The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

تفسير القرآن الكريم_compressed

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Ghada Alnawawy, 2021-11-09 00:37:41

تفسير القرآن الكريم_compressed

تفسير القرآن الكريم_compressed

‫‪ 32‬يريد ه ؤ�لاء الكفار إ�بطا َل دين الله الذي �أُر�سل به‬

‫محمد ‪ - -‬ولا َير�ضى الله �إلا أ�ن ُيعلي دينه ويظهر‬
‫كلمته و ُيت ّم الحق الذي بعث به ر�سوله محمداً ‪ ‬ولو‬

‫كره ذلك الكافرون‪.‬‬

‫وا ألر�ض‪ِ ،‬م ْن هذه ال�شهور أ�ربع ٌة ُح ُرم‪ ،‬واحد َف ْر ٌد‪،‬‬ ‫‪ 33‬هو الذي أ�ر�سل ر�سوله بالقر آ�ن الذي أ�نزله عليه‬
‫وهو رجب‪ ،‬وثلاثة �َ ْس ٌد‪ ،‬وهي‪ :‬ذو القعدة وذو الحجة‬
‫والمح َّرم‪ ،‬و إ�ن تحريم هذه الأ�شهر هو الدين الق ِّيم دي ُن‬ ‫وجعله هدى للمتقين‪ ،‬وبالدين الحق وهو دين الإ�سلام؛‬
‫إ�براهيم و�إ�سماعيل عليهما ال�سلام‪ ،‬فلا تظلموا فيهن‬
‫ل ُيعليه على �سائر ا ألديان‪ ،‬ولو كره ذلك الم�شركون‪ .‬وقد‬
‫�أنف�سكم بهتك ُحرمتها والبدء بالقتال فيها‪ ،‬وقا ِتلوا‬ ‫�أنجز الله وعده‪ ،‬و�أظهر دينه ور�سوله على ا ألديان كلها‬
‫الم�شركين جميع ًا كما يقاتلونكم جميع ًا‪ ،‬واعلموا أ�ن‬
‫حتى ع َّم الم�شار َق والمغار َب‪.‬‬
‫الله مع المتقين بالن�صر والمعونة‪ .‬وهذه ب�شار ٌة و�ضما ٌن‬
‫‪ 34‬يا �أيها الذين �آمنوا‪ :‬اعلموا �أن كثيراً من �أحبار‬
‫لهم بالن�صر ب�سبب تقواهم‪.‬‬ ‫اليهود ورهبان الن�صارى ي�ستح ُّلون �أموال النا�س‬

‫بغير ح ٍّق‪ ،‬في أ�خذونها بطريق الر�وشة وغيرها لتغيير‬
‫ا ألحكام وال�شرائع‪ ،‬و َي�صرفون النا�س عن الدخول في‬
‫دين الإ�سلام‪ ،‬والذين يجمعون وي ّدخرون ا ألموال من‬
‫الذهب والف�ضة ولا ي ؤ� ّدون زكاتها ولا الحقو َق الواجب َة‬

‫فيها؛ ف�أن ِذرهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬بعذا ٍب ُمو ِج ٍع‪.‬‬

‫‪ 35‬يوم ُتمى ا ألموا ُل المكنوز ُة بنار جهنم‪ ،‬ث ّم‬
‫ُترق بتلك الأموال المحماة جبا ُه أ��صحابها وجنوبهم‬
‫وظهورهم‪ ،‬ث ّم يقال لهم توبيخ ًا‪ :‬هذا ما �أردتم به منفع َة‬
‫�أنف�سكم فكان عي َن َم َ�ضتها و�سب َب تعذيبها‪ ،‬فذوقوا‬
‫و َبا َل ما كنزتم في الدنيا من الأموال من غير �أن ت�ؤدوا‬

‫حق الله فيها‪.‬‬

‫‪ 36‬إ� ّن َع َد َد ال�شهور في كل �سنة في ُحكم الله‬

‫وتقديره اثنا ع�شر �شهراً أ� ّو ُلها المح َّرم و�آخرها ذو‬
‫الحجة‪ ،‬وهذا العدد ثاب ٌت عند الله في اللوح المحفوظ‪،‬‬
‫وهو ثابت في نف�س ا أَل ْم ِر منذ خلق الله ال�سماوات‬

‫‪١٩٢‬‬

‫ك أ�نكم م�شدودون إ�لى ا ألر�ض با ألثقال ‪ -‬وكان ذلك‬ ‫‪ 37‬وما ت�أخي ُر ُحرم ِة هذه الأ�شهر إ�لى أ��شهر �أخرى‬
‫في غزوة تبوك في العام التا�سع من الهجرة‪�ُ ،‬أمروا بها‬ ‫‪ -‬كما كان يفعله �أهل الجاهلية‪� -‬إلا �إمعا ٌن في الكفر‬
‫بعد رجوعهم من الطائف في وقت ُع�ْ ٍس و َحـ ٍّر مع ُب ْع ِد‬ ‫يزداد به الذين كفروا �ضلال ًا على �ضلالهم‪ .‬فقد كانوا‬
‫الم�سافة و َك ْثة العدو ف�شق ذلك عليهم فتخ ّلف عدد قليل‬ ‫أ��صحا َب حروب وغارات‪ ،‬وكان ي�شق عليهم ت ْر ُك‬
‫منهم‪ ،‬وتخ ّلف المنافقون وكثير من الأعراب‪ -‬فهل‬ ‫القتال ثلاثة أ��شهر متتالية‪ ،‬فكانوا ألجل هذا يح ّلون‬
‫�شهر المح َّرم غالب ًا ل ُي ِغيروا فيه‪ ،‬ويح ِّرمون بدله �شهراً‬
‫ر�ضيتم بالحياة الدنيا و َك َدرها بدل ا آلخرة ونعيمها!!‬ ‫�آخر‪ ،‬ليوافقوا بتقديرهم الباطل هذا َع َد َد ما حرم الله من‬
‫فما التمت ُع بالدنيا ولذائذها في َج ْن ِب ا آلخرة �إلا قليل‬ ‫الأ�شهر‪ ،‬زعم ًا منهم �أن الواجب هو تحريم �أربعة �أ�شهر‬

‫م�ستح َقر‪ ،‬لا ُي ؤ�ْبه به‪.‬‬ ‫من كل عام دون تعيين‪ ،‬ولقد زين ال�شيطان لهم ذلك‬

‫‪� 39‬إ ْن لم تخرجوا �ِساع ًا �إلى الجهاد حين يدعوكم‬ ‫فح�سبوا أ�عمالهم القبيحة ح�سن ًة‪ ،‬والله لا يهدي َم ْن كفر‬
‫�إليه ر�سول الله ‪ - -‬يعذ ْبكم الله عذاب ًا أ�ليم ًا في الدنيا‬ ‫إ�لى طريق الر�شد‪ ،‬ما دام ُم�ص ّراً على كفره و�ضلاله‪.‬‬
‫وا آلخرة‪ ،‬وي�ستبدل مكانكم قوم ًا غيركم ين�صر بهم‬
‫‪ 38‬يا أ�يها الذين �آمنوا‪ ،‬مالكم حينما قال لكم‬
‫دينه‪ ،‬ولا ي�ض ُّر اللهَ�سبحانه تخ ُّل ُفكم ولا ا�ستبدا ُلكم �شيئ ًا؛‬ ‫ر�سول الله ‪ :- -‬اخرجوا للجهاد في �سبيل الله‪،‬‬
‫ف�إ ّنه الغني عن كل �شيء و أ�نتم الفقراء �إليه‪ ،‬والله قادر لا‬
‫يعجزه �شيء‪ .‬وهذا وعي ٌد وتهديد أ�ن يعودوا ِلـ ِم ْث ِل ذلك‬ ‫تباط�أتم عن الا�ستجابة ك�سل ًا وف�شل ًا وخو َف الموت‬

‫التثا ُقل في الم�ستقبل‪.‬‬

‫‪� 40‬إ ْن لا تن�صروا ر�سول الله‪ ،‬ف�سين�صره الله كما‬
‫ن�صره حين أ�خرجه الذين كفروا من مكة‪ ،‬حا َل َك ْون ِه‬
‫ثان َي اثنين ‪� -‬إذ لم يكن معه إ�لا رجل واحد هو أ�بو بكر‬
‫ال�صديق‪ -‬وحا َل َك ْونهما مختفيين في الغار‪ ،‬إ�ذ يقول‬
‫ل�صاحبه �أبي بكر ‪ -‬ر�ضي الله عنه‪ :-‬لا تحزن‪ ،‬إ� ّن‪ ‬الله‬

‫معنا بالن�صرة والحفظ ‪ -‬وقد قال له ذلك لـ ّما ر أ�ى‬
‫�أبو بكر �أقدا َم الم�شركين‪ ،‬فقال‪ :‬لو ن َظ َر أ�ح ُدهم تحت‬
‫قدميه لر�آنا‪ -‬ف أ�نزل الله �سكينته و أَ� ْمنه على قلب ر�سوله‬
‫‪ - ‬وقيل‪ :‬على قلب �صاحبه لأ ّنه هو الذي حزن‪-‬‬
‫و أ� َّي َد‪ ‬الله ر�سوله بجنود ِم ْن عنده لا يعلمها �إلا هو‪،‬‬
‫وهم الملائكة‪ ،‬و�أظه َر الله دينه و أ�على كلمته‪ ،‬حيث‬
‫خ َّل�ص ر�سوله ‪ ‬من بين الكفار‪ ،‬و َن َقله �إلى المدينة‪،‬‬
‫ولم يزل ين�صره حتى َظ َهر التوحي ُد و َب َط َل الكف ُر‪،‬‬
‫والله عزي ٌز غال ٌب على �أمره‪ ،‬حكيم في أ�مره وتدبيره‪.‬‬

‫‪١٩٣‬‬

‫ال�شك وهواج�س الكفر‪ ،‬فهم يعي�وشن في حيرة دائمة‬ ‫‪� 41‬سا ِرعوا �إلى الا�ستجابة إ�ذا ُدعيتم �إلى القتال في‬
‫مهلكة لا تطمئن نفو�سهم‪ ،‬ولا ت�صفو أ�فكارهم‪.‬‬ ‫�سبيل الله في ال ُع�ْس وال ُي�سر والـ َم ْن�شط والـ َم ْكره وعلى‬
‫كل حال‪ ،‬وجا ِهدوا بما َ�أمكن من �أموالكم و�أنف�سكم في‬
‫‪ 46‬ولو أ�رادوا الخروج �إلى الغزو معكم وكانت‬ ‫�سبيل‪ ‬الله‪ ،‬ذلكم خير لكم في الدنيا بالظهور والن�صر‪،‬‬
‫لهم نية في ذلك ألع ُّدوا له �أُ ْهب َته من الزاد والراحلة‬ ‫وخي ٌر لكم في ا آلخرة بما �أعده الله للمجاهدين‪ ،‬إ�ن‬
‫وال�سلاح‪ ،‬ولقد علم الله ما في قلوبهم ف َك ِره خروجهم‬
‫و َح َب�سهم و َك�َس عزمهم بالجبن والك�سل‪ ،‬وقال قائلهم‪:‬‬ ‫كنتم‪ ‬تعلمون‪.‬‬

‫ا ْقعدوا مع القاعدين من �أ�صحاب‪ ‬المعاذير‪.‬‬ ‫‪ 42‬ولو كان ما تدعو إ�ليه ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬ه�ؤلاء‬
‫المنافقين غنيم ًة �سهلة قريبة التناو ِل من متاع الدنيا‪،‬‬
‫‪ 47‬ولو خرجوا معكم مخالطين لكم ما نفعوكم‬ ‫و�سفراً �سهل ًا قريب ًا‪ ،‬لا ّتبعوك ووافقوك على الخروج‪،‬‬
‫ب�شيء ولما زادكم خرو ُجهم �إلا تف ُّكك ًا وا�ضطراب ًا‪،‬‬ ‫طمع ًا في تلك المنافع التي تح�صل لهم‪ ،‬ولكن لما كان‬
‫و َل َ�سعوا فيما بينكم ب أ��سباب الفتنة حتى تختلف قلوبكم‪،‬‬ ‫ال�سفر بعيداً وكانوا ي�ستعظمون غز َو الروم تخ ّلفوا‪،‬‬
‫وتذهب ِر ْي ُح ن�صركم‪ ،‬وما كان كيدهم ب�ضا ّركم �شيئ ًا‬ ‫و�سيحلف المتخلفون �إذا رجع ر�سول الله ‪ ‬من تلك‬
‫للاو �أن فيكم قوم ًا َ�ض َعفة يقبلون قولهم‪ ،‬والله عليم‬ ‫الغزوة (غزوة تبوك) معتذرين يقولون‪ :‬لو ا�ستطعنا‬
‫بالظالمين فيعلم �ضمائرهم وما يرمون إ�ليه‪ ،‬و�سيجازيهم‬ ‫الخروج إ�لى تلك الغزوة لخرجنا معكم‪ ،‬لكن لم تكن‬
‫لنا ا�ستطاعة من جهة ال ُع َّدة وقدر ِة ا ألبدان‪ ،‬وهم ب�سبب‬
‫على فعلهم‪.‬‬ ‫هذه ا أليمان الكاذبة والنفاق ُيه ِلكون أ�نف�سهم‪ ،‬والله يعلم‬
‫�إنهم لكاذبون في ذلك‪ ،‬حيث إ�نهم كانوا م�ستطيعين‬

‫للخروج ولم يخرجوا‪.‬‬

‫‪ 43‬عفا الله عنك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لأ ِّي �سب ٍب �َأ ِذن َت‬
‫للمتخلفين في القعـود عن الخـروج معك لـ ّما تقـدموا‬
‫ب�أعذارهم الكاذبة؟ وه ّل توقف َت حتى يتبين لك الذين‬
‫�صدقوا في الاعتذار‪ ،‬وتعلم الكاذبين فيه‪ .‬و�إنما كان‬
‫يظهر ال�صادق لو لم ت أ�ذن لهم‪ ،‬فتعامل كل ًا من الفريقين‬

‫بما ي�ستحقه‪.‬‬

‫‪ 44‬لي�س ِمن عاد ِة الم�ؤمنين �أن ي�ست�أذنوا في �أن يقعدوا‬
‫عن الجهاد‪ ،‬بل الـ ُخ َّل�ص منهم يبادرون �إلى َب ْذل النف�س‬

‫والمال‪ ،‬والله عليم بالمتقين فيثيبهم ويقربهم‪.‬‬

‫‪ 45‬إ�نما ي�ست أ�ذنك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬في التخ ّلف من‬
‫غير عذر الذين لا ي ؤ�منون �إيمان ًا �صادق ًا بالله وح�سابه‬
‫في اليوم الآخر‪ ،‬وذلك لما يتردد في قلوبهم من �َأ�صداء‬

‫‪١٩٤‬‬

‫ما جرى يوم ُ�أحد؛ يتب ّجحوا بتخلفهم أ�و ان�صرافهم‪،‬‬
‫ُم�ْس َتح ِمدين ر أ� َيهم في ذلك‪ ،‬وين�صرفوا وهم م�سرورون‬

‫ل�سلامتهم غير آ��سفين على ما نالك منها‪.‬‬

‫‪ 51‬قل لهم ‪ -‬أ�يها النبي‪ :-‬لن ينا َلنا ِمن خير �أو �شر �إلا‬
‫ما ق َّدره الله لنا‪ ،‬و إ� ّن الله وحده هو متولي �أمرنا وحاف ُظنا‬
‫ونا�صرنا‪ ،‬و إ�ليه فليفو�ض الم ؤ�منون أ�مورهم‪ ،‬وعليه‬

‫وحده فليعتمدوا‪.‬‬

‫‪ 52‬قل لهم ‪ -‬أ�يها النبي‪ :-‬هل تنتظرون بنا �إلا إ�حدى‬ ‫‪ 48‬ولقد �سعى ه ؤ�لاء المنافقون ِم ْن قب ُل �إلى ت�شتيت‬
‫�أمرك ‪� -‬أيها النبي‪ -‬وتفري ِق �أ�صحابك وتخذيلهم عنك‪،‬‬
‫العاقبتين‪� :‬إ ّما الن�صر والغنيمة‪ ،‬و إ� ّما ال�شهادة والجنة‪،‬‬ ‫ود َّبروا لك ال ِحي َل والمكايد وق ّلبوا ا آلراء في �إبطال �أمرك‪،‬‬
‫وك ٌّل منهما ُح�سنى‪ ،‬ونحن ننتظر بكم �إحدى العاقبتين‪:‬‬ ‫ف�أحبط الله �سعيهم‪ ،‬و أ�يدك‪ ‬الله بن�صره وت�أييده‪َ ،‬ف َعلا دي ُنه‬
‫إ� ّما �أن يهلككم الله بعذاب من عنده كما أ�هلك َم ْن كان‬
‫قبلكم من الأمم الخالية‪� ،‬أو يعذ َبكم بال ِّذلة على أ�يدينا أ�و‬ ‫و�ساد �َ ْشعه على الرغم‪ ‬منهم‪.‬‬
‫القتل على الكفر‪ ،‬وك ٌل منهما �ُس ْو أ�ى‪ .‬فانتظروا أ� ْم َر الله‬
‫‪ 49‬و ِم ْن ه�ؤلاء المنافقين َم ْن كان يقول للر�سول‪:‬‬
‫وعاقبته‪ ،‬إ� ّنا معكم منتظرون‪.‬‬ ‫ائذن لي في القعود‪ ،‬ف�إنني أ�خ�شى الفتنة‪ ،‬وهم بذلك‬

‫‪ 53‬قل ‪� -‬أيها النبي‪ -‬له�ؤلاء المنافقين‪� :‬سوا ٌء عليكم‬ ‫قد وقعوا في َع ْي الفتنة‪ ،‬وهي فتنة الكفر والنفاق‬
‫�أ أ�نفقتم ط ِّيب ًة بذلك �أنف�ُسكم أ�م كارهة فلن يتقبل الله‬ ‫ومخالف ِة الر�سول ‪ ‬والقعود عنه‪ ،‬و إ� ّن جهنم لجامع ٌة‬
‫�إنفاقكم الذي �أبطله نفا ُقكم وكو ُنكم قوم ًا َد ْيد ُنكم‬
‫لهم يوم القيامة محيطة بهم من كل‪ ‬جانب‪.‬‬
‫التمر ُد على دين الله والخرو ُج على أ�مره‪.‬‬

‫‪ 54‬وما َم َن َع من قبول نفقاتهم �إلا كف ُرهم بالله‬
‫ور�سوله‪ ،‬وكونهم لا ي أ�تون ال�صلاة �إلا وهم متثاقلون‪،‬‬

‫ولا يعطون المال إ�لا وهم كارهون؛ ألنهم لا يرجون‬

‫بهما ثواب ًا ولا يخافون على تركهما عقاب ًا‪.‬‬

‫‪ 50‬و إ� ْن يتف�ضل الله عليك ‪� -‬أيها النبي‪ -‬بن�صر �أو‬
‫غنيمة في بع�ض الغزوات يت أ�لموا ويحزنوا لغيابهم عنها‪،‬‬
‫و�إ ْن ت�صبك ‪ -‬أ�يها النبي‪َ -‬ن ْكبة أ�و �شدة في بع�ضها نحو‬

‫‪١٩٥‬‬

‫في زيادته و َتكنه من قلوبهم‪ ،‬وفي ف ِّك رقاب الذين‬ ‫‪ 55‬فلا تعج ْبك ‪ -‬أ�يها النبي‪ -‬كثر ُة أ�موال المنافقين‬
‫فقدوا حريتهم ُي�ْشترون بها و ُيعتقون‪ ،‬و ُتعطى للعاجزين‬ ‫ولا �أولا ُدهم‪ ،‬ف إ� ّن ذلك ا�ستدراج لهم و َوبا ٌل عليهم‪،‬‬
‫عن ق�ضاء ديونهم فيعانون على ق�ضائها‪ ،‬ولم�صالح الجهاد‬ ‫إ�نما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا بما يكابدون‬
‫في �سبيل الله‪ ،‬وللغريب المحتاج لما يو�صله إ�لى بلده و إ� ْن‬ ‫في جمعها وحفظها من المتاعب‪ ،‬وما ُيقا�سون فيها من‬
‫كان م�ستغني ًا عن ال�صدقات في بلده‪ ،‬وقد فر�ض الله هذه‬ ‫ال�شدائد والم�صائب‪ ،‬و ُيدركهم المو ُت وهم كافرون‬
‫الحقو َق و�شرعها‪ ،‬وهو �سبحانه عليم بم�صالح عباده‪،‬‬
‫فتكون عاقبتهم بعد عذاب الدنيا عذاب ا آلخرة‪.‬‬
‫حكي ٌم ي�ضع ا أل�شياء في موا�ضعها‪.‬‬
‫‪ 56‬ويحلفون لكم بالله‪ :‬إ�نهم لمن ُج ْملة الم�سلمين‪.‬‬
‫‪ 61‬و ِم ْن ه ؤ�لاء المنافقين َم ْن يتع َّمد إ�يذاء النب ِّي وتناو َل ُه‬ ‫وهم كاذبون في �أيمانهم‪ ،‬ولكنهم قوم يخافون منكم‬
‫بما يكره‪ ،‬فيتهمونه ب أ�نه ي�سمع كل ما يقال له وي�ص ِّدقه‬ ‫�أن تفعلوا بهم ما تفعلون بالم�شركين‪ ،‬ف ُيظهرون الإ�سلام‬
‫حق ًا كان أ�و باطل ًا‪ ،‬فقل لهم �أيها النبي‪ :‬لي�س ا ألمر‬
‫كما زعمتم‪ ،‬بل هو ِنعم الم�ستمع‪ُ� ،‬أ ُذن خير لكم لا‬ ‫تق ّي ًة وخوف ًا‪.‬‬
‫�شر‪ ،‬ي�سمع الخير فيعمل به‪ ،‬ولا يعمل بال�شر �إذا �سمعه‪،‬‬
‫ُي�ص ِّدق بالله ووحيه‪ ،‬و ُي�ص ِّدق الم�ؤمنين ألن �إيمانهم يمنعهم‬ ‫‪ 57‬ولو يجدون ح�صن ًا يلتج ُئون �إليه أ�و �سراديب في‬
‫عن الكذب‪ ،‬وهو رحمة لكل َم ْن ي�ؤمن منكم‪ ،‬والذين‬ ‫الجبال �أو جحوراً في ا ألر�ض يدخلون فيها لان�صرفوا‬
‫إ�ليها م�سرعين في ُنفو ٍر‪ ،‬لا ير ُّدهم ولا ي�صرفهم عن‬
‫ي�ؤذون ر�سول الله لهم عذاب مو ِجع‪.‬‬
‫وجهتهم �شيء‪.‬‬
‫‪١٩٦‬‬
‫‪ 58‬ومن المنافقين َم ْن يعيبك ويطعن عليك �سراً‬
‫في َق�ْس ِم ال�صدقات‪ ،‬ف�إن �ُأعطوا منها ما ير�ضيهم‬
‫ا�ستح�سنوه‪ ،‬و إ� ْن لم ُيعطوا منها ما �أرادوا أ�توا بغير المتو َّقع‬

‫ِمن اللوم والغ�ضب‪.‬‬

‫‪ 59‬ولو أ�نهم ر�وضا بما َق َ�سم الله لهم وبما �أعطاهم‬
‫الر�سول ‪ - -‬من ال�صدقات َطيبي النفو� ِس به‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬ر�ضينا بحكم‪ ‬الله وما ق�سمه لنا‪ ،‬و�سيرزقنا الله‬
‫من ف�ضله و�سيعطينا ر�سول الله ‪ - -‬فيما بعد �أكثر مما‬
‫�آتانا‪ ،‬و�إ ّنا لراغبون في �أن ُيغنينا الله من ف�ضله َوجوده‪ ،‬لو‬

‫فعلوا ذلك لكان خيراً لهم و�أجدى‪.‬‬

‫‪ 60‬إ�نما ُتدفع ال�صدقات الواجبة‪ ،‬وهي الزكاة‪ ،‬له�ؤلاء‬
‫الأ�صناف الثمانية الآتية لا تتجاوزهم إ�لى غيرهم‪،‬‬
‫ف ُتعطى للفقراء المحتاجين الذين لا يملكون �شيئ ًا‪،‬‬
‫وللم�ساكين الذين لا يملكون ما يكفيهم‪ ،‬وللعمال‬
‫ال�ساعين في تح�صيلها وجمعها ممن و َج َب ْت عليهم‪،‬‬
‫وللذين ت ؤ� َّلف قلوبهم إ� ّما بالترغيب في ا إليمان أ�و طمع ًا‬

‫ا�س َخروا وا�ستهزئوا ما �شئتم ف�إ ّن الله ُم ْظ ِه ٌر ما تحذرون مما‬
‫ت�سترونه وتخفونه من م�ساوئكم و َمثالبكم الـ ُم�ْس َت ِك ّنة‬

‫في‪ ‬قلوبكم‪.‬‬

‫‪ 65‬ولئن �س أ�لتهم ‪� -‬أيها النبي‪ -‬عن �سبب طعنهم في‬

‫الدين وا�ستهزائهم بالله و آ�ياته‪ ،‬ليقو ُل َّن‪ :‬إ�نما كنا نتحدث‬
‫ونخو�ض في الكلام كما يفعله الم�سافرون الذين يقطعون‬

‫طري َق �َس َفرهم باللعب والحديث‪ .‬قل لهم ‪ -‬يا محمد‪-‬‬
‫توبيخ ًا لهم‪ :‬أ�بالله و آ�ياته ور�سوله كنتم ت�ستهزئون؟!‬

‫‪ 66‬لا ت�شتغلوا �أيها المنافقون بالاعتذارات الكا ِذب ِة‪،‬‬ ‫‪ 62‬يحلف لكم المنافقون ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬حين‬
‫يعتذرون عن تخ ُّل ِفهم عن الجهاد وغيره ِل َت�وضا عنهم‬
‫فقد �أظهرتم الكفر ب إ�يذاء الر�سول والطع ِن عليه‪ ،‬بعدما‬ ‫وتقبلوا عذرهم‪ ،‬والله ور�سوله �أح ُّق أ�ن ُير�وضه بالطاعة‬
‫كنتم قد �أظهرتم ا إليمان‪ ،‬و إ� ْن َن ْع ُف عن طائفة منكم‬ ‫وال ِوفاق والمتابعة إ�ن كانوا م ؤ�منين ح َّق ا إليمان‪ ،‬م�ص ّدقين‬
‫بتوبتهم و إ�خلا�صهم أ�و لكفهم عن الإيذاء والا�ستهزاء‪،‬‬
‫بوعد الله ووعيده‪.‬‬
‫ف�إ ّنا نعذب طائفة أ�خرى منكم �أجرموا ب�إ�صرارهم على‬
‫النفاق أ�و ا�ستمرارهم على مبا�شرة الإيذاء والا�ستهزاء‪.‬‬ ‫‪ 63‬أ�لم يعلم ه ؤ�لاء المنافقون أ�ن ِم ْن �شرائع الدين التي‬
‫ع َّلمهم إ� ّياها ر�سولنا أ�نه َم ْن ُيعا ِد الله ور�سو َله ويخال ْف‬
‫‪ 67‬المنافقون والمنافقات مت�شابهون في الكفر وال ُب ْع ِد‬ ‫أ�مرهما فجزا ؤ�ه أ� ّن له نار جهنم خالداً فيها على الدوام‪،‬‬
‫عن ا إليمان‪ ،‬ي�أمرون بالمنكر كالكفر والمعا�صي‪ ،‬وينهون‬
‫وذلك هو ال ُّذ ُّل والهوان المقارن للف�ضيحة‪ ‬والندامة‪.‬‬
‫عن المعروف كالإيمان والطاعة‪ ،‬ويبخلون ببذل المال في‬
‫‪ 64‬يخ�شى المنافقون أ�ن ُتن َّزل على النبي ‪ - -‬في‬
‫وجوه الخير‪ ،‬أ� ْع َر�وضا عن الله ف�أعر�ض عنهم و َح َرمهم‬ ‫�ش�أنهم �سورة من القر�آن تخبر بما في قلوبهم ِمن ال�شك‬
‫من توفيقه وهدايته في الدنيا و ِمن رحمته في ال ُع ْقبى‪،‬‬ ‫والنفاق والعداو ِة للم�ؤمنين‪ ،‬وهم مع ذلك معاندون‬
‫و�إن ه ؤ�لاء المنافقين هم أ�هل التمرد والخرو ِج عن طاعة‬
‫ي�ستهزئون ب أ�مر الوحي والدين‪ ،‬فقل لهم ‪ -‬أ�يها النبي‪:-‬‬
‫الله والان�سلا ِخ عن كل خير‪.‬‬

‫‪ 68‬وعد الله المنافقين والكافرين نا َر جهنم ُيع َّذبون‬
‫فيها ولا يخرجون منها‪ ،‬هي جزا�ؤهم عقاب ًا وعذاب ًا لا‬

‫ُيزاد عليه وال‪ ‬يحتاج �إلى غيره من العذاب‪ ،‬واج َت َمع‬
‫لهم مع هذا التعذيب ا إلهان ُة وا إلبعاد عن رحمة الله‪،‬‬

‫والعذا ُب الدائم الذي لا ينقطع في الدنيا وا آلخرة‪.‬‬

‫‪١٩٧‬‬

‫‪ 69‬أ�نتم َمعا�ش َر المنافقين ِم ْثل الذين ِم ْن قبلكم من ا ألمم‬
‫الـ ُمه َلكة‪ ،‬كانوا �أكث َر َم َنع ًة و�أكثر �أموال ًا و�أولاداً منكم‬
‫فتمتعوا بن�صيبهم ِمن ملا ِّذ الدنيا و�شهواتها ور�وضا بها‬

‫ِعو�ض ًا عن ا آلخرة‪ ،‬وتم َّتعتم �أنتم بن�صيبكم الـ ُمق َّدر لكم‬
‫كما فعل َم ْن كان قبلكم‪ ،‬ثم َت َركوا ذلك ورحلوا عنه‪،‬‬
‫كذلك َترحلون �أنتم عنه وتتركونه‪ ،‬و َد َخلتم فيما دخلوا‬
‫فيه من اتباع الباطل‪ ،‬فك ٌّل منكم َب َط َل عم ُله في الدنيا‬
‫ولا ي�ستحق عليه ثواب ًا في ا آلخرة‪ ،‬وك ٌّل منكم خ�سارته‬

‫كاملة‪ ،‬قد خ�سر الدنيا والآخرة‪.‬‬

‫‪ 72‬وقد َو َع َد الله أ�هل ا إليمان الجنة دائ ِمين في نعيمها‪،‬‬ ‫‪� 70‬ألم ي�أت ه ؤ�لاء المنافقين خب ُر الذين ِمن قبلهم كيف‬
‫و أ�ع َّد لهم فيها م�ساكن تطيب بها نفو�سهم في دار‬ ‫د ّمرهم الله و أ�هلكهم حين خالفوا ُر�ُس َلهم‪ ،‬منهم قوم‬
‫نوح أ�غرقهم الله بالطوفان‪ ،‬وقو ُم عاد أ�هلكهم بالريح‪،‬‬
‫الإقامة والخلود‪ ،‬و�إ َّن ر�ضا الله عنهم الذي ينزله عليهم‬ ‫وقو ُم ثمود أ�هلكهم بال�صيحة‪ ،‬وقو ُم إ�براهيم �أهلكهم‬
‫�أكبر ِم ْن كل ما �َس َلف ذكره من نعيم الجنة‪ ،‬وذلك هو‬ ‫ب�سلب النعمة‪ ،‬وقوم �شعيب أ�هلكهم بالنار يوم ال ُّظـ ّلـة‪،‬‬
‫و َمدائ ُن قوم لوط انقلب ْت ف�صار عاليها �سافلها و ُ�أمطروا‬
‫الفوز العظيم الذي ُت�س َت ْح َقر دونه الدنيا وما فيها‪.‬‬ ‫حجارة من ِ�س ّجيل ‪ -‬وهو الطين المتح ّجر المطبوخ‬
‫بالنار‪ -‬ك ُّل أ�م ٍة من هذه الأمم �أتاها ر�سول بالمعجزات‬

