وال�ِّسنون ،ونق�ُص الثمرات -وعلما ُء بني إ��سرائيل 97و َم ْن يهده الله فهو المهتدي ح ّق ًا؛ ألنه لا هادي
يعرفون هذا ،و�س ؤ�الهم ممكن -ومع ذلك فقد قال �إلا الله ،و َم ْن ي�ضلل فلن تجد له هادي ًا يهديه .و ُي�ْس َح ُب
ه ؤ�لاء ال�ضالون يوم القيامة �إلى جهنم على وجوههم
فرعون لمو�سى� :إني ألظنك يا مو�سى قد �ُسحر َت.
102قال مو�سى :إ�نك تعلم يا فرعون أ� ّن هذه الآيات ُعمي ًا لا يب�صرون ما ي�س ُّرهم ،و ُبكم ًا لا ينطقون ب ُح ّجة
ِمن عند الله ،وا�ضح ًة لا َل ْب� َس فيهاُ ،ت َب ِّ�ص بالحق الذي �أنا ُتقبل منهم ،و ُ�ص ّم ًا لا ي�سمعون ما يحبون �سماعه؛
عليه ،وب�صدقي فيما �أقو ُل ،و�إني لموقن يا فرعون �أنك وذلك ألنهم لم ي�ستعملوا جوارحهم فيما خلقها الله
هال ٌك إ�ذا لم تراجع نف َ�سك و َترج ْع عن َغ ّيك. ألجله ،ويكون َم�سكنهم الذي ي�أوون �إليه هو جهنم
103ف�أ�ص َّر فرعو ُن على موقفه و�أراد أ�ن ُيخرج مو�سى كل ّما َن َق�ص لهي ُبها زادهم الله ناراً ولهيب ًا.
و َمن معه من بني �إ�سرائيل من أ�ر�ض م�صر بجبروته،
98ذلك العذاب هو جزا ؤ�هم؛ ألنهم جحدوا �آيات
فعك�سنا عليه مكره ،و أ�غرقناه و َم ْن معه جميع ًا. الله الوا�ضحة وقالوا با�ستهزا ٍء و�إنكا ٍر :أ�ح ّق ًا �س ُنبعث
خلق ًا جديداً بعدما نكون عظام ًا بالي ًة و�أجزا ًء ُمتف ّتـت ًة
104وقلنا لبني إ��سرائيل بعد إ�غراق فرعون :ا�سكنوا
الأر�َض المقد�سة بال�شام ،ف إ�ذا جاء يو ُم الح�ساب جئنا بكم متف ِّرق ًة في الأر�ض!
جميع ًا على اختلاف أ��وصلكم وقبائلكم. 99أ� َولم يتفكروا فيعلموا أ� َّن الله الذي خلق
ال�سماوات وا ألر�ض مع ِع َظمهما قاد ٌر على �أن يخلق
٢٩٢ مثلهم؟ فهم لي�سوا �أ�ش َّد منهما خلق ًا ،ولي�س البع ُث
و إ�عاد ُة الخلق �أ�صع َب ِمن َب ْدئه ،وج َع َل �سبحانه لموتهم
وقت ًا محد ّداً لا �ش ّك فيه ليعلموا �أ ّن أ�مر حياتهم بيده
لا بيدهم ،ولكنهم بدل ًا من أ�ن يعتبروا بذلك �أ َبوا �إ ّل
الجحو َد تجا ُوزاً لحدود الح ّق.
100قل � -أيها الر�سول -له�ؤلاء الم�شركين :لو كنتم
تملكون خزائ َن رز ِق الله و ِنعمه َل َبخلتم بما عندكم مخاف َة
النفاد ،وكان ا إلن�سا ُن مبالغ ًا في البخل؛ ألن َمبنى أ�مره
على الحاجة وال ِّ�ض ّنة بما َيحتاج �إليه ،وملاحظ ِة ال ِع َو�ِض
فيما يبذله.
101و َيطلب ه�ؤلاء المعجزات ويقترحون ما ي�شا ؤ�ون،
ولو جاءتهم لاقت َرحوا غي َرها فهم ُمتع ّنتون ،وهذا �ش أ�ن
َم ْن ال يريد الان�صياع للح ّق ،ولقد آ�تينا مو�سى ِمن قب ُل
ت�س َع آ�يات وا�ضحا ٍت مق ِنعا ٍت وهي :اليد ،والع�صا،
والطوفان ،والجراد ،وال ُق ّمل ،وال�ضفادع ،وال ّدم،
108ويقول ه�ؤلاء :تن َّزه ر ُّبنا عن ُخ ْل ِف َو ْعده ،إ� َّن وعد 105وبالح ِّق أ�نزلنا هذا القر آ�ن ،ن�أم ُر فيه بالعدل
ر ِّبنا ببعث محم ٍد و إ�نزال القر آ�ن عليه كائ ٌن لا َمحال َة. وا إلح�سان وما فيه هداي ٌة إ�لى الخير ،و َنن ْهى فيه عن الظلم
والمنكر وك ِّل ما فيه ف�سا ٌد و�ش ٌّر ،وبالح ّق نزل ِمن عند الله
109إ�ذا ُيتلى القر آ�ن على ه�ؤلاء وقعوا �ساجدين لله على نبيه محمد ،وما �أر�سلناك � -أيها الر�سول� -إلا
وهم يبكون ،ويزيدهم ما فيه من المواعظ خ�وضع ًا
مب�ّشاً بالجنة لمن �أطاع و ُمخ ِّوف ًا بالنار لمن ع�صى.
ألمر الله وطاعته.
ون َّزلناه من َّجم ًا في �أوقات هذا القر�آن 106وقد ف َّرقنا
110قل -أ�يها الر�سول -للذين ينكرون تع ُّد َد أ��سماء على َمهل و ُت�ؤد ٍة و َت َث ُّب ٍت، على النا�س متلاحقة ،لتقر�أه
الله الم�شتملة على �أ�شرف المعاني :إ� ّن ُم َ�س ّماها واحد؛ إ�ذ
تع ُّد ُد ا أل�سماء لا يقت�ضي تع ُّد َد الم�س َّمى ،ف�إن دعوتموه ف إ�نه أ�ي�س ُر للحفظ ،و�أعون على الفهم ،ونزلناه تنزيل ًا
بالله فهو ذلك ،و إ�ن دعوتموه بالرحمن �أو بغير ذلك من على ح�سب ما تق�ضيه الحكم ُة والحوادث الواقعة.
ا أل�سماء التي جاء بها ال�شرع فهو ذلك .و�إذا دعو َت
� -أيها الر�سول� -أو قر أ� َت القر�آن فلتك ْن قراءتك و�سط ًا 107قل � -أيها الر�سول -له�ؤلاء الذين ي�س أ�لون
بين الجهر وال�ِّ ِّس لي�سمع الم ؤ�منون ،ولا ي�ؤذيك الم�شركون. المعجزات معاند ًة ومكابر ًة :آ� ِمنوا بهذا القر�آن �أو لا
111وقل :الحمد لله الذي لم يتخ ْذ ولداً فهو المخت�ُّص
بالوحدانية المتف ّر ُد بالتدبير المن َّز ُه عن الولد وال�شريك ت�ؤمنوا به ،ف�إ َّن ذلك لن يزيد �أو ينق�ص من ملك الله �شيئ ًا،
والغني عن الولي والن�صير ،و َع ِّظ ْم ر َّبك بما أ�مرك �أن و إ� ّن الذين ُأ�وتوا العلم من م�ؤمني �أهل الكتاب ،إ�ذا ُيتلى
ُت َع ّظمه به و أ�طعه فيما أ�مرك ونهاك اعتقاداً وقلا ًو وفعل ًا. عليهم خ ُّروا �ساجدين تعظيم ًا لله و�شكراً له لإنجازه ما
1الحم ُد لله الذي خ�َّص بر�سالته محمداً ،وانتخبه وعد في تلك الكتب ب�إر�سالك و�إنزال القر�آن عليك.
لبلاغها ،وابتعثه �إلى خلقه نب ّي ًا مر�َسل ًا ،و�أنزل عليه كتاب ًا
م�ستقيم ًا ،ال اختلا َف فيه ولا تفاو َت ،بع ُ�ضه ي�ص ِّد ُق
بع�ض ًا وبع ُ�ضه ي�شهد لبع�ض ،لا َز ْي َغ فيه ولا َميل عن الح ّق.
