق الأمم الفاجرة َقبلهم؛ فيح َّل بهم ما ح َّل لعن ًة ُأ�خرى ب�إدخالهم النار .بئ�س هذا العطاء الـ ُم ْع َطى،
بها من العقوبات. وهو ال َّلعن ُة في الدارين .و�ُس ِّميت اللعنة عطا ًء تهكم ًا.
100ذلك من �أخبار ال ُقرى التي �أهلكنا �أهلهاَ ،ن ُق ّ�صه
� 103إ َّن في هذه الق�ص�ص وا ألخبار ل ِع ْب ًة وعظ ًة ،لمن عليك � -أيها النب ُّي -منها ما هلك �أه ُله وبقي بنيا ُنه،
خاف عذاب ا آلخرة ،ذلك اليو ُم الذي يبعث الله فيه
النا�س جميع ًا ،ثم َي ْجم ُعهم للجزاء والثواب والعقاب؛ ومنها ما خرب واندثر �أ َثره.
وهو يو ٌم ي�شهده الخلائق ك ُّلهم ،لا يتخ َّل ُف منهم �أح ٌد.
101وما أ�هلكناهم بغير ذن ٍب ،ولكن ظلموا �أنف َ�سهم
104وما ُن�ؤَ ِّخر َميء يوم القيامة إ� ّل ألج ٍل معلوم. بالكفر والمعا�صي؛ فا�ستح ّقوا عذاب الله ونِقمته ،فما
نفع ْتهم ولا دفع ْت عنهم آ�له ُتهم التي عبدوها من دون
105يو َم ي�أتي ا ألج ُل وتقوم القيامة ،لا تتك َّلم نف� ٌس
�إلا ب�إذن ر ِّبها ،ف ِم ْن هذه النفو�س :نفو� ٌس �َشق ّي ٌة، ٢٣٣
ونفو� ٌس� سعيد ٌة.
106ف�أ ّما الذين �َش ُقوا فهم في نار جه ّنم ،لهم فيها ِمن
�ش ّدة َكربهم وعذابهم زفي ٌر و�شهيق ،وهو �إخراج ال َّن َف�س
ور ُّده ب�ش ّدة.
107ماكثين في جه ّنم ما دامت ال�سماوات وا ألر�ض؛
�أي� :أبداً على الدوام -والعرب ُتع ِّب عن الخلود
بـ« مادامت ال�سماوات وا ألر�ض» ،و«ما اختلف
الليل والنهار» ،وما ِب َ�س ِبيلهما من الكلمات الدا ّل ِة على
الت ْ�أبيد -إ�لا ما �شاء ر ُّبك؛ فلو �شاء �أ ْن َي ْقطع هذا الخلود
َل َفعل ،ف إ� ّن له الم�شيئة المط َلقة -وقد ق�ضى في آ�يات أ�خرى
�أنهم لا يخرجون منها �أبداً -إ� ّن ر َّبك يفعل ما ي�شاء.
108و أ� ّما الذين �ُسعدوا برحم ِة الله ،فهم في الجنة
خالدين فيها على الدوام� ،إلا ما �شاء ربك؛ فلو �شاء
�أن َي ْقطع هذا الخلود َل َفعل ،فهو �سبحانه يفعل ما ي�شاء
ويحكم ما يريد -وقد ق�ضى في �آيات أ�خرى �أنهم لا
يخرجون منها �أبداً -عطا ًء من الله غي َر مقطوع عنهم.
ما أ�مر ُتك به من الطاعات ،وعلى ما ت ْلقاه في �سبيل 109فلا ت ُكن في �ش ٍّك من ُبطلان ما َيعبد ه ؤ�لاء
دعوتك من ا ألذى والمكاره ،ف�إن الله لا ي�ضيع ثوابك الم�شركون ِمن قومك -والخطا ُب للر�سول والمراد
به غيره -ف�إ ّن ه�ؤلاء لم يعبدوا ما عبدوا من ا ألوثان عن
وثوا َب من ا ّتبعك من المح�سنين. ب�صيرة و ِعل ٍم و�إنما عبدوها ا ِّتباع ًا لآبائهم ،و�سينا ُلهم م ّنا
116فه ّل كان من ا ألمم ال�سابقة التي أ�هلكناها قبلكم،
�أ�صحا ُب ر أ� ٍي وعق ٍل و َف ْه ٍم ودين ،ين َهون أ�هل المعا�صي ح ُّظهم من العذاب كامل ًا غير منقو�ص.
