ح ّدها الله لكم ،والفرو�ض التي ب ّينها هي حدو ُد الله ١قد �سمع اللهُقو َل المر�أة الأن�صارية َخ ْول َة بنت ثعلبة
و�أوامره فلا تتعدوها ،وللجاحدين بها عذا ٌب م ؤ�لـ ٌم. التي ُتراجعك -أ�يها الر�سول -في �ش�أن ما دار بينها وبين
زوجها ،وفيما َ�ص َدر عنه في ح ِّقها ِمن ال ِّظهار -وهو
٥إ� َّن الذين يعادون الله ور�سوله ويخالفون �أمرهما، تحريم نكاحها بقوله لها « :أ�ن ِت عل َّي ك َظه ِر �أُ ّمي» -وقد
�ُأذلوا و�أُخزوا كما أ�خزي الذين من قبلهم من الأمم الذين كان الظهار في الجاهلية �سبب ًا في تحريم الزوجة تحريم ًا
خالفوا الله ور�سله ،وقد أ�نزلنا �آيات مف َّ�صلا ٍت لا خفاء
فيها فيما تد ُّل عليه من الحلال والحرام ،وللجاحدين بها م ؤ� َّبداً -وت�شتكي ما هي فيه من اله ِّم إ�لى الله وت�س أ�له
الفرج ،والله ي�سمع تحاوركما �أن َت وهذه المر�أة� ،إ َّن الله
عذا ٌب ُمذ ٌّل في جهنم.
�سميع لهذا وغيره من كلام َخ ْلقه ،ب�صير بما تعملون.
٦يوم ُيخرجهم الله تعالى من قبورهم ويجمعهم
للعر�ض والح�ساب ،فين ِّب ُئهم بما عملوا من خير �أو �شر. ٢الذين ُيح ّرمون ن�ساءهم على �أنف�سهم فيقول
لقد �أح�صى الله �سبحانه ك َّل �شيء عملوه ،فع ّده عليهم الواحد منهم لزوجته� :أن ِت عل َّي ك َظهر ُ�أ ّمي ،هم
و�أَ ْثبته وحفظه ،بينما هم ن�سوا ذلك ،والله على كل �شي ٍء مخط ُئون ،فما ن�سا�ؤهم اللائي يظاهرون منه َّن
عملوه رقي ٌب �شاه ٌد ،يعلمه ويحيط به فلا َي ْع ُزب عنه ب�أمهاتهم ،بل ه َّن لهم حلال ،وما �أمهاتهم �إلا اللائي
َو َل ْدنهم ،و�إ َّن ه ؤ�لاء الـ ُمظاهرين ليقولون قول ًا منكراً،
�شيء منه. وباطل ًا منحرف ًا عن الحق ،و إ� َّن الله لذو عفو عن ذنوب
542 عباده إ�ذا تابوا منها ،غفور فلا يعاقبهم بعد التوبة.
٣والذين ُيظا ِهرون من ن�سائهم ،ثم يعودون لن ْق�ض
ما قالوا من التحريم ،فعلى َمن يفعل ذلك ك ّفار ٌة هي
ِع ْت ُق رقبةَ :عب ٍد �أو �أَمة ،من قبل أ�ن يكون بينه وبين
امر�أته مبا�شرة �أو ما في حكمها ،ذلكم حكم الله �أوجبه
عليكم لعلكم تتعظون فترتدعون عن تحريم ما �أح َّل الله
لكم ،والله لا يخفى عليه �شيء من أ�عمالكم ،و�سوف
يحا�سبكم عليها.
٤ف َمن لم يجد ِمن المظا ِهرين ِمن زوجاتهم رقب ًة �أو
وجدها ولم يجد مال ًا ل�شرائها وتحريرها ،فعليه �صيام
�شهرين متتابعين ،من قبل �أن يتما�ّسا ،ف َمن لم ي�ستطع
ال�صيام فعليه �إطعا ُم �ستين م�سكين ًا .وهذا الفر�ض وهذا
التخفيف كي ُيق َّر النا�س بتوحيد الله ور�سالة ر�سوله،
ويتركوا ما كانوا عليه في الجاهلية ،وهذه الحدود التي
والعدوان ومخالفة الر�سول؟! و�إذا جا�ؤوك -يا محمد- 7أ�لم َتعلم -أ�يها الر�سول -أ� ّن الله يعلم ما في
ح ّيوك بغير التحية التي جعلها الله لك ،وهي قولهم: ال�سماوات وما في ا ألر�ض ،لا يخفى عليه �صغي ُر ذلك
ال�ّسام -أ�ي الموت -عليك ،ويقولون فيما بينهم :ه ّل وكبيره ،فكيف تخفى عليه �أعمال ه ؤ�لاء الكافرين
يع ِّجل الله عقوبته لنا على ذلك إ� ْن كان محمد ر�سوله وع�صيا ُنهم؟ ما يكون من حدي ٍث �س ٍّر بين ثلاثة من َخلقه
ح ّق ًاَ .ح�ْس ُب ه ؤ�لاء المعتدين جهن ُم ،وكفاهم بها، �إلا هو رابعهم ،ي�سمع �س َّرهم ونجواهم ،ولا يكون من
نجوى خم�س ٍة إ�لا هو �ساد�سهم كذلك ،ولا �أق َّل من ذلك
َي ْ�صلونها يوم القيامة ،فبئ�س الم�صير هي.
العدد ولا أ�كثر �إلا هو معهم عالم بهم إ�ذا تناجوا في �أ ِّي
9يا �أيها الذين �ص َّدقوا الله ور�سو َله إ�ذا تداولتم مكا ٍن كانوا ،ثم ُيخبر يوم القيامة ه ؤ�لاء المتناجين بما
الحديث فيما بينكم �س ّراً فلا تتحدثوا بما فيه إ�ث ٌم وعدوا ٌن عملوا من عمل م ّما ُير�ضيه �أو ي�سخطه ،إ� َّن الله ب�أ�سرارهم
ومع�صي ٌة للر�سول ،ولك ْن َت ّدثوا بطاعة الله وتقواه وما
و�سائر أ�عمالهم عليم محيط.
يق ِّربكم منه ،وخافوا الله الذي إ�ليه م�صيركم.
10إ� ّنا مناجاة اليهود والمنافقين بع�ضهم بع�ض ًا با إلثم
والعدوان من تزيين ال�شيطان ،يحملهم عليها ليحزن
الم ؤ�منين ويفتنهم ،ولي�س ذلك ب�ضا ّرهم ولا م ؤ�ذيهم
�شيئ ًا إ�لا بق�ضاء الله وقدره ،وعلى الله فليتوكل أ�ه ُل
الإيمان ،ولا يحزنوا من تناجي المنافقين والكائدين لهم.
11يا أ�يها الذين �ص َّدقوا الله ور�سو َله إ�ذا قيل لكم
تو�َّسعوا في المجال�س فليو�س ْع بع ُ�ضكم لبع�ض ،يو�سع الله
منازلكم في الجنة ،و إ�ذا قيل لكم :انه�ضوا إ�لى ما فيه
خيركم فانه�ضوا ،يرفع الله منزلة الم ؤ�منين والعا ِلـمين
�إذا عملوا بما علموا درجا ٍت عالي ًة في الجنة ،والله خبير
ب أ�عمالكم ،لا يخفى عليه المطي ُع من العا�صي ،وهو
مجازيكم على أ�عمالكم.
� 8ألم َت َر � -أيها الر�سول -إ�لى الذين نهاهم الله
عن ال َّنجوى من اليهود والمنافقين ،ثم يرجعون إ�لى ما
ُنهوا عنه ،ويتناجون بما ح َّرم الله عليهم من الفواح�ش
543
َحلفهم الكاذب ينفعهم عند الله ،و أ� ّن غ�َّشهم يخفى 12يا �أيها الذين �ص َّدقوا الله ور�سو َله ،إ�ذا ناجيتم
عليه �سبحانه ،وهيهات! �ألا �إنهم هم الكاذبون ،فهم ر�سول الله ،ف�أخرجوا قبل ذلك �صدق ًة ألهل الـ َم�ْسكنة
والحاجة ،وت�ص ُّد ُقكم خير لكم عند ربكم و�أطه ُر
مك�شوفون مف�ضوحون. لقلوبكم من الذنوب وح ِّب المال ،ف�إن لم يكن لكم ما
تت�صدقون به ف�إ َّن الله غفور رحيم لا ي ؤ�اخذكم بذلك.
َ 19غ َل َب على ه ؤ�لاء المنافقين ال�شيطا ُن بو�سو�سته
وت�سويله ،ف�أن�ساهم ذك َر الله وعظمته وعقوبته وانتقامه، 13أ��َش َّق عليكم وخ�شيتم -أ�يها الم ؤ�منون -الفاق َة إ�ذا
أ�ولئك جند ال�شيطان و أ�تباعه ،أ� َل �إ َّن جند ال�شيطان ق َّدمتم بين يدي نجواكم �صدقات؟ ف�إ ْذ لم تت�صدقوا وتا َب
و�أتباعه هم الخا�سرون غاي َة الخ�سران ،حيث ف َّو ُتوا على الله عليكم ،ورفع عنكم هذا التكليف ف أ�دوا الفرائ�ض
التي أ�وجبها عليكم ولم َي َ�ض ْعها عنكم من ال�صلاة
�أنف�س ِهم النعي َم المقيم و أَ�خذوا بد َله العذا َب الأليم. والزكاة ،و أ�طيعوا الله ور�سوله فيما �أمركم به وفيما
20إ� َّن الذين يعادون الله ور�سوله ويخالفون �أمرهما نهاكم عنه ،والله خبير ب أ�عمالكم كبيرها و�صغيرها،
وين�صرون أ�عداءهما� ،أولئك م�صيرهم �أن يكونوا في �أهل
�س ِّرها وعلانيتها ،وهو مجازيكم عليها.
ال ِّذلة المغلوبين ال�صاغرين.
14أ�لم َت َر � -أيها الر�سول� -إلى ه ؤ�لاء المنافقين الذين
21ق�ضى الله وخ َّط في أ�م الكتاب ب�أ َّن ال ُّن�صرة لدينه حالفوا قوم ًا غ�ضب الله عليهم ،وهم اليهود ،و أ��س ّروا
والعاقبة لر�سله ،إ� َّن الله قو ٌّي لا ُيعجزه �شيء ،عزي ٌز لا �إليهم ونا�صحوهم؟ ولي�س ه�ؤلاء المنافقون من �أهل
دينكم وم َّلتكم ،ولا هم من اليهود ،ويحلفون على
ُيغالب على �أم ٍر أ�راده. قولهم لك :ن�شهد إ�نك لر�سول الله .وهم يعلمون �أنهم
544 كاذبون في حلفهم ،مخالفون لما في قلوبهم.
15أ�ع َّد الله له�ؤلاء المنافقين عذاب ًا في ا آلخرة �شديداً،
�إنهم �ساء ما كانوا يعملون في الدنيا بخداع الم�سلمين
وخيانتهم ،و ُن�صحهم ألعدائهم من اليهود.
16جعل ه ؤ�لاء المنافقون َح ِلفهم ِوقاي ًة يتقون بها
القتل ،ويدفعون بها عن َ�أنف�سهم و أ�موالهمَ ،ف َ�ض ُّلوا
و أ��ضلوا غيرهم بفعلهم هذا ،فلهم عذا ٌب ُم ِذ ٌّل لهم في
النار ل�ص ِّدهم عن �سبيل الله ب�أقوالهم و أ�فعالهم.
17لن تنفعهم أ�موا ُلهم ف َيفتدوا بها ،ولا �أولادهم
في�ستنقذوهم من عقاب الله� ،أولئك أ�هل النار هم فيها
ماكثون �أبداً.
18يو َم يبعثهم الله جميع ًا من قبورهم �أحياء فيحلفون
له كما يحلفون لكم كاذبين ُمب ِطلين ،ويظنون �أن
ال�سماوات وما في الأر�ض من الخلق ،وهو العزي ُز في
انتقامه ،الحكيم في تدبير خلقه.
2هو تعالى الذي أ�خرج الذين جحدوا نبوة محمد 22لا تج ُد -يا محمد -قوم ًا ي�ص ِّدقون الله،
- -من �أهل الكتاب -وهم يهود بني ال َّن�ضير -من
منازلهم و ُدورهم حول المدينة ،إ�لى ال�شام ،ما ظننتم و ُيق ُّرون باليوم الآخر ،يوا ّدون َم ْن عادى الله ور�سوله
-أ�يها الم ؤ�منون� -أنهم خارجون ِلع َّزتهم وم َن َعتهم، وخالفهما ،ولو كانوا آ�با َءهم ،أ�و �أبناءهم� ،أو إ�خوانهم،
وذلك �أنهم كانوا أ�هل ح�صون وعقار و َن ْخل كثير، �أو ع�شيرتهم .ه�ؤلاء أ�ثب َت الله الإيما َن في قلوبهم ،فهي
م ؤ�منة موقنة مخل�صة ،وق ّواهم ببرها ٍن منه ونور وهدى،
وظ ّنوا هم أ� َّن ح�صونهم تحميهم من �سلطان الله ،ف�أتاهم ويدخلهم في الآخرة ب�ساتين تجري من تحت �أ�شجارها
أ�مر الله وعذا ُبه من حيث لم يظ ُّنوا ولم يخطر ببالهم،
و أ�لقى الله في قلوبهم الخو َف ال�شديد ،يخربون بيوتهم ا ألنهار ،ماكثين فيها أ�بداً ،ر�ضي الله عنهم بطاعتهم له
ب�أيديهم و�أيدي الم ؤ�منين ،فاتعظوا يا ذوي العقول في الدنيا ،ور�ضوا عنه في الآخرة ِلـ َما يرون من �إكرامه
لهم ،أ�ولئك جن ُد الله و�أوليا ؤ�ه� ،ألا إ� ّن جند الله و�أولياءه
والب�صائر بما نزل بهم ،وليحذر َمن َف َع َل فعلهم م�صي َرهم.
هم الناجون الظافرون بخيري الدنيا والآخرة.
3ولولا �أ ْن َك َتب الله عليهم الخرو َج مع الأهل
والولد من مو�ض ٍع �إلى مو�ضع ،ومن بلدة �إلى أ�خرى
لعذ ّبهم في الدنيا بالقتل وال�َّسبي ،ولهم في الآخرة
عذا ُب النار ،مع ما أ�ح َّل بهم من الخزي في الدنيا،
بالجلاء عن ح�صونهم وم�ساكنهم.
َ 1ن َّزه اللهَ تعالى وع َّظمه و َخ َ�ض َع له ك ُّل ما في
545
4هذا الذي ف َعله الله به ؤ�لاء اليهود ألنهم خالفوا
الله ور�سوله ،و َم ْن يخالف الله ور�سوله في �أمره و َنهيه
ف�إ َّن الله �شديد العقاب.
5ما َق َطعتم � -أيها الم�ؤمنون -من نخلة في غزوة
بني الن�ضير أ�و تركتموها قائمة على أ��صولها فب أ�مر الله،
ولم يكن �إف�ساداً ،و ِل ُيذ َّل الخارجين عن طاعته ،ويغيظهم
بقطع أ��شجارهم ونخيلهم.
ألنهم ا�ض ُط ّروا إ�لى مفارقة ديارهم والخروج من 6والذي ر َّد ُه اللهُ على ر�سوله من �أموال بني الن�ضير
�أموالهم ،وخرجوا ح ّب ًا لله ولر�سوله وابتغا َء ما عند الله لا ح َّق لكم -أ�يها الم ؤ�منون -فيه ألنكم لم ُترك�ضوا
من الرزق في الدنيا ،والر�ضوان في ا آلخرة ،و ُن�صر ًة لتح�صيله خيل ًا ،ولم ُتروا إ�بل ًا ،ولم َت ْلقوا فيه حرب ًا ،ولا
لدين الله ور�سوله ،أ�ولئك هم ال�صادقون الذين �ص َّدق ْت ُك ِّلفتم فيه ُم�ْؤن ًة ،ولك ّن الله ي�سلط ر�سله على َم ْن ي�شاء
من عباده ويقذف الرعب في قلوبهم في�ست�سلمون ولا
أ�فعا ُلهم �أقوا َلهم. يقاتلون ،والله على كل �شيء أ�راده ذو قدرة لا يعجزه
9والذين اتخذوا المدينة �سكن ًا ،واب َتنوا فيها المنازل، معاجز.
و�آمنوا بالله ور�سوله من قبل مجيء المهاجرين -وهم
7ما ر ّده اللهُ ع ّز وج ّل على ر�سوله من �أموال كفار
ا ألن�صارُ -يحبون َم ْن هاجر إ�ليهم ،ولا يجدون في القرى ا ألخرى من غير قتال ف ُي ْق َ�سم خم�س َة �أ�سهم� :سهم
�صدورهم ح�سداً ،مما ُأ�وتي المهاجرون من الفيء، لله وللر�سول ،و�سهم لقرابة ر�سول الله من بني ها�شم
وبني الم َّطلب ،و�سهم لليتامى وهم أ�هل الحاجة من
و ُيعطون المهاجرين �أموا َلهم إ�يثاراً لهم بها على �أنف�سهم �أطفال الم�سلمين الذين مات �آبا�ؤهم ،و�سهم للم�ساكين
ولو كان بهم حاج ٌة وفاق ٌة إ�ليها .و َم ْن وقاه الله البخ َل وهم �أهل الفاقة والحاجة ،و�سهم لابن ال�سبيل وهو
والحر�ص ال�شديد على المال وو َّفقة للبذل والإنفاق، الم�سافر الذي انقطع عن بلده و أ�هله وماله ،وذلك حتى
لا يكون الما ُل متدا َول ًا بين ا ألغنيا ِء منكم خا�صة ،وما
ف�أولئك هم الرابحون المخ َّلدون في الجنة. أ�عطاكم ر�سول الله من الفيء وما أ�مركم به من �أمر
فخذوه ،وما نهاكم عنه من ال ُغلول وغيره من الأمور
فانتهوا عنه ،وخافوا الله ،واحذروا عقابه �إذا خالفتم
ر�سوله� ،إ َّن الله �شديد العقاب لمن خالف �أمره وع�صاه.
8وللفقراء المهاجرين كذلك ن�صيب من الفيء؛
546
الذين وعدوهم الخرو َج معهم ،و َلئن قاتلهم محم ٌد 10والذين جا ؤ�وا ِمن بعد أ�ولئك ا ألن�صار والمهاجرين
لا ين�صرونهم ،و َلئن َن�صروهم -على �سبيل الفر�ض
ي�ستغفرون لإخوانهم بقولهم :ر َّبنا اغفر لنا ولإخواننا
والتقدير -ألداروا ظهورهم فا ِّرين ُمنهزمين ،ثم لا ين�ص ُر الذين �سبقونا با إليمان ،ولا تجعل في قلوبنا حقداً لأح ٍد
اللهُ بني الن�ضير ،بل َيخذلهم ويهزمهم.
من �أهل الإيمان بك ،ربنا �إنك ر�ؤو ٌف بخلقك ،رحي ٌم
13ألنتم -أ�يها الم�ؤمنون -أ��ش ُّد رهب ًة في �صدور يهود ب َم ْن تاب وا�ستغفر من ذنوبه.
بني الن�ضير من الله ،فهم َي ْر َهبونكم أ��ش َّد من َر ْهبتهم
منه تعالى ،ذلك ِمن �أجل �أنهم قوم لا يدركون حقائق 11أ�لم َت َر � -أيها الر�سول� -إلى الذين نافقوا يقولون
لإخوانهم في الكفر والـ ُمولاة من أ�هل الكتاب -وهم
ا ألمور حتى يعلموا أ�ن الله أ�ح ُّق بالخ�شية من غيره. بنو ال َّن�ضير :-لئن ُ�أخرجتم من دياركم و ُأ�جليتم عنها
لنخرج َّن من ديارنا معكم ،ولا ن�ستجيب ألحد �س�ألنا
14لا يقاتلكم ه�ؤلاء مجتمعين إ�لا في قر ًى مح َّ�صنة، أ� ْن َن ْخذلكم ب�أ ّل نخرج معكم ،و�إ ْن قاتلكم محم ٌد و َم ْن
أ�و ِمن خلف حيطان ،ولا َيبرزون لكم ل َف ْرط ُجبنهم معه َلنن�صر ّنكم عليهم؟! والله ي�شه ُد ب أ�نهم كاذبون في
و َرهبتهم ،عداو ُتهم فيما بينهم �شديد ٌة ،تظ ّنهم م�ؤتلفين
وكلم َتهم مجتمعة ،والواقع أ� َّن قلوبهم مختلفة متنافرة، وعودهم.
ذلك من أ�جل �أنهم قو ٌم لا يعقلون م�صالحهم وما
ينفعهم ،ولو َع َقلوا لكانوا أ��سب َق �إلى اتباع الحق.
15حا ُل يهود بني الن�ضير في َغدرهم و إ�حلال الله
ب�أ�َسه فيهم كحال َم ْن �سبقهم قريب ًا من بني قي ُنقاع،
وكفا ِر قري�ش ،نالهم عقا ُب الله في الدنيا على كفرهم
وع�صيانهم وتم ُّردهم ،ولهم في الآخرة مع ما �أ�صابهم
في الدنيا من الهزيمة والخزي عذا ٌب ُمو ِجع.
16و َم َث ُل ه�ؤلاء المنافقين الكاذبين في �إغراء اليهود
على القتال كمثل ال�شيطان الذي غ َّر إ�ن�سان ًا وم ّناه
الأمان َّي ليكف َر و َي ْفج َر ،فل ّما ا�ستجاب له تخ َّلى عنه وتبر أ�
منه وقال له� :إ ِّن أ�خاف الله ر َّب العالمين إ� ْن ن�صر ُت َك.
و�أ َّنى لل�شيطان أ�ن يخاف الله! فكذلك المنافق.
َ 12لئن �أُخرج بنو الن�ضير لا َيخرج معهم المنافقون
547
17فكان عاقب َة أ�مر ال�شيطان والإن�سان الذي �أطاعه
فكفر بالله� ،أ ّنهما خالدان في النار ،وذلك جزا ُء اليهود
والمنافقين المذكورين ،وك ِّل كاف ٍر بالله ،ظال ٍم لنف�سه.
18يا �أيها الذين �ص َّدقوا الله وو ّحدوه ،اتقوا الله ب�أداء
فرائ�ضه ،واجتناب معا�صيه ،و ْل َينظر أ�ح ُدكم ما َق َّدم ليوم
القيامة من ا ألعمال ،وهل له عم ٌل �صالح ينجيه أ�َم عم ُله
�س ِّيئ ُي ْرديه؟ وخافوا الله� ،إ َّن الله خبير ب أ�عمالكم خيرها
و�ش ِّرها ،لا يخفى عليه منها �شي ٌء ،وهو مجازيكم عليها.
19ولا تكونوا كالذين تركوا �أداء ح ِّق الله الذي
�أوجبه عليهم ف أ�ن�ساهم اللهُ مناف َع �أنف�سهم من الخيرات،
�أولئك هم الخارجون من طاعة الله �إلى مع�صيته.
المل ُك الذي لا َملك فوقه ،ولا �شيء �إلا دونه ،المتعالي 20لا ي�ستوي أ�ه ُل النار و�أه ُل الجنة ،أ�ه ُل الجنة هم
عن كل َعيب ،المن َّزه عن كل نق�ص ،الذي َي�ْسلم خل ُقه الفائزون ،المد ِركون ِلـ َما طلبوا و�أرادوا من ر�ضا الله
من �أن يظلمهم ،فهو �أعدل العادلين ،الذي ُي َ�ؤ ِّمن عباده ور�ضوانه ،والناجون مما َح ِذروا من غ�ضب الله وعقابه.
الم ؤ�منين من العذاب ،الرقي ُب على ك ِّل �شيء الحاف ُظ
له ،الغال ُب الذي لا ُيغا َلب ،الذي لا يخرج �شيء عن 21لو �أنزلنا هذا القر�آن على جب ٍل و�أدر َك ما فيه
قب�ضته ،له العظمة والكبرياء في ال�سماوات والأر�ض، من الحكمة وال َو ْعد والوعيد لر أ�ي َت ُه -أ�يها الر�سول-
على �ش َّدته و�صلابته متذلِّل ًا مت�ش ِّقق ًا من خ�شية الله،
تن ّزه الله ع ّما ي�صفه الم�شركون الـ ُمب ِطلون. وقد �ُأنزل � -أي القر آ�ن -على ابن آ�دم وهو م�ست ِخ ٌّف
بح ِّقهُ ،معر� ٌض ع ّما فيه من العبر وال ِّذكر ،ك�أ ّن في �أذنيه
24هو الله �سبحانه المعبو ُد الخال ُق ولا خال َق �سواه، َ�صمم ًا عن �سماع آ�ياته ،وهذه الأمثال نو ِّ�ضحها للنا�س
الذي َب َر�أَ ال َخ ْلق ف أ�وجدهم بقدرته ،الم�ص ِّور لهم كيف
�شاء ،له ا أل�سماء الح�سنى ،ي�س ّبح له جمي ُع ما في ليتفكروا لعلهم يتوبون وينقادون للحق.
