The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

تفسير القرآن الكريم_compressed

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Ghada Alnawawy, 2021-11-09 00:37:41

تفسير القرآن الكريم_compressed

تفسير القرآن الكريم_compressed

‫‪ ٨٧‬الله الذي لا معبود بح ٍّق �سواه‪ُ ،‬ي ْق ِ�س ُم لي ْب َع َث َّنكم‬
‫من بعد َماتكم‪ ،‬ولي ْح�ُش َّنكم يوم القيامة‪ ،‬الذي لا �ش َّك‬

‫فيه‪ .‬ولا �أحد أ��صد ُق من الله فيما‪� ‬أخبر‪ ‬به‪.‬‬

‫‪ ٨٨‬فما لكم ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪ -‬في �ش�أن المنافقين‬

‫مختلفون إ�لى فرقتين؟ ‪ -‬وقد نزلت هذه ا آلية في بع�ض‬

‫المنافقين خارج المدينة‪ ،‬أ�ظهروا الإ�سلام ووالوا الكفار‬

‫ونا�صروهم‪ ،‬وخذلوا الم ؤ�منين‪ ،‬فاختلف ال�صحابة في‬

‫كفرهم و�إ�سلامهم وفي إ�جراء ا ألحكام المتعلقة بالكفر‬

‫وا إل�سلام عليهم‪ -‬فب َّي الله تعالى أ�نه ر َّد ه ؤ�لاء المنافقين‬
‫إ�لى الكفر وال�ضلال‪ ،‬ب�سبب ما ك�سبوا من هذه الذنوب‬

‫العظام‪ .‬أ�تريدون ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬هداية َم ْن أ��ضله الله؟!‬
‫‪ -‬وهذا إ�نكار على َم ْن �أح�سن الظن ب أ�ولئك المنافقين‪-‬‬

‫ومن ي�ضلله الله‪ ،‬فلن تجد له طريق ًا إ�لى الهدى‪.‬‬

‫ه ؤ�لاء المنافقين عليكم ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬ف َلقاتلوكم‬ ‫‪َ ٨٩‬و َّد المنافقون َأ� ْن تكفروا مث َلهم؛ فتكونوا مت�ساوين‬
‫في الكفر وال َّ�ضلال‪ ،‬و إ�ذا كانوا كذلك فلا تتخذوا منهم‬
‫مع أ�عدائكم من الم�شركين‪ ،‬ولك َّن الله تعالى َ� َصفهم‬ ‫ُن َ�صاء لكم‪ ،‬حتى يهاجروا في �سبيل الله ويلتحقوا بكم‬
‫عنكم بف�ضله وقدرته‪ ،‬ف إ�ن اعتزلوكم �أيها الم�ؤمنون فلم‬ ‫في ُن�صرة الحق‪ .‬وبذلك ي�صير لهم ُح ْك ُمكم‪ ،‬يجري‬
‫عليهم ما يجري على الم�سلمين من ا ألحكام الظاهرة‪،‬‬
‫يقاتلوكم‪ ،‬وانقادوا �إليكم ُم�ست�سلمين را�ضين بال ُّ�صلح‬
‫وا ألمان‪ ،‬فلي�س لكم عليهم ِم ْن طري ٍق لقتالهم أ�و أَ��ْسهم‪.‬‬ ‫ف�إن �أ ْع َر�وضا عن الهجرة في �سبيل الله‪ ،‬و َبقوا على‬
‫نفاقهم‪ ،‬ف أ�م�سكوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم‪،‬‬
‫‪� ٩١‬ستجدون قوم ًا آ�خرين من المنافقين‪ُ ،‬ي ْظ ِهرون لكم‬ ‫في ِح ٍّل �أو َح َرم‪ ،‬ولا تتخذوا منهم ول ّي ًا ولا ن�صيراً‬
‫الإ�سلام‪ ،‬و ُيظهرون لقومهم الكفر‪ ،‬يريدون أ�ن ي أ�منوكم‬
‫وي�أمنوا قومهم‪ ،‬و ِم ْن �صفاتهم أ�نهم ك َّلما دعاهم قو ُمهم‬ ‫ت�ستن�صرون‪ ‬به‪.‬‬
‫إ�لى ال�شرك بالله وقتال الم�سلمين‪ ،‬وقعوا في تلك الفتنة‪،‬‬
‫‪ ٩٠‬ا�ستثنى الله تعالى من ه ؤ�لاء المنافقين الم�أمو ِر‬
‫فقا َتلوكم معهم‪ ،‬ف�إ ْن لم يتركوا قتالكم‪ ،‬ولم ي�سالموكم‪،‬‬
‫فخذوهم بقو ٍة واقتلوهم حيث أ�دركتموهم وتم َّكنتم‬ ‫ب�أ�سرهم وقتلهم‪ :‬المنافقين الذين لج ؤ�وا �إلى قوم بينهم‬

‫منهم‪ ،‬و أ�ولئك المنافقون ال ُف ّجار جعلنا لكم على قتلهم‬ ‫وبين الم ؤ�منين عه ٌد وميثاق‪ ،‬وكذلك ا�ستثنى منهم‬
‫و�أ�سرهم ُح َّج ًة ب ّين ًة لظهور عداوتهم وانك�شاف حالهم‪.‬‬ ‫َم ْن �أتى الم ؤ�منين وقد �ضاقت �صدورهم ب�سبب التر ُّدد‬
‫بين الان�ضمام �إليكم والقتال معكم‪ ،‬وبين الان�ضمام‬

‫إ�لى قومهم والقتال معهم‪ .‬ولو �شاء الله تعالى ل�س ّلط‬

‫‪٩٢‬‬

‫‪ ٩٣‬و َم ْن َق َتل م�ؤمن ًا متعمداً‪ ،‬قا�صداً قتله؛ فجزا�ؤه أ�ن‬ ‫‪ ٩٢‬ولا يجوز لم�ؤمن �أن يقتل م�ؤمن ًا في �أ ِّي حا ٍل‪ ،‬إ�لا‬
‫يخ َّلد في جه ّنم‪ ،‬و َغ ِ�ض َب الله عليه و َط َرده من رحمته‪،‬‬ ‫على َو ْج ِه الخط أ� ب�أن لا يق�صد القتل‪ ،‬ف إ� َّن ا إليمان زاج ٌر‬
‫و أ�ع ّد له عذاب ًا عظيم ًا لا تت�وصره عقولكم‪ .‬وهذا ِم ْن‬ ‫عن العدوان‪ ،‬و َم ْن َو َقع منه ذلك الخط�أ فالواجب عليه‬
‫عت ُق رقبة ‪ -‬أ�ي َن ْف�س‪ -‬م�ؤمنة‪ ،‬وت�سلي ُم دي ٍة مق َّدرة �إلى‬
‫�أعظ ِم الوعيد والتخويف ِم ْن قت ِل الم�ؤمن عمداً‪.‬‬ ‫و َرثته‪� ،‬إلا إ�ذا عفا الورثة عن القاتل ف أ��سقطوا الدية عنه‪.‬‬
‫ف إ�ن كان المقتو ُل خط ً�أ ِم ْن قو ٍم كفا ٍر محاربين لكم‪ ،‬وهو‬
‫‪ ٩٤‬يا أ�يها الذين آ�منوا بالله ور�سوله إ�ذا خرجتم‬ ‫م ؤ�من بالله تعالى‪ ،‬فعلى قاتله عت ُق رقبة م ؤ�منة فقط‪ ،‬و إ� ْن‬
‫كان المقتول ِم ْن قو ٍم كفا ٍر بينكم وبينهم َع ْه ُد ُ�صلح �أو‬
‫للجهاد في �سبيل الله‪ ،‬فتث َّبتوا ولا تتعجلوا في قتل من‬ ‫�أمان‪ ،‬فعلى قاتله دية ُت�س ّلم �إلى أ�هله‪ ،‬وعت ُق رقبة م�ؤمنة‪،‬‬
‫ا ْل َتب�س عليكم حا ُله حتى تعلموا أ�مره‪ ،‬ولا تقولوا لمن‬
‫ا�ست�سلم لكم فلم يقاتلكم‪ ،‬مظهراً لكم أ�نه من �أهل‬ ‫ف َم ْن لم يجد َم ْن يعتقه‪ ،‬أ�و لم يجد مال ًا يعتق به‪ ،‬فعليه‬
‫�صيام �شهرين متتابعين بدل عتق الرقبة الم ؤ�منة؛ ليتوب‬
‫دينكم‪ :‬ل�ست م�سلم ًا‪ ،‬و�إنما فعل َت ذلك لت أ�من القتل‪،‬‬
‫تبتغون بقتله �أن تغنموا ما معه من مال وغيره‪ ،‬فعند الله‬ ‫الله عليه‪ .‬والله عليم بكل ما يجري‪ ،‬حكيم فيما‬

‫مغانم وخيرا ٌت كثيرة خير مما رغبتم فيه‪ ،‬كذلك كنتم‬ ‫ي�شرع ويق�ضي‪.‬‬
‫ِم ْن قبل ‪� -‬أي كفاراً‪َ -‬ف َم َّن الله عليكم بالإ�سلام‪ ،‬فلو‬
‫لم ُي َ�ص ِّدقكم أ�حد في �إ�سلامكم �أكان ير�ضيكم ذلك؟!‬
‫فكونوا على ب ّينة من أ�موركم ولا تبادروا إ�لى قتلهم ظن ًا‬
‫ب�أنهم دخلوا في الإ�سلام اتقا ًء وخوف ًا‪ ،‬والله م َّطل ٌع على‬

‫أ�عمالكم ومجازيكم عليها‪.‬‬

‫‪٩٣‬‬

‫‪ ٩٥‬لا ي�ستوي في الدرجة والثواب المتخ ّلفون عن‬
‫الجهاد من الم�ؤمنين ‪ -‬غير �أ�صحاب الأعذار كالأعمى‪،‬‬

‫والأعرج‪ ،‬والمري�ض‪ -‬والمجاهدون في �سبيل الله‬

‫ب�أموالهم و�أنف�سهم‪ .‬ف ّ�ضل الله المجاهدين على القاعدين‬
‫من �أ�صحاب الأعذار؛ إ�ذ جعل للمجاهدين درجة‬

‫ومرتبة عالية لا َيعرف ق ْد َرها �إلا الله‪ ،‬وقد وعد اللهُ‬
‫ك ّ ًل من الفريقين‪ :‬المجاهدين والقاعدين ِم ْن �أ�صحاب‬
‫ا ألعذار الجنة؛ لا�ستوائهم في نية الجهاد‪ ،‬وف ّ�ضل الله‬
‫تعالى المجاهدين على المتخ ِّلفين بغير عذر بثواب عظيم‪.‬‬

‫‪ ٩٦‬هذا الثواب العظيم‪ :‬ف�ضائ ُل من الله تعالى‪،‬‬

‫ومناز ُل من منازل الكرامة‪ ،‬ودرجا ٌت رفيعة في الجنة‪،‬‬
‫وكما ٌل في المغفرة والرحمة؛ لخا ّ�ص ِة عباد ِه المجاهدين‬
‫في �سبيله‪ ،‬وكان الله ولم يزل غفوراً رحيم ًا‪ ،‬ولذلك غفر‬

‫لهم ذنوبهم ورحمهم هذه الرحمة‪ ‬الوا�سعة‪.‬‬

‫عنهم‪ ،‬فلا ي�ؤاخذهم؛ ِلع ْل ِمه تعالى ب ُعذرهم وحقيقة‬ ‫‪� ٩٧‬إن الذين تتو َّفاهم الملائكة ظالمي أ�نف�سهم با إلقامة‬
‫أ�مرهم‪ .‬وكان الله عفواً غفوراً‪.‬‬ ‫في ديار الكفر را�ضين بال ُّذل والهوان‪ ،‬وعد ِم التمكن‬
‫من �إقامة �شعائر الدين؛ تقول لهم الملائكة عندئ ٍذ‪ :‬كيف‬
‫‪ ١٠٠‬و َمن ُيفار ْق أ�ر�ض ال�شرك و�أه َلها هرب ًا بدينه �إلى‬ ‫كنتم في �َأ ْم ِر دينكم؟! فيقولون معتذرين‪ :‬كنا �ضعفاء في‬
‫�أر�ض ا إل�سلام و أ�ه ِلها الم�ؤمنين‪َ ،‬ي ِج ْد في هجرته ما‬ ‫أ�ر�ضنا‪ ،‬عاجزين عن إ�قامة �شعائر ديننا‪ ،‬فتقول الملائكة‬
‫ُي ْر ِغ ُم به أ�نف �أعداء الحق ويقه ُرهم‪ ،‬و َي ِج ْد �سع ًة في رزقه‬
‫وعي�شه‪ ،‬و َم ْن يهاجر قا�صداً وجه الله ثم يدركه الموت‬ ‫توبيخ ًا لهم‪ :‬أ�لم تكن أ�ر�ض الله وا�سع ًة فتهاجروا من‬
‫قبل بلوغه مق�صده‪ ،‬فقد ث َبت ثوابه عند الله‪ ،‬وكان الله‬ ‫�أر�ضكم إ�لى �أر�ض أ�خرى؛ بحيث ت أ�منون على دينكم‪،‬‬
‫غفوراً رحيم ًا‪ ،‬يغفر له ما َف َرط ِم ْن تق�صيره‪ ،‬ويرحمه‬
‫فتعبدون الله وتتبعون ر�سوله؟ ف أ�ولئك م أ�واهم جهنم‪،‬‬
‫برحمته الوا�سعة‪.‬‬
‫وبئ�ست النار مرجع ًا لهم وم�صيراً‪ .‬وقد نزلت هذه الآية‬
‫‪ ١٠١‬و إ�ذا �سافرتم أ�و خرجتم مجاهدين في �سبيل الله‪ ،‬فلا‬ ‫في قوم �ُأمروا بالهجرة إ�لى ر�سول الله ‪ُ - -‬ن�صر ًة‬
‫حر َج ولا �إثم عليكم أ�ن َت ْق ُ�صوا ال�صلاة ال ُّرباعية �إلى‬
‫ركعتين فقط‪� ،‬إن خفتم �أن ينالكم مكرو ٌه من عدوكم‪،‬‬ ‫للدين و إ�قام ًة ل�شعائره‪ ،‬فتركوها مع قدرتهم عليها‪.‬‬
‫بقت ٍل �أو غيره؛ �إ َّن الكافرين عداوتهم لكم عداوة‬
‫‪ ٩٩ ٩٨‬إ�لا الم�ست�ضعفين الذين لا ي�ستطيعون الهجرة‬
‫وا�ضحة ب ِّينة‪ ،‬فاحذروهم‪.‬‬ ‫من الرجال والن�ساء وال ِّ�صغار الذين ال‪ ‬يجدون و�سيل ًة‬
‫للتخل�ص مما هم فيه من المعاناة ولا يجدون �إلى دار‬
‫الهجرة �سبيل ًا‪ .‬فه ؤ�لاء ُيرجى لهم من الله تعالى أ�ن يعفو‬

‫‪٩٤‬‬

‫ال�صلاة‪ ،‬وكونوا مع ذلك متي ِّقظين للعدو‪ ،‬محتر�سين‬ ‫‪ ١٠٢‬يب ّي الله ع ّز وج ّل في هذه الآية الكريمة كيفية‬
‫منه‪ ،‬إ� ّن الله أ�ع ّد له�ؤلاء الكفار عذاب ًا ُيهينهم ويخزيهم‪.‬‬ ‫ال�صلاة عند خوف العدو‪ ،‬ف إ�ذا كن َت ‪� -‬أيها النبي‪ -‬في‬
‫أ��صحابك في هذه الحالة و�أردت أ�ن ُتقيم لهم ال�صلاة‪،‬‬
‫‪ ١٠٣‬ف�إذا �أ ّديتم �صلاة الخوف ف�أديموا ذكر الله في جميع‬ ‫ف ْلت ُقم جماع ٌة منهم معك لل�صلاة‪ ،‬وجماع ٌة �أخرى في‬
‫أ�حوالكم قائمين أ�و قاعدين أ�و م�ضطجعين‪ ،‬ف إ�ذا ارتفع‬ ‫مواجهة العدو‪ ،‬ولي أ�خذ الم�صلون معك أ��سلحتهم معهم‪،‬‬
‫ال�سب ُب الـ ُمبيح لل َق�صر ف�أ ُّدوا ال�صلاة تامة في أ�وقاتها‪� ،‬إ ّن‬ ‫ف إ�ذا �سجدوا فلتكن الجماع ُة ا ألخرى ِم ْن خلفكم‬
‫ال�صلاة كانت فر�ض ًا محدداً ب�أوقات معينة‪ ،‬لا يجوز‬ ‫في مواجهة عدوكم‪ ،‬و ُت ِت ُّم الجماعة ا ألولى ركعتهم‬
‫الثانية ُفرادى و ُي َ�س ِّلمون ثم يذهبون للحرا�سة‪ ،‬ثم ت أ�تي‬
‫تقدميها عليها �أو ت أ�خيرها عنها‪.‬‬ ‫الجماعة الأخرى التي لم تبد�أ ال�صلاة فلي�أتموا بك في‬
‫ركعتهم ا ألولى‪ ،‬ثم ُي ْكملوا ُفرادى ركعتهم الثانية‪،‬‬
‫‪ ١٠٤‬ولا َت�ض ُعفوا �أيها الم ؤ�منون في طلب أ�عدائكم‬ ‫وليحذروا ِم ْن عدوهم‪ ،‬ولي أ�خذوا أ��سلحتهم‪ .‬تم َّنى‬
‫الكفار والتع ّر�ِض لهم وقتالهم‪ ،‬ف إ�ذا كنتم تت أ�لمون من‬ ‫الكفار لو ُت�شغلون عن أ��سلحتكم و أ�متعتكم‪ ،‬فينالون‬
‫ح�وصل الجراح أ�و َت َو ُّق ِع القتل‪ ،‬ف�إنهم يت أ�لمون كما‬ ‫منكم ِغ ّر ًة‪ ،‬فيحملون عليكم َح ْم َل ًة واحدة فيقتلونكم‬
‫تت أ�لمون‪ ،‬ف إ�ذا لم يكن ذلك مانع ًا لهم من قتالكم‪ ،‬فكيف‬ ‫و أ�نتم م�شغولون بال�صلاة‪ ،‬وي�ستبيحون َع�ْسكركم‪ ،‬ولا‬
‫يكون مانع ًا لكم من قتالهم! ومع ذلك فلكم عليهم‬ ‫إ�ث َم ولا َح َر َج عليكم أ�يها الم�ؤمنون �إذا �أ�صابكم �أذ ًى‬
‫مزية‪ ،‬وهي �أنكم ترجون من الله الأجر والثواب‪ ،‬وهم‬ ‫ِم ْن مط ٍر أ�و كنتم مر�ضى‪� ،‬أن لا تحملوا أ��سلحتكم في‬
‫لا يرجون ذلك ف أ�نتم َأ�ولى بال�صبر وعدم ال�ضعف منهم‪،‬‬
‫‪٩٥‬‬
‫والله لا ي�أمركم ب�شيء �إلا وهو يعلم �أنه م�صلحة لكم‪.‬‬

‫‪� ١٠٥‬إ ّنا �أنزلنا إ�ليك ‪� -‬أيها النبي‪ -‬القر آ�ن ك ّله ح ٌّق‪،‬‬
‫لا َح ْيف فيه ولا َميل؛ لتحكم بين النا�س‪ ،‬بما ع َّرفك‬
‫الله و�أوحى به إ�ليك‪ ،‬ولا َتك ْن مدافع ًا ومخا�صم ًا عن‬
‫الخائنين؛ الذين يخونون �أنف�سهم بكتمان الحق‪ .‬وهذا‬
‫بيان لما يجب على الحاكم والقا�ضي وغيرهما من عدم‬
‫المخا�صمة عن أ�حد حتى يعلموا �أنه مح ّق‪ .‬وقد نزلت‬
‫هذه الآيات في ُط ْع َم َة بن �ُأ َب ْ ِيق الذي �سرق درع ًا وطعام ًا‬
‫من جاره ليل ًا و أ�ودعهما عند يهودي‪ ،‬فل ّما ُر ِف َع أ�مره‬
‫إ�لى ر�سول الله ‪ - -‬حلف �أنه ما أ�خذهما وما علم‬
‫بهما‪ ،‬ووجدوا الدرع عند اليهودي‪ ،‬وجاء قو ُم ُطعم َة‬
‫�إلى الر�سول ‪ - -‬و�ش ِهدوا زوراً أ�ن اليهودي هو‬
‫ال�سارق‪ ،‬و�س�ألوه ‪� ‬أن يجادل عن ُطعمة ويدفع عنه‬
‫التهمة‪ ،‬فه َّم النبي ‪ِ - ‬لـ َما ظهر له من ا ألدلة‪ -‬بتبرئة‬
‫ُط ْع َمة‪ ،‬فنزلت �إحدى ع�شرة آ�ية بتبرئة اليهودي و�إدانة‬
‫ال�سارق‪ ،‬ولئلا يطمع �أح ٌد �أن ُير ِّوج كذب ًا على ر�سول‬

‫الله ‪.‬‬

‫‪ ١٠٦‬واطل ْب ‪� -‬أيها النبي‪ -‬المغفر َة من الله مما همم َت‬
‫به‪ ،‬إ�ن الله كان غفوراً رحيم ًا‪ .‬وهذا ا�ستغفا ٌر منا�س ٌب‬

‫لعل ِّو‪ ‬مقامه ‪.‬‬

‫‪ ١٠٧‬ولا تداف ْع عن الذين يخونون �أنف�سهم بال�سرقة‬
‫�أو غيرها من المظالم ‪ -‬ك ُط ْع َمة و إ�خوانه الذين اتهموا‬
‫اليهودي زوراً وكذب ًا‪ -‬إ�ن الله تعالى ال‪ ‬يح ُّب َم ْن يكون‬

‫ِمن �ش�أنه الخيانة وارتكاب الذنوب‪.‬‬

‫‪ ١٠٨‬ي ْخ َتفون وي�ستترون من النا�س خوف ًا وحذراً من‬
‫الف�ضيحة‪ ،‬ولا ي�ستترون من الله تعالى ولا ي�ستحيون‬

‫منه‪ ،‬وهو معهم‪ ،‬لا يغيب عنه �شيء من �أمورهم‪ ،‬وهم‬
‫يد ِّبرون ليل ًا ما لا ُير�ضي الله من القول ِم ْن َر ْمي البريء‪،‬‬

‫والله تعالى م َّطلع على �أعمالهم ومجازيهم عليها‪.‬‬

‫‪ ١١٣‬وللاو ف�ض ُل الله عليك بالوحي ‪� -‬أيها الر�سول‪-‬‬ ‫‪ ١٠٩‬ها �أنتم يا قو َم ُطعم َة قد دافعتم عنه وع ّمن معه من‬
‫الخائنين في الحياة الدنيا‪ ،‬ف َم ْن يدافع عنهم في ا آلخرة‪،‬‬
‫و ِع ْ�صمته لك‪ ،‬ب�أن أ�ظهر أ�مر ال�سارق في الق�ضية التي‬ ‫و َمن الذي يتولى أ�مرهم فينق َذهم من عذاب الله يوم‬
‫ُرفعت �إليك‪ ،‬له َّمت جماع ٌة ِم ْن قومه �أن يبعدوك عن‬ ‫القيامة؟ لا أ�ح َد يفعل ذلك‪ .‬وفي هذه ا آلية تخوي ٌف‬
‫الق�ضاء بالحق حين دافعوا عنه‪ ،‬ولكن الله حفظك مما‬
‫لك ِّل َم ْن يدافع‪ ‬عن الظالمين‪.‬‬
‫ه ُّموا به حين ق�صدوا �إلى المرافعة عن ال�سارق بما لم‬
‫يتحققوه‪ ،‬ولو فعلوا َلـ َما أ��ض ُّلوك و�إنما ُي�ضلون �أنف�سهم؛‬ ‫‪ ١١٠‬و َم ْن يرتكب ذنب ًا ي�سوء به غي َره‪ ،‬أ�و يظل ْم نف�سه‬
‫ألن الله مثـ ِّبتك وم�س ِّددك‪ .‬ولقد أ�نزل الله عليك القر آ�ن‬ ‫باكت�ساب المعا�صي‪ ،‬ثم يتوب إ�لى الله توبة �صادقة؛ َي ِج ْد‬
‫و�أمرك ببيانه‪ ،‬وهداك إ�لى ِع ْل ِم ما لم تكن تعلم ِم ْن قبل‪،‬‬
‫ر ّبه �ساتراً لذنبه رحيم ًا به‪.‬‬
‫وكان ف�ض ُل الله عليك بذلك ف�ضل ًا‪ ‬عظيم ًا‪.‬‬
‫‪ ١١١‬و َم ْن يفعل مع�صي ًة عن َع ْم ٍد منه‪ ،‬ف إ� َّن َو َبال ذلك‬
‫الذنب و ِخ ْز َيه يعود على نف�سه‪ ،‬وكان الله عليم ًا بخلقه‪،‬‬

‫حكيم ًا في‪ ‬تدبيره‪.‬‬

‫‪ ١١٢‬و َم ْن يك�سب ذنب ًا �صغيراً‪� ،‬أو ذنب ًا كبيراً‪ ،‬ثم يته ْم‬
‫بما ارتكبه �شخ�ص ًا بريئ ًا‪ ،‬فقد تح َّمل بذلك كذب ًا وزوراً‪،‬‬

‫و ُجرم ًا عظيم ًا‪.‬‬

‫‪٩٦‬‬

‫‪ ١١٦‬إ� ّن الله تعالى لا يغفر ال�شر َك به �أبداً‪ ،‬ويغفر ما‬
‫�سوى ذلك من الذنوب لمن �شاء من عباده‪ ،‬و َم ْن يجع ْل‬

‫لله �شريك ًا ِم ْن خلقه‪ ،‬فقد �ض ّل عن الحق �ضلال ًا كبيراً‪.‬‬

‫‪ ١١٧‬ما يعبد ه�ؤلاء الم�شركون من دون الله تعالى إ�لا‬
‫أ��صنام ًا �س َّموها آ�لهة‪ ،‬كال َّلت وال ُع ّزى ومناة‪ ،‬وما‬
‫يعبدون في الحقيقة �إلا �شيطان ًا متمرداً على طاعة الله‪.‬‬
‫وكانت عبادتهم له بطاعته فيما دعاهم �إليه من عبادة‬

‫غير الله تعالى‪.‬‬

‫‪ ١١٨‬لعن الله ال�شيطا َن و أ� ْب َعده عن رحمته و أ�خزاه‬
‫بتمرده على طاعته؛ ف�أق�سم ال�شيطان أ�ن ي َّتخذ من عباد‬
‫الله عدداً كبيراً مق َّدراً ي�ستهويهم بغوايته‪ ،‬و ُي�ض ُّلهم عن‬

‫عبادته �سبحانه‪.‬‬

‫‪ ١١٩‬ث ّم قال ال�شيطان‪ :‬ولأ�صر َف َّنهم عن الهداية‪،‬‬ ‫‪ ١١٤‬لا خي َر ولا نفع في كثير مما يتحدث به النا�س �س ّراً‬
‫ولأ ْخ َدع ّنهم با ألماني الكاذبة ‪ -‬كطول العمر‪ ،‬و أ�نه‬ ‫فيما بينهم‪ ،‬إ�لا ما كان فيه منفعة للنا�س‪ ،‬كالتوا�صي ب�أداء‬
‫لا َب ْع َث ولا عقا َب وغيرها من ا ألوهام الفا�سدة‪-‬‬ ‫ال�صدقة‪ ،‬أ�و عم ِل معرو ٍف ‪ -‬والمعروف ي�شمل جميع‬
‫ولآمر َّنهم بتقطيع آ�ذان ا ألنعام وت�شقيقها‪ ،‬تق ُّرب ًا‬ ‫�أنواع ال ِ ِّب‪� -‬أو �إ�صلاح بين المتخا�صمين‪ ،‬و َم ْن يفعل‬
‫للطواغيت‪ ،‬ولآمر َّنهم كذلك بتغيير خلق الله �َشكل ًا‬ ‫تلك ا ألمور طلب ًا لر�ضا الله تعالى راجي ًا ثوابه‪ ،‬ف�سوف‬
‫و�صف ًة‪ ،‬و َم ْن ُيط ِع ال�شيطا َن ويجع ْله ول ّي ًا له ِم ْن دون الله‪،‬‬
‫ي ؤ�تيه الله ثواب ًا عظيم ًا‪.‬‬
‫فقد خ�سر خ�سران ًا ب ِّين ًا عظيم ًا‪.‬‬
‫‪ ١١٥‬و َم ْن يعا ِد الر�سو َل ويخالف أ�مره‪ِ ،‬م ْن بعد ما‬
‫‪َ ١٢٠‬ي ِع ُدهم ال�شيطا ُن بالوعود الكاذبة‪ ،‬ويم ِّنيهم با ألماني‬ ‫ظهر له الح ُّق‪ ،‬وي َّتبع طريق ًا ومنهاج ًا غير طريق الم ؤ�منين‬
‫الباطلة لي�ستمروا في طاعته‪ ،‬وما َيعدهم ال�شيطان �إلا بما‬ ‫ومنهاجهم‪َ ،‬ن ِك ْله إ�لى اختياره الفا�سد‪ ،‬ونحرقه بنار‬
‫جهنم‪ ،‬و�ساءت جهن ُم م�أوى وم�صيراً له‪ .‬وهذه الآية‬
‫ظاه ُره الح ُّق والنفع‪ ،‬وباط ُنه الباطل وال�ضرر‪.‬‬ ‫أ��ص ٌل في الح ِّث على طاعة الر�سول ‪ - -‬وعد ِم‬

‫‪ ١٢١‬ه ؤ�لاء الذين أ�غواهم ال�شيطان و�ساروا في ركابه؛‬ ‫الخروج عن جماعة الم�سلمين‪.‬‬

‫َم�صي ُرهم الذي ي�صيرون �إليه جهنم‪ ،‬ولا يجدون عنها‬
‫مف ّراً وال‪َ  ‬م ْهرب ًا‪.‬‬

‫‪٩٧‬‬

‫من أ�مور يتامى الن�ساء اللاتي لا تعطونهن ما فر�ض الله‬ ‫‪ ١٢٢‬و أ� ّما م�صير الذين �آمنوا بالله ور�سوله وعملوا‬
‫ا ألعمال ال�صالحة؛ فهو أ�ن يدخلهم الله بف�ضله جنات‬
‫تعالى لهن من المهر والميراث ‪ -‬وقد كانت اليتيمة في‬ ‫تجري من تحتها ا ألنهار‪ ،‬با ِقين فيها بقاء دائم ًا �أبداً‪،‬‬

‫الجاهلية تكون عند الرجل من ذوي قراباتها و ُي ْرغ ُب‬ ‫وع َدهم الله ذلك وعداً حق ًا �صدق ًا‪ ،‬لا كوعد ال�شيطان‬
‫في نكاحها‪ ،‬فيمنعها قريبها من النكاح لتموت فيرثها‪،‬‬ ‫ألوليائه‪ ،‬ولا �أح َد �أ�صد ُق ِمن الله وعداً وقلا ًو‪.‬‬

‫�أو يتزوجها دون �أن يوفيها ح َّقها في المهر‪ -‬و ُي ْفتيكم‬ ‫‪ ١٢٣‬لا ُينال هذا الف�ضل بمجرد ا ألمان ّي ‪� -‬أيها‬
‫الله أ�ي�ض ًا في أ� ْم ِر ال�ضعفاء من ال�صغار‪ ،‬ووجو ِب القيام‬ ‫الم�سلمون‪ -‬ولا بما ُيـ َم ِّني به �أه ُل الكتاب �أنف َ�سهم‪ ،‬ولكن‬
‫لليتامى بالعدل ‪ -‬وقد كانت العرب لا تو ِّرث ال�صغي َر‬ ‫العبرة بطاعة الله تعالى واتباع ما �شرع‪َ ،‬ف َم ْن يرتك ْب‬
‫من ولد الرجل‪ ،‬ففر�َض اللهُ الميرا َث لل�صغير والكبير ِم َن‬ ‫�صغيرة �أو كبيرة‪ ،‬يجا ِزه الله بها‪ ،‬ولا َي ِج ْد له ِم ْن بعد الله‬
‫الذكور وا إلناث‪ -‬وك ُّل ما تفعلون أ�يها‪ ‬الم ؤ�منون في �أمر‬
‫الن�ساء والولدان واليتامى ِم ْن عد ٍل و�إح�سا ٍن‪ ،‬ف�إ َّن الله‬ ‫ول ّي ًا يتولى �أمره‪ ،‬ولا نا�صراً ين�صره ِم ْن عذاب الله‪.‬‬

