The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

تفسير القرآن الكريم_compressed

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Ghada Alnawawy, 2021-11-09 00:37:41

تفسير القرآن الكريم_compressed

تفسير القرآن الكريم_compressed

‫ح ّدها الله لكم‪ ،‬والفرو�ض التي ب ّينها هي حدو ُد الله‬ ‫‪ ١‬قد �سمع اللهُقو َل المر�أة الأن�صارية َخ ْول َة بنت ثعلبة‬
‫و�أوامره فلا تتعدوها‪ ،‬وللجاحدين بها عذا ٌب م ؤ�لـ ٌم‪.‬‬ ‫التي ُتراجعك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬في �ش�أن ما دار بينها وبين‬
‫زوجها‪ ،‬وفيما َ�ص َدر عنه في ح ِّقها ِمن ال ِّظهار ‪ -‬وهو‬
‫‪ ٥‬إ� َّن الذين يعادون الله ور�سوله ويخالفون �أمرهما‪،‬‬ ‫تحريم نكاحها بقوله لها‪ « :‬أ�ن ِت عل َّي ك َظه ِر �أُ ّمي» ‪ -‬وقد‬
‫�ُأذلوا و�أُخزوا كما أ�خزي الذين من قبلهم من الأمم الذين‬ ‫كان الظهار في الجاهلية �سبب ًا في تحريم الزوجة تحريم ًا‬
‫خالفوا الله ور�سله‪ ،‬وقد أ�نزلنا �آيات مف َّ�صلا ٍت لا خفاء‬
‫فيها فيما تد ُّل عليه من الحلال والحرام‪ ،‬وللجاحدين بها‬ ‫م ؤ� َّبداً‪ -‬وت�شتكي ما هي فيه من اله ِّم إ�لى الله وت�س أ�له‬
‫الفرج‪ ،‬والله ي�سمع تحاوركما �أن َت وهذه المر�أة‪� ،‬إ َّن الله‬
‫عذا ٌب ُمذ ٌّل في جهنم‪.‬‬
‫�سميع لهذا وغيره من كلام َخ ْلقه‪ ،‬ب�صير بما تعملون‪.‬‬
‫‪ ٦‬يوم ُيخرجهم الله تعالى من قبورهم ويجمعهم‬
‫للعر�ض والح�ساب‪ ،‬فين ِّب ُئهم بما عملوا من خير �أو �شر‪.‬‬ ‫‪ ٢‬الذين ُيح ّرمون ن�ساءهم على �أنف�سهم فيقول‬
‫لقد �أح�صى الله �سبحانه ك َّل �شيء عملوه‪ ،‬فع ّده عليهم‬ ‫الواحد منهم لزوجته‪� :‬أن ِت عل َّي ك َظهر ُ�أ ّمي‪ ،‬هم‬
‫و�أَ ْثبته وحفظه‪ ،‬بينما هم ن�سوا ذلك‪ ،‬والله على كل �شي ٍء‬ ‫مخط ُئون‪ ،‬فما ن�سا�ؤهم اللائي يظاهرون منه َّن‬
‫عملوه رقي ٌب �شاه ٌد‪ ،‬يعلمه ويحيط به فلا َي ْع ُزب عنه‬ ‫ب�أمهاتهم‪ ،‬بل ه َّن لهم حلال‪ ،‬وما �أمهاتهم �إلا اللائي‬
‫َو َل ْدنهم‪ ،‬و�إ َّن ه ؤ�لاء الـ ُمظاهرين ليقولون قول ًا منكراً‪،‬‬
‫�شيء منه‪.‬‬ ‫وباطل ًا منحرف ًا عن الحق‪ ،‬و إ� َّن الله لذو عفو عن ذنوب‬

‫‪542‬‬ ‫عباده إ�ذا تابوا منها‪ ،‬غفور فلا يعاقبهم بعد التوبة‪.‬‬

‫‪ ٣‬والذين ُيظا ِهرون من ن�سائهم‪ ،‬ثم يعودون لن ْق�ض‬
‫ما قالوا من التحريم ‪ ،‬فعلى َمن يفعل ذلك ك ّفار ٌة هي‬
‫ِع ْت ُق رقبة‪َ :‬عب ٍد �أو �أَمة‪ ،‬من قبل أ�ن يكون بينه وبين‬
‫امر�أته مبا�شرة �أو ما في حكمها‪ ،‬ذلكم حكم الله �أوجبه‬

‫عليكم لعلكم تتعظون فترتدعون عن تحريم ما �أح َّل الله‬

‫لكم‪ ،‬والله لا يخفى عليه �شيء من أ�عمالكم‪ ،‬و�سوف‬

‫يحا�سبكم عليها‪.‬‬

‫‪ ٤‬ف َمن لم يجد ِمن المظا ِهرين ِمن زوجاتهم رقب ًة �أو‬
‫وجدها ولم يجد مال ًا ل�شرائها وتحريرها‪ ،‬فعليه �صيام‬

‫�شهرين متتابعين‪ ،‬من قبل �أن يتما�ّسا‪ ،‬ف َمن لم ي�ستطع‬
‫ال�صيام فعليه �إطعا ُم �ستين م�سكين ًا‪ .‬وهذا الفر�ض وهذا‬
‫التخفيف كي ُيق َّر النا�س بتوحيد الله ور�سالة ر�سوله‪،‬‬
‫ويتركوا ما كانوا عليه في الجاهلية‪ ،‬وهذه الحدود التي‬

‫والعدوان ومخالفة الر�سول؟! و�إذا جا�ؤوك ‪ -‬يا محمد‪-‬‬ ‫‪ 7‬أ�لم َتعلم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬أ� ّن الله يعلم ما في‬

‫ح ّيوك بغير التحية التي جعلها الله لك‪ ،‬وهي قولهم‪:‬‬ ‫ال�سماوات وما في ا ألر�ض‪ ،‬لا يخفى عليه �صغي ُر ذلك‬
‫ال�ّسام ‪ -‬أ�ي الموت‪ -‬عليك‪ ،‬ويقولون فيما بينهم‪ :‬ه ّل‬ ‫وكبيره‪ ،‬فكيف تخفى عليه �أعمال ه ؤ�لاء الكافرين‬
‫يع ِّجل الله عقوبته لنا على ذلك إ� ْن كان محمد ر�سوله‬ ‫وع�صيا ُنهم؟ ما يكون من حدي ٍث �س ٍّر بين ثلاثة من َخلقه‬
‫ح ّق ًا‪َ .‬ح�ْس ُب ه ؤ�لاء المعتدين جهن ُم‪ ،‬وكفاهم بها‪،‬‬ ‫�إلا هو رابعهم‪ ،‬ي�سمع �س َّرهم ونجواهم‪ ،‬ولا يكون من‬
‫نجوى خم�س ٍة إ�لا هو �ساد�سهم كذلك‪ ،‬ولا �أق َّل من ذلك‬
‫َي ْ�صلونها يوم القيامة‪ ،‬فبئ�س الم�صير هي‪.‬‬
‫العدد ولا أ�كثر �إلا هو معهم عالم بهم إ�ذا تناجوا في �أ ِّي‬
‫‪ 9‬يا �أيها الذين �ص َّدقوا الله ور�سو َله إ�ذا تداولتم‬ ‫مكا ٍن كانوا‪ ،‬ثم ُيخبر يوم القيامة ه ؤ�لاء المتناجين بما‬
‫الحديث فيما بينكم �س ّراً فلا تتحدثوا بما فيه إ�ث ٌم وعدوا ٌن‬ ‫عملوا من عمل م ّما ُير�ضيه �أو ي�سخطه‪ ،‬إ� َّن الله ب�أ�سرارهم‬
‫ومع�صي ٌة للر�سول‪ ،‬ولك ْن َت ّدثوا بطاعة الله وتقواه وما‬
‫و�سائر أ�عمالهم عليم محيط‪.‬‬
‫يق ِّربكم منه‪ ،‬وخافوا الله الذي إ�ليه م�صيركم‪.‬‬

‫‪ 10‬إ� ّنا مناجاة اليهود والمنافقين بع�ضهم بع�ض ًا با إلثم‬

‫والعدوان من تزيين ال�شيطان‪ ،‬يحملهم عليها ليحزن‬

‫الم ؤ�منين ويفتنهم‪ ،‬ولي�س ذلك ب�ضا ّرهم ولا م ؤ�ذيهم‬
‫�شيئ ًا إ�لا بق�ضاء الله وقدره‪ ،‬وعلى الله فليتوكل أ�ه ُل‬

‫الإيمان‪ ،‬ولا يحزنوا من تناجي المنافقين والكائدين لهم‪.‬‬

‫‪ 11‬يا أ�يها الذين �ص َّدقوا الله ور�سو َله إ�ذا قيل لكم‬
‫تو�َّسعوا في المجال�س فليو�س ْع بع ُ�ضكم لبع�ض‪ ،‬يو�سع الله‬
‫منازلكم في الجنة‪ ،‬و إ�ذا قيل لكم‪ :‬انه�ضوا إ�لى ما فيه‬
‫خيركم فانه�ضوا‪ ،‬يرفع الله منزلة الم ؤ�منين والعا ِلـمين‬
‫�إذا عملوا بما علموا درجا ٍت عالي ًة في الجنة‪ ،‬والله خبير‬
‫ب أ�عمالكم‪ ،‬لا يخفى عليه المطي ُع من العا�صي‪ ،‬وهو‬

‫مجازيكم على أ�عمالكم‪.‬‬

‫‪� 8‬ألم َت َر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬إ�لى الذين نهاهم الله‬
‫عن ال َّنجوى من اليهود والمنافقين‪ ،‬ثم يرجعون إ�لى ما‬

‫ُنهوا عنه‪ ،‬ويتناجون بما ح َّرم الله عليهم من الفواح�ش‬

‫‪543‬‬

‫َحلفهم الكاذب ينفعهم عند الله‪ ،‬و أ� ّن غ�َّشهم يخفى‬ ‫‪ 12‬يا �أيها الذين �ص َّدقوا الله ور�سو َله‪ ،‬إ�ذا ناجيتم‬
‫عليه �سبحانه‪ ،‬وهيهات! �ألا �إنهم هم الكاذبون‪ ،‬فهم‬ ‫ر�سول الله‪ ،‬ف�أخرجوا قبل ذلك �صدق ًة ألهل الـ َم�ْسكنة‬
‫والحاجة‪ ،‬وت�ص ُّد ُقكم خير لكم عند ربكم و�أطه ُر‬
‫مك�شوفون مف�ضوحون‪.‬‬ ‫لقلوبكم من الذنوب وح ِّب المال‪ ،‬ف�إن لم يكن لكم ما‬
‫تت�صدقون به ف�إ َّن الله غفور رحيم لا ي ؤ�اخذكم بذلك‪.‬‬
‫‪َ 19‬غ َل َب على ه ؤ�لاء المنافقين ال�شيطا ُن بو�سو�سته‬
‫وت�سويله‪ ،‬ف�أن�ساهم ذك َر الله وعظمته وعقوبته وانتقامه‪،‬‬ ‫‪ 13‬أ��َش َّق عليكم وخ�شيتم ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬الفاق َة إ�ذا‬
‫أ�ولئك جند ال�شيطان و أ�تباعه‪ ،‬أ� َل �إ َّن جند ال�شيطان‬ ‫ق َّدمتم بين يدي نجواكم �صدقات؟ ف�إ ْذ لم تت�صدقوا وتا َب‬
‫و�أتباعه هم الخا�سرون غاي َة الخ�سران‪ ،‬حيث ف َّو ُتوا على‬ ‫الله عليكم‪ ،‬ورفع عنكم هذا التكليف ف أ�دوا الفرائ�ض‬
‫التي أ�وجبها عليكم ولم َي َ�ض ْعها عنكم من ال�صلاة‬
‫�أنف�س ِهم النعي َم المقيم و أَ�خذوا بد َله العذا َب الأليم‪.‬‬ ‫والزكاة‪ ،‬و أ�طيعوا الله ور�سوله فيما �أمركم به وفيما‬
‫‪ 20‬إ� َّن الذين يعادون الله ور�سوله ويخالفون �أمرهما‬ ‫نهاكم عنه‪ ،‬والله خبير ب أ�عمالكم كبيرها و�صغيرها‪،‬‬
‫وين�صرون أ�عداءهما‪� ،‬أولئك م�صيرهم �أن يكونوا في �أهل‬
‫�س ِّرها وعلانيتها‪ ،‬وهو مجازيكم عليها‪.‬‬
‫ال ِّذلة المغلوبين ال�صاغرين‪.‬‬
‫‪ 14‬أ�لم َت َر ‪� -‬أيها الر�سول‪� -‬إلى ه ؤ�لاء المنافقين الذين‬
‫‪ 21‬ق�ضى الله وخ َّط في أ�م الكتاب ب�أ َّن ال ُّن�صرة لدينه‬ ‫حالفوا قوم ًا غ�ضب الله عليهم‪ ،‬وهم اليهود‪ ،‬و أ��س ّروا‬
‫والعاقبة لر�سله‪ ،‬إ� َّن الله قو ٌّي لا ُيعجزه �شيء‪ ،‬عزي ٌز لا‬ ‫�إليهم ونا�صحوهم؟ ولي�س ه�ؤلاء المنافقون من �أهل‬
‫دينكم وم َّلتكم‪ ،‬ولا هم من اليهود‪ ،‬ويحلفون على‬
‫ُيغالب على �أم ٍر أ�راده‪.‬‬ ‫قولهم لك‪ :‬ن�شهد إ�نك لر�سول الله‪ .‬وهم يعلمون �أنهم‬

‫‪544‬‬ ‫كاذبون في حلفهم‪ ،‬مخالفون لما في قلوبهم‪.‬‬

‫‪ 15‬أ�ع َّد الله له�ؤلاء المنافقين عذاب ًا في ا آلخرة �شديداً‪،‬‬
‫�إنهم �ساء ما كانوا يعملون في الدنيا بخداع الم�سلمين‬

‫وخيانتهم‪ ،‬و ُن�صحهم ألعدائهم من اليهود‪.‬‬

‫‪ 16‬جعل ه ؤ�لاء المنافقون َح ِلفهم ِوقاي ًة يتقون بها‬
‫القتل‪ ،‬ويدفعون بها عن َ�أنف�سهم و أ�موالهم‪َ ،‬ف َ�ض ُّلوا‬
‫و أ��ضلوا غيرهم بفعلهم هذا‪ ،‬فلهم عذا ٌب ُم ِذ ٌّل لهم في‬

‫النار ل�ص ِّدهم عن �سبيل الله ب�أقوالهم و أ�فعالهم‪.‬‬

‫‪ 17‬لن تنفعهم أ�موا ُلهم ف َيفتدوا بها‪ ،‬ولا �أولادهم‬
‫في�ستنقذوهم من عقاب الله‪� ،‬أولئك أ�هل النار هم فيها‬

‫ماكثون �أبداً‪.‬‬

‫‪ 18‬يو َم يبعثهم الله جميع ًا من قبورهم �أحياء فيحلفون‬
‫له كما يحلفون لكم كاذبين ُمب ِطلين‪ ،‬ويظنون �أن‬

‫ال�سماوات وما في الأر�ض من الخلق‪ ،‬وهو العزي ُز في‬
‫انتقامه‪ ،‬الحكيم في تدبير خلقه‪.‬‬

‫‪ 2‬هو تعالى الذي أ�خرج الذين جحدوا نبوة محمد‬ ‫‪ 22‬لا تج ُد ‪ -‬يا محمد‪ -‬قوم ًا ي�ص ِّدقون الله‪،‬‬
‫‪ - -‬من �أهل الكتاب ‪ -‬وهم يهود بني ال َّن�ضير‪ -‬من‬
‫منازلهم و ُدورهم حول المدينة‪ ،‬إ�لى ال�شام‪ ،‬ما ظننتم‬ ‫و ُيق ُّرون باليوم الآخر‪ ،‬يوا ّدون َم ْن عادى الله ور�سوله‬
‫‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪� -‬أنهم خارجون ِلع َّزتهم وم َن َعتهم‪،‬‬ ‫وخالفهما‪ ،‬ولو كانوا آ�با َءهم‪ ،‬أ�و �أبناءهم‪� ،‬أو إ�خوانهم‪،‬‬
‫وذلك �أنهم كانوا أ�هل ح�صون وعقار و َن ْخل كثير‪،‬‬ ‫�أو ع�شيرتهم‪ .‬ه�ؤلاء أ�ثب َت الله الإيما َن في قلوبهم‪ ،‬فهي‬
‫م ؤ�منة موقنة مخل�صة‪ ،‬وق ّواهم ببرها ٍن منه ونور وهدى‪،‬‬
‫وظ ّنوا هم أ� َّن ح�صونهم تحميهم من �سلطان الله‪ ،‬ف�أتاهم‬ ‫ويدخلهم في الآخرة ب�ساتين تجري من تحت �أ�شجارها‬
‫أ�مر الله وعذا ُبه من حيث لم يظ ُّنوا ولم يخطر ببالهم‪،‬‬
‫و أ�لقى الله في قلوبهم الخو َف ال�شديد‪ ،‬يخربون بيوتهم‬ ‫ا ألنهار‪ ،‬ماكثين فيها أ�بداً‪ ،‬ر�ضي الله عنهم بطاعتهم له‬

‫ب�أيديهم و�أيدي الم ؤ�منين‪ ،‬فاتعظوا يا ذوي العقول‬ ‫في الدنيا‪ ،‬ور�ضوا عنه في الآخرة ِلـ َما يرون من �إكرامه‬
‫لهم‪ ،‬أ�ولئك جن ُد الله و�أوليا ؤ�ه‪� ،‬ألا إ� ّن جند الله و�أولياءه‬
‫والب�صائر بما نزل بهم‪ ،‬وليحذر َمن َف َع َل فعلهم م�صي َرهم‪.‬‬
‫هم الناجون الظافرون بخيري الدنيا والآخرة‪.‬‬
‫‪ 3‬ولولا �أ ْن َك َتب الله عليهم الخرو َج مع الأهل‬
‫والولد من مو�ض ٍع �إلى مو�ضع‪ ،‬ومن بلدة �إلى أ�خرى‬
‫لعذ ّبهم في الدنيا بالقتل وال�َّسبي‪ ،‬ولهم في الآخرة‬
‫عذا ُب النار‪ ،‬مع ما أ�ح َّل بهم من الخزي في الدنيا‪،‬‬

‫بالجلاء عن ح�صونهم وم�ساكنهم‪.‬‬

‫‪َ 1‬ن َّزه اللهَ تعالى وع َّظمه و َخ َ�ض َع له ك ُّل ما في‬

‫‪545‬‬

‫‪ 4‬هذا الذي ف َعله الله به ؤ�لاء اليهود ألنهم خالفوا‬
‫الله ور�سوله‪ ،‬و َم ْن يخالف الله ور�سوله في �أمره و َنهيه‬

‫ف�إ َّن الله �شديد العقاب‪.‬‬

‫‪ 5‬ما َق َطعتم ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪ -‬من نخلة في غزوة‬

‫بني الن�ضير أ�و تركتموها قائمة على أ��صولها فب أ�مر الله‪،‬‬
‫ولم يكن �إف�ساداً‪ ،‬و ِل ُيذ َّل الخارجين عن طاعته‪ ،‬ويغيظهم‬

‫بقطع أ��شجارهم ونخيلهم‪.‬‬

‫ألنهم ا�ض ُط ّروا إ�لى مفارقة ديارهم والخروج من‬ ‫‪ 6‬والذي ر َّد ُه اللهُ على ر�سوله من �أموال بني الن�ضير‬
‫�أموالهم‪ ،‬وخرجوا ح ّب ًا لله ولر�سوله وابتغا َء ما عند الله‬ ‫لا ح َّق لكم ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬فيه ألنكم لم ُترك�ضوا‬
‫من الرزق في الدنيا‪ ،‬والر�ضوان في ا آلخرة‪ ،‬و ُن�صر ًة‬ ‫لتح�صيله خيل ًا‪ ،‬ولم ُتروا إ�بل ًا‪ ،‬ولم َت ْلقوا فيه حرب ًا‪ ،‬ولا‬
‫لدين الله ور�سوله‪ ،‬أ�ولئك هم ال�صادقون الذين �ص َّدق ْت‬ ‫ُك ِّلفتم فيه ُم�ْؤن ًة‪ ،‬ولك ّن الله ي�سلط ر�سله على َم ْن ي�شاء‬
‫من عباده ويقذف الرعب في قلوبهم في�ست�سلمون ولا‬
‫أ�فعا ُلهم �أقوا َلهم‪.‬‬ ‫يقاتلون‪ ،‬والله على كل �شيء أ�راده ذو قدرة لا يعجزه‬

‫‪ 9‬والذين اتخذوا المدينة �سكن ًا‪ ،‬واب َتنوا فيها المنازل‪،‬‬ ‫معاجز‪.‬‬
‫و�آمنوا بالله ور�سوله من قبل مجيء المهاجرين ‪ -‬وهم‬
‫‪ 7‬ما ر ّده اللهُ ع ّز وج ّل على ر�سوله من �أموال كفار‬
‫ا ألن�صار‪ُ -‬يحبون َم ْن هاجر إ�ليهم‪ ،‬ولا يجدون في‬ ‫القرى ا ألخرى من غير قتال ف ُي ْق َ�سم خم�س َة �أ�سهم‪� :‬سهم‬
‫�صدورهم ح�سداً‪ ،‬مما ُأ�وتي المهاجرون من الفيء‪،‬‬ ‫لله وللر�سول‪ ،‬و�سهم لقرابة ر�سول الله من بني ها�شم‬
‫وبني الم َّطلب‪ ،‬و�سهم لليتامى وهم أ�هل الحاجة من‬
‫و ُيعطون المهاجرين �أموا َلهم إ�يثاراً لهم بها على �أنف�سهم‬ ‫�أطفال الم�سلمين الذين مات �آبا�ؤهم‪ ،‬و�سهم للم�ساكين‬
‫ولو كان بهم حاج ٌة وفاق ٌة إ�ليها‪ .‬و َم ْن وقاه الله البخ َل‬ ‫وهم �أهل الفاقة والحاجة‪ ،‬و�سهم لابن ال�سبيل وهو‬
‫والحر�ص ال�شديد على المال وو َّفقة للبذل والإنفاق‪،‬‬ ‫الم�سافر الذي انقطع عن بلده و أ�هله وماله‪ ،‬وذلك حتى‬
‫لا يكون الما ُل متدا َول ًا بين ا ألغنيا ِء منكم خا�صة‪ ،‬وما‬
‫ف�أولئك هم الرابحون المخ َّلدون في الجنة‪.‬‬ ‫أ�عطاكم ر�سول الله من الفيء وما أ�مركم به من �أمر‬
‫فخذوه‪ ،‬وما نهاكم عنه من ال ُغلول وغيره من الأمور‬
‫فانتهوا عنه‪ ،‬وخافوا الله‪ ،‬واحذروا عقابه �إذا خالفتم‬
‫ر�سوله‪� ،‬إ َّن الله �شديد العقاب لمن خالف �أمره وع�صاه‪.‬‬

‫‪ 8‬وللفقراء المهاجرين كذلك ن�صيب من الفيء؛‬

‫‪546‬‬

‫الذين وعدوهم الخرو َج معهم‪ ،‬و َلئن قاتلهم محم ٌد‬ ‫‪ 10‬والذين جا ؤ�وا ِمن بعد أ�ولئك ا ألن�صار والمهاجرين‬
‫لا ين�صرونهم‪ ،‬و َلئن َن�صروهم ‪ -‬على �سبيل الفر�ض‬
‫ي�ستغفرون لإخوانهم بقولهم‪ :‬ر َّبنا اغفر لنا ولإخواننا‬
‫والتقدير‪ -‬ألداروا ظهورهم فا ِّرين ُمنهزمين‪ ،‬ثم لا ين�ص ُر‬ ‫الذين �سبقونا با إليمان‪ ،‬ولا تجعل في قلوبنا حقداً لأح ٍد‬
‫اللهُ بني الن�ضير‪ ،‬بل َيخذلهم ويهزمهم‪.‬‬
‫من �أهل الإيمان بك‪ ،‬ربنا �إنك ر�ؤو ٌف بخلقك‪ ،‬رحي ٌم‬
‫‪ 13‬ألنتم ‪ -‬أ�يها الم�ؤمنون‪ -‬أ��ش ُّد رهب ًة في �صدور يهود‬ ‫ب َم ْن تاب وا�ستغفر من ذنوبه‪.‬‬
‫بني الن�ضير من الله‪ ،‬فهم َي ْر َهبونكم أ��ش َّد من َر ْهبتهم‬
‫منه تعالى‪ ،‬ذلك ِمن �أجل �أنهم قوم لا يدركون حقائق‬ ‫‪ 11‬أ�لم َت َر ‪� -‬أيها الر�سول‪� -‬إلى الذين نافقوا يقولون‬
‫لإخوانهم في الكفر والـ ُمولاة من أ�هل الكتاب ‪ -‬وهم‬
‫ا ألمور حتى يعلموا أ�ن الله أ�ح ُّق بالخ�شية من غيره‪.‬‬ ‫بنو ال َّن�ضير‪ :-‬لئن ُ�أخرجتم من دياركم و ُأ�جليتم عنها‬
‫لنخرج َّن من ديارنا معكم‪ ،‬ولا ن�ستجيب ألحد �س�ألنا‬
‫‪ 14‬لا يقاتلكم ه�ؤلاء مجتمعين إ�لا في قر ًى مح َّ�صنة‪،‬‬ ‫أ� ْن َن ْخذلكم ب�أ ّل نخرج معكم‪ ،‬و�إ ْن قاتلكم محم ٌد و َم ْن‬
‫أ�و ِمن خلف حيطان‪ ،‬ولا َيبرزون لكم ل َف ْرط ُجبنهم‬ ‫معه َلنن�صر ّنكم عليهم؟! والله ي�شه ُد ب أ�نهم كاذبون في‬
‫و َرهبتهم‪ ،‬عداو ُتهم فيما بينهم �شديد ٌة‪ ،‬تظ ّنهم م�ؤتلفين‬
‫وكلم َتهم مجتمعة‪ ،‬والواقع أ� َّن قلوبهم مختلفة متنافرة‪،‬‬ ‫وعودهم‪.‬‬
‫ذلك من أ�جل �أنهم قو ٌم لا يعقلون م�صالحهم وما‬

‫ينفعهم‪ ،‬ولو َع َقلوا لكانوا أ��سب َق �إلى اتباع الحق‪.‬‬

‫‪ 15‬حا ُل يهود بني الن�ضير في َغدرهم و إ�حلال الله‬

‫ب�أ�َسه فيهم كحال َم ْن �سبقهم قريب ًا من بني قي ُنقاع‪،‬‬
‫وكفا ِر قري�ش‪ ،‬نالهم عقا ُب الله في الدنيا على كفرهم‬
‫وع�صيانهم وتم ُّردهم‪ ،‬ولهم في الآخرة مع ما �أ�صابهم‬

‫في الدنيا من الهزيمة والخزي عذا ٌب ُمو ِجع‪.‬‬

‫‪ 16‬و َم َث ُل ه�ؤلاء المنافقين الكاذبين في �إغراء اليهود‬
‫على القتال كمثل ال�شيطان الذي غ َّر إ�ن�سان ًا وم ّناه‬
‫الأمان َّي ليكف َر و َي ْفج َر‪ ،‬فل ّما ا�ستجاب له تخ َّلى عنه وتبر أ�‬
‫منه وقال له‪� :‬إ ِّن أ�خاف الله ر َّب العالمين إ� ْن ن�صر ُت َك‪.‬‬

‫و�أ َّنى لل�شيطان أ�ن يخاف الله! فكذلك المنافق‪.‬‬

‫‪َ 12‬لئن �أُخرج بنو الن�ضير لا َيخرج معهم المنافقون‬

‫‪547‬‬

‫‪ 17‬فكان عاقب َة أ�مر ال�شيطان والإن�سان الذي �أطاعه‬

‫فكفر بالله‪� ،‬أ ّنهما خالدان في النار‪ ،‬وذلك جزا ُء اليهود‬
‫والمنافقين المذكورين‪ ،‬وك ِّل كاف ٍر بالله‪ ،‬ظال ٍم لنف�سه‪.‬‬

‫‪ 18‬يا �أيها الذين �ص َّدقوا الله وو ّحدوه‪ ،‬اتقوا الله ب�أداء‬
‫فرائ�ضه‪ ،‬واجتناب معا�صيه‪ ،‬و ْل َينظر أ�ح ُدكم ما َق َّدم ليوم‬
‫القيامة من ا ألعمال‪ ،‬وهل له عم ٌل �صالح ينجيه أ�َم عم ُله‬

‫�س ِّيئ ُي ْرديه؟ وخافوا الله‪� ،‬إ َّن الله خبير ب أ�عمالكم خيرها‬
‫و�ش ِّرها‪ ،‬لا يخفى عليه منها �شي ٌء‪ ،‬وهو مجازيكم عليها‪.‬‬

‫‪ 19‬ولا تكونوا كالذين تركوا �أداء ح ِّق الله الذي‬
‫�أوجبه عليهم ف أ�ن�ساهم اللهُ مناف َع �أنف�سهم من الخيرات‪،‬‬

‫�أولئك هم الخارجون من طاعة الله �إلى مع�صيته‪.‬‬

‫المل ُك الذي لا َملك فوقه‪ ،‬ولا �شيء �إلا دونه‪ ،‬المتعالي‬ ‫‪ 20‬لا ي�ستوي أ�ه ُل النار و�أه ُل الجنة‪ ،‬أ�ه ُل الجنة هم‬
‫عن كل َعيب‪ ،‬المن َّزه عن كل نق�ص‪ ،‬الذي َي�ْسلم خل ُقه‬ ‫الفائزون‪ ،‬المد ِركون ِلـ َما طلبوا و�أرادوا من ر�ضا الله‬
‫من �أن يظلمهم‪ ،‬فهو �أعدل العادلين‪ ،‬الذي ُي َ�ؤ ِّمن عباده‬ ‫ور�ضوانه‪ ،‬والناجون مما َح ِذروا من غ�ضب الله وعقابه‪.‬‬
‫الم ؤ�منين من العذاب‪ ،‬الرقي ُب على ك ِّل �شيء الحاف ُظ‬
‫له‪ ،‬الغال ُب الذي لا ُيغا َلب‪ ،‬الذي لا يخرج �شيء عن‬ ‫‪ 21‬لو �أنزلنا هذا القر�آن على جب ٍل و�أدر َك ما فيه‬
‫قب�ضته‪ ،‬له العظمة والكبرياء في ال�سماوات والأر�ض‪،‬‬ ‫من الحكمة وال َو ْعد والوعيد لر أ�ي َت ُه ‪ -‬أ�يها الر�سول‪-‬‬
‫على �ش َّدته و�صلابته متذلِّل ًا مت�ش ِّقق ًا من خ�شية الله‪،‬‬
‫تن ّزه الله ع ّما ي�صفه الم�شركون الـ ُمب ِطلون‪.‬‬ ‫وقد �ُأنزل ‪� -‬أي القر آ�ن‪ -‬على ابن آ�دم وهو م�ست ِخ ٌّف‬
‫بح ِّقه‪ُ ،‬معر� ٌض ع ّما فيه من العبر وال ِّذكر‪ ،‬ك�أ ّن في �أذنيه‬
‫‪ 24‬هو الله �سبحانه المعبو ُد الخال ُق ولا خال َق �سواه‪،‬‬ ‫َ�صمم ًا عن �سماع آ�ياته‪ ،‬وهذه الأمثال نو ِّ�ضحها للنا�س‬
‫الذي َب َر�أَ ال َخ ْلق ف أ�وجدهم بقدرته‪ ،‬الم�ص ِّور لهم كيف‬
‫�شاء‪ ،‬له ا أل�سماء الح�سنى‪ ،‬ي�س ّبح له جمي ُع ما في‬ ‫ليتفكروا لعلهم يتوبون وينقادون للحق‪.‬‬
‫ال�سماوات والأر�ض وي�سجدون له طوع ًا وكره ًا‪ ،‬هو‬
‫‪ 22‬إ� َّن الذي يت�ص َّدع من خ�شيته الجب ُل ‪ -‬أ�يها‬
‫الغالب على أ�مره فلا ُيغا َلب‪ ،‬الحكي ُم في تدبيره وفي كل‬ ‫النا�س‪ -‬هو الله‪ ،‬المعبو ُد الذي لا تنبغي العباد ُة �إلا له‪،‬‬
‫ما يق�ضي‪ ،‬فلا َي�ضع �شيئ ًا إ�لا في مو�ضعه‪� ،‬سبحانه‪.‬‬ ‫عا ِلـ ُم غي ِب ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬و�شاه ُد ما فيهما مـ ّما‬
‫ُيرى و ُيح� ُّس‪ ،‬هو رحمن الدنيا والآخرة‪ ،‬الرحيم ب�أهل‬