ال�سماوات والأر�ض وي�سجدون له طوع ًا وكره ًا ،هو
22إ� َّن الذي يت�ص َّدع من خ�شيته الجب ُل -أ�يها
الغالب على أ�مره فلا ُيغا َلب ،الحكي ُم في تدبيره وفي كل النا�س -هو الله ،المعبو ُد الذي لا تنبغي العباد ُة �إلا له،
ما يق�ضي ،فلا َي�ضع �شيئ ًا إ�لا في مو�ضعه� ،سبحانه. عا ِلـ ُم غي ِب ال�سماوات وا ألر�ض ،و�شاه ُد ما فيهما مـ ّما
ُيرى و ُيح� ُّس ،هو رحمن الدنيا والآخرة ،الرحيم ب�أهل
ا إليمان به.
23هو الله تعالى المعبو ُد الذي لا َت�صلح العبادة �إلا له،
548
هذا ك ِّله أ�نه لا يقنعهم منكم �إ ّل أ� ْن تكفروا وترجعوا �إلى 1يا �أيها الذين آ�منوا لا تتخذوا ع ُد ِّوي وعد َّوكم ِمن
ما كنتم عليه من ال�شرك. الم�شركين �أن�صاراً لكم و أ��صفياء ُتلقون �إليهم مو َّدتكم،
وقد كفروا بما جاءكم من عند الله من الح ِّقُ ،يخرجون
3إ� َّن هذه ا ألرحام الكافر َة التي َر ِغبتم في و�صلها الر�سول ويخرجونكم �أي�ض ًا من دياركم و أ�ر�ضكم
لي�ست بنافعة ،ويوم القيامة يف ّرق الله بينكم ف ُيدخل �أه َل
طاعته الجنة ،و�أه َل معا�صيه الكافرين به النار ،والله بما لأنكم آ�منتم بالله ربكم ،لا تفعلوا ذلك إ� ْن كنتم خرجتم
تعملون -أ�يها النا�س -ب�صير ،لا يخفى عليه �شيء منها، مهاجرين في طريقي الذي �شرعته لكم ،ملتم�سين
وهو مجازيكم بها ،إ� ْن خيراً فخير ،و إ�ن �شراً ف�ش ٌّر ،فاتقوا ر�ضايُ .ت�س ُّرون -أ�يها الم�ؤمنون -إ�لى الم�شركين ب�سبب
الله في أ�نف�سكم واحذروه. المو َّدة �أ�سرا َر الم ؤ�منين و أ�خبارهم التي لا يجوز �إظهارها،
و�أنا �أعلم بما �أ�سررتم وما �أعلنتم ،و َم ْن يفعل ذلك منكم
4قد كان لكم � -أيها الم ؤ�منون -قدو ٌة ح�سن ٌة في
�إبراهي َم خلي ِل الرحمن والذين معه -يعني زو َج ُه �سارة َف َقد جار و�ض َّل عن طريق الحق.
واب َن �أخي ِه لوط ًا -حين قالوا لقومهم الذين كفروا بالله
وعبدوا الطاغوت� :أيها القوم ،إ�نا بري ُئون منكم ومن � 2إ ْن يتمك ْن ه ؤ�لاء الم�شركون منكم وت�صبحوا في
الذين تعبدون من دون الله من ا آللهة وا ألنداد ،كفرنا قب�ضتهم َتظهر عداو ُتهم وتمت ّد أ�يديهم إ�لى ا إل�ضرار بكم
بكم ،و َظ َهر بيننا وبينكم العداو ُة والبغ�ضاء أ�بداً على و َق ْتلكم ،وتنطلق �أل�سنتهم ب�س ّبكم و�َشتمكم ،و�أ�ش ُّد من
كفركم بالله وعبادتكم ما �سواه ،ولا ُ�ص ْلح بيننا ولا مودة
حتى ُت�ص ِّدقوا بالله وحده ،فتوحدوه و ُت ْفردوه بالعبادة. 549
لك ْن قول �إبراهيم ألبيه :أل�ستغفرن لك وما �أملك لك
من الله من �شيء ،ف�إنه لا �ُأ�سوة لكم -أ�يها الم�ؤمنون-
فيه ،أل َّن ذلك كان عن َم ْو ِعدة وعدها إ�براهي ُم �إ ّياه ،قبل
�أن يتب َّي له �أنه عد ٌّو لله ،فلما تب َّي له �أنه عد ٌّو لله تبر أ�
منه ،فكذلك فافعلوا -أ�يها الم�ؤمنون -تب َّر ؤ�وا من �أعداء
الله من الم�شركين ،ولا تتخذوا منهم �أولياء .وقولوا ما
قال إ�براهيم والذين آ�منوا معه :ر َّبنا عليك توكلنا و�إليك
رجعنا بالتوبة مما تكره إ�لى ما تحب وتر�ضى ،و إ�ليك
م�صي ُرنا و َمرج ُعنا.
5ر َّبنا لا تجعلنا فتن ًة للذين كفروا بك فجحدوا
وحدانيتك ،وعبدوا غيرك ،ب�أن ُت�س ِّلطهم علينا ،فيروا
�أنهم على حق ،ونحن على باطل ،فتجعلنا بذلك فتن ًة
لهم ،وا�ست ْر علينا ذنوبنا ،بعفوك عنها ،إ�نك أ�نت القو ُّي
الغالب ،الحكي ُم في ق�ضائه وتدبيره.
له ّن ،و�أعطوا �أزواجه ّن م ْث َل ما دفعوا من المهور ،ولا 6لقد كان لكم -أ�يها الم ؤ�منون -في إ�براهيم و َمن
حرج عليكم �أن تتزوجوه ّن �إذا دفعتم �إليهن مهوره ّن، معه قدوة ح�سنة لمن كان يرجو ثوا َب الله والنجاة في
وفا ِرقوا � -أيها الم ؤ�منون -ن�ساءكم الم�شركات من َع َب َدة اليوم ا آلخر ،و َم ْن ُيعر�ض عن ذلك وي�ستكبر ويوا ِل
الأوثان ،واطلبوا من الكفار ما �أنفقتم من المهور على الأعداء ف�إ ّن الله هو الغني عن َخلقه ،الم�ستح ُّق للحمد
�أزواجكم اللاتي َف َررن إ�ليهم ،و ْل َيطلب الكفا ُر منكم
ما أ�نفقوا من المهور على زوجاتهم اللاتي هاجرن إ�لى في ذاته وجميع �أفعاله.
الم�سلمين ،هذا -الذي ُذ ِكرُ -حكم الله يحكم بينكم
فلا تتع َّدوه ،والله علي ٌم بما ُي�صلح َخلقه ،حكي ٌم في تدبير 7ع�سى الله أ�ن يجعل بينكم � -أيها الم�ؤمنون -وبين
الذين عاديتم من م�شركي قري�ش مود ًة ،ب أ�ن ي�ؤمنوا
�أمورهم. و ُي�ْسلموا ،والله قدير على ذلك -وذلك لئلا يتع َّجلوا
في �أم ٍر لهم فيه �أناة ،وقد أ�نجز الله لهم ما وعدهم -والله
11و�إ ْن َلـ ِحـق ْت بع�ُض زوجاتكم بالكفار مرتدات، غفو ٌر لخطيئة َم ْن أ�خط�أ ب إ�لقاء المو َّدة �إلى الم�شركين �إذا
وامتنع الكفار عن دفع مهوره ّن �إليكم ،فغزوتم وغنمتم
ف�أعطوا الذين ذهب ْت أ�زوا ُجهم مث َل ما دفعوا من تاب ،رحي ٌم فلا يعذبهم بعد التوبة.
المهور ،واتقوا الله الذي �أنتم به م ؤ�منون ،بامتثال أ�وامره
8لا ينهاكم الله � -أيها الم�ؤمنون -عن الذين لم
واجتناب نواهيه. يقاتلوكم في الدين -من أ�هل مكة وغيرهم -ولم
ي�ضط ُّروكم إ�لى ترك دياركم أ�ن تب ُّروهم بالإح�سان إ�ليهم
550 و�صلتهم ،و�أن َتعدلوا فيهم� ،إ َّن الله يح ُّب الـ ُمن�صفين
الذين ُين�صفون النا�س ،ويعطونهم الح َّق والعدل من
�أنف�سهم ،في َ ُّبون َم ْن ب َّرهم ،ويح�سنون �إلى َم ْن �أح�سن
إ�ليهم.
9إ�نما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في دينكم،
و�أخرجوكم من دياركم ،وعاونوا َمن �أخرجكم� ،أ ْن
توالوهم وتكونوا ُن َ�صاء لهم ،و ُت ْلقوا إ�ليهم بالمودة ،و َم ْن
يفعل ذلك ف�أولئك هم الظالمون؛ ِل َو�ضعهم الولاية في
غير مو�ضعها.
10يا �أيها الذين �آمنوا -من �أ�صحاب النبي � -إذا
جاءكم الن�ساء الم�ؤمنات مهاجرات من دار الكفر إ�لى دار
ا إل�سلام فاختبروه ّن بحيث َي ْغ ِلب على ظ ّنكم موا َفق ُة
قلوبه ّن �أل�سنته ّن في ا إليمان ،الله َأ�علم بحقيقة ا ِّدعائه ّن،
ف�إنه الم ّطلع على ما في القلوب ،ف إ� ْن َغ َلب على ظ ّنكم
�صد ُقه ّن في دعواهن ا إليمان فلا ُتعيدوه ّن إ�لى �أزواجهن
الكفرة ،فلا ه ّن حلال لهم ،ولا الرجال الكفار َيح ِّلون
1ن َّزه اللهَ تعالى وق َّد�سه ك ُّل ما في ال�سماوات وما في 12يا �أيها النبي �إذا جاءك الم�ؤمنا ُت بالله يق�صدن
الأر�ض من الخلقُ ،م ْذعنين له بالربوبية ،وهو العزيز في
مبايع َتك على �أن لا ي�شركن بالله �شيئ ًا ،ولا َي�سرقن ،ولا
ُملكه ،الحكيم في تدبيره. َيزنين ،ولا يقتلن �أولاده ّن و أْ�داً � -أو في �أثناء الحمل-
2يا �أيها الذين �ص َّدقوا الله ور�سوله ِلـ َم تقولون ولا ُيلحقن ب�أزواجه ّن �أولاداً لي�سوا منهم ،ولا يع�صينك
القول الذي لا ُت�ص ّدقونه بالعمل؟! وهذا �إنكار على َم ْن فيما ت أ�مرنه ّن من المعروف الذي أ�مرك الله به؛ فعا ِهده ّن،
َي ِع ُد ِع َد ًة أ�و يقول قول ًا لا يفي به ،أ�و ي�أمر بخير ولا ي أ�تيه، و�َس ْل له َّن الله �أن ي�صفح عن ذنوبه ّن ،وي�سترها عليهن،
�أو َينهى عن �ش ٍّر وي�أتيه. �إن الله وا�سع المغفرة ،عظيم الرحمة.
َ 3ع ُظ َم ُبغ�ض ًا عند ربكم �أن تقولوا ما لا تفعلونه.
� 4إ ّن الله يحب الذين يقاتلون ُن�صر ًة لدينه و إ�علا ًء
لكلمته وهم م ْ�ص َط ُّفون ك أ�نهم في ا�صطفافهم في ميادين
الجهاد بنيا ٌن مترا�ٌّص ُمح َكم ،فلا ينفذ منه نافذ.
5واذكر -أ�يها الر�سول -إ�ذ قال مو�سى بن عمران
لقومه :يا قوم ِلـ َم ت ؤ�ذونني ب أ�قوالكم و أ�فعالكم ،و�أنتم
تعلمون حق ًا �أني ر�سول الله إ�ليكم؟ فلما َع َدلوا عن
الحق مع علمهم به ،و أ��ص ّروا على ذلك �أما َل لله قلو َبهم
و�صرفها عن قبول الح ِّق والا�ستقامة عقوب ًة لهم ،والله لا
يو ِّفق لإ�صابة الحق القو َم الخارجين عن طاعته الـ ُم�ص ِّرين
على الغواية.
13يا �أيها الذين آ�منوا لا ُتوا ّدوا ولا ُتوالوا قوم ًا غ�ضب
الله عليهم -من اليهود وغيرهم -قد يئ�س ه�ؤلاء القوم
الذين غ�ضب الله عليهم من ثواب الله تعالى في ا آلخرة
فلا ح َّظ لهم فيه ،ي أ��س ًا ُي�ْشبه ي أ�� َس الكفار ا ألحياء من
موتاهم الذين هم في القبور أ�ن ُيبعثوا �أحياء مر ًة ثاني ًة.
551
6واذكر أ�ي�ض ًا � -أيها الر�سول� -إذ قال عي�سى ابن
مريم لقومه :يا بني �إ�سرائيل إ�ني ر�سول الله إ�ليكم م�ص ِّدق ًا
ِلـ َما بين يد َّي من التوراة التي �ُأنزلت على مو�سى،
ومب�ِّشاً بر�سول ي أ�تي من بعدي ا�سمه أ�حمد ،فلما
جاءهم هذا الر�سول الذي ب�ّش به عي�سى -وهو محمد
-بالدلالات وال ُحجج الم�ؤيِّدة لر�سالته قالوا :هذا
�سحر ظاهر!
عاقبة ا ألمور وم�ضا َّر ا أل�شياء ومنافعها. 7ولا �أحد أ��ش ُّد ظلم ًا وعدوان ًا ممن اختلق على الله
الكذ َب وقال عن النب ِّي إ�نه �ساحر ،وما جاء به �سحر،
� 13 12إنكم � -أيها الم�ؤمنون -إ� ْن فعلتم ما أ�مركم وهو ُيدعى إ�لى الدخول في ا إل�سلام؛ الدي ِن الح ِّق الذي
به ربكم ي�صف ْح عنكم ويع ُف ،و ُي ْدخلكم ب�ساتين تجري �أنزله الله م�ؤ َّيداً بالحجج الدامغة ،والبراهين ال�ساطعة.
من تحتها ا ألنهار ،وم�ساك َن ت�ستطيبها ا ألنف�س ،في واللهُ لا يو ِّفق القو َم الذين ظلموا أ�نف�سهم بكفرهم
جنا ِت إ�قام ٍة لا خروج منها ولا موت فيها ،ذلك هو
الفوز الكبير ،ولكم مع هذه النعم نعم ٌة �أخرى هي ن�صرٌ وتع ُّنتهم و َك ِذبهم ،للإيمان بالحق الذي فيه نجا ُتهم.
من الله وفت ٌح قري ٌب ،وب�ِّش -أ�يها الر�سول -الم ؤ�منين
8يريد ه ؤ�لاء الظالمون القائلون ما قالوا أ�ن ُيبطلوا
بهذا الف�ضل الكبير. الحق الذي بعث الله به محمداً - -ب�أفواههم،
فهم ك َم ْن ينفخ على نار عظيم ٍة ظن ًا جاهل ًا منه �أنه
14يا أ�يها الذين آ�منوا كونوا �أن�صاراً لله ولر�سوله كما �س ُيخمدها ويذهب بنورها! والله ُمعلن الحق ،و ُمظهر
كان �أ�صحاب عي�سى حين دعاهم إ�لى ُن�صرته و ُن�صرة دينه ،ونا�صر نب َّيه ،على َمن عاداه ووقف في طريقه ،ولو
دين الله ،فتب ّينت الح َّق طائف ٌة من بني �إ�سرائيل ف�آمنت به
وا ّتبعته ،و�ض ّلت طائفة فكفرت به وجحدته ،فق ّوينا كره الكافرون بالله ذلك.
الم ؤ�منين على مخالفيهم ف أ��صبحوا غالبين من�صورين
9هو �سبحانه الذي أ�ر�سل ر�سوله محمداً بالهدى
عليهم. الوا�ضح الب ِّي ،والدين الح ِّق الذي لا ِم ْرية فيه وهو
الإ�سلامِ ،ل ُي ْعل َيه على ك ِّل دين �سواه ،ولو كره الم�شركون
و�َسعوا إ�لى الت�ضييق عليه والح ِّط منه.
10يا أ�يها الذين �آمنوا بالله ور�سوله هل أ�ُر�شدكم إ�لى
تجارة رابحة ُتخ ِّل�صكم من عذا ٍب ُموج ٍع �شديد؟
11ت�ستقيمون -أ�يها الم ؤ�منون -على �إيمانكم بالله
ور�سوله ا�ستقام ًة لا ِع َوج فيها ،وتجاهدون ل ُن�صرة دينه
و�شريعته ب�أموالكم و�أنف�سكم ،ذلك �أح�سن حال ًا وم�آل ًا
لكم من ت�ضييع ذلك ،والتفريط فيه� ،إ ْن كنتم تعلمون
552
وهم التابعون و َمن تبعهم من العرب وال َعجم إ�لى يوم
الدين ،وهو العزيز الذي لا ُير ُّد له أ�مر ،الحكيم في �شرعه
وتدبيره.
4هذا الدين -الذي أَ�ر�سل به محمداً َ -ف ْ�ض ٌل
منه تعالى عظيم ،ي ُم ّن بالهداية �إليه على َمن ي�شاء ،والله
ذو الف�ضل الكبير على عباده.
َ 5م َث ُل الذين �ُأوتوا التوراة من اليهود والن�صارى،
و أ�ُمروا بالإيمان والعمل بما فيها ،ثم خالفوا وك َّذبوا بما
فيهما من التب�شير بمحمد - -والأم ِر با إليمان به
واتباعهَ ،م َث ُلهم كمثل الحمار يحمل على ظهره كتب ًا من
كتب العلم لا ينتفع بها ،ولا يعقل ما فيها ،بئ�س ما ُ َي َّثل
به حا ُل القوم الذين ك َّذبوا ب�أدلة الله و ُحججه .والله لا
يو ِّفق للهدى القو َم الذين ظلموا �أنف�سهم و�أ�ص ُّروا على
الكفر ب آ�يات ربهم.
6قل � -أيها الر�سول -لليهود :يا �أيها الذين هادوا ُ 1ينـ ِّزه اللهَ تعالى و ُيع ِّظمه ك ُّل ما في ال�سماوات
�إن ا ّدعيتم أ�نكم �أحباب لله دون �سواكم من النا�س، وما في ا ألر�ضَ ،طوع ًا و َكره ًا ،الـ َمل ُك المتف ِّرد بالملك،
فتم َّنوا المو َت لت ْح َظوا بالنعيم الأوفى ،إ�ن كنتم �صادقين المتعالي عن كل عيب ،العزيز الغالب الذي لا ُيقهر،
في دعواكم. الحكيم في تدبيره و�أمره.
7ولك ّنهم لا يتمنونه �أبداً لح ِّبهم الدنيا ولعلمهم 2هو تعالى الذي �أر�سل في العرب ر�سول ًا منهم،
بكذبهم ،ومعرفتهم بما اجترحوا من �سيئات و آ�ثام ،والله
يقر أ� عليهم �آيات الله التي �أنزلها عليه ،و ُيط ِّهرهم من
عليم بمن ظلم نف�سه ،فك َّذب و�أ�ساء و�أ ِثم. َد َن�س الكفر وال�شرك والمع�صية ،و ُيع ِّلمهم الكتاب
وال�ُّسنة وما فيها من �أمر الله ونهيه ،و�شرائع دينه ،وقد
8قل -أ�يها الر�سول -لهم� :إ َّن الموت الذي كانوا من قبل بعثته في انحرا ٍف ظاه ٍر عن �سواء ال�سبيل.
تكرهونه وت�أبون �أن تتمنوه ولو ب أ�ل�سنتكم ،ف إ�نه آ�تيكم
ونازل بكم ،ثم ُترجعون إ�لى عا ِلـم ال�س ِّر والعلانية وما 3وهو تعالى الذي أ�ر�سله � - -إلى قوم �آخرين
غاب وما ح�ضر ،فيخبركم حينئ ٍذ بما كنتم تعملون في ي�أتون َبعد ال�صحابة ي َّت�صلون بهم وي�سيرون ِ�سير َتهم،
هذه الدنيا ويجازيكم عليه.
553
وال�ص ِّد عن دين الله؛ ألنهم �ص َّدقوا الله ور�سوله 9يا �أيها الذين �ص َّدقوا الله ور�سوله إ�ذا نادى المنادي
ب�أل�سنتهم ،ثم �ش ّكوا وكفروا بقلوبهم ،وا�ستمروا على ل�صلاة الجمعة فام ُ�ضوا م�سرعين إ�لى �سماع الخطبة و�أداء
ذلك ،فختم الله على قلوبهم فلا ي�صل �إليها هدى أ�و ال�صلاة ،واتركوا البيع وال�شراء و�سائر ما ي�شغلكم عن
ذكر الله ،ذلكم ال�سع ُي �أف�ض ُل لكم و�أنفع ،ف إ� َّن َن ْفع
نور ،فهم لا يفقهون ما فيه �صلاحهم.
الآخرة خي ٌر و أ�بقى� ،إ ْن كنتم من �أهل العلم والفهم.
4و إ�ذا ر أ�يت ه�ؤلاء المنافقين تعجبك ُ�ص َو ُرهم 10ف�إذا ُ�أ ِّديت ال�صلاة و ُف ِر َغ منها فانت�شروا في
وهيئتهم ،و إ� ْن يتك ّلموا ُت�صغ لكلامهم ِ -لـما ُأ�عطوا من الأر�ض إلقامة م�صالحكم ،والتم�سوا من ف�ضل الله
ف�صاحة وبيان -والحقيق ُة أ�نهم ل ُخل ّو قلوبهم من ا إليمان الذي بيده مفاتيح خزائنه لدنياكم و أ�خراكم ،واذكروا
وعقولهم عن الفهم والعلم النافع ،كا ألخ�شاب الم�سندة الله كثيراً بالحمد له ،وال�شكر على ما أ�نعم به عليكم،
إ�لى الحوائط ،لا حياة فيهاَ ،يح�سبون -ل�ش ّدة فزعهم ِل ُتفلحوا فتدركوا �آمالكم عند ربكم ،وت�صلوا إ�لى ال ُخلد
وخو ِف افت�ضاح �أمرهم -ك َّل �صيح ٍة نذي َر �ش ؤ�م عليهم،
�ألا إ�نهم هم العد ُّو الكامل لك وللم�ؤمنين؛ فاحذر في جناته.
خيانتهم ومكرهم ،أ�خزاهم الله ،كيف ين�صرفون عن
الحق بعد و�ضوحه �إلى ال�ضلال؟! وهذا تعجي ٌب ِم ْن 11و إ�ذا ر أ�ى بع�ُض الم�ؤمنين تجار ًة أ�و �شيئ ًا مما ُيلهى به
�أ�سرعوا إ�ليه وتركوك � -أيها الر�سول -قائم ًا َتخطب،
جهلهم و�ضلالهم. قل لهم� :إ َّن الذي عند الله من الثواب لمن جل�س م�ستمع ًا
الخطبة والموعظة خي ٌر من ال َّلهو والتجارة التي َيذهبون
إ�ليها ،والله خير رازق ،فارغبوا �إليه في طلب الرزق،
وا�س�ألوه التو�سعة والبركة .وقد ح�صل ذلك منهم قبل
معرفة ال ُح ْكم.
� 1إذا جاءك المنافقون -أ�يها الر�سول -قالوا
ب أ�ل�سنتهم :ن�شه ُد إ� َّنك لر�سول الله ،والله يعلم إ�نك
لر�سوله ،قال المنافقون ذلك �أو لم يقولوه ،والله ي�شهد
�إ َّن المنافقين لكاذبون في إ�خبارهم عن أ�نف�سهم بذلك.
2ا َّتخذ المنافقون َح ِل َفهم وقاي ًة يدفعون به عن
�أنف�سهمَ ،ف َ�ض ُّلوا ،و�أ�ض ُّلوا غي َرهم ،و�ص ُّدوهم بنفاقهم
هذا عن دين الله و�شريعته ،إ�نهم �ساء ما كانوا يعملون من
النفاق وال�ص ِّد.
3ذلك الذي ي�صدر عنهم من ال�شهادة الكاذبة
554
ذلك ،فلهذا يقولون ما يقولون.
8ويقول ه ؤ�لاء المنافقون -وكانوا مع ر�سول الله
في غزوة بني الـ ُم ْ�ص َط ِلق :-لئن رجعنا �إلى المدينة
ل ُيخرج َّن الأع ُّز منها ا ألذ َّل -يق�صدون بالأع ِّز أ�نف َ�سهم
وبا ألذ ِّل الم�ؤمنين -فر ّد الله عليهم �أن لله الع ّزة والـ َم َنعة
وال َغ َلبة ولر�سوله وللم�ؤمنين ،لا لغيرهم ،ولك َّن المنافقين
لا يعلمون ،ولهذا يتو ّهمون في �أنف�سهم القو َة وفي
غيرهم من الم ؤ�منين ال�ضع َف.
9يا أ�يها الذين �ص َّدقوا الله ور�سو َله حافظوا 5و إ�ذا قيل لهم :تعالوا �إلى ر�سول الله تائبين لي�ستغفر
على �صلواتكم وعبادتكم ولا َت�شغلكم أ�موا ُلكم ولا لكم ح َّركوا ر ؤ�و�سهم م�ستهزئين ،ور�أي َت ُهم ُيع ِر�ضون
�أولا ُدكم عنها ،و َم ْن ي�شغله ما ُله و أ�ولاده عن ذكر الله ع ّما ُدعوا إ�ليه ِمن الخير وهم م�ستكبرون في أ�نف�سهم
وعبادته وطاعته ف�أولئك هم الـ َمغبونون في الثواب،
متعالون على دعوة الحق.
