٨٧الله الذي لا معبود بح ٍّق �سواهُ ،ي ْق ِ�س ُم لي ْب َع َث َّنكم
من بعد َماتكم ،ولي ْح�ُش َّنكم يوم القيامة ،الذي لا �ش َّك
فيه .ولا �أحد أ��صد ُق من الله فيما� أخبر به.
٨٨فما لكم � -أيها الم�ؤمنون -في �ش�أن المنافقين
مختلفون إ�لى فرقتين؟ -وقد نزلت هذه ا آلية في بع�ض
المنافقين خارج المدينة ،أ�ظهروا الإ�سلام ووالوا الكفار
ونا�صروهم ،وخذلوا الم ؤ�منين ،فاختلف ال�صحابة في
كفرهم و�إ�سلامهم وفي إ�جراء ا ألحكام المتعلقة بالكفر
وا إل�سلام عليهم -فب َّي الله تعالى أ�نه ر َّد ه ؤ�لاء المنافقين
إ�لى الكفر وال�ضلال ،ب�سبب ما ك�سبوا من هذه الذنوب
العظام .أ�تريدون -أ�يها الم ؤ�منون -هداية َم ْن أ��ضله الله؟!
-وهذا إ�نكار على َم ْن �أح�سن الظن ب أ�ولئك المنافقين-
ومن ي�ضلله الله ،فلن تجد له طريق ًا إ�لى الهدى.
ه ؤ�لاء المنافقين عليكم � -أيها الم ؤ�منون -ف َلقاتلوكم َ ٨٩و َّد المنافقون َأ� ْن تكفروا مث َلهم؛ فتكونوا مت�ساوين
في الكفر وال َّ�ضلال ،و إ�ذا كانوا كذلك فلا تتخذوا منهم
مع أ�عدائكم من الم�شركين ،ولك َّن الله تعالى َ� َصفهم ُن َ�صاء لكم ،حتى يهاجروا في �سبيل الله ويلتحقوا بكم
عنكم بف�ضله وقدرته ،ف إ�ن اعتزلوكم �أيها الم�ؤمنون فلم في ُن�صرة الحق .وبذلك ي�صير لهم ُح ْك ُمكم ،يجري
عليهم ما يجري على الم�سلمين من ا ألحكام الظاهرة،
يقاتلوكم ،وانقادوا �إليكم ُم�ست�سلمين را�ضين بال ُّ�صلح
وا ألمان ،فلي�س لكم عليهم ِم ْن طري ٍق لقتالهم أ�و أَ��ْسهم. ف�إن �أ ْع َر�وضا عن الهجرة في �سبيل الله ،و َبقوا على
نفاقهم ،ف أ�م�سكوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم،
� ٩١ستجدون قوم ًا آ�خرين من المنافقينُ ،ي ْظ ِهرون لكم في ِح ٍّل �أو َح َرم ،ولا تتخذوا منهم ول ّي ًا ولا ن�صيراً
الإ�سلام ،و ُيظهرون لقومهم الكفر ،يريدون أ�ن ي أ�منوكم
وي�أمنوا قومهم ،و ِم ْن �صفاتهم أ�نهم ك َّلما دعاهم قو ُمهم ت�ستن�صرون به.
إ�لى ال�شرك بالله وقتال الم�سلمين ،وقعوا في تلك الفتنة،
٩٠ا�ستثنى الله تعالى من ه ؤ�لاء المنافقين الم�أمو ِر
فقا َتلوكم معهم ،ف�إ ْن لم يتركوا قتالكم ،ولم ي�سالموكم،
فخذوهم بقو ٍة واقتلوهم حيث أ�دركتموهم وتم َّكنتم ب�أ�سرهم وقتلهم :المنافقين الذين لج ؤ�وا �إلى قوم بينهم
منهم ،و أ�ولئك المنافقون ال ُف ّجار جعلنا لكم على قتلهم وبين الم ؤ�منين عه ٌد وميثاق ،وكذلك ا�ستثنى منهم
و�أ�سرهم ُح َّج ًة ب ّين ًة لظهور عداوتهم وانك�شاف حالهم. َم ْن �أتى الم ؤ�منين وقد �ضاقت �صدورهم ب�سبب التر ُّدد
بين الان�ضمام �إليكم والقتال معكم ،وبين الان�ضمام
إ�لى قومهم والقتال معهم .ولو �شاء الله تعالى ل�س ّلط
٩٢
٩٣و َم ْن َق َتل م�ؤمن ًا متعمداً ،قا�صداً قتله؛ فجزا�ؤه أ�ن ٩٢ولا يجوز لم�ؤمن �أن يقتل م�ؤمن ًا في �أ ِّي حا ٍل ،إ�لا
يخ َّلد في جه ّنم ،و َغ ِ�ض َب الله عليه و َط َرده من رحمته، على َو ْج ِه الخط أ� ب�أن لا يق�صد القتل ،ف إ� َّن ا إليمان زاج ٌر
و أ�ع ّد له عذاب ًا عظيم ًا لا تت�وصره عقولكم .وهذا ِم ْن عن العدوان ،و َم ْن َو َقع منه ذلك الخط�أ فالواجب عليه
عت ُق رقبة -أ�ي َن ْف�س -م�ؤمنة ،وت�سلي ُم دي ٍة مق َّدرة �إلى
�أعظ ِم الوعيد والتخويف ِم ْن قت ِل الم�ؤمن عمداً. و َرثته� ،إلا إ�ذا عفا الورثة عن القاتل ف أ��سقطوا الدية عنه.
ف إ�ن كان المقتو ُل خط ً�أ ِم ْن قو ٍم كفا ٍر محاربين لكم ،وهو
٩٤يا أ�يها الذين آ�منوا بالله ور�سوله إ�ذا خرجتم م ؤ�من بالله تعالى ،فعلى قاتله عت ُق رقبة م ؤ�منة فقط ،و إ� ْن
كان المقتول ِم ْن قو ٍم كفا ٍر بينكم وبينهم َع ْه ُد ُ�صلح �أو
للجهاد في �سبيل الله ،فتث َّبتوا ولا تتعجلوا في قتل من �أمان ،فعلى قاتله دية ُت�س ّلم �إلى أ�هله ،وعت ُق رقبة م�ؤمنة،
ا ْل َتب�س عليكم حا ُله حتى تعلموا أ�مره ،ولا تقولوا لمن
ا�ست�سلم لكم فلم يقاتلكم ،مظهراً لكم أ�نه من �أهل ف َم ْن لم يجد َم ْن يعتقه ،أ�و لم يجد مال ًا يعتق به ،فعليه
�صيام �شهرين متتابعين بدل عتق الرقبة الم ؤ�منة؛ ليتوب
دينكم :ل�ست م�سلم ًا ،و�إنما فعل َت ذلك لت أ�من القتل،
تبتغون بقتله �أن تغنموا ما معه من مال وغيره ،فعند الله الله عليه .والله عليم بكل ما يجري ،حكيم فيما
مغانم وخيرا ٌت كثيرة خير مما رغبتم فيه ،كذلك كنتم ي�شرع ويق�ضي.
ِم ْن قبل � -أي كفاراًَ -ف َم َّن الله عليكم بالإ�سلام ،فلو
لم ُي َ�ص ِّدقكم أ�حد في �إ�سلامكم �أكان ير�ضيكم ذلك؟!
فكونوا على ب ّينة من أ�موركم ولا تبادروا إ�لى قتلهم ظن ًا
ب�أنهم دخلوا في الإ�سلام اتقا ًء وخوف ًا ،والله م َّطل ٌع على
أ�عمالكم ومجازيكم عليها.
٩٣
٩٥لا ي�ستوي في الدرجة والثواب المتخ ّلفون عن
الجهاد من الم�ؤمنين -غير �أ�صحاب الأعذار كالأعمى،
والأعرج ،والمري�ض -والمجاهدون في �سبيل الله
ب�أموالهم و�أنف�سهم .ف ّ�ضل الله المجاهدين على القاعدين
من �أ�صحاب الأعذار؛ إ�ذ جعل للمجاهدين درجة
ومرتبة عالية لا َيعرف ق ْد َرها �إلا الله ،وقد وعد اللهُ
ك ّ ًل من الفريقين :المجاهدين والقاعدين ِم ْن �أ�صحاب
ا ألعذار الجنة؛ لا�ستوائهم في نية الجهاد ،وف ّ�ضل الله
تعالى المجاهدين على المتخ ِّلفين بغير عذر بثواب عظيم.
٩٦هذا الثواب العظيم :ف�ضائ ُل من الله تعالى،
ومناز ُل من منازل الكرامة ،ودرجا ٌت رفيعة في الجنة،
وكما ٌل في المغفرة والرحمة؛ لخا ّ�ص ِة عباد ِه المجاهدين
في �سبيله ،وكان الله ولم يزل غفوراً رحيم ًا ،ولذلك غفر
لهم ذنوبهم ورحمهم هذه الرحمة الوا�سعة.
عنهم ،فلا ي�ؤاخذهم؛ ِلع ْل ِمه تعالى ب ُعذرهم وحقيقة � ٩٧إن الذين تتو َّفاهم الملائكة ظالمي أ�نف�سهم با إلقامة
أ�مرهم .وكان الله عفواً غفوراً. في ديار الكفر را�ضين بال ُّذل والهوان ،وعد ِم التمكن
من �إقامة �شعائر الدين؛ تقول لهم الملائكة عندئ ٍذ :كيف
١٠٠و َمن ُيفار ْق أ�ر�ض ال�شرك و�أه َلها هرب ًا بدينه �إلى كنتم في �َأ ْم ِر دينكم؟! فيقولون معتذرين :كنا �ضعفاء في
�أر�ض ا إل�سلام و أ�ه ِلها الم�ؤمنينَ ،ي ِج ْد في هجرته ما أ�ر�ضنا ،عاجزين عن إ�قامة �شعائر ديننا ،فتقول الملائكة
ُي ْر ِغ ُم به أ�نف �أعداء الحق ويقه ُرهم ،و َي ِج ْد �سع ًة في رزقه
وعي�شه ،و َم ْن يهاجر قا�صداً وجه الله ثم يدركه الموت توبيخ ًا لهم :أ�لم تكن أ�ر�ض الله وا�سع ًة فتهاجروا من
قبل بلوغه مق�صده ،فقد ث َبت ثوابه عند الله ،وكان الله �أر�ضكم إ�لى �أر�ض أ�خرى؛ بحيث ت أ�منون على دينكم،
غفوراً رحيم ًا ،يغفر له ما َف َرط ِم ْن تق�صيره ،ويرحمه
فتعبدون الله وتتبعون ر�سوله؟ ف أ�ولئك م أ�واهم جهنم،
برحمته الوا�سعة.
وبئ�ست النار مرجع ًا لهم وم�صيراً .وقد نزلت هذه الآية
١٠١و إ�ذا �سافرتم أ�و خرجتم مجاهدين في �سبيل الله ،فلا في قوم �ُأمروا بالهجرة إ�لى ر�سول الله ُ - -ن�صر ًة
حر َج ولا �إثم عليكم أ�ن َت ْق ُ�صوا ال�صلاة ال ُّرباعية �إلى
ركعتين فقط� ،إن خفتم �أن ينالكم مكرو ٌه من عدوكم، للدين و إ�قام ًة ل�شعائره ،فتركوها مع قدرتهم عليها.
بقت ٍل �أو غيره؛ �إ َّن الكافرين عداوتهم لكم عداوة
٩٩ ٩٨إ�لا الم�ست�ضعفين الذين لا ي�ستطيعون الهجرة
وا�ضحة ب ِّينة ،فاحذروهم. من الرجال والن�ساء وال ِّ�صغار الذين ال يجدون و�سيل ًة
للتخل�ص مما هم فيه من المعاناة ولا يجدون �إلى دار
الهجرة �سبيل ًا .فه ؤ�لاء ُيرجى لهم من الله تعالى أ�ن يعفو
٩٤
ال�صلاة ،وكونوا مع ذلك متي ِّقظين للعدو ،محتر�سين ١٠٢يب ّي الله ع ّز وج ّل في هذه الآية الكريمة كيفية
منه ،إ� ّن الله أ�ع ّد له�ؤلاء الكفار عذاب ًا ُيهينهم ويخزيهم. ال�صلاة عند خوف العدو ،ف إ�ذا كن َت � -أيها النبي -في
أ��صحابك في هذه الحالة و�أردت أ�ن ُتقيم لهم ال�صلاة،
١٠٣ف�إذا �أ ّديتم �صلاة الخوف ف�أديموا ذكر الله في جميع ف ْلت ُقم جماع ٌة منهم معك لل�صلاة ،وجماع ٌة �أخرى في
أ�حوالكم قائمين أ�و قاعدين أ�و م�ضطجعين ،ف إ�ذا ارتفع مواجهة العدو ،ولي أ�خذ الم�صلون معك أ��سلحتهم معهم،
ال�سب ُب الـ ُمبيح لل َق�صر ف�أ ُّدوا ال�صلاة تامة في أ�وقاتها� ،إ ّن ف إ�ذا �سجدوا فلتكن الجماع ُة ا ألخرى ِم ْن خلفكم
ال�صلاة كانت فر�ض ًا محدداً ب�أوقات معينة ،لا يجوز في مواجهة عدوكم ،و ُت ِت ُّم الجماعة ا ألولى ركعتهم
الثانية ُفرادى و ُي َ�س ِّلمون ثم يذهبون للحرا�سة ،ثم ت أ�تي
تقدميها عليها �أو ت أ�خيرها عنها. الجماعة الأخرى التي لم تبد�أ ال�صلاة فلي�أتموا بك في
ركعتهم ا ألولى ،ثم ُي ْكملوا ُفرادى ركعتهم الثانية،
١٠٤ولا َت�ض ُعفوا �أيها الم ؤ�منون في طلب أ�عدائكم وليحذروا ِم ْن عدوهم ،ولي أ�خذوا أ��سلحتهم .تم َّنى
الكفار والتع ّر�ِض لهم وقتالهم ،ف إ�ذا كنتم تت أ�لمون من الكفار لو ُت�شغلون عن أ��سلحتكم و أ�متعتكم ،فينالون
ح�وصل الجراح أ�و َت َو ُّق ِع القتل ،ف�إنهم يت أ�لمون كما منكم ِغ ّر ًة ،فيحملون عليكم َح ْم َل ًة واحدة فيقتلونكم
تت أ�لمون ،ف إ�ذا لم يكن ذلك مانع ًا لهم من قتالكم ،فكيف و أ�نتم م�شغولون بال�صلاة ،وي�ستبيحون َع�ْسكركم ،ولا
يكون مانع ًا لكم من قتالهم! ومع ذلك فلكم عليهم إ�ث َم ولا َح َر َج عليكم أ�يها الم�ؤمنون �إذا �أ�صابكم �أذ ًى
مزية ،وهي �أنكم ترجون من الله الأجر والثواب ،وهم ِم ْن مط ٍر أ�و كنتم مر�ضى� ،أن لا تحملوا أ��سلحتكم في
لا يرجون ذلك ف أ�نتم َأ�ولى بال�صبر وعدم ال�ضعف منهم،
٩٥
والله لا ي�أمركم ب�شيء �إلا وهو يعلم �أنه م�صلحة لكم.
� ١٠٥إ ّنا �أنزلنا إ�ليك � -أيها النبي -القر آ�ن ك ّله ح ٌّق،
لا َح ْيف فيه ولا َميل؛ لتحكم بين النا�س ،بما ع َّرفك
الله و�أوحى به إ�ليك ،ولا َتك ْن مدافع ًا ومخا�صم ًا عن
الخائنين؛ الذين يخونون �أنف�سهم بكتمان الحق .وهذا
بيان لما يجب على الحاكم والقا�ضي وغيرهما من عدم
المخا�صمة عن أ�حد حتى يعلموا �أنه مح ّق .وقد نزلت
هذه الآيات في ُط ْع َم َة بن �ُأ َب ْ ِيق الذي �سرق درع ًا وطعام ًا
من جاره ليل ًا و أ�ودعهما عند يهودي ،فل ّما ُر ِف َع أ�مره
إ�لى ر�سول الله - -حلف �أنه ما أ�خذهما وما علم
بهما ،ووجدوا الدرع عند اليهودي ،وجاء قو ُم ُطعم َة
�إلى الر�سول - -و�ش ِهدوا زوراً أ�ن اليهودي هو
ال�سارق ،و�س�ألوه � أن يجادل عن ُطعمة ويدفع عنه
التهمة ،فه َّم النبي ِ - لـ َما ظهر له من ا ألدلة -بتبرئة
ُط ْع َمة ،فنزلت �إحدى ع�شرة آ�ية بتبرئة اليهودي و�إدانة
ال�سارق ،ولئلا يطمع �أح ٌد �أن ُير ِّوج كذب ًا على ر�سول
الله .
١٠٦واطل ْب � -أيها النبي -المغفر َة من الله مما همم َت
به ،إ�ن الله كان غفوراً رحيم ًا .وهذا ا�ستغفا ٌر منا�س ٌب
لعل ِّو مقامه .
١٠٧ولا تداف ْع عن الذين يخونون �أنف�سهم بال�سرقة
�أو غيرها من المظالم -ك ُط ْع َمة و إ�خوانه الذين اتهموا
اليهودي زوراً وكذب ًا -إ�ن الله تعالى ال يح ُّب َم ْن يكون
ِمن �ش�أنه الخيانة وارتكاب الذنوب.
١٠٨ي ْخ َتفون وي�ستترون من النا�س خوف ًا وحذراً من
الف�ضيحة ،ولا ي�ستترون من الله تعالى ولا ي�ستحيون
منه ،وهو معهم ،لا يغيب عنه �شيء من �أمورهم ،وهم
يد ِّبرون ليل ًا ما لا ُير�ضي الله من القول ِم ْن َر ْمي البريء،
والله تعالى م َّطلع على �أعمالهم ومجازيهم عليها.
١١٣وللاو ف�ض ُل الله عليك بالوحي � -أيها الر�سول- ١٠٩ها �أنتم يا قو َم ُطعم َة قد دافعتم عنه وع ّمن معه من
الخائنين في الحياة الدنيا ،ف َم ْن يدافع عنهم في ا آلخرة،
و ِع ْ�صمته لك ،ب�أن أ�ظهر أ�مر ال�سارق في الق�ضية التي و َمن الذي يتولى أ�مرهم فينق َذهم من عذاب الله يوم
ُرفعت �إليك ،له َّمت جماع ٌة ِم ْن قومه �أن يبعدوك عن القيامة؟ لا أ�ح َد يفعل ذلك .وفي هذه ا آلية تخوي ٌف
الق�ضاء بالحق حين دافعوا عنه ،ولكن الله حفظك مما
لك ِّل َم ْن يدافع عن الظالمين.
ه ُّموا به حين ق�صدوا �إلى المرافعة عن ال�سارق بما لم
يتحققوه ،ولو فعلوا َلـ َما أ��ض ُّلوك و�إنما ُي�ضلون �أنف�سهم؛ ١١٠و َم ْن يرتكب ذنب ًا ي�سوء به غي َره ،أ�و يظل ْم نف�سه
ألن الله مثـ ِّبتك وم�س ِّددك .ولقد أ�نزل الله عليك القر آ�ن باكت�ساب المعا�صي ،ثم يتوب إ�لى الله توبة �صادقة؛ َي ِج ْد
و�أمرك ببيانه ،وهداك إ�لى ِع ْل ِم ما لم تكن تعلم ِم ْن قبل،
ر ّبه �ساتراً لذنبه رحيم ًا به.
وكان ف�ض ُل الله عليك بذلك ف�ضل ًا عظيم ًا.
١١١و َم ْن يفعل مع�صي ًة عن َع ْم ٍد منه ،ف إ� َّن َو َبال ذلك
الذنب و ِخ ْز َيه يعود على نف�سه ،وكان الله عليم ًا بخلقه،
حكيم ًا في تدبيره.
١١٢و َم ْن يك�سب ذنب ًا �صغيراً� ،أو ذنب ًا كبيراً ،ثم يته ْم
بما ارتكبه �شخ�ص ًا بريئ ًا ،فقد تح َّمل بذلك كذب ًا وزوراً،
و ُجرم ًا عظيم ًا.
٩٦
١١٦إ� ّن الله تعالى لا يغفر ال�شر َك به �أبداً ،ويغفر ما
�سوى ذلك من الذنوب لمن �شاء من عباده ،و َم ْن يجع ْل
لله �شريك ًا ِم ْن خلقه ،فقد �ض ّل عن الحق �ضلال ًا كبيراً.
١١٧ما يعبد ه�ؤلاء الم�شركون من دون الله تعالى إ�لا
أ��صنام ًا �س َّموها آ�لهة ،كال َّلت وال ُع ّزى ومناة ،وما
يعبدون في الحقيقة �إلا �شيطان ًا متمرداً على طاعة الله.
وكانت عبادتهم له بطاعته فيما دعاهم �إليه من عبادة
غير الله تعالى.
١١٨لعن الله ال�شيطا َن و أ� ْب َعده عن رحمته و أ�خزاه
بتمرده على طاعته؛ ف�أق�سم ال�شيطان أ�ن ي َّتخذ من عباد
الله عدداً كبيراً مق َّدراً ي�ستهويهم بغوايته ،و ُي�ض ُّلهم عن
عبادته �سبحانه.
١١٩ث ّم قال ال�شيطان :ولأ�صر َف َّنهم عن الهداية، ١١٤لا خي َر ولا نفع في كثير مما يتحدث به النا�س �س ّراً
ولأ ْخ َدع ّنهم با ألماني الكاذبة -كطول العمر ،و أ�نه فيما بينهم ،إ�لا ما كان فيه منفعة للنا�س ،كالتوا�صي ب�أداء
لا َب ْع َث ولا عقا َب وغيرها من ا ألوهام الفا�سدة- ال�صدقة ،أ�و عم ِل معرو ٍف -والمعروف ي�شمل جميع
ولآمر َّنهم بتقطيع آ�ذان ا ألنعام وت�شقيقها ،تق ُّرب ًا �أنواع ال ِ ِّب� -أو �إ�صلاح بين المتخا�صمين ،و َم ْن يفعل
للطواغيت ،ولآمر َّنهم كذلك بتغيير خلق الله �َشكل ًا تلك ا ألمور طلب ًا لر�ضا الله تعالى راجي ًا ثوابه ،ف�سوف
و�صف ًة ،و َم ْن ُيط ِع ال�شيطا َن ويجع ْله ول ّي ًا له ِم ْن دون الله،
ي ؤ�تيه الله ثواب ًا عظيم ًا.
فقد خ�سر خ�سران ًا ب ِّين ًا عظيم ًا.
١١٥و َم ْن يعا ِد الر�سو َل ويخالف أ�مرهِ ،م ْن بعد ما
َ ١٢٠ي ِع ُدهم ال�شيطا ُن بالوعود الكاذبة ،ويم ِّنيهم با ألماني ظهر له الح ُّق ،وي َّتبع طريق ًا ومنهاج ًا غير طريق الم ؤ�منين
الباطلة لي�ستمروا في طاعته ،وما َيعدهم ال�شيطان �إلا بما ومنهاجهمَ ،ن ِك ْله إ�لى اختياره الفا�سد ،ونحرقه بنار
جهنم ،و�ساءت جهن ُم م�أوى وم�صيراً له .وهذه الآية
ظاه ُره الح ُّق والنفع ،وباط ُنه الباطل وال�ضرر. أ��ص ٌل في الح ِّث على طاعة الر�سول - -وعد ِم
١٢١ه ؤ�لاء الذين أ�غواهم ال�شيطان و�ساروا في ركابه؛ الخروج عن جماعة الم�سلمين.
َم�صي ُرهم الذي ي�صيرون �إليه جهنم ،ولا يجدون عنها
مف ّراً والَ م ْهرب ًا.
٩٧
من أ�مور يتامى الن�ساء اللاتي لا تعطونهن ما فر�ض الله ١٢٢و أ� ّما م�صير الذين �آمنوا بالله ور�سوله وعملوا
ا ألعمال ال�صالحة؛ فهو أ�ن يدخلهم الله بف�ضله جنات
تعالى لهن من المهر والميراث -وقد كانت اليتيمة في تجري من تحتها ا ألنهار ،با ِقين فيها بقاء دائم ًا �أبداً،
الجاهلية تكون عند الرجل من ذوي قراباتها و ُي ْرغ ُب وع َدهم الله ذلك وعداً حق ًا �صدق ًا ،لا كوعد ال�شيطان
في نكاحها ،فيمنعها قريبها من النكاح لتموت فيرثها، ألوليائه ،ولا �أح َد �أ�صد ُق ِمن الله وعداً وقلا ًو.
�أو يتزوجها دون �أن يوفيها ح َّقها في المهر -و ُي ْفتيكم ١٢٣لا ُينال هذا الف�ضل بمجرد ا ألمان ّي � -أيها
الله أ�ي�ض ًا في أ� ْم ِر ال�ضعفاء من ال�صغار ،ووجو ِب القيام الم�سلمون -ولا بما ُيـ َم ِّني به �أه ُل الكتاب �أنف َ�سهم ،ولكن
لليتامى بالعدل -وقد كانت العرب لا تو ِّرث ال�صغي َر العبرة بطاعة الله تعالى واتباع ما �شرعَ ،ف َم ْن يرتك ْب
من ولد الرجل ،ففر�َض اللهُ الميرا َث لل�صغير والكبير ِم َن �صغيرة �أو كبيرة ،يجا ِزه الله بها ،ولا َي ِج ْد له ِم ْن بعد الله
الذكور وا إلناث -وك ُّل ما تفعلون أ�يها الم ؤ�منون في �أمر
الن�ساء والولدان واليتامى ِم ْن عد ٍل و�إح�سا ٍن ،ف�إ َّن الله ول ّي ًا يتولى �أمره ،ولا نا�صراً ين�صره ِم ْن عذاب الله.