‫ا إليمان به‪.‬‬

‫‪ 23‬هو الله تعالى المعبو ُد الذي لا َت�صلح العبادة �إلا له‪،‬‬

‫‪548‬‬

‫هذا ك ِّله أ�نه لا يقنعهم منكم �إ ّل أ� ْن تكفروا وترجعوا �إلى‬ ‫‪ 1‬يا �أيها الذين آ�منوا لا تتخذوا ع ُد ِّوي وعد َّوكم ِمن‬
‫ما كنتم عليه من ال�شرك‪.‬‬ ‫الم�شركين �أن�صاراً لكم و أ��صفياء ُتلقون �إليهم مو َّدتكم‪،‬‬
‫وقد كفروا بما جاءكم من عند الله من الح ِّق‪ُ ،‬يخرجون‬
‫‪ 3‬إ� َّن هذه ا ألرحام الكافر َة التي َر ِغبتم في و�صلها‬ ‫الر�سول ويخرجونكم �أي�ض ًا من دياركم و أ�ر�ضكم‬
‫لي�ست بنافعة‪ ،‬ويوم القيامة يف ّرق الله بينكم ف ُيدخل �أه َل‬
‫طاعته الجنة‪ ،‬و�أه َل معا�صيه الكافرين به النار‪ ،‬والله بما‬ ‫لأنكم آ�منتم بالله ربكم‪ ،‬لا تفعلوا ذلك إ� ْن كنتم خرجتم‬
‫تعملون ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬ب�صير‪ ،‬لا يخفى عليه �شيء منها‪،‬‬ ‫مهاجرين في طريقي الذي �شرعته لكم‪ ،‬ملتم�سين‬

‫وهو مجازيكم بها‪ ،‬إ� ْن خيراً فخير‪ ،‬و إ�ن �شراً ف�ش ٌّر‪ ،‬فاتقوا‬ ‫ر�ضاي‪ُ .‬ت�س ُّرون ‪ -‬أ�يها الم�ؤمنون‪ -‬إ�لى الم�شركين ب�سبب‬
‫الله في أ�نف�سكم واحذروه‪.‬‬ ‫المو َّدة �أ�سرا َر الم ؤ�منين و أ�خبارهم التي لا يجوز �إظهارها‪،‬‬
‫و�أنا �أعلم بما �أ�سررتم وما �أعلنتم‪ ،‬و َم ْن يفعل ذلك منكم‬
‫‪ 4‬قد كان لكم ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬قدو ٌة ح�سن ٌة في‬
‫�إبراهي َم خلي ِل الرحمن والذين معه ‪ -‬يعني زو َج ُه �سارة‬ ‫َف َقد جار و�ض َّل عن طريق الحق‪.‬‬
‫واب َن �أخي ِه لوط ًا‪ -‬حين قالوا لقومهم الذين كفروا بالله‬
‫وعبدوا الطاغوت‪� :‬أيها القوم‪ ،‬إ�نا بري ُئون منكم ومن‬ ‫‪� 2‬إ ْن يتمك ْن ه ؤ�لاء الم�شركون منكم وت�صبحوا في‬
‫الذين تعبدون من دون الله من ا آللهة وا ألنداد‪ ،‬كفرنا‬ ‫قب�ضتهم َتظهر عداو ُتهم وتمت ّد أ�يديهم إ�لى ا إل�ضرار بكم‬
‫بكم‪ ،‬و َظ َهر بيننا وبينكم العداو ُة والبغ�ضاء أ�بداً على‬ ‫و َق ْتلكم‪ ،‬وتنطلق �أل�سنتهم ب�س ّبكم و�َشتمكم‪ ،‬و�أ�ش ُّد من‬
‫كفركم بالله وعبادتكم ما �سواه‪ ،‬ولا ُ�ص ْلح بيننا ولا مودة‬
‫حتى ُت�ص ِّدقوا بالله وحده‪ ،‬فتوحدوه و ُت ْفردوه بالعبادة‪.‬‬ ‫‪549‬‬
‫لك ْن قول �إبراهيم ألبيه‪ :‬أل�ستغفرن لك وما �أملك لك‬
‫من الله من �شيء‪ ،‬ف�إنه لا �ُأ�سوة لكم ‪ -‬أ�يها الم�ؤمنون‪-‬‬
‫فيه‪ ،‬أل َّن ذلك كان عن َم ْو ِعدة وعدها إ�براهي ُم �إ ّياه‪ ،‬قبل‬
‫�أن يتب َّي له �أنه عد ٌّو لله‪ ،‬فلما تب َّي له �أنه عد ٌّو لله تبر أ�‬
‫منه‪ ،‬فكذلك فافعلوا ‪ -‬أ�يها الم�ؤمنون‪ -‬تب َّر ؤ�وا من �أعداء‬
‫الله من الم�شركين‪ ،‬ولا تتخذوا منهم �أولياء‪ .‬وقولوا ما‬

‫قال إ�براهيم والذين آ�منوا معه‪ :‬ر َّبنا عليك توكلنا و�إليك‬
‫رجعنا بالتوبة مما تكره إ�لى ما تحب وتر�ضى‪ ،‬و إ�ليك‬

‫م�صي ُرنا و َمرج ُعنا‪.‬‬

‫‪ 5‬ر َّبنا لا تجعلنا فتن ًة للذين كفروا بك فجحدوا‬
‫وحدانيتك‪ ،‬وعبدوا غيرك‪ ،‬ب�أن ُت�س ِّلطهم علينا‪ ،‬فيروا‬
‫�أنهم على حق‪ ،‬ونحن على باطل‪ ،‬فتجعلنا بذلك فتن ًة‬
‫لهم‪ ،‬وا�ست ْر علينا ذنوبنا‪ ،‬بعفوك عنها‪ ،‬إ�نك أ�نت القو ُّي‬

‫الغالب‪ ،‬الحكي ُم في ق�ضائه وتدبيره‪.‬‬

‫له ّن‪ ،‬و�أعطوا �أزواجه ّن م ْث َل ما دفعوا من المهور‪ ،‬ولا‬ ‫‪ 6‬لقد كان لكم ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬في إ�براهيم و َمن‬
‫حرج عليكم �أن تتزوجوه ّن �إذا دفعتم �إليهن مهوره ّن‪،‬‬ ‫معه قدوة ح�سنة لمن كان يرجو ثوا َب الله والنجاة في‬
‫وفا ِرقوا ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬ن�ساءكم الم�شركات من َع َب َدة‬ ‫اليوم ا آلخر‪ ،‬و َم ْن ُيعر�ض عن ذلك وي�ستكبر ويوا ِل‬
‫الأوثان‪ ،‬واطلبوا من الكفار ما �أنفقتم من المهور على‬ ‫الأعداء ف�إ ّن الله هو الغني عن َخلقه‪ ،‬الم�ستح ُّق للحمد‬
‫�أزواجكم اللاتي َف َررن إ�ليهم‪ ،‬و ْل َيطلب الكفا ُر منكم‬
‫ما أ�نفقوا من المهور على زوجاتهم اللاتي هاجرن إ�لى‬ ‫في ذاته وجميع �أفعاله‪.‬‬
‫الم�سلمين‪ ،‬هذا ‪ -‬الذي ُذ ِكر‪ُ -‬حكم الله يحكم بينكم‬
‫فلا تتع َّدوه‪ ،‬والله علي ٌم بما ُي�صلح َخلقه‪ ،‬حكي ٌم في تدبير‬ ‫‪ 7‬ع�سى الله أ�ن يجعل بينكم ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪ -‬وبين‬
‫الذين عاديتم من م�شركي قري�ش مود ًة‪ ،‬ب أ�ن ي�ؤمنوا‬
‫�أمورهم‪.‬‬ ‫و ُي�ْسلموا‪ ،‬والله قدير على ذلك ‪ -‬وذلك لئلا يتع َّجلوا‬
‫في �أم ٍر لهم فيه �أناة‪ ،‬وقد أ�نجز الله لهم ما وعدهم‪ -‬والله‬
‫‪ 11‬و�إ ْن َلـ ِحـق ْت بع�ُض زوجاتكم بالكفار مرتدات‪،‬‬ ‫غفو ٌر لخطيئة َم ْن أ�خط�أ ب إ�لقاء المو َّدة �إلى الم�شركين �إذا‬
‫وامتنع الكفار عن دفع مهوره ّن �إليكم‪ ،‬فغزوتم وغنمتم‬
‫ف�أعطوا الذين ذهب ْت أ�زوا ُجهم مث َل ما دفعوا من‬ ‫تاب‪ ،‬رحي ٌم فلا يعذبهم بعد التوبة‪.‬‬
‫المهور‪ ،‬واتقوا الله الذي �أنتم به م ؤ�منون‪ ،‬بامتثال أ�وامره‬
‫‪ 8‬لا ينهاكم الله ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪ -‬عن الذين لم‬
‫واجتناب نواهيه‪.‬‬ ‫يقاتلوكم في الدين ‪ -‬من أ�هل مكة وغيرهم‪ -‬ولم‬
‫ي�ضط ُّروكم إ�لى ترك دياركم أ�ن تب ُّروهم بالإح�سان إ�ليهم‬
‫‪550‬‬ ‫و�صلتهم‪ ،‬و�أن َتعدلوا فيهم‪� ،‬إ َّن الله يح ُّب الـ ُمن�صفين‬
‫الذين ُين�صفون النا�س‪ ،‬ويعطونهم الح َّق والعدل من‬
‫�أنف�سهم‪ ،‬في َ ُّبون َم ْن ب َّرهم‪ ،‬ويح�سنون �إلى َم ْن �أح�سن‬

‫إ�ليهم‪.‬‬

‫‪ 9‬إ�نما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في دينكم‪،‬‬
‫و�أخرجوكم من دياركم‪ ،‬وعاونوا َمن �أخرجكم‪� ،‬أ ْن‬
‫توالوهم وتكونوا ُن َ�صاء لهم‪ ،‬و ُت ْلقوا إ�ليهم بالمودة‪ ،‬و َم ْن‬
‫يفعل ذلك ف�أولئك هم الظالمون؛ ِل َو�ضعهم الولاية في‬

‫غير مو�ضعها‪.‬‬

‫‪ 10‬يا �أيها الذين �آمنوا ‪ -‬من �أ�صحاب النبي ‪� -‬إذا‬
‫جاءكم الن�ساء الم�ؤمنات مهاجرات من دار الكفر إ�لى دار‬
‫ا إل�سلام فاختبروه ّن بحيث َي ْغ ِلب على ظ ّنكم موا َفق ُة‬
‫قلوبه ّن �أل�سنته ّن في ا إليمان‪ ،‬الله َأ�علم بحقيقة ا ِّدعائه ّن‪،‬‬
‫ف�إنه الم ّطلع على ما في القلوب‪ ،‬ف إ� ْن َغ َلب على ظ ّنكم‬
‫�صد ُقه ّن في دعواهن ا إليمان فلا ُتعيدوه ّن إ�لى �أزواجهن‬
‫الكفرة‪ ،‬فلا ه ّن حلال لهم‪ ،‬ولا الرجال الكفار َيح ِّلون‬

‫‪ 1‬ن َّزه اللهَ تعالى وق َّد�سه ك ُّل ما في ال�سماوات وما في‬ ‫‪ 12‬يا �أيها النبي �إذا جاءك الم�ؤمنا ُت بالله يق�صدن‬
‫الأر�ض من الخلق‪ُ ،‬م ْذعنين له بالربوبية‪ ،‬وهو العزيز في‬
‫مبايع َتك على �أن لا ي�شركن بالله �شيئ ًا‪ ،‬ولا َي�سرقن‪ ،‬ولا‬
‫ُملكه‪ ،‬الحكيم في تدبيره‪.‬‬ ‫َيزنين‪ ،‬ولا يقتلن �أولاده ّن و أْ�داً ‪� -‬أو في �أثناء الحمل‪-‬‬

‫‪ 2‬يا �أيها الذين �ص َّدقوا الله ور�سوله ِلـ َم تقولون‬ ‫ولا ُيلحقن ب�أزواجه ّن �أولاداً لي�سوا منهم‪ ،‬ولا يع�صينك‬
‫القول الذي لا ُت�ص ّدقونه بالعمل؟! وهذا �إنكار على َم ْن‬ ‫فيما ت أ�مرنه ّن من المعروف الذي أ�مرك الله به؛ فعا ِهده ّن‪،‬‬
‫َي ِع ُد ِع َد ًة أ�و يقول قول ًا لا يفي به‪ ،‬أ�و ي�أمر بخير ولا ي أ�تيه‪،‬‬ ‫و�َس ْل له َّن الله �أن ي�صفح عن ذنوبه ّن‪ ،‬وي�سترها عليهن‪،‬‬

‫�أو َينهى عن �ش ٍّر وي�أتيه‪.‬‬ ‫�إن الله وا�سع المغفرة‪ ،‬عظيم الرحمة‪.‬‬

‫‪َ 3‬ع ُظ َم ُبغ�ض ًا عند ربكم �أن تقولوا ما لا تفعلونه‪.‬‬

‫‪� 4‬إ ّن الله يحب الذين يقاتلون ُن�صر ًة لدينه و إ�علا ًء‬
‫لكلمته وهم م ْ�ص َط ُّفون ك أ�نهم في ا�صطفافهم في ميادين‬

‫الجهاد بنيا ٌن مترا�ٌّص ُمح َكم‪ ،‬فلا ينفذ منه نافذ‪.‬‬

‫‪ 5‬واذكر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬إ�ذ قال مو�سى بن عمران‬
‫لقومه‪ :‬يا قوم ِلـ َم ت ؤ�ذونني ب أ�قوالكم و أ�فعالكم‪ ،‬و�أنتم‬
‫تعلمون حق ًا �أني ر�سول الله إ�ليكم؟ فلما َع َدلوا عن‬
‫الحق مع علمهم به‪ ،‬و أ��ص ّروا على ذلك �أما َل لله قلو َبهم‬
‫و�صرفها عن قبول الح ِّق والا�ستقامة عقوب ًة لهم‪ ،‬والله لا‬
‫يو ِّفق لإ�صابة الحق القو َم الخارجين عن طاعته الـ ُم�ص ِّرين‬

‫على الغواية‪.‬‬

‫‪ 13‬يا �أيها الذين آ�منوا لا ُتوا ّدوا ولا ُتوالوا قوم ًا غ�ضب‬
‫الله عليهم ‪ -‬من اليهود وغيرهم‪ -‬قد يئ�س ه�ؤلاء القوم‬

‫الذين غ�ضب الله عليهم من ثواب الله تعالى في ا آلخرة‬

‫فلا ح َّظ لهم فيه‪ ،‬ي أ��س ًا ُي�ْشبه ي أ�� َس الكفار ا ألحياء من‬
‫موتاهم الذين هم في القبور أ�ن ُيبعثوا �أحياء مر ًة ثاني ًة‪.‬‬

‫‪551‬‬

‫‪ 6‬واذكر أ�ي�ض ًا ‪� -‬أيها الر�سول‪� -‬إذ قال عي�سى ابن‬

‫مريم لقومه‪ :‬يا بني �إ�سرائيل إ�ني ر�سول الله إ�ليكم م�ص ِّدق ًا‬
‫ِلـ َما بين يد َّي من التوراة التي �ُأنزلت على مو�سى‪،‬‬
‫ومب�ِّشاً بر�سول ي أ�تي من بعدي ا�سمه أ�حمد‪ ،‬فلما‬

‫جاءهم هذا الر�سول الذي ب�ّش به عي�سى ‪ -‬وهو محمد‬
‫‪ -‬بالدلالات وال ُحجج الم�ؤيِّدة لر�سالته قالوا‪ :‬هذا‬

‫�سحر ظاهر!‬

‫عاقبة ا ألمور وم�ضا َّر ا أل�شياء ومنافعها‪.‬‬ ‫‪ 7‬ولا �أحد أ��ش ُّد ظلم ًا وعدوان ًا ممن اختلق على الله‬
‫الكذ َب وقال عن النب ِّي إ�نه �ساحر‪ ،‬وما جاء به �سحر‪،‬‬
‫‪� 13 12‬إنكم ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪ -‬إ� ْن فعلتم ما أ�مركم‬ ‫وهو ُيدعى إ�لى الدخول في ا إل�سلام؛ الدي ِن الح ِّق الذي‬
‫به ربكم ي�صف ْح عنكم ويع ُف‪ ،‬و ُي ْدخلكم ب�ساتين تجري‬ ‫�أنزله الله م�ؤ َّيداً بالحجج الدامغة‪ ،‬والبراهين ال�ساطعة‪.‬‬
‫من تحتها ا ألنهار‪ ،‬وم�ساك َن ت�ستطيبها ا ألنف�س‪ ،‬في‬ ‫واللهُ لا يو ِّفق القو َم الذين ظلموا أ�نف�سهم بكفرهم‬
‫جنا ِت إ�قام ٍة لا خروج منها ولا موت فيها‪ ،‬ذلك هو‬
‫الفوز الكبير‪ ،‬ولكم مع هذه النعم نعم ٌة �أخرى هي ن�صرٌ‬ ‫وتع ُّنتهم و َك ِذبهم‪ ،‬للإيمان بالحق الذي فيه نجا ُتهم‪.‬‬
‫من الله وفت ٌح قري ٌب‪ ،‬وب�ِّش ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬الم ؤ�منين‬
‫‪ 8‬يريد ه ؤ�لاء الظالمون القائلون ما قالوا أ�ن ُيبطلوا‬
‫بهذا الف�ضل الكبير‪.‬‬ ‫الحق الذي بعث الله به محمداً ‪ - -‬ب�أفواههم‪،‬‬
‫فهم ك َم ْن ينفخ على نار عظيم ٍة ظن ًا جاهل ًا منه �أنه‬
‫‪ 14‬يا أ�يها الذين آ�منوا كونوا �أن�صاراً لله ولر�سوله كما‬ ‫�س ُيخمدها ويذهب بنورها! والله ُمعلن الحق‪ ،‬و ُمظهر‬
‫كان �أ�صحاب عي�سى حين دعاهم إ�لى ُن�صرته و ُن�صرة‬ ‫دينه‪ ،‬ونا�صر نب َّيه‪ ،‬على َمن عاداه ووقف في طريقه‪ ،‬ولو‬
‫دين الله‪ ،‬فتب ّينت الح َّق طائف ٌة من بني �إ�سرائيل ف�آمنت به‬
‫وا ّتبعته‪ ،‬و�ض ّلت طائفة فكفرت به وجحدته‪ ،‬فق ّوينا‬ ‫كره الكافرون بالله ذلك‪.‬‬
‫الم ؤ�منين على مخالفيهم ف أ��صبحوا غالبين من�صورين‬
‫‪ 9‬هو �سبحانه الذي أ�ر�سل ر�سوله محمداً بالهدى‬
‫عليهم‪.‬‬ ‫الوا�ضح الب ِّي‪ ،‬والدين الح ِّق الذي لا ِم ْرية فيه وهو‬
‫الإ�سلام‪ِ ،‬ل ُي ْعل َيه على ك ِّل دين �سواه‪ ،‬ولو كره الم�شركون‬

‫و�َسعوا إ�لى الت�ضييق عليه والح ِّط منه‪.‬‬

‫‪ 10‬يا أ�يها الذين �آمنوا بالله ور�سوله هل أ�ُر�شدكم إ�لى‬
‫تجارة رابحة ُتخ ِّل�صكم من عذا ٍب ُموج ٍع �شديد؟‬

‫‪ 11‬ت�ستقيمون ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬على �إيمانكم بالله‬
‫ور�سوله ا�ستقام ًة لا ِع َوج فيها‪ ،‬وتجاهدون ل ُن�صرة دينه‬
‫و�شريعته ب�أموالكم و�أنف�سكم‪ ،‬ذلك �أح�سن حال ًا وم�آل ًا‬

‫لكم من ت�ضييع ذلك‪ ،‬والتفريط فيه‪� ،‬إ ْن كنتم تعلمون‬

‫‪552‬‬

‫وهم التابعون و َمن تبعهم من العرب وال َعجم إ�لى يوم‬
‫الدين‪ ،‬وهو العزيز الذي لا ُير ُّد له أ�مر‪ ،‬الحكيم في �شرعه‬

‫وتدبيره‪.‬‬

‫‪ 4‬هذا الدين ‪ -‬الذي أَ�ر�سل به محمداً ‪َ -‬ف ْ�ض ٌل‬

‫منه تعالى عظيم‪ ،‬ي ُم ّن بالهداية �إليه على َمن ي�شاء‪ ،‬والله‬
‫ذو الف�ضل الكبير على عباده‪.‬‬

‫‪َ 5‬م َث ُل الذين �ُأوتوا التوراة من اليهود والن�صارى‪،‬‬
‫و أ�ُمروا بالإيمان والعمل بما فيها‪ ،‬ثم خالفوا وك َّذبوا بما‬

‫فيهما من التب�شير بمحمد ‪ - -‬والأم ِر با إليمان به‬

‫واتباعه‪َ ،‬م َث ُلهم كمثل الحمار يحمل على ظهره كتب ًا من‬
‫كتب العلم لا ينتفع بها‪ ،‬ولا يعقل ما فيها‪ ،‬بئ�س ما ُ َي َّثل‬
‫به حا ُل القوم الذين ك َّذبوا ب�أدلة الله و ُحججه‪ .‬والله لا‬
‫يو ِّفق للهدى القو َم الذين ظلموا �أنف�سهم و�أ�ص ُّروا على‬

‫الكفر ب آ�يات ربهم‪.‬‬

‫‪ 6‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لليهود‪ :‬يا �أيها الذين هادوا‬ ‫‪ُ 1‬ينـ ِّزه اللهَ تعالى و ُيع ِّظمه ك ُّل ما في ال�سماوات‬
‫�إن ا ّدعيتم أ�نكم �أحباب لله دون �سواكم من النا�س‪،‬‬ ‫وما في ا ألر�ض‪َ ،‬طوع ًا و َكره ًا‪ ،‬الـ َمل ُك المتف ِّرد بالملك‪،‬‬
‫فتم َّنوا المو َت لت ْح َظوا بالنعيم الأوفى‪ ،‬إ�ن كنتم �صادقين‬ ‫المتعالي عن كل عيب‪ ،‬العزيز الغالب الذي لا ُيقهر‪،‬‬

‫في دعواكم‪.‬‬ ‫الحكيم في تدبيره و�أمره‪.‬‬

‫‪ 7‬ولك ّنهم لا يتمنونه �أبداً لح ِّبهم الدنيا ولعلمهم‬ ‫‪ 2‬هو تعالى الذي �أر�سل في العرب ر�سول ًا منهم‪،‬‬
‫بكذبهم‪ ،‬ومعرفتهم بما اجترحوا من �سيئات و آ�ثام‪ ،‬والله‬
‫يقر أ� عليهم �آيات الله التي �أنزلها عليه‪ ،‬و ُيط ِّهرهم من‬
‫عليم بمن ظلم نف�سه‪ ،‬فك َّذب و�أ�ساء و�أ ِثم‪.‬‬ ‫َد َن�س الكفر وال�شرك والمع�صية‪ ،‬و ُيع ِّلمهم الكتاب‬
‫وال�ُّسنة وما فيها من �أمر الله ونهيه‪ ،‬و�شرائع دينه‪ ،‬وقد‬
‫‪ 8‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لهم‪� :‬إ َّن الموت الذي‬ ‫كانوا من قبل بعثته في انحرا ٍف ظاه ٍر عن �سواء ال�سبيل‪.‬‬
‫تكرهونه وت�أبون �أن تتمنوه ولو ب أ�ل�سنتكم‪ ،‬ف إ�نه آ�تيكم‬
‫ونازل بكم‪ ،‬ثم ُترجعون إ�لى عا ِلـم ال�س ِّر والعلانية وما‬ ‫‪ 3‬وهو تعالى الذي أ�ر�سله ‪� - -‬إلى قوم �آخرين‬
‫غاب وما ح�ضر‪ ،‬فيخبركم حينئ ٍذ بما كنتم تعملون في‬ ‫ي�أتون َبعد ال�صحابة ي َّت�صلون بهم وي�سيرون ِ�سير َتهم‪،‬‬

‫هذه الدنيا ويجازيكم عليه‪.‬‬

‫‪553‬‬

‫وال�ص ِّد عن دين الله؛ ألنهم �ص َّدقوا الله ور�سوله‬ ‫‪ 9‬يا �أيها الذين �ص َّدقوا الله ور�سوله إ�ذا نادى المنادي‬
‫ب�أل�سنتهم‪ ،‬ثم �ش ّكوا وكفروا بقلوبهم‪ ،‬وا�ستمروا على‬ ‫ل�صلاة الجمعة فام ُ�ضوا م�سرعين إ�لى �سماع الخطبة و�أداء‬
‫ذلك‪ ،‬فختم الله على قلوبهم فلا ي�صل �إليها هدى أ�و‬ ‫ال�صلاة‪ ،‬واتركوا البيع وال�شراء و�سائر ما ي�شغلكم عن‬
‫ذكر الله‪ ،‬ذلكم ال�سع ُي �أف�ض ُل لكم و�أنفع‪ ،‬ف إ� َّن َن ْفع‬
‫نور‪ ،‬فهم لا يفقهون ما فيه �صلاحهم‪.‬‬
‫الآخرة خي ٌر و أ�بقى‪� ،‬إ ْن كنتم من �أهل العلم والفهم‪.‬‬
‫‪ 4‬و إ�ذا ر أ�يت ه�ؤلاء المنافقين تعجبك ُ�ص َو ُرهم‬ ‫‪ 10‬ف�إذا ُ�أ ِّديت ال�صلاة و ُف ِر َغ منها فانت�شروا في‬
‫وهيئتهم‪ ،‬و إ� ْن يتك ّلموا ُت�صغ لكلامهم ‪ِ -‬لـما ُأ�عطوا من‬ ‫الأر�ض إلقامة م�صالحكم‪ ،‬والتم�سوا من ف�ضل الله‬
‫ف�صاحة وبيان‪ -‬والحقيق ُة أ�نهم ل ُخل ّو قلوبهم من ا إليمان‬ ‫الذي بيده مفاتيح خزائنه لدنياكم و أ�خراكم‪ ،‬واذكروا‬
‫وعقولهم عن الفهم والعلم النافع‪ ،‬كا ألخ�شاب الم�سندة‬ ‫الله كثيراً بالحمد له‪ ،‬وال�شكر على ما أ�نعم به عليكم‪،‬‬
‫إ�لى الحوائط‪ ،‬لا حياة فيها‪َ ،‬يح�سبون ‪ -‬ل�ش ّدة فزعهم‬ ‫ِل ُتفلحوا فتدركوا �آمالكم عند ربكم‪ ،‬وت�صلوا إ�لى ال ُخلد‬
‫وخو ِف افت�ضاح �أمرهم‪ -‬ك َّل �صيح ٍة نذي َر �ش ؤ�م عليهم‪،‬‬
‫�ألا إ�نهم هم العد ُّو الكامل لك وللم�ؤمنين؛ فاحذر‬ ‫في جناته‪.‬‬
‫خيانتهم ومكرهم‪ ،‬أ�خزاهم الله‪ ،‬كيف ين�صرفون عن‬
‫الحق بعد و�ضوحه �إلى ال�ضلال؟! وهذا تعجي ٌب ِم ْن‬ ‫‪ 11‬و إ�ذا ر أ�ى بع�ُض الم�ؤمنين تجار ًة أ�و �شيئ ًا مما ُيلهى به‬
‫�أ�سرعوا إ�ليه وتركوك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬قائم ًا َتخطب‪،‬‬
‫جهلهم و�ضلالهم‪.‬‬ ‫قل لهم‪� :‬إ َّن الذي عند الله من الثواب لمن جل�س م�ستمع ًا‬
‫الخطبة والموعظة خي ٌر من ال َّلهو والتجارة التي َيذهبون‬
‫إ�ليها‪ ،‬والله خير رازق‪ ،‬فارغبوا �إليه في طلب الرزق‪،‬‬
‫وا�س�ألوه التو�سعة والبركة‪ .‬وقد ح�صل ذلك منهم قبل‬

‫معرفة ال ُح ْكم‪.‬‬

‫‪� 1‬إذا جاءك المنافقون ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬قالوا‬
‫ب أ�ل�سنتهم‪ :‬ن�شه ُد إ� َّنك لر�سول الله‪ ،‬والله يعلم إ�نك‬
‫لر�سوله‪ ،‬قال المنافقون ذلك �أو لم يقولوه‪ ،‬والله ي�شهد‬
‫�إ َّن المنافقين لكاذبون في إ�خبارهم عن أ�نف�سهم بذلك‪.‬‬

‫‪ 2‬ا َّتخذ المنافقون َح ِل َفهم وقاي ًة يدفعون به عن‬
‫�أنف�سهم‪َ ،‬ف َ�ض ُّلوا‪ ،‬و�أ�ض ُّلوا غي َرهم‪ ،‬و�ص ُّدوهم بنفاقهم‬
‫هذا عن دين الله و�شريعته‪ ،‬إ�نهم �ساء ما كانوا يعملون من‬

‫النفاق وال�ص ِّد‪.‬‬

‫‪ 3‬ذلك الذي ي�صدر عنهم من ال�شهادة الكاذبة‬

‫‪554‬‬

‫ذلك‪ ،‬فلهذا يقولون ما يقولون‪.‬‬

‫‪ 8‬ويقول ه ؤ�لاء المنافقون ‪ -‬وكانوا مع ر�سول الله‬
‫‪ ‬في غزوة بني الـ ُم ْ�ص َط ِلق‪ :-‬لئن رجعنا �إلى المدينة‬
‫ل ُيخرج َّن الأع ُّز منها ا ألذ َّل ‪ -‬يق�صدون بالأع ِّز أ�نف َ�سهم‬
‫وبا ألذ ِّل الم�ؤمنين‪ -‬فر ّد الله عليهم �أن لله الع ّزة والـ َم َنعة‬
‫وال َغ َلبة ولر�سوله وللم�ؤمنين‪ ،‬لا لغيرهم‪ ،‬ولك َّن المنافقين‬