ِلـ َما يفوتهم من كرامة الله ورحمته.
� 6سوا ٌء على ه�ؤلاء المنافقين� ،أ�ستغفر َت لهم -أ�يها
10و�أن ِفقوا � -أيها الم�ؤمنون بالله ور�سوله -من الر�سول�َ -أم لم ت�ستغفر لهم ،لن ي�صف َح الله عنهم بل
الأموال التي رزقناكم من قبل �أ ْن ي أ�تي أ�ح َدكم المو ُت ُيعاقبهم ويخزيهم� ،إن الله لا يو ِّفق ل إليمان القوم الكاذبين
فيقو َل عند نزوله به :يا ر ّب ه ّل �أمهلتني فت ؤ�خر في
أ�جلي إ�لى وق ٍت قري ٍب ف أ�ت�ص َّد َق و أ�عمل بطاعتك عليه ،الكافرين به ،الخارجين عن طاعته.
و ُ�أ�ؤَ ِّدي فرائ�ضك ،و�أدخل في ِعداد ال�صالحين. 7ه ؤ�لاء المنافقون هم الذين يقولون أل�صحابهم :لا
تنفقوا على َم ْن عند ر�سول الله من �أ�صحابه المهاجرين
11ولن ي�ؤ ِّجل اللهُ في �أجل �أحد ،فيم ّد له فيه إ�ذا حتى يتف َّرقوا عنه .ولله وحده جميع ما في ال�سماوات
ح�ضر وق ُت موته ،والله خبير ب�أعمال عباده ،محيط والأر�ض ،وبيده مفاتيح خزائنهما ،لا يقدر أ�ح ٌد أ�ن
بها ،لا يخفى عليه �شيء ،وهو مجازيهم بها :المح�سن ُيعطي �أحداً �شيئ ًا �إلا بم�شيئته ،ولك ّن المنافقين لا يفقهون
ب�إح�سانه ،والم�سيء ب إ��ساءته ،فبادروا العم َل ال�صالح،
واحذروا الأم َل.
555
7ا ّدعى الذين كفروا بالله �أ َّن الله لن يبعثهم من ُ 1يق ّد�س اللهَ و ُينزهه ك ُّل ما في ال�سماوات وما في
قبورهم بعد َماتهم ،قل لهم -أ�يها الر�سول :-بلى الأر�ض ،له الملك وحده دون غيره ،يفعل في ملكه ما
ور ِّبي ل ُت ْب َعـ ُّث َّن ثم ل ُت ْخ َ ُّب َّن ب أ�عمالكم التي عملتموها في
ي�شاء ،ولا ي�ستح ُّق الحم َد على الحقيقة �أحد �سواه ،ما
الدنيا ،وذلك على الله �سهل ه ّي. من نعمة �إلا هي منه ،وهو القادر الذي لا ُيعجزه �شيء
8ف�ص ِّدقوا بالله وبر�سوله ،و آ�منوا بالنور الذي أ�نزلناه �أراده.
-وهو هذا القر�آن -والله خبير ب�أعمالكم ،محيط بها،
2هو تعالى الذي �أن�ش أ�كم -أ�يها النا�س -فمنكم
مح�صيها جميع ًا ،و�سيجازيكم عليها.
كاف ٌر بخالقه ،ومنكم م�ص ِّد ٌق به ،موق ٌن �أنه لا يقدر
� 9سيجازيكم على أ�عمالكم يو َم يح�شركم ويح�شر على الخلق غيره ،والله ب�صي ٌر ب�أعمالكم ،عالـ ٌم بها
النا�س ك َّلهم لل َع ْر�ض والح�ساب ،ذلك يوم التغابن� ،أي
الخ�سران والتفاوت؛ إ�ذ تظه ُر فيه خ�سار ُة الذين كفروا و�سيجازيكم عليها.
ِلـ َما يفوتهم من النعيم العظيم ،و َم ْن ُي�ص ّدق بالله و ُيطعه
َيْ ُح الله عنه ذنوبه ،وي ْدخله جنات تجري من تحت 3خلق ال�سماوات ال�سب َع وا ألر�ض بالحكمة البالغة،
ق�صورها و�أ�شجارها ا ألنها ُر ،ماكثين فيها أ�بداً ،وذلك ولم يخلقهما عبث ًا ،و�ص ّوركم ف�َأح�س َن �صوركم ،و�إليه
هو الفوز الكبير ،الذي لا فو َز ُيقاربه أ�و ُيدانيه. مرجعكم بعد الموت.
556 َ 4يعلم ر ُّبكم -أ�يها النا�س -ك َّل ما في ال�سماوات
والأر�ض ،ويعلم ما ُتخفون في أ�نف�سكم وما ُتظهرون،
والله عليم بما ُتك ُّنه ال�صدور ،فاتقوا الله ظاهراً وباطن ًا،
واحذروا �أن ُت�س ُّروا غير الذي تعلنون مما لا ير�ضى به
الله.
� 5ألم َي ْبلغكم � -أيها الم�شركون -خب ُر الذين كفروا
من قبلكم ،فم�َّسهم عذا ُب الله على كفرهم؟ ولهم يوم
القيامة عذا ٌب مو ِجع.
6هذا العذاب الذي نالهم ،والعذاب المع ُّد لهم
ِمن أ� ْجل أ�نه كانت ت أ�تيهم ر�سلهم بالآيات البينات
الوا�ضحات ،فا�ستكبروا وقالوا� :أب�شرٌ مث ُلنا ير�شدوننا؟!
فكفروا بالله ،وجحدوا ر�سال َة ُر�سله ،و�أدبروا عن الحق
فلم يقبلوه ،وا�ستغنى الله عن إ�يمانهم وطاعتهم ،والله غن ٌّي
عن جميع خلقه ،م�ست ِح ٌّق للحمد على جميع نعمه.
َف َعل و�أ ْع َذر �إليكم با إلبلاغ.
13معبو ُدكم -أ�يها النا�س -معبو ٌد واحد ،لا ت�صلح 10والذين جحدوا وحداني َة الله ،وك َّذبوا بمعجزاته
العبادة لغيره ،ولا معبو َد لكم �سواه ،وهو الله تعالى، و�آ ِي كتابه الذي أ�نزله على عبده محمد � - -أولئك
أ��صحا ُب النار ماكثين فيها أ�بداً ،لا يموتون فيها ولا
وعلى الله وحده فليتوكل الم�ص ِّدقون بوحدانيته. يخرجون منها ،وبئ�س الم�صير الذي �صاروا إ�ليه ،وهو
14يا أ�يها الذين �ص َّدقوا الله ور�سوله إ� َّن ِمن جهنم.
أ�زواجكم و أ�ولادكم �أعدا ًء لكم ُي َث ِّبطونكم عن طاعة
الله وي�شغلونكم عن الخير ،فاحذروا أ�ن َيـ ْحملكم 11ما نزل ب�أَح ٍد ِمن الخلق من م�صيبة �إلا بق�ضاء الله
ح ُّبهم على مع�صية الله .و�إ ْن تغفروا لهم و ُتعر�ضوا عن وم�شيئته وتقديره ،و َم ْن ي�ص ِّدق بالله و ُيع ِّظمه يو ِّفق اللهُ
عقوبتهم؛ ف إ�ن الله عظيم الرحمة وا�سع المغفرة ،يغفر لمن قل َبه إ�لى الت�سليم لأمره ،والر�ضا بق�ضائه ،والله بكل �شي ٍء
عليم ،لا يخفى عليه ما كان ويكون وما هو كائن من
َي ْغفر ،ويرحم َم ْن يرحم.
قبل أ�ن يكون.
15ما �أموالكم -أ�يها النا�س -و�أولادكم �إلا بلا ٌء
ُت َت َحنون به ،واللهُ عنده ثوا ٌب كبير لمن آ�ثر طاعة الله ولم
يقع في ا إلثم إ�ر�ضا ًء للولد وحب ًا في المال.
16فاب ُذلوا -أ�يها الم�ؤمنون -ق ْد َر طاقتكم و ُو�ْسعكم
في تقوى الله ،وا�سمعوا لر�سوله ،و�أطيعوه في الأمر
والنهي ،و أ�نفقوا مما أ�نعم الله به عليكم فذلك خير
ألنف�سكم ،و َم ْن يحفظه الله ِمن البخل و�ُش ّح النف�س
ف�أولئك هم الفائزون.
17إ� ْن تنفقوا من �أموالكم في وجوه الخير ابتغا ًء
لمر�ضاة الله ي�ضا ِع ْف ر ُّبكم لكم الثواب ،ويغف ْر لكم
ذنوبكم التي �َس َلف ْت منكم ،واللهُ �شكور ألهل الإنفاق
في �سبيله ،حلي ٌم عن مع�صية العا�صين ،فلا ُيعاجلهم بما
ي�ستحقون من العقوبة.
18هو �سبحانه عالـ ٌم بما غاب عن علم خلقه ومالم 12و أ�طيعوا الله -أ�يها النا�س -في أ�مره و َنهيه،
َيغب ،وهو العزيز الغال ُب على �أمره ،الحكيم في تدبيره و أ�طيعوا ر�سوله ،ف إ�ن أ�دبرتم م�ستكبرين ولم تفعلوا فلا
ت�ض ُّرون �إلا �أنف�سكم ،وما على ر�سولنا �إلا البلاغ ،وقد
وت�صريفه.
557
جعل الله لكل �شيء من طلا ٍق وع َّدة وغير ذلك من �أمور 1يا أ�يها النب ُّي ُقل ُلأ ّمتك� :إذا أ�ردتم تطلي َق ن�سائكم
الدنيا ح ّداً و�أجل ًا ينتهي إ�ليه. بعد الدخول به َّن ،فط ِّلقوهن في وق ٍت َي�ْس َتقبلن
فيه ِع ّدتهن -وهو ال ُّطهر الذي لم يقع فيه جماع-
4والن�سا ُء المط َّلقات اليائ�سات من الحي�ض -إ� ْن وا�ضبطوا الع ّد َة �ضبط ًا تام ًا لئلا يقع فيها خط أٌ� �أو َل ْب� ٌس،
�شككتم و�َأ�شكل عليكم حكم ع ّدتهن -فعدتهن ثلاثة وخافوا الله ر َّبكم الذي لم ي�شرع لكم إ�لا ما فيه �صلاح
أ��شهر ،وكذلك ال�صغيرات اللائي لم َيح�ضن �أ�صل ًا� ،أ ّما أ�حوالكم ،فلا تط ِّلقوا إ�لا طلاق ًا �شرعي ًا ،ولا ُت�ضا ُّروا
المطلقات الحاملات فع َّد ُتهن و�ض ُع حملهن ،و َم ْن ي َخف ن�ساءكم المطلقات ب�إخراجهن من بيت الزوجية حتى
تنتهي ِع َّدتهن ،ولا يجو ُز له َّن الخرو ُج منه ،ولكن
الله فيلتزم ب أ�حكامه يي�سر له �أمره ،ويو ّفقه لما فيه الخير. إ�ذا فعلن ِف ْعل ًة من َكر ًة ظاهر َة ال ُفح�ش ،ف َيح ُّل عند ذلك
�إخرا ُجهن .وتلك ا ألحكام المذكور ُة في الطلاق حدو ُد
5هذا الذي ُب ِّ َي لكم ِمن حكم الطلاق وال َّرجعة الله ،و َم ْن يتع َّد هذه الحدود فقد ظلم نف�سه ،وع َّر�ضها
وال ِع ّدة أ�م ُر الله الذي ي أ�مركم به� ،أنزله �إليكم -أ�يها للعقوبة .والت ِزم -أ�يها المط ِّلق -ب أ�حكام الله ف إ�نك لا
الم�ؤمنون -لت أ�تمروا به وتعملوا بمقت�ضاه ،و َم ْن َيخف الله
في َّتقه باجتناب معا�صيه و أ�داء فرائ�ضه ،يم ُح عنه ذنو َب ُه تدري لع َّل الله ُي ْوقع في نف�سك الرغب َة في ا�ستئناف الحياة
و�سيئا ِت أ�عماله ،و ُيجز ْل له الثوا َب على عمله ذلك الزوجية مع تلك المر�أة ،فتراجعها.
وتقواه ،و ُي ْعظم �أجره في ا آلخرة ب أ�ن ُيدخله جنته خالداً
3 2ف إ�ذا �شار َفت ال ِع ّد ُة على الانق�ضاء ،ف�أنتم أ�مام
فيها.
خيارين� :إ ّما أ�ن ُتراجعوهن مراجع ًة قائم ًة على ح�سن
المعا�شرة� ،أو تتركوهن إ�لى نهاية ال ِع َّدة فيكون الفراق،
و َي�سقط ح ُّقكم في ال َّرجعة ،ويجب أ�ن يكون ذلك
بالمعروف أ�ي�ض ًا ،و�َأ�ْشهدوا على كلا الأمرين رجلين
ع ْد َلين م�سل َمين ،و�أ ُّدوا ال�شهادة -أ�يها ال�شهود� -أدا ًء
خال�ص ًا لله .ذلك المذكو ُر من �أحكام الطلاق والع َّدة
و�آدابها ُيو َعظ و ُين�صح به َم ْن كان ي�ؤمن بالله واليوم
الآخر -وفي ذلك إ��شارة إ�لى �أثر الإيمان في حياة النا�س-
و َم ْن يخ ِف اللهَيهي ْئ له خلا�ص ًا من كل م أ�ْزق ،و�سع ًة من
كل �ضيق ،ويرزقه رزق ًا كريم ًا من حيث لا َيرت ِقب �أو
يخطر بباله ،و َمن يتوكل على الله في أ�موره ،ب أ�ن يعتمد
بقلبه عليه فهو تعالى عند ح�سن ظنه به ،يكفيه ويحميه
وي ؤ�ويه� ،إ َّن الله ُمنفذ �أمرهُ ،مـ ْم�ٍض في خلقه ق�ضا َءه ،قد
558
�ض ِّيق ًا فلينف ْق مما �أعطاه الله على َق ْدر ماله ،لا يك ِّلف الله �َ 6أ�ْس ِكنوا المط َّلقات ِمن ن�سائكم م َّد َة ال ِع ّدة
أ�حداً من النفقة الواجبة �إلا على َق ْدر طاقته� ،سيجعل الله مما تقدرون عليه أ�نتم ِمن ال�َّسكن بح�سب �سعتكم
وقدرتكم ،ولا تق�صدوا إ�لى الإ�ضرار به ّن في الم�سكن
لل ُمق ِّل من المال بعد ال�شدة رخا ًء ،وبعد ال�ضيق �سع ًة. الذي ُت�سكنونه ّن فيه ،بق�صد الت�ضييق عليهن ،و�إ ْن
ك َّن ذوا ِت ح ْمل ف�أنفقوا عليهن حتى ي�ضعن حمله ّن،
9 8وكم من �أهل قرية �أع َر�ضوا عن أ�مر ربهم ف إ� ْن أ�ر�ضعن لكم أ�ولادكم ف�أعطوه ّن أ�جرة الر�ضاعة،
ور�سله وتمادوا في إ�عرا�ضهم وطغيانهم فحا�سبناهم على و َت َوا�صوا فيما بينكم بح�سن المعاملة و�سخاء الأنف�س
وطيب الكلام ففي ذلك م�صلحة لكم وللمولود ،و�إن
جحودهم نعمتنا وكفرهم بها ح�ساب ًا ع�سيراً لم ُتغفر
لهم فيه َز ّلة ،وع َّذبناهم عذاب ًا عظيم ًا لم يروا مثله ولا اختلف الرج ُل والمر أ�ة في َر�ضاع ولدها منه فامتنع ْت
قريب ًا منه ،فذاقوا عاقب َة ما عملوا من ال�شر ،و آ� َل �أم ُرهم من َر�ضاعه إ�لا ب�أجرة يمتنع الرجل عن دفعها ،فلا �سبيل
�إلى ال َخ�سارة العظمى ،ألنهم باعوا نعيم ا آلخرة بقليل له عليها ،ولي�س له �إكرا ُهها ،ولكنه ي�ست�أجر للمولود
من الدنيا خ�سي�س. مر�ضع ًا غير أ�مه.
� 11 10أع َّد الله له ؤ�لاء الكافرين من �أهل القرى ِ 7ل ُي ْن ِف ْق َم ْن و�ّسع الله عليه ِمن �َسعته على َمن تج ُب
في جهنم عذاب ًا �شديداً؛ فخافوا اللهَ يا أ��صحاب العقول نفق ُته عليه كمطلقته الحامل وغيرها ،و َم ْن كان رزقه
الراجحة ،ولا تغ َّر ّنكم الحيا ُة الدنيا فقد أ�نزل الله عليكم
قر�آن ًا يهدي �إلى الطريق الم�ستقيم ،و أ�ر�س َل إ�ليكم ر�سول ًا 559
يتلو عليكم آ�يات الله تب ِّي لكم �سبيل النجاة وال�سعادة؛
لـ ُيخرج الذين �ص َّدقوا الله ور�سوله وعملوا ا ألعمال
ال�صالحة المر�ضية من ظلمات الكفر إ�لى نور ا إليمان،
و َم ْن ي�ص ِّد ْق بالله ويعم ْل بطاعته ُيدخله جنات تجري من
تحتها الأنهار ماكثين فيها �أبداً ،قد ح�ّسن الله للم�ؤمن
ال�صالح ما رزقه فيها من الـ َمطاعم والم�شارب ،و�سائ ِر
ما أ�ع ّده له.
12الله هو الذي خلق �سب َع �سماوات -لا ما يعبد
الم�شركون من ا آللهة والأوثان التي لا تقدر على خلق
�شيء -و َخ َل َق من ا ألر�ض مث َله ّن ،يتنزل �أم ُر الله وق�ضا ؤ�ه
وتدبي ُره بينهن؛ كي تعلموا -أ�يها النا�سِ -ع َظ َم قدرته
و�سلطانه ،ولتعلموا �أ َّن الله بكل �شيء من أ�مور خلقه
محيط علم ًا ،فتعظموه وتوحدوه وتطيعوه وترجوا ما
عنده.
1يا أ�يها النب ُّي ِلـ َم تح ِّرم على نف�سك ما أ�باح الله لك،
تبتغي بذلك إ�ر�ضاء أ�زواجك؟ والله غفور قد غفر لك
تحريمك هذا ،رحي ٌم �شدي ُد الرحمة بك .والمراد بالتحريم
هنا َم ْن ُع النف�س من الانتفاع مع اعتقاد أ� ّن ذلك حلال.
2قد �ش َرع الله لكم كفار َة �أيمانكم ،وح َّدها لكم
-كما في ا آلية ( )89من �سورة المائدة -واللهُ َم ْولاكم
الرحي ُم بكم الغفور لكم ،وهو العلي ُم بم�صالحكم،
الحكيم في تدبير �أموركم.
منه ّن من الطاعة ،كثيرات العبادة له� ،صائما ٍت ،منهن 3و�إذ أ��س َّر النب ُّي �إلى إ�حدى أ�زواجه -وهي حف�صة
َم ْن �َسبق لها الزواج ،ومنهن َم ْن لم ي�سبق. ر�ضي الله عنها� -أمراً ،وهو تحريم جاريته ماري َة على
6يا أ�يها الذين �ص ّدقوا الله ور�سوله احفظوا أ�نف َ�سكم نف�سه ،وط َلب منها كتمانه ،ف�أخبر ْت بذلك عائ�شة
و�أهليكم من نا ٍر حط ُبها النا�س والحجارة ،يقوم عليها -ر�ضي الله عنها -فلما فعل ْت و�أطلع اللهُ نب َّيه على أ�نها
ملائك ٌة غلاظ على �أهل النار�ِ ،شداد عليهم ،لا يخالفون أ�ف�شت �س َّره ،ذكر لحف�صة َط َرف ًا من ا ألمر ،وترك َط َرف ًا،
الله في أ�مره الذي ي�أمر به ،ولا يتجاوزون ما ي ؤ�مرون. فقالت حف�صةَ :من أ�خبرك بهذا؟ قال :أ�خبرني العلي ُم
وهذا الحفظ يكون بالتزام �شرع الله و�إقامة حدوده في ب�سرائر عباده و�ضمائر قلوبهم ،الخبي ُر ب�أمورهم ،الذي
النف�س وا ألهل. لا يخفى عليه �شيء.
7يقال للكافرين يوم القيامة :يا أ�يها الذين كفروا � 4إن ت�ؤوبا -يا عائ�شة وحف�صة� -إلى الله بالتوبة
بالله لا ُتبدوا أ�عذا َركم اليوم ،فلا ُظلم فيه؛ إ�نما تجزون
على أ�عمالكم التي كنتم تعملونها في الدنيا جزا ًء وفاق ًا. فقد وقع منكما ما يقت�ضي الأوب َة والتوب َة ،إ�ذ مال ْت
قلوبكما �إلى محبة ما كرهه ر�سو ُل الله ِمن اجتنابه
جاريته وتحريمها على نف�سه ،و�إن اتفقتما عليه بما ي�سو�ؤه
ف�إ ّن الله هو و ِل ُّيه ونا�صره ،وجبري ُل ،وخيا ُر الم ؤ�منين،
والملائك ُة بعد ذلك �أعوا ٌن على َم ْن �آذاه �أو �أراد م�ساءته.
5ع�سى ر ُّب محمد �إ ْن طلقكن -يا مع�شر �أزواجه-
أ� ْن ُي ْبدله �أزواج ًا خيراً منكن ،خا�ضعا ٍت لله ،م�ص ّدقا ٍت
بالله ور�سوله ،مطيعا ٍت لله ،راجعا ٍت إ�لى ما يحبه الله
560
جهنم ،وهي بئ�س المو�ضع الذي ُي�صار إ�ليه. 8يا أ�يها الذين �ص ّدقوا الله ور�سوله ارجعوا من
ذنوبكم إ�لى طاعة الله ،و إ�لى ما ير�ضيه عنكم رجوع ًا
َ 10م َّث َل اللهُ مثل ًا للذين كفروا بالله من النا�س :امر أ� َة
نوح وامر�أ َة لوط ،كانتا تحت عبدين من عبادنا �صالـ َحين �صادق ًا با إلقلاع ع ّما �أنتم عليه من الذنب ،والند ِم على
وهما نوح ولوط عليهما ال�سلام ،فخانتاهما بعدم ما ف َرط منكم ،مع َع ْقد العزم على عدم العودة �إليه �أبداً!
ع�سى ربكم أ�ن يمح َو عنكم �سيئات �أعمالكم التي �َس َلف ْت
متابعتهما لهما في الدين ،فلم يملك هذان النب ّيان أ�ن منكم ،و أ�ن يدخلكم جنات تجري من تحت ق�صورها
يدفعا عنهما عذا َب الله ،وقيل لهما عند نزول ق�ضاء الله و أ��شجارها ا ألنهار ،يوم يح ِّقق الله للنبي - -ما
فيهما :ادخلا النار مع الداخلين .وفي هذا دلال ٌة على �أ ّن
وعده من ا إلكرام و ِرفعة المقام ،وكذلك للذين �آمنوا
ال ُق ْرب من ا ألنبياء وال�صالحين بالزواج أ�و الن�سب أ�و غير
ذلك من غير �إيما ٍن ،غي ُر ناف ٍع ولا داف ٍع للعذاب. معه ،ي�سعى نو ُرهم أ�مامهم وب أ�يمانهم ،يقولون :ربنا
أ� ْب ِق لنا نورنا حتى َنوز ال�صراط ،وا�ست ْر علينا ذنوبنا ولا
11و َ�ضب اللهُ مثل ًا للذين �ص َّدقوا الله وو َّحدوه:
امر�أ َة فرعون التي آ�منت بالله وو َّحدته و�ص َّدقت ر�سو َله تف�ضحنا� ،إنك على هذا وغيره قدير لا يعجزك �شيء.
مو�سى ،وهي تحت عد ٍّو من أ�عداء الله ،فلم ي�ض ّرها كف ُر
زوجها لكونها م ؤ�منة ،وكان من ق�ضاء الله أ�لا ت ِز ُر وازر ٌة 9يا أ�يها النبي جاهد الكفا َر بال�سيف ،والمنافقين
وز َر أ�خرى ،و�أ َّن لك ِّل نف�س ما ك�سب ْت� ،إذ قالت :ر ِّب بالوعيد والح ّجة ،وا�ْش ُدد عليهم في جهادهم ،و َم�ْسك ُنهم
اب ِن لي عندك داراً في الجنة ،و أ�نقذني ِم ْن عذاب فرعون،
ومن �أ ْن �أعمل عم َله ،وخ ِّل�صني و أ�نقذني من عمل القوم
الكافرين ،و ِم ْن عذابهم .ومغزى َ� ْضب هذا المثل
للم�ؤمنين أ�نه لا ي�ض ُّرهم مخالطة الكافرين إ�ذا كانوا
محتاجين إ�ليهم ،و أ�ن َ�ص ْولة الكفر لا ت�ص ُّد الم ؤ�منين
ال�صادقين عن �إيمانهم.