‫يجازيكم به خير الجزاء‪.‬‬ ‫‪ ١٢٤‬و َم ْن يعمل أ�عمال ًا �صالحة‪ ،‬ذكراً كان �أو �أنثى‪،‬‬
‫وهو م�ؤمن‪ ،‬ف أ�ولئك يدخلون الجنة‪ ،‬وال‪ُ  ‬ين َق�وصن �شيئ ًا‬
‫ِم ْن ثواب أ�عمالهم‪ ،‬ولو كان مقداره كال ُّنقرة التي تكون‬

‫في ظهر ال َّنواة وتنبت منها النخلة‪.‬‬

‫‪ ١٢٥‬ولا �َأح َد �أح�س ُن دين ًا ِمـ َّمـن انقاد لله وحده‪،‬‬
‫ال‪ ‬يعرف ر ّب ًا ولا معبوداً �سواه‪ ،‬وا�ستقام على طاعته‪،‬‬
‫وا َّتبع دين الحق‪ ،‬وهو دين إ�براهيم الخليل عليه ال�سلام‪،‬‬
‫حنيف ًا �أي‪ :‬مبتعداً عن غيره �إلى الدين الحق‪ ،‬وهو‬

‫الإ�سلام‪ .‬وقد اتخذ‪ ‬الله إ�براهيم �صف ّي ًا له لإخلا�صه في‬
‫عبادته فا ّت ِبعوا طريقه‪.‬‬

‫‪ ١٢٦‬ولله و ْح َده جمي ُع ما في ال�سماوات وما في‬
‫ا ألر�ض‪ :‬خلق ًا وملك ًا وت�ص ّرف ًا‪ .‬وكان الله تعالى بكل‬

‫�شيء محيط ًا‪ ،‬فلا يخفى عليه �شيء من �أمور خلقه‪.‬‬

‫‪ ١٢٧‬ي�س�ألك أ��صحابك ‪ -‬أ�يها النبي‪ -‬ع ّما يجب عليهم‬
‫في أ�مر الن�ساء من المهر الواجب لهن؟ قل لهم‪ :‬يب ِّي الله‬
‫لكم أ�موره َّن‪ ،‬كما ب ّي لكم في ما يتلى عليكم في القر�آن‬

‫‪٩٨‬‬

‫ُت�صلحوا �أعمالكم فتعدلوا في ِق�ْسمتكم بين زوجاتكم‬ ‫‪ ١٢٨‬و إ� ْن خافت امر أ� ٌة من زوجها تك ُّباً أ�و تر ُّفع ًا‬
‫وتعا�شروهن بالمعروف‪ ،‬وتراقبوا الله تعالى وتخ�وشه‬ ‫�أو طلاق ًا فلا �إثم عليهما �أَ ْن يت�صالحا على ما َت ِطي ُب به‬
‫فيه َّن‪ ،‬يغف ْر لكم الله ما َف َرط منكم‪ ،‬ويتف�ض ْل عليكم‬ ‫نفو�سهما ِم ْن تج ُّو ِز المر أ�ة في بع�ض حقوقها من نفق ٍة‪� ،‬أو‬
‫ك�سو ٍة‪� ،‬أو غير ذلك‪ ،‬ل ُت�ضي زوجها بذلك‪ ،‬فال�صلح‬
‫برحمته و إ�ح�سانه‪.‬‬ ‫في جميع الأحوال خير من الفراق‪ .‬و ُجبلت النفو�س‬
‫و ُطبعت على ال ُ�ش ِّح ‪ -‬وهو البخل ال�شديد‪ -‬ف آ� ِثروا‬
‫‪ ١٣٠‬و إ� ْن يتف ّرق الزوجان بع َد َتع ُّذر ال�صلح‬ ‫ال�صل َح ولو خال َف ما تمي ُل �إليه �أنف ُ�سكم‪ ،‬و إ� ْن ُت�سنوا‬
‫بينهما‪ ،‬ف إ�ن الله تعالى ُيغني ك ّ ًل منهما عن الآخر‬ ‫معاملة زوجاتكم وتتقوا ما لا يجوز لكم‪ ،‬ف�إ َّن‪ ‬الله عالم‬
‫ِب َ�س َع ِة ف�ضله‪ ،‬إ�ن الله وا�سع الف�ضل وال ِم َّنة‪ ،‬حكي ٌم في‬
‫ب إ�ح�سانكم و�سيجازيكم‪ ‬عليه‪.‬‬
‫تدبيره وت�شريعه ا ألحكام‪.‬‬
‫‪ ١٢٩‬ولن ت�ستطيعوا ‪� -‬أيها الرجال‪ -‬أ�ن ُت ِّققوا العدل‬
‫‪ ١٣١‬في هذه الآية تنبي ٌه من الله ع ّز وج ّل للزوجين‬ ‫التا َّم بين زوجاتكم في المح ّبة و َمي ِل القلب مهما حر�صتم‬
‫المفت ِر َقين إ�لى ما يق ِّوي الرجا َء في أ�نف�سهم‪ ،‬ويدعوهم‬ ‫على ذلك‪ ،‬ف إ�ذا كان ذلك لي�س في ا�ستطاعتكم‪ ،‬فاتقوا‬
‫إ�لى الرغبة إ�ليه �سبحانه عند حاجتهم‪ ،‬وذلك لأن لله‬ ‫الله فيما ت�ستطيعونه‪ ،‬ب�أن ال‪ ‬تميلوا ك َّل الميل لواحد ٍة في‬
‫تعالى جميع ما في ال�سماوات وا ألر�ض وما بينهما‬ ‫ال َق�ْسم في المبيت وفي النفقة وتتركوا ا ألخرى؛ فتجعلوها‬
‫ملك ًا وتدبيراً‪ .‬ولقد َع ِهدنا إ�لى الذين أ�وتوا الكتاب من‬ ‫مهجور ًة‪ :‬لي�س ْت بذا ِت زو ٍج‪ ،‬ولا مط َّلقة فت أ�ثموا‪ .‬و�إ ْن‬
‫قبلكم‪ ،‬وعهدنا إ�ليكم كذلك ‪ -‬يا ُأ�مة محمد‪ -‬بتقوى‬
‫الله تعالى‪ ،‬بالتزام ا ألوامر واجتناب النواهي‪ ،‬و�إ ْن‬ ‫‪٩٩‬‬
‫تكفروا بالله فلا ي�ضره كف ُركم‪ ،‬ف إ�ن لله ملك ال�سماوات‬
‫وا ألر�ض‪ ،‬وكان الله غني ًا عن خلقه‪ ،‬محموداً في ذاته‬

‫و�أفعاله على ك ِّل حال‪.‬‬

‫‪ ١٣٢‬ولله َو ْحده ملك ال�سماوات وا ألر�ض وما‬
‫بينهما‪ ،‬وكفى به �سبحانه قائم ًا على �ش�ؤون خلقه‪،‬‬
‫مدبراً وحافظ ًا لهم‪ .‬وقد تك َّرر هذا التنبي ُه ت�أكيداً على‬
‫ا�ستغنائه تعالى عن جميع الخلق‪ ،‬واحتياج المخلوقات‬

‫�إليه‪ ،‬ليفو�ض النا� ُس �أمورهم إ�ليه‪ ،‬وليتقوه‪.‬‬

‫‪ ١٣٣‬إ� ْن ي�ش�أْ ُي ْهل ُّكم �أيها النا�س‪ ،‬وي أ� ِت مكا َنكم بقوم‬
‫آ�خرين‪ .‬والله تعالى قادر على ذلك؛ لأنه لا يعجزه �شي ٌء‪.‬‬

‫‪َ ١٣٤‬م ْن كان يريد بعمله ثوا َب الدنيا فقط‪ ،‬فعند‬
‫الله وحده ثوا ُب الدنيا وا آلخرة‪ ،‬ف ِل َم يطل ُب الإن�سان‬
‫�أدنى الأمرين‪ ،‬ويترك ما عند الله من ح�سنة الدنيا‬
‫و أ�جر ا آلخرة؟! وكان الله �سميع ًا ألقوال عباده‪ ،‬ب�صيراً‬

‫ب أ�عمالهم ونياتهم‪ ،‬ف أ�خ ِل�وصا له واتقوه‪.‬‬

‫فقد خابوا وخ�سروا‪ ،‬ف�إن العزة لله َو ْحده‪َ ،‬ف َم ِن اعت َّز بالله‬ ‫‪ ١٣٥‬كونوا ‪ -‬يا َم ْع�شر الم�ؤمنين‪ -‬ملازمين للقيام‬
‫َع َّز‪ ،‬و َمن اعت َّز بغيره َذ ّل‪.‬‬ ‫بالعدل ح َّق القيا ِم في �أحكامكم‪� ،‬شهدا َء لله بالحق‪،‬‬
‫ولو كانت �شهادتكم على �أنف�سكم‪� ،‬أو على والديكم‬
‫‪ ١٤٠‬وقد ن َّزل الله عليكم ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬في‬ ‫و أ�قاربكم‪ ،‬و�سواء كان الم�شهود له أ�و عليه غني ًا أ�و فقيراً؛‬
‫القر�آن العظيم �أنه �إذا �سمعتم َم ْن يكفرون ب�آيات الله‬ ‫فلا يحمل َّنكم غناه أ�و فق ُره على ال�شهادة بغير الحق‬
‫وي�سخرون بها؛ فلا‪ ‬تجل�سوا معهم حتى يتحدثوا حديث ًا‬ ‫محابا ًة �أو إ��شفاق ًا؛ فالله هو أَ�ولى بهما منكم‪ ،‬و أ�علم بما‬
‫غيره‪ .‬ف إ� ْن لم تفعلوا وقعدتم معهم؛ ِ�صتم مث َلهم في‬ ‫فيه �صلاحهما؛ وقد �أمر بالعدل في �أمرهما فلا يحمل َّنكم‬
‫الكفر لأن الرا�ضي بالمنكر كالفاعل له‪ .‬إ� ّن الله تعالى‬ ‫الهوى على ترك العدل في �أموركم‪ ،‬و إ�ن تح ِّرفوا ال�شهادة‬
‫جامع الفريقين ‪ -‬المنافقين والكافرين‪ -‬في نار جهنم‬ ‫�أو تغ ِّيوها‪� ،‬أو تكتموها‪ ،‬ف�إن‪ ‬الله م َّطل ٌع على �أعمالكم‪،‬‬

‫جميع ًا‪ ،‬كما اجتمعوا في الدنيا على الكفر ب�آيات الله‬ ‫يجازي المح�س َن ب إ�ح�سانه والم�سي َء ب إ��ساءته‪.‬‬
‫والا�ستهزاء بها‪.‬‬
‫‪ ١٣٦‬يا أ�يها الذين آ�منوا اْ ُثبتوا على ا إليمان بربكم‪،‬‬
‫وت�صديقكم بر�سوله وبالقر�آن الذي ن َّزله عليه‪ ،‬و�ص ِّدقوا‬
‫بال ُكتب التي �أنزلها الله من قب ُل على الأنبياء والمر�سلين‪،‬‬
‫و َم ْن يكفر بالله تعالى‪ ،‬وملائكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ور�سله‪،‬‬

‫واليوم ا آلخر‪ ،‬فقد َب ُع َد بعداً كبيراً عن طريق الحق‪.‬‬

‫‪� ١٣٧‬إن الذين �آمنوا ثم ارت ّدوا �إلى الكفر بعد �إيمانهم‪،‬‬
‫ثم �آمنوا ثم ارت ّدوا مر ًة ثانية‪ ،‬ثم ازدادوا كفراً ب�إ�صرارهم‬
‫على الكفر‪ ،‬وا�ستمروا عليه حتى ماتوا ‪ -‬وهم المنافقون‪-‬‬
‫لن يغفر الله لهم ذنوبهم‪ ،‬ولن يهديهم �سبيل الحق‪ ،‬ألنهم‬

‫ا�ستحبوا ال�ضلالة على الهدى بعد �أن تب َّ َي لهم‪.‬‬

‫‪َ ١٣٨‬ب�ِّش يا ر�سول الله المنافقين‪ ،‬ب�أ َّن لهم يوم القيامة‬
‫عذاب ًا �شديداً ُمو ِجع ًا‪ .‬والتعبير بلفظ الب�شارة للت َه ّكم‬

‫وال�سخرية بهم‪.‬‬

‫‪ ١٣٩‬ه�ؤلاء المنافقون يتخذون �أهل الكفر وا إللحاد‬
‫�أعوان ًا و�أن�صاراً‪ ،‬ويتركون الم�ؤمنين‪ ،‬فيا عجب ًا! �أيطلبون‬
‫بذلك الع ّز َة والمنع َة من الكافرين؟ �إذا كان هذا حالهم‬

‫‪١٠٠‬‬

‫فيف�ضحهم في الدنيا ويعذبهم في الآخرة‪ .‬و إ�ذا قام‬

‫المنافقون لأداء ال�صلاة؛ قاموا متثاقلين‪ ،‬يق�صدون‬

‫ب�صلاتهم الرياء والتق َّي َة من الم�ؤمنين‪ ،‬ولا يذكرون الله إ�لا‬
‫ذكراً قليل ًا بل�سانهم دون قلوبهم‪.‬‬

‫‪ ١٤٣‬و�إنهم يتر َّددون بين الم ؤ�منين والكفار‪ ،‬فهم مع‬
‫الم ؤ�منين ُي ْظ ِهرون ا إليما َن‪ ،‬ومع الم�شركين يظهرون‬
‫نفاقهم‪ .‬و َم ْن لم يو ّفقه الله �إلى طريق الر�شاد فلن تجد له‬

‫هادي ًا ومر�شداً يو�صله إ�لى الحق‪.‬‬

‫‪ ١٤٤‬يا َم ْع�شر الم ؤ�منين لا تتخذوا الكفار ُن َ�صا َء‬ ‫‪ِ ١٤١‬م ْن �صفات المنافقين أ�نهم ينتظرون ويتر ّقبون‬
‫و�أ�صدقاء؛ تف�وشن �إليهم �أ�سراركم‪ ،‬وتتركون مود َة أ�ه ِل‬ ‫وقو َع ال�سو ِء بكم ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬و أ�ن تح َّل بكم‬
‫دينكم‪ ،‬أ�تريدون بذلك أ�ن تجعلوا لله تعالى عليكم ُح ّج ًة‬ ‫الهزائم‪ ،‬ف إ� ْن كان لكم الن�ص ُر على عدوكم‪ ،‬و َغ ِنمتم‬
‫منهم‪ ،‬قالوا‪ :‬أ�لم نجاهد معكم الأعداء؛ ف أ�عطونا من‬
‫ب ِّين ًة يعذبكم بها؟ فموالا ُتهم ُتو ِجب عقا َب ربكم‪.‬‬
‫الغنيمة؟ و�إن كان ألعدائكم �شيء من ال َظ َف ِر وال َغ َلبة‬
‫‪ ١٤٥‬إ� ّن المنافقين في الطبقة ال�سفلى من النار‪ ،‬ولن تجد‬ ‫عليكم؛ قالوا لهم‪� :‬ألم نتمكن من قتلكم �أو أ�َ�ْسكم ولم‬
‫لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬ن�صيراً يمنعهم من عذاب الله‪.‬‬ ‫َن ْف َع ْل‪ ،‬وحميناكم من الم ؤ�منين حتى غلبتموهم؟ فالله‬
‫يحكم بين الم�ؤمنين والمنافقين يو َم القيامة‪ ،‬فيثيب �أهل‬
‫‪� ١٤٦‬إلا الذين تابوا عن النفاق‪ ،‬و�أ�صلحوا دينهم‬ ‫طاعته ويعاقب �أهل مع�صيته‪ ،‬ولن يجعل الله للكافرين‬
‫و أ�عمالهم‪ ،‬ووثقوا بالله و َت�ّسكوا بدينه‪ ،‬و�أخل�وصا‬
‫عملهم لله؛ فهم من الم�ؤمنين‪ ،‬وجزا ؤ�هم جزاء الم ؤ�منين‬ ‫طريق ًا لا�ستئ�صال الم ؤ�منين و�إفنائهم‪ ،‬والعاقب ُة للمتقين‪.‬‬

‫ال�صادقين‪ ،‬و�سوف يعطي الله الم�ؤمنين ثواب ًا عظيم ًا‪.‬‬

‫‪ ١٤٧‬و�أ ُّي حاج ٍة لله ع ّز وج ّل في عذابكم‪� ،‬إن �شكرتم‬
‫ربكم و�آمنتم بر�سوله؟ وكان الله �شاكراً طاع َة عباده‪،‬‬

‫عليم ًا ب أ�فعالهم ومجازيهم عليها‪.‬‬

‫‪ ١٤٢‬إ� ّن المنافقين بنفاقهم َي ْح َ�سبون أ�نهم َي ْخ ُدعون‬
‫الله؛ ألنه لم ي أ�مر بقتلهم كما أ�مر بقتل الكافرين‪ ،‬والحا ُل‬

‫�أنهم هم المخدوعون؛ ألن الله يجازيهم بمثل خداعهم‬

‫‪١٠١‬‬

‫‪ ١٤٨‬لا يح ُّب الله الجهر ب�س ِّيئ القول وبذيئه‪ ،‬لك ْن َم ْن‬
‫ُظلم يبا ُح له أ�ن يدعو على ظالمه‪ ،‬و�أن ينال منه بقدر‬
‫ظلمه له‪ ،‬بلا قذ ٍف ولا ُفح� ٍش‪ ،‬والله �سميع ألقوالكم‬

‫عليم بمقا�صدكم كلها فاحذروه‪.‬‬

‫‪ ١٤٩‬و إ� ْن ُتظ ِهروا عمل ًا من �أعمال ال ِ ِّب �أو تخفوه‪،‬‬
‫ُتا َزوا به‪ ،‬و�إ ْن تعفوا ع َّمن أ��ساء إ�ليكم؛ ف إ�نه �سبحانه‬
‫يعفو مع القدرة‪ .‬وفي هذا ح ٌث للمظلوم على العفو بعد‬

‫َ�أ ْن �أح َّل‪ ‬الله له الانت�صار من ظالمه ‪.‬‬

‫وجر أ�تهم عليه واغترارهم بحلمه‪ -‬لو أ�نزل َت عليهم‬ ‫‪� ١٥١ ١٥٠‬إ َّن اليهود والن�صارى الذين ال‪ ‬ي�ؤمنون‬
‫الكتا َب الذي �س�ألوك لخالفوا �أمر الله‪ ،‬كما خالفه‬ ‫بالله وجمي ِع ُر�ُسله‪ ،‬ويق�صدون التفريق بين الله ور�سله‬
‫�أوائلهم بعد �َأ ْن �أحياهم الله من َ�ص ْعقتهم‪ ،‬حين �س أ�لوا‬ ‫‪ -‬وذلك بقولهم‪ :‬إ� َّن الله لم ير�سلهم‪ -‬ويقولون‪:‬‬
‫مو�سى أ�عظ َم مما �س أ�لك ه ؤ�لاء؛ �إذ قالوا له‪ :‬أ�رنا‪ ‬الله ِعيان ًا‬ ‫ن�ص ِّدق بهذا النب ِّي ونكفر بهذا‪ ،‬يتخذون بذلك طريق ًا‬
‫نعاينه وننظر �إليه!! وحين بعثهم الله من َ�ص ْعقتهم عبدوا‬ ‫إ�لى ال�ضلالة يدعون النا�س إ�ليه‪ ،‬ه ؤ�لاء هم الجاحدون‬
‫العجل ِم ْن بعد ما ر أ�وا ِم َن الدلائل على �أنهم لن يروا‬ ‫وحدانية الله ونبوة �أنبيائه‪ ،‬المك ِّذبون بذلك ح َّق‬
‫ربهم في هذه الدنيا‪ ،‬ثم عفا الله عنهم بعد توبتهم‪،‬‬ ‫التكذي ِب‪ ،‬فاح َذروا �أن تغت ّروا ببدعتهم‪ ،‬ف�إ ّنا �أعددنا لهم‬

‫و�أعطى مو�سى �آيا ٍت وا�ضح ًة �شاهد ًة على‪ ‬نبوته‪.‬‬ ‫في ا آلخرة عذاب ًا ُيهين �صاحبه بالخلود فيه‪.‬‬

‫‪ ١٥٤‬ولقد �أخلفوا اللهَ ما وعدوه من العمل بالتوراة‬ ‫‪ ١٥٢‬والذين �ص َّدقوا بوحدانية الله‪ ،‬و�أقروا بنبوة ر�سله‬
‫فرفع فوقهم جب َل ال ُّطور‪ ،‬وخالفوا ما �أمرهم به من‬ ‫�أجمعين ِم ْن غير تفريق‪ ،‬و�ص َّدقوهم فيما جا�ؤوهم به‬
‫ِم ْن عند الله ِم ْن �شرائع دينه‪� ،‬سوف يعطيهم الله ثوابهم‬
‫دخول المدينة المقد�سة �ساجدين طالبين المغفرة‪ ،‬وخالفوا‬ ‫يوم القيامة‪ ،‬ويغفر لهم ما �سلف من �آثامهم‪ ،‬ف إ�نه لم يزل‬
‫ما أ�ُمروا به في ال�سبت‪ ،‬فنكثوا العهد القوي الم ؤ� َّكد‬
‫غافراً لذنوب المنيبين �إليه‪ ،‬رحيم ًا بتف ُّ�ضله عليهم بالهداية‬
‫الذي �أُخذ عليهم‪ ،‬ف ُخ ْل ُف المواثيق‪ ‬عاد ُتهم‪.‬‬ ‫�إلى �سبيل الحق‪ ،‬وتوفيقه �إياهم �إلى ما فيه خلا�ُص رقابهم‬

‫من النار‪.‬‬

‫‪ ١٥٣‬ي�س�ألك ‪� -‬أيها الر�سول‪� -‬أه ُل التوراة من اليهود‬
‫َأ� ْن ت أ�تيهم بكتا ٍب ين ِزل عليهم من ال�سماء آ�ي ًة لك! فلا‬
‫َت ْع ُظم َّن عليك م�س�أل ُتهم تلك‪ ،‬ف�إنهم ‪ِ -‬م ْن جهلهم بالله‬

‫‪١٠٢‬‬

‫‪ ١٥٨‬بل رفع الله عي�سى �إليه‪ ،‬وكان الله َمنيع الـ َجناب‬ ‫‪ ١٥٥‬فب�سب ِب َن ْق ِ�ضهم عهو َدهم التي عاهدوا الله عليها‪،‬‬
‫لا ُي�ضام َم ْن لاذ به‪ ،‬حكيم ًا في �صنعه‪ ،‬فاحذروا أ�يها‬ ‫وجحو ِدهم بما احت َّج الله به عليهم في ِ�صدق �أنبيائه‬
‫ال�سائلون محمداً َ�أ ْن ُي ِّنزل عليكم كتاب ًا من ال�سماء‪،‬‬ ‫ور�سله‪ ،‬وبقتلهم ا ألنبياء ظلم ًا وعدوان ًا بعد ثبوت‬
‫احذروا ِم ْن حلول عقوبتي بكم‪ ،‬كما ح َّلت ب أ�ولئك‬
‫نب ّوتهم‪ ،‬غ�ضب الله عليهم ولعنهم‪ ،‬وكذا بقولهم لك‬
‫الذين ك َّذبوا ر�سلي‪ ،‬وافتروا على‪  ‬أ�وليائي‪.‬‬ ‫�أيها الر�سول‪ :‬قلوبنا عليها �أغلفة ال‪ ‬تع ِقل ما تقول‪ ،‬وهي‬

‫‪ ١٥٩‬وما �أح ٌد ِم ْن �أهل الكتاب إ�لا �سوف ي ؤ�من بعي�سى‬ ‫لي�س ْت كذلك ولك َّن الله ختم عليها فلا تعي وعظ ًا‪،‬‬
‫قبل موته ‪ -‬حين ينزل آ�خر الزمان ِل َقتل الد ّجا ِل‪ -‬فت�صير‬ ‫فتم َّرن ْت بذلك قلوبهم على الكفر والنفا ِق وق َّل ِة ا إليمان‪.‬‬
‫الـ ِمل ُل ك ُّلها ِم ّل ًة واحد ًة هي الحنيفية ال�سمحة‪ ،‬م ّلة‬
‫الإ�سلام‪ ،‬ويو َم القيامة يكون عي�سى �شاهداً عليهم أ�نه‬ ‫‪ ١٥٧ ١٥٦‬و َل َعنهم الله وغ�ضب عليهم ب�سبب كفرهم‬
‫بعي�سى ورم ِيهم مري َم ب ِفري ٍة كبير ٍة هي منها بريئة‪ .‬وقولهم‬
‫ب َّل َغ ما �أُر ِ�س َل به‪ ،‬و أ�ق َّر على نف�سه‪ ‬بالعبودية لله تعالى‪.‬‬ ‫مفتخرين‪ :‬إ�نا قتلنا الم�سيح عي�سى ابن مريم؛ وما قتلوا‬
‫عي�سى وما �صلبوه‪ ،‬و�إنما �أُلقي �شبهه على �صاح ِبهم‬
‫‪ ١٦١ ١٦٠‬واليهود الذين نق�وضا ما عاهدوا عليه‬
‫ربهم‪ ،‬وكفروا ب�آياته‪ ،‬وقتلوا �أنبياءهم‪ ،‬ورموا مريم‬ ‫فظنوه عي�سى فقتلوه و�صلبوه‪ ،‬و�إن الذين اختلفوا في‬
‫بال ُبهتان؛ ح َّرمنا عليهم طيبا ٍت من الم�آكل كانت لهم‬ ‫عي�سى حين �ُألقي �شبهه على غيره لفي �ش ٍّك ِم ْن قتله‪ ،‬وما‬
‫حلال ًا‪ ،‬عقوب ًة لهم ب�سبب ظلمهم الذي أ�خبر الله عنه‬
‫في كتابه‪ ،‬وب َك ْث ِة ما َ�ص ّدوا عباد الله عن دينه و�ُس ُبله‬ ‫قتلوه متيقنين �أنه هو‪ ،‬بل �شا ِّكين متوهمين‪.‬‬
‫التي �شرع لهم‪ ،‬وب أ�خ ِذهم الربا على أ�موالهم وهم‬
‫منهيون عنه‪ ،‬و أ�خ ِذهم الر�شاوى و أ�موال ال ّنا�س من غير‬
‫وجه حق‪ .‬ولهم يوم ُي َر ُّدون �إلى ربهم عذا ٌب ُموجع‬

‫في جه ّنم‪.‬‬

‫‪ ١٦٢‬لي�س ك ُّل �أهل الكتاب مت�صفين بال�صفات ال�سيئة‬

‫ال�سابقة؛ فالثابتون في العلم منهم الذين �ص َّدقوا بحقائقه‬
‫و�أذعنوا لها‪ ،‬والم�ؤمنون بك من عوا ّمهم ‪ -‬أ�و من‬
‫المهاجرين وا ألن�صار‪ -‬ي ؤ�منون بالقر آ�ن الذي ُ�أنزل إ�ليك‬

‫‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬وب�سائر الكتب المنزلة على ا ألنبياء‬

‫من قبلك‪ ،‬والذين هم يقيمون ال�صلاة‪ ،‬وي ؤ�تون زكاة‬

‫أ�موالهم لمن جعلها الله له‪ ،‬وي�ص ِّدقون بوحدانية الله‪،‬‬
‫وبالبعث بعد الممات والثوا ِب والعقا ِب‪ ،‬ه ؤ�لاء الذين‬

‫هذه �صفاتهم لهم عند ربهم جزا ٌء عظي ٌم في جنات‬
‫النعيم‪.‬‬

‫‪١٠٣‬‬

‫‪ ١٦٩ ١٦٨‬إ� َّن الذين كفروا وجحدوا نب َّوتك يا محمد‪،‬‬ ‫‪ ١٦٣‬ولـ ّما �أَغ�ضب اليهو َد ما �سمعوا من �أو�صافهم‬
‫وتجاوزوا حدو َد ما �ش َرع الله ور�سوله‪ ،‬وا�ستمروا على‬ ‫ال�سيئة‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما أ�نزل الله على ب�شر ِم ْن �شيء بعد مو�سى‬
‫المعاندة وا إلقامة على المع�صية لم يكن الله ليعفو عنهم‬ ‫عليه ال�سلام‪ ،‬خاطب الله نبيه محمداً ‪ ‬ب�أنه �أوحى إ�ليه‬
‫ولا ليو ِّفقهم �إلى �سبي ٍل إ�لا �سبي َل جهنم خالدين فيها‬ ‫كما أ�وحى �إلى نوح‪ ،‬و إ�لى ا ألنبياء ِم ْن بعده‪ ،‬و�أوحى �إلى‬
‫خلوداً دائم ًا‪ .‬وهذا ه ِّ ٌي ي�سي ٌر على الله الذي لا ُيعجزه‬ ‫إ�براهيم و إ�لى إ��سماعيل و إ��سحاق ويعقوب‪ ،‬والأ�سباط‬

‫�شيء في ا ألر�ض ولا في ال�سماء ‪.‬‬ ‫‪ -‬وهم ا ألنبياء من ذرية يعقوب عليه ال�سلام‪ -‬وعي�سى‬

‫‪ ١٧٠‬يا أ�يها ال ّنا�س‪ ،‬قد جاءكم محمد ‪ِ - -‬م ْن عند‬ ‫و أ�يوب ويون�س وهارون و�سليمان‪ ،‬و�أنزل على داود‬
‫ربكم بالإ�سلام الذي ارت�ضاه الله لعباده دين ًا‪ ،‬ف�ص ِّدقوا‬ ‫كتاب ًا هو الزبور‪ ،‬فب َّي �سبحانه َك ِذ َبهم و َزي َف دعواهم‪.‬‬
‫بما جاءكم به ِم ْن عند ربكم‪ ،‬ف إ� َّن الإيمان بذلك َخي ٌر لكم‬
‫من الكفر‪ ،‬و�إن تك ِّذبوا به‪ ،‬ف�إ َّن تكذي َبكم يعود �ضر ُره‬ ‫‪ ١٦٤‬و أ�وحينا كذلك إ�لى ُر�ُس ٍل قد ق�ص�صنا عليك‬
‫عليكم َو ْح َدكم؛ فلله ما في ال�سماوات وا ألر�ض ُملك ًا‬ ‫‪ -‬أ�يها الر�سول‪ِ -‬م ْن أ�خبارهم‪ ،‬ور�س ٍل كثيرين لم ن�س ِّمهم‬
‫وخلق ًا‪ ،‬لا ينق�ص ك ُفركم ِم ْن �سلطانه �شيئ ًا‪ ،‬والله علي ٌم‬ ‫ولم نق�ّص عليك من �أخبارهم �شيئ ًا‪ ،‬وك َّلم الله مو�سى‬
‫بما يكون منكم ِم ْن طاع ٍة �أو ع�صيا ٍن‪ ،‬حكيم في أ�مره‬
‫‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬بلا وا�سطة‪.‬‬
‫ونهيه‪ ،‬وفي تدبيره‪.‬‬
‫‪� ١٦٥‬أَر�سل ُت ه�ؤلاء ا ألنبياء مب�ِّشين بثوابي َم ْن �أطاعني‬
‫‪١٠٤‬‬ ‫وا َّتبع أ�مري و�ص َّدق ر�سلي‪ ،‬ومنذرين عقابي َمن‬
‫ع�صاني وخالف أ�مري وك َّذب ر�سلي‪ ،‬و ِل َق ْطع ُحج ِة ك ِّل‬
‫ملح ٍد كافر‪� ،‬إعذاراً �إليه لتكون لله الحجة البالغة على‬
‫جميع خلقه‪ ،‬والله �سبحانه عزي ٌز في ملكه حكي ٌم في‬