‫لا يعلمون‪ ،‬ولهذا يتو ّهمون في �أنف�سهم القو َة وفي‬

‫غيرهم من الم ؤ�منين ال�ضع َف‪.‬‬

‫‪ 9‬يا أ�يها الذين �ص َّدقوا الله ور�سو َله حافظوا‬ ‫‪ 5‬و إ�ذا قيل لهم‪ :‬تعالوا �إلى ر�سول الله تائبين لي�ستغفر‬
‫على �صلواتكم وعبادتكم ولا َت�شغلكم أ�موا ُلكم ولا‬ ‫لكم ح َّركوا ر ؤ�و�سهم م�ستهزئين‪ ،‬ور�أي َت ُهم ُيع ِر�ضون‬
‫�أولا ُدكم عنها‪ ،‬و َم ْن ي�شغله ما ُله و أ�ولاده عن ذكر الله‬ ‫ع ّما ُدعوا إ�ليه ِمن الخير وهم م�ستكبرون في أ�نف�سهم‬
‫وعبادته وطاعته ف�أولئك هم الـ َمغبونون في الثواب‪،‬‬
‫متعالون على دعوة الحق‪.‬‬
‫ِلـ َما يفوتهم من كرامة الله ورحمته‪.‬‬
‫‪� 6‬سوا ٌء على ه�ؤلاء المنافقين‪� ،‬أ�ستغفر َت لهم ‪ -‬أ�يها‬
‫‪ 10‬و�أن ِفقوا ‪� -‬أيها الم�ؤمنون بالله ور�سوله‪ -‬من‬ ‫الر�سول‪�َ -‬أم لم ت�ستغفر لهم‪ ،‬لن ي�صف َح الله عنهم بل‬
‫الأموال التي رزقناكم من قبل �أ ْن ي أ�تي أ�ح َدكم المو ُت‬ ‫ُيعاقبهم ويخزيهم‪� ،‬إن الله لا يو ِّفق ل إليمان القوم الكاذبين‬
‫فيقو َل عند نزوله به‪ :‬يا ر ّب ه ّل �أمهلتني فت ؤ�خر في‬
‫أ�جلي إ�لى وق ٍت قري ٍب ف أ�ت�ص َّد َق و أ�عمل بطاعتك‬ ‫عليه‪ ،‬الكافرين به‪ ،‬الخارجين عن طاعته‪.‬‬

‫و ُ�أ�ؤَ ِّدي فرائ�ضك‪ ،‬و�أدخل في ِعداد ال�صالحين‪.‬‬ ‫‪ 7‬ه ؤ�لاء المنافقون هم الذين يقولون أل�صحابهم‪ :‬لا‬
‫تنفقوا على َم ْن عند ر�سول الله من �أ�صحابه المهاجرين‬
‫‪ 11‬ولن ي�ؤ ِّجل اللهُ في �أجل �أحد‪ ،‬فيم ّد له فيه إ�ذا‬ ‫حتى يتف َّرقوا عنه‪ .‬ولله وحده جميع ما في ال�سماوات‬
‫ح�ضر وق ُت موته‪ ،‬والله خبير ب�أعمال عباده‪ ،‬محيط‬ ‫والأر�ض‪ ،‬وبيده مفاتيح خزائنهما‪ ،‬لا يقدر أ�ح ٌد أ�ن‬
‫بها‪ ،‬لا يخفى عليه �شيء‪ ،‬وهو مجازيهم بها‪ :‬المح�سن‬ ‫ُيعطي �أحداً �شيئ ًا �إلا بم�شيئته‪ ،‬ولك ّن المنافقين لا يفقهون‬
‫ب�إح�سانه‪ ،‬والم�سيء ب إ��ساءته‪ ،‬فبادروا العم َل ال�صالح‪،‬‬

‫واحذروا الأم َل‪.‬‬

‫‪555‬‬

‫‪ 7‬ا ّدعى الذين كفروا بالله �أ َّن الله لن يبعثهم من‬ ‫‪ُ 1‬يق ّد�س اللهَ و ُينزهه ك ُّل ما في ال�سماوات وما في‬
‫قبورهم بعد َماتهم‪ ،‬قل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬بلى‬ ‫الأر�ض‪ ،‬له الملك وحده دون غيره‪ ،‬يفعل في ملكه ما‬
‫ور ِّبي ل ُت ْب َعـ ُّث َّن ثم ل ُت ْخ َ ُّب َّن ب أ�عمالكم التي عملتموها في‬
‫ي�شاء‪ ،‬ولا ي�ستح ُّق الحم َد على الحقيقة �أحد �سواه‪ ،‬ما‬
‫الدنيا‪ ،‬وذلك على الله �سهل ه ّي‪.‬‬ ‫من نعمة �إلا هي منه‪ ،‬وهو القادر الذي لا ُيعجزه �شيء‬

‫‪ 8‬ف�ص ِّدقوا بالله وبر�سوله‪ ،‬و آ�منوا بالنور الذي أ�نزلناه‬ ‫�أراده‪.‬‬
‫‪ -‬وهو هذا القر�آن‪ -‬والله خبير ب�أعمالكم‪ ،‬محيط بها‪،‬‬
‫‪ 2‬هو تعالى الذي �أن�ش أ�كم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬فمنكم‬
‫مح�صيها جميع ًا‪ ،‬و�سيجازيكم عليها‪.‬‬
‫كاف ٌر بخالقه‪ ،‬ومنكم م�ص ِّد ٌق به‪ ،‬موق ٌن �أنه لا يقدر‬
‫‪� 9‬سيجازيكم على أ�عمالكم يو َم يح�شركم ويح�شر‬ ‫على الخلق غيره‪ ،‬والله ب�صي ٌر ب�أعمالكم‪ ،‬عالـ ٌم بها‬
‫النا�س ك َّلهم لل َع ْر�ض والح�ساب‪ ،‬ذلك يوم التغابن‪� ،‬أي‬
‫الخ�سران والتفاوت؛ إ�ذ تظه ُر فيه خ�سار ُة الذين كفروا‬ ‫و�سيجازيكم عليها‪.‬‬
‫ِلـ َما يفوتهم من النعيم العظيم‪ ،‬و َم ْن ُي�ص ّدق بالله و ُيطعه‬
‫َيْ ُح الله عنه ذنوبه‪ ،‬وي ْدخله جنات تجري من تحت‬ ‫‪ 3‬خلق ال�سماوات ال�سب َع وا ألر�ض بالحكمة البالغة‪،‬‬
‫ق�صورها و�أ�شجارها ا ألنها ُر‪ ،‬ماكثين فيها أ�بداً‪ ،‬وذلك‬ ‫ولم يخلقهما عبث ًا‪ ،‬و�ص ّوركم ف�َأح�س َن �صوركم‪ ،‬و�إليه‬

‫هو الفوز الكبير‪ ،‬الذي لا فو َز ُيقاربه أ�و ُيدانيه‪.‬‬ ‫مرجعكم بعد الموت‪.‬‬

‫‪556‬‬ ‫‪َ 4‬يعلم ر ُّبكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬ك َّل ما في ال�سماوات‬
‫والأر�ض‪ ،‬ويعلم ما ُتخفون في أ�نف�سكم وما ُتظهرون‪،‬‬
‫والله عليم بما ُتك ُّنه ال�صدور‪ ،‬فاتقوا الله ظاهراً وباطن ًا‪،‬‬
‫واحذروا �أن ُت�س ُّروا غير الذي تعلنون مما لا ير�ضى به‬

‫الله‪.‬‬

‫‪� 5‬ألم َي ْبلغكم ‪� -‬أيها الم�شركون‪ -‬خب ُر الذين كفروا‬
‫من قبلكم‪ ،‬فم�َّسهم عذا ُب الله على كفرهم؟ ولهم يوم‬

‫القيامة عذا ٌب مو ِجع‪.‬‬

‫‪ 6‬هذا العذاب الذي نالهم‪ ،‬والعذاب المع ُّد لهم‬
‫ِمن أ� ْجل أ�نه كانت ت أ�تيهم ر�سلهم بالآيات البينات‬
‫الوا�ضحات‪ ،‬فا�ستكبروا وقالوا‪� :‬أب�شرٌ مث ُلنا ير�شدوننا؟!‬
‫فكفروا بالله‪ ،‬وجحدوا ر�سال َة ُر�سله‪ ،‬و�أدبروا عن الحق‬
‫فلم يقبلوه‪ ،‬وا�ستغنى الله عن إ�يمانهم وطاعتهم‪ ،‬والله غن ٌّي‬

‫عن جميع خلقه‪ ،‬م�ست ِح ٌّق للحمد على جميع نعمه‪.‬‬

‫َف َعل و�أ ْع َذر �إليكم با إلبلاغ‪.‬‬

‫‪ 13‬معبو ُدكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬معبو ٌد واحد‪ ،‬لا ت�صلح‬ ‫‪ 10‬والذين جحدوا وحداني َة الله‪ ،‬وك َّذبوا بمعجزاته‬
‫العبادة لغيره‪ ،‬ولا معبو َد لكم �سواه‪ ،‬وهو الله تعالى‪،‬‬ ‫و�آ ِي كتابه الذي أ�نزله على عبده محمد ‪� - -‬أولئك‬
‫أ��صحا ُب النار ماكثين فيها أ�بداً‪ ،‬لا يموتون فيها ولا‬
‫وعلى الله وحده فليتوكل الم�ص ِّدقون بوحدانيته‪.‬‬ ‫يخرجون منها‪ ،‬وبئ�س الم�صير الذي �صاروا إ�ليه‪ ،‬وهو‬

‫‪ 14‬يا أ�يها الذين �ص َّدقوا الله ور�سوله إ� َّن ِمن‬ ‫جهنم‪.‬‬
‫أ�زواجكم و أ�ولادكم �أعدا ًء لكم ُي َث ِّبطونكم عن طاعة‬
‫الله وي�شغلونكم عن الخير‪ ،‬فاحذروا أ�ن َيـ ْحملكم‬ ‫‪ 11‬ما نزل ب�أَح ٍد ِمن الخلق من م�صيبة �إلا بق�ضاء الله‬
‫ح ُّبهم على مع�صية الله‪ .‬و�إ ْن تغفروا لهم و ُتعر�ضوا عن‬ ‫وم�شيئته وتقديره‪ ،‬و َم ْن ي�ص ِّدق بالله و ُيع ِّظمه يو ِّفق اللهُ‬
‫عقوبتهم؛ ف إ�ن الله عظيم الرحمة وا�سع المغفرة‪ ،‬يغفر لمن‬ ‫قل َبه إ�لى الت�سليم لأمره‪ ،‬والر�ضا بق�ضائه‪ ،‬والله بكل �شي ٍء‬
‫عليم‪ ،‬لا يخفى عليه ما كان ويكون وما هو كائن من‬
‫َي ْغفر‪ ،‬ويرحم َم ْن يرحم‪.‬‬
‫قبل أ�ن يكون‪.‬‬
‫‪ 15‬ما �أموالكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬و�أولادكم �إلا بلا ٌء‬
‫ُت َت َحنون به‪ ،‬واللهُ عنده ثوا ٌب كبير لمن آ�ثر طاعة الله ولم‬

‫يقع في ا إلثم إ�ر�ضا ًء للولد وحب ًا في المال‪.‬‬

‫‪ 16‬فاب ُذلوا ‪ -‬أ�يها الم�ؤمنون‪ -‬ق ْد َر طاقتكم و ُو�ْسعكم‬
‫في تقوى الله‪ ،‬وا�سمعوا لر�سوله‪ ،‬و�أطيعوه في الأمر‬

‫والنهي‪ ،‬و أ�نفقوا مما أ�نعم الله به عليكم فذلك خير‬
‫ألنف�سكم‪ ،‬و َم ْن يحفظه الله ِمن البخل و�ُش ّح النف�س‬

‫ف�أولئك هم الفائزون‪.‬‬

‫‪ 17‬إ� ْن تنفقوا من �أموالكم في وجوه الخير ابتغا ًء‬
‫لمر�ضاة الله ي�ضا ِع ْف ر ُّبكم لكم الثواب‪ ،‬ويغف ْر لكم‬
‫ذنوبكم التي �َس َلف ْت منكم‪ ،‬واللهُ �شكور ألهل الإنفاق‬
‫في �سبيله‪ ،‬حلي ٌم عن مع�صية العا�صين‪ ،‬فلا ُيعاجلهم بما‬

‫ي�ستحقون من العقوبة‪.‬‬

‫‪ 18‬هو �سبحانه عالـ ٌم بما غاب عن علم خلقه ومالم‬ ‫‪ 12‬و أ�طيعوا الله ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬في أ�مره و َنهيه‪،‬‬
‫َيغب‪ ،‬وهو العزيز الغال ُب على �أمره‪ ،‬الحكيم في تدبيره‬ ‫و أ�طيعوا ر�سوله‪ ،‬ف إ�ن أ�دبرتم م�ستكبرين ولم تفعلوا فلا‬
‫ت�ض ُّرون �إلا �أنف�سكم‪ ،‬وما على ر�سولنا �إلا البلاغ‪ ،‬وقد‬
‫وت�صريفه‪.‬‬

‫‪557‬‬

‫جعل الله لكل �شيء من طلا ٍق وع َّدة وغير ذلك من �أمور‬ ‫‪ 1‬يا أ�يها النب ُّي ُقل ُلأ ّمتك‪� :‬إذا أ�ردتم تطلي َق ن�سائكم‬
‫الدنيا ح ّداً و�أجل ًا ينتهي إ�ليه‪.‬‬ ‫بعد الدخول به َّن‪ ،‬فط ِّلقوهن في وق ٍت َي�ْس َتقبلن‬
‫فيه ِع ّدتهن ‪ -‬وهو ال ُّطهر الذي لم يقع فيه جماع‪-‬‬
‫‪ 4‬والن�سا ُء المط َّلقات اليائ�سات من الحي�ض ‪ -‬إ� ْن‬ ‫وا�ضبطوا الع ّد َة �ضبط ًا تام ًا لئلا يقع فيها خط أٌ� �أو َل ْب� ٌس‪،‬‬
‫�شككتم و�َأ�شكل عليكم حكم ع ّدتهن‪ -‬فعدتهن ثلاثة‬ ‫وخافوا الله ر َّبكم الذي لم ي�شرع لكم إ�لا ما فيه �صلاح‬
‫أ��شهر‪ ،‬وكذلك ال�صغيرات اللائي لم َيح�ضن �أ�صل ًا‪� ،‬أ ّما‬ ‫أ�حوالكم‪ ،‬فلا تط ِّلقوا إ�لا طلاق ًا �شرعي ًا‪ ،‬ولا ُت�ضا ُّروا‬
‫المطلقات الحاملات فع َّد ُتهن و�ض ُع حملهن‪ ،‬و َم ْن ي َخف‬ ‫ن�ساءكم المطلقات ب�إخراجهن من بيت الزوجية حتى‬
‫تنتهي ِع َّدتهن‪ ،‬ولا يجو ُز له َّن الخرو ُج منه‪ ،‬ولكن‬
‫الله فيلتزم ب أ�حكامه يي�سر له �أمره‪ ،‬ويو ّفقه لما فيه الخير‪.‬‬ ‫إ�ذا فعلن ِف ْعل ًة من َكر ًة ظاهر َة ال ُفح�ش‪ ،‬ف َيح ُّل عند ذلك‬
‫�إخرا ُجهن‪ .‬وتلك ا ألحكام المذكور ُة في الطلاق حدو ُد‬
‫‪ 5‬هذا الذي ُب ِّ َي لكم ِمن حكم الطلاق وال َّرجعة‬ ‫الله‪ ،‬و َم ْن يتع َّد هذه الحدود فقد ظلم نف�سه‪ ،‬وع َّر�ضها‬
‫وال ِع ّدة أ�م ُر الله الذي ي أ�مركم به‪� ،‬أنزله �إليكم ‪ -‬أ�يها‬ ‫للعقوبة‪ .‬والت ِزم ‪ -‬أ�يها المط ِّلق‪ -‬ب أ�حكام الله ف إ�نك لا‬
‫الم�ؤمنون‪ -‬لت أ�تمروا به وتعملوا بمقت�ضاه‪ ،‬و َم ْن َيخف الله‬
‫في َّتقه باجتناب معا�صيه و أ�داء فرائ�ضه‪ ،‬يم ُح عنه ذنو َب ُه‬ ‫تدري لع َّل الله ُي ْوقع في نف�سك الرغب َة في ا�ستئناف الحياة‬
‫و�سيئا ِت أ�عماله‪ ،‬و ُيجز ْل له الثوا َب على عمله ذلك‬ ‫الزوجية مع تلك المر�أة‪ ،‬فتراجعها‪.‬‬
‫وتقواه‪ ،‬و ُي ْعظم �أجره في ا آلخرة ب أ�ن ُيدخله جنته خالداً‬
‫‪ 3 2‬ف إ�ذا �شار َفت ال ِع ّد ُة على الانق�ضاء‪ ،‬ف�أنتم أ�مام‬
‫فيها‪.‬‬
‫خيارين‪� :‬إ ّما أ�ن ُتراجعوهن مراجع ًة قائم ًة على ح�سن‬
‫المعا�شرة‪� ،‬أو تتركوهن إ�لى نهاية ال ِع َّدة فيكون الفراق‪،‬‬

‫و َي�سقط ح ُّقكم في ال َّرجعة‪ ،‬ويجب أ�ن يكون ذلك‬
‫بالمعروف أ�ي�ض ًا‪ ،‬و�َأ�ْشهدوا على كلا الأمرين رجلين‬
‫ع ْد َلين م�سل َمين‪ ،‬و�أ ُّدوا ال�شهادة ‪ -‬أ�يها ال�شهود‪� -‬أدا ًء‬
‫خال�ص ًا لله‪ .‬ذلك المذكو ُر من �أحكام الطلاق والع َّدة‬
‫و�آدابها ُيو َعظ و ُين�صح به َم ْن كان ي�ؤمن بالله واليوم‬
‫الآخر ‪ -‬وفي ذلك إ��شارة إ�لى �أثر الإيمان في حياة النا�س‪-‬‬

‫و َم ْن يخ ِف اللهَيهي ْئ له خلا�ص ًا من كل م أ�ْزق‪ ،‬و�سع ًة من‬
‫كل �ضيق‪ ،‬ويرزقه رزق ًا كريم ًا من حيث لا َيرت ِقب �أو‬
‫يخطر بباله‪ ،‬و َمن يتوكل على الله في أ�موره‪ ،‬ب أ�ن يعتمد‬
‫بقلبه عليه فهو تعالى عند ح�سن ظنه به‪ ،‬يكفيه ويحميه‬

‫وي ؤ�ويه‪� ،‬إ َّن الله ُمنفذ �أمره‪ُ ،‬مـ ْم�ٍض في خلقه ق�ضا َءه‪ ،‬قد‬

‫‪558‬‬

‫�ض ِّيق ًا فلينف ْق مما �أعطاه الله على َق ْدر ماله‪ ،‬لا يك ِّلف الله‬ ‫‪�َ 6‬أ�ْس ِكنوا المط َّلقات ِمن ن�سائكم م َّد َة ال ِع ّدة‬
‫أ�حداً من النفقة الواجبة �إلا على َق ْدر طاقته‪� ،‬سيجعل الله‬ ‫مما تقدرون عليه أ�نتم ِمن ال�َّسكن بح�سب �سعتكم‬
‫وقدرتكم‪ ،‬ولا تق�صدوا إ�لى الإ�ضرار به ّن في الم�سكن‬
‫لل ُمق ِّل من المال بعد ال�شدة رخا ًء‪ ،‬وبعد ال�ضيق �سع ًة‪.‬‬ ‫الذي ُت�سكنونه ّن فيه‪ ،‬بق�صد الت�ضييق عليهن‪ ،‬و�إ ْن‬
‫ك َّن ذوا ِت ح ْمل ف�أنفقوا عليهن حتى ي�ضعن حمله ّن‪،‬‬
‫‪ 9 8‬وكم من �أهل قرية �أع َر�ضوا عن أ�مر ربهم‬ ‫ف إ� ْن أ�ر�ضعن لكم أ�ولادكم ف�أعطوه ّن أ�جرة الر�ضاعة‪،‬‬
‫ور�سله وتمادوا في إ�عرا�ضهم وطغيانهم فحا�سبناهم على‬ ‫و َت َوا�صوا فيما بينكم بح�سن المعاملة و�سخاء الأنف�س‬
‫وطيب الكلام ففي ذلك م�صلحة لكم وللمولود‪ ،‬و�إن‬
‫جحودهم نعمتنا وكفرهم بها ح�ساب ًا ع�سيراً لم ُتغفر‬
‫لهم فيه َز ّلة‪ ،‬وع َّذبناهم عذاب ًا عظيم ًا لم يروا مثله ولا‬ ‫اختلف الرج ُل والمر أ�ة في َر�ضاع ولدها منه فامتنع ْت‬
‫قريب ًا منه‪ ،‬فذاقوا عاقب َة ما عملوا من ال�شر‪ ،‬و آ� َل �أم ُرهم‬ ‫من َر�ضاعه إ�لا ب�أجرة يمتنع الرجل عن دفعها‪ ،‬فلا �سبيل‬
‫�إلى ال َخ�سارة العظمى‪ ،‬ألنهم باعوا نعيم ا آلخرة بقليل‬ ‫له عليها‪ ،‬ولي�س له �إكرا ُهها‪ ،‬ولكنه ي�ست�أجر للمولود‬

‫من الدنيا خ�سي�س‪.‬‬ ‫مر�ضع ًا غير أ�مه‪.‬‬

‫‪� 11 10‬أع َّد الله له ؤ�لاء الكافرين من �أهل القرى‬ ‫‪ِ 7‬ل ُي ْن ِف ْق َم ْن و�ّسع الله عليه ِمن �َسعته على َمن تج ُب‬
‫في جهنم عذاب ًا �شديداً؛ فخافوا اللهَ يا أ��صحاب العقول‬ ‫نفق ُته عليه كمطلقته الحامل وغيرها‪ ،‬و َم ْن كان رزقه‬
‫الراجحة‪ ،‬ولا تغ َّر ّنكم الحيا ُة الدنيا فقد أ�نزل الله عليكم‬
‫قر�آن ًا يهدي �إلى الطريق الم�ستقيم‪ ،‬و أ�ر�س َل إ�ليكم ر�سول ًا‬ ‫‪559‬‬

‫يتلو عليكم آ�يات الله تب ِّي لكم �سبيل النجاة وال�سعادة؛‬
‫لـ ُيخرج الذين �ص َّدقوا الله ور�سوله وعملوا ا ألعمال‬
‫ال�صالحة المر�ضية من ظلمات الكفر إ�لى نور ا إليمان‪،‬‬

‫و َم ْن ي�ص ِّد ْق بالله ويعم ْل بطاعته ُيدخله جنات تجري من‬
‫تحتها الأنهار ماكثين فيها �أبداً‪ ،‬قد ح�ّسن الله للم�ؤمن‬
‫ال�صالح ما رزقه فيها من الـ َمطاعم والم�شارب‪ ،‬و�سائ ِر‬

‫ما أ�ع ّده له‪.‬‬

‫‪ 12‬الله هو الذي خلق �سب َع �سماوات ‪ -‬لا ما يعبد‬
‫الم�شركون من ا آللهة والأوثان التي لا تقدر على خلق‬

‫�شيء‪ -‬و َخ َل َق من ا ألر�ض مث َله ّن‪ ،‬يتنزل �أم ُر الله وق�ضا ؤ�ه‬
‫وتدبي ُره بينهن؛ كي تعلموا ‪ -‬أ�يها النا�س‪ِ -‬ع َظ َم قدرته‬
‫و�سلطانه‪ ،‬ولتعلموا �أ َّن الله بكل �شيء من أ�مور خلقه‬
‫محيط علم ًا‪ ،‬فتعظموه وتوحدوه وتطيعوه وترجوا ما‬

‫عنده‪.‬‬

‫‪ 1‬يا أ�يها النب ُّي ِلـ َم تح ِّرم على نف�سك ما أ�باح الله لك‪،‬‬
‫تبتغي بذلك إ�ر�ضاء أ�زواجك؟ والله غفور قد غفر لك‬

‫تحريمك هذا‪ ،‬رحي ٌم �شدي ُد الرحمة بك‪ .‬والمراد بالتحريم‬
‫هنا َم ْن ُع النف�س من الانتفاع مع اعتقاد أ� ّن ذلك حلال‪.‬‬

‫‪ 2‬قد �ش َرع الله لكم كفار َة �أيمانكم‪ ،‬وح َّدها لكم‬
‫‪ -‬كما في ا آلية (‪ )89‬من �سورة المائدة‪ -‬واللهُ َم ْولاكم‬
‫الرحي ُم بكم الغفور لكم‪ ،‬وهو العلي ُم بم�صالحكم‪،‬‬

‫الحكيم في تدبير �أموركم‪.‬‬

‫منه ّن من الطاعة‪ ،‬كثيرات العبادة له‪� ،‬صائما ٍت‪ ،‬منهن‬ ‫‪ 3‬و�إذ أ��س َّر النب ُّي �إلى إ�حدى أ�زواجه ‪ -‬وهي حف�صة‬
‫َم ْن �َسبق لها الزواج‪ ،‬ومنهن َم ْن لم ي�سبق‪.‬‬ ‫ر�ضي الله عنها‪� -‬أمراً‪ ،‬وهو تحريم جاريته ماري َة على‬

‫‪ 6‬يا أ�يها الذين �ص ّدقوا الله ور�سوله احفظوا أ�نف َ�سكم‬ ‫نف�سه‪ ،‬وط َلب منها كتمانه‪ ،‬ف�أخبر ْت بذلك عائ�شة‬
‫و�أهليكم من نا ٍر حط ُبها النا�س والحجارة‪ ،‬يقوم عليها‬ ‫‪ -‬ر�ضي الله عنها‪ -‬فلما فعل ْت و�أطلع اللهُ نب َّيه على أ�نها‬
‫ملائك ٌة غلاظ على �أهل النار‪�ِ ،‬شداد عليهم‪ ،‬لا يخالفون‬ ‫أ�ف�شت �س َّره‪ ،‬ذكر لحف�صة َط َرف ًا من ا ألمر‪ ،‬وترك َط َرف ًا‪،‬‬
‫الله في أ�مره الذي ي�أمر به‪ ،‬ولا يتجاوزون ما ي ؤ�مرون‪.‬‬ ‫فقالت حف�صة‪َ :‬من أ�خبرك بهذا؟ قال‪ :‬أ�خبرني العلي ُم‬
‫وهذا الحفظ يكون بالتزام �شرع الله و�إقامة حدوده في‬ ‫ب�سرائر عباده و�ضمائر قلوبهم‪ ،‬الخبي ُر ب�أمورهم‪ ،‬الذي‬

‫النف�س وا ألهل‪.‬‬ ‫لا يخفى عليه �شيء‪.‬‬

‫‪ 7‬يقال للكافرين يوم القيامة‪ :‬يا أ�يها الذين كفروا‬ ‫‪� 4‬إن ت�ؤوبا ‪ -‬يا عائ�شة وحف�صة‪� -‬إلى الله بالتوبة‬
‫بالله لا ُتبدوا أ�عذا َركم اليوم‪ ،‬فلا ُظلم فيه؛ إ�نما تجزون‬
‫على أ�عمالكم التي كنتم تعملونها في الدنيا جزا ًء وفاق ًا‪.‬‬ ‫فقد وقع منكما ما يقت�ضي الأوب َة والتوب َة‪ ،‬إ�ذ مال ْت‬
‫قلوبكما �إلى محبة ما كرهه ر�سو ُل الله ِمن اجتنابه‬

‫جاريته وتحريمها على نف�سه‪ ،‬و�إن اتفقتما عليه بما ي�سو�ؤه‬
‫ف�إ ّن الله هو و ِل ُّيه ونا�صره‪ ،‬وجبري ُل‪ ،‬وخيا ُر الم ؤ�منين‪،‬‬
‫والملائك ُة بعد ذلك �أعوا ٌن على َم ْن �آذاه �أو �أراد م�ساءته‪.‬‬

‫‪ 5‬ع�سى ر ُّب محمد �إ ْن طلقكن ‪ -‬يا مع�شر �أزواجه‪-‬‬
‫أ� ْن ُي ْبدله �أزواج ًا خيراً منكن‪ ،‬خا�ضعا ٍت لله‪ ،‬م�ص ّدقا ٍت‬
‫بالله ور�سوله‪ ،‬مطيعا ٍت لله‪ ،‬راجعا ٍت إ�لى ما يحبه الله‬

‫‪560‬‬

‫جهنم‪ ،‬وهي بئ�س المو�ضع الذي ُي�صار إ�ليه‪.‬‬ ‫‪ 8‬يا أ�يها الذين �ص ّدقوا الله ور�سوله ارجعوا من‬
‫ذنوبكم إ�لى طاعة الله‪ ،‬و إ�لى ما ير�ضيه عنكم رجوع ًا‬
‫‪َ 10‬م َّث َل اللهُ مثل ًا للذين كفروا بالله من النا�س‪ :‬امر أ� َة‬
‫نوح وامر�أ َة لوط‪ ،‬كانتا تحت عبدين من عبادنا �صالـ َحين‬ ‫�صادق ًا با إلقلاع ع ّما �أنتم عليه من الذنب‪ ،‬والند ِم على‬
‫وهما نوح ولوط عليهما ال�سلام‪ ،‬فخانتاهما بعدم‬ ‫ما ف َرط منكم‪ ،‬مع َع ْقد العزم على عدم العودة �إليه �أبداً!‬
‫ع�سى ربكم أ�ن يمح َو عنكم �سيئات �أعمالكم التي �َس َلف ْت‬
‫متابعتهما لهما في الدين‪ ،‬فلم يملك هذان النب ّيان أ�ن‬ ‫منكم‪ ،‬و أ�ن يدخلكم جنات تجري من تحت ق�صورها‬
‫يدفعا عنهما عذا َب الله‪ ،‬وقيل لهما عند نزول ق�ضاء الله‬ ‫و أ��شجارها ا ألنهار‪ ،‬يوم يح ِّقق الله للنبي ‪ - -‬ما‬
‫فيهما‪ :‬ادخلا النار مع الداخلين‪ .‬وفي هذا دلال ٌة على �أ ّن‬
‫وعده من ا إلكرام و ِرفعة المقام‪ ،‬وكذلك للذين �آمنوا‬
‫ال ُق ْرب من ا ألنبياء وال�صالحين بالزواج أ�و الن�سب أ�و غير‬
‫ذلك من غير �إيما ٍن‪ ،‬غي ُر ناف ٍع ولا داف ٍع للعذاب‪.‬‬ ‫معه‪ ،‬ي�سعى نو ُرهم أ�مامهم وب أ�يمانهم‪ ،‬يقولون‪ :‬ربنا‬
‫أ� ْب ِق لنا نورنا حتى َنوز ال�صراط‪ ،‬وا�ست ْر علينا ذنوبنا ولا‬
‫‪ 11‬و َ�ضب اللهُ مثل ًا للذين �ص َّدقوا الله وو َّحدوه‪:‬‬
‫امر�أ َة فرعون التي آ�منت بالله وو َّحدته و�ص َّدقت ر�سو َله‬ ‫تف�ضحنا‪� ،‬إنك على هذا وغيره قدير لا يعجزك �شيء‪.‬‬
‫مو�سى‪ ،‬وهي تحت عد ٍّو من أ�عداء الله‪ ،‬فلم ي�ض ّرها كف ُر‬
‫زوجها لكونها م ؤ�منة‪ ،‬وكان من ق�ضاء الله أ�لا ت ِز ُر وازر ٌة‬ ‫‪ 9‬يا أ�يها النبي جاهد الكفا َر بال�سيف‪ ،‬والمنافقين‬
‫وز َر أ�خرى‪ ،‬و�أ َّن لك ِّل نف�س ما ك�سب ْت‪� ،‬إذ قالت‪ :‬ر ِّب‬ ‫بالوعيد والح ّجة‪ ،‬وا�ْش ُدد عليهم في جهادهم‪ ،‬و َم�ْسك ُنهم‬
‫اب ِن لي عندك داراً في الجنة‪ ،‬و أ�نقذني ِم ْن عذاب فرعون‪،‬‬
‫ومن �أ ْن �أعمل عم َله‪ ،‬وخ ِّل�صني و أ�نقذني من عمل القوم‬
‫الكافرين‪ ،‬و ِم ْن عذابهم‪ .‬ومغزى َ� ْضب هذا المثل‬
‫للم�ؤمنين أ�نه لا ي�ض ُّرهم مخالطة الكافرين إ�ذا كانوا‬
‫محتاجين إ�ليهم‪ ،‬و أ�ن َ�ص ْولة الكفر لا ت�ص ُّد الم ؤ�منين‬