12و َ�ضب الله مثل ًا للذين آ�منوا :مريم ابنة عمران
التي حفظ ْت نف�سها ،و�صان ْت عر�ضها ،ف�أمرنا جبري َل
فنفخ في َج ْيب قمي�صها � -أي فتحته من �أعلاه-
فو�صلت النفخ ُة �إلى فرجها فحملت بعي�سى -عليه
ال�سلام -و�آمن ْت بكلمات ربها ،والتوراة التي �ُأنزلت
على مو�سى ،والإنجيل الذي ُأ�نزل على عي�سى ابنها،
وكانت من القوم المطيعين العابدين لله وحده.
561
9قالوا :بلى ،قد جاءنا نذي ٌر ينذرنا ،فك َّذبنا وعاندنا َ 1تعا َظم وتعالى الذي بيده مل ُك الدنيا وا آلخرة
وقلنا له :ما ن َّزل الله من �شيء كما ت ّدعي ،وما أ�نتم -أ�يها و�سلطانهما ،وهو على ما ي�شاء فع َله قدي ٌر ،لا يمنعه من
الر�سل� -إلا أ�دعياء بعيدون عن الحق. فعله مان ٌع ،ولا َيحول بينه وبينه عج ٌز.
10وقال ذلك الفريق الذي ُرمي في النار للملائكة:
لو كنا في الدنيا ن�سمع ل ألنبياء �سما َع تع ُّق ٍل وفه ٍم ِلـ َما 2الذي أ�وجد الموت والحياة ف أ�مات َم ْن �شاء وما
يقولون وما َي ْدعون إ�ليه من الخير ما ك ّنا اليوم في هذا �شاء ،و أ�حيا َم ْن أ�راد وما �أراد إ�لى أ�جل معلوم؛ ليختبركم
-أ�يها النا�س -فينظر أ� ّيكم �أطو ُع له ،و�أ�سرع �إلى طلب
الم�صير ال�ّس ِّيئ مع أ�هل النار. ر�ضاه ،وهو العزيز الذي لا ُيغالب ،الغفور الذي
11ف�أق ّروا بذنبهم حين لا ينفعهم الإقرار ،ف ُبعداً
يتجاوز ع ّمن تاب و�أناب.
ألهل النار وطرداً لهم عن رحمة الله.
� 12إ ّن الذين يخافون ربهم -وهم لم يروه -لهم 3هو الذي خلق �سبع �سماوات فجعلها طباق ًا :طبق ًا
عف ٌو من الله عن ذنوبهم ،وثوا ٌب جزيل على إ�يمانهم فوق َطبق ،بع�ضها فوق بع�ض ،ما ترى في �شيء مما خلق
الرحمن من عيب أ�و خلل أ�و ا�ضطراب ،ف ُر َّد ب�ص َرك
وخوفهم -في ال�س ِّر والع َلنِ -م ْن ر ِّبهم.
وانظر هل ترى في �شيء ت�ص ُّدع ًا �أو �ُشقوق ًا؟
562
4ثم ُر ّد ب�ص َرك مرة بعد أ�خرى ،وعاود النظر والت�أمل
هل ترى من فطور أ�و �صدوعَ ،يرج ْع إ�ليك ب�ص ُرك بعد
طول الت�أمل والبحث خائب ًا ،قد �أ�صابه ا إلعيا ُء وال َك َلل.
5ولقد ز ّينا ال�سما َء القريب َة من الأر�ض بنجو ٍم لامع ٍة
م�ضيئ ٍة ،وجعلنا منها �ُشهب ًا ُترمى بها ال�شياطين التي
تحاول ا�سترا َق ال�سمع ،وه ّي�أنا َبع ُد له�ؤلاء ال�شياطين في
ا آلخرة عذا َب ال�سعير ،تو َقد عليهم و ُته َّيج نا ُرها حتى
ي�شت َّد لهي ُبها.
6وللذين كفروا بربهم -الخالق الرازق -في
ا آلخرة عذا ُب جهنم ،وبئ�س الم�صي ُر ذلك الم�صير.
� 7إذا ُرمي الكافرون في جهنم �سمعوا لها �صوت ًا
�شديداً مز ِعج ًا وهي تغلي غليان ًا ُمخيف ًا.
8تكاد جهنم تتقطع من �ش َّدة الغيط على الكافرين،
كلما ُرمي فيها فريق �س�ألهم الملائكة المك َّلفون بها� :ألم
ُيبعث �إليكم َم ْن يح ّذركم هذا العذاب؟
ولا ينفعكم حينئ ٍذ عل ُمكم.
١٨ولقد ك ّذبت ا ألم ُم ال�سابقة على ه ؤ�لاء الم�شركين
من مكة ُر�س َلهم ،فكيف كان نكيري عليهم؟
�ص٩ا١فا ٍ�أتَو أ�لمجن َينحتظهرن،ه�ؤولياقءب�اضلمن�هشاركوقوت ًانبع�إلدىوقالتطيلرلا�فستوقعاهنةم
بها على التحليق؟ ما ُي�سك الطي َر في ج ِّو ال�سماء �إلا
الرحمن� .إ ّن الله بكل �شيء ب�صير ،يرعى ك َّل �شيء ،ولا
يغيب عن ب�صره �شيء.
٢٠أ�َ ْم َمن هذا الذي هو جن ٌد لكم -أ�يها الكافرون-
ين�ص ُركم من دون الرحمن �إن �أراد بكم �سوءاً ،فيحميكم
ويدفع عنكم ال�سوء؟ ما الكافرون إ�لا في غرو ٍر زائف
وظ ٍّن خائب.
َ� ٢١أ ْم َم ْن هذا الراز ُق المزعوم الذي يطعمكم
وي�سقيكم وي�أتيكم ب أ�قواتكم �إ ْن �أم�سك ر ُّبكم رزقه
عنكم؟ بل تمادى الكافرون في طغيان ونفور عن الحق
وا�ستكبا ٍر عن التذ ُّكر والا�ستب�صار.
النا�س -من َّك�س ًا على أ�لفا َميبن�يصمُر�ش�شييئ ًامَأ�ن ْهكدمى-و أ� أ��يشهُّدا ٢٢ ١٣و أَ� ْخفوا قو َلكم � -أيها النا�س� -أو �أعلنوه ،إ�نه
ا�ستقامة على الطريق، وجهه تعالى ذو عل ٍم ب�ضمائر ال�صدور ،فكيف بما ُنطق به؟
َأ� ْم َمن يم�شي كما يم�شي �سائر النا�س على أ�قدامهم في
طري ٍق لا اعوجاج فيه؟ وهذا ت�صوي ٌر للم�ؤمن المب�صر الحق � ١٤أ َل َيعلم �سبحانه َم ْن َخ َلق ،وهو خالقهم ورازقهم
والكافر ا ألعمى عنه. ومد ِّبر �أمورهم ،وهو ال َّلطيف بعباده الخبير بهم
٢٣قل -يا محمد -للمك ِّذبين بالبعث :الله هو وب أ�عمالهم؟
الذي خلقكم و أ�نعم عليكم بال�سمع وا ألب�صار وا ألفئدة
لت�سمعوا �آيات الله وتب�صروها و َتعقلوها ،ولكنكم قليل ًا ١٥هو �سبحانه الذي ذ َّلل لكم -أ�يها النا�س -ا ألر�َض
ما ت�شكرون ربكم با�ستعمال هذه النعم فيما ُخ ِل َق ْت له. وي�َّس لكم �أ�سبا َب الحياة فيها ،فام ُ�شوا في نوا ِحيها
وجوانبها ،و ُكلوا من رزق الله الذي �أخر َجه لكم منها.
٢٤قل :هو �سبحانه الذي خلقكم وب َّثكم في ا ألر�ض، و إ�لى هذه ا ألر�ض مر ِجعكم ،ثم �إلى الله َبع ُثكم ِمن
و إ�لى الله ُتـح�شرون يوم القيامة.
قبوركم ،و�َسو ُقكم لل َع ْر�ض والح�ساب.
٢٥ويقول الم�شركون :متى يكون البعث والح�شر؟ في ال�٦س١ماء أ�هملرهأ�نتوقم�ض-ا ؤ�أ�يهه�أا ْنايلكخا ِ�فسروفنب-كمفاي ألأ�رما� ٍنض،مـف َّ�إمذان
�أخبرونا به إ�ن كنتم �-أيها الواعدون به� -صادقين في هي
و ْعدكم. تخت ُّل حركتها وتفقد توازنها فت�ضطرب بكم فتهلكون؟
٢٦قل -يا محمد -له�ؤلاء الم�ستعجلين :إ�نما عل ُم �َ ١٧أ ْم �أنتم في �أما ٍن مـ َّمن في ال�سماء �أن يمطر عليكم
ا إلنذار، نذي ٌر لكم وا�ض ُح وما �أنا إ�لا ال�ساعة عند الله، حجارة مه ِلكة؟ ف�ستعلمون -أ�يها الكافرون -كيف
من البلاغ. ما أ�ُمرت به وقد أ� َّديت إ�ليكم عاقبة إ�نذاري لكم� ،إ ْذ ك َّذب ُتم به ،ور َددتموه على ر�سولي،
563
و أ�عل ُم بقومك ِم ْن كفار قري�ش ،و أ�نهم �ضا ّلون عن �سبيل ٢٧فل ّما ر أ�ى ه ؤ�لاء الم�ستعجلون عذا َب الله قريب ًا
الحق. وعاينوه َظ َه َر الا�ستيا ُء في وجوههم ،وقيل لهم توبيخ ًا
وتقريع ًا :هذا العذا ُب الذي كنتم تطلبون تعجي َله
٩ ٨فلا ُتطع -يا محمد -المك ّذبين ب آ�يات الله،
َو َّد ه ؤ�لاء المكذبون لو َتلين لهم في دينك ،وتجيبهم إ�لى ونزوله.
الركون إ�لى آ�لهتهم ،فيلينون لك في عبادتك إ�ل َه َك. ٢٨قل -يا محمد -للم�شركين� :أخبروني � -أيها
النا�س� -إ ْن �أماتني الله و َمن معي� ،أو رحمنا ف أ� َّخر في
١٥ - ١٠ولا ُتطع -يا محم ُد -ك َّل مكث ٍر من �آجالنا ف َم ْن يحمي الكافرين ِم ْن عذا ٍب ُمو ِج ٍع ُم�ؤ ِلـ ٍم �إ ْن
الحلف بالباطل ك ّذا ٍب حقي ِر الر�أي والتدبير ،مغتاب أ�نزله الله بهم؟ �إ َّن موتنا �أو حياتنا لن تنجي الكفار من
للنا�س ي أ�كل لحومهم ،م�ّشا ٍء بنقل حديث النا�س بع�ضهم
في بع�ض يبتغي بذلك ا إليقا َع بينهم ،بخي ٍل بالمال، عذاب الله.
�ضني ٍن به عن الحقوق ،د�أ ُب ُه العدوا ُن على النا�س ،كثي ِر
ارتكاب ا آلثام ،جا ٍف �شدي ٍد في كفره ،منت�س ٍب إ�لى قو ٍم ٢٩وقل :ر ُّبنا هو الرحمن� ،ص ّدقنا به ،وعليه اعتمدنا
لي�س منهم ،لا تطع َم ْن هذا و�صفه من أ�جل �أنه ذو ما ٍل في أ�مورنا ،وبه ثقتنا فيها ،ف�ستعلمون � -أيها الم�شركون-
وبنين� ،إذا ُتقر أ� عليه �آيات كتابنا قال -ا�ستخفاف ًا بها،
و إ�معان ًا في التكذيب والجحود :-هذا م ّما كتبه ا ألولون َم ْن هو في ُبع ٍد عن الحق بعي ٍد.
من الخرافات وا ألكاذيب .وقد نزلت هذه ا آليات في ٣٠وقل� :أخبروني � -أيها الم�شركون -إ� ْن َذهب
ما�ُؤكم في الأر�ض فلم تنله ال ِّدلا ُء ولم ت�صلوا �إليه بو�سيل ٍة
�أحد الم�شركين من أ�هل مكة.
ف َمن يجي ُئكم بما ٍء َع ْذ ٍب قري ٍب ظاه ٍر؟
564
} ٤ - ١ﮊﮉ{ �سبق الكلا ُم على هذه الحروف
الـ ُمق ّطعة في �أول �سورة البقرة .
أ�َق�سم الله تعالى ب ِج ْن�ِس القلم الذي ُيخ ّط به في ال�سماء
في اللوح المحفوظ ،وفي �صحف الملائكة الح َف َظة ،وفي
الأر�ض بما يكتبه الكاتبون مما هو خير أ�و نفع :ما �أن َت
-يا محم ُد -بما �أنعم اللهُعليك من النبوة وكمال العقل
بمجنون ،كما ي َّدعي ه ؤ�لاء الم�شركون ،و إ� ّن لك لثواب ًا من
الله عظيم ًا ،غير منقو�ص ولا مقطوع ،و�إنك لعلى �أد ٍب
عظي ٍم ،ذلك هو �أدب القر�آن و ُخلق الإ�سلام و�شريعته.
٦ ٥ف�سترى -يا محمد -ويرى م�شركو قومك
الذين يقولون فيك الكذب أ�يّكم المجنون.
٧إ� ّن ربك هو �أعل ُم بك -يا محمد -و أ�نك مهت ٍد،
�أنكروها و�ش ّكوا فيها قال بع�ضهم� :إنا أ�خط�أنا الطريق، � ١٦س َن ِ�سمه كما ُيو�َسم البعير ،فنجعل له علامة على
فر َّد عليه آ�خر :بل نحن محرومون .قال �أف�ضلهم عقل ًا: �أنفه لا تخفى ولا تفارقه �إمعان ًا في �إذلاله والت�شهير به.
�ألم �أ ُق ْل لكم ه ّل تنزهون الله عن مع�صيته بمنع ح ِّق
الم�ساكين؟ فرجعوا �إلى أ�نف�سهم و�أدركوا أ�نهم �أُخذوا ١٨ ١٧إ� ّنا امتح ّنا م�شركي قري�ش �إذ �أمرناهم
ب�سوء نيتهم فقالوا� :سبحان ربنا إ�نا كنا ظالمين حق ًا، با إلنفاق مما آ�تيناهم ،كما امتحنا �أ�صحا َب الجنة� ،إذ
ف�أقبل بع ُ�ضهم على بع�ض ،يلوم ك ٌّل منهم الآخر ،قالوا: َحلفوا َل َي ْج ُنون ثمارها �إذا أ��صبحوا ،ولا يتركون �شيئ ًا
�إ ّنا كنا متجاوزين الحق فيما عزمنا عليه ،ع�سى ر ُّبنا أ�ن
يع ّو�ضنا خيراً من هذه الجنة المحترقة� ،إنا �إلى ربنا وحده منها للم�ساكين.
راغبون ،راجون ما عنده من العفو والرزق. ٢٠ ١٩ف َط َرق جن َة ه�ؤلاء القوم ليل ًا طار ٌق من �أمر
الله وهم نائمون ،ف أ��صبحت محترق ًة �سوداء ك�سواد
٣٣كما فعلنا ب�أ�صحاب هذه الجنة� ،إذ ع ّجلنا لهم
العقوبة في الدنيا نفع ُل بمن يخالف �أمرنا ويكفر نعمتنا الليل المظلم البهيم.
ويبخل بما آ�تيناه ،و َلعقوب ُة الآخرة أ�كبر لو كان الم�شركون ٢٥ - ٢١فنادى بع ُ�ضهم بع�ض ًا بعد �أن �أ�صبحوا� :أن
يعلمون ،ولكنهم جاهلون لا يرتدعون عما هم عليه من اخرجوا مب ِّكرين إ�لى زرعكم إ�ن كنتم تريدون الح�صاد،
فم�ضوا وهم يت�سا َر ُرون يقو ُل بع�ضهم لبع�ض :لا َيدخل َّن
الكفر والع�صيان. ج ّنتكم اليوم عليكم م�سكين .و َغ َدوا على �أم ٍر قد ق ّرروه
٣٦ - ٣٤إ� َّن للذين َيحذرون مخالف َة الله عند ربهم يرون في �أنف�سهم القدر َة عليه .
ب�ساتين النعيم الدائم ،أ�فنجع ُل الخا�ضعين لي بالطاعة
كالذين اكت�سبوا الم آ�ثم و َركبوا المعا�صي؟ ما لكم كيف ٣٢ - ٢٦فل ّما و�صلوا إ�لى جنتهم ور�أوها محترق ًة
حكمتم هذا الحكم الذي لا َي�صدر �إ ّل عن َخل ٍل في
565
الفكر وف�سا ٍد في الر�أي؟!
� ٣٨ ٣٧أ َلكم في ُحكمكم هذا م�ست َند من كتا ٍب
منز ٍل على نب ٍّي مر�سل ف�أنتم تحفظونه وتقر ؤ�ون فيه �أ ّن
لكم ما تختارون وت�شتهون؟
َ� ٣٩أ ْم �أخذتم من الله عهوداً م�ؤ َّكد ًة إ�لى يوم القيامة
�أن لكم ما تحكمون وتختارون ألنف�سكم من الثواب
والنعيم في الآخرة؟
َ� ٤١ ٤٠س ْل -يا محمد -ه ؤ�لاء الم�شركين َمن
منهم �ضام ٌن ي�ضمن هذا لهم؟ أَ� ْم لهم �شركاء قادرون
على نفعهم وتحقيق م�آربهم فلي�أتوا ب�شركائهم إ�ن كانوا
�صادقين في هذا الم َّد َعى؟
٤٢يوم ُيك�ش ُف عن �أم ٍر �شديد عظيم ،و ُيدعى الكفار
إ�لى ال�سجود توبيخ ًا لهم وتح�سيراً ،فلا يطيقون لفقدهم
القدرة على ذلك.
وتثب ُت فيها ا ألمور الح َّق ُة التي كان ينكرها الكافرون ٤٣منك�سر ًة �أب�صارهم ،تغ�شاهم ذل ٌة من عذاب الله،
من البعث والح�ساب والجزاء -وهي القيامة -وتفخيم ًا وقد كانوا في الدنيا ُيدعون إ�لى ال�سجود وهم �سالمون،
ل�ش أ�نها وتعظيم ًا ل َهولها َو ّجه الله الا�ستفها َم عنها لغير فلا ي�ستجيبون ،فاليوم لا ُي َّكنون من ال�سجود ولا
ُمع َّي ،فقال} :ﮱﯓ{ ،ثم و ّجه الا�ستفها َم للر�سول ي�ستطيعون.
- -زيادة في تعظيم �ش�أنها وبيان ًا ل�شدة هولها، ِ ٤٥ ٤٤ك ْل -يا محمد -أ�م َر ه ؤ�لاء إ�ل َّي� ،سنمتعهم
فقال} :ﯕﯖﯗﯘ{. بمتاع الدنيا فيتمادون في طغيانهم ثم ن أ�خذهم بغت ًة
وهم لا ي�شعرون ،و�أُم ُّد في أ�عمارهم لتتكامل ُحججي
٨ - ٤ك ّذبت ثمو ُد وهم قو ُم �صالح ،وعا ٌد قو ُم
هود ،بال�ساعة التي َتقرع النا� َس بمباغتتهم و إ�فزاعهم، عليهم� ،إ ّن كيدي ب�أهل الكفر قو ٌّي �شديد.
ف أ� ّما ثمود ف أ�هلكهم الله و�أبادهم بال�صيحة الطاغية التي
جاوز ْت في �شدتها الح َّد ،و�أ ّما عاد ف�أهلكهم بريح قاهرة َ ٤٧ ٤٦أ� ْم ت�س�أل -يا محمد -ه�ؤلاء الم�شركين جزا ًء
متناهية في �شدة بردها وهبوبها� ،س َّخرها الله عليهم �سب َع دنيوي ًا على دعوتهم ون�صيحتهم فهم ي أ�بون الا�ستجابة
ليال وثمانية أ�يام متتابعة ،فترى -يا محمد -قوم عاد لك من ِث َقل ذلك ال ُغرم؟! َأ� ْم عندهم عل ُم ما ا�ست أ�ثر الله
َهلكى مطروحين أ�ر�ض ًا ك أ�نهم �أ�صول نخل قد خوت به ِمن الغيب فهم يكتبون منه �أنهم خير منكم و�أنهم في
وت�آكلت ،فهل ترى لهم ِمن بقاء أ�و ترى منهم باقي ًا؟ م�أمن من العقاب؟!
٥٠ - ٤٨فا�صبر -يا محمد -لق�ضاء ربك وام�ِض
لما �أمرك به ولا تكن ك�صاحب الحوت -وهو يون�س بن
م ّتى عليه ال�سلام -ولا تترك دعوتهم وتذهب ُمغا�ضب ًا
كما ذهب ،واذكر حين دعانا وهو مغموم في بطن
الحوت ،ولولا �أن تداركته نعم ٌة من ربه ل َنبذه -بعد أ� ْن
ن ّجاه من بطن الحوت -في ف�ضاء من ا ألر�ض وهو �سقيم،
َملوم على ما فعل ،ولكنه �سبحانه قبل تو َبته ور َّد عليه
عافيته وا�صطفاه لر�سالته وجعله من ال�صالحين.
٥١و إ� ْن يكاد الذين كفروا َل ُي�صيبونك ب�أعينهم
الـ ُم َّتقدة غيظ ًا وعداو ًة لـ ّما �سمعوا كتاب الله ُيتلى،
ويقولون -تنفيراً للنا�س منك لـ ّما لم يجدوا مطعن ًا في
القر�آن� :-إنه لمجنون ،وهذا الذي يتلوه من ذاك.
٥٢وما القر آ� ُن الذي يتلوه محم ٌد �إلا ذك ٌر من الله ذ ّك َر
به العالمين ِمن الج ِّن وا إلن�س .
} ٣ - ١ﮯ{ �أي ال�ساع ُة الحا َّقة؛ التي َ ُت ُّق
566
ويحمل عر� َش ربك فوقهم يومئ ٍذ ثمانية من الملائكة، ١٠ ٩وجاء فرعو ُن م�ص َر و َم ْن قب َله ِمن الأمم
يومئ ٍذ ُتع َر�ضون � -أيها النا�س -على ربكم ،لا يخفى المك ِّذبة ب آ�يات الله ،و�أ�صحا ُب القرى التي انقلب ْت بهم،
وهم قوم لوط ،جاء ك ُّل ه ؤ�لاء بالأعمال الخاطئة ،فع َ�صوا
على الله منكم �شيء مهما �أخفيتموه.
ر�سول ربهم ،ف�أخذهم ر ُّبهم �أخذ ًة زائد ًة في ال�شدة.
٢٠ ١٩ف أ� ّما َم ْن ُ�أعطي كتاب أ�عماله بيمينه،
فيقول من فرحه :تعالوا اقر ؤ�وا كتابي ،إ�ني كنت موقن ًا � ١٢ ١١إ ّنا لـ ّما َك ُث الماء فتجاوز ح َّده �أيام الطوفان
ح َملنا �أجدا َدكم مع نوح في ال�سفينة التي تجري في الماء،
بالح�ساب فعمل ُت له ،خوف ًا من عذاب الله وطمع ًا في لنجعل ال�سفينة وق ّ�صتها عبرة وموعظة تتعظون بها،
رحمته. وتحفظ خب َرها ك ُّل �أذ ٍن واعي ٍة ِم ْن �ش�أنها أ�ن تحفظ ،وتعقل
٢٤ - ٢١فهذا و�أمثا ُله من الم ؤ�منين ال�صالحين في ما ت�سمع.
عي�شة ير�ضونها ،في جن ٍة عالية المقام رفيعة المقدار،
١٨ - ١٣ف�إذا َن َفخ �إ�سرافي ُل في ال�صور النفخة
ثمارها قريبة الـ َج َنى �سهلة المقت َنى ،يقول لهم ر ُّبهم: الأولى ،و ُح ِملت ا ألر�ُض والجبا ُل ف ُ�ضب بع�ضها على
كلوا وا�شربوا -يا عبادي -هنيئ ًا بما ق َّدمتم في دنياكم بع�ض �ضرب ًة واحدة ،فيومئ ٍذ قامت القيامة ،وان�صدعت
ال�سما ُء وت�ش ّققت فهي يومئ ٍذ �ضعيفة م�سترخية بعد �أن
الما�ضية آلخرتكم الباقية. كانت مح َكمة متما�سكة ،والملائكة على �أطرافها،
٢٩ - ٢٥و�أ ّما َم ْن �ُأعطي يومئ ٍذ كتاب �أعماله
ب�شماله ،فيقول :يا ليتني لم �ُأعط كتابي ،ولم أ�علم ما عل َّي
من عقوبة ،يا ليت الموتة التي م ُّتها في الدنيا كانت هي
النهاية فلا �شيء بعدها ،لم َيدفع ع ّني مالي الذي جمع ُته
وث ّمر ُته وكنز ُته �شيئ ًا من عذاب الله ،ذهب ع ّني جاهي
وانقطع ْت ُحججي ،فلا ح ّجة لي �أحت ُّج بها ،ولا قوة لي
أ�دفع بها عن نف�سي.