‫الوا�ضحة‪ ،‬فما كان‪ ‬الله ليظلمها‪ ،‬ولكنهم كانوا يظلمون‬

‫أ�نف�سهم بتعري�ضها للعقاب بالكفر والتكذيب‪.‬‬

‫‪ 71‬والم�ؤمنون والم ؤ�منات بع ُ�ضهم �أَ ِح ّبا ُء بع�ض‬
‫ون�صرا�ؤهم‪ ،‬وهم ‪ -‬خلاف ًا للمنافقين‪ -‬ي أ�مرون بالطاعة‬

‫والبر‪ ،‬وينهون عن ال�شرك والع�صيان‪ ،‬وي ؤ�دون ال�صلاة‬

‫في أ�وقاتها و ُيتمونها ب أ�ركانها وحدودها‪ ،‬وي�ؤتون‬
‫الزكاة لم�ستحقيها‪ ،‬ويطيعون الله ولا يخالفون أ�مر‬

‫ر�سوله في �سائر ا ألمور‪ ،‬وه ؤ�لاء هم الذين �سوف يفي�ض‬
‫الله عليهم �آثار رحمته ِمن الت�أييد والن�صرة‪ ،‬والله غال ٌب‬
‫على كل �شيء‪ ،‬لا يمتنع عليه ما يريد‪ ،‬حكي ٌم ي�ضع ا أل�شياء‬

‫في موا�ضعها‪.‬‬

‫‪١٩٨‬‬

‫يعر�وضا عن الإيمان والتوبة و ُي�ص ّروا على النفاق والكفر‬
‫يعذبهم الله عذاب ًا أ�ليم ًا في الدنيا بالخزي وا إلذلال‪ ،‬وفي‬

‫ا آلخرة بالنار‪ ،‬ولي�س لهم �أحد ينجيهم من عذاب الله‪.‬‬

‫‪ 75‬و ِمن المنافقين َم ْن عاهد الله لئن أ�عطانا الله المال‬
‫لن�ؤتي َّن الزكاة وغيرها من ال�صدقات‪ ،‬ولنكون َّن من‬

‫ال�صالحين فيما‪ ‬نعمل‪.‬‬

‫‪ 76‬فل ّما ا�ستجاب الله لهم و أ�عطاهم المال‪َ ،‬منعوا حق‬
‫الله ولم يفوا بالعهد‪ ،‬وتو َّلوا عن طاعة الله وهم م�صرون‬

‫على هذا‪ ‬ا إلعرا�ض‪.‬‬

‫‪ 77‬ف َج َع َل الله عاقبة ِف ْع ِلهم ذلك نفاق ًا متم ّكن ًا في‬ ‫‪ 73‬يا أ�يها النبي جاهد الكفار بال�سلاح وغيره‪،‬‬
‫قلوبهم إ�لى يوم موتهم ‪� -‬أو �إلى يوم القيامة الذي‬
‫وجاهد المنافقين بالل�سان ب إ�قامة الحجة عليهم‪ ،‬و�َش ِّدد‬
‫يلقون فيه‪ ‬الله تعالى فيجدون عنده جزاء عملهم‪-‬‬
‫وذلك ب�سبب �إخلافهم ما وعدوه تعالى ِمن الت�ص ّد ِق‬ ‫عليهم في القول والفعل‪ ،‬و�إ ّن جهنم م�سك ُنهم‪ ،‬وبئ�س‬
‫الم�صير م�صيرهم إ�ليها‪.‬‬
‫وال�صلاح‪ ،‬وبكونهم كاذبين‪ ‬فيه‪.‬‬
‫‪ 74‬يحلف المنافقون أَ�مامك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬بالله‬
‫‪� 78‬ألم يعلم المنافقون أ�و َم ْن عاهد الله ف أ�خل َف وع َده‬ ‫�أنهم ما قالوا منكراً مما َب َلغك عنهم‪ ،‬وهم كاذبون‬
‫أ�ن الله يعلم ما أ��سروا في أ�نف�سهم من الإثم‪ ،‬وما يتناجون‬ ‫في هذه ا أليمان‪ ،‬ولقد ك َّذبوا النبي ‪ - -‬و�أظ َهروا‬
‫به فيما بينهم ِمن الـ َمطاعن في الدين‪ ،‬و أ� ّن الله ع ّلم‬ ‫كفرهم بعد �إظهار الإ�سلام‪ ،‬وهموا بما لم َيح�صلوا عليه‬
‫ِمن َق ْت ِل النبي ‪ - -‬وما كان �س َبب ِنقمتهم عليك إ�لا‬
‫الغيوب فلا يخفى عليه �شيء؟‬ ‫َب َطر النعمة والكفر بها بعد إ�غناء الله ور�سوله إ�ياهم بما‬
‫غنموا مع الم�سلمين‪ ،‬مما كان ي�ستوجب ال�شك َر ال‪ ‬ال َب َطر‪،‬‬
‫‪ 79‬و ِمن المنافقين َم ْن يعيبون على المتطوعين المتبرعين‬ ‫ف�إ ْن يرجعوا عما هم عليه من الكفر والنفاق َي ْقبل الله‬
‫ِمن أ�غنياء الم�ؤمنين َت َ�ص ُّد َقهم بالمال الكثير على المحتاجين‪،‬‬ ‫منهم ويكن ذلك خيراً لهم في العاجل وا آلجل‪ ،‬و�إن‬
‫وي�ستهزئون بفقراء الم�ؤمنين الذين لا يجدون �إلا القليل‬
‫‪ -‬الذي هو �أَق�صى جهدهم و َم ْبل ُغ طاق ِتهم‪ -‬فيت�صدقون‬
‫به‪ ،‬وقد جا َزى الله ه ؤ�لاء المنافقين على �ُسخريتهم‪ ،‬في‬
‫الدنيا ب�أن ف�ضحهم و�أخزاهم وجعلهم َمح ّ ًل ل�سخرية‬

‫النا�س‪ ،‬ولهم عذاب م�ؤلم في ا آلخرة‪.‬‬

‫‪١٩٩‬‬

‫المنافقين إ�ذا مات على كفره‪ ،‬ولا َت ِق ْف على قبره للدفن‬ ‫‪ 80‬و�سوا ٌء ‪� -‬أيها الر�سول‪� -‬أ�ستغفر َت له�ؤلاء المنافقين‬
‫�أو للزيارة‪ ،‬لأنهم عا�وشا حيا َتهم كافرين بالله ور�سوله‪،‬‬ ‫أ�م لم ت�ستغفر لهم‪ ،‬ومهما �أكثر َت ِمن طل ِب المغفرة‬
‫لهم‪ ،‬فلن يغفر الله لهم‪ ،‬و�إ َّن َع َدم قبول ا�ستغفارك لي�س‬
‫وماتوا وهم خارجون عن دائرة ا إل�سلام‪.‬‬ ‫لتق�صي ٍر منك في الا�ستغفار؛ بل لعدم قابليتهم و ِ�ش ّدة‬
‫عنادهم و�إ�صرارهم على ما هم عليه‪ .‬والله لا يو ّفق‬
‫‪ 85‬ولا تعجبك ‪� -‬أيها الر�سول‪� -‬أموا ُل المنافقين ولا‬ ‫للحق الخارجين عن طاعته‪ ،‬المخالفين لأمره؛ ما داموا‬
‫�أولادهم‪ ،‬ف إ�ن ذلك ا�س ِت ْدرا ٌج و َوبا ٌل عليهم‪� ،‬إنما يريد‪ ‬الله‬
‫ليعذبهم بها في الحياة الدنيا بما ُيكابدون في َج ْمعها‬ ‫مختارين الكفر مقيمين على الع�صيان‪.‬‬
‫وحفظها ِمن المتاعب‪ ،‬وما يقا�سون في تح�صيلها من‬
‫ال�شدائد والم�صائب‪ ،‬و�َس ُي ْد ِر ُك ُهم الموت وهم كافرون‬ ‫‪ 81‬فرح الذين َتخ ّلفوا عن الغزو‪ ،‬وقعدوا عنه‪،‬‬
‫بقعودهم عن الغزو مخالف ًة لأمر ر�سول الله إ�ياهم‬
‫فتكون عاقبتهم بعد عذاب الدنيا عذاب ا آلخرة‪.‬‬ ‫بالجهاد معه‪ ،‬وكرهوا أ�ن يجاهدوا ب�أموالهم و أ�نف�سهم‬
‫في �سبيل �إعلاء كلمة الله و ُن�صرة دينه‪� ،‬إيثاراً للراحة‬
‫‪ 86‬و�إذا ُأ�نزلت �سورة أ�و بع�ض �سور ٍة من القر آ�ن فيها‬ ‫وال َّد َعة على طاعة الله ور�سوله‪ ،‬وقال بع�ضهم لبع�ض‬
‫ا ألمر بالإيمان وبما يقت�ضيه من الجهاد مع ر�سول الله‪ ،‬طل َب‬ ‫‪ -‬أ�و قالوا للم ؤ�منين تثبيط ًا لهم‪ :-‬لا تخرجوا �إلى الجهاد‬
‫أُ�ولو الغنى وال�َّسعة ِمن المنافقين �أن ت�أذن لهم في التخلف‪،‬‬ ‫في الحر‪ ،‬فقل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬نار جهنم التي هي‬
‫وقالوا لك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬اتركنا مع القاعدين الذين‬ ‫َموعدهم في الآخرة أ��ش ُّد ح ّراً من ح ِّر الدنيا لو كانوا‬

‫لهم عذر في التخلف كالمر�ضى وال َّز ْمنى‪.‬‬ ‫يعلمون �أ ّن م آ�لهم‪� ‬إليها‪.‬‬

‫‪٢٠٠‬‬ ‫‪ 82‬ف ْل َي�ضحك ه ؤ�لاء المنافقون وليفرحوا في الدنيا‬
‫ما �شا ؤ�وا؛ ف�إ ّن �ضحكهم وفرحهم فيها قلي ٌل زائل‪.‬‬
‫و�سيبكون ويحزنون في ا آلخرة كثيراً‪ ،‬جزا ًء بما اكت�سبوا‬
‫ِمن الذنوب وا آلثام وال�سخرية ِمن الم�ؤمنين والتخ ُّل ِف‬

‫عن قتال الكافرين‪.‬‬

‫‪ 83‬ف إ� ْن ر ّدك الله ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ِ -‬من الغزو �إلى‬
‫المدينة‪ ،‬وفيها طائفة ِمن المنافقين الذين تخ ّلفوا عن‬
‫الغزو‪ ،‬فا�ست أ�ذنوك في أ�ن يخرجوا معك للجهاد في‬
‫غزو ٍة أ�خرى بعد غزوة تبوك‪ ،‬فلا َت�أْ َذن لهم‪ ،‬وقل لهم‪:‬‬
‫لن تخرجوا معي في أ� َّي ِة غزوة‪ ،‬ولن ت�شتركوا معي في‬
‫قتال �أي عدو‪ ،‬لأنكم ر�ضيتم بالتخلف عن غزوة تبوك‪،‬‬
‫فاقعدوا كما ارت�ضيتم أ�ن تقعدوا مع المتخلفين لعدم‬

‫ت�أ ُّه ِلهم للجهاد كالمر�ضى وال�صبيان وال َع َجزة‪.‬‬

‫‪ 84‬ولا ُت�ص ّل‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬أ�بداً على �أحد ِمن‬

‫عن الغزو معه‪ ،‬وتخ َّل َف �آخرون لا ِلعذر ولا ل ُ�ش ْبه ِة عذر‪،‬‬
‫فك َذبوا في دعواهم ا إليمان بالله ور�سوله‪� ،‬سي�صيب الذين‬

‫كفروا من الأعراب عذاب م�ؤلم في الدنيا وفي ا آلخرة‪.‬‬

‫‪ 91‬لي�س على أ�هل ا ألعذار من ال�ضعفاء والمر�ضى‬

‫والفقراء الذين لا يجدون من المال ما يتجهزون به‬

‫للخروج �إلى الغزو ِ�إ ْث ٌم في التخلف عن الغزو �إذا ن�صحوا‬
‫لله ور�سوله ب أ�ن آ�منوا و�أطاعوا في ال�سر والعلن‪ ،‬ولي�س‬

‫على َم ْن �أح�س َن ُجنا ٌح ولا �إلى ُمعاتبتهم �سبي ٌل‪ ،‬والله‬
‫غفور للم�سيئين رحيم بهم‪ ،‬فكيف بالمح�سنين؟!‬

‫‪ 92‬وكذلك لا َح َر َج في التخ ّلف على َم ْن جاء ِمن‬ ‫‪ 87‬ر�وضا ب أ�ن يكونوا في تخلفهم عن الجهاد كالن�ساء‬
‫الم ؤ�منين يلتم�سون ما يركبونه للخروج َمع َك ‪� -‬أيها‬ ‫وال�صبيان‪ ،‬و َخ َتم اللهُعلى قلوبهم فهم ال‪ ‬يفهمون ما في‬
‫الر�سول‪� -‬إلى الجهاد‪ ،‬فقل َت لهم‪ :‬ال‪  ‬أ�جد ما أ�حملكم‬ ‫الجها ِد وموافق ِة الر�سول من ال�سعادة وما في التخلف‬
‫عليه‪ ،‬فان�صرفوا عنك و�أعي ُنهم يفي�ض َدمعها حزن ًا على‬
‫عنه من ال�شقاوة‪.‬‬
‫�أ ّل يجدوا ما ينفقون على أ�نف�سهم في الجهاد‪.‬‬
‫‪ 88‬ف�إ ْن َت َخ َّل َف ه ؤ�لاء ولم يجاهدوا فقد جاه َد بن ْف ِ�سه‬
‫‪� 93‬إ ّنا الح َر ُج والمعاتب ُة على الذين ي�ست�أذنونك ‪ -‬أ�يها‬ ‫وماله َم ْن هو خي ٌر منهم‪ :‬ر�سول الله والذين آ�منوا معه‪،‬‬
‫الر�سول‪ -‬في القعود وهم قادرون على الجهاد ر�وضا‬ ‫و�أولئك لهم منافع الدا َرين‪ ،‬وهي الن�صر والغنيمة في‬
‫الدنيا‪ ،‬والجنة والكرامة في الآخرة‪ ،‬و�أولئك هم الفائزون‪.‬‬
‫بالدناءة وانتظموا في ُج ْملة َمن تخلف وهم الن�ساء‬
‫وال�صبيان‪ ،‬و َخ َتم الله على قلوبهم بالكفر والغفلة‪ ،‬فهم‬

‫لا يعلمون ما َي ؤ�ول إ�ليه حالهم ِمن الندم وا أل�سف‪.‬‬

‫‪ 89‬أ�ع ّد الله لهم في الآخرة النعيم المقيم‪ ،‬في جنات‬
‫تجري من تحتها ا ألنهار‪ ،‬وذلك هو الفوز العظيم الذي‬

‫لا فو َز وراءه‪.‬‬

‫‪ 90‬وجاء المعتذرون من أ�عراب البوادي �إلى ر�سول‬
‫الله ‪َ - -‬ي ْن َت ِحلون الأعذا َر ِل ُي�ؤذن لهم في التخ ُّلف‬

‫‪٢٠١‬‬

‫الله‪ ،‬ولا يرجو عليه ثواب ًا‪ ،‬و إ�نما ينفقه ريا ًء �أو تق ّي ًة‪ ،‬وينتظر‬ ‫‪ 94‬يعتذر ه ؤ�لاء المتخ ّلفون إ�ليكم �إذا رجعتم ِمن‬
‫بكم م�صائب الزمان لتذهب َغ َلب ُتكم عليه فيتخ ّل�ص من‬ ‫غزوة تبوك‪ ،‬قل لهم ‪� -‬أيها الر�سول‪ :-‬لا تعتذروا‬
‫ا إلنفاق الذي ُك ِّلف به‪ ،‬أ� َل ر َّد الله عليهم ما ينتظرون‬
‫لكم من الم�صائب والنوائب‪ ،‬والله �سمي ٌع لما يقولونه عند‬ ‫با ألعذار الكاذبة‪ ،‬ف إ� ّنا لن ن�صدقكم فيما اعتذرتم به‪ ،‬قد‬
‫ُ�أ ْعلمنا بالوحي ببع�ض �أخباركم وما ت�ضمرونه من ال�ش ِّر‬
‫الإنفاق‪ ،‬علي ٌم بما ي�ضمرونه من ال�سوء‪.‬‬ ‫والف�ساد‪ ،‬و�سيعلم الله ور�سو ُله ما يكون منكم بعد ذلك‪،‬‬
‫وهل تتوبون من الكفر �أم تثبتون عليه ‪ -‬وهذه ا�س ِتتا َب ٌة‬
‫‪ 99‬وهناك ِ�صنف آ�خر من الأعراب يخالفون الذين‬ ‫من الله تعالى لهم و إ�مها ٌل للتوبة‪ -‬ثم م�صيركم بعد‬
‫�سبق ِذكرهم‪ ،‬فهم م ؤ�منون بالله م�ص ّدقون بيوم القيامة‪،‬‬ ‫الحياة الدنيا �إلى الله‪ ،‬العا ِلـ ِم بكل �س ٍّر وعلانية‪ ،‬فيخبركم‬
‫ي ّتخذون الإنفاق في �سبيل الله و�سيل ًة تقربهم �إلى الله‪،‬‬
‫و�سبب ًا لدعاء الر�سول لهم‪� ،‬إذ كان يدعو للمت�صدقين‬ ‫بما كنتم تعملون‪ ،‬ويجازيكم عليه بما ت�ستح ّقون‪.‬‬

‫بالخير والبركة‪ .‬وهذه النفقات التي َتق َّربوا بها إ�لى‬ ‫‪� 95‬سيحلفون بالله لكم إ�ذا رجعتم إ�ليهم من‬
‫الله تعالى‪ ،‬هي ُق ْرب ٌة مقبول ٌة عنده تعالى قبلا ًو م�ؤ َّكداً‪،‬‬
‫و�ستو�صلهم إ�لى ما يبتغون من دخول جنته التي هي‬ ‫غـزوكم أ�نهم �صادقون في َمعاذيرهم‪ ،‬يريدون بذلك‬
‫أ�ن تجتنبوهم فاجتنبوهم ولا ُتعاتبوهم‪ ،‬و َد ُعوهم وما‬
‫مح ُّل الكرامة عنده‪ ،‬واللهُ يغفر ما َف َرط من الخلل‪،‬‬ ‫اختاروا لأنف�سهم من النفاق‪ ،‬ف�إ ّن بواطنهم خبيثة نج�سة‬
‫ويتف ّ�ضل برحمته فيقبل ما لم يبلغ درجة الكمال‪.‬‬ ‫و أ�عما َلهم قبيحة‪ ،‬وم�صيرهم �إلى جهنم‪ ،‬عقاب ًا على ما‬

‫‪٢٠٢‬‬ ‫اقترفوه من الكفر والنفاق‪.‬‬

‫‪ُ 96‬يق ِ�سمون لكم طمع ًا في ر�ضاكم وفي ا�ستدامة‬
‫ما كنتم تفعلون بهم من ال�ستر وا إلرفاق و إ��شرا ِكهم في‬

‫الغنائم‪ ،‬ف إ�ن ر�ضيتم عنهم ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬بما حلفوا‬
‫لكم و َق ِبلتم عذرهم ف�إ َّن ر�ضاكم لا ي�ستلزم ر�ضا الله‪،‬‬

‫ور�ضاكم وح َدكم ال‪ ‬ينفعهم �إذا كانوا في �سخط الله‪.‬‬

‫‪ 97‬ا ألعراب ‪� -‬أهل البدو‪ -‬أ��ش ُّد كفراً ونفاق ًا من‬
‫الكفار والمنافقين أ�ه ِل الح�ضر لجفائهم وق�سوتهم وعد ِم‬
‫مخالطتهم لأهل العلم‪ ،‬وهم أ� َح ُّق و�أ ْخ َل ُق ب�أ ّل يعلموا‬
‫حدود ما أ�نزل الله على ر�سوله من ال�شرائع وا ألحكام‬

‫‪ -‬لبعدهم عن مجال�س العلم‪ -‬والله علي ٌم ب�أحوال‬
‫الفريقين‪ ،‬حكي ٌم فيما يق ّدره من جزاء‪.‬‬

‫‪ 98‬و ِمن الأعراب َمن َي ُع ُّد ما ينفق من الزكاة وغيرها‬
‫ِمن م�صالح الم�سلمين غرام ًة وخ�سران ًا؛ �إذ لا يحت�سبه عند‬

‫‪ 102‬وهناك آ�خرون لم يعتذروا ِمن تخ ُّلفهم عن‬ ‫‪ 100‬وال�سابقون الأ ّولون إ�لى ا إل�سلام من المهاجرين‬
‫الغزو والخروج مع الر�سول إ�لى تبوك با ألعذار الكاذبة‬ ‫‪ -‬وهم الذين �ص ّلوا إ�لى القبلتين �أو الذين �شهدوا بدراً‬
‫كغيرهم‪ ،‬واعترفوا على أ�نف�سهم نادمين و�أق ّروا بما فعلوا‪،‬‬ ‫أ�و الذين أ��سلموا قبل الهجرة ‪ -‬ومن ا ألن�صار ‪ -‬وهم‬
‫وه ؤ�لاء قد خلطوا العمل ال�صالح الذي هو �إظهار الندم‬ ‫أ�هل بيعة العقبة الأولى �أو �أهل العقبة الثانية ‪ -‬والذين‬
‫والاعترا ُف بالذنب ب آ�خر �س ِّيئ وهو التخ ُّلف وموافقة‬ ‫ا ّتبعوهم بالإيمان والطاعة إ�لى يوم القيامة‪ ،‬ر�ضي الله‬
‫أ�هل النفاق‪ ،‬وهم لهذا ُيرجى لهم �أن ُتقبل توبتهم‪ ،‬والله‬ ‫عنهم بقبول طاعتهم وارت�ضاء أ�عمالهم‪ ،‬ور�وضا عنه بما‬
‫أ�فا�ض عليهم من ِن َع ِمه الدينية والدنيوية‪ ،‬و أ�ع َّد لهم في‬
‫غفو ٌر يتجاوز عن التائب‪ ،‬رحي ٌم يتف�ضل عليه‪.‬‬ ‫الآخرة جنات تجري من تحتها ا ألنهار‪ ،‬خالدين فيها أ�بداً‬

‫‪ُ 103‬خ ْذ ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ِ -‬من أ�موال ه ؤ�لاء التائبين و ِمن‬ ‫من غير انتهاء‪ ،‬ذلك الفلاح الكبير‪.‬‬
‫غيرهم ِمن الم�سلمين �صدقات ُتط ِّهرهم بها ِمن الذنوب‬
‫والبخل‪ ،‬وترفعهم إ�لى درجات المخ ِل�صين‪ ،‬وا ْد ُع لهم‬ ‫‪ 101‬وممن يحيط بكم في ال�سكن يا أ�هل المدينة ِمن‬
‫بالرحمة ف�إ َّن دعواتك َت�ْسكن �إليها نفو�سهم وتطمئن‬ ‫ا ألعراب منافقون‪ ،‬و ِم ْن �سكان المدينة قوم �أقاموا على‬
‫بها قلوبهم؛ ل َتح ُّققهم بقبول دعائه ‪ -‬عليه ال�صلاة‬ ‫النفاق وتم َّهروا فيه‪ ،‬لا تعرفهم ‪ -‬يا محمد‪ -‬ب أ�عيانهم‪،‬‬
‫مع كمال ِفطنتك و ِ�صد ِق فرا�ستك‪ ،‬الله يعلمهم لأنه لا‬
‫والت�سليم‪ -‬والله �سمي ٌع لاعترافهم‪ ،‬علي ٌم بندامتهم‪.‬‬ ‫تخفى عليه خافية و�إ ْن د ّقت‪ ،‬و�سيعذبهم الله بالف�ضيحة‬
‫والقتل ‪ -‬أ�و يع َّذبون عذاب ًا متكرراً م�ضاعف ًا‪ -‬ثم ُير ّدون‬
‫‪ 104‬أ�لم يعلم ه�ؤلاء الذين تابوا أ�ن الله تعالى يقبل التوبة‬
‫ال�صادقة وال�صدق َة الخال�صة‪ ،‬و�أن الله ِم ْن �ش�أنه قبول توبة‬ ‫�إلى عذا ٍب عظي ٍم بعد الموت‪ ،‬وهو عذاب النار‪.‬‬

‫التائبين والتف�ضل عليهم بجوده و إ�ح�سانه؟‬ ‫‪٢٠٣‬‬

‫‪ 105‬وقل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬للنا�س على ِج َه ِة الترغيب‬
‫والترهيب لا على ِج َه ِة الترخي�ص‪ :‬اعملوا ما �شئتم ِمن‬
‫خير أ�و غيره‪ ،‬ف�إن الله يعلم كل �أعمالكم لا يخفى عليه‬
‫�شيء‪ ،‬و�سيراها الر�سول والم�ؤمنون‪ ،‬و�سترجعون يوم‬
‫القيامة �إلى َم ْن يعلم �س ّركم وعلانيتكم ولا يخفى عليه‬
‫�شيء من بواطنكم وظواهركم‪ ،‬فيخبركم بما عملتم‬

‫بالمجازاة عليه‪.‬‬

‫‪ 106‬وهناك ِ�صن ٌف ثالث من المخ َّلفين بقي �أ ْم ُرهم‬
‫موقوف ًا‪ ،‬وهم الثلاثة الذين تخ ّلفوا من غير عذر‪ ،‬ولم‬
‫يكونوا من المنافقين ولا من الذين َق ِب َل اللهُ توبتهم‬
‫‪ -‬وهم هلال بن �ُأم ّية وكعب بن مالك و ُمرارة بن‬
‫الربيع‪ -‬قد �أ ّخر الله ُحكمه فيهم‪ ،‬ولم ي أ�مر نب ّيه ب�شيء‬
‫في �ش�أنهم‪� .‬إ ّما أ�ن يعذبهم ب�سبب تخ ُّلفهم و إ� ّما أ�ن‬
‫يعفو عنهم‪ .‬والله علي ٌم ب�أحوالهم‪ ،‬حكي ٌم فيما اختار‬

‫لهم من الإرجاء والت�أخير‪.‬‬

‫في �سبيل الله‪ ،‬وقد َ�أثبت الله هذا الوعد الح َّق في التوراة‬ ‫‪ 107‬و ِمن المنافقين فري ٌق اتخذوا م�سجداً ِمن أ� ْج ِل تقوية‬
‫والإنجيل‪ ،‬كما أ�ثبته في القر�آن‪ ،‬ولا �أح َد أ�وفى من الله‬ ‫الكافرين و إ�لحاق ال�ضرر بالم�ؤمنين والتفرق ِة بينهم‪ ،‬و ِمن‬
‫بالوعد‪ ،‬فافرحوا ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬بهذا البيع الذي‬ ‫أ� ْجل َج ْع ِله مر�صداً لتر ُّقب َم ْن يق�صدهم وين�ضم إ�ليهم‬
‫بايعتم الله به غاي َة الفرح‪ ،‬ف إ�نه أ�َوجب لكم �أعظم‬ ‫لمحاربة الله ور�سوله‪ ،‬و�سوف يحلفون‪ :‬ما أ�ردنا ب ُبنيانه‬
‫المطالب ‪ -‬وهو ر�ضاه تعالى عنكم والجنة‪ -‬وذلك‬ ‫إ�لا الخ�صلة الح�سنى وهي ال�صلاة وذكر الله والتو�سعة‬

‫البيع هو ال َّظ َف ُر الكبير‪.‬‬ ‫على الم�صلين‪ .‬والله ي�شهد �إنهم لكاذبون في أ�يمانهم‪.‬‬

‫‪ 108‬لا ت�ص ّل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬في هذا الم�سجد الذي‬
‫بناه ه ؤ�لاء المنافقون �أبداً‪ ،‬و إ� َّن م�سجداً أ�قيم ابتغاء وجه‬
‫الله وطلب ًا لمر�ضاته من أ� ّول �أمره كم�سجد ُقباء �أَ ْولى ب أ�ن‬
‫ت�صلي فيه‪ ،‬وفي هذا الم�سجد رجال يحبون �أن يتطهروا‬
‫بالماء من النجا�سات وا ألقذار‪ ،‬ومن المعا�صي والخ�صال‬
‫المذمومة‪ ،‬طلب ًا لمر�ضاة الله‪ ،‬والله ير�ضى عنهم و ُي ْدنيهم‬
‫من جنابه‪ ،‬بما اختاروه ألنف�سهم من المداومة على محبة‬

‫الطهارة‪.‬‬

‫‪ 109‬أ� َف َم ْن طل َب ببنائه الم�سجد الذي بناه وج َه الله‬
‫خي ٌر أ�م َم ْن بناه ق ْ�صد الرياء وال�سمعة‪ ،‬فهو بذلك كمن‬
‫بناه على حا ّف ِة هاوي ٍة‪ ،‬فهو وا ٍه �ساقط يقع ب�صاحبه في‬
‫نار جهنم؟ والله لا يوفق الظالمين إ�لى ما فيه �صلاحهم‬

‫ونجاتهم‪.‬‬

‫‪ 110‬لا يزال هذا البناء الذي بناه المنافقون م�صدر‬
‫ا�ضطراب و�ش ٍّك وتزا ُي ٍد في النفاق لا يزول من قلوبهم‬
‫حتى تتقطع قلوبهم بالموت �أو بالتوبة و�شدة الندم‪ ،‬والله‬

‫علي ٌم بعزائمهم‪ ،‬حكي ٌم في تدبيره وفي جزائه‪.‬‬

‫‪ 111‬قد ع َّو�ض الله الم ؤ�منين عن َب ْذل ُم َهجهم و أ�موالهم‬
‫في �سبيله الجن َة ونعي َمها‪ ،‬ذلك أ�نهم يقاتلون في �سبيل‬
‫الله إلعلاء كلمة الله‪ ،‬في ْق ُتلون الكفار و ُي ْق َتلون �شهدا َء‬

‫‪٢٠٤‬‬

‫بالا�ستغفار له ‪� -‬أو ب�سبب وع ٍد من �أبيه با إليمان‪ -‬فل ّما‬ ‫‪ 112‬ه ؤ�لاء الذين َ�ص َدقوا في عهدهم مع‪ ‬الله هم‪:‬‬
‫انقطع رجا ُء �إبراهيم في �إ�سلام أ�بيه بموته على ال�شرك �أو‬ ‫التائبون عن الكفر والمعا�صي‪ ،‬العابدون لله مخل�صين له‬
‫بما �أوحاه‪ ‬الله إ�ليه‪ ،‬ت َر َك الا�ستغفار له‪ .‬إ� ّن �إبراهيم لكمال‬ ‫الدين‪ ،‬الحامدون الله في ال�سراء وال�ضراء وعلى كل حال‪،‬‬
‫ر�أفت ِه وتع ُّط ِف ِه ور ّق ِة قلب ِه‪ ،‬كثي ُر الت�ضرع لله‪ ،‬حلي ٌم كثير‬ ‫ال�صائمون‪ ،‬الراكعون ال�ساجدون في ال�صلاة‪ ،‬ا آلمرون‬
‫بكل ما هو معرو ٌف محمو ٌد والناهون عن كل ما هو‬
‫ال�صبر على من �آذاه‪.‬‬ ‫منك ٌر في ال�شرع‪ ،‬والحافظون لكل ما ح َّده ال�شارع‬
‫وع َّينه من الحقائق وال�شرائع‪ ،‬و َب�ِّش المو�وصفين بهذه‬
‫‪ 115‬وما كان الله ليق�ضي على قوم بال�ضلال؛‬
‫‪ -‬ب�سبب ا�ستغفارهم لموتاهم الم�شركين �أو ب�سبب غيره‬ ‫الخ�صال الحميدة بر�وضان الله تعالى وجنات النعيم‪.‬‬