‫تدبيره‪ ‬واختياره‪.‬‬

‫‪ ١٦٦‬و�إن َي ْك ُفر اليهو ُد بالذي �أوحينا �إليك ‪ -‬أ�يها‬
‫الر�سول‪ -‬وي َّدعوا أ�ن الله لم ين ِّزل على ب�شر من �شيء‬
‫تكذيب ًا ل َك وح�سداً‪ ،‬ف�إ َّن الله ي�شهد �أنه �أوحى �إليك‬
‫ما أ�نزل ِم ْن كتابه‪� ،‬أَ ْن َزل ذلك �إليك بعل ٍم منه �أنك‬
‫ِخير ُته ِم ْن خلقه‪ ،‬و�صف ُّيه ِم ْن عباده‪ ،‬وي�شهد لك بذلك‬
‫ملائكته‪ ،‬فلا يحزنك تكذي ُب َم ْن ك َّذبك وخلا ُف َم ْن‬
‫خالفك‪ ،‬و َح�ْس ُبك بالله �شاهداً على �صدقك دون َم ْن‬

‫�سواه ِم ْن خلقه‪.‬‬

‫‪ ١٦٧‬إ� َّن ه ؤ�لاء الذين يجحدون نب ِّوتك من �أهل‬
‫الكتاب‪ ،‬وينكرون أ�ن يكون الله ج َّل ثنا�ؤه �أوحى �إليك‪،‬‬

‫قد زالوا عن الم َح َّجة‪ ،‬وجاروا عن الطريق َج ْوراً �شديداً‪.‬‬

‫الذين رفع الله مناز َلهم‪ ،‬و َم ْن ي أْ�ن ْف من التذلل‬
‫والخ�وضع له بالطاعة‪ ،‬ف�إليه مرجعهم جميع ًا يوم‬

‫القيامة وعليه ح�سابهم‪.‬‬

‫‪ ١٧٣‬ف أ� ّما المق ِّرون له بالوحدانية‪ ،‬الخا�ضعون لله‬ ‫‪ ١٧١‬يا �أهل ا إلنجيل لا تجاوزوا الح َّق في دينكم ف ُت ْف ِرطوا‬
‫بالطاعة‪ ،‬العاملون ال�صالحات من ا ألعمال‪ ،‬في�ؤتيهم الله‬ ‫فيه‪ ،‬ولا تقولوا على الله إ�لا الح َّق‪ ،‬وال‪ ‬تجعلوا له ولداً �إنما‬
‫الم�سيح عي�سى ابن مريم ر�سو ٌل من‪ ‬الله �إلى َم ْن �أر�سله إ�ليه‬
‫يوم القيامة جزاء �أعمالهم ال�صالحة �أجراً وافي ًا كامل ًا‪،‬‬ ‫ِمن خ ْلقه‪ ،‬وب�شار ُته التي أ�مر الملائك َة �أن ت�أتي بها مريم‪،‬‬
‫و َن ْفخ ٌة ب أ�مر الله ِم ْن روحه ‪ -‬وهو جبريل عليه ال�ّسلام‪-‬‬
‫ثم يزي ُدهم ِم ْن عظيم ف�ضله‪ ،‬و أ� ّما الذين ا�ستكبروا عن‬ ‫فهو �س ٌّر من أ��سرار قدرته تعالى‪ ،‬ف�ص ِّدقوا بوحدانية‪ ‬الله‪،‬‬
‫الإذعان له بالطاعة‪ ،‬والت�سليم له بالوحدانية فيعذبهم‬ ‫و�أنه لا ولد له‪ ،‬و�ص ِّدقوا ر�سله جميع ًا فيما جا ؤ�وكم به‪،‬‬

‫عذاب ًا مو ِجع ًا‪ ،‬ولا وليَّ لهم ُينجيهم ِم ْن عذاب الله‪ ،‬ولا‬ ‫وال‪ ‬تقولوا‪ :‬ا ألرباب ثلاثة! اتركوا هذا الاعتقاد‪ ،‬فتر ُك ُه‬
‫نا�ص َر يدفع عنهم ما َأ�ح َّل الله بهم من نقمته‪.‬‬ ‫خي ٌر لكم في معادكم‪ ،‬إ�نما الله �إله واحد معبود‪ ،‬تن َّزه �أن‬
‫يكون له ولد أ�و �صاحبة‪ ،‬ولله ما في ال�سماوات وما في‬
‫‪ ١٧٤‬يا �أيها ال ّنا�س‪ ،‬قد جاءكم محمد ‪ُ - -‬حج ًة‬
‫من الله على بطلان ما أ�نتم عليه ِم ْن دين‪ ،‬و أ�نزل معه‬ ‫ا ألر�ض‪ ،‬وكفى بالله ق ِّيم ًا ومد ِّبراً ورازق ًا‪.‬‬
‫إ�ليكم قر آ�ن ًا‪ ،‬يب ِّي لكم الـ َمح َّجـة الوا�ضحة‪ ،‬ويهديكم‬
‫‪ ١٧٢‬لن َي ْ�أ َنف ولن ي�ستكبر الم�سي ُح عن التذلل‪ ‬لله‬
‫�إلى نوره الـ ُمو�ص ِل �إلى النجاة من عذابه‪.‬‬ ‫والخ�وضع له بالطاعة‪ ،‬ولن ي�ستكبر عن ذلك الملائك ُة‬

‫‪ ١٧٥‬ف�أ ّما الذين �ص ّدقوا بالله و أ�قروا بوحدانيته وبما‬
‫أ�ر�سل به محمداً ‪ - -‬وتم�َّسكوا بالنور المبين الذي‬
‫جاء به؛ ف�سوف تغ�شاهم رحم ٌة من الله تنجيهم من‬
‫عذابه‪ ،‬و ُ ِت ُّلهم ر�وضانه‪ ،‬و ُي َ�س ِّددهم الله ل�سلوك منهج‬

‫َم ْن أ�نعم عليه ِم ْن أ�هل‪ ‬طاعته‪.‬‬

‫‪١٠٥‬‬

‫‪ ١٧٦‬ي�س�ألونك ‪� -‬أيها النبي‪� -‬أن تفتيهم في ال َكلالة‬

‫‪ -‬وهو ا إلن�سان يموت لا ولد له ولا والد‪ ،‬وقد َتق َّدم‬

‫في َ�ص ْدر ال�سورة بيا ُن ما فر�ض الله للإخوة ألم في هذه‬
‫الحالة‪ .‬أ� ّما هنا فالبيان متعلق بالإخوة ا أل�شقاء �أو لأب‪:-‬‬
‫ف َمن ُتوفي عن أ�خ ٍت �شقيق ٍة �أو لأ ٍب‪ ،‬فلأخته هذه ن�صف‬
‫َت ِركته‪ ،‬ولع�صبته ما بقي عن ن�صيب ذوي الفرو�ض‪.‬‬

‫وهو ‪� -‬أي ا ألخ ال�شقيق �أو لأب‪ -‬ير ُث جمي َع ما‬
‫ترك ْت أ�خ ُت ُه‪ .‬و َم ْن توفي عن أ�ختين اثنتين �أو �أكثر‪،‬‬
‫�شقيقتين أ�و ألب‪ ،‬فله َّن الثلثان‪ ،‬ول َع َ�صبته ما بقي عن‬
‫ذوي الفرو�ض‪ ،‬و إ�ن كان له إ�خو ٌة رجا ٌل ‪� -‬أي ذكور‪-‬‬

‫و أ�خوا ٌت ن�سا ٌء‪ ،‬أ��شقا ُء أ�و لأ ٍب‪ ،‬أ�خذ الرج ُل ِم ْث َل ن�صيب‬
‫اثنتين من �أخواته‪ ،‬يب ِّي الله لكم ِق�سم َة مواريثكم وحك َم‬
‫ال َكلالة‪ ،‬لئلا تجوروا عن الحكم في ذلك‪ ،‬والله �سبحانه‬

‫ذو عل ٍم بم�صالح عباده في ق�سمة مواريثهم وغيرها‪.‬‬

‫ِم ْن بلوغ َم ِح ّله‪ ،‬ولا تتعر�وضا للهدي المع َّلم بالعلامات‬ ‫‪ ١‬يا �أيها الذين �ص َّدقوا بالله و أ�ق ُّروا له بالوحدانية‪،‬‬
‫التي تد ُّل على أ�نه َه ْد ٌي تعظيم ًا لحرمته‪ ،‬ولا لمن‬ ‫�أتـ ُّموا العهو َد بالوفاء بها لمن عاقدتموه ِمن النا�س‪،‬‬
‫و�أوفوا بعقود‪ ‬الله التي �أوجبها عليكم‪ ،‬فيما �َأح َّل لكم‬
‫َي�سوقه‪ ،‬ولا تتعر�وضا ب أ�ذى لمن ق�صد البيت الحرام يبتغي‬
‫ف�ض َل الله ور�وضانه‪ ،‬و إ�ذا ق�ضيتم منا�سككم وتح َّللتم من‬ ‫وح َّرم عليكم‪ ،‬و أ�لزمكم فر�ضه وب ّي لكم حدوده‪،‬‬
‫وقد �أباح الله لكم لحوم ا ألنعام من الإبل والبقر‬
‫إ�حرامكم بالحلق �أو التق�صير عا َد ما ُمن َع عليكم بالإحرام‬ ‫والغنم‪ ،‬إ�لا ما ُن�َّص على تحريمه ِم ْن غيرها‪ ،‬و�إن كنتم‬
‫ِمن ال�صي ِد حلال ًا على أ��صله في غير أ�ر�ض الحرم؛ ولا‬ ‫ُمح ِرمين أ�و ب�أر�ض الحرم‪ ،‬فلا تقتلوا �صيد ال َ ِّب‪� ،‬إ ّن الله‬

‫يحمل َّنكم ُبغ�ُض قو ٍم َم َنعوكم بلو َغ الم�سج ِد الحرام لق�ضاء‬ ‫يق�ضي ما ي�شاء ِم ْن تحري ٍم وتحلي ٍل و إ�يجا ٍب‪.‬‬
‫منا�سككم أ�ن ُتاوزوا حك َم الله فيهم �إلى ما نهاكم عنه‪،‬‬
‫ولكن ال َزموا طاع َة الله مع َم ْن �أحببتم وكرهتم‪ .‬و ْل ُيعن‬ ‫‪ ٢‬لا ت�ست ِح ّلوا ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪� -‬شعائر الله‪ ،‬وهي ما‬
‫بع ُ�ضكم بع�ض ًا على العمل بما �أمركم الله به‪ ،‬والانتهاء‬
‫ب َّي لكم من المنا�سك‪ ،‬ولا تنتهكوا ُحرمة ا أل�شهر ال ُح ُرم‬
‫ع ّما نهاكم عنه‪ .‬ولا ُي ِع ْن بع ُ�ضكم بع�ض ًا على خلاف‬ ‫بقتا ٍل فيها‪ ،‬ولا تمنعوا ما ُيهدى للبيت الحرام ِمن ا ألنعام‬
‫ذلك من الظلم وا إلثم‪ .‬واحذروا عقاب الله �إ ْن خالفتم‪،‬‬

‫ف إ�نه �سبحانه �شدي ُد العقاب‪.‬‬

‫‪١٠٦‬‬

‫وال ُّظهو ِر على دينكم‪ .‬فلا تخافوا ع ُد ّوي وعد َّوكم من‬ ‫‪ ٣‬ح َّرم الله عليكم ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬أ�ك َل لحم الميتة‬
‫الكافرين‪ ،‬وخافوني ولا تهابوا �أحداً غيري‪ .‬وفي هذا‬ ‫‪ -‬وهي ك ُّل ما فارقته ُروحه بغير تذكية ولا ا�صطياد‪،‬‬
‫من مباح دوا ِّب الب ِّر وطيره‪ -‬وح َّرم عليكم الد َم ال�سائل‪،‬‬
‫اليوم أ�كمل ُت لكم ‪ -‬أ�يها الم�ؤمنون‪ -‬فرائ�ضي عليكم‬ ‫ولح َم الخنزير و�شح َمه‪ ،‬وما ُذ ِك َر عليه غير ا�سم الله عند‬
‫وحدودي‪ ،‬وحلالي وحرامي‪ ،‬بما أ�نزل ُت من ذلك‬ ‫الذبح‪،‬والمقتول َةخنق ًا‪،‬والمقتول َة�ضرب ًا‪،‬وال�ساقط َةمن ُع ْل ٍو‬
‫في كتابي‪ ،‬وب َّين ُته بوحيي على ل�سان ر�سولي‪ ،‬و�أتمم ُت‬
‫عليكم ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬نعمتي‪ ،‬ور�ضي ُت لكم الإ�سلام‬ ‫�إلى �أ�سفل فتموت‪ ،‬والمقتول َة بنطح �أخرى لها‪ ،‬وما �أكل‬
‫دين ًا دون �سواه‪ .‬ف َم ْن �أ�صابه �ض ٌّر في مجاع ٍة أ�لج أ�ه �إلى �أكل‬
‫ما ح َّرم ُت عليكم غير متع ِّم ٍد لإثم‪ ،‬ف إ� َّن‪ ‬الله ال‪ ‬ي ؤ�اخذه‬ ‫ال�ّس ُب ُع منه‪� ،‬إلا ما �أدركتم فيه الروح من ذلك َف َذ َّكيتموه‪.‬‬
‫‪ -‬وال�ّس ُب ُع هنا هو ك ُّل ذي ناب وظفر من الحيوان‬
‫على ذلك‪ ،‬وهو به رحيم‪.‬‬ ‫كا أل�سد والنمر والذئب من الحيوانات المفتر�سة‪ -‬وح َّرم‬
‫عليكم ما ُذبح تق ُّرب ًا ل أل�صنام‪ ،‬و�أن تطلبوا معرف َة الغي ِب‬
‫‪ ٤‬ي�س�ألك أ��صحابك ‪ -‬أ�يها النبي‪ -‬ما الذي أ�ُ ِح َّل‬ ‫والن�صي ِب با ألقداح‪ ،‬كل هذه المحرمات ا�ستحلا ُلها‬
‫لهم �أكله؟ فقل لهم‪ :‬أ� ِح َّل لكم ما �أَ ِذن ر ُّبكم في �أكله من‬
‫الذبائح‪ ،‬و�صي ُد ما ع َّلمتم من الكلاب وكوا�سر الطير‪،‬‬ ‫خرو ٌج عن الطاعة‪ ،‬والانكفا ُف عنها من الوفاء بالعقود‬
‫الذي ُ�أ ِم ْرتم به‪ .‬في هذا اليوم ‪ -‬وهو يوم عرفة ِم ْن حجة‬
‫تع ِّلمونها مما ع َّلمكم الله‪ ،‬فكلوا أ�يها النا�س مما أ�م�سك ْت‬ ‫الوداع‪ -‬انقطع �َأ َم ُل الذين كفروا من إ�طفاء نور الله‬
‫عليكم من ال�صيد‪ ،‬واذكروا ا�سم‪ ‬الله على ما أ�م�سك ْت‪،‬‬
‫واحذروا الله فيما أ�مركم به ونهاكم عنه‪ ،‬واعلموا �أن الله‬ ‫‪١٠٧‬‬

‫�سري ُع الح�ساب‪.‬‬

‫‪ ٥‬في هذا اليوم يوم عرف َة ِم ْن حج ِة الوداع �أُبيح‬
‫لكم ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬الحلا ُل الط ِّيب من المطعومات‬
‫والذبائح‪ ،‬وذبائ ُح اليهو ِد والن�صارى حلا ٌل لكم دون‬
‫ذبائح �سائر الم�شركين‪ ،‬وذبائ ُحكم حلال لهم‪ ،‬و�أ ِح َّل‬
‫لكم نكا ُح الحرائر من الم ؤ�منات و ِمن أ�هل الكتاب‪،‬‬
‫�إذا أ�عطيتموه َّن مهوره َّن قا�صدين بذلك �إلى الزواج‬
‫والعفاف‪ ،‬لا إ�لى ال�ِّسفاح أ�و المخادنة ‪ -‬والم�ساف ُح الذي‬
‫يلقى المر�أ َة فيفجر بها ثم يذهب وتذهب‪ ،‬والمخاد ُن‬

‫الذي يقيم معها على مع�صية الله وتقيم معه‪ -‬و َم ْن‬
‫يجحد ما �أمر الله بالت�صديق به‪ِ ،‬م ْن توحيد ِه‪ ،‬ونبو ِة‬

‫محم ٍد ‪ - -‬فهو يوم القيامة من الهالكين‪.‬‬

‫‪ ٦‬يا �أيها الذين �آمنوا إ�ذا �أردتم القيا َم �إلى ال�صلاة‬
‫و أ�نتم ُم ْح ِدثون‪ ،‬فتو�ض ؤ�وا بالماء‪ :‬فاغ�سلوا وجوهكم‬
‫و�أيد َيكم إ�لى المرافق‪ ،‬وام�سحوا الماء بر ؤ�و�سكم‪،‬‬
‫واغ�سلوا �أرج َلكم مع الكعبين‪ ،‬و إ� ْن كنتم على َجناب ٍة‬
‫فاغ�سلوا جميع َب َد ِنكم‪ ،‬و�إ ْن كنتم مر�ضى مر�ض ًا‬
‫ي�ش ُّق معه ا�ستعمال الماء‪ ،‬أ�و م�سافرين‪� ،‬أو أ�حدثتم بعد‬

‫و�وضء‪� ،‬أو لام�ستم الن�ساء بجماع �أو غيره‪ ،‬فلم تجدوا‬

‫ما ًء؛ فاق�صدوا تراب ًا طاهراً‪ ،‬فام�سحوا به وجوهكم‬
‫و�أيديكم‪ .‬ما يريد الله بما فر�ض عليكم من الو�وضء‬

‫وال ُغ�ْسل والتيمم َأ� ْن ُيلزمكم ال ِّ�ض ْي َق وال َع َن َت‪ ،‬ولكن‬
‫يريد �أن يط ِّهركم بذلك‪ ،‬و�أن يت َّم عليكم نعمته‪ ،‬تي�سيراً‬
‫عليكم‪ ،‬لكي ت�شكروا الله على ِن َعمه التي �أنعمها‬

‫عليكم بطاعتكم �إياه فيما �أمركم ونهاكم‪.‬‬

‫�أن تجوروا في معاملة عباده‪ ،‬ف�إن‪ ‬الله علي ٌم بما تعملون‬ ‫‪ ٧‬واذكروا ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬نعم َة الله عليكم‬
‫يح�صيه عليكم‪ ،‬ومجازيكم به‪ :‬إ�ن خيراً فخي ٌر‪ ،‬و إ�ن �ش ّراً‬
‫بهدايتكم للإ�سلام‪ ،‬واذكروا َع ْه َده الذي أ�خذه عليكم‬
‫ف�ش ٌّر‪.‬‬ ‫حين بايعتم محمداً ‪ - -‬على ال�سمع والطاعة في‬

‫‪َ ٩‬و َع َد اللهُالذين �ص َّدقوا الله ور�سو َله‪ ،‬و�أطاعوا فيما‬ ‫الـ َم ْن َ�ش ِط والـ َم ْكره‪ :‬إ�ذ قلتم‪� :‬سمعنا ما قل َت لنا و�أخذ َت‬
‫أُ�مروا به و ُنهوا عنه‪� ،‬أن يغفر لهم وي�أجرهم أ�جراً عظيم ًا‪،‬‬ ‫علينا من المواثيق‪ ،‬و أ�طعناك فيما أ�مرتنا به ونهيتنا عنه‪.‬‬

‫ب أ�ن يدخلهم‪ ‬الجنة‪.‬‬ ‫وخافوا الله ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬أ�ن تنق�وضا ذلك العهد‪،‬‬
‫أ�و أ�ن ُت ْ�ضمروا غير الوفاء بذلك ف ُي ِحل بكم من عقوبته‬
‫ما أَ� َح َّل بـ َم ْن قبلكم‪ ،‬وت�صيروا �إلى �س َخطه و�أليم عقابه‪،‬‬
‫ف إ� ّن الله م َّطلع على ما ُتخفيه �صدو ُركم‪ ،‬لا يخفى‬

‫عليه‪� ‬شيء‪.‬‬

‫‪ ٨‬يا �أيها الذين آ�منوا كونوا قائمين لله بحقوقه �أ�ش َّد‬

‫القيام‪� ،‬شهدا َء بالعدل‪ ،‬ولا َي ْحمل َّنكم ُب ْغ�ُض قو ٍم على‬
‫الـ َج ْور‪ ،‬بل ا�ستعملوا العدل في َح ِّق كل أ�حد �صديق ًا‬
‫كان أ�و عدواً‪ ،‬فالعد ُل �أقر ُب إ�لى التقوى‪ ،‬وخافوا الله‬

‫‪١٠٨‬‬

‫‪ ١٢‬ولقد �أخذ الله ِم ْن بني إ��سرائيل َق ْب َلكم العه َد‬ ‫‪ ١٠‬والذين َج َحدوا وحدانية الله‪ ،‬ونق�وضا ميثاقه‬
‫بال�سمع والطاعة‪ ،‬و أ�ر�س َل منهم اثني ع�شر نائب ًا مق َّدم ًا‪،‬‬ ‫وعقوده التي عا َقدوه عليها‪ ،‬وك َّذبوا بما جاءت به الر�سل‬
‫ل َي ْح ِملوا َق ْومهم على الوفاء بالعهد‪ ،‬وقال لهم الله‪� :‬إني‬
‫نا�صركم ومعينكم‪ ،‬ف�إ ْن أ� َّديتم ال�صلا َة على وجهها‪،‬‬ ‫ِمن ُح َج ٍج وبراهين‪ ،‬ه ؤ�لاء أ�هل ال ّنار الذين لا يخرجون‬
‫ودفعتم الزكاة �إلى م�ستحقيها‪ ،‬و َ�ص َّدقتم بر�سلي جميع ًا‪،‬‬ ‫منها �أبداً‪.‬‬
‫ون�صرتموهم‪ ،‬و�أنفقتم في �سبيل الله وابتغاء مر�ضاته‪،‬‬
‫ألتجاوز َّن عن �سيئاتكم‪ ،‬و ُألدخل َّنكم يوم القيامة جنا ٍت‬
‫تجري ِم ْن تحتها ا ألنهار‪َ ،‬ف َم ْن جحد نعم َة الله منكم بعد‬

‫هذا العهد‪ ،‬فقد �أخط�أ َق ْ�ص َد الطريق ال�َّسو ِّي الم�ستقيم‪.‬‬

‫‪ ١٣‬فب�سبب ن ْك ِث بني إ��سرائيل ميثا َقهم أ�َ ْب َع ْدناهم عن‬
‫رحمتنا‪ ،‬وجعلنا قلوبهم لا تلين لقبول الإيمان‪ُ ،‬يب ِّدلون‬
‫ما في التوراة‪ ،‬وتركوا قدراً كبيراً مما �أُمروا به في التوراة‬

‫فلم يعملوا به‪ ،‬ولا تزال ‪� -‬أيها الر�سول‪َ -‬ت َّط ُلع ِم َن‬
‫اليهود على خيانة وغدر‪ ،‬إ�لا نفراً قليل ًا منهم آ�منوا بك‪،‬‬

‫فا�صف ْح عن ُج ْرمهم و َكيدهم‪ ،‬إ� َّن الله يح ُّب المح�سنين‬
‫الذين َي ْعفون ع َّمن أ��ساء إ�ليهم‪.‬‬

‫‪ ١١‬يا �أيها الذين �أق ُّروا بتوحيد الله ور�سالة ر�سوله‬
‫اذكروا نعمة الله التي �أنعم بها عليكم‪ ،‬حين َك َّف عنكم‬

‫أ�يدي اليهود الذين ه ُّموا بال َب ْط�ش بكم غدراً‪ ،‬ف َ� َصفهم‬
‫عنكم‪ ،‬و َحا َل بينهم وبين ما �أرادوا‪ ،‬فا�شكروه على‬

‫هذه النعمة بالوفاء بمواثيقه وعقوده‪ ،‬واحذروا الله‬

‫أ�يها الم�ؤمنون أ�ن تخالفوا �أمره �أو نهيه‪ ،‬و�إلى الله فل ُي ْل ِق‬
‫الم ؤ�منون َ�أ ِز َّمة �أمورهم‪ ،‬وي�ست�سلموا لق�ضائه‪ ،‬ويثقوا‬
‫بن�صره و َع ْونه‪ ،‬ف�إن ذلك ِم ْن تمام �إيمانهم وكمال دينهم‪.‬‬

‫‪١٠٩‬‬

‫‪ ١٤‬و أ�خذنا من الذين قالوا �إ ّنا ن�صارى الميثا َق على‬

‫طاعتي‪ ،‬و�أداء فرائ�ضي‪ ،‬وا ِّتبا ِع ر�سلي والت�صدي ِق بهم‪،‬‬
‫ف�سلكوا في ذلك منهاج اليهود؛ فتركوا قدراً كبيراً مما‬
‫�أُمروا به في الإنجيل‪ ،‬ونق�وضا ميثاقهم‪ ،‬ف أ�وقعنا بينهم‬

‫العداو َة والبغ�ضا َء إ�لى يوم القيامة‪ ،‬بتف ُّرقهم واختلاف‬
‫أ�هوائهم‪ ،‬فك ُّل فرقة تك ِّفر ا ألخرى‪ ،‬و�سوف ُين ِّبئهم الله‬

‫في ا آلخرة بما كانوا ي�صنعون‪ ،‬فيجازيهم عليه‪.‬‬

‫ال�سماوات وا ألر�ض وما بينهما‪ ،‬إ�يجاداً وعدم ًا‪ ،‬والله‬ ‫‪ ١٥‬يا �أه َل الكتاب من اليهود والن�صارى قد جاءكم‬
‫هو القادر على كل �شيء‪ ،‬لا ُيعجزه �شي ٌء �أراده ‪.‬‬
‫ر�سولنا محمد ‪ - -‬يب ِّي لكم كثيراً مما كنتم‬
‫تكتمونه النا� َس ولا تبينونه لهم مما �أنزل على ُر�ُس ِلكم‪،‬‬
‫و َي�ْسك ُت عن كثير مما لا فائدة في بيانه‪ .‬قد جاءكم‬
‫من‪ ‬الله نو ٌر َب َّي به معا ِلـ َم الح ِّق‪ ،‬وما ُي�صلح ال ّنا�س في‬
‫معا�شهم و َمعا ِدهم وجميع أ�حوالهم ظاهراً وباطن ًا‪،‬‬
‫وكتا ٌب فيه �صلا ُح �أمركم وبيا ُن ما اختلفتم فيه من‬

‫�أمور التوحيد والحلال والحرام‪.‬‬

‫‪ُ ١٦‬ير�شد الله بهذا الكتا ِب المبين ‪ -‬الذي جاء من‬
‫عنده‪ -‬ويهدي به َمن ابتغى ر�ضاه الطر َق المف�ضية �إلى‬
‫ال�سلام والأمن والطم أ�نينة‪ ،‬و ُي ْخرجهم من ظلمات‬
‫الكفر �إلى نور الإ�سلام بتوفيقه و�إرادته‪ ،‬وير�شدهم �إلى‬

‫طريق الحق‪.‬‬

‫‪ ١٧‬لقد كفر الن�صارى الذين زعموا ‪ -‬افترا ًء‪ -‬أ�ن‬
‫الله هو الم�سيح ابن مريم‪ ،‬فقل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬له ؤ�لاء‬

‫المفترين‪ :‬من الذي ي�ستطيع َأ� ْن ير َّد ِم ْن أ�م ِر الله �شيئ ًا؛‬
‫�إ ْن �شاء �أن ُيهلك عي�سى و�أ َّمه‪ ،‬و ُيهلك جميع َم ْن في‬
‫ا ألر�ض؟ فلا‪  ‬أ�حد يمنع ذلك‪ ،‬والله له ت�صري ُف ما في‬

‫‪١١٠‬‬

‫الله الـ ُمرت�ضى‪ ،‬على انقطا ٍع ِم ْن بعثة ال ُّر�ُسل‪ ،‬قاطع ًا‬
‫ل ُعذركم‪َ ،‬ك ْي لا تقو ُلوا ‪ :‬ما جاءنا ر�سو ٌل مب�ِّش ومنذر‪،‬‬
‫فقد جاءكم ِم ْن عندي ر�سول‪ُ ،‬ي َب�ِّش َم ْن �آم َن بي و�أطاع‪،‬‬
‫وينذر َم ْن ع�صاني وخال َف أ�َ ْمري‪ ،‬و أ�نا القا ِدر على ُك ّل‬
‫�َش ْيء‪َ ،‬أ� ْق ِدر على عقاب َم ْن ع�صاني وثوا ِب َم ْن أ�طاعني‪،‬‬

‫فا َّت ُقوا عقابي واطلبوا ثوابي‪.‬‬

‫‪ ٢٠‬واذكر ‪� -‬أيها الر�سول‪� -‬إذ قال مو�سى لقومه‪:‬‬

‫يا قوم اذكروا ِن َع َم الله عليكم‪ ،‬إ�ذ جعل منكم �أنبياء كثيرين‬
‫وجعلكم مالكين �َأ ْمر أ�نف�سكم بعد �أن كنتم ُم�ستع َبدين‬
‫لفرعون وقومه‪ ،‬و�أعطاكم ِم ْن نعمه ما لم يعط �أحداً من‬

‫�أه ِل‪ ‬زما ِنكم‪.‬‬

‫‪ ٢١‬يا قوم ادخلوا ا ألر�ض المط َّهر َة المبارك َة التي أ�مركم‬ ‫‪ ١٨‬وزعم ك ٌّل من اليهود والن�صارى �أن‪ ‬الله تعالى‬
‫الله بدخولها‪ ،‬ولا تنهزموا َخ ْو َف العد ِّو‪ ،‬وتنكلوا عن‬ ‫لهم كا ألب في الـ ُحن ِّو والعطف‪ ،‬و�أنهم له كا ألبناء فى‬
‫القرب والمنزلة‪ ،‬قل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬إ�ن �ص َّح ما‬
‫الجهاد‪ ،‬فتن�صرفوا خائبين‪.‬‬ ‫زعمتم َف ِل َم يعذبكم بذنوبكم؟ وقد ع َّذبكم في الدنيا‬
‫بالقتل والأ�سر والم�سخ‪ ،‬واعترفتم ب أ�نه �سيعذبكم بالنار‬
‫‪ ٢٢‬قال اليهود حينئ ٍذ ‪ُ -‬جبن ًا وج َزع ًا ِم ْن قتال‬
‫عدوهم‪ :-‬إ� َّن في ا ألر�ض التي ت�أمرنا بدخولها قوم ًا‬ ‫�أيام ًا معدودات‪ ،‬فلي�س ا ألمر كما َز َع ْم ُتم‪ ،‬بل �أنتم َخ ْلق‬
‫أ��شداء عظيمي ال ِخ ْلقة‪ ،‬لا طاق َة لنا ب َح ْربهم‪ ،‬ولا‬ ‫من بني �آدم‪� ،‬إ ْن َ�أ ْح َ�س ْن ُتم ُجو ِزي ُت ْم ب إ�ح�سانكم‪ ،‬و�إ ْن �أ�س�أتم‬
‫ن�ستطيع دخولها وهم فيها‪ ،‬ف إ� ْن يخر ْج منها ه�ؤلاء‬ ‫ُجو ِزي ُت ْم ب إ��ساء ِت ُك ْم مثل غيركم‪ ،‬لي�س لكم عند الله �إلا ما‬
‫لغيركم ِم ْن َخ ْلقه‪ ،‬ف إ� ّنه َي ْغ ِفر لمن �آمن به وبر�سله‪ ،‬ويعذب‬
‫القو ُم دخلناها‪.‬‬ ‫َم ْن كفر‪ ،‬ولله َت ْ� ِصيف ما في ال�سماوات وما في الأر�ض‬
‫وما بينهما‪ ،‬و إ�ليه المرجع والم�آل‪ ،‬وبيده الح�ساب‪ ‬والجزاء‪.‬‬
‫‪ ٢٣‬قال رجلان �صالحان ِم ْن قوم مو�سى ممن يخاف‬
‫الله ويراقبه‪َ ،‬أ� ْن َع َم الله عليهما بطاعة الله ور�سوله مو�سى‬ ‫‪ ١٩‬يا مع�شر اليهود والن�صارى قد جاءكم ر�سولنا‬
‫عليه ال�سلام‪ ،‬و�أزال الخو َف ِمن َن ْف َ�سيهما‪ :‬ادخلوا عليهم‬ ‫ُمح ّمد ‪ُ - -‬ي َع ِّرف ُكم الح ّق‪ ،‬وير�شدكم إ�لى ِدين‬
‫با َب مدينتهم‪ ،‬ف إ�ن الله معكم وهو نا�صركم‪ ،‬و�إنكم �إذا‬
‫دخلتم عليهم الباب َغ َل ْبتموهم‪ ،‬و ِث ُقوا بن�صر الله لكم‬
‫�إ ْن كنتم م�ص ِّدقين نب َّيكم فيما �أنب أ�كم به عن ربكم ِم َن‬