عن معا�صيهم ،و�أه َل الكفر عن كفرهم ،لك ْن ما كان
منهم على هذه ال ِّ�صفة إ�لا قليل ،ا َّت َبعوا ُر�سلهم و َنهوا 110ولقد آ�تينا مو�سى التوراة فاخ ُتلف في ما جاء به
�أقوامهم عن الف�ساد فن ّجاهم الله من عذابه ،وا َّتبع من الح ِّق ب�سبب الغ ِّي والظلم و َتكيم ا ألهواء .وللاو
الظالمون ِمن كل �أمة ل َّذات الدنيا و�شهواتها ،فا�ستكبروا ما ق�ضى الله به في �سابق علمهِ ،من ت أ�جيل الـ ُحكم بين
المختل ِفي َن فيما ُأ�نزل من الحق إ�لى يوم القيامة؛ َل َف َ�صل
وتج َّبوا ،وكانوا مجرمين. بينهم بالحق ،ولجازى ك ّل بما ي�ستحق .و إ�ن ه ؤ�لاء
117وما �ص َّح وما ا�ستقام � -أيها الر�سول -في المختلفين لفي �ش ٍّك َي ْب َع ُثهم على الا�ضطراب والحيرة
َق�ضا ِء ربك و ُحكمه أ�ن ُي ْه ِلك قرية من القرى و�أه ُلها
م�صلحون في أ�عمالهم؛ ألنه تعالى من ّزه عن الظلم ،لقد فيما �أنزل الله على مو�سى من الكتاب.
كان هلاك القرى التي أ�هلكها بتمادي أ�هلها في الف�ساد
111و إ� ّن جميع المختل ِفين فيما �أنزله الله على نبيه
والطغيان وتكذيب الر�سل. مو�سى من اليهود والن�صارى� ،سيجازيهم ر ُّبك على
�أعمالهم ،لا يظلم منهم �أحداً� .إنه �سبحانه بما يعملون
٢٣٤ خبير ،لا َيخفى عليه من نواياهم وظا ِهر �أعمالهم �شيء.
112فا�ستق ْم -أ�يها النب ُّي -على العمل ب أ�مر ر ِّبك،
و َم ْن تاب معك ،ولا تجاوزوا حدود الله� ،إن ر َّبكم
م َّطل ٌع على �أعمالكم ،ومجازيكم عليها.
113ولا َتيلوا � -أيها الم ؤ�منون� -إلى َم ْن َتققتم ِم ْن
ظلمهم ،ف َت ْقبلوا منهم و َت ْر�وضا أ�عما َلهم؛ فتم�َّسكم النار
ب ِف ْعلكم ذلك ،وما لكم من دون الله من نا�صر َي ْن ُ� ُصكم،
ولا وليٍّ يتولى أ�مو َركم ،إ� ْن خالفتم �أمره.
114و�أ ِّد � -أيها النب ّي -و َمن معك من الم�ؤمنين
ال�صلوات المكتوبة مع المحافظة على أ�وقاتها وخ�وشعها
و�شرائطها �أ ّول النهار و�آخره ،وفي �أوقا ٍت من الليل قريب ٍة
من �آخر النهار ،إ� ّن ِف ْعل الح�سنات يك ِّفر �صغائر الذنوب.
ذلك المذكور -من المحافظة على ال�صلاة ،وبيا ِن أ�ن
الح�سنات ُي ْذهبن ال�سيئات -تذ ِكر ٌة نافعة للمتقين الذين
يرجون ثواب الله ويخافون عقابه.
115وا�صب ْر -أ�يها النب ّي -على ال�صلاة وعلى �سائر
موعظ ٌة وتذ ِكر ٌة للم�ؤمنين؛ لي�صبروا على ما يواجههم
من الأذى.
١٢١و ُقل -أ�يها الر�سول -للذين لا ي�ص ِّدقونك ،ولا
ُيق ُّرون بوحدانية الله -على �سبيل التهديد والوعيد:-
اعملوا على طريقتكم وا ْثـ ُبتوا على ما �أنتم عليه من
الكفر ،ف�إني و َمن معي عاملون على طريقتنا ،ثابتون
على ما نحن عليه من الحق.
١٢٢وانتظروا ما َيح ُّل بنا ،إ� ّنا منتظرون ما َيح ُّل بكم
من عذاب الله .وهذا تهديد ووعيد �آخر.
١٢٣ولله وح َده ِع ْل ُم ك ِّل ما غا َب عن العباد وخفي في
ال�سماوات والأر�ض ،و إ�ليه ُي ْرجع ا ألمر كله؛ �أ ْم ُر الدنيا
�إليه، أ�م َرك محمد ،وف ِّو�ض فو�إ�أنمهرتاعاآللخىرةكا ،فٍافعبَمدنرت َّبو َّكك يلا
عما بغاف ٍل عليه ،وما ر ُّبك
تعملون جميع ًا و�سيجازيكم عليه.