‫من المعا�صي‪ -‬بعد �أن رزقهم الهداي َة ووفقهم ل إليمان‬ ‫‪ 113‬لي�س للنب ِّي ولا للم ؤ�منين أ�ن َي ْدعوا بالمغفرة‬
‫بالله وبر�سوله حتى يبين لهم َخ َطر ما يجب اتقا�ؤه‪،‬‬ ‫للم�شركين ولو كانوا ذوي قرابة لهم‪ِ ،‬من بعد ما‬
‫ف إ�ن �أ�ص ّروا على المخالفة بعد البيان ولم يتوبوا‪ ،‬أ��ض َّلهم‬ ‫ظهر لهم أ�نهم ماتوا على ال�شرك‪ ،‬فكانوا بذلك من‬
‫و أ�خزاهم‪ .‬إ�ن الله بكل �شيء عليم‪ ،‬لا يخفى عليه �شيء‬
‫�أ�صحاب‪ ‬الجحيم‪.‬‬
‫من �أمرهم قبل البيان‪ ‬وبعده‪.‬‬
‫‪ 114‬ولا ُح ّج َة لكم في ا�ستغفار �إبراهيم ‪ -‬عليه‬
‫‪� 116‬إ ّن لله وحده ملك ال�سماوات وا ألر�ض وما‬ ‫ال�سلام‪ -‬ألبيه‪ ،‬ف إ�ن ذلك لم يكن إ�لا من أ�جل وع ٍد منه‬
‫فيهما‪ ،‬لا ي�شاركه ولا ينازعه �أحد في حكمه وتدبيره‪،‬‬

‫ُيحيي َمن اقت�ضت م�شيئته إ�حيا َءه‪ ،‬ويميت َمن اقت�ضت‬
‫م�شيئته �إمات َت ُه‪ ،‬و�أم ُر الحياة والموت بيده وحده‪ .‬ولي�س‬
‫لكم من دون الله من وليٍّ يتولى أ�مركم‪ ،‬ولا ن�صي ٍر‬

‫يمنعكم من عدوكم وين�صركم عليهم‪.‬‬

‫‪ 117‬لقد تف ّ�ضل الله على نب ّيه و�أ�صحابه الم�ؤمنين من‬
‫المهاجرين والأن�صار الذين خرجوا معه إ�لى الجهاد في‬

‫وقت ال�شدة وال�ضيق ‪ -‬وهي غزوة تبوك‪ -‬ف أ�عادهم‬

‫الله منها بالثواب والأجر العظيم والمغفرة للذنوب‪،‬‬
‫من بعد ما كادت قلو ُب فري ٍق منهم أ�ن َتيد عن الإيمان‬
‫بالا�ستجابة لما تر ّدد في قلوبهم من القعود عن الخروج‬
‫�إليها‪ ،‬أ�و بما َخا َم َر قلو َبهم في �أثناء الغزوة من ال�ضيق من‬
‫الخروج �إليها في تلك الظروف البالغ ِة ال�ِّش َّد ِة‪ ،‬فث َّبتهم‪،‬‬
‫وتا َب عليهم ألجل ما كابدوه ِمن �شدة العناء‪� ،‬إنه‬

‫�سبحانه كثير الر أ�فة بهم عظيم الرحمة‪.‬‬

‫‪٢٠٥‬‬

‫‪ 118‬وتف َّ�ضل الله بالتوبة على ال�صحابة الثلاثة الذين‬

‫تخلفوا‪ ،‬و�أ ّخر الحكم في �ش�أنهم ت أ�ديب ًا لهم‪ ،‬حتى �إذا‬

‫�ضاقت عليهم الأر�ض مع �سعتها‪ ،‬وذلك لإعرا�ض جميع‬

‫الم�ؤمنين عنهم ‪ -‬وهو َم َث ٌل ل�شدة الحيرة‪ -‬و�ضاقت عليهم‬
‫أ�نف�سهم لا�ستيلاء ال َوح�شة والغ ِّم عليهم‪ ،‬و َع ِلموا أ�ن لا‬
‫مفز َع ولا مف َّر من الله إ�لا �إليه‪ ،‬ولا عا�صم ِم ْن �سخطه‬
‫�إلا هو‪ ،‬فرحمهم ووفقهم للتوبة ليكون ذلك داعي ًا إ�لى‬

‫الا�ستمرار في إ�ظهار التوبة والا�ستقامة والدوام عليها‪،‬‬

‫�إن الله هو التواب لمن تاب ِم ْن عباده‪ ،‬الرحيم المتف�ضل‬
‫عليهم ب�أنواع النعم مع ا�ستحقاقهم للعقاب‪.‬‬

‫‪ 119‬يا �أيها الذين آ�منوا اتقوا الله‪ ،‬بطاعته وطاعة‬
‫ر�سوله في كل ما ت أ�تون وتذرون‪ ،‬وكونوا مع ال�صادقين‬

‫في نياتهم و�أقوالهم و أ�فعالهم‪.‬‬

‫‪ 122‬وما كان ي�ستقيم للم ؤ�منين �أن ينفروا جميع ًا ِل َن ْحو‬ ‫‪ 120‬ما كان ل�ساكني المدينة من المهاجرين وا ألن�صار‬
‫َغز ٍو �أو طل ِب عل ٍم‪ ،‬فه ّل َن َف َر من كل جماعة كبيرة‪،‬‬
‫ك أ�هل بلدة �أو قرية جماع ٌة قليل ٌة منهم ليتعلموا أ�حكام‬ ‫و َم ْن يجاورهم من �سكان البوادي أ�ن يتخ ّلفوا عن‬
‫ر�سول‪ ‬الله ‪ - -‬عند توجهه إ�لى الغزو‪ ،‬ولا أ�ن‬
‫ال�شريعة ويقفوا على ما خفي من مقا�صدها ويتحملوا‬
‫َي ِ�ض ّنوا ب أ�نف�سهم ع ّما بذل الر�سول فيه نف�سه‪ ،‬إ�ذ إ�نهم لا‬
‫الم�شا َّق في �سبيل ذلك‪ ،‬وليجعلوا غاي َة �سعيهم و ُم ْع َظم‬ ‫ي�صيبهم في �سبيل‪ ‬الله عط� ٌش �أو تع ٌب �شديدان �أو مجاعة‪،‬‬
‫غر�ضهم من التفقه �إر�شا َد قومهم و�إنذارهم حينما‬ ‫ولا ينزلون مكان ًا يغيظ وجو ُدهم فيه الكفا َر‪ ،‬ولا‬
‫يرجعون �إليهم لعلهم يحذرون ما ُيـ ْحـ َذر‪ ،‬ويفعلون ما‬ ‫ي�صيبون ِم ْن عد ٍّو لهم إ��صاب ًة‪ ،‬كالقتل وا أل�سر والغنيمة‬
‫و�سائر ما‪ ‬ينكبهم �إلا ا�ستوجبوا به ثواب ًا جزيل ًا‪ ،‬إ�ن الله لا‬
‫ي�ؤمرون بفعله‪ ،‬ويتركون ما ي�ؤمرون بتركه‪.‬‬
‫ي�ضيع �أجر المح�سنين على إ�ح�سانهم‪.‬‬

‫‪ 121‬ولا ينفق المجاهدون �أ َّي نفقة في �سبيل الله‪،‬‬
‫�صغيرة كانت أ�و كبيرة‪ ،‬ولا يجتازون في م�سيرهم وادي ًا‬
‫�إلا كتب الله لهم آ�ثارهم وخطاهم ونفقا ِتهم‪ ،‬لينالوا‬

‫�أح�سن ما ي�ستحقه العاملون من جزاء‪.‬‬

‫‪٢٠٦‬‬

‫‪� ١٢٦‬أ َولا يرى المنافقون أ�نهم ُيبتلون ب�أ�صناف‬
‫الابتلاءات ‪ -‬كالأ�سقام وا ألمرا�ض‪� ،‬أو بالجهاد مع‬
‫ر�سول‪ ‬الله‪� ، ‬أو بالافت�ضاح‪ -‬في كل عام مرة أ�و‬
‫مرتين‪ ،‬ثم لا ينتهون ِمن نفاقهم وكفرهم ولا هم‬

‫يعتبرون ولا يتعظون؟‬

‫‪ ١٢٧‬وكذلك �إذا ما أُ�نزلت �سورة فيها ف�ضيحتهم‬
‫ن َظ َر بع�ضهم إ�لى بع�ض يريدون بذلك الهرب‪ ،‬يقول‬
‫بع�ضهم لبع�ض‪ :‬هل أ�حد ِمن الم ؤ�منين يراكم إ�ن قمتم‬
‫ِمن مجل�سكم‪ ،‬ف إ� ْن لم يرهم �أحد قاموا وان�صرفوا مخاف َة‬

‫الف�ضيحة! َ� َصف‪ ‬الله قلوبهم عن الإيمان وذلك ب�سبب‬
‫أ�نهم لا يفهمون عن الله ولا عن ر�سوله‪ ،‬ولا يدركون‬

‫ما فيه نفعهم‪.‬‬

‫‪ ١٢٨‬لقد جاءكم ر�سول ِمن أ�ن ُف�سكم‪ ،‬عرب ٌّي مثلكم‬ ‫‪ ١٢٣‬يا �أيها الذين �آمنوا جا ِهدوا الكفار؛ ا ألقر َب منهم‬
‫تعرفون ن�سبه و َح َ�سبه و�صدقه و أ�مانته‪ ،‬و أ�نه ي�ش ُّق عليه‬ ‫إ�ليكم فالأقر َب‪ ،‬ف�إنه �أَ�س َلم لكم و أ��صلح‪ ،‬وليجدوا فيكم‬
‫ما ي�صيبكم من ال�ضرر والمكروه في دينكم ودنياكم‪،‬‬ ‫�ش ّد ًة و�صبراً على قتالهم‪ ،‬واعلموا أ�ن الله مع المتقين‬

‫حري� ٌص على إ�يمانكم و�سعادتكم و�صلاح �ش أ�نكم‪،‬‬ ‫يعينهم وين�صرهم ما داموا مطيعين له‪.‬‬
‫عظي ُم العطف والرحمة بالم�ؤمنين‪.‬‬
‫‪ ١٢٤‬و�إذا �أُنزلت �سورة من القر آ�ن ف ِمن المنافقين َمن‬
‫‪ ١٢٩‬ف إ�ن أ�عر�وضا عن اتباعك والإيمان بك ‪� -‬أيها‬ ‫يقول على �سبيل الا�ستهزاء‪ :‬أ� ّيكم زادته هذه ال�سورة‬
‫�إيمان ًا؟ ف أ� ّما الم�ؤمنون فزادتهم إ�يمان ًا ويقين ًا وثبات ًا‪ ،‬وهم‬
‫الر�سول‪ -‬فا�ستع ْن بالله وتوك ْل عليه وا ْم�ِض في دعوتك‪،‬‬ ‫ي�ستب�شرون بنزول القر آ�ن �شيئ ًا بعد �شيء؛ لأنه �سب ٌب‬
‫وقل‪ :‬ح�سبي الله‪ ،‬ف�إنه وحده يكفيك ويعينك‪ ،‬لا �إله إ�لا‬
‫لزيادة إ�يمانهم وارتفا ِع منازلهم عند الله‪.‬‬
‫هو‪ ،‬لا ُيتوكل �إلا عليه ولا ُي َف َّو�ض ا ألمر إ�لا إ�ليه‪ ،‬وهو‬
‫ر ُّب العر� ِش‪ ‬العظي ِم‪.‬‬

‫‪ ١٢٥‬و أ� ّما الذين في قلوبهم حقد وح�سد فزادتهم كفراً‬
‫بها م�ضموم ًا إ�لى الكفر الذي كان حا�صل ًا بغيرها‪،‬‬

‫وا�س َت ْح َكم ذلك في قلوبهم حتى ماتوا عليه‪.‬‬

‫‪٢٠٧‬‬

‫‪ ٥‬وهو �سبحانه الذي جعل ال�شم�س م�ضيئ ًة بالنهار‬ ‫‪} ١‬ﭑﭒ{‪ :‬تق َّدم الكلام على هذه الحروف‬
‫والقمر منيراً بالليل‪ ،‬وق َّدر ِل َ�سيرهما مناز َل لا يجاوزانها‬ ‫الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة‪ .‬تلك ا آليات التي تتنزل‬
‫في ال�سير ولا يق�صران عنها‪ ،‬ل َتعلموا بذلك ح�ساب‬ ‫عليك هي آ�يات الكتاب المح َكم في �أ�سلوبه و َن ْظمه‪،‬‬
‫ا ألوقات ِمن الأ�شهر وا أليام والليالي في معاملاتكم‬
‫وت�صرفاتكم‪ ،‬ما َخ َلق الله ذلك �إلا بالحكمة البالغة ولم‬ ‫المن َّزه عن الخلل في معانيه و�أحكامه‪.‬‬
‫يخلقه عبث ًا‪ ،‬يبين دلائل التوحيد بالبراهين القاطع ِة لقوم‬
‫‪ ٢‬ما كان لكفار قري�ش وغيرهم �أن َيعجبوا وينكروا‬
‫ي�ستدلون بها على قدرة‪ ‬الله ووحدانيته‪.‬‬ ‫َو ْح َينا �إلى رج ٍل منهم‪ :‬أ�ن ح ِّذر النا� َس من غ�ضب ربهم‪.‬‬
‫وب�ّ ِش الم�ؤمنين أ�ن لهم �سابق ًة ومنزل ًة رفيع ًة عند ربهم‬
‫‪ ٦‬إ� ّن في تعا ُقب الليل والنهار واختلافهما بالزيادة‬ ‫‪ -‬ووجه عجبهم أ�نه من النا�س‪ ،‬ولم يكن من الملائكة‪،‬‬
‫والنق�صان‪ ،‬وفي خلق ال�سماوات وا ألر�ض وما فيهما ِمن‬
‫�أنواع الكائنات و ُ�ضوب المخلوقات؛ ألدل ًة وا�ضح ًة‬ ‫مع �أن هذه �سنة الله في ر�سله جميع ًا‪ -‬وقال الكافرون‪:‬‬
‫و ُحج ًة ب ّين ًة على أُ�لوهية الخالق وقدرته لقوم َي ْحذرون‬
‫إ� ّن هذا الرجل الذي جاء بهذا القر آ�ن العجيب‪ ،‬ل�ساح ٌر‬
‫�سو َء العاقبة بفعل الواجبات واجتناب المحرمات‪.‬‬ ‫ظاه ُر ال�سح ِر‪.‬‬

‫‪٢٠٨‬‬ ‫‪� ٣‬إ ّن ربكم الذي ي�ستح ُّق العباد َة و ْح َده هو الله‬
‫الذي أ�ب َدع ال�سماوات والأر�ض في �ستة �أيام‪ ،‬ثم ا�ستوى‬
‫على العر�ش ا�ستوا ًء يليق به‪ُ ،‬يد ِّبر أ�مر الكائنات على ما‬
‫تقت�ضيه حكمته و�سب َق ْت به كلم ُته‪ ،‬ما ِمن �شفيع ُتقبل‬
‫�شفاعته عنده �إلا ِمن بعد إ�ذنه له بال�شفاعة ‪ -‬وهذا‬
‫تقرير لعظمته وعز ِة جلاله‪ -‬ذلكم الله المو�وص ُف بتلك‬
‫ال�صفات المقت�ضية ل أللوهية والربوبية هو ر ُّبكم ف�َأف ِردوه‬
‫وحده بالعبادة‪ ،‬أ�فلا تتعظون وتعتبرون بهذه الدلائل‬

‫وا آليات التي تدل على وحدانيته �سبحانه وتعالى؟‬

‫‪ ٤‬إ�ليه م�صيركم جميع ًا ‪� -‬أيها النا�س‪ -‬يوم القيامة‬

‫فيجازيكم على أ�عمالكم‪َ ،‬و َع َدكم الله ذلك وعداً‬
‫حق ًا‪ ،‬إ�نه �سبحانه يبد أ� الخلق ب إ�ظهاره في الدنيا ثم يعيده‬

‫بعد إ�هلاكه في ا آلخرة ل َيجزي الله الذين �آمنوا وعملوا‬
‫ال�صالحات بالعدل ال‪َ  ‬ينق�ص من أ�جورهم �شيئ ًا‪ ،‬ويجزي‬
‫الذين كفروا ب�سبب كفرهم ما ًء حا ّراً �شديد الحرار ِة‪،‬‬

‫ولهم عذا ٌب مو ِج ٌع �شديد‪ ‬الإيلام‪.‬‬

‫‪ ١١‬ولو ُي َع ِّجل الله للنا�س �إجاب َة دعائهم في ال�ش ِّر بما‬ ‫‪ ٨ ٧‬إ� ّن الذين لا يتو َّقعون لقاءنا‪ ،‬فهم ال‪ ‬يخافون‬
‫لهم فيه م َ� َّض ٌة ومكرو ٌه في ن ْف� ٍس �أو ما ٍل كما يحبون‬ ‫عقابنا‪ ،‬ولا َي ْطمعون في ثوابنا‪ ،‬و َق ِنعوا بالحياة الدنيا‪،‬‬
‫أ�ن يع ّجل لهم إ�جاب َة دعائهم بالخير لفرغ من هلاكهم‬ ‫و�َس َكنوا إ�ليها مطمئنين بها‪ ،‬والذين هم عن �آياتنا‬
‫وماتوا جميع ًا‪ ،‬فن َد ُع الذين لا يخافون عقابنا ولا‬ ‫الدال ِة على كمال قدرتنا غافلون ال‪ ‬يتفكرون فيها ولا‬
‫يطمعون في ثوابنا ‪ -‬لأنهم لا يتوقعون بعث ًا بعد الموت‬ ‫َيعتبرون؛ أ�ولئك َم َق ّرهم النار جزا َء ما ك�سبوا في دنياهم‬

‫�أ�صل ًا ‪ -‬في تمردهم و ُعت ِّوهم يترددون‪.‬‬ ‫من الكفر والتكذيب وا ألعمال ال�سيئة‪.‬‬

‫‪ ١٢‬و�إذا أ��صاب الإن�سا َن �ض ٌّر في ن ْف�سه أ�و ماله أ�و‬ ‫‪ ٩‬إ� ّن الذين �آمنوا وعملوا ا ألعمال ال�صالحة ُي َ�س ِّددهم‬
‫أ�حبابه ا�ستعان بنا لإزالته مخ ِل�ص ًا؛ يدعونا على أ� ِّي حال‬ ‫ربهم ب�سب �إيمانهم للا�ستقامة على �سلوك الطريق‬
‫من حالاته‪ ،‬م�ضطجع ًا أ�و قاعداً أ�و قائم ًا‪ ،‬فلما ا�ستجبنا‬ ‫ال�سدي ِد الم�ؤدي �إلى الثواب‪ ،‬تجري بين أ�يديهم ا ألنهار‬
‫له و�أَز ْلنا ما به من ُ� ٍّض؛ م�ضى على طريقه وا�ستم َّر في‬
‫كفره ولم ي�شكر‪ ‬الله على دفعه ال�ض َّر عنه‪ ،‬ك�أنه لم ي�صبه‬ ‫في جنات النعيم‪.‬‬
‫�ض ٌّر ولم َي ْد ُع الله لإزالته عنه‪ ،‬و ِم ْث ُل هذا التزيـين ُزيِّن‬
‫للذين أ��سرفوا في الإجرام ما كانوا يعملون من الانهماك‬ ‫‪ ١٠‬دعا ؤ�هم فيها ت�سبي ُح الله‪ ،‬أ�ي تقدي�سه وتنزيهه‬
‫عما لا يليق بجلاله وكماله‪ ،‬و ُي َح ِّيي بع ُ�ضهم بع�ض ًا‬
‫في ال�شهوات وا إلعرا�ض عن اتباع الحق‪.‬‬ ‫بال�سلام كما تحييهم بذلك الملائكة‪ ،‬وخاتم ُة دعائهم في‬

‫‪ ١٣‬ولقد �أهلكنا ا ألمم ال�سابق َة ِمن قبلكم لـ ّما كفروا‬ ‫كل َموط ٍن حم ُده تعالى و�شكره‪.‬‬
‫وتمادوا في الغ ِّي وال�ضلال والتكذيب وقد جاءتهم‬
‫ر�س ُلهم بالمعجزات الوا�ضحات الدال ِة على �صدقهم‪،‬‬ ‫‪٢٠٩‬‬
‫وما ا�س َتقام لهم أ�ن ي�ؤمنوا؛ ل ِـ َما كان منهم من ا إل�صرار‬
‫على الكفر والمع�صية‪ .‬وكما �أهلكنا َم ْن �سبق من الأمم‬
‫بتكذيبهم وظلمهم ُنهلك ك َّل قوم تجاوزوا الح َّد في‬

‫الطغيان والكفر‪.‬‬

‫‪ ١٤‬ث ّم جعلناكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬خلفا َء في ا ألر�ض‬
‫ِمن بعد إ�هلاكهم؛ ل ُنظ ِهر ما �سبق به العلم‪ ،‬فيتبين في‬
‫الوجود كي َف تعملون خيراً �أم �ش ّراً‪ ،‬فنعاملكم على‬

‫ح�سب أ�عمالكم‪.‬‬

‫له وجود �أ�صل ًا‪ ،‬تن َّزه الله عن ال�شريك وع ّما تفعلونه من‬ ‫‪ ١٥‬و�إذا ُق ِرئت على ه ؤ�لاء الم�شركين آ�يات القر�آن‬
‫الإ�شراك في عبادته‪.‬‬ ‫وا�ضحات الدلالة على وحدانيتنا و�صح ِة نبوة نب ّينا‬
‫محم ٍد قال ه�ؤلاء الم�شركون الذين لا يخافون عذابنا ولا‬
‫‪ ١٩‬وما كان النا�س �إلا حنفا َء مو ّحدين على الفطرة‬ ‫يرجون ثوابنا لر�سولنا محم ٍد ‪ :- -‬ا ْئ ِت بكتاب‬
‫ا أل�صلية‪ ،‬م ّتفقين على الحق والتوحيد ِمن غير اختلاف‪،‬‬
‫ثم اختلفوا ف�صاروا ِملل ًا‪ ،‬وللاو ما ق�ضى الله به في �سابق‬ ‫آ�خر لي�س فيه ما َن�ستبعده من البعث والح�ساب‪ ،‬والعقاب‬
‫علمه ا ألزلي ب أ�ن جعل لك ِّل �أم ٍة �أجل ًا و أ� َّخر الحك َم بينهم‬ ‫بعد الموت‪ ،‬أ�و ب ِّد ْله ب�أن تجعل مكان آ�ي ِة عذا ٍب �آي َة رحم ٍة‬
‫�إلى يوم القيامة؛ لع ّجل ال َف ْ�ص َل بينهم فيما اختلفوا فيه‬ ‫ومكا َن الحرام حلال ًا‪ ،‬قل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬ما‬
‫ي�ص ُّح لي �أن أ�ب ِّد َله من ِقب ِل نف�سي‪ ،‬ما �أنا �إلا ُم َّت ِب ٌع و ُم َب ِّل ٌغ ما‬
‫ب�إهلاك الـ ُمـ ْبـ ِطـل و إ�بقاء الـ ُم ِح ِّق‪.‬‬ ‫ُيوحى إ�ليَّ من ربي من غير زيادة ولا نق�صان‪ ،‬إ�ني �أخ�شى‬
‫من الله إ�ن خالف ُت أ�مره �أو غير ُت �أحكام كتابه �أو ب ّدلته‬
‫‪ ٢٠‬ويقول الكفار‪ :‬ه ّل أُ� ْن ِز َل على محمد ‪- -‬‬
‫معجزة من ربه تدل على ِ�صدقه‪ُ ،‬يعاينها النا�س كلهم‪،‬‬ ‫عذا َب يو ٍم عظي ٍم َخ َط ُره �شدي ٍد هو ُله‪.‬‬
‫ف ُتلجئهم �إلى ا إليمان‪ ،‬فقل لهم‪ :‬ا ألمر كله لله وحده‪ ،‬وهو‬
‫يعلم العواقب في ا ألمور‪ .‬ف إ�ن كنتم لا َتقنعون بالقر آ�ن وبما‬ ‫‪ ١٦‬قل لهم‪ :‬لو �شاء الله ما �أمرني بقراءته عليكم ولا‬
‫جئ ُت من ا آليات‪ ،‬ولا ت ؤ�منون حتى ت�شاهدوا ما طلبتم‬ ‫َأ� ْع َلمكم به على ل�ساني‪ ،‬فقد مكث ُت فيكم قبل �أن يوحى‬
‫فانتظروا ق�ضاء الله فيَّ وفيكم‪ ،‬و أ�نا معكم من المنتظرين‪.‬‬ ‫إ�ليَّ هذا القر آ�ن ُم ّد َة أ�ربعين �سنة لم �آتكم ب�شيء‪� ،‬أفلا‬
‫ت�ستعملون عقولكم بالتدبر والتف ُّكر ل َتعلموا أ�ن هذا‬
‫‪٢١٠‬‬
‫القر�آن من عند الله و�أنه فوق َط ْوق الب�شر؟‬

‫‪ ١٧‬لا أ�ح َد َ�أظل ُم ممن افترى على الله الكذ َب فزعم‬
‫�أن له �شريك ًا وولداً أ�و ك َّذب ب�آياته التي جاء بها ر�سو ُله‬

‫فكفر بها‪ ،‬إ�نه لا يظفر المجرمون ِب ُب ْغ َيتهم ولا تنجح‬
‫م�ساعيهم لإ�شراكهم بالله‪.‬‬

‫‪ ١٨‬ويعبد ه ؤ�لاء الم�شركون ا أل�صنام التي لا ت�ض ُّرهم‬
‫إ� ْن تركوا عبادتها‪ ،‬ولا تنفعهم �إن عبدوها ألنها حجارة‬

‫وجما ٌد لا ت�ضر ولا تنفع؛ والمعبو ُد ينبغي �أن يكون ُمثيب ًا‬
‫ومعاقب ًا حتى تكون عباد ُته لجلب نف ٍع أ�و دفع ُ� ٍّض‪،‬‬
‫ويقولون‪ :‬ه�ؤلاء ا ألوثان ت�شفع لنا عند الله‪ .‬قل لهم‪:‬‬

‫أ� ُتخبرون الله �أن له �شريك ًا خارج ًا عن علمه المحيط بما‬

‫في ال�سماوات وا ألر�ض؟! إ� ّن �إخبا َركم بلا َري ٍب إ�خبا ٌر‬
‫عن ُمحا ٍل‪ ،‬ألن ما لم يكن معلوم ًا لله َت َع ّي أ�ن لا يكون‬

‫الدعاء‪ ‬لله عز وجل حينئ ٍذ من غير إ��شراك‪ ،‬قائلين‪ :‬لئن‬
‫�أنجيتنا يا ربنا من هذه ال�شدة لنكونن من ال�شاكرين لك‬

‫على �إنعامك‪ ‬علينا‪.‬‬

‫‪ ٢٣‬فل ّما ا�ستجاب الله لدعائهم �إذا ُه ْم ي�سارعون �إلى‬
‫ما كانوا عليه من البغي والف�ساد بغير الحق‪ .‬يا �أيها النا�س‬

‫إ� ّن َوبا َل ب ْغ ِيكم وظلمكم راج ٌع عليكم‪ ،‬و إ�ن ما تتمتعون‬
‫به في دنياكم متا ٌع زائل لا يخلو من َك َد ٍر‪ ،‬ثم �إلى الله‬
‫مرجعكم بعد الممات؛ فيجزيكم يوم القيامة ب أ�عمالكم‬

‫التي عملتموها في دنياكم‪.‬‬

‫‪� ٢٤‬إنمامث ُلالحياةالدنيافي�سرعةزوالهاوذهابنعيمها‬ ‫‪ ٢١‬و إ�ذا �أذقنا النا�س رخا ًء ونعم ًة ِمن بعد �ش ّد ٍة وبلا ٍء‬
‫بعد �إقبالها واغترا ِر النا�س بها؛ كمثل ماء أ�نزلناه من ال�سماء‬ ‫و�ضي ٍق في العي�ش َمكروا ب�آياتنا بالطعن فيها والاحتيال‬
‫فن َب َت به نبات الأر�ض مما ي أ�كله النا�س والأنعام من الحبوب‬ ‫في دفعها ‪ -‬وقد نزلت هذه ا آلية في م�شركي مكة ‪ -‬قل‬
‫والثمار وال َك أل‪ ،‬حتى إ�ذا أ�خذت الأر�ُض زين َتها وبهجتها‬ ‫‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لهم‪ :‬الله �َأ�سرع مكراً‪ ،‬فقد د َّبر عقابكم‬
‫بكمال نباتها‪ ،‬وتزينت ب أ��صناف النباتات و�أ�شكالها‬ ‫قبل أ�ن تدبروا كي َدكم‪ ،‬إ�ن الح َف َظة الكرا َم الكاتبين‬
‫و أ�لوانها المختلفة‪ ،‬وظن أ�ه ُل تلك ا ألر�ض أ�نهم متمكنون‬ ‫يكتبون ويحفظون عليكم الأعمال القبيحة ال�سيئ َة إ�لى‬
‫من ح�صادها والانتفاع بغلتها أ�تاها ق�ضا�ؤنا بهلاكها في‬
‫الليل أ�و النهار‪ ،‬فجعلنا زر َعها مح�وصداً مقطوع ًا لا �شيء‬ ‫يوم القيامة حتى تفت�ضحوا بها وتجزوا على مكركم‪.‬‬
‫فيه ك�أن لم تكن تلك الأ�شجار والنبات والزروع نابت ًة‬
‫قائم ًة على ظهر ا ألر�ض‪ ،‬كذلك نبين الحج َج والدلائل‬ ‫‪ ٢٢‬هو الذي يم ِّكنكم من ال�سير وال�سعي في ال َ ِّب‬
‫المنبهة على �أحوال الحياة الدنيا لقوم يتفكرون‪ ،‬فيزهدون‬ ‫م�شا ًة و ُركبان ًا‪ ،‬وفي البحر بما �س َّخر لكم من ال�سفن التي‬
‫تجري في الماء‪ ،‬حتى إ�ذا جرت ال�سف ُن بري ٍح طيب ٍة �ساكن ٍة‪،‬‬
‫فيها ويجعلونها مزرعة لدار البقاء‪.‬‬ ‫وفرح ُر ّكابها ب�سيرها ا آلم ِن الموافق لمق�وصدهم‪ ،‬جاءتها‬
‫ريا ٌح �شديدة الهبوب فهاج البح ُر‪ ،‬وجاءهم الموج من‬
‫‪ ٢٥‬والله يدعو النا�س جميع ًا �إلى الجنة دار ال�سلام‪،‬‬ ‫كل جهة‪ ،‬وظنوا �أن الهلاك قد أ�حاط بهم؛ أ�خل�وصا في‬
‫التي َي�ْسلمون فيها من الموت والم�صائب و�سائر الآفات‪،‬‬
‫ويهدي َمن ي�شاء بتوفيقه �إلى الإ�سلام وهو الطريق الذي‬