يجازيكم به خير الجزاء. ١٢٤و َم ْن يعمل أ�عمال ًا �صالحة ،ذكراً كان �أو �أنثى،
وهو م�ؤمن ،ف أ�ولئك يدخلون الجنة ،والُ ين َق�وصن �شيئ ًا
ِم ْن ثواب أ�عمالهم ،ولو كان مقداره كال ُّنقرة التي تكون
في ظهر ال َّنواة وتنبت منها النخلة.
١٢٥ولا �َأح َد �أح�س ُن دين ًا ِمـ َّمـن انقاد لله وحده،
ال يعرف ر ّب ًا ولا معبوداً �سواه ،وا�ستقام على طاعته،
وا َّتبع دين الحق ،وهو دين إ�براهيم الخليل عليه ال�سلام،
حنيف ًا �أي :مبتعداً عن غيره �إلى الدين الحق ،وهو
الإ�سلام .وقد اتخذ الله إ�براهيم �صف ّي ًا له لإخلا�صه في
عبادته فا ّت ِبعوا طريقه.
١٢٦ولله و ْح َده جمي ُع ما في ال�سماوات وما في
ا ألر�ض :خلق ًا وملك ًا وت�ص ّرف ًا .وكان الله تعالى بكل
�شيء محيط ًا ،فلا يخفى عليه �شيء من �أمور خلقه.
١٢٧ي�س�ألك أ��صحابك -أ�يها النبي -ع ّما يجب عليهم
في أ�مر الن�ساء من المهر الواجب لهن؟ قل لهم :يب ِّي الله
لكم أ�موره َّن ،كما ب ّي لكم في ما يتلى عليكم في القر�آن
٩٨
ُت�صلحوا �أعمالكم فتعدلوا في ِق�ْسمتكم بين زوجاتكم ١٢٨و إ� ْن خافت امر أ� ٌة من زوجها تك ُّباً أ�و تر ُّفع ًا
وتعا�شروهن بالمعروف ،وتراقبوا الله تعالى وتخ�وشه �أو طلاق ًا فلا �إثم عليهما �أَ ْن يت�صالحا على ما َت ِطي ُب به
فيه َّن ،يغف ْر لكم الله ما َف َرط منكم ،ويتف�ض ْل عليكم نفو�سهما ِم ْن تج ُّو ِز المر أ�ة في بع�ض حقوقها من نفق ٍة� ،أو
ك�سو ٍة� ،أو غير ذلك ،ل ُت�ضي زوجها بذلك ،فال�صلح
برحمته و إ�ح�سانه. في جميع الأحوال خير من الفراق .و ُجبلت النفو�س
و ُطبعت على ال ُ�ش ِّح -وهو البخل ال�شديد -ف آ� ِثروا
١٣٠و إ� ْن يتف ّرق الزوجان بع َد َتع ُّذر ال�صلح ال�صل َح ولو خال َف ما تمي ُل �إليه �أنف ُ�سكم ،و إ� ْن ُت�سنوا
بينهما ،ف إ�ن الله تعالى ُيغني ك ّ ًل منهما عن الآخر معاملة زوجاتكم وتتقوا ما لا يجوز لكم ،ف�إ َّن الله عالم
ِب َ�س َع ِة ف�ضله ،إ�ن الله وا�سع الف�ضل وال ِم َّنة ،حكي ٌم في
ب إ�ح�سانكم و�سيجازيكم عليه.
تدبيره وت�شريعه ا ألحكام.
١٢٩ولن ت�ستطيعوا � -أيها الرجال -أ�ن ُت ِّققوا العدل
١٣١في هذه الآية تنبي ٌه من الله ع ّز وج ّل للزوجين التا َّم بين زوجاتكم في المح ّبة و َمي ِل القلب مهما حر�صتم
المفت ِر َقين إ�لى ما يق ِّوي الرجا َء في أ�نف�سهم ،ويدعوهم على ذلك ،ف إ�ذا كان ذلك لي�س في ا�ستطاعتكم ،فاتقوا
إ�لى الرغبة إ�ليه �سبحانه عند حاجتهم ،وذلك لأن لله الله فيما ت�ستطيعونه ،ب�أن ال تميلوا ك َّل الميل لواحد ٍة في
تعالى جميع ما في ال�سماوات وا ألر�ض وما بينهما ال َق�ْسم في المبيت وفي النفقة وتتركوا ا ألخرى؛ فتجعلوها
ملك ًا وتدبيراً .ولقد َع ِهدنا إ�لى الذين أ�وتوا الكتاب من مهجور ًة :لي�س ْت بذا ِت زو ٍج ،ولا مط َّلقة فت أ�ثموا .و�إ ْن
قبلكم ،وعهدنا إ�ليكم كذلك -يا ُأ�مة محمد -بتقوى
الله تعالى ،بالتزام ا ألوامر واجتناب النواهي ،و�إ ْن ٩٩
تكفروا بالله فلا ي�ضره كف ُركم ،ف إ�ن لله ملك ال�سماوات
وا ألر�ض ،وكان الله غني ًا عن خلقه ،محموداً في ذاته
و�أفعاله على ك ِّل حال.
١٣٢ولله َو ْحده ملك ال�سماوات وا ألر�ض وما
بينهما ،وكفى به �سبحانه قائم ًا على �ش�ؤون خلقه،
مدبراً وحافظ ًا لهم .وقد تك َّرر هذا التنبي ُه ت�أكيداً على
ا�ستغنائه تعالى عن جميع الخلق ،واحتياج المخلوقات
�إليه ،ليفو�ض النا� ُس �أمورهم إ�ليه ،وليتقوه.
١٣٣إ� ْن ي�ش�أْ ُي ْهل ُّكم �أيها النا�س ،وي أ� ِت مكا َنكم بقوم
آ�خرين .والله تعالى قادر على ذلك؛ لأنه لا يعجزه �شي ٌء.
َ ١٣٤م ْن كان يريد بعمله ثوا َب الدنيا فقط ،فعند
الله وحده ثوا ُب الدنيا وا آلخرة ،ف ِل َم يطل ُب الإن�سان
�أدنى الأمرين ،ويترك ما عند الله من ح�سنة الدنيا
و أ�جر ا آلخرة؟! وكان الله �سميع ًا ألقوال عباده ،ب�صيراً
ب أ�عمالهم ونياتهم ،ف أ�خ ِل�وصا له واتقوه.
فقد خابوا وخ�سروا ،ف�إن العزة لله َو ْحدهَ ،ف َم ِن اعت َّز بالله ١٣٥كونوا -يا َم ْع�شر الم�ؤمنين -ملازمين للقيام
َع َّز ،و َمن اعت َّز بغيره َذ ّل. بالعدل ح َّق القيا ِم في �أحكامكم� ،شهدا َء لله بالحق،
ولو كانت �شهادتكم على �أنف�سكم� ،أو على والديكم
١٤٠وقد ن َّزل الله عليكم -أ�يها الم ؤ�منون -في و أ�قاربكم ،و�سواء كان الم�شهود له أ�و عليه غني ًا أ�و فقيراً؛
القر�آن العظيم �أنه �إذا �سمعتم َم ْن يكفرون ب�آيات الله فلا يحمل َّنكم غناه أ�و فق ُره على ال�شهادة بغير الحق
وي�سخرون بها؛ فلا تجل�سوا معهم حتى يتحدثوا حديث ًا محابا ًة �أو إ��شفاق ًا؛ فالله هو أَ�ولى بهما منكم ،و أ�علم بما
غيره .ف إ� ْن لم تفعلوا وقعدتم معهم؛ ِ�صتم مث َلهم في فيه �صلاحهما؛ وقد �أمر بالعدل في �أمرهما فلا يحمل َّنكم
الكفر لأن الرا�ضي بالمنكر كالفاعل له .إ� ّن الله تعالى الهوى على ترك العدل في �أموركم ،و إ�ن تح ِّرفوا ال�شهادة
جامع الفريقين -المنافقين والكافرين -في نار جهنم �أو تغ ِّيوها� ،أو تكتموها ،ف�إن الله م َّطل ٌع على �أعمالكم،
جميع ًا ،كما اجتمعوا في الدنيا على الكفر ب�آيات الله يجازي المح�س َن ب إ�ح�سانه والم�سي َء ب إ��ساءته.
والا�ستهزاء بها.
١٣٦يا أ�يها الذين آ�منوا اْ ُثبتوا على ا إليمان بربكم،
وت�صديقكم بر�سوله وبالقر�آن الذي ن َّزله عليه ،و�ص ِّدقوا
بال ُكتب التي �أنزلها الله من قب ُل على الأنبياء والمر�سلين،
و َم ْن يكفر بالله تعالى ،وملائكته ،وكتبه ،ور�سله،
واليوم ا آلخر ،فقد َب ُع َد بعداً كبيراً عن طريق الحق.
� ١٣٧إن الذين �آمنوا ثم ارت ّدوا �إلى الكفر بعد �إيمانهم،
ثم �آمنوا ثم ارت ّدوا مر ًة ثانية ،ثم ازدادوا كفراً ب�إ�صرارهم
على الكفر ،وا�ستمروا عليه حتى ماتوا -وهم المنافقون-
لن يغفر الله لهم ذنوبهم ،ولن يهديهم �سبيل الحق ،ألنهم
ا�ستحبوا ال�ضلالة على الهدى بعد �أن تب َّ َي لهم.
َ ١٣٨ب�ِّش يا ر�سول الله المنافقين ،ب�أ َّن لهم يوم القيامة
عذاب ًا �شديداً ُمو ِجع ًا .والتعبير بلفظ الب�شارة للت َه ّكم
وال�سخرية بهم.
١٣٩ه�ؤلاء المنافقون يتخذون �أهل الكفر وا إللحاد
�أعوان ًا و�أن�صاراً ،ويتركون الم�ؤمنين ،فيا عجب ًا! �أيطلبون
بذلك الع ّز َة والمنع َة من الكافرين؟ �إذا كان هذا حالهم
١٠٠
فيف�ضحهم في الدنيا ويعذبهم في الآخرة .و إ�ذا قام
المنافقون لأداء ال�صلاة؛ قاموا متثاقلين ،يق�صدون
ب�صلاتهم الرياء والتق َّي َة من الم�ؤمنين ،ولا يذكرون الله إ�لا
ذكراً قليل ًا بل�سانهم دون قلوبهم.
١٤٣و�إنهم يتر َّددون بين الم ؤ�منين والكفار ،فهم مع
الم ؤ�منين ُي ْظ ِهرون ا إليما َن ،ومع الم�شركين يظهرون
نفاقهم .و َم ْن لم يو ّفقه الله �إلى طريق الر�شاد فلن تجد له
هادي ًا ومر�شداً يو�صله إ�لى الحق.
١٤٤يا َم ْع�شر الم ؤ�منين لا تتخذوا الكفار ُن َ�صا َء ِ ١٤١م ْن �صفات المنافقين أ�نهم ينتظرون ويتر ّقبون
و�أ�صدقاء؛ تف�وشن �إليهم �أ�سراركم ،وتتركون مود َة أ�ه ِل وقو َع ال�سو ِء بكم � -أيها الم ؤ�منون -و أ�ن تح َّل بكم
دينكم ،أ�تريدون بذلك أ�ن تجعلوا لله تعالى عليكم ُح ّج ًة الهزائم ،ف إ� ْن كان لكم الن�ص ُر على عدوكم ،و َغ ِنمتم
منهم ،قالوا :أ�لم نجاهد معكم الأعداء؛ ف أ�عطونا من
ب ِّين ًة يعذبكم بها؟ فموالا ُتهم ُتو ِجب عقا َب ربكم.
الغنيمة؟ و�إن كان ألعدائكم �شيء من ال َظ َف ِر وال َغ َلبة
١٤٥إ� ّن المنافقين في الطبقة ال�سفلى من النار ،ولن تجد عليكم؛ قالوا لهم� :ألم نتمكن من قتلكم �أو أ�َ�ْسكم ولم
لهم -أ�يها الر�سول -ن�صيراً يمنعهم من عذاب الله. َن ْف َع ْل ،وحميناكم من الم ؤ�منين حتى غلبتموهم؟ فالله
يحكم بين الم�ؤمنين والمنافقين يو َم القيامة ،فيثيب �أهل
� ١٤٦إلا الذين تابوا عن النفاق ،و�أ�صلحوا دينهم طاعته ويعاقب �أهل مع�صيته ،ولن يجعل الله للكافرين
و أ�عمالهم ،ووثقوا بالله و َت�ّسكوا بدينه ،و�أخل�وصا
عملهم لله؛ فهم من الم�ؤمنين ،وجزا ؤ�هم جزاء الم ؤ�منين طريق ًا لا�ستئ�صال الم ؤ�منين و�إفنائهم ،والعاقب ُة للمتقين.
ال�صادقين ،و�سوف يعطي الله الم�ؤمنين ثواب ًا عظيم ًا.
١٤٧و�أ ُّي حاج ٍة لله ع ّز وج ّل في عذابكم� ،إن �شكرتم
ربكم و�آمنتم بر�سوله؟ وكان الله �شاكراً طاع َة عباده،
عليم ًا ب أ�فعالهم ومجازيهم عليها.
١٤٢إ� ّن المنافقين بنفاقهم َي ْح َ�سبون أ�نهم َي ْخ ُدعون
الله؛ ألنه لم ي أ�مر بقتلهم كما أ�مر بقتل الكافرين ،والحا ُل
�أنهم هم المخدوعون؛ ألن الله يجازيهم بمثل خداعهم
١٠١
١٤٨لا يح ُّب الله الجهر ب�س ِّيئ القول وبذيئه ،لك ْن َم ْن
ُظلم يبا ُح له أ�ن يدعو على ظالمه ،و�أن ينال منه بقدر
ظلمه له ،بلا قذ ٍف ولا ُفح� ٍش ،والله �سميع ألقوالكم
عليم بمقا�صدكم كلها فاحذروه.
١٤٩و إ� ْن ُتظ ِهروا عمل ًا من �أعمال ال ِ ِّب �أو تخفوه،
ُتا َزوا به ،و�إ ْن تعفوا ع َّمن أ��ساء إ�ليكم؛ ف إ�نه �سبحانه
يعفو مع القدرة .وفي هذا ح ٌث للمظلوم على العفو بعد
َ�أ ْن �أح َّل الله له الانت�صار من ظالمه .
وجر أ�تهم عليه واغترارهم بحلمه -لو أ�نزل َت عليهم � ١٥١ ١٥٠إ َّن اليهود والن�صارى الذين ال ي�ؤمنون
الكتا َب الذي �س�ألوك لخالفوا �أمر الله ،كما خالفه بالله وجمي ِع ُر�ُسله ،ويق�صدون التفريق بين الله ور�سله
�أوائلهم بعد �َأ ْن �أحياهم الله من َ�ص ْعقتهم ،حين �س أ�لوا -وذلك بقولهم :إ� َّن الله لم ير�سلهم -ويقولون:
مو�سى أ�عظ َم مما �س أ�لك ه ؤ�لاء؛ �إذ قالوا له :أ�رنا الله ِعيان ًا ن�ص ِّدق بهذا النب ِّي ونكفر بهذا ،يتخذون بذلك طريق ًا
نعاينه وننظر �إليه!! وحين بعثهم الله من َ�ص ْعقتهم عبدوا إ�لى ال�ضلالة يدعون النا�س إ�ليه ،ه ؤ�لاء هم الجاحدون
العجل ِم ْن بعد ما ر أ�وا ِم َن الدلائل على �أنهم لن يروا وحدانية الله ونبوة �أنبيائه ،المك ِّذبون بذلك ح َّق
ربهم في هذه الدنيا ،ثم عفا الله عنهم بعد توبتهم، التكذي ِب ،فاح َذروا �أن تغت ّروا ببدعتهم ،ف�إ ّنا �أعددنا لهم
و�أعطى مو�سى �آيا ٍت وا�ضح ًة �شاهد ًة على نبوته. في ا آلخرة عذاب ًا ُيهين �صاحبه بالخلود فيه.
١٥٤ولقد �أخلفوا اللهَ ما وعدوه من العمل بالتوراة ١٥٢والذين �ص َّدقوا بوحدانية الله ،و�أقروا بنبوة ر�سله
فرفع فوقهم جب َل ال ُّطور ،وخالفوا ما �أمرهم به من �أجمعين ِم ْن غير تفريق ،و�ص َّدقوهم فيما جا�ؤوهم به
ِم ْن عند الله ِم ْن �شرائع دينه� ،سوف يعطيهم الله ثوابهم
دخول المدينة المقد�سة �ساجدين طالبين المغفرة ،وخالفوا يوم القيامة ،ويغفر لهم ما �سلف من �آثامهم ،ف إ�نه لم يزل
ما أ�ُمروا به في ال�سبت ،فنكثوا العهد القوي الم ؤ� َّكد
غافراً لذنوب المنيبين �إليه ،رحيم ًا بتف ُّ�ضله عليهم بالهداية
الذي �أُخذ عليهم ،ف ُخ ْل ُف المواثيق عاد ُتهم. �إلى �سبيل الحق ،وتوفيقه �إياهم �إلى ما فيه خلا�ُص رقابهم
من النار.
١٥٣ي�س�ألك � -أيها الر�سول� -أه ُل التوراة من اليهود
َأ� ْن ت أ�تيهم بكتا ٍب ين ِزل عليهم من ال�سماء آ�ي ًة لك! فلا
َت ْع ُظم َّن عليك م�س�أل ُتهم تلك ،ف�إنهم ِ -م ْن جهلهم بالله
١٠٢
١٥٨بل رفع الله عي�سى �إليه ،وكان الله َمنيع الـ َجناب ١٥٥فب�سب ِب َن ْق ِ�ضهم عهو َدهم التي عاهدوا الله عليها،
لا ُي�ضام َم ْن لاذ به ،حكيم ًا في �صنعه ،فاحذروا أ�يها وجحو ِدهم بما احت َّج الله به عليهم في ِ�صدق �أنبيائه
ال�سائلون محمداً َ�أ ْن ُي ِّنزل عليكم كتاب ًا من ال�سماء، ور�سله ،وبقتلهم ا ألنبياء ظلم ًا وعدوان ًا بعد ثبوت
احذروا ِم ْن حلول عقوبتي بكم ،كما ح َّلت ب أ�ولئك
نب ّوتهم ،غ�ضب الله عليهم ولعنهم ،وكذا بقولهم لك
الذين ك َّذبوا ر�سلي ،وافتروا على أ�وليائي. �أيها الر�سول :قلوبنا عليها �أغلفة ال تع ِقل ما تقول ،وهي
١٥٩وما �أح ٌد ِم ْن �أهل الكتاب إ�لا �سوف ي ؤ�من بعي�سى لي�س ْت كذلك ولك َّن الله ختم عليها فلا تعي وعظ ًا،
قبل موته -حين ينزل آ�خر الزمان ِل َقتل الد ّجا ِل -فت�صير فتم َّرن ْت بذلك قلوبهم على الكفر والنفا ِق وق َّل ِة ا إليمان.
الـ ِمل ُل ك ُّلها ِم ّل ًة واحد ًة هي الحنيفية ال�سمحة ،م ّلة
الإ�سلام ،ويو َم القيامة يكون عي�سى �شاهداً عليهم أ�نه ١٥٧ ١٥٦و َل َعنهم الله وغ�ضب عليهم ب�سبب كفرهم
بعي�سى ورم ِيهم مري َم ب ِفري ٍة كبير ٍة هي منها بريئة .وقولهم
ب َّل َغ ما �أُر ِ�س َل به ،و أ�ق َّر على نف�سه بالعبودية لله تعالى. مفتخرين :إ�نا قتلنا الم�سيح عي�سى ابن مريم؛ وما قتلوا
عي�سى وما �صلبوه ،و�إنما �أُلقي �شبهه على �صاح ِبهم
١٦١ ١٦٠واليهود الذين نق�وضا ما عاهدوا عليه
ربهم ،وكفروا ب�آياته ،وقتلوا �أنبياءهم ،ورموا مريم فظنوه عي�سى فقتلوه و�صلبوه ،و�إن الذين اختلفوا في
بال ُبهتان؛ ح َّرمنا عليهم طيبا ٍت من الم�آكل كانت لهم عي�سى حين �ُألقي �شبهه على غيره لفي �ش ٍّك ِم ْن قتله ،وما
حلال ًا ،عقوب ًة لهم ب�سبب ظلمهم الذي أ�خبر الله عنه
في كتابه ،وب َك ْث ِة ما َ�ص ّدوا عباد الله عن دينه و�ُس ُبله قتلوه متيقنين �أنه هو ،بل �شا ِّكين متوهمين.
التي �شرع لهم ،وب أ�خ ِذهم الربا على أ�موالهم وهم
منهيون عنه ،و أ�خ ِذهم الر�شاوى و أ�موال ال ّنا�س من غير
وجه حق .ولهم يوم ُي َر ُّدون �إلى ربهم عذا ٌب ُموجع
في جه ّنم.
١٦٢لي�س ك ُّل �أهل الكتاب مت�صفين بال�صفات ال�سيئة
ال�سابقة؛ فالثابتون في العلم منهم الذين �ص َّدقوا بحقائقه
و�أذعنوا لها ،والم�ؤمنون بك من عوا ّمهم -أ�و من
المهاجرين وا ألن�صار -ي ؤ�منون بالقر آ�ن الذي ُ�أنزل إ�ليك
� -أيها الر�سول -وب�سائر الكتب المنزلة على ا ألنبياء
من قبلك ،والذين هم يقيمون ال�صلاة ،وي ؤ�تون زكاة
أ�موالهم لمن جعلها الله له ،وي�ص ِّدقون بوحدانية الله،
وبالبعث بعد الممات والثوا ِب والعقا ِب ،ه ؤ�لاء الذين
هذه �صفاتهم لهم عند ربهم جزا ٌء عظي ٌم في جنات
النعيم.
١٠٣
١٦٩ ١٦٨إ� َّن الذين كفروا وجحدوا نب َّوتك يا محمد، ١٦٣ولـ ّما �أَغ�ضب اليهو َد ما �سمعوا من �أو�صافهم
وتجاوزوا حدو َد ما �ش َرع الله ور�سوله ،وا�ستمروا على ال�سيئة ،وقالوا :ما أ�نزل الله على ب�شر ِم ْن �شيء بعد مو�سى
المعاندة وا إلقامة على المع�صية لم يكن الله ليعفو عنهم عليه ال�سلام ،خاطب الله نبيه محمداً ب�أنه �أوحى إ�ليه
ولا ليو ِّفقهم �إلى �سبي ٍل إ�لا �سبي َل جهنم خالدين فيها كما أ�وحى �إلى نوح ،و إ�لى ا ألنبياء ِم ْن بعده ،و�أوحى �إلى
خلوداً دائم ًا .وهذا ه ِّ ٌي ي�سي ٌر على الله الذي لا ُيعجزه إ�براهيم و إ�لى إ��سماعيل و إ��سحاق ويعقوب ،والأ�سباط
�شيء في ا ألر�ض ولا في ال�سماء . -وهم ا ألنبياء من ذرية يعقوب عليه ال�سلام -وعي�سى
١٧٠يا أ�يها ال ّنا�س ،قد جاءكم محمد ِ - -م ْن عند و أ�يوب ويون�س وهارون و�سليمان ،و�أنزل على داود
ربكم بالإ�سلام الذي ارت�ضاه الله لعباده دين ًا ،ف�ص ِّدقوا كتاب ًا هو الزبور ،فب َّي �سبحانه َك ِذ َبهم و َزي َف دعواهم.
بما جاءكم به ِم ْن عند ربكم ،ف إ� َّن الإيمان بذلك َخي ٌر لكم
من الكفر ،و�إن تك ِّذبوا به ،ف�إ َّن تكذي َبكم يعود �ضر ُره ١٦٤و أ�وحينا كذلك إ�لى ُر�ُس ٍل قد ق�ص�صنا عليك
عليكم َو ْح َدكم؛ فلله ما في ال�سماوات وا ألر�ض ُملك ًا -أ�يها الر�سولِ -م ْن أ�خبارهم ،ور�س ٍل كثيرين لم ن�س ِّمهم
وخلق ًا ،لا ينق�ص ك ُفركم ِم ْن �سلطانه �شيئ ًا ،والله علي ٌم ولم نق�ّص عليك من �أخبارهم �شيئ ًا ،وك َّلم الله مو�سى
بما يكون منكم ِم ْن طاع ٍة �أو ع�صيا ٍن ،حكيم في أ�مره
-عليه ال�سلام -بلا وا�سطة.
ونهيه ،وفي تدبيره.
� ١٦٥أَر�سل ُت ه�ؤلاء ا ألنبياء مب�ِّشين بثوابي َم ْن �أطاعني
١٠٤ وا َّتبع أ�مري و�ص َّدق ر�سلي ،ومنذرين عقابي َمن
ع�صاني وخالف أ�مري وك َّذب ر�سلي ،و ِل َق ْطع ُحج ِة ك ِّل
ملح ٍد كافر� ،إعذاراً �إليه لتكون لله الحجة البالغة على
جميع خلقه ،والله �سبحانه عزي ٌز في ملكه حكي ٌم في
تدبيره واختياره.