} ١ﮢﮣ{�:سب َقالكلا ُمعلىهذهالحروفالـ ُمق َّطعة ١١٨ولو �شاء ر ُّبك -أ�يها الر�سول -لجعل النا�س
في �أول �سورة البقرة .هذه آ�يات الكتاب الم ْع ِجز في بيانه، ك َّلهم على ال ِّدين الحق ،وهو الإ�سلام ،ولكنه �سبحانه
لم ي�ش�ْأ ذلك؛ ل ُيعطي للإن�سان حرية الاختيار التي
الوا�ض ِح في حلاله وحرامه وحدوده و�سائر �أحكامه.
٢إ� ّنا �أنزلنا هذا القر�آن بل�سا ٍن عرب ٍّي؛ لكي تعقلوه يترتب عليها الثوا ُب والعقاب.
وتفهموا معانيه ،وتت�أملوا آ�ياته ،فتعلموا أ�نه من عند الله.
١١٩ولا يزال النا�س مختل ِفين على �أديان �ش َّتى ،إ�لا
٣نحن نق�ُّص عليك -أ�يها الر�سول -أ�ح�س َن َم ْن هداه الله �إلى دين الحق ،ف�إنهم غير مختلفين ،ولهذا
الق�ص�ص ،بوحينا �إليك هذا القر آ�ن ،فنخبرك فيه عن الاختلاف -الذي هو �أثر من �آثار إ�عطاء الله تعالى لعباده
ا ألخبار الما�ضية ،و�أنباء ا ألمم ال�سالفة ،والكت ِب التي حرية الاختيارَ -خ َلقهم ،وت َّم أ� ْم ُر الله ونفذ ق�ضا ؤ�ه ب�أن
�أنزلناها في الع�وصر الخالية ،وقد كن َت ِم ْن قبل أ�ن نوحيه
إ�ليك ،من الذين لا ِع ْل َم لهم بما فيه من البيان والق�ص�ص يملأ جهنم ِم ْن كفار الجن وا إلن�س �أجمعين.
وا ألحكام. ١٢٠وك ُّل ا ألخبار التي ق�ص�صناها عليك � -أيها
الر�سول -من �أخبار الر�سل و�أخبار أُ�ممهم ،إ�نما نق ُّ�صها
٤ا ْذ ُكر � -أيها الر�سول -لقومك ،حين قال يو�س ُف عليك تثبيت ًا لك على أ�داء الر�سالة ،وتقوي ًة لقلبك ،لت�صبر
ألبيه يعقوب :يا أ�ب ِت إ�ني ر�أيت في المنام أ�ح َد ع�ش َر على أ�ذى قومك ،وتت�أ�ّسى بالر�سل من قبلك ،و َتعل َم أ�ن
كوكب ًا ،وال�شم� َس والقم َر :ر�أيتهم جميع ًا لي �ساجدين. العاقبة لك ،كما كانت لهم ،وجاءك في هذه ال�سورة
الم�شتمل ِة على ق�ص�ص الأنبياء ،الح ُّق من ر ِّبك ،وهي
٢٣٥
١١قال إ�خوة يو�سف ،لـ ّما أ� ْح َكموا الع ْزم ،و أ�جمعوا ٥قال يعقوب لابنه يو�س َف عليهما ال�سلام :يا ُبن َّي
على ال ُفرقة بينه وبين والده يعقوب :يا أ�بانا لماذا لا لا َتق ُ�ص�ص ر ؤ�ياك هذه على �إخوتك؛ فيح�سدوك،
ت�ست أ�مننا على يو�سف؟ فن�صطحبه معنا إ�ذا خرجنا �إلى و ُينا�صبوك العداوة ،إ�ن ال�شيطان لآدم و َب ِنيه ،عد ٌّو ظاهر
البادية ،و�إ ّنا له لنا�صحونَ :ن ُحوطه ونحفظه من كل العداوة ،فاحذر ال�شيطان أ�ن ُيغر َي إ�خوتك بك ،إ� ْن
�سوء ومكروه. أ�ن َت ق�ص�ص َت عليهم ر ؤ�ياك.
١٢يا �أبانا أ� ْر ِ�سل يو�سف معنا غداً �إلى َمراعينا في ٦وكما أ�كرمك ر ُّبك بالر ؤ�يا فكذلك ي�صطفيك
البادية ،يلع ْب و َين�شط ويتمتع في أ�كل معنا ما ُي�شتهى، ويختارك ،ويعل ُمك ت�أويل الر�ؤى ،ويت ّم ف�ض َله و�إنعامه
ويلعب بالا�ستباق وغي ِره ،ونحن نرعاه ونحيطه بعنايتنا. عليك وعلى ذرية أ�بيك يعقوب ،كما أ�تمها على َج َّديك
�إبراهيم و�إ�سحاق بالنب ّوة والر�سالة ،إ�ن ر َّبك علي ٌم بمن هو
١٣قال لهم يعقوب� :إني َلي�ش ُّق عل َّي ِفراقه لي؛ ب أ�ن
تذهبوا به معكم �إلى البادية ،و أ�خاف عليه من أ�ن ي�أكله أ� ْه ٌل للا�صطفاء والنب ّوة ،حكي ٌم في تدبيره لخلقه.