‫يو�صله �إلى هذه الدار و إ�لى ر�وضان الله فيها‪.‬‬

‫‪٢١١‬‬

‫�أعطاكم هذه الحوا�س التي ت�سمعون وتب�صرون بها؟ و َمن‬ ‫‪ ٢٦‬الذين �أح�سنوا عبادة الله في الدنيا و�أطاعوه فيما‬
‫يخرج الح َّي من المي ِت بما َي َتج ّدد في الح ِّي من مادة أ��ص ُلها‬ ‫�أمرهم به ونهاهم عنه‪ ،‬لهم الـ َمثوب ُة الح�سنى‪ ،‬وهي‬
‫مادة لا حياة فيها‪ ،‬ويخرج المي َت من الح ِّي بما يتحلل ِمن‬ ‫الجنة‪ ،‬وزياد ٌة وهي النظر إ�لى َو ْجه الله الكريم‪ ،‬ولا‬
‫مادته الح ّية في�صبح مادة ميتة؟ و َم ْن يلي تدبير ا ألمر في‬ ‫يغ�شى وجو َههم ك�آبة ولا ك�سوف وال‪ ‬غبار ولا هوان‪،‬‬
‫ال�سماوات وا ألر�ض؟ ف�سيعترفون لا َمنا�َص �أن الله فاعل‬ ‫�أولئك �أ�صحاب الجنة‪ ،‬هم فيها دائمون بلا زوال‪،‬‬
‫هذه ا أل�شياء كلها‪ ،‬ف�إذا كانوا ُيقرون بذلك فقل لهم‪ :‬أ�فلا‬
‫تخ�وشن عقاب‪ ‬الله وغ�ضبه‪ ،‬ب�سبب �إ�شراككم معه غيره؟‬ ‫مقيمون بلا‪ ‬انتقال‪.‬‬

‫‪ ٣٢‬فذلكم الله ربكم الحق المتولي لهذه الأمور‬ ‫‪ ٢٧‬والذين عملوا ال�سيئات في الدنيا ‪ -‬كالكفر‬
‫والقادر عليها هو الذي ي�ستحق العبادة وحده‪ ،‬فلي�س‬ ‫وال�شرك وما َي ْتبعهما من المعا�صي‪ -‬ف�س ُيجزون بمثل ما‬
‫بعد َت َخ ّطي الحق ِمن توحيد الله وعبادته إ� ّل الوقو ُع في‬ ‫عملوا من �سوء‪ ،‬ويغ�شاهم ذ ٌّل وهوا ٌن لعقاب الله �إياهم‪،‬‬
‫ما لهم مان ٌع من عذاب‪ ‬الله إ�ذا نزل بهم‪ُ ،‬يح�شرون‬
‫ال�ضلال‪ ،‬فكيف تن�صرفون عن الحق إ�لى ال�ضلال؟‬ ‫م�ْسود ًة وجوههم‪ ،‬ك�أنما أُ�لب�س ْت �سواداً من الليل المظلم‪،‬‬

‫‪ ٣٣‬كذلك َو َج َب ق�ضا ُء الله وحك ُمه في اللوح‬ ‫�أولئك �أ�صحاب النار‪ ،‬هم فيها دائمون بلا زوال‪.‬‬
‫المحفوظ على الذين تمردوا في كفرهم وخرجوا عن‬
‫‪ ٢٩ ٢٨‬واذكر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬يو َم نح�شر النا�س‬
‫طاعته �إلى‪ ‬مع�صيته‪.‬‬ ‫جميع ًا للح�ساب‪ ،‬ثم نقول للذين �أ�شركوا‪ :‬ا ْل َزموا‬
‫مكانكم وما أ�نتم فيه ِمن الخزي والهوان حتى تنظروا‬
‫‪٢١٢‬‬ ‫ما ُيفعل بكم‪� ،‬أنتم و�شركا ؤ�كم الذين كنتم تعبدونهم‬
‫من دون الله‪ ،‬فف َّرقنا بين الم�شركين ومعبوداتهم‪ ،‬وقال‬
‫ال�شركاء متبرئين من عبادة العابدين لهم‪ :‬ما كنتم إ�يانا‬
‫تعبدون‪ ،‬و�إنما عبدتم في الحقيقة أ�هواءكم‪ ،‬ألنها الآمر ُة‬
‫لكم با إل�شراك‪ .‬وكفى بالله ال�شهيد على ما كنتم‬
‫تعملون‪ ،‬العاد ِل في حكمه فا�صل ًا بيننا وبينكم‪ ،‬إ�نا كنا‬

‫ب َم ْع ِز ٍل عنكم لا ن�شعر بعبادتكم لنا �أيها الم�شركون‪.‬‬

‫‪ ٣٠‬في ذلك الـ ُمقام َتختبر ك ُّل نف�س ما قدم ْت ِمن عمل‬
‫خيراً كان أ�و �شراً‪ ،‬فتعاين آ�ثاره ِمن نفع أ�و �ضر‪ ،‬و�سعادة �أو‬
‫�شقاء‪ ،‬بعد أ�ن عاد الجميع إ�لى الله مال ِكهم ومتولي أ�م ِرهم‬
‫على الحقيقة ليق�ضي بينهم بعدله‪ ،‬وغا َب عن الم�شركين‬
‫ما كانوا َي ْختلقون من ال�شركاء لله‪ ،‬و ِمن �شفاعتهم لهم‪.‬‬

‫‪ ٣١‬قل ‪ -‬يا محمد‪ -‬له ؤ�لاء الم�شركين‪َ :‬م ْن يرزقكم ِمن‬
‫ال�سماء ب�إنزال المطر‪ ،‬و ِمن الأر�ض ب�إنبات النبات؟ و َمن‬

‫�إن الله عليم بما هم عليه من الكفر والإعرا�ض عن الحق‪.‬‬ ‫‪ ٣٤‬قل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬هل ِم ْن آ�لهتكم ‪ -‬التي‬
‫تزعمون‪ -‬و�أوثانكم َمن يبد أ� الخلق ب إ�ظهاره للوجود‬
‫‪ ٣٧‬وما �ص َّح لهذا القر آ�ن في إ�عجازه و إ�حكامه وعل ِّو‬ ‫ثم ُيعيده بالبعث؟ قل‪ :‬الله يبد أ� الخلق ثم يعيده؛ ألن‬
‫�ش�أنه �أن يفتريه �أح ٌد و َي ْن�ُسبه إ�لى الله‪ ،‬ولكن أ�نزله الله‬ ‫ل َجا َجهم وجحودهم لا يتركهم يعترفون به‪ ،‬ولذلك قال‬
‫ت�صديق ًا لما �سلف قبله من الكتب ا إللهية الم�شهود على‬
‫�صدقها‪ ،‬وبيان ًا لما َك َتب عليكم من ا ألحكام وال�شرائع‪،‬‬ ‫لهم‪ :‬ف�أ َّنى تن�صرفون عن �سواء ال�سبيل إ�لى الباطل‪.‬‬

‫فلا ينبغي �أن ُيرتاب فيه؛ لكونه نزل من رب العالمين‪.‬‬ ‫‪ ٣٥‬وقل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬أ�ي�ض ًا‪ :‬هل من �شركائكم‬
‫َمن يهدي �إلى الحق ب َن ْ�ص ِب الدلائل‪ ،‬و�إر�سال الر�سل‪،‬‬
‫‪� ٣٨‬أم يقولون‪ :‬افتراه محمد ِمن عند نف�سه؟ قل‪ :‬ف ْ�أتوا‬ ‫والتوفيق للنظر والتدبر؟ قل‪ :‬الله يهدي �إلى الحق‪� ،‬أف َم ْن‬
‫�أنتم ب�سورة مثله في البلاغة و ُح�سن ال َّنظم وجودة المعنى‪،‬‬ ‫يهدي إ�لى الح ِّق �أح ُّق أ�ن ُي َّتبع �أ ّمن لا يملك اهتدا ًء ولا هداية‬
‫وادعوا لذلك َم ْن قدرتم عليه من دون الله ِمن الجن‬ ‫إ�لا أ�ن يهديه غي ُره‪ ،‬ف�أي �شيء ح�صل لعقولكم‪ ،‬وكيف‬

‫والإن�س و�سائر الخلق؛ إ�ن كنتم �صادقين في زعمكم‪.‬‬ ‫تحكمون ب�شيء يقت�ضي العقل بطلا َنه ب أ�دنى تف ّكر؟‬

‫‪ ٣٩‬بل �َسا َرعوا �إلى التكذيب بالقر آ�ن من غير تدبر‬ ‫‪ ٣٦‬وما يتبع �أكثر الم�شركين في اعتقادهم �إلا ظن ًا‬
‫آلياته‪ ،‬ولم يقفوا َب ْع ُد على حقيقة ما أ�خبرهم به من الوعد‬ ‫م�ست ِنداً �إلى خيالات فارغة و�أَ ْق ِي�سة فا�سدة‪ .‬والظن ‪ -‬عند‬
‫والوعيد ولم يعاينوه! و َق ْب َل تكذيب ه�ؤلاء ك َّذب الذين‬
‫ِم ْن قبلهم �أنبيا َءهم‪ ،‬ف�سوف يعاقبون بمثل ما عوقب به‬ ‫التحقيق‪ -‬لا يقو ُم مقام اليقين ولا ُيغني عن العلم �شيئ ًا‪،‬‬
‫َم ْن قبلهم جزا ًء على ظلمهم و�إ�صرارهم على الجحود‬

‫والتكذيب‪.‬‬

‫‪ ٤٠‬و ِمن ه ؤ�لاء المكذبين َم ْن ُي�ص ِّدق به في نف�سه‬
‫ويعلم أ�نه حق ولكن يعاند‪ ،‬ومنهم َم ْن لا ي�ؤمن به في‬
‫نف�سه ل َف ْرط غباوته وقلة تدبره‪ ،‬والله �أعلم ب َم ْن يف�سد‬

‫عناداً �أو �إ�صراراً‪.‬‬

‫‪ ٤١‬و�إ ْن ك َّذبك قومك بعد �إلزامهم الحجة فتبر ْ�أ منهم‪،‬‬
‫وقل لهم‪ :‬لي جزاء عملي‪ ،‬ولكم جزاء عملكم‪ ،‬حق ًا‬
‫كان أ�و باطل ًا‪ ،‬لا ت�ؤاخذون بعملي ولا أ��ؤاخذ بعملكم‪.‬‬

‫‪ ٤٢‬ومنهم َم ْن ي�ستمعون إ�ليك �إذا قر أ� َت القر�آن �أو‬
‫ع َّلم َت ال�شرائع ولكن لا يفقهون‪ ،‬فهم كال ُّ�ص ِّم الذين‬
‫ال‪ ‬ي�سمعون ولا يعقلون أ��صل ًا‪ ،‬ف إ�ن كنت لا تقدر على‬
‫�إ�سماعهم‪ ،‬ف إ�نك لا تقدر أ�ي�ض ًا على هدايتهم‪� ،‬إلا �أن‬

‫ي�شاء الله‪.‬‬

‫‪٢١٣‬‬

‫أ�جلهم فلا يتجاوزونه ب أ�دنى وقت ولا يتقدمونه؛ ألن‬ ‫‪ ٤٣‬و ِمن الكفار َمن ُيعاينون دلائل نبوتك‪ ،‬ولكن‬
‫ق�ضاء‪ ‬الله واقع حتم ًا في أ�جله‪.‬‬ ‫لا ي�صدقون‪ ،‬ألنهم ُعم ُي القلوب لا يب�صرون حق ًا ولا‬
‫يعقلون دليل ًا‪ ،‬ف�إن كنت لا تقدر على هداية ال ُعمي‪،‬‬
‫‪ ٥٠‬قل �أر أ�يتم إ�ن أ�تاكم عذابه الذي ت�ستعجلون ليل ًا‬ ‫ف إ�نك لا تقدر �أي�ض ًا على هداية ه ؤ�لاء‪� ،‬إلا أ�ن يهدي‬
‫أ�و نهاراً‪ ،‬ف أ�ي عذا ٍب ي�ستعجله المجرمون؟! �إنه عذا ٌب‬
‫الله‪ ‬قلوبهم‪.‬‬
‫�شدي ٌد لا ِق َب َل لهم به ولا قدرة لهم على ر ِّده‪.‬‬
‫‪� ٥١‬أَ َب ْع َد ما وقع العذاب وعاينتموه �آمنتم؟ �آلآن‬ ‫‪� ٤٤‬إ ّن الله لا يظلم النا�س �شيئ ًا‪ ،‬أ�ي‪ :‬بعقابهم ِم ْن دون‬
‫حين لا ينفعكم إ�يما ٌن آ�منتم بما كنتم ت�ستعجلون به‬ ‫ذنب‪ ،‬ولكن النا�س هم الذين يظلمون أ�نف�سهم باقتراف‬

‫تكذيب ًا‪ ‬وا�ستهزاء؟!‬ ‫ا آلثام واختيار ال�ضلال وا إل�صرار على موجباته‪.‬‬

‫‪ ٥٢‬ثم قيل للذين ظلموا بعد هلاكهم‪ :‬ذوقوا العذاب‬ ‫‪ ٤٥‬واذكر يوم نح�شرهم ونجمعهم للح�ساب‪ ،‬ك أ�نهم‬
‫الم�ؤلم الذي ُتخ َّلدون فيه‪ ،‬هل تجزون إ�لا بما كنتم‬ ‫ِل َهول ما يرون لم يقيموا في الدنيا إ�لا قدر �ساعة من‬
‫نهار‪َ ،‬ي ْعرف بع�ضهم بع�ض ًا يومئ ٍذ كما كانوا في الدنيا‪،‬‬
‫تك�سبون؟!‬ ‫ك�أن لم يتفارقوا إ�لا قليل ًا‪ ،‬قد خ�سر الذين ك َّذبوا بلقاء‬
‫الله خ�سران ًا لا ربح بعده‪ ،‬وما كانوا مهتدين �إلى طريق‬
‫‪ ٥٣‬وي�ستخبرونك أ�ح ٌّق ما وعدتنا به من العذاب‬
‫والبعث؟ قل‪ :‬إ�ي وربي �إن العذاب الموعود لحق‪ ،‬وما‬ ‫ر�وضان الله تعالى‪.‬‬
‫أ�نتم بخارجين عن إ�رادة الله وقدرته بدفع عذابه أ�و‬
‫‪ ٤٦‬و�إ ّما ُنري ّنك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬بع�ض الذي َن ِعدهم‬
‫الهرب منه‪.‬‬ ‫من العذاب في حياتك �أو نتوفينك قبل أ�ن نر َيك ذلك‬
‫فيهم‪ ،‬ف�إلينا مرجعهم ف ُ ِنيكه في الآخرة‪ ،‬ثم الله �شهيد‬
‫‪٢١٤‬‬
‫على ما يفعلون فيجازيهم عليه حينئذ‪.‬‬

‫‪ ٤٧‬ولكل أ�مة من ا ألمم الما�ضية ر�سو ٌل بعثه �إليهم‬
‫يدعوهم �إلى الحق‪ ،‬ف�إذا جاء ر�سولهم بالمعجزات‬
‫فكذبوه‪ُ ،‬ق�ضي بينهم بالعدل ف أَ�نجى الله الر�سول و َمن‬
‫تبعه و�أهلك المك ّذبين‪ ،‬وهم لا ُيظلمون ب أ�ن يع َّذبوا بغير‬

‫ُجرم‪.‬‬

‫‪ ٤٨‬ويقولون على ِج َهة الا�ستبعاد والا�ستهزاء‪:‬‬
‫متى هذا العذاب الذي ت ِع ُدنا به �إن كن َت و َمن تبعك‬

‫من‪ ‬ال�صادقين؟‬

‫‪ ٤٩‬قل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬لا أ�ملك لنف�سي �ضراً‬
‫ولا نفع ًا‪ ،‬ولكن ما �شاء الله لي من ذلك يكون فكيف‬
‫أ�ملك لكم ما ت�ستعجلون ِمن طلب العذاب؟ لكل قوم‬
‫�أج ٌل م�ضروب لانق�ضاء �أعمارهم وهلاكهم‪� ،‬إذا جاء‬

‫‪ ٥٧‬يا �أيها النا�س قد جاءكم القر�آن موعظة من ربكم‬ ‫‪ ٥٤‬ولو �أن لكل نف�س ظلم ْت بال�شرك ما في الأر�ض‬
‫و�شفاء لما في ال�صدور من ال�شك والجهل والنفاق و�سائر‬ ‫من خزائنها و أ�موالها لجعل َته فدي ًة لها من العذاب‪،‬‬
‫الأمرا�ض القلبية‪ ،‬وهدى ورحمة للم ؤ�منين ير�شدهم �إلى‬ ‫و َ�أخفى الكفار الندام َة لـ ّما ر أ�وا العذاب فلم ينطقوا بها‬
‫طريق الحق وال�سعادة‪ ،‬وينجيهم من العذاب و�سوء العاقبة‪.‬‬ ‫ل�ش َّدة ما َب َهتهم من الهول‪ ،‬و ُق�ضي بينهم بالعدل وهم‬

‫‪ ٥٨‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬بف�ضل الله وبرحمته ‪ -‬وهو‬ ‫لا يظلمون‪.‬‬
‫ما جاءهم به ر�سول الله من الهدى ودين الحق‪ ،‬دين‬
‫الإ�سلام‪ -‬فبذلك فليفرحوا‪ ،‬هو خير مما يجمعون من‬ ‫‪� ٥٥‬أ َل �إ ّن لله كل ما في ال�سماوات والأر�ض خ ْلق ًا‬
‫وملك ًا وتدبيراً‪ ،‬يت�صرف فيهم ت�صر َف المال ِك في ملكه‪،‬‬
‫ُحطام الدنيا‪.‬‬ ‫�أ َل �إ ّن ما وعد به الله من الثواب والعقاب لا ُخ ْل َف‬
‫فيه‪ ،‬ولكن �أكثرهم ‪ -‬لق�وصر عقولهم وا�ستيلاء الهوى‬
‫‪ ٥٩‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪� :-‬أخبروني ع ّما أ�نزل الله لكم‬
‫ِم ْن رزق‪ ،‬و�َ َشعتم فيه ما لم ي�أذن به الله فجعلتم منه حرام ًا‬ ‫عليهم‪ -‬ال‪ ‬يعلمون إ�لا ظاهراً من الحياة الدنيا‪.‬‬
‫كال َبحيرة وال�سائبة وغيرها من الأنعام‪ ،‬و َحلال ًا كالميتة‪،‬‬
‫قل لهم‪ :‬آ�لله �أَ ِذ َن لكم في التحليل والتحريم‪ ،‬فتقولون‬ ‫‪ ٥٦‬هو الذي بيده �أمر الإحياء وا إلماتة‪ ،‬وهو وحده‬
‫القادر على البعث‪ ،‬و�إليه ترجعون جميع ًا يوم القيامة‬
‫ذلك عنه َ�أ ْم على الله تفترون في ن�سبة ذلك‪  ‬إ�ليه؟‬
‫للح�ساب والجزاء‪.‬‬
‫‪ ٦٠‬وما ظ ُّن ه ؤ�لاء الذين َي ْختلقون على الله الكذب‪،‬‬
‫ف ُيحلون و ُيح ّرمون من تلقاء أ�نف�سهم‪ ،‬أ�يح�سبون أ�نه‬
‫ال‪ ‬يجازيهم عليه؟ �إن الله لذو ف�ضل على النا�س حيث‬
‫َ�أنعم عليهم بالعقل وهداهم ب إ�ر�سال الر�سل و�إنزال‬

‫الكتب‪ ،‬ولكن أ�كثرهم لا ي�شكرون هذه النعمة‪.‬‬

‫‪ ٦١‬وما تكون ‪ -‬أ�يها النبي‪ -‬في أ�مر ِمن ا ألمور‪ ،‬وما‬
‫تتلو �شيئ ًا ِمن القر آ�ن‪ ،‬ولا تعملون ‪ -‬أ�يها الم�سلمون‪-‬‬
‫�شيئ ًا إ�لا كنا عليكم ُرقباء م ّطلعين عليه ظاهراً وباطن ًا‬
‫حين تخو�وضن فيه وتندفعون إ�ليه‪ ،‬وما َيغيب عنه‬
‫�سبحانه وتعالى �شيء في الوجود ب�أَ�ْ ِسه؛ ما يوا ِزن نمل ًة‬
‫�صغيرة �أو َهبا ًء ولا �أ�صغ َر ِمن ذلك ولا �أكب َر إ�لا في علمه‬

‫تعالى المكتوب المبين في اللوح‪ ‬المحفوظ‪.‬‬

‫‪٢١٥‬‬

‫‪� ٦٢‬أ َل إ� ّن أ�ولياء الله الذين يتو َّلونه بالطاعة وهو‬
‫يتلاوهم بالكرامة‪ ،‬لا خوف عليهم ِمن ل ُحوق مكروه‪،‬‬

‫ولا هم يحزنون بفوات م أ�مول‪.‬‬

‫‪ ٦٣‬و أ�وليا�ؤه تعالى هم الذين جمعوا بين الت�صديق‬
‫بالله واتباع ر�سوله والعم ِل على امتثال ا ألوامر‬

‫واجتناب‪ ‬النواهي‪.‬‬

‫‪ ٦٤‬لهم الب�شارة من الله في الحياة الدنيا بما ي�س ُّرهم‬
‫وي�شرح �صدورهم ‪ -‬والتي منها الر�ؤيا ال�صالحة يراها‬
‫الم�ؤمن أ�و ُترى له‪ ،‬وب�شار ُة الملائكة لهم عند الموت‬
‫بر�ضا الله عنهم وغيرهما من الب�شارات‪ -‬ولهم في‬
‫ا آلخرة الب�شارة بالرحمة والجنة والر�وضان‪ ،‬لا تغيير‬
‫ألقوال الله ولا ُخ ْل َف لمواعيده‪ ،‬ذلك هو الفلاح الكبير‪.‬‬

‫الله عما يقول الظالمون‪ ،‬هو الغني عن ك ُّل �شي ٍء‪ ،‬المفتقر‬ ‫‪ ٦٥‬ولا يحزنك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬جحو ُدهم‬
‫�إليه كل �شيء‪ ،‬ك ُّل ما في ال�سماوات وا ألر�ض في ملكه‬ ‫وا�ستهزا�ؤهم وافترا ؤ�هم و�سائر ما ي�ؤذونك به ِمن باط ِل‬
‫ولا يخرج عن �إرادته و أ�مره‪ ،‬قل لهم ‪ -‬يا محمد‪ :-‬ما‬ ‫القو ِل‪� ،‬إ ّن ال َغ َلبة لله جميع ًا‪ ،‬هو ال�سميع ألقوالهم العليم‬
‫عندكم ِم ْن برهان على هذا‪ ،‬بل افتريتموه ِم ْن عندكم‪،‬‬
‫بمكايدهم فيجازيهم عليها‪.‬‬
‫أ�تقولون على الله ما لا تعلمون �صحته وحقيقته؟!‬
‫‪� ٦٦‬أ َل �إ ّن لله َم ْن في ال�سماوات و َم ْن في ا ألر�ض ِمن‬
‫‪ ٦٩‬قل‪ :‬إ� ّن الذين َي ْخت ِلقون على الله الكذ َب‬ ‫الملائكة وال َّث َق َلين خ ْلق ًا و أ�مراً وت�صريف ًا‪ ،‬وما يتبع الذين‬
‫باتخاذ الولد و إ��ضاف ِة ال�شريك �إليه لا ينجون من النار‬ ‫يدعون من دون الله �شركاء يقين ًا‪� ،‬إ ْن يتبعون �إلا الظ ّن وما‬
‫�س ّول ْت لهم أ�نف�سهم‪ ،‬و إ� ْن هم إ�لا يكذبون فيما ين�سبون‬
‫وال‪ ‬يفوزون‪ ‬بالجنة‪.‬‬
‫إ�لى الله‪.‬‬
‫‪ ٧٠‬إ� ّن ما يتمتع به ه�ؤلاء المفترون �إنما هو متاع قليل‪،‬‬
‫ثم يرجعون إ�لينا عند انق�ضاء �آجالهم‪ ،‬فيلقون العذاب‬ ‫‪ ٦٧‬هو الذي جعل لكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬الليل‬

‫ال�شدي َد في جهنم‪ ،‬ب�سبب كفرهم وافترائهم على الله‪.‬‬ ‫ل�سكونكم وراحتكم‪ ،‬والنها َر ل ُتب�صروا فيه وت�سعوا طلب ًا‬
‫لمعا�شكم‪ ،‬إ� ّن في ذلك لآيات لقوم ي�سمعون �سما َع تد ُّب ٍر‬

‫واعتبا ٍر‪.‬‬

‫‪ ٦٨‬قال الم�شركون و َم ْن تبعهم‪ :‬ا َّتخ َذ الله ولداً! َتن َّزه‬

‫‪٢١٦‬‬

‫‪ ٧٣‬ف َ�أ َ� ّصوا على تكذيب نوح بعد إ�لزامهم ال ُحجة‪،‬‬
‫فنجيناه و َم ْن �آمن معه في ال�سفينة‪ ،‬وجعلناهم خلائف‬
‫عمروا الأر�ض بعد الهالكين و َخ َلفوهم فيها‪ ،‬و�أغرقنا‬

‫الذين كذبوا ب�آياتنا بالطوفان‪ ،‬فانظر كيف كانت‬

‫نهاية‪ ‬المن َذ ِرين‪.‬‬

‫‪ ٧٤‬ثم بعثنا ِمن بعد نوح ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬ر�سل ًا‬

‫َك ُهو ٍد و�صالح و إ�براهيم وغيرهم‪ ،‬فجاء ك ُّل ر�سو ٍل‬
‫�إلى قومه بالمعجزات الوا�ضحات الم ْث ِبتة لدعواه‪ ،‬فلما‬

‫جاءتهم المعجزات ا�ستمروا في تكذيبهم وتمادوا في‬

‫عنادهم‪ .‬ولم َي�ْس َتقم لهم أ�ن ي ؤ�منوا بما ك َّذبوا به قبل مجيء‬
‫المعجزات‪ ،‬كذلك نطبع على قلوب َم ْن تمادوا في الكفر‬

‫والاعتداء‪ ،‬فلا تنفع فيهم معجزة ولا تذكير‪.‬‬

‫‪ ٧٥‬ثم بعثنا ِم ْن بعد ه ؤ�لاء الر�سل مو�سى وهارون‬ ‫‪ ٧١‬وا ْت ُل عليهم خب َر نوح �إذ قال لقومه‪ :‬يا قوم �إن‬
‫�إلى فرعون و َم َل ِئه بالمعجزات الدالة على �صدقهما‬ ‫كان َع ُظ َم و�ش َّق عليكم كوني بين َأ� ْظ ُهركم‪� ،‬أدعوكم‬
‫فا�ستكبروا عن اتباعها وكانوا قوم ًا مجرمين ومكذبين‪.‬‬ ‫�إلى الله و ُأ�ذ ّكركم ب آ�ياته‪ ،‬فعلى الله اعتمد ُت وبه وثق ُت‬
‫فاعزموا �أم َركم مع �شركائكم على ق�صدي وال�سعي‬
‫‪ ٧٦‬فلما جاءهم الح ُّق من عندنا وعرفوه ‪ -‬وهو ب ْع ُثة‬ ‫في �إهلاكي‪ ،‬ثم لا يكن أ�مركم فيما تق�صدون إ�ليه من‬
‫مو�سى عليه ال�سلام لتظا ُهر المعجزات على يديه‪ -‬قالوا‬
‫ِم ْن َف ْر ِط تمردهم‪ :‬إ� َّن هذا الذي جئ َت به ل�سح ٌر ظا ِه ٌر‪.‬‬ ‫ال�ش ِّر م�ستوراً خفي ًا‪ ،‬بل اجعلوه ظاهراً مك�وشف ًا‪ ،‬ثم‬
‫بادروا إ�لى إ�نفاذ ما ترون ِمن الحكم في �ش أ�ني ِمن غير‬
‫‪ ٧٧‬قال لهم مو�سى من ِكراً‪ :‬أ�تقولون للحق الب ّ ِي‬
‫الوا�ضح لـ ّما جاءكم إ�نه �سحر؟ إ�ن ما ترونه ب�أعينكم‬ ‫ت�أ ُّخ ٍر �أو ت�أجيل‪.‬‬
‫لا يمكن أ�ن َي ْ�ص ُدق عليه و�ص ُف ال�سحر‪ .‬والحا ُل أ�نه لا‬
‫يفوز ولا يفلح ال�ساحرون لأ َّن �أم َرهم �سرعان ما يفت�ضح‬ ‫‪ ٧٢‬ف�إن �أعر�ضتم عن تذكيري؛ فما �س أ�لتكم ِمن �أجر‬

‫ويظهر بطلانه‪.‬‬ ‫ُيوجب َت َولِّيكم و إ�عرا�ضكم لثقله عليكم‪ ،‬ما ثوابي‬
‫على الدعوة والتذكير �إلا على الله‪ ،‬و�ُأمرت أ�ن أ�كون‬
‫‪ ٧٨‬قالوا‪ :‬أ�جئتنا ِل َت ْ�صفنا عن الدين الذي وجدنا عليه‬ ‫من الم�سلمين المنقادين لحكمه‪ ،‬لا �ُأخالف أ�مره‪ ،‬ولا‬
‫�آباءنا‪ ،‬ويكون لك و ألخيك هارون المل ُك والعظمة في‬
‫أ�رجو غيره‪.‬‬
‫ا ألر�ض؟ وما نحن لكما بم�ص ِّدقين فيما جئتنا به‪.‬‬

‫‪٢١٧‬‬

‫والتوج ِه �إلى القبلة‪ ،‬ل َت ْ�أمنوا من فرعون وجنوده‪ .‬و�أ ُّدوا‬ ‫‪ ٧٩‬وقال فرعون ِلـ َم َل ِئه‪ :‬اْئتوني بك ِّل �ساحر‪ ،‬خبي ٍر‬
‫ال�صلا َة بتمامها في أ�وقاتها‪ .‬و َب�ِّش يا مو�سى بني �إ�سرائيل‬ ‫بفنون ال�ِّس ْحر و�أ�ساليبه‪.‬‬

‫ب أ�ن الله �س ُيظهرهم على فرعون‪.‬‬ ‫‪ ٨٠‬فل ّما أ�ت ْوه بال�َّسحرة قال لهم مو�سى‪ :‬أ�ل ُقوا ما أ�نتم‬
‫‪ ٨٨‬وقال مو�سى‪ :‬يا ر ّبنا‪� ،‬إنك أ�عطي َت فرعون و ُك َبا َء‬ ‫ُم ْلقونه ِمن حبا ِلكم و ِع ِ�ص ِّيكم‪.‬‬
‫قومه زين ًة من متاع الدنيا‪ ،‬و�أنواع ًا كثيرة من ا ألموال‪،‬‬
‫ربنا �أعطي َتهم ما �أعطي َتهم ِمن النعم‪ ،‬ف َب ِطروا بها و أ��ضلوا‬ ‫‪ ٨١‬فل ّما أ�ل َقى ال�سحرة حبا َلهم و ِع ِ�ص َّيهم قال لهم‬
‫عبادك عن �سبيلك‪ ،‬ر َّبنا �أه ِل ْك �أموالهم‪ ،‬واختم على‬ ‫مو�سى‪ :‬إ�ن الذي جئتم به هو ِ�سحر وتموي ٌه لا حقيق َة له‪،‬‬
‫و�إن الله �س ُيبطله ويمحقه‪ ،‬إ�ن الله لا ُيق ُّر ولا ُي َث ِّبت عم َل‬
‫قلوبهم‪ ،‬فلا ينفذ �إليها �إيما ٌن حتى يروا العذاب ا ألليم‪.‬‬
‫َم ْن �سعى في ا ألر�ض ف�ساداً‪ ،‬بال�سحر‪ ‬وغيره‪.‬‬
‫‪٢١٨‬‬
‫‪ ٨٢‬و ُيظهر الله الح َّق الذي جئتكم به من عنده‪ ،‬ويثبته‬
‫ب ُح َججه‪ ،‬ولوكره المجرمون ظهو َر‪ ‬الحق‪.‬‬