‫ال ُّنـ ْ�صة وال َّظـ َفـ ِر على عد ِّوكم‪.‬‬

‫‪١١١‬‬

‫‪ ٣١‬فبعث الله غراب ًا يحفر بمنقاره ورجليه حفر ًة في‬ ‫‪ ٢٤‬قال بنو إ��سرائيل لمو�سى‪� :‬إنا لن ندخل هذه القرية‬
‫ُم َّد َة حيا ِتنا‪ ،‬ما دام فيها ه�ؤلاء الجبابرة‪ ،‬فاذه ْب �أنت‬
‫الأر�ض ليدفن فيها غراب ًا ميت ًا؛ وذلك ليع ِّلمه كيف َي�ْس ُت‬
‫ُج ْثمان أ�خيه‪ ،‬فقال القاتل حينئ ٍذ متح�سراً‪ :‬أ�عجز ُت‬ ‫ور ُّبك فقاتلاهم‪� ،‬إ ّنا هاهنا قاعدون عن‪ ‬القتال‪.‬‬
‫�أن �أكون مثل هذا الغراب الذي وارى الغراب ا آلخر‬
‫الم ِّيت‪ ،‬ف ُأ�واري ُج ّث َة أ�خي؟ فواراه حينئ ٍذ ف�أ�صبح من‬ ‫‪ ٢٥‬حينئ ٍذ َغ ِ�ض َب مو�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬فدعا ربه‬
‫قائل ًا‪ :‬ر ِّب �إني لا أ�قدر على �إجبارهم‪ ،‬ولا �أملك �إلا‬
‫النادمين على �سوء فعلته‪.‬‬ ‫نف�سي و�أخي هارون‪ ،‬فاف�ص ْل بيننا وبين ه ؤ�لاء القوم‬

‫الخارجين عن طاعتك‪.‬‬

‫‪ ٢٦‬قال تعالى لمو�سى‪� :‬إ َّن هذه الأر�ض المق َّد�سة محرم ٌة‬
‫عليهم مد َة أ�ربعين �سنة‪ ،‬و�سيبقون ُم َّدتها يتح َّيون في‬
‫ا ألر�ض‪ ،‬فلا تحزن عليهم ألنهم قوم خرجوا عن طاعتي‬

‫وخالفوا �أمري‪.‬‬

‫‪ ٢٧‬وات ُل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬على ه�ؤلاء اليهود الذين‬
‫َه ُّموا �أن يب�سطوا أ�يد َيهم �إليكم ‪ -‬مع ِّرف ًا إ�ياهم مكرو َه‬
‫عاقب ِة ال ُّظل ِم والمكر‪ -‬خبر ابني آ�دم هابيل وقابيل؛ إ�ذ ق َّربا‬
‫ُقربان ًا فتق ّب َل الله قربا َن أ�حدهما ولم يتقبل قربان ا آلخر‪،‬‬
‫ف َح َ�سده فقال‪ :‬لأقتل ّنك! قال له هابيل‪� :‬إنما يتقبل الله‬
‫من الذين يخ�وشنه وي�ؤدون ما ك َّلفهم به‪ ،‬ويجتنبون ما‬

‫نهاهم عنه‪.‬‬

‫‪ ٢٨‬لئن مدد َت َي َد َك لتقتلني ما �أنا بما ٍّد ي ِدي �إليك‬
‫لقتلك‪� ،‬إني �أخاف الله ر َّب الخلائق �أجمعين‪.‬‬

‫‪� ٢٩‬إ ِّن ألرجو �أن يغفر الله لي بك ِّف يدي عن‬
‫قتلك‪ ،‬و َ ْت ِم َل وز َر القتل دوني‪ ،‬و َي ُح َّط ع ِّني ِمن ذنوبي‬
‫وتتحملها عني ب�سبب ظلمك وتع ِّديك عل ّي‪ ،‬فيكون‬
‫م�صي ُرك هو عذاب الله في نار جهنم‪ ،‬وهو جزاء ك ِّل‬

‫ظالم عقاب ًا من الله تعالى‪.‬‬

‫‪ ٣٠‬ف�َّسول ْت لقابيل نف ُ�سه َق ْت َل أ�خيه؛ فقتله بعد َتـ َم ُّن ٍع‬
‫منه عليها‪ ،‬ف�صار بذلك من الخائبين‪.‬‬

‫‪١١٢‬‬

‫والاعتدا ِء على ا ألنف�س وا ألموال‪ ،‬ف�إ َّن على الإمام‬

‫أ�ن ُين ِّفذ فيهم العقوبة التي تنا�سب الحا َل ِمن القت ِل أ�و‬
‫ال َّ�صل ِب‪� ،‬أو قط ِع ي ٍد ورج ٍل ِم ْن خلا ٍف ‪ -‬بمعنى‪ :‬تقطع‬
‫اليد اليمنى والرجل الي�سرى �أو العك�س‪� -‬أو نفيهم‪ ،‬وفي‬

‫ذلك إ�ذلال للمتج ِّبين ال�صائلين بالقوة على ال ّنا�س‪ ،‬و�أ ّما‬
‫الجزاء الحقيق ُّي على العدوان فهو جزاء ا آلخرة التي يلقى‬

‫فيها ه�ؤلاء عذاب ًا هائل ًا مهلا ًو‪.‬‬

‫‪� ٣٤‬إ ّل الذين تابوا من المف�سدين في ا ألر�ض والمحاربين‬

‫لله ور�سوله‪َ ،‬ق ْب َل القدر ِة عليهم والتم ُّكن منهم‪ ،‬ف إ�نه‬
‫َي�ْسقط عنهم ما �شرعه الله عقوب ًة لهم قبل ال ُقدرة عليهم‪،‬‬
‫من القتل �أو ال�صلب �أو القطع �أو النفي‪ ،‬واعلموا �أن الله‬

‫وا�سع المغفرة والرحمة‪.‬‬

‫‪ ٣٥‬يا أ�يها الذين �آمنوا خافوا الله وانتهوا عن مع�صيته‪،‬‬ ‫‪ ٣٢‬ب�سبب جناية اب ِن �آدم ال َقات ِل َ أ� َخا ُه ُظ ْلم ًا‪ ،‬وح ِّب‬
‫واطلبوا ما يق ِّربكم �إليه من طاعته‪ ،‬وجاهدوا في �سبيله‬ ‫الاعتداء في بع�ض النفو�س؛ ح َكمنا على بني �إ�سرائيل‬

‫لإعلاء دينه لعلكم تفوزون بكرامته وثوابه‪.‬‬ ‫�أنه َم ْن قتل نف�س ًا بريئة فك�أنما قتل النا�س جميع ًا فيما‬
‫ا�ستوجب ِم ْن عظيم العقوبة من الله عز وجل‪ .‬والـ ُجرم‬
‫‪ ٣٦‬إ�ن الذين جحدوا ربوبي َة الله‪ ،‬وعبدوا غيره‪،‬‬ ‫الذي َي�ْستوجب قت َل َمن ارتكبه هو َق ْت ُل نف� ٍس بريئة عمداً‬
‫وماتوا على ذلك‪ ،‬لو �أن لهم مل َك ما في ا ألر�ض ك ِّلها‪،‬‬ ‫ُعدوان ًا‪� ،‬أو إ�حدا ُث ف�سا ٍد ي�ستوجب �شرع ًا عقوبة القتل‪.‬‬
‫ومثل ذلك معه‪ ،‬و أ�رادوا أ�ن يجعلوه فدي ًة ألنف�سهم ِم ْن‬ ‫و َم ْن ح َّرم على نف�سه قتل َم َْن ح َّرم الله قت َله �أو ا�ستنق َذه‬
‫عذا ِب الله يوم القيامة‪ ،‬ما تق َّب َل الله ذلك منهم ِع َو�ض ًا ِم ْن‬ ‫ِم ْن مو ٍت فك�أنما �أحيا النا� َس جميع ًا فيما ا�ستجل َب من‬
‫عقابهم‪ ،‬وما نفعهم الافتدا ُء‪ ،‬بل اللهُمع ِّذبهم يوم القيامة‬ ‫عظيم ثواب الله جل ثنا ؤ�ه‪ ،‬ولقد �أت ْت بني إ��سرائيل ر�س ُلنا‬
‫بالـ ُح َجج الوا�ضحة على ِ�ص ْدقهم‪ ،‬ثم إ� َّن كثيراً منهم‬
‫عذاب ًا ُمو ِجع ًا‪.‬‬ ‫بعد مجيء الر�سل بالبينات لعاملون في ا ألر�ض بالمعا�صي‬

‫مخالفون ألمر‪ ‬الله ونهيه‪.‬‬

‫‪ ٣٣‬والذين َي�ْسعون في ا ألر�ض ف�ساداً بالمعا�صي‪،‬‬
‫ويحاربون الله ور�سوله‪ ،‬بقطع الطريق و�إخاف ِة ال�سبي ِل‪،‬‬

‫‪١١٣‬‬

‫‪ ٣٧‬يريد ه�ؤلاء الذين كفروا بربهم يوم القيامة �أَ ْن‬
‫يخرجوا من النار بعد دخولها‪ ،‬ولن يخرجوا منها‪،‬‬

‫ولهم عذاب دائم‪ ،‬لا يزول عنهم أ�بداً‪.‬‬

‫‪ ٣٨‬و َم ْن �َ َسق �سواء كان رجل ًا �أو امر�أة‪ ،‬فاقطعوا‬
‫يده‪ ،‬جزا ًء من الله على ما ارتكب‪ ،‬وعقوب ًة زاجر ًة‬
‫لغيره‪ ،‬والله عزيز لا يمتنع أ�ح ٌد ِم ْن عقابه‪ ،‬حكي ٌم في‬

‫ُحكمه وق�ضائه‪.‬‬

‫‪ ٣٩‬ف َم ْن رجع منهم عما يكرهه الله ِمن مع�صي ِته إ�ياه‬
‫إ�لى ما ير�ضاه ِمن طاعته‪ ،‬بعد اعتدائه و َع َم ِله ما نهاه‪ ‬الله‬
‫عنه ِم ْن �سرق ِة �أموال النا�س‪ ،‬و�أ�ص َل َح نف�سه َب َح ْم ِلها على‬
‫طاعة الله والتوبة إ�ليه‪ ،‬ف�إ َّن الله يقبل توبته ويتجاوز عنه‪،‬‬

‫�إنه وا�سع المغفرة والرحمة‪ ،‬ولذلك يقب ُل توب َة التائبين‪.‬‬

‫الباغون ال�س ّماعون للكذب‪ :‬إ�ن �أَ ْفتاكم محمد بما يوافق‬ ‫‪� ٤٠‬إنك تعلم ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬أ�ن الله مدبر ما في‬
‫هذا الكلام المح َّرف فاقبلوه منه‪ ،‬و إ� ْن لم ُي ْف ِتكم بذلك‬
‫فاحذروه‪ .‬فلا يحزنك ‪� -‬أيها الر�سو ُل‪ -‬ت�س ُّرعهم إ�لى‬ ‫ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬وم�ص ِّر ُفه وخالقه‪ ،‬لا يمتنع �شيء في‬
‫جحود نبوتك‪ ،‬فقد �سبق غ�ضبي إ�ليهم‪ ،‬فلا يتوبون‬ ‫واحدة منهما مما أ�راده‪ .‬وتوب ُة الله على َم ْن تاب �سارق ًا‬
‫كان أ�و غي َر �سارق‪ ،‬مما لا ينبغي �أن ينازع فيه أ�حد؛ لأن‬
‫ِم ْن �ضلالتهم‪� ،‬أولئك الذين لم ُي ِر ِد الله َأ� ْن يط ِّهر قلو َبهم‬ ‫الذي يقبل التوبة هو الله الذي له ملك كل �شيء‪ ،‬وله أ�ن‬
‫من َد َن�س الكفر و َو�َسخ ال�شرك بطهارة ا إل�سلام ونظافة‬
‫ا إليمان فيتوبوا‪ ،‬بل �أراد بهم ال ُّذ َل والهوا َن في الدنيا‪،‬‬ ‫يعذب َم ْن �شاء‪ ،‬و�أن يتوب على َم ْن �شاء‪ ،‬وهو �سبحانه‬
‫القدير الذي ال‪ ‬يعجزه �شيء ‪.‬‬
‫ولهم في ا آلخرة عذا ُب جهنم خالدين فيها أ�بداً‪.‬‬
‫‪ ٤١‬يا �أيها الر�سول لا َي ْح ُزنك ت�س ُّر ُع َمن ت�س ّرع من‬
‫ه ؤ�لاء المنافقين ‪ -‬الذين ُيظهرون ب�أل�سنتهم ت�صديقك‪،‬‬
‫وهم يعتقدون تكذيبك‪� -‬إلى الكفر بك‪ ،‬ولا ت�س ُّر ُع‬
‫اليهود �إلى جحود نب َّوتك‪ ،‬وهم ُي ْكثرون الا�ستما َع‬
‫إ�لى مفتريات �أحبارهم والا�ستجاب َة لها‪ ،‬و ُي ْكثرون‬
‫الا�ستما َع �إلى قوم آ�خرين لم ي�أتوك‪ ،‬يغ ِّيون �أحكا َم الله‬
‫في التوراة بعد َأ� ْن و�ضعها الله موا�ضعها‪ ،‬يقول ه�ؤلاء‬

‫‪١١٤‬‬

‫‪� ٤٤‬إنا أ�نزلنا التوراة فيها بيان ما �س�ألك عنه ه ؤ�لاء‬

‫اليهود ‪ -‬وهو حكم الزا ِن َي ْي الـ ُمح َ�ص َنين‪ -‬وهذه التوراة‬
‫َي ْح ُك ُم بها بين اليهود أ�نبيا�ُؤهم الذين أ��سلموا وجوههم‬
‫لله‪ ،‬ويح ُكم به الحكماء الربانيون‪ ،‬والعلماء بما ُ�أمروا‬

‫ِم ْن حف ِظ التوراة والعمل بها‪ ،‬وكانوا على حكم النب ِّيين‬
‫لليهود �شهدا َء �أنهم َق َ�ضوا عليهم بكتاب الله‪ ،‬فلا تخ�وشا‬
‫النا� َس في تنفيذ حكمي الذي حكم ُت به على عبادي‪،‬‬
‫ولكن اخ�وشني دون كل �أح ٍد ِم ْن خلقي‪ ،‬وخافوا عقابي‬
‫في كتمانكم ما ا�س ُتحفظتم من كتابي‪ ،‬ولا ت أ�خذوا أ�يها‬
‫ا ألحبا ُر بتر ِك الحكم ب�آيات كتابي الذي �أنزل ُته على‬
‫مو�سى ِعو�ض ًا خ�سي�س ًا‪ ،‬ومن ب َّد َل حك َم الله وغ َّيه‬

‫ف أ�ولئك هم الكافرون‪.‬‬

‫‪ ٤٥‬وفر�ضنا على ه�ؤلاء اليهود في التوراة أ�ن يحكموا‬ ‫‪ ٤٢‬ه�ؤلاء اليهود الذين و�صف ُت ل َك ‪� -‬أيها الر�سول‪-‬‬

‫في النف�س إ�ذا َقتل ْت نف�س ًا بالقتل‪ ،‬و أ�ن ُتفق أ� العي ُن بالعين‪،‬‬ ‫�صفتهم‪� ،‬س ّماعون ِل ِقيل الباطل والكذب‪ ،‬و َيقبلون‬
‫و ُيجدع ا ألن ُف با ألنف‪ ،‬و ُتقطع الأذ ُن با ألذن‪ ،‬و ُتقلع‬ ‫ال ِّر�شا في�أكلونها على كذبهم على الله و ِف ْر َيتهم عليه‪ ،‬ف إ� ْن‬
‫ال�ِّس ُّن بال�ِّسن‪ ،‬و ُيقت�ّص في الجراح بالجراح‪ ،‬ف َمن عفا‬ ‫جا�ؤوك فاحكم بينهم بالحق الذي جعله الله ُحكم ًا له‪،‬‬
‫وت�ص َّدق بحقه في الق�صا�ص على الجاني‪ ،‬كان هذا‬
‫�أو َدع الحك َم بينهم إ� ْن �شئت‪ ،‬والخيار في ذلك إ�ليك‪،‬‬
‫الت�ص ُّدق كفار ًة له‪ ،‬يمحو الله بها قدراً من ذنوبه‪ ،‬و َمن لم‬ ‫و إ� ْن ُتع ِر�ْض عن المحت ِكمين �إليك من أ�هل الكتاب‪ ،‬فلن‬
‫يحكم بما أ�نزل الله في الق�صا�ص وغيره‪ ،‬فهو من الجائرين‬
‫يقدروا على ُ� ٍّض لك في دي ٍن وال‪ ‬دنيا‪ ،‬و إ�ن اختر َت أ�ن‬
‫عن حكم الله‪ ،‬الوا�ضعين ا أل�شياء في غير موا�ضعها‪.‬‬ ‫تحكم بينهم فاحكم بالعدل‪ ،‬إ� ّن‪ ‬الله يح ُّب العادلين في‬

‫حكمهم بين النا�س‪.‬‬

‫‪ ٤٣‬وكيف يح ِّكمك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬ه ؤ�لاء اليهود‬

‫بينهم‪ ،‬وعندهم التوراة التي �أنزل ُتها على مو�سى والتي‬
‫ُي ِق ُّرون بها‪ ،‬و�أن ما فيها حكمي‪ ،‬فيتركون الحكم به‪،‬‬
‫جراء ًة عل َّي وع�صيان ًا لي‪ ،‬ولي�س ِف ْع ُل َم ْن تو ّلى عن حكم‬

‫الله ِم ْن أ�فعا ِل أ�ه ِل ا إليما ِن‪.‬‬

‫‪١١٥‬‬

‫‪ ٤٦‬و َأ� ْتبعنا على �آثار النب ِّيين الذين أ��سلموا وجوههم‬
‫لله تعالى ِمن َق ْب ُل عي�سى اب َن مريم‪ ،‬ناهج ًا على َن ْهجهم‬
‫في الخ�وضع لله وا إلخلا�ص له‪ ،‬وم�ص ِّدق ًا بالكتاب‬

‫الذي �أنزلنا على مو�سى‪ ،‬و�أنزلنا �إليه الإنجيل‪ ،‬فيه بيا ٌن‬

‫لحكم‪ ‬الله في زمانه‪ ،‬و�ضيا ٌء ِمن َع َمى الجهالة‪ ،‬وم َّتبع ًا‬
‫لما في التوراة من ا ألحكام �إلا ما ُن�سخ‪ ،‬وجعلنا الإنجيل‬

‫ُهد ًى ُيهدى به‪ ،‬وزاجراً عن ارتكاب المحارم لمن خاف‬
‫وعيد الله وعقابه‪.‬‬

‫‪ ٤٧‬و ْلي�ؤم ْن �أه ُل الإنجيل بجميع ما فيه‪ ،‬و ْليقيموا‬
‫ما ُ�أمروا به فيه‪ ،‬والذين يتركون الحكم بما �أنزل‪ ‬الله‬

‫هم الخارجون عن طاعة ربهم‪ ،‬المائلون �إلى الباطل‬

‫التاركون للحق‪.‬‬

‫‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬ه ؤ�لاء اليهود الذين جا ؤ�وك محتكمين‬ ‫‪ ٤٨‬و�أنزلنا �إليك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬القر�آن بالحق‬
‫�إليك أ�ن ي�ص ُّدوك عن بع�ض ما أ�نزل الله �إليك ِم ْن ُح ْك ٍم‬ ‫الذي لا �شك فيه‪ ،‬م�صدق ًا لما قبله من الكتب‪ ،‬وحاكم ًا‬
‫في كتابه‪ ،‬فيحملوك على ترك العمل به وا ِّتباع أ�هوائهم‪،‬‬
‫و�شاهداً عليها‪ ،‬فاحكم بين �أهل الكتاب إ�ذا احتكموا‬
‫ف�إن تركوا العمل بما حكم َت به عليهم‪ ،‬فاعلم أ�نهم لم‬
‫يتولوا عن الر�ضا بحكمك ‪ -‬وقد ق�ضي َت بالحق‪� -‬إلا‬ ‫إ�ليك بما �أنزل الله إ�ليك‪ ،‬ولا تترك َّن الـ ُحكم بما �أنزله‬
‫لأن الله يريد أ�ن يتع ّج َل عقوب َتهم في الدنيا ببع�ض ما قد‬ ‫�إليك ا ّتباع ًا منك ألهوائهم‪ ،‬عادل ًا بذلك ع ّما جاءك من‬
‫�سل َف ِم ْن ذنوبهم‪ ،‬و�إ ّن كثيراً من اليهود لتاركون للعمل‬ ‫الحق‪ ،‬لك ٍّل منكم �أيها الأمم جعلنا �شريع ًة وطريق ًا وا�ضح ًا‬

‫بكتاب الله‪ ،‬خارجون عن طاعته‪.‬‬ ‫في الدين تم�وشن عليه‪ ،‬ولو �شاء ر ُّبكم لجعل �شرائعكم‬
‫واحد ًة‪ ،‬ولم يجعل لكل أ�م ٍة �شريع ًة‪ ،‬ولكن ف َّرقكم ِفرق ًا‬
‫‪� ٥٠‬أيبتغي ه ؤ�لاء اليهود الذين احتكموا �إليك فلم‬ ‫ليختبركم فيما آ�تاكم من ال�شرائع المختلفة‪ ،‬ل َي ْن ُظر المطي َع‬
‫منكم والعا�صي‪ ،‬ف�سارعوا �إلى ال�صالحات من الأعمال‬
‫ير�وضا بحكمك ‪ -‬وقد حكم َت فيهم بالق�سط‪ -‬حك َم‬
‫�أه ِل الجاهلية‪ ،‬الذي يقوم على متابعة الهوى‪ ،‬و َم ْن هذا‬ ‫وال ُقرب �إلى ربكم‪� ،‬إلى الله مرجعكم جميع ًا بالبعث‪،‬‬
‫الذي هو أ�ح�س ُن ُحكم ًا ‪ -‬أ�يها اليهود‪ -‬من الله تعالى‪،‬‬
‫فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون من �أمر الدين‪ ،‬ويجزي‬
‫عند َم ْن َع َق َل عن الله �َ ْش َع ُه و آ�م َن به و أ�يق َن؟!‬
‫ك ّ ًل منكم بعمله‪.‬‬

‫‪ ٤٩‬و�أ ِن ا ْح ُكم بينهم ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬بحكم الله‬
‫الذي �أنزله �إليك في كتابه‪ ،‬ولا ت َّتبع أ�هواءهم‪ ،‬واحذر‬

‫‪١١٦‬‬

‫‪ ٥٣‬ويقول الم�ؤمنون ال�صادقون في وقت �إظهار‪ ‬الله‬

‫نفاق المنافقين‪ ،‬تع ُّجب ًا ِم ْن حالهم‪� :‬أه ؤ�لاء الذين بالغوا‬
‫في الاجتهاد في الق َ�سم إ�نهم لمعنا و ِم ْن أ�ن�صارنا؟! َب َط َل‬
‫ك ُّل خير عملوه‪ ،‬لنفاقهم وموالاتهم لليهود‪ ،‬خ�سروا‬
‫في الدنيا لافت�ضاحهم‪ ،‬وفي الآخرة لما ينتظ ُرهم ِم َن‬

‫العذاب المقيم‪.‬‬

‫‪ ٥٤‬يا أ�يها الذين �ص َّدقوا الله ور�سوله‪ ،‬و�أقروا بما‬ ‫‪ ٥١‬يا �أيها الذين آ�منوا لا تتخذوا اليهود والن�صارى‬
‫جاءهم به نبيهم محمد ‪َ - -‬م ْن يرج ْع منكم عن‬
‫دينه الحق‪ ،‬ويغي ْره بدخوله في الكفر فلن ي�ضر الله �شيئ ًا‪،‬‬ ‫حلفاء ُتوالونهم و ُتوا ّدونهم‪ ،‬فهم ُممعون على‬
‫و�سي أ�تي الله بقو ٍم ُيح ُّبهم ويح ُّبونه‪ ،‬متوا�ضعين للم ؤ�منين‬ ‫عداوتكم‪ ،‬وبع�ضهم أ�ن�صا ٌر لبع�ض عليكم‪ ،‬و َمن يتو َّل‬
‫رحماء بهم‪ ،‬أ��شداء على الكفار ُغ َلظاء عليهم‪ ،‬يجاهدون‬ ‫اليهود والن�صارى دون الم�ؤمنين فهو ِمن ُج ْملتهم‬
‫‪ -‬وهذا تنفي ٌر ِم ْن موالاتهم دون الم ؤ�منين بعد النهي‬
‫في قتال أ�عداء الله‪ ،‬على ال َّن ْح ِو الذي أ�مرهم الله به‪،‬‬ ‫عنه‪� -‬إ ّن الله لا يو ِّفق الظالمين الذي و�ضعوا اللاوية في‬
‫والوج ِه الذي أ�َ ِذ َن لهم فيه‪ ،‬ولا يخافون في ذات الله‬
‫�أحداً‪ ،‬وهذه ال�صفات َف ْ�ض ٌل من الله تف َّ�ضل بها عليهم‪،‬‬ ‫غير‪ ‬مو�ضعها‪.‬‬
‫والله يتف�ضل على َم ْن ي�شاء من خلقه‪ ،‬وهو كثي ُر الف�ضل‪،‬‬
‫‪ ٥٢‬فترى الذين في قلوبهم �ش ٌّك و َر ْي ٌب ونفا ٌق‬
‫علي ٌم بـ َم ْن هو �أَ ْهله‪.‬‬ ‫يبادرون �إلى موالاتهم‪ ،‬ومودتهم في الظاهر والباطن‪،‬‬
‫يقولون معتذرين عن موالاتهم‪ :‬نخاف َ�أ ْن ت�صيبنا‬
‫‪ ٥٥‬لي�س لكم ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬نا�صرٌ �إلا الله ور�سوله‪،‬‬ ‫دائرة يدور بها الدهر علينا‪ِ ،‬م ْن َج ْد ٍب أ�و َغ َلب ٍة‪ ،‬ولا‬
‫والم�ؤمنون الذين ي ؤ� ُّدون ال�صلاة تام َة الأركا ِن وال�شروط‪،‬‬ ‫يت ّم أ�م ُر محم ٍد و أ��صحابه فلا ي�ساعدونا‪ ،‬فع�سى الله أ�ن‬
‫و ُيخرجون زكاة �أموالهم �إذا وجب ْت عليهم‪ ،‬وهم‬ ‫ي أ�تي بالن�صر لنب ِّيه ب إ�ظهار دينه‪� ،‬أو يهتك �ستر المنافقين‬
‫ويف�ضحهم‪ ،‬في�صبحوا على ما أ��س ُّروا في أ�نف�سهم من‬
‫خا�ضعون لله‪.‬‬
‫ال�ش ِّك وموالاة الكفار نادمين‪.‬‬
‫‪ ٥٦‬و َمن يث ْق بالله‪ ،‬ويتو َّل الله ور�سوله والم ؤ�منين‪،‬‬
‫ف�إن له ال َغ َل َبة والن�صر على َم ْن عاداه‪ ،‬ألن �أن�صار الله هم‬

‫الغالبون ِل َن ْ� ِصه‪  ‬إ�ياهم‪.‬‬

‫‪ ٥٧‬يا أ�يها الذين �ص ّدقوا الله ور�سوله لا ُتوالوا الذين‬
‫يتخذون دينكم �سخري ًة ولهواً من اليهود والن�صارى‬
‫و�سائر الكفار‪ ،‬واتقوا الله بتر ِك موالا ِتهم �إن كنتم‬

‫�صادقين في �إيمانكم‪.‬‬

‫‪١١٧‬‬

‫والزور‪ ،‬و أ�كلهم �أموال النا�س بالباطل‪ ،‬فلبئ�س ما �صنعوا‬ ‫‪ ٥٨‬و إ�ذا أ� ّذن م ؤ� ّذنكم أ�يها الم�ؤمنون بال�صلاة‪َ� ،‬سـ ِخـ َر‬
‫ِم ْن َت ْر ِكهم الن�صيحة والنهي عن المع�صية‪.‬‬ ‫ِم ْن دعوتكم إ�ليها ه�ؤلاء الكفار من اليهود والن�صارى‬
‫والم�شركين‪ ،‬و ُهـ ْز ُ�ؤهم ولع ُبهم ذلك إ�نما يفعلونه لجهلهم‬
‫‪ ٦٤‬وقالت اليهود‪ :‬إ�ن الله بخيل قد قب�ض يده بالعطاء‬ ‫بربهم‪ ،‬لأنهم لا يعقلون ما لهم في �إجابتهم �إلى ال�صلاة‬
‫عنا وق َّت علينا‪ُ .‬ق ِب َ�ض ْت �أيديهم ُه ْم َع ْن ِف ْع ِل الخير و ُ�أبعدوا‬ ‫إ�ن أ�جابوا‪ ،‬وما عليهم في ا�ستهزائهم ولعبهم من‬
‫من رحمة الله بما قالوا‪ ،‬بل يداه مب�سوطتان بالرزق‬
‫العقاب‪ ،‬ولو عقلوا ما فعلوه‪.‬‬
‫والعطاء‪ ،‬ينفق كيف ي�شاء تو�سيع ًا وت�ضييق ًا‪ ،‬لا اعترا�ض‬
‫عليه‪ ،‬و إ� َّن ما أ�نزل الله �إليك من القر�آن ليزيد كثيراً منهم‬ ‫‪ ٥٩‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لأهل الكتاب من اليهود‬
‫ظلم ًا وكفراً‪ ،‬لما فيهم ِم ْن حق ٍد وح�س ٍد‪ .‬و أ�َثَ ْرنا بينهم‬ ‫والن�صارى‪ :‬هل لكم علينا َم ْطعن �أو عيب‪� ،‬إلا �أن �ص ّدقنا‬
‫العداو َة والبغ�ضا َء �إلى يوم القيامة‪ ،‬كلما أ�رادوا محاربة‬ ‫بالله و أ�قررنا بوحدانيته‪ ،‬وبما أ�ُنزل إ�لينا من الكتاب‪،‬‬
‫�أح ٍد ُغلبوا و ُقهروا‪ ،‬ومهما �أرادوا إ��شعال نار الحرب على‬ ‫وما ُأ�نزل �إلى ا ألنبياء ِمن َق ْب ُل ِمن ك ُت ٍب‪ ،‬و أ� ّن �أكثركم‬
‫ر�سول الله �أطف أ�ها الله‪ ،‬ور َّد كيدهم إ�لى نحورهم‪ ،‬وهم‬
‫يجتهدون في الف�ساد في الأر�ض بعملهم بالمعا�صي‪،‬‬ ‫خارجون عن ال�صراط الم�ستقيم؟!‬