٣٤ - ٣٠يقول الله لملائكته ِم ْن َخ َزنة جهنم:
خذوا هذا المف ِّر َط الخا�س َر فاجمعوا يديه �إلى عنقه وق ِّيدوه
بالقيود ،ثم �أدخلوه نار جهنم ل َي�صلى ح َّرها الذي لا
يطاق ،ثم أ�دخلوه في �سل�سلة حديدية طولها �سبعون
ذراع ًا -بذرا ٍع اللهُ أ�عل ُم بقدر طولها -افعلوا ذلك به
جزا ًء له على كفره بالله في الدنيا� ،إنه كان لا ي�ص ِّدق
بوحدانية الله العظيم ،ولا يعمل بما �أمر به ،ولا يح ُّث
النا�س على البذل ،ولا ير ِّغبهم في إ�طعام أ�هل الم�سكنة
والحاجة ،ف�ضل ًا عن قيامه هو بذلك.
567
٤ - ١دعا دا ٍع من الم�شركين بنزول عذا ٍب ،هو ٣٧ - ٣٥فلي�س لهذا الخا�سر اليوم قري ٌب يدفع عنه
واق ٌع بهم لا َمحال َة ،لي�س له دافع يدفعه عنهم من الله ذي و ُيغيثه مما هو فيه من �سوء الم�صير ،ولي�س له طعام -كما
العل ِّو والدرجات ،ت�صعد الملائكة وجبريل �إليه في يوم كان لا يح�ُّض في الدنيا على طعام الم�سكين� -إلا من
ِغ�ْسلين ،وهو ما ي�سيل من �صديد �أهل النار ،لا ي�أكله
كان مقداره خم�سين �أل َف �سنة من �سن ِّي الدنيا. �إلا المذنبون الذين أ��ص ُّروا على الكفر بالله والخروج عن
٥فا�صبر -يا محمد -على أ�ذى ه ؤ�لاء �صبراً لا
جزع فيه ،ولا ي�صرفك ما َتلقى منهم من مكرو ٍه عن طاعته.
تبليغ ر�سالة ربك. ُ ٤٢ - ٣٨أ�ق�سم با أل�شياء التي ُتب�صرونها ،والتي لا
ُتب�صرونها� :إ َّن هذا القر�آن كلام الله يتلوه عليكم ر�سو ٌل
١٠ - ٦إ� َّن ه�ؤلاء الم�شركين يرون العذاب الذي ذو منزلة ومكانة عند ربه ،وما هو بكلام �شاعر؛
تح ّذرهم �إياه بعيداً غي َر واقع ،ونحن نراه قريب ًا ،ألنه ألن محمداً لا ُيح�سن قو َل ال�ِّشعر ،ولكنكم قليل ًا
كائن ،وك ُّل ما هو آ� ٍت قريب ،يوم تكون ال�سماء ما ت�ص ِّدقون ،ولا هو بقول كاهن؛ لأن محمداً لي�س
كالنحا�س المذاب ،وتكون الجبال كال�صوف المنفو�ش،
ولا َي�س أ�ل قري ٌب قري َب ُه ولا �صدي ٌق �صدي َق ُه عن حاله بكاهن ،ولكنكم قليل ًا ما ت َّتعظون وتعتبرون.
ل�شغله ال�شاغل ب�ش أ�ن نف�سه. ٤٣هذا القر�آن ُمنزل من عند الله رب العالمين.
568 ٤٧ - ٤٤ولو َن�سب إ�لينا محمد بع�َض ا ألقاويل
التي لم ننزلها عليه ،ألخذناه بقوة دون �إمهال ،ثم قطعنا
منه الو ِتي َن ،وهو ِع ْرق رئي�س يخرج من القلب ف�إذا
انقطع مات �صاحبه ،فما منكم -أ�يها النا�س -من �أح ٍد
َيقدر على َم ْنعنا من عقوبته وما نفعله به ،و إ� ْذ لم نفعل
فذلك دلي ٌل على �صدقه و أ�مانته ،فكيف ت ّدعون �أن هذا
القر�آن من قولهَ ،ن َ�سبه �إلى الله زوراً؟
٥٢ - ٤٨إ� َّن هذا القر آ�ن َل ِعظ ٌة يتذ َّكر بها وي ّتعظ
الذين يتقون عقا َب الله ،في ؤ�دون فرائ�ضه ،ويجتنبون
معا�صيه ،و إ� َّنا لنعلم �أ َّن منكم َم ْن يك ِّذب به ،و إ� َّن
التكذيب به لح�سرة وندامة على الكافرين في ا آلخرة ِلـ َما
يفوتهم من خيره الذي فاز به الم ؤ�منون ،و ِلـما ينالهم من
عقوبة التكذيب ،و�إنه َل ْلح ُّق المتي َّقن الذي لا ريب في �أنه
ِم ْن عند الله ،ولم يت َق ّوله محمد ،ف�س ّبح اللهَ بذكر ا�سمه
العظيم ،تنزيه ًا له عما لا يليق بجلاله وعظيم �ش�أنه.
أ��صابه المكرو ُه ،جزع و�ضجر و�أكثر ال�شكوى ،و إ�ذا ُ ١٤ - ١١ي ْب ِ� ُص يومئ ٍذ القري ُب قري َبه وال�صدي ُق
�أ�صابه ما يح ُّب من الدنيا فهو بخيل به �شديد الحر�ص �صدي َقه ويعرف بع�ضهم بع�ض ًا ،لكنهم لا يت�ساءلون بل
يف ُّر بع ُ�ضهم من بع�ض ،يتم ّنى الكافر لو يفتدي من
عليه. عذاب ذلك اليوم الـ َم ُهول ب َبنيه ،وزوجته ،و�أخيه،
وع�شيرته ،التي تحميه وتن�صره ،وبـ َمن في الأر�ض كلهم،
٣٤ - ٢٢إ� ّل الم�صلين الذين يداومون على إ�قامة
�صلواتهم ولا َي�شغلهم عنها �شاغل ،والذين في �أموالهم ثم يخل�صه مما هو فيه.
ح ٌّق مع َّيِ ،لـ َمن �س�ألهم من الفقراء ولمن لم ي�س أ�لهم،
والذين ُيق ُّرون بالبعث والجزاء ،والذين هم في الدنيا من ١٨ - ١٥ك ّل ،لي�س ذلك له ،لي�س ينجيه من
عذاب ربهم و ِجلون خائفون �أ ْن يع ِّذبهم في الآخرة،
فهم من خ�شية ذلك لا ي�ضيعون له فر�ض ًا ،والذين هم العذاب �شيء ،و�إ َّن حا�ضنته اليوم جهنمُ ،يلقى فيها
لفروجهم حافظون عن كل ما نهى الله عنه ،إ�لا على الخا�سر ،فتنزع جلدة ر أ��سه � -أو أ�طراف بدنه -ثم ُيج َّدد
أ�زواجهم �أو ما ملكت �أيمانهم من إ�مائهم ،ف�إنهم غي ُر َخل ُقهم ،وتب َّدل جلودهم لئلا ينقطع عذا ُبهم .تدعو
َم ُلومين ،ف َمن الت َم� َس َم ْنكح ًا �سوى زوجته أ�و مملوكته، جهن ُم إ�لى نف�سها َم ْن أ�عر�ض في الدنيا عن طاعة الله،
ففاعلوا ذلك هم المتجاوزون حدود الله ،والذين وتو ّلى عن ا إليمان بكتابه وبر�سله ،و َج َمع المال وخزنه
ُهم ألمانات الله التي ائتمنهم عليها و�أمانات عباده،
وعهدهم مع الله ومع عباده راعون ،يرقبون ذلك في �أوعيته ،ولم ُيخرج منه زكا ًة ولا �صدقة.
ويحفظونه فلا يفرطون فيه ،والذين لا يكتمون ما
ا�س ُت�ش ِهدوا عليه ولا يغ ِّيونه ،والذين هم على �صلاتهم ٢١ - ١٩إ� َّن ا إلن�سان ُخلق �شحيح ًا جزوع ًا ،إ�ذا
يحافظون ب أ�دائها في أ�وقاتها من غير إ�خلا ٍل ب�شيء من
أ�ركانها و�شروطها و�ُسننها و آ�دابها.
٣٥ه�ؤلاء الذين يفعلون هذه ا ألفعال وي ّت�صفون بهذه
ال�صفات هم في ا آلخرة في ب�ساتين عظيمة مكرمون،
يكرمهم الله فيها بكرامته ،و ُيح ُّل عليهم من ر�ضوانه.
٣٩ - ٣٦فما �ش أ� ُن الذين كفروا ُمن َط ِلقين نحوك
-يا محمد -عن يمينك وعن �شمالك منت�شرين ِح َلق ًا
ومجال�س� ،أيطمع ك ُّل امرئ من ه�ؤلاء -وقد �سمع
و ْع َد الله ور�سوله للم�ؤمنين بالجنة -أ�ن يدخله الله جنة
نعي ٍم ينعم فيها؟ ك ّل لي�س الأمر كما يطمع ه ؤ�لاء ،إ� ّنا
خلقناهم من َمن ٍّي ُي َنى كما خلقنا غيرهم ،فلي�س لهم
َمز َّية تجعلهم يفوزون بالجنة دون �إيما ٍن وعمل �صالح.
569
�ُ ٤١ ٤٠أق ِ�سم بر ِّب مطالع ال�شم�س ومغاربها� :إ ّنا
لقادرون على �أن نهلكهم ،ون�أتي بخي ٍر منهم �إيمان ًا
وا�ستقامة ،وما نحن بمغلوبين ولا عاجزين �إن �أردنا
إ�هلا َكهم و إ�بدا َلهم بـ َمن هم خير منهم.
٤٤ - ٤٢ف َذ ْر -يا محمد -ه ؤ�لاء الم�شركين
يخو�ضوا في باطلهم ،ويلعبوا في هذه الدنيا حتى
يلاقوا عذاب يوم القيامة الذي ُيوعدونه ،يوم يخرجون
من القبور ُم�سرعين ك أ�نهم �إلى غاية �أو �صنم من�صوب
ي�ستبقون ،خا�ضع ًة �أب�صارهم مما هم فيه من ال ِخ ْز ِي
والهوان ،تغ�شاهم ِذ َّل ٌة ،هذا هو اليوم الذي كانوا
ُيوعدون ،فيك ِّذبون به و َي�ستبعدون وقو َعه.
عنه ،و َه َرب ًا منه. � ١إ ّنا �أر�سلنا نوح ًا إ�لى قومه وقلنا لهَ :خ ِّوف قومك
من َقب ِل أ� ْن ي أ�ت َي ُهم عذا ٌب ُمو ِجع ،وهو ال ُّطوفان الذي
٧و�إ ِّن ك ّلما دعوتهم �إلى ا إلقرار بوحدانيتك،
والعمل بطاعتك ِلتغفر لهم ما كان منهم و َ�ض َعوا غ َّرقهم الله به.
أ��صابعهم في آ�ذانهم وغ ّطوا وجوههم و أ�عينهم بثيابهم؛
٤ - ٢قال نو ٌح لقومه :يا قو ِم �إني لكم نذير،
لئلا ي�سمعوا كلامي ،ولا يقع ب�صرهم على �شيء م ِّني، ب ِّ ُي الإنذار وا�ضح الحجة� ،أ ِن اعبدوا الله ،واتقوا عقا َبه
وثب ُتوا على ما هم عليه من الكفر ،و أ�قاموا عليه، با إليمان به ،والعمل بطاعته ،وانتهوا �إلى ما �آم ُركم به،
واقبلوا ن�صيحتي لكمَ ،ي ْغف ْر لكم ذنوبكم ويع ُف عنها،
وا�ستكبروا ا�ستكباراً �شديداً. و ُي َ�ؤ ِّخركم �إلى أ�جل مع َّي في �سابق علمه ولا ُيهلككم
بعذاب ي�ست�أ�صلكم� .إ َّن أ� َج َل الله الذي َك َتبه على خلقه
١٠ - ٨ث َّم �إ ِّن دعو ُتهم جميع ًا جهاراً ،ثم إ�ني في �ُأ ِّم الكتاب �إذا جاء لا ُي�ؤ َّخر ،لو كنتم تعلمون �صحة
دعوتهم مرة بعد �أخرى ،ف�أعلنت لبع�ضهم �أمام بع�ض،
ما �أقول لكم وت ؤ�منون به.
و�أ�سرر ُت لبع�ٍض إ��سراراً فيما بيني وبينه ،فلم يبق منهم
�أحد إ�لا �سمع ن�صيحتي وبلغه �إنذاري؛ فقلتَ� :س ُلوا ٦ ٥قال نوح :ر ِّب �إني دعو ُت قومي إ�لى
ربكم ُغفرا َن ذنوبكم� ،إنه كان لذنوب َم ْن أ�ناب �إليه توحيدك وعبادتك ،وح ّذر ُتهم ب�أ�َسك و�َسطوتك ليل ًا
ونهاراً ،فلم َت ِز ْدهم دعوتي لهم �إلى الحق �إلا إ�عرا�ض ًا
وتاب غ ّفاراً.
570
يخرجكم يوم القيامة ويبعثكم أ�حياء. َ ١٢ ١١ي�س ِقكم ر ُّبكم � -إ ْن تبتم إ�ليه وو َّحدتموه،
و أ�خل�صتم له العبادة -الغي َث ،فير�سل به ال�سما َء عليكم
٢٠ ١٩والله جعل لكم الأر�ض مم َّهد ًة م�ست ِق ّر ًة مدراراً متتابع ًا ،و ُيعطكم مع ذلك أ�موال ًا وبني َن،
ت�ستق ُّرون عليها ،لت�سلكوا منها طرق ًا ف�سيحة متفرقة. ويرز ْقكم ب�ساتي َن نا�ضرة ،ويجعل لكم �أنهاراً َت�سقون
٢٤ - ٢١قال نو ح :ر ِّب �إ َّن قومي ع�صوني، منها جناتكم ومزارعكم.
فخالفوا أ�مري ،ور ّدوا عل َّي ما دعو ُتهم إ�ليه من الهدى
والر�شاد ،وا َّتبعوا في مع�صيتهم َم ْن دعاهم إ�لى ذلك ١٤ ١٣ما لكم لا ت�ست�شعرون في قلوبكم تعظيم ًا
مـ َّمن ك ُث ما ُله وو ُلده ،فلم تزده كثر ُة ماله وولده إ�لا لله ،وقد خلقكم في �أرحام �أمهاتكم �أطواراً متد ِّرجة،
خ�ساراً و ُبعداً عن الله ،و�ضلال ًا عن َمحجة الطريق. َطوراً نطفة ،وطوراً علقة ،وطوراً ُم�ضغة حتى �أن�ش�أكم
و َم َكر ه�ؤلاء الزعماء بتابعيهم مكراً عظيم ًا ،وقالوا:
لا تتركوا آ�لهتكم التي كنتم تعبدونها ،ولا تتركوا َو ّداً خلق ًا �آخر؟
ولا �ُسواع ًا ولا ي ُغوث وي ُعوق و َن�سراً -وهي �أ�سماء
الأ�صنام التي كانوا يعكفون عليها -وقد أ��ضلوا بهذه � ١٦ ١٥ألم تنظروا نظ َر تف ُّكر واعتبا ٍر كيف خلق الله
ا أل�صنام وبما ح�ّسنوا من الباطل كثيراً من النا�س ،ولا �سبع �سماوات طباق ًا بع�ضها فوق بع�ض ،وجعل القمر
تز ْد -يا ر ّبَ -م ْن ظلموا �أنف�سهم و�أ�ص ُّروا على باطلهم في ال�سماوات نوراً ،وجعل ال�شم�س �سراج ًا منيراً ت�ضيء
إ�لا �ضلال ًا و ُبعداً عن الحق جزا ًء لهم على ع�صيانهم
ألهل ا ألر�ض؟
وا�ستكبارهم.
١٨ ١٧والله أ�ن�ش�أكم من ترا ِب الأر�ض �إن�شا ًء ،ثم
٢٥وب�سبب خطيئاتهم الكبيرة هذه ُأ�غرقوا بالطوفان ُيعيدكم في ا ألر�ض فت�صيرون كما كنتم تراب ًا ،ومنها
العظيم ،ف أ�ُدخلوا ناراً َم ُخوف ًة َمهولة -وهو عذاب
القبر -فلم يجدوا لهم من دون الله �أن�صاراً ين�صرونهم 571
ويخ ِّل�صونهم مما نزل بهم من عذاب الدنيا وا آلخرة.
٢٦وقال نوح بعد نفاد �صبره وي�أ�سه من قومه :ر ِّب
لا َت َد ْع على ا ألر�ض من الكافرين �أحداً مقيم ًا عليها
م�ستق ّراً فيها.
� ٢٧إنك -يا ر ّب� -إن تترك الكافرين أ�حياء على
ا ألر�ض ولا تهلكهم بعذا ٍب من عندكُ ،ي�ضلوا عبادك
و ُيغووهم ،وي�صدوا عن �سبيلك ،ولا يلدوا �إلا فاجراً في
�سلوكه ك ّفاراً لنعمتك عليه.
٢٨ر ِّب اع ُف ع ّني ،وعن وال َد َّي ،وع ّمن دخل
بيتي م�ؤمن ًا بك ،م�ص ِّدق ًا ب َو ْعدك ،خا�ضع ًا لأمرك ،وعن
الم ؤ�منين والم�ؤمنات ،ولا تزد َم ْن ظلموا �أنف َ�سهم بكفرهم
و إ��صرارهم على باطلهم إ�لا خ�ساراً وندامة.
٢ ١قل -يا محمد� :-أوحى الله �إل َّي أ� ّن جماع ًة
من الجن ا�ستمعوا هذا القر آ�ن ،فقالوا لـ ّما رجعوا �إلى
قومهم :إ� ّنا �سمعنا قر�آن ًا يعلو بدي ُع َن ْظمه وجلا ُل معانيه
�سائ َر الكلام ،يدعو �إلى ال�صواب و إ�لى التوحيد وا إليمان
ف�ص ّدقنا به ،ولن ُن�شرك بربنا �أحداً.
٣و أ� ّنه تعال ْت عظمته عن �أن ي َّتخذ زوج ًة �أو ولداً.
٤و أ� ّنه كان يقول جاه ُلنا على الله قول ًا كذب ًا بعيداً
من ال�صواب ،في ن�سبته الزوجة والولد إ�ليه �سبحانه.
٥و�أ ّنا كنا نظن �أ ْن ل ْن َيكذب على الله أ�ح ٌد أ�بداً
في�صفه بما لا يليق به ،ولذلك اتبعنا قوله.
١٠و�أ ّنا لا ندري �أ�ش ٌّر ُ�أري َد بـ َمن في ا ألر�ض بحرا�سة ٦و�أ ّنه كان رجا ٌل من الإن�س إ�ذا أ�رادوا المبيت �أو
ال�سماء ،أ�م أ�راد بهم ربهم خيراً ورحمة. النزول بـ َم ُخوف من ا ألر�ض ي�ستجيرون برجال من
الج ّن؛ فزاد رجا ُل ا إلن�س الج َّن -با�ستعاذتهم بهم-
١١و�أ ّنا م ّنا قوم أ�برا ٌر �صالحون ،وم ّنا دون أ�ولئك في
ال�صلاح ،و أ��شرار غير �صالحين ،كنا ِف َرق ًا �ش َّتى مختلف َة ُطغيان ًا و�َس َفه ًا وكبراً.
المذاهب والأهواء. ٧و أ� ّن الج ّن ظنوا كما ظننتم -أ�يها الإن� ُس� -أ ْن لن
يبعث الله ر�سول ًا إ�لى خلقه يدعوهم �إلى توحيده.
١٢و�أ ّنا ع ِلمنا الآن أ�ننا لن ُنعجز الله في الأر�ض إ� ْن
�أراد بنا �أمراً ،ولن ُنعجزه هرب ًا �إ ْن َط َلبنا. ٨و أ� ّنا طلبنا بلو َغ ال�سماء وا�ستماع كلام �أهلها
فوجدناها ُم ِلئ ْت حرا�س ًا �أ�شداء من الملائكة يحر�سونها
١٣و�أ ّنا لـ ّما �سمعنا القر�آن آ�منا به ،ف َم ْن ي�ؤمن بربه فلا من ا�ستراق ال�سمع ،ووجدناها ُملئت �ُش ُهب ًا ُيقذف بها
يخاف نق�ص ًا من �أجره ولا ظلم ًا. َم ْن ي�ست ِرقون ال�سمع من ك ِّل جانب ،فتبعدهم وتطردهم.
٩و�أ ّنا ِمن قب ُل كنا نقع ُد من ال�سماء مقاعد �صالح ًة
للتر ُّ�صد والا�ستماع ،فمن ي�ستمع الآن بعد تنزيل هذا
القر�آن ي َـ ِج ْد له �شهاب ًا را�صداً له ي�ص ُّده عن الا�ستماع.
572
٢٠قل لهم� :إنما أ�عبد ربي ،ولا أ��شرك به أ�حداً ،فلي�س ١٥ ١٤و�أ ّنا م ّنا الم ؤ�منون ،وم ّنا الكافرون الجائرون
ذلك مما يوجب تع ُّج َبكم و�إطباقكم على عداوتي. عن طريق الحق ،فمن آ�من بالله وخ�ضع له بالطاعة
ف�أولئك ق�صدوا طريق الح ِّق وتو ّخوه ،و أ� ّما الكافرون
٢١قل � -أيها الر�سول -له�ؤلاء الذين ر ُّدوا عليك ما فكانوا حطب ًا لجهنمُ ،تو َقد بهم كما ُتو َقد بكفار ا إلن�س.
جئتهم به من الن�صيحة :لا �أملك لكم م�ضر ًة ولا منفع ًة،
ولا أ�ملك أ� ْن �أحملكم على ا ّتباع الهدى ،و�إنما الذي ١٧ ١٦و أ� ْن لو �آمن �أهل الكفر وال�ضلال وا�ستقاموا
على طريق الحق ألنزلنا عليهم ما ًء كثيراً نافع ًا ولو�ّسعنا
يملك ذلك هو الله وحده. عليهم في الرزق ،لنختبرهم .و َم ْن ُيعر�ض عن القر�آن
٢٢قل :إ�ني لن يجيرني من عذاب الله أ�ح ٌد �إن �أراد والتوحيد ُيدخله الله عذاب ًا �شديداً �شا ّق ًا.
ذلك بي ،ولن �أجد ِمن دونه ملج ً�أ أ�لج�أ �إليه.
١٨و أ� ّن الم�ساجد مخت ّ�ص ٌة بالله ،فلا تت�صرفوا فيها بما
٢٣و أ� َنا لا أ�ملك إ�لا أ�ن أ�ب ّلغكم ر�سالات الله التي ينافي التوحيد ،و�أخل�صوا له العبادة.
�أر�سلني بها �إليكم .و َم ْن يع�ِص الله ور�سوله بترك قبول ما
جاء به ،ف إ� ّن له نار جهنم يمكث فيها �أبداً إ�لى غير نهاية. ١٩و�أ ّنه لـ ّما قام نب ُّي الله محمد - -يعبد الله
ويقر�أ القر�آن ،كاد الكفار يجتمعون عليه ِلر ِّد دعوته
٢٤ولا يزال ه�ؤلاء الكفار على ما هم عليه من الكفر
حتى يعاينوا ما و َع َدهم الله من العذاب ،ف�سيعلمون عند و إ�بطال �أمره.
حلول العذاب بهم َمن َأ� ْ�ضعف نا�صراً و أ�ق ّل عدداً؛ هم �أم
573
الم ؤ�منون بالله الم�ص ِّدقون بوعده؟
٢٥إ� ّن ما تو َعدون به من العذاب كائ ٌن لا محالة ،وما
�أدري �أقري ٌب وق ُتهَ ،أ� ْم يجع ُل له ربي غاي ًة تطول م ّد ُتها.
٢٧ ٢٦هو عا ِلـم الغيب ،فلا ُي ْطلع على غيبه
أ�حداً من النا�س� ،إ ّل َم ْن ي�صطفيه لر�سالته ونب ّوته ،ف�إ ّنه
ي ْطلعه على ما �شاء وق َت ما �شاء ،حتى يكون معجز ًة
ُي�ستد ُّل بها على نب ّوته ،ويجعل ِم ْن �أمامه و َخلفه ملائكة
يحفظونه ِمن �أن ُتلقي إ�ليه ال�شياطين ما ُيخ ّلط عليه ما
�أوحاه الله إ�ليه.
٢٨وقد �أطلع الله أ�نبيا َءه ور�سله على ما �شاء م َن الغيب
و َح ِفظهم؛ ليب ِّلغوا عنه ،ويتح َّقق ما في �سابق علم الله
-وهو تبليغهم عنه ر�سالاته -وقد أ�حاط الله علم ًا بما
لدى المر�سلين فلا َيخفى عليه �شيء من أ�مرهم ،و أ�ح�صى
ك َّل �شيء في هذا الكون إ�ح�صا ًء تا ّم ًا .