3 2أ�نزل �سبحانه على عبده القر�آن عدل ًا لا
�إفراط فيه ولا تفريط ،ل ُينذر الذين كفروا عذاب ًا �شديداً من
عنده تعالى ،ويب�ِّش الم�ص ِّدقين بالله ور�سوله الذين يعملون
بما �أمر الله ،وينتهون ع ّما نهى عنه أ� ّن لهم ثواب ًا جزيل ًا
-وهو الجنة -مقيمين فيه �إقام ًة دائمة لا انتها َء لها.
4وِل ُينذر الذين قالوا :اتخذ الله ولداً -من اليهود
والن�صارى وبع�ِض م�شركي العرب -عاج َل ِنقمته تعالى
و�آج َل عذابه.
٢٩٣
�ش َّك فيه ،إ�نهم �آمنوا بربهم وزدناهم إ�لى إ�يمانهم �إيمان ًا 5ما له ؤ�لاء القائلين هذا القول -أ�نه يجوز أ�ن
وب�صير ًة ،حتى �صبروا على ِهجران قو ِمهم ،وفرا ِق ما يكون له ولد -بالله ِمن عل ٍم ،ولا أل�سلافهم الذين َم َ�ضوا
ِمن قب ُل ،ف ِل َجهلهم بالله وما يج ُب له ِم ْن �صفات الكمال
كانوا فيه من نعومة ال َعي�ش. والجلال نطق ْت أ�ل�س َن ُتهم بكلم ِة الكفرَ .ع ُظم ْت ك ِلم ُتهم
14و أ�ل َه ْمنا قلو َبهم ال�صب َر ،تثبيت ًا على الح ّق والـ َجراءة جهال ًة و إ�ثم ًا ،إ� ّنهم ما يقولون على الله �إلا الكذب.
على �إظهاره حين قاموا بين يدي َم ِلكهم فقالوا له :ر ُّبنا
ر ُّب ال�سماوات وا ألر�ض وما فيهما ،ولن ندعو من 6فلعل َك -أ�يها الر�سولُ -مه ٌد نف�سك ومهل ُكها
دونه إ�له ًا ،ألنه لا إ�له غيره ،و�إ ّن ك َّل ما دونه هو َخل ُقه، بعد تو ّليهم عنك َج َزع ًا و ُحزن ًا على كفرهم و إ�عرا�ضهم
ولئن دعونا إ�له ًا غيره ،لقد قلنا قلا ًو بعيداً ُبعداً ُم ْف ِرط ًا
ع ّما �ُأنزل عليك من القر آ�ن.
عن الح ّق وال�وصاب.
� 7إ ّنا جعلنا ما على ا ألر�ض ِم ْن نبا ٍت و�شجر و�سائر
15ه�ؤلاء قومنا اتخذوا من دون الله آ�له ًة يعبدونها ما ُي�ستطا ُب زين ًة لها؛ لنختبر عبادنا أ�يّهم �أ�ش ُّد حذراً
ِم ْن دونه ،ه ّل ي�أتون على عبادتهم إ�ياها ب ُح ّج ٍة ب ّين ٍة، من الافتتان بها ،و�أ ّيهم �أتب ُع ألمرنا ونهينا ،و�أعم ُل
ولن ي�ستطيعوا مهما تك َّلفواَ ،ف َم ْن أ��ش ُّد اعتدا ًء وتجاوزاً
للح ّق ممن ا ْخ َت َلق على الله كذب ًا ،و َأ��شر َك معه �شريك ًا فيها بطاعتنا.
يعبده ِم ْن دونه! 8و�إ ّنا لـ ُم�يِّصون ما على وجـه ا ألر�ض من الزينة
عند انق�ضاء الدنيا تراب ًا م�ستوي ًا لا نبا َت فيه وال عمران
وال غيره.
9لا يذهب َّن الظ ُّن ب�َأح ٍد -أ�يها الر�سول -أ� ّن
أ��صحاب الكهف والرقيم -وهو لوح ُكتب فيه
�أ�سما�ؤهم وخبرهم -كانوا من آ�ياتنا عجب ًا ،ف إ� ّن َخ ْل َق
ال�سماوات وا ألر�ض وما فيهن �أعج ُب من أ�مرهم.
11 10واذك ْر حين أ�وى الفتية أ��صحا ُب الكهف
إ�لى غا ٍر في الجبل ،هرب ًا بدينهم �إلى الله فقالوا :ر َّبنا �آتنا
من لدنك رحم ًة ،وي�ِّس لنا ِم ْن أ�مرنا الذي نح ُن عليه ما
يب ِّلغنا ال�سداد في طاعتك والعمل بما فيه ر�ضاك .ف أ�ل َقينا
عليهم النو َم �سنين كثيرة.
12ث ّم أ�يقظناهم من َر ْقدتهم لتكون عاقبة ذلك
إ�ظهار ِع ْل ِمنا بمن �أ�صا َب من الفريقين المختل َفين ِم ْن �أهل
مدينتهم في تقدي ِر م َّد ِة ُمكثهم في الكهف.
13نحن -أ�يها الر�سول -نق�ُّص عليك خب َر ه�ؤلاء
الفتية الذين �أووا �إلى الكهف بال�صدق واليقين الذي لا
٢٩٤
18و َتظ ُّن -أ�يها الر�سول -ه�ؤلاء الفتي َة �أيقاظ ًا و ُه ْم 16وقال بع�ُض الفتية لبع�ض :و�إذ فارقتم قو َمكم
م�ست�سلمون ب�إذن ربهم �إلى َنومهم الذي ُق ِّدر لهم، الذين اتخذوا من دون الله آ�له ًة؛ فا ْلـ َج ؤ�وا �إلى الكهف
وكل ُبهم با�س ٌط ذراعيه بفنا ِء الكهف عند مدخله ،لو يب�س ْط لكم ربكم من رحمته ويجع ْل لكم فرج ًا مما �أنتم
اطلع َت عليهم في َرقدتهم تلك ألدبر َت عنهم هارب ًا
منهم َف َزع ًا من الهيئة التي كانوا عليها ،والهيب ِة التي فيه من الغ ِّم ،وين ِج ُك ْم مـ ّما أ�نتم فيه من الخوف على
دينكم و�أنف�سكم.
�َأ ْل َب�سهم الله �إيّاها.
17وترى ال�شم� َس � -أيها الر�سول� -إذا طلع ْت
19وكما أَ� ْرقدنا ه�ؤلاء الفتية ،فكذلك بعثناهم من تميل عن َكهفهم �إلى جهة اليمين ،و إ�ذا غرب ْت َت ْع ِدل
َرقدتهم ،و�أيقظناهم من نومهم؛ ل ُنظهر للنا�س عظي َم عنه �إلى جهة ال�شمال ،وهم في م َّت َ�س ٍع منه لا ُت�صيبهم
�سلطاننا ،وعجي َب فعلنا في خلقنا .ولقد كان من ال�شم�س ولا ينقطع عنهم الهواء ،وهذا ِم ْن ُحجج الله
حالهم ما دعاهم �إلى الت�سا ؤ�ل عن ُم ّدة ُم ْكثهم نائمين، ي�ستد ُّل بها ُ�أولو الألباب على عظيم قدرته و�سلطانه،
فقال بع ُ�ضهم :لبثنا يوم ًا أ�و بع�ض يوم ،وقال بع�ض:
و أ�نه لا ُي ْع ِجزه �شي ٌء �أراده .و َم ْن يوفقه اللهُ للاهتداء
ر ُّبكم أ�عل ُم بما لبثتم؛ فد ُعوا الخو�َض في هذا ،و�أر�س ِلوا بهذه الآيات والـ ُحجج �إلى الح ّق فهو المهتدي ح ّق ًا،
�أح َدكم بنقودكم هذه إ�لى أ�هل المدينة ،فلينظ ْر :أ� ُّي
باعتها أ�ح ُّل و�أطيب طعام ًا فلي�أتكم ب�شيء منه ت أ�كلونه، و َمن ُي ِ�ض ّله فلن تجد له نا�صراً ولا ُمعين ًا ير�شده.