‫‪ ٨٣‬فلم ُي ؤ�من لمو�سى ‪ -‬مع ما أ�تاهم به من الـ ُح َجج‬
‫وا ألدلة‪� -‬إلا َن َف ٌر قلي ٌل من أ�بناء بني إ��سرائيل‪ ،‬وهم‬
‫خائفون ِمن فرعون و ُكبراء قومهم‪� ،‬أن َي ْ�صفوهم عن‬
‫دينهم ب أ�نواع من العذاب‪ ،‬و�إ َّن فرعون لج ّبا ٌر متكبر‪،‬‬
‫و�إنه لمن المتجاوزين الح ّد في ال�ضلال؛ با ّدعائه الربوبية‬

‫و�سف ِكه الدماء بغير حق‪.‬‬

‫‪ ٨٤‬وقال مو�سى لـ ّما ر�أى تخ ّوف قومه‪ :‬يا قومي �إن‬
‫كنتم �ص َّدقتم بالله؛ ففو�وضا �أمركم �إليه‪ ،‬وبه ِثقوا‪� ،‬إن‬
‫كنتم مخل�صين له م�ست�سلمين لق�ضائه‪ .‬وفي هذا بيان ب�أن‬

‫كمال الإيمان لا يكون �إلا بتفوي�ض ا ألمر إ�لى الله‪.‬‬

‫‪ ٨٦ ٨٥‬فقالوا‪ :‬على الله اعتمدنا‪ ،‬و�إليه ف َّو�ضنا أَ� ْمرنا‪،‬‬
‫ربنا لا ُت�س ّلط علينا عدونا فيظنوا �أنهم خير ِم ّنا‪ ،‬ف ُي ْف َتنوا‬
‫بذلك‪ ،‬ويتمادوا في كفرهم‪ ،‬وخ ِّل�صنا برحمتك من‬

‫فرعون وقومه‪ ،‬ومما ُيذيقوننا من �أنواع الذل والعذاب‪.‬‬

‫‪ ٨٧‬و�أوحينا �إلى مو�سى و أ�خيه هارون أ�ن اتخذا‬

‫لقومكما بم�ص َر بيوت ًا‪ ،‬واجعلوها م�ساجد لل�صلاة‬

‫خارج البحر ليكون لمن �ش َّك في موتك آ�ي ًة ولمن بعدك‬ ‫‪ ٨٩‬فقال الله لمو�سى وهارون‪َ :‬أ� ْب ِ�شا فقد أُ�جيب ْت‬
‫من الأمم عبر ًة وعظة‪ ،‬و إ�ن كثيراً من النا�س عن دلائل‬ ‫دعوتكما‪ ،‬فا�ستقيما على ما �أمرتكما به‪ِ ،‬من طاعتي‬
‫ودعو ِة النا�س إ�لى توحيدي وعبادتي‪ ،‬وال‪َ  ‬ت�سلكا طريق‬
‫قدرتنا ل�ساهون‪ ،‬لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون‪.‬‬
‫َمن لا يعلم حقيقة و ْع ِدي ووعيدي فت�ْستعجلا ق�ضائي‪.‬‬
‫‪ُ ٩٣‬يخبر اللهُ تعالى ع ّما �أنعم به على بني إ��سرائيل‬
‫فقال‪ :‬ولقد �أنزلنا بني �إ�سرائيل منزل ًا �صالح ًا كريم ًا بعد‬ ‫‪ ٩٠‬و َع َ ْبنا ببني �إ�سرائي َل البح َر حتى و�صلوا �إلى البر‬
‫�أن أ�غرقنا فرعون وجنوده‪ ،‬ورزقناهم من الرزق الحلال‬ ‫�سالمين‪ ،‬فتبعهم فرعو ُن وجنو ُد ُه‪ ،‬ظلم ًا واعتدا ًء عليهم‪.‬‬
‫الطيب‪ .‬وما اختل َف بنو �إ�سرائيل وتف َّرقوا في أ�مر دينهم‬ ‫حتى �إذا أ�حاط بفرعون البح ُر من كل جانب‪ ،‬و أ�يقن‬
‫إ�لا ِم ْن بعد ما ُأ�نزلت التوراة التي َذ َكر ْت �صفة النبي‬ ‫بالهلاك؛ قال فرعون‪ :‬آ�من ُت �أنه لا إ�له �إلا الذي �آمن ْت به‬
‫‪ - -‬وب ّين ْت لهم الح َّق الذي يجب اتباعه‪� .‬إن ربك‬
‫يحكم بينهم يوم القيامة‪ ،‬فيما اختلفوا فيه‪ ،‬فيثيب‬ ‫بنو �إ�سرائيل‪ ،‬و�أنا ممن �أ�سلم‪ ‬نف�سه لله‪.‬‬

‫الطائع ويعاقب الكافر‪.‬‬ ‫‪ ٩١‬ور َّد الله تعالى على فرعون ‪ -‬مو ِّبخ ًا له لت أ�خير‬
‫إ�يمانه إ�لى حا ٍل لا ُيقبل فيها �إيمان‪ -‬فقال له‪ :‬أ�ت�ؤمن الآن‬
‫‪ ٩٤‬ف إ�ن كنت ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬في �ش ٍّك مما �أخبرناك‬ ‫حين أ�يقن َت بالغرق وعاين َت الموت؟! وقد ع�صي َت الله‬
‫به ِمن �أن اليهود والن�صارى يعلمون ِ�ص َفتك في التوراة‬
‫وا إلنجيل ‪ -‬وهذا على �سبيل الفر�ض والتقدير‪ -‬فا�س أ� ْل‬ ‫قبل نزول نقم ِته بك‪ ،‬وكنت من‪ ‬المف�سدين‪.‬‬
‫أ�هل ا إلن�صاف والرا�سخين في العلم من أ�هل الكتاب‪.‬‬
‫لقد جاءك الح ُّق الذي لا يخالطه باط ٌل ولا ت�وشبه �شبهة‪،‬‬ ‫‪ ٩٢‬فاليوم ننجي ج�س َدك يا فرعون تا ّم ًا �سليم ًا‪ ،‬ونلقيه‬
‫فلا تكون َّن من ال�شا ّكين في ذلك‪ .‬ولم ي�ش ّك النب ُّي ‪‬‬
‫إ�ذ الخطاب بهذا ونحوه في القر�آن الكريم و�إ ْن كان‬ ‫‪٢١٩‬‬
‫مو َّجه ًا للنبي فالمرا ُد به غي ُره من ال�شا ِّكين في نبوته وفيما‬

‫يتنزل عليه من القر آ�ن‪.‬‬

‫‪ ٩٥‬ولا تكون َّن ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬من المكذبين ب�شيء‬
‫من ُحجج الله و أ�دلته‪ ،‬فت�صبح ممن خ�سر دنياه و آ�خرته‪.‬‬
‫والمراد به قطع ًا غير النبي ‪ ،‬وهذا تخوي ٌف لكل َم ْن‬

‫يكذب ب آ�يات الله من الكفار و أ�هل الكتاب‪.‬‬

‫‪ ٩٧ ٩٦‬إ� َّن ا أل�شقياء الذين ا�ستوجبوا لعنة الله وغ�ض َبه‬
‫ب�سبب إ��صرارهم على الكفر والتكذيب ب آ�ياته ق�ضى‪ ‬الله‬
‫أ�نهم لا ي�ؤمنون‪ .‬ولو جاءتهم ك ُّل البراهين والمعجزات‬
‫والمواعظ حتى ُيعاينوا العذاب الأليم المو ِجع‪ ،‬فلا ينفعهم‬

‫حينئ ٍذ‪� ‬إيمانهم‪.‬‬

‫‪ ١٠٤‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬له ؤ�لاء الم�شركين من قومك‪:‬‬ ‫‪ ٩٨‬فه ّل �آمن ْت قري ٌة ِمن القرى التي أ�هلكناها‪ ،‬قبل‬
‫�إ ْن كنتم في �ش ٍّك مما ُ�أر�سل ُت به‪ ،‬ف أ�نا بريء منكم‪ ،‬لا أ�عب ُد‬ ‫أ�ن ُتعاين العذاب‪ ،‬ولم ت ؤ�خ ْر �إيمانها إ�لى حين ُمعاينته‪،‬‬
‫ما تعبدون‪ ،‬ولك ْن �أعبد الله الذي بيده مما ُتكم وحياتكم‪،‬‬ ‫كما �أ َّخر فرعو ُن إ�يمانه؟ لو َف َع َل ْت لنفعها إ�يمانها بقبول‬
‫فكيف ت�ش ّكون في عبادة َم ْن بيده ذلك؟ و أ�َ َمرني ربي أ�ن‬ ‫الله له وك�ش ِفه عنها العذاب؛ لك ّن قوم يون�س آ�منوا عند‬
‫أ�كو َن من الـ ُم�ص ِّدقين بكل ما جاءني من عنده‪ ،‬فلا �أَ ِحيد‬ ‫ر�ؤية َأ�مار ِة العذاب ولم ي ؤ�خروا �إيمانهم �إلى حلوله‪،‬‬
‫فك�شفنا عنهم عذاب الذل والهوان في الدنيا‪ ،‬ومتعناهم‬
‫عنه �أبداً‪.‬‬
‫بخيرات إ�لى حين مماتهم‪.‬‬
‫‪ ١٠٥‬قل ‪ -‬يا محمد‪ :-‬و َ�أ َمرني ر ّبي بالا�ستقامة على‬
‫دينه والثبات عليه مائل ًا عما �سواه من الأديان‪ ،‬و أ� َّل‬ ‫‪ ٩٩‬ولو �شاء ر ُّبك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لا ْ�ض َط َّر أ�ه َل‬
‫الأر�ض ك َّلهم �إلى الإيمان بما جئ َتهم به‪ ،‬ولك ْن لم ت�ش أ�‬
‫�أ�شرك بالله‪� ‬شيئ ًا‪.‬‬ ‫ِح ْكمته ذلك؛ ليكون ا إليمان عن اختيار منهم وليترت َب‬
‫على ذلك الثوا ُب والعقاب‪ ،‬أ�ف�أن َت ُتلزمهم و ُتلجئهم �أن‬
‫‪ ١٠٦‬ولا ت ْد ُع ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ِ -‬من دون الله ما لا‬
‫ينفعك �إن عبد َته و َد َعو َته‪ ،‬ولا ي�ضرك �إن ترك َت عبادته‪،‬‬ ‫ي�ؤمنوا؟ لي�س بو�سعك ذلك‪.‬‬
‫ف إ� ْن فعل َت فدعو َت غير الله ف إ�نك من الظالمين ألنف�سهم؛‬
‫ألنك و�ضع َت العبادة في غير مو�ضعها‪ .‬وهذا الخطاب‬ ‫‪ ١٠٠‬وما كان لنف� ٍس أ�ن ت�ؤمن إ�لا ب إ�رادة الله وتوفيقه؛‬
‫و�إن كان في الظاهر للنبي ‪ ‬فالمراد به قطع ًا غيره؛ لأنه‬ ‫فلا ُ ْت ِهد َّن نف َ�سك في هداها‪ ،‬و إ�نما عليك البلاغ‬
‫والدلال ُة‪ ،‬و َيجع ُل الله العذا َب على الذين ال‪ ‬يتدبرون‬
‫‪ ‬لم َي ْد ُع غير الله ال َبـ َّتة‪.‬‬
‫�آيات الله الدال َة على توحيده‪.‬‬
‫‪٢٢٠‬‬
‫‪ ١٠١‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء الكفار ِمن قومك‪:‬‬
‫انظروا َن َظر تفك ٍر واعتبار‪ ،‬ما الذي في ال�سماوات‬
‫وا ألر�ض؟ َتروا �آيات تقت�ضي وجو َد �إل ٍه واحد خال ٍق‬
‫قادر مد ّبر! ولا تنفع الآيا ُت وا إلنذارات وال ِعب ُر وال ّر�س ُل‬
‫الم ْنذ ِر ُة عقا َب الله قوم ًا جاحدين معاندين قد ا�ستحبوا‬

‫الكفر على ا إليمان‪.‬‬

‫‪ ١٠٢‬فهل ينتظ ُر ه�ؤلاء الكفار ِمن قومك‪ ،‬إ�لا ما نزل‬
‫بالمكذبين بالر�سل ِمن العذاب‪ ،‬قل لهم ‪ -‬يا محمد‪:-‬‬
‫انتظروا عقا َب الله‪� ،‬إني معكم من الـ ُمنتظرين ما �سيفعله‬

‫الله بكم‪.‬‬

‫‪ ١٠٣‬و�إذا نز َل العذا ُب بالكفار؛ ف�إننا ُن َن ِّجي ر�س َلنا‬
‫و�أتبا َعهم الم ؤ�منين‪ ،‬وكما نجيناهم ننجيك ‪ -‬يا محمد‪-‬‬
‫أ�نت و َمن ا ّتبعك‪َ ،‬و ْعداً علينا لا �ش َّك فيه ولا ارتياب‪.‬‬

‫قومك ِمن الأذى؛ حتى يق�ض َي اللهُ بينك وبينهم‪ ،‬وهو‬
‫خير الفا�صلين‪ ،‬يق�ضي بالحق‪ ،‬ويحكم بالعدل‪.‬‬

‫‪} ١‬ﮔﮕ{‪� :‬سب َق الكلا ُم على هذه الحروف‬
‫الـ ُم َق َّطعة في أ�ول �سورة البقرة‪ .‬هذا القر�آن كتا ٌب‬
‫�أُحكمت �آيا ُته‪ ،‬أ�ي ُن ِظمت نظم ًا ُمح َكم ًا معجزاً‪ ،‬لا‬
‫يعتريه �أدنى َخ َلل‪ ،‬و ُب ِّين ْت فيها �أمور العقائد وا ألحكام‬
‫والمواعظ وا آلداب‪ِ ،‬من عند الله الحكيم الخبير بم�صالح‬

‫العباد‪ ،‬وتدبير الأمور‪.‬‬

‫‪ ٢‬وقد ف ّ�صل الله آ�يات كتابه وب ّينها لكم َلأ ْج ِل أ� ّل‬ ‫‪ ١٠٧‬و إ�ن ُي ِرد اللهُ �إ�صاب َتك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬ب�ض ٍّر �أو‬
‫تعبدوا �أحداً �إلا الله‪ .‬وقل ‪ -‬يا محمد‪ -‬للنا�س‪ :‬إ�نني‬ ‫بلا ٍء؛ فلا كا�شف ولا رافع له إ�لا الله وحده‪ ،‬و�إ ْن يرد‬
‫مر�َس ٌل إ�ليكم من عند الله‪� ،‬أُنذركم بعذابه �إ ْن كفرتم‪،‬‬ ‫�إ�صابتك بنعم ٍة ورخا ٍء؛ فلا يقدر أ�ح ٌد أ�ن َيحو َل بينك‬
‫وبين ذلك‪ ،‬ي�صيب ر ُّبك بف�ضله َم ْن يريد ِم ْن عباده‪،‬‬
‫و أ�ُب�ِّ ُشكم بثوا ِبه إ� ْن �آمنتم‪.‬‬
‫وهو الغفو ُر لذنوبهم‪ ،‬الرحي ُم بمن آ�م َن‪ ‬و�أطا َع‪.‬‬
‫‪ ٣‬و أ�ر�سلني الله �إليكم آلمركم أ� ْن ت�ستغفروا ر َّبكم‬
‫من ال�شر ِك والمعا�صي‪ ،‬و�أن ُت ْخ ِل�وصا التوبة إ�ليه؛ في َم ّتعكم‬ ‫‪ ١٠٨‬قل ‪ -‬يا أ�يها الر�سول‪ -‬للنا�س جميع ًا‪ :‬قد جاءكم‬
‫في حياتكم الدنيا بالخيرات وال ِّنعم‪ ،‬ويتف�ضل عليكم‬
‫ب�أج َز ِل الثوا ِب في ا آلخرة‪ ،‬و إ� ْن ُتعر�وضا عما �أدعوكم‬ ‫كتاب الله بالحق الذي َي ْقطع ال ُعذ َر ولا تبقى معه ُح ّجة‪،‬‬
‫ف َم ْن �آمن به ف�إنما ينفع نف�سه‪ ،‬و َمن زاغ عنه فقد �ض َّر‬
‫�إليه‪ ،‬ف إ�ني �أخاف عليكم عذا َب يو ٍم عظي ِم ال َه ْول‪.‬‬ ‫نف�سه‪ ،‬ول�س ُت مو َّكل ًا بحملكم على الإيمان و إ�نما ذلك‬
‫بيد‪ ‬الله تعالى‪ ،‬وما �أنا إ�لا ر�سو ٌل �ُأب ِّل ُغكم ما أُ�ر�سل ُت به‬
‫‪ ٤‬إ�لى الله تعالى م آ�لكم جميع ًا بعد الموت‪ ،‬فاحذروا‬
‫إ�ليكم‪.‬‬
‫عقابه‪ ،‬فهو القادر على �إماتتكم ثم بعثكم وجزائكم‪.‬‬
‫‪ ١٠٩‬وا َّتب ْع ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬في جميع �ش�ؤونك ما‬
‫‪ ٥‬إ� ّن بع�ض الكفار َي ْحنون ظهو َرهم ويغ ّطون‬ ‫يوحيه الله �إليك‪ ،‬وا�صب ْر على ما نالك من م�شركي‬
‫ر�ؤو�سهم بثيابهم �إذا َم َّر بهم ر�سول الله ‪ ‬وهم‬
‫يتناجون ظا ِّنين أ�ن الله ال‪ ‬ي َّطلع على ما ُت�ضمره �صدو ُرهم‬
‫من الكفر والعداو ِة لر�سوله وللم�ؤمنين‪ .‬والله يعلم ما‬

‫ُي�س ُّرون وما يعلنون‪.‬‬

‫‪٢٢١‬‬

‫‪ ١١‬أ� ّما الذين �صبروا عند ال�سراء وال�ض ّراء إ�يمان ًا بالله‪،‬‬ ‫‪ ٦‬إ� ّن الله تعالى ُمتك ِّفل ب أ�رزاق المخلوقات‪ ،‬من‬
‫وا�ست�سلام ًا لق�ضائه‪ ،‬وعملوا ال�صالحات في الرخاء‬ ‫جميع دوا ِّب الأر�ض‪ :‬إ�ن�سا ٍن أ�و حيوان‪ ،‬تف ُّ�ضل ًا منه‬
‫وتك ُّرم ًا‪ ،‬ويعلم ُم�ست َق َّرها في ا ألرحام‪ ،‬و ُم�ستو َدعها في‬
‫وال�ِّش ّدة؛ ف�أولئك لهم مغفر ٌة لذنوبهم‪ ،‬وجزا ٌء عظيم‬ ‫ا أل�صلاب‪ ،‬ك ُّل ذلك مكتو ٌب في اللوح المحفوظ قبل‬
‫على أ�عمالهم ال�صالحة‪.‬‬
‫�أن يخلق الله الخلائق و ُيو ِج َدها‪.‬‬
‫‪ ١٢‬فل َعلك ‪ -‬يا محم ُد‪ -‬تار ٌك تبلي َغ بع�ِض ما أ�وحاه‬
‫الله إ�ليك ِمن َع ْي ِب �آلهتهم‪ ،‬و�ضائ ٌق �صد ُرك بتبليغه‪،‬‬ ‫‪ ٧‬والله هو خالق ال�سماوات وا ألر�ض بعظيم‬
‫مخاف َة أ�ن يقولوا‪ :‬ه ّل �أُنزل على محمد َكن ٌز؟ أ�و جاء‬
‫معه َم َلك ُم�ص ِّد ٌق له ب أ�نه ر�سو ٌل من الله‪ .‬فلا َي�ضق‬ ‫قدرته في �ستة �أيام‪ ،‬وكان عر�ُشه َقبل خلقهما على الماء‪.‬‬
‫�صد ُرك بذلك ولا تلتف ْت إ�ليه ف إ�نه لي�س عليك إ�لا البلاغ‬
‫وا إلنذار‪ ،‬والله بيده تدبير كل �شيء‪ ،‬فب ِّل ْغ ما أ�ُمر َت به‪.‬‬ ‫َخ َلقهن ليختب َركم أ�يكم �أح�س ُن له طاع ًة‪ ،‬ولئن �أخبر َت‬
‫‪ -‬يا محمد‪ -‬ه�ؤلاء الم�شركين‪ :‬إ�نكم �س ُتبعثون �أحيا ًء بعد‬
‫مماتكم للح�ساب والجزاء‪ ،‬ليقو ُل َّن منكرين وم�ستهزئين‪:‬‬
‫ما هذا الذي ت ْتلوه علينا �إلا �سح ٌر وا�ض ٌح لا َيخفى أَ� ْمره‪.‬‬

‫‪ ٨‬ولئن �أ َّخرنا العذاب عن ه�ؤلاء الم�شركين إ�لى �أجل‬
‫مق َّدر معلوم؛ ليقو ُل ّن ا�ستعجال ًا له على جهة الا�ستهزاء‬
‫والتكذيب‪� :‬أ ُّي �شي ٍء يمنعه من النزول؟ أ�لا يوم ي أ�تيهم‬
‫هذا العذا ُب الذي يك ِّذبون به‪ ،‬فلن ي�صر َفه عنهم‬
‫�صار ٌف‪ ،‬ولن يدفعه عنهم داف ٌع‪ ،‬و�سوف ينزل و ُيحيط‬
‫بهم هذا العذاب الذي كانوا ي�ستعجلونه‪ .‬وهذا ت أ�كي ٌد‬

‫من الله ع َّز وج َّل على نزوله‪.‬‬

‫‪ ٩‬ولئن َم َن ْحنا الإن�سان نعم ًة م ّنا ِمن �ص ّح ٍة و أ�م ٍن‬
‫و�سع ِة رز ٍق وم ّتعناه بها‪ ،‬ثم �َس َلبناها منه‪ ،‬ف إ�نه ُي�صبح‬
‫قانط ًا يائ�س ًا من الخير‪ ،‬قلي َل ال�شكر لر ّبه‪ ،‬جاحداً لنعمه‪.‬‬

‫‪ ١٠‬ولئن رزقنا الإن�سا َن نعم ًا م ّنا بعد َمكاره قد‬
‫أ��صابته ك�صحة بعد مر�ض‪ ،‬و�سع ٍة بعد �ضي ٍق؛ ليقو َل َّن‪:‬‬
‫زالت الم�صائ ُب والمكاره ع ّني‪ .‬وهو ُمغت ٌّر بالنعمة‪ ،‬كثير‬
‫التباهي بها والتطاو ِل على النا�س بما �أوتي منها‪ ،‬م�شغو ٌل‬

‫بذلك عن �شكر ربه‪ .‬وهذا �ش�أن �أكثر بني �آدم‪.‬‬

‫‪٢٢٢‬‬

‫‪ 16‬وه ؤ�لاء ‪ -‬الذين َق َ�صوا ه ّمهم على الدنيا‬ ‫‪ 13‬ب ْل أ�يقول الم�شركون‪ :‬إ� ّن مح ّمداً أ�تى بهذا القر آ�ن‬
‫ونعيمها‪ -‬لي�س لهم في ا آلخرة إ�لا نا ُر جه ّنم َي ْ�صلونها‪،‬‬ ‫ِمن عند َن ْف�سه؟! ف�إن كان ا َلأ ْم ُر كذلك؛ فقل لهم ‪� -‬أيها‬
‫النب ّي‪ -‬متحد ّي ًا لهم‪ :‬ف ْأ�توا بع�شر �سو ٍر مثل هذا القر�آن‬
‫و َذ َه َب ما عملوه في الدنيا ِم ْن خير‪ ،‬و َب َط َل أ�جره‪.‬‬ ‫ُم ْخت َلقا ٍت‪ ،‬وا�ستعينوا بمن �شئتم من ا ألعوان لي�ساعدوكم‬

‫‪� 17‬أ َف َم ْن كان ِم ْث َلك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬على برها ٍن‬ ‫على الإتيان بذلك‪ ،‬إ� ْن كنتم �صادقين فيما‪ ‬تزعمون‪.‬‬
‫من ر ّبه هو و�أ�صحابه و َم ْن َت ِبعه �إلى يوم القيامة‪ ،‬ويتنزل‬
‫جبري ُل ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬بما َي�ْشهد له من القر آ�ن‪ ،‬وي ؤ�يده‬ ‫‪ 14‬ف إ� ْن لم ت�ستطيعوا ‪ -‬أ�يها الم�شركون‪ -‬أ�نتم و َم ْن‬
‫برها ٌن آ�خر جاء ِمن قبله‪ ،‬وهو كتاب مو�سى الذي جعله‬ ‫دعوتموهم ِمن دون الله �أن ت أ�توا بع�شر �سو ٍر مث ِل هذا‬
‫القر�آن مفت َريات‪ ،‬فاعلموا و�أ ْيقنوا �أنه إ�نما �أُنزل من ال�سماء‬
‫الله �إمام ًا لبني �إ�سرائيل ورحم ًة لهم منه ‪ -‬كمن هو غار ٌق‬ ‫على محم ٍد ‪ - -‬ب ِع ْلم الله و�إذنه‪ ،‬و أ�ي ِقنوا �أنه لا‬

‫في ال�ضلالة لا ُح ّجة له؟!‪ -‬ف أ�ولئك ال�سعداء المو�وصفون‬ ‫معبو َد بح ٍّق إ�لا الله‪ ،‬فهل �أنتم بعدما �أقمنا عليكم ُح ّجتنا‬
‫ب أ�نهم على ب ِّينة ونو ٍر من ربهم‪ ،‬ي�ؤمنون بالقر�آن‪ ،‬و َم ْن‬ ‫ُم ْذعنون لله بالطاعة‪ ،‬ومخل�وصن له العباد َة؟‬
‫َيكف ْر بالقر آ�ن من أ�هل الملل والأديان فالنار م�صي ُره لا‬
‫َمحال َة‪ ،‬فلا َت ُك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬في �ش ٍّك من هذا‬ ‫‪َ 15‬م ْن كان يريد ب أ�عماله مناف َع الدنيا ونعي َمها‪ ،‬ولا‬
‫القر�آن‪� ،‬إنه الح ٌق المنزل من ر ِّبك‪ ،‬ولك َّن �أكثر النا�س‬ ‫ي�ؤمن بالآخرة والجزاء فيها؛ نو ِّف إ�ليهم ما ن�شاء من أ�جور‬
‫لا ي�ص ِّدقون بذلك‪ .‬ولا َيخفى أ� ّن الخطاب للنبي ‪‬‬
‫�أعمالهم في الدنيا‪ ،‬ولا ُين َق�وصن ِم ْن �أجورهم �شيئ ًا‪.‬‬
‫والمراد به غيره‪.‬‬
‫‪٢٢٣‬‬
‫‪ 18‬ولا �أح َد أ�ظ َل ُم ممن ا ْخت َلق الكذ َب على الله‪،‬‬
‫فه�ؤلاء الذين َيكذبون على ر ِّبهم ُيعر�وضن عليه يو َم‬
‫القيامة‪ ،‬في�س�ألهم عما كانوا يعملون في دار الدنيا‪،‬‬

‫وتقول الملائك ُة الح َف َظ ُة‪ ،‬وا ألنبيا ُء المر�سلون‪ ،‬و َم ْن �شهد‬
‫أ�عمالهم في الدنيا من الم�ؤمنين‪ :‬ه ؤ�لاء الذين َك َذبوا في‬

‫الدنيا على ر ِّبهم‪� ،‬ألا ُبعداً للظالمين ِم ْن رحمة الله بما‬
‫افتروا عليه‪.‬‬

‫‪ 19‬ه�ؤلاء الظالمون الذين لعنهم الله لا َي ْكتفون‬
‫بان�صرافهم عن الحق‪ ،‬بل يحاولون َم ْن َع النا�س عن دين‬
‫الله والدخول فيه‪ ،‬ويريدون أ�ن يجعلوا دين الله معو ّج ًا‬
‫موافق ًا لأهوائهم‪ ،‬وهم با آلخرة وما فيها من َب ْع ٍث‬

‫وح�سا ٍب وثوا ٍب وعقا ٍب هم كافرون‪.‬‬

‫‪ 20‬ه ؤ�لاء الكافرون با آلخرة‪ ،‬الذين ي�ص ّدون عن‬

‫�سبيل الله؛ لا ُي ْع ِجزون الله �إذا أ�راد عقا َبهم في الدنيا‪،‬‬
‫والانتقا َم منهم و�إ ْن هربوا في ا ألر�ض ك َّل َم ْه َر ٍب‪.‬‬
‫ولي�س لهم �أن�صا ٌر يمنعونهم من عقابه‪ ،‬و�سي�ضا ِع ُف الله‬
‫لهم العذاب في الآخرة؛ فقد كانوا رغم ما أ�عطاهم الله‬

‫ِمن ال�سمع والب�صر ال‪ ‬ي�سمعون الح َّق �سما َع منت ِ�ص ٍح‪ ،‬ولا‬
‫يب�صرونه إ�ب�صا َر مهت ٍد ِل َف ْر ِط جحودهم وعنادهم‪.‬‬

‫‪� 21‬أولئك الذين َحر َموا أ�نف�سهم �سعاد َتها في الآخرة‬
‫ب إ��شراكهم بالله‪ ،‬وغا َب عنهم ما كانوا يزعمون ِم ْن‬

‫�شفاع ِة �أوثانهم‪ ،‬فلم ُتغ ِن عنهم �شيئ ًا‪.‬‬

‫‪ 22‬لا �ش َّك أ� ّن ه ؤ�لاء القوم هم أ�َ ْخ�سر النا�س يوم‬
‫القيامة؛ ألنهم باعوا نعيم الجنة بعذاب النار‪.‬‬

‫‪ 27‬فقال ُكبرا ُء قومه و�أ�شرا ُفهم الذين كفروا‪ :‬أ�ن َت‬ ‫‪ 23‬إ�ن الذين �ص َّدقوا الله ور�سو َله‪ ،‬وعملوا في الدنيا‬
‫ل�س َت نبي ًا إ�ن أ�نت إ�لا �آدم ّي مثلنا فلا َم ِز َّية لك علينا‬ ‫بطاعة الله و َمر�ضاته‪ ،‬وخافوا وخ�شعوا و أ�نابوا �إلى ر ِّبهم‪،‬‬
‫ت�ستحق بها النبوة دوننا‪ ،‬وما نراك اتبعك �إلا فقراء النا�س‬
‫ه�ؤلاء هم �أه ُل الج ّنة‪ ،‬من َّعمون فيها نعيم ًا لا ينتهي أ�بداً‪.‬‬
‫و�ضعفا�ؤهم‪ ،‬ات َبعو َك من غير َر ِو َّية وت أ�مل‪ ،‬وما نرى لك‬
‫ولمن اتبعك من ف�ض ٍل تتميزون به فنتب َعكم ألجله‪ ،‬بل‬ ‫‪ 24‬هذا َم َث ٌل �ضربه الله للكافر والم ؤ�من‪ ،‬ف أ� ّما الكافر‬
‫فعم َي عن ر ؤ�ية الح ِّق فلا يب�صره‪ ،‬و َ�ص َّم عنه فلا ي�سمعه‪،‬‬
‫نعتقد أ�نكم كاذبون فيما تقولون!‬ ‫و�أ ّما الم ؤ�من ف�سمع الح َّق فانتف َع به‪ ،‬و�أب�ص َره فوعاه وعم َل‬
‫به‪ ،‬فهل ي�ستوي الأعمى وا أل�صم بالب�صير وال�سميع‬
‫‪ 28‬قال نوح لقومه‪� :‬أخ ِبوني‪� ،‬إن كن ُت على ُح ّجة‬ ‫عندكم �أيها النا�س؟! فكذلك حا ُل الكافر والم�ؤم ِن‬
‫ظاهرة الدلالة على �صح ِة نب ّوتي وقد التب�س ْت عليكم‬ ‫لا ي�ستويان عند الله‪� .‬أفلا تت أ�ملون هذا وتتدبرونه‬
‫الـ ُح ّجة رغم و�وضحها‪ ،‬فلم ُت َ�س ِّلموا بها‪ ،‬أ� ُيـ ْم ِكنني �أن‬
‫�َأحملكم على قبولها و أ�نتم كارهون لها معر�وضن عن‬ ‫فتنتفعوا به؟‬