الذئ ُب و أ�نتم عنه لاهون من�شغلون بال َّلعب. ٧لقد كان فيما َح َد َث ليو�سف و إ�خوته ِعب ٌر
وعجائب للذين �س أ�لوا ر�سول الله - -عن ذلك
١٤قالوا لأبيهم :لئن أ�كل الذئ ُب يو�س َف ،ونحن ف�أ ْخ َ َبهم بها وهو �أُم ٌّي لم يقر�أ كتاب ًا .وهذه ت�سلي ٌة
أ�ح َد ع�ش َر رجل ًا معه نحفظه ،إ� ّنا �إذاً َل َعج َز ٌة هالكون. للنبي � - -أراد تعالى �أن ُيطلعه على ما لقي يو�سف
من �إخوته من ا ألذى والح�س ِد وعلى ما أَ� ْولاه ر ُّبه من
٢٣٦ �أنواع ال ُّلطف والعناية؛ ليت أ��ّسى به النبي فيما يلقاه
من قومه.
� ٨إذ قال �إخوة يو�سف ِم ْن جه ِة أ�بيه فيما بينهم:
والل ِه ليو�سف و�شقيقه -بنيامين� -أح ّب إ�لى قلب �أبينا
م ّنا ،ونحن جماعة من الرجال ا ألقوياء؛ الذين عندهم
القدرة على خدمته ومنفعته� ،إن �أبانا يعقوب لفي خط�أٍ
وا�ض ٍح ب إ�يثاره يو�سف و�أخاه علينا بالمحبة.
٩قال بع ُ�ضهم لبع�ٍض :ا ْقتلوا يو�سف� ،أو أ�ب ِعدوه
و�ألقوه في أ�ر�ض بعيدة عن �أبيه ،عند ذلك َي ْخ ُل�ْص
و َي ْ�ص ُف لكم ح ُّب �أبيكم ،ف ُيق ِبل عليكم ب ُك ِّل َيته ،وتتوبوا
مما �صنعتم بيو�سف ،ثم تكونوا قوم ًا �صالحين.
١٠قال أ�خوهم الأكبر :لا تقتلوا يو�سف ،و أ� ْلقوه في
َق ْعر البئر ،ي أ�خذه بع�ض الما َّرة من الم�سافرين ،إ�ن كنتم
فاعلين� .أي� :إن كان لا ُب َّد من الخلا�ص منه.
لهم :لي�س ا ألم ُر كما تقولون ،بل ز َّين ْت لكم �أنف�سكم
�أمراً قبيح ًا في يو�سفَ ،ف َفعلتموه ،ف�صبري على ما فعلتم
بي في أ�َ ْمر يو�سف �صب ٌر جمي ٌل ،لا َج َز َع فيه ولا �شكوى
لغير الله� ،إنه �سبحانه هو الم�ستعان على ما ت ّدعون.
١٩ونزل قو ٌم من الم�سافرين قريب ًا من البئر ،ف أ�ر�سلوا
واحداً منهم لي أ�تي لهم بالماء من البئر فل ّما َ�أر�سل دل َوه في
البئر تع ّلق به يو�سف ،وخرج من البئر ،ولـ ّما ر�آه الرج ُل
فرح وا�ستب�َش قائل ًا :هذا غلام! و أ�خ َفوا أ�مر يو�سف ولم
يعلنوا َخ َبه؛ حر�ص ًا عليه وطمع ًا في بيعه ،والله عالم بما
يعملونه لا يخفى عليه ِمن ذلك �شيء.
٢٠وباعوا يو�س َف في م�صر ،بثم ٍن بخ� ٍس ،دراهم
معدودة ،أ�ي :قليلة ،وكانوا في يو�سف من الزاهدين
الذين لا يرغبون فيه؛ ألنهم لم يعرفوا َق ْدره.
٢١وقال الذي ا�شترى يو�سف في م�صر -وهو َعزيز ١٥فل ّما ذهبوا بيو�سف و َتوافقوا على �إلقائه في
م�صر -لامر أ�تهِ ،لـ َما تف ّر�س في يو�سف من َمخايل ال ُّر�شد البئر ون ّفذوا ما �أجمعوا عليه� ،أوحى الله �إليهَ :لتُخبر َّن
وكمال العقل� :أكرمي منزل َته و ُمقامه ،ع�سى �أن يكفينا إ�خوتك ب ِفعلهم هذا الذي فعلوه بك -م�ستق َبل ًا -وهم
بع�ض �أمورنا إ�ذا كبر أ�و نتب َّناه .وكما �أنق ْذنا يو�س َف من لا َيدرون ب أ�نك يو�سف في وق ِت �إخبا ِرك �إياهم ب أ�مرهم.