وليتر َّفق في دخول المدينة و�شراء الطعام ولا يفعل َّن ما
ي�ؤدي �إلى ال ِع ْلم ب أ�مركم.
20إ� َّن قومكم �إ ْن علموا بمكانكم ق َتلوكم َرجم ًا ،إ� ّل
أ�ن َت َدعوا ما �أنتم عليه من الح ّق ،وتعودوا إ�لى ما هم عليه
من الكفر ،و�إذا فعلتم و ُعدتم �إلى ِم َّلتهم فلن تفوزوا بما
وعدكم ر ُّبكم ِم ْن َن ْي ِل الر�ضا ودخو ِل الجنة.
٢٩٥
�سبحانه ال يخفى عليه �شيء في ال�سماوات والأر�ض، 21وكما بعثناهم بعد ُطول َرقدتهم؛ ليت�ساءلوا بينهم
ما �أب�ص َره بكل ُم ْب َ� ٍص ،وما أ��سم َعه لك ِّل َم�سموع! لي�س فيزدادوا بعظيم �سلطان الله ب�صير ًة ،وب ُح�سن دفاع الله
ألحد من َخلقه نا�صرٌ والُ معي ٌن �سواه ،ولا ي�شاركه �أح ٌد عن �أوليائه معرف ًة ،كذلك �أَ ْط َلعنا عليهم قو َمهم الذين
كانوا في �ش ٍّك من قدرة الله على إ�حياء الموتى؛ ليعلموا
في ق�ضائه وتدبيره.
�أ َّن وعد الله بالبعث ح ٌّق ،و ُيوقنوا �أ ّن ال�ساعة �آتية لا َر ْي َب
27وا ْل َز ْم � -أيها الر�سول -قراءة ما أُ�نزل إ�ليك من فيها .ثم َق َب�َض اللهُ أ�روا َح ال ِف ْتية ،واختل َف النا� ُس في
القر�آن ،وا ْلزم العم َل بمقت�ضاه؛ فهو الحق الذي لا ريب �ش أ�نهم فقال فري ٌق :ا ْبنوا عليهم بنيان ًا ،ر ُّبهم �أعل ُم بهم
فيه ،ولا ُقدرة لأحد على تغييره �أو تحريفه .و إ� ْن أ�ن َت وب�ش أ�نهم ،وقال الذين لهم القوة وال َغ َلبة وال�سلطان:
� -أيها الر�سول -لم تفع ْل ما أ�مرك الله؛ فلن تجد ِمن دون
الله ملج ًأ� تلج أ� �إليه ،ولا َم ْع ِدل ًا تعدل إ�ليه؛ لأ َّن قدرة �س َنبني عليهم م�سجداً لل�صلاة والعبادة لله فيه.
الله محيط ٌة بك وب�سائر خلقه ،لا يقدر �أح ٌد منهم على
الهرب ِم ْن �أم ٍر أ�راده به .والمراد بهذا التحذير تقوية عزم � 22سيقول فري ٌق من الخائ�ضين في أ�مر ال ِفتية:
النبي على القيام بما أُ�مر به ،و َق ْط ُع طم ِع الكافرين في هم ثلاث ٌة راب ُعهم كل ُبهم ،ويقول فريق :هم خم�س ٌة
�ساد�سهم كل ُبهم .وقول الفريقين لا ُم�ست َند له إ�لا
ا�ستجابته لبع�ض ما طلبوه منه. الظن ،ويقول فريق ثالث :هم �سبع ٌة وثامنهم كلبهم.
٢٩٦ قل -أ�يها الر�سول -لقائلي هذه ا ألقوال :ربي أ�علم
ب ِع ّدتهم ،ما يعلم عددهم �إلا قلي ٌل ِمن خلقه ،فلا تجا ِد ْل
أ�ه َل الكتاب في ذلك إ�لا بما قد أ�ظهرنا لك من أ�مرهم،
ولا ت�س�أ ْل عن �ش�أنهم منهم أ�حداً.
24 23ولا تقو َل َّن -أ�يها الر�سول -ألم ٍر َت ْع ِزم
عليه� :إ ّن فاعله فيما ُي�ستقبل من الزمان ،إ� ّل �أن ت�صله
وتع ّلقه على إ�ذن الله وم�شيئته ،واذك ْر ربك �إذا ن�سيت
الا�ستثناء بما يد ُّل على تعلي ِق َت ُّق ِق َع ْزمك ب�إرادته،
م�سبح ًا وم�ستغفراً ،وقل :ع�سى �أن يهديني ربي ِلـ َما هو
�أَ�صل ُح في �أمر ديني ودنياي.
25و َل ِب َث �أ�صحا ُب الكهف في كهفهم رقوداً إ�لى
أ�ن َبعثهم الله و�أَ ْطلع الخل َق عليهم :ثلا َث مئة �سن ٍة،
وت�س َع �سنين.
26قل -أ�يها الر�سول :-اللهُ أ�عل ُم بم ّدة ُرقودهم
في الكهف ،فهو وحده العلي ُم بما غاب عن علمكم،
الحرارةُ ،ين ِ�ضج الوجو َه ِم ْن �ش ّدة ح ِّره .بئ�س ذلك ال�شراب
�شراب ًا ،و�ساءت النا ُر منزل ًا ل إلقامة وطل ِب الراحة.
30إ� ّن الذين �ص َّدقوا الله ور�سوله وعملوا بطاعة
الله� ،إ ّنا لا ن�ضيع ثوا َب �أعمالهم الح�سن ِة الجاري ِة على ما
تق�ضيه ال�شريعة.
� 31أولئك لهم جنا ٌت تجري ِم ْن تحتهم الأنهار، 28وا ْح ِم ْل نف َ�سك واحب�سها على العناية بفقراء
يلب�سون فيها ِمن الحل ِّي أ��ساو َر ِمن ذهب ،وثياب ًا خ�ضراء مما الم�سلمين الذين يتو ّجهون إ�لى ربهم �صباح ًا وم�سا ًء
َر َّق من الحرير وما َث ُخن ،متكئين في الجنات على ال�ُّسر، بالدعاء وال�صلاة ،ولا َت�صرف نظ َرك عنهم إ�لى ُكبراء
الكفار و�أغنيائهم طمع ًا في �إ�سلامهم ،ولا ُتطع َمن �َش َغ ْلنا
ِنعم ا ألجر ذلك ا ألجر ،و َح ُ�سنت تلك ال�ُّسر م ّتك أ�ً. قلبه عن ذكرنا و�آثر هوى نف�سه على طاعة ر ّبه وكان
32وا�ضر ْب � -أيها الر�سول -له ؤ�لاء الم�شركين الذين �أم ُره َ�ضياع ًا وهلاك ًا.
�س أ�لوك طر َد فقراء الم�سلمين وع َد َم مجال�ستهم مثل ًا:
رجلين جعلنا ألحدهما ب�ستانين من �أعنا ٍب ،و�أحطناهما 29و ُق ْل -أ�يها الر�سول -له ؤ�لاء الكافرين الغافلين
الم َّتبعين �أهواءهم :ما جئتكم به هو الح ُّق ِم ْن ربكم ،ف َم ْن
بنخ ٍل ،وجعلنا بينهما زرع ًا. �شاء منكم فلي�ؤمن ،وهو لا ينفع �إلا نف�سه ،و َم ْن �شاء منكم
فليكفر ،وهو لا يظلم �إلا نف�سه .و إ� ْن كفرتم فاعلموا �أ َّن
ِ 33ك َل الب�ستانين �آتى ثم َره ،ولم َينق�ص منه في �سائر
ال�سنين �شيئ ًا ،بل جاء به تا ّم ًا َم ْوفوراً ،وف ّجرنا بينهما نهراً الله أ�ع َّد للكافرين بالله ور�سوله ناراً ُيحيط بهم �ُسو ُرها فلا
يجدون منها مخرج ًا ،و�إ ْن ي�ست ِغث الكافرون في النار من
تجري فروعه خلالهما. ِ�ش ّدة العط�ش فيطلبوا الماء ُيغاثوا بما ٍء كالمع ِدن الـ ُمذاب في
34وكان ل�صاحب الب�ستانين �أموا ٌل أ�خرى ُم ْثمرة،
فقال ل�صحابه الذي لا ما َل له� :أنا �أكثر منك مال ًا ،و�أع ُّز
ع�شير ًة ورهط ًا.