١٦٦و�إن َي ْك ُفر اليهو ُد بالذي �أوحينا �إليك -أ�يها
الر�سول -وي َّدعوا أ�ن الله لم ين ِّزل على ب�شر من �شيء
تكذيب ًا ل َك وح�سداً ،ف�إ َّن الله ي�شهد �أنه �أوحى �إليك
ما أ�نزل ِم ْن كتابه� ،أَ ْن َزل ذلك �إليك بعل ٍم منه �أنك
ِخير ُته ِم ْن خلقه ،و�صف ُّيه ِم ْن عباده ،وي�شهد لك بذلك
ملائكته ،فلا يحزنك تكذي ُب َم ْن ك َّذبك وخلا ُف َم ْن
خالفك ،و َح�ْس ُبك بالله �شاهداً على �صدقك دون َم ْن
�سواه ِم ْن خلقه.
١٦٧إ� َّن ه ؤ�لاء الذين يجحدون نب ِّوتك من �أهل
الكتاب ،وينكرون أ�ن يكون الله ج َّل ثنا�ؤه �أوحى �إليك،
قد زالوا عن الم َح َّجة ،وجاروا عن الطريق َج ْوراً �شديداً.
الذين رفع الله مناز َلهم ،و َم ْن ي أْ�ن ْف من التذلل
والخ�وضع له بالطاعة ،ف�إليه مرجعهم جميع ًا يوم
القيامة وعليه ح�سابهم.
١٧٣ف أ� ّما المق ِّرون له بالوحدانية ،الخا�ضعون لله ١٧١يا �أهل ا إلنجيل لا تجاوزوا الح َّق في دينكم ف ُت ْف ِرطوا
بالطاعة ،العاملون ال�صالحات من ا ألعمال ،في�ؤتيهم الله فيه ،ولا تقولوا على الله إ�لا الح َّق ،وال تجعلوا له ولداً �إنما
الم�سيح عي�سى ابن مريم ر�سو ٌل من الله �إلى َم ْن �أر�سله إ�ليه
يوم القيامة جزاء �أعمالهم ال�صالحة �أجراً وافي ًا كامل ًا، ِمن خ ْلقه ،وب�شار ُته التي أ�مر الملائك َة �أن ت�أتي بها مريم،
و َن ْفخ ٌة ب أ�مر الله ِم ْن روحه -وهو جبريل عليه ال�ّسلام-
ثم يزي ُدهم ِم ْن عظيم ف�ضله ،و أ� ّما الذين ا�ستكبروا عن فهو �س ٌّر من أ��سرار قدرته تعالى ،ف�ص ِّدقوا بوحدانية الله،
الإذعان له بالطاعة ،والت�سليم له بالوحدانية فيعذبهم و�أنه لا ولد له ،و�ص ِّدقوا ر�سله جميع ًا فيما جا ؤ�وكم به،
عذاب ًا مو ِجع ًا ،ولا وليَّ لهم ُينجيهم ِم ْن عذاب الله ،ولا وال تقولوا :ا ألرباب ثلاثة! اتركوا هذا الاعتقاد ،فتر ُك ُه
نا�ص َر يدفع عنهم ما َأ�ح َّل الله بهم من نقمته. خي ٌر لكم في معادكم ،إ�نما الله �إله واحد معبود ،تن َّزه �أن
يكون له ولد أ�و �صاحبة ،ولله ما في ال�سماوات وما في
١٧٤يا �أيها ال ّنا�س ،قد جاءكم محمد ُ - -حج ًة
من الله على بطلان ما أ�نتم عليه ِم ْن دين ،و أ�نزل معه ا ألر�ض ،وكفى بالله ق ِّيم ًا ومد ِّبراً ورازق ًا.
إ�ليكم قر آ�ن ًا ،يب ِّي لكم الـ َمح َّجـة الوا�ضحة ،ويهديكم
١٧٢لن َي ْ�أ َنف ولن ي�ستكبر الم�سي ُح عن التذلل لله
�إلى نوره الـ ُمو�ص ِل �إلى النجاة من عذابه. والخ�وضع له بالطاعة ،ولن ي�ستكبر عن ذلك الملائك ُة
١٧٥ف�أ ّما الذين �ص ّدقوا بالله و أ�قروا بوحدانيته وبما
أ�ر�سل به محمداً - -وتم�َّسكوا بالنور المبين الذي
جاء به؛ ف�سوف تغ�شاهم رحم ٌة من الله تنجيهم من
عذابه ،و ُ ِت ُّلهم ر�وضانه ،و ُي َ�س ِّددهم الله ل�سلوك منهج
َم ْن أ�نعم عليه ِم ْن أ�هل طاعته.
١٠٥
١٧٦ي�س�ألونك � -أيها النبي� -أن تفتيهم في ال َكلالة
-وهو ا إلن�سان يموت لا ولد له ولا والد ،وقد َتق َّدم
في َ�ص ْدر ال�سورة بيا ُن ما فر�ض الله للإخوة ألم في هذه
الحالة .أ� ّما هنا فالبيان متعلق بالإخوة ا أل�شقاء �أو لأب:-
ف َمن ُتوفي عن أ�خ ٍت �شقيق ٍة �أو لأ ٍب ،فلأخته هذه ن�صف
َت ِركته ،ولع�صبته ما بقي عن ن�صيب ذوي الفرو�ض.
وهو � -أي ا ألخ ال�شقيق �أو لأب -ير ُث جمي َع ما
ترك ْت أ�خ ُت ُه .و َم ْن توفي عن أ�ختين اثنتين �أو �أكثر،
�شقيقتين أ�و ألب ،فله َّن الثلثان ،ول َع َ�صبته ما بقي عن
ذوي الفرو�ض ،و إ�ن كان له إ�خو ٌة رجا ٌل � -أي ذكور-
و أ�خوا ٌت ن�سا ٌء ،أ��شقا ُء أ�و لأ ٍب ،أ�خذ الرج ُل ِم ْث َل ن�صيب
اثنتين من �أخواته ،يب ِّي الله لكم ِق�سم َة مواريثكم وحك َم
ال َكلالة ،لئلا تجوروا عن الحكم في ذلك ،والله �سبحانه
ذو عل ٍم بم�صالح عباده في ق�سمة مواريثهم وغيرها.
ِم ْن بلوغ َم ِح ّله ،ولا تتعر�وضا للهدي المع َّلم بالعلامات ١يا �أيها الذين �ص َّدقوا بالله و أ�ق ُّروا له بالوحدانية،
التي تد ُّل على أ�نه َه ْد ٌي تعظيم ًا لحرمته ،ولا لمن �أتـ ُّموا العهو َد بالوفاء بها لمن عاقدتموه ِمن النا�س،
و�أوفوا بعقود الله التي �أوجبها عليكم ،فيما �َأح َّل لكم
َي�سوقه ،ولا تتعر�وضا ب أ�ذى لمن ق�صد البيت الحرام يبتغي
ف�ض َل الله ور�وضانه ،و إ�ذا ق�ضيتم منا�سككم وتح َّللتم من وح َّرم عليكم ،و أ�لزمكم فر�ضه وب ّي لكم حدوده،
وقد �أباح الله لكم لحوم ا ألنعام من الإبل والبقر
إ�حرامكم بالحلق �أو التق�صير عا َد ما ُمن َع عليكم بالإحرام والغنم ،إ�لا ما ُن�َّص على تحريمه ِم ْن غيرها ،و�إن كنتم
ِمن ال�صي ِد حلال ًا على أ��صله في غير أ�ر�ض الحرم؛ ولا ُمح ِرمين أ�و ب�أر�ض الحرم ،فلا تقتلوا �صيد ال َ ِّب� ،إ ّن الله
يحمل َّنكم ُبغ�ُض قو ٍم َم َنعوكم بلو َغ الم�سج ِد الحرام لق�ضاء يق�ضي ما ي�شاء ِم ْن تحري ٍم وتحلي ٍل و إ�يجا ٍب.
منا�سككم أ�ن ُتاوزوا حك َم الله فيهم �إلى ما نهاكم عنه،
ولكن ال َزموا طاع َة الله مع َم ْن �أحببتم وكرهتم .و ْل ُيعن ٢لا ت�ست ِح ّلوا � -أيها الم�ؤمنون� -شعائر الله ،وهي ما
بع ُ�ضكم بع�ض ًا على العمل بما �أمركم الله به ،والانتهاء
ب َّي لكم من المنا�سك ،ولا تنتهكوا ُحرمة ا أل�شهر ال ُح ُرم
ع ّما نهاكم عنه .ولا ُي ِع ْن بع ُ�ضكم بع�ض ًا على خلاف بقتا ٍل فيها ،ولا تمنعوا ما ُيهدى للبيت الحرام ِمن ا ألنعام
ذلك من الظلم وا إلثم .واحذروا عقاب الله �إ ْن خالفتم،
ف إ�نه �سبحانه �شدي ُد العقاب.
١٠٦
وال ُّظهو ِر على دينكم .فلا تخافوا ع ُد ّوي وعد َّوكم من ٣ح َّرم الله عليكم � -أيها الم ؤ�منون -أ�ك َل لحم الميتة
الكافرين ،وخافوني ولا تهابوا �أحداً غيري .وفي هذا -وهي ك ُّل ما فارقته ُروحه بغير تذكية ولا ا�صطياد،
من مباح دوا ِّب الب ِّر وطيره -وح َّرم عليكم الد َم ال�سائل،
اليوم أ�كمل ُت لكم -أ�يها الم�ؤمنون -فرائ�ضي عليكم ولح َم الخنزير و�شح َمه ،وما ُذ ِك َر عليه غير ا�سم الله عند
وحدودي ،وحلالي وحرامي ،بما أ�نزل ُت من ذلك الذبح،والمقتول َةخنق ًا،والمقتول َة�ضرب ًا،وال�ساقط َةمن ُع ْل ٍو
في كتابي ،وب َّين ُته بوحيي على ل�سان ر�سولي ،و�أتمم ُت
عليكم � -أيها الم ؤ�منون -نعمتي ،ور�ضي ُت لكم الإ�سلام �إلى �أ�سفل فتموت ،والمقتول َة بنطح �أخرى لها ،وما �أكل
دين ًا دون �سواه .ف َم ْن �أ�صابه �ض ٌّر في مجاع ٍة أ�لج أ�ه �إلى �أكل
ما ح َّرم ُت عليكم غير متع ِّم ٍد لإثم ،ف إ� َّن الله ال ي ؤ�اخذه ال�ّس ُب ُع منه� ،إلا ما �أدركتم فيه الروح من ذلك َف َذ َّكيتموه.
-وال�ّس ُب ُع هنا هو ك ُّل ذي ناب وظفر من الحيوان
على ذلك ،وهو به رحيم. كا أل�سد والنمر والذئب من الحيوانات المفتر�سة -وح َّرم
عليكم ما ُذبح تق ُّرب ًا ل أل�صنام ،و�أن تطلبوا معرف َة الغي ِب
٤ي�س�ألك أ��صحابك -أ�يها النبي -ما الذي أ�ُ ِح َّل والن�صي ِب با ألقداح ،كل هذه المحرمات ا�ستحلا ُلها
لهم �أكله؟ فقل لهم :أ� ِح َّل لكم ما �أَ ِذن ر ُّبكم في �أكله من
الذبائح ،و�صي ُد ما ع َّلمتم من الكلاب وكوا�سر الطير، خرو ٌج عن الطاعة ،والانكفا ُف عنها من الوفاء بالعقود
الذي ُ�أ ِم ْرتم به .في هذا اليوم -وهو يوم عرفة ِم ْن حجة
تع ِّلمونها مما ع َّلمكم الله ،فكلوا أ�يها النا�س مما أ�م�سك ْت الوداع -انقطع �َأ َم ُل الذين كفروا من إ�طفاء نور الله
عليكم من ال�صيد ،واذكروا ا�سم الله على ما أ�م�سك ْت،
واحذروا الله فيما أ�مركم به ونهاكم عنه ،واعلموا �أن الله ١٠٧
�سري ُع الح�ساب.
٥في هذا اليوم يوم عرف َة ِم ْن حج ِة الوداع �أُبيح
لكم -أ�يها الم ؤ�منون -الحلا ُل الط ِّيب من المطعومات
والذبائح ،وذبائ ُح اليهو ِد والن�صارى حلا ٌل لكم دون
ذبائح �سائر الم�شركين ،وذبائ ُحكم حلال لهم ،و�أ ِح َّل
لكم نكا ُح الحرائر من الم ؤ�منات و ِمن أ�هل الكتاب،
�إذا أ�عطيتموه َّن مهوره َّن قا�صدين بذلك �إلى الزواج
والعفاف ،لا إ�لى ال�ِّسفاح أ�و المخادنة -والم�ساف ُح الذي
يلقى المر�أ َة فيفجر بها ثم يذهب وتذهب ،والمخاد ُن
الذي يقيم معها على مع�صية الله وتقيم معه -و َم ْن
يجحد ما �أمر الله بالت�صديق بهِ ،م ْن توحيد ِه ،ونبو ِة
محم ٍد - -فهو يوم القيامة من الهالكين.
٦يا �أيها الذين �آمنوا إ�ذا �أردتم القيا َم �إلى ال�صلاة
و أ�نتم ُم ْح ِدثون ،فتو�ض ؤ�وا بالماء :فاغ�سلوا وجوهكم
و�أيد َيكم إ�لى المرافق ،وام�سحوا الماء بر ؤ�و�سكم،
واغ�سلوا �أرج َلكم مع الكعبين ،و إ� ْن كنتم على َجناب ٍة
فاغ�سلوا جميع َب َد ِنكم ،و�إ ْن كنتم مر�ضى مر�ض ًا
ي�ش ُّق معه ا�ستعمال الماء ،أ�و م�سافرين� ،أو أ�حدثتم بعد
و�وضء� ،أو لام�ستم الن�ساء بجماع �أو غيره ،فلم تجدوا
ما ًء؛ فاق�صدوا تراب ًا طاهراً ،فام�سحوا به وجوهكم
و�أيديكم .ما يريد الله بما فر�ض عليكم من الو�وضء
وال ُغ�ْسل والتيمم َأ� ْن ُيلزمكم ال ِّ�ض ْي َق وال َع َن َت ،ولكن
يريد �أن يط ِّهركم بذلك ،و�أن يت َّم عليكم نعمته ،تي�سيراً
عليكم ،لكي ت�شكروا الله على ِن َعمه التي �أنعمها
عليكم بطاعتكم �إياه فيما �أمركم ونهاكم.
�أن تجوروا في معاملة عباده ،ف�إن الله علي ٌم بما تعملون ٧واذكروا -أ�يها الم ؤ�منون -نعم َة الله عليكم
يح�صيه عليكم ،ومجازيكم به :إ�ن خيراً فخي ٌر ،و إ�ن �ش ّراً
بهدايتكم للإ�سلام ،واذكروا َع ْه َده الذي أ�خذه عليكم
ف�ش ٌّر. حين بايعتم محمداً - -على ال�سمع والطاعة في
َ ٩و َع َد اللهُالذين �ص َّدقوا الله ور�سو َله ،و�أطاعوا فيما الـ َم ْن َ�ش ِط والـ َم ْكره :إ�ذ قلتم� :سمعنا ما قل َت لنا و�أخذ َت
أُ�مروا به و ُنهوا عنه� ،أن يغفر لهم وي�أجرهم أ�جراً عظيم ًا، علينا من المواثيق ،و أ�طعناك فيما أ�مرتنا به ونهيتنا عنه.
ب أ�ن يدخلهم الجنة. وخافوا الله -أ�يها الم ؤ�منون -أ�ن تنق�وضا ذلك العهد،
أ�و أ�ن ُت ْ�ضمروا غير الوفاء بذلك ف ُي ِحل بكم من عقوبته
ما أَ� َح َّل بـ َم ْن قبلكم ،وت�صيروا �إلى �س َخطه و�أليم عقابه،
ف إ� ّن الله م َّطلع على ما ُتخفيه �صدو ُركم ،لا يخفى
عليه� شيء.
٨يا �أيها الذين آ�منوا كونوا قائمين لله بحقوقه �أ�ش َّد
القيام� ،شهدا َء بالعدل ،ولا َي ْحمل َّنكم ُب ْغ�ُض قو ٍم على
الـ َج ْور ،بل ا�ستعملوا العدل في َح ِّق كل أ�حد �صديق ًا
كان أ�و عدواً ،فالعد ُل �أقر ُب إ�لى التقوى ،وخافوا الله
١٠٨
١٢ولقد �أخذ الله ِم ْن بني إ��سرائيل َق ْب َلكم العه َد ١٠والذين َج َحدوا وحدانية الله ،ونق�وضا ميثاقه
بال�سمع والطاعة ،و أ�ر�س َل منهم اثني ع�شر نائب ًا مق َّدم ًا، وعقوده التي عا َقدوه عليها ،وك َّذبوا بما جاءت به الر�سل
ل َي ْح ِملوا َق ْومهم على الوفاء بالعهد ،وقال لهم الله� :إني
نا�صركم ومعينكم ،ف�إ ْن أ� َّديتم ال�صلا َة على وجهها، ِمن ُح َج ٍج وبراهين ،ه ؤ�لاء أ�هل ال ّنار الذين لا يخرجون
ودفعتم الزكاة �إلى م�ستحقيها ،و َ�ص َّدقتم بر�سلي جميع ًا، منها �أبداً.
ون�صرتموهم ،و�أنفقتم في �سبيل الله وابتغاء مر�ضاته،
ألتجاوز َّن عن �سيئاتكم ،و ُألدخل َّنكم يوم القيامة جنا ٍت
تجري ِم ْن تحتها ا ألنهارَ ،ف َم ْن جحد نعم َة الله منكم بعد
هذا العهد ،فقد �أخط�أ َق ْ�ص َد الطريق ال�َّسو ِّي الم�ستقيم.
١٣فب�سبب ن ْك ِث بني إ��سرائيل ميثا َقهم أ�َ ْب َع ْدناهم عن
رحمتنا ،وجعلنا قلوبهم لا تلين لقبول الإيمانُ ،يب ِّدلون
ما في التوراة ،وتركوا قدراً كبيراً مما �أُمروا به في التوراة
فلم يعملوا به ،ولا تزال � -أيها الر�سولَ -ت َّط ُلع ِم َن
اليهود على خيانة وغدر ،إ�لا نفراً قليل ًا منهم آ�منوا بك،
فا�صف ْح عن ُج ْرمهم و َكيدهم ،إ� َّن الله يح ُّب المح�سنين
الذين َي ْعفون ع َّمن أ��ساء إ�ليهم.
١١يا �أيها الذين �أق ُّروا بتوحيد الله ور�سالة ر�سوله
اذكروا نعمة الله التي �أنعم بها عليكم ،حين َك َّف عنكم
أ�يدي اليهود الذين ه ُّموا بال َب ْط�ش بكم غدراً ،ف َ� َصفهم
عنكم ،و َحا َل بينهم وبين ما �أرادوا ،فا�شكروه على
هذه النعمة بالوفاء بمواثيقه وعقوده ،واحذروا الله
أ�يها الم�ؤمنون أ�ن تخالفوا �أمره �أو نهيه ،و�إلى الله فل ُي ْل ِق
الم ؤ�منون َ�أ ِز َّمة �أمورهم ،وي�ست�سلموا لق�ضائه ،ويثقوا
بن�صره و َع ْونه ،ف�إن ذلك ِم ْن تمام �إيمانهم وكمال دينهم.
١٠٩
١٤و أ�خذنا من الذين قالوا �إ ّنا ن�صارى الميثا َق على
طاعتي ،و�أداء فرائ�ضي ،وا ِّتبا ِع ر�سلي والت�صدي ِق بهم،
ف�سلكوا في ذلك منهاج اليهود؛ فتركوا قدراً كبيراً مما
�أُمروا به في الإنجيل ،ونق�وضا ميثاقهم ،ف أ�وقعنا بينهم
العداو َة والبغ�ضا َء إ�لى يوم القيامة ،بتف ُّرقهم واختلاف
أ�هوائهم ،فك ُّل فرقة تك ِّفر ا ألخرى ،و�سوف ُين ِّبئهم الله
في ا آلخرة بما كانوا ي�صنعون ،فيجازيهم عليه.
ال�سماوات وا ألر�ض وما بينهما ،إ�يجاداً وعدم ًا ،والله ١٥يا �أه َل الكتاب من اليهود والن�صارى قد جاءكم
هو القادر على كل �شيء ،لا ُيعجزه �شي ٌء �أراده .
ر�سولنا محمد - -يب ِّي لكم كثيراً مما كنتم
تكتمونه النا� َس ولا تبينونه لهم مما �أنزل على ُر�ُس ِلكم،
و َي�ْسك ُت عن كثير مما لا فائدة في بيانه .قد جاءكم
من الله نو ٌر َب َّي به معا ِلـ َم الح ِّق ،وما ُي�صلح ال ّنا�س في
معا�شهم و َمعا ِدهم وجميع أ�حوالهم ظاهراً وباطن ًا،
وكتا ٌب فيه �صلا ُح �أمركم وبيا ُن ما اختلفتم فيه من
�أمور التوحيد والحلال والحرام.
ُ ١٦ير�شد الله بهذا الكتا ِب المبين -الذي جاء من
عنده -ويهدي به َمن ابتغى ر�ضاه الطر َق المف�ضية �إلى
ال�سلام والأمن والطم أ�نينة ،و ُي ْخرجهم من ظلمات
الكفر �إلى نور الإ�سلام بتوفيقه و�إرادته ،وير�شدهم �إلى
طريق الحق.
١٧لقد كفر الن�صارى الذين زعموا -افترا ًء -أ�ن
الله هو الم�سيح ابن مريم ،فقل -أ�يها الر�سول -له ؤ�لاء
المفترين :من الذي ي�ستطيع َأ� ْن ير َّد ِم ْن أ�م ِر الله �شيئ ًا؛
�إ ْن �شاء �أن ُيهلك عي�سى و�أ َّمه ،و ُيهلك جميع َم ْن في
ا ألر�ض؟ فلا أ�حد يمنع ذلك ،والله له ت�صري ُف ما في
١١٠
الله الـ ُمرت�ضى ،على انقطا ٍع ِم ْن بعثة ال ُّر�ُسل ،قاطع ًا
ل ُعذركمَ ،ك ْي لا تقو ُلوا :ما جاءنا ر�سو ٌل مب�ِّش ومنذر،
فقد جاءكم ِم ْن عندي ر�سولُ ،ي َب�ِّش َم ْن �آم َن بي و�أطاع،
وينذر َم ْن ع�صاني وخال َف أ�َ ْمري ،و أ�نا القا ِدر على ُك ّل
�َش ْيءَ ،أ� ْق ِدر على عقاب َم ْن ع�صاني وثوا ِب َم ْن أ�طاعني،
فا َّت ُقوا عقابي واطلبوا ثوابي.
٢٠واذكر � -أيها الر�سول� -إذ قال مو�سى لقومه:
يا قوم اذكروا ِن َع َم الله عليكم ،إ�ذ جعل منكم �أنبياء كثيرين
وجعلكم مالكين �َأ ْمر أ�نف�سكم بعد �أن كنتم ُم�ستع َبدين
لفرعون وقومه ،و�أعطاكم ِم ْن نعمه ما لم يعط �أحداً من
�أه ِل زما ِنكم.
٢١يا قوم ادخلوا ا ألر�ض المط َّهر َة المبارك َة التي أ�مركم ١٨وزعم ك ٌّل من اليهود والن�صارى �أن الله تعالى
الله بدخولها ،ولا تنهزموا َخ ْو َف العد ِّو ،وتنكلوا عن لهم كا ألب في الـ ُحن ِّو والعطف ،و�أنهم له كا ألبناء فى
القرب والمنزلة ،قل لهم -أ�يها الر�سول :-إ�ن �ص َّح ما
الجهاد ،فتن�صرفوا خائبين. زعمتم َف ِل َم يعذبكم بذنوبكم؟ وقد ع َّذبكم في الدنيا
بالقتل والأ�سر والم�سخ ،واعترفتم ب أ�نه �سيعذبكم بالنار
٢٢قال اليهود حينئ ٍذ ُ -جبن ًا وج َزع ًا ِم ْن قتال
عدوهم :-إ� َّن في ا ألر�ض التي ت�أمرنا بدخولها قوم ًا �أيام ًا معدودات ،فلي�س ا ألمر كما َز َع ْم ُتم ،بل �أنتم َخ ْلق
أ��شداء عظيمي ال ِخ ْلقة ،لا طاق َة لنا ب َح ْربهم ،ولا من بني �آدم� ،إ ْن َ�أ ْح َ�س ْن ُتم ُجو ِزي ُت ْم ب إ�ح�سانكم ،و�إ ْن �أ�س�أتم
ن�ستطيع دخولها وهم فيها ،ف إ� ْن يخر ْج منها ه�ؤلاء ُجو ِزي ُت ْم ب إ��ساء ِت ُك ْم مثل غيركم ،لي�س لكم عند الله �إلا ما
لغيركم ِم ْن َخ ْلقه ،ف إ� ّنه َي ْغ ِفر لمن �آمن به وبر�سله ،ويعذب
القو ُم دخلناها. َم ْن كفر ،ولله َت ْ� ِصيف ما في ال�سماوات وما في الأر�ض
وما بينهما ،و إ�ليه المرجع والم�آل ،وبيده الح�ساب والجزاء.