أ�يدي �إخوته وقد ه ّموا بقتله ،و أ�خرجناه ِمن ُظلمة
البئر ،كذلك َمك ّنا له في أ�ر�ض م�صر عي�ش ًا كريم ًا عزيزاً، ١٦وت أ� ّخر إ�خوة يو�سف في الرجوع حتى ذهب
ول ُنع ِّلمه من تعبير الر ؤ�يا وتف�سيرها ،والله ف َّعال لما يريد، النها ُر و�أقب َل الليل ،ودخلوا على أ�بيهم وهم يتباكون.
يد ّبر أ�مر يو�سف ويحوطه بعنايته و ُلطفه ،ولك ّن �أكثر
١٧قالوا :يا �أبانا� ،إ ّنا ذهبنا نت�سابق ،وتر ْكنا يو�س َف
النا�س لا يعلمون حكمة الله وتدبيره. عند أ�متعتنا وحوائجنا؛ ليحفظها ،فجاء الذئب ف�أكله،
٢٢ولـ ّما بلغ يو�سف ُمنتهى ق ّوته و ِ�ش ّدته �آتاه الله وما �أن َت بم�ص ِّدق لنا ولو ك ّنا �صادقين ،فكيف و�أنت
ِحكمة -وهي الإ�صابة في القول والفعل -وفقه ًا في ت َّتهمنا ،وغي ُر واثق بقولنا؟
الدين و�ش ؤ�ون الدنيا ،وكذلك يجزي الله َمن �أح�س َن ١٨ول َّطخوا قمي�ص يو�سف بد ٍم مكذو ٍب غي ِر
عم َله و أ�طاع ر ّبه. دم يو�سف؛ ليكون �شاهداً على دعواهم؛ فكان ِلـ َما
احت َّف ْت به ِمن القرائن دليل ًا ي�ؤكد كذبهم؛ فقال يعقوب
٢٣٧
ألن ال�شق �إذا كان ِمن خلف فهو دليل على أ�نها كانت ٢٣وحاولت امر أ� ُة العزيز إ�غراءه ،و�أت ْت بما �أمكنها
تلحقه ،و�أنه كان هارب ًا منها. من أ�نواع ال ِحيلة والمكر لا�ستمالته ،و�َأحك َمت إ�غلاق
جميع أ�بواب ال َق�صر ،وقالت :ه ُل َّم و أ�ق ِب ْل إ�ليَّ ،قال
٢٨فل ّما ر�أى زو ُجها ثو َب يو�سف قد �ُش َّق من َخل ٍف، يو�سف :أ�عوذ بالله �أن أ�فعل هذا ،إ� َّن زوجك هو �س ِّيدي،
قال :إ�ن هذا الأمر من �صنيع الن�ساء ومك ِرهن ،إ� ّن َكيدكن قد أ�ح�سن معاملتي ،و�أكرم ُمقامي ،فلا �أخونه في �أهله؛
يا مع�شر الن�ساء عظيم. �إنه لا يظفر ولا ينجو َم ْن َظ َلم وخان.
٢٩ث َّم قال ليو�سف :أ�عر�ْض عن ِذ ْكر ما كان ،فلا ٢٤ولقد َع َز َم ْت هذه المر�أة على ت�سليم نف ِ�سها
تذكره لأحد .والتف َت �إلى امر�أته مو ّبخ ًا لهاُ :توبي من ليو�سف وه ّي�أ ْت له كل ال�ُّسبل لتحقيق ذلك ،وللاو
ذنبك الذي وقع منك� ،إنك �أخط�أ ِت في ُمراودة يو�سف حف ُظ الله ورعاي ُته ليو�سف وا�ست�شعا ُره مراقب َة الله له وما
َو َقر في قلبه من دلائل ذلك الحفظ والرعاية والمراقب ِة
و أ�خط�أت في اتهامه وهو بريء. َلـ َهـ َّم بها ،وكما نـ َّجيناه ِمن َكيد إ�خوته وح ِفظناه من
الهلاك في البئر كذلك َنع�صمه من الوقوع في الخيانة
٣٠ث َّم �شا َع الخب ُر في البلد وتح َّدثت الن�ساء با ألمر وفاح�ش ِة الزنا ،إ�نه من عبادنا الذين َ�أخل�صناهم لطاعتنا
و ُقلن :امر�أ ُة العزيز ُتراو ُد غلامها عن نف�سه ،وقد تم َّكن
ح ُّبه من قلبها و�أ�صبحت مت ّيم ًة به� ،إنا لنراها واقع ًة في وا�صطفيناهم لنبوتنا.