‫والله لا يح ُّب َم ْن كانت هذه �صفته‪.‬‬ ‫‪ ٦٠‬قل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬هل �أُخبركم ب�ش ٍّر ِم ْن‬
‫ذلك جزاء عند الله؟ هو َم ْن أ�بعده ِم ْن رحمته وح ّل عليه‬
‫غ�ضبه ونقمته وعا َقبهم بالم�سخ قرد ًة وخنازي َر و َج َع َل‬
‫منهم َم ْن َع َب َد ال�شيطان‪ ،‬فهم بهذه ا ألو�صاف �ش ٌّر منزل ًة‬

‫في الآخرة‪ ،‬و�أكثر �ضلال ًا عن طريق الحق الم�ستقيم‪.‬‬

‫‪ ٦١‬و إ�ذا جاءكم �أيها الم ؤ�منون ه ؤ�لاء المنافقون من‬
‫اليهود‪ ،‬قالوا لكم‪� :‬ص ّدقنا بما جاء به نب ُّيكم‪ ،‬وا ّتبعناه‬
‫على دينه‪ ،‬وهم مقيمون على كفرهم‪ ،‬قد خرجوا من‬
‫عندكم ُم�ص ِّرين على الكفر الذي دخلوا به‪ ،‬يظنون‬
‫‪ -‬جهل ًا منهم‪ -‬أ� ّن ِفع َلهم ذلك يخفى على‪ ‬الله‪ ،‬واللهُ‬

‫�أعل ُم بما كانوا يكتمون من النفاق‪.‬‬

‫‪ ٦٢‬وترى ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬كثيراً من ه�ؤلاء اليهود‬
‫ي�سارع في مع�صية الله وخلا ِف َ�أ ْمره‪ ،‬ويتعدون حدوده‬
‫في الحلال والحرام‪ ،‬وي�أكلون أ�موال النا�س بالباطل‪،‬‬

‫وبئ�س تلك القبائح التي يعملون‪.‬‬

‫‪ ٦٣‬ه ّل ينهى ه�ؤلا ِء الم�سارعي َن في المعا�صي و أ�ك ِل‬
‫الحرام علما�ُؤهم وفقها�ؤُهم‪ ،‬عن قولهم الكذب‬

‫‪١١٨‬‬

‫ينالك �أحد ب�سوء‪� ،‬إن الله لا يو ّفق للر�شد َم ْن حا َد عن‬
‫طريق الحق‪ ،‬وجار عن ق�صد ال�سبيل‪.‬‬

‫‪ ٦٨‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء اليهود والن�صارى‪:‬‬
‫ل�ستم على �شي ٍء مما ت ّدعون أ�نكم عليه‪ ،‬حتى تعملوا بما‬
‫في التوراة والإنجيل‪ ،‬وبما �أُنزل �إليكم من ربكم مما أ�وحى‬
‫الله به إ�لى محمد ‪ - -‬وت�ؤمنوا بذلك ك ِّله‪ .‬وليزيد ّن‬

‫كثيراً من ه ؤ�لاء اليهود ما ُن ِّزل عليك من القر آ�ن ُغل ّواً في‬
‫التكذيب وجحوداً لنبوتك‪ ،‬فلا تحزن على تكذيبهم‪،‬‬

‫فتلك عادتهم مع ا ألنبياء من قبلك‪.‬‬

‫‪ ٦٩‬إ�ن الذين �ص ّدقوا بالله ور�سوله ‪ -‬وهم �أهل‬ ‫‪ ٦٥‬ولو �أ ّن اليهود والن�صارى �آمنوا بالله وبر�سوله‬
‫وفعلوا ما �أمرهم الله به‪ ،‬وانتهوا عما نهاهم‪ ‬الله عنه‪،‬‬
‫ا إل�سلام‪ -‬واليهو َد‪ ،‬وجمي َع َمن اهتدى إ�لى ترك الأوثان‬ ‫لمحونا عنهم ذنوبهم‪ ،‬و ألدخلناهم جنات ينعمون فيها‬
‫وعبادة‪ ‬الله وحده‪ ،‬والن�صارى‪َ ،‬م ْن آ�من ِم ْن ه ؤ�لاء جميع ًا‬
‫بالله واليوم الآخر‪ ،‬ف�ص ّدق بالبعث بعد الممات‪ ،‬و َع ِم َل‬ ‫بما ي�شا ؤ�ون‪.‬‬
‫�صالح ًا ِلـ َمعاده ‪ -‬ك ٌّل في زمانه‪ -‬فلا خو ٌف عليهم من‬
‫أ�هوال القيامة‪ ،‬ولا هم يحزنون على ما خ ّلفوا وراءهم‬ ‫‪ ٦٦‬ولو �أنهم عملوا بما في التوراة والإنجيل‪ ،‬وما‬
‫�ُأنزل إ�ليهم من الكتب‪ ،‬و آ�منوا بما فيها من الب�شارة‬
‫من الدنيا‪.‬‬ ‫بمحمد ‪ - -‬لو�ّسع الله عليهم الرزق‪ ،‬و�أفا�ضه عليهم‬
‫من كل جهة‪ .‬وهم لي�سوا �سوا ًء فمنهم جماعة عادل ٌة ‪ ‬ال‬
‫‪ ٧٠‬لقد أ�خذنا ميثاق بني إ��سرائيل على ا إلخلا�ص‬
‫غالي ٌة ولا مق ّ�ص ٌة‪ ،‬وكثي ٌر منهم بئ�س ما يعملون‪.‬‬
‫والتوحيد‪ ،‬والإيمان بالر�سل جميع ًا‪ ،‬فل ّما �أر�سلنا �إليهم‬
‫بذلك ُر�سل ًا مب�شرين ومنذرين نق�وضا الميثاق‪ ،‬فكلما‬ ‫‪ ٦٧‬يا أ�يها الر�سول ب ِّلغ جميع ما �أُنزل إ�ليك من ربك‪،‬‬
‫جاءهم ر�سو ٌل منهم بما لا ت�شتهيه نفو�ُسهم‪ ،‬ولا يوافق‬ ‫ولا تكتم �شيئ ًا منه خوف ًا �أن ُتنال بمكروه‪ ،‬ف إ�ن لم ُتب ِّلغ‬
‫�أهوا َءهم نا�صبوه ال َع َداء‪ ،‬فك َّذبوا منهم فريق ًا‪ ،‬وقتلوا‬ ‫جميع ما �أُنزل إ�ليك فما ب ّلغ َت ر�سالته‪ ،‬لأن كتمان‬
‫بع�ضها ككتمان ك ِّلها‪ ،‬والله ي�وصنك ويحفظك من أ�ن‬
‫فريق ًا‪ ،‬نق�ض ًا للميثاق‪ ،‬و َجراء ًة على الله‪.‬‬

‫‪١١٩‬‬

‫‪ ٧٦‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء الكفرة من الن�صارى‬ ‫‪ ٧١‬وظ َّن ه ؤ�لاء �أ ّل يكون من الله لهم ابتلا ٌء بال�شدائد‬
‫من العقوبات بما كانوا يفعلون‪ ،‬فعموا عن الحق فلم‬
‫الزاعمين �أن الم�سيح ر ّبهم‪ ،‬والقائلين �إن الله ثالث ثلاث ٍة‪:‬‬
‫أ�تعبدون ِم ْن دون الله ما لا ي�ض ُّركم ولا ينفعكم؟! والله‬ ‫يب�صروه‪ ،‬و َ�ص ُّموا عنه فلم ي�سمعوه‪ ،‬ثم تاب الله عليهم‬
‫هو ال�سمي ُع لا�ستغفارهم لو ا�ستغفروه ِم ْن مزاعمهم‬ ‫لـ ّما تابوا‪ ،‬ثم عمي كثي ٌر منهم و�ص ُّموا ثاني ًا‪ ،‬والله ب�صير‬

‫الباطلة‪ ،‬العلي ُم بتوبتهم لو تابوا إ�ليه منها‪ ،‬فهو الذي‬ ‫بما يعملون فيجازيهم به‪.‬‬
‫ي�ستح ُّق العباد َة وحده‪.‬‬
‫‪ ٧٢‬لقد كفر الذين قالوا‪ :‬إ�ن الله هو الم�سيح ابن‬

‫مريم‪ .‬وقال لهم الم�سيح‪ :‬يا بني إ��سرائيل اعبدوا الله ربي‬

‫وربكم‪ ،‬ف إ�ني عب ٌد ول�ست ب إ�له‪ ،‬إ�نه َم ْن ي�شرك بالله فقد‬
‫َم َن َع اللهُ عليه دخول الجنة‪ ،‬وم أ�واه النار‪ ،‬وما للظالمين‬

‫أ�ن�صا ٌر يمنعونهم من عذاب الله‪.‬‬

‫‪ ٧٣‬لقد كفر بالله الذين قالوا‪� :‬إن الله �أحد آ�له ٍة ثلاث ٍة!!‬

‫ولي�س في الوجود �إلا �إل ٌه واح ٌد مو�وص ٌف بالوحدانية‪ ،‬لا‬
‫ثاني له‪ ،‬وهو الله وحده لا �شريك له‪ ،‬و إ�ن لم ينته الكفا ُر‬
‫ع ّما يقولون في الله ِم ْن عظيم القول‪ ،‬ليم�ّسنهم عذا ٌب‬

‫�ألي ٌم ب�سبب كفرهم‪.‬‬

‫‪ ٧٤‬أ�فلا يرجع ه ؤ�لاء الكفار عن عقائدهم الزائفة‬

‫وي�س�ألون ربهم المغفرة مما قالوا؟ والله غفو ٌر لذنوب‬
‫التائبين ِم ْن خلقه‪ ،‬رحي ٌم بهم في قبول توبتهم‪.‬‬

‫‪ ٧٥‬لي�س الم�سيح ابن مريم إ�لا ر�سو ٌل ِم ْن ِج ْن�ِس الر�سل‬
‫الذين َخ َلوا ِم ْن قبله‪ ،‬وقد أ�تى بالمعجزات الدالة على‬
‫�صدقه‪ ،‬كما �أ ّن الذين ِم ْن قبله أ�توا بالمعجزات الدالة على‬
‫�صدقهم‪ ،‬و أ�ُ ُّمـه ُط ِب َع ْت على ال�صدق في قولها والت�صديق‬
‫بربها‪ ،‬كانا ب�شرين ي�أكلان الطعام‪ ،‬ويعي�شان به ك�سائر‬

‫بني �آدم‪ ،‬انظر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬كيف نب ّي لهم ا آليات‬
‫على وحدانيتنا‪ ،‬ثم انظر كيف ُي ْ� َصفون عن الح ِّق بعد‬

‫قيام البرهان!‬

‫‪١٢٠‬‬

‫‪ ٨٠‬ترى ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬كثيراً من بني إ��سرائيل‬

‫يتو ّلون الم�شركين ِم ْن َعبد ِة الأوثان‪ ،‬ويعادون ُر�ُسل الله‬
‫و�أولياءه‪ ،‬لبئ�س ال�شيء الذي ق ّدم ْت لهم �أن ُف�سهم �أمامهم‬
‫في الآخرة‪ ،‬ق ّدم ْت لهم �ُسخ َط الله عليهم بما فعلوا‪ .‬وهم‬

‫في عذاب الله يوم القيامة ماكثون‪ ‬مقيمون‪.‬‬

‫‪ ٨١‬ولو كان ه�ؤلاء الذين يتولّون الم�شركين ِم ْن بني‬ ‫‪ ٧٧‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬له ؤ�لاء الـ ُمغالين من الن�صارى‬
‫إ��سرائيل ي�ؤمنون بالله‪ ،‬وي�ص ّدقون بمحمد ‪ - -‬و أ�نه‬ ‫في الم�سيح‪ :‬لا ُت ْف ِرطوا في القول في أ�مر الم�سيح‪ ،‬فتجاوزوا‬
‫نب ٌّي مبعو ٌث �إلى كا ّف ِة الخلق‪ ،‬وي�ؤمنون بالقر�آن الذي‬ ‫فيه الحق إ�لى الباطل‪ ،‬فتقولوا‪ :‬هو الله‪� ،‬أو هو ابنه! ولكن‬
‫�أُنزل �إليه ِم ْن ربه‪ ،‬ما اتخذوا الكفا َر أ�ن�صاراً ِم ْن دون‬ ‫قولوا‪ :‬هو عبد الله‪ ،‬وال‪ ‬تف ِّرطوا في �أمره‪ ،‬ف َت َّت ِبعوا �أهواء‬
‫الم ؤ�منين‪ ،‬ولك ّن أ�كثرهم خارجون عن طاعة الله و أ�مره‪.‬‬ ‫اليهود الذين قد �ض ُّلوا قبلكم عن �سبيل الهدى‪ ،‬فافتروا‬
‫على ُ�أ ِّمه بهتان ًا‪ ،‬و أ��ضلوا كثيراً من النا�س‪ ،‬و َر ِكبوا غير‬
‫‪ ٨٢‬والل ِه لتجد ّن ‪ -‬أ�يها الر�سول‪� -‬أ�ش َّد النا�س عداو ًة‬
‫لك وللذين اتبعوك و�ص َّدقوك اليهو َد وعبد َة الأوثان‪،‬‬ ‫َمـ َح َّجـة الح ّق‪ ،‬وحادوا عن َق ْ�صد‪ ‬ال�سبيل‪.‬‬
‫ولتجد ّن �أقر َب النا�س مود ًة لك ولمن اتبعك �أتبا َع عي�سى‪،‬‬
‫الذين �َس ّموا �أنف�سهم ن�صارى؛ أل َّن فيهم ق�سي�سين ُيع ِّلمون‬ ‫‪ ٧٨‬وب�سبب تمر ُّدهم عن طاعة الله‪ ،‬وتماديهم في الظلم‬
‫دينهم‪ ،‬ورهبان ًا يخ�وشن ربهم‪ ،‬و ألنهم لا ي�ستكبرون‬ ‫والف�ساد‪ ،‬طر َدهم اللهُ من رحمته‪ ،‬و�أنزل هذا في الزبور‬
‫على نب ِّيه داود‪ ،‬وفي الإنجيل على نبيه عي�سى‪ ‬ابن‪ ‬مريم‪.‬‬
‫عن �سماع الحق‪ .‬وهذه ا آلية نزلت في �أتباع �شمعون‬
‫‪ ٧٩‬كان ه�ؤلاء اليهود لا ينتهون عن معا�صي‪ ‬الله‪ ،‬ولا‬
‫‪ -‬أ�حد الحواريين لعي�سى عليه ال�سلام‪ -‬الذين كانوا‬ ‫ينهى بع ُ�ضهم بع�ض ًا‪ ،‬ولبئ�س الفع ُل الذي كانوا يفعلون؛‬
‫في تركهم التناهي عن معا�صي‪ ‬الله‪ ،‬و ُركوب َمحارمه‪.‬‬
‫يحبون كلمة «ن�صارى» ومعظ ُم ه�ؤلاء دخلوا في‬
‫ا إل�سلام ‪ -‬ومنهم النجا�شي‪ -‬و ِمن َث َّم قال تعالى‪} :‬ﭑ‬ ‫‪١٢١‬‬
‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ‬

‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬

‫ﭦ{ ‪ -‬أ�ي‪ :‬دخلوا في ا إل�سلام‪ -‬بينما الفريق‬

‫الآخر من الن�صارى ‪ -‬وهم أ�تباع بول�س‪ -‬الذي ح ّرف‬
‫الن�صرانية ‪ -‬فه ؤ�لاء لا يحبون كلمة «ن�صارى» ألنها في‬

‫زعمهم ن�سبة �إلى «نا�صرة»‪ ،‬وهي بلدة حقيرة ‪ -‬في‬
‫زعمهم‪ -‬و ِم ْن َث ّم نجد ا ألناجي َل في أ�يدي الن�صارى‬
‫لا تذكر هذه الكلمة‪ ،‬و َت�ْستعي�ض عنها بالم�سيح ّية‬

‫والم�سيح ِّيين‪.‬‬

‫‪ ٨٣‬و�إذا �سمعوا ما �أُنزل �إليك ‪� -‬أيها الر�سول‪-‬‬

‫من آ�يات القر آ�ن‪ ،‬ت أ� ّثر ْت به قلوبهم‪ ،‬و َخ َ�شع ْت له‬
‫نفو�ُسهم‪ ،‬فترى �أعي َنهم تفي�ض دمع ًا‪ِ ،‬من �أجل ما عرفوا‬
‫فيه من الحق الذي ب َّينه لهم‪ ،‬يقولون‪ :‬ربنا �آمنا بكتابك‬
‫ونبيك‪ ،‬فاكتبنا مع أ�ُ ّمة محم ٍد الذين ي ؤ�منون بك‪،‬‬

‫وي�شهدون ب�صدق نبيك وكتابك‪.‬‬

‫‪ ٨٩‬لا ُيعاقبكم الله ب أ�يمانكم التي �َس َب َق ْت على الل�سان‬ ‫‪ ٨٤‬و�أ ُّي مان ٍع يمنعنا من �أن نق َّر بوحدانية الله‪ ،‬ون ؤ�من بما‬
‫ِمن غير َق ْ�ص ِد الحل ِف‪ ،‬و إ�نما يعاقبكم ب أ�يمانكم التي‬ ‫جاءنا من الحق المنزل على محمد ‪ - -‬ونحن نرجو‬
‫�أق�سمتم عليها و�أنتم قا�صدون لل َحلف‪� ،‬إذا َح َن ْثتم فيها‪،‬‬
‫ف إ�ذا َح َن َث �أح ُدكم في يمينه فالواج ُب عليه لتكفير هذا‬ ‫بذلك أ�ن ُيدخلنا ربنا الجنة مع �أهل طاعته يوم‪ ‬القيامة؟‬
‫اليمين �أن ُيطعم ع�شر ًة من الفقراء والم�ساكين من الطعام‬
‫ال َو�َس ِط الذي يطعم منه أ�هله‪� ،‬أو ك�سو ُة ع�شر ِة م�ساكين‪،‬‬ ‫‪ ٨٥‬فجزاهم الله على إ�يمانهم‪ ،‬واعترافهم بالحق‬
‫�أو ُيح ِّرر عبداً مملوك ًا من ال ِّرق‪ ،‬ف َم ْن لم يج ْد �شيئ ًا من‬ ‫و ِ�ص ْد ِقهم فيما قالوا‪ ،‬ال ُخ ْل َد في جنات ال ّنعيم‪ ،‬التي تجري‬
‫ا ألمور المذكورة �أو عجز عنها‪ ،‬فعليه حينئ ٍذ �أن ي�وصم‬ ‫ا ألنها ُر تحت أ��شجارها وق�وصرها‪ ،‬وذلك هو جزاء‬

‫ثلاثة أ�يام‪ ،‬فهذه ك ّفارة الحنث في اليمين‪ ،‬و�وصنوا أ�يها‬ ‫المح�سنين في ا ِّتبا ِعهم الح َّق وانقيادهم له‪.‬‬
‫الم�ؤمنون �أيما َنكم عن �أَ ْن ت�ضعوها في غير مو�ضعها‪،‬‬
‫‪ ٨٦‬و أ� ّما الذين جحدوا توحيد الله‪ ،‬و�أنكروا نبوة‬
‫�أو أ�ن َتـ ْحنثوا فيها‪ ،‬وكما ب َّي اللهُ لكم حكم الأيمان‬ ‫محم ٍد ‪ - -‬وك ّذبوا ب آ�يات كتابه‪ ،‬ف�أولئك �أه ُل‬
‫وا�ضح ًا مف َّ�صلا ُيب ِّي لكم �أحكا َم دينه؛ لت�شكروه تعالى‬
‫الجحيم المع َّذبون فيها الملازمون لها‪.‬‬
‫على هدايته �إياكم‪ ،‬وتقوموا بطاعته‪.‬‬
‫‪ ٨٧‬يا أ�يها الذين �آمنوا‪ ،‬لا ُت ّرموا على أ�نف�سكم التمت َع‬
‫بما أ�ح َّل اللهُ لكم مما ت�ستل ُّذه ا ألنف�س وتميل �إليه ِم ْن طعا ٍم‬
‫و�شراب‪ ،‬ون�سا ٍء �أح َّل الله لكم نكا َحهن وغيرها من‬
‫الأرزاق وال ِّنعم‪ ،‬ولا تتجاوزوا حدود ما �شرع الله لكم‪،‬‬
‫بارتكاب المحذور‪ ،‬إ�نه تعالى لا يح ُّب المعتدين الذين‬

‫يتجاوزون حدوده‪.‬‬

‫‪ ٨٨‬وكلوا ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬مما رزقكم الله‪ ،‬وجع َله‬
‫لكم حلال ًا َت ِط ْي ُب به نفو�سكم‪ ،‬واتقوا الله ‪ -‬الذي �آمنتم‬
‫به‪ -‬في جميع أ�موركم وخافوه‪ ،‬ف�إ َّن ا إليما َن به يقت�ضي‬

‫الخوف منه تعالى وتقواه‪.‬‬

‫‪١٢٢‬‬

‫في جميع ما أ�مرا به ونهيا عنه‪ ،‬واحذروا مخالفتهما‪،‬‬

‫ف إ� ْن توليتم و�أعر�ضتم عن طاعتهما‪ ،‬فاعلموا أ�نما على‬
‫ر�سولنا البلاغ الوا�ضح الب ِّي عن الله‪ ،‬وقد َف َع َل‪ ،‬و�أ ّما‬

‫الح�سا ُب والعقاب على ذلك فهو إ�لينا‪.‬‬

‫‪ 93‬لي�س على الذين �آمنوا وعملوا ال�صالحات إ�ث ٌم أ�و‬
‫َح َر ٌج فيما �شربوا من الخمر و�أخذوا من الـ َم ْي ِ�س‪ ،‬وما‬
‫ُي�ْشبههما ِمن المحرمات قبل تحريمها‪ ،‬إ�ذا خافوا الله‪،‬‬
‫وابت َعدوا عنها بعد ِع ْلمهم بتحريمها‪ ،‬و�ص ّدقوا بما كان‬
‫قد أ�نزل الله من َقب ُل ِمن ا ألحكام‪ ،‬وعملوا ال�صالحات‬

‫بعد ذلك مما‬ ‫ما ح ّرم اللهُ‬ ‫كانت قد �ُشعت‪ ،‬ثم اتقوا‬ ‫التي‬
‫ثم ا�ستمروا‬ ‫وفي غيره‪،‬‬ ‫مباح ًا‪ ،‬و آ�منوا بما أ�ُنزل فيه‬ ‫كان‬

‫على التقوى‪ ،‬و�أتوا بالأعمال الح�سنة ‪ -‬والمراد �أنهم لا‬

‫إ� ْث َم عليهم ولا حرج �إذا كانوا ك َّلما ُ�أمروا ب�شيء �أو ُنهوا‬
‫عن �شيء �سارعوا �إلى الطاعة والامتثال‪ -‬والله يح ُّب‬

‫الطائعين المخل�صين في طاعتهم‪ ،‬ويثيبهم عليها‪.‬‬

‫‪ 94‬اعلموا ‪ -‬يا َم ْع�ش َر الم ؤ�منين‪� -‬أن الله �سيختبركم‬ ‫‪ 90‬ا ْع َلموا ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪� -‬أ َّن الخمر وال ِقمار‪،‬‬
‫ب�شيء من �صيد ال َ ِّب و أ�نتم مح ِرمون‪ ،‬ي�سهل عليكم‬ ‫وا ألن�صا َب التي ُت ْن�صب ل ُت ْذبح عليها الذبائح تق ُّرب ًا‬
‫تناوله‪ ،‬تنالون بع َ�ض ُه ب أ�يديكم‪ ،‬وبع�ضه تنالونه برماحكم‪،‬‬ ‫ل أل�صنام ‪� -‬أو هي ا أل�صنام نف�سها‪ -‬والأزلا َم ‪ -‬وهي‬
‫ل ُي ْظ ِهر اللهُ بهذا الم ؤ�م َن ال�صاد َق الذي يخاف ر َّبه‬ ‫ا أل�سهم التي كان �أهل الجاهلية يطلبون بها معرفة المق�سوم‬
‫بالغيب‪ ،‬وذلك ِب َع َدم تع ُّر ِ�ضه لل�صيد بعد �أن ُنهي عنه‪،‬‬
‫و ُيظهر به �ضعي َف الإيمان‪ ،‬الذي ينتهك الـ ُح ْرمة‪ ،‬ف َمن‬ ‫من خي ٍر �أو �ش ٍّر‪ -‬ك ُّلها َخ َب ٌث و َق َذ ٌر ِمن تزيين ال�شيطان‬
‫اعتدى منكم بال�صيد َب ْع َد البيان والإعلام‪ ،‬فله عند الله‬ ‫والمعنوية‪،‬‬ ‫لتوفو�وسزوو�اس ِتباهل‪،‬فلفااجحتنفبيوادنيهاذكهمالوق�آذاخرراتكتما‪.‬ل ِحو ِ�ِّذسيْكةُر‬
‫الأن�صاب‬
‫عذا ٌب �أليم‪.‬‬

‫‪ 95‬يا �أيها الذين �آمنوا لا تقتلوا ال�صيد و أ�نتم‬ ‫وا ألزلام مع الخمر والمي�سر هنا لت�أكيد تحريمهما‪.‬‬
‫محرمون‪ ،‬و َم ْن قتله وهو محر ٌم متعمداً‪ ،‬فعليه أ�ن‬
‫ي ؤ� ّدي نظي َر ما َق َت َل‪ُ ،‬ي ْخرجه ِمن ا إلبل أ�و البقر أ�و الغنم‪،‬‬ ‫‪ 91‬ما يري ُد ال�شيطا ُن ب إ�غرائكم بتعاطي الخمر‬
‫و ُي َق ِّد ُر هذا النظي َر َح َكمان َع ْدلان من الم�سلمين‪،‬‬ ‫وال ِقمار‪� ،‬إلا أ�ن ُي ْو ِقع بينكم العداو َة والبغ�ضاء ‪ -‬وذلك‬
‫و ُيهدى هذا الهدي إ�لى فقراء مكة‪� ،‬أو ُي�شترى بقيمته‬ ‫بما يقع في �شرب الخمر ِمن إ�ثار ِة الخ�وصمات بين‬
‫طعا ٌم ُي ْدفع لفقراء الحرم‪ ،‬لك ِّل م�سكين ُم ٌّد ِمن الطعام‪،‬‬ ‫ال�شاربين‪ ،‬وبما في ال ِقمار من التحا�سد والغيظ والح�سرة‬
‫�أو ي�وصم عن �إطعام ك ِّل م�سكين يوم ًا‪ ،‬ليذوق عاقب َة‬ ‫للخا�سر‪ ،‬وغيرها من ا آلثام‪ -‬ويريد ال�شيطان �أن ي�شغلكم‬
‫تع ِّديه‪ ،‬عفا الله عما �سبق ِم ْن مخالفتكم قبل التحريم‪،‬‬ ‫عن طاعة الله وعبادته‪ ،‬وعن ال�صلاة‪ ،‬فانتهوا عن هذه‬
‫ف َمن اعتدى بعد ذلك ف�إ ّن الله يعاقبه‪ ،‬والله عزي ٌز لا‬
‫القذارات المح َّرمة‪.‬‬
‫ُيغلب‪� ،‬شديد العقاب لمن ُي ِ� ُّص على الذنب‪.‬‬
‫‪ 92‬و�أطيعوا الله و�أطيعوا الر�سول ‪  -‬أ�يها‪ ‬الم�ؤمنون‪-‬‬

‫‪١٢٣‬‬

‫‪ 96‬أ�ح َّل الله لكم �صي َد ما يعي�ش في البحر‪� ،‬سواء‬
‫كنتم ُم ْح ِرمين �أو غير ُم ْح ِرمين‪ ،‬و�أح ّل لكم طعامه‪:‬‬
‫وهو الميت منه الذي يقذفه البحر‪ ،‬تنتفعون به مقيمين‬

‫وم�سافرين‪ ،‬و ُح ّرم عليكم �صي ُد حيوانات البر ما دمتم‬
‫ُم ْح ِرمين‪ ،‬واتقوا الله‪ ،‬ب أ� ّل تتجاوزوا حدوده‪ ،‬فهو الذي‬

‫تح�شرون �إليه للح�ساب والجزاء‪.‬‬

‫أ�و كان فيها افت�ضا ٌح ألمور بع�ضكم‪ ،‬عفا الله عن هذه‬ ‫‪ 97‬جعل الله الكعب َة الم�ش ّرف َة البي َت الحرام‪ ،‬الذي ع ّظم‬
‫الم�سائل التي ك ِر َه لكم �س ؤ�ا َلها‪ ،‬فلم يعاقبكم بها‪ ،‬والله‬ ‫ُحرمته‪� ،‬صلاح ًا ألمور النا�س في دينهم ودنياهم‪ ،‬حيث‬
‫جعله ملج�أ ًو َم ْن�سك ًا لتكفير الذنوب‪ ،‬ومجمع ًا للتجارات‬
‫وا�س ُع المغفرة‪ ،‬حلي ٌم في عدم المعاجلة بالعقوبة‪.‬‬ ‫والتعارف‪ .‬و َج َعل ا أل�شه َر الـ ُح ُرم �أ�شهراً ي�أمن فيها‬
‫النا� ُس ِمن القتل والاعتداء‪ ،‬يتنقلون فيها آ�منين لتح�صيل‬
‫‪ 102‬قد �س�أل ال�سابقون أ�نبيا َءهم عن �أمثال هذه‬ ‫ا ألقوات وق�ضاء الم�صالح‪ ،‬وج َع َل ال َه ْدي الذي ُي َهدى‬
‫الم�سائل‪ ،‬ف أ�جابوهم ببيان أ�حكامها فلم يقوموا بها‬ ‫�إلى الحرم من ا ألنعام معا�ش ًا لفقرائه‪ ،‬والقلائ َد التي ُي َع َّلم‬
‫بها ال َه ْدي لئلا ُيعتدى عليه‪ .‬جعل الله ك ّل ذلك؛ لتوقنوا‬
‫لم�ش َّقتها‪ ‬ف�ض ُّلوا‪.‬‬ ‫أ�ن الله كما َع ِل َم ما فيه �صلا ُحكم ف�َ َشعه لكم‪ ،‬يعل ُم ما‬

‫في ال�سماوات وما في الأر�ض‪ ،‬و�أنه بكل �شيء عليم‪.‬‬
‫‪ 98‬ا ْع َلموا ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬أ� ّن الله �شدي ُد العقاب لمن‬
‫انتهك ُح ُرماته‪ ،‬و�أ ّن الله وا�سع المغفرة والرحمة لمن‬

‫�أطاعه وتاب‪  ‬إ�ليه‪.‬‬

‫‪ 99‬لي�س على ر�سولنا إ�لا تبلي ُغ ما �أُر�سل به‪ ،‬وقد ب ّلغ‬
‫فلا ُعذر لكم‪ ،‬والله يعلم ما ُتظهرون وما ُتخفون من‬

‫خير �أو �شر‪ ،‬و�سيجازيكم بما ت�ستحقون يوم القيامة‪.‬‬

‫التي ابتدعها‬ ‫المح َّرمات‬ ‫‪ 103‬لم َي�ْشع اللهُ هذه‬ ‫‪ 100‬قل أ�يها الر�سول لا ي�ستوي عند الله الخبيث‬
‫ي�ش ُّقون �أُذنها‬ ‫وهي الناقة‬ ‫الم�شركون‪ ،‬من البحيرة ‪-‬‬ ‫والطيب من كل �شيء‪ ،‬فلا ي�ستوي الحلا ُل والحرا ُم‪ ،‬ولا‬
‫الم�سل ُم والكاف ُر‪ ،‬ولا ال�صال ُح والطال ُح‪ ،‬ولو �أعجب َك �أيها‬
‫إ�ذا ول َد ْت خم�س َة َ�أب ُطن �آخ ُرها َذك ٌر ويمنعون ركوبها‬ ‫ا إلن�سان كثر ُة الخبيث‪ ،‬فاتقوا الله يا �أ�صحاب العقول‬
‫وذبحها‪ -‬ولا ال�سائب َة التي ُي�س ّيبونها ل أل�صنام‪ ،‬فلا ُينتفع‬ ‫الراجحة فيما أ�مركم به �أو نهاكم عنه ولا تعتدوه‪،‬‬
‫بها‪ ،‬ولا الو�صيلة ‪ -‬وهي التي ُت َب ّكر ب�أنثى ثم ُت َثـ ِّني‬
‫بعدها ب ُ�أنثى ف ُت ْتك ل أل�صنام‪ -‬ولا الحامي ‪ -‬وهو الذكر‬ ‫لتكونوا من المفلحين في الدنيا والآخرة‪.‬‬