٢٣قال رجلان �صالحان ِم ْن قوم مو�سى ممن يخاف
الله ويراقبهَ ،أ� ْن َع َم الله عليهما بطاعة الله ور�سوله مو�سى ١٩يا مع�شر اليهود والن�صارى قد جاءكم ر�سولنا
عليه ال�سلام ،و�أزال الخو َف ِمن َن ْف َ�سيهما :ادخلوا عليهم ُمح ّمد ُ - -ي َع ِّرف ُكم الح ّق ،وير�شدكم إ�لى ِدين
با َب مدينتهم ،ف إ�ن الله معكم وهو نا�صركم ،و�إنكم �إذا
دخلتم عليهم الباب َغ َل ْبتموهم ،و ِث ُقوا بن�صر الله لكم
�إ ْن كنتم م�ص ِّدقين نب َّيكم فيما �أنب أ�كم به عن ربكم ِم َن
ال ُّنـ ْ�صة وال َّظـ َفـ ِر على عد ِّوكم.
١١١
٣١فبعث الله غراب ًا يحفر بمنقاره ورجليه حفر ًة في ٢٤قال بنو إ��سرائيل لمو�سى� :إنا لن ندخل هذه القرية
ُم َّد َة حيا ِتنا ،ما دام فيها ه�ؤلاء الجبابرة ،فاذه ْب �أنت
الأر�ض ليدفن فيها غراب ًا ميت ًا؛ وذلك ليع ِّلمه كيف َي�ْس ُت
ُج ْثمان أ�خيه ،فقال القاتل حينئ ٍذ متح�سراً :أ�عجز ُت ور ُّبك فقاتلاهم� ،إ ّنا هاهنا قاعدون عن القتال.
�أن �أكون مثل هذا الغراب الذي وارى الغراب ا آلخر
الم ِّيت ،ف ُأ�واري ُج ّث َة أ�خي؟ فواراه حينئ ٍذ ف�أ�صبح من ٢٥حينئ ٍذ َغ ِ�ض َب مو�سى -عليه ال�سلام -فدعا ربه
قائل ًا :ر ِّب �إني لا أ�قدر على �إجبارهم ،ولا �أملك �إلا
النادمين على �سوء فعلته. نف�سي و�أخي هارون ،فاف�ص ْل بيننا وبين ه ؤ�لاء القوم
الخارجين عن طاعتك.
٢٦قال تعالى لمو�سى� :إ َّن هذه الأر�ض المق َّد�سة محرم ٌة
عليهم مد َة أ�ربعين �سنة ،و�سيبقون ُم َّدتها يتح َّيون في
ا ألر�ض ،فلا تحزن عليهم ألنهم قوم خرجوا عن طاعتي
وخالفوا �أمري.
٢٧وات ُل -أ�يها الر�سول -على ه�ؤلاء اليهود الذين
َه ُّموا �أن يب�سطوا أ�يد َيهم �إليكم -مع ِّرف ًا إ�ياهم مكرو َه
عاقب ِة ال ُّظل ِم والمكر -خبر ابني آ�دم هابيل وقابيل؛ إ�ذ ق َّربا
ُقربان ًا فتق ّب َل الله قربا َن أ�حدهما ولم يتقبل قربان ا آلخر،
ف َح َ�سده فقال :لأقتل ّنك! قال له هابيل� :إنما يتقبل الله
من الذين يخ�وشنه وي�ؤدون ما ك َّلفهم به ،ويجتنبون ما
نهاهم عنه.
٢٨لئن مدد َت َي َد َك لتقتلني ما �أنا بما ٍّد ي ِدي �إليك
لقتلك� ،إني �أخاف الله ر َّب الخلائق �أجمعين.
� ٢٩إ ِّن ألرجو �أن يغفر الله لي بك ِّف يدي عن
قتلك ،و َ ْت ِم َل وز َر القتل دوني ،و َي ُح َّط ع ِّني ِمن ذنوبي
وتتحملها عني ب�سبب ظلمك وتع ِّديك عل ّي ،فيكون
م�صي ُرك هو عذاب الله في نار جهنم ،وهو جزاء ك ِّل
ظالم عقاب ًا من الله تعالى.
٣٠ف�َّسول ْت لقابيل نف ُ�سه َق ْت َل أ�خيه؛ فقتله بعد َتـ َم ُّن ٍع
منه عليها ،ف�صار بذلك من الخائبين.
١١٢
والاعتدا ِء على ا ألنف�س وا ألموال ،ف�إ َّن على الإمام
أ�ن ُين ِّفذ فيهم العقوبة التي تنا�سب الحا َل ِمن القت ِل أ�و
ال َّ�صل ِب� ،أو قط ِع ي ٍد ورج ٍل ِم ْن خلا ٍف -بمعنى :تقطع
اليد اليمنى والرجل الي�سرى �أو العك�س� -أو نفيهم ،وفي
ذلك إ�ذلال للمتج ِّبين ال�صائلين بالقوة على ال ّنا�س ،و�أ ّما
الجزاء الحقيق ُّي على العدوان فهو جزاء ا آلخرة التي يلقى
فيها ه�ؤلاء عذاب ًا هائل ًا مهلا ًو.
� ٣٤إ ّل الذين تابوا من المف�سدين في ا ألر�ض والمحاربين
لله ور�سولهَ ،ق ْب َل القدر ِة عليهم والتم ُّكن منهم ،ف إ�نه
َي�ْسقط عنهم ما �شرعه الله عقوب ًة لهم قبل ال ُقدرة عليهم،
من القتل �أو ال�صلب �أو القطع �أو النفي ،واعلموا �أن الله
وا�سع المغفرة والرحمة.
٣٥يا أ�يها الذين �آمنوا خافوا الله وانتهوا عن مع�صيته، ٣٢ب�سبب جناية اب ِن �آدم ال َقات ِل َ أ� َخا ُه ُظ ْلم ًا ،وح ِّب
واطلبوا ما يق ِّربكم �إليه من طاعته ،وجاهدوا في �سبيله الاعتداء في بع�ض النفو�س؛ ح َكمنا على بني �إ�سرائيل
لإعلاء دينه لعلكم تفوزون بكرامته وثوابه. �أنه َم ْن قتل نف�س ًا بريئة فك�أنما قتل النا�س جميع ًا فيما
ا�ستوجب ِم ْن عظيم العقوبة من الله عز وجل .والـ ُجرم
٣٦إ�ن الذين جحدوا ربوبي َة الله ،وعبدوا غيره، الذي َي�ْستوجب قت َل َمن ارتكبه هو َق ْت ُل نف� ٍس بريئة عمداً
وماتوا على ذلك ،لو �أن لهم مل َك ما في ا ألر�ض ك ِّلها، ُعدوان ًا� ،أو إ�حدا ُث ف�سا ٍد ي�ستوجب �شرع ًا عقوبة القتل.
ومثل ذلك معه ،و أ�رادوا أ�ن يجعلوه فدي ًة ألنف�سهم ِم ْن و َم ْن ح َّرم على نف�سه قتل َم َْن ح َّرم الله قت َله �أو ا�ستنق َذه
عذا ِب الله يوم القيامة ،ما تق َّب َل الله ذلك منهم ِع َو�ض ًا ِم ْن ِم ْن مو ٍت فك�أنما �أحيا النا� َس جميع ًا فيما ا�ستجل َب من
عقابهم ،وما نفعهم الافتدا ُء ،بل اللهُمع ِّذبهم يوم القيامة عظيم ثواب الله جل ثنا ؤ�ه ،ولقد �أت ْت بني إ��سرائيل ر�س ُلنا
بالـ ُح َجج الوا�ضحة على ِ�ص ْدقهم ،ثم إ� َّن كثيراً منهم
عذاب ًا ُمو ِجع ًا. بعد مجيء الر�سل بالبينات لعاملون في ا ألر�ض بالمعا�صي
مخالفون ألمر الله ونهيه.
٣٣والذين َي�ْسعون في ا ألر�ض ف�ساداً بالمعا�صي،
ويحاربون الله ور�سوله ،بقطع الطريق و�إخاف ِة ال�سبي ِل،
١١٣
٣٧يريد ه�ؤلاء الذين كفروا بربهم يوم القيامة �أَ ْن
يخرجوا من النار بعد دخولها ،ولن يخرجوا منها،
ولهم عذاب دائم ،لا يزول عنهم أ�بداً.
٣٨و َم ْن �َ َسق �سواء كان رجل ًا �أو امر�أة ،فاقطعوا
يده ،جزا ًء من الله على ما ارتكب ،وعقوب ًة زاجر ًة
لغيره ،والله عزيز لا يمتنع أ�ح ٌد ِم ْن عقابه ،حكي ٌم في
ُحكمه وق�ضائه.
٣٩ف َم ْن رجع منهم عما يكرهه الله ِمن مع�صي ِته إ�ياه
إ�لى ما ير�ضاه ِمن طاعته ،بعد اعتدائه و َع َم ِله ما نهاه الله
عنه ِم ْن �سرق ِة �أموال النا�س ،و�أ�ص َل َح نف�سه َب َح ْم ِلها على
طاعة الله والتوبة إ�ليه ،ف�إ َّن الله يقبل توبته ويتجاوز عنه،
�إنه وا�سع المغفرة والرحمة ،ولذلك يقب ُل توب َة التائبين.
الباغون ال�س ّماعون للكذب :إ�ن �أَ ْفتاكم محمد بما يوافق � ٤٠إنك تعلم � -أيها الر�سول -أ�ن الله مدبر ما في
هذا الكلام المح َّرف فاقبلوه منه ،و إ� ْن لم ُي ْف ِتكم بذلك
فاحذروه .فلا يحزنك � -أيها الر�سو ُل -ت�س ُّرعهم إ�لى ال�سماوات وا ألر�ض ،وم�ص ِّر ُفه وخالقه ،لا يمتنع �شيء في
جحود نبوتك ،فقد �سبق غ�ضبي إ�ليهم ،فلا يتوبون واحدة منهما مما أ�راده .وتوب ُة الله على َم ْن تاب �سارق ًا
كان أ�و غي َر �سارق ،مما لا ينبغي �أن ينازع فيه أ�حد؛ لأن
ِم ْن �ضلالتهم� ،أولئك الذين لم ُي ِر ِد الله َأ� ْن يط ِّهر قلو َبهم الذي يقبل التوبة هو الله الذي له ملك كل �شيء ،وله أ�ن
من َد َن�س الكفر و َو�َسخ ال�شرك بطهارة ا إل�سلام ونظافة
ا إليمان فيتوبوا ،بل �أراد بهم ال ُّذ َل والهوا َن في الدنيا، يعذب َم ْن �شاء ،و�أن يتوب على َم ْن �شاء ،وهو �سبحانه
القدير الذي ال يعجزه �شيء .
ولهم في ا آلخرة عذا ُب جهنم خالدين فيها أ�بداً.
٤١يا �أيها الر�سول لا َي ْح ُزنك ت�س ُّر ُع َمن ت�س ّرع من
ه ؤ�لاء المنافقين -الذين ُيظهرون ب�أل�سنتهم ت�صديقك،
وهم يعتقدون تكذيبك� -إلى الكفر بك ،ولا ت�س ُّر ُع
اليهود �إلى جحود نب َّوتك ،وهم ُي ْكثرون الا�ستما َع
إ�لى مفتريات �أحبارهم والا�ستجاب َة لها ،و ُي ْكثرون
الا�ستما َع �إلى قوم آ�خرين لم ي�أتوك ،يغ ِّيون �أحكا َم الله
في التوراة بعد َأ� ْن و�ضعها الله موا�ضعها ،يقول ه�ؤلاء
١١٤
� ٤٤إنا أ�نزلنا التوراة فيها بيان ما �س�ألك عنه ه ؤ�لاء
اليهود -وهو حكم الزا ِن َي ْي الـ ُمح َ�ص َنين -وهذه التوراة
َي ْح ُك ُم بها بين اليهود أ�نبيا�ُؤهم الذين أ��سلموا وجوههم
لله ،ويح ُكم به الحكماء الربانيون ،والعلماء بما ُ�أمروا
ِم ْن حف ِظ التوراة والعمل بها ،وكانوا على حكم النب ِّيين
لليهود �شهدا َء �أنهم َق َ�ضوا عليهم بكتاب الله ،فلا تخ�وشا
النا� َس في تنفيذ حكمي الذي حكم ُت به على عبادي،
ولكن اخ�وشني دون كل �أح ٍد ِم ْن خلقي ،وخافوا عقابي
في كتمانكم ما ا�س ُتحفظتم من كتابي ،ولا ت أ�خذوا أ�يها
ا ألحبا ُر بتر ِك الحكم ب�آيات كتابي الذي �أنزل ُته على
مو�سى ِعو�ض ًا خ�سي�س ًا ،ومن ب َّد َل حك َم الله وغ َّيه
ف أ�ولئك هم الكافرون.
٤٥وفر�ضنا على ه�ؤلاء اليهود في التوراة أ�ن يحكموا ٤٢ه�ؤلاء اليهود الذين و�صف ُت ل َك � -أيها الر�سول-
في النف�س إ�ذا َقتل ْت نف�س ًا بالقتل ،و أ�ن ُتفق أ� العي ُن بالعين، �صفتهم� ،س ّماعون ِل ِقيل الباطل والكذب ،و َيقبلون
و ُيجدع ا ألن ُف با ألنف ،و ُتقطع الأذ ُن با ألذن ،و ُتقلع ال ِّر�شا في�أكلونها على كذبهم على الله و ِف ْر َيتهم عليه ،ف إ� ْن
ال�ِّس ُّن بال�ِّسن ،و ُيقت�ّص في الجراح بالجراح ،ف َمن عفا جا�ؤوك فاحكم بينهم بالحق الذي جعله الله ُحكم ًا له،
وت�ص َّدق بحقه في الق�صا�ص على الجاني ،كان هذا
�أو َدع الحك َم بينهم إ� ْن �شئت ،والخيار في ذلك إ�ليك،
الت�ص ُّدق كفار ًة له ،يمحو الله بها قدراً من ذنوبه ،و َمن لم و إ� ْن ُتع ِر�ْض عن المحت ِكمين �إليك من أ�هل الكتاب ،فلن
يحكم بما أ�نزل الله في الق�صا�ص وغيره ،فهو من الجائرين
يقدروا على ُ� ٍّض لك في دي ٍن وال دنيا ،و إ�ن اختر َت أ�ن
عن حكم الله ،الوا�ضعين ا أل�شياء في غير موا�ضعها. تحكم بينهم فاحكم بالعدل ،إ� ّن الله يح ُّب العادلين في
حكمهم بين النا�س.
٤٣وكيف يح ِّكمك -أ�يها الر�سول -ه ؤ�لاء اليهود
بينهم ،وعندهم التوراة التي �أنزل ُتها على مو�سى والتي
ُي ِق ُّرون بها ،و�أن ما فيها حكمي ،فيتركون الحكم به،
جراء ًة عل َّي وع�صيان ًا لي ،ولي�س ِف ْع ُل َم ْن تو ّلى عن حكم
الله ِم ْن أ�فعا ِل أ�ه ِل ا إليما ِن.
١١٥
٤٦و َأ� ْتبعنا على �آثار النب ِّيين الذين أ��سلموا وجوههم
لله تعالى ِمن َق ْب ُل عي�سى اب َن مريم ،ناهج ًا على َن ْهجهم
في الخ�وضع لله وا إلخلا�ص له ،وم�ص ِّدق ًا بالكتاب
الذي �أنزلنا على مو�سى ،و�أنزلنا �إليه الإنجيل ،فيه بيا ٌن
لحكم الله في زمانه ،و�ضيا ٌء ِمن َع َمى الجهالة ،وم َّتبع ًا
لما في التوراة من ا ألحكام �إلا ما ُن�سخ ،وجعلنا الإنجيل
ُهد ًى ُيهدى به ،وزاجراً عن ارتكاب المحارم لمن خاف
وعيد الله وعقابه.
٤٧و ْلي�ؤم ْن �أه ُل الإنجيل بجميع ما فيه ،و ْليقيموا
ما ُ�أمروا به فيه ،والذين يتركون الحكم بما �أنزل الله
هم الخارجون عن طاعة ربهم ،المائلون �إلى الباطل
التاركون للحق.
-أ�يها الر�سول -ه ؤ�لاء اليهود الذين جا ؤ�وك محتكمين ٤٨و�أنزلنا �إليك -أ�يها الر�سول -القر�آن بالحق
�إليك أ�ن ي�ص ُّدوك عن بع�ض ما أ�نزل الله �إليك ِم ْن ُح ْك ٍم الذي لا �شك فيه ،م�صدق ًا لما قبله من الكتب ،وحاكم ًا
في كتابه ،فيحملوك على ترك العمل به وا ِّتباع أ�هوائهم،
و�شاهداً عليها ،فاحكم بين �أهل الكتاب إ�ذا احتكموا
ف�إن تركوا العمل بما حكم َت به عليهم ،فاعلم أ�نهم لم
يتولوا عن الر�ضا بحكمك -وقد ق�ضي َت بالحق� -إلا إ�ليك بما �أنزل الله إ�ليك ،ولا تترك َّن الـ ُحكم بما �أنزله
لأن الله يريد أ�ن يتع ّج َل عقوب َتهم في الدنيا ببع�ض ما قد �إليك ا ّتباع ًا منك ألهوائهم ،عادل ًا بذلك ع ّما جاءك من
�سل َف ِم ْن ذنوبهم ،و�إ ّن كثيراً من اليهود لتاركون للعمل الحق ،لك ٍّل منكم �أيها الأمم جعلنا �شريع ًة وطريق ًا وا�ضح ًا
بكتاب الله ،خارجون عن طاعته. في الدين تم�وشن عليه ،ولو �شاء ر ُّبكم لجعل �شرائعكم
واحد ًة ،ولم يجعل لكل أ�م ٍة �شريع ًة ،ولكن ف َّرقكم ِفرق ًا
� ٥٠أيبتغي ه ؤ�لاء اليهود الذين احتكموا �إليك فلم ليختبركم فيما آ�تاكم من ال�شرائع المختلفة ،ل َي ْن ُظر المطي َع
منكم والعا�صي ،ف�سارعوا �إلى ال�صالحات من الأعمال
ير�وضا بحكمك -وقد حكم َت فيهم بالق�سط -حك َم
�أه ِل الجاهلية ،الذي يقوم على متابعة الهوى ،و َم ْن هذا وال ُقرب �إلى ربكم� ،إلى الله مرجعكم جميع ًا بالبعث،
الذي هو أ�ح�س ُن ُحكم ًا -أ�يها اليهود -من الله تعالى،
فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون من �أمر الدين ،ويجزي
عند َم ْن َع َق َل عن الله �َ ْش َع ُه و آ�م َن به و أ�يق َن؟!
ك ّ ًل منكم بعمله.
٤٩و�أ ِن ا ْح ُكم بينهم � -أيها الر�سول -بحكم الله
الذي �أنزله �إليك في كتابه ،ولا ت َّتبع أ�هواءهم ،واحذر
١١٦
٥٣ويقول الم�ؤمنون ال�صادقون في وقت �إظهار الله
نفاق المنافقين ،تع ُّجب ًا ِم ْن حالهم� :أه ؤ�لاء الذين بالغوا
في الاجتهاد في الق َ�سم إ�نهم لمعنا و ِم ْن أ�ن�صارنا؟! َب َط َل
ك ُّل خير عملوه ،لنفاقهم وموالاتهم لليهود ،خ�سروا
في الدنيا لافت�ضاحهم ،وفي الآخرة لما ينتظ ُرهم ِم َن
العذاب المقيم.
٥٤يا أ�يها الذين �ص َّدقوا الله ور�سوله ،و�أقروا بما ٥١يا �أيها الذين آ�منوا لا تتخذوا اليهود والن�صارى
جاءهم به نبيهم محمد َ - -م ْن يرج ْع منكم عن
دينه الحق ،ويغي ْره بدخوله في الكفر فلن ي�ضر الله �شيئ ًا، حلفاء ُتوالونهم و ُتوا ّدونهم ،فهم ُممعون على
و�سي أ�تي الله بقو ٍم ُيح ُّبهم ويح ُّبونه ،متوا�ضعين للم ؤ�منين عداوتكم ،وبع�ضهم أ�ن�صا ٌر لبع�ض عليكم ،و َمن يتو َّل
رحماء بهم ،أ��شداء على الكفار ُغ َلظاء عليهم ،يجاهدون اليهود والن�صارى دون الم�ؤمنين فهو ِمن ُج ْملتهم
-وهذا تنفي ٌر ِم ْن موالاتهم دون الم ؤ�منين بعد النهي
في قتال أ�عداء الله ،على ال َّن ْح ِو الذي أ�مرهم الله به، عنه� -إ ّن الله لا يو ِّفق الظالمين الذي و�ضعوا اللاوية في
والوج ِه الذي أ�َ ِذ َن لهم فيه ،ولا يخافون في ذات الله
�أحداً ،وهذه ال�صفات َف ْ�ض ٌل من الله تف َّ�ضل بها عليهم، غير مو�ضعها.
والله يتف�ضل على َم ْن ي�شاء من خلقه ،وهو كثي ُر الف�ضل،
٥٢فترى الذين في قلوبهم �ش ٌّك و َر ْي ٌب ونفا ٌق
علي ٌم بـ َم ْن هو �أَ ْهله. يبادرون �إلى موالاتهم ،ومودتهم في الظاهر والباطن،
يقولون معتذرين عن موالاتهم :نخاف َ�أ ْن ت�صيبنا
٥٥لي�س لكم � -أيها الم ؤ�منون -نا�صرٌ �إلا الله ور�سوله، دائرة يدور بها الدهر عليناِ ،م ْن َج ْد ٍب أ�و َغ َلب ٍة ،ولا
والم�ؤمنون الذين ي ؤ� ُّدون ال�صلاة تام َة الأركا ِن وال�شروط، يت ّم أ�م ُر محم ٍد و أ��صحابه فلا ي�ساعدونا ،فع�سى الله أ�ن
و ُيخرجون زكاة �أموالهم �إذا وجب ْت عليهم ،وهم ي أ�تي بالن�صر لنب ِّيه ب إ�ظهار دينه� ،أو يهتك �ستر المنافقين
ويف�ضحهم ،في�صبحوا على ما أ��س ُّروا في أ�نف�سهم من
خا�ضعون لله.
ال�ش ِّك وموالاة الكفار نادمين.
٥٦و َمن يث ْق بالله ،ويتو َّل الله ور�سوله والم ؤ�منين،
ف�إن له ال َغ َل َبة والن�صر على َم ْن عاداه ،ألن �أن�صار الله هم
الغالبون ِل َن ْ� ِصه إ�ياهم.
٥٧يا أ�يها الذين �ص ّدقوا الله ور�سوله لا ُتوالوا الذين
يتخذون دينكم �سخري ًة ولهواً من اليهود والن�صارى
و�سائر الكفار ،واتقوا الله بتر ِك موالا ِتهم �إن كنتم
�صادقين في �إيمانكم.
١١٧
والزور ،و أ�كلهم �أموال النا�س بالباطل ،فلبئ�س ما �صنعوا ٥٨و إ�ذا أ� ّذن م ؤ� ّذنكم أ�يها الم�ؤمنون بال�صلاةَ� ،سـ ِخـ َر
ِم ْن َت ْر ِكهم الن�صيحة والنهي عن المع�صية. ِم ْن دعوتكم إ�ليها ه�ؤلاء الكفار من اليهود والن�صارى
والم�شركين ،و ُهـ ْز ُ�ؤهم ولع ُبهم ذلك إ�نما يفعلونه لجهلهم
٦٤وقالت اليهود :إ�ن الله بخيل قد قب�ض يده بالعطاء بربهم ،لأنهم لا يعقلون ما لهم في �إجابتهم �إلى ال�صلاة
عنا وق َّت عليناُ .ق ِب َ�ض ْت �أيديهم ُه ْم َع ْن ِف ْع ِل الخير و ُ�أبعدوا إ�ن أ�جابوا ،وما عليهم في ا�ستهزائهم ولعبهم من
من رحمة الله بما قالوا ،بل يداه مب�سوطتان بالرزق
العقاب ،ولو عقلوا ما فعلوه.
والعطاء ،ينفق كيف ي�شاء تو�سيع ًا وت�ضييق ًا ،لا اعترا�ض
عليه ،و إ� َّن ما أ�نزل الله �إليك من القر�آن ليزيد كثيراً منهم ٥٩قل -أ�يها الر�سول -لأهل الكتاب من اليهود
ظلم ًا وكفراً ،لما فيهم ِم ْن حق ٍد وح�س ٍد .و أ�َثَ ْرنا بينهم والن�صارى :هل لكم علينا َم ْطعن �أو عيب� ،إلا �أن �ص ّدقنا
العداو َة والبغ�ضا َء �إلى يوم القيامة ،كلما أ�رادوا محاربة بالله و أ�قررنا بوحدانيته ،وبما أ�ُنزل إ�لينا من الكتاب،
�أح ٍد ُغلبوا و ُقهروا ،ومهما �أرادوا إ��شعال نار الحرب على وما ُأ�نزل �إلى ا ألنبياء ِمن َق ْب ُل ِمن ك ُت ٍب ،و أ� ّن �أكثركم
ر�سول الله �أطف أ�ها الله ،ور َّد كيدهم إ�لى نحورهم ،وهم
يجتهدون في الف�ساد في الأر�ض بعملهم بالمعا�صي، خارجون عن ال�صراط الم�ستقيم؟!