خط أٍ� فاد ٍح وا�ض ٍح. ٢٥و�أ�سر َع يو�سف َن ْح َو الباب للخروج فراراً من
الوقوع في الفاح�شة ،والمر�أ ُة َتلحقه لتق�ضي حاجتها
٢٣٨ منه ،ف أ�در َكته فتع ّلق ْت بقمي�صه تجذبه إ�ليها ،ف�ش َّقته ِم ْن
َخ ْلف ،و�صا َدفا زوجها عند الباب ،فبادرت بالقول
لزوجها مخاف َة �أن ي َّتهمها بالفجور :ما جزاء َم ْن �أراد
ب أ�هلك ال�سوء والخيانة ،إ�لا أ�ن ُي�ْس َج َن أ�و ُي�ضرب �ضرب ًا
�شديداً م�ؤلم ًا؟!
٢٧ ٢٦قال يو�سف مك ّذب ًا لها :بل هي راودتني
عن نف�سي ،و�ش ِهد �شاهد من �أهل المر أ�ة -و َك ْو ُنه من
�أهلها َ�أ ْوجب لل ُح ّجة عليها ،و َ�أ ْوثق في براءة يو�سف-
فقال� :إ ْن كان قمي�صه �ُش َّق من أ�ما ٍم ف�صدق ْت في قولها،
وهو كاذب؛ ألن ال�ش َّق إ�ذا كان من ا ألمام فهو دليل على
�أنه كان مذنب ًا ،وهي تريد أ�ن تدفعه عن نف�سها .و�إ ْن كان
ثوبه قد �ُش َّق من َخ ْل ٍف ،فكذب ْت في قولها وهو �صادق؛
�أق َّر ْت لهن بمراود ِتها له وامتنا ِعه ،ث ّم قالت :لئن لم ٣١فل ّما �س ِم َعت امر�أ ُة العزيز ب ِغ ْيبتهن وقولهن:
يطاوعني فيما أ�دعوه إ�ليه م�ستق َبل ًاَ ،ل ُي ْح َب َ�س َّن وليكون ّن امر�أ ُة العزيز ُتراود فتاها �أر�سل ْت �إليه ّن ،وهي�أ ْت له ّن
مجل�س ًا للطعام ،وما ي َّتكئن عليه من الو�سائد ،و�أعطت
من الذليلين. ك َّل واحدة من الن�سوة اللاتي ح�ضر َنها �سكين ًا لتقطع به
الطعام ،وقالت امر�أة العزيز ليو�سف :ا ْخر ْج عليه ّن،
٣٣قال يو�سف م�ستعيذاً بالله تعالى من �ش ّره ّن: فخرج عليهن وال�سكاكين في أ�يديهن ،فل ّما ر�أين يو�سف
ر ِّب ،الحب� ُس في ال�سجن �أح ُّب �إل ّي مما يدعونني إ�ليه من -عليه ال�سلام� -أع َظ ْمنه و�أج َل ْلنه لح�سنه وجماله،
مع�صيتك،و ُيراو ْد َننيعليهمنالفاح�شة،و�إنلمتدف ْععني وج َّرحن �أيديهن بال�سكاكين من ِ�ش َّدة الذهول ،و ُقلن:
�ش َّر ُه َّن ،أَ� ِم ْل إ�ليه َّن و�أتابعه َّن على ما َي ْه َو ْي َن ،و�أك ْن جاهل ًا حا� َش لله -تنزيه ًا لله وتع ُّجب ًا من قدرته على خلق هذا
�إذا ارتكب ُت مع�صيتك .وهذا ك ُّله على �سبيل الت�ضرع الجمال الباهر -لي�س هذا من الب�شر ،ما هذا �إلا َم َلك
من الملائكة؛ لأنه ّن لم َيرين في ُح�سن �وصرته من الب�شر
والا�ستغاثة بالله تعالى على عاد ِة ا ألنبياء وال ّ�صالحين.
�أحداً مثله.
٣٤فا�ستجاب الله ليو�سف دعا َءه ،ف َ�صف عنه ما
�أراد ْت منه امر أ�ة العزيز و َ�ص َواحبا ُتها من مع�صية الله ،إ�نه ٣٢قالت امر�أة العزيز للن�سوة اللاتي ج ّرحن أ�يديهن:
هو ال�سميع لدعاء خلقه ،العليم بحوائجهم وما ي�صلحهم. فهذا الذي �أ�صابكن ِم ْن ر�ؤيت ُك َّن �إ ّياه �أ ّو َل مرة ،وهو
الذي ُلـ ْمـ ُتـ ّنـني في ح ِّبي �إ ّياه ،ف ُقلت َّن ما ُقلت ّن ع ِّني ،ث ّم
٣٥ثم ظهر لعزيز م�صر و َم ْن ا�ست�شارهم من خا ّ�صته،
ِم ْن بعد ما ر�أوا الأدلة على براءة يو�سف و ِع ّفته -من ٢٣٩
�ش ِّق القمي�ص -أ�ن ي�سجنوه إ�لى م ّد ٍة غير معلومة؛ لينقطع
كلام النا�س عن الف�ضيحة.