٢٩٧
35ودخل أ�ح َد ُب�ستا َنيه وفي نف�سه غرو ٌر و ِكب ٌر ،وقال
لـ ّما عاي َن ما هو فيه ِم ْن خير ونعيم :ما �أظ ُّن أ�ن يفنى هذا
الب�ستان أ�بداً.
36وما �أظ ُّن ال�ساع َة التي َو َع َد اللهُ خل َقه واقع ًة ،ولئن
وقع ْت لأجد َّن خيراً من ب�ستاني هذا ،ف�إ ّن الله لم ُيعطنيه
إ�لا ولي عنده �أف�ضل منه.
َ 37ر َّد عليه �صاح ُبه الم�ؤمن وهما يتراجعان الكلا َم
ف�س�أله واعظ ًا وم�ستنكراً كبره وغروره و�ش َّكه� :أكفر َت
بالذي ابتد�أ خلقك من ترا ٍب ،ثم من نطف ٍة ،ثم �و ّصرك
ب�شراً �سو ّي ًا�َ ،أ َو َلي�س َم ْن فعل هذا بقاد ٍر على �أن ُيعيدك
خلق ًا جديداً بعدما ت�صير رفات ًا؟!
38أ� ّما �أنا فلا �أكفر بر ّبي ،بل أ�ُ ؤ�من به و�أو ِّحده
و أ�عتر ُف بنعمته و�أ�شكره.
�سقط بع ُ�ضها على بع�ض ،ويتم ّنى لو �أنه لم يكن كف َر بالله 40 39و َه ّل �إذ دخل َت ج ّنتك ف أ�عجبك ما ر أ�ي َت
ولا أ��شر َك به �شيئ ًا. منها قل َت :ما �شاء الله كان ،لا ق ّو َة لي في كل الأمور
والحاجات وا ألحوا ِل �إلا بالله ،فهو الواهب وهو المنعم،
43ولم ت ُكن له جماع ٌة يمنعونه مما ح ّل به كما كان
يزعم ،ولم يكن قادراً على الامتناع منه بنف�سه ،لأنه كان و�إن َترني �أنا �أفق َر منك مال ًا و�أق َّل ولداً فلع ّل الله ربي
يرزقني جن ًة خيراً من جنتك و َي�سلبك ما �أنعم عليك
عقاب ًا ب�أمر من الله ،ولا را َّد ألمره �سبحانه. لكفرك واغترارك فير�سل على جنتك من ال�سماء �صاعق ًة
�أو مطراً عظيم ًا ،فت�صبح أ�ر�ض ًا مل�ساء لا ُتنبت ،ولا َتثبت
44وفي هذا الموطن الذي لا يملك المر ُء ما يدفع به عن
نف�سه َي ْظهر أ�ن ال ُّن�صرة الحقيقية لله وحده ،هو خي ُر َمن عليها َق َدم.
ُيرجى ثوا ُبه ،وخي ُر َم ْن ت�صير ا ألمور إ�ليه. 41أ�و ُي ْ�صبح ما�ؤُها غائراً ذاهب ًا في الأر�ض لا ت�ستطيع
َأ� ْن تدركه ب ِحيلة ِمن الحيل.
45اذك ْر � -أيها الر�سول -له�ؤلاء الم�ستكبرين أ� ّن
دنياهم في َزهوها ون�ضارتها ،و�سرعة انق�ضائها وفنائها، 42و�أتى الهلا ُك على الجنة وثما ِرها من كل جانب،
كما ٍء �أنزلناه من ال�سماء فارتوى به نبا ُت الأر�ض حتى ف أ��صبح �صاح ُب الجنة الذي ظن �أنها لن تبيد أ�بداً ،نادم ًا
ا�ستوى و�أينع ،ثم م َّرت م ّد ٌة قليلة ف أ��صبح ياب�س ًا متك�ِّساً ُيق ِّلب ك ّفيه َظهراً ِل َب ْط ٍنَ ،ت َل ُّهف ًا و�أ�سف ًا على َذهاب ما أ�نفق
فيها ِم ْن أ�جل عمارتها و إ��صلاحها ،وهي الآن خالي ٌة قد
تف ّرقه الريا ُح ،والله قاد ٌر على كل �شيء �إن�شا ًء و�إفنا ًء.
٢٩٨
وما �أعطيناكم من الأموال وراء ظهوركم ،وكنتم 46الما ُل والبنو َن مما ُيتز َّين به و ُي�ستمتع و ُيتق ّوى به في
تزعمون �أ ْن لي�س هناك بع ٌث ولا ح�سا ٌب ولا عقا ٌب! الحياة الدنيا ،ولكن هذا لا يدوم ،إ� ّنا الذي يدوم و َيبقى
ا ألعما ُل ال�صالحة التي ير�ضاها الله ع ّز وج ّل ،وهي خي ٌر
49و ُو ِ�ضعت يومئ ٍذ �صحائ ُف العباد في �أيديهم -يا محمد -عند ربك ثواب ًا وجزا ًء من المال والبنين
و ُع ِر�ضت عليهم أ�عمالهم ،فترى الم�شركين بالله خائفين و�سائر ما َيفتخر به ه ؤ�لاء الم�شركون ،وهي خي ُر ما ي�ؤ ّمله
و ِج ِلين مما هو مكتو ٌب من أ�عمالهم ال�سيئة ،ويقولون
�إذا قر ؤ�وا �صحائفهم ،ور�أوا ما قد ُكتب عليهم فيها من الإن�سا ُن ويرجوه عند الله تعالى.
�صغائر ذنوبهم وكبائرها :يا هلا َكنا ما لهذا الكتاب لا
يترك �صغير ًة ولا كبير ًة إ� ّل حواها و َ�ض َبطها .ووجدوا ما 47واذكر � -أيها الر�سول -يوم َنقلع الجبال من
عملوا في الدنيا م�سطوراً ،ولا َيظلم ر ُّبك أ�حداً فيكتب �أماكنها ون�س ِّيها كما ت�سير ال�سحاب ،وترى ا ألر�ض
ما لم يعمل من ال�سيئات� ،أو يزيد في عقابه الم�ست َح ِّق له. ظاهر ًة م�ستوية لي�س عليها َجبل ولا حجر ولا ُبنيان،
و َجم ْعنا النا� َس إ�لى موقف الح�شر من كل َح َد ٍب ،م ؤ�منين
50واذكر � -أيها الر�سول -لقومك �إذ قلنا للملائكة:
ا�سجدوا آلدم �سجو َد تحية وتكريم فامت َثلوا الأم َر �إلا وكافرين ،فلم نترك منهم �أحداً.
إ�بلي�س كان من الجن فع�صى �أمر ربه وخرج عن طاعته
ا�ستكباراً ،فكيف تتخذونه وذريته من ال�شياطين �أ ِح ّبا َء 48و ُع ِر�َض الـ َخل ُق على ر ّبك � -أيها الر�سول-
و ُن�صرا َء من دوني ،تطيعونهم وتتبعون و�ْسو�ستهم وهم �صفوف ًا �صفوف ًا ،ويقول الله للكافرين منهم :لقد
لكم �أعداء غير نا�صحين؟ بئ�س البد ُل ا�ستبدا ُلكم بموالاة جئتمونا كما خلقناكم �أ ّو َل مر ٍة ،وتركتم ما خ ّولناكم
الله موالا َة �إبلي�س وذريته. ٢٩٩
51ما �أ�شهد ُت �إبلي� َس ولا ذ ِّر ّيته خل َق ال�سماوات
وا ألر�ض َف ْ�ضل ًا عن أ�ن ي�شاركوا في الخلق ،ولا أ��شهد ُت
بع َ�ضهم خل َق بع�ٍض ،وما كن ُت متخذاً ه ؤ�لاء ال�شياطين
أ�عوان ًا في �ش�أ ٍن ِم ْن �ش ؤ�وني ،ف�أنا المتف ِّر ُد بالخلق والتدبير،
فكيف تتخذونهم أ�ولياء وت�شركونهم في عبادتي؟
52واذك ْر لهم يو َم يقول الح ُّق للكفار :نا ُدوا الذين
جعلتموهم �شركا َء لي لي�شفعوا لكم أ�و ينقذوكم مما
أ�نتم فيه ،فنا َدوهم وا�ستغاثوا بهم فلم يق ْع منهم مج َّر ُد
ا�ستجاب ٍة لهمَ ،ف ْ�ضل ًا عن �أن ينفعوهم �أو يدفعوا عنهم،
و َج َع ْلنا بين الداعين والمدع ِّوين َمه ِلك ًا فلا َي�ص ُل �أح ٌد
منهم �إلى ا آلخر.