والله لا يح ُّب َم ْن كانت هذه �صفته. ٦٠قل لهم -أ�يها الر�سول :-هل �أُخبركم ب�ش ٍّر ِم ْن
ذلك جزاء عند الله؟ هو َم ْن أ�بعده ِم ْن رحمته وح ّل عليه
غ�ضبه ونقمته وعا َقبهم بالم�سخ قرد ًة وخنازي َر و َج َع َل
منهم َم ْن َع َب َد ال�شيطان ،فهم بهذه ا ألو�صاف �ش ٌّر منزل ًة
في الآخرة ،و�أكثر �ضلال ًا عن طريق الحق الم�ستقيم.
٦١و إ�ذا جاءكم �أيها الم ؤ�منون ه ؤ�لاء المنافقون من
اليهود ،قالوا لكم� :ص ّدقنا بما جاء به نب ُّيكم ،وا ّتبعناه
على دينه ،وهم مقيمون على كفرهم ،قد خرجوا من
عندكم ُم�ص ِّرين على الكفر الذي دخلوا به ،يظنون
-جهل ًا منهم -أ� ّن ِفع َلهم ذلك يخفى على الله ،واللهُ
�أعل ُم بما كانوا يكتمون من النفاق.
٦٢وترى -أ�يها الر�سول -كثيراً من ه�ؤلاء اليهود
ي�سارع في مع�صية الله وخلا ِف َ�أ ْمره ،ويتعدون حدوده
في الحلال والحرام ،وي�أكلون أ�موال النا�س بالباطل،
وبئ�س تلك القبائح التي يعملون.
٦٣ه ّل ينهى ه�ؤلا ِء الم�سارعي َن في المعا�صي و أ�ك ِل
الحرام علما�ُؤهم وفقها�ؤُهم ،عن قولهم الكذب
١١٨
ينالك �أحد ب�سوء� ،إن الله لا يو ّفق للر�شد َم ْن حا َد عن
طريق الحق ،وجار عن ق�صد ال�سبيل.
٦٨قل -أ�يها الر�سول -له�ؤلاء اليهود والن�صارى:
ل�ستم على �شي ٍء مما ت ّدعون أ�نكم عليه ،حتى تعملوا بما
في التوراة والإنجيل ،وبما �أُنزل �إليكم من ربكم مما أ�وحى
الله به إ�لى محمد - -وت�ؤمنوا بذلك ك ِّله .وليزيد ّن
كثيراً من ه ؤ�لاء اليهود ما ُن ِّزل عليك من القر آ�ن ُغل ّواً في
التكذيب وجحوداً لنبوتك ،فلا تحزن على تكذيبهم،
فتلك عادتهم مع ا ألنبياء من قبلك.
٦٩إ�ن الذين �ص ّدقوا بالله ور�سوله -وهم �أهل ٦٥ولو �أ ّن اليهود والن�صارى �آمنوا بالله وبر�سوله
وفعلوا ما �أمرهم الله به ،وانتهوا عما نهاهم الله عنه،
ا إل�سلام -واليهو َد ،وجمي َع َمن اهتدى إ�لى ترك الأوثان لمحونا عنهم ذنوبهم ،و ألدخلناهم جنات ينعمون فيها
وعبادة الله وحده ،والن�صارىَ ،م ْن آ�من ِم ْن ه ؤ�لاء جميع ًا
بالله واليوم الآخر ،ف�ص ّدق بالبعث بعد الممات ،و َع ِم َل بما ي�شا ؤ�ون.
�صالح ًا ِلـ َمعاده -ك ٌّل في زمانه -فلا خو ٌف عليهم من
أ�هوال القيامة ،ولا هم يحزنون على ما خ ّلفوا وراءهم ٦٦ولو �أنهم عملوا بما في التوراة والإنجيل ،وما
�ُأنزل إ�ليهم من الكتب ،و آ�منوا بما فيها من الب�شارة
من الدنيا. بمحمد - -لو�ّسع الله عليهم الرزق ،و�أفا�ضه عليهم
من كل جهة .وهم لي�سوا �سوا ًء فمنهم جماعة عادل ٌة ال
٧٠لقد أ�خذنا ميثاق بني إ��سرائيل على ا إلخلا�ص
غالي ٌة ولا مق ّ�ص ٌة ،وكثي ٌر منهم بئ�س ما يعملون.
والتوحيد ،والإيمان بالر�سل جميع ًا ،فل ّما �أر�سلنا �إليهم
بذلك ُر�سل ًا مب�شرين ومنذرين نق�وضا الميثاق ،فكلما ٦٧يا أ�يها الر�سول ب ِّلغ جميع ما �أُنزل إ�ليك من ربك،
جاءهم ر�سو ٌل منهم بما لا ت�شتهيه نفو�ُسهم ،ولا يوافق ولا تكتم �شيئ ًا منه خوف ًا �أن ُتنال بمكروه ،ف إ�ن لم ُتب ِّلغ
�أهوا َءهم نا�صبوه ال َع َداء ،فك َّذبوا منهم فريق ًا ،وقتلوا جميع ما �أُنزل إ�ليك فما ب ّلغ َت ر�سالته ،لأن كتمان
بع�ضها ككتمان ك ِّلها ،والله ي�وصنك ويحفظك من أ�ن
فريق ًا ،نق�ض ًا للميثاق ،و َجراء ًة على الله.
١١٩
٧٦قل -أ�يها الر�سول -له�ؤلاء الكفرة من الن�صارى ٧١وظ َّن ه ؤ�لاء �أ ّل يكون من الله لهم ابتلا ٌء بال�شدائد
من العقوبات بما كانوا يفعلون ،فعموا عن الحق فلم
الزاعمين �أن الم�سيح ر ّبهم ،والقائلين �إن الله ثالث ثلاث ٍة:
أ�تعبدون ِم ْن دون الله ما لا ي�ض ُّركم ولا ينفعكم؟! والله يب�صروه ،و َ�ص ُّموا عنه فلم ي�سمعوه ،ثم تاب الله عليهم
هو ال�سمي ُع لا�ستغفارهم لو ا�ستغفروه ِم ْن مزاعمهم لـ ّما تابوا ،ثم عمي كثي ٌر منهم و�ص ُّموا ثاني ًا ،والله ب�صير
الباطلة ،العلي ُم بتوبتهم لو تابوا إ�ليه منها ،فهو الذي بما يعملون فيجازيهم به.
ي�ستح ُّق العباد َة وحده.
٧٢لقد كفر الذين قالوا :إ�ن الله هو الم�سيح ابن
مريم .وقال لهم الم�سيح :يا بني إ��سرائيل اعبدوا الله ربي
وربكم ،ف إ�ني عب ٌد ول�ست ب إ�له ،إ�نه َم ْن ي�شرك بالله فقد
َم َن َع اللهُ عليه دخول الجنة ،وم أ�واه النار ،وما للظالمين
أ�ن�صا ٌر يمنعونهم من عذاب الله.
٧٣لقد كفر بالله الذين قالوا� :إن الله �أحد آ�له ٍة ثلاث ٍة!!
ولي�س في الوجود �إلا �إل ٌه واح ٌد مو�وص ٌف بالوحدانية ،لا
ثاني له ،وهو الله وحده لا �شريك له ،و إ�ن لم ينته الكفا ُر
ع ّما يقولون في الله ِم ْن عظيم القول ،ليم�ّسنهم عذا ٌب
�ألي ٌم ب�سبب كفرهم.
٧٤أ�فلا يرجع ه ؤ�لاء الكفار عن عقائدهم الزائفة
وي�س�ألون ربهم المغفرة مما قالوا؟ والله غفو ٌر لذنوب
التائبين ِم ْن خلقه ،رحي ٌم بهم في قبول توبتهم.
٧٥لي�س الم�سيح ابن مريم إ�لا ر�سو ٌل ِم ْن ِج ْن�ِس الر�سل
الذين َخ َلوا ِم ْن قبله ،وقد أ�تى بالمعجزات الدالة على
�صدقه ،كما �أ ّن الذين ِم ْن قبله أ�توا بالمعجزات الدالة على
�صدقهم ،و أ�ُ ُّمـه ُط ِب َع ْت على ال�صدق في قولها والت�صديق
بربها ،كانا ب�شرين ي�أكلان الطعام ،ويعي�شان به ك�سائر
بني �آدم ،انظر -أ�يها الر�سول -كيف نب ّي لهم ا آليات
على وحدانيتنا ،ثم انظر كيف ُي ْ� َصفون عن الح ِّق بعد
قيام البرهان!
١٢٠
٨٠ترى -أ�يها الر�سول -كثيراً من بني إ��سرائيل
يتو ّلون الم�شركين ِم ْن َعبد ِة الأوثان ،ويعادون ُر�ُسل الله
و�أولياءه ،لبئ�س ال�شيء الذي ق ّدم ْت لهم �أن ُف�سهم �أمامهم
في الآخرة ،ق ّدم ْت لهم �ُسخ َط الله عليهم بما فعلوا .وهم
في عذاب الله يوم القيامة ماكثون مقيمون.
٨١ولو كان ه�ؤلاء الذين يتولّون الم�شركين ِم ْن بني ٧٧قل -أ�يها الر�سول -له ؤ�لاء الـ ُمغالين من الن�صارى
إ��سرائيل ي�ؤمنون بالله ،وي�ص ّدقون بمحمد - -و أ�نه في الم�سيح :لا ُت ْف ِرطوا في القول في أ�مر الم�سيح ،فتجاوزوا
نب ٌّي مبعو ٌث �إلى كا ّف ِة الخلق ،وي�ؤمنون بالقر�آن الذي فيه الحق إ�لى الباطل ،فتقولوا :هو الله� ،أو هو ابنه! ولكن
�أُنزل �إليه ِم ْن ربه ،ما اتخذوا الكفا َر أ�ن�صاراً ِم ْن دون قولوا :هو عبد الله ،وال تف ِّرطوا في �أمره ،ف َت َّت ِبعوا �أهواء
الم ؤ�منين ،ولك ّن أ�كثرهم خارجون عن طاعة الله و أ�مره. اليهود الذين قد �ض ُّلوا قبلكم عن �سبيل الهدى ،فافتروا
على ُ�أ ِّمه بهتان ًا ،و أ��ضلوا كثيراً من النا�س ،و َر ِكبوا غير
٨٢والل ِه لتجد ّن -أ�يها الر�سول� -أ�ش َّد النا�س عداو ًة
لك وللذين اتبعوك و�ص َّدقوك اليهو َد وعبد َة الأوثان، َمـ َح َّجـة الح ّق ،وحادوا عن َق ْ�صد ال�سبيل.
ولتجد ّن �أقر َب النا�س مود ًة لك ولمن اتبعك �أتبا َع عي�سى،
الذين �َس ّموا �أنف�سهم ن�صارى؛ أل َّن فيهم ق�سي�سين ُيع ِّلمون ٧٨وب�سبب تمر ُّدهم عن طاعة الله ،وتماديهم في الظلم
دينهم ،ورهبان ًا يخ�وشن ربهم ،و ألنهم لا ي�ستكبرون والف�ساد ،طر َدهم اللهُ من رحمته ،و�أنزل هذا في الزبور
على نب ِّيه داود ،وفي الإنجيل على نبيه عي�سى ابن مريم.
عن �سماع الحق .وهذه ا آلية نزلت في �أتباع �شمعون
٧٩كان ه�ؤلاء اليهود لا ينتهون عن معا�صي الله ،ولا
-أ�حد الحواريين لعي�سى عليه ال�سلام -الذين كانوا ينهى بع ُ�ضهم بع�ض ًا ،ولبئ�س الفع ُل الذي كانوا يفعلون؛
في تركهم التناهي عن معا�صي الله ،و ُركوب َمحارمه.
يحبون كلمة «ن�صارى» ومعظ ُم ه�ؤلاء دخلوا في
ا إل�سلام -ومنهم النجا�شي -و ِمن َث َّم قال تعالى} :ﭑ ١٢١
ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ
ﭦ{ -أ�ي :دخلوا في ا إل�سلام -بينما الفريق
الآخر من الن�صارى -وهم أ�تباع بول�س -الذي ح ّرف
الن�صرانية -فه ؤ�لاء لا يحبون كلمة «ن�صارى» ألنها في
زعمهم ن�سبة �إلى «نا�صرة» ،وهي بلدة حقيرة -في
زعمهم -و ِم ْن َث ّم نجد ا ألناجي َل في أ�يدي الن�صارى
لا تذكر هذه الكلمة ،و َت�ْستعي�ض عنها بالم�سيح ّية
والم�سيح ِّيين.
٨٣و�إذا �سمعوا ما �أُنزل �إليك � -أيها الر�سول-
من آ�يات القر آ�ن ،ت أ� ّثر ْت به قلوبهم ،و َخ َ�شع ْت له
نفو�ُسهم ،فترى �أعي َنهم تفي�ض دمع ًاِ ،من �أجل ما عرفوا
فيه من الحق الذي ب َّينه لهم ،يقولون :ربنا �آمنا بكتابك
ونبيك ،فاكتبنا مع أ�ُ ّمة محم ٍد الذين ي ؤ�منون بك،
وي�شهدون ب�صدق نبيك وكتابك.
٨٩لا ُيعاقبكم الله ب أ�يمانكم التي �َس َب َق ْت على الل�سان ٨٤و�أ ُّي مان ٍع يمنعنا من �أن نق َّر بوحدانية الله ،ون ؤ�من بما
ِمن غير َق ْ�ص ِد الحل ِف ،و إ�نما يعاقبكم ب أ�يمانكم التي جاءنا من الحق المنزل على محمد - -ونحن نرجو
�أق�سمتم عليها و�أنتم قا�صدون لل َحلف� ،إذا َح َن ْثتم فيها،
ف إ�ذا َح َن َث �أح ُدكم في يمينه فالواج ُب عليه لتكفير هذا بذلك أ�ن ُيدخلنا ربنا الجنة مع �أهل طاعته يوم القيامة؟
اليمين �أن ُيطعم ع�شر ًة من الفقراء والم�ساكين من الطعام
ال َو�َس ِط الذي يطعم منه أ�هله� ،أو ك�سو ُة ع�شر ِة م�ساكين، ٨٥فجزاهم الله على إ�يمانهم ،واعترافهم بالحق
�أو ُيح ِّرر عبداً مملوك ًا من ال ِّرق ،ف َم ْن لم يج ْد �شيئ ًا من و ِ�ص ْد ِقهم فيما قالوا ،ال ُخ ْل َد في جنات ال ّنعيم ،التي تجري
ا ألمور المذكورة �أو عجز عنها ،فعليه حينئ ٍذ �أن ي�وصم ا ألنها ُر تحت أ��شجارها وق�وصرها ،وذلك هو جزاء
ثلاثة أ�يام ،فهذه ك ّفارة الحنث في اليمين ،و�وصنوا أ�يها المح�سنين في ا ِّتبا ِعهم الح َّق وانقيادهم له.
الم�ؤمنون �أيما َنكم عن �أَ ْن ت�ضعوها في غير مو�ضعها،
٨٦و أ� ّما الذين جحدوا توحيد الله ،و�أنكروا نبوة
�أو أ�ن َتـ ْحنثوا فيها ،وكما ب َّي اللهُ لكم حكم الأيمان محم ٍد - -وك ّذبوا ب آ�يات كتابه ،ف�أولئك �أه ُل
وا�ضح ًا مف َّ�صلا ُيب ِّي لكم �أحكا َم دينه؛ لت�شكروه تعالى
الجحيم المع َّذبون فيها الملازمون لها.
على هدايته �إياكم ،وتقوموا بطاعته.
٨٧يا أ�يها الذين �آمنوا ،لا ُت ّرموا على أ�نف�سكم التمت َع
بما أ�ح َّل اللهُ لكم مما ت�ستل ُّذه ا ألنف�س وتميل �إليه ِم ْن طعا ٍم
و�شراب ،ون�سا ٍء �أح َّل الله لكم نكا َحهن وغيرها من
الأرزاق وال ِّنعم ،ولا تتجاوزوا حدود ما �شرع الله لكم،
بارتكاب المحذور ،إ�نه تعالى لا يح ُّب المعتدين الذين
يتجاوزون حدوده.
٨٨وكلوا � -أيها الم ؤ�منون -مما رزقكم الله ،وجع َله
لكم حلال ًا َت ِط ْي ُب به نفو�سكم ،واتقوا الله -الذي �آمنتم
به -في جميع أ�موركم وخافوه ،ف�إ َّن ا إليما َن به يقت�ضي
الخوف منه تعالى وتقواه.
١٢٢
في جميع ما أ�مرا به ونهيا عنه ،واحذروا مخالفتهما،
ف إ� ْن توليتم و�أعر�ضتم عن طاعتهما ،فاعلموا أ�نما على
ر�سولنا البلاغ الوا�ضح الب ِّي عن الله ،وقد َف َع َل ،و�أ ّما
الح�سا ُب والعقاب على ذلك فهو إ�لينا.
93لي�س على الذين �آمنوا وعملوا ال�صالحات إ�ث ٌم أ�و
َح َر ٌج فيما �شربوا من الخمر و�أخذوا من الـ َم ْي ِ�س ،وما
ُي�ْشبههما ِمن المحرمات قبل تحريمها ،إ�ذا خافوا الله،
وابت َعدوا عنها بعد ِع ْلمهم بتحريمها ،و�ص ّدقوا بما كان
قد أ�نزل الله من َقب ُل ِمن ا ألحكام ،وعملوا ال�صالحات
بعد ذلك مما ما ح ّرم اللهُ كانت قد �ُشعت ،ثم اتقوا التي
ثم ا�ستمروا وفي غيره، مباح ًا ،و آ�منوا بما أ�ُنزل فيه كان
على التقوى ،و�أتوا بالأعمال الح�سنة -والمراد �أنهم لا
إ� ْث َم عليهم ولا حرج �إذا كانوا ك َّلما ُ�أمروا ب�شيء �أو ُنهوا
عن �شيء �سارعوا �إلى الطاعة والامتثال -والله يح ُّب
الطائعين المخل�صين في طاعتهم ،ويثيبهم عليها.
94اعلموا -يا َم ْع�ش َر الم ؤ�منين� -أن الله �سيختبركم 90ا ْع َلموا � -أيها الم�ؤمنون� -أ َّن الخمر وال ِقمار،
ب�شيء من �صيد ال َ ِّب و أ�نتم مح ِرمون ،ي�سهل عليكم وا ألن�صا َب التي ُت ْن�صب ل ُت ْذبح عليها الذبائح تق ُّرب ًا
تناوله ،تنالون بع َ�ض ُه ب أ�يديكم ،وبع�ضه تنالونه برماحكم، ل أل�صنام � -أو هي ا أل�صنام نف�سها -والأزلا َم -وهي
ل ُي ْظ ِهر اللهُ بهذا الم ؤ�م َن ال�صاد َق الذي يخاف ر َّبه ا أل�سهم التي كان �أهل الجاهلية يطلبون بها معرفة المق�سوم
بالغيب ،وذلك ِب َع َدم تع ُّر ِ�ضه لل�صيد بعد �أن ُنهي عنه،
و ُيظهر به �ضعي َف الإيمان ،الذي ينتهك الـ ُح ْرمة ،ف َمن من خي ٍر �أو �ش ٍّر -ك ُّلها َخ َب ٌث و َق َذ ٌر ِمن تزيين ال�شيطان
اعتدى منكم بال�صيد َب ْع َد البيان والإعلام ،فله عند الله والمعنوية، لتوفو�وسزوو�اس ِتباهل،فلفااجحتنفبيوادنيهاذكهمالوق�آذاخرراتكتما.ل ِحو ِ�ِّذسيْكةُر
الأن�صاب
عذا ٌب �أليم.
95يا �أيها الذين �آمنوا لا تقتلوا ال�صيد و أ�نتم وا ألزلام مع الخمر والمي�سر هنا لت�أكيد تحريمهما.
محرمون ،و َم ْن قتله وهو محر ٌم متعمداً ،فعليه أ�ن
ي ؤ� ّدي نظي َر ما َق َت َلُ ،ي ْخرجه ِمن ا إلبل أ�و البقر أ�و الغنم، 91ما يري ُد ال�شيطا ُن ب إ�غرائكم بتعاطي الخمر
و ُي َق ِّد ُر هذا النظي َر َح َكمان َع ْدلان من الم�سلمين، وال ِقمار� ،إلا أ�ن ُي ْو ِقع بينكم العداو َة والبغ�ضاء -وذلك
و ُيهدى هذا الهدي إ�لى فقراء مكة� ،أو ُي�شترى بقيمته بما يقع في �شرب الخمر ِمن إ�ثار ِة الخ�وصمات بين
طعا ٌم ُي ْدفع لفقراء الحرم ،لك ِّل م�سكين ُم ٌّد ِمن الطعام، ال�شاربين ،وبما في ال ِقمار من التحا�سد والغيظ والح�سرة
�أو ي�وصم عن �إطعام ك ِّل م�سكين يوم ًا ،ليذوق عاقب َة للخا�سر ،وغيرها من ا آلثام -ويريد ال�شيطان �أن ي�شغلكم
تع ِّديه ،عفا الله عما �سبق ِم ْن مخالفتكم قبل التحريم، عن طاعة الله وعبادته ،وعن ال�صلاة ،فانتهوا عن هذه
ف َمن اعتدى بعد ذلك ف�إ ّن الله يعاقبه ،والله عزي ٌز لا
القذارات المح َّرمة.
ُيغلب� ،شديد العقاب لمن ُي ِ� ُّص على الذنب.
92و�أطيعوا الله و�أطيعوا الر�سول -أ�يها الم�ؤمنون-
١٢٣
96أ�ح َّل الله لكم �صي َد ما يعي�ش في البحر� ،سواء
كنتم ُم ْح ِرمين �أو غير ُم ْح ِرمين ،و�أح ّل لكم طعامه:
وهو الميت منه الذي يقذفه البحر ،تنتفعون به مقيمين
وم�سافرين ،و ُح ّرم عليكم �صي ُد حيوانات البر ما دمتم
ُم ْح ِرمين ،واتقوا الله ،ب أ� ّل تتجاوزوا حدوده ،فهو الذي
تح�شرون �إليه للح�ساب والجزاء.
أ�و كان فيها افت�ضا ٌح ألمور بع�ضكم ،عفا الله عن هذه 97جعل الله الكعب َة الم�ش ّرف َة البي َت الحرام ،الذي ع ّظم
الم�سائل التي ك ِر َه لكم �س ؤ�ا َلها ،فلم يعاقبكم بها ،والله ُحرمته� ،صلاح ًا ألمور النا�س في دينهم ودنياهم ،حيث
جعله ملج�أ ًو َم ْن�سك ًا لتكفير الذنوب ،ومجمع ًا للتجارات
وا�س ُع المغفرة ،حلي ٌم في عدم المعاجلة بالعقوبة. والتعارف .و َج َعل ا أل�شه َر الـ ُح ُرم �أ�شهراً ي�أمن فيها
النا� ُس ِمن القتل والاعتداء ،يتنقلون فيها آ�منين لتح�صيل
102قد �س�أل ال�سابقون أ�نبيا َءهم عن �أمثال هذه ا ألقوات وق�ضاء الم�صالح ،وج َع َل ال َه ْدي الذي ُي َهدى
الم�سائل ،ف أ�جابوهم ببيان أ�حكامها فلم يقوموا بها �إلى الحرم من ا ألنعام معا�ش ًا لفقرائه ،والقلائ َد التي ُي َع َّلم
بها ال َه ْدي لئلا ُيعتدى عليه .جعل الله ك ّل ذلك؛ لتوقنوا
لم�ش َّقتها ف�ض ُّلوا. أ�ن الله كما َع ِل َم ما فيه �صلا ُحكم ف�َ َشعه لكم ،يعل ُم ما
في ال�سماوات وما في الأر�ض ،و�أنه بكل �شيء عليم.
98ا ْع َلموا -أ�يها النا�س -أ� ّن الله �شدي ُد العقاب لمن
انتهك ُح ُرماته ،و�أ ّن الله وا�سع المغفرة والرحمة لمن
�أطاعه وتاب إ�ليه.
99لي�س على ر�سولنا إ�لا تبلي ُغ ما �أُر�سل به ،وقد ب ّلغ
فلا ُعذر لكم ،والله يعلم ما ُتظهرون وما ُتخفون من
خير �أو �شر ،و�سيجازيكم بما ت�ستحقون يوم القيامة.
التي ابتدعها المح َّرمات 103لم َي�ْشع اللهُ هذه 100قل أ�يها الر�سول لا ي�ستوي عند الله الخبيث
ي�ش ُّقون �أُذنها وهي الناقة الم�شركون ،من البحيرة - والطيب من كل �شيء ،فلا ي�ستوي الحلا ُل والحرا ُم ،ولا
الم�سل ُم والكاف ُر ،ولا ال�صال ُح والطال ُح ،ولو �أعجب َك �أيها
إ�ذا ول َد ْت خم�س َة َ�أب ُطن �آخ ُرها َذك ٌر ويمنعون ركوبها ا إلن�سان كثر ُة الخبيث ،فاتقوا الله يا �أ�صحاب العقول
وذبحها -ولا ال�سائب َة التي ُي�س ّيبونها ل أل�صنام ،فلا ُينتفع الراجحة فيما أ�مركم به �أو نهاكم عنه ولا تعتدوه،
بها ،ولا الو�صيلة -وهي التي ُت َب ّكر ب�أنثى ثم ُت َثـ ِّني
بعدها ب ُ�أنثى ف ُت ْتك ل أل�صنام -ولا الحامي -وهو الذكر لتكونوا من المفلحين في الدنيا والآخرة.