٣٦ودخل مع يو�سف ال�سج َن فتيان ،فقال أ�حدهما:
�إني أ�رى في نومي أ�ني أ�ع�صر عنب ًا ،وقال ا آلخر� :إني أ�رى
في منامي �أني �أحمل على ر�أ�سي خبزاً ت�أكل منه الطير،
َ�أخ ِ ْبنا يا يو�سف بت أ�ويل ر ؤ�يانا ،ف إ�نا نراك من الذين
يح�سنون تف�سير الر�ؤيا.
٣٧قال يو�سف لهما :لا ي أ�تيكما �شيء من الطعام
ُترزقانه إ�لا �أخبرتكما ب�ش�أنه قب َل �أن ي�أتيكما .وهذا
الذي �أُخبركم عنه من تعبير الر�ؤيا وا ِإلخبار بالـ ُم َغ َّيبات
بع�ُض ما ع ّلمني ربي �إياه ،ولي�س من َقبيل ال ّتكهن
وال ّتنجم؛ �إني اجتنب ُت وبر ِئت ِمن م ّلة َمن لا ي�ص ّدقون
بالله ولا ُيق ّرون بوحدانيته ،ولا يق ّرون بالمعاد والبعث،
ولا بالثواب والعقاب.
٤٣وقال ملك م�صر :إ�ني أ�رى في المنام �سب َع بقرات ٣٨وا ّتبع ُت دين �آبائي :إ�براهي َم و إ��سحاق ويعقوب،
ِ�سما ٍن ،ي أ�كلهن �سب ُع بقرا ٍت �ضعيفات هزيلات في غاية لا دي َن �أه ِل ال�شرك ،ما جا َز لنا �أن نجعل لله �شريك ًا في
ال�ضعف وال ُهزال ،و أ�رى كذلك في منامي �سب َع �ُسنبلات عبادته وطاعته ،بل الذي علينا إ�فرا ُده با أللوهية والعبادة؛
ُخ�ض ٍر و�سبع ًا أُ� َخ َر ياب�سات ،يا �أه َل العلم والحكمة، هذا التوحيد مـ ّما أ�كرمنا الله به ،وتف َّ�ضل به علينا وعلى
أ�خبروني بمعنى هذه الر ؤ�يا ،إ�ن كنتم ُت�سنون تعبير الر ؤ�يا النا�س� ،إذ أَ�ر�َس َلنا �إليهم ُدعا ًة �إلى توحيده وطاعته ،ولك ّن
والك�ش َف عن العاقبة التي ت ؤ�ول �إليها. �أكثر النا�س ال ي�شكرون الله على ف�ضله ونعمه.
٣٩وقال يو�سف ل ّل َذين معه في ال�سجن� :أعباد ُة �آله ٍة
متع ِّددة لا َت�ض ُّر ولا تنفع ،ولا ت�ستجيب لمن دعاها ،خي ٌر
�َأ ْم عبادة الله الواحد القهار؟
٤٠ما تعبدون ِمن دون الله �إلا أ��شياء �َس َّم ْي ُت ُموها أ�نتم
و آ�با�ؤكم آ�له ًة وما لها من ا أللوهية إ�لا الا�سم ،ماَ ج َعل الله
فيما خلق و َذ َر َأ� من دلي ٍل ت�ستدلون به على عبادتها،
ولكنها اختلا ٌق منكم وافتراء ،ما الحك ُم والت�ص ّر ُف �إلا
لله وحده�َ ،أ َم َر عباده ب�أ ّل يعبدوا �إ ّل إ�ياه ،وهذا هو الدين
القويم الذي لا اعوجاج فيه ،ولك ّن �أكثر ال ّنا�س يجهلون
ذلك ،فلا يعلمون حقيقته.
٤١يا �صاح َب َّي في ال�سجن� :أ َّما الذي ر أ�ى أ�نه يع�صر
خمراً ،فيخر ُج من ال�سجن و َي�سقي المل َك الخم َر
فيكون �صاح َب �شرابه ،و�أ ّما الذي ر أ�ى أ� ّن على ر أ��سه
خبزاً ،ف�إنه ُي ْ�ص َلب فت�أكل الطير من ر�أ�سهُ ،ف ِر َغ من
الأمر الذي فيه ا�س َت ْفتيتما ،و َو َج َب حك ُم الله عليكما
بالذي �أخبر ُتكما به.