‫من الإبل الذي ُيحمى ظهره فلا ُيركب ولا ُيحمل عليه‬ ‫‪ 101‬يا أ�يها الذين �آمنوا لا ت�س أ�لوا النب َّي عن �أ�شياء لا‬
‫�إذا ولد ع�شرة أَ�ب ُطن‪ -‬ما �َ َشع الله ذلك‪ ،‬ولك َّن الذين‬ ‫وب�إهنا‪�،‬س�ألفت�إنمهاعن إ�هاْنف ُتي َب ّحيياةل الكنبم ِّير ّب‪-‬ـما‪َ ‬غ‪ّ-‬متحكيمن‬ ‫حاجة لكم‬
‫كفروا فعلوا ذلك ون�سبوه إ�لى الله افترا ًء عليه‪ ،‬و أ�كث ُر ُهم‬ ‫و أ�حزنتكم‪،‬‬

‫لا ُييزون بين الحق والباطل‪.‬‬ ‫ُين َّزل القر�آن‪ُ ،‬ت َب ّي لكم‪ ،‬وربما ُك ِّلفتم بها ف�ش َّقت عليكم‪،‬‬

‫‪١٢٤‬‬

‫�أن ي�شهد اثنان َع ْدلان من الم�سلمين‪� ،‬أو آ�خران من غير‬ ‫‪ 104‬و إ�ذا قيل لهم‪ :‬تعالوا إ�لى ما أ�نزل الله و إ�لى ما ب َّي‬
‫الم�سلمين �إذا كنتم على �َس َف ٍر ونزل بكم المو ُت‪ .‬وعليكم‬ ‫الر�سو ُل من الحلال والحرام‪ ،‬قالوا‪ :‬يكفينا ما وجدنا‬
‫‪� -‬إن ارتبتم في �أمرهما‪� -‬أن ُت ْو ِقفوا هذين ال�شاهدين بعد‬
‫�أداء ال�صلاة حيث يكون النا�س مجتمعين‪ ،‬فيق�سمان بالله‪:‬‬ ‫عليه آ�باءنا‪ ،‬ويق ِّلدون �آباءهم بدون نظ ٍر وال‪ ‬تفكي ٍر‪،‬‬

‫لا ن�ستبدل بال َق َ�س ِم عو�ض ًا لنا أ�و نفع ًا لأحد من أ�قاربنا‪،‬‬ ‫�أ َو َل ْو كان آ�با ؤ�هم لا يعقلون �شيئ ًا من ال ِّدين‪ ،‬ولا‬
‫ولا نكتم ال�شهادة التي �أمرنا الله ب أ�دائها‪ ،‬ف إ� ْن أ�خفينا‬ ‫يهتدون إ�لى الحق؟‬

‫ال�شها َدة أ�و قلنا زوراً فح ٌّق على الله �أن يعذبنا‪.‬‬ ‫‪ 105‬يا أ�يها الذين آ�منوا ا ْح َفظوا �أنف َ�سكم بلزوم‬
‫الطاعات واجتنا ِب المح َّرمات لا ي�ضركم �ضلا ُل غي ِركم‬
‫‪ 107‬ف إ� ْن َتب َّي بعد هذا �أن هذين ال�شاهدين قد كتما‬ ‫إ�ذا كنتم مهتدين‪ ،‬و أ�َ َم ْرتم بالمعروف و َنهيتم عن المنكر‪،‬‬
‫ح ّق ًا �أو كذبا في �شهادتهما‪ ،‬ف إ� ّن �شاهدين اثنين أ�َ ْج َدر‬ ‫إ�لى الله مرج ُعكم جميع ًا في ا آلخرة فيخبركم ب أ�عمالكم‬
‫بال�شهادة منهما ِم ْن �أوليا ِء الميت ا ألقربين الذين وق َع‬
‫عليهم الظل ُم‪ ،‬يقفان مكانهما بعد ال�صلاة‪ ،‬ويق�سمان‬ ‫ويجازيكم عليها‪.‬‬
‫بالله َل�شهاد ُتنا �أولى و أ�ح ُّق من �شهادة ال َّل َذين �شهدا �أول ًا‪،‬‬
‫و�أننا لا نتهمهما عدوان ًا وظلم ًا‪ ،‬ولئن فعلنا �إ ّنا �إ َذ ْن لمن‬

‫الظالمين الم�ستح ِّقين لعذاب الله‪.‬‬

‫‪ 108‬وما تق َّد َم ِمن الأم ِر بال َق َ�س ِم والتنبيه على الخوف‬
‫من الافت�ضاح ور ِّد ال�شهادة و�سائ ِر ما ب ّينه الح ُّق �سبحانه‬
‫وف ّ�صله �أ ْد َعى إ�لى �ش ّدة التح ّري‪ ،‬و أَ��ضم ُن ألداء ال�شهادة‬
‫�صحيح ًة ِم ْن غير كتما ٍن أ�و تحري ٍف‪ .‬وخافوا �أيها النا� ُس‬
‫ر َّبكم و أ�طيعوا أ�مره‪ ،‬والله لا يهدي القوم الفا�سقين‬

‫الخارجين عن طاعته‪.‬‬

‫‪ 106‬يا أ�يها الذين �آمنوا إ�ذا �شار َف أ�ح ُدكم على الموت‬
‫و َظهر ْت عليه علاماته‪ ،‬و�أراد �َأ ْن يو�صي ب�شيء‪ ،‬ف إ�قام ُة‬
‫ال�شهاد ِة بينكم على الوجه الذي ي�ضمن الحقو َق تقت�ضي‬

‫‪١٢٥‬‬

‫بما أ�مرتنا �أن ن ؤ�من به‪ ،‬وا�شهد ب أ� ّنا مخل�وصن في هذا‬ ‫‪ 109‬اذكروا ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬يو َم القيامة يو َم يجمع‬
‫ا إليمان‪ ،‬منقادون ألمرك‪.‬‬ ‫الله الر�سل وا ألمم‪ ،‬في�س�أل الر�س َل‪ :‬ما الذي �أجابكم به‬

‫‪ 112‬وا ْذكر‪�-‬أيهاالر�سول‪�-‬إذقالالحواريون‪:‬ياعي�سى‬ ‫قو ُمكم‪ ،‬هل هو كفر �أو إ�يمان‪ ،‬طاعة �أو ع�صيان؟ قالوا‪:‬‬
‫ابن مريم‪ ،‬هل ي�ستطيع ر ُّبك ‪� -‬أي هل ُي ِجي ُب ر ُّبك‪ -‬إ�ذا‬ ‫لا ِع ْل َم لنا �إلى جانب علمك‪ ،‬إ�نك أ�نت العالـ ُم بخف ّيات‬
‫�س�ألته �َأ ْن ينزل علينا مائد ًة من ال�سماء؟ فقال لهم‪ :‬يا قوم‪،‬‬
‫إ�ن كنتم م ؤ�منين بقدرة الله تعالى و�صحة نبوتي‪ ،‬فاتقوا الله‬ ‫ا ألمور لا يخفى عليك �شي ٌء من الظواهر والبواطن‪.‬‬

‫َ�أ ْن ت�س أ�لوا أ�مثال هذا ال�س�ؤال‪ ،‬واحذروا عذابه‪.‬‬ ‫‪ 110‬واذكروا قو َل الله لعي�سى في هذا اليوم‪ :‬يا‪ ‬عي�سى‬

‫‪ 113‬قال الحواريون‪ :‬نريد ب�س ؤ�النا المائدة‪� ،‬أن ن�أك َل منها‬ ‫ابن مريم‪ ،‬اذك ْر ف�ضلي و إ�نعامي عليك وعلى �أمك‬
‫تب ُّرك ًا‪ ،‬وحاج ًة منا إ�لى الطعام لجوعنا‪ ،‬وت�سكن قلوبنا‬ ‫في الدنيا‪ :‬وذلك حين ق َّويتك و أ�عنتك بجبريل عليه‬
‫بزيادة اليقين بقدرة الله‪ ،‬ونزداد علم ًا ب�صدقك في دعوى‬ ‫ال�سلام‪ ،‬فكلم َت النا� َس و أ�نت في المهد �صبي ًا ببراءة‬
‫النبوة‪ ،‬بر ؤ�ية ا آلية ِعيان ًا بعد أَ� ْن علمنا ذلك ا�ستدلال ًا‪،‬‬ ‫�ُأ ِّمك و ُعبودي ِت َك لله وبرك ِت َك وما �سي�ؤتيك‪ ‬الله من‬
‫ونكون من ال�شاهدين على هذه الآية عند َم ْن لم يرها‪ ،‬إ�ذا‬ ‫النبوة والكتاب‪ ،‬ثم جعل ُتك في الكهولة نب ّي ًا‪ ،‬تدعو‬
‫إ�لى توحيد‪ ‬الله‪ ،‬واذك ْر أ�ي�ض ًا نعمتي عليك حين ع َّلمتك‬
‫رجعنا إ�ليهم‪ ،‬فيزداد الم ؤ�منون إ�يمان ًا وت�صديق ًا‪.‬‬ ‫الكتاب َة‪ ،‬والحكم َة ‪ -‬وهي الفه ُم ال�صحي ُح وا إل�صاب ُة في‬
‫القول والعمل‪ -‬والتورا َة والإنجي َل‪ ،‬واذك ْر حين كن َت‬
‫‪١٢٦‬‬ ‫ُت َ�ص ِّور من الطين كهيئة الطير ب إ�ذني لك وعوني‪ ،‬فتنفخ‬
‫في تلك ال�وصرة ف َت�صي ُر طيراً ح ّي ًا بقدرتي و�أمري‪ ،‬و إ� ْذ‬
‫َت�ْشفي من العمى ا ألكم َه ‪ -‬وهو الذي ُو ِل َد أ�عمى‪-‬‬
‫وا ألبر�َص فيذهب عنه المر�ض ويعود جلده �سليم ًا ب إ�ذن‬
‫الله‪ ،‬و�إ ْذ كن َت ُتيي الموتى ب�أَ ْن تدعوهم فيقوموا من‬

‫قبورهم �أحياء ب�أمري وم�شيئتي‪ ،‬وا ْذكر نعمتي عليك‬

‫َو ْق َت أ�َ ْن �صرف ُت عنك �ش َّر اليهود حين �أرادوا بك‬
‫ال�سوء‪ ،‬وه ّموا بقتلك و َ�ص ْلبك‪ ،‬وقد جئتهم بالبراهين‬
‫والحجج القاطعة على نبوتك و إ�ر�سالك من الله إ�ليهم‪،‬‬

‫فقال اليهود الجاحدون لر�سالتك‪ :‬ما هذه الخوارق إ� ّل‬

‫�سح ٌر ظاه ٌر ب ِّ ٌي‪.‬‬

‫‪ 111‬وا ْذكر ‪ -‬يا عي�سى‪ -‬نعمتي عليك حين أ�لهم ُت‬
‫الحواريين‪ ،‬وقذف ُت في قلوبهم َ�أ ْن ي�ص ِّدقوا بوحدانيتي‬
‫ونب ّو ِتك‪ ،‬حين دعوتهم �إلى ذلك‪ ،‬فقالوا‪ :‬آ�منا يا ر ُّب‬

‫اعتقاد ُ�ألوهيتك وعباد ِتك �أن َت و�أ ّمك ِم ْن دون‪ ‬الله؟ قال‬ ‫‪ 114‬ف�أجابهم عي�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ِ -‬لـ َما طلبوا‪ ،‬لـ ّما‬
‫عي�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ :-‬تنزيه ًا لك يا ربنا من أ�ن يكون‬ ‫ر�أى لهم غر�ض ًا �صحيح ًا في ذلك‪ ،‬ب أَ� ْن تو ّجه إ�لى الله‬
‫لك �شريك‪ ،‬ما ينبغي لي أ�َ ْن أ�قو َل قلا ًو لا يح ُّق لي أ� ْن �أقوله‪،‬‬ ‫تعالى مت�ضرع ًا‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم ربنا َ�أن ِز ْل علينا مائد ًة من‬
‫�إ ْن كن ُت قل ُت لهم ذلك ف�أنت تعلمه‪ ،‬ولا َيخفى عليك‬ ‫ال�سماء‪ ،‬يكون يوم نزولها عيداً ‪� -‬أي فرح ًا و�سروراً‪-‬‬
‫�شيء‪ ،‬ف أ�نت تعلم ما �أخفيه في نف�سي‪ ،‬كما تعلم ما أ�ُعلنه‪،‬‬ ‫نع ِّظمه بالإكثار من التق ِّرب �إليك فيه‪ ،‬نحن و َم ْن ي أ�تي‬
‫و�أنا لا أ�علم ما ُتخفيه ِم ْن معلوماتك‪ ،‬و أ�ن َت َو ْح َدك‬ ‫ِم ْن بعدنا ِم َن الم ؤ�منين‪ ،‬ولتكون آ�ي ًة على كمال قدرتك‬
‫المحي ُط علم ًا بك ِّل ما خفي وغاب‪ .‬والخطاب هنا لعي�سى‬ ‫و�صح ِة نب ّوتي‪ ،‬وارزقنا ِم ْن عطائك وف�ضلك‪ ،‬ف�أنت‬

‫عليه ال�سلام‪ ،‬والمراد‪ :‬توبي ُخ َم ْن يقول ذلك ِم ْن قومه‪.‬‬ ‫خير َم ْن �أعطى وتف َّ�ضل‪ ،‬ألنك الغني الحميد‪.‬‬

‫‪ 117‬قال عي�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ :-‬يا ر ّب ما قل ُت‬ ‫‪ 115‬قال الله تعالى‪ :‬إ� ّن �س ُأ�نزل عليكم مائد ًة من‬
‫لهم إ�لا ما �أمرتني بقوله‪ .‬قل ُت لهم‪ :‬اعبدوا الله‪ ،‬خالقي‬ ‫ال�سماء‪ ،‬معجز ًة لك يا عي�سى‪ ،‬ف َمن َك َف َر منكم بي‬
‫وخالقكم‪ ،‬ولقد كن ُت ‪ -‬و أ�نا بين أَ� ْظ ُه ِرهم‪� -‬شاهداً‬ ‫وبر�سولي بعد هذه ا آلية الباهرة‪ ،‬ف�إني أُ�ع ِّذبه عذاب ًا �شديداً‬
‫عليهم وعلى أ�فعالهم و أ�قوالهم‪ ،‬فلما و َّفيتني �أجلي على‬
‫ا ألر�ض‪ ،‬ورفعتني إ�لى ال�سماء ح ّي ًا‪ ،‬كن َت أ�ن َت المراقب‬ ‫لا ُأ�ع ِّذب مث َله �أحداً من العالمين‪.‬‬
‫ألحوالهم‪ ،‬و أ�ن َت على كل �شيء �شهيد‪ ،‬لا تخفى عليك‬
‫‪ 116‬واذك ْر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪� -‬إذ يقول الله تعالى يوم‬
‫خافية في ا ألر�ض ولا في ال�سماء‪.‬‬ ‫القيامة‪ :‬يا عي�سى ابن مريم‪ ،‬أ��أنت دعو َت النا� َس �إلى‬

‫‪� 118‬إ ّنك يا الله‪ ،‬إ� ْن تعذبهم ف�إنهم عبا ُدك ‪ -‬و�أنت �أعلم‬
‫ب أ�حوالهم‪ -‬تفع ُل ما ت�شاء ب َع ْدلك‪ ،‬و إ� ْن تغف ْر لهم‪ ،‬ف�إنك‬
‫�أنت العزيز الذي لا ُيغا َلب فيما أ�راد‪ ،‬الحكي ُم في ِف ْعله‬
‫و�َأ ْمره‪ .‬وهذا ِم ْن عي�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬تب ّر ٌ�ؤ منهم و ِم ْن‬

‫�شركهم‪ ،‬وتفوي� ٌض مط َل ٌق منه إ�لى م�شيئة الله تعالى‪.‬‬

‫‪ 119‬قال الله تعالى لعي�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬يوم القيامة‬
‫م�شيراً �إلى ِ�ص ْد ِقه‪ :‬هذا اليوم يوم العدل والجزاء ينفع‬
‫الم ؤ�منين فيه توحي ُدهم وطاع ُتهم لربهم و�إخلا�صهم له‪،‬‬
‫لهم ب�ساتين وحدائق تجري ِم ْن تحت �أ�شجارها أ�نهار‬
‫الجنة‪ ،‬وهم خالدون في هذا النعيم �أبداً‪ ،‬ذلك هو الفوز‬

‫الكبير الذي لا فوز أ�عظم منه‪.‬‬

‫‪ 120‬لله تعالى وحده ُم ْلك ال�سماوات والأر�ض وما‬
‫فيهن‪ ،‬يت�ص َّرف في ملكه كيف ي�شاء‪ ،‬وهو ذو القدرة‬
‫التا ّم ِة‪ ،‬لا ُيعجزه �شي ٌء أ�راده‪ ،‬فلا نظير له ولا �إله غيره‬

‫ولا ر َّب �سواه‪.‬‬

‫‪١٢٧‬‬

‫و�أجرينا ا ألنهار ِم ْن تحت ق�وصرهم‪ ،‬فعا�وشا في ال ِخ ْ�صب‬ ‫‪ 1‬أ� ْخ ِل�وصا الحم َد لله الذي خلقكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪-‬‬
‫بين ا ألنهار والثمار‪ ،‬فع�وصا وطغوا و َبطروا النعم َة‪،‬‬ ‫وخلق ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬ولا ُت�شركوا معه في ذلك‬
‫ف أ�هلكناهم ب�سبب ما اكت�سب ْت أ�يديهم‪ ،‬و أَ� ْح َدثنا بعد‬ ‫�أَحداً �شيئ ًا‪ ،‬ف�إنه الم�ستو ِج ُب عليكم الحم َد‪ ،‬وهو �سبحانه‬
‫الذي جعل الظلمات التي ت�س ُتكم‪ ،‬راح ًة ألبدانكم‬
‫�إهلاكهم قوم ًا �آخرين‪ ،‬جعلناهم خلف ًا لهم؟‬ ‫وقلوبكم‪ ،‬وجعل النو َر الذي فيه معا�شكم و ِقوا ُم‬
‫حياتكم‪ ،‬ثم الذين كفروا بعد هذا البيان َي ْع ِدلون بربهم‬
‫‪ 7‬ولو ن ّزلنا عليك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬الوحي الذي‬
‫جاءهم من عند الله‪ ،‬مكتوب ًا في �صحيفة‪ ،‬فعا َينوه‬ ‫�سواه‪ ،‬في�سوونه به في عبادته والتو ُّجه إ�ليه‪.‬‬
‫ولم�سوه ب أ�يديهم‪ ،‬لقال الم�شركون ‪ -‬عناداً ومكابر ًة‪:-‬‬
‫ما هذا الذي جئتنا به‪ ،‬إ�لا �سح ٌر ظاه ٌر وا�ضح‪� ،‬سحر َت‬ ‫‪ 2‬هو �سبحانه الذي ابتد�أ َخ ْلقكم بخلق �أبيكم‬
‫آ�دم من طين‪ ،‬ثم ق َّدر �أجل ًا محدداً لكل مخلوق وهو‬
‫به �أعيننا‪.‬‬ ‫الموت‪ ،‬وعنده أ�ج ٌل م�س َّمى مع َّ ٌي وهو يوم البعث‪ ،‬ثم‬
‫�أنتم ‪� -‬أيها الم�شركون‪ -‬ت�ش ُّكون في هذا الأجل الم�س َّمى‬
‫‪ 8‬وقال م�شركو مكة‪ :‬ه ّل �ُأنزل على محمد َم َل ٌك‬
‫من ال�سماء ُي�ص ّدقه وي�شهد له ب أ�ن الله أ�ر�سله إ�لينا‪ ،‬فن�ؤمن‬ ‫الذي هو البعث‪.‬‬
‫به ونتبعه‪ .‬ولو أ�نزلنا ملك ًا ثم كفروا ولم ي ؤ�منوا؛ لجاءهم‬
‫‪ 3‬وهو الله المعبود بح ّق‪ ،‬والمتف ِّرد بالتدبير في‬
‫العذاب عاجل ًا غير آ�جل ولم ُي ؤ� َّخروا َط ْرف َة عي ٍن‪.‬‬ ‫ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬يعلم المكتو َم الم�ستور منكم‬
‫والمع َلن المك�وشف‪ ،‬ويعلم ما تعملون من خي ٍر أ�و �ش ٍّر‪،‬‬
‫‪١٢٨‬‬
‫فيثيب عليه ويعاقب‪.‬‬

‫‪ 4‬وما ت أ�تي الم�شركين من ُح َّج ٍة �أو ب ِّينة على قدرة‬
‫الله و ِ�صدق ر�سوله إ�لا كانوا مكذبين بها تاركين تد ُّبرها‬

‫والنظر فيها‪.‬‬

‫‪ 5‬وقد ك َّذبوا بما هو �أعظم منها و�أكبر وهو القر آ�ن‬
‫معجز ُة الر�سول الكبرى‪ ،‬و�سوف يعلمون نتيجة‬
‫ا�ستهزائهم‪ ،‬وذلك عند إ�ر�سال العذاب عليهم في الدنيا‬
‫‪ -‬أ�و يوم القيامة‪� ،‬أو عند ظهور الإ�سلام و ُعل ّو كلمته‪.-‬‬

‫‪ 6‬أ�لم يعل ْم ه ؤ�لاء المك ِّذبون بالقر آ�ن َك ْم �أهلكنا‬
‫قبلهم من ا ألمم‪ ،‬وقد أ�عطيناهم من القوة وال�سلطان‬
‫و أ��سباب ال ُّظهور على النا�س ما لم َنعله لكم يا �أهل‬
‫مكة‪ ،‬و�أنزلنا عليهم من ال�سماء ماء غزيراً ُم ّت�صل ًا نافع ًا‪،‬‬

‫و�إح�سان ًا‪ ،‬لذلك فهو لا يع َجل بالعقوبة‪ ،‬ويقب ُل التوبة‬ ‫‪ 9‬ولو جعلنا الر�سول م َلك ًا كما اقترحوا ألر�سلناه‬
‫وا إلنابة‪ ،‬ف أ�نيبوا �إليه واعبدوه وو ِّحدوه‪ ،‬وهو �سبحانه‬ ‫في �وصرة رجل؛ ألنهم خلاف ًا لر�سول‪ ‬الله و�سائر الر�سل‬
‫�أَ ْق َ�سم �أ ْن يجمع النا� َس من القبور �إلى يوم القيامة‪ ،‬لا �ش َّك‬ ‫الكرام لا يطيقون ر ؤ�ية الملك في �وصرته‪ ،‬ولخ َلطنا‬
‫في ذلك اليوم أ�و في ذلك الجمع‪ ،‬فيجازي ك َّل عام ٍل‬ ‫عليهم و أ��ْش َكلنا عليهم ِمن أَ� ْمره حتى ي�ّشكوا فلا يدروا‬
‫بعمله‪ ،‬والذين �َأ ْهلكوا أ�نف َ�سهم و َغ َبنوها بت�ضييع النظر‬
‫ال�صحيح المو ِجب ل إليمان والتوحيد‪ ،‬أ� ّدى بهم ذلك إ�لى‬ ‫�أملك هو �أم ب�شر؟‬

‫الإ�صرار على ما هم عليه من الكفر حتى الممات‪.‬‬ ‫‪َ 10‬ه ِّو ْن عليك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬ما تلقاه ِم ْن ه ؤ�لاء‬
‫الم�ستهزئين؛ فلقد ا�ستهز�أ �أقوام كثيرون ب�أنبيائهم ور�سلهم‬
‫‪ 13‬ولله تعالى ك ُّل ما ا�ستق َّر في الليل والنهار‪ ،‬وهو‬ ‫ِمن َقب ِلك‪ ،‬ف أ�حاط بهم الذي كانوا ي�ستهزئون به‪ ،‬ونزل‬
‫ال�سميع ألقوال النا�س‪ ،‬العليم بما في �أنف�سهم‪ ،‬لا يخفى‬
‫بهم َو َبا ُل ا�ستهزائهم‪ ،‬وهو الهلاك والعذاب‪.‬‬
‫عليه‪� ‬شيء‪.‬‬
‫‪ 11‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء الم�ستهزئين‪� :‬سيروا‬
‫‪ 14‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء الم�شركين‪� :‬أَ َغي َر الله‬ ‫في ا ألر�ض ُمعتبرين ومتفكرين‪ ،‬ثم انظروا إ�لى �آثا ِر‬
‫أ�تخذ معبوداً �ُأوا ِلـي ِه بالعبادة والمحبة‪ ،‬وهو �سبحانه مبدع‬ ‫ا ألمم الخالية‪ ،‬لتعرفوا ما ح َّل بهم من العقوبات‪ ،‬وكيف‬
‫ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬وهو الغن ُّي عن الخلق يرزقهم ولا‬
‫يرزقه أ�حد؟! قل لهم ‪� -‬أيها الر�سول‪� :-‬إ َّن ربي أ�مرني أ�ن‬ ‫أ�ورثهم الكف ُر والتكذي ُب الهلا َك‪.‬‬
‫أ�كون أ� ّو َل َمن خ�ضع له من هذه ا ألمة وا�ْست�سل َم ألمره‬
‫وانقا َد إ�لى طاعته‪ ،‬وقيل لي تنفيراً لأمتي من ال�شرك‪ :‬لا‬ ‫‪ 12‬وا�ْس أ�لهم ‪� -‬أيها الر�سول‪َ :-‬من الذي له ملك‬
‫ال�سماوات وا ألر�ض وما فيهن؟ قل لهم‪ :‬هو‪ ‬الله‪ ،‬و�أنتم‬
‫تكن مـ ّمن جعل‪ ‬لله �شركا َء من ا آللهة وا ألنداد‪.‬‬ ‫ُتق ُّرون وتعلمون‪ .‬هو �سبحانه الت َز َم الرحم َة تف ُّ�ضل ًا‬

‫‪ 15‬وقل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪� :-‬إ ّن ر ّبي نهاني عن عبادة‬ ‫‪١٢٩‬‬
‫�شي ٍء �سواه‪ ،‬و إ� ّن �أخاف إ� ْن ع�صي ُت ر ّبي بعبادة غيره‬

‫عذا َب يو ٍم عظيم‪ ،‬هو يوم القيامة‪.‬‬

‫‪َ 16‬من ُي�صرف عنه العذاب يوم القيامة فقد رحمه‬
‫الله ونـ ّجاه و َ�أنعم عليه‪ ،‬وذلك ال َّ� ْص ُف أ�و الرحم ُة هو‬

‫الفلاح‪ ‬المبين‪.‬‬

‫‪ 17‬ومما يد ُّل على ا�ستحقاقه تعالى للعبادة واللاوية‬
‫�أنه إ� ْن �أ�صابتك ِ�ش ّدة في دنياك ِمن مر�ٍض �أو فق ٍر‪� ،‬أو‬
‫غير ذلك من بلاياه‪ ،‬فلا أ�ح َد قادر على رفع هذا ال�ضرر‬
‫الواقع غي ُر الله‪ ،‬و�إ ْن ي�صبك خي ٌر ِمن رخا ٍء أ�و عافي ٍة أ�و‬
‫غير ذلك من نعمه‪ ،‬فهو قادر على حفظه و�إدامته‪ ،‬ولا‬

‫َي ْقدر أ�حد على َد ْفعه‪.‬‬

‫‪ 18‬والله ج َّل وعلا هو الغالب الم�ستعلي فوق عباده‬
‫ا�ستعلا َء َق ْه ٍر و َغ َلبة‪ ،‬وهو الحكيم في تدبيره‪ ،‬الخبير‬

‫بخفايا �أمور عباده وما ي�صلحهم‪.‬‬

‫‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬وجعلنا على قلوبهم أ�غطي ًة ب�سبب‬ ‫‪ 19‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬للذين �س أ�لوك َمن ي�شهد‬
‫ا ّتباعهم أ�هوا َءهم لئلا يفهموه‪ ،‬وجعلنا في آ�ذانهم ِث َقل ًا‬ ‫لك بالنبوة‪َ :‬من أ�عظ ُم �شهاد ًة و�أكبر؟ ف�إن �أجابوك و�إلا‬
‫يروا‬ ‫وك ََّ�لص َم ُحم ًاّج ٍفةلاويعفلهامم ٍةونتدم ُّلعانيعهلىولا�يصتددبقروننبهوات‪،‬كو�إ ْن‪-‬‬ ‫فقل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬الله ‪ -‬الذي �شهادته أ�كبر‬
‫أ�يها‬ ‫ال�شهادات‪� -‬شاه ٌد ب�صدقي‪ ،‬وهو العالم بالـ ُم ِح ِّق منا‬
‫والـ ُم ْب ِطل‪ ،‬و أ�وحى الله إ�ل ّي هذا القر آ�ن ألخبركم بما فيه‬
‫الر�سول‪ -‬لا ي�صدقوا‪ ،‬حتى ينتهي بهم التكذيب إ�لى‬ ‫من الوعيد تخويف ًا لكم ول�سائر َم ْن َب َل َغه من ا إلن�س‬
‫والجن إ�لى يوم القيامة‪ ،‬وقل لهم‪� :‬أئنكم لت�شهدون �أ ّن‬
‫�َأ ْن يجي ُئوك يجادلونك‪ ،‬ويقولون‪ :‬ما هذا القر�آن �إلا‬ ‫مع‪ ‬الله معبودا ٍت غيره ‪ -‬وهو �أم ٌر ظاه ُر البطلان‪-‬؟!‬
‫وقل لهم‪ :‬و أ� ّما �أنا فلا أ��شه ُد بما ت�شهدون به‪ ،‬بل �أ�شهد‬
‫خرافات و أ�باطيل ا أل ّولين من ا ألمم الما�ضية‪.‬‬ ‫�أ ّن المعبود بح ٍّق �إل ٌه واحد‪ ،‬وهو الله‪ ،‬و إ�نني �أتبر�أ ِمن ك ِّل‬

‫‪ 26‬والم�شركون ينهون النا� َس عن القر آ�ن وا إليمان به‪،‬‬ ‫�شري ٍك تعبدونه معه‪.‬‬
‫ويتباعدون عنه مخاف َة الت�أثر وا إليمان به‪ ،‬وما يهلكون‬
‫بتماديهم في ال�ضلال و�ص ِّدهم عن �سبيل الله �إلا أ�نف َ�سهم‪،‬‬ ‫‪ 20‬أ�ه ُل الكتاب ِمن اليهود والن�صارى يعرفون‬
‫�أ ّن محمداً ر�سو ُل الله‪ ،‬كما يعرف الواحد منهم اب َن ُه‪،‬‬
‫وهم لا ي�شعرون بذلك‪.‬‬ ‫ل�صفت ِه المذكورة في كتبهم‪ ،‬والذين �أهلكوا �أنف�سهم‬
‫و َغ َبنوها من الم�شركين ومن �أهل الكتاب الجاحدين قد‬
‫‪ 27‬ولو ترى أ�يها الر�سول حين ُيو َقف الم�شركون على‬
‫النار يوم القيامة ويرون العذاب الـ ُم َع ّد لهم‪ ،‬لر�أي َت‬ ‫�أ�ضاعوا أ�نف�سهم بعدم �إيمانهم‪.‬‬
‫�أمراً �شنيع ًا وهلا ًو فظيع ًا‪ ،‬وعندها يقولون متح�ِّسين‪:‬‬
‫يا ليتنا ُنر ُّد �إلى الدنيا حتى نتوب‪ ،‬ولا نكذب ب�آيات الله‪،‬‬ ‫‪ 21‬لا َأ� َح َد أ��ش ّد اعتدا ًء وظلم ًا ممن اخ َت َلق على الله‬
‫الباطل فزعم أ� َّن له �شريك ًا‪� ،‬أو ا ّدعى �أ َّن له �صاحبة وولداً‪،‬‬
‫ونكون من الم�ص ِّدقين بالله ور�سله‪.‬‬ ‫أ�و ك َّذب بالمعجزات التي أ� َّيد الله بها ر�سله‪� ،‬إنه لا يفلح‬