من الإبل الذي ُيحمى ظهره فلا ُيركب ولا ُيحمل عليه 101يا أ�يها الذين �آمنوا لا ت�س أ�لوا النب َّي عن �أ�شياء لا
�إذا ولد ع�شرة أَ�ب ُطن -ما �َ َشع الله ذلك ،ولك َّن الذين وب�إهنا�،س�ألفت�إنمهاعن إ�هاْنف ُتي َب ّحيياةل الكنبم ِّير ّب-ـماَ غّ-متحكيمن حاجة لكم
كفروا فعلوا ذلك ون�سبوه إ�لى الله افترا ًء عليه ،و أ�كث ُر ُهم و أ�حزنتكم،
لا ُييزون بين الحق والباطل. ُين َّزل القر�آنُ ،ت َب ّي لكم ،وربما ُك ِّلفتم بها ف�ش َّقت عليكم،
١٢٤
�أن ي�شهد اثنان َع ْدلان من الم�سلمين� ،أو آ�خران من غير 104و إ�ذا قيل لهم :تعالوا إ�لى ما أ�نزل الله و إ�لى ما ب َّي
الم�سلمين �إذا كنتم على �َس َف ٍر ونزل بكم المو ُت .وعليكم الر�سو ُل من الحلال والحرام ،قالوا :يكفينا ما وجدنا
� -إن ارتبتم في �أمرهما� -أن ُت ْو ِقفوا هذين ال�شاهدين بعد
�أداء ال�صلاة حيث يكون النا�س مجتمعين ،فيق�سمان بالله: عليه آ�باءنا ،ويق ِّلدون �آباءهم بدون نظ ٍر وال تفكي ٍر،
لا ن�ستبدل بال َق َ�س ِم عو�ض ًا لنا أ�و نفع ًا لأحد من أ�قاربنا، �أ َو َل ْو كان آ�با ؤ�هم لا يعقلون �شيئ ًا من ال ِّدين ،ولا
ولا نكتم ال�شهادة التي �أمرنا الله ب أ�دائها ،ف إ� ْن أ�خفينا يهتدون إ�لى الحق؟
ال�شها َدة أ�و قلنا زوراً فح ٌّق على الله �أن يعذبنا. 105يا أ�يها الذين آ�منوا ا ْح َفظوا �أنف َ�سكم بلزوم
الطاعات واجتنا ِب المح َّرمات لا ي�ضركم �ضلا ُل غي ِركم
107ف إ� ْن َتب َّي بعد هذا �أن هذين ال�شاهدين قد كتما إ�ذا كنتم مهتدين ،و أ�َ َم ْرتم بالمعروف و َنهيتم عن المنكر،
ح ّق ًا �أو كذبا في �شهادتهما ،ف إ� ّن �شاهدين اثنين أ�َ ْج َدر إ�لى الله مرج ُعكم جميع ًا في ا آلخرة فيخبركم ب أ�عمالكم
بال�شهادة منهما ِم ْن �أوليا ِء الميت ا ألقربين الذين وق َع
عليهم الظل ُم ،يقفان مكانهما بعد ال�صلاة ،ويق�سمان ويجازيكم عليها.
بالله َل�شهاد ُتنا �أولى و أ�ح ُّق من �شهادة ال َّل َذين �شهدا �أول ًا،
و�أننا لا نتهمهما عدوان ًا وظلم ًا ،ولئن فعلنا �إ ّنا �إ َذ ْن لمن
الظالمين الم�ستح ِّقين لعذاب الله.
108وما تق َّد َم ِمن الأم ِر بال َق َ�س ِم والتنبيه على الخوف
من الافت�ضاح ور ِّد ال�شهادة و�سائ ِر ما ب ّينه الح ُّق �سبحانه
وف ّ�صله �أ ْد َعى إ�لى �ش ّدة التح ّري ،و أَ��ضم ُن ألداء ال�شهادة
�صحيح ًة ِم ْن غير كتما ٍن أ�و تحري ٍف .وخافوا �أيها النا� ُس
ر َّبكم و أ�طيعوا أ�مره ،والله لا يهدي القوم الفا�سقين
الخارجين عن طاعته.
106يا أ�يها الذين �آمنوا إ�ذا �شار َف أ�ح ُدكم على الموت
و َظهر ْت عليه علاماته ،و�أراد �َأ ْن يو�صي ب�شيء ،ف إ�قام ُة
ال�شهاد ِة بينكم على الوجه الذي ي�ضمن الحقو َق تقت�ضي
١٢٥
بما أ�مرتنا �أن ن ؤ�من به ،وا�شهد ب أ� ّنا مخل�وصن في هذا 109اذكروا -أ�يها النا�س -يو َم القيامة يو َم يجمع
ا إليمان ،منقادون ألمرك. الله الر�سل وا ألمم ،في�س�أل الر�س َل :ما الذي �أجابكم به
112وا ْذكر�-أيهاالر�سول�-إذقالالحواريون:ياعي�سى قو ُمكم ،هل هو كفر �أو إ�يمان ،طاعة �أو ع�صيان؟ قالوا:
ابن مريم ،هل ي�ستطيع ر ُّبك � -أي هل ُي ِجي ُب ر ُّبك -إ�ذا لا ِع ْل َم لنا �إلى جانب علمك ،إ�نك أ�نت العالـ ُم بخف ّيات
�س�ألته �َأ ْن ينزل علينا مائد ًة من ال�سماء؟ فقال لهم :يا قوم،
إ�ن كنتم م ؤ�منين بقدرة الله تعالى و�صحة نبوتي ،فاتقوا الله ا ألمور لا يخفى عليك �شي ٌء من الظواهر والبواطن.
َ�أ ْن ت�س أ�لوا أ�مثال هذا ال�س�ؤال ،واحذروا عذابه. 110واذكروا قو َل الله لعي�سى في هذا اليوم :يا عي�سى
113قال الحواريون :نريد ب�س ؤ�النا المائدة� ،أن ن�أك َل منها ابن مريم ،اذك ْر ف�ضلي و إ�نعامي عليك وعلى �أمك
تب ُّرك ًا ،وحاج ًة منا إ�لى الطعام لجوعنا ،وت�سكن قلوبنا في الدنيا :وذلك حين ق َّويتك و أ�عنتك بجبريل عليه
بزيادة اليقين بقدرة الله ،ونزداد علم ًا ب�صدقك في دعوى ال�سلام ،فكلم َت النا� َس و أ�نت في المهد �صبي ًا ببراءة
النبوة ،بر ؤ�ية ا آلية ِعيان ًا بعد أَ� ْن علمنا ذلك ا�ستدلال ًا، �ُأ ِّمك و ُعبودي ِت َك لله وبرك ِت َك وما �سي�ؤتيك الله من
ونكون من ال�شاهدين على هذه الآية عند َم ْن لم يرها ،إ�ذا النبوة والكتاب ،ثم جعل ُتك في الكهولة نب ّي ًا ،تدعو
إ�لى توحيد الله ،واذك ْر أ�ي�ض ًا نعمتي عليك حين ع َّلمتك
رجعنا إ�ليهم ،فيزداد الم ؤ�منون إ�يمان ًا وت�صديق ًا. الكتاب َة ،والحكم َة -وهي الفه ُم ال�صحي ُح وا إل�صاب ُة في
القول والعمل -والتورا َة والإنجي َل ،واذك ْر حين كن َت
١٢٦ ُت َ�ص ِّور من الطين كهيئة الطير ب إ�ذني لك وعوني ،فتنفخ
في تلك ال�وصرة ف َت�صي ُر طيراً ح ّي ًا بقدرتي و�أمري ،و إ� ْذ
َت�ْشفي من العمى ا ألكم َه -وهو الذي ُو ِل َد أ�عمى-
وا ألبر�َص فيذهب عنه المر�ض ويعود جلده �سليم ًا ب إ�ذن
الله ،و�إ ْذ كن َت ُتيي الموتى ب�أَ ْن تدعوهم فيقوموا من
قبورهم �أحياء ب�أمري وم�شيئتي ،وا ْذكر نعمتي عليك
َو ْق َت أ�َ ْن �صرف ُت عنك �ش َّر اليهود حين �أرادوا بك
ال�سوء ،وه ّموا بقتلك و َ�ص ْلبك ،وقد جئتهم بالبراهين
والحجج القاطعة على نبوتك و إ�ر�سالك من الله إ�ليهم،
فقال اليهود الجاحدون لر�سالتك :ما هذه الخوارق إ� ّل
�سح ٌر ظاه ٌر ب ِّ ٌي.
111وا ْذكر -يا عي�سى -نعمتي عليك حين أ�لهم ُت
الحواريين ،وقذف ُت في قلوبهم َ�أ ْن ي�ص ِّدقوا بوحدانيتي
ونب ّو ِتك ،حين دعوتهم �إلى ذلك ،فقالوا :آ�منا يا ر ُّب
اعتقاد ُ�ألوهيتك وعباد ِتك �أن َت و�أ ّمك ِم ْن دون الله؟ قال 114ف�أجابهم عي�سى -عليه ال�سلامِ -لـ َما طلبوا ،لـ ّما
عي�سى -عليه ال�سلام :-تنزيه ًا لك يا ربنا من أ�ن يكون ر�أى لهم غر�ض ًا �صحيح ًا في ذلك ،ب أَ� ْن تو ّجه إ�لى الله
لك �شريك ،ما ينبغي لي أ�َ ْن أ�قو َل قلا ًو لا يح ُّق لي أ� ْن �أقوله، تعالى مت�ضرع ًا ،فقال :اللهم ربنا َ�أن ِز ْل علينا مائد ًة من
�إ ْن كن ُت قل ُت لهم ذلك ف�أنت تعلمه ،ولا َيخفى عليك ال�سماء ،يكون يوم نزولها عيداً � -أي فرح ًا و�سروراً-
�شيء ،ف أ�نت تعلم ما �أخفيه في نف�سي ،كما تعلم ما أ�ُعلنه، نع ِّظمه بالإكثار من التق ِّرب �إليك فيه ،نحن و َم ْن ي أ�تي
و�أنا لا أ�علم ما ُتخفيه ِم ْن معلوماتك ،و أ�ن َت َو ْح َدك ِم ْن بعدنا ِم َن الم ؤ�منين ،ولتكون آ�ي ًة على كمال قدرتك
المحي ُط علم ًا بك ِّل ما خفي وغاب .والخطاب هنا لعي�سى و�صح ِة نب ّوتي ،وارزقنا ِم ْن عطائك وف�ضلك ،ف�أنت
عليه ال�سلام ،والمراد :توبي ُخ َم ْن يقول ذلك ِم ْن قومه. خير َم ْن �أعطى وتف َّ�ضل ،ألنك الغني الحميد.
117قال عي�سى -عليه ال�سلام :-يا ر ّب ما قل ُت 115قال الله تعالى :إ� ّن �س ُأ�نزل عليكم مائد ًة من
لهم إ�لا ما �أمرتني بقوله .قل ُت لهم :اعبدوا الله ،خالقي ال�سماء ،معجز ًة لك يا عي�سى ،ف َمن َك َف َر منكم بي
وخالقكم ،ولقد كن ُت -و أ�نا بين أَ� ْظ ُه ِرهم� -شاهداً وبر�سولي بعد هذه ا آلية الباهرة ،ف�إني أُ�ع ِّذبه عذاب ًا �شديداً
عليهم وعلى أ�فعالهم و أ�قوالهم ،فلما و َّفيتني �أجلي على
ا ألر�ض ،ورفعتني إ�لى ال�سماء ح ّي ًا ،كن َت أ�ن َت المراقب لا ُأ�ع ِّذب مث َله �أحداً من العالمين.
ألحوالهم ،و أ�ن َت على كل �شيء �شهيد ،لا تخفى عليك
116واذك ْر -أ�يها الر�سول� -إذ يقول الله تعالى يوم
خافية في ا ألر�ض ولا في ال�سماء. القيامة :يا عي�سى ابن مريم ،أ��أنت دعو َت النا� َس �إلى
� 118إ ّنك يا الله ،إ� ْن تعذبهم ف�إنهم عبا ُدك -و�أنت �أعلم
ب أ�حوالهم -تفع ُل ما ت�شاء ب َع ْدلك ،و إ� ْن تغف ْر لهم ،ف�إنك
�أنت العزيز الذي لا ُيغا َلب فيما أ�راد ،الحكي ُم في ِف ْعله
و�َأ ْمره .وهذا ِم ْن عي�سى -عليه ال�سلام -تب ّر ٌ�ؤ منهم و ِم ْن
�شركهم ،وتفوي� ٌض مط َل ٌق منه إ�لى م�شيئة الله تعالى.
119قال الله تعالى لعي�سى -عليه ال�سلام -يوم القيامة
م�شيراً �إلى ِ�ص ْد ِقه :هذا اليوم يوم العدل والجزاء ينفع
الم ؤ�منين فيه توحي ُدهم وطاع ُتهم لربهم و�إخلا�صهم له،
لهم ب�ساتين وحدائق تجري ِم ْن تحت �أ�شجارها أ�نهار
الجنة ،وهم خالدون في هذا النعيم �أبداً ،ذلك هو الفوز
الكبير الذي لا فوز أ�عظم منه.
120لله تعالى وحده ُم ْلك ال�سماوات والأر�ض وما
فيهن ،يت�ص َّرف في ملكه كيف ي�شاء ،وهو ذو القدرة
التا ّم ِة ،لا ُيعجزه �شي ٌء أ�راده ،فلا نظير له ولا �إله غيره
ولا ر َّب �سواه.
١٢٧
و�أجرينا ا ألنهار ِم ْن تحت ق�وصرهم ،فعا�وشا في ال ِخ ْ�صب 1أ� ْخ ِل�وصا الحم َد لله الذي خلقكم -أ�يها النا�س-
بين ا ألنهار والثمار ،فع�وصا وطغوا و َبطروا النعم َة، وخلق ال�سماوات وا ألر�ض ،ولا ُت�شركوا معه في ذلك
ف أ�هلكناهم ب�سبب ما اكت�سب ْت أ�يديهم ،و أَ� ْح َدثنا بعد �أَحداً �شيئ ًا ،ف�إنه الم�ستو ِج ُب عليكم الحم َد ،وهو �سبحانه
الذي جعل الظلمات التي ت�س ُتكم ،راح ًة ألبدانكم
�إهلاكهم قوم ًا �آخرين ،جعلناهم خلف ًا لهم؟ وقلوبكم ،وجعل النو َر الذي فيه معا�شكم و ِقوا ُم
حياتكم ،ثم الذين كفروا بعد هذا البيان َي ْع ِدلون بربهم
7ولو ن ّزلنا عليك -أ�يها الر�سول -الوحي الذي
جاءهم من عند الله ،مكتوب ًا في �صحيفة ،فعا َينوه �سواه ،في�سوونه به في عبادته والتو ُّجه إ�ليه.
ولم�سوه ب أ�يديهم ،لقال الم�شركون -عناداً ومكابر ًة:-
ما هذا الذي جئتنا به ،إ�لا �سح ٌر ظاه ٌر وا�ضح� ،سحر َت 2هو �سبحانه الذي ابتد�أ َخ ْلقكم بخلق �أبيكم
آ�دم من طين ،ثم ق َّدر �أجل ًا محدداً لكل مخلوق وهو
به �أعيننا. الموت ،وعنده أ�ج ٌل م�س َّمى مع َّ ٌي وهو يوم البعث ،ثم
�أنتم � -أيها الم�شركون -ت�ش ُّكون في هذا الأجل الم�س َّمى
8وقال م�شركو مكة :ه ّل �ُأنزل على محمد َم َل ٌك
من ال�سماء ُي�ص ّدقه وي�شهد له ب أ�ن الله أ�ر�سله إ�لينا ،فن�ؤمن الذي هو البعث.
به ونتبعه .ولو أ�نزلنا ملك ًا ثم كفروا ولم ي ؤ�منوا؛ لجاءهم
3وهو الله المعبود بح ّق ،والمتف ِّرد بالتدبير في
العذاب عاجل ًا غير آ�جل ولم ُي ؤ� َّخروا َط ْرف َة عي ٍن. ال�سماوات وا ألر�ض ،يعلم المكتو َم الم�ستور منكم
والمع َلن المك�وشف ،ويعلم ما تعملون من خي ٍر أ�و �ش ٍّر،
١٢٨
فيثيب عليه ويعاقب.
4وما ت أ�تي الم�شركين من ُح َّج ٍة �أو ب ِّينة على قدرة
الله و ِ�صدق ر�سوله إ�لا كانوا مكذبين بها تاركين تد ُّبرها
والنظر فيها.
5وقد ك َّذبوا بما هو �أعظم منها و�أكبر وهو القر آ�ن
معجز ُة الر�سول الكبرى ،و�سوف يعلمون نتيجة
ا�ستهزائهم ،وذلك عند إ�ر�سال العذاب عليهم في الدنيا
-أ�و يوم القيامة� ،أو عند ظهور الإ�سلام و ُعل ّو كلمته.-
6أ�لم يعل ْم ه ؤ�لاء المك ِّذبون بالقر آ�ن َك ْم �أهلكنا
قبلهم من ا ألمم ،وقد أ�عطيناهم من القوة وال�سلطان
و أ��سباب ال ُّظهور على النا�س ما لم َنعله لكم يا �أهل
مكة ،و�أنزلنا عليهم من ال�سماء ماء غزيراً ُم ّت�صل ًا نافع ًا،
و�إح�سان ًا ،لذلك فهو لا يع َجل بالعقوبة ،ويقب ُل التوبة 9ولو جعلنا الر�سول م َلك ًا كما اقترحوا ألر�سلناه
وا إلنابة ،ف أ�نيبوا �إليه واعبدوه وو ِّحدوه ،وهو �سبحانه في �وصرة رجل؛ ألنهم خلاف ًا لر�سول الله و�سائر الر�سل
�أَ ْق َ�سم �أ ْن يجمع النا� َس من القبور �إلى يوم القيامة ،لا �ش َّك الكرام لا يطيقون ر ؤ�ية الملك في �وصرته ،ولخ َلطنا
في ذلك اليوم أ�و في ذلك الجمع ،فيجازي ك َّل عام ٍل عليهم و أ��ْش َكلنا عليهم ِمن أَ� ْمره حتى ي�ّشكوا فلا يدروا
بعمله ،والذين �َأ ْهلكوا أ�نف َ�سهم و َغ َبنوها بت�ضييع النظر
ال�صحيح المو ِجب ل إليمان والتوحيد ،أ� ّدى بهم ذلك إ�لى �أملك هو �أم ب�شر؟
الإ�صرار على ما هم عليه من الكفر حتى الممات. َ 10ه ِّو ْن عليك -أ�يها الر�سول -ما تلقاه ِم ْن ه ؤ�لاء
الم�ستهزئين؛ فلقد ا�ستهز�أ �أقوام كثيرون ب�أنبيائهم ور�سلهم
13ولله تعالى ك ُّل ما ا�ستق َّر في الليل والنهار ،وهو ِمن َقب ِلك ،ف أ�حاط بهم الذي كانوا ي�ستهزئون به ،ونزل
ال�سميع ألقوال النا�س ،العليم بما في �أنف�سهم ،لا يخفى
بهم َو َبا ُل ا�ستهزائهم ،وهو الهلاك والعذاب.
عليه� شيء.
11قل -أ�يها الر�سول -له�ؤلاء الم�ستهزئين� :سيروا
14قل -أ�يها الر�سول -له�ؤلاء الم�شركين� :أَ َغي َر الله في ا ألر�ض ُمعتبرين ومتفكرين ،ثم انظروا إ�لى �آثا ِر
أ�تخذ معبوداً �ُأوا ِلـي ِه بالعبادة والمحبة ،وهو �سبحانه مبدع ا ألمم الخالية ،لتعرفوا ما ح َّل بهم من العقوبات ،وكيف
ال�سماوات وا ألر�ض ،وهو الغن ُّي عن الخلق يرزقهم ولا
يرزقه أ�حد؟! قل لهم � -أيها الر�سول� :-إ َّن ربي أ�مرني أ�ن أ�ورثهم الكف ُر والتكذي ُب الهلا َك.
أ�كون أ� ّو َل َمن خ�ضع له من هذه ا ألمة وا�ْست�سل َم ألمره
وانقا َد إ�لى طاعته ،وقيل لي تنفيراً لأمتي من ال�شرك :لا 12وا�ْس أ�لهم � -أيها الر�سولَ :-من الذي له ملك
ال�سماوات وا ألر�ض وما فيهن؟ قل لهم :هو الله ،و�أنتم
تكن مـ ّمن جعل لله �شركا َء من ا آللهة وا ألنداد. ُتق ُّرون وتعلمون .هو �سبحانه الت َز َم الرحم َة تف ُّ�ضل ًا
15وقل -أ�يها الر�سول� :-إ ّن ر ّبي نهاني عن عبادة ١٢٩
�شي ٍء �سواه ،و إ� ّن �أخاف إ� ْن ع�صي ُت ر ّبي بعبادة غيره
عذا َب يو ٍم عظيم ،هو يوم القيامة.
َ 16من ُي�صرف عنه العذاب يوم القيامة فقد رحمه
الله ونـ ّجاه و َ�أنعم عليه ،وذلك ال َّ� ْص ُف أ�و الرحم ُة هو
الفلاح المبين.
17ومما يد ُّل على ا�ستحقاقه تعالى للعبادة واللاوية
�أنه إ� ْن �أ�صابتك ِ�ش ّدة في دنياك ِمن مر�ٍض �أو فق ٍر� ،أو
غير ذلك من بلاياه ،فلا أ�ح َد قادر على رفع هذا ال�ضرر
الواقع غي ُر الله ،و�إ ْن ي�صبك خي ٌر ِمن رخا ٍء أ�و عافي ٍة أ�و
غير ذلك من نعمه ،فهو قادر على حفظه و�إدامته ،ولا
َي ْقدر أ�حد على َد ْفعه.
18والله ج َّل وعلا هو الغالب الم�ستعلي فوق عباده
ا�ستعلا َء َق ْه ٍر و َغ َلبة ،وهو الحكيم في تدبيره ،الخبير
بخفايا �أمور عباده وما ي�صلحهم.
-أ�يها الر�سول -وجعلنا على قلوبهم أ�غطي ًة ب�سبب 19قل � -أيها الر�سول -للذين �س أ�لوك َمن ي�شهد
ا ّتباعهم أ�هوا َءهم لئلا يفهموه ،وجعلنا في آ�ذانهم ِث َقل ًا لك بالنبوةَ :من أ�عظ ُم �شهاد ًة و�أكبر؟ ف�إن �أجابوك و�إلا
يروا وك ََّ�لص َم ُحم ًاّج ٍفةلاويعفلهامم ٍةونتدم ُّلعانيعهلىولا�يصتددبقروننبهوات،كو�إ ْن- فقل لهم -أ�يها الر�سول :-الله -الذي �شهادته أ�كبر
أ�يها ال�شهادات� -شاه ٌد ب�صدقي ،وهو العالم بالـ ُم ِح ِّق منا
والـ ُم ْب ِطل ،و أ�وحى الله إ�ل ّي هذا القر آ�ن ألخبركم بما فيه
الر�سول -لا ي�صدقوا ،حتى ينتهي بهم التكذيب إ�لى من الوعيد تخويف ًا لكم ول�سائر َم ْن َب َل َغه من ا إلن�س
والجن إ�لى يوم القيامة ،وقل لهم� :أئنكم لت�شهدون �أ ّن
�َأ ْن يجي ُئوك يجادلونك ،ويقولون :ما هذا القر�آن �إلا مع الله معبودا ٍت غيره -وهو �أم ٌر ظاه ُر البطلان-؟!
وقل لهم :و أ� ّما �أنا فلا أ��شه ُد بما ت�شهدون به ،بل �أ�شهد
خرافات و أ�باطيل ا أل ّولين من ا ألمم الما�ضية. �أ ّن المعبود بح ٍّق �إل ٌه واحد ،وهو الله ،و إ�نني �أتبر�أ ِمن ك ِّل
26والم�شركون ينهون النا� َس عن القر آ�ن وا إليمان به، �شري ٍك تعبدونه معه.
ويتباعدون عنه مخاف َة الت�أثر وا إليمان به ،وما يهلكون
بتماديهم في ال�ضلال و�ص ِّدهم عن �سبيل الله �إلا أ�نف َ�سهم، 20أ�ه ُل الكتاب ِمن اليهود والن�صارى يعرفون
�أ ّن محمداً ر�سو ُل الله ،كما يعرف الواحد منهم اب َن ُه،
وهم لا ي�شعرون بذلك. ل�صفت ِه المذكورة في كتبهم ،والذين �أهلكوا �أنف�سهم
و َغ َبنوها من الم�شركين ومن �أهل الكتاب الجاحدين قد
27ولو ترى أ�يها الر�سول حين ُيو َقف الم�شركون على
النار يوم القيامة ويرون العذاب الـ ُم َع ّد لهم ،لر�أي َت �أ�ضاعوا أ�نف�سهم بعدم �إيمانهم.