٤٢وقال يو�سف للذي َع ِل َم أ�نه نا ٍج من �صاحبيه:
اذكرني عند الملك ،و�أخبره �أني محبو�س بغير ُجرم،
ف أ�ن�سى ال�شيطا ُن ال�ساق َي ِذ ْك َر ذلك للملك ،فمكث
يو�س ُف في ال�سجن ِب�ضع �سنين.
٢٤٠
٤٧قال يو�سف ل�ساقي الملك :تزرعون �سب َع �سنين
متوالية على عاد ِتكم في �سنوات الخ�صب َق ْبلها ،فما
ح�صدتم من الزرع فدعوه في �ُسنبله؛ ليبقى محفوظ ًا من
التلف� ،إلا المقدار الذي ت�أكلونه.
٤٨ثم يجيء ِمن بعد ال�سنين ال�سبع ال ِخ ْ�صبة� ،سب ُع
�سنين ذات قح ٍط وجد ٍب ،ت�أكلون فيها ما ا ّدخرتم في
ال�سنين الخ�صبة من الأقوات ،إ�لا ي�سيراً مما تخزنون
وتحفظون من البذور للزراعة.
٤٩ثم يجيء بعد الـ َج ْدب ،عا ٌم فيه ُيغاث النا�س
بالمطر ،وفيه َيع ِ�صون الزيتو َن والعنب و�سائر ما ُيع�صر
من الثمرات.
٥٠وقال الملك -بعد �سماعه ت�أويل الر ؤ�يا :-ائتوني ٤٤قال الملأ الذين �س�ألهم مل ُك م�صر عن تعبير ر ؤ�ياه:
هذا الذي ر�أي َت أ�يها الملك أ�خلا ُط �أحلا ٍم ،و أ�مو ٌر
ب َم ْن ف�ّسها ،فلما جاء ر�سول الملك �إلى يو�سف يدعوه
إ�ليه ،قال قا�صداً إ�ظها َر براءته :ارجع �إلى �س ِّيدك الملك، متخ َّيلة ،وما نحن بت�أويل ِمثل هذه ا ألحلام بعالمين.
فا�س أ�له :ما �ش�أ ُن الن�سوة اللاتي َق َّطعن �أيديهن؟ �إ ّن ر ِّبي
٤٥وقال �ساقي الملك الذي نجا ِمن القتل وتذ َّكر
تعالى عليم ب�صنيعهن ومكره َّن. بعد �سنوات ما كان ن�سي ِمن َأ� ْمر يو�سف وو�صي ِته
ِب ِذ ْك ِر حاجته عند الملك :أ�نا �أخبركم بتعبير هذه الر�ؤيا،
�َ ٥١أ ْح َ� َض الملك الن�سو َة ي�ستجوبه َّن في �أَ ْم ِر يو�سف ف�أر�سلوني إ�لى ال�سجن؛ آلتيكم بت أ�ويلها ممن عنده علم
قائل ًا :ما كان �ش أ�نك َّن حين راودت َّن يو�سف عن نف�سه؟
هل ر�أي ُ َّت منه ما َي ِريب؟ ُق ْلنَ :معاذ الله أ�ن يكون يو�سف بت�أويل ال ُّر�ؤى.
م ّتهم ًا ،والل ِه ما َع ِلمنا عليه ِمن �ُسوء ،قالت امر أ�ة العزيز:
ا آلن تب َّي الح ُّق وانك�شف جل ّي ًا� ،أنا التي حاولت إ�غراء ٤٦ف�أر�َسلوه ف�أتى يو�سف ،فقال له :يو�سف �أيها
يو�سف ودعو ُته �إلى نف�سي ،وهو بري ٌء من الخيانة ال�ص ِّديق� ،أفتنا في ر ؤ�يا َم ْن ر أ�ى �سب َع بقرا ٍت �سما ٍن
ي�أكلهن �سب ٌع ِ�ضعاف ،ور�أى �سب َع �سنبلا ٍت ُخ�ضر
و�صاد ٌق في قوله} :ﮝﮞﮟﮠﮡ{. تلت ُّف عليها �سب ٌع ياب�سات؛ لعلي �أرجع إ�لى الملك
و َم ْن عنده ،ف أ�خبرهم بت�أويل هذه الر ؤ�يا ،ولعلهم
٥٢قال يو�سف :ذلك ا ألمر الذي ف َع ْل ُتهِ :م ْن طلبي
التح ُّق َق من �أمر الن�سوة اللاتي ق َّطعن أ�يديهن ،فعل ُته يعرفون َق ْد َرك ومكانتك.
ألجل أ�ن تظهر براءتي؛ و ِل َيعل َم العزي ُز �أني لم �أخنه في
غيبته؛ بل تعفف ُت عن زوجته ،و أ� ّن الله لا ُينفذ ولا ُي�س ِّدد ٢٤١
كي َد الخائنين؛ ف�إنه و إ�ن راج لا َيلبث أ�ن يبطله الله و ُيظهر
حقيقته.