‫ال�صادقين عن �إيمانهم‪.‬‬

‫‪ 12‬و َ�ضب الله مثل ًا للذين آ�منوا‪ :‬مريم ابنة عمران‬
‫التي حفظ ْت نف�سها‪ ،‬و�صان ْت عر�ضها‪ ،‬ف�أمرنا جبري َل‬
‫فنفخ في َج ْيب قمي�صها ‪� -‬أي فتحته من �أعلاه‪-‬‬
‫فو�صلت النفخ ُة �إلى فرجها فحملت بعي�سى ‪ -‬عليه‬
‫ال�سلام‪ -‬و�آمن ْت بكلمات ربها‪ ،‬والتوراة التي �ُأنزلت‬
‫على مو�سى‪ ،‬والإنجيل الذي ُأ�نزل على عي�سى ابنها‪،‬‬

‫وكانت من القوم المطيعين العابدين لله وحده‪.‬‬

‫‪561‬‬

‫‪ 9‬قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قد جاءنا نذي ٌر ينذرنا‪ ،‬فك َّذبنا وعاندنا‬ ‫‪َ 1‬تعا َظم وتعالى الذي بيده مل ُك الدنيا وا آلخرة‬
‫وقلنا له‪ :‬ما ن َّزل الله من �شيء كما ت ّدعي‪ ،‬وما أ�نتم ‪ -‬أ�يها‬ ‫و�سلطانهما‪ ،‬وهو على ما ي�شاء فع َله قدي ٌر‪ ،‬لا يمنعه من‬

‫الر�سل‪� -‬إلا أ�دعياء بعيدون عن الحق‪.‬‬ ‫فعله مان ٌع‪ ،‬ولا َيحول بينه وبينه عج ٌز‪.‬‬
‫‪ 10‬وقال ذلك الفريق الذي ُرمي في النار للملائكة‪:‬‬
‫لو كنا في الدنيا ن�سمع ل ألنبياء �سما َع تع ُّق ٍل وفه ٍم ِلـ َما‬ ‫‪ 2‬الذي أ�وجد الموت والحياة ف أ�مات َم ْن �شاء وما‬
‫يقولون وما َي ْدعون إ�ليه من الخير ما ك ّنا اليوم في هذا‬ ‫�شاء‪ ،‬و أ�حيا َم ْن أ�راد وما �أراد إ�لى أ�جل معلوم؛ ليختبركم‬
‫‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬فينظر أ� ّيكم �أطو ُع له‪ ،‬و�أ�سرع �إلى طلب‬
‫الم�صير ال�ّس ِّيئ مع أ�هل النار‪.‬‬ ‫ر�ضاه‪ ،‬وهو العزيز الذي لا ُيغالب‪ ،‬الغفور الذي‬
‫‪ 11‬ف�أق ّروا بذنبهم حين لا ينفعهم الإقرار‪ ،‬ف ُبعداً‬
‫يتجاوز ع ّمن تاب و�أناب‪.‬‬
‫ألهل النار وطرداً لهم عن رحمة الله‪.‬‬
‫‪� 12‬إ ّن الذين يخافون ربهم ‪ -‬وهم لم يروه‪ -‬لهم‬ ‫‪ 3‬هو الذي خلق �سبع �سماوات فجعلها طباق ًا‪ :‬طبق ًا‬
‫عف ٌو من الله عن ذنوبهم‪ ،‬وثوا ٌب جزيل على إ�يمانهم‬ ‫فوق َطبق‪ ،‬بع�ضها فوق بع�ض‪ ،‬ما ترى في �شيء مما خلق‬
‫الرحمن من عيب أ�و خلل أ�و ا�ضطراب‪ ،‬ف ُر َّد ب�ص َرك‬
‫وخوفهم ‪ -‬في ال�س ِّر والع َلن‪ِ -‬م ْن ر ِّبهم‪.‬‬
‫وانظر هل ترى في �شيء ت�ص ُّدع ًا �أو �ُشقوق ًا؟‬
‫‪562‬‬
‫‪ 4‬ثم ُر ّد ب�ص َرك مرة بعد أ�خرى‪ ،‬وعاود النظر والت�أمل‬
‫هل ترى من فطور أ�و �صدوع‪َ ،‬يرج ْع إ�ليك ب�ص ُرك بعد‬
‫طول الت�أمل والبحث خائب ًا‪ ،‬قد �أ�صابه ا إلعيا ُء وال َك َلل‪.‬‬
‫‪ 5‬ولقد ز ّينا ال�سما َء القريب َة من الأر�ض بنجو ٍم لامع ٍة‬
‫م�ضيئ ٍة‪ ،‬وجعلنا منها �ُشهب ًا ُترمى بها ال�شياطين التي‬
‫تحاول ا�سترا َق ال�سمع‪ ،‬وه ّي�أنا َبع ُد له�ؤلاء ال�شياطين في‬
‫ا آلخرة عذا َب ال�سعير‪ ،‬تو َقد عليهم و ُته َّيج نا ُرها حتى‬

‫ي�شت َّد لهي ُبها‪.‬‬

‫‪ 6‬وللذين كفروا بربهم ‪ -‬الخالق الرازق‪ -‬في‬
‫ا آلخرة عذا ُب جهنم‪ ،‬وبئ�س الم�صي ُر ذلك الم�صير‪.‬‬

‫‪� 7‬إذا ُرمي الكافرون في جهنم �سمعوا لها �صوت ًا‬
‫�شديداً مز ِعج ًا وهي تغلي غليان ًا ُمخيف ًا‪.‬‬

‫‪ 8‬تكاد جهنم تتقطع من �ش َّدة الغيط على الكافرين‪،‬‬
‫كلما ُرمي فيها فريق �س�ألهم الملائكة المك َّلفون بها‪� :‬ألم‬

‫ُيبعث �إليكم َم ْن يح ّذركم هذا العذاب؟‬

‫ولا ينفعكم حينئ ٍذ عل ُمكم‪.‬‬

‫‪ ١٨‬ولقد ك ّذبت ا ألم ُم ال�سابقة على ه ؤ�لاء الم�شركين‬
‫من مكة ُر�س َلهم‪ ،‬فكيف كان نكيري عليهم؟‬

‫�ص‪٩‬ا‪١‬فا ٍ�أتَو أ�لمجن َينحتظهرن‪،‬ه�ؤولياقءب�اضلمن�هشاركوقوت ًانبع�إلدىوقالتطيلرلا�فستوقعاهنةم‬
‫بها على التحليق؟ ما ُي�سك الطي َر في ج ِّو ال�سماء �إلا‬
‫الرحمن‪� .‬إ ّن الله بكل �شيء ب�صير‪ ،‬يرعى ك َّل �شيء‪ ،‬ولا‬

‫يغيب عن ب�صره �شيء‪.‬‬

‫‪ ٢٠‬أ�َ ْم َمن هذا الذي هو جن ٌد لكم ‪ -‬أ�يها الكافرون‪-‬‬
‫ين�ص ُركم من دون الرحمن �إن �أراد بكم �سوءاً‪ ،‬فيحميكم‬
‫ويدفع عنكم ال�سوء؟ ما الكافرون إ�لا في غرو ٍر زائف‬

‫وظ ٍّن خائب‪.‬‬

‫‪َ� ٢١‬أ ْم َم ْن هذا الراز ُق المزعوم الذي يطعمكم‬
‫وي�سقيكم وي�أتيكم ب أ�قواتكم �إ ْن �أم�سك ر ُّبكم رزقه‬
‫عنكم؟ بل تمادى الكافرون في طغيان ونفور عن الحق‬

‫وا�ستكبا ٍر عن التذ ُّكر والا�ستب�صار‪.‬‬

‫النا�س‪ -‬من َّك�س ًا على‬ ‫أ�لفا َميبن�يصمُر�ش�شييئ ًامَأ�ن ْهكدمى‪-‬و أ� أ��يشهُّدا‬ ‫‪٢٢‬‬ ‫‪ ١٣‬و أَ� ْخفوا قو َلكم ‪� -‬أيها النا�س‪� -‬أو �أعلنوه‪ ،‬إ�نه‬
‫ا�ستقامة على الطريق‪،‬‬ ‫وجهه‬ ‫تعالى ذو عل ٍم ب�ضمائر ال�صدور‪ ،‬فكيف بما ُنطق به؟‬
‫َأ� ْم َمن يم�شي كما يم�شي �سائر النا�س على أ�قدامهم في‬
‫طري ٍق لا اعوجاج فيه؟ وهذا ت�صوي ٌر للم�ؤمن المب�صر الحق‬ ‫‪� ١٤‬أ َل َيعلم �سبحانه َم ْن َخ َلق‪ ،‬وهو خالقهم ورازقهم‬
‫والكافر ا ألعمى عنه‪.‬‬ ‫ومد ِّبر �أمورهم‪ ،‬وهو ال َّلطيف بعباده الخبير بهم‬

‫‪ ٢٣‬قل ‪ -‬يا محمد‪ -‬للمك ِّذبين بالبعث‪ :‬الله هو‬ ‫وب أ�عمالهم؟‬
‫الذي خلقكم و أ�نعم عليكم بال�سمع وا ألب�صار وا ألفئدة‬
‫لت�سمعوا �آيات الله وتب�صروها و َتعقلوها‪ ،‬ولكنكم قليل ًا‬ ‫‪ ١٥‬هو �سبحانه الذي ذ َّلل لكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬ا ألر�َض‬
‫ما ت�شكرون ربكم با�ستعمال هذه النعم فيما ُخ ِل َق ْت له‪.‬‬ ‫وي�َّس لكم �أ�سبا َب الحياة فيها‪ ،‬فام ُ�شوا في نوا ِحيها‬
‫وجوانبها‪ ،‬و ُكلوا من رزق الله الذي �أخر َجه لكم منها‪.‬‬
‫‪ ٢٤‬قل‪ :‬هو �سبحانه الذي خلقكم وب َّثكم في ا ألر�ض‪،‬‬ ‫و إ�لى هذه ا ألر�ض مر ِجعكم‪ ،‬ثم �إلى الله َبع ُثكم ِمن‬
‫و إ�لى الله ُتـح�شرون يوم القيامة‪.‬‬
‫قبوركم‪ ،‬و�َسو ُقكم لل َع ْر�ض والح�ساب‪.‬‬

‫‪ ٢٥‬ويقول الم�شركون‪ :‬متى يكون البعث والح�شر؟‬ ‫في‬ ‫ال�‪٦‬س‪١‬ماء أ�هملرهأ�نتوقم�ض‪-‬ا ؤ�أ�يهه�أا ْنايلكخا ِ�فسروفنب‪-‬كمفاي ألأ�رما� ٍنض‪،‬مـف َّ�إمذان‬
‫�أخبرونا به إ�ن كنتم ‪�-‬أيها الواعدون به‪� -‬صادقين في‬ ‫هي‬

‫و ْعدكم‪.‬‬ ‫تخت ُّل حركتها وتفقد توازنها فت�ضطرب بكم فتهلكون؟‬

‫‪ ٢٦‬قل ‪ -‬يا محمد‪ -‬له�ؤلاء الم�ستعجلين‪ :‬إ�نما عل ُم‬ ‫‪�َ ١٧‬أ ْم �أنتم في �أما ٍن مـ َّمن في ال�سماء �أن يمطر عليكم‬
‫ا إلنذار‪،‬‬ ‫نذي ٌر لكم وا�ض ُح‬ ‫وما �أنا إ�لا‬ ‫ال�ساعة عند الله‪،‬‬ ‫حجارة مه ِلكة؟ ف�ستعلمون ‪ -‬أ�يها الكافرون‪ -‬كيف‬
‫من البلاغ‪.‬‬ ‫ما أ�ُمرت به‬ ‫وقد أ� َّديت إ�ليكم‬ ‫عاقبة إ�نذاري لكم‪� ،‬إ ْذ ك َّذب ُتم به‪ ،‬ور َددتموه على ر�سولي‪،‬‬

‫‪563‬‬

‫و أ�عل ُم بقومك ِم ْن كفار قري�ش‪ ،‬و أ�نهم �ضا ّلون عن �سبيل‬ ‫‪ ٢٧‬فل ّما ر أ�ى ه ؤ�لاء الم�ستعجلون عذا َب الله قريب ًا‬
‫الحق‪.‬‬ ‫وعاينوه َظ َه َر الا�ستيا ُء في وجوههم‪ ،‬وقيل لهم توبيخ ًا‬
‫وتقريع ًا‪ :‬هذا العذا ُب الذي كنتم تطلبون تعجي َله‬
‫‪ ٩ ٨‬فلا ُتطع ‪ -‬يا محمد‪ -‬المك ّذبين ب آ�يات الله‪،‬‬
‫َو َّد ه ؤ�لاء المكذبون لو َتلين لهم في دينك‪ ،‬وتجيبهم إ�لى‬ ‫ونزوله‪.‬‬

‫الركون إ�لى آ�لهتهم‪ ،‬فيلينون لك في عبادتك إ�ل َه َك‪.‬‬ ‫‪ ٢٨‬قل ‪ -‬يا محمد‪ -‬للم�شركين‪� :‬أخبروني ‪� -‬أيها‬
‫النا�س‪� -‬إ ْن �أماتني الله و َمن معي‪� ،‬أو رحمنا ف أ� َّخر في‬
‫‪ ١٥ - ١٠‬ولا ُتطع ‪ -‬يا محم ُد‪ -‬ك َّل مكث ٍر من‬ ‫�آجالنا ف َم ْن يحمي الكافرين ِم ْن عذا ٍب ُمو ِج ٍع ُم�ؤ ِلـ ٍم �إ ْن‬
‫الحلف بالباطل ك ّذا ٍب حقي ِر الر�أي والتدبير‪ ،‬مغتاب‬ ‫أ�نزله الله بهم؟ �إ َّن موتنا �أو حياتنا لن تنجي الكفار من‬
‫للنا�س ي أ�كل لحومهم‪ ،‬م�ّشا ٍء بنقل حديث النا�س بع�ضهم‬
‫في بع�ض يبتغي بذلك ا إليقا َع بينهم‪ ،‬بخي ٍل بالمال‪،‬‬ ‫عذاب الله‪.‬‬
‫�ضني ٍن به عن الحقوق‪ ،‬د�أ ُب ُه العدوا ُن على النا�س‪ ،‬كثي ِر‬
‫ارتكاب ا آلثام‪ ،‬جا ٍف �شدي ٍد في كفره‪ ،‬منت�س ٍب إ�لى قو ٍم‬ ‫‪ ٢٩‬وقل‪ :‬ر ُّبنا هو الرحمن‪� ،‬ص ّدقنا به‪ ،‬وعليه اعتمدنا‬
‫لي�س منهم‪ ،‬لا تطع َم ْن هذا و�صفه من أ�جل �أنه ذو ما ٍل‬ ‫في أ�مورنا‪ ،‬وبه ثقتنا فيها‪ ،‬ف�ستعلمون ‪� -‬أيها الم�شركون‪-‬‬
‫وبنين‪� ،‬إذا ُتقر أ� عليه �آيات كتابنا قال‪ -‬ا�ستخفاف ًا بها‪،‬‬
‫و إ�معان ًا في التكذيب والجحود‪ :-‬هذا م ّما كتبه ا ألولون‬ ‫َم ْن هو في ُبع ٍد عن الحق بعي ٍد‪.‬‬
‫من الخرافات وا ألكاذيب‪ .‬وقد نزلت هذه ا آليات في‬ ‫‪ ٣٠‬وقل‪� :‬أخبروني ‪� -‬أيها الم�شركون‪ -‬إ� ْن َذهب‬
‫ما�ُؤكم في الأر�ض فلم تنله ال ِّدلا ُء ولم ت�صلوا �إليه بو�سيل ٍة‬
‫�أحد الم�شركين من أ�هل مكة‪.‬‬
‫ف َمن يجي ُئكم بما ٍء َع ْذ ٍب قري ٍب ظاه ٍر؟‬
‫‪564‬‬
‫‪ } ٤ - ١‬ﮊﮉ{ �سبق الكلا ُم على هذه الحروف‬
‫الـ ُمق ّطعة في �أول �سورة البقرة ‪.‬‬

‫أ�َق�سم الله تعالى ب ِج ْن�ِس القلم الذي ُيخ ّط به في ال�سماء‬
‫في اللوح المحفوظ‪ ،‬وفي �صحف الملائكة الح َف َظة‪ ،‬وفي‬
‫الأر�ض بما يكتبه الكاتبون مما هو خير أ�و نفع‪ :‬ما �أن َت‬
‫‪ -‬يا محم ُد‪ -‬بما �أنعم اللهُعليك من النبوة وكمال العقل‬
‫بمجنون‪ ،‬كما ي َّدعي ه ؤ�لاء الم�شركون‪ ،‬و إ� ّن لك لثواب ًا من‬
‫الله عظيم ًا‪ ،‬غير منقو�ص ولا مقطوع‪ ،‬و�إنك لعلى �أد ٍب‬
‫عظي ٍم‪ ،‬ذلك هو �أدب القر�آن و ُخلق الإ�سلام و�شريعته‪.‬‬
‫‪ ٦ ٥‬ف�سترى ‪ -‬يا محمد‪ -‬ويرى م�شركو قومك‬

‫الذين يقولون فيك الكذب أ�يّكم المجنون‪.‬‬
‫‪ ٧‬إ� ّن ربك هو �أعل ُم بك ‪ -‬يا محمد‪ -‬و أ�نك مهت ٍد‪،‬‬

‫�أنكروها و�ش ّكوا فيها قال بع�ضهم‪� :‬إنا أ�خط�أنا الطريق‪،‬‬ ‫‪� ١٦‬س َن ِ�سمه كما ُيو�َسم البعير‪ ،‬فنجعل له علامة على‬
‫فر َّد عليه آ�خر‪ :‬بل نحن محرومون‪ .‬قال �أف�ضلهم عقل ًا‪:‬‬ ‫�أنفه لا تخفى ولا تفارقه �إمعان ًا في �إذلاله والت�شهير به‪.‬‬
‫�ألم �أ ُق ْل لكم ه ّل تنزهون الله عن مع�صيته بمنع ح ِّق‬
‫الم�ساكين؟ فرجعوا �إلى أ�نف�سهم و�أدركوا أ�نهم �أُخذوا‬ ‫‪ ١٨ ١٧‬إ� ّنا امتح ّنا م�شركي قري�ش �إذ �أمرناهم‬
‫ب�سوء نيتهم فقالوا‪� :‬سبحان ربنا إ�نا كنا ظالمين حق ًا‪،‬‬ ‫با إلنفاق مما آ�تيناهم‪ ،‬كما امتحنا �أ�صحا َب الجنة‪� ،‬إذ‬
‫ف�أقبل بع ُ�ضهم على بع�ض‪ ،‬يلوم ك ٌّل منهم الآخر‪ ،‬قالوا‪:‬‬ ‫َحلفوا َل َي ْج ُنون ثمارها �إذا أ��صبحوا‪ ،‬ولا يتركون �شيئ ًا‬
‫�إ ّنا كنا متجاوزين الحق فيما عزمنا عليه‪ ،‬ع�سى ر ُّبنا أ�ن‬
‫يع ّو�ضنا خيراً من هذه الجنة المحترقة‪� ،‬إنا �إلى ربنا وحده‬ ‫منها للم�ساكين‪.‬‬

‫راغبون‪ ،‬راجون ما عنده من العفو والرزق‪.‬‬ ‫‪ ٢٠ ١٩‬ف َط َرق جن َة ه�ؤلاء القوم ليل ًا طار ٌق من �أمر‬
‫الله وهم نائمون‪ ،‬ف أ��صبحت محترق ًة �سوداء ك�سواد‬
‫‪ ٣٣‬كما فعلنا ب�أ�صحاب هذه الجنة‪� ،‬إذ ع ّجلنا لهم‬
‫العقوبة في الدنيا نفع ُل بمن يخالف �أمرنا ويكفر نعمتنا‬ ‫الليل المظلم البهيم‪.‬‬
‫ويبخل بما آ�تيناه‪ ،‬و َلعقوب ُة الآخرة أ�كبر لو كان الم�شركون‬ ‫‪ ٢٥ - ٢١‬فنادى بع ُ�ضهم بع�ض ًا بعد �أن �أ�صبحوا‪� :‬أن‬
‫يعلمون‪ ،‬ولكنهم جاهلون لا يرتدعون عما هم عليه من‬ ‫اخرجوا مب ِّكرين إ�لى زرعكم إ�ن كنتم تريدون الح�صاد‪،‬‬
‫فم�ضوا وهم يت�سا َر ُرون يقو ُل بع�ضهم لبع�ض‪ :‬لا َيدخل َّن‬
‫الكفر والع�صيان‪.‬‬ ‫ج ّنتكم اليوم عليكم م�سكين‪ .‬و َغ َدوا على �أم ٍر قد ق ّرروه‬

‫‪ ٣٦ - ٣٤‬إ� َّن للذين َيحذرون مخالف َة الله عند ربهم‬ ‫يرون في �أنف�سهم القدر َة عليه ‪.‬‬
‫ب�ساتين النعيم الدائم‪ ،‬أ�فنجع ُل الخا�ضعين لي بالطاعة‬
‫كالذين اكت�سبوا الم آ�ثم و َركبوا المعا�صي؟ ما لكم كيف‬ ‫‪ ٣٢ - ٢٦‬فل ّما و�صلوا إ�لى جنتهم ور�أوها محترق ًة‬
‫حكمتم هذا الحكم الذي لا َي�صدر �إ ّل عن َخل ٍل في‬
‫‪565‬‬
‫الفكر وف�سا ٍد في الر�أي؟!‬

‫‪� ٣٨ ٣٧‬أ َلكم في ُحكمكم هذا م�ست َند من كتا ٍب‬
‫منز ٍل على نب ٍّي مر�سل ف�أنتم تحفظونه وتقر ؤ�ون فيه �أ ّن‬

‫لكم ما تختارون وت�شتهون؟‬

‫‪َ� ٣٩‬أ ْم �أخذتم من الله عهوداً م�ؤ َّكد ًة إ�لى يوم القيامة‬
‫�أن لكم ما تحكمون وتختارون ألنف�سكم من الثواب‬

‫والنعيم في الآخرة؟‬

‫‪َ� ٤١ ٤٠‬س ْل ‪ -‬يا محمد‪ -‬ه ؤ�لاء الم�شركين َمن‬
‫منهم �ضام ٌن ي�ضمن هذا لهم؟ أَ� ْم لهم �شركاء قادرون‬
‫على نفعهم وتحقيق م�آربهم فلي�أتوا ب�شركائهم إ�ن كانوا‬

‫�صادقين في هذا الم َّد َعى؟‬

‫‪ ٤٢‬يوم ُيك�ش ُف عن �أم ٍر �شديد عظيم‪ ،‬و ُيدعى الكفار‬
‫إ�لى ال�سجود توبيخ ًا لهم وتح�سيراً‪ ،‬فلا يطيقون لفقدهم‬

‫القدرة على ذلك‪.‬‬

‫وتثب ُت فيها ا ألمور الح َّق ُة التي كان ينكرها الكافرون‬ ‫‪ ٤٣‬منك�سر ًة �أب�صارهم‪ ،‬تغ�شاهم ذل ٌة من عذاب الله‪،‬‬
‫من البعث والح�ساب والجزاء ‪ -‬وهي القيامة‪ -‬وتفخيم ًا‬ ‫وقد كانوا في الدنيا ُيدعون إ�لى ال�سجود وهم �سالمون‪،‬‬
‫ل�ش أ�نها وتعظيم ًا ل َهولها َو ّجه الله الا�ستفها َم عنها لغير‬ ‫فلا ي�ستجيبون‪ ،‬فاليوم لا ُي َّكنون من ال�سجود ولا‬

‫ُمع َّي‪ ،‬فقال‪} :‬ﮱﯓ{‪ ،‬ثم و ّجه الا�ستفها َم للر�سول‬ ‫ي�ستطيعون‪.‬‬

‫‪ - -‬زيادة في تعظيم �ش�أنها وبيان ًا ل�شدة هولها‪،‬‬ ‫‪ِ ٤٥ ٤٤‬ك ْل ‪ -‬يا محمد‪ -‬أ�م َر ه ؤ�لاء إ�ل َّي‪� ،‬سنمتعهم‬
‫فقال‪} :‬ﯕﯖﯗﯘ{‪.‬‬ ‫بمتاع الدنيا فيتمادون في طغيانهم ثم ن أ�خذهم بغت ًة‬
‫وهم لا ي�شعرون‪ ،‬و�أُم ُّد في أ�عمارهم لتتكامل ُحججي‬
‫‪ ٨ - ٤‬ك ّذبت ثمو ُد وهم قو ُم �صالح‪ ،‬وعا ٌد قو ُم‬
‫هود‪ ،‬بال�ساعة التي َتقرع النا� َس بمباغتتهم و إ�فزاعهم‪،‬‬ ‫عليهم‪� ،‬إ ّن كيدي ب�أهل الكفر قو ٌّي �شديد‪.‬‬
‫ف أ� ّما ثمود ف أ�هلكهم الله و�أبادهم بال�صيحة الطاغية التي‬
‫جاوز ْت في �شدتها الح َّد‪ ،‬و�أ ّما عاد ف�أهلكهم بريح قاهرة‬ ‫‪َ ٤٧ ٤٦‬أ� ْم ت�س�أل ‪ -‬يا محمد‪ -‬ه�ؤلاء الم�شركين جزا ًء‬
‫متناهية في �شدة بردها وهبوبها‪� ،‬س َّخرها الله عليهم �سب َع‬ ‫دنيوي ًا على دعوتهم ون�صيحتهم فهم ي أ�بون الا�ستجابة‬
‫ليال وثمانية أ�يام متتابعة‪ ،‬فترى ‪ -‬يا محمد‪ -‬قوم عاد‬ ‫لك من ِث َقل ذلك ال ُغرم؟! َأ� ْم عندهم عل ُم ما ا�ست أ�ثر الله‬
‫َهلكى مطروحين أ�ر�ض ًا ك أ�نهم �أ�صول نخل قد خوت‬ ‫به ِمن الغيب فهم يكتبون منه �أنهم خير منكم و�أنهم في‬

‫وت�آكلت‪ ،‬فهل ترى لهم ِمن بقاء أ�و ترى منهم باقي ًا؟‬ ‫م�أمن من العقاب؟!‬

‫‪ ٥٠ - ٤٨‬فا�صبر ‪ -‬يا محمد ‪ -‬لق�ضاء ربك وام�ِض‬
‫لما �أمرك به ولا تكن ك�صاحب الحوت ‪ -‬وهو يون�س بن‬
‫م ّتى عليه ال�سلام‪ -‬ولا تترك دعوتهم وتذهب ُمغا�ضب ًا‬
‫كما ذهب‪ ،‬واذكر حين دعانا وهو مغموم في بطن‬
‫الحوت‪ ،‬ولولا �أن تداركته نعم ٌة من ربه ل َنبذه ‪ -‬بعد أ� ْن‬
‫ن ّجاه من بطن الحوت‪ -‬في ف�ضاء من ا ألر�ض وهو �سقيم‪،‬‬
‫َملوم على ما فعل‪ ،‬ولكنه �سبحانه قبل تو َبته ور َّد عليه‬

‫عافيته وا�صطفاه لر�سالته وجعله من ال�صالحين‪.‬‬

‫‪ ٥١‬و إ� ْن يكاد الذين كفروا َل ُي�صيبونك ب�أعينهم‬
‫الـ ُم َّتقدة غيظ ًا وعداو ًة لـ ّما �سمعوا كتاب الله ُيتلى‪،‬‬
‫ويقولون ‪ -‬تنفيراً للنا�س منك لـ ّما لم يجدوا مطعن ًا في‬

‫القر�آن‪� :-‬إنه لمجنون‪ ،‬وهذا الذي يتلوه من ذاك‪.‬‬

‫‪ ٥٢‬وما القر آ� ُن الذي يتلوه محم ٌد �إلا ذك ٌر من الله ذ ّك َر‬
‫به العالمين ِمن الج ِّن وا إلن�س ‪.‬‬

‫‪} ٣ - ١‬ﮯ{ �أي ال�ساع ُة الحا َّقة؛ التي َ ُت ُّق‬

‫‪566‬‬

‫ويحمل عر� َش ربك فوقهم يومئ ٍذ ثمانية من الملائكة‪،‬‬ ‫‪ ١٠ ٩‬وجاء فرعو ُن م�ص َر و َم ْن قب َله ِمن الأمم‬
‫يومئ ٍذ ُتع َر�ضون ‪� -‬أيها النا�س‪ -‬على ربكم‪ ،‬لا يخفى‬ ‫المك ِّذبة ب آ�يات الله‪ ،‬و�أ�صحا ُب القرى التي انقلب ْت بهم‪،‬‬
‫وهم قوم لوط‪ ،‬جاء ك ُّل ه ؤ�لاء بالأعمال الخاطئة‪ ،‬فع َ�صوا‬
‫على الله منكم �شيء مهما �أخفيتموه‪.‬‬
‫ر�سول ربهم‪ ،‬ف�أخذهم ر ُّبهم �أخذ ًة زائد ًة في ال�شدة‪.‬‬
‫‪ ٢٠ ١٩‬ف أ� ّما َم ْن ُ�أعطي كتاب أ�عماله بيمينه‪،‬‬
‫فيقول من فرحه‪ :‬تعالوا اقر ؤ�وا كتابي‪ ،‬إ�ني كنت موقن ًا‬ ‫‪� ١٢ ١١‬إ ّنا لـ ّما َك ُث الماء فتجاوز ح َّده �أيام الطوفان‬
‫ح َملنا �أجدا َدكم مع نوح في ال�سفينة التي تجري في الماء‪،‬‬
‫بالح�ساب فعمل ُت له‪ ،‬خوف ًا من عذاب الله وطمع ًا في‬ ‫لنجعل ال�سفينة وق ّ�صتها عبرة وموعظة تتعظون بها‪،‬‬
‫رحمته‪.‬‬ ‫وتحفظ خب َرها ك ُّل �أذ ٍن واعي ٍة ِم ْن �ش�أنها أ�ن تحفظ‪ ،‬وتعقل‬

‫‪ ٢٤ - ٢١‬فهذا و�أمثا ُله من الم ؤ�منين ال�صالحين في‬ ‫ما ت�سمع‪.‬‬
‫عي�شة ير�ضونها‪ ،‬في جن ٍة عالية المقام رفيعة المقدار‪،‬‬
‫‪ ١٨ - ١٣‬ف�إذا َن َفخ �إ�سرافي ُل في ال�صور النفخة‬
‫ثمارها قريبة الـ َج َنى �سهلة المقت َنى‪ ،‬يقول لهم ر ُّبهم‪:‬‬ ‫الأولى‪ ،‬و ُح ِملت ا ألر�ُض والجبا ُل ف ُ�ضب بع�ضها على‬
‫كلوا وا�شربوا ‪ -‬يا عبادي‪ -‬هنيئ ًا بما ق َّدمتم في دنياكم‬ ‫بع�ض �ضرب ًة واحدة‪ ،‬فيومئ ٍذ قامت القيامة‪ ،‬وان�صدعت‬
‫ال�سما ُء وت�ش ّققت فهي يومئ ٍذ �ضعيفة م�سترخية بعد �أن‬
‫الما�ضية آلخرتكم الباقية‪.‬‬ ‫كانت مح َكمة متما�سكة‪ ،‬والملائكة على �أطرافها‪،‬‬

‫‪ ٢٩ - ٢٥‬و�أ ّما َم ْن �ُأعطي يومئ ٍذ كتاب �أعماله‬
‫ب�شماله‪ ،‬فيقول‪ :‬يا ليتني لم �ُأعط كتابي‪ ،‬ولم أ�علم ما عل َّي‬
‫من عقوبة‪ ،‬يا ليت الموتة التي م ُّتها في الدنيا كانت هي‬
‫النهاية فلا �شيء بعدها‪ ،‬لم َيدفع ع ّني مالي الذي جمع ُته‬
‫وث ّمر ُته وكنز ُته �شيئ ًا من عذاب الله‪ ،‬ذهب ع ّني جاهي‬
‫وانقطع ْت ُحججي‪ ،‬فلا ح ّجة لي �أحت ُّج بها‪ ،‬ولا قوة لي‬