�أمراً �شنيع ًا وهلا ًو فظيع ًا ،وعندها يقولون متح�ِّسين:
يا ليتنا ُنر ُّد �إلى الدنيا حتى نتوب ،ولا نكذب ب�آيات الله، 21لا َأ� َح َد أ��ش ّد اعتدا ًء وظلم ًا ممن اخ َت َلق على الله
الباطل فزعم أ� َّن له �شريك ًا� ،أو ا ّدعى �أ َّن له �صاحبة وولداً،
ونكون من الم�ص ِّدقين بالله ور�سله. أ�و ك َّذب بالمعجزات التي أ� َّيد الله بها ر�سله� ،إنه لا يفلح
القائلون على الله الكذ َب والمفترون على الله الباط َل.
22واذك ْر � -أيها الر�سولَ -خ َ َب يوم الح�ساب
-ليعتب َر الم�شركون وغي ُرهم ويتعظوا -يوم نجمع
الم�شركين وما عبدوه ِم ْن دون الله ،ثم نقول لهم� :أين
آ�لهتكم التي كنتم ت َّدعون أ�نهم �أربا ٌب مع الله تعالى؟
23ث ّم لم تكن عاقب ُة �شركهم الذي افتتنوا به وقاتلوا
عليه �إلا جحو َد هذا ال�شرك وال َح ِلف على البراءة منه
وعدم التح ُّقق به.
24ت أ� َّم ْل � -أيها الر�سول -كيف َك َذ َب ه�ؤلاء في
الآخرة على أ�نف�سهم بنفي ال�شرك عنها بعد تح ُّق ِقها
به ،وكيف غاب عنهم ما كانوا يعبدونه من ال�شركاء
وي َّدعون له من ال�شفاعة افترا ًء على الله.
25و ِمن ه�ؤلاء الم�شركين َمن ي�ستم ُع القر آ� َن منك
١٣٠
على ما �ض ّيعنا في حياتنا الدنيا ِم ْن �صالح ا ألعمال، 28بل ظهر لهم يوم القيامة ما كانوا ُي ِ� ّسون في الدنيا
وهم يحملون آ�ثامهم وذنوبهم على ظهورهم ،أ� َل من الكفر والمعا�صي ،ولو ُر ّدوا إ�لى الدنيا بعد وقوفهم
ِبئ�س ما ارتكبوه في الدنيا من الإثم الذي يحملونه على على النار لرجعوا �إلى الكفر والجحود ،و إ�نهم لكاذبون
ظهورهم يوم القيامة. فيما َو َعدوا به من ا إليمان وعدم التكذيب ب�آيات الله.
32وما هذه الحياة الدنيا التي ي�ستمتع النا� ُس بنعيمها 29وقالوا :ما الحياة �إلا حياتنا الدنيا التي نحياها لا
وملا ِّذها إ�لا َل ِع ٌب و َل ْهو ،ع ّما قلي ٍل تزول فلا تغتروا بها، حياة بعد الممات ولا بعث ولا ن�وشر.
ف�إ ّن المغت َّر بها ناد ٌم ،ول آلخرة خي ٌر للذين يخ�وشن الله
بطاعته والم�سارعة إ�لى ر�ضاه� ،أفلي�س لكم عق ٌل حتى 30ولو ترى -أ�يها الر�سول -حا َل المنكرين البع َث
تعلموا �أ َّي ا ألمرين خير ،دا ُر الخراب والفناء �أَ ْم دا ُر �إذ ُحب�سوا أ�مام ربهم للح�ساب ،لر أ�ي َت �أ�سو َ�أ حا ٍل� ،إذ
قال الله لهم :أ�لي�س هذا البعث الذي كنتم تنكرونه
النعيم والبقاء؟ في الدنيا ح ّق ًا؟ قالوا :بلى والل ِه �إنه لح ٌّق -ف�أق ُّروا �إذ لا
ينفع ا إلقرار -قال الله تعالى لهم :فذوقوا عذاب جهنم
33نح ُن نعل ُم � -أيها الر�سول -أ�نه ي�ؤلمك قو ُل
الكفار إ� ّنك �شاعر �أو كاهن �أو مجنون �أو كاذب، ب�سبب كفركم وتكذيبكم في الدنيا.
ف�إنهم ال يك ِّذبونك في الحقيقة؛ لأنهم يعلمون �صح َة
نبوتك ،ولكنهم يجحدون ب آ�يات الله ويكفرون بها، 31قد خ�سر الذين �أنكروا البع َث بعد الممات حيث
فاتهم النعي ُم وا�ستوجبوا العذا َب المقيم ،حتى �إذا
ح�سداً وعناداً. جاءتهم �ساع ُة البعث فج�أة قالوا :يا َندامتنا و َه َلكتنا
34لا يحزنك � -أيها الر�سول -تكذي ُب ه ؤ�لاء ١٣١
الم�شركين ،وما تلقاه منهم من الأذى ،فقد ُك ِّذ َب ر�س ٌل
ِم ْن قبلك ف�صبروا على تكذيب قومهم لهم و أ�ذاهم،
فا�صب ْر كما �صبروا حتى ي�أتيك ن�ص ُرنا كما �أتاهم،
ولا م َغ ِّي لما حكم الله به ِمن �إهلاك المك ِّذبين و َن ْ� ِص
المر�سلين ال�صابرين .ولقد جاءك -أ�يها الر�سولِ -م ْن
خبر الر�سل وق�ص�صهم ،وما كابدوا ِم ْن قومهم حتى
ن�ص َرهم الله ،مما يجعلك في �ُأن� ٍس بهم ،مطمئن ًا بتح ُّقق
وعدنا بن�صرك لا م َحال َة.
35و�إ ْن كان َع ُظم عليك -أ�يها الر�سول -و�ش َّق
�إعرا�ُض ه�ؤلاء الم�شركين عنك وعن الإيمان بما جئ َت به،
ف إ�ن ا�ستطع َت أ�ن تتخذ نفق ًا في الأر�ض َت ْنـ ُفذ فيه إ�لى
�أعماقها �أو �ُس ّلم ًا ت�صع ُد فيه �إلى ال�سماء حتى ت�أتيهم ب�آية
يعاينونها لي ؤ�منوا بها ،فا ْف َع ْل ،ولكن ا ألمر بيد الله ولو
�شاء لو َّفقهم ل إليمان ،فلا تكون َّن من الذين لا يعلمون
حكم َة الله في َخ ْلقه ،و�ُس ّن َته التي اقت�ضاها ِعلمه.
ا�ستق َّر في العقول ِم ْن �أنه هو القادر على ك�شف ال ُّ�ض � 36إ ّنا ي�ستجي ُب لدعوتك -أ�يها الر�سول -الذين
دون غيره. ي�سمعون توجي َهك و�أقوا َلك �سما َع ت َد ُّب ٍر وتف ُّه ٍم ،و�أ ّما
الكفار المعاندون فهم كالموتى ،لا ي�سمعون �سماع ًا
42ولقد �أر�سلنا �إلى �أمم ِم ْن قبلك � -أيها الر�سول- ينتفعون به لموت قلوبهم ،والموتى �سيبعثهم الله يو َم
ر�سل ًا فك َّذبوهم ،فامتح ّناهم ب�أنواع ال�شدائد: القيامة وحينئ ٍذ يظهر لهم الح ّق ،ثم إ�ليه �سبحانه مرج ُعهم
بالأمرا�ض والأ�سقام والجوع والفقر ،لعلهم يتذلّلون
للح�ساب والجزاء.
ويتوبون ِم ْن ذنوبهم.
37وقال كفا ُر مكة -تع ُّنت ًا منهم -حين �سمعوا ذكر
43فه ّل حين جاءهم العذا ُب تذ َّللوا �إلى ر ّبهم ال َب ْع ِث :ه ّل ُن ِّز َل على محمد علام ٌة ومعجز ٌة من ربه تد ُّل
حتى ي�صرف عنهم العذاب ،ولك ْن تح ّجر ْت قلوبهم، على ما ا ّدعاه ،قل لهم -أ�يها الر�سول : -إ�ن الله قادر �أن
ف�صار ْت لا ت�ستجي ُب ولا تلي ُن ،وح�َّس َن لهم ال�شيطا ُن ينزل ُح َّج ًة و آ�ي ًة كما اقترحوا ،ولكن �أكثرهم لا يعلمون
قبي َح �أعمالهم ،ف�ص َرفهم عن الت�ضرع. �أنهم �سي�صيبهم العذا ُب إ� ْن هو �أنزلها ولم ي�ؤمنوا بها.
44فل ّما َتركوا الا ِّتعاظ بما ُذ ِّكروا به من الب�أ�ساء
وال ّ�ضاء ،فتحنا عليهم أ�بواب كل �شيء ِم ْن أ�نواع الرزق 38وما ِمن ح ٍّي يم�شي ويتح ّرك في ا ألر�ض مما
و ُ�ضوب ال ِّنعم ،حتى إ�ذا ُأ�عجبوا بتلك النعم واطم أ�نوا تدركون حركته ومما لا تدركون ،ولا طائ ٍر طار بجناحيه
إ�لى ما هم عليه من الطغيان والكفر أ�خذناهم بالعذاب في الهواء �إلا أُ�مم أ�مثالكم �أيها النا�س ،خلقها الله ورزقها
و�أحاط عل ُمه بها ،ما تر ْكنا في اللوح المحفوظ �شيئ ًا
فج أ� ًة ،ف إ�ذا هم متح ِّيون آ�ي�سون ِمن كل خير. ِم ْن �ش�ؤونها لم نكتبه ،ثم َم ْر ِجع الأمم ك ِّلها إ�لى ر ّبها،
١٣٢ فين�صف بع َ�ضها ِم ْن بع�ض.
39والذين ك ّذبوا ب آ�ياتنا المنزلة على ر�سولنا لا
ي�سمعون ما ينفعهم �سما َع فه ٍم وتد ُّب ٍر ولا ينطقون
بالح ّق ،غارقون في ظلمات الكفر والجهلَ .من �شاء الله
إ��ضلا َله عن ا إليمان ي�ضلله ب�سبب إ�عرا�ضه عن الهدى،
و َمن يح ّب هداي َته يو ِّفقه بف�ضله �إلى الإيمان ،و َي ْه ِده
إ�لى الإ�سلام ب�سبب مجاهدته في طلب الهداية.
40قل لهم � -أيها الر�سول� :-أخبروني �أيها القوم
إ� ْن جاءكم عذا ُب الله �أو جاءتكم ال�ساع ُة ب�أهوالها،
أ�تلتج ُئون ألحد غي ِر الله ِل َك�ْشف ما نزل بكم ،إ� ْن كنتم
�صادقين �أ ّن آ�لهتكم ت�ضر وتنفع؟
41بل تخ ُّ�صونه تعالى َو ْح َده بالدعاء عند ال�شدائد
والكروب ،في َف ِّرج عنكم تلك ال�شدائد إ� ْن �شاء أ� ْن
يف ِّرجها عنكم ،و َت ْتكون آ�لهتكم في ذلك الوقتِ ،لـ َما
فلا خوف عليهم فيما َي ْق ُدمون عليه ،ولا هم يحزنون
على ما خ ّلفوه وراءهم في الدنيا.
49والذين ك ّذبوا ب ُحججنا و�آياتنا� ،سينالهم عذا ُبنا
وعقابنا ،ب�سبب كذبهم وخروجهم عن طاعة الله
إ�لى مع�صيته.
ُ 50ق ْل � -أيها الر�سول -له�ؤلاء المنكرين لنبوتك:
ل�س ُت أ� َّدعي أ� ّن خزائن ملك الله في يدي ،ف�أعطيكم منها
و آ�تيكم بما تقترحون من ا آليات ،ول�س ُت �أعل ُم الغيب
ف�أخبركم بما م�ضى وما يقع في الم�ستقبل ،ول�س ُت أ� َّدعي
أ�ني م َلك ف�أ�ستغني عن الطعام وال�شراب ،و َأ� ْق ِدر على ما
لا يقدر عليه الب�شر ،ما �أ ّتبع إ�لا وح َي الله وتنزي َله الذي
أ�نزله عل َّي ،و ُق ْل لهم :هل ي�ستوي الكافر الذي عمي
عن الح ّق ،والم ؤ�م ُن الذي أ�ب�صر �آيات الله وحج َجه؟ �أفلا
تتفكرون فيما �أدعوكم إ�ليه ،فتهتدوا إ�لى اتباع الح ّق
واجتناب الباطل.
51وخ ِّو ْف و أ�نذ ْر -أ�يها النبي -بالقر�آن الذين
ي�ص ّدقون ب َو ْعد الله ووعيده ،ويعلمون أ�نهم يح�شرون
إ�لى ر ّبهم ،فهم م�شفقون من عذابه ،لي�س لهم نا�صرٌ 45ف أ�هلكنا الظالمين عن آ�خرهم ،ولم َي ْب َق منهم
ولا �شاف ٌع ي�شفع لهم عند ين�صرهم ف َي�ْس َتنقذهم منه، أ�حد ،والحمد لله ر ِّب العالمين على َن�صر ُر�سله و�أوليائه،
�َأ ْن ِذرهم لكي يتقوا الله في الله فيخ ِّل�صهم من عقابه،
�أنف�سهم ،فيطيعوا ربهم ،ويعملوا ِلـ َمعادهم ،ويحذروا و إ�هلاك المتمادين في الكفر والطغيان من� أعدائه.
�َس َخطه باجتناب معا�صيه.
ُ 47 46قل -أ�يها الر�سول -لمن ك َّذ َب بر�سالتك:
52ولا ت�ستج ْب -أ�يها النبي -لطلب ر�ؤ�ساء �أخبروني �إ ْن أ��ص َّمكم الله و أ�عماكم ،و�أغل َق قلوبكم
الم�شركين ِ -م ْن أ�جل أ�ن يجال�سوك لي�سمعوا منك، ِل�ش ّدة عنادكم و�إ�صراركم على الكفر ،فل ْم تعودوا
رجا َء �إ�سلامهم� -أن ُتب ِع َد عن مجل�سك �ضعفا َء الم�سلمين قادرين على فهم دليل ولا إ�ب�صار ُح ّجةَ ،م ْن إ�ل ٌه غير الله
وفقرا َءهم ،الذين يعبدون ر َّبهم و َي ْدعونه �صبا َح تعالى َي ْقدر على ر ِّد ذلك عليكم؟ انظر -يا محمد-
م�ساء ،يبتغون بذلك ر�ضاه تعالى والقر َب منه ،ولي�س كيف نب ِّي لهم العلامات الدال َة على التوحيد والنبوة،
لك �إبعا ُدهم � -أي�ض ًا -لأنك لا ُتطا َلب بمحا�سبتهم ثم هم ُيعر�وضن عنها مكذبين بها .وقل لهم� :أخبروني
ع ّما ُت�ضمره نفو�سهم ولا ت ؤ�ا َخذ به ،وهم الُ يطا َلبون �إ ْن جاءكم عذا ُب الله وعقابه فج أ� ًة على حين ِغ ّرة
بح�سابك -وهذا ر ٌّد على طعن الم�شركين في إ�خلا�ص �أو جاءكم و�أنتم تعاينونه وتنظرون �إليه هل ُيه َلك م ّنا
ه�ؤلاء ال�ضعفاء -ف�إ ْن أ�بعدتهم كما طلب الم�شركون
ومنكم إ�لا الظالـ ُم الفاجر؟
الأمو َر في غير مو�ضعها .ولم ي�ضع ممن تكون ف إ�نك 48وما نر�سل الر�س َل �إلا مب�ِّشين للم�ؤمنين بالنعيم
ذلك ،بل ا�ستمر في مجال�ستهم الله ر�سو ُل يفعل المقيم ،ومنذرين للكفار بالعذاب ا ألليم ،ف َمن �ص ّدق
ر�سلنا و أ��صلح عمله في الدنيا ،وق ّدم ما ينفعه في �آخرته،
وتقريبهم إ�ليه.
١٣٣
58و ُق ْل -أ�يها الر�سول له ؤ�لاء المك ِّذبين بنبوتك 53وكذلك ابت َلينا واختبرنا بع َ�ضهم ببع�ض؛ فق َّدمنا
الم�ستع ِجلين بالعذاب جهل ًا وظلم ًا وعناداً :-لو �أ َّن في ه�ؤلاء ال�ضعفاء على أ��شراف قري�ش ،بال�سبق إ�لى الإيمان؛
قدرتي �إنزا َل العذاب الذي تتعجلونه ،لأنزلته عليكم، ليقو َل الأ�شرا ُف وا ألغنياء� :أه�ؤلاء ال�ضعفاء والفقراء أ�َ ْن َع َم
و ُق�ضي الأمر بيني وبينكم ،ولك ّن الأمر بيد الله ،وهو الله عليهم بالهداية دوننا؟ �إذ لو كان ذلك خيراً ما كان
�أعلم بالظالمين ،لا يخفى عليه �شيء من أ�حوالهم، ليهد َيهم وي َد َعنا! فر َّد اللهُ تعالى عليهم ،ب�أنه أ�علم بمن
ف ُي ْمهلهم ولا ُيهملهم. يقع منه ال�ُّشك ُر فيوفقه إ�لى الهداية وا إليمان.
59وعنده تعالى خزائ ُن عل ِم الغيب ،لا يعلمها
ولا يحيط بها �إلا هو ،ويحيط عل ُمه كذلك بجميع 54و�إذا جاءك � -أيها النبي -ه ؤ�لاء الم�ؤمنون الفقرا ُء
المخلوقات في ال َ ّب والبحر على اختلاف أ�نواعها الذين �آمنوا بنبوتك وكتابك ،فقل لهم احتفا ًء بهم
و أ�جنا�سها و أ��شكالها ،ولا ت�سقط ِم ْن ورقة ِمن ال�شجر وتب�شيراً لهم� :سلا ٌم عليكم� ،أُ َب�شركم برحمة الله الوا�سعة،
إ�لا يعلم بها وبوقت �سقوطها وكيفي ِة �سقوطها ،ولا ح َّب ٍة التي �أوجبها على نف�سه تف ُّ�ضل ًا منه وكرم ًا ،والتي تق�ضي
في بطن ا ألر�ض �إلا يعلم مكا َنها وهل تثمر أ�و لا ،ولا ب�أ ّن َم ْن عمل منكم �سيئ ًة بجهالة منه ،غي َر متدب ٍر عواقبها،
ِم ْن �شيء فيه رطوبة �أو ُي ْب� ٌس �إ ّل وهو معلوم عند الله، ثم أَ� ْق َلع عن الذنب نادم ًا م�ستغفراً ،و أ�َ ْ�صلح عملهَ ،غفر
م�س َّج ٌل في اللوح المحفوظ. الله له ،ألنه كثير المغفرة وا�سع الرحمة.
١٣٤ 55وكما ف َّ�صلنا لك -أ�يها الر�سول -دلائلنا على
ِ�ص ّحة التوحيد وف�ساد ما هم عليه من ال�شرك كذلك ُنب ِّي
لك �أدلة حججنا وبراهيننا على تقرير ك ِّل ح ٍّق ينكره
�أهل الباطل؛ وليظ َهر للنا�س طري ُق المجرمين ،فينك�شف
�أمرهم ،وت�ستبين �سبيلهم.
56قل � -أيها الر�سول -لم�شركي قومك� :إ ّن الله نهاني
أ�ن أَ� ْعبد ا ألوثان وا ألنداد التي عبدتموها ِم ْن دون الله،
فلا أ�تبع أ�هواءكم الفا�سدة وعقائدكم الزائغة ،ف إ� ّن إ� ْن
فعل ُت ذلك َأ� ُك ْن قد انحرف ُت عن الح ّق ،ولم �أكن في
زمرة المهتدين .وفي هذا تعري� ٌض بهم �أنهم �ضالون عن
طريق الهدى ،لي�سوا على �شيء منه.
57وقل � -أيها الر�سول -لهم �أي�ض ًا� :إ ّن على �شريع ٍة
وا�ضح ٍة من دين الله ،والحا ُل أ�نكم ك ّذبتم بالح ّق والقر�آن
الذي جاءني ِم ْن عند الله ،ولي�س عندي ما تطلبونه ِم ْن
تعجيل العذاب ،بل ا ألم ُر بيد الله َو ْحده ،وما الـ ُحك ُم
في ت أ�خير العذاب أ�و تعجيله إ�ال لله َو ْحده ،يق�ضي الق�ضا َء
الح َّق ،وهو خير َم ْن ب َّ َي وم َّي َز بين الـ ُم ِح ِّق والـ ُم ْب ِطل ،فلا
يقع في ق�ضائه َجو ٌر ولا َحي ٌف على �أحد ِم ْن خلقه.
ُ 63ق ْل � -أيها الر�سول -له�ؤلاء الكفار الذين يعبدون 60وهو �سبحانه الذي َيتو ّفى ا ألنف� َس التي َت ْق ِدرون
الأ�صنام ِم ْن دون اللهَ :من الذي ُين ّجيكم ِمن ظلمات بها على ا إلدراك والتمييز عند منامكم ،ويعلم ما
البر �إذا �ضللتم فيه وتحيرتم و أ�ظلم ْت عليكم ال ُّطرق؟ و َمن ك�سبتم من الأعمال بالنهار ،ثم يوقظكم من منامكم في
الذي ُين ّجيكم ِمن ظلمات البحر �إذا ركبتموه ف أ�خط�أتم النهار ،وت�ستم ُّرون على ذلك لتبلغوا المد َة التي ح ّددها
ال ّطريق و�أظلم ْت عليكم ال�ُّسبل فلم تهتدوا ،تدعونه الله لحياتكم ،ثم إ�ليه معا ُدكم ،فيخبركم ب أ�عمالكم
علاني ًة و�س ّراً قائلين :لئن أ�نجيتنا يا ر ُّب ِم ْن هذه ال�ش ّدة،
ويجازيكم عليها ،إ� ْن خيراً فخير ،و�إ ْن �ش ّراً ف�شر.
لنكون َّن من ال�شاكرين لك على هذه النعمة؟
61وهو �سبحانه الغال ُب على خلقه ،العالي عليهم
64قل لهم -أ�يها الر�سول :-الله وحده القادر على بقدرته ،وير�سل عليكم ملائكة َي َتعاقبونكم ليل ًا ونهاراً،
تفريج الكرب عنكمُ ،ين ّجيكم ِم ْن كل �ش ّدة وهول ،ثم يحفظون �أعمالكم و ُيح�وصنها ،حتى �إذا حان �أج ُل
�أنتم بعد ذلك الإقرا ِر ت�شركون معه ا أل�صنام التي لا ت�ض ُّر أ�ح ِدكم وح�ضرته وفا ُته ،تو َّفته ملائكتنا المو َّكلون بقب�ض
الأرواح ،وهم لا ُيق ِّ�صون في القيام بوظيفتهم في
ولا تنفع!
الحفظ وفي قب�ض ا ألرواح.
65قل لهم -أ�يها الر�سول� :-إنه تعالى قاد ٌر على �أن
يبعث عليكم عذاب ًا ِم ْن فوقكم -كالحجارة وال�وصاعق، 62ثم ُي َر ُّد العبا ُد بعد �إحيائهم يوم القيامة ،إ�لى ربهم
والريح المدمرة -أ�و ِم ْن تحت أ�رجلكم -كالخ�سف وخا ِلقهم ورازقهم ومد ِّبر أ�مورهم ،الذي لا يق�ضي �إلا
والزلزلة� -أو َي ْخ ِلطكم ِفرق ًا و�أحزاب ًا مختلف َة الأهواء، بالح ّق والعدل ،وهو الحاكم َو ْحده في ذلك اليوم ،وهو
يقاتل بع�ضكم بع�ض ًا .انظر كيف نب ِّي لهم دلالات
قدرتنا وا�ستحقاقنا وحدنا العبادة لكي يفهموها أ��سرع َم ْن يتو ّلى الح�ساب والجزاء.
ويتد ّبروها ،فيرجعوا ع ّما هم عليه من المكابرة والعناد.
66وك َّذب بهذا القر آ�ن العظيم قو ُمك الم�شركون
ِم ْن قري�ش ،وهو الكتاب المنزل بالح ّق من ر ِّب العزة
والجلال ،قل � -أيها الر�سول -له�ؤلاء المك ِّذبين :ل�س ُت
عليكم بحفي ٍظ ولا رقي ٍب حتى أ�جازيكم على تكذيبكم
و إ�عرا�ضكم عن قبول الح ّق ،و إ�نما �أنا منذر.
67لك ِّل خب ٍر نهاي ٌة ينتهي إ�ليها ،فيتبين ح ُّقه ِم ْن
باطله ،و�سوف تعلمون �أيها المك ِّذبون ِ�ص ْد َق ما �أنذركم
به عندما يح ُّل بكم العذاب!
68و�إذا ر�أي َت � -أيها الر�سول -ه�ؤلاء الم�شركين الذين
يخو�وضن في القر�آن بالطعن والتكذيب والا�ستهزاء
فلا تجال�سهم و ُق ْم عنهم حتى ي أ�خذوا في حديث آ�خر،
و�إ ْن أ�ن�ساك ال�شيطا ُن نه َينا عن الجلو�س معهم ثم ذكر َت
ذلك؛ فلا تقع ْد بعد تذ ُّك ِر النهي معهم.
١٣٥
72و َأ� َم َرنا الله ج َّل وعلا بالمحافظة على ال�صلاة، 69ولي�س على َمن ا َّتقى الله ف�أطاعه �شي ٌء من ال َّت ِبعة
و�أدائها على الوجه ا ألكمل ،كما �أُمرنا بتقواه والخوف والإثم� ،إذا اجتنب ه ؤ�لاء الخائ�ضين و َ�أ ْع َر�ض عنهم،
منه في جميع ا ألحوال ،وهو الذي إ�ليه تح�شرون يوم ولك ْن َأ� َم ْرنا الم ؤ�منين با إلعرا�ض عنهم ،لعلهم يتذ ّكرون
ويجتنبون الخو�َض في �آياتنا ،حيا ًء من الم�ؤمنين ،إ�ذا
القيامة للح�ساب والجزاء ،فيجازي ك َّل عام ٍل بعمله.