‫تد ُّبرها؟ إ� ّن هذا لا يقدر عليه إ�ال‪ ‬الله تعالى‪.‬‬ ‫‪ 25‬ولقد َبع ْثنا نوح ًا ر�سلا ًو �إلى قومه‪ ،‬فقال لهم‪:‬‬
‫إ�ني لكم نذي ٌر من الله‪ُ� ،‬أب ِّي لكم ُموجبا ِت العذاب‪،‬‬

‫و�سبي َل‪ ‬الخلا�ص‪.‬‬

‫‪ 26‬وقد أ�ر�سلني الله ألنهاكم عن عبادة غيره‪� ،‬إني‬
‫�أخاف عليكم إ�ن عبدتم غير الله‪ ،‬عذا َب يو ٍم عقا ُبه أ�ليم‪.‬‬

‫‪٢٢٤‬‬

‫ب�شراً مث َلنا‪ ،‬ف إ�ن الب�شرية لي�ست من موانع النبوة بل هي‬ ‫‪ 29‬وقال نوح عليه ال�سلام لقومه‪ :‬ال‪� ‬أ�س أ�لكم على‬
‫ِم ْن ُم ْق َت َ�ضياتها‪ .‬ولا أ�قول للذين �آمنوا بالله واحتق ْرتموهم‬ ‫ن�صيحتي وتبليغ ر�سالة ربي لكم مال ًا ُتعطونني إ�ياه‬
‫لفقرهم‪ :‬لن ي�ؤتيهم الله ثواب ًا على أ�عمالهم‪ ،‬الله �أعلم‬ ‫ف�أكون َمح ّ ًل للتهمة‪ ،‬و�إنما �أبتغي ا ألج َر من الله وحده‪.‬‬
‫ب�ضمائر �صدورهم‪ ،‬واعتقاد قلوبهم‪� ،‬إني �إن قل ُت ذلك‬ ‫ول�س ُت ب ُمب ِع ٍد ه ؤ�لاء الم ؤ�منين الذين ت�ست�ضعفونهم عن‬
‫مجل�سي‪� ،‬إنهم �سيلقون ر ّبهم يوم القيامة فيجازيهم على‬
‫أ�ك ْن ظالم ًا م�ستحق ًا للعقاب‪.‬‬ ‫�إيمانهم‪ ،‬وي أ�خذ لهم ح ّقهم ممن ظلمهم و َ�ص َّغر �ش أ�نهم‪،‬‬

‫‪ 32‬قال القوم‪ :‬يا نوح قد �أكثر َت و أ�طل َت الكلام في‬ ‫ولك ِّني أ�راكم قوم ًا لا تعلمون‪.‬‬
‫مجادلتنا‪ ،‬ف ْ�أتنا بما َت ِعدنا من العذاب الذي تخ ّوفنا به‪ ،‬إ�ن‬
‫‪ 30‬ويا قو ِم‪َ ،‬م ْن يمنع ع ِّني عقاب الله �إن طرد ُت ه�ؤلاء‬
‫كنت �صادق ًا فيما ت ّدعي ِم ْن أ�نك ر�سول لنا من الله‪.‬‬ ‫الم ؤ�منين المو ّحدين لله؟ �أفلا تتفكرون فتعرفوا ما أ�نتم‬

‫‪ 33‬قال نو ٌح لقومه حين ا�ستعجلوه العذا َب‪ :‬يا قوم‪،‬‬ ‫عليه ِمن الخط�أ وما هم عليه ِمن‪ ‬ال�وصاب؟!‬
‫لي�س �َأ ْمر العذاب إ�ليَّ‪ ،‬و�إنما هو إ�لى الله وحده‪ ،‬فهو الذي‬
‫ي�أتيكم به ف�إ ْن �شاء َع َّجله و إ� ْن �شاء أ� َّجله‪ ،‬ولا ُتع ِجزون اللهَ‬ ‫‪ 31‬ولا �أقول لكم‪ :‬عندي خزائن رز ِق الله ف ُ�أعطي‬
‫منها َم ْن �أ�شاء‪ .‬ولا �أقول لكم‪� :‬إني �أعلم الغيب الذي‬
‫�إن �أراد عذا َبكم ألنكم تحت قهره و�سلطانه‪.‬‬ ‫اخت�ّص اللهُ بعلمه‪ ،‬و�إنما �أنا ر�سول ُأ�ب ّلغ ما �أر�سلني‪ ‬الله‬
‫به‪ .‬ولا �أقول لكم‪� :‬إني َم َلك حتى تقولوا‪ :‬ما نراك إ�لا‬
‫‪ 34‬ولا ُيفيدكم ما أ�ب ُذله لكم من البيان وال ُّن�صح؛ �إن‬
‫كان الله يريد أ�ن ُي�ض ّلكم ويهلككم بعذابه إل�صراركم‬
‫على ما أ�نتم عليه من الكفر‪ ،‬هو خا ِلقكم والمت�ص ّرف في‬

‫�ش�ؤونكم‪ ،‬و إ�ليه ترجعون فيجازيكم على �أعمالكم‪.‬‬

‫‪َ 35‬أ� ْم يقول ه�ؤلاء الم�شركون‪ :‬إ�ن ما أ�ُوحي إ�ليك يا‬
‫محمد ُم ّر ُد كذ ٍب واختلا ٍق‪ ،‬قل لهم ‪ -‬على �سبيل‬
‫الافترا�ض‪� :-‬إن اختلق ُته وافتري ُته‪ ،‬فعل َّي �إث ُم افترائي‪ ،‬و إ� ْن‬
‫كنت ُم ِحق ًا فيما جئتكم به فعليكم عقا ُب تكذيبي‪ ،‬و أ�نا‬

‫بري ٌء ِم ْن كفركم وتكذيبكم‪.‬‬

‫‪ 36‬و�َأوحى الله إ�لى نوح أ�نه لن يتبعك من قومك‬
‫وي�ص ِّدق بر�سالتك بعد اليوم �إلا َم ْن قد �آمن ِمن قب ُل‬
‫وا َّتبعك‪ ،‬فلا ت�ْأ� َس ولا تحز ْن عليهم‪ ،‬ف�إني ُمهل ُكهم بما‬

‫كانوا يفعلون‪.‬‬

‫‪ 37‬وا�صنع يا نو ُح ال�سفينة و�أنت م�شمو ٌل بحفظنا‬
‫ورعايتنا‪ ،‬وم ؤ�يّ ٌد بوحينا‪ ،‬ولا ت�س أ�لني العفو عن ه�ؤلاء‬

‫الذين ظلموا �أنف َ�سهم‪ ،‬إ�نهم ُم ْه َلكون با إلغراق‪.‬‬

‫‪٢٢٥‬‬

‫‪ 38‬وي�صنع نو ٌح ال�سفينة‪ ،‬وك ّلما م َّر عليه جماع ٌة‬
‫من ُوجهاء قومه �سخروا منه و�ضحكوا‪ ،‬فكان ُيجيبهم‬
‫بقوله‪ :‬إ�ن تهز ؤ�وا ِمن ِف ْعلنا في بناء ال�سفينة ا�ستجهال ًا‬

‫لنا‪ ،‬ف إ�نا َنهز�أ منكم و َن�ْس َتجهلكم ألنكم ال‪ ‬تعلمون ما‬
‫في �صنع ال�سفينة من التدبير‪.‬‬

‫وعذاب ِه ولا أ�َ َح َد ينجو من عقابه إ�لا َمن رحم اللهُ‪ ،‬وحا َل‬ ‫‪ 39‬ف�سوف تعلمون َم ْن م ّنا الهال ُك الذي ي�أتيه عذا ٌب‬
‫الموج بين نو ٍح وابنه‪ ،‬فكان ممن أ� ْهل َكه‪ ‬الله بالغرق‪.‬‬ ‫يهينه و ُيذ ُّله‪ ،‬وينزل به في ا آلخرة عذا ُب النار الدائم‪.‬‬

‫‪ 44‬وقال الله ل ألر�ض بعد هلاك قو ِم نو ٍح‪ :‬ابلعي‬ ‫‪ 40‬حتى �إذا جاء َو ْع ُدنا ب إ�هلاكهم بالطوفان‪ ،‬وفا َر‬
‫ماءك‪ ،‬وقال لل�سماء‪ :‬أَ�م�سكي عن المطر‪ ،‬وذهب الماء‬ ‫الماء من التنور ‪ -‬وهو الفرن الذي ُيخ َبز فيه‪ ،‬وقد جعله‬
‫الله تعالى له علامة على بدء الطوفان الذي به إ�هلاك‬
‫في ا ألر�ض‪ ،‬وت َّم �أم ُر‪ ‬الله ب إ�هلاك المك ِّذبين من قوم نوح‪،‬‬
‫ونجا ِة َمن نجا‪ ،‬وا�ستقرت ال�سفينة بمن فيها على الجبل‬ ‫كفار قومه‪ -‬قلنا لنوح‪ :‬ا ْح ِمل في ال�سفينة من البهائم‬
‫المعروف بـ «الـ ُجود ِّي»‪ ،‬وقيل ُب ْعداً للكافرين فقد‬ ‫والطيور ِمن كل ِ�صنف ذكراً و أُ�نثى‪ ،‬وا ْح ِمل أ�هل بيتك‬
‫إ�لا َمن ق�ضي ُت عليه بالهلاك منهم‪ ،‬وا ْح ِمل معك َم ْن‬
‫هلكوا و ُلعنوا و َذهب ِذكرهم‪.‬‬
‫�آمن من قومك‪ ،‬و ما �آمن مع نوح �إلا قلي ٌل من قومه‪.‬‬
‫‪ 45‬ودعا نو ٌح ر َّبه مت�ضرع ًا‪ ،‬فقال‪ :‬ر ِّب �إنك وعدتني‬
‫�أن ُتنجيني �أنا و أ�هلي من الغرق والهلاك‪ ،‬وقد هلك‬ ‫‪ 41‬وقال نو ٌح عليه ال�سلام لمن معه من الم�ؤمنين‪:‬‬
‫ابني‪ ،‬و�إن ابني ِمن أ�هلي‪ ،‬و إ� ّن َو ْع َدك ح ٌّق لا يتخ َّلف‪،‬‬ ‫اركبوا في ال�سفينة قائلين‪ :‬ب�سم الله حين َ ْتري وحين‬

‫و�أنت أ�عد ُل الحاكمين‪ ،‬فاحكم لي بما وعدتني‪.‬‬ ‫ُت ْر�سي‪ ،‬إ�ن ر ّبي لغفور للذنوب‪ ،‬رحيم بعباده‪ .‬و ِمن‬
‫رحمته �إنجا ُء ه ؤ�لاء ل َت ْعمر الأر�ُض ببقائهم‪.‬‬

‫‪ 42‬فركبوا ال�سفينة ُم َ�س ّمين الله تعالى ‪ -‬كما أ�مرهم‬
‫نوح عليه ال�سلام‪ -‬وهي تجري بهم و�سط �أموا ٍج‬
‫كالجبال‪ ،‬ونادى نو ٌح أ�ح َد �أبنائه‪ ،‬وكان في مكان َع َز َل‬
‫فيه نف�سه فلم يركب مع الم ؤ�منين‪ :‬يا ُب َن َّي اركب في‬
‫ال�سفينة معنا‪ ،‬ولا تك ْن خارجها مع الكافرين المغ َرقين‪.‬‬

‫‪ 43‬قال ابن نوح‪� :‬س�أرك ُن �إلى جب ٍل يمنعني من الماء‬
‫‪ -‬ظن ًا منه �أن الماء لا ي�صل إ�لى ر ؤ�و�س الجبال‪ -‬قال له‬

‫نوح عليه ال�سلام‪ :‬لي�س �شيء َيع�صم اليوم من أ�مر الله‬

‫‪٢٢٦‬‬

‫‪ 49‬تلك ق�ص ُة نوح‪ ،‬وهي ِم ْن �أخبار الغيب‪ ،‬لم يكن‬
‫عند َك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬ولا عند �أح ٍد من قومك عل ٌم‬
‫بها من قبل هذا القر آ�ن‪ ،‬فا�صبر على م�شا ِّق الر�سالة‪،‬‬

‫و أ�ذى قومك‪ ،‬كما �صبر أ�خوك نوح على أ�ذى قومه‪� ،‬إ ّن‬

‫العاقب َة المحمود َة في الدنيا بالن�صر وال َّظ َفر‪ ،‬وفي ا آلخرة‬
‫بالنعيم الأبد ِّي للمتقين‪ .‬وفي هذا ت�سلي ٌة للر�سول ‪‬‬

‫عما ي�صيبه من �أذى الم�شركين‪.‬‬

‫‪ 50‬ولقد أ�ر�سلنا �إلى عا ٍد نب ّي ًا منهم هو هود ‪ -‬عليه‬
‫ال�سلام‪ -‬فقال لهم‪ :‬اعبدوا الله وحده‪ ،‬فلي�س لكم‬

‫معبو ٌد غي ُره ي�ستح ُّق العبادة‪ ،‬ما أ�نتم في إ��شراككم ا ألوثا َن‬
‫مع الله‪ ،‬إ�لا كاذبون عليه تعالى‪.‬‬

‫‪ 51‬يا قو ِم لا أ�طل ُب منكم �أجراً على ما �أُب ّلغه �إليكم‬ ‫‪ 46‬قال له ر ّبه‪ :‬يا نوح �إ ّن و َلدك هذا لي�س من �أهلك‬
‫و�أن�صحكم به ِمن الإر�شاد �إلى عبادة الله وحده‪ ،‬ما‬ ‫الذين وعد ُتك أ�ن �أُنـ ِّج َيهم معك؛ ألنه كان كافراً‪ ،‬ولا‬
‫َثوابي وجزائي �إلا على الذي خلقني‪ ،‬أ�فلا تعقلون �أني لو‬ ‫َن َ�س َب بين الم ؤ�من والكافر‪� ،‬إ ّن عم َله ِمن الكفر والتكذي ِب‬
‫كن ُت أ� ْبتغي غي َر الن�صيحة لكم‪ ،‬لا ْلت َم�س ُت بع�َض �أعرا�ض‬ ‫�س ِّي ٌئ غي ُر �صال ٍح‪ ،‬فلا ت�س أ� ْلني عن �أمر لا تعلم أ��وصا ٌب هو‬

‫الدنيا‪ ،‬وطلب ُت منكم ا ألجر والمال؟!‬ ‫�أم خط�أ؟ �إني �أنهاك عن ذلك لئلا تكون ِمن‪ ‬الجاهلين‪.‬‬

‫‪ 52‬ويا قو ِم اطلبوا المغفر َة من ربكم مما �أنتم عليه من‬ ‫‪ 47‬قال نوح ملتم�س ًا ال�صف َح من ربه‪ :‬يا ر ّب �إني‬
‫ال�شرك والع�صيان‪ ،‬وذلك بالإيمان به تعالى وحده‪ ،‬ثم‬ ‫�أ�ستجي ُر بك �أن �أ�س أ�لك َب ْع َد الآن �أمراً لا يليق بي �س�ؤاله‪،‬‬
‫توبوا �إليه بطاعته وامتثا ِل �أَ ْمره‪ ،‬ف إ�نكم إ�ن فعلتم ذلك؛‬ ‫و إ� ْن لم تغفر لي ما َف َرط م ّني وترحمني �أكن من‪ ‬الهالكين‪.‬‬
‫ير�س ْل عليكم المط َر متتابع ًا‪ ،‬وتح َي بلادكم ِمن الـ َج ْدب‬
‫والق ْحط‪ ،‬ويزدكم ِ�ش ّد ًة فوق ِ�ش َّد ِتكم‪ ،‬وع ّزاً فوق‬ ‫‪ 48‬قال الله لنوح‪ :‬اهب ْط من ال�سفين ِة �إلى الأر�ِض‬
‫ع ِّزكم‪ ،‬ولا ُت ْعر�وضا عما �أ ْدعوكم �إليه‪ ،‬م�ص ّرين على‬ ‫ب�سلام ٍة و�أم ٍن م ّنا‪ ،‬و ِن َع ٍم وخيرا ٍت عظيم ٍة عليك وعلى‬
‫الم ؤ�منين ِمن َن�ْسلك ون�سل َم ْن معك‪ ،‬ممن �سبق ْت لهم‬
‫الكفر والع�صيان‪.‬‬ ‫ِمن الله ال�سعاد ُة‪ ،‬أ� ّما الكافرون منهم ف�س ُن َم ِّتعهم في‬
‫الحياة الدنيا إ�لى انتها ِء آ�جالهم‪ ،‬ثم ي�صيبهم العذا ُب‬
‫‪ 53‬قالوا‪ :‬يا هود ما أ� َتي َتنا ب ُح ّجة وا�ضح ٍة تدل على‬
‫�صدقك‪ ،‬حتى ُنق َّر لك بالنب ّوة‪ ،‬ول�سنا بتاركي �آل َه ِتنا‬ ‫الألي ُم في الآخرة‪.‬‬
‫ِمن َأ� ْجل قو ِلك‪ ،‬ول�سنا بم�ص ِّدقين لك فيما َت َّدعي من‬

‫النب ّوة والر�سالة!‬

‫‪٢٢٧‬‬

‫‪ 61‬و أ�ر�َسلنا �إلى ثمو َد أ�خاهم �صالح ًا ‪ -‬وكانت‬ ‫‪ 55 54‬ما نقول �إلا �أ�صابك بع�ُض �آلهتنا بجنو ٍن‬
‫م�ساكنهم في ال ِح ْج ِر بين المدينة وال�شام‪ -‬فقال لهم‪:‬‬ ‫و َخ َب ٍل في عقلك؛ ب�سبب ذ ِّمك لها و َنه ِيك عن عبادتها‪.‬‬
‫يا قو ِم‪ ،‬ا ْع ُبدوا‪ ‬اللهَ وح َده‪ ،‬لي�س لكم �إل ٌه غيره‪ ،‬هو ا ْبتد َأ�‬ ‫قال لهم هود‪� :‬إني أ�ُ�ْش ِه ُد الله و أ�ُ�ْشه ُدكم أ�ي�ض ًا أ�ني متبر ٌئ‬
‫خ ْل َقكم من ا ألر�ِض‪ ،‬وجعلكم ُع ّمارها و�ُس ّكانها‪،‬‬ ‫منكم ومن آ�لهتكم‪ ،‬التي تعبدونها من دون‪ ‬الله‪ ،‬فد ِّبروا‬
‫و أ�م ّدكم فيها ب ُك ِّل ما ي�صلحكم‪ ،‬فا�ستغفروا ر َّبكم‪،‬‬ ‫لي ك َّل ما ت�ستطيعون في �إيذائي و ُ� ّضي من أ�نواع المكر‬
‫واتركوا ما يك َر ُهه �إلى ما ي ْر�ضاه‪ ،‬ف�إنه قري ٌب ممن �أخل�ص‬ ‫والكيد‪� ،‬أنتم و�آله ُتكم التي تزعمون‪ ،‬ثم لا تمهلوني بل‬

‫له العباد َة‪ ،‬ور ِغ َب �إليه في التوبة‪ ،‬مجي ٌب له إ�ذا دعاه‪.‬‬ ‫َع ِّجلوا ما لديكم‪.‬‬
‫‪ 62‬قالوا‪ :‬يا �صالح لقد ُك ّنا ن ْرجو أ�ن تكون فينا �س ِّيداً‪،‬‬
‫ق ْب َل قولك‪ :‬ما َلنا إ�ل ٌه غي ُر الل ِه‪ ،‬أ� َت ْنهانا �أن َن ْعب َد الآلهة التي‬ ‫‪� 56‬إني اعتمد ُت على الله خالقي وخالقكم‪،‬‬
‫كان آ�با ؤ�نا يعبدونها؟! و�إننا ن�ش ُّك في حقيقة ما تدعونا‬ ‫وف َّو�ض ُت �أمري �إليه‪ِ ،‬من أ� ْن ُت�صيبوني ب�سو ٍء‪ ،‬ما ِم ْن �شي ٍء‬
‫إ�ليه من التوحيد ونرتا ُب في �صدقه‪ ،‬لأنه ب ِخلاف ما‬ ‫َيد ُّب على ا ألر�ض‪� ،‬إلا واللهُ مال ُكه‪ ،‬وهو في قب�ض ِته‬
‫خا�ض ٌع تحت �سلطانه‪� ،‬إن ر ّبي عاد ٌل في حكمه‪ُ ،‬يجازي‬
‫وجدنا عليه‪  ‬آ�باءنا‪.‬‬
‫المح�س َن ب�إح�سانه والم�سي َء ب إ��ساء ِته‪ ،‬ولا يظلم �أحداً‪.‬‬
‫‪٢٢٨‬‬
‫‪ 57‬ف إ�ن ُت ْع ِر�وضا عن َقبول دعوتي فقد أ�بلغتكم ر�سال َة‬
‫ر ّبي على الوجه الذي ُ�أمر ُت به‪ ،‬وما على الر�سو ِل �إلا‬
‫البلا ُغ‪ ،‬و�سوف ُي ْهل ُككم ر ِّبي‪ ،‬ثم َي�ْست ْب ِد ُل قوم ًا �آخرين‬
‫غي َركم ُيو ِّحدونه ويخ�ضعون له بالعبادة‪ ،‬ولا ت�ضرونه‬
‫ب إ�عرا�ضكم �شيئ ًا‪ ،‬إ� ّن ر ِّبي حاف ٌظ لجميع خل ِقه‪ ،‬ولا �ضا َّر‬

‫ولا نافع �إلا ب�إذنه‪.‬‬

‫‪ 58‬ولـ ّما جاء أ�َ ْم ُرنا ب�إهلاكهم‪ ،‬نـ َّج ْينا هوداً والذين‬
‫آ�منوا بالله معه‪ ،‬بف�ض ٍل م ّنا عليهم ونعم ٍة‪ ،‬نجيناهم من‬

‫ال�ُّس ْخط والعذاب ال�شديد الذي نزل يومئ ٍذ بعا ٍد‪.‬‬

‫‪ 59‬وت ْل َك عا ٌد الذين �أهلكناهم‪ ،‬كفروا ب ُح َجج الله‬
‫الدال ِة على وحدان ّيت ِه‪ ،‬وع�وصا جميع ُر�ُس ِله بتكذيبهم‬
‫هوداً؛ لأ َّن َمن ك ّذب ر�سلا ًو واحداً فقد ك ّذب الر�سل‬
‫جميع ًا‪ ،‬وا ّتبعوا �أم َر ك ِّل ُم�ْستكب ٍر على الله‪ُ ،‬م�ْش ٍك‬

‫معان ٍد لر ّبه‪.‬‬

‫‪ 60‬و َت ِبعهم �ُس ْخ ٌط من الله َوطر ٌد ِمن رحمته يلازمانهم‬
‫في الدنيا والآخرة‪� ،‬أ َل �إ ّن عاداً جحدوا وحدانية الله‬

‫ونب ّوة ر�سوله هو ٍد؛ �ألا ُبعداً لهم من كل خير‪.‬‬

‫‪ 66‬فل ّما جاء �أم ُرنا بعذابهم وهلاكهم‪ ،‬نـ َّجينا �صالح ًا‬
‫و َم ْن آ�من معه‪ ،‬بنعم ٍة وف�ض ٍل م ّنا‪ ،‬ونـ َّجيناهم من َهوا ِن‬
‫ذلك اليو ِم و ُذلِّه‪� ،‬إن ر ّبك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬هو القو ُّي في‬
‫َب ْط�شه‪ ،‬العزيز في انتقامه‪ ،‬لا ي ْق َه ُره قاه ٌر‪ ،‬ولا َي ْغل ُبه غال ٌب‪.‬‬

‫‪ 67‬و أ��صاب ْت �صيح ُة العذا ِب َمن كفر بالله وك َّذب‬
‫بدعوة �صالح و َع َق َر الناق َة‪ ،‬ف أ��صبحوا في ديارهم �ساقطين‬

‫على وجوههم َموتى‪.‬‬

‫‪ 68‬أ��صبح ْت ديار ثمو َد خالي ًة‪ ،‬فك أ�نهم ِم ْن �ُسعة‬
‫زوالهم و َفنائهم لم َيعي�وشا فيها ولم يهن�ؤوا ب ِن َع ِمها ِمن‬
‫َقب ُل‪� ،‬أ َل �إ ّن ثمو َد َج َحدوا ب آ�يات ر ِّبهم‪ ،‬أ�لا ُب ْعداً لهم ِمن‬

‫ك ِّل خير‪.‬‬

‫‪ 69‬ولقد جاءت ر�س ُلنا ِمن الملائكة إ�براهي َم ُتب�ِّشه‬ ‫‪ 63‬قال �صالح لقومه‪� :‬أخ ِبوني إ�ن كن ُت على‬
‫بول ٍد �صال ٍح بعدما يئ�س ْت زوجه‪ ،‬جا ؤ�وه في �وصر ِة َب�َ ٍش‬ ‫ُح ّج ٍة ظاهر ٍة وبرها ٍن �صحي ٍح من الله‪ ،‬و�أ ْعطاني النب َّوة‬
‫ف�س َّلموا عليه‪ ،‬فر ّد عليهم التحية‪ ،‬وبادر إ�لى �إكرامهم‬ ‫والحكمة‪ ،‬ف َمن الذي ي ْدف ُع ع ّني عقا َب الله �إن اتبع ُتكم‬
‫وع�صي ُته في تبليغ الر�سالة؟ وحينئ ٍذ أ�كون خا�سراً ِلـ َما‬
‫فق َّدم لهم عجل ًا م�وشي ًا ن�ضيج ًا‪.‬‬ ‫و ّفقني وهداني الله �إليه‪ ،‬م�ض ِّيع ًا ِلـ َما َ�أ ْو َج َب عل َّي من‬

‫‪ 70‬فل ّما ر�أى �إبراهي ُم أ�يد َيهم لا تمتد إ�لى ال ِعجل‬ ‫الدعوة �إلى توحيده‪.‬‬
‫ا�ستغرب أ� ْم َرهم‪ ،‬و�أح� َّس منهم في نف�سه الخوف والفزع‪،‬‬
‫و ُهنا طم أ�نته الملائكة فقالوا‪ :‬لا تخ ْف م ّنا‪ ،‬ف إ� ّنا لا ن�أكل؛‬ ‫‪ 64‬ويا قو ِم‪ ،‬هذه ناقة الله‪َ ،‬ج َعلها معجز ًة دا ّل ًة على‬
‫�صدق ما �أ ْدعوكم �إليه‪ ،‬فاتركوها ت أ�كل في �أر�ض‪ ‬الله‪،‬‬
‫ألنا ملائك ُة ر ّبك‪ ،‬أُ�ر�سلنا �إلى قوم لوط لإهلاكهم‪.‬‬ ‫فلي�س عليكم رز ُقها ولا ُم�ْؤن ُتها‪ ،‬و إ� ْن تتعر�وضا لها ب�أدنى‬

‫‪ 71‬وكانت امر أ�ته �سار ُة قائم ًة ت�سمع محاور َتهم‪،‬‬ ‫�ُسو ٍء ُي ِ�صبكم عذا ٌب ُم َع َّج ٌل من‪ ‬الله‪.‬‬
‫َف َ�ض ِح َك ْت �سروراً بزوال الخوف‪َ ،‬ف َب�َّ ْشناها على ل�سان‬
‫الملائكة ب أ�نها َت ِل ُد ولداً �صالح ًا هو �إ�سحاق‪ ،‬و أ�نه �س ُيو َلد‬ ‫‪ 65‬ف َك َّذبوه فنحروها‪ ،‬فقال �صال ٌح لهم‪ :‬تم َّتعوا‬
‫بالعي�ش في منازلكم ثلاث َة �أيا ٍم‪ ،‬ف إ�ن العقا َب ناز ٌل عليكم‬
‫لهم من �إ�سحاق حفي ٌد �صال ٌح ا�سمه يعقوب‪.‬‬
‫بعدها‪ ،‬هذا وع ٌد �صاد ٌق لا َك ِذ َب فيه‪.‬‬

‫‪٢٢٩‬‬

‫‪ 72‬قالت �سار ُة لـ ّما ُب�ِّ َشت ب إ��سحاق َت َع ُّجب ًا‪ :‬يا‪َ  ‬ويلتا‬
‫كيف يكون لي ول ٌد و أ�نا عجوز‪ ،‬وزوجي هذا �شي ٌخ‬
‫كبي ٌر؟! إ�ن إ�نجاب الول ِد من ِمثلي ومث ِل َب ْعلي‪ ،‬على ما‬

‫بلغناه من ال�س ِّن ل�شي ٌء عجي ٌب‪.‬‬

‫لها‪� :‬أتع َجبين من �أم ٍر �أم َر‪ ‬اللهُ به أ�ن‬ ‫‪ 73‬قالت الملائكة‬
‫اللهُفي ِك وفي َب ْعل ِك؟! رحمكم الله‬ ‫يكون‪ ،‬وق�ضا ٍء َق�ضاه‬

‫وبارك فيكم يا �أه َل بي ِت إ�براهي َم‪� ،‬إن‪ ‬الله محمو ٌد مم َّجد‬
‫في �صفاته و�أفعاله‪.‬‬

‫‪ 79‬قالوا ُمع ِر�ضين ع ّما َن َ�صحهم به‪ :‬لقد علم َت‬ ‫‪ 74‬فل ّما ذه َب عن �إبراهي َم الخو ُف الذي وجده في‬
‫يا لوط �أنه لا رغب َة لنا في البنات‪ ،‬ولا حاج َة لنا فيه َّن‪،‬‬ ‫نف�سه‪ ،‬واطم أ�ن قل ُبه ل�ضيوفه حين علم ب أ�نهم ملائكة‪،‬‬
‫و�إنك لتعلم أ�ن َغ َر�ضنا وحاجتنا ‪ -‬وهو �إتيان ال ُّذكور‪-‬‬ ‫وجاءت ُه الب�شرى ب إ��سحاق‪ ،‬أ�خذ يجاد ُل ر�س َلنا في �أمر‬

‫في ه�ؤلاء ال�ضيوف‪.‬‬ ‫هلا ِك قو ِم لوط؛ ل َ ُي َّد عنهم العذاب‪.‬‬
‫‪ 75‬إ� ّن �إبراهي َم لحلي ٌم كثير ال�صبر على َمن �آذاه أ�و نا َله‬
‫‪ 80‬قال لهم لوط لـ ّما جـا َبـ َه �إ�صرا َر قوم ِه‪ :‬تم َّني ُت لو‬
‫كان لي قوة أ��ستطيع أ�ن أ�دفـع أ�ذاكم بها‪� ،‬أو أ�لج أ� �إلى‬ ‫بمكروه‪ ،‬كثي ُر الت�ضرع إ�لى ر ّبه‪ ،‬ر َّجا ٌع �إلى‪ ‬طاعته‪.‬‬
‫جه ٍة تع�صمني و َتـ ْم َن ُعكم من الو�وصل �إلى ما تريدونه‬ ‫‪ 76‬قالت الملائكة‪ :‬يا �إبراهيم َد ْع عنك ال ِجدا َل في‬
‫أ�مرهم‪ ،‬فقد جاء أ�م ُر ر ِّبك بعذابهم‪ ،‬و�إن قو َم لو ٍط ناز ٌل‬
‫في أ��ضيافي‪.‬‬ ‫بهم عذا ٌب من‪ ‬الله غي ُر م�صروف عنهم‪ ،‬لا بجدا ٍل ولا‬