53ور أ�ى ه ؤ�لاء المجرمون النا َر ف�أيقنوا أ� ّنهم واقعون
فيها ،ولم َيجدوا عنها َمه َرب ًا و َم ْع ِدل ًا ين�صرفون إ�ليه.
54ولقد ب َّي ّنا ون َّوعنا في هذا القر آ�ن للنا�س ا ألمثا َل
ليتعظوا ويعتبروا ،فلم يفعلوا ،وكان الإن�سا ُن كثي َر
الجدل والمنازعة بالباطل.
59و أ�ما َم ه ؤ�لاء �وشاه ُد يم ُّرون عليها و أ�خبا ٌر ي�سمعون 55وما َم َنع النا� َس أ�ن ي ؤ�منوا بربهم وي�ستغفروه مما
بها ،عن تلك القرى التي أ�هلكنا �أهلها بالعذاب حين هم م�ص ُّرون عليه من الذنوب والمعا�صي بعد �أن جاءهم
الهدى إ� ّل انتظار أ� ْن ي أ�تيهم عذا ٌب ي�ست أ��صلهم كما
َظ َلموا ،وجعلنا لهلاكهم وقت ًا مع َّين ًا ،فليعتب ْر كفار قري�ش جرت �ُس ّنة الله في َم ْن تق َّدم من ا ألمم الظالمة� ،أو ي أ�تيهم
و َم ْن على �شا ِكلتهم بما ح َّل بمن تق َّدم عليهم.
عذاب ا آلخرة ِع َيان ًا ،وعندئ ٍذ ال ينفعهم �إيما ُنهم �شيئ ًا.
60واذكر � -أيها الر�سول -ق�ص َة مو�سى بن عمران
حين قال لفتاه ُيو�شع بن ُنون :لا أ�َزال أ��سي ُر حتى �أبلغ 56وما ُنر�سل المر�َسلين إ�لى الأمم إ�لا مب�ِّشين للم ؤ�منين
ملتقى البحرين ب َ�سي ٍر قريب� ،أو أ��سير أ�زمان ًا طويلة حتى بالثواب ،ومنذرين للكافرين بالعقاب ،ولم نر�سلهم
�أبلغه ،ف�إني با ِل ُغه لا َمحال َة. ل َي�س أ�ل الـ ُم ْب ِطلون ما ي�شا ؤ�ون من معجزات َب َطراً وعناداً
وجدال ًا و�سخري ًة ،ويجا ِد ُل الذين كفروا بالباطل
61و�سار مو�سى وفتاه ،فل ّما و َ�صلا �إلى ُملتقى
البحرين ن�سي يو�ش ُع هناك حو َتهما ،فاتخذ الحو ُت ل ُيزيلوا به الح َّق و ُيزهقوه ،وجعلوا �آياتي و�إنذاري َمح ّ ًل
لل�سخرية والا�ستهزاء.
طريقه إ�لى البحر حتى نزل فيه وغاب.
57ولن تجد �أحداً �أظل َم لنف�سه ممن ُن ِ�صح َو ُوعظ بهذا
القر�آن العظيم ،ف�أع َر�ض عن �آياته ولم يتدبرها ولم ي ؤ�من
بها ،ون�س َي ما فعله ِمن الكفر والمعا�صي ولم يتفكر في
عاقبته ،إ� ّنا جعلنا -ب�سبب �إعرا�ضهم ون�سيانهم -على
قلوبهم أ�َغطي ًة فلا يعقلون عن الله آ�ي ًة ،وجعلنا في آ�ذانهم
ِث َقل ًا فلا ي�سمعون موعظة ،ومهما تدعهم إ�لى الهدى
فلن يكون منهم اهتدا ٌء� أبداً.
58ور ُّبك هو الوا�سع الرحمة العظيم المغفرة ،وللاو
ر ْح َم ُته ومغفرته لانتقم منهم على ما يفعلون من كف ٍر
ومعا�ٍص و إ�عرا�ٍض و�سخري ٍة ،و أَلنزل بهم العذا َب
العاج َل ،ولكنه ُي ؤ� ِّخ ُرهم و ُي ِه ُلهم ،ولهم بعد ذلك موع ٌد
ُيعاقبون فيه ولا يجدون ملج�أً يلتجئون �إليه فراراً منه.
٣٠٠
66ولـ ّما لقي مو�سى ذلك العب َد ال�صالح ا�ست�أذنه في 62فل ّما جاوزا َمم َع البحرين ،و�شعرا بالجوع
�صحبته فقال :هل �أ ّتبعك على �أن تعلمني مما ع َّلمك اللهُ والتعب ،قال مو�سى لفتاه� :آتنا غداءنا ،لقد لقينا من
من العلم الذي �أزدا ُد به ر�شداً ومعرفة بحقائق ا ألمور؟
�سفرنا هذا عنا ًء وتعب ًا.
67قال له العبد ال�صالح :إ�نك لن ُتطيق ال�صبر على
اتباعي وعدم الإنكار عل َّي فيما تراه من ت�صرفاتي ،ف أ�نت 63قال الفتى� :أ َتعلم حين التج�أنا �إلى ال�صخرة لنرتاح
ر�سو ٌل ُمك َّلف بحفظ ظاهر ال�شريعة ،و أ�نا أ�طلعني الله عندها ،ف إ�ني ن�سيت �أن أ�ذكر لك الحو َت وما كان من
َ�أ ْمره ،وما �أن�ساني أ�ن �أذكره إ�لا ال�شيطان ،وكان الحو ُت
على أ�مور خف َّية �أت�صر ُف بمقت�ضاها. قد اتخذ طريقه في البحر على نح ٍو غي ِر َمعهو ٍد ،فغاب
عن عين الفتى فن�سيه ون�سي �أن يذكر ما �شهده لمو�سى.
68وكيف ت�ستطيع ال�صب َر على أ�مو ٍر لم يطلعك الله
على خف ِّي ِحكمتها؟! 64قال مو�سى :ذلك الذي ذكر َت ِمن أ� ْم ِر الحوت
هو الذي كنا نطلبه ،فرجعا على طريقهما الذي جاءا
69قال له مو�سى� :س َتاني إ�ن �شاء الله �صابراً على ما
�أرى من َك ،غي َر معتر�ٍض عليك وغي َر عا�ٍص لما ت أ�مر به. منه يتبعان �آثا َرهما في الطريق.
70قال العبد ال�صالح :ف إ� ْن �صحبتني ور�أي َت م ِّني 65وهناك عند ال�صخرة وجدا عبداً من عباد الله هو
ِفعل ًا لا تر�ضاه فلا تبد ْ�أ بال�س ؤ�ال والاعترا�ض حتى �أكون الـ َخ ِ� ُض عليه ال�سلام� ،آتاه الله رحم ًة عظيم ًة ِم ْن عنده،
�أنا البادي ببيان الحكمة الباعث ِة على ذلك الفعل. وع ّلمه ِم ْن لدنه علم ًا خا�ص ًا.
71ف�سارا على �شاطئ البحر ،فل ّما وجدا �سفين ًة
ركباها ،وهناك �َأ ْح َد َث فيها العبد ال�صالح ُثقب ًا أ�و
�َش ّق ًا ،ف ُده�ش مو�سى لهذا الفعل وال�سفين ُة في البحر
وقد ُيع ّر�ضها هذا الخرق للغرق فقال مبادراً :أ�َ َخرقتها
لتت�سبب في إ�غراق �أهلها ،لقد أ�تي َت �أمراً منكراً!