النب َّي بثيابه َ -ع َنى يا أ�يها الـ ُمتل ِّف ُف ٤ -١
الليل، فيهُ ،ق ْم ن�ص َف الليل �إلا قليل ًا تنام ف�ص ِّل ُ -ق ْم
أ�و انق�ص منه قليل ًا إ�لى الثلث ،أ�و ِز ْد على الن�صف �إلى
الثلثين ،أ�نت مخ ّ ٌي بين هذه المنازل الثلاثة ،واقر أ� القر�آن
بتم ُّهل وتبيين لحروفه وكلماته.
� ٥إ ّنا �س ُنن ّزل عليك كلام ًا عظيم ًا جليل ًا ،لا يحمله
�إلا قل ٌب م ؤ� َّي ٌد بالتوفيق.
� ٦إ َّن �صلاة الليل أ�ثق ُل على الم�ص ِّلي من �صلاة
النهار ،و�أثب ُت قراء ًة و أ�ب َي قول ًا ،لهدوء ا أل�صوات،
وفراغ البال ،وح�ضور القلب.
�صلابتها وارتفاعها رمل ًا �سائراً متناثراً. � ٧إ َّن لك -يا محمد -في النهار ت�ص ُّرف ًا طويل ًا في
�أ�شغالك ،فتف ّرغ بالليل لعبادة ربك.
١٥إ� ّنا �أر�سلنا �إليكم � -أيها النا�س -ر�سول ًا ،هو
محمد - -ي�شهد عليكم يوم القيامة با إلجابة أ�و ٨و ُد ْم على ذكر ربك في الليل والنهار ،وانق ِط ْع �إليه
الامتناع ،كما أ�ر�سلنا إ�لى فرعون ر�سول ًا ،هو مو�سى بن با إلخلا�ص له وتجريد نف�سك لعبادته.
عمران عليه ال�سلام. ٩هو ر ُّب الم�شرق والمغرب ومال ُك أ�مرهما و أ�م ِر
الخلائق �أجمعين ،لا �إله �إلا هو فف ِّو�ض أ�مرك إ�ليه وتو َّكل
١٦فع�صى فرعو ُن مو�سى ،ف أ�خذناه �أخذاً �شديداً
عظيم ًا. عليه.
١٧فكيف تدفعون � -أيها الكفار -عن أ�نف�سكم �إ ْن ١٠وا�صب ْر على �أذى �أهل مكة وما يقولون من
بقيتم على الكفر عذا َب يو ٍم ت�شيب فيه ر ؤ�و� ُس ال�صغار الخرافات ،واعتزلهم اعتزال ًا ح�سن ًا لا ج َزع فيه.
من �ش َّدة هوله؟ ١١و َد ْع لي َم ْن ك ّذبك -أ�يها الر�سول -من أ��صحاب
ال ِّنعم والتر ُّفه ،ف أ�نا �أكفيك إ�يّاهم ،و�أ ِّخرهم زمان ًا قليل ًا،
١٨يو ٌم تن�ش ُّق ال�سماء ِل ِ�ش ّدته ،كان و ْع ُده �سبحانه
بمجيء ذلك اليوم واقع ًا لا َمحال َة ،فهو لا يخلف وعده. حتى يبلغ الكتا ُب أ�ج َله.
� ١٩إ ّن هذه ا آليات الناطق َة بالوعيد عظ ٌة وعبر ٌة ،ف َم ْن
�شاء ا َّتعظ بها وا َّتخذ طريق ًا �إلى ربه با إليمان به وطاعته. ١٣ ١٢إ� ّن لدينا للكافرين في ا آلخرة قيوداً ثقال ًا،
وناراً محرق ًة ،وطعام ًا يغ�ُّص به آ�كلوه ،ونوع ًا آ�خر من
العذاب الموجع لا يحيط به ولا يعلم حقيقته إ�لا الله.
١٤هذه العقوبات واقعة بهم يوم القيامة ،يوم
تتزلزل ا ألر�ض والجبال زلزال ًا �شديداً ،وت�صير الجبال مع
574
وا�ستغفروا الله من التق�صير والتفريط ،إ� ّن الله ذو مغفر ٍة
ورحمة لمن تاب من عباده وا�ستغفر.
٤ - ١يا أ�يها الـ ُمتل ِّفف بثيابه َ -ع َنى النب َّي � ٢٠إ ّن ربك -يا محمد -يعلم أ� ّنك تقوم م�ص ِّلي ًا بالليل
ُ -ق ْم قيا َم عز ٍم و ِج ٍّد ف أ�نذر النا�س عذاب الله �إن لم أ�ق َّل من ثلثي الليل بقليل ،وتقوم ن�صفه أ�حيان ًا ،و�أحيان ًا
ي�ؤمنوا ،و ُخ�ّص ربك بالتعظيم فلا َي ْع ُظم في قلبك غيره،
ثلثه ،و أ� َّن جماع ًة من أ��صحابك يقومون كما تقوم ،والله
وثيا َبك فطهرها من النجا�سات. الذي يح ِّدد مقادير الليل والنهار طول ًا وق�صراً َع ِل َم أ�ن
لن ت�ستطيعوا �ضب َط الأوقات وتقدير ال�ساعات والقيا َم
٧ - ٥واث ُب ْت على َه ْجر ما ي�ؤدي إ�لى العذاب بما ُفر�ض عليكم فيهن ،فخ َّف َف عنكم ور ّخ�َص لكم في
من الذنوب والقبائح ،ولا َتنن على ربك ب أ�ن ت�ستكثر َت ْرك القيام المق َّدر ،فاقر ؤ�وا أ�ثناء قيامكم الليل ما تي�َّس
عم َلك ال�صالح ،ولوجه ربك وطل ِب ر�ضاه فا�صب ْر من القر�آنَ .ع ِلم �أنه �سيكون منكم مر�ضى َي ُ�ش ُّق عليهم
على أ�عباء الر�سالة وم�شا ِّق الدعوة ،وعلى ما ينالك من القيام ،و�آخرون ي�سافرون للتجارة يطلبون من رزق
التكذيب وا ألذى. ربهم ،و�آخرون يجاهدون في �سبيل الله لإعلاء كلمته،
١٠ - ٨ف إ�ذا ُنفخ في ال ُّ�صور ،فذلك يو ٌم �شدي ٌد فاقر�ؤوا ما تي�سر من القر�آن ،و�أقيموا ال�صلاة المفرو�ضة،
على الكافرين غير ه ّي.
و أ� ُّدوا الزكاة الواجبة ،و أ�نفقوا في �ُسبل الخيرات من
ِ ١٥ - ١١ك ْل إ�ل َّي -أ�يها الر�سولَ -أ� ْمر هذا الذي حلال �أموالكم ،وما ُتقدموا ألنف�سكم من خي ٍر تجدوا
خلق ُته و�أخرج ُته من بطن �أمه فريداً ،لا ما َل له ولا ولد، ثوابه عند الله هو خيراً مما خ َّلفتم وراءكم ،و َأ�جز َل ثواب ًا،
وجعل ُت له مال ًا كثيراً مب�سوط ًا ،وجعل ُت له بني َن ُح�ضوراً
معه ي أ�ن�س بهم وقد كفاهم ُو ُفو ُر النعمة ال�سف َر ب أ�نف�سهم 575
للتجارات خار َج مكة ،وب�سط ُت له في الجاه والرئا�سة،
ثم يرجو لحر�صه أ�ن أ�زيده .والمراد به الوليد بن المغيرة.
١٧ ١٦لي�س الأم ُر كما يرجو ويتم َّنى ،لن �أزيده
على ذلك� ،إنه كان للقر�آن جاحداً معانداً� ،س ُأ�غ�شيه
م�ش ّق ًة من العذاب لا راح َة له فيها.
٣٧ - ٣٢ك ّل لا يتعظون ولا يتذكرون�ُ .أق ِ�سم ٢٠ - ١٨إ� َّنه ف ّكر في قو ٍل يطعن به في القر�آن،
بالقمر والليل �إذا ولّى و َذ َهب ،وال�صب ِح إ�ذا أ��ضاء وتب ّي: ور َّتب في نف�سه كلام ًا وه ّي أ�ه لذلك ا ألمر .ف ُلـ ِعـن بذلك
�إ ّن جهنم إلحدى ا ألمور ال ِعظام ،إ�نها نذي ٌر للب�شر، وا�ستح َّق الهلاك ،كيف ر ّتب هذا القول واجتر�أ على
لمن �شاء منكم �أ ْن ي�سبق إ�لى الخير فيفوز ،أ�و يت أ� ّخر عنه و�صف القر�آن بما يعتقده كذب ًا؟! ثم ُلعن ،كيف ر ّتب
فيهلك. ذلك القول ولم َيخف ِن ْقمة الله؟!
٤٢ - ٣٨ك ُّل نف�س ُمرت َهن ٌة ب�سوء عملها م أ�خوذ ٌة ٢٥ - ٢١ثم �إ َّنه ر ّد َد النظر في أ�مر القر آ�ن مر ًة بعد
به� ،إ ّل �أ�صحاب اليمين ف إ�نهم َف ُّكوا رقابهم بالطاعة، مر ٍة ،ثم ق َّطب وجهه حين لم يجد فيه َمطعن ًا ،وزاد في
وهم في ب�ساتين لا ُيدرك و ْ�ص ُف نعيمها ،ي�س�ألون التقطيب وال ُكلوح ،ثم و ّلى عن ا إليمان بما أ�نزل الله،
المجرمين :ما �أدخ َلكم في جهنم؟ وا�ستكبر عن الإقرار بالح ّق ،فقال� :إ َّن هذا الذي يتلوه
محمد ما هو إ�لا �سح ٌر ُيروى عن الأقدمين ،ما هذا �إ ّل
٤٧ - ٤٣قال المجرمون :ما ع َب ْدنا ر َّبنا وما �ص َّلينا،
ولا َأ�ح�س ّنا إ�لى َخلقه با إلطعام وال�صدقة كما يفعل كلام ال َب�َش ،ولي�س هذا بكلام الله.
الم�سلمون ،وك ّنا نخو�ض في الباطل ونقول ال ُّزو َر في
آ�يات الله مع الخائ�ضين في ذلك ولا نبالي ،وك ّنا نكذب � ٣٠ - ٢٦س أ�ُدخله جهنم ،و�أ ُّي �شيء �أع َلمك ما
جهنم! لا ُتبقي �شيئ ًا من لحم ولا َع َ�ص ٍب �إلا �أكلته،
بيوم البعث والجزاء حتى أ�تانا الموت. ُمح ِرقة للجلود وم�س ِّودة لها ،عليها ت�سع َة ع�ش َر م َلك ًا
576 َخ َزن ًة لها.
٣١وحين �سمع أ�حد الكفار أ� ّن عدد َخ َزنة النار ت�سعة
ع�شر ،فقال� :أنا �أكفيكم �سبعة ع�شر فاكفوني اثنين� ،أنزل
الله �سبحانه :وما جعلنا َخ َزنة النار إ�لا ملائك ًة ،ف َمن ذا
الذي َيغلب الملائكة! وما جعلنا ِذكر َعددهم �إ ّل اختباراً
وابتلا ًء للذين كفروا ،وليعلم �أه ُل التوراة وا إلنجيل �أ ّن
ما �أخبر به محمد - -من عدد ملائكة النار ح ٌّق
-وذلك لموافقته لما في كتبهم -ويزدا َد الذين �آمنوا
بمحمد �إيمان ًا ،ولا ي�ش َّك الذين �ُأوتوا الكتاب والم ؤ�منون
�أ ّن ما قاله محمد ح ٌّق ،وليقو َل الذين في قلوبهم �ش ٌّك
و َ�ضعف �إيمان والم�شركون� :أ ُّي �شي ٍء �أراد الله بهذا
العدد الم�ستغ َرب؟ ا�ستنكاراً منهم وتكذيب ًا .وكما �أ�ض َّل
الله َم ْن أ�نك َر عدد َخ َزنة جهنم ،وهدى َم ْن �ص ّدق به،
كذلك ُي�ضل الله الكافرين ويهدي الم ؤ�منين ،وما َيعلم
جنو َد ر ِّبك عدداً وحقيق ًة و ُق ْدر ًة �إ ّل هو ،وما النا ُر التي
و�صف ُتها إ� ّل تذكرة �أُذ ِّكر بها الب�شر.
ب�أ ْن يغفر لهم ما تق ّدم من الكفر والذنوب.
�ُ ٢ ١أق�سم بيوم القيامة ،و ُ�أق�سم بالنف�س التي تلوم
�صاحبها على فعل الذنوب أ�و التق�صير في الطاعات:
ل ُتبعث ّن ثم ل ُتحا�س ُ ّب.
٤ ٣أ�يظ ُّن الكافر أَ� ْن َل ْن نجمع عظامه للبعث بعد
تف ُّرقها في التراب؟! بلى قادرين على �أن نعيد أ�طراف
�أ�صابعه بعد الفناء م�ستوي ًة كما كانت مع �صغرها
و َلطافتها ،فكيف بعظامه و�سائر بدنه؟!
معا�صي الإن�سان �أن ي�ستم َّر في يريد ٦بل لا ٥
ا�ستهزا ٍء ولا يتوب ،ي�س�أل �س ؤ�ال عنها َيرعوي الله،
وتكذي ٍب :متى يوم القيامة؟
١١ - ٧ف�إذا تح ّي الب�صر ف َزع ًا ،وذهب �ضو ُء ٤٨فما تنفعهم �شفاع ُة ال�شافعين من النبي ِّي والملائكة
القمر ،و ُجمع بين ال�شم�س والقمر واخت َّل نظا ُمهما وال�صالحين ،ألنها للع�صاة من أ�هل التوحيد دون غيرهم
الـ َمعهود ،يقول الإن�سان يوم تقع هذه ا ألمور :أ�ين
الفرار من َهول ما نزل؟ ك ّل لا ملج أ� يف ُّرون �إليه ،ولا ِمن الكافرين.
�شيء ينفعهم الاعت�صا ُم به. ٥٢ - ٤٩فما له�ؤلاء الكفار ُي َو ّلون عن القر�آن لا
ي�ستمعون له لي َّتعظوا ويعتبروا ،ك أ�نهم في إ�عرا�ضهم
� ١٥ - ١٢إلى ر ِّبك و ْح َده يومئ ٍذ يرجع الف�ص ُل ونفورهم مجموع ٌة من الـ ُح ُمر الوح�شية هربت نافر ًة
في مو�ضع قرار العبادُ ،يدخل َم ْن ي�شاء الجنة ،و ُيدخل خوف ًا ِمن أ��سد� .إنهم ُيعر�ضون لا ل�سب ٍب ُيو ِجب
َم ْن ي�شاء النارُ .يخ َب ك ُّل �إن�سان يومئ ٍذ بجميع �أعماله الإعرا�ض ،بل ألن كل واحد منهم يطمع أ� ْن ينزل عليه
�صغيرها وكبيرها ،ما ق ّدم منها في �أ ّول عمره ،وما �أ ّخر
في �آخره .بل ا إلن�سان �شا ِه ٌد على نف�سه ،عالـ ٌم بما فعله كتا ٌب من�شو ٌر من ال�سماء حتى ي ؤ�من.
٥٣ك ّل �إنهم لو ُأ�وتوا �صحف ًا من�َّشة كما �س�ألوا َلـ َما
ولو اعتذ َر ك َّل عذ ٍر. �آمنوا؛ ألنهم لا يخافون عذاب ا آلخرة ،و ُي�ص ُّرون على
تلتح أ�ِّر ْخكذه -يعال مى َحعمَجدل ٍة -بخالوقف ًار�آ�أننلي�نسفالنكت ١٩ -لا ١٦ الكفر بالبعث والجزاء.
أ� ْن َيت َّم و ْح ُيه، قبل
٥٦ - ٥٤ح ّق ًا إ� ّن هذا القر آ�ن ل ِعظ ٌة عظيم ٌة ،ف َم ْن
منك ،إ� ّن علينا جم َعه في �صدرك ،و إ�ثبا َت قراءته في �شاء ا َّتع َظ به وانتف َع ،وما ي ّتعظون إ� ّل أ� ْن ي�شاء الله لهم
ل�سانك ،ف إ�ذا قر أ�ه عليك جبريل فا�ستمع قراءته و�أن�صت الهداية ،هو �سبحانه َحقي ٌق أ� ْن ي ّتقيه عبا ُده ،وهو َحقي ٌق
كما َ�أ ْقر أ�ك �إ ّياه، فاقر أ�ه في قلبك ،ف�إذا َفرغ حتى َي ْر�َسخ 577
�شيء من معانيه عليك بيا َنه لك� ،إذا أَ��ش َكل ثم �إ ّن علينا
و أ�حكامه.
� ٢إ ّنا خلقنا ا إلن�سان من نطفة مل َّقحة امتزج ْت فيها ٢٥ - ٢٠ح ّق ًا �إنكم � -أيها الكفار -تختارون الدنيا
العنا�صر الوراثية الكامنة في خلية الذكر وبوي�ضة الأنثى، على الآخرة فلا تعملون لها ،والنا� ُس يوم القيامة فريقان:
لنختبره بالتكليف ،وجعلناه �سميع ًا ب�صيراً ،ليتمكن من فري ٌق و ُجوه �أه ِله به ّي ٌة م�شرق ٌة م�سرور ٌةُ ،مطا ِلع ٌة جما َل
ر ِّبها م�ستغرق ٌة في ذلك ،وه�ؤلاء هم الم ؤ�منون ،وفريق
م�شاهدة الدلائل وا�ستماع الآيات. كافرون وجوههم كالح ٌة �شديدة ال ُعبو�سة ،ي�ستيقنون أ� ْن
٣إ� ّنا ب ّينا ل إلن�سان �سبي َل الحق والباطل ،والهدى ُيفعل بهم �أم ٌر عظي ٌم ِمن العذاب.
وال�ضلالة ،وع ّرفناه طريق الخير وطريق ال�شر ،ف إ� ّما �أ ْن ٣٠ - ٢٦ارت ِدعوا عن إ�يثار الدنيا على ا آلخرة،
يهتدي �إلى ربه فيكون م ؤ�من ًا به �شاكراً له ،و إ� ّما أ� ْن وتن َّبهوا ِلـما بين �أيديكم من الموت الذي تنقطع عنده
العاجلة وتنتقلون �إلى الآخرة .إ�ذا بلغت الرو ُح أ�عالي
ُيعر�ض فيكون كافراً به كثير الجحود لنعمته. ال�صدر ،وقال الحا�ضرونَ :م ْن َيرقيه مما به وينجيه؟
وتي َّقن الـ ُمحت َ�ض أ� ّن هذا الذي نزل به هو فراق الدنيا
� ٤إ ّنا ه ّي�أنا في جهنم للكافرين �سلا�سل يقادون بها، المحبوبة ،والت ّفت ِ�ش َّدة َك ْرب الموت ب�ش َّدة الإقبال على
و�أغلال ًا ُيق َّيدون بها ،وناراً مو َقد ًة بها ُيحرقون.
ا آلخرة� ،إلى ربك يومئ ٍذ �َسو ُقه و ُحكمه.
٥إ� ّن الم�ؤمنين ال�صادقين في إ�يمانهم المطيعين لربهم
ي�شربون في الجنة من ك ؤ�و�س خم ٍر كان ِمزاجها كافوراً؛ ٣٣ - ٣١فلا �ص َّدق الكاف ُر بكتاب الله ولا �ص ّلى
له �صلا ًة ،ولكنه ك ّذب بالقر�آن ،وتو ّلى عن الطاعة ،ثم
فهي خم ٌر باردة لذيذة طيبة الرائحة.
ذه َب إ�لى �أهله يتبختر في ِم�شيته إ�عجاب ًا.
578
٤٠ - ٣٤وي ٌل لك فوي ٌل لك ،ثم ويل لك فوي ٌل
لك ،أ� َي ُظ ُّن الإن�سان �أن ُيترك ُمه َمل ًا ِم ْن غير تكلي ٍف ولا
بعث ولا ح�ساب ولا جزاء؟! كيف يليق به أ�ن يتكبر
عن الطاعة وينكر البعث ،وقد كان نطفة َمن ٍّي ُتلقى في
الرحم ،ثم �صار قطع َة د ٍم جام ٍد متع ِّلقة بالرحم ،ثم خلق
الله منه ب�شراً �َس ِوي ًا ،بع�ضه من جن�س الذكور وبع�ضه من
جن�س ا إلناث� ،ألي�س ذلك الذي أ�ن�ش�أ هذا ا إلن�شاء البديع
بقاد ٍر على ا إلعادة بعد الموت؟
١قد م�ضى على ك ِّل إ�ن�سان أ�وجدناه زما ٌن طوي ٌل لم
يكن �شيئ ًا مذكوراً ،بل كان معدوم ًا لا ِذ ْكر له.
ب�صبرهم على طاعته أ� ْن أ�دخلهم الجنة و أ�لب�سهم الحرير.
١٤ ١٣م ّتكئين في الجنة على ال�ُّ ُسر ،لا يرون فيها
�إلا هوا ًء معتدل ًا ،لا هو بالحا ِّر ،ولا هو بالبارد ،وتتد َّلى
عليهم ظلال أ��شجارها فهي قريب ٌة منهم ،و�ُس ِّخرت
لهم ثما ُرها ت�سخيراً؛ يتناولون منها كيف �شا ؤ�وا قعوداً
وقيام ًا وم ّتكئين.
١٦ ١٥و ُيطاف على ه ؤ�لاء ا ألبرار ب�آنية من ف�ضة
و أ�كوا ٍب لها بيا�ُض الف�ضة و�صفا ُء الزجاج ،قد و�ضع
الطائفون بهذه ا ألكواب ال�شرا َب على َق ْدر ِر ِّي ه ؤ�لاء
ا ألبرار و َق ْد ِر َر ْغبتهم ،لا يزيد عن ذلك ولا ينق�ص.
١٩ - ١٧و ُي�سقى ه ؤ�لاء ا ألبرار في الجنة خمراً
ممزوج ًة بالزنجبيل ،من عين فيها �شرا ُبها ط ِّيب �سه ُل
الـ َم�ساغ ُت�س ّمى �سل�سبيل ًا .ويطوف عليهم غلمان
دائمون على ما هم عليه من ال ِّ�صغر والبهاء� ،إذا ر�أي َتهم
ظنن َتهم لـ ُح�سنهم وانت�شارهم في الخدمة ل ؤ�ل ؤ�اً منثوراً.
٢٠و�إذا نظر َت -يا محمد -ما أ�عطي ُت ه ؤ�لاء ٦وذلك الكافور تجري به عي ٌن ي�شرب منها عباد
ا ألبرار في الجنة ر�أي َت نعيم ًا عظيم ًا ،و ُملك ًا وا�سع ًا كبيراً. اللهُ ،يـ ْجـ ُرونها حيث �شا�ؤوا ِم ْن منازلهم في الجنة �إجرا ًء
٢١تعلوهم ثيا ُب الحرير ال ُخ ْ�ض ما ر َّق منه وما َغ ُل َظ، �سهل ًا لا َيتنع عليهم.
وحل ّاهم ربهم أ��ساور ِمن ف�ضة ،و�سقاهم ر ُّبهم �شراب ًا
طاهراً من َّزه ًا ع ّما في غيره وعما ُيف�ضي �إليه غيره من ُ ٧ر ِز َق ا ألبرا ُر هذا الف�ضل؛ ألنهم كانوا يوفون بما
نذروا من طاعات -و َم ْن كان كذلك فهو �أ�ش ُّد وفاء بما
الخباثة وال ِّرج�س. أ�وجبه الله عليه -ويخافون يوم ًا كان عذابه �شديداً ممتداً
�إ ّن له ؤ�لاء الأبرار: النيعقيوملكاجن ّللك ِذمك ُرهجزا ًءح ِيلنـئمٍذا ٢٢ لا ُيدرك مداه.
من عملتم في الدنيا هذا
١٠ - ٨و ُيط ِعمون الطعام مع الا�شتهاء والحاجة
ال�صالحات ،وكان عم ُلكم فيها محموداً مقبول ًا. إ�ليه فقيراً عاجزاً عن الك�سب ،ويتيم ًا محتاج ًا ،و�أ�سيراً
�أ َّي أ��سير كان ،قائلين إ�ذا هم أَ�طعموهم :إ�نما نطعمكم
� ٢٥ - ٢٣إنا نحن ن ّزلنا عليك -أ�يها النبي -القر�آن طلب ًا لر�ضا الله ،لا نريد منكم هدي ًة على ذلك ولا ثواب ًا،
مف ّرق ًا ولم ُن ْنزله جمل ًة واحد ًةِ ،لـ ِح َكم اقت�ض ْت ذلك، إ� ّنا نخاف من ربنا عقوب َة يو ٍم �شدي ِد الهولَ ،تعب�س فيه
فا�صب ْر على تبليغ ر�سالة ربك ،وما َك َّلفك به ،وتح ّم ْل الوجوه ،ويطول بلا�ؤه وي�شت ُّد؛ فنرجو أ�ن ي ؤ�َمننا بذلك.