‫‪ 81‬وحين �سمع الملائك ُة المر�سلون تح�ُّ َس لو ٍط على‬ ‫بدعا ٍء ولا بغيرهما‪.‬‬
‫َ�ضعفه وانقطا ِع ا ألن�صار عنه‪ ،‬قالوا له‪ :‬يا لوط إ�نا ُر�سل‬
‫ر ِّبك‪� ،‬أر�سلنا لإهلاك قومك‪ ،‬و�إنهم لن َي�صلوا �إلينا ولا‬ ‫‪ 77‬ولـ ّما جاء ْت ملائك ُتنا لوط ًا في �وصرة �شبا ٍب‬
‫إ�ليك بمكروه‪ ،‬فه ِّو ْن عليك الأمر‪ ،‬واخر ْج من بين �أَ ْظ ُهر‬ ‫ح�سا ٍن �سا َءه مجي ُئهم‪ ،‬و�ضاق ْت نف ُ�سه غ ّم ًا‪ ،‬وخاف‬
‫ه�ؤلاء القوم �أنت و�أهلك في جوف الليل‪ ،‬ولا َينظ ْر �أح ٌد‬ ‫عليهم ِلـ َما يتوقعه ِمن فجور قومه وتع ِّديهم؛ وذلك‬
‫منكم وراءه �إلا امر�أ َتك ف�إنها �س َتهلك كما هلكوا‪ ،‬إ� ّن‬ ‫أ�نه لم يك ْن يعلم أ�نهم ملائكة‪ ،‬وقال في نف�سه‪ :‬هذا يو ُم‬
‫مو ِعد هلا ِكهم وقت ال�صبح‪ ،‬أ� َلي�س وقت ال�صبح قريب ًا؟‬
‫بلا ٍء و�ش َّد ٍة‪.‬‬

‫‪ 78‬و�َسعان ما َح َد َث ما كان لوط يتوقعه ويخ�شاه‪،‬‬
‫فقد جاءت طائف ٌة من قومه مق�وص ُدهم �أ�ضيا ُفه على‬
‫عادتهم في ال ُفح�ش بالذكور‪ ،‬قال لهم لو ٌط‪ :‬يا قوم‬

‫َ أ� ْطهر‬ ‫قعوق ِامب اهل‪،‬نبو ِّليا ُتك ِبذن ُّلاتوهني‪-‬ب ُههذّنا‬ ‫ه ؤ�لاء ِن�سا�ؤكم ‪ -‬ون�ساء‬
‫الفعل‬ ‫لكم‪ ،‬فاخ�وشا‪ ‬الله وخافوا‬

‫في �أ�ضيافي‪ ،‬أ� َلي�س فيكم ‪� -‬أيها القوم‪ -‬رج ٌل را�ش ٌد عاقل‬

‫يتن ّزه عن هذا ال ِفعل ال�شنيع‪ ‬و َينعه؟‬

‫‪٢٣٠‬‬

‫و إ�ني أ�خاف عليكم بمخالفتكم �أَ ْمر الله و َبخ�سكم النا� َس‬
‫�أموا َلهم‪ ،‬عذاب ًا �شديداً يحيط بكم؛ فيهلككم جميع ًا‪.‬‬

‫‪ 85‬ويا قو ِم �أ ْو ُفوا النا� َس الكي َل والميزا َن بالعدل‪ ،‬من غير‬
‫زياد ٍة ولا نق�ص‪ ،‬ولا َت ْنق�وصا النا�س من حقوقهم �شيئ ًا‪َ ،‬ق َّل‬

‫�أو َك ُث‪ ،‬ولا َت�سعوا في الأر�ض تبالغون في الإف�ساد‪.‬‬

‫‪ 86‬وما �َأ ْبقى الله لكم من الحلال بعد �إتما ِم الكي ِل‬
‫والوزن‪ ،‬خي ٌر لكم مما ت أ�خذونه بالتطفيف و إ�خ�سا ِر‬
‫الميزان إ�ن كنتم م ؤ�منين بالله عا ِلين ب�أن الخير والبركات‬

‫َت ُّل فيما ُيك َ�سب بالعدل في الكيل والميزان‪ ،‬وما �أنا‬
‫عليكم برقيب �أُراقبكم عند َكيلكم ووزنكم‪.‬‬

‫‪ 87‬قال قوم �ُشعيب له على �َسبيل التهكم والا�ستهزاء‪:‬‬ ‫‪ 82‬فل ّما جاء �أ ْم ُرنا ب�إهلاك ه ؤ�لاء القوم المف�سدين‪،‬‬
‫يا �شعي ُب أ��صلا ُتك التي ُت ْك ِث منها ت�أمرك أ�ن نترك ما كان‬ ‫َق َل ْبنا ُقراهم التي كانوا ي�سكنونها‪ ،‬فج َع ْلنا عال َيها �سافل ًا‪،‬‬
‫يعب ُد �آبا ؤ�نا من ا أل�صنام؟ أ�و أ� ْن نترك الت�صرف في أ�موالنا‬ ‫و أ�ر�سلنا عليهم حجار ًة من الطين المتح ِّجر‪ُ ،‬ير�َسل‬
‫بما نراه منا�سب ًا ‪ -‬من الاحتيال والمكر ونح ِوهما‪ِ -‬من‬
‫�أجل ال َك�ْسب في تجارتنا وم�ضا َعفة �أرباحنا؟ �إنك لأنت‬ ‫بع ُ�ضها في إ� ْثر بع�ض‪.‬‬
‫الحلي ُم الر�شيد! يق�صدون التهك َم به والتعري�َض بف�ساد‬
‫‪ 83‬وهذه الحجارة مع َّلم ٌة عند ربك بعلام ٍة خا�صة‪،‬‬
‫ر�أيه‪.‬‬
‫وما هي ‪ -‬يا محمد‪ -‬ببعيدة من كل ظالم ومنهم ُم�شركو‬
‫‪ 88‬قال‪ :‬يا قو ِم‪ ،‬لقد �أكرمني الله بالـ ُح ّجة الوا�ضحة‬ ‫قومك‪ ،‬إ�ن لم يتوبوا من �شركهم‪.‬‬
‫والبرها ِن القاطع‪ ،‬وخ َّ�صني بال ُّنبوة والحكمة ورزقني‬
‫الما َل الحلال من غير َب ْخ� ٍس ولا تطفيف‪ ،‬فهل ي�ص ُّح لي‬ ‫‪ 84‬و�أر�سلنا إ�لى قبيلة َم ْد َين �أخاهم �شعيب ًا‪ ،‬فقال لهم‪:‬‬
‫�أن أ�ترككم على ال�ضلال‪ ،‬ولا �أنهاكم عن تر ِك المعا�صي؟‬ ‫يا قوم و ِّحدوا الله ولا تعبدوا معه غيره‪ ،‬فما لكم معبو ٌد‬
‫�سواه ي�ستح ُّق العبادة‪ ،‬ولا َتنق�وصا النا� َس حقو َقهم في‬
‫ول�س ُت أ�ري ُد �أن �أنهاكم عن �أم ٍر‪ ،‬ثم �أفعله؛ بل أ�فع ُل ما‬ ‫مكيالكم وميزانكم؛ إ�ني �أراكم في �َسع ٍة من الرزق‪ ،‬فلا‬
‫آ�مركم به‪ ،‬و أ�نتهي عما �أنهاكم عنه‪ ،‬وما أ�ري ُد إ�لا �إ�صلاح‬ ‫ُتغ ِّيوا نعمة الله عليكم بمع�صيته وا إل�ضرا ِر بعباده‪ ،‬ففي‬
‫هذه النعمة ما ُيغنيكم عن �أخذ �أموال النا�س بغير حقها‪،‬‬
‫أ�حوالكم وا�ستقام َة أ�مو ِركم َق ْدر ا�ستطاعتي‪ ،‬وما توفيقي‬

‫في �إ�صابة الحق‪ ،‬إ�لا بعون الله تعالى‪ ،‬على الله اعتمادي‪،‬‬

‫و إ�ليه في ا ألمر ك ِّله رجوعي‪ ‬و إ�نابتي‪.‬‬

‫‪٢٣١‬‬

‫ظلموا ال�صيح ُة‪ ،‬فخرج ْت �أرواحهم من أ�ج�سامهم‪،‬‬ ‫‪ 89‬ويا قو ِم‪ ،‬لا ي ْح ِم َل َّنكم خلافي وعداوتي على‬
‫ف أ��صبحوا في ديارهم موتى هامدين‪ ،‬با ِركين على‬ ‫ا إل�صرا ِر على الكفر بالله و َت ْر ِك الإيمان به؛ في�صي َبكم من‬
‫النقمة والعذاب مث ُل ما أ��صاب قو َم نو ٍح من الغرق‪،‬‬
‫ال ُّر َك ِب‪� ،‬ساقطين على‪ ‬وجوههم‪.‬‬ ‫أ�و قوم هود من الريح التي �أهلكتهم‪ ،‬أ�و قوم �صالح‬
‫‪ 95‬ك�أن لم يعي�وشا و ُيقيموا في ديارهم من قبل ذلك‪.‬‬ ‫من ال َّر ْجفة ! ولي�س خبر قوم لو ٍط الذين أ�هلكهم الله‪،‬‬
‫�أ َل �أ ْب َعد اللهُ قو َم م ْدي َن من رحمته‪ ،‬كما �أَ ْب َعد ِم ْن قبلهم‬ ‫ولا مكا ُنهم ولا زما ُنهم منكم ببعيد‪ ،‬فا ّت ِعظوا بم�صائر‬
‫قوم ثمود؛ ب�إنزال �ُس ْخ ِطه بهم‪ .‬وهذا دعا ٌء و إ�خبا ٌر‬
‫المك ِّذبين من قبلكم واعت ِبوا بحالهم‪.‬‬
‫ب�أنهما ُأ� ْه ِلكا بعذاب من جن�س واحد‪.‬‬
‫‪ 90‬ويا قومي ا�ستغفروا ر َّبكم ِمن ُكفركم ومعا�صيكم‪،‬‬
‫‪ 96‬ولقد أ�ر�س ْلنا مو�سى ب آ�ياتنا و ُح َج ِجنا ُتب ّ ُي لمن‬ ‫ثمارجعوا إ�لىطاعتهبالامتثال ألمرهو َنهيه‪ ،‬إ�نر ِّبيوا�سع‬
‫عا َي َنها وت أ� َّملها بفك ٍر �صحي ٍح أ�نها تد ُّل على �صدقه‬
‫الرحمة بالتائبين‪ ،‬كثير المحب ِة لهم وا إلح�سا ِن‪� ‬إليهم‪.‬‬
‫و�صحة‪ ‬نب ّوته‪.‬‬
‫‪ 91‬قالوا لنبيهم �شعي ٍب على َو ْج ِه الا�ستهانة‪ :‬ما‬
‫‪� 97‬أر�سلناه إ�لى فرعون و�أ�شرا ِف جنده و أ� ْتباعه‪،‬‬ ‫نفهم كثيراً مما تقول! ‪ -‬على رغم ما �آتاه الله من البلاغة‬
‫فك ّذبوا مو�سى و�أعر�وضا عنه‪ ،‬و�أطاعوا أ� ْم َر فرعون‪،‬‬ ‫والف�صاحة والقدرة على التبليغ ‪ -‬و�إ ّنا لنراك �ضعيف ًا‬
‫وما قو ُل فرعون ولا عم ُله ب�سديد ولا ر�شيد‪ ،‬بل هو‬ ‫بيننا‪ ،‬لا َح ْو َل لك ولا قوة‪ ،‬وللاو َجماعتك و�أهلك؛‬
‫لقتلناك َرمي ًا بالحجارة‪ ،‬وما �أن َت بكريم علينا‪ ،‬ف َي ْع ُظ َم‬
‫ُك ْف ٌر و�ضلا ٌل‪.‬‬
‫علينا إ�ذلا ُلك وهوانك‪.‬‬
‫‪٢٣٢‬‬
‫‪ 92‬قال �شعي ٌب لقومه مو ِّبخ ًا‪ :‬أ�ع�شيرتي و�أهلي �أع ُّز‬
‫عليكم من الله؟! و َن َب ْذتم ما جئتكم به ورا َء ظهوركم‪،‬‬
‫وا�ستخ َف ْف ُتم ب أ�مر ر ِّبكم ونهيه‪ ،‬ولم ت�ستح�ضروا خ�شي َته‬
‫ولم تخافوا عقا َبه!! إ�ن ر ِّبي عالم بجميع �أعمالكم‪،‬‬

‫و�سيجازيكم عليها العذا َب ال�شديد‪.‬‬

‫‪ 93‬ويا قو ِم‪ ،‬اعملوا على طريقتكم واثـ ُبتوا على ما‬
‫أ�نتم عليه من الكفر والعداوة‪ ،‬ف�إني عام ٌل على طريقتي‬
‫وثاب ٌت على دعوتي ور�سالتي‪ ،‬و�سوف تعلمون َمن‬
‫الذي �سينزل عليه عذا ٌب ُيذ ُّله ويهي ُنه‪ ،‬و َم ِن الذي‬
‫�سينجو‪ ،‬و�ستعلمون �أي�ض ًا َم ْن هو ال�صادق م ّنا و َمن هو‬

‫الكاذب! فانتظروا إ�ني معكم منتظر‪.‬‬

‫‪ 94‬ولـ ّما ق�ضينا بهلاكهم نجينا �شعيب ًا والذين �آمنوا‬
‫معه برحم ٍة م ّنا لهم ب�سبب إ�يمانهم‪ ،‬و�َأ َخذ ِت الذين‬

‫الله �شيئ ًا من عقاب الله وعذابه‪ ،‬حين جاء ُحكم الله‬ ‫‪ 98‬يتق َّدم فرعو ُن قو َمه إ�لى النار يوم القيامة‪ ،‬يقو ُدهم‬
‫بعذابهم‪ ،‬وما زادتهم عباد ُة الأ�صنام التي يعبدونها �إلا‬ ‫فيم�ضي بهم إ�ليها‪ ،‬وبئ� َس المو ِر ُد الذي وردوه ودخلوه‪،‬‬
‫وهو نار جهنم؛ لأن الوارد �إلى الماء �إنما َي ِر ُده ل ُيطفئ ح ّر‬
‫هلاك ًا وخ�سران ًا‪.‬‬
‫العط�ش و ُيذهب ظم َأ�ه‪ ،‬والنا ُر على �ض ِّد‪ ‬ذلك‪.‬‬
‫‪ 102‬و ِبـ ِمثل العذاب الذي �َأخذ اللهُ به َمن تق َّدم ِذ ْكره‬ ‫‪ 99‬و أ�تب َع اللهُ فرعو َن وكبار قومه في هذه الدنيا مع‬
‫من الأمم الظالمة ي�أخذ الله تعالى ك َّل �أم ٍة ظالمة‪� ،‬إ ّن عذابه‬ ‫العذاب الذي ع َّجله لهم فيها بالغرق‪ ،‬لعن ًة عظيم ًة‪� :‬أي‬
‫موج ٌع �شديد‪ .‬وهذا تحذي ٌر للم�ؤمنين من هذه ا ألمة‪� ،‬أن‬ ‫طرداً و�إبعاداً من رحمته‪ ،‬وفي يوم القيامة أ�ي�ض ًا ُيل َع ُنون‬
‫ي�سلكوا طريق الأمم الفاجرة َقبلهم؛ فيح َّل بهم ما ح َّل‬ ‫لعن ًة ُأ�خرى ب�إدخالهم النار‪ .‬بئ�س هذا العطاء الـ ُم ْع َطى‪،‬‬

‫بها من‪ ‬العقوبات‪.‬‬ ‫وهو ال َّلعن ُة في الدارين‪ .‬و�ُس ِّميت اللعنة عطا ًء تهكم ًا‪.‬‬
‫‪ 100‬ذلك من �أخبار ال ُقرى التي �أهلكنا �أهلها‪َ ،‬ن ُق ّ�صه‬
‫‪� 103‬إ َّن في هذه الق�ص�ص وا ألخبار ل ِع ْب ًة وعظ ًة‪ ،‬لمن‬ ‫عليك ‪� -‬أيها النب ُّي‪ -‬منها ما هلك �أه ُله وبقي بنيا ُنه‪،‬‬
‫خاف عذاب ا آلخرة‪ ،‬ذلك اليو ُم الذي يبعث الله فيه‬
‫النا�س جميع ًا‪ ،‬ثم َي ْجم ُعهم للجزاء والثواب والعقاب؛‬ ‫ومنها ما خرب واندثر �أ َثره‪.‬‬
‫وهو يو ٌم ي�شهده الخلائق ك ُّلهم‪ ،‬لا يتخ َّل ُف منهم �أح ٌد‪.‬‬
‫‪ 101‬وما أ�هلكناهم بغير ذن ٍب‪ ،‬ولكن ظلموا �أنف َ�سهم‬
‫‪ 104‬وما ُن�ؤَ ِّخر َميء يوم القيامة إ� ّل ألج ٍل معلوم‪.‬‬ ‫بالكفر والمعا�صي؛ فا�ستح ّقوا عذاب‪ ‬الله ونِقمته‪ ،‬فما‬
‫نفع ْتهم ولا دفع ْت عنهم آ�له ُتهم التي عبدوها من دون‬
‫‪ 105‬يو َم ي�أتي ا ألج ُل وتقوم القيامة‪ ،‬لا تتك َّلم نف� ٌس‬
‫�إلا ب�إذن ر ِّبها‪ ،‬ف ِم ْن هذه النفو�س‪ :‬نفو� ٌس �َشق ّي ٌة‪،‬‬ ‫‪٢٣٣‬‬

‫ونفو� ٌس‪� ‬سعيد ٌة‪.‬‬
‫‪ 106‬ف�أ ّما الذين �َش ُقوا فهم في نار جه ّنم‪ ،‬لهم فيها ِمن‬
‫�ش ّدة َكربهم وعذابهم زفي ٌر و�شهيق‪ ،‬وهو �إخراج ال َّن َف�س‬

‫ور ُّده ب�ش ّدة‪.‬‬

‫‪ 107‬ماكثين في جه ّنم ما دامت ال�سماوات وا ألر�ض؛‬
‫�أي‪� :‬أبداً على الدوام ‪ -‬والعرب ُتع ِّب عن الخلود‬
‫بـ‪« ‬مادامت ال�سماوات وا ألر�ض»‪ ،‬و«ما اختلف‬
‫الليل والنهار»‪ ،‬وما ِب َ�س ِبيلهما من الكلمات الدا ّل ِة على‬
‫الت ْ�أبيد‪ -‬إ�لا ما �شاء ر ُّبك؛ فلو �شاء �أ ْن َي ْقطع هذا الخلود‬
‫َل َفعل‪ ،‬ف إ� ّن له الم�شيئة المط َلقة ‪ -‬وقد ق�ضى في آ�يات أ�خرى‬

‫�أنهم لا يخرجون منها �أبداً‪ -‬إ� ّن ر َّبك يفعل ما ي�شاء‪.‬‬
‫‪ 108‬و أ� ّما الذين �ُسعدوا برحم ِة الله‪ ،‬فهم في الجنة‬
‫خالدين فيها على الدوام‪� ،‬إلا ما �شاء ربك؛ فلو �شاء‬
‫�أن َي ْقطع هذا الخلود َل َفعل‪ ،‬فهو �سبحانه يفعل ما ي�شاء‬
‫ويحكم ما يريد ‪ -‬وقد ق�ضى في �آيات أ�خرى �أنهم لا‬
‫يخرجون منها �أبداً‪ -‬عطا ًء من الله غي َر مقطوع عنهم‪.‬‬

‫ما أ�مر ُتك به من الطاعات‪ ،‬وعلى ما ت ْلقاه في �سبيل‬ ‫‪ 109‬فلا ت ُكن في �ش ٍّك من ُبطلان ما َيعبد ه ؤ�لاء‬
‫دعوتك من ا ألذى والمكاره‪ ،‬ف�إن الله لا ي�ضيع ثوابك‬ ‫الم�شركون ِمن قومك ‪ -‬والخطا ُب للر�سول ‪ ‬والمراد‬
‫به غيره‪ -‬ف�إ ّن ه�ؤلاء لم يعبدوا ما عبدوا من ا ألوثان عن‬
‫وثوا َب من ا ّتبعك من المح�سنين‪.‬‬ ‫ب�صيرة و ِعل ٍم و�إنما عبدوها ا ِّتباع ًا لآبائهم‪ ،‬و�سينا ُلهم م ّنا‬
‫‪ 116‬فه ّل كان من ا ألمم ال�سابقة التي أ�هلكناها قبلكم‪،‬‬
‫�أ�صحا ُب ر أ� ٍي وعق ٍل و َف ْه ٍم ودين‪ ،‬ين َهون أ�هل المعا�صي‬ ‫ح ُّظهم من العذاب كامل ًا غير‪ ‬منقو�ص‪.‬‬
‫عن معا�صيهم‪ ،‬و�أه َل الكفر عن كفرهم‪ ،‬لك ْن ما كان‬
‫منهم على هذه ال ِّ�صفة إ�لا قليل‪ ،‬ا َّت َبعوا ُر�سلهم و َنهوا‬ ‫‪ 110‬ولقد آ�تينا مو�سى التوراة فاخ ُتلف في ما جاء به‬
‫�أقوامهم عن الف�ساد فن ّجاهم الله من عذابه‪ ،‬وا َّتبع‬ ‫من الح ِّق ب�سبب الغ ِّي والظلم و َتكيم ا ألهواء‪ .‬وللاو‬
‫الظالمون ِمن كل �أمة ل َّذات الدنيا و�شهواتها‪ ،‬فا�ستكبروا‬ ‫ما ق�ضى الله به في �سابق علمه‪ِ ،‬من ت أ�جيل الـ ُحكم بين‬
‫المختل ِفي َن فيما ُأ�نزل من الحق إ�لى يوم القيامة؛ َل َف َ�صل‬
‫وتج َّبوا‪ ،‬وكانوا مجرمين‪.‬‬ ‫بينهم بالحق‪ ،‬ولجازى ك ّل بما ي�ستحق‪ .‬و إ�ن ه ؤ�لاء‬
‫‪ 117‬وما �ص َّح وما ا�ستقام ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬في‬ ‫المختلفين لفي �ش ٍّك َي ْب َع ُثهم على الا�ضطراب والحيرة‬
‫َق�ضا ِء ربك و ُحكمه أ�ن ُي ْه ِلك قرية من القرى و�أه ُلها‬
‫م�صلحون في أ�عمالهم؛ ألنه تعالى من ّزه عن الظلم‪ ،‬لقد‬ ‫فيما �أنزل الله على مو�سى من‪ ‬الكتاب‪.‬‬
‫كان هلاك القرى التي أ�هلكها بتمادي أ�هلها في الف�ساد‬
‫‪ 111‬و إ� ّن جميع المختل ِفين فيما �أنزله الله على نبيه‬
‫والطغيان وتكذيب‪ ‬الر�سل‪.‬‬ ‫مو�سى من اليهود والن�صارى‪� ،‬سيجازيهم ر ُّبك على‬
‫�أعمالهم‪ ،‬لا يظلم منهم �أحداً‪� .‬إنه �سبحانه بما يعملون‬
‫‪٢٣٤‬‬ ‫خبير‪ ،‬لا َيخفى عليه من نواياهم وظا ِهر �أعمالهم �شيء‪.‬‬

‫‪ 112‬فا�ستق ْم ‪ -‬أ�يها النب ُّي‪ -‬على العمل ب أ�مر ر ِّبك‪،‬‬
‫و َم ْن تاب معك‪ ،‬ولا تجاوزوا حدود الله‪� ،‬إن ر َّبكم‬

‫م َّطل ٌع على �أعمالكم‪ ،‬ومجازيكم عليها‪.‬‬

‫‪ 113‬ولا َتيلوا ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪� -‬إلى َم ْن َتققتم ِم ْن‬
‫ظلمهم‪ ،‬ف َت ْقبلوا منهم و َت ْر�وضا أ�عما َلهم؛ فتم�َّسكم النار‬
‫ب ِف ْعلكم ذلك‪ ،‬وما لكم من دون الله من نا�صر َي ْن ُ� ُصكم‪،‬‬

‫ولا وليٍّ يتولى أ�مو َركم‪ ،‬إ� ْن خالفتم �أمره‪.‬‬
‫‪ 114‬و�أ ِّد ‪� -‬أيها النب ّي‪ -‬و َمن معك من الم�ؤمنين‬
‫ال�صلوات المكتوبة مع المحافظة على أ�وقاتها وخ�وشعها‬
‫و�شرائطها �أ ّول النهار و�آخره‪ ،‬وفي �أوقا ٍت من الليل قريب ٍة‬
‫من �آخر النهار‪ ،‬إ� ّن ِف ْعل الح�سنات يك ِّفر �صغائر الذنوب‪.‬‬
‫ذلك المذكور ‪ -‬من المحافظة على ال�صلاة‪ ،‬وبيا ِن أ�ن‬
‫الح�سنات ُي ْذهبن ال�سيئات‪ -‬تذ ِكر ٌة نافعة للمتقين الذين‬

‫يرجون ثواب الله ويخافون عقابه‪.‬‬

‫‪ 115‬وا�صب ْر ‪ -‬أ�يها النب ّي‪ -‬على ال�صلاة وعلى �سائر‬

‫موعظ ٌة وتذ ِكر ٌة للم�ؤمنين؛ لي�صبروا على ما يواجههم‬
‫من‪ ‬الأذى‪.‬‬

‫‪ ١٢١‬و ُقل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬للذين لا ي�ص ِّدقونك‪ ،‬ولا‬
‫ُيق ُّرون بوحدانية الله ‪ -‬على �سبيل التهديد والوعيد‪:-‬‬
‫اعملوا على طريقتكم وا ْثـ ُبتوا على ما �أنتم عليه من‬
‫الكفر‪ ،‬ف�إني و َمن معي عاملون على طريقتنا‪ ،‬ثابتون‬

‫على ما نحن عليه من‪ ‬الحق‪.‬‬

‫‪ ١٢٢‬وانتظروا ما َيح ُّل بنا‪ ،‬إ� ّنا منتظرون ما َيح ُّل بكم‬
‫من عذاب الله‪ .‬وهذا تهديد ووعيد �آخر‪.‬‬

‫‪ ١٢٣‬ولله وح َده ِع ْل ُم ك ِّل ما غا َب عن العباد وخفي في‬
‫ال�سماوات والأر�ض‪ ،‬و إ�ليه ُي ْرجع ا ألمر كله؛ �أ ْم ُر الدنيا‬
‫�إليه‪،‬‬ ‫أ�م َرك‬ ‫محمد‪ ،‬وف ِّو�ض‬ ‫فو�إ�أنمهرتاعاآللخىرةكا‪ ،‬فٍافعبَمدنرت َّبو َّكك يلا‬
‫عما‬ ‫بغاف ٍل‬ ‫عليه‪ ،‬وما ر ُّبك‬

‫تعملون جميع ًا و�سيجازيكم‪ ‬عليه‪.‬‬

‫‪} ١‬ﮢﮣ{‪�:‬سب َقالكلا ُمعلىهذهالحروفالـ ُمق َّطعة‬ ‫‪ ١١٨‬ولو �شاء ر ُّبك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لجعل النا�س‬
‫في �أول �سورة البقرة‪ .‬هذه آ�يات الكتاب الم ْع ِجز في بيانه‪،‬‬ ‫ك َّلهم على ال ِّدين الحق‪ ،‬وهو الإ�سلام‪ ،‬ولكنه �سبحانه‬
‫لم ي�ش�ْأ ذلك؛ ل ُيعطي للإن�سان حرية الاختيار التي‬
‫الوا�ض ِح في حلاله وحرامه وحدوده و�سائر �أحكامه‪.‬‬
‫‪ ٢‬إ� ّنا �أنزلنا هذا القر�آن بل�سا ٍن عرب ٍّي؛ لكي تعقلوه‬ ‫يترتب عليها الثوا ُب والعقاب‪.‬‬
‫وتفهموا معانيه‪ ،‬وتت�أملوا آ�ياته‪ ،‬فتعلموا أ�نه من عند الله‪.‬‬
‫‪ ١١٩‬ولا يزال النا�س مختل ِفين على �أديان �ش َّتى‪ ،‬إ�لا‬
‫‪ ٣‬نحن نق�ُّص عليك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬أ�ح�س َن‬ ‫َم ْن هداه الله �إلى دين الحق‪ ،‬ف�إنهم غير مختلفين‪ ،‬ولهذا‬
‫الق�ص�ص‪ ،‬بوحينا �إليك هذا القر آ�ن‪ ،‬فنخبرك فيه عن‬ ‫الاختلاف ‪ -‬الذي هو �أثر من �آثار إ�عطاء الله تعالى لعباده‬
‫ا ألخبار الما�ضية‪ ،‬و�أنباء ا ألمم ال�سالفة‪ ،‬والكت ِب التي‬ ‫حرية الاختيار‪َ -‬خ َلقهم‪ ،‬وت َّم أ� ْم ُر الله ونفذ ق�ضا ؤ�ه ب�أن‬
‫�أنزلناها في الع�وصر الخالية‪ ،‬وقد كن َت ِم ْن قبل أ�ن نوحيه‬
‫إ�ليك‪ ،‬من الذين لا ِع ْل َم لهم بما فيه من البيان والق�ص�ص‬ ‫يملأ جهنم ِم ْن كفار الجن وا إلن�س �أجمعين‪.‬‬

‫وا ألحكام‪.‬‬ ‫‪ ١٢٠‬وك ُّل ا ألخبار التي ق�ص�صناها عليك ‪� -‬أيها‬
‫الر�سول‪ -‬من �أخبار الر�سل و�أخبار أُ�ممهم‪ ،‬إ�نما نق ُّ�صها‬
‫‪ ٤‬ا ْذ ُكر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لقومك‪ ،‬حين قال يو�س ُف‬ ‫عليك تثبيت ًا لك على أ�داء الر�سالة‪ ،‬وتقوي ًة لقلبك‪ ،‬لت�صبر‬
‫ألبيه يعقوب‪ :‬يا أ�ب ِت إ�ني ر�أيت في المنام أ�ح َد ع�ش َر‬ ‫على أ�ذى قومك‪ ،‬وتت�أ�ّسى بالر�سل من قبلك‪ ،‬و َتعل َم أ�ن‬
‫كوكب ًا‪ ،‬وال�شم� َس والقم َر‪ :‬ر�أيتهم جميع ًا لي �ساجدين‪.‬‬ ‫العاقبة لك‪ ،‬كما كانت لهم‪ ،‬وجاءك في هذه ال�سورة‬
‫الم�شتمل ِة على ق�ص�ص الأنبياء‪ ،‬الح ُّق من ر ِّبك‪ ،‬وهي‬