‫أ�دفع بها عن نف�سي‪.‬‬

‫‪ ٣٤ - ٣٠‬يقول الله لملائكته ِم ْن َخ َزنة جهنم‪:‬‬
‫خذوا هذا المف ِّر َط الخا�س َر فاجمعوا يديه �إلى عنقه وق ِّيدوه‬
‫بالقيود‪ ،‬ثم �أدخلوه نار جهنم ل َي�صلى ح َّرها الذي لا‬
‫يطاق‪ ،‬ثم أ�دخلوه في �سل�سلة حديدية طولها �سبعون‬

‫ذراع ًا ‪ -‬بذرا ٍع اللهُ أ�عل ُم بقدر طولها‪ -‬افعلوا ذلك به‬
‫جزا ًء له على كفره بالله في الدنيا‪� ،‬إنه كان لا ي�ص ِّدق‬
‫بوحدانية الله العظيم‪ ،‬ولا يعمل بما �أمر به‪ ،‬ولا يح ُّث‬
‫النا�س على البذل‪ ،‬ولا ير ِّغبهم في إ�طعام أ�هل الم�سكنة‬

‫والحاجة‪ ،‬ف�ضل ًا عن قيامه هو بذلك‪.‬‬

‫‪567‬‬

‫‪ ٤ - ١‬دعا دا ٍع من الم�شركين بنزول عذا ٍب‪ ،‬هو‬ ‫‪ ٣٧ - ٣٥‬فلي�س لهذا الخا�سر اليوم قري ٌب يدفع عنه‬
‫واق ٌع بهم لا َمحال َة‪ ،‬لي�س له دافع يدفعه عنهم من الله ذي‬ ‫و ُيغيثه مما هو فيه من �سوء الم�صير‪ ،‬ولي�س له طعام ‪ -‬كما‬
‫العل ِّو والدرجات‪ ،‬ت�صعد الملائكة وجبريل �إليه في يوم‬ ‫كان لا يح�ُّض في الدنيا على طعام الم�سكين‪� -‬إلا من‬
‫ِغ�ْسلين‪ ،‬وهو ما ي�سيل من �صديد �أهل النار‪ ،‬لا ي�أكله‬
‫كان مقداره خم�سين �أل َف �سنة من �سن ِّي الدنيا‪.‬‬ ‫�إلا المذنبون الذين أ��ص ُّروا على الكفر بالله والخروج عن‬
‫‪ ٥‬فا�صبر ‪ -‬يا محمد‪ -‬على أ�ذى ه ؤ�لاء �صبراً لا‬
‫جزع فيه‪ ،‬ولا ي�صرفك ما َتلقى منهم من مكرو ٍه عن‬ ‫طاعته‪.‬‬

‫تبليغ ر�سالة ربك‪.‬‬ ‫‪ُ ٤٢ - ٣٨‬أ�ق�سم با أل�شياء التي ُتب�صرونها‪ ،‬والتي لا‬
‫ُتب�صرونها‪� :‬إ َّن هذا القر�آن كلام الله يتلوه عليكم ر�سو ٌل‬
‫‪ ١٠ - ٦‬إ� َّن ه�ؤلاء الم�شركين يرون العذاب الذي‬ ‫ذو منزلة ومكانة عند ربه‪ ،‬وما هو بكلام �شاعر؛‬
‫تح ّذرهم �إياه بعيداً غي َر واقع‪ ،‬ونحن نراه قريب ًا‪ ،‬ألنه‬ ‫ألن محمداً لا ُيح�سن قو َل ال�ِّشعر‪ ،‬ولكنكم قليل ًا‬
‫كائن‪ ،‬وك ُّل ما هو آ� ٍت قريب‪ ،‬يوم تكون ال�سماء‬ ‫ما ت�ص ِّدقون‪ ،‬ولا هو بقول كاهن؛ لأن محمداً لي�س‬
‫كالنحا�س المذاب‪ ،‬وتكون الجبال كال�صوف المنفو�ش‪،‬‬
‫ولا َي�س أ�ل قري ٌب قري َب ُه ولا �صدي ٌق �صدي َق ُه عن حاله‬ ‫بكاهن‪ ،‬ولكنكم قليل ًا ما ت َّتعظون وتعتبرون‪.‬‬

‫ل�شغله ال�شاغل ب�ش أ�ن نف�سه‪.‬‬ ‫‪ ٤٣‬هذا القر�آن ُمنزل من عند الله رب العالمين‪.‬‬

‫‪568‬‬ ‫‪ ٤٧ - ٤٤‬ولو َن�سب إ�لينا محمد بع�َض ا ألقاويل‬
‫التي لم ننزلها عليه‪ ،‬ألخذناه بقوة دون �إمهال‪ ،‬ثم قطعنا‬
‫منه الو ِتي َن‪ ،‬وهو ِع ْرق رئي�س يخرج من القلب ف�إذا‬
‫انقطع مات �صاحبه‪ ،‬فما منكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬من �أح ٍد‬

‫َيقدر على َم ْنعنا من عقوبته وما نفعله به‪ ،‬و إ� ْذ لم نفعل‬
‫فذلك دلي ٌل على �صدقه و أ�مانته‪ ،‬فكيف ت ّدعون �أن هذا‬

‫القر�آن من قوله‪َ ،‬ن َ�سبه �إلى الله زوراً؟‬

‫‪ ٥٢ - ٤٨‬إ� َّن هذا القر آ�ن َل ِعظ ٌة يتذ َّكر بها وي ّتعظ‬
‫الذين يتقون عقا َب الله‪ ،‬في ؤ�دون فرائ�ضه‪ ،‬ويجتنبون‬
‫معا�صيه‪ ،‬و إ� َّنا لنعلم �أ َّن منكم َم ْن يك ِّذب به‪ ،‬و إ� َّن‬
‫التكذيب به لح�سرة وندامة على الكافرين في ا آلخرة ِلـ َما‬
‫يفوتهم من خيره الذي فاز به الم ؤ�منون‪ ،‬و ِلـما ينالهم من‬
‫عقوبة التكذيب‪ ،‬و�إنه َل ْلح ُّق المتي َّقن الذي لا ريب في �أنه‬
‫ِم ْن عند الله‪ ،‬ولم يت َق ّوله محمد‪ ،‬ف�س ّبح اللهَ بذكر ا�سمه‬

‫العظيم‪ ،‬تنزيه ًا له عما لا يليق بجلاله وعظيم �ش�أنه‪.‬‬

‫أ��صابه المكرو ُه‪ ،‬جزع و�ضجر و�أكثر ال�شكوى‪ ،‬و إ�ذا‬ ‫‪ُ ١٤ - ١١‬ي ْب ِ� ُص يومئ ٍذ القري ُب قري َبه وال�صدي ُق‬
‫�أ�صابه ما يح ُّب من الدنيا فهو بخيل به �شديد الحر�ص‬ ‫�صدي َقه ويعرف بع�ضهم بع�ض ًا‪ ،‬لكنهم لا يت�ساءلون بل‬
‫يف ُّر بع ُ�ضهم من بع�ض‪ ،‬يتم ّنى الكافر لو يفتدي من‬
‫عليه‪.‬‬ ‫عذاب ذلك اليوم الـ َم ُهول ب َبنيه‪ ،‬وزوجته‪ ،‬و�أخيه‪،‬‬
‫وع�شيرته‪ ،‬التي تحميه وتن�صره‪ ،‬وبـ َمن في الأر�ض كلهم‪،‬‬
‫‪ ٣٤ - ٢٢‬إ� ّل الم�صلين الذين يداومون على إ�قامة‬
‫�صلواتهم ولا َي�شغلهم عنها �شاغل‪ ،‬والذين في �أموالهم‬ ‫ثم يخل�صه مما هو فيه‪.‬‬
‫ح ٌّق مع َّي‪ِ ،‬لـ َمن �س�ألهم من الفقراء ولمن لم ي�س أ�لهم‪،‬‬
‫والذين ُيق ُّرون بالبعث والجزاء‪ ،‬والذين هم في الدنيا من‬ ‫‪ ١٨ - ١٥‬ك ّل‪ ،‬لي�س ذلك له‪ ،‬لي�س ينجيه من‬
‫عذاب ربهم و ِجلون خائفون �أ ْن يع ِّذبهم في الآخرة‪،‬‬
‫فهم من خ�شية ذلك لا ي�ضيعون له فر�ض ًا‪ ،‬والذين هم‬ ‫العذاب �شيء‪ ،‬و�إ َّن حا�ضنته اليوم جهنم‪ُ ،‬يلقى فيها‬
‫لفروجهم حافظون عن كل ما نهى الله عنه‪ ،‬إ�لا على‬ ‫الخا�سر‪ ،‬فتنزع جلدة ر أ��سه ‪� -‬أو أ�طراف بدنه‪ -‬ثم ُيج َّدد‬
‫أ�زواجهم �أو ما ملكت �أيمانهم من إ�مائهم‪ ،‬ف�إنهم غي ُر‬ ‫َخل ُقهم‪ ،‬وتب َّدل جلودهم لئلا ينقطع عذا ُبهم‪ .‬تدعو‬
‫َم ُلومين‪ ،‬ف َمن الت َم� َس َم ْنكح ًا �سوى زوجته أ�و مملوكته‪،‬‬ ‫جهن ُم إ�لى نف�سها َم ْن أ�عر�ض في الدنيا عن طاعة الله‪،‬‬
‫ففاعلوا ذلك هم المتجاوزون حدود الله‪ ،‬والذين‬ ‫وتو ّلى عن ا إليمان بكتابه وبر�سله‪ ،‬و َج َمع المال وخزنه‬
‫ُهم ألمانات الله التي ائتمنهم عليها و�أمانات عباده‪،‬‬
‫وعهدهم مع الله ومع عباده راعون‪ ،‬يرقبون ذلك‬ ‫في �أوعيته‪ ،‬ولم ُيخرج منه زكا ًة ولا �صدقة‪.‬‬
‫ويحفظونه فلا يفرطون فيه‪ ،‬والذين لا يكتمون ما‬
‫ا�س ُت�ش ِهدوا عليه ولا يغ ِّيونه‪ ،‬والذين هم على �صلاتهم‬ ‫‪ ٢١ - ١٩‬إ� َّن ا إلن�سان ُخلق �شحيح ًا جزوع ًا‪ ،‬إ�ذا‬
‫يحافظون ب أ�دائها في أ�وقاتها من غير إ�خلا ٍل ب�شيء من‬

‫أ�ركانها و�شروطها و�ُسننها و آ�دابها‪.‬‬

‫‪ ٣٥‬ه�ؤلاء الذين يفعلون هذه ا ألفعال وي ّت�صفون بهذه‬
‫ال�صفات هم في ا آلخرة في ب�ساتين عظيمة مكرمون‪،‬‬
‫يكرمهم الله فيها بكرامته‪ ،‬و ُيح ُّل عليهم من ر�ضوانه‪.‬‬

‫‪ ٣٩ - ٣٦‬فما �ش أ� ُن الذين كفروا ُمن َط ِلقين نحوك‬
‫‪ -‬يا محمد‪ -‬عن يمينك وعن �شمالك منت�شرين ِح َلق ًا‬
‫ومجال�س‪� ،‬أيطمع ك ُّل امرئ من ه�ؤلاء ‪ -‬وقد �سمع‬
‫و ْع َد الله ور�سوله للم�ؤمنين بالجنة‪ -‬أ�ن يدخله الله جنة‬
‫نعي ٍم ينعم فيها؟ ك ّل لي�س الأمر كما يطمع ه ؤ�لاء‪ ،‬إ� ّنا‬
‫خلقناهم من َمن ٍّي ُي َنى كما خلقنا غيرهم‪ ،‬فلي�س لهم‬

‫َمز َّية تجعلهم يفوزون بالجنة دون �إيما ٍن وعمل �صالح‪.‬‬

‫‪569‬‬

‫‪�ُ ٤١ ٤٠‬أق ِ�سم بر ِّب مطالع ال�شم�س ومغاربها‪� :‬إ ّنا‬
‫لقادرون على �أن نهلكهم‪ ،‬ون�أتي بخي ٍر منهم �إيمان ًا‬

‫وا�ستقامة‪ ،‬وما نحن بمغلوبين ولا عاجزين �إن �أردنا‬

‫إ�هلا َكهم و إ�بدا َلهم بـ َمن هم خير منهم‪.‬‬

‫‪ ٤٤ - ٤٢‬ف َذ ْر‪ -‬يا محمد‪ -‬ه ؤ�لاء الم�شركين‬
‫يخو�ضوا في باطلهم‪ ،‬ويلعبوا في هذه الدنيا حتى‬

‫يلاقوا عذاب يوم القيامة الذي ُيوعدونه‪ ،‬يوم يخرجون‬
‫من القبور ُم�سرعين ك أ�نهم �إلى غاية �أو �صنم من�صوب‬
‫ي�ستبقون‪ ،‬خا�ضع ًة �أب�صارهم مما هم فيه من ال ِخ ْز ِي‬
‫والهوان‪ ،‬تغ�شاهم ِذ َّل ٌة‪ ،‬هذا هو اليوم الذي كانوا‬

‫ُيوعدون‪ ،‬فيك ِّذبون به و َي�ستبعدون وقو َعه‪.‬‬

‫عنه‪ ،‬و َه َرب ًا منه‪.‬‬ ‫‪� ١‬إ ّنا �أر�سلنا نوح ًا إ�لى قومه وقلنا له‪َ :‬خ ِّوف قومك‬
‫من َقب ِل أ� ْن ي أ�ت َي ُهم عذا ٌب ُمو ِجع‪ ،‬وهو ال ُّطوفان الذي‬
‫‪ ٧‬و�إ ِّن ك ّلما دعوتهم �إلى ا إلقرار بوحدانيتك‪،‬‬
‫والعمل بطاعتك ِلتغفر لهم ما كان منهم و َ�ض َعوا‬ ‫غ َّرقهم الله به‪.‬‬
‫أ��صابعهم في آ�ذانهم وغ ّطوا وجوههم و أ�عينهم بثيابهم؛‬
‫‪ ٤ - ٢‬قال نو ٌح لقومه‪ :‬يا قو ِم �إني لكم نذير‪،‬‬
‫لئلا ي�سمعوا كلامي‪ ،‬ولا يقع ب�صرهم على �شيء م ِّني‪،‬‬ ‫ب ِّ ُي الإنذار وا�ضح الحجة‪� ،‬أ ِن اعبدوا الله‪ ،‬واتقوا عقا َبه‬
‫وثب ُتوا على ما هم عليه من الكفر‪ ،‬و أ�قاموا عليه‪،‬‬ ‫با إليمان به‪ ،‬والعمل بطاعته‪ ،‬وانتهوا �إلى ما �آم ُركم به‪،‬‬
‫واقبلوا ن�صيحتي لكم‪َ ،‬ي ْغف ْر لكم ذنوبكم ويع ُف عنها‪،‬‬
‫وا�ستكبروا ا�ستكباراً �شديداً‪.‬‬ ‫و ُي َ�ؤ ِّخركم �إلى أ�جل مع َّي في �سابق علمه ولا ُيهلككم‬
‫بعذاب ي�ست�أ�صلكم‪� .‬إ َّن أ� َج َل الله الذي َك َتبه على خلقه‬
‫‪ ١٠ - ٨‬ث َّم �إ ِّن دعو ُتهم جميع ًا جهاراً‪ ،‬ثم إ�ني‬ ‫في �ُأ ِّم الكتاب �إذا جاء لا ُي�ؤ َّخر‪ ،‬لو كنتم تعلمون �صحة‬
‫دعوتهم مرة بعد �أخرى‪ ،‬ف�أعلنت لبع�ضهم �أمام بع�ض‪،‬‬
‫ما �أقول لكم وت ؤ�منون به‪.‬‬
‫و�أ�سرر ُت لبع�ٍض إ��سراراً فيما بيني وبينه‪ ،‬فلم يبق منهم‬
‫�أحد إ�لا �سمع ن�صيحتي وبلغه �إنذاري؛ فقلت‪َ� :‬س ُلوا‬ ‫‪ ٦ ٥‬قال نوح‪ :‬ر ِّب �إني دعو ُت قومي إ�لى‬
‫ربكم ُغفرا َن ذنوبكم‪� ،‬إنه كان لذنوب َم ْن أ�ناب �إليه‬ ‫توحيدك وعبادتك‪ ،‬وح ّذر ُتهم ب�أ�َسك و�َسطوتك ليل ًا‬
‫ونهاراً‪ ،‬فلم َت ِز ْدهم دعوتي لهم �إلى الحق �إلا إ�عرا�ض ًا‬
‫وتاب غ ّفاراً‪.‬‬

‫‪570‬‬

‫يخرجكم يوم القيامة ويبعثكم أ�حياء‪.‬‬ ‫‪َ ١٢ ١١‬ي�س ِقكم ر ُّبكم ‪� -‬إ ْن تبتم إ�ليه وو َّحدتموه‪،‬‬
‫و أ�خل�صتم له العبادة ‪ -‬الغي َث‪ ،‬فير�سل به ال�سما َء عليكم‬
‫‪ ٢٠ ١٩‬والله جعل لكم الأر�ض مم َّهد ًة م�ست ِق ّر ًة‬ ‫مدراراً متتابع ًا‪ ،‬و ُيعطكم مع ذلك أ�موال ًا وبني َن‪،‬‬
‫ت�ستق ُّرون عليها‪ ،‬لت�سلكوا منها طرق ًا ف�سيحة متفرقة‪.‬‬ ‫ويرز ْقكم ب�ساتي َن نا�ضرة‪ ،‬ويجعل لكم �أنهاراً َت�سقون‬

‫‪ ٢٤ - ٢١‬قال نو ح ‪ :‬ر ِّب �إ َّن قومي ع�صوني‪،‬‬ ‫منها جناتكم ومزارعكم‪.‬‬
‫فخالفوا أ�مري‪ ،‬ور ّدوا عل َّي ما دعو ُتهم إ�ليه من الهدى‬
‫والر�شاد‪ ،‬وا َّتبعوا في مع�صيتهم َم ْن دعاهم إ�لى ذلك‬ ‫‪ ١٤ ١٣‬ما لكم لا ت�ست�شعرون في قلوبكم تعظيم ًا‬
‫مـ َّمن ك ُث ما ُله وو ُلده‪ ،‬فلم تزده كثر ُة ماله وولده إ�لا‬ ‫لله‪ ،‬وقد خلقكم في �أرحام �أمهاتكم �أطواراً متد ِّرجة‪،‬‬
‫خ�ساراً و ُبعداً عن الله‪ ،‬و�ضلال ًا عن َمحجة الطريق‪.‬‬ ‫َطوراً نطفة‪ ،‬وطوراً علقة‪ ،‬وطوراً ُم�ضغة حتى �أن�ش�أكم‬
‫و َم َكر ه�ؤلاء الزعماء بتابعيهم مكراً عظيم ًا‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫لا تتركوا آ�لهتكم التي كنتم تعبدونها‪ ،‬ولا تتركوا َو ّداً‬ ‫خلق ًا �آخر؟‬
‫ولا �ُسواع ًا ولا ي ُغوث وي ُعوق و َن�سراً ‪ -‬وهي �أ�سماء‬
‫الأ�صنام التي كانوا يعكفون عليها‪ -‬وقد أ��ضلوا بهذه‬ ‫‪� ١٦ ١٥‬ألم تنظروا نظ َر تف ُّكر واعتبا ٍر كيف خلق الله‬
‫ا أل�صنام وبما ح�ّسنوا من الباطل كثيراً من النا�س‪ ،‬ولا‬ ‫�سبع �سماوات طباق ًا بع�ضها فوق بع�ض‪ ،‬وجعل القمر‬
‫تز ْد ‪ -‬يا ر ّب‪َ -‬م ْن ظلموا �أنف�سهم و�أ�ص ُّروا على باطلهم‬ ‫في ال�سماوات نوراً‪ ،‬وجعل ال�شم�س �سراج ًا منيراً ت�ضيء‬
‫إ�لا �ضلال ًا و ُبعداً عن الحق جزا ًء لهم على ع�صيانهم‬
‫ألهل ا ألر�ض؟‬
‫وا�ستكبارهم‪.‬‬
‫‪ ١٨ ١٧‬والله أ�ن�ش�أكم من ترا ِب الأر�ض �إن�شا ًء‪ ،‬ثم‬
‫‪ ٢٥‬وب�سبب خطيئاتهم الكبيرة هذه ُأ�غرقوا بالطوفان‬ ‫ُيعيدكم في ا ألر�ض فت�صيرون كما كنتم تراب ًا‪ ،‬ومنها‬
‫العظيم‪ ،‬ف أ�ُدخلوا ناراً َم ُخوف ًة َمهولة ‪ -‬وهو عذاب‬
‫القبر‪ -‬فلم يجدوا لهم من دون الله �أن�صاراً ين�صرونهم‬ ‫‪571‬‬

‫ويخ ِّل�صونهم مما نزل بهم من عذاب الدنيا وا آلخرة‪.‬‬

‫‪ ٢٦‬وقال نوح بعد نفاد �صبره وي�أ�سه من قومه‪ :‬ر ِّب‬
‫لا َت َد ْع على ا ألر�ض من الكافرين �أحداً مقيم ًا عليها‬

‫م�ستق ّراً فيها‪.‬‬
‫‪� ٢٧‬إنك ‪ -‬يا ر ّب‪� -‬إن تترك الكافرين أ�حياء على‬
‫ا ألر�ض ولا تهلكهم بعذا ٍب من عندك‪ُ ،‬ي�ضلوا عبادك‬
‫و ُيغووهم‪ ،‬وي�صدوا عن �سبيلك‪ ،‬ولا يلدوا �إلا فاجراً في‬

‫�سلوكه ك ّفاراً لنعمتك عليه‪.‬‬

‫‪ ٢٨‬ر ِّب اع ُف ع ّني‪ ،‬وعن وال َد َّي‪ ،‬وع ّمن دخل‬
‫بيتي م�ؤمن ًا بك‪ ،‬م�ص ِّدق ًا ب َو ْعدك‪ ،‬خا�ضع ًا لأمرك‪ ،‬وعن‬
‫الم ؤ�منين والم�ؤمنات‪ ،‬ولا تزد َم ْن ظلموا �أنف َ�سهم بكفرهم‬

‫و إ��صرارهم على باطلهم إ�لا خ�ساراً وندامة‪.‬‬

‫‪ ٢ ١‬قل ‪ -‬يا محمد‪� :-‬أوحى الله �إل َّي أ� ّن جماع ًة‬
‫من الجن ا�ستمعوا هذا القر آ�ن‪ ،‬فقالوا لـ ّما رجعوا �إلى‬
‫قومهم‪ :‬إ� ّنا �سمعنا قر�آن ًا يعلو بدي ُع َن ْظمه وجلا ُل معانيه‬

‫�سائ َر الكلام‪ ،‬يدعو �إلى ال�صواب و إ�لى التوحيد وا إليمان‬
‫ف�ص ّدقنا به‪ ،‬ولن ُن�شرك بربنا �أحداً‪.‬‬

‫‪ ٣‬و أ� ّنه تعال ْت عظمته عن �أن ي َّتخذ زوج ًة �أو ولداً‪.‬‬

‫‪ ٤‬و أ� ّنه كان يقول جاه ُلنا على الله قول ًا كذب ًا بعيداً‬
‫من ال�صواب‪ ،‬في ن�سبته الزوجة والولد إ�ليه �سبحانه‪.‬‬

‫‪ ٥‬و�أ ّنا كنا نظن �أ ْن ل ْن َيكذب على الله أ�ح ٌد أ�بداً‬
‫في�صفه بما لا يليق به‪ ،‬ولذلك اتبعنا قوله‪.‬‬

‫‪ ١٠‬و�أ ّنا لا ندري �أ�ش ٌّر ُ�أري َد بـ َمن في ا ألر�ض بحرا�سة‬ ‫‪ ٦‬و�أ ّنه كان رجا ٌل من الإن�س إ�ذا أ�رادوا المبيت �أو‬
‫ال�سماء‪ ،‬أ�م أ�راد بهم ربهم خيراً ورحمة‪.‬‬ ‫النزول بـ َم ُخوف من ا ألر�ض ي�ستجيرون برجال من‬
‫الج ّن؛ فزاد رجا ُل ا إلن�س الج َّن ‪ -‬با�ستعاذتهم بهم‪-‬‬
‫‪ ١١‬و�أ ّنا م ّنا قوم أ�برا ٌر �صالحون‪ ،‬وم ّنا دون أ�ولئك في‬
‫ال�صلاح‪ ،‬و أ��شرار غير �صالحين‪ ،‬كنا ِف َرق ًا �ش َّتى مختلف َة‬ ‫ُطغيان ًا و�َس َفه ًا وكبراً‪.‬‬

‫المذاهب والأهواء‪.‬‬ ‫‪ ٧‬و أ� ّن الج ّن ظنوا كما ظننتم ‪ -‬أ�يها الإن� ُس‪� -‬أ ْن لن‬
‫يبعث الله ر�سول ًا إ�لى خلقه يدعوهم �إلى توحيده‪.‬‬
‫‪ ١٢‬و�أ ّنا ع ِلمنا الآن أ�ننا لن ُنعجز الله في الأر�ض إ� ْن‬
‫�أراد بنا �أمراً‪ ،‬ولن ُنعجزه هرب ًا �إ ْن َط َلبنا‪.‬‬ ‫‪ ٨‬و أ� ّنا طلبنا بلو َغ ال�سماء وا�ستماع كلام �أهلها‬
‫فوجدناها ُم ِلئ ْت حرا�س ًا �أ�شداء من الملائكة يحر�سونها‬
‫‪ ١٣‬و�أ ّنا لـ ّما �سمعنا القر�آن آ�منا به‪ ،‬ف َم ْن ي�ؤمن بربه فلا‬ ‫من ا�ستراق ال�سمع‪ ،‬ووجدناها ُملئت �ُش ُهب ًا ُيقذف بها‬
‫يخاف نق�ص ًا من �أجره ولا ظلم ًا‪.‬‬ ‫َم ْن ي�ست ِرقون ال�سمع من ك ِّل جانب‪ ،‬فتبعدهم وتطردهم‪.‬‬

‫‪ ٩‬و�أ ّنا ِمن قب ُل كنا نقع ُد من ال�سماء مقاعد �صالح ًة‬
‫للتر ُّ�صد والا�ستماع‪ ،‬فمن ي�ستمع الآن بعد تنزيل هذا‬

‫القر�آن ي َـ ِج ْد له �شهاب ًا را�صداً له ي�ص ُّده عن الا�ستماع‪.‬‬

‫‪572‬‬

‫‪ ٢٠‬قل لهم‪� :‬إنما أ�عبد ربي‪ ،‬ولا أ��شرك به أ�حداً‪ ،‬فلي�س‬ ‫‪ ١٥ ١٤‬و�أ ّنا م ّنا الم ؤ�منون‪ ،‬وم ّنا الكافرون الجائرون‬
‫ذلك مما يوجب تع ُّج َبكم و�إطباقكم على عداوتي‪.‬‬ ‫عن طريق الحق‪ ،‬فمن آ�من بالله وخ�ضع له بالطاعة‬
‫ف�أولئك ق�صدوا طريق الح ِّق وتو ّخوه‪ ،‬و أ� ّما الكافرون‬
‫‪ ٢١‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء الذين ر ُّدوا عليك ما‬ ‫فكانوا حطب ًا لجهنم‪ُ ،‬تو َقد بهم كما ُتو َقد بكفار ا إلن�س‪.‬‬
‫جئتهم به من الن�صيحة‪ :‬لا �أملك لكم م�ضر ًة ولا منفع ًة‪،‬‬
‫ولا أ�ملك أ� ْن �أحملكم على ا ّتباع الهدى‪ ،‬و�إنما الذي‬ ‫‪ ١٧ ١٦‬و أ� ْن لو �آمن �أهل الكفر وال�ضلال وا�ستقاموا‬
‫على طريق الحق ألنزلنا عليهم ما ًء كثيراً نافع ًا ولو�ّسعنا‬
‫يملك ذلك هو الله وحده‪.‬‬ ‫عليهم في الرزق‪ ،‬لنختبرهم‪ .‬و َم ْن ُيعر�ض عن القر�آن‬

‫‪ ٢٢‬قل‪ :‬إ�ني لن يجيرني من عذاب الله أ�ح ٌد �إن �أراد‬ ‫والتوحيد ُيدخله الله عذاب ًا �شديداً �شا ّق ًا‪.‬‬
‫ذلك بي‪ ،‬ولن �أجد ِمن دونه ملج ً�أ أ�لج�أ �إليه‪.‬‬
‫‪ ١٨‬و أ� ّن الم�ساجد مخت ّ�ص ٌة بالله‪ ،‬فلا تت�صرفوا فيها بما‬
‫‪ ٢٣‬و أ� َنا لا أ�ملك إ�لا أ�ن أ�ب ّلغكم ر�سالات الله التي‬ ‫ينافي التوحيد‪ ،‬و�أخل�صوا له العبادة‪.‬‬
‫�أر�سلني بها �إليكم‪ .‬و َم ْن يع�ِص الله ور�سوله بترك قبول ما‬
‫جاء به‪ ،‬ف إ� ّن له نار جهنم يمكث فيها �أبداً إ�لى غير نهاية‪.‬‬ ‫‪ ١٩‬و�أ ّنه لـ ّما قام نب ُّي الله محمد ‪ - -‬يعبد الله‬
‫ويقر�أ القر�آن‪ ،‬كاد الكفار يجتمعون عليه ِلر ِّد دعوته‬
‫‪ ٢٤‬ولا يزال ه�ؤلاء الكفار على ما هم عليه من الكفر‬
‫حتى يعاينوا ما و َع َدهم الله من العذاب‪ ،‬ف�سيعلمون عند‬ ‫و إ�بطال �أمره‪.‬‬
‫حلول العذاب بهم َمن َأ� ْ�ضعف نا�صراً و أ�ق ّل عدداً؛ هم �أم‬
‫‪573‬‬
‫الم ؤ�منون بالله الم�ص ِّدقون بوعده؟‬

‫‪ ٢٥‬إ� ّن ما تو َعدون به من العذاب كائ ٌن لا محالة‪ ،‬وما‬
‫�أدري �أقري ٌب وق ُته‪َ ،‬أ� ْم يجع ُل له ربي غاي ًة تطول م ّد ُتها‪.‬‬

‫‪ ٢٧ ٢٦‬هو عا ِلـم الغيب‪ ،‬فلا ُي ْطلع على غيبه‬
‫أ�حداً من النا�س‪� ،‬إ ّل َم ْن ي�صطفيه لر�سالته ونب ّوته‪ ،‬ف�إ ّنه‬
‫ي ْطلعه على ما �شاء وق َت ما �شاء‪ ،‬حتى يكون معجز ًة‬
‫ُي�ستد ُّل بها على نب ّوته‪ ،‬ويجعل ِم ْن �أمامه و َخلفه ملائكة‬
‫يحفظونه ِمن �أن ُتلقي إ�ليه ال�شياطين ما ُيخ ّلط عليه ما‬

‫�أوحاه الله إ�ليه‪.‬‬

‫‪ ٢٨‬وقد �أطلع الله أ�نبيا َءه ور�سله على ما �شاء م َن الغيب‬
‫و َح ِفظهم؛ ليب ِّلغوا عنه‪ ،‬ويتح َّقق ما في �سابق علم الله‬
‫‪ -‬وهو تبليغهم عنه ر�سالاته‪ -‬وقد أ�حاط الله علم ًا بما‬
‫لدى المر�سلين فلا َيخفى عليه �شيء من أ�مرهم‪ ،‬و أ�ح�صى‬