‫القائلون على‪ ‬الله الكذ َب والمفترون على‪ ‬الله‪ ‬الباط َل‪.‬‬

‫‪ 22‬واذك ْر ‪� -‬أيها الر�سول‪َ -‬خ َ َب يوم الح�ساب‬
‫‪ -‬ليعتب َر الم�شركون وغي ُرهم ويتعظوا‪ -‬يوم نجمع‬
‫الم�شركين وما عبدوه ِم ْن دون الله‪ ،‬ثم نقول لهم‪� :‬أين‬

‫آ�لهتكم التي كنتم ت َّدعون أ�نهم �أربا ٌب مع الله تعالى؟‬
‫‪ 23‬ث ّم لم تكن عاقب ُة �شركهم الذي افتتنوا به وقاتلوا‬
‫عليه �إلا جحو َد هذا ال�شرك وال َح ِلف على البراءة منه‬

‫وعدم التح ُّقق‪ ‬به‪.‬‬

‫‪ 24‬ت أ� َّم ْل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬كيف َك َذ َب ه�ؤلاء في‬
‫الآخرة على أ�نف�سهم بنفي ال�شرك عنها بعد تح ُّق ِقها‬
‫به‪ ،‬وكيف غاب عنهم ما كانوا يعبدونه من ال�شركاء‬

‫وي َّدعون له من ال�شفاعة افترا ًء على الله‪.‬‬
‫‪ 25‬و ِمن ه�ؤلاء الم�شركين َمن ي�ستم ُع القر آ� َن منك‬

‫‪١٣٠‬‬

‫على ما �ض ّيعنا في حياتنا الدنيا ِم ْن �صالح ا ألعمال‪،‬‬ ‫‪ 28‬بل ظهر لهم يوم القيامة ما كانوا ُي ِ� ّسون في الدنيا‬
‫وهم يحملون آ�ثامهم وذنوبهم على ظهورهم‪ ،‬أ� َل‬ ‫من الكفر والمعا�صي‪ ،‬ولو ُر ّدوا إ�لى الدنيا بعد وقوفهم‬
‫ِبئ�س ما ارتكبوه في الدنيا من الإثم الذي يحملونه على‬ ‫على النار لرجعوا �إلى الكفر والجحود‪ ،‬و إ�نهم لكاذبون‬

‫ظهورهم يوم القيامة‪.‬‬ ‫فيما َو َعدوا به من ا إليمان وعدم التكذيب ب�آيات‪ ‬الله‪.‬‬

‫‪ 32‬وما هذه الحياة الدنيا التي ي�ستمتع النا� ُس بنعيمها‬ ‫‪ 29‬وقالوا‪ :‬ما الحياة �إلا حياتنا الدنيا التي نحياها لا‬
‫وملا ِّذها إ�لا َل ِع ٌب و َل ْهو‪ ،‬ع ّما قلي ٍل تزول فلا تغتروا بها‪،‬‬ ‫حياة بعد الممات ولا بعث ولا ن�وشر‪.‬‬
‫ف�إ ّن المغت َّر بها ناد ٌم‪ ،‬ول آلخرة خي ٌر للذين يخ�وشن الله‬
‫بطاعته والم�سارعة إ�لى ر�ضاه‪� ،‬أفلي�س لكم عق ٌل حتى‬ ‫‪ 30‬ولو ترى ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬حا َل المنكرين البع َث‬
‫تعلموا �أ َّي ا ألمرين خير‪ ،‬دا ُر الخراب والفناء �أَ ْم دا ُر‬ ‫�إذ ُحب�سوا أ�مام ربهم للح�ساب‪ ،‬لر أ�ي َت �أ�سو َ�أ حا ٍل‪� ،‬إذ‬
‫قال الله لهم‪ :‬أ�لي�س هذا البعث الذي كنتم تنكرونه‬
‫النعيم والبقاء؟‬ ‫في الدنيا ح ّق ًا؟ قالوا‪ :‬بلى والل ِه �إنه لح ٌّق‪ -‬ف�أق ُّروا �إذ لا‬
‫ينفع ا إلقرار‪ -‬قال الله تعالى لهم‪ :‬فذوقوا عذاب جهنم‬
‫‪ 33‬نح ُن نعل ُم ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬أ�نه ي�ؤلمك قو ُل‬
‫الكفار إ� ّنك �شاعر �أو كاهن �أو مجنون �أو كاذب‪،‬‬ ‫ب�سبب كفركم وتكذيبكم في الدنيا‪.‬‬
‫ف�إنهم ال‪ ‬يك ِّذبونك في الحقيقة؛ لأنهم يعلمون �صح َة‬
‫نبوتك‪ ،‬ولكنهم يجحدون ب آ�يات الله ويكفرون بها‪،‬‬ ‫‪ 31‬قد خ�سر الذين �أنكروا البع َث بعد الممات حيث‬
‫فاتهم النعي ُم وا�ستوجبوا العذا َب المقيم‪ ،‬حتى �إذا‬
‫ح�سداً وعناداً‪.‬‬ ‫جاءتهم �ساع ُة البعث فج�أة قالوا‪ :‬يا َندامتنا و َه َلكتنا‬

‫‪ 34‬لا يحزنك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬تكذي ُب ه ؤ�لاء‬ ‫‪١٣١‬‬
‫الم�شركين‪ ،‬وما تلقاه منهم من الأذى‪ ،‬فقد ُك ِّذ َب ر�س ٌل‬
‫ِم ْن قبلك ف�صبروا على تكذيب قومهم لهم و أ�ذاهم‪،‬‬
‫فا�صب ْر كما �صبروا حتى ي�أتيك ن�ص ُرنا كما �أتاهم‪،‬‬
‫ولا م َغ ِّي لما حكم الله به ِمن �إهلاك المك ِّذبين و َن ْ� ِص‬
‫المر�سلين ال�صابرين‪ .‬ولقد جاءك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ِ -‬م ْن‬
‫خبر الر�سل وق�ص�صهم‪ ،‬وما كابدوا ِم ْن قومهم حتى‬
‫ن�ص َرهم الله‪ ،‬مما يجعلك في �ُأن� ٍس بهم‪ ،‬مطمئن ًا بتح ُّقق‬

‫وعدنا بن�صرك لا م َحال َة‪.‬‬

‫‪ 35‬و�إ ْن كان َع ُظم عليك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬و�ش َّق‬
‫�إعرا�ُض ه�ؤلاء الم�شركين عنك وعن الإيمان بما جئ َت به‪،‬‬
‫ف إ�ن ا�ستطع َت أ�ن تتخذ نفق ًا في الأر�ض َت ْنـ ُفذ فيه إ�لى‬
‫�أعماقها �أو �ُس ّلم ًا ت�صع ُد فيه �إلى ال�سماء حتى ت�أتيهم ب�آية‬
‫يعاينونها لي ؤ�منوا بها‪ ،‬فا ْف َع ْل‪ ،‬ولكن ا ألمر بيد الله ولو‬
‫�شاء لو َّفقهم ل إليمان‪ ،‬فلا تكون َّن من الذين لا يعلمون‬

‫حكم َة الله في َخ ْلقه‪ ،‬و�ُس ّن َته التي اقت�ضاها ِعلمه‪.‬‬

‫ا�ستق َّر في العقول ِم ْن �أنه هو القادر على ك�شف ال ُّ�ض‬ ‫‪� 36‬إ ّنا ي�ستجي ُب لدعوتك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬الذين‬
‫دون غيره‪.‬‬ ‫ي�سمعون توجي َهك و�أقوا َلك �سما َع ت َد ُّب ٍر وتف ُّه ٍم‪ ،‬و�أ ّما‬
‫الكفار المعاندون فهم كالموتى‪ ،‬لا ي�سمعون �سماع ًا‬
‫‪ 42‬ولقد �أر�سلنا �إلى �أمم ِم ْن قبلك ‪� -‬أيها الر�سول‪-‬‬ ‫ينتفعون به لموت قلوبهم‪ ،‬والموتى �سيبعثهم الله يو َم‬
‫ر�سل ًا فك َّذبوهم‪ ،‬فامتح ّناهم ب�أنواع ال�شدائد‪:‬‬ ‫القيامة وحينئ ٍذ يظهر لهم الح ّق‪ ،‬ثم إ�ليه �سبحانه مرج ُعهم‬
‫بالأمرا�ض والأ�سقام والجوع والفقر‪ ،‬لعلهم يتذلّلون‬
‫للح�ساب والجزاء‪.‬‬
‫ويتوبون ِم ْن ذنوبهم‪.‬‬
‫‪ 37‬وقال كفا ُر مكة ‪ -‬تع ُّنت ًا منهم‪ -‬حين �سمعوا ذكر‬
‫‪ 43‬فه ّل حين جاءهم العذا ُب تذ َّللوا �إلى ر ّبهم‬ ‫ال َب ْع ِث‪ :‬ه ّل ُن ِّز َل على محمد علام ٌة ومعجز ٌة من ربه تد ُّل‬
‫حتى ي�صرف عنهم العذاب‪ ،‬ولك ْن تح ّجر ْت قلوبهم‪،‬‬ ‫على ما ا ّدعاه‪ ،‬قل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ : -‬إ�ن الله قادر �أن‬
‫ف�صار ْت لا ت�ستجي ُب ولا تلي ُن‪ ،‬وح�َّس َن لهم ال�شيطا ُن‬ ‫ينزل ُح َّج ًة و آ�ي ًة كما اقترحوا‪ ،‬ولكن �أكثرهم لا يعلمون‬

‫قبي َح �أعمالهم‪ ،‬ف�ص َرفهم عن الت�ضرع‪.‬‬ ‫�أنهم �سي�صيبهم العذا ُب إ� ْن هو �أنزلها ولم ي�ؤمنوا بها‪.‬‬
‫‪ 44‬فل ّما َتركوا الا ِّتعاظ بما ُذ ِّكروا به من الب�أ�ساء‬
‫وال ّ�ضاء‪ ،‬فتحنا عليهم أ�بواب كل �شيء ِم ْن أ�نواع الرزق‬ ‫‪ 38‬وما ِمن ح ٍّي يم�شي ويتح ّرك في ا ألر�ض مما‬
‫و ُ�ضوب ال ِّنعم‪ ،‬حتى إ�ذا ُأ�عجبوا بتلك النعم واطم أ�نوا‬ ‫تدركون حركته ومما لا تدركون‪ ،‬ولا طائ ٍر طار بجناحيه‬
‫إ�لى ما هم عليه من الطغيان والكفر أ�خذناهم بالعذاب‬ ‫في الهواء �إلا أُ�مم أ�مثالكم �أيها النا�س‪ ،‬خلقها‪ ‬الله ورزقها‬
‫و�أحاط عل ُمه بها‪ ،‬ما تر ْكنا في اللوح المحفوظ �شيئ ًا‬
‫فج أ� ًة‪ ،‬ف إ�ذا هم متح ِّيون آ�ي�سون ِمن كل خير‪.‬‬ ‫ِم ْن �ش�ؤونها لم نكتبه‪ ،‬ثم َم ْر ِجع الأمم ك ِّلها إ�لى ر ّبها‪،‬‬

‫‪١٣٢‬‬ ‫فين�صف بع َ�ضها ِم ْن بع�ض‪.‬‬

‫‪ 39‬والذين ك ّذبوا ب آ�ياتنا المنزلة على ر�سولنا لا‬
‫ي�سمعون ما ينفعهم �سما َع فه ٍم وتد ُّب ٍر ولا ينطقون‬
‫بالح ّق‪ ،‬غارقون في ظلمات الكفر والجهل‪َ .‬من �شاء الله‬
‫إ��ضلا َله عن ا إليمان ي�ضلله ب�سبب إ�عرا�ضه عن الهدى‪،‬‬
‫و َمن يح ّب هداي َته يو ِّفقه بف�ضله �إلى الإيمان‪ ،‬و َي ْه ِده‬

‫إ�لى‪ ‬الإ�سلام ب�سبب مجاهدته في طلب الهداية‪.‬‬

‫‪ 40‬قل لهم ‪� -‬أيها الر�سول‪� :-‬أخبروني �أيها القوم‬
‫إ� ْن جاءكم عذا ُب الله �أو جاءتكم ال�ساع ُة ب�أهوالها‪،‬‬
‫أ�تلتج ُئون ألحد غي ِر‪ ‬الله ِل َك�ْشف ما نزل بكم‪ ،‬إ� ْن كنتم‬

‫�صادقين �أ ّن آ�لهتكم ت�ضر وتنفع؟‬

‫‪ 41‬بل تخ ُّ�صونه تعالى َو ْح َده بالدعاء عند ال�شدائد‬
‫والكروب‪ ،‬في َف ِّرج عنكم تلك ال�شدائد إ� ْن �شاء أ� ْن‬
‫يف ِّرجها عنكم‪ ،‬و َت ْتكون آ�لهتكم في ذلك الوقت‪ِ ،‬لـ َما‬

‫فلا خوف عليهم فيما َي ْق ُدمون عليه‪ ،‬ولا هم يحزنون‬
‫على ما خ ّلفوه وراءهم في الدنيا‪.‬‬

‫‪ 49‬والذين ك ّذبوا ب ُحججنا و�آياتنا‪� ،‬سينالهم عذا ُبنا‬
‫وعقابنا‪ ،‬ب�سبب كذبهم وخروجهم عن طاعة الله‬

‫إ�لى‪ ‬مع�صيته‪.‬‬

‫‪ُ 50‬ق ْل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء المنكرين لنبوتك‪:‬‬

‫ل�س ُت أ� َّدعي أ� ّن خزائن ملك الله في يدي‪ ،‬ف�أعطيكم منها‬
‫و آ�تيكم بما تقترحون من ا آليات‪ ،‬ول�س ُت �أعل ُم الغيب‬
‫ف�أخبركم بما م�ضى وما يقع في الم�ستقبل‪ ،‬ول�س ُت أ� َّدعي‬
‫أ�ني م َلك ف�أ�ستغني عن الطعام وال�شراب‪ ،‬و َأ� ْق ِدر على ما‬
‫لا يقدر عليه الب�شر‪ ،‬ما �أ ّتبع إ�لا وح َي الله وتنزي َله الذي‬
‫أ�نزله عل َّي‪ ،‬و ُق ْل لهم‪ :‬هل ي�ستوي الكافر الذي عمي‬
‫عن الح ّق‪ ،‬والم ؤ�م ُن الذي أ�ب�صر �آيات الله وحج َجه؟ �أفلا‬
‫تتفكرون فيما �أدعوكم إ�ليه‪ ،‬فتهتدوا إ�لى اتباع الح ّق‬

‫واجتناب‪ ‬الباطل‪.‬‬

‫‪ 51‬وخ ِّو ْف و أ�نذ ْر ‪ -‬أ�يها النبي‪ -‬بالقر�آن الذين‬
‫ي�ص ّدقون ب َو ْعد الله ووعيده‪ ،‬ويعلمون أ�نهم يح�شرون‬
‫إ�لى ر ّبهم‪ ،‬فهم م�شفقون من عذابه‪ ،‬لي�س لهم نا�صرٌ‬ ‫‪ 45‬ف أ�هلكنا الظالمين عن آ�خرهم‪ ،‬ولم َي ْب َق منهم‬
‫ولا �شاف ٌع ي�شفع لهم عند‬ ‫ين�صرهم ف َي�ْس َتنقذهم منه‪،‬‬ ‫أ�حد‪ ،‬والحمد لله ر ِّب العالمين على َن�صر ُر�سله و�أوليائه‪،‬‬
‫�َأ ْن ِذرهم لكي يتقوا الله في‬ ‫الله فيخ ِّل�صهم من عقابه‪،‬‬
‫�أنف�سهم‪ ،‬فيطيعوا ربهم‪ ،‬ويعملوا ِلـ َمعادهم‪ ،‬ويحذروا‬ ‫و إ�هلاك المتمادين في الكفر والطغيان من‪� ‬أعدائه‪.‬‬
‫�َس َخطه باجتناب معا�صيه‪.‬‬
‫‪ُ 47 46‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لمن ك َّذ َب بر�سالتك‪:‬‬
‫‪ 52‬ولا ت�ستج ْب ‪ -‬أ�يها النبي‪ -‬لطلب ر�ؤ�ساء‬ ‫�أخبروني �إ ْن أ��ص َّمكم الله و أ�عماكم‪ ،‬و�أغل َق قلوبكم‬
‫الم�شركين ‪ِ -‬م ْن أ�جل أ�ن يجال�سوك لي�سمعوا منك‪،‬‬ ‫ِل�ش ّدة عنادكم و�إ�صراركم على الكفر‪ ،‬فل ْم تعودوا‬
‫رجا َء �إ�سلامهم‪� -‬أن ُتب ِع َد عن مجل�سك �ضعفا َء الم�سلمين‬ ‫قادرين على فهم دليل ولا إ�ب�صار ُح ّجة‪َ ،‬م ْن إ�ل ٌه غير الله‬
‫وفقرا َءهم‪ ،‬الذين يعبدون ر َّبهم و َي ْدعونه �صبا َح‬ ‫تعالى َي ْقدر على ر ِّد ذلك عليكم؟ انظر ‪ -‬يا محمد‪-‬‬
‫م�ساء‪ ،‬يبتغون بذلك ر�ضاه تعالى والقر َب منه‪ ،‬ولي�س‬ ‫كيف نب ِّي لهم العلامات الدال َة على التوحيد والنبوة‪،‬‬
‫لك �إبعا ُدهم ‪� -‬أي�ض ًا‪ -‬لأنك لا ُتطا َلب بمحا�سبتهم‬ ‫ثم هم ُيعر�وضن عنها مكذبين بها‪ .‬وقل لهم‪� :‬أخبروني‬
‫ع ّما ُت�ضمره نفو�سهم ولا ت ؤ�ا َخذ به‪ ،‬وهم ال‪ُ  ‬يطا َلبون‬ ‫�إ ْن جاءكم عذا ُب‪ ‬الله وعقابه فج أ� ًة على حين ِغ ّرة‬
‫بح�سابك ‪ -‬وهذا ر ٌّد على طعن الم�شركين في إ�خلا�ص‬ ‫�أو جاءكم و�أنتم تعاينونه وتنظرون �إليه هل ُيه َلك م ّنا‬
‫ه�ؤلاء ال�ضعفاء‪ -‬ف�إ ْن أ�بعدتهم كما طلب الم�شركون‬
‫ومنكم إ�لا الظالـ ُم الفاجر؟‬
‫الأمو َر في غير مو�ضعها‪ .‬ولم‬ ‫ي�ضع‬ ‫ممن‬ ‫تكون‬ ‫ف إ�نك‬ ‫‪ 48‬وما نر�سل الر�س َل �إلا مب�ِّشين للم�ؤمنين بالنعيم‬
‫ذلك‪ ،‬بل ا�ستمر في مجال�ستهم‬ ‫‪‬‬ ‫الله‬ ‫ر�سو ُل‬ ‫يفعل‬ ‫المقيم‪ ،‬ومنذرين للكفار بالعذاب ا ألليم‪ ،‬ف َمن �ص ّدق‬
‫ر�سلنا و أ��صلح عمله في الدنيا‪ ،‬وق ّدم ما ينفعه في �آخرته‪،‬‬
‫وتقريبهم إ�ليه‪.‬‬

‫‪١٣٣‬‬

‫‪ 58‬و ُق ْل ‪ -‬أ�يها الر�سول له ؤ�لاء المك ِّذبين بنبوتك‬ ‫‪ 53‬وكذلك ابت َلينا واختبرنا بع َ�ضهم ببع�ض؛ فق َّدمنا‬
‫الم�ستع ِجلين بالعذاب جهل ًا وظلم ًا وعناداً‪ :-‬لو �أ َّن في‬ ‫ه�ؤلاء ال�ضعفاء على أ��شراف قري�ش‪ ،‬بال�سبق إ�لى الإيمان؛‬
‫قدرتي �إنزا َل العذاب الذي تتعجلونه‪ ،‬لأنزلته عليكم‪،‬‬ ‫ليقو َل الأ�شرا ُف وا ألغنياء‪� :‬أه�ؤلاء ال�ضعفاء والفقراء أ�َ ْن َع َم‬
‫و ُق�ضي الأمر بيني وبينكم‪ ،‬ولك ّن الأمر بيد الله‪ ،‬وهو‬ ‫الله عليهم بالهداية دوننا؟ �إذ لو كان ذلك خيراً ما كان‬
‫�أعلم بالظالمين‪ ،‬لا يخفى عليه �شيء من أ�حوالهم‪،‬‬ ‫ليهد َيهم وي َد َعنا! فر َّد اللهُ تعالى عليهم‪ ،‬ب�أنه أ�علم بمن‬

‫ف ُي ْمهلهم ولا ُيهملهم‪.‬‬ ‫يقع منه ال�ُّشك ُر فيوفقه إ�لى الهداية وا إليمان‪.‬‬
‫‪ 59‬وعنده تعالى خزائ ُن عل ِم الغيب‪ ،‬لا يعلمها‬
‫ولا يحيط بها �إلا هو‪ ،‬ويحيط عل ُمه كذلك بجميع‬ ‫‪ 54‬و�إذا جاءك ‪� -‬أيها النبي‪ -‬ه ؤ�لاء الم�ؤمنون الفقرا ُء‬
‫المخلوقات في ال َ ّب والبحر على اختلاف أ�نواعها‬ ‫الذين �آمنوا بنبوتك وكتابك‪ ،‬فقل لهم احتفا ًء بهم‬
‫و أ�جنا�سها و أ��شكالها‪ ،‬ولا ت�سقط ِم ْن ورقة ِمن ال�شجر‬ ‫وتب�شيراً لهم‪� :‬سلا ٌم عليكم‪� ،‬أُ َب�شركم برحمة الله الوا�سعة‪،‬‬
‫إ�لا يعلم بها وبوقت �سقوطها وكيفي ِة �سقوطها‪ ،‬ولا ح َّب ٍة‬ ‫التي �أوجبها على نف�سه تف ُّ�ضل ًا منه وكرم ًا‪ ،‬والتي تق�ضي‬
‫في بطن ا ألر�ض �إلا يعلم مكا َنها وهل تثمر أ�و لا‪ ،‬ولا‬ ‫ب�أ ّن َم ْن عمل منكم �سيئ ًة بجهالة منه‪ ،‬غي َر متدب ٍر عواقبها‪،‬‬
‫ِم ْن �شيء فيه رطوبة �أو ُي ْب� ٌس �إ ّل وهو معلوم عند الله‪،‬‬ ‫ثم أَ� ْق َلع عن الذنب نادم ًا م�ستغفراً‪ ،‬و أ�َ ْ�صلح عمله‪َ ،‬غفر‬

‫م�س َّج ٌل في اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫الله له‪ ،‬ألنه كثير المغفرة وا�سع الرحمة‪.‬‬

‫‪١٣٤‬‬ ‫‪ 55‬وكما ف َّ�صلنا لك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬دلائلنا على‬
‫ِ�ص ّحة التوحيد وف�ساد ما هم عليه من ال�شرك كذلك ُنب ِّي‬
‫لك �أدلة حججنا وبراهيننا على تقرير ك ِّل ح ٍّق ينكره‬
‫�أهل الباطل؛ وليظ َهر للنا�س طري ُق المجرمين‪ ،‬فينك�شف‬

‫�أمرهم‪ ،‬وت�ستبين �سبيلهم‪.‬‬

‫‪ 56‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لم�شركي قومك‪� :‬إ ّن الله نهاني‬
‫أ�ن أَ� ْعبد ا ألوثان وا ألنداد التي عبدتموها ِم ْن دون الله‪،‬‬
‫فلا‪  ‬أ�تبع أ�هواءكم الفا�سدة وعقائدكم الزائغة‪ ،‬ف إ� ّن إ� ْن‬
‫فعل ُت ذلك َأ� ُك ْن قد انحرف ُت عن الح ّق‪ ،‬ولم �أكن في‬
‫زمرة المهتدين‪ .‬وفي هذا تعري� ٌض بهم �أنهم �ضالون عن‬

‫طريق الهدى‪ ،‬لي�سوا على �شيء منه‪.‬‬

‫‪ 57‬وقل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لهم �أي�ض ًا‪� :‬إ ّن على �شريع ٍة‬
‫وا�ضح ٍة من دين الله‪ ،‬والحا ُل أ�نكم ك ّذبتم بالح ّق والقر�آن‬
‫الذي جاءني ِم ْن عند الله‪ ،‬ولي�س عندي ما تطلبونه ِم ْن‬
‫تعجيل العذاب‪ ،‬بل ا ألم ُر بيد الله َو ْحده‪ ،‬وما الـ ُحك ُم‬
‫في ت أ�خير العذاب أ�و تعجيله إ�ال‪ ‬لله َو ْحده‪ ،‬يق�ضي الق�ضا َء‬
‫الح َّق‪ ،‬وهو خير َم ْن ب َّ َي وم َّي َز بين الـ ُم ِح ِّق والـ ُم ْب ِطل‪ ،‬فلا‬

‫يقع في ق�ضائه َجو ٌر ولا َحي ٌف على �أحد ِم ْن خلقه‪.‬‬

‫‪ُ 63‬ق ْل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء الكفار الذين يعبدون‬ ‫‪ 60‬وهو �سبحانه الذي َيتو ّفى ا ألنف� َس التي َت ْق ِدرون‬
‫الأ�صنام ِم ْن دون الله‪َ :‬من الذي ُين ّجيكم ِمن ظلمات‬ ‫بها على ا إلدراك والتمييز عند منامكم‪ ،‬ويعلم ما‬
‫البر �إذا �ضللتم فيه وتحيرتم و أ�ظلم ْت عليكم ال ُّطرق؟ و َمن‬ ‫ك�سبتم من الأعمال بالنهار‪ ،‬ثم يوقظكم من منامكم في‬
‫الذي ُين ّجيكم ِمن ظلمات البحر �إذا ركبتموه ف أ�خط�أتم‬ ‫النهار‪ ،‬وت�ستم ُّرون على ذلك لتبلغوا المد َة التي ح ّددها‬
‫ال ّطريق و�أظلم ْت عليكم ال�ُّسبل فلم تهتدوا‪ ،‬تدعونه‬ ‫الله لحياتكم‪ ،‬ثم إ�ليه معا ُدكم‪ ،‬فيخبركم ب أ�عمالكم‬
‫علاني ًة و�س ّراً قائلين‪ :‬لئن أ�نجيتنا يا ر ُّب ِم ْن هذه ال�ش ّدة‪،‬‬
‫ويجازيكم عليها‪ ،‬إ� ْن خيراً فخير‪ ،‬و�إ ْن �ش ّراً ف�شر‪.‬‬
‫لنكون َّن من ال�شاكرين لك على هذه النعمة؟‬
‫‪ 61‬وهو �سبحانه الغال ُب على خلقه‪ ،‬العالي عليهم‬
‫‪ 64‬قل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬الله وحده القادر على‬ ‫بقدرته‪ ،‬وير�سل عليكم ملائكة َي َتعاقبونكم ليل ًا ونهاراً‪،‬‬
‫تفريج الكرب عنكم‪ُ ،‬ين ّجيكم ِم ْن كل �ش ّدة وهول‪ ،‬ثم‬ ‫يحفظون �أعمالكم و ُيح�وصنها‪ ،‬حتى �إذا حان �أج ُل‬
‫�أنتم بعد ذلك الإقرا ِر ت�شركون معه ا أل�صنام التي لا ت�ض ُّر‬ ‫أ�ح ِدكم وح�ضرته وفا ُته‪ ،‬تو َّفته ملائكتنا المو َّكلون بقب�ض‬
‫الأرواح‪ ،‬وهم لا ُيق ِّ�صون في القيام بوظيفتهم في‬
‫ولا تنفع!‬
‫الحفظ وفي قب�ض ا ألرواح‪.‬‬
‫‪ 65‬قل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪� :-‬إنه تعالى قاد ٌر على �أن‬
‫يبعث عليكم عذاب ًا ِم ْن فوقكم ‪ -‬كالحجارة وال�وصاعق‪،‬‬ ‫‪ 62‬ثم ُي َر ُّد العبا ُد بعد �إحيائهم يوم القيامة‪ ،‬إ�لى ربهم‬
‫والريح المدمرة‪ -‬أ�و ِم ْن تحت أ�رجلكم ‪ -‬كالخ�سف‬ ‫وخا ِلقهم ورازقهم ومد ِّبر أ�مورهم‪ ،‬الذي لا يق�ضي �إلا‬
‫والزلزلة‪� -‬أو َي ْخ ِلطكم ِفرق ًا و�أحزاب ًا مختلف َة الأهواء‪،‬‬ ‫بالح ّق والعدل‪ ،‬وهو الحاكم َو ْحده في ذلك اليوم‪ ،‬وهو‬
‫يقاتل بع�ضكم بع�ض ًا‪ .‬انظر كيف نب ِّي لهم دلالات‬
‫قدرتنا وا�ستحقاقنا وحدنا العبادة لكي يفهموها‬ ‫أ��سرع َم ْن يتو ّلى الح�ساب‪ ‬والجزاء‪.‬‬
‫ويتد ّبروها‪ ،‬فيرجعوا ع ّما هم عليه من المكابرة والعناد‪.‬‬

‫‪ 66‬وك َّذب بهذا القر آ�ن العظيم قو ُمك الم�شركون‬
‫ِم ْن قري�ش‪ ،‬وهو الكتاب المنزل بالح ّق من ر ِّب العزة‬
‫والجلال‪ ،‬قل ‪� -‬أيها‪ ‬الر�سول‪ -‬له�ؤلاء المك ِّذبين‪ :‬ل�س ُت‬
‫عليكم بحفي ٍظ ولا رقي ٍب حتى أ�جازيكم على تكذيبكم‬

‫و إ�عرا�ضكم عن قبول الح ّق‪ ،‬و إ�نما �أنا منذر‪.‬‬

‫‪ 67‬لك ِّل خب ٍر نهاي ٌة ينتهي إ�ليها‪ ،‬فيتبين ح ُّقه ِم ْن‬
‫باطله‪ ،‬و�سوف تعلمون �أيها المك ِّذبون ِ�ص ْد َق ما �أنذركم‬

‫به عندما يح ُّل بكم العذاب!‬

‫‪ 68‬و�إذا ر�أي َت ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬ه�ؤلاء الم�شركين الذين‬
‫يخو�وضن في القر�آن بالطعن والتكذيب والا�ستهزاء‬
‫فلا‪ ‬تجال�سهم و ُق ْم عنهم حتى ي أ�خذوا في حديث آ�خر‪،‬‬
‫و�إ ْن أ�ن�ساك ال�شيطا ُن نه َينا عن الجلو�س معهم ثم ذكر َت‬