‫‪٢٣٥‬‬

‫‪ ١١‬قال إ�خوة يو�سف‪ ،‬لـ ّما أ� ْح َكموا الع ْزم‪ ،‬و أ�جمعوا‬ ‫‪ ٥‬قال يعقوب لابنه يو�س َف عليهما ال�سلام‪ :‬يا ُبن َّي‬
‫على ال ُفرقة بينه وبين والده يعقوب‪ :‬يا أ�بانا لماذا لا‬ ‫لا َتق ُ�ص�ص ر ؤ�ياك هذه على �إخوتك؛ فيح�سدوك‪،‬‬
‫ت�ست أ�مننا على يو�سف؟ فن�صطحبه معنا إ�ذا خرجنا �إلى‬ ‫و ُينا�صبوك العداوة‪ ،‬إ�ن ال�شيطان لآدم و َب ِنيه‪ ،‬عد ٌّو ظاهر‬
‫البادية‪ ،‬و�إ ّنا له لنا�صحون‪َ :‬ن ُحوطه ونحفظه من كل‬ ‫العداوة‪ ،‬فاحذر ال�شيطان أ�ن ُيغر َي إ�خوتك بك‪ ،‬إ� ْن‬

‫�سوء ومكروه‪.‬‬ ‫أ�ن َت ق�ص�ص َت عليهم ر ؤ�ياك‪.‬‬

‫‪ ١٢‬يا �أبانا أ� ْر ِ�سل يو�سف معنا غداً �إلى َمراعينا في‬ ‫‪ ٦‬وكما أ�كرمك ر ُّبك بالر ؤ�يا فكذلك ي�صطفيك‬
‫البادية‪ ،‬يلع ْب و َين�شط ويتمتع في أ�كل معنا ما ُي�شتهى‪،‬‬ ‫ويختارك‪ ،‬ويعل ُمك ت�أويل الر�ؤى‪ ،‬ويت ّم ف�ض َله و�إنعامه‬
‫ويلعب بالا�ستباق وغي ِره‪ ،‬ونحن نرعاه ونحيطه بعنايتنا‪.‬‬ ‫عليك وعلى ذرية أ�بيك يعقوب‪ ،‬كما أ�تمها على َج َّديك‬
‫�إبراهيم و�إ�سحاق بالنب ّوة والر�سالة‪ ،‬إ�ن ر َّبك علي ٌم بمن هو‬
‫‪ ١٣‬قال لهم يعقوب‪� :‬إني َلي�ش ُّق عل َّي ِفراقه لي؛ ب أ�ن‬
‫تذهبوا به معكم �إلى البادية‪ ،‬و أ�خاف عليه من أ�ن ي�أكله‬ ‫أ� ْه ٌل للا�صطفاء والنب ّوة‪ ،‬حكي ٌم في تدبيره لخلقه‪.‬‬

‫الذئ ُب و أ�نتم عنه لاهون من�شغلون بال َّلعب‪.‬‬ ‫‪ ٧‬لقد كان فيما َح َد َث ليو�سف و إ�خوته ِعب ٌر‬
‫وعجائب للذين �س أ�لوا ر�سول الله ‪ - -‬عن ذلك‬
‫‪ ١٤‬قالوا لأبيهم‪ :‬لئن أ�كل الذئ ُب يو�س َف‪ ،‬ونحن‬ ‫ف�أ ْخ َ َبهم بها وهو �أُم ٌّي لم يقر�أ كتاب ًا‪ .‬وهذه ت�سلي ٌة‬
‫أ�ح َد ع�ش َر رجل ًا معه نحفظه‪ ،‬إ� ّنا �إذاً َل َعج َز ٌة هالكون‪.‬‬ ‫للنبي ‪� - -‬أراد تعالى �أن ُيطلعه على ما لقي يو�سف‬
‫من �إخوته من ا ألذى والح�س ِد وعلى ما أَ� ْولاه ر ُّبه من‬
‫‪٢٣٦‬‬ ‫�أنواع ال ُّلطف والعناية؛ ليت أ��ّسى به النبي ‪ ‬فيما يلقاه‬

‫من قومه‪.‬‬

‫‪� ٨‬إذ قال �إخوة يو�سف ِم ْن جه ِة أ�بيه فيما بينهم‪:‬‬
‫والل ِه ليو�سف و�شقيقه ‪ -‬بنيامين‪� -‬أح ّب إ�لى قلب �أبينا‬
‫م ّنا‪ ،‬ونحن جماعة من الرجال ا ألقوياء؛ الذين عندهم‬
‫القدرة على خدمته ومنفعته‪� ،‬إن �أبانا يعقوب لفي خط�أٍ‬

‫وا�ض ٍح ب إ�يثاره يو�سف و�أخاه علينا‪ ‬بالمحبة‪.‬‬

‫‪ ٩‬قال بع ُ�ضهم لبع�ٍض‪ :‬ا ْقتلوا يو�سف‪� ،‬أو أ�ب ِعدوه‬
‫و�ألقوه في أ�ر�ض بعيدة عن �أبيه‪ ،‬عند ذلك َي ْخ ُل�ْص‬
‫و َي ْ�ص ُف لكم ح ُّب �أبيكم‪ ،‬ف ُيق ِبل عليكم ب ُك ِّل َيته‪ ،‬وتتوبوا‬

‫مما �صنعتم بيو�سف‪ ،‬ثم تكونوا قوم ًا �صالحين‪.‬‬

‫‪ ١٠‬قال أ�خوهم الأكبر‪ :‬لا تقتلوا يو�سف‪ ،‬و أ� ْلقوه في‬
‫َق ْعر البئر‪ ،‬ي أ�خذه بع�ض الما َّرة من الم�سافرين‪ ،‬إ�ن كنتم‬

‫فاعلين‪� .‬أي‪� :‬إن كان لا ُب َّد من الخلا�ص منه‪.‬‬

‫لهم‪ :‬لي�س ا ألم ُر كما تقولون‪ ،‬بل ز َّين ْت لكم �أنف�سكم‬
‫�أمراً قبيح ًا في يو�سف‪َ ،‬ف َفعلتموه‪ ،‬ف�صبري على ما فعلتم‬

‫بي في أ�َ ْمر يو�سف �صب ٌر جمي ٌل‪ ،‬لا َج َز َع فيه ولا �شكوى‬
‫لغير الله‪� ،‬إنه �سبحانه هو الم�ستعان على ما ت ّدعون‪.‬‬

‫‪ ١٩‬ونزل قو ٌم من الم�سافرين قريب ًا من البئر‪ ،‬ف أ�ر�سلوا‬
‫واحداً منهم لي أ�تي لهم بالماء من البئر فل ّما َ�أر�سل دل َوه في‬
‫البئر تع ّلق به يو�سف‪ ،‬وخرج من البئر‪ ،‬ولـ ّما ر�آه الرج ُل‬
‫فرح وا�ستب�َش قائل ًا‪ :‬هذا غلام! و أ�خ َفوا أ�مر يو�سف ولم‬

‫يعلنوا َخ َبه؛ حر�ص ًا عليه وطمع ًا في بيعه‪ ،‬والله عالم بما‬
‫يعملونه لا يخفى عليه ِمن ذلك �شيء‪.‬‬

‫‪ ٢٠‬وباعوا يو�س َف في م�صر‪ ،‬بثم ٍن بخ� ٍس‪ ،‬دراهم‬
‫معدودة‪ ،‬أ�ي‪ :‬قليلة‪ ،‬وكانوا في يو�سف من الزاهدين‬

‫الذين لا يرغبون فيه؛ ألنهم لم يعرفوا َق ْدره‪.‬‬

‫‪ ٢١‬وقال الذي ا�شترى يو�سف في م�صر ‪ -‬وهو َعزيز‬ ‫‪ ١٥‬فل ّما ذهبوا بيو�سف و َتوافقوا على �إلقائه في‬
‫م�صر‪ -‬لامر أ�ته‪ِ ،‬لـ َما تف ّر�س في يو�سف من َمخايل ال ُّر�شد‬ ‫البئر ون ّفذوا ما �أجمعوا عليه‪� ،‬أوحى الله �إليه‪َ :‬لتُخبر َّن‬
‫وكمال العقل‪� :‬أكرمي منزل َته و ُمقامه‪ ،‬ع�سى �أن يكفينا‬ ‫إ�خوتك ب ِفعلهم هذا الذي فعلوه بك ‪ -‬م�ستق َبل ًا‪ -‬وهم‬
‫بع�ض �أمورنا إ�ذا كبر أ�و نتب َّناه‪ .‬وكما �أنق ْذنا يو�س َف من‬ ‫لا َيدرون ب أ�نك يو�سف في وق ِت �إخبا ِرك �إياهم‪ ‬ب أ�مرهم‪.‬‬
‫أ�يدي �إخوته وقد ه ّموا بقتله‪ ،‬و أ�خرجناه ِمن ُظلمة‬
‫البئر‪ ،‬كذلك َمك ّنا له في أ�ر�ض م�صر عي�ش ًا كريم ًا عزيزاً‪،‬‬ ‫‪ ١٦‬وت أ� ّخر إ�خوة يو�سف في الرجوع حتى ذهب‬
‫ول ُنع ِّلمه من تعبير الر ؤ�يا وتف�سيرها‪ ،‬والله ف َّعال لما يريد‪،‬‬ ‫النها ُر و�أقب َل الليل‪ ،‬ودخلوا على أ�بيهم وهم‪ ‬يتباكون‪.‬‬
‫يد ّبر أ�مر يو�سف ويحوطه بعنايته و ُلطفه‪ ،‬ولك ّن �أكثر‬
‫‪ ١٧‬قالوا‪ :‬يا �أبانا‪� ،‬إ ّنا ذهبنا نت�سابق‪ ،‬وتر ْكنا يو�س َف‬
‫النا�س لا يعلمون حكمة‪ ‬الله‪ ‬وتدبيره‪.‬‬ ‫عند أ�متعتنا وحوائجنا؛ ليحفظها‪ ،‬فجاء الذئب ف�أكله‪،‬‬

‫‪ ٢٢‬ولـ ّما بلغ يو�سف ُمنتهى ق ّوته و ِ�ش ّدته �آتاه الله‬ ‫وما �أن َت بم�ص ِّدق لنا ولو ك ّنا �صادقين‪ ،‬فكيف و�أنت‬
‫ِحكمة ‪ -‬وهي الإ�صابة في القول والفعل‪ -‬وفقه ًا في‬ ‫ت َّتهمنا‪ ،‬وغي ُر واثق بقولنا؟‬

‫الدين و�ش ؤ�ون الدنيا‪ ،‬وكذلك يجزي الله َمن �أح�س َن‬ ‫‪ ١٨‬ول َّطخوا قمي�ص يو�سف بد ٍم مكذو ٍب غي ِر‬
‫عم َله و أ�طاع ر ّبه‪.‬‬ ‫دم يو�سف؛ ليكون �شاهداً على دعواهم؛ فكان ِلـ َما‬
‫احت َّف ْت به ِمن القرائن دليل ًا ي�ؤكد كذبهم؛ فقال يعقوب‬

‫‪٢٣٧‬‬

‫ألن ال�شق �إذا كان ِمن خلف فهو دليل على أ�نها كانت‬ ‫‪ ٢٣‬وحاولت امر أ� ُة العزيز إ�غراءه‪ ،‬و�أت ْت بما �أمكنها‬
‫تلحقه‪ ،‬و�أنه كان هارب ًا منها‪.‬‬ ‫من أ�نواع ال ِحيلة والمكر لا�ستمالته‪ ،‬و�َأحك َمت إ�غلاق‬
‫جميع أ�بواب ال َق�صر‪ ،‬وقالت‪ :‬ه ُل َّم و أ�ق ِب ْل إ�ليَّ‪ ،‬قال‬
‫‪ ٢٨‬فل ّما ر�أى زو ُجها ثو َب يو�سف قد �ُش َّق من َخل ٍف‪،‬‬ ‫يو�سف‪ :‬أ�عوذ بالله �أن أ�فعل هذا‪ ،‬إ� َّن زوجك هو �س ِّيدي‪،‬‬
‫قال‪ :‬إ�ن هذا الأمر من �صنيع الن�ساء ومك ِرهن‪ ،‬إ� ّن َكيدكن‬ ‫قد أ�ح�سن معاملتي‪ ،‬و�أكرم ُمقامي‪ ،‬فلا �أخونه في �أهله؛‬

‫يا مع�شر الن�ساء عظيم‪.‬‬ ‫�إنه لا يظفر ولا ينجو َم ْن َظ َلم وخان‪.‬‬

‫‪ ٢٩‬ث َّم قال ليو�سف‪ :‬أ�عر�ْض عن ِذ ْكر ما كان‪ ،‬فلا‬ ‫‪ ٢٤‬ولقد َع َز َم ْت هذه المر�أة على ت�سليم نف ِ�سها‬
‫تذكره لأحد‪ .‬والتف َت �إلى امر�أته مو ّبخ ًا لها‪ُ :‬توبي من‬ ‫ليو�سف وه ّي�أ ْت له كل ال�ُّسبل لتحقيق ذلك‪ ،‬وللاو‬
‫ذنبك الذي وقع منك‪� ،‬إنك �أخط�أ ِت في ُمراودة يو�سف‬ ‫حف ُظ‪ ‬الله ورعاي ُته ليو�سف وا�ست�شعا ُره مراقب َة الله له وما‬
‫َو َقر في قلبه من دلائل ذلك الحفظ والرعاية والمراقب ِة‬
‫و أ�خط�أت في اتهامه وهو بريء‪.‬‬ ‫َلـ َهـ َّم بها‪ ،‬وكما نـ َّجيناه ِمن َكيد إ�خوته وح ِفظناه من‬
‫الهلاك في البئر كذلك َنع�صمه من الوقوع في الخيانة‬
‫‪ ٣٠‬ث َّم �شا َع الخب ُر في البلد وتح َّدثت الن�ساء با ألمر‬ ‫وفاح�ش ِة الزنا‪ ،‬إ�نه من عبادنا الذين َ�أخل�صناهم لطاعتنا‬
‫و ُقلن‪ :‬امر�أ ُة العزيز ُتراو ُد غلامها عن نف�سه‪ ،‬وقد تم َّكن‬
‫ح ُّبه من قلبها و�أ�صبحت مت ّيم ًة به‪� ،‬إنا لنراها واقع ًة في‬ ‫وا�صطفيناهم‪ ‬لنبوتنا‪.‬‬

‫خط أٍ� فاد ٍح وا�ض ٍح‪.‬‬ ‫‪ ٢٥‬و�أ�سر َع يو�سف َن ْح َو الباب للخروج فراراً من‬
‫الوقوع في الفاح�شة‪ ،‬والمر�أ ُة َتلحقه لتق�ضي حاجتها‬
‫‪٢٣٨‬‬ ‫منه‪ ،‬ف أ�در َكته فتع ّلق ْت بقمي�صه تجذبه إ�ليها‪ ،‬ف�ش َّقته ِم ْن‬
‫َخ ْلف‪ ،‬و�صا َدفا زوجها عند الباب‪ ،‬فبادرت بالقول‬
‫لزوجها مخاف َة �أن ي َّتهمها بالفجور‪ :‬ما جزاء َم ْن �أراد‬
‫ب أ�هلك ال�سوء والخيانة‪ ،‬إ�لا أ�ن ُي�ْس َج َن أ�و ُي�ضرب �ضرب ًا‬

‫�شديداً م�ؤلم ًا؟!‬

‫‪ ٢٧ ٢٦‬قال يو�سف مك ّذب ًا لها‪ :‬بل هي راودتني‬

‫عن نف�سي‪ ،‬و�ش ِهد �شاهد من �أهل المر أ�ة ‪ -‬و َك ْو ُنه من‬
‫�أهلها َ�أ ْوجب لل ُح ّجة عليها‪ ،‬و َ�أ ْوثق في براءة يو�سف‪-‬‬
‫فقال‪� :‬إ ْن كان قمي�صه �ُش َّق من أ�ما ٍم ف�صدق ْت في قولها‪،‬‬
‫وهو كاذب؛ ألن ال�ش َّق إ�ذا كان من ا ألمام فهو دليل على‬
‫�أنه كان مذنب ًا‪ ،‬وهي تريد أ�ن تدفعه عن نف�سها‪ .‬و�إ ْن كان‬
‫ثوبه قد �ُش َّق من َخ ْل ٍف‪ ،‬فكذب ْت في قولها وهو �صادق؛‬

‫�أق َّر ْت لهن بمراود ِتها له وامتنا ِعه‪ ،‬ث ّم قالت‪ :‬لئن لم‬ ‫‪ ٣١‬فل ّما �س ِم َعت امر�أ ُة العزيز ب ِغ ْيبتهن وقولهن‪:‬‬
‫يطاوعني فيما أ�دعوه إ�ليه م�ستق َبل ًا‪َ ،‬ل ُي ْح َب َ�س َّن وليكون ّن‬ ‫امر�أ ُة العزيز ُتراود فتاها �أر�سل ْت �إليه ّن‪ ،‬وهي�أ ْت له ّن‬
‫مجل�س ًا للطعام‪ ،‬وما ي َّتكئن عليه من الو�سائد‪ ،‬و�أعطت‬
‫من الذليلين‪.‬‬ ‫ك َّل واحدة من الن�سوة اللاتي ح�ضر َنها �سكين ًا لتقطع به‬
‫الطعام‪ ،‬وقالت امر�أة العزيز ليو�سف‪ :‬ا ْخر ْج عليه ّن‪،‬‬
‫‪ ٣٣‬قال يو�سف م�ستعيذاً بالله تعالى من �ش ّره ّن‪:‬‬ ‫فخرج عليهن وال�سكاكين في أ�يديهن‪ ،‬فل ّما ر�أين يو�سف‬
‫ر ِّب‪ ،‬الحب� ُس في ال�سجن �أح ُّب �إل ّي مما يدعونني إ�ليه من‬ ‫‪ -‬عليه ال�سلام‪� -‬أع َظ ْمنه و�أج َل ْلنه لح�سنه وجماله‪،‬‬
‫مع�صيتك‪،‬و ُيراو ْد َننيعليهمنالفاح�شة‪،‬و�إنلمتدف ْععني‬ ‫وج َّرحن �أيديهن بال�سكاكين من ِ�ش َّدة الذهول‪ ،‬و ُقلن‪:‬‬
‫�ش َّر ُه َّن‪ ،‬أَ� ِم ْل إ�ليه َّن و�أتابعه َّن على ما َي ْه َو ْي َن‪ ،‬و�أك ْن جاهل ًا‬ ‫حا� َش لله ‪ -‬تنزيه ًا لله وتع ُّجب ًا من قدرته على خلق هذا‬
‫�إذا ارتكب ُت مع�صيتك‪ .‬وهذا ك ُّله على �سبيل الت�ضرع‬ ‫الجمال الباهر‪ -‬لي�س هذا من الب�شر‪ ،‬ما هذا �إلا َم َلك‬
‫من الملائكة؛ لأنه ّن لم َيرين في ُح�سن �وصرته من الب�شر‬
‫والا�ستغاثة بالله تعالى على عاد ِة ا ألنبياء وال ّ�صالحين‪.‬‬
‫�أحداً مثله‪.‬‬
‫‪ ٣٤‬فا�ستجاب الله ليو�سف دعا َءه‪ ،‬ف َ�صف عنه ما‬
‫�أراد ْت منه امر أ�ة العزيز و َ�ص َواحبا ُتها من مع�صية الله‪ ،‬إ�نه‬ ‫‪ ٣٢‬قالت امر�أة العزيز للن�سوة اللاتي ج ّرحن أ�يديهن‪:‬‬
‫هو ال�سميع لدعاء خلقه‪ ،‬العليم بحوائجهم وما ي�صلحهم‪.‬‬ ‫فهذا الذي �أ�صابكن ِم ْن ر�ؤيت ُك َّن �إ ّياه �أ ّو َل مرة‪ ،‬وهو‬
‫الذي ُلـ ْمـ ُتـ ّنـني في ح ِّبي �إ ّياه‪ ،‬ف ُقلت َّن ما ُقلت ّن ع ِّني‪ ،‬ث ّم‬
‫‪ ٣٥‬ثم ظهر لعزيز م�صر و َم ْن ا�ست�شارهم من خا ّ�صته‪،‬‬
‫ِم ْن بعد ما ر�أوا الأدلة على براءة يو�سف و ِع ّفته ‪ -‬من‬ ‫‪٢٣٩‬‬
‫�ش ِّق القمي�ص‪ -‬أ�ن ي�سجنوه إ�لى م ّد ٍة غير معلومة؛ لينقطع‬

‫كلام النا�س عن الف�ضيحة‪.‬‬

‫‪ ٣٦‬ودخل مع يو�سف ال�سج َن فتيان‪ ،‬فقال أ�حدهما‪:‬‬
‫�إني أ�رى في نومي أ�ني أ�ع�صر عنب ًا‪ ،‬وقال ا آلخر‪� :‬إني أ�رى‬
‫في منامي �أني �أحمل على ر�أ�سي خبزاً ت�أكل منه الطير‪،‬‬
‫َ�أخ ِ ْبنا يا يو�سف بت أ�ويل ر ؤ�يانا‪ ،‬ف إ�نا نراك من الذين‬

‫يح�سنون تف�سير‪ ‬الر�ؤيا‪.‬‬

‫‪ ٣٧‬قال يو�سف لهما‪ :‬لا ي أ�تيكما �شيء من الطعام‬
‫ُترزقانه إ�لا �أخبرتكما ب�ش�أنه قب َل �أن ي�أتيكما‪ .‬وهذا‬
‫الذي �أُخبركم عنه من تعبير الر�ؤيا وا ِإلخبار بالـ ُم َغ َّيبات‬
‫بع�ُض ما ع ّلمني ربي �إياه‪ ،‬ولي�س من َقبيل ال ّتكهن‬
‫وال ّتنجم؛ �إني اجتنب ُت وبر ِئت ِمن م ّلة َمن لا ي�ص ّدقون‬
‫بالله ولا ُيق ّرون بوحدانيته‪ ،‬ولا يق ّرون بالمعاد والبعث‪،‬‬

‫ولا بالثواب والعقاب‪.‬‬

‫‪ ٤٣‬وقال ملك م�صر‪ :‬إ�ني أ�رى في المنام �سب َع بقرات‬ ‫‪ ٣٨‬وا ّتبع ُت دين �آبائي‪ :‬إ�براهي َم و إ��سحاق ويعقوب‪،‬‬
‫ِ�سما ٍن‪ ،‬ي أ�كلهن �سب ُع بقرا ٍت �ضعيفات هزيلات في غاية‬ ‫لا دي َن �أه ِل ال�شرك‪ ،‬ما جا َز لنا �أن نجعل‪ ‬لله �شريك ًا في‬
‫ال�ضعف وال ُهزال‪ ،‬و أ�رى كذلك في منامي �سب َع �ُسنبلات‬ ‫عبادته وطاعته‪ ،‬بل الذي علينا إ�فرا ُده با أللوهية والعبادة؛‬
‫ُخ�ض ٍر و�سبع ًا أُ� َخ َر ياب�سات‪ ،‬يا �أه َل العلم والحكمة‪،‬‬ ‫هذا التوحيد مـ ّما أ�كرمنا‪ ‬الله به‪ ،‬وتف َّ�ضل به علينا وعلى‬
‫أ�خبروني بمعنى هذه الر ؤ�يا‪ ،‬إ�ن كنتم ُت�سنون تعبير الر ؤ�يا‬ ‫النا�س‪� ،‬إذ أَ�ر�َس َلنا �إليهم ُدعا ًة �إلى توحيده وطاعته‪ ،‬ولك ّن‬

‫والك�ش َف عن العاقبة التي ت ؤ�ول �إليها‪.‬‬ ‫�أكثر النا�س ال‪ ‬ي�شكرون الله على ف�ضله ونعمه‪.‬‬

‫‪ ٣٩‬وقال يو�سف ل ّل َذين معه في ال�سجن‪� :‬أعباد ُة �آله ٍة‬

‫متع ِّددة لا َت�ض ُّر ولا تنفع‪ ،‬ولا ت�ستجيب لمن دعاها‪ ،‬خي ٌر‬
‫�َأ ْم عبادة الله الواحد القهار؟‬

‫‪ ٤٠‬ما تعبدون ِمن دون الله �إلا أ��شياء �َس َّم ْي ُت ُموها أ�نتم‬
‫و آ�با�ؤكم آ�له ًة وما لها من ا أللوهية إ�لا الا�سم‪ ،‬ما‪َ  ‬ج َعل‪ ‬الله‬
‫فيما خلق و َذ َر َأ� من دلي ٍل ت�ستدلون به على عبادتها‪،‬‬
‫ولكنها اختلا ٌق منكم وافتراء‪ ،‬ما الحك ُم والت�ص ّر ُف �إلا‬
‫لله وحده‪�َ ،‬أ َم َر عباده ب�أ ّل يعبدوا �إ ّل إ�ياه‪ ،‬وهذا هو الدين‬
‫القويم الذي لا اعوجاج فيه‪ ،‬ولك ّن �أكثر ال ّنا�س يجهلون‬

‫ذلك‪ ،‬فلا يعلمون حقيقته‪.‬‬

‫‪ ٤١‬يا �صاح َب َّي في ال�سجن‪� :‬أ َّما الذي ر أ�ى أ�نه يع�صر‬
‫خمراً‪ ،‬فيخر ُج من ال�سجن و َي�سقي المل َك الخم َر‬
‫فيكون �صاح َب �شرابه‪ ،‬و�أ ّما الذي ر أ�ى أ� ّن على ر أ��سه‬
‫خبزاً‪ ،‬ف�إنه ُي ْ�ص َلب فت�أكل الطير من ر�أ�سه‪ُ ،‬ف ِر َغ من‬
‫الأمر الذي فيه ا�س َت ْفتيتما‪ ،‬و َو َج َب حك ُم‪ ‬الله عليكما‬

‫بالذي �أخبر ُتكما به‪.‬‬

‫‪ ٤٢‬وقال يو�سف للذي َع ِل َم أ�نه نا ٍج من �صاحبيه‪:‬‬
‫اذكرني عند الملك‪ ،‬و�أخبره �أني محبو�س بغير ُجرم‪،‬‬
‫ف أ�ن�سى ال�شيطا ُن ال�ساق َي ِذ ْك َر ذلك للملك‪ ،‬فمكث‬

‫يو�س ُف في ال�سجن ِب�ضع �سنين‪.‬‬

‫‪٢٤٠‬‬

‫‪ ٤٧‬قال يو�سف ل�ساقي الملك‪ :‬تزرعون �سب َع �سنين‬
‫متوالية على عاد ِتكم في �سنوات الخ�صب َق ْبلها‪ ،‬فما‬
‫ح�صدتم من الزرع فدعوه في �ُسنبله؛ ليبقى محفوظ ًا من‬

‫التلف‪� ،‬إلا المقدار الذي ت�أكلونه‪.‬‬

‫‪ ٤٨‬ثم يجيء ِمن بعد ال�سنين ال�سبع ال ِخ ْ�صبة‪� ،‬سب ُع‬
‫�سنين ذات قح ٍط وجد ٍب‪ ،‬ت�أكلون فيها ما ا ّدخرتم في‬
‫ال�سنين الخ�صبة من الأقوات‪ ،‬إ�لا ي�سيراً مما تخزنون‬

‫وتحفظون من البذور للزراعة‪.‬‬

‫‪ ٤٩‬ثم يجيء بعد الـ َج ْدب‪ ،‬عا ٌم فيه ُيغاث النا�س‬
‫بالمطر‪ ،‬وفيه َيع ِ�صون الزيتو َن والعنب و�سائر ما ُيع�صر‬

‫من‪ ‬الثمرات‪.‬‬

‫‪ ٥٠‬وقال الملك ‪ -‬بعد �سماعه ت�أويل الر ؤ�يا‪ :-‬ائتوني‬ ‫‪ ٤٤‬قال الملأ الذين �س�ألهم مل ُك م�صر عن تعبير ر ؤ�ياه‪:‬‬
‫هذا الذي ر�أي َت أ�يها الملك أ�خلا ُط �أحلا ٍم‪ ،‬و أ�مو ٌر‬
‫ب َم ْن ف�ّسها‪ ،‬فلما جاء ر�سول الملك �إلى يو�سف يدعوه‬
‫إ�ليه‪ ،‬قال قا�صداً إ�ظها َر براءته‪ :‬ارجع �إلى �س ِّيدك الملك‪،‬‬ ‫متخ َّيلة‪ ،‬وما نحن بت�أويل ِمثل هذه ا ألحلام بعالمين‪.‬‬
‫فا�س أ�له‪ :‬ما �ش�أ ُن الن�سوة اللاتي َق َّطعن �أيديهن؟ �إ ّن ر ِّبي‬
‫‪ ٤٥‬وقال �ساقي الملك الذي نجا ِمن القتل وتذ َّكر‬
‫تعالى عليم ب�صنيعهن ومكره َّن‪.‬‬ ‫بعد �سنوات ما كان ن�سي ِمن َأ� ْمر يو�سف وو�صي ِته‬
‫ِب ِذ ْك ِر حاجته عند الملك‪ :‬أ�نا �أخبركم بتعبير هذه الر�ؤيا‪،‬‬
‫‪�َ ٥١‬أ ْح َ� َض الملك الن�سو َة ي�ستجوبه َّن في �أَ ْم ِر يو�سف‬ ‫ف�أر�سلوني إ�لى ال�سجن؛ آلتيكم بت أ�ويلها ممن عنده علم‬
‫قائل ًا‪ :‬ما كان �ش أ�نك َّن حين راودت َّن يو�سف عن نف�سه؟‬
‫هل ر�أي ُ َّت منه ما َي ِريب؟ ُق ْلن‪َ :‬معاذ الله أ�ن يكون يو�سف‬ ‫بت�أويل ال ُّر�ؤى‪.‬‬
‫م ّتهم ًا‪ ،‬والل ِه ما َع ِلمنا عليه ِمن �ُسوء‪ ،‬قالت امر أ�ة العزيز‪:‬‬
‫ا آلن تب َّي الح ُّق وانك�شف جل ّي ًا‪� ،‬أنا التي حاولت إ�غراء‬ ‫‪ ٤٦‬ف�أر�َسلوه ف�أتى يو�سف‪ ،‬فقال له‪ :‬يو�سف �أيها‬
‫يو�سف ودعو ُته �إلى نف�سي‪ ،‬وهو بري ٌء من الخيانة‬ ‫ال�ص ِّديق‪� ،‬أفتنا في ر ؤ�يا َم ْن ر أ�ى �سب َع بقرا ٍت �سما ٍن‬
‫ي�أكلهن �سب ٌع ِ�ضعاف‪ ،‬ور�أى �سب َع �سنبلا ٍت ُخ�ضر‬
‫و�صاد ٌق في قوله‪} :‬ﮝﮞﮟﮠﮡ{‪.‬‬ ‫تلت ُّف عليها �سب ٌع ياب�سات؛ لعلي �أرجع إ�لى الملك‬
‫و َم ْن عنده‪ ،‬ف أ�خبرهم بت�أويل هذه الر ؤ�يا‪ ،‬ولعلهم‬
‫‪ ٥٢‬قال يو�سف‪ :‬ذلك ا ألمر الذي ف َع ْل ُته‪ِ :‬م ْن طلبي‬
‫التح ُّق َق من �أمر الن�سوة اللاتي ق َّطعن أ�يديهن‪ ،‬فعل ُته‬ ‫يعرفون َق ْد َرك ومكانتك‪.‬‬
‫ألجل أ�ن تظهر براءتي؛ و ِل َيعل َم العزي ُز �أني لم �أخنه في‬
‫غيبته؛ بل تعفف ُت عن زوجته‪ ،‬و أ� ّن الله لا ُينفذ ولا ُي�س ِّدد‬ ‫‪٢٤١‬‬
‫كي َد الخائنين؛ ف�إنه و إ�ن راج لا َيلبث أ�ن يبطله الله و ُيظهر‬

‫حقيقته‪.‬‬


Click to View FlipBook Version