‫ك َّل �شيء في هذا الكون إ�ح�صا ًء تا ّم ًا ‪.‬‬

‫النب َّي‬ ‫بثيابه ‪َ -‬ع َنى‬ ‫يا أ�يها الـ ُمتل ِّف ُف‬ ‫‪٤‬‬ ‫‪-١‬‬
‫الليل‪،‬‬ ‫فيه‪ُ ،‬ق ْم ن�ص َف‬ ‫الليل �إلا قليل ًا تنام‬ ‫ف�ص ِّل‬ ‫‪ُ -‬ق ْم‬

‫أ�و انق�ص منه قليل ًا إ�لى الثلث‪ ،‬أ�و ِز ْد على الن�صف �إلى‬

‫الثلثين‪ ،‬أ�نت مخ ّ ٌي بين هذه المنازل الثلاثة‪ ،‬واقر أ� القر�آن‬
‫بتم ُّهل وتبيين لحروفه وكلماته‪.‬‬

‫‪� ٥‬إ ّنا �س ُنن ّزل عليك كلام ًا عظيم ًا جليل ًا‪ ،‬لا يحمله‬
‫�إلا قل ٌب م ؤ� َّي ٌد بالتوفيق‪.‬‬

‫‪� ٦‬إ َّن �صلاة الليل أ�ثق ُل على الم�ص ِّلي من �صلاة‬

‫النهار‪ ،‬و�أثب ُت قراء ًة و أ�ب َي قول ًا‪ ،‬لهدوء ا أل�صوات‪،‬‬
‫وفراغ البال‪ ،‬وح�ضور القلب‪.‬‬

‫�صلابتها وارتفاعها رمل ًا �سائراً متناثراً‪.‬‬ ‫‪� ٧‬إ َّن لك ‪ -‬يا محمد‪ -‬في النهار ت�ص ُّرف ًا طويل ًا في‬
‫�أ�شغالك‪ ،‬فتف ّرغ بالليل لعبادة ربك‪.‬‬
‫‪ ١٥‬إ� ّنا �أر�سلنا �إليكم ‪� -‬أيها النا�س‪ -‬ر�سول ًا‪ ،‬هو‬
‫محمد ‪ - -‬ي�شهد عليكم يوم القيامة با إلجابة أ�و‬ ‫‪ ٨‬و ُد ْم على ذكر ربك في الليل والنهار‪ ،‬وانق ِط ْع �إليه‬
‫الامتناع‪ ،‬كما أ�ر�سلنا إ�لى فرعون ر�سول ًا ‪ ،‬هو مو�سى بن‬ ‫با إلخلا�ص له وتجريد نف�سك لعبادته‪.‬‬

‫عمران عليه ال�سلام‪.‬‬ ‫‪ ٩‬هو ر ُّب الم�شرق والمغرب ومال ُك أ�مرهما و أ�م ِر‬
‫الخلائق �أجمعين‪ ،‬لا �إله �إلا هو فف ِّو�ض أ�مرك إ�ليه وتو َّكل‬
‫‪ ١٦‬فع�صى فرعو ُن مو�سى‪ ،‬ف أ�خذناه �أخذاً �شديداً‬
‫عظيم ًا‪.‬‬ ‫عليه‪.‬‬

‫‪ ١٧‬فكيف تدفعون ‪� -‬أيها الكفار‪ -‬عن أ�نف�سكم �إ ْن‬ ‫‪ ١٠‬وا�صب ْر على �أذى �أهل مكة وما يقولون من‬
‫بقيتم على الكفر عذا َب يو ٍم ت�شيب فيه ر ؤ�و� ُس ال�صغار‬ ‫الخرافات‪ ،‬واعتزلهم اعتزال ًا ح�سن ًا لا ج َزع فيه‪.‬‬

‫من �ش َّدة هوله؟‬ ‫‪ ١١‬و َد ْع لي َم ْن ك ّذبك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬من أ��صحاب‬
‫ال ِّنعم والتر ُّفه‪ ،‬ف أ�نا �أكفيك إ�يّاهم‪ ،‬و�أ ِّخرهم زمان ًا قليل ًا‪،‬‬
‫‪ ١٨‬يو ٌم تن�ش ُّق ال�سماء ِل ِ�ش ّدته‪ ،‬كان و ْع ُده �سبحانه‬
‫بمجيء ذلك اليوم واقع ًا لا َمحال َة‪ ،‬فهو لا يخلف وعده‪.‬‬ ‫حتى يبلغ الكتا ُب أ�ج َله‪.‬‬
‫‪� ١٩‬إ ّن هذه ا آليات الناطق َة بالوعيد عظ ٌة وعبر ٌة‪ ،‬ف َم ْن‬
‫�شاء ا َّتعظ بها وا َّتخذ طريق ًا �إلى ربه با إليمان به وطاعته‪.‬‬ ‫‪ ١٣ ١٢‬إ� ّن لدينا للكافرين في ا آلخرة قيوداً ثقال ًا‪،‬‬
‫وناراً محرق ًة‪ ،‬وطعام ًا يغ�ُّص به آ�كلوه‪ ،‬ونوع ًا آ�خر من‬

‫العذاب الموجع لا يحيط به ولا يعلم حقيقته إ�لا الله‪.‬‬

‫‪ ١٤‬هذه العقوبات واقعة بهم يوم القيامة‪ ،‬يوم‬
‫تتزلزل ا ألر�ض والجبال زلزال ًا �شديداً‪ ،‬وت�صير الجبال مع‬

‫‪574‬‬

‫وا�ستغفروا الله من التق�صير والتفريط‪ ،‬إ� ّن الله ذو مغفر ٍة‬
‫ورحمة لمن تاب من عباده وا�ستغفر‪.‬‬

‫‪ ٤ - ١‬يا أ�يها الـ ُمتل ِّفف بثيابه ‪َ -‬ع َنى النب َّي‬ ‫‪� ٢٠‬إ ّن ربك ‪ -‬يا محمد‪ -‬يعلم أ� ّنك تقوم م�ص ِّلي ًا بالليل‬
‫‪ُ -‬ق ْم قيا َم عز ٍم و ِج ٍّد ف أ�نذر النا�س عذاب الله �إن لم‬ ‫أ�ق َّل من ثلثي الليل بقليل‪ ،‬وتقوم ن�صفه أ�حيان ًا‪ ،‬و�أحيان ًا‬
‫ي�ؤمنوا‪ ،‬و ُخ�ّص ربك بالتعظيم فلا َي ْع ُظم في قلبك غيره‪،‬‬
‫ثلثه‪ ،‬و أ� َّن جماع ًة من أ��صحابك يقومون كما تقوم‪ ،‬والله‬
‫وثيا َبك فطهرها من النجا�سات‪.‬‬ ‫الذي يح ِّدد مقادير الليل والنهار طول ًا وق�صراً َع ِل َم أ�ن‬
‫لن ت�ستطيعوا �ضب َط الأوقات وتقدير ال�ساعات والقيا َم‬
‫‪ ٧ - ٥‬واث ُب ْت على َه ْجر ما ي�ؤدي إ�لى العذاب‬ ‫بما ُفر�ض عليكم فيهن‪ ،‬فخ َّف َف عنكم ور ّخ�َص لكم في‬
‫من الذنوب والقبائح‪ ،‬ولا َتنن على ربك ب أ�ن ت�ستكثر‬ ‫َت ْرك القيام المق َّدر‪ ،‬فاقر ؤ�وا أ�ثناء قيامكم الليل ما تي�َّس‬
‫عم َلك ال�صالح‪ ،‬ولوجه ربك وطل ِب ر�ضاه فا�صب ْر‬ ‫من القر�آن‪َ .‬ع ِلم �أنه �سيكون منكم مر�ضى َي ُ�ش ُّق عليهم‬
‫على أ�عباء الر�سالة وم�شا ِّق الدعوة‪ ،‬وعلى ما ينالك من‬ ‫القيام‪ ،‬و�آخرون ي�سافرون للتجارة يطلبون من رزق‬

‫التكذيب وا ألذى‪.‬‬ ‫ربهم‪ ،‬و�آخرون يجاهدون في �سبيل الله لإعلاء كلمته‪،‬‬

‫‪ ١٠ - ٨‬ف إ�ذا ُنفخ في ال ُّ�صور‪ ،‬فذلك يو ٌم �شدي ٌد‬ ‫فاقر�ؤوا ما تي�سر من القر�آن‪ ،‬و�أقيموا ال�صلاة المفرو�ضة‪،‬‬
‫على الكافرين غير ه ّي‪.‬‬
‫و أ� ُّدوا الزكاة الواجبة‪ ،‬و أ�نفقوا في �ُسبل الخيرات من‬
‫‪ِ ١٥ - ١١‬ك ْل إ�ل َّي ‪ -‬أ�يها الر�سول‪َ -‬أ� ْمر هذا الذي‬ ‫حلال �أموالكم‪ ،‬وما ُتقدموا ألنف�سكم من خي ٍر تجدوا‬
‫خلق ُته و�أخرج ُته من بطن �أمه فريداً‪ ،‬لا ما َل له ولا ولد‪،‬‬ ‫ثوابه عند الله هو خيراً مما خ َّلفتم وراءكم‪ ،‬و َأ�جز َل ثواب ًا‪،‬‬
‫وجعل ُت له مال ًا كثيراً مب�سوط ًا‪ ،‬وجعل ُت له بني َن ُح�ضوراً‬
‫معه ي أ�ن�س بهم وقد كفاهم ُو ُفو ُر النعمة ال�سف َر ب أ�نف�سهم‬ ‫‪575‬‬
‫للتجارات خار َج مكة‪ ،‬وب�سط ُت له في الجاه والرئا�سة‪،‬‬
‫ثم يرجو لحر�صه أ�ن أ�زيده‪ .‬والمراد به الوليد بن المغيرة‪.‬‬

‫‪ ١٧ ١٦‬لي�س الأم ُر كما يرجو ويتم َّنى‪ ،‬لن �أزيده‬
‫على ذلك‪� ،‬إنه كان للقر�آن جاحداً معانداً‪� ،‬س ُأ�غ�شيه‬

‫م�ش ّق ًة من العذاب لا راح َة له فيها‪.‬‬

‫‪ ٣٧ - ٣٢‬ك ّل لا يتعظون ولا يتذكرون‪�ُ .‬أق ِ�سم‬ ‫‪ ٢٠ - ١٨‬إ� َّنه ف ّكر في قو ٍل يطعن به في القر�آن‪،‬‬
‫بالقمر والليل �إذا ولّى و َذ َهب‪ ،‬وال�صب ِح إ�ذا أ��ضاء وتب ّي‪:‬‬ ‫ور َّتب في نف�سه كلام ًا وه ّي أ�ه لذلك ا ألمر‪ .‬ف ُلـ ِعـن بذلك‬
‫�إ ّن جهنم إلحدى ا ألمور ال ِعظام‪ ،‬إ�نها نذي ٌر للب�شر‪،‬‬ ‫وا�ستح َّق الهلاك‪ ،‬كيف ر ّتب هذا القول واجتر�أ على‬
‫لمن �شاء منكم �أ ْن ي�سبق إ�لى الخير فيفوز‪ ،‬أ�و يت أ� ّخر عنه‬ ‫و�صف القر�آن بما يعتقده كذب ًا؟! ثم ُلعن‪ ،‬كيف ر ّتب‬

‫فيهلك‪.‬‬ ‫ذلك القول ولم َيخف ِن ْقمة الله؟!‬

‫‪ ٤٢ - ٣٨‬ك ُّل نف�س ُمرت َهن ٌة ب�سوء عملها م أ�خوذ ٌة‬ ‫‪ ٢٥ - ٢١‬ثم �إ َّنه ر ّد َد النظر في أ�مر القر آ�ن مر ًة بعد‬
‫به‪� ،‬إ ّل �أ�صحاب اليمين ف إ�نهم َف ُّكوا رقابهم بالطاعة‪،‬‬ ‫مر ٍة‪ ،‬ثم ق َّطب وجهه حين لم يجد فيه َمطعن ًا‪ ،‬وزاد في‬
‫وهم في ب�ساتين لا ُيدرك و ْ�ص ُف نعيمها‪ ،‬ي�س�ألون‬ ‫التقطيب وال ُكلوح‪ ،‬ثم و ّلى عن ا إليمان بما أ�نزل الله‪،‬‬

‫المجرمين‪ :‬ما �أدخ َلكم في جهنم؟‬ ‫وا�ستكبر عن الإقرار بالح ّق‪ ،‬فقال‪� :‬إ َّن هذا الذي يتلوه‬
‫محمد ما هو إ�لا �سح ٌر ُيروى عن الأقدمين‪ ،‬ما هذا �إ ّل‬
‫‪ ٤٧ - ٤٣‬قال المجرمون‪ :‬ما ع َب ْدنا ر َّبنا وما �ص َّلينا‪،‬‬
‫ولا َأ�ح�س ّنا إ�لى َخلقه با إلطعام وال�صدقة كما يفعل‬ ‫كلام ال َب�َش‪ ،‬ولي�س هذا بكلام الله‪.‬‬
‫الم�سلمون‪ ،‬وك ّنا نخو�ض في الباطل ونقول ال ُّزو َر في‬
‫آ�يات الله مع الخائ�ضين في ذلك ولا نبالي‪ ،‬وك ّنا نكذب‬ ‫‪� ٣٠ - ٢٦‬س أ�ُدخله جهنم‪ ،‬و�أ ُّي �شيء �أع َلمك ما‬
‫جهنم! لا ُتبقي �شيئ ًا من لحم ولا َع َ�ص ٍب �إلا �أكلته‪،‬‬
‫بيوم البعث والجزاء حتى أ�تانا الموت‪.‬‬ ‫ُمح ِرقة للجلود وم�س ِّودة لها‪ ،‬عليها ت�سع َة ع�ش َر م َلك ًا‬

‫‪576‬‬ ‫َخ َزن ًة لها‪.‬‬

‫‪ ٣١‬وحين �سمع أ�حد الكفار أ� ّن عدد َخ َزنة النار ت�سعة‬
‫ع�شر‪ ،‬فقال‪� :‬أنا �أكفيكم �سبعة ع�شر فاكفوني اثنين‪� ،‬أنزل‬

‫الله �سبحانه‪ :‬وما جعلنا َخ َزنة النار إ�لا ملائك ًة‪ ،‬ف َمن ذا‬
‫الذي َيغلب الملائكة! وما جعلنا ِذكر َعددهم �إ ّل اختباراً‬
‫وابتلا ًء للذين كفروا‪ ،‬وليعلم �أه ُل التوراة وا إلنجيل �أ ّن‬
‫ما �أخبر به محمد ‪ - -‬من عدد ملائكة النار ح ٌّق‬
‫‪ -‬وذلك لموافقته لما في كتبهم‪ -‬ويزدا َد الذين �آمنوا‬
‫بمحمد �إيمان ًا‪ ،‬ولا ي�ش َّك الذين �ُأوتوا الكتاب والم ؤ�منون‬
‫�أ ّن ما قاله محمد ح ٌّق‪ ،‬وليقو َل الذين في قلوبهم �ش ٌّك‬
‫و َ�ضعف �إيمان والم�شركون‪� :‬أ ُّي �شي ٍء �أراد الله بهذا‬
‫العدد الم�ستغ َرب؟ ا�ستنكاراً منهم وتكذيب ًا‪ .‬وكما �أ�ض َّل‬
‫الله َم ْن أ�نك َر عدد َخ َزنة جهنم‪ ،‬وهدى َم ْن �ص ّدق به‪،‬‬
‫كذلك ُي�ضل الله الكافرين ويهدي الم ؤ�منين‪ ،‬وما َيعلم‬
‫جنو َد ر ِّبك عدداً وحقيق ًة و ُق ْدر ًة �إ ّل هو‪ ،‬وما النا ُر التي‬

‫و�صف ُتها إ� ّل تذكرة �أُذ ِّكر بها الب�شر‪.‬‬

‫ب�أ ْن يغفر لهم ما تق ّدم من الكفر والذنوب‪.‬‬

‫‪�ُ ٢ ١‬أق�سم بيوم القيامة‪ ،‬و ُ�أق�سم بالنف�س التي تلوم‬
‫�صاحبها على فعل الذنوب أ�و التق�صير في الطاعات‪:‬‬

‫ل ُتبعث ّن ثم ل ُتحا�س ُ ّب‪.‬‬

‫‪ ٤ ٣‬أ�يظ ُّن الكافر أَ� ْن َل ْن نجمع عظامه للبعث بعد‬
‫تف ُّرقها في التراب؟! بلى قادرين على �أن نعيد أ�طراف‬
‫�أ�صابعه بعد الفناء م�ستوي ًة كما كانت مع �صغرها‬

‫و َلطافتها‪ ،‬فكيف بعظامه و�سائر بدنه؟!‬

‫معا�صي‬ ‫الإن�سان �أن ي�ستم َّر في‬ ‫يريد‬ ‫‪ ٦‬بل‬ ‫لا‬ ‫‪٥‬‬
‫ا�ستهزا ٍء‬ ‫ولا يتوب‪ ،‬ي�س�أل �س ؤ�ال‬ ‫عنها‬ ‫َيرعوي‬ ‫الله‪،‬‬

‫وتكذي ٍب‪ :‬متى يوم القيامة؟‬

‫‪ ١١ - ٧‬ف�إذا تح ّي الب�صر ف َزع ًا‪ ،‬وذهب �ضو ُء‬ ‫‪ ٤٨‬فما تنفعهم �شفاع ُة ال�شافعين من النبي ِّي والملائكة‬
‫القمر‪ ،‬و ُجمع بين ال�شم�س والقمر واخت َّل نظا ُمهما‬ ‫وال�صالحين‪ ،‬ألنها للع�صاة من أ�هل التوحيد دون غيرهم‬
‫الـ َمعهود‪ ،‬يقول الإن�سان يوم تقع هذه ا ألمور‪ :‬أ�ين‬
‫الفرار من َهول ما نزل؟ ك ّل لا ملج أ� يف ُّرون �إليه‪ ،‬ولا‬ ‫ِمن الكافرين‪.‬‬

‫�شيء ينفعهم الاعت�صا ُم به‪.‬‬ ‫‪ ٥٢ - ٤٩‬فما له�ؤلاء الكفار ُي َو ّلون عن القر�آن لا‬
‫ي�ستمعون له لي َّتعظوا ويعتبروا‪ ،‬ك أ�نهم في إ�عرا�ضهم‬
‫‪� ١٥ - ١٢‬إلى ر ِّبك و ْح َده يومئ ٍذ يرجع الف�ص ُل‬ ‫ونفورهم مجموع ٌة من الـ ُح ُمر الوح�شية هربت نافر ًة‬
‫في مو�ضع قرار العباد‪ُ ،‬يدخل َم ْن ي�شاء الجنة‪ ،‬و ُيدخل‬ ‫خوف ًا ِمن أ��سد‪� .‬إنهم ُيعر�ضون لا ل�سب ٍب ُيو ِجب‬
‫َم ْن ي�شاء النار‪ُ .‬يخ َب ك ُّل �إن�سان يومئ ٍذ بجميع �أعماله‬ ‫الإعرا�ض‪ ،‬بل ألن كل واحد منهم يطمع أ� ْن ينزل عليه‬
‫�صغيرها وكبيرها‪ ،‬ما ق ّدم منها في �أ ّول عمره‪ ،‬وما �أ ّخر‬
‫في �آخره‪ .‬بل ا إلن�سان �شا ِه ٌد على نف�سه‪ ،‬عالـ ٌم بما فعله‬ ‫كتا ٌب من�شو ٌر من ال�سماء حتى ي ؤ�من‪.‬‬
‫‪ ٥٣‬ك ّل �إنهم لو ُأ�وتوا �صحف ًا من�َّشة كما �س�ألوا َلـ َما‬
‫ولو اعتذ َر ك َّل عذ ٍر‪.‬‬ ‫�آمنوا؛ ألنهم لا يخافون عذاب ا آلخرة‪ ،‬و ُي�ص ُّرون على‬

‫تلتح أ�ِّر ْخكذه‪ -‬يعال مى َحعمَجدل ٍة‪ -‬بخالوقف ًار�آ�أننلي�نسفالنكت‬ ‫‪ ١٩ -‬لا‬ ‫‪١٦‬‬ ‫الكفر بالبعث والجزاء‪.‬‬
‫أ� ْن َيت َّم و ْح ُيه‪،‬‬ ‫قبل‬
‫‪ ٥٦ - ٥٤‬ح ّق ًا إ� ّن هذا القر آ�ن ل ِعظ ٌة عظيم ٌة‪ ،‬ف َم ْن‬
‫منك‪ ،‬إ� ّن علينا جم َعه في �صدرك‪ ،‬و إ�ثبا َت قراءته في‬ ‫�شاء ا َّتع َظ به وانتف َع‪ ،‬وما ي ّتعظون إ� ّل أ� ْن ي�شاء الله لهم‬
‫ل�سانك‪ ،‬ف إ�ذا قر أ�ه عليك جبريل فا�ستمع قراءته و�أن�صت‬ ‫الهداية‪ ،‬هو �سبحانه َحقي ٌق أ� ْن ي ّتقيه عبا ُده‪ ،‬وهو َحقي ٌق‬

‫كما َ�أ ْقر أ�ك �إ ّياه‪،‬‬ ‫فاقر أ�ه‬ ‫في قلبك‪ ،‬ف�إذا َفرغ‬ ‫حتى َي ْر�َسخ‬ ‫‪577‬‬
‫�شيء من معانيه‬ ‫عليك‬ ‫بيا َنه لك‪� ،‬إذا أَ��ش َكل‬ ‫ثم �إ ّن علينا‬

‫و أ�حكامه‪.‬‬

‫‪� ٢‬إ ّنا خلقنا ا إلن�سان من نطفة مل َّقحة امتزج ْت فيها‬ ‫‪ ٢٥ - ٢٠‬ح ّق ًا �إنكم ‪� -‬أيها الكفار‪ -‬تختارون الدنيا‬
‫العنا�صر الوراثية الكامنة في خلية الذكر وبوي�ضة الأنثى‪،‬‬ ‫على الآخرة فلا تعملون لها‪ ،‬والنا� ُس يوم القيامة فريقان‪:‬‬
‫لنختبره بالتكليف‪ ،‬وجعلناه �سميع ًا ب�صيراً‪ ،‬ليتمكن من‬ ‫فري ٌق و ُجوه �أه ِله به ّي ٌة م�شرق ٌة م�سرور ٌة‪ُ ،‬مطا ِلع ٌة جما َل‬
‫ر ِّبها م�ستغرق ٌة في ذلك‪ ،‬وه�ؤلاء هم الم ؤ�منون‪ ،‬وفريق‬
‫م�شاهدة الدلائل وا�ستماع الآيات‪.‬‬ ‫كافرون وجوههم كالح ٌة �شديدة ال ُعبو�سة‪ ،‬ي�ستيقنون أ� ْن‬

‫‪ ٣‬إ� ّنا ب ّينا ل إلن�سان �سبي َل الحق والباطل‪ ،‬والهدى‬ ‫ُيفعل بهم �أم ٌر عظي ٌم ِمن العذاب‪.‬‬
‫وال�ضلالة‪ ،‬وع ّرفناه طريق الخير وطريق ال�شر‪ ،‬ف إ� ّما �أ ْن‬ ‫‪ ٣٠ - ٢٦‬ارت ِدعوا عن إ�يثار الدنيا على ا آلخرة‪،‬‬
‫يهتدي �إلى ربه فيكون م ؤ�من ًا به �شاكراً له‪ ،‬و إ� ّما أ� ْن‬ ‫وتن َّبهوا ِلـما بين �أيديكم من الموت الذي تنقطع عنده‬
‫العاجلة وتنتقلون �إلى الآخرة‪ .‬إ�ذا بلغت الرو ُح أ�عالي‬
‫ُيعر�ض فيكون كافراً به كثير الجحود لنعمته‪.‬‬ ‫ال�صدر‪ ،‬وقال الحا�ضرون‪َ :‬م ْن َيرقيه مما به وينجيه؟‬
‫وتي َّقن الـ ُمحت َ�ض أ� ّن هذا الذي نزل به هو فراق الدنيا‬
‫‪� ٤‬إ ّنا ه ّي�أنا في جهنم للكافرين �سلا�سل يقادون بها‪،‬‬ ‫المحبوبة‪ ،‬والت ّفت ِ�ش َّدة َك ْرب الموت ب�ش َّدة الإقبال على‬
‫و�أغلال ًا ُيق َّيدون بها‪ ،‬وناراً مو َقد ًة بها ُيحرقون‪.‬‬
‫ا آلخرة‪� ،‬إلى ربك يومئ ٍذ �َسو ُقه و ُحكمه‪.‬‬
‫‪ ٥‬إ� ّن الم�ؤمنين ال�صادقين في إ�يمانهم المطيعين لربهم‬
‫ي�شربون في الجنة من ك ؤ�و�س خم ٍر كان ِمزاجها كافوراً؛‬ ‫‪ ٣٣ - ٣١‬فلا �ص َّدق الكاف ُر بكتاب الله ولا �ص ّلى‬
‫له �صلا ًة‪ ،‬ولكنه ك ّذب بالقر�آن‪ ،‬وتو ّلى عن الطاعة‪ ،‬ثم‬
‫فهي خم ٌر باردة لذيذة طيبة الرائحة‪.‬‬
‫ذه َب إ�لى �أهله يتبختر في ِم�شيته إ�عجاب ًا‪.‬‬
‫‪578‬‬
‫‪ ٤٠ - ٣٤‬وي ٌل لك فوي ٌل لك‪ ،‬ثم ويل لك فوي ٌل‬
‫لك‪ ،‬أ� َي ُظ ُّن الإن�سان �أن ُيترك ُمه َمل ًا ِم ْن غير تكلي ٍف ولا‬
‫بعث ولا ح�ساب ولا جزاء؟! كيف يليق به أ�ن يتكبر‬
‫عن الطاعة وينكر البعث‪ ،‬وقد كان نطفة َمن ٍّي ُتلقى في‬
‫الرحم‪ ،‬ثم �صار قطع َة د ٍم جام ٍد متع ِّلقة بالرحم‪ ،‬ثم خلق‬
‫الله منه ب�شراً �َس ِوي ًا‪ ،‬بع�ضه من جن�س الذكور وبع�ضه من‬
‫جن�س ا إلناث‪� ،‬ألي�س ذلك الذي أ�ن�ش�أ هذا ا إلن�شاء البديع‬

‫بقاد ٍر على ا إلعادة بعد الموت؟‬

‫‪ ١‬قد م�ضى على ك ِّل إ�ن�سان أ�وجدناه زما ٌن طوي ٌل لم‬
‫يكن �شيئ ًا مذكوراً‪ ،‬بل كان معدوم ًا لا ِذ ْكر له‪.‬‬

‫ب�صبرهم على طاعته أ� ْن أ�دخلهم الجنة و أ�لب�سهم الحرير‪.‬‬

‫‪ ١٤ ١٣‬م ّتكئين في الجنة على ال�ُّ ُسر‪ ،‬لا يرون فيها‬
‫�إلا هوا ًء معتدل ًا‪ ،‬لا هو بالحا ِّر‪ ،‬ولا هو بالبارد‪ ،‬وتتد َّلى‬
‫عليهم ظلال أ��شجارها فهي قريب ٌة منهم‪ ،‬و�ُس ِّخرت‬
‫لهم ثما ُرها ت�سخيراً؛ يتناولون منها كيف �شا ؤ�وا قعوداً‬

‫وقيام ًا وم ّتكئين‪.‬‬

‫‪ ١٦ ١٥‬و ُيطاف على ه ؤ�لاء ا ألبرار ب�آنية من ف�ضة‬
‫و أ�كوا ٍب لها بيا�ُض الف�ضة و�صفا ُء الزجاج‪ ،‬قد و�ضع‬
‫الطائفون بهذه ا ألكواب ال�شرا َب على َق ْدر ِر ِّي ه ؤ�لاء‬

‫ا ألبرار و َق ْد ِر َر ْغبتهم‪ ،‬لا يزيد عن ذلك ولا ينق�ص‪.‬‬
‫‪ ١٩ - ١٧‬و ُي�سقى ه ؤ�لاء ا ألبرار في الجنة خمراً‬
‫ممزوج ًة بالزنجبيل‪ ،‬من عين فيها �شرا ُبها ط ِّيب �سه ُل‬
‫الـ َم�ساغ ُت�س ّمى �سل�سبيل ًا‪ .‬ويطوف عليهم غلمان‬
‫دائمون على ما هم عليه من ال ِّ�صغر والبهاء‪� ،‬إذا ر�أي َتهم‬
‫ظنن َتهم لـ ُح�سنهم وانت�شارهم في الخدمة ل ؤ�ل ؤ�اً منثوراً‪.‬‬

‫‪ ٢٠‬و�إذا نظر َت ‪ -‬يا محمد‪ -‬ما أ�عطي ُت ه ؤ�لاء‬ ‫‪ ٦‬وذلك الكافور تجري به عي ٌن ي�شرب منها عباد‬
‫ا ألبرار في الجنة ر�أي َت نعيم ًا عظيم ًا‪ ،‬و ُملك ًا وا�سع ًا كبيراً‪.‬‬ ‫الله‪ُ ،‬يـ ْجـ ُرونها حيث �شا�ؤوا ِم ْن منازلهم في الجنة �إجرا ًء‬

‫‪ ٢١‬تعلوهم ثيا ُب الحرير ال ُخ ْ�ض ما ر َّق منه وما َغ ُل َظ‪،‬‬ ‫�سهل ًا لا َيتنع عليهم‪.‬‬
‫وحل ّاهم ربهم أ��ساور ِمن ف�ضة‪ ،‬و�سقاهم ر ُّبهم �شراب ًا‬
‫طاهراً من َّزه ًا ع ّما في غيره وعما ُيف�ضي �إليه غيره من‬ ‫‪ُ ٧‬ر ِز َق ا ألبرا ُر هذا الف�ضل؛ ألنهم كانوا يوفون بما‬
‫نذروا من طاعات ‪ -‬و َم ْن كان كذلك فهو �أ�ش ُّد وفاء بما‬
‫الخباثة وال ِّرج�س‪.‬‬ ‫أ�وجبه الله عليه‪ -‬ويخافون يوم ًا كان عذابه �شديداً ممتداً‬

‫�إ ّن‬ ‫له ؤ�لاء الأبرار‪:‬‬ ‫النيعقيوملكاجن ّللك ِذمك ُرهجزا ًءح ِيلنـئمٍذا‬ ‫‪٢٢‬‬ ‫لا ُيدرك مداه‪.‬‬
‫من‬ ‫عملتم في الدنيا‬ ‫هذا‬
‫‪ ١٠ - ٨‬و ُيط ِعمون الطعام مع الا�شتهاء والحاجة‬
‫ال�صالحات‪ ،‬وكان عم ُلكم فيها محموداً مقبول ًا‪.‬‬ ‫إ�ليه فقيراً عاجزاً عن الك�سب‪ ،‬ويتيم ًا محتاج ًا‪ ،‬و�أ�سيراً‬
‫�أ َّي أ��سير كان‪ ،‬قائلين إ�ذا هم أَ�طعموهم‪ :‬إ�نما نطعمكم‬
‫‪� ٢٥ - ٢٣‬إنا نحن ن ّزلنا عليك ‪ -‬أ�يها النبي‪ -‬القر�آن‬ ‫طلب ًا لر�ضا الله‪ ،‬لا نريد منكم هدي ًة على ذلك ولا ثواب ًا‪،‬‬
‫مف ّرق ًا ولم ُن ْنزله جمل ًة واحد ًة‪ِ ،‬لـ ِح َكم اقت�ض ْت ذلك‪،‬‬ ‫إ� ّنا نخاف من ربنا عقوب َة يو ٍم �شدي ِد الهول‪َ ،‬تعب�س فيه‬
‫فا�صب ْر على تبليغ ر�سالة ربك‪ ،‬وما َك َّلفك به‪ ،‬وتح ّم ْل‬ ‫الوجوه‪ ،‬ويطول بلا�ؤه وي�شت ُّد؛ فنرجو أ�ن ي ؤ�َمننا بذلك‪.‬‬
‫أ�ذى الم�شركين‪ ،‬ولا ُتطع منهم فاجراً أ�و م�ستغرق ًا في‬
‫الكفر وال�ضلال فيما يريد ِمن �ص ِّدك عن تبليغ ما �ُأنزل‬ ‫‪ ١٢ ١١‬ف�صانهم الله من �شدائد ذلك اليوم‪،‬‬
‫�إليك‪ ،‬وتوكل على ربك ف�إنه نا�ص ُرك‪ ،‬وا�ستع ْن على‬ ‫و�أعطاهم ُح�سن ًا في الوجوه وفرح ًا في القلوب‪ ،‬و أ�ثابهم‬