‫ذلك؛ فلا تقع ْد بعد تذ ُّك ِر النهي‪ ‬معهم‪.‬‬

‫‪١٣٥‬‬

‫‪ 72‬و َأ� َم َرنا الله ج َّل وعلا بالمحافظة على ال�صلاة‪،‬‬ ‫‪ 69‬ولي�س على َمن ا َّتقى الله ف�أطاعه �شي ٌء من ال َّت ِبعة‬
‫و�أدائها على الوجه ا ألكمل‪ ،‬كما �أُمرنا بتقواه والخوف‬ ‫والإثم‪� ،‬إذا اجتنب ه ؤ�لاء الخائ�ضين و َ�أ ْع َر�ض عنهم‪،‬‬
‫منه في جميع ا ألحوال‪ ،‬وهو الذي إ�ليه تح�شرون يوم‬ ‫ولك ْن َأ� َم ْرنا الم ؤ�منين با إلعرا�ض عنهم‪ ،‬لعلهم يتذ ّكرون‬
‫ويجتنبون الخو�َض في �آياتنا‪ ،‬حيا ًء من الم�ؤمنين‪ ،‬إ�ذا‬
‫القيامة للح�ساب والجزاء‪ ،‬فيجازي ك َّل عام ٍل بعمله‪.‬‬
‫ر�أوهم تركوا مجال�سهم‪.‬‬
‫‪ 73‬وهو الله َو ْحده المنفرد بخلق ال�سماوات‬
‫وا ألر�ض‪ ،‬أ�قام َخلقهما على الح ّق والحكمة‪ ،‬ويوم يقول‬ ‫‪ 70‬و أَ� ْع ِر�ْض ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬عن ه ؤ�لاء الذين‬
‫الله ل�شي ٍء أ�راد إ�يجاده‪ُ « :‬ك ْن»‪ ،‬فيكون موجوداً‪ ،‬قو ُله‬ ‫اتخذوا دي َن الله �سخري ًة وا�ستهزاء‪ ،‬و َخ َدعتهم هذه الحيا ُة‬
‫ال ِّ�صد ُق الواقع لا َمحال َة‪ ،‬وله الـ ُمل ُك التا ُّم الذي لا‬ ‫الفانية حتى ن�سوا البعث والمعاد‪ ،‬ولا ُتبا ِل بتكذيبهم‬
‫ُينازعه فيه �أح ٌد يوم ُينفخ في ال�وصر نفخ َة الإحياء‪ ،‬وهو‬
‫العا ِلـ ُم بما غاب وما َح َ�ض ِم ْن كل �شيء‪ ،‬وهو الحكيم‬ ‫وا�ستهزائهم وذ ِّك ْر بالقر�آن كيلا ُتر َت َهن َن ْف� ٌس بذنوبها‪،‬‬
‫في جميع أ�فعاله وما َي�صدر عنه‪ ،‬الخبير بكل �شيء ظاه ٍر‬ ‫ف ُت�ْس َلم للهلاك‪ ،‬لي�س لها نا�صرٌ ينجيها ِم ْن عذاب‪ ‬الله‪،‬‬
‫ولا �شفي ٌع ي�شفع لها‪ ،‬و إ�ن َت ْفت ِد َن ْف َ�سها بكل ِفدا ٍء لا ُيقبل‬
‫�أو باط ٍن‪.‬‬ ‫منها‪� ،‬أولئك الكافرون الذين أ�ُ�ْس ِلموا للعذاب ب�سبب‬
‫�أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة‪ ،‬لهم ما ٌء حا ٌّر في‬
‫‪١٣٦‬‬ ‫جهنم ال‪ ‬يروي عط�شهم‪ ،‬ولهم مع هذا الحميم العذا ُب‬
‫ا أللي ُم والهوا ُن المقي ُم‪ ،‬جزا َء كفرهم الم�ستم ِّر وتكذيبهم‬

‫ب�آيات الله‪.‬‬

‫‪ُ 71‬ق ْل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء الم�شركين الذين‬

‫يحاولون ر َّد الم�سلمين عن دينهم ‪ -‬على وجه التوبيخ‬
‫لهم‪ :-‬أ�نعب ُد ما ال‪ ‬ينفعنا �إ ْن دعوناه‪ ،‬ولا ي�ضرنا إ� ْن‬

‫تركناه؟ و َنرج ُع إ�لى ال�ضلالة بعد �أن �أنقذنا اللهُ ورزقنا‬
‫الإ�سلام؟ فيكون م َث ُلنا مثل الرجل الذي �أغوته ال�شياطين‬
‫و�أ�ضلته‪ ،‬حتى لم يهتد لل َمح ّجة‪ ،‬و َج َع َل ْته تائه ًا متحيراً‬
‫في الأر�ض‪ ،‬له أ��صحاب يدعونه إ�لى طريق الهدى‪،‬‬

‫قائلين له‪ :‬ا�ْس ُلك طريقنا و ُك ْن معنا على الدين الح ّق‪،‬‬
‫وهو ي�أبى ذلك ويتبع داعي ال�شيطان‪ ،‬قل لهم‪� :‬إ ّن‬

‫طريق الله الذي ب ّينه لعباده‪ ،‬ودي َنه الذي �شرعه لهم هو‬
‫الهدى والنور والا�ستقامة‪ ،‬لا ما تدعوننا إ�ليه ِم ْن عبادة‬

‫ا أل�صنام‪ ،‬و ُأ�مرنا جميع ًا �أن ُنخل�ص العبادة لله وحده‪.‬‬

‫ر ِّبي‪ ،‬فلما غاب ذلك الكوكب‪ ،‬قال‪ :‬لا أ�ح ُّب عبادة‬
‫إ�ل ٍه متغي ٍر ِم ْن حا ٍل �إلى حا ٍل‪َ ،‬ي ْظهر ثم يغيب؛ �إذ ما كان‬

‫كذلك لي�س ر ّب ًا بل هو مخلوق ُم َ�س ّخر‪.‬‬

‫‪ 77‬فل ّما ر�أى القم َر طالع ًا قال‪ :‬هذا ر ّبي‪ ،‬فل ّما غاب‬
‫قال‪ :‬لئن لم يو ّفقني ر ّبي لمعرفة الح ّق في توحيده‪ ،‬ألكون ّن‬

‫من القوم الذين �أخط�ؤوا فلم ي�صيبوا الهدى‪.‬‬

‫‪ 78‬فل ّما ر أ�ى ال�شم�س �ساطع ًة م�ضيئ ًة قال‪ :‬هذا ر ّبي‪،‬‬

‫هذا أ�كبر من الكوكب والقمر‪ ،‬فل ّما غاب ْت قال إ�براهيم‪:‬‬
‫يا قوم �إ ّن بري ٌء ِم ْن عبادة ا آللهة وا أل�صنام‪.‬‬

‫‪ 79‬إ� ّن و ّجهت وجهي للدائم الذي يبقى ولا يفنى‪،‬‬
‫الذي ابتدع َخ ْلق ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬مائل ًا عن كل‬

‫دي ٍن باط ٍل إ�لى الدين الح ّق‪ ،‬ول�س ُت ممن يدين بدينكم‪.‬‬

‫‪ 80‬وجادله قو ُمه في أ�مر توحيد الله‪ ،‬فقال منكراً‬ ‫‪ 74‬واذكر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لقومك‪ ،‬حين قال‬
‫عليهم‪� :‬أتجادلونني في وحدانية الله‪ ،‬وقد و ّفقني لمعرفة‬
‫وحدانيته وب َّ�صني طريق الح ّق؟ ولا �َأ ْر َه ُب معبودا ِتكم‬ ‫إ�براهيم ألبيه «�آزر» منكراً عليه عبادة ا أل�صنام‪ :‬أ�تعب ُد‬
‫أ�ن تنا َلني ب�ُسو ٍء ومكرو ٍه‪� ،‬إلا َ�أ ْن ي�صيبني �شي ٌء بق�ضاء‬ ‫حجار ًة‪ ،‬لا ت�ض ُّر ولا تنفع‪ ،‬تجعلها �آلهة ِم ْن دون‪ ‬الله؟! �إ ّن‬
‫الله وقدره‪ ،‬وقد �أحاط عل ُم ر ّبي با أل�شياء ك ِّلها‪ ،‬ولا ِع ْل َم‬ ‫أ�راك وقو َمك الذين ي�شاركونك في عبادتها في �ضلال‬
‫آللهتكم ب�شيء منها‪ ،‬أ�تغفلون عن كل ذلك فلا تدركون‬
‫وا�ضح عن الطريق القويم‪.‬‬
‫أ�ن العاجز الجاهل ال‪ ‬ي�ستح ُّق أ�ن ُيعبد؟!‬
‫‪ 75‬وكما ب َّ� ْصنا إ�براهي َم بما عليه أ�بوه وقو ُمه من‬
‫‪ 81‬و إ� َّن ِمن العج ِب َأ� ْن �أخا َف �آلهتكم الباطلة‪ ،‬ولا‬ ‫�ضلال‪ ،‬نك�شف له عن �أ�سرار التوحيد في ال�سماوات‬
‫وا ألر�ض‪ ،‬حتى ُي�شا ِهد فيهما �صا ِن َعهما‪ ،‬و َي�ْست ِد َّل بها‬
‫تخافون أ�نكم عبدتم مع الله ‪ -‬الذي قامت الـ ُح ّجة على‬ ‫على وحدانية الله‪ ،‬وليزدا َد بذلك �إيمان ًا يكون به من‬
‫وحدانيته‪� -‬آله ًة لم يقم دلي ٌل على أ�نها ت�ستح ُّق أ�َ ْن ُتعبد!‬
‫ف�أ ُّي فريق م ّنا في هذه الحال �أح ُّق بالطم أ�نينة وا ألمان �إ ْن‬ ‫الرا�سخين‪ ‬فيه‪.‬‬

‫كنتم تعلمون الح َّق وتدركونه؟‬ ‫‪ 76‬فل ّما َ�أ ْظلم اللي ُل و�ستر ك َّل �شيء بظلامه‪ ،‬ر�أى‬
‫�إبراهي ُم كوكب ًا م�ضيئ ًا في ال�سماء‪ ،‬فقال على طريقة‬
‫الا�ستدراج لقومه‪ ،‬ل ُيع ِّرفهم جه َلهم وخط�أهم‪ :‬هذا‬

‫‪١٣٧‬‬

‫‪ 82‬قال الله تعالى فا�صل ًا بين الفريقين‪ :‬الذين �ص َّدقوا‬
‫الله‪ ،‬و�أخل�وصا له العبادة‪ ،‬ولم يخلطوا إ�يمانهم وعبادتهم‬
‫ب�شرك‪� ،‬أولئك لهم ا ألمن ِم ْن عذاب الله في الآخرة‪،‬‬

‫وهم ال�سالكون طريق الر�شاد والنجاة‪.‬‬

‫‪ 83‬وهذه ُح ّجتنا الدامغة �أعطيناها إلبراهيم على‬
‫قومه قطع ًا لعذرهم‪ ،‬نرفع درجات َم ْن �شئنا ِم ْن عبادنا‬
‫في الدنيا بالنب ّوة والعلم والحكمة‪ ،‬وفي ا آلخرة بالمقام‬
‫الرفيع في الجنة‪� ،‬إنه تعالى حكيم في تدبير �ش�ؤون خلقه‪،‬‬

‫عليم‪ ‬ب أ�حوالهم‪.‬‬

‫المعدودين المن ّوه بهم‪.‬‬ ‫‪ 84‬ووهبنا لإبراهيم ذري ًة �ش ّرفناها بالكرامة‪،‬‬
‫وخ�ص�صناها بالنبوة‪ ،‬منهم ابنه �إ�سحاق‪ ،‬وابن �إ�سحاق‬
‫يعقوب‪ ،‬هديناهما جميع ًا �إلى �سبيل الر�شاد‪ ،‬كما هدينا‬
‫نوح ًا ِم ْن َقبل ذلك‪ ،‬وهدينا أ�ي�ض ًا ِم ْن ذرية �إبراهيم‬
‫ه ؤ�لاء ا ألنبياء الكرام‪ :‬داود‪ ،‬و�سليمان‪ ،‬و�أيوب‪،‬‬
‫ويو�سف‪ ،‬ومو�سى‪ ،‬وهارون‪ ،‬وكما جزينا �إبراهيم على‬
‫توحيده و�صبره على �أذى قومه كذلك نجزي المح�سنين‬

‫على‪� ‬إح�سانهم‪.‬‬

‫‪ 89‬أ�ولئك الذين �س ّميناهم من ا ألنبياء هم الذين‬ ‫‪ 85‬وهدينا كذلك من ذرية إ�براهيم‪ :‬زكريا‪ ،‬ويحيى‪،‬‬
‫�آتيناهم ال ُكتب المنزلة‪ ،‬و�آتيناهم العلم والفهم‪،‬‬ ‫وعي�سى‪ ،‬و إ�ليا�س‪ ،‬وك ٌّل ِم ْن ه�ؤلاء المذكورين ِم ْن عباد‬

‫و�ش ّرفناهم بالنبوة‪ ،‬ف إ� ْن يجحد ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬بدلائل‬ ‫الله ال�صالحين‪.‬‬
‫التوحيد والنبوة كفا ُر قري�ش‪ ،‬فقد �أَ ْر�صدنا وو َّفقنا‬
‫للإيمان بها والقيام بح ّقها قوم ًا لي�سوا بكافرين بها‪،‬‬ ‫‪ 87 86‬وهدينا �أي�ض ًا‪ :‬إ��سماعيل‪ ،‬وا ْلي�سع‪ ،‬ويون�س‪،‬‬
‫ولوط ًا‪ ،‬وك ُّل ه ؤ�لاء ا ألنبياء و ّفقناهم للخير‪ ،‬وف ّ�ضلناهم‬
‫بر�سالتك‪،‬‬ ‫هم م�ستم ّرون على ا إليمان والت�صديق‬ ‫و إ�نما‬ ‫على العالمين في زمانهم بالنبوة والر�سالة‪ .‬وهدينا ِم ْن‬
‫للنبي ‪‬‬ ‫المهاجرون وا ألن�صار‪ .‬وهذه ت�سلي ٌة‬ ‫وهم‬ ‫آ�باء ه�ؤلاء و ِم ْن ذرياتهم و�إخوانهم آ�خرين �سواهم لم‬
‫نذكرهم‪ ،‬وا�صطفيناهم لإبلاغ ر�سالتنا‪ ،‬و�أر�شدناهم‬
‫وب�شارة له‪.‬‬
‫إ�لى الدين الح ّق‪.‬‬
‫‪ 90‬ه ؤ�لاء هم الذين و َّفقهم الله لدينه الح ِّق‪ ،‬فاقت ِد‬
‫بمنهجهم ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬وات ِخ ْذهم لك أُ��سوة‪ ،‬و ُقل‬ ‫‪ 88‬ذلك الهدى إ�لى الدين الح ّق الذي دانوا به‬
‫هو توفيق الله و ُلطفه الذي يوفق به َم ْن ي�شاء ِمن‬
‫لقومك المعاندين‪ :‬أ�نا لا أ�طلب منكم على تبليغ الر�سالة‬ ‫عباده‪ ،‬ولو �أ�شرك ه ؤ�لاء الأنبياء ‪ -‬على �سبيل الفر�ض‬

‫أ�جراً ‪ -‬وهذا تنبي ٌه لهم على أ�ن ن�صيحته لهم ن�صيح ٌة‬ ‫والمق�وصد‬ ‫والتقدير‪َ -‬ل َبطل �أج ُر أ�عمالهم ال�صالحة‪.‬‬
‫خال�صة‪ ،‬و�أنه لا َغر�ض له بدعوتهم إ�لا هدايتهم‪ -‬وما‬ ‫ألح ٍد ولو‬ ‫من هذا تفظيع �أمر ال�شرك‪ ،‬و أ�نه لا ُيغفر‬
‫هذا القر آ�ن الذي جئتكم به من الله إ�لا ِعظ ٌة وتذكي ٌر‬
‫بلغ من ف�ضائل الأعمال مبلغ ًا عظيم ًا مثل ه�ؤلاء‬
‫لجميع الخلق‪.‬‬

‫‪١٣٨‬‬

‫على مو�سى‪ ،‬ثم اتركهم فيما يخو�وضن فيه من الباطل‬ ‫‪ 91‬وما َع َرف ه�ؤلاء الم�شركون الله ح َّق معرفته‪ ،‬ولا‬
‫ع َّظموه ح َّق تعظيمه حين أ�نكروا �ش أ�ن ًا عظيم ًا من �ش ؤ�ونه‬
‫ي�ستهز ُئون وي�سخرون‪.‬‬ ‫تعالى‪ ،‬وهو �ش�أن هدايته للنا�س ب إ�ر�سال الر�سل و إ�نزال‬

‫‪ 92‬وهذا القر آ�ن كتاب أ�نزلناه ِمن عندنا عليك ‪ -‬أ�يها‬ ‫الكتب عليهم؛ مبالغ ًة منهم في المكابرة والجحود! قل‬
‫الر�سول‪ -‬كثير الخير والبركة‪ ،‬دائ ُم النفع‪ ،‬مواف ٌق وم ؤ�ِّي ٌد‬ ‫لهم ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬توبيخ ًا لهم وتقريع ًا و إ�لزام ًا لهم‬
‫لما أُ�نزل قبله من الكتب كالتوراة والإنجيل؛ �أنزلناه ِلتنذر‬
‫به أ�ه َل مكة و َم ْن حولها من النا�س في أ�قطار ا ألر�ض‬ ‫بالحجة‪ ،‬وكذا لمن أ�غروهم من اليهود ب�إنكارهم الوحي‬
‫كا ّف ًة‪ .‬والذين ُي�ص ِّدقون بالـ َمعاد ولقاء الله‪ ،‬ي�ص ِّدقون بهذا‬
‫الكتاب المنزل عليك يا محمد‪ ،‬وهم يحافظون على‬ ‫�إليك‪َ :‬من �أنزل الكتاب ( التوراة) الذي جاء به مو�سى‪،‬‬
‫�ضيا ًء من ظلمة ال�ضلالة‪ ،‬وبيان ًا للنا�س يب ِّي لهم الح َّق‬
‫�صلاتهم ويقيمونها على النحو الذي �أمرهم‪ ‬به‪ ‬ر ُّبهم‪.‬‬ ‫من الباطل؟ تجعلونه يا مع�شر اليهود مكتوب ًا في �صحف‬

‫‪ 93‬و َم ْن أ�عظ ُم خط ًأ� و أ�جه ُل فعل ًا ممن اخ َت َلق على الله‬ ‫ُتظهرونها للنا�س‪ ،‬وتكتمون كثيراً مما فيها من أ�مر نبوة‬
‫كذب ًا‪� ،‬أو زعم �أ ّن الله أ�وحى �إليه‪َ ،‬فبع َثه نب ّي ًا و�أر�سله نذيراً‪،‬‬ ‫محمد ‪ - -‬و ُع ِّلمتم أ�نتم ‪ -‬أ�يها العرب‪ -‬على ل�سان‬
‫أ�و ا ّدعى �أنه يعار�ض بباط ِل كلا ِمه كلا َم الله المنز َل الذي‬ ‫محمد ما لم تعلموا أ�نتم ولا آ�با ؤ�كم من المعارف التي‬
‫لا ي�أتيه الباطل ِم ْن بين يديه ولا ِمن َخلفه؟ ولو ترى‬
‫‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬الظالمين وقد غ�شيتهم �سكرا ُت الموت؛‬ ‫لا يرتاب عاق ٌل �أنها تنزي ٌل من عند الله‪ .‬قل لهم ‪� -‬أيها‬
‫لر�أيت أ�مراً فظيع ًا هائل ًا‪� ،‬إذ ت�ضرب الملائك ُة وجو َههم‬
‫و�أدبار َهم قائلين لهم‪ :‬خ ِّل�وصا �أنف�سكم من العذاب‬ ‫الر�سول‪ -‬جواب ًا عن ذلك‪ :‬الله هو الذي أ�نزل الكتاب‬
‫�إن ا�ستطعتم‪ ،‬ف�إنكم اليوم ُتزون على كفركم بعذا ٍب‬
‫ُيهينكم و ُيذ ّلكم ‪ -‬وهو عذاب جهنم‪ -‬وذلك بقولكم‬
‫على‪ ‬الله الباطل‪ ،‬وا�ستكبا ِركم عن الخ�وضع ألمره‪،‬‬

‫والانقيا ِد لطاعته‪.‬‬

‫‪ 94‬ويقول الله له�ؤلاء في الآخرة‪ :‬لقد جئتمونا‬
‫للح�ساب والجزاء‪ ،‬منفردين عن ا ألهل وا ألموال‬

‫وا ألولاد‪ ،‬على الهيئة التي ُولدتم عليها من الانفراد‬
‫والتجريد ُحفا ًة ُعرا ًة ُغ ْرل ًا ‪� -‬أي غير مختونين‪ -‬و َتركتم‬
‫خلفكم ما أ�عطيناكم وم َّل ْكناكم من المال والخدم والمتاع‬

‫في الدنيا‪ ،‬فلم ينفعكم �شي ٌء منها‪ ،‬وما َنرى معكم‬
‫آ�لهتكم الذين كنتم تزعمون أ�نهم �س َي�ْشفعون لكم عند‬
‫الله‪ ،‬و�أنهم �شركاء مع الله في ا�ستحقاق العبادة‪ ،‬لقد‬
‫تف ّرق َو ْ�ص ُلكم وت�شت َت �شم ُلكم‪ ،‬وغاب عنكم ال�شركا ُء‬

‫وال�شفعا ُء‪.‬‬

‫‪١٣٩‬‬

‫الرمان م�شتبه ًا ورقه مختلف ًا ثمره‪ ،‬انظروا نظر َة ت أ�م ٍل‬ ‫‪ 95‬الله ج َّل وعلا هو الذي ي�شق الـ َح َّب فيخرج منه‬
‫واعتبا ٍر إ�لى ثمره إ�ذا أ�َثْم َر‪ ،‬و إ�لى ُن�ضجه إ�ذا �أدر َك وق َت‬ ‫الزرع‪ ،‬ويفلق النوى فيخرج منه ال�شجر‪ُ ،‬يخرج الح َّي‬
‫ال ِقطاف‪ .‬إ� ّن فيما ُذكر ِم ْن �إنزال الماء و�إخراج النبات‬ ‫من الميت بما يتجدد في الحي من مادة حية �أ�ص ُلها مادة لا‬
‫حياة فيها‪ ،‬و ُيخرج المي َت من الحي بما يتحلل من مادته‬
‫لبراهين �ساطعة لقوم ي�ص ِّدقون بوحدانية‪ ‬الله‪ ‬وقدرته‪.‬‬ ‫الحية في�صبح مادة ميتة‪ .‬فذلكم المد ِّبر الخال ُق وال�صان ُع‬
‫لهذه ا أل�شياء المحيي المميت لها‪ ،‬هو الله الم�ستحق للعبادة‬
‫‪ 100‬و َج َع َل الم�شركون الج َّن �شركا َء لله‪ ،‬واللهُ َخ َلقهم‬
‫منفرداً بخلقهم‪ ،‬وا ْخ َتلقوا ون�سبوا له بني َن ك ُعزير‬ ‫وحده‪ ،‬فكيف ُت�صرفون عنه �إلى غيره؟‬
‫وعي�سى‪ ،‬وبنا ٍت كالملائكة حين زعموا �أنهم بنا ُت الله‪،‬‬
‫جهل ًا خال�ص ًا منهم بالله وعظمته‪َ ،‬تن ّزه الله وارتفع ع ّما‬ ‫‪ 96‬هو �سبحانه الذي أ�خرج �وضء ال�صب ِح من ُظلمة‬
‫الليل‪ ،‬وجعل الليل للراحة َي�سكن فيه ك ُّل َم ْن تعب‬
‫ي�صفه به ه ؤ�لاء الجهلة ِم ْن خلقه‪.‬‬ ‫بالنهار في�ستريح‪ ،‬وجعل ال�شم� َس والقمر يجريان‬
‫بح�سا ٍب دقيق‪ ،‬تتعلق به م�صالح الخلق‪ ،‬و ُيعرف بهما‬
‫‪ 101‬الله ُمبدع ال�سماوات وا ألر�ض على غي ِر مثا ٍل‬ ‫ا ألوقات وا أليام والليالي وال�شهور والأعوام‪ ،‬ذلك هو‬
‫�سابق‪ ،‬كيف يكون له ولد ولي�س له زوجة حتى ي�أتي‬ ‫تدبير ا إلله الذي قهرهما بع ّزته‪ ،‬و�س ّيهما على ذلك‬
‫منها الولد؟ وهو �سبحانه الخال ُق لك ّل �شيء‪ ،‬فكيف‬
‫ُيت�وصر أ�ن يكون المخلو ُق ولداً لخالقه؟ وهو �سبحانه‬ ‫ال�سير البديع بعلمه وحكمته‪.‬‬
‫�أحاط بكل �شيء علم ًا‪ ،‬فلا تخفى عليه خافي ٌة مما كان‬
‫‪ 97‬وهو �سبحانه الذي جعل لكم في مواقع النجوم‬
‫ومما �سيكون من الذوات وال�صفات والأفعال‪.‬‬ ‫وحركتها �أدل ًة وعلامات تهتدون بها لمعرفة طريقكم‬
‫وتعيين موا ِقعكم ليل ًا �سواء في البر �أو في البحر‪ ،‬قد ب َّينا‬
‫‪١٤٠‬‬ ‫ا آليات الدالة على توحيدنا وكمال قدرتنا‪ ،‬ليتدبرها‬

‫أ�ُولو العلم والفهم‪.‬‬

‫‪ 98‬وهو �سبحانه الذي خلقكم و�أبدعكم ِم ْن نف�س‬
‫واحدة‪ ،‬هي نف�س �أبيكم �آدم‪ ،‬وجعل لكم م�ست َق ّراً‬
‫في أ�رحام �أمهاتكم‪ ،‬وم�ستو َدع ًا في �أ�صلاب �آبائكم‬
‫ُتفظون فيه‪ ،‬قد ب َّينا الآيات الدالة على توحيدنا وكمال‬

‫قدرتنا لقوم يفهمون دقائق �أ�سرار القدرة‪.‬‬

‫‪ 99‬واللهُ هو الذي �أنزل من ال�سحاب ما ًء‪ ،‬ف�أخرج‬
‫به من ا ألر�ض ك َّل أ��صناف النبات‪ ،‬و أ�خرج من النبات‬
‫زرع ًا أ�خ�ضر طر ّي ًا‪ُ ،‬يخرج ِم ْن بع�ضه َح ّب ًا مر َّكب ًا بع ُ�ضه على‬
‫بع�ض كال�سنابل‪ ،‬و ُيخرج ِم ْن َط ْل ِع النخل عناقيد قريب َة‬
‫التناول‪ ،‬و�أخرجنا �أي�ض ًا بذلك الماء ب�ساتين وحدائق فيها‬
‫�أنواع �شجر العنب‪ ،‬و�أخرجنا به �شجر الزيتون و�شجر‬

‫�ص َّر ْفناها وب ّيـ ّناها من قبل‪ -‬ليعتبروا وي ّتعظوا بما فيها من‬
‫الـ ُحجج‪ ،‬وليقول الم�شركون‪ :‬قر�أ َت يا محمد وتعلم َت‬
‫من الكتب ال�سابقة‪ ،‬فجئت بهذا القر آ�ن! وليت�ضح معناها‬

‫عند قوم �آخرين فيهتدوا بها إ�لى معرفتي وتوحيدي‪.‬‬

‫‪ 106‬اتب ْع ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬ما أ�مرك به ر ُّبك في وحيه‬
‫الذي �أوحاه إ�ليك‪ ،‬ف�إنه وحده المنفرد با أللوهية‪ ،‬ولا‬
‫ُت ْ�ص ِغ �إلى َم ْن يعبد مع الله غيره‪ ،‬ولا َتـ ْحفل ب أ�قوال‬

‫الم�شركين ولا تلتف ْت �إلى �آرائهم‪.‬‬

‫‪ 107‬ولو �شاء الله لجعلهم م�ؤمنين ب َخ ْلقهم مج َبين غير‬
‫مخ َّيين‪ ،‬لك ْن �سبقت م�شيئته بخلقهم مخ َّيين‪ ،‬وهو ما‬
‫�أدى إ�لى �إ�شراكهم‪ ،‬ولم نبعثك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬حافظ ًا‬
‫تح�صي عليهم �أعمالهم‪ ،‬وما �أنت بمو َّكل مف َّو�ض في‬

‫أ�مرهم‪ ،‬فتلجئهم إ�لى الإيمان‪.‬‬

‫الم�ؤمنون‪� -‬أ�صنا َم الم�شركين‬ ‫‪ 108‬ولا ت�س ُّبوا ‪ -‬أ�يها‬
‫�آلهة ِم ْن دون الله‪ ،‬في�سبوا‬ ‫و أ�وثانهم التي يتخذونها‬

‫الله جهل ًا و�سفه ًا وعدوان ًا‪ ،‬لعدم معرفتهم بعظمة الله‬
‫وجلاله‪ .‬وكما زيّنا له ؤ�لاء الم�شركين ما هم عليه ِم َن‬
‫الوثنية وعبادة ا أل�صنام فر�أوه ح�سن ًا‪ ،‬ز ّينا لكل جماعة‬ ‫‪� 102‬إ ّن المو�وصف بما ُذ ِك َر ِم ْن جلائل ال�صفات هو‬
‫عملهم ِم ْن طاعة الله أ�و مع�صيته‪ ،‬ثم م�صي ُرهم �إلى ربهم؛‬ ‫ربكم لا ر َّب غيره‪ ،‬هو خالق كل �شيء‪ ،‬فهو الم�ستح ُّق‬
‫فيجازيهم على أ�عمالهم‪� ،‬إ ْن خيراً فخير‪ ،‬و إ� ْن �ش ّراً ف�شر‪.‬‬ ‫َو ْحده للعبادة؛ فاعبدوه‪ ،‬وهو �سبحانه الذي يتولى ويدبر‬

‫‪ 109‬حلف الم�شركون ب�أغلظ ا أليمان و أ��شدها لئن‬ ‫�أمور جميع عباده ومخلوقاته‪ ،‬ففو�وضا أ�مو َركم �إليه‪.‬‬
‫‪ 103‬لا تحيط به تعالى ا ألب�صار‪ ،‬وهو المحيط‬
‫جاءتهم معجزة مما كانوا يقترحونه‪ ،‬ل ُي َ�ص ِّد ُقن بها‪،‬‬ ‫علم ًا بالأب�صار وب أ��صحابها وبكل ما في الكون‪،‬‬
‫وب�أنك يا محمد ر�سول الله‪ ،‬قل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪:-‬‬ ‫لا تخفى عليه خافي ٌة‪ ،‬وهو اللطيف بعباده‪ ،‬الخبير‬

‫إ�نما َمرجع هذه الآيات إ�لى الله‪ ،‬وهي في قدرته‬ ‫ب�ش ؤ�ونهم‪ ‬وم�صالحهم‪.‬‬
‫و إ�رادته‪ ،‬يظهرها حيث �شاء‪ ،‬وما ُيدريكم ‪  -‬أ�يها‬
‫الم�ؤمنون‪ -‬لع ّل الآيات إ�ذا جاءتهم لا ي�ص ّدقون بها؛‬ ‫‪ 104‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬للنا�س‪ :‬قد جاءكم ِم ْن ربكم‬
‫براهي ُن توحيده ودلائ ُل معرفته‪ ،‬تنفتح بها الب�صائر‪َ ،‬ف َم ْن‬
‫ف ُيعا َجلوا بالنقمة والعذاب‪.‬‬ ‫تب ّي هذه البراهين والدلائل فاهتدى فقد نفع نف َ�سه‪،‬‬
‫و َم َن عم َي عنها ولم يرفع �إليها ر أ��س ًا‪ ،‬و�ض َّل عن الح ّق‪،‬‬
‫‪ 110‬و ُن�ص ِّر ُف قلو َب ه�ؤلاء الذين أ�ق�سموا بالله لئن‬ ‫فلنف�سه �أ�ساء‪ ،‬ول�س ُت برقي ٍب �أح�صي عليكم �أعمالكم‪،‬‬
‫جاءتهم �آية لي�ؤمنن بها‪ ،‬و أ�ب�صا َرهم في �آفاق ال�سماوات‬
‫وا ألر�ض ليدركوا �آيات الله‪ ،‬ولكنهم مع ذلك لن‬ ‫و إ�نما �أنا منذر‪.‬‬
‫ي�ؤمنوا‪ ،‬كما لم ي�ؤمنوا بالقر آ�ن حين دعاهم الر�سول‬
‫للإيمان به‪ ،‬ونتركهم في كفرهم وجحودهم يتح ّيون‪.‬‬ ‫‪ 105‬وكذلك نب ِّي ا آليات ونف ّ�صلها في كل وجه كما‬

‫‪١٤١‬‬


Click to View FlipBook Version