72قال العب ُد ال�صالح� :أ َل تذكر أ�نني �أخبرتك ب�أنك
لا تملك ال�صب َر على اتباعي ومرافقتي؟
73قال مو�سى :لا ت�ؤاخذني بن�سياني و�ص َّيتك
وغفلتي عن �َ ْشطك ،ولا ُت ِّملني في تع ُّلمي منك ما
ي�ش ُّق عل ّي ويع�سر.
74ولـ ّما خرجا إ�لى ال َ ِّب انطلقا ،فلقيا غلام ًا فقتله
العب ُد ال�صالح ،فلم ُيطق مو�سى ال�سكو َت فقال معتر�ض ًا:
كيف تقت ُل نف�س ًا طاهر ًة من الذنوب بغير نف�س؟! لقد
فعل َت أ�مراً ي�ستنكره ك ُّل ذي عق ٍل راج ٍح وطب ٍع �سلي ٍم!
٣٠١
82و�أ ّما �سب ُب بناء الجدار في القرية مع ُبخل �أهلها 75قال الـ َخ ِ�ض لمو�سى -عليهما ال�سلام -مك ِّرراً
و ُبع ِدهم عن الخير ،فذلك أ�ن الجدار كان لغلامين تذكي َره بمخالفة ما تع ّهد به من ال�صبر على ما يرى� :ألم
يتيمين ،وكان تحته كنز لهما قد ي�ضيع إ�ذا انهدم الجدار أ�قل لك �إنك لن ت�ستطيع معي �صبراً؟ وزاد على العتا ِب
ف�أقم ُته لحفظ الكنز .وكان أ�بو الغلامين �صالح ًا فلذلك الأ ّو ِل المواجه َة بكاف الخطاب بقوله« :لك» ،مقابل ًة
�أراد ر ُّبك رحم ًة منه بال�ضعفاء من ذرية ال�صالحين أ�ن
يب ُلغا �س َّن الر�شد والقوة وي�ستخرجا كنزهما -وهذا من للزيادة في الإنكار بالزيادة في العتاب.
حفظ الله �سبحانه للولد ب�صلاح الوالد -وما فعل ُت هذا
الذي فعل ُت في المرات الثلاث عن أ�مري ،و�إنما هو �أم ٌر 76قال مو�سى عليه ال�سلام :إ� ْن �س أ�لتك بعد هذه
من الله تعالى لم ت�ستطع �أنت عليه �صبراً ف أ�نكر َته لأ ّن الله الم َّرة عن �شيء فلا ت�صاحبني فقد وجد َت من جهتي
عذراً؛ ف�إ َّن تك ُّرر المخالفة ثلاث ًا ينفي العذر وي�ؤكد
لم ُي ْطلعك على �شيء ِم ْن خف ِّي �أمره.
83ي�س�ألك قو ُمك -يا محمد -اختباراً لنب ّوتك ال َعجز عن ال�صبر.
عن ذي القرنين ،فقل لهم� :س�أتلو عليكم ِم ْن أ�خباره
77فتا َبعا �سي َرهما حتى جاءا قري ًة �أه ُلها أ�ه ُل �سو ٍء
و�أحواله ما َيبعث على الذكر والاعتبار. ول�ؤم ،فطلبا منهم طعام ًا ف�أبوا �أن يقوموا بما يجب لابن
ال�سبيل من ال�ضيافة والإكرام .ووجد مو�سى والـ َخ ِ�ض
302 في القرية جداراً مائل ًا يكاد ي�سقط فق ّوى الـ َخ�ض ُر
بناءه ،فقال له مو�سى� :إنهم �أبوا أ�ن ي�ضيفونا فلو �شئ َت
لطلب َت منهم �أجراً.
78قال الـ َخ ِ�ض :اقترا ُحك �أ ْن �آخذ �أجراً على ما
فعل ُت منا ٍف لما ا�شترطت على نف�سك ،وهو ُمو ِج ٌب
للفراق بيننا ،و�س�أخبرك بالأ�سباب الخفية التي من �أجلها
فعل ُت ما �أنكرته عل َّي بح�سب ظاهر علمك.
79أ� ّما �سب ُب َخرق ال�سفينة فهو أ�نها كانت لم�ساكين
يتك�سبون بها في البحر ف�أردت أ�ن �أعيبها حماي ًة لهم ِم ْن
مل ٍك وراءهم يغ�صب كل �سفينة �صالح ٍة ظلم ًا ،ف�إذا ر�أى
عيب ًا في هذه لم ينتزعها ِم ْن �أهلها.
80و أ� ّما الغلام الذي قتل ُته فكان أ�بواه م�ؤمنين -وقد
أ�علمه الله أ�نه لو عا�ش لكان كافراً وفتن ًة لوالديه-
فخ�شينا لو بقي ح ّي ًا أ�ن ُيوقع �أبويه في الطغيان والكفر
ل�شدة محبتهما له.
81ف�أرد ُت بقتله �أن يرزقهما ر ُّبهما ولداً خيراً منه في
طهار ِة نف�سه و�صلاحه ،و�أقر َب رحم ًة في معاملته لهما.
88و أ� ّما َمن جمع ا إليما َن والعم َل ال�صالح فله الجزا ُء
ا ألح�سن في ا آلخرة ،ولا ن�أمره �إلا بما فيه رعاية م�صلحته
وال ي�ش ُّق عليه.
91 - 89ث ّم َأ� َخذ ذو القرنين في طري ٍق ُيبلغه أ�ق�صى
الأر�ض ِمن جهة م�شرق ال�شم�س فلما َب َلغه وجد ال�شم�س
تطلع على قوم لا ي�سترهم منها �ساتر ِمن جب ٍل أ�و بناء،
فهي �أر�ض منب�سطة مك�شوفة لل�شم�س .كذلك كان �ش أ� ُن
ذي القرنين ِمن العظمة و َب�ْس ِط ال�سلطان والعدل ،وقد
�أحاط الله علم ًا بما عنده من عظمة الـ ُملك و أ��سباب القوة.
وهذه كناي ٌة عن كثرة ما آ�تاه الله ع َّز وج َّل من أ��سباب القوة
والملك بحيث لا يحيط به �إ ّل عل ُم اللطي ِف الخبير.
ُ 93 92ث َّم �سلك ذو القرنين طريق ًا �آخر حتى و�صل
�إلى ما بين ال�س َّدين ،وهما جبلان مانعان يحجبان ما
وراءهما ،فوجد �أمامهما أ�ُ ّم ًة من النا�س لا يكادون
يفهمون �شيئ ًا عن غيرهم لا�س ِت ْعجامهم و�شدة ُبعدهم
عن ال ّنا�س.
94قال ه ؤ�لاء القوم :يا ذا القرنين �إ ّن َقبيلتي ي أ�جوج � 84إ ّنا َب َ�سطنا له ِمن الق ّوة ما دان ْت له به الأر�ض،
وم�أجوج مف�سدون في ا ألر�ض؛ فهم كلما خرجوا وف َت َح به البلاد ،و�آتيناه من العلم والقدرة و�سائ ِر ما
�إلينا من بين الجبلين أ�ف�سدوا في الأر�ض بالظلم والقتل
والتخريب ،فهل تر�ضى أ�ن نعطيك �أجراً على أ�ن تبني ُي�ستعان به على الحكم و�إقامة العدل و َق ْهر الظلم.
بيننا وبينهم حاجزاً يك ُّفهم ع ّنا؟ 86 85فل ّما �أراد �أن يبلغ �أق�صى الأر�ض ِمن جهة
غروب ال�شم�س ا ّتبع طريق ًا يو�صله �إليه .فتابع �َسيره حتى
95قال ذو القرنين :ما �آتاني ربي من ا أل�سباب وما بلغ منتهى ا ألر�ض المعمورة ِمن جهة الغرب ،فر�أى
ال�شم�س وهو ينظر �إلى غروبها في الأفق تغرب في عين
من القدرة ُيغني عن عطائكم و أ�موالكم؛ ولك ْن َب َ�سط لي ذا ِت طين أ��سود -وهذا هو المعتاد لمن كان بينه وبين �أفق
بق ّو ِة �أبدا ِنكم وعم ِلكم ف�أَر ِدم بين الجبلين حتى أ�عينوني ال�شم�س الغربي ماء -و َو َجد عند هذا المكان الذي بلغه
قوم ًا لا َيدينون دي َن الحق ولا ي�أتمرون ب أ�مر الله و�شرعه،
�أحجزهم عنكم. فخ َّيه الله تعالى بين أ�ن يعاملهم بالق�سوة وال�شدة �أو
با إلح�سان �إليهم وال�صبر عليهم حتى ي ؤ�منوا وينقادوا له.