ر�أوهم تركوا مجال�سهم.
73وهو الله َو ْحده المنفرد بخلق ال�سماوات
وا ألر�ض ،أ�قام َخلقهما على الح ّق والحكمة ،ويوم يقول 70و أَ� ْع ِر�ْض � -أيها الر�سول -عن ه ؤ�لاء الذين
الله ل�شي ٍء أ�راد إ�يجادهُ « :ك ْن» ،فيكون موجوداً ،قو ُله اتخذوا دي َن الله �سخري ًة وا�ستهزاء ،و َخ َدعتهم هذه الحيا ُة
ال ِّ�صد ُق الواقع لا َمحال َة ،وله الـ ُمل ُك التا ُّم الذي لا الفانية حتى ن�سوا البعث والمعاد ،ولا ُتبا ِل بتكذيبهم
ُينازعه فيه �أح ٌد يوم ُينفخ في ال�وصر نفخ َة الإحياء ،وهو
العا ِلـ ُم بما غاب وما َح َ�ض ِم ْن كل �شيء ،وهو الحكيم وا�ستهزائهم وذ ِّك ْر بالقر�آن كيلا ُتر َت َهن َن ْف� ٌس بذنوبها،
في جميع أ�فعاله وما َي�صدر عنه ،الخبير بكل �شيء ظاه ٍر ف ُت�ْس َلم للهلاك ،لي�س لها نا�صرٌ ينجيها ِم ْن عذاب الله،
ولا �شفي ٌع ي�شفع لها ،و إ�ن َت ْفت ِد َن ْف َ�سها بكل ِفدا ٍء لا ُيقبل
�أو باط ٍن. منها� ،أولئك الكافرون الذين أ�ُ�ْس ِلموا للعذاب ب�سبب
�أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة ،لهم ما ٌء حا ٌّر في
١٣٦ جهنم ال يروي عط�شهم ،ولهم مع هذا الحميم العذا ُب
ا أللي ُم والهوا ُن المقي ُم ،جزا َء كفرهم الم�ستم ِّر وتكذيبهم
ب�آيات الله.
ُ 71ق ْل -أ�يها الر�سول -له�ؤلاء الم�شركين الذين
يحاولون ر َّد الم�سلمين عن دينهم -على وجه التوبيخ
لهم :-أ�نعب ُد ما ال ينفعنا �إ ْن دعوناه ،ولا ي�ضرنا إ� ْن
تركناه؟ و َنرج ُع إ�لى ال�ضلالة بعد �أن �أنقذنا اللهُ ورزقنا
الإ�سلام؟ فيكون م َث ُلنا مثل الرجل الذي �أغوته ال�شياطين
و�أ�ضلته ،حتى لم يهتد لل َمح ّجة ،و َج َع َل ْته تائه ًا متحيراً
في الأر�ض ،له أ��صحاب يدعونه إ�لى طريق الهدى،
قائلين له :ا�ْس ُلك طريقنا و ُك ْن معنا على الدين الح ّق،
وهو ي�أبى ذلك ويتبع داعي ال�شيطان ،قل لهم� :إ ّن
طريق الله الذي ب ّينه لعباده ،ودي َنه الذي �شرعه لهم هو
الهدى والنور والا�ستقامة ،لا ما تدعوننا إ�ليه ِم ْن عبادة
ا أل�صنام ،و ُأ�مرنا جميع ًا �أن ُنخل�ص العبادة لله وحده.
ر ِّبي ،فلما غاب ذلك الكوكب ،قال :لا أ�ح ُّب عبادة
إ�ل ٍه متغي ٍر ِم ْن حا ٍل �إلى حا ٍلَ ،ي ْظهر ثم يغيب؛ �إذ ما كان
كذلك لي�س ر ّب ًا بل هو مخلوق ُم َ�س ّخر.
77فل ّما ر�أى القم َر طالع ًا قال :هذا ر ّبي ،فل ّما غاب
قال :لئن لم يو ّفقني ر ّبي لمعرفة الح ّق في توحيده ،ألكون ّن
من القوم الذين �أخط�ؤوا فلم ي�صيبوا الهدى.
78فل ّما ر أ�ى ال�شم�س �ساطع ًة م�ضيئ ًة قال :هذا ر ّبي،
هذا أ�كبر من الكوكب والقمر ،فل ّما غاب ْت قال إ�براهيم:
يا قوم �إ ّن بري ٌء ِم ْن عبادة ا آللهة وا أل�صنام.
79إ� ّن و ّجهت وجهي للدائم الذي يبقى ولا يفنى،
الذي ابتدع َخ ْلق ال�سماوات وا ألر�ض ،مائل ًا عن كل
دي ٍن باط ٍل إ�لى الدين الح ّق ،ول�س ُت ممن يدين بدينكم.
80وجادله قو ُمه في أ�مر توحيد الله ،فقال منكراً 74واذكر -أ�يها الر�سول -لقومك ،حين قال
عليهم� :أتجادلونني في وحدانية الله ،وقد و ّفقني لمعرفة
وحدانيته وب َّ�صني طريق الح ّق؟ ولا �َأ ْر َه ُب معبودا ِتكم إ�براهيم ألبيه «�آزر» منكراً عليه عبادة ا أل�صنام :أ�تعب ُد
أ�ن تنا َلني ب�ُسو ٍء ومكرو ٍه� ،إلا َ�أ ْن ي�صيبني �شي ٌء بق�ضاء حجار ًة ،لا ت�ض ُّر ولا تنفع ،تجعلها �آلهة ِم ْن دون الله؟! �إ ّن
الله وقدره ،وقد �أحاط عل ُم ر ّبي با أل�شياء ك ِّلها ،ولا ِع ْل َم أ�راك وقو َمك الذين ي�شاركونك في عبادتها في �ضلال
آللهتكم ب�شيء منها ،أ�تغفلون عن كل ذلك فلا تدركون
وا�ضح عن الطريق القويم.
أ�ن العاجز الجاهل ال ي�ستح ُّق أ�ن ُيعبد؟!
75وكما ب َّ� ْصنا إ�براهي َم بما عليه أ�بوه وقو ُمه من
81و إ� َّن ِمن العج ِب َأ� ْن �أخا َف �آلهتكم الباطلة ،ولا �ضلال ،نك�شف له عن �أ�سرار التوحيد في ال�سماوات
وا ألر�ض ،حتى ُي�شا ِهد فيهما �صا ِن َعهما ،و َي�ْست ِد َّل بها
تخافون أ�نكم عبدتم مع الله -الذي قامت الـ ُح ّجة على على وحدانية الله ،وليزدا َد بذلك �إيمان ًا يكون به من
وحدانيته� -آله ًة لم يقم دلي ٌل على أ�نها ت�ستح ُّق أ�َ ْن ُتعبد!
ف�أ ُّي فريق م ّنا في هذه الحال �أح ُّق بالطم أ�نينة وا ألمان �إ ْن الرا�سخين فيه.
كنتم تعلمون الح َّق وتدركونه؟ 76فل ّما َ�أ ْظلم اللي ُل و�ستر ك َّل �شيء بظلامه ،ر�أى
�إبراهي ُم كوكب ًا م�ضيئ ًا في ال�سماء ،فقال على طريقة
الا�ستدراج لقومه ،ل ُيع ِّرفهم جه َلهم وخط�أهم :هذا
١٣٧
82قال الله تعالى فا�صل ًا بين الفريقين :الذين �ص َّدقوا
الله ،و�أخل�وصا له العبادة ،ولم يخلطوا إ�يمانهم وعبادتهم
ب�شرك� ،أولئك لهم ا ألمن ِم ْن عذاب الله في الآخرة،
وهم ال�سالكون طريق الر�شاد والنجاة.
83وهذه ُح ّجتنا الدامغة �أعطيناها إلبراهيم على
قومه قطع ًا لعذرهم ،نرفع درجات َم ْن �شئنا ِم ْن عبادنا
في الدنيا بالنب ّوة والعلم والحكمة ،وفي ا آلخرة بالمقام
الرفيع في الجنة� ،إنه تعالى حكيم في تدبير �ش�ؤون خلقه،
عليم ب أ�حوالهم.
المعدودين المن ّوه بهم. 84ووهبنا لإبراهيم ذري ًة �ش ّرفناها بالكرامة،
وخ�ص�صناها بالنبوة ،منهم ابنه �إ�سحاق ،وابن �إ�سحاق
يعقوب ،هديناهما جميع ًا �إلى �سبيل الر�شاد ،كما هدينا
نوح ًا ِم ْن َقبل ذلك ،وهدينا أ�ي�ض ًا ِم ْن ذرية �إبراهيم
ه ؤ�لاء ا ألنبياء الكرام :داود ،و�سليمان ،و�أيوب،
ويو�سف ،ومو�سى ،وهارون ،وكما جزينا �إبراهيم على
توحيده و�صبره على �أذى قومه كذلك نجزي المح�سنين
على� إح�سانهم.
89أ�ولئك الذين �س ّميناهم من ا ألنبياء هم الذين 85وهدينا كذلك من ذرية إ�براهيم :زكريا ،ويحيى،
�آتيناهم ال ُكتب المنزلة ،و�آتيناهم العلم والفهم، وعي�سى ،و إ�ليا�س ،وك ٌّل ِم ْن ه�ؤلاء المذكورين ِم ْن عباد
و�ش ّرفناهم بالنبوة ،ف إ� ْن يجحد � -أيها الر�سول -بدلائل الله ال�صالحين.
التوحيد والنبوة كفا ُر قري�ش ،فقد �أَ ْر�صدنا وو َّفقنا
للإيمان بها والقيام بح ّقها قوم ًا لي�سوا بكافرين بها، 87 86وهدينا �أي�ض ًا :إ��سماعيل ،وا ْلي�سع ،ويون�س،
ولوط ًا ،وك ُّل ه ؤ�لاء ا ألنبياء و ّفقناهم للخير ،وف ّ�ضلناهم
بر�سالتك، هم م�ستم ّرون على ا إليمان والت�صديق و إ�نما على العالمين في زمانهم بالنبوة والر�سالة .وهدينا ِم ْن
للنبي المهاجرون وا ألن�صار .وهذه ت�سلي ٌة وهم آ�باء ه�ؤلاء و ِم ْن ذرياتهم و�إخوانهم آ�خرين �سواهم لم
نذكرهم ،وا�صطفيناهم لإبلاغ ر�سالتنا ،و�أر�شدناهم
وب�شارة له.
إ�لى الدين الح ّق.
90ه ؤ�لاء هم الذين و َّفقهم الله لدينه الح ِّق ،فاقت ِد
بمنهجهم � -أيها الر�سول -وات ِخ ْذهم لك أُ��سوة ،و ُقل 88ذلك الهدى إ�لى الدين الح ّق الذي دانوا به
هو توفيق الله و ُلطفه الذي يوفق به َم ْن ي�شاء ِمن
لقومك المعاندين :أ�نا لا أ�طلب منكم على تبليغ الر�سالة عباده ،ولو �أ�شرك ه ؤ�لاء الأنبياء -على �سبيل الفر�ض
أ�جراً -وهذا تنبي ٌه لهم على أ�ن ن�صيحته لهم ن�صيح ٌة والمق�وصد والتقديرَ -ل َبطل �أج ُر أ�عمالهم ال�صالحة.
خال�صة ،و�أنه لا َغر�ض له بدعوتهم إ�لا هدايتهم -وما ألح ٍد ولو من هذا تفظيع �أمر ال�شرك ،و أ�نه لا ُيغفر
هذا القر آ�ن الذي جئتكم به من الله إ�لا ِعظ ٌة وتذكي ٌر
بلغ من ف�ضائل الأعمال مبلغ ًا عظيم ًا مثل ه�ؤلاء
لجميع الخلق.
١٣٨
على مو�سى ،ثم اتركهم فيما يخو�وضن فيه من الباطل 91وما َع َرف ه�ؤلاء الم�شركون الله ح َّق معرفته ،ولا
ع َّظموه ح َّق تعظيمه حين أ�نكروا �ش أ�ن ًا عظيم ًا من �ش ؤ�ونه
ي�ستهز ُئون وي�سخرون. تعالى ،وهو �ش�أن هدايته للنا�س ب إ�ر�سال الر�سل و إ�نزال
92وهذا القر آ�ن كتاب أ�نزلناه ِمن عندنا عليك -أ�يها الكتب عليهم؛ مبالغ ًة منهم في المكابرة والجحود! قل
الر�سول -كثير الخير والبركة ،دائ ُم النفع ،مواف ٌق وم ؤ�ِّي ٌد لهم � -أيها الر�سول -توبيخ ًا لهم وتقريع ًا و إ�لزام ًا لهم
لما أُ�نزل قبله من الكتب كالتوراة والإنجيل؛ �أنزلناه ِلتنذر
به أ�ه َل مكة و َم ْن حولها من النا�س في أ�قطار ا ألر�ض بالحجة ،وكذا لمن أ�غروهم من اليهود ب�إنكارهم الوحي
كا ّف ًة .والذين ُي�ص ِّدقون بالـ َمعاد ولقاء الله ،ي�ص ِّدقون بهذا
الكتاب المنزل عليك يا محمد ،وهم يحافظون على �إليكَ :من �أنزل الكتاب ( التوراة) الذي جاء به مو�سى،
�ضيا ًء من ظلمة ال�ضلالة ،وبيان ًا للنا�س يب ِّي لهم الح َّق
�صلاتهم ويقيمونها على النحو الذي �أمرهم به ر ُّبهم. من الباطل؟ تجعلونه يا مع�شر اليهود مكتوب ًا في �صحف
93و َم ْن أ�عظ ُم خط ًأ� و أ�جه ُل فعل ًا ممن اخ َت َلق على الله ُتظهرونها للنا�س ،وتكتمون كثيراً مما فيها من أ�مر نبوة
كذب ًا� ،أو زعم �أ ّن الله أ�وحى �إليهَ ،فبع َثه نب ّي ًا و�أر�سله نذيراً، محمد - -و ُع ِّلمتم أ�نتم -أ�يها العرب -على ل�سان
أ�و ا ّدعى �أنه يعار�ض بباط ِل كلا ِمه كلا َم الله المنز َل الذي محمد ما لم تعلموا أ�نتم ولا آ�با ؤ�كم من المعارف التي
لا ي�أتيه الباطل ِم ْن بين يديه ولا ِمن َخلفه؟ ولو ترى
-أ�يها الر�سول -الظالمين وقد غ�شيتهم �سكرا ُت الموت؛ لا يرتاب عاق ٌل �أنها تنزي ٌل من عند الله .قل لهم � -أيها
لر�أيت أ�مراً فظيع ًا هائل ًا� ،إذ ت�ضرب الملائك ُة وجو َههم
و�أدبار َهم قائلين لهم :خ ِّل�وصا �أنف�سكم من العذاب الر�سول -جواب ًا عن ذلك :الله هو الذي أ�نزل الكتاب
�إن ا�ستطعتم ،ف�إنكم اليوم ُتزون على كفركم بعذا ٍب
ُيهينكم و ُيذ ّلكم -وهو عذاب جهنم -وذلك بقولكم
على الله الباطل ،وا�ستكبا ِركم عن الخ�وضع ألمره،
والانقيا ِد لطاعته.
94ويقول الله له�ؤلاء في الآخرة :لقد جئتمونا
للح�ساب والجزاء ،منفردين عن ا ألهل وا ألموال
وا ألولاد ،على الهيئة التي ُولدتم عليها من الانفراد
والتجريد ُحفا ًة ُعرا ًة ُغ ْرل ًا � -أي غير مختونين -و َتركتم
خلفكم ما أ�عطيناكم وم َّل ْكناكم من المال والخدم والمتاع
في الدنيا ،فلم ينفعكم �شي ٌء منها ،وما َنرى معكم
آ�لهتكم الذين كنتم تزعمون أ�نهم �س َي�ْشفعون لكم عند
الله ،و�أنهم �شركاء مع الله في ا�ستحقاق العبادة ،لقد
تف ّرق َو ْ�ص ُلكم وت�شت َت �شم ُلكم ،وغاب عنكم ال�شركا ُء
وال�شفعا ُء.
١٣٩
الرمان م�شتبه ًا ورقه مختلف ًا ثمره ،انظروا نظر َة ت أ�م ٍل 95الله ج َّل وعلا هو الذي ي�شق الـ َح َّب فيخرج منه
واعتبا ٍر إ�لى ثمره إ�ذا أ�َثْم َر ،و إ�لى ُن�ضجه إ�ذا �أدر َك وق َت الزرع ،ويفلق النوى فيخرج منه ال�شجرُ ،يخرج الح َّي
ال ِقطاف .إ� ّن فيما ُذكر ِم ْن �إنزال الماء و�إخراج النبات من الميت بما يتجدد في الحي من مادة حية �أ�ص ُلها مادة لا
حياة فيها ،و ُيخرج المي َت من الحي بما يتحلل من مادته
لبراهين �ساطعة لقوم ي�ص ِّدقون بوحدانية الله وقدرته. الحية في�صبح مادة ميتة .فذلكم المد ِّبر الخال ُق وال�صان ُع
لهذه ا أل�شياء المحيي المميت لها ،هو الله الم�ستحق للعبادة
100و َج َع َل الم�شركون الج َّن �شركا َء لله ،واللهُ َخ َلقهم
منفرداً بخلقهم ،وا ْخ َتلقوا ون�سبوا له بني َن ك ُعزير وحده ،فكيف ُت�صرفون عنه �إلى غيره؟
وعي�سى ،وبنا ٍت كالملائكة حين زعموا �أنهم بنا ُت الله،
جهل ًا خال�ص ًا منهم بالله وعظمتهَ ،تن ّزه الله وارتفع ع ّما 96هو �سبحانه الذي أ�خرج �وضء ال�صب ِح من ُظلمة
الليل ،وجعل الليل للراحة َي�سكن فيه ك ُّل َم ْن تعب
ي�صفه به ه ؤ�لاء الجهلة ِم ْن خلقه. بالنهار في�ستريح ،وجعل ال�شم� َس والقمر يجريان
بح�سا ٍب دقيق ،تتعلق به م�صالح الخلق ،و ُيعرف بهما
101الله ُمبدع ال�سماوات وا ألر�ض على غي ِر مثا ٍل ا ألوقات وا أليام والليالي وال�شهور والأعوام ،ذلك هو
�سابق ،كيف يكون له ولد ولي�س له زوجة حتى ي�أتي تدبير ا إلله الذي قهرهما بع ّزته ،و�س ّيهما على ذلك
منها الولد؟ وهو �سبحانه الخال ُق لك ّل �شيء ،فكيف
ُيت�وصر أ�ن يكون المخلو ُق ولداً لخالقه؟ وهو �سبحانه ال�سير البديع بعلمه وحكمته.
�أحاط بكل �شيء علم ًا ،فلا تخفى عليه خافي ٌة مما كان
97وهو �سبحانه الذي جعل لكم في مواقع النجوم
ومما �سيكون من الذوات وال�صفات والأفعال. وحركتها �أدل ًة وعلامات تهتدون بها لمعرفة طريقكم
وتعيين موا ِقعكم ليل ًا �سواء في البر �أو في البحر ،قد ب َّينا
١٤٠ ا آليات الدالة على توحيدنا وكمال قدرتنا ،ليتدبرها
أ�ُولو العلم والفهم.
98وهو �سبحانه الذي خلقكم و�أبدعكم ِم ْن نف�س
واحدة ،هي نف�س �أبيكم �آدم ،وجعل لكم م�ست َق ّراً
في أ�رحام �أمهاتكم ،وم�ستو َدع ًا في �أ�صلاب �آبائكم
ُتفظون فيه ،قد ب َّينا الآيات الدالة على توحيدنا وكمال
قدرتنا لقوم يفهمون دقائق �أ�سرار القدرة.
99واللهُ هو الذي �أنزل من ال�سحاب ما ًء ،ف�أخرج
به من ا ألر�ض ك َّل أ��صناف النبات ،و أ�خرج من النبات
زرع ًا أ�خ�ضر طر ّي ًاُ ،يخرج ِم ْن بع�ضه َح ّب ًا مر َّكب ًا بع ُ�ضه على
بع�ض كال�سنابل ،و ُيخرج ِم ْن َط ْل ِع النخل عناقيد قريب َة
التناول ،و�أخرجنا �أي�ض ًا بذلك الماء ب�ساتين وحدائق فيها
�أنواع �شجر العنب ،و�أخرجنا به �شجر الزيتون و�شجر
�ص َّر ْفناها وب ّيـ ّناها من قبل -ليعتبروا وي ّتعظوا بما فيها من
الـ ُحجج ،وليقول الم�شركون :قر�أ َت يا محمد وتعلم َت
من الكتب ال�سابقة ،فجئت بهذا القر آ�ن! وليت�ضح معناها
عند قوم �آخرين فيهتدوا بها إ�لى معرفتي وتوحيدي.
106اتب ْع � -أيها الر�سول -ما أ�مرك به ر ُّبك في وحيه
الذي �أوحاه إ�ليك ،ف�إنه وحده المنفرد با أللوهية ،ولا
ُت ْ�ص ِغ �إلى َم ْن يعبد مع الله غيره ،ولا َتـ ْحفل ب أ�قوال
الم�شركين ولا تلتف ْت �إلى �آرائهم.
107ولو �شاء الله لجعلهم م�ؤمنين ب َخ ْلقهم مج َبين غير
مخ َّيين ،لك ْن �سبقت م�شيئته بخلقهم مخ َّيين ،وهو ما
�أدى إ�لى �إ�شراكهم ،ولم نبعثك -أ�يها الر�سول -حافظ ًا
تح�صي عليهم �أعمالهم ،وما �أنت بمو َّكل مف َّو�ض في
أ�مرهم ،فتلجئهم إ�لى الإيمان.
الم�ؤمنون� -أ�صنا َم الم�شركين 108ولا ت�س ُّبوا -أ�يها
�آلهة ِم ْن دون الله ،في�سبوا و أ�وثانهم التي يتخذونها
الله جهل ًا و�سفه ًا وعدوان ًا ،لعدم معرفتهم بعظمة الله
وجلاله .وكما زيّنا له ؤ�لاء الم�شركين ما هم عليه ِم َن
الوثنية وعبادة ا أل�صنام فر�أوه ح�سن ًا ،ز ّينا لكل جماعة � 102إ ّن المو�وصف بما ُذ ِك َر ِم ْن جلائل ال�صفات هو
عملهم ِم ْن طاعة الله أ�و مع�صيته ،ثم م�صي ُرهم �إلى ربهم؛ ربكم لا ر َّب غيره ،هو خالق كل �شيء ،فهو الم�ستح ُّق
فيجازيهم على أ�عمالهم� ،إ ْن خيراً فخير ،و إ� ْن �ش ّراً ف�شر. َو ْحده للعبادة؛ فاعبدوه ،وهو �سبحانه الذي يتولى ويدبر
109حلف الم�شركون ب�أغلظ ا أليمان و أ��شدها لئن �أمور جميع عباده ومخلوقاته ،ففو�وضا أ�مو َركم �إليه.
103لا تحيط به تعالى ا ألب�صار ،وهو المحيط
جاءتهم معجزة مما كانوا يقترحونه ،ل ُي َ�ص ِّد ُقن بها، علم ًا بالأب�صار وب أ��صحابها وبكل ما في الكون،
وب�أنك يا محمد ر�سول الله ،قل لهم -أ�يها الر�سول:- لا تخفى عليه خافي ٌة ،وهو اللطيف بعباده ،الخبير
إ�نما َمرجع هذه الآيات إ�لى الله ،وهي في قدرته ب�ش ؤ�ونهم وم�صالحهم.
و إ�رادته ،يظهرها حيث �شاء ،وما ُيدريكم -أ�يها
الم�ؤمنون -لع ّل الآيات إ�ذا جاءتهم لا ي�ص ّدقون بها؛ 104قل � -أيها الر�سول -للنا�س :قد جاءكم ِم ْن ربكم
براهي ُن توحيده ودلائ ُل معرفته ،تنفتح بها الب�صائرَ ،ف َم ْن
ف ُيعا َجلوا بالنقمة والعذاب. تب ّي هذه البراهين والدلائل فاهتدى فقد نفع نف َ�سه،
و َم َن عم َي عنها ولم يرفع �إليها ر أ��س ًا ،و�ض َّل عن الح ّق،
110و ُن�ص ِّر ُف قلو َب ه�ؤلاء الذين أ�ق�سموا بالله لئن فلنف�سه �أ�ساء ،ول�س ُت برقي ٍب �أح�صي عليكم �أعمالكم،
جاءتهم �آية لي�ؤمنن بها ،و أ�ب�صا َرهم في �آفاق ال�سماوات
وا ألر�ض ليدركوا �آيات الله ،ولكنهم مع ذلك لن و إ�نما �أنا منذر.
ي�ؤمنوا ،كما لم ي�ؤمنوا بالقر آ�ن حين دعاهم الر�سول
للإيمان به ،ونتركهم في كفرهم وجحودهم يتح ّيون. 105وكذلك نب ِّي ا آليات ونف ّ�صلها في كل وجه كما
١٤١