أ�ذى الم�شركين ،ولا ُتطع منهم فاجراً أ�و م�ستغرق ًا في
الكفر وال�ضلال فيما يريد ِمن �ص ِّدك عن تبليغ ما �ُأنزل ١٢ ١١ف�صانهم الله من �شدائد ذلك اليوم،
�إليك ،وتوكل على ربك ف�إنه نا�ص ُرك ،وا�ستع ْن على و�أعطاهم ُح�سن ًا في الوجوه وفرح ًا في القلوب ،و أ�ثابهم
ذلك بالإكثار من ذكر الله تعالى أ� ّو َل النهار و آ�خره.
579
٢٦و أ�كثر � -أيها النبي -من ال�صلاة لله ليل ًا و�س ِّبحه
فيه زمن ًا طويل ًا.
� ٢٧إ ّن ه ؤ�لاء الكفار ي�ْؤ ِثرون العاجل َة على ا آلخرة،
ويتركون خ ْلف ظهورهم يوم ًا �شديد الهول -يوم
القيامة -لا يعملون له.
٢٨نحن خلقناهم و أَ� ْح َكمنا خ ْلقهم ،و�إذا �شئنا
أ�هلكناهم و�أتينا ب ُ�أنا�س آ�خرين بدل ًا منهم.
٢٩إ� ّن هذه ال�سورة تذكي ٌر وموعظ ٌة ،ف َم ْن �شاء ا َّتخذ
إ�لى ر�ضاه تعالى �سبيل ًا ،با إليمان والتق ُّرب �إليه بطاعته.
٣٠وما ت�شا ؤ�ون ذلك �إ ّل �أ ْن ي�شاءه الله ،إ� ّن الله كان
عليم ًا بخلقه ،حكيم ًا في فعله.
١٥ - ٨ف�إذا النجو ُم ذ َهب نو ُرها ،و إ�ذا ال�سما ُء ُ ٣١يدخل َم ْن ي�شاء في جنته وهم الم ؤ�منون ،و أ� ّما
ان�ش ّقت ،و إ�ذا الجبال ُد َّكت ف�صارت تراب ًا ُمف َّرق ًا، الكافرون الذين و�ضعوا العبادة في غير مو�ضعها فقد
و�إذا ال ُّر�ُس ُل ُجعل لها وق ٌت معلو ٌم فحان ذلك الوقت
و ُجمع ْت لل�شهادة على �ُأممها ،ما أ�عظ َم ذلك اليوم الذي �أع ّد لهم عذاب ًا م�ؤ ِلـم ًا مو ِجع ًا.
أ�ُ ِّخر ْت له الر�سل وما أ��ش َّد هوله! إ�نه يوم يف�صل الله فيه
بين خلقه بالحق ،و أ� ُّي �شيء أ�دراك -يا محمد -ما يوم �َ ٦ - ١أ ْق�س َم �سبحانه في هذه ا آليات بطوائ َف
الف�صل؟! هلا ٌك وخز ٌي يومئ ٍذ للمك ِّذبين بذلك اليوم. من الملائكة �أر�سله َّن ب أ�وامره متتابعة ،ف َع َ�ص ْف َن َع ْ�ص َف
الرياح في امتثال أ�مره ،و َن�َ ْشن في ال�سماوات وا ألر�ض
١٩ - ١٦أ�لـ ْم ُنهلك الأم َم الخالي َة المك ِّذبة للمر�سلين، �أم َر ربهم وتدبيره ،وما �شاء من رحمته أ�و عذابه ،ف َف َر ْقن
ثم نفعل ب أ�مثالهم في الكفر والتكذيب كما فعلنا بهم؟ بين الحق والباطل ،ف أ�لقي َن �إلى ال ُّر�سل ِذكراً؛ إ�عذاراً من
كذلك نفعل بكل كافر مجرم ،وي ٌل يومئ ٍذ للمك ِّذبين
الله �إلى خلقه ،و إ�نذاراً منه لهم.
ب�آيات الله ور�سله.
٧إ� ّن ما َتو َعدون به من �أمر القيامة لكائ ٌن لا َريب
فيه.
580
� ٣٤ - ٣٢إ ّن جهنم يتطاير منها �ش َر ٌر عظيم كالبناء ٢٤ - ٢٠أ�لـ ْم َن ْخ ُل ْقكم -أ�يها النا�س -من ُنطف ٍة
العالي ،ك�أ ّنه في لونه وكثرته وتتابعه وحركته في تطايره �ضعيف ٍة ،فجعلنا هذه النطفة في رح ٍم ت�ستق ُّر فيه
جماعات من ِجما ٍل �ُسود َت ُ�شوب �سوا َدها ُ�ص ْفرة، وتتم َّكن� ،إلى وق ٍت معلوم ق ّدره الله للولادة ،ف َق َد ْرنا
وي ٌل يوم القيامة للمك ِّذبين بالنار وبما و�صفها الله به من أ�طوار خلق ا إلن�سان وتكوينه ف ِنعم القادرون نحن؟ وي ٌل
يومئ ٍذ للمك ِّذبين بالبعث!� ،أ َل يعلمون �أ َّن القادر على
الأو�صاف.
الخلق ابتدا ًء قادر على إ�عادته؟
٣٧ - ٣٥هذا يوم القيامة الذي لا ينطق فيه
المك ِّذبون به ب�شيء ينفعهم ،ولا ي ؤ�ذن لهم في الاعتذار ٢٨ - ٢٥أ�لـ ْم نجعل الأر�َض وعا ًء؛ ت�ضم ا ألحياء
فيعتذرون ،وي ٌل يومئذ للمكذبين بهذا اليوم؛ إ�ذ لا ِح ْي َل َة على ظهرها والأموات في بطنها ،وجعلنا فيها جبال ًا
ثوابت مرتفعا ٍت ،و أ��سقيناكم ما ًء َع ْذب ًا؟ وي ٌل يومئ ٍذ
لهم في التخ ُّل�ص من العذاب.
للمك ِّذبين بهذه ال ِّنعم.
٤٠ - ٣٨هذا يوم الف�صل بين الـ ُمح�سن والـ ُم�سيء
في الحكم والجزاء ،ج َم ْعناكم يا مك ِّذبي هذه الأمة و َم ْن ٣١ - ٢٩يقول الح ُّق �سبحانه يوم القيامة للمك ّذبين
ك ّذب با ألنبياء من ا ألمم الما�ضية ،ف إ� ْن كانت لكم حيل ٌة بال ِّنعم والـ ُحجج التي احت َّج عليهم بها�ِ :سيروا إ�لى ما
في تخلي�ص أ�نف�سكم من العذاب ف أْ�توا بها ،وي ٌل يومئ ٍذ كنتم به تك ِّذبون ِمن العذاب�ِ ،سيروا �إلى ظ ٍّل عظيم من
دخان النار مرتف ٍع مت�ش ِّعب ثلا َث �ُش َعب ،لا ُي ِظ ُّل من ح ِّر
للمك ِّذبين بالبعث.
ذلك اليوم ،ولا َير ُّد لهي َب جهنم.
� ٤٥ - ٤١إ ّن الذين اتقوا عقا َب ربهم بتوحيده
و أ�داء فرائ�ضه واجتناب معا�صيه في ظلا ٍل ظليل ٍة لا 581
ي�صيبهم ح ٌّر ولا َق ٌّر ،وفي عيو ٍن جاري ٍة وفواك َه كثير ٍة
مما ت�شتهيه أ�نف�سهم ،يقال لهم على �سبيل الإكرامُ :كلوا
وا�شربوا هنيئ ًا ،لا تنغي�ص فيه ،جزا ًء بما كنتم تعملون في
الدنيا من الطاعات ،هكذا نجزي َم ْن أ�ح�سن العمل ،ويل
يومئذ للمكذبين؛ حيث �صاروا إ�لى الخلود في العذاب
العظيم ،و�صار الم�ؤمنون �إلى النعيم المقيم.
٤٧ ٤٦قل له ؤ�لاء الكفار تهديداً لهم :كلوا وتمتعوا
قليل ًا في هذه الدار ،ف إ� ّن م�صيركم �إلى الحرمان والخلود
في العذاب �إنكم كافرون ،وي ٌل يومئذ للمك ِّذبين؛ حيث
ع ّر�ضوا أ�نف�سهم للعذاب المقيم بالتمتع القليل الزائل.
٥٠ - ٤٨و إ�ذا قيل له�ؤلاء الج َهلة من الكفار:
اخ�شعوا لله وتوا�ضعوا له وا َّتبعوا دينه ،لا يخ�شعون ولا
يقبلون ذلك ،وي ٌل يومئذ للذين ك َّذبوا ر�سل الله ولم
يقبلوا ما جا�ؤوا به من ا ألوامر والنواهي ،فب أ� ِّي حدي ٍث
بعد هذا القر آ�ن -وقد ك ّذبتم به مع و�ضوح برهانه
وظهور �إعجازهُ -ت�ص ِّدقون؟!
وتتخا�صم فيما قري�ش تتجادل ١لـ ّما جعل ْت
البعث بعد الموت ِ - -من �أمر �أنذرهم به ر�سول الله
والجزاء ،قال الله �سبحانه لنب ِّيه :عن �أ ِّي �شي ٍء يت�ساءل
ه�ؤلاء الم�شركون ويخت�صمون؟
٣ ٢يت�ساءلون عن الخبر العظي ِم ال�ش�أ ِن ،خب ِر
البعث الذي اختلفوا فيه؛ فمنهم الجازم با�ستحالته
ومنهم ال�ّشا ُّك فيه.
٥ ٤ف ْليرتدعوا ع ّما هم عليه من الت�سا ؤ�ل �إنكاراً
وا�ستهزا ًء ،ف�سيعلمون حقيق َة الحال حيث يرون البع َث
أ�مراً واقع ًا ،و�سيعلمون ما َيح ُّل بهم من العذاب وال َّنكال
على �إنكارهم.
�سبحانه يب ِّي �أ�شيا َء من عجائب ٧ثم �ش َر َع ٦
على ِع َظم قدرته تعالى وحكمته، لي�ستد ُّلوا بها �صنائعه
يوم ُينفخ في ال�صور للقيام من القبور فت�أتون جماعا ٍت و�أنه قادر على البعث بعد الموت ،فقال تعالى� :ألـ ْم نجعل
مختلف ًة ،و�ُش ِّققت ال�سما ُء لنزول الملائكة فكانت ذات ا ألر�َض مهي�أ ًة للخلائق منا�سب ًة للحياة عليها ،والجبا َل
�أبوا ٍب و ُط ُر ٍق ،و�ُس ِّيت الجبال بعد ن�سفها فكانت �سراب ًا
مث ِّبت ًة لها حافظة لتوازنها تمنعها من الا�ضطراب ب�أهلها؟
لا وجود لها ،كما �أن ال�سراب كذلك.
١١ - ٨وخلقناكم ذكوراً و إ�ناث ًا ،وجعلنا بينكم
� ٢٣ - ٢١إ ّن جهنم كانت ُمتر ِّقب ًة ،لا تدع أ�حداً من
الذين تجاوزوا الح َّد في الظلم والع�صيان يفل ُت من الم�صير مود ًة ورحم ًة ،حفظ ًا للن�سل وتحقيق ًا للت�سا ُكن؟ وجعلنا
إ�ليها والا�ستقرار فيها دهوراً طويلة متتابعة لا نهاية لها. نومكم راح ًة ألبدانكم؟ وجعلنا اللي َل �ساتراً ت�ستركم
ظلم ُته وت�ساعدكم على ال�س َكن والراحة و َت ْرك ال�سعي
٢٦ - ٢٤لا يجدون فيها بر َد ري ٍح ُيخ ِّفف عنهم، والحركة؟ وجعلنا النها َر وق َت معا� ٍش تتقلبون فيه في
ولا �شراب ًا يقطع عط�شهم ،لك ْن ي�شربون ما ًء حاراً يحرق
كل ما ي أ�تي عليه ،و�صديداً مما َي�سيل من �أج�سادهم، مكا�سبكم وحوائجكم؟
ُجوزوا بذلك جزا ًء موافق ًا ألعمالهم. ١٣ ١٢وبنينا فوقكم �َس ْب َع �سماوات متين َة التكوين
� ٣٠ - ٢٧إ ّنهم كانوا لإنكارهم البع َث لا يخافون ُمح َكم َة البناء؟ وجعلنا لكم فيها �شم�س ًا م�ضيئ ًة و َّقاد ًة؟
ح�ساب ًا ،وك ّذبوا بالقر�آن تكذيب ًا ،وك ّل عم ٍل من �أعمال ١٦ - ١٤و�أنزلنا من ال�ُّس ُحب التي حا َن لها أ�ن
العباد �أثبتناه في اللوح المحفوظ لنجزيهم عليه� ،إ ْن خيراً تمطر ما ًء من�ص ّب ًا بكثرة؛ ل ُنخرج بهذا الماء الكثير المبارك
فخي ٌر ،و إ� ْن �ش ّراً ف�ش ٌّر ،يقال للكفار يوم القيامة :ذوقوا ح ّب ًا كالقمح وال�شعير ،وكلأً ،وب�ساتين ملت ّف َة ا أل�شجار؟
� ٢٠ - ١٧إ ّن يوم الف�صل بين الخلائق كان في
جزاءكم ،فلن نزيدكم إ�لا عذاب ًا فوق عذابكم. علمه وتقديره �سبحانه ميعاداً ِل َب ْع ِث ا أل ّولين والآخرين
وح�سابهم مح ّدداً بوقت لا يتق َّدم عليه ولا يت�أخر،
582
39ذلك يوم القيامة الواق ُع لا َمحالة ،ف َم ْن �شاء ا ّتخذ
إ�لى ربه َم ْرجع ًا بالعمل ال�صالح.
� 40إ ّنا أ�نذرناكم -أ�يها الكافرون المك ِّذبون بالبعث-
عذا َب يوم القيامة القري َب ُوقوعه ،يو َم ي�شاهد الـ َمر ُء
ما ق ّدم ْت يداه من خي ٍر �أو �ش ٍّر ،ويتم ّنى الكافر �أن يكون
تراب ًا ،فلا ُيحا�َسب ولا ُيجازى.
5 - 1أَ�ق َ�سم الله �سبحانه بطوائ َف من الملائكة 35 - 31وبعد بيان �ُسوء أ�حوال الكفار �ش َر َع اللهُ
تنزع �أرواح الكفار من أ�قا�صي ال َب َدن نزع ًا �شديداً، تعالى يب ِّي ُح�س َن أ�حوال الم ؤ�منين فقال� :إ ّن للمتقين نجا ًة
وبطوائ َف ُتخرج �أروا َح الم ؤ�منين ب ِر ْفق و ُي�سر ،وبطوائ َف من كل مكروه وفوزاً بكل محبوب :ب�ساتين فيها أ�نواع
َت�ْس َب ُح في ُم ِ�ض ِّيها م�سرع ًة ،فت�سبق �إلى ما �ُأر�سلت �إليه الأ�شجار المثمرة والكروم ،وجوار َي نواهد م�ست ِويا ٍت
تدبيراً لأمر ربها فيهَ� ،أق�سم �سبحانه بهذه الطوائف من في ال�س ِّن ،وك أ��س ًا مملوء ًة متتابع ًة على �شاربيها ،لا
الملائكة على قيام ال�ساعة والبعث. ي�سمعون في تلك الجنة باطل ًا من القول ولا كذب ًا.
9 - 6يو َم ُتزلزل الأر�ُض والجبا ُل زلزال ًا عنيف ًا 37 36جزاهم ر ُّبك بذلك تف ُّ�ضل ًا منه ،وحا�سبهم
للنفخة ا ألولى ،تتبعها نفخ ٌة أ�خرى بعدها ل َب ْع ِث يوم ح�ساب ًا كريم ًا ،ر ّب ال�سماوات ال�سبع وا ألر�ض وما بينهما
القيامة .قلو ٌب يومئ ٍذ خا ِفق ٌة م�ضطرب ٌة من ِ�ش ّدة الفزع، من الخلق ،الذي �ش ِمل ْت رحم ُته ك َّل �شيء ،لا يملك �أه ُل
ال�سماوات وا ألر�ض وما بينهما الاعترا�َض عليه في
أ�ب�صا ُر أ��صحابها ذليل ٌة لهول ما ترى.
12 - 10يقول منكرو البعث في الدنيا ا�ستبعاداً ثوا ٍب �أو عقا ٍب ألنهم مملوكون له على ا إلطلاق.
و�إنكاراً :أ�نعود بعد الموت �أحيا ًء كما كنا؟ أ� ُنر ُّد للحياة
بعد �أن ِ�صنا عظام ًا بالي ًة؟ قالوا ا�ستهزا ًء� :إ ْن �ص َّحت 38يوم يقوم جبريل والملائكة م�صط ِّفين ،لا يتكلم
الخلق يومئ ٍذ �إجلال ًا لعظمة الله �سبحانه �إلا َم ْن أ�َذن له
تلك العود ُة و ُب ِعثنا فنحن �إ َذ ْن خا�سرون لتكذيبنا به.
الرحمن في الكلام ،وقال ح ّق ًا.
14 13يقول الح ُّق �سبحانه :لا تظنوا تلك ال َّرجعة
�صعب ًة على الله تعالى ،فما هي �إ ّل �صيحة واحدة 583
-النفخة الثانية -ف�إذا هم أ�حياء على وجه ا ألر�ض بعدما
كانوا أ�موات ًا في جوفها.
� 15ألي�س قد أ�تاك -يا محمد -خب ُر مو�سى ف ُي�س ِّليك
عن تكذيب قومك ،و ُت ِّذرهم ِم ْن �أَ ْن ي�صيبهم ما أ��صاب
َم ْن هو �أقوى منهم؟
39 - 37ف�أ ّما َمن جاوز الح َّد فكفر ،وانهمك في 19 - 16حين ناداه ر ُّبه بوادي ُطوى المبارك
الدنيا و�شهواتها ،ولم ي�ستع َّد للآخرة با إليمان والطاعة، المق َّد�س� ،أ ِن اذه ْب إ�لى فرعون إ� ّنه تجاوز الح َّد في الكفر
والف�ساد ،فقل له :هل لك َمي ٌل إ�لى أ�ن تتطهر ِمن ال�شرك
ف إ� ّن الجحيم هي م�أواه ومنزله يوم القيامة. والع�صيان ،و�ُأر�شدك إ�لى معرفة ربك فتخ�شى عقابه
41 40و�أ ّما َمن َعلم أ� ّن له وقوف ًا بين يدي ربه ب أ�داء الواجبات و َت ْرك المح َّرمات؟
للح�ساب ،و َز َجر نف َ�سه عن ا ّتباع هواها فيما ُيغ�ضب
25 - 20فذهب مو�سى إ�لى فرعون ف�أراه الآية
الله وخالفها ،ف إ� ّن الجنة َمرجعه يوم القيامة. الكبرى -وهي الع�صا واليد -فك ّذب فرعو ُن مو�سى
46 - 42ي�س أ�لك -يا محمد -ه ؤ�لاء الكفار عن بعد ظهور ا آلية وتم ّرد وتج ّب ،ثم �أ ْع َر�ض عن ا إليمان
ال�ساعة :متى وقوعها وقيامها؟ أ�نت لا ِعل َم لك بوقتها �ساعي ًا في إ�بطال أَ� ْمر مو�سى ،و َج َمع جنوده و�أهل مملكته
حتى تخبرهم به ،إ�لى ر ِّبك وحده منتهى ِع ْل ِمها ،ولم ونادى فيهم� :أنا ر ُّبكم ا ألعلى لا ر َّب فوقي ،فانتق َم الله
ُتبعث ِل ُتع ِل َمهم بوقت ال�ساعة� ،إنما ُبعث َت لإنذار َم ْن منه انتقام ًا جعله عبر ًة لغيره؛ ب أ�ن �أغرقه في الدنيا وجعل
يخاف أ�هوالها و�شدائدها ،ك أ�نهم ِم ْن عظيم هول
ال�ساعة يو َم َيرون �أنها قد قام ْت لم يلبثوا في الدنيا �إلا النار جزاءه في الآخرة.
ع�ش ّي َة يو ٍم �أو ُ�ضحاه. � 26إ ّن في ق�صة فرعون وما ف َعل ،والعقوب ِة التي عاقبه
الله بها ،لعظ ًة وعبر ًة ِلـ َمن يخاف الله ويخ�شى عقابه.
584
� 29 - 27أ�أنتم يا منكري البعث �أ�صع ُب خ ْلق ًا
و إ�ن�شا ًء بعد الموت في تقديركم أ�م َخ ْل ُق ال�سماء؟ ف�إ ّن الله
خلق ال�سماء وبناها عالي َة ال�سقف ،متقن َة البناء ،فلي�س
فيها �شقو ٌق ولا فطور ،و أ�ظل َم لي َلها ،و�أ�ضاء ُ�ضحاها.
33 - 30وا ألر�َض بعد ذلك ب�سطها وم ّهدها
لعمارتها والحياة فيها ،و َ�أخرج منها ماءها بتفجير
عيونها ،و�أخرج ما ترعاه الأنعا ُم ِمن ال�شجر وال ُع�شب،
وما ي�أكله النا�س من ا ألقوات والثمار ،وث َّب َت ا ألر�َض
بالجبال أ�ن تميد ب أ�هلها؛ فعل ذلك منفع ًة لكم و ألنعامكم
ومتاع ًا �إلى حين� .إ ّن الذي خلق هذا على هذه الكيفية
قاد ٌر على إ�عادة ا ألج�ساد بعد فنائها.
36 - 34ف إ�ذا جاءت الداهي ُة ال ُعظمى وهي ال�ساعة،
يوم يتذ َّكر ا إلن�سان عم َله حين يراه مد َّون ًا في �صحيفته،
وقد كان ن�سيه ب�سبب الغفلة وطول المدة ،و�ُأظهرت
النا ُر المحرقة لكل را ٍء فهي لا تخفى على أ�حد.
أَ� ْمر ر ّبه ويحذر مع�صيته ،ف أ�نت عنه تت�شاغل.
16 - 11لا ت ُع ْد �إلى ِمثلها� ،إ ّن هذا القر آ�ن و آ�ياته
موعظ ٌة ،فمن �شاء أ�ن ي ّتعظ به ا ّتعظ ،و َمن َر ِغب عنه
فمولالنامنتازللهلتةوَّ،م بحب�أيهال.دم وحيفهكوَذتاب ٍظةال،مقمرنآ�اكلنمَّرلمماٍثةئبك ٌعةنتدكفرايال ٍلمه�،صعلُمحىر ٍفافلولهعم ِنةم�اسطلي َوقع ْديخةرن
له ين�سخونها من اللوح المحفوظ.
ُ 23 - 17لعن الكافر ما �أ�ش َّد كف َره! �أ َما يذكر
من نطفة من ٍّي الذي خلقه الله منه؟! حقي َقت ُه و أ��ص َله
أ�ن ت َّم َخل ُقه ،ثم َخ ْلقه فق ّدره أ�طواراً إ�لى َ -مهين -ابتد أ�َ
�س ّه َل له طريق الخروج من بطن �أمه ،ثم أ�ماته فجعل له
قبراً يوا َرى فيه� ،إكرام ًا من ربك ،ثم إ�ذا �شاء �أحياه بعد
َموته .ف ْليرتدع ا إلن�سا ُن عن الكفر والتج ُّب ،إ�نه لم َيق�ض
على تطاول عمره ما أ�مره الله به من ا إليمان والطاعة.
32 - 24ولـ ّما ع َّدد �سبحانه للإن�سان ِن َعمه عليه َ 2 1ع َب� َس � -أي النبي -في وجه الأعمى
ِنفَعيمنهف�عسليهه ِمفينماابتيداح ِءتا َخج ْل إ�قليهه�إ،ل فىقاانتله:ائفلهي،ن َأ�ظْت َبرعا إلذنل�سكا ُ َتنعَندَظا َدر (ابن أ�م مكتوم) حين جاءه م�ستر�شداً ،و أ�عر�ض عنه.
اعتبا ٍر �إلى طعامه الذي ي�أكله ويحيا به كيف خلقه الله وقد عاتب الله النب َّي
وي�ّسه له� ،أ ّنا �صببنا الماء من ال�سحاب �ص ّب ًا ،ثم �شققنا دون الخطاب ب�ضمير ال َغيبة تل ُّطف ًا به و�إكرام ًا له .وكان
ا ألر�ض �ش ّق ًا بديع ًا ،ف أ�نبتنا فيها ح ّب ًا كالقمح وعنب ًا وما هذا كراهي َة أ�ن إ�عرا�ضه
ي ؤ�كل رطب ًا ِمن النبات ،وزيتون ًا ونخل ًا وب�ساتين كثيرة
ا أل�شجار ،وفاكه ًة و ُع�شب ًا ت أ�كله البهائم؛ أ�ن َبـتنا ذلك ُي�صرف عما كان فيه من دعوة رجل من زعماء م�شركي
قري�ش أ�مل ًا في �إ�سلامه.
منفع ًة لكم و ألنعامكم.
37 - 33ث ّم ب ّي الله تعالى �أحوا َل َمعاد الإن�سان بعد
بيانه �أحوال َخلقه و َمعا�شه ،فقال :ف�إذا جاءت �صيح ُة
من أ�خيه ،و ُ�أ ّمه القيامة التي ُت�ص ُّم ا آلذان ،يو َم يف ُّر الـ َمرء 4 3وما يدريك -أ�يها الر�سول -لع ّل هذا
يومئ ٍذ �ش�أ ٌن في و أ�بيه ،وزوجه و أ�بنائه ،لك ِّل امرئ منهم الأعمى الذي جاء �سائل ًا يتطهر وينتفع في دينه بما ي�سمع
نف�سه َي�شغله عن غيره. منك ،أ�و ي ّتعظ فتنفعه الموعظة.