96ث ّم قال ذو القرنين� :أح ِ�ضوا لي ِق َطع الحديد
و أ� َم َرهم أ�ن يلقوها بين الجبلين حتى ملأ ما بينهما و أ�وقد 87قال ذو القرنين� :أ ّما َم ْن �أ�ص ّر على كفره وا�ستم ّر
النار عليه ،وقال لهم :انفخوا ،حتى حمي الحديد و�صار على ف�ساده بعد دعوتنا له �إلى ا إليمان ف�سوف نع ِّذبه
في الدنيا ثم يرجع �إلى الله فيع ِّذبه في الآخرة عذاب ًا في
ك�أنه نار ،فقال� :أعطوني النحا�س الذائب �أ�ص ّبه عليه.
غاي ِة ال�ش َّدة.
97فما ا�ستطاعت ي�أجو ُج وم أ�جوج أ�ن تعلوه ل ِ�ش ّدة
ارتفاعه ،ولا أ�ن يفتحوا فيه َم ّراً ل�ش ّدة �صلابته. 303
� 108 107إ ّن الذين آ�منوا ب�آياتي ولقائي وعملوا 98قال ذو القرنين :هذا ال�س ُّد رحمة من ربي فهو
ال�صالحات قد َكتب ُت في ا َلأ َز ِل أ� ّن لهم جنات الفردو�س وقاي ٌة لكل َم ْن ُيخ�شى عليه من �ش ِّر ي�أجوج وم�أجوج،
-وهي �أف�ضل منازل الجنة و أ�علاها -يقيمون فيها أ�بداً ف إ�ذا جاء َو ْع ُد الله بخروجهما عند ُقرب قيام ال�ساعة
جعل ال�س َّد �أر�ض ًا م�ستوي ًة ،وكان َو ْعد ربي واقع ًا لا
لا يريدون تح ُّول ًا عنها ،رغب ًة فيها وحب ًا لها.
َر ْي َب فيه.
109قل -أ�يها الر�سول� :-إ ّن كلمات ر ّبك لا تح�صى،
فلو كان البح ُر حبراً يم ّد ا ألقلا َم التي تكتبها لانتهى 99ف�إذا جاء الوعد خرجوا ك أ�نهم ِم ْن �ش ّدة الزحام
البح ُر قبل أ�ن تنتهي ،ولو زدنا عليه من الحبر مقدار مثله َمو ٌج يرتطم بع�ضه ببع�ض .و ُنفخ في ال�صور -وهو
ال ُبوق -نفخ َة البعث ،فجمع الله تعالى الخلق أ�جمعين
لما انته ْت كلمات ر ِّبك.
في مكان واحد للح�ساب.
110قل � -أيها الر�سول -لل ّنا�س كا ّف ًة :ما أ�نا إ� ّل ب�شرٌ
مثلكم َيع ِر�ض لي ما َيع ِر�ض لكم ،و�إنما خ ّ�صني الله 101 100و َ�أ ْبرزنا جهنم في ذلك اليوم للكافرين إ�برازاً
بالوحي و�أمرني أ�ن أ�بلغكم أ� ّن �إل َهكم واح ٌد لا �شريك فيرونها ِع َيان ًا وي�سمعون �صوتها ،وذلك جزا ُء �إعرا�ضهم
له في ذاته ولا في �صفاته ولا في أ�فعاله ،ف َم ْن كان يرجو في الدنيا عن �آياتنا �إعرا�ض ًا َم َنعهم من ر�ؤيتها ر�ؤي َة اعتبا ٍر
ُح�س َن لقاء ربه فليعمل عمل ًا على َو ْف ِق �شريعته ،ولا
وتذ ُّك ٍر و ِمن �سماعها �سما َع تد ُّب ٍر وقبو ٍل.
ي�شرك بعبادة ربه �أحداً.
102هل ظ َّن الذين كفروا حين أ�عر�ضوا عما ذ ّكر ُتهم
به من ا آليات �أن يتخذوا عبادي أ�رباب ًا يوالونهم
بالعبادة دون �أن نعاقبهم؟ لقد ه ّي أ�نا للكافرين جهنم
منزل ًا و ُمقام ًا.
104 103قل -أ�يها الر�سول :-هل ُن ْع ِلمكم ب�أخ�سر
ال ّنا�س في عملهم؟ إ�نهم الذين َب َطل ْت أ�عما ُلهم ب�سبب
كفرهم في حياتهم الدنيا ومع ذلك فهم يظنون أ�ن
�أعمالهم ح�سنة مقبولة عند الله.
� 105أولئك ا ألخ�سرون هم الذين كفروا ب�آيات الله
الدالة على أ�لوهيته وتوحيده وكفروا بلقاء الله تعالى يوم
القيامة ف َب َطل ْت أ�عما ُلهم فلا يقيم الله تعالى ألعمالهم
ميزان ًا ألنها كالعدم ولا يكون لهم كرامة عند الله تعالى.
106ذلك ال ِّ�صنف الذين حبط ْت أ�عمالهم جزا�ؤهم
هو جهنم ب�سبب كفرهم واتخا ِذهم آ�ياتي ور�سلي َمح ّ ًل
لل�سخرية والا�ستهزاء.
304
ولي�س لي ول ٌد وامر�أتي عقي ٌم لا تلد ف َه ْبني بخا�ِّص ف�ضلك
و أ�م ِر َك ولداً يرثني ويرث �آ َل يعقوب في النب ّوة والعلم،
وو ِّفقه ر ِّب ألن يكون عندك َمر�ض ّي ًا.
٧قال الله تعالى له :يا زكريا إ� ّنا نب�ِّشك ب إ�جابة
دعوتك ،قد وهبنا لك غلام ًا ا�سمه يحيى ولم ُن�س ِّم بهذا
الا�سم �أحداً قبله ت�شريف ًا له بهذا التخ�صي�ص البديع.
٨قال زكريا -عليه ال�سلام -تعظيم ًا ل ُقدرة الله
على الخلق بلا أ��سباب :ر ِّب كيف يكون لي غلام وحا ُل
امر�أتي كما تعلم و أ�نا قد بلغ ُت النهاي َة في ال ِكب َر!
٩قال الله تعالى� :إ ّن الحا َل كما تقول ،ولا را ّد
لإرادتي و�إ ّن الذي تف ّ�ضل عليك بالخ َلق ابتدا ًء قاد ٌر على
التف ُّ�ضل عليك بالولد.
١٠قال :ر ِّب اجعل لي علام ًة أ�عرف بها ح�صول } ١ﭑ{� :سب َق الكلا ُم على هذه الحروف
ا إلجابة بمنحي الولد ف أ��شكرك عليه أ� ّو َل ح�صوله ،قال: الـ ُمق ّطعة في �أول �سورة البقرة.
علام ُة ذلك أ� ّل ت�ستطيع �أن تتوجه �إلى ال ّنا�س بكلام مد َة
ثلاث ِة �أيام بلياليها مع �سلامتك ِمن ا آلفات المانع ِة للكلام. ٢هذا الذي �س أ�ُخبركم به هو ِذ ْك ُر رحم ِة الله لعبده
زكريا عليه ال�سلام.
١١فخرج على قومه وكانوا ينتظرونه خارج الم�ص َّلى،
ف أ��شار �إليهم دو َن ُن ْط ٍق �أن ُي َ�ص ُّلوا أ� ّو َل النهار و آ�خره.
٣حين دعا زكريا ر ّبه دعا ًء �أخفاه عن النا�س.
٤ق َّدم في الدعاء �صف َة َ�ضعفه ا�سترحام ًا فقال:
يا ر ِّب �إ ّن ر َّق عظمي و َ�ض ُع َف ،وانت�شر ال�شي ُب في
ر أ��سي انت�شا َر النا ِر في الحطب ،و�أنت عودتني ا إلجابة
فيما م�ضى فلا ُت َخ ِّيبني في دعائي هذا.
٦ ٥ث ّم ا�سترحم ر ّبه لأمته من بعده فقال :و إ� ّن
ِخفت على دين يعقوب وميراثه ممن َي ُلوني في الن�سب،
305
١٢ف ُو ِلد يحيى ون�ش�أَ حتى َب َل َغ َمب َلغ ًا يفهم فيه الخطاب
فقلنا له :يا يحيى تع َّلم التوراة بج ٍّد واجتهاد ،و�آتيناه
ال ِحكم َة والفقه في الدين والإقبا َل على الخير �صب ّي ًا ،دون
�س ِّن البلوغ.
١٣و آ�تيناه من عندنا رحم ًة عظيمة في قلبه ،وطهار ًة
من العيوب والذنوب ،وكان تا َّم الطاعة لنا.
١٤وكان َل ِّي الجان ِب َخفي�َض الـ َجناح لوالديه ولم
يكن متكبراً على الخ ْلق ولم يكن عا�صي ًا لر ّبه ،فلم ي�أت
ذنب ًا ولا ه َّم به.
١٥و�سلا ٌم من الله على يحيى و�أما ٌن له يوم ُولد و ِم ْن
عذاب القبر يو َم موته و ِمن َهول القيامة و�شدائدها في
آ�خرته.
�سبب هداي ٍة م ّني للعباد فتنالهم رحمتي ،وهذا أ�مر قد اع٦ت١زل ْتواقذوكَم ْرها-فيأ�يمهاكاا ٍلنر�مسنولج-هة افلمي�شالرققر آ�.ن مري َم حين
ُق�ضي وت َّم فار َ�ض ْي بما ق�ضي ُت.
١٧فاحتجب ْت عنهم ف أ�ر�سل الله �إليها ُرو َح ال ُق ُد�س
٢٢فنفخ فيها جبريل نفخ ًة فحمل ْت بعي�سى -عليه جبري َل -عليه ال�سلام -فظهر لها في �صورة ب�ش ٍر تا ِّم
ال�سلام -فل ّما خ�شي ْت �أن يراها قو ُمها فيظنوا بها ال�سوء
ال ِخلقة.
تن َّح ْت وهو في بطنها عن مكانها �إلى مكان بعيد.
٢٣ف�َألج أ�ها أ�لـ ُم ال َّط ْلق و ِ�ش ّد ُته إ�لى ِج ْذع النخلة ف أ�َوت ١٨ف َح ِ�س َبته ب�شراً فخاف ْت على عفافها منه ،فقالت
إ�ليه وقالت -ب�سبب ا أللم والخوف من َمقالة ال�سوء:- له تخويف ًا من الله وح ّث ًا له على تقوى الله في �أمرها� :إني
يا ليتني ِم ُّت قبل هذا الحمل وكن ُت �شيئ ًا مـ ّما ُيطرح أ��ستجير بالرحمن من َك أ�ن تم�ّسني �إ ْن كن َت ممن يتقي الله
ف ُين�سى ولا ُيذكر لقل ِة �ش أ�نه. ويخ�شاه.
٢٤فناداها اب ُنها حين و َ�ض َعته � -أو جبريل -فقال:
لا تحزني قد َ�أ ْنبع الله لك نهراً �صغيراً قريب ًا يجري أ��سفل ١٩قال لها جبريل :ما أ�ريد بك �سوءاً بل �أنا مر�َس ٌل
من عند ربك ألَهب لك ب إ�ذنه ولداً طاهر النف�س
من ِك.
كريم ال�صفات.
٢٥وح ِّركي جذ َع النخلة نح َوك يت�ساق ْط عليك مر ًة
بعد مر ٍة ِم ْن ثمرها النا�ض ِج الطر ِّي الذي َته ّي أ� ألن ُيجنى. ٢٠قالت له :كيف يكون لي غلا ٌم مع أ� ِّن لم يتزوجني
ب�شرٌ وما كن ُت زاني ًة َق ّط؟!
306
٢١قال لها :إ� ّن الأ ْم َر كما تقولين ،لك ْن قال ر ُّب ِك �إ َّن
بذلك أ�ن عل َّي ،وقد �أرد ُت بدون �أ ٍب �سه ٌل َخ ْلق الغلام
�أن يكون قدرتي ،و�أرد ُت يرى النا�س فيها �أجعله ِعبر ًة
ُوجد ُت ،و�أمرني �أمراً م ؤ� َّكداً ب أ�داء ال�صلاة كما يجب ٢٦ف ُكلي من ال ُّرطب وا�شربي من هذا الماء واطمئني
و إ�يتا ِء الزكاة ما دم ُت ح ّي ًا. بذلك وبمولودك ،ف إ�ن ر�أي ِت �أحداً من الب�شر و�س�ألك
عن المولود فقولي :إ�ني أ�َوجبت على نف�سي �صمت ًا طاع ًة
٣٢وجعلني عظيم الب ِّر بوالدتي ،ولم يجعلني متك ِّباً
متعاظم ًا ،ولا خا�سراً عا�صي ًا لربي. للرحمن؛ فلن �أك ِّلم اليوم إ�ن�سان ًا.
٣٣وال�سلا ُم عل َّي من اللهِ ،من َن ْزغ ال�شيطان يوم ٢٧فل ّما اطم�أن ْت بذلك أ�ت ْت قومها بمولودها تحمله،
ولادتي ،ومن عذاب القبر بعد موتي ،و ِمن َهول يوم فقالوا :يا مريم لقد أ�تي ِت عمل ًا منكراً عظي َم ال ُقبح.
القيامة يوم �ُأبعث ح ّي ًا .وهذا إ�قرار منه -عليه ال�سلام-
وهو في َمهده بعبوديته لله ع ّز وج َّل ،و�أنه مخلوق يحيا ٢٨يا �أخ َت هارون في الديِّن وال�صلاح -وكان
هارون من �صالحي بني إ��سرائيل ،وهو غير هارون �أخي
ويموت وي ُبعث ك�سائر الخلق. مو�سى -ما كان �أبو ِك رج َل �سو ٍء ،وما كانت �أمك امر�أ َة
٣٤ذلك الذي ت َق َّدم َخب ُره و َنع ُته وبيا ُن ب�شريته ونبوته فجو ٍر ،فكيف فعل ِت ذلك؟! يقولونه �إنكاراً وتع ُّجب ًا.
وعل ِّو مرتبته هو عي�سى ابن مريم ،والح ُّق هو ما قاله
عي�سى عن نف�سه ،لا ما ت ّدعيه اليهود والن�صارى الذين ٢٩ف أ��شار ْت لهم إ�ليه أ�ن ي�س�ألوه ،فقالوا م�ستنكرين:
َي ْ�ص ُدرون فيما يقولون عن مجرد ال�شك والزعم الباطل. كيف نك ِّلم َم ْن هو ر�ضيع لا يزال فيَ مهده؟
٣٥لا ي�ص ُّح عقل ًا أ�ن يتخذ الله ولداً ولا حاج َة له ٣١ ٣٠ف�أنطقه الله فقال :إ�ني عبد الله ،ق َّد َر لي أ�ن
�إلى الولد ،ف إ�نه �إذا أ�راد وقو َع �أم ٍر يكفي �أَ ْن يقول له: ي ؤ�تيني الإنجي َل ،و�أن يجعلني نب ّي ًا ،ن ّفاع ًا للخلق أ�ينما
« ُك ْن» ،فيكون. 307
٣٦و�إ ّن الله تعالى هو ربي وهو ربكم ،ف�أخ ِل�صوا
له العبادة والطاعة ،وهذا هو الطريق الم�ستقيم الذي لا
ِع َوج فيه .وهذا من بقية كلام عي�سى عليه ال�سلام ،جاء
بعد بيان القو ِل الح ِّق في �ش أ�نه.
٣٧هذا قو ُل عي�سى لقومه ،ولكن اختلفت ال ِفر ُق من
�أهل الكتاب فيه ،فك ّذبه اليهود ،وقال �أكثر الن�صارى:
ثال ُث ثلاثة ،وقال بع�ضهم :هو الله ،والنادر َم ْن قال :هو
عبد الله ،فهلا ٌك وعذا ٌب �شدي ٌد يوم القيامة لمن لم ي ؤ�منوا
بعي�سى أ�و