‫ذلك بالإكثار من ذكر الله تعالى أ� ّو َل النهار و آ�خره‪.‬‬

‫‪579‬‬

‫‪ ٢٦‬و أ�كثر ‪� -‬أيها النبي‪ -‬من ال�صلاة لله ليل ًا و�س ِّبحه‬
‫فيه زمن ًا طويل ًا‪.‬‬

‫‪� ٢٧‬إ ّن ه ؤ�لاء الكفار ي�ْؤ ِثرون العاجل َة على ا آلخرة‪،‬‬
‫ويتركون خ ْلف ظهورهم يوم ًا �شديد الهول ‪ -‬يوم‬

‫القيامة‪ -‬لا يعملون له‪.‬‬

‫‪ ٢٨‬نحن خلقناهم و أَ� ْح َكمنا خ ْلقهم‪ ،‬و�إذا �شئنا‬
‫أ�هلكناهم و�أتينا ب ُ�أنا�س آ�خرين بدل ًا منهم‪.‬‬

‫‪ ٢٩‬إ� ّن هذه ال�سورة تذكي ٌر وموعظ ٌة‪ ،‬ف َم ْن �شاء ا َّتخذ‬
‫إ�لى ر�ضاه تعالى �سبيل ًا‪ ،‬با إليمان والتق ُّرب �إليه بطاعته‪.‬‬

‫‪ ٣٠‬وما ت�شا ؤ�ون ذلك �إ ّل �أ ْن ي�شاءه الله‪ ،‬إ� ّن الله كان‬
‫عليم ًا بخلقه‪ ،‬حكيم ًا في فعله‪.‬‬

‫‪ ١٥ - ٨‬ف�إذا النجو ُم ذ َهب نو ُرها‪ ،‬و إ�ذا ال�سما ُء‬ ‫‪ُ ٣١‬يدخل َم ْن ي�شاء في جنته وهم الم ؤ�منون‪ ،‬و أ� ّما‬
‫ان�ش ّقت‪ ،‬و إ�ذا الجبال ُد َّكت ف�صارت تراب ًا ُمف َّرق ًا‪،‬‬ ‫الكافرون الذين و�ضعوا العبادة في غير مو�ضعها فقد‬
‫و�إذا ال ُّر�ُس ُل ُجعل لها وق ٌت معلو ٌم فحان ذلك الوقت‬
‫و ُجمع ْت لل�شهادة على �ُأممها‪ ،‬ما أ�عظ َم ذلك اليوم الذي‬ ‫�أع ّد لهم عذاب ًا م�ؤ ِلـم ًا مو ِجع ًا‪.‬‬
‫أ�ُ ِّخر ْت له الر�سل وما أ��ش َّد هوله! إ�نه يوم يف�صل الله فيه‬
‫بين خلقه بالحق‪ ،‬و أ� ُّي �شيء أ�دراك ‪ -‬يا محمد‪ -‬ما يوم‬ ‫‪�َ ٦ - ١‬أ ْق�س َم �سبحانه في هذه ا آليات بطوائ َف‬
‫الف�صل؟! هلا ٌك وخز ٌي يومئ ٍذ للمك ِّذبين بذلك اليوم‪.‬‬ ‫من الملائكة �أر�سله َّن ب أ�وامره متتابعة‪ ،‬ف َع َ�ص ْف َن َع ْ�ص َف‬
‫الرياح في امتثال أ�مره‪ ،‬و َن�َ ْشن في ال�سماوات وا ألر�ض‬
‫‪ ١٩ - ١٦‬أ�لـ ْم ُنهلك الأم َم الخالي َة المك ِّذبة للمر�سلين‪،‬‬ ‫�أم َر ربهم وتدبيره‪ ،‬وما �شاء من رحمته أ�و عذابه‪ ،‬ف َف َر ْقن‬
‫ثم نفعل ب أ�مثالهم في الكفر والتكذيب كما فعلنا بهم؟‬ ‫بين الحق والباطل‪ ،‬ف أ�لقي َن �إلى ال ُّر�سل ِذكراً؛ إ�عذاراً من‬
‫كذلك نفعل بكل كافر مجرم‪ ،‬وي ٌل يومئ ٍذ للمك ِّذبين‬
‫الله �إلى خلقه‪ ،‬و إ�نذاراً منه لهم‪.‬‬
‫ب�آيات الله ور�سله‪.‬‬
‫‪ ٧‬إ� ّن ما َتو َعدون به من �أمر القيامة لكائ ٌن لا َريب‬
‫فيه‪.‬‬

‫‪580‬‬

‫‪� ٣٤ - ٣٢‬إ ّن جهنم يتطاير منها �ش َر ٌر عظيم كالبناء‬ ‫‪ ٢٤ - ٢٠‬أ�لـ ْم َن ْخ ُل ْقكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬من ُنطف ٍة‬
‫العالي‪ ،‬ك�أ ّنه في لونه وكثرته وتتابعه وحركته في تطايره‬ ‫�ضعيف ٍة‪ ،‬فجعلنا هذه النطفة في رح ٍم ت�ستق ُّر فيه‬
‫جماعات من ِجما ٍل �ُسود َت ُ�شوب �سوا َدها ُ�ص ْفرة‪،‬‬ ‫وتتم َّكن‪� ،‬إلى وق ٍت معلوم ق ّدره الله للولادة‪ ،‬ف َق َد ْرنا‬
‫وي ٌل يوم القيامة للمك ِّذبين بالنار وبما و�صفها الله به من‬ ‫أ�طوار خلق ا إلن�سان وتكوينه ف ِنعم القادرون نحن؟ وي ٌل‬
‫يومئ ٍذ للمك ِّذبين بالبعث!‪� ،‬أ َل يعلمون �أ َّن القادر على‬
‫الأو�صاف‪.‬‬
‫الخلق ابتدا ًء قادر على إ�عادته؟‬
‫‪ ٣٧ - ٣٥‬هذا يوم القيامة الذي لا ينطق فيه‬
‫المك ِّذبون به ب�شيء ينفعهم‪ ،‬ولا ي ؤ�ذن لهم في الاعتذار‬ ‫‪ ٢٨ - ٢٥‬أ�لـ ْم نجعل الأر�َض وعا ًء؛ ت�ضم ا ألحياء‬
‫فيعتذرون‪ ،‬وي ٌل يومئذ للمكذبين بهذا اليوم؛ إ�ذ لا ِح ْي َل َة‬ ‫على ظهرها والأموات في بطنها‪ ،‬وجعلنا فيها جبال ًا‬
‫ثوابت مرتفعا ٍت‪ ،‬و أ��سقيناكم ما ًء َع ْذب ًا؟ وي ٌل يومئ ٍذ‬
‫لهم في التخ ُّل�ص من العذاب‪.‬‬
‫للمك ِّذبين بهذه ال ِّنعم‪.‬‬
‫‪ ٤٠ - ٣٨‬هذا يوم الف�صل بين الـ ُمح�سن والـ ُم�سيء‬
‫في الحكم والجزاء‪ ،‬ج َم ْعناكم يا مك ِّذبي هذه الأمة و َم ْن‬ ‫‪ ٣١ - ٢٩‬يقول الح ُّق �سبحانه يوم القيامة للمك ّذبين‬
‫ك ّذب با ألنبياء من ا ألمم الما�ضية‪ ،‬ف إ� ْن كانت لكم حيل ٌة‬ ‫بال ِّنعم والـ ُحجج التي احت َّج عليهم بها‪�ِ :‬سيروا إ�لى ما‬
‫في تخلي�ص أ�نف�سكم من العذاب ف أْ�توا بها‪ ،‬وي ٌل يومئ ٍذ‬ ‫كنتم به تك ِّذبون ِمن العذاب‪�ِ ،‬سيروا �إلى ظ ٍّل عظيم من‬
‫دخان النار مرتف ٍع مت�ش ِّعب ثلا َث �ُش َعب‪ ،‬لا ُي ِظ ُّل من ح ِّر‬
‫للمك ِّذبين بالبعث‪.‬‬
‫ذلك اليوم‪ ،‬ولا َير ُّد لهي َب جهنم‪.‬‬
‫‪� ٤٥ - ٤١‬إ ّن الذين اتقوا عقا َب ربهم بتوحيده‬
‫و أ�داء فرائ�ضه واجتناب معا�صيه في ظلا ٍل ظليل ٍة لا‬ ‫‪581‬‬
‫ي�صيبهم ح ٌّر ولا َق ٌّر‪ ،‬وفي عيو ٍن جاري ٍة وفواك َه كثير ٍة‬
‫مما ت�شتهيه أ�نف�سهم‪ ،‬يقال لهم على �سبيل الإكرام‪ُ :‬كلوا‬
‫وا�شربوا هنيئ ًا‪ ،‬لا تنغي�ص فيه‪ ،‬جزا ًء بما كنتم تعملون في‬
‫الدنيا من الطاعات‪ ،‬هكذا نجزي َم ْن أ�ح�سن العمل‪ ،‬ويل‬
‫يومئذ للمكذبين؛ حيث �صاروا إ�لى الخلود في العذاب‬

‫العظيم‪ ،‬و�صار الم�ؤمنون �إلى النعيم المقيم‪.‬‬

‫‪ ٤٧ ٤٦‬قل له ؤ�لاء الكفار تهديداً لهم‪ :‬كلوا وتمتعوا‬
‫قليل ًا في هذه الدار‪ ،‬ف إ� ّن م�صيركم �إلى الحرمان والخلود‬
‫في العذاب �إنكم كافرون‪ ،‬وي ٌل يومئذ للمك ِّذبين؛ حيث‬

‫ع ّر�ضوا أ�نف�سهم للعذاب المقيم بالتمتع القليل الزائل‪.‬‬
‫‪ ٥٠ - ٤٨‬و إ�ذا قيل له�ؤلاء الج َهلة من الكفار‪:‬‬
‫اخ�شعوا لله وتوا�ضعوا له وا َّتبعوا دينه‪ ،‬لا يخ�شعون ولا‬
‫يقبلون ذلك‪ ،‬وي ٌل يومئذ للذين ك َّذبوا ر�سل الله ولم‬
‫يقبلوا ما جا�ؤوا به من ا ألوامر والنواهي‪ ،‬فب أ� ِّي حدي ٍث‬
‫بعد هذا القر آ�ن ‪ -‬وقد ك ّذبتم به مع و�ضوح برهانه‬

‫وظهور �إعجازه‪ُ -‬ت�ص ِّدقون؟!‬

‫وتتخا�صم فيما‬ ‫قري�ش تتجادل‬ ‫‪ ١‬لـ ّما جعل ْت‬
‫البعث بعد الموت‬ ‫‪ِ - -‬من �أمر‬ ‫�أنذرهم به ر�سول الله‬

‫والجزاء‪ ،‬قال الله �سبحانه لنب ِّيه‪ :‬عن �أ ِّي �شي ٍء يت�ساءل‬
‫ه�ؤلاء الم�شركون ويخت�صمون؟‬

‫‪ ٣ ٢‬يت�ساءلون عن الخبر العظي ِم ال�ش�أ ِن‪ ،‬خب ِر‬
‫البعث الذي اختلفوا فيه؛ فمنهم الجازم با�ستحالته‬

‫ومنهم ال�ّشا ُّك فيه‪.‬‬

‫‪ ٥ ٤‬ف ْليرتدعوا ع ّما هم عليه من الت�سا ؤ�ل �إنكاراً‬
‫وا�ستهزا ًء‪ ،‬ف�سيعلمون حقيق َة الحال حيث يرون البع َث‬
‫أ�مراً واقع ًا‪ ،‬و�سيعلمون ما َيح ُّل بهم من العذاب وال َّنكال‬

‫على �إنكارهم‪.‬‬

‫�سبحانه يب ِّي �أ�شيا َء من عجائب‬ ‫‪ ٧‬ثم �ش َر َع‬ ‫‪٦‬‬
‫على ِع َظم قدرته تعالى وحكمته‪،‬‬ ‫لي�ستد ُّلوا بها‬ ‫�صنائعه‬

‫يوم ُينفخ في ال�صور للقيام من القبور فت�أتون جماعا ٍت‬ ‫و�أنه قادر على البعث بعد الموت‪ ،‬فقال تعالى‪� :‬ألـ ْم نجعل‬
‫مختلف ًة‪ ،‬و�ُش ِّققت ال�سما ُء لنزول الملائكة فكانت ذات‬ ‫ا ألر�َض مهي�أ ًة للخلائق منا�سب ًة للحياة عليها‪ ،‬والجبا َل‬
‫�أبوا ٍب و ُط ُر ٍق‪ ،‬و�ُس ِّيت الجبال بعد ن�سفها فكانت �سراب ًا‬
‫مث ِّبت ًة لها حافظة لتوازنها تمنعها من الا�ضطراب ب�أهلها؟‬
‫لا وجود لها‪ ،‬كما �أن ال�سراب كذلك‪.‬‬
‫‪ ١١ - ٨‬وخلقناكم ذكوراً و إ�ناث ًا‪ ،‬وجعلنا بينكم‬
‫‪� ٢٣ - ٢١‬إ ّن جهنم كانت ُمتر ِّقب ًة‪ ،‬لا تدع أ�حداً من‬
‫الذين تجاوزوا الح َّد في الظلم والع�صيان يفل ُت من الم�صير‬ ‫مود ًة ورحم ًة‪ ،‬حفظ ًا للن�سل وتحقيق ًا للت�سا ُكن؟ وجعلنا‬
‫إ�ليها والا�ستقرار فيها دهوراً طويلة متتابعة لا نهاية لها‪.‬‬ ‫نومكم راح ًة ألبدانكم؟ وجعلنا اللي َل �ساتراً ت�ستركم‬
‫ظلم ُته وت�ساعدكم على ال�س َكن والراحة و َت ْرك ال�سعي‬
‫‪ ٢٦ - ٢٤‬لا يجدون فيها بر َد ري ٍح ُيخ ِّفف عنهم‪،‬‬ ‫والحركة؟ وجعلنا النها َر وق َت معا� ٍش تتقلبون فيه في‬
‫ولا �شراب ًا يقطع عط�شهم‪ ،‬لك ْن ي�شربون ما ًء حاراً يحرق‬
‫كل ما ي أ�تي عليه‪ ،‬و�صديداً مما َي�سيل من �أج�سادهم‪،‬‬ ‫مكا�سبكم وحوائجكم؟‬

‫ُجوزوا بذلك جزا ًء موافق ًا ألعمالهم‪.‬‬ ‫‪ ١٣ ١٢‬وبنينا فوقكم �َس ْب َع �سماوات متين َة التكوين‬
‫‪� ٣٠ - ٢٧‬إ ّنهم كانوا لإنكارهم البع َث لا يخافون‬ ‫ُمح َكم َة البناء؟ وجعلنا لكم فيها �شم�س ًا م�ضيئ ًة و َّقاد ًة؟‬
‫ح�ساب ًا‪ ،‬وك ّذبوا بالقر�آن تكذيب ًا‪ ،‬وك ّل عم ٍل من �أعمال‬ ‫‪ ١٦ - ١٤‬و�أنزلنا من ال�ُّس ُحب التي حا َن لها أ�ن‬
‫العباد �أثبتناه في اللوح المحفوظ لنجزيهم عليه‪� ،‬إ ْن خيراً‬ ‫تمطر ما ًء من�ص ّب ًا بكثرة؛ ل ُنخرج بهذا الماء الكثير المبارك‬
‫فخي ٌر‪ ،‬و إ� ْن �ش ّراً ف�ش ٌّر‪ ،‬يقال للكفار يوم القيامة‪ :‬ذوقوا‬ ‫ح ّب ًا كالقمح وال�شعير‪ ،‬وكلأً‪ ،‬وب�ساتين ملت ّف َة ا أل�شجار؟‬
‫‪� ٢٠ - ١٧‬إ ّن يوم الف�صل بين الخلائق كان في‬
‫جزاءكم‪ ،‬فلن نزيدكم إ�لا عذاب ًا فوق عذابكم‪.‬‬ ‫علمه وتقديره �سبحانه ميعاداً ِل َب ْع ِث ا أل ّولين والآخرين‬
‫وح�سابهم مح ّدداً بوقت لا يتق َّدم عليه ولا يت�أخر‪،‬‬
‫‪582‬‬

‫‪ 39‬ذلك يوم القيامة الواق ُع لا َمحالة‪ ،‬ف َم ْن �شاء ا ّتخذ‬
‫إ�لى ربه َم ْرجع ًا بالعمل ال�صالح‪.‬‬

‫‪� 40‬إ ّنا أ�نذرناكم ‪ -‬أ�يها الكافرون المك ِّذبون بالبعث‪-‬‬
‫عذا َب يوم القيامة القري َب ُوقوعه‪ ،‬يو َم ي�شاهد الـ َمر ُء‬
‫ما ق ّدم ْت يداه من خي ٍر �أو �ش ٍّر‪ ،‬ويتم ّنى الكافر �أن يكون‬

‫تراب ًا‪ ،‬فلا ُيحا�َسب ولا ُيجازى‪.‬‬

‫‪ 5 - 1‬أَ�ق َ�سم الله �سبحانه بطوائ َف من الملائكة‬ ‫‪ 35 - 31‬وبعد بيان �ُسوء أ�حوال الكفار �ش َر َع اللهُ‬
‫تنزع �أرواح الكفار من أ�قا�صي ال َب َدن نزع ًا �شديداً‪،‬‬ ‫تعالى يب ِّي ُح�س َن أ�حوال الم ؤ�منين فقال‪� :‬إ ّن للمتقين نجا ًة‬
‫وبطوائ َف ُتخرج �أروا َح الم ؤ�منين ب ِر ْفق و ُي�سر‪ ،‬وبطوائ َف‬ ‫من كل مكروه وفوزاً بكل محبوب‪ :‬ب�ساتين فيها أ�نواع‬
‫َت�ْس َب ُح في ُم ِ�ض ِّيها م�سرع ًة‪ ،‬فت�سبق �إلى ما �ُأر�سلت �إليه‬ ‫الأ�شجار المثمرة والكروم‪ ،‬وجوار َي نواهد م�ست ِويا ٍت‬
‫تدبيراً لأمر ربها فيه‪َ� ،‬أق�سم �سبحانه بهذه الطوائف من‬ ‫في ال�س ِّن‪ ،‬وك أ��س ًا مملوء ًة متتابع ًة على �شاربيها‪ ،‬لا‬

‫الملائكة على قيام ال�ساعة والبعث‪.‬‬ ‫ي�سمعون في تلك الجنة باطل ًا من القول ولا كذب ًا‪.‬‬

‫‪ 9 - 6‬يو َم ُتزلزل الأر�ُض والجبا ُل زلزال ًا عنيف ًا‬ ‫‪ 37 36‬جزاهم ر ُّبك بذلك تف ُّ�ضل ًا منه‪ ،‬وحا�سبهم‬
‫للنفخة ا ألولى‪ ،‬تتبعها نفخ ٌة أ�خرى بعدها ل َب ْع ِث يوم‬ ‫ح�ساب ًا كريم ًا‪ ،‬ر ّب ال�سماوات ال�سبع وا ألر�ض وما بينهما‬
‫القيامة‪ .‬قلو ٌب يومئ ٍذ خا ِفق ٌة م�ضطرب ٌة من ِ�ش ّدة الفزع‪،‬‬ ‫من الخلق‪ ،‬الذي �ش ِمل ْت رحم ُته ك َّل �شيء‪ ،‬لا يملك �أه ُل‬
‫ال�سماوات وا ألر�ض وما بينهما الاعترا�َض عليه في‬
‫أ�ب�صا ُر أ��صحابها ذليل ٌة لهول ما ترى‪.‬‬
‫‪ 12 - 10‬يقول منكرو البعث في الدنيا ا�ستبعاداً‬ ‫ثوا ٍب �أو عقا ٍب ألنهم مملوكون له على ا إلطلاق‪.‬‬
‫و�إنكاراً‪ :‬أ�نعود بعد الموت �أحيا ًء كما كنا؟ أ� ُنر ُّد للحياة‬
‫بعد �أن ِ�صنا عظام ًا بالي ًة؟ قالوا ا�ستهزا ًء‪� :‬إ ْن �ص َّحت‬ ‫‪ 38‬يوم يقوم جبريل والملائكة م�صط ِّفين‪ ،‬لا يتكلم‬
‫الخلق يومئ ٍذ �إجلال ًا لعظمة الله �سبحانه �إلا َم ْن أ�َذن له‬
‫تلك العود ُة و ُب ِعثنا فنحن �إ َذ ْن خا�سرون لتكذيبنا به‪.‬‬
‫الرحمن في الكلام‪ ،‬وقال ح ّق ًا‪.‬‬
‫‪ 14 13‬يقول الح ُّق �سبحانه‪ :‬لا تظنوا تلك ال َّرجعة‬
‫�صعب ًة على الله تعالى‪ ،‬فما هي �إ ّل �صيحة واحدة‬ ‫‪583‬‬
‫‪ -‬النفخة الثانية‪ -‬ف�إذا هم أ�حياء على وجه ا ألر�ض بعدما‬

‫كانوا أ�موات ًا في جوفها‪.‬‬

‫‪� 15‬ألي�س قد أ�تاك ‪ -‬يا محمد‪ -‬خب ُر مو�سى ف ُي�س ِّليك‬
‫عن تكذيب قومك‪ ،‬و ُت ِّذرهم ِم ْن �أَ ْن ي�صيبهم ما أ��صاب‬

‫َم ْن هو �أقوى منهم؟‬

‫‪ 39 - 37‬ف�أ ّما َمن جاوز الح َّد فكفر‪ ،‬وانهمك في‬ ‫‪ 19 - 16‬حين ناداه ر ُّبه بوادي ُطوى المبارك‬
‫الدنيا و�شهواتها‪ ،‬ولم ي�ستع َّد للآخرة با إليمان والطاعة‪،‬‬ ‫المق َّد�س‪� ،‬أ ِن اذه ْب إ�لى فرعون إ� ّنه تجاوز الح َّد في الكفر‬
‫والف�ساد‪ ،‬فقل له‪ :‬هل لك َمي ٌل إ�لى أ�ن تتطهر ِمن ال�شرك‬
‫ف إ� ّن الجحيم هي م�أواه ومنزله يوم القيامة‪.‬‬ ‫والع�صيان‪ ،‬و�ُأر�شدك إ�لى معرفة ربك فتخ�شى عقابه‬

‫‪ 41 40‬و�أ ّما َمن َعلم أ� ّن له وقوف ًا بين يدي ربه‬ ‫ب أ�داء الواجبات و َت ْرك المح َّرمات؟‬
‫للح�ساب‪ ،‬و َز َجر نف َ�سه عن ا ّتباع هواها فيما ُيغ�ضب‬
‫‪ 25 - 20‬فذهب مو�سى إ�لى فرعون ف�أراه الآية‬
‫الله وخالفها‪ ،‬ف إ� ّن الجنة َمرجعه يوم القيامة‪.‬‬ ‫الكبرى ‪ -‬وهي الع�صا واليد‪ -‬فك ّذب فرعو ُن مو�سى‬
‫‪ 46 - 42‬ي�س أ�لك ‪ -‬يا محمد‪ -‬ه ؤ�لاء الكفار عن‬ ‫بعد ظهور ا آلية وتم ّرد وتج ّب‪ ،‬ثم �أ ْع َر�ض عن ا إليمان‬
‫ال�ساعة‪ :‬متى وقوعها وقيامها؟ أ�نت لا ِعل َم لك بوقتها‬ ‫�ساعي ًا في إ�بطال أَ� ْمر مو�سى‪ ،‬و َج َمع جنوده و�أهل مملكته‬
‫حتى تخبرهم به‪ ،‬إ�لى ر ِّبك وحده منتهى ِع ْل ِمها‪ ،‬ولم‬ ‫ونادى فيهم‪� :‬أنا ر ُّبكم ا ألعلى لا ر َّب فوقي‪ ،‬فانتق َم الله‬
‫ُتبعث ِل ُتع ِل َمهم بوقت ال�ساعة‪� ،‬إنما ُبعث َت لإنذار َم ْن‬ ‫منه انتقام ًا جعله عبر ًة لغيره؛ ب أ�ن �أغرقه في الدنيا وجعل‬
‫يخاف أ�هوالها و�شدائدها‪ ،‬ك أ�نهم ِم ْن عظيم هول‬
‫ال�ساعة يو َم َيرون �أنها قد قام ْت لم يلبثوا في الدنيا �إلا‬ ‫النار جزاءه في الآخرة‪.‬‬

‫ع�ش ّي َة يو ٍم �أو ُ�ضحاه‪.‬‬ ‫‪� 26‬إ ّن في ق�صة فرعون وما ف َعل‪ ،‬والعقوب ِة التي عاقبه‬
‫الله بها‪ ،‬لعظ ًة وعبر ًة ِلـ َمن يخاف الله ويخ�شى عقابه‪.‬‬
‫‪584‬‬
‫‪� 29 - 27‬أ�أنتم يا منكري البعث �أ�صع ُب خ ْلق ًا‬
‫و إ�ن�شا ًء بعد الموت في تقديركم أ�م َخ ْل ُق ال�سماء؟ ف�إ ّن الله‬
‫خلق ال�سماء وبناها عالي َة ال�سقف‪ ،‬متقن َة البناء‪ ،‬فلي�س‬

‫فيها �شقو ٌق ولا فطور‪ ،‬و أ�ظل َم لي َلها‪ ،‬و�أ�ضاء ُ�ضحاها‪.‬‬

‫‪ 33 - 30‬وا ألر�َض بعد ذلك ب�سطها وم ّهدها‬
‫لعمارتها والحياة فيها‪ ،‬و َ�أخرج منها ماءها بتفجير‬
‫عيونها‪ ،‬و�أخرج ما ترعاه الأنعا ُم ِمن ال�شجر وال ُع�شب‪،‬‬
‫وما ي�أكله النا�س من ا ألقوات والثمار‪ ،‬وث َّب َت ا ألر�َض‬
‫بالجبال أ�ن تميد ب أ�هلها؛ فعل ذلك منفع ًة لكم و ألنعامكم‬
‫ومتاع ًا �إلى حين‪� .‬إ ّن الذي خلق هذا على هذه الكيفية‬

‫قاد ٌر على إ�عادة ا ألج�ساد بعد فنائها‪.‬‬

‫‪ 36 - 34‬ف إ�ذا جاءت الداهي ُة ال ُعظمى وهي ال�ساعة‪،‬‬
‫يوم يتذ َّكر ا إلن�سان عم َله حين يراه مد َّون ًا في �صحيفته‪،‬‬
‫وقد كان ن�سيه ب�سبب الغفلة وطول المدة‪ ،‬و�ُأظهرت‬

‫النا ُر المحرقة لكل را ٍء فهي لا تخفى على أ�حد‪.‬‬

‫أَ� ْمر ر ّبه ويحذر مع�صيته‪ ،‬ف أ�نت عنه تت�شاغل‪.‬‬
‫‪ 16 - 11‬لا ت ُع ْد �إلى ِمثلها‪� ،‬إ ّن هذا القر آ�ن و آ�ياته‬
‫موعظ ٌة‪ ،‬فمن �شاء أ�ن ي ّتعظ به ا ّتعظ‪ ،‬و َمن َر ِغب عنه‬
‫فمولالنامنتازللهلتةوَّ‪،‬م بحب�أيهال‪.‬دم وحيفهكوَذتاب ٍظةال‪،‬مقمرنآ�اكلنمَّرلمماٍثةئبك ٌعةنتدكفرايال ٍلمه�‪،‬صعلُمحىر ٍفافلولهعم ِنةم�اسطلي َوقع ْديخةرن‬

‫له ين�سخونها من اللوح المحفوظ‪.‬‬

‫‪ُ 23 - 17‬لعن الكافر ما �أ�ش َّد كف َره! �أ َما يذكر‬
‫من نطفة من ٍّي‬ ‫الذي خلقه الله منه؟!‬ ‫حقي َقت ُه و أ��ص َله‬
‫أ�ن ت َّم َخل ُقه‪ ،‬ثم‬ ‫َخ ْلقه فق ّدره أ�طواراً إ�لى‬ ‫‪َ -‬مهين‪ -‬ابتد أ�َ‬
‫�س ّه َل له طريق الخروج من بطن �أمه‪ ،‬ثم أ�ماته فجعل له‬
‫قبراً يوا َرى فيه‪� ،‬إكرام ًا من ربك‪ ،‬ثم إ�ذا �شاء �أحياه بعد‬
‫َموته‪ .‬ف ْليرتدع ا إلن�سا ُن عن الكفر والتج ُّب‪ ،‬إ�نه لم َيق�ض‬
‫على تطاول عمره ما أ�مره الله به من ا إليمان والطاعة‪.‬‬

‫‪ 32 - 24‬ولـ ّما ع َّدد �سبحانه للإن�سان ِن َعمه عليه‬ ‫‪َ 2 1‬ع َب� َس ‪� -‬أي النبي ‪ -‬في وجه الأعمى‬
‫ِنفَعيمنهف�عسليهه ِمفينماابتيداح ِءتا َخج ْل إ�قليهه�إ‪،‬ل فىقاانتله‪:‬ائفلهي‪،‬ن َأ�ظْت َبرعا إلذنل�سكا ُ َتنعَندَظا َدر‬ ‫(ابن أ�م مكتوم) حين جاءه م�ستر�شداً‪ ،‬و أ�عر�ض عنه‪.‬‬
‫اعتبا ٍر �إلى طعامه الذي ي�أكله ويحيا به كيف خلقه الله‬ ‫وقد عاتب الله النب َّي ‪‬‬
‫وي�ّسه له‪� ،‬أ ّنا �صببنا الماء من ال�سحاب �ص ّب ًا‪ ،‬ثم �شققنا‬ ‫دون الخطاب‬ ‫ب�ضمير ال َغيبة‬ ‫تل ُّطف ًا به و�إكرام ًا له‪ .‬وكان‬
‫ا ألر�ض �ش ّق ًا بديع ًا‪ ،‬ف أ�نبتنا فيها ح ّب ًا كالقمح وعنب ًا وما‬ ‫هذا كراهي َة أ�ن‬ ‫إ�عرا�ضه ‪‬‬
‫ي ؤ�كل رطب ًا ِمن النبات‪ ،‬وزيتون ًا ونخل ًا وب�ساتين كثيرة‬
‫ا أل�شجار‪ ،‬وفاكه ًة و ُع�شب ًا ت أ�كله البهائم؛ أ�ن َبـتنا ذلك‬ ‫ُي�صرف عما كان فيه من دعوة رجل من زعماء م�شركي‬
‫قري�ش أ�مل ًا في �إ�سلامه‪.‬‬
‫منفع ًة لكم و ألنعامكم‪.‬‬

‫‪ 37 - 33‬ث ّم ب ّي الله تعالى �أحوا َل َمعاد الإن�سان بعد‬
‫بيانه �أحوال َخلقه و َمعا�شه‪ ،‬فقال‪ :‬ف�إذا جاءت �صيح ُة‬
‫من أ�خيه‪ ،‬و ُ�أ ّمه‬ ‫القيامة التي ُت�ص ُّم ا آلذان‪ ،‬يو َم يف ُّر الـ َمرء‬ ‫‪ 4 3‬وما يدريك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لع ّل هذا‬
‫يومئ ٍذ �ش�أ ٌن في‬ ‫و أ�بيه‪ ،‬وزوجه و أ�بنائه‪ ،‬لك ِّل امرئ منهم‬ ‫الأعمى الذي جاء �سائل ًا يتطهر وينتفع في دينه بما ي�سمع‬

‫نف�سه َي�شغله عن غيره‪.‬‬ ‫منك‪ ،‬أ�و ي ّتعظ فتنفعه الموعظة‪.‬‬

‫‪ 42 - 38‬وينق�سم النا� ُس يومئ ٍذ إ�لى �ُسعداء وجو ُههم‬ ‫‪� 7 - 5‬أ ّما َمن َح ِ�سب نف�سه م�ستغني ًا عن دعوتك‬
‫م�ضيئ ٌة متهلل ٌة �ضاحكون م�سرورون‪ ،‬و أ��شقياء وجو ُههم‬ ‫ت َتتِبعع ٍّرة �إ� ْضن‬ ‫والمال ف�أن َت‬ ‫الله من ال�شرف والقوة‬ ‫بما آ�تاه‬
‫عليها ُغبار و ُكدرة وتعلوها ظلم ٌة و�سوا ٌد‪ ،‬وه�ؤلاء الذين‬ ‫وما عليك ِم ْن‬ ‫عليه حر�ص ًا على إ�يمانه‪،‬‬ ‫با إلقبال‬
‫هذه �صفتهم يوم القيامة هم ال َك َفرة بالله الذين بالغوا في‬
‫لم ي�ؤمن ويتطهر من ال�شرك و�إنما عليك البلاغ‪.‬‬
‫انتهاك حرمة دينه‪.‬‬
‫‪ 10 - 8‬و أ� ّما َم ْن جاءك ُي�سرع في م�شيه وهو ُيـ ِج ُّل‬

‫‪585‬‬

‫‪ 24‬وما محمد ‪ - -‬ببخيل بتبليغ ما ُيوحى �إليه‬ ‫‪� 4 - 1‬إذا ال�شم�س ُل َّفت و ُجمع بع ُ�ضها إ�لى‬
‫من ال َغيب ولا م َّتهم‪.‬‬ ‫بع�ض فف َ�س َد ِج ْر ُمها وذهب �ضو ؤ�ها‪ ،‬و إ�ذا النجوم‬
‫َ�أظلمت وت�ساقطت‪ ،‬و�إذا الجبال ُد ّكت و�ُس ّيت عن‬
‫‪ 25‬وما هذا القر آ�ن بقول �شيطا ٍن ُم�ست ِر ٍق لل�َّسمع‬ ‫أ�ماكنها ف�صارت هبا ًء منثوراً‪ ،‬و إ�ذا ال ُّنوق الحوامل‬
‫مرجوم‪.‬‬ ‫‪ -‬وهي ِم ْن �أح ّب مال العرب �إليهم‪ُ -‬ترك ْت لا ُينتفع‬

‫‪ 27 26‬ف�أين تذهب عقو ُلكم في تكذيبكم بهذا‬ ‫بها‪ ،‬لان�شغال النا�س عنها بما هم فيه من �ش ِّدة الهول‪.‬‬
‫القر�آن مع ظهوره وو�ضوحه‪ ،‬وبيا ِن َكونه ح ّق ًا من عند‬
‫الله ع ّز وج ّل‪ ،‬و أ� ّي طريق ت�سلكون َأ�بين من هذا الطريق‬ ‫‪ 9 - 5‬و�إذا الوحو�ش ُجمع ْت ِم ْن كل جانب‪،‬‬
‫الذي ُب ِّي لكم؟ ما هذا القر�آن �إلا موعظ ٌة لجميع ا إلن�س‬ ‫و إ�ذا البحار ُمل َئت و ُف ِّجرت حتى تعود بحراً واحداً‪،‬‬
‫و إ�ذا النفو�س ُقرنت ب�أج�سادها‪ ،‬و إ�ذا ال ِبن ُت التي ُدفن ْت‬
‫والجن‪.‬‬ ‫وهي ح َّي ٌة �ُسئلت توبيخ ًا لقاتلها‪ :‬ب�أ ِّي ذنب ُق ِتلت؟‬

‫‪ 29 28‬ينتفع به ويتذكر َم ْن �شاء الا�ستقامة على‬ ‫فتقول‪ُ :‬ق ِتل ُت بلا ذنب‪.‬‬
‫�سبيل الحق في ّتبعه وي�ؤمن به‪ ،‬وما ت�شا ؤ�ون ‪ -‬أ�يها النا�س‪-‬‬
‫الا�ستقامة على الح ِّق �إلا �أن ي�شاء الله ر ُّب الخلائق جميعها‬ ‫‪ 14 - 10‬و إ�ذا ال ُّ�صحف التي فيها ا ألعمال ُفتحت‬
‫و ُب�سطت‪ ،‬و�إذا ال�سماء ُك�شفت‪ ،‬و إ�ذا النار �أو ِقدت �إيقاداً‬
‫ا�ستقام َتكم عليه‪.‬‬ ‫�شديداً‪ ،‬و إ�ذا الجنة ُق ّربت من الم ؤ�منين‪� ،‬إذا وقعت هذه‬
‫ا ألهوال َو َج َد ْت ك ُّل نف� ٍس ما �أ�سلف ْت ِم ْن خي ٍر �أو �ش ٍّر‬

‫حا�ضراً لا يخفى منه �شيء‪.‬‬

‫‪ 21 - 15‬أُ�ق ِ�سم بالنجوم الرواجع ال�سيارات‪ ،‬التي‬

‫تظهر بالليل وتختفي بالنهار لغلبة �ضوء ال�شم�س‪،‬‬

‫وباللي ِل إ�ذا �أقبل بظلامه و أ�دبر‪ ،‬وال�صب ِح �إذا امت َّد �ضو ؤ�ه‪:‬‬
‫�إ ّن هذا القر�آن نزل به جبري ُل‪ ،‬وهو ر�سول كريم عند‬
‫ربه‪ ،‬ذو قدر ٍة على ما يك َّلف به و ُي�ؤمر لا َيعجز عنه‬
‫ولا َي�ضعف‪ ،‬له جا ٌه و َمنزل ٌة عند الله‪ ،‬تطيعه الملائكة في‬

‫ال�سماوات‪ ،‬أ�مي ٌن على الوحي وغيره‪.‬‬

‫‪ 23 22‬وما �صاحبكم محمد ‪ - -‬الذي‬
‫تعرفون أ�حواله وف�ضائله بمجنون كما تزعمون‪ ،‬ولقد‬

‫ر أ�ى محم ٌد جبري َل الذي ي أ�تيه بالر�سالة من عند الله على‬
‫�صورته التي خلقه الله عليها بالأُفق الأعلى ِم ْن جهة‬

‫الم�شرق‪.‬‬

‫‪586‬‬

‫‪ 12 - 9‬لي�س ا ألمر كما تقولون ‪ -‬أ�يها الكفار‪-‬‬

‫�إنما َي ْحملكم على مقابلة الكريم بالمعا�صي �أنكم‬
‫تك ِّذبون بالـ َمعاد والح�ساب والجزاء‪ ،‬و إ� ّن عليكم ُرقباء‬
‫ِمن الملائكة كرام ًا عند الله يكتبون أ�عمالكم‪ ،‬لا َيخفى‬

‫عليهم �شي ٌء منها‪.‬‬

‫‪� 16 - 13‬إن الذين َب ُّروا و�ص َدقوا في إ�يمانهم ب أ�دا ِء‬
‫ما �أوج َب الله عليهم وت ْر ِك ما نهاهم عنه لفي نعيم الجنة‪،‬‬
‫و�إ ّن الكفار لفي النار‪ ،‬يقا�سون ح ّرها يوم الجزاء‪ ،‬وما‬

‫هم بخارجين منها لخلودهم فيها‪.‬‬

‫‪ 19 - 17‬وما �أعل َمك ما يو ُم الح�ساب؟! ث ّم ما‬
‫�أعلمك ما يو ُم الح�ساب؟! فهو من ال�شدة بحيث لا‬
‫يدري أ�حد مقدا َر هوله وعظمته‪ ،‬يوم لا ت�ستطيع نف� ٌس‬
‫لنف� ٍس نفع ًا لها ولا دفع ًا عنها‪ ،‬والأم ُر ك ُّله يومئ ٍذ لله‬

‫وحده لا �أم َر لغيره فيه‪.‬‬

‫‪ 3 - 1‬خز ٌي وعذا ٌب �شدي ٌد للذين ينق�صون‬ ‫‪ 5 - 1‬إ�ذا ال�سماء ان�شق ْت‪ ،‬و�إذا الكواكب‬
‫المكيال والميزان‪ ،‬الذين �إذا اكتالوا من النا�س ي�أخذون‬ ‫�َس َقط ْت متفرق ًة‪ ،‬و�إذا البحار َف ّجر الله بع�ضها �إلى بع�ٍض‬
‫ف�صار الك ُّل بحراً واحداً واختلط ال َع ْذب بالمالح‪ ،‬و إ�ذا‬
‫حقو َقهم وافي ًة‪ ،‬و�إذا كالوا للنا�س أ�و وزنوا لهم ينق�صون‬ ‫القبو ُر أ�ُثيرت فا�س ُتخ ِرج َمن فيها �أحياء‪� ،‬إذا كانت هذه‬
‫الكيل والوزن‪.‬‬
‫ا أل�شياء قر�أ ك ُّل �إن�سان كتاب �أعماله و ُجوزي بها‪.‬‬
‫‪� 6 - 4‬ألا َيعلم و َي�ستقين أ�ولئك الذين يفعلون‬
‫هذا الفعل ال�شني َع �أ َّنهم مبعوثون ليو ٍم عظيم الخ ْطب‬ ‫‪ 8 - 6‬يا أ�يها ا إلن�سان‪� :‬أ ُّي �شي ٍء خدعك حتى‬
‫�شديد الهول‪ ،‬يو َم يقوم النا� ُس من قبورهم لَأ ْمر ر ِّب‬ ‫كفر َت بربك وع�صيته‪ ،‬مع كرمه و َك ْثة نعمه عليك‪،‬‬
‫وقد خلقك بعد �أن لم تكن‪ ،‬وجعلك �سو َّي ال ِب ْن َية �سليم‬
‫الخلائق وجزائه وح�سابه؟!‬ ‫ال ِخلقة‪ ،‬وع ّدل أ�ع�ضاءك فجعلها متنا�سب ًة مع ّدة لوظائفها‪،‬‬

‫ور ّكبك في أ� ِّي �صورة �شاءها لك من ال�صور المختلفة في‬
‫النوع ذكور ًة و أ�نوث ًة‪ ،‬واللو ِن والطو ِل وال ِق�ص ِر وغيرها؟‬

‫‪587‬‬

‫‪ُ 28 - 25‬ي�سقون من �شرا ٍب خال�ٍص ُت ْغلق أ�وانيه‬ ‫‪ 13 - 7‬ف ْليرت ِدعوا ع ّما هم عليه من التطفيف‬
‫بالم�سك ‪ -‬وفي ذلك النعيم ف ْلي َرغب الراغبون و ْليجتهد‬ ‫والغفلة عن البعث والح�ساب‪ ،‬إ� ّن �صحف �أعمال‬
‫المجتهدون ‪ -‬وما ُي َز ُج به ذلك ال�شرا ُب ِم ْن عين‬ ‫الكفار لمودعة في ( ِ�س ِّجي ٍن) ُينا�سب حقار َة أ�عمالهم‬
‫ت�سنيم‪� -‬أرفع �شراب في الجنة‪ -‬وهي عين ي�شرب بها‬ ‫وانحطاطها‪ .‬و�أ ُّي �شي ٍء �أدراك ما ِ�س ِّجين؟! كتاب‬
‫‪ -‬في الأر�ض ال�سفلى‪ُ -‬تـح�صى فيه جميع �أعمال‬
‫المق َّربون ِ�صف ًا‪ ،‬و ُي َزج منها ل�سائر أ�هل الجنة‪.‬‬ ‫الكفار ِمن ال ّثقلين حتى ُيحا�سبوا بها ويجازوا عليها‪.‬‬
‫‪ 31 - 29‬إ� َّن الذين كفروا كانوا من الذين آ�منوا‬ ‫وي ٌل يو َم يخرج ذلك المكتوب للمك ِّذبين‪ ،‬الذين‬
‫ي�ضحكون في الدنيا ا�ستهزا ًء بهم‪ ،‬و�إذا م ّروا بهم ي�شير‬ ‫يك ِّذبون بيوم الجزاء والح�ساب‪ ،‬وما يك ِّذب بذلك‬
‫بع ُ�ضهم إ�لى بع�ٍض بالعين عيب ًا لهم‪ ،‬و إ�ذا رجع الكفا ُر‬ ‫اليوم �إلا ك ُّل متجاو ٍز للح ِّد ُم ْغ ِر ٍق في الإثم‪ ،‬إ�ذا ُتتلى‬
‫�إلى أ�هلهم رجعوا متل ِّذذين بذكر الم�ؤمنين والا�ستخفاف‬ ‫عليه �آيات القر�آن قال ِم ْن َف ْرط جهله‪ :‬هذا �شي ٌء مما كتبه‬
‫الأ ّولون من ا ألحاديث وا ألخبار التي لا �أ�صل لها ولا‬
‫بهم‪.‬‬
‫دليل على �ص َّحتها‪.‬‬
‫‪ 34 - 32‬و�إذا ر�أى الكفا ُر الم�ؤمنين ن�سبوهم �إلى‬
‫ال�ضلال‪ .‬وما ُ�أر�سلوا على الم ؤ�منين حافظين ألعمالهم‪،‬‬ ‫‪ 14‬ف ْليرت ِد ْع عما يقول‪ .‬بل أ� ّدى به �إلى ما قال أ� ّن قلبه‬
‫�شاهدين ب ُر�شدهم �أو �ضلالهم‪ ،‬فيو َم القيامة حين يرى‬ ‫وقلوب المك ِّذبين �أمثاله قد غ ّطاها ما كانوا يك�سبون من‬
‫الم ؤ�منون الكفا َر أ�ذ ّل َء مغلوبين في النار ي�ضحكون منهم‬ ‫المعا�صي حتى غمرها فلا ي�ستطيعون معرفة الحق من‬

‫كما �ضحك الكفا ُر منهم في الدنيا جزا ًء ِوفاق ًا‪.‬‬ ‫الباطل‪.‬‬

‫‪588‬‬ ‫‪ 17 - 15‬فليرتدعوا عن اكت�ساب المعا�صي التي‬
‫تغ ِّطي القلب‪ ،‬إ�نهم يوم القيامة محجوبون عن ر ؤ�ية‬
‫ربهم وكرامته‪ ،‬ثم �إنهم لداخلون النار ُيقا�سون ح ّرها‪،‬‬
‫ثم يقال لهم تقريع ًا وتوبيخ ًا‪ :‬هذا الذي كنتم تكذبون‬

‫به في الدنيا فذوقوا عذابه‪.‬‬

‫‪ 21 - 18‬ف ْليرت ِدعوا عن التكذيب‪ ،‬إ� ّن كتاب �أعمال‬
‫المطيعين الذين لا ينق�صون الكيل والميزان وي�ؤمنون‬
‫بالبعث لمحفوظ في ( ِع ِّل ِّيين) حفظ ًا ينا�سب مكان َتهم‬
‫ورفع َة أ�عمالهم‪ .‬و�أ ُّي �شي ٍء �أعلمك ما ِع ِّليون؟! كتاب‬
‫‪ -‬في ال�سماء ال�سابعة‪ُ -‬تـحفظ فيه جميع أ�عمال ا ألبرار‬

‫وال�صالحين‪ ،‬لا َي ْح�ضره إ�لا الملائكة المق َّربون‪.‬‬
‫‪ 24 - 22‬إ� ّن المطيعين لله لفي نعيم الجنة‪ ،‬على‬
‫ا ألَ�س َّرة في ال ِحجال ‪ -‬وهي بيو ٌت كالقباب م�ستور ٌة‬
‫بال�ستور الفاخرة‪ -‬ينظرون �إلى كرامة الله ونعمه‪،‬‬

‫تعرف في وجوههم بهجة ال ّتن ُّعم و َرونقه‪.‬‬

‫ال�سعي لمطالبك‪ ،‬فقائ ٌم بين يدي ربك للح�ساب والجزاء‪،‬‬ ‫‪ 36 35‬وهم على ا ألرائك �آمنون ي�ضحكون‬
‫فليكن عم ُلك و�سع ُيك في طاعة ربك ومر�ضاته‪.‬‬ ‫منهم ناظرين �إليهم و�إلى ما هم فيه ِم ْن �سوء الحال‪ ،‬قد‬
‫ُجوزي الكفا ُر على ما كانوا يقابلون به الم ؤ�منين من‬
‫‪ 9 - 7‬ف أ� ّما َمن �أوتي كتا َب عمله بيمينه ف�سوف‬
‫ُيحا�َسب ح�ساب ًا �سهل ًا ه ّين ًا‪ ،‬و َيرجع إ�لى أ�هله في الجنة‬ ‫الا�ستهزاء والتنقي�ص �أت َّم الجزاء و أ�كم َله‪.‬‬

‫م�سروراً بما �أعطاه الله‪.‬‬ ‫‪ 5 - 1‬إ�ذا ال�سماء ت�ص ّدع ْت وت�ش َّقق ْت‪ ،‬و�سمع ْت‬
‫�أمر ر ِّبها و أ�طاع ْت و ُح َّق لها أ�ن ت�سمع وتطيع‪ ،‬و إ�ذا‬
‫‪ 12 - 10‬و�أ ّما َم ْن �أوتي كتابه ب�شماله ِم ْن وراء‬ ‫ا ألر�ُض �ُس ِّويت بزوال ما عليها من الجبال‪ ،‬وقذف ْت‬
‫ظهره ف�سوف يدعو بالويل والهلاك ل�ش ؤ�م عاقبته‪،‬‬ ‫ما في جوفها من الموتى للح�شر‪ ،‬وبقي ْت خالي ًة مما كان‬
‫فيها‪ ،‬وا�ستمع ْت لأمر ر ِّبها و�أطاعته و ُح َّق لها �أن ت�سمع‬
‫ويقا�سي التها َب النار وح ّرها‪.‬‬ ‫وتطيع‪� ،‬إذا وقعت هذه المذكورات ر�أى الإن�سا ُن ما ق ّدم‬
‫‪� 15 - 13‬إنه كان في الدنيا م�سروراً مع أ�هله متنعم ًا‬
‫غافل ًا عن الآخرة‪ ،‬مك ِّذب ًا بالبعث يظن أ�نه لن يرجع �إلى‬ ‫من خي ٍر �أو �ش ٍّر‪.‬‬
‫ربه‪ ،‬بلى يرجع �إلى ربه و ُيبعث‪ ،‬إ� ّن ر َّبه الذي خلقه كان‬ ‫‪ 6‬يا أ�يها الإن�سان‪ :‬إ� ّنك دائ ُب العمل ُمه ٌد نف َ�سك في‬
‫به وب أ�عماله المو ِجب ِة للعقاب ب�صيراً لا تخفى عليه منها‬
‫‪589‬‬
‫خافي ٌة‪ ،‬فلاب َّد من َر ْجعه وح�سابه عليها‪.‬‬

‫‪ 19 - 16‬ف ُأ�ق�سم بالـ ُح ْمر ِة التي ُت�شا َهد في الأفق إ� ْثر‬
‫غروب ال�شم�س‪ ،‬واللي ِل وما جمع و�ض ّم مما كان منت�شراً‬
‫بالنهار‪ ،‬والقم ِر �إذا اجتمع �ضو�ؤه وت ّم بدراً‪ :‬ل ُتلا ُق ّن‬
‫‪� -‬أيها النا�س‪ -‬حال ًا بعد حال‪ ،‬ك ُّل واحد ٍة منها مطابق ٌة‬
‫ألختها في ال�ش ّدة والفظاعة؛ ك�أحوال �شدائد الموت‪ ،‬ثم‬
‫القبر‪ ،‬ثم البعث‪ ،‬ثم الح�شر‪ ،‬ثم الح�ساب‪ ،‬ثم الميزان‪ ،‬ثم‬

‫ال�صراط‪.‬‬

‫‪ 21 20‬ف إ�ذا كان ا ألم ُر يو َم القيامة كما ُذكر ف أ� ُّي‬
‫�شي ٍء يمنعهم من ا إليمان وقد تعا�ضد ْت ُمو ِجبا ُته؟! وما‬
‫يمنعهم من الخ�ضوع والا�ستكانة �إذا قرئ عليهم القر آ�ن؟!‬

‫‪ 25 - 22‬بل ا لذ ين كفر و ا يك ِّذ بو ن با لقر آ� ن‬
‫الـ ُمخ ِب بما ُذكر من �أهوال القيامة و�أحوالها‪ ،‬والله �أعل ُم‬
‫بما يخفون في قلوبهم من الكفر والح�سد‪ ،‬فب�ِّشهم‬
‫‪ -‬ته ُّكم ًا بهم‪ -‬بعذا ٍب أ�لي ٍم جزا َء كفرهم وعنادهم‪ ،‬إ�لا‬
‫َم ْن ُق�ضي له بالإيمان من ه ؤ�لاء الكفار وامتثلوا �أوامر الله‬

‫واجتنبوا نواهيه‪ ،‬فلهم في ا آلخرة �أج ٌر غير مقطو ٍع‪.‬‬

‫يمتنع عليه �شيء �أراده‪.‬‬ ‫‪َ� 4 - 1‬أق َ�سم الله بال�سماء ذا ِت المنازل التي تنتقل‬
‫‪ 18 17‬قد عرف َت ‪ -‬أ�يها الر�سول‪َ -‬خ َب ال َّظ َلم ِة‬ ‫فيها ال�شم� ُس والقمر و�سائر النجوم والكواكب‪ ،‬و�أَق َ�سم‬
‫ال ُعتا ِة فرعو َن وجنوده وثمو َد قوم �صالح‪ ،‬وما َن َزل بهم‬ ‫بيوم القيامة‪ ،‬و َم ْن يح�ضر في ذلك اليوم من الخلائق‪،‬‬
‫لتكذيبهم ب آ�يات ربهم ور�سله‪ ،‬فذ ّك ْر قو َمك ببط�ش‬ ‫وبما ُي�ش َهد فيه من الأهوال والعجائب‪ :‬لقد ُل ِعن الذين‬
‫الله تعالى‪ ،‬وح ّذ ْرهم أ�ن ُي�صيبهم مث ُل ما أ��صا َب �أولئك‬
‫حفروا في ا ألر�ض �ش ّق ًا عظيم ًا؛ لتعذيب الم ؤ�منين‪.‬‬
‫المك ِّذبين‪.‬‬
‫‪� 20 19‬إ َّن الذين كفروا من قومك لم ُيك ِّذبوك‬ ‫‪� 7 - 5‬إذ أ� ّججوا فيه ناراً �شديدة الا ِّتقاد مرتفعة‬
‫عن دليل �أو ُح ّجة‪ ،‬بل هم في تكذيبك و إ�نكار نبوتك‬ ‫ال َّلهب‪ُ ،‬لعنوا أ��ش َّد ال َّلعن حين كانوا قاعدين حول النار‪،‬‬
‫كقوم فرعون وثمود وغيرهم ممن �سبقوهم من ا ألمم التي‬ ‫وهم على ما يفعلون بالم�ؤمنين من العذاب ح�ضو ٌر‪ ،‬لا‬
‫ك ّذب ْت ر�س َلها‪ ،‬والله عالـ ٌم ب أ�حوالهم قاد ٌر عليهم وهم‬
‫َي ِر ّقون لهم لق�سوة قلوبهم‪.‬‬
‫لا ُيعجزونه‪.‬‬
‫‪ 22 21‬بل هذا الذي ك َّذبوا به كتا ٌب �شري ٌف كري ٌم‪،‬‬ ‫‪ 9 8‬وما �أنك َر ه ؤ�لاء الكفار من الم�ؤمنين إ�لا َأ� ّنهم‬
‫وحي ٌد في ال َّن ْظم والإعجاز‪ ،‬في لوح في الم أل ا ألعلى‬ ‫�آمنوا بالله الغالب القادر المحمود ب إ�نعامه‪ ،‬الذي له ملك‬
‫ال�سماوات وا ألر�ض بلا �شريك‪ ،‬فك ُّل َم ْن فيها تجب‬
‫محفوظ من التغيير والتبديل‪.‬‬ ‫عليه عباد ُته تعالى والخ�ضو ُع له‪ ،‬وهو على كل �شي ٍء من‬

‫‪590‬‬ ‫�أفعالهم بالم ؤ�منين �شهيد و�سيجازيهم بها‪.‬‬

‫‪ 10‬إ� ّن الذين آ�ذوا الم ؤ�منين والم ؤ�منات وع َّذبوهم‬
‫ث ّم لم ُيقلعوا ع ّما فعلوا ولم يتوبوا إ�لى ربهم‪ ،‬فلهم في‬
‫ا آلخرة عذا ُب جهنم‪ ،‬ولهم عذاب الحريق ال�شديد‬
‫زياد ًة بما فعلوا بالم ؤ�منين‪ .‬وهذا تهديد ووعيد لم�شركي‬
‫مكة الذين ع ّذبوا الم�ؤمنين بما �سي�صيبهم �إن لم يك ّفوا عن‬

‫ذلك ويتوبوا‪.‬‬

‫‪� 11‬إ ّن الذين �آمنوا وعملوا ال�صالحات و�صبروا على‬
‫ذلك‪ ،‬لهم في الآخرة جنات تجري من تحت ق�صورها‬
‫و�أ�شجارها ا ألنها ُر‪ ،‬ذلك الفوز الكبير الذي َت�ص ُغر دونه‬

‫الدنيا وما فيها‪.‬‬

‫‪ 16 - 12‬إ� ّن أ� ْخ َذ ر ِّبك للجبابرة والظ َلمة بالعذاب‬
‫والانتقام ل�شدي ٌد‪ ،‬إ�نه يخلقهم ابتدا ًء في الدنيا‪ ،‬ثم يعيدهم‬
‫�أحيا ًء عند البعث في ا آلخرة ليجازيهم ب أ�عمالهم‪ ،‬وهو‬
‫ال�ساتر للعيوب الغافر للذنوب‪ ،‬المح ُّب ألوليائه‪ ،‬خال ُق‬
‫العر�ش ومال ُكه‪ ،‬العظي ُم في ذاته و�صفاته‪ ،‬لا ُيعجزه ولا‬

‫ا ألر�ض غيث ًا بعد �أن �صعد إ�ليها بخاراً‪ ،‬والأر�ِض التي‬
‫تن�صدع وتن�ش ُّق عن النبات وا أل�شجار‪� :‬إ ّن القر آ�ن لقو ٌل‬
‫فا�ص ٌل بين الحق والباطل‪ ،‬وك ُّله ج ٌّد َمح�ض لي�س في‬

‫�شيء منه �شائبة هزل‪.‬‬

‫‪ 17 - 15‬إ� ّن م�شركي مكة يكيدون المكاي َد إلبطال‬
‫�أمر الله و�إطفا ِء نور الحق‪ ،‬و أ�نا �أجازيهم على كيدهم‬
‫ب أ�ن �أ�ستدرجهم ِم ْن حيث لا يعلمون ف�أنتقم منهم‬
‫و ْق َتما �أ�شاء‪ ،‬فلا ت�ستعج ْل ‪ -‬يا محمد‪ -‬على الكافرين‬

‫بالعقوبة‪ ،‬و�َأن ِظرهم �إنظاراً قليل ًا‪.‬‬

‫‪ 1‬ن ِّزه ر َّبك الأعلى ع ّما لا يليق به‪.‬‬
‫‪ 2‬الذي خلق ف�س ّوى مخلو َقه‪ ،‬ب أ� ْن جعله متنا�سب‬

‫ا ألجزاء في �إحكا ٍم و إ�تقا ٍن‪.‬‬

‫‪ 3‬والذي ق ّدر لك ِّل مخلوق ما ي�صلحه‪ ،‬فهداه‬ ‫‪َ 4 - 1‬أ�ق َ�سم الله بال�سماء وبالطارق‪ .‬و أ� ُّي �شي ٍء‬
‫اختياراً أ�و َط ْبع ًا إ�لى وجه الانتفاع به‪.‬‬ ‫�أعل َمك ما الطارق؟! هو النجم الم�ضيء الذي يثقب‬
‫الظلام ويخرقه بنوره‪ :‬ما من نف�س من الأنف�س إ�لا عليها‬
‫‪ 5 4‬والذي أ�نب َت ال ُع�ش َب‪ ،‬فجعله بعد الخ�ضرة‬ ‫حاف ٌظ من الملائكة م َو َّكل بها ب�أمر الله ع َّز وج َّل‪ ،‬يراقبها‬
‫جا ّف ًا ه�شيم ًا أ��سود ياب�س ًا‪.‬‬
‫ويكتب أ�عمالها‪.‬‬
‫‪� 7 6‬س ُني�ِّس لك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬القر�آن‬
‫ونحفظه عليك فلا تن�ساه ولا ينفل ُت من �صدرك منه‬ ‫ِمـ َّم‬ ‫نظ َر تف ُّك ٍر واعتبار‬ ‫‪ 7‬ف ْلينظر الإن�سا ُن‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬
‫�شي ٌء إ� ّل ما �شاء الله أ�ن ين�سخه‪� ،‬إنه �سبحانه يعلم الجهر‬ ‫بين‬ ‫من�ص ٍّب‪ ،‬يخرج ِم ْن‬ ‫خ َلقه ِم ْن ماء مند ِف ٍع‬ ‫ر ُّبه‪.‬‬ ‫خلقه‬
‫ُ�صلب الرجل‪� -‬أي ِفقار ظهره‪ -‬و ِعظام �صدر المر�أة‪.‬‬
‫ِمن القول والفعل وما َيخفى منهما‪.‬‬
‫‪ 10 - 8‬إ� ّن الذي خلق الإن�سان ابتدا ًء ِم ْن نطفة‬
‫‪ 13 - 8‬وني�ِّسك لل�شريعة ال�سهلة ال�سمحة؛ فذ ِّكر‬ ‫لقادر على �إعادته‪ ،‬لا ُيعجزه �شيء عن ذلك‪ُ .‬يرجعه يوم‬
‫‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬النا� َس بما ي�ّسنا لك‪� ،‬إ ْن نفعت الذكرى‬ ‫من ا ألعمال‪،‬‬ ‫و أ�خفى‬ ‫من العقائد‬ ‫ُيظهر ما أ��س َّر في قلبه‬
‫ه�ؤلاء الطغاة‪� ،‬سي ّتعظ بمواعظك َم ْن يخاف الله تعالى‪،‬‬ ‫يمتنع بها من‬ ‫ِم ْن قو ٍة‬ ‫ذلك اليوم‬ ‫فما لمن ِكر البعث في‬
‫ويتركها جانب ًا ولا يلتف ُت إ�ليها ال�شق ُّي الكافر‪ ،‬الذي‬
‫�سيدخل النار العظيمة الفظيعة‪ ،‬ثم لا يموت فيها‬

‫في�ستريح‪ ،‬ولا يحيا حيا ًة تنفعه‪.‬‬

‫ما يرجوه‬ ‫بك ِّل‬ ‫و َظ ِف َر‬ ‫ِم َقندالنجكافِمر ْنواكلملعام�صكريو‪،‬ه‬ ‫‪15 14‬‬ ‫العذاب ولا نا�صر يعينه ويدفع عنه‪.‬‬
‫ربه بقلبه‬ ‫ا�س َم‬ ‫و َذ َك َر‬ ‫َم ْن تط ّهر‬
‫‪ 14 - 11‬وال�سما ِء ذات ال َّرجع‪ :‬ترجع الماء �إلى‬
‫ول�سانه ف�ص َّلى له خا�شع ًا ومع ِّظم ًا‪.‬‬

‫‪591‬‬


Click to View FlipBook Version