42 - 38وينق�سم النا� ُس يومئ ٍذ إ�لى �ُسعداء وجو ُههم � 7 - 5أ ّما َمن َح ِ�سب نف�سه م�ستغني ًا عن دعوتك
م�ضيئ ٌة متهلل ٌة �ضاحكون م�سرورون ،و أ��شقياء وجو ُههم ت َتتِبعع ٍّرة �إ� ْضن والمال ف�أن َت الله من ال�شرف والقوة بما آ�تاه
عليها ُغبار و ُكدرة وتعلوها ظلم ٌة و�سوا ٌد ،وه�ؤلاء الذين وما عليك ِم ْن عليه حر�ص ًا على إ�يمانه، با إلقبال
هذه �صفتهم يوم القيامة هم ال َك َفرة بالله الذين بالغوا في
لم ي�ؤمن ويتطهر من ال�شرك و�إنما عليك البلاغ.
انتهاك حرمة دينه.
10 - 8و أ� ّما َم ْن جاءك ُي�سرع في م�شيه وهو ُيـ ِج ُّل
585
24وما محمد - -ببخيل بتبليغ ما ُيوحى �إليه � 4 - 1إذا ال�شم�س ُل َّفت و ُجمع بع ُ�ضها إ�لى
من ال َغيب ولا م َّتهم. بع�ض فف َ�س َد ِج ْر ُمها وذهب �ضو ؤ�ها ،و إ�ذا النجوم
َ�أظلمت وت�ساقطت ،و�إذا الجبال ُد ّكت و�ُس ّيت عن
25وما هذا القر آ�ن بقول �شيطا ٍن ُم�ست ِر ٍق لل�َّسمع أ�ماكنها ف�صارت هبا ًء منثوراً ،و إ�ذا ال ُّنوق الحوامل
مرجوم. -وهي ِم ْن �أح ّب مال العرب �إليهمُ -ترك ْت لا ُينتفع
27 26ف�أين تذهب عقو ُلكم في تكذيبكم بهذا بها ،لان�شغال النا�س عنها بما هم فيه من �ش ِّدة الهول.
القر�آن مع ظهوره وو�ضوحه ،وبيا ِن َكونه ح ّق ًا من عند
الله ع ّز وج ّل ،و أ� ّي طريق ت�سلكون َأ�بين من هذا الطريق 9 - 5و�إذا الوحو�ش ُجمع ْت ِم ْن كل جانب،
الذي ُب ِّي لكم؟ ما هذا القر�آن �إلا موعظ ٌة لجميع ا إلن�س و إ�ذا البحار ُمل َئت و ُف ِّجرت حتى تعود بحراً واحداً،
و إ�ذا النفو�س ُقرنت ب�أج�سادها ،و إ�ذا ال ِبن ُت التي ُدفن ْت
والجن. وهي ح َّي ٌة �ُسئلت توبيخ ًا لقاتلها :ب�أ ِّي ذنب ُق ِتلت؟
29 28ينتفع به ويتذكر َم ْن �شاء الا�ستقامة على فتقولُ :ق ِتل ُت بلا ذنب.
�سبيل الحق في ّتبعه وي�ؤمن به ،وما ت�شا ؤ�ون -أ�يها النا�س-
الا�ستقامة على الح ِّق �إلا �أن ي�شاء الله ر ُّب الخلائق جميعها 14 - 10و إ�ذا ال ُّ�صحف التي فيها ا ألعمال ُفتحت
و ُب�سطت ،و�إذا ال�سماء ُك�شفت ،و إ�ذا النار �أو ِقدت �إيقاداً
ا�ستقام َتكم عليه. �شديداً ،و إ�ذا الجنة ُق ّربت من الم ؤ�منين� ،إذا وقعت هذه
ا ألهوال َو َج َد ْت ك ُّل نف� ٍس ما �أ�سلف ْت ِم ْن خي ٍر �أو �ش ٍّر
حا�ضراً لا يخفى منه �شيء.
21 - 15أُ�ق ِ�سم بالنجوم الرواجع ال�سيارات ،التي
تظهر بالليل وتختفي بالنهار لغلبة �ضوء ال�شم�س،
وباللي ِل إ�ذا �أقبل بظلامه و أ�دبر ،وال�صب ِح �إذا امت َّد �ضو ؤ�ه:
�إ ّن هذا القر�آن نزل به جبري ُل ،وهو ر�سول كريم عند
ربه ،ذو قدر ٍة على ما يك َّلف به و ُي�ؤمر لا َيعجز عنه
ولا َي�ضعف ،له جا ٌه و َمنزل ٌة عند الله ،تطيعه الملائكة في
ال�سماوات ،أ�مي ٌن على الوحي وغيره.
23 22وما �صاحبكم محمد - -الذي
تعرفون أ�حواله وف�ضائله بمجنون كما تزعمون ،ولقد
ر أ�ى محم ٌد جبري َل الذي ي أ�تيه بالر�سالة من عند الله على
�صورته التي خلقه الله عليها بالأُفق الأعلى ِم ْن جهة
الم�شرق.
586
12 - 9لي�س ا ألمر كما تقولون -أ�يها الكفار-
�إنما َي ْحملكم على مقابلة الكريم بالمعا�صي �أنكم
تك ِّذبون بالـ َمعاد والح�ساب والجزاء ،و إ� ّن عليكم ُرقباء
ِمن الملائكة كرام ًا عند الله يكتبون أ�عمالكم ،لا َيخفى
عليهم �شي ٌء منها.
� 16 - 13إن الذين َب ُّروا و�ص َدقوا في إ�يمانهم ب أ�دا ِء
ما �أوج َب الله عليهم وت ْر ِك ما نهاهم عنه لفي نعيم الجنة،
و�إ ّن الكفار لفي النار ،يقا�سون ح ّرها يوم الجزاء ،وما
هم بخارجين منها لخلودهم فيها.
19 - 17وما �أعل َمك ما يو ُم الح�ساب؟! ث ّم ما
�أعلمك ما يو ُم الح�ساب؟! فهو من ال�شدة بحيث لا
يدري أ�حد مقدا َر هوله وعظمته ،يوم لا ت�ستطيع نف� ٌس
لنف� ٍس نفع ًا لها ولا دفع ًا عنها ،والأم ُر ك ُّله يومئ ٍذ لله
وحده لا �أم َر لغيره فيه.
3 - 1خز ٌي وعذا ٌب �شدي ٌد للذين ينق�صون 5 - 1إ�ذا ال�سماء ان�شق ْت ،و�إذا الكواكب
المكيال والميزان ،الذين �إذا اكتالوا من النا�س ي�أخذون �َس َقط ْت متفرق ًة ،و�إذا البحار َف ّجر الله بع�ضها �إلى بع�ٍض
ف�صار الك ُّل بحراً واحداً واختلط ال َع ْذب بالمالح ،و إ�ذا
حقو َقهم وافي ًة ،و�إذا كالوا للنا�س أ�و وزنوا لهم ينق�صون القبو ُر أ�ُثيرت فا�س ُتخ ِرج َمن فيها �أحياء� ،إذا كانت هذه
الكيل والوزن.
ا أل�شياء قر�أ ك ُّل �إن�سان كتاب �أعماله و ُجوزي بها.
� 6 - 4ألا َيعلم و َي�ستقين أ�ولئك الذين يفعلون
هذا الفعل ال�شني َع �أ َّنهم مبعوثون ليو ٍم عظيم الخ ْطب 8 - 6يا أ�يها ا إلن�سان� :أ ُّي �شي ٍء خدعك حتى
�شديد الهول ،يو َم يقوم النا� ُس من قبورهم لَأ ْمر ر ِّب كفر َت بربك وع�صيته ،مع كرمه و َك ْثة نعمه عليك،
وقد خلقك بعد �أن لم تكن ،وجعلك �سو َّي ال ِب ْن َية �سليم
الخلائق وجزائه وح�سابه؟! ال ِخلقة ،وع ّدل أ�ع�ضاءك فجعلها متنا�سب ًة مع ّدة لوظائفها،
ور ّكبك في أ� ِّي �صورة �شاءها لك من ال�صور المختلفة في
النوع ذكور ًة و أ�نوث ًة ،واللو ِن والطو ِل وال ِق�ص ِر وغيرها؟
587
ُ 28 - 25ي�سقون من �شرا ٍب خال�ٍص ُت ْغلق أ�وانيه 13 - 7ف ْليرت ِدعوا ع ّما هم عليه من التطفيف
بالم�سك -وفي ذلك النعيم ف ْلي َرغب الراغبون و ْليجتهد والغفلة عن البعث والح�ساب ،إ� ّن �صحف �أعمال
المجتهدون -وما ُي َز ُج به ذلك ال�شرا ُب ِم ْن عين الكفار لمودعة في ( ِ�س ِّجي ٍن) ُينا�سب حقار َة أ�عمالهم
ت�سنيم� -أرفع �شراب في الجنة -وهي عين ي�شرب بها وانحطاطها .و�أ ُّي �شي ٍء �أدراك ما ِ�س ِّجين؟! كتاب
-في الأر�ض ال�سفلىُ -تـح�صى فيه جميع �أعمال
المق َّربون ِ�صف ًا ،و ُي َزج منها ل�سائر أ�هل الجنة. الكفار ِمن ال ّثقلين حتى ُيحا�سبوا بها ويجازوا عليها.
31 - 29إ� َّن الذين كفروا كانوا من الذين آ�منوا وي ٌل يو َم يخرج ذلك المكتوب للمك ِّذبين ،الذين
ي�ضحكون في الدنيا ا�ستهزا ًء بهم ،و�إذا م ّروا بهم ي�شير يك ِّذبون بيوم الجزاء والح�ساب ،وما يك ِّذب بذلك
بع ُ�ضهم إ�لى بع�ٍض بالعين عيب ًا لهم ،و إ�ذا رجع الكفا ُر اليوم �إلا ك ُّل متجاو ٍز للح ِّد ُم ْغ ِر ٍق في الإثم ،إ�ذا ُتتلى
�إلى أ�هلهم رجعوا متل ِّذذين بذكر الم�ؤمنين والا�ستخفاف عليه �آيات القر�آن قال ِم ْن َف ْرط جهله :هذا �شي ٌء مما كتبه
الأ ّولون من ا ألحاديث وا ألخبار التي لا �أ�صل لها ولا
بهم.
دليل على �ص َّحتها.
34 - 32و�إذا ر�أى الكفا ُر الم�ؤمنين ن�سبوهم �إلى
ال�ضلال .وما ُ�أر�سلوا على الم ؤ�منين حافظين ألعمالهم، 14ف ْليرت ِد ْع عما يقول .بل أ� ّدى به �إلى ما قال أ� ّن قلبه
�شاهدين ب ُر�شدهم �أو �ضلالهم ،فيو َم القيامة حين يرى وقلوب المك ِّذبين �أمثاله قد غ ّطاها ما كانوا يك�سبون من
الم ؤ�منون الكفا َر أ�ذ ّل َء مغلوبين في النار ي�ضحكون منهم المعا�صي حتى غمرها فلا ي�ستطيعون معرفة الحق من
كما �ضحك الكفا ُر منهم في الدنيا جزا ًء ِوفاق ًا. الباطل.
588 17 - 15فليرتدعوا عن اكت�ساب المعا�صي التي
تغ ِّطي القلب ،إ�نهم يوم القيامة محجوبون عن ر ؤ�ية
ربهم وكرامته ،ثم �إنهم لداخلون النار ُيقا�سون ح ّرها،
ثم يقال لهم تقريع ًا وتوبيخ ًا :هذا الذي كنتم تكذبون
به في الدنيا فذوقوا عذابه.
21 - 18ف ْليرت ِدعوا عن التكذيب ،إ� ّن كتاب �أعمال
المطيعين الذين لا ينق�صون الكيل والميزان وي�ؤمنون
بالبعث لمحفوظ في ( ِع ِّل ِّيين) حفظ ًا ينا�سب مكان َتهم
ورفع َة أ�عمالهم .و�أ ُّي �شي ٍء �أعلمك ما ِع ِّليون؟! كتاب
-في ال�سماء ال�سابعةُ -تـحفظ فيه جميع أ�عمال ا ألبرار
وال�صالحين ،لا َي ْح�ضره إ�لا الملائكة المق َّربون.
24 - 22إ� ّن المطيعين لله لفي نعيم الجنة ،على
ا ألَ�س َّرة في ال ِحجال -وهي بيو ٌت كالقباب م�ستور ٌة
بال�ستور الفاخرة -ينظرون �إلى كرامة الله ونعمه،
تعرف في وجوههم بهجة ال ّتن ُّعم و َرونقه.
ال�سعي لمطالبك ،فقائ ٌم بين يدي ربك للح�ساب والجزاء، 36 35وهم على ا ألرائك �آمنون ي�ضحكون
فليكن عم ُلك و�سع ُيك في طاعة ربك ومر�ضاته. منهم ناظرين �إليهم و�إلى ما هم فيه ِم ْن �سوء الحال ،قد
ُجوزي الكفا ُر على ما كانوا يقابلون به الم ؤ�منين من
9 - 7ف أ� ّما َمن �أوتي كتا َب عمله بيمينه ف�سوف
ُيحا�َسب ح�ساب ًا �سهل ًا ه ّين ًا ،و َيرجع إ�لى أ�هله في الجنة الا�ستهزاء والتنقي�ص �أت َّم الجزاء و أ�كم َله.
م�سروراً بما �أعطاه الله. 5 - 1إ�ذا ال�سماء ت�ص ّدع ْت وت�ش َّقق ْت ،و�سمع ْت
�أمر ر ِّبها و أ�طاع ْت و ُح َّق لها أ�ن ت�سمع وتطيع ،و إ�ذا
12 - 10و�أ ّما َم ْن �أوتي كتابه ب�شماله ِم ْن وراء ا ألر�ُض �ُس ِّويت بزوال ما عليها من الجبال ،وقذف ْت
ظهره ف�سوف يدعو بالويل والهلاك ل�ش ؤ�م عاقبته، ما في جوفها من الموتى للح�شر ،وبقي ْت خالي ًة مما كان
فيها ،وا�ستمع ْت لأمر ر ِّبها و�أطاعته و ُح َّق لها �أن ت�سمع
ويقا�سي التها َب النار وح ّرها. وتطيع� ،إذا وقعت هذه المذكورات ر�أى الإن�سا ُن ما ق ّدم
� 15 - 13إنه كان في الدنيا م�سروراً مع أ�هله متنعم ًا
غافل ًا عن الآخرة ،مك ِّذب ًا بالبعث يظن أ�نه لن يرجع �إلى من خي ٍر �أو �ش ٍّر.
ربه ،بلى يرجع �إلى ربه و ُيبعث ،إ� ّن ر َّبه الذي خلقه كان 6يا أ�يها الإن�سان :إ� ّنك دائ ُب العمل ُمه ٌد نف َ�سك في
به وب أ�عماله المو ِجب ِة للعقاب ب�صيراً لا تخفى عليه منها
589
خافي ٌة ،فلاب َّد من َر ْجعه وح�سابه عليها.
19 - 16ف ُأ�ق�سم بالـ ُح ْمر ِة التي ُت�شا َهد في الأفق إ� ْثر
غروب ال�شم�س ،واللي ِل وما جمع و�ض ّم مما كان منت�شراً
بالنهار ،والقم ِر �إذا اجتمع �ضو�ؤه وت ّم بدراً :ل ُتلا ُق ّن
� -أيها النا�س -حال ًا بعد حال ،ك ُّل واحد ٍة منها مطابق ٌة
ألختها في ال�ش ّدة والفظاعة؛ ك�أحوال �شدائد الموت ،ثم
القبر ،ثم البعث ،ثم الح�شر ،ثم الح�ساب ،ثم الميزان ،ثم
ال�صراط.
21 20ف إ�ذا كان ا ألم ُر يو َم القيامة كما ُذكر ف أ� ُّي
�شي ٍء يمنعهم من ا إليمان وقد تعا�ضد ْت ُمو ِجبا ُته؟! وما
يمنعهم من الخ�ضوع والا�ستكانة �إذا قرئ عليهم القر آ�ن؟!
25 - 22بل ا لذ ين كفر و ا يك ِّذ بو ن با لقر آ� ن
الـ ُمخ ِب بما ُذكر من �أهوال القيامة و�أحوالها ،والله �أعل ُم
بما يخفون في قلوبهم من الكفر والح�سد ،فب�ِّشهم
-ته ُّكم ًا بهم -بعذا ٍب أ�لي ٍم جزا َء كفرهم وعنادهم ،إ�لا
َم ْن ُق�ضي له بالإيمان من ه ؤ�لاء الكفار وامتثلوا �أوامر الله
واجتنبوا نواهيه ،فلهم في ا آلخرة �أج ٌر غير مقطو ٍع.
يمتنع عليه �شيء �أراده. َ� 4 - 1أق َ�سم الله بال�سماء ذا ِت المنازل التي تنتقل
18 17قد عرف َت -أ�يها الر�سولَ -خ َب ال َّظ َلم ِة فيها ال�شم� ُس والقمر و�سائر النجوم والكواكب ،و�أَق َ�سم
ال ُعتا ِة فرعو َن وجنوده وثمو َد قوم �صالح ،وما َن َزل بهم بيوم القيامة ،و َم ْن يح�ضر في ذلك اليوم من الخلائق،
لتكذيبهم ب آ�يات ربهم ور�سله ،فذ ّك ْر قو َمك ببط�ش وبما ُي�ش َهد فيه من الأهوال والعجائب :لقد ُل ِعن الذين
الله تعالى ،وح ّذ ْرهم أ�ن ُي�صيبهم مث ُل ما أ��صا َب �أولئك
حفروا في ا ألر�ض �ش ّق ًا عظيم ًا؛ لتعذيب الم ؤ�منين.
المك ِّذبين.
� 20 19إ َّن الذين كفروا من قومك لم ُيك ِّذبوك � 7 - 5إذ أ� ّججوا فيه ناراً �شديدة الا ِّتقاد مرتفعة
عن دليل �أو ُح ّجة ،بل هم في تكذيبك و إ�نكار نبوتك ال َّلهبُ ،لعنوا أ��ش َّد ال َّلعن حين كانوا قاعدين حول النار،
كقوم فرعون وثمود وغيرهم ممن �سبقوهم من ا ألمم التي وهم على ما يفعلون بالم�ؤمنين من العذاب ح�ضو ٌر ،لا
ك ّذب ْت ر�س َلها ،والله عالـ ٌم ب أ�حوالهم قاد ٌر عليهم وهم
َي ِر ّقون لهم لق�سوة قلوبهم.
لا ُيعجزونه.
22 21بل هذا الذي ك َّذبوا به كتا ٌب �شري ٌف كري ٌم، 9 8وما �أنك َر ه ؤ�لاء الكفار من الم�ؤمنين إ�لا َأ� ّنهم
وحي ٌد في ال َّن ْظم والإعجاز ،في لوح في الم أل ا ألعلى �آمنوا بالله الغالب القادر المحمود ب إ�نعامه ،الذي له ملك
ال�سماوات وا ألر�ض بلا �شريك ،فك ُّل َم ْن فيها تجب
محفوظ من التغيير والتبديل. عليه عباد ُته تعالى والخ�ضو ُع له ،وهو على كل �شي ٍء من
590 �أفعالهم بالم ؤ�منين �شهيد و�سيجازيهم بها.
10إ� ّن الذين آ�ذوا الم ؤ�منين والم ؤ�منات وع َّذبوهم
ث ّم لم ُيقلعوا ع ّما فعلوا ولم يتوبوا إ�لى ربهم ،فلهم في
ا آلخرة عذا ُب جهنم ،ولهم عذاب الحريق ال�شديد
زياد ًة بما فعلوا بالم ؤ�منين .وهذا تهديد ووعيد لم�شركي
مكة الذين ع ّذبوا الم�ؤمنين بما �سي�صيبهم �إن لم يك ّفوا عن
ذلك ويتوبوا.
� 11إ ّن الذين �آمنوا وعملوا ال�صالحات و�صبروا على
ذلك ،لهم في الآخرة جنات تجري من تحت ق�صورها
و�أ�شجارها ا ألنها ُر ،ذلك الفوز الكبير الذي َت�ص ُغر دونه
الدنيا وما فيها.
16 - 12إ� ّن أ� ْخ َذ ر ِّبك للجبابرة والظ َلمة بالعذاب
والانتقام ل�شدي ٌد ،إ�نه يخلقهم ابتدا ًء في الدنيا ،ثم يعيدهم
�أحيا ًء عند البعث في ا آلخرة ليجازيهم ب أ�عمالهم ،وهو
ال�ساتر للعيوب الغافر للذنوب ،المح ُّب ألوليائه ،خال ُق
العر�ش ومال ُكه ،العظي ُم في ذاته و�صفاته ،لا ُيعجزه ولا
ا ألر�ض غيث ًا بعد �أن �صعد إ�ليها بخاراً ،والأر�ِض التي
تن�صدع وتن�ش ُّق عن النبات وا أل�شجار� :إ ّن القر آ�ن لقو ٌل
فا�ص ٌل بين الحق والباطل ،وك ُّله ج ٌّد َمح�ض لي�س في
�شيء منه �شائبة هزل.
17 - 15إ� ّن م�شركي مكة يكيدون المكاي َد إلبطال
�أمر الله و�إطفا ِء نور الحق ،و أ�نا �أجازيهم على كيدهم
ب أ�ن �أ�ستدرجهم ِم ْن حيث لا يعلمون ف�أنتقم منهم
و ْق َتما �أ�شاء ،فلا ت�ستعج ْل -يا محمد -على الكافرين
بالعقوبة ،و�َأن ِظرهم �إنظاراً قليل ًا.
1ن ِّزه ر َّبك الأعلى ع ّما لا يليق به.
2الذي خلق ف�س ّوى مخلو َقه ،ب أ� ْن جعله متنا�سب
ا ألجزاء في �إحكا ٍم و إ�تقا ٍن.
3والذي ق ّدر لك ِّل مخلوق ما ي�صلحه ،فهداه َ 4 - 1أ�ق َ�سم الله بال�سماء وبالطارق .و أ� ُّي �شي ٍء
اختياراً أ�و َط ْبع ًا إ�لى وجه الانتفاع به. �أعل َمك ما الطارق؟! هو النجم الم�ضيء الذي يثقب
الظلام ويخرقه بنوره :ما من نف�س من الأنف�س إ�لا عليها
5 4والذي أ�نب َت ال ُع�ش َب ،فجعله بعد الخ�ضرة حاف ٌظ من الملائكة م َو َّكل بها ب�أمر الله ع َّز وج َّل ،يراقبها
جا ّف ًا ه�شيم ًا أ��سود ياب�س ًا.
ويكتب أ�عمالها.
� 7 6س ُني�ِّس لك � -أيها الر�سول -القر�آن
ونحفظه عليك فلا تن�ساه ولا ينفل ُت من �صدرك منه ِمـ َّم نظ َر تف ُّك ٍر واعتبار 7ف ْلينظر الإن�سا ُن - 5
�شي ٌء إ� ّل ما �شاء الله أ�ن ين�سخه� ،إنه �سبحانه يعلم الجهر بين من�ص ٍّب ،يخرج ِم ْن خ َلقه ِم ْن ماء مند ِف ٍع ر ُّبه. خلقه
ُ�صلب الرجل� -أي ِفقار ظهره -و ِعظام �صدر المر�أة.
ِمن القول والفعل وما َيخفى منهما.
10 - 8إ� ّن الذي خلق الإن�سان ابتدا ًء ِم ْن نطفة
13 - 8وني�ِّسك لل�شريعة ال�سهلة ال�سمحة؛ فذ ِّكر لقادر على �إعادته ،لا ُيعجزه �شيء عن ذلكُ .يرجعه يوم
-أ�يها الر�سول -النا� َس بما ي�ّسنا لك� ،إ ْن نفعت الذكرى من ا ألعمال، و أ�خفى من العقائد ُيظهر ما أ��س َّر في قلبه
ه�ؤلاء الطغاة� ،سي ّتعظ بمواعظك َم ْن يخاف الله تعالى، يمتنع بها من ِم ْن قو ٍة ذلك اليوم فما لمن ِكر البعث في
ويتركها جانب ًا ولا يلتف ُت إ�ليها ال�شق ُّي الكافر ،الذي
�سيدخل النار العظيمة الفظيعة ،ثم لا يموت فيها
في�ستريح ،ولا يحيا حيا ًة تنفعه.
ما يرجوه بك ِّل و َظ ِف َر ِم َقندالنجكافِمر ْنواكلملعام�صكريو،ه 15 14 العذاب ولا نا�صر يعينه ويدفع عنه.
ربه بقلبه ا�س َم و َذ َك َر َم ْن تط ّهر
14 - 11وال�سما ِء ذات ال َّرجع :ترجع الماء �إلى
ول�سانه ف�ص َّلى له خا�شع ًا ومع ِّظم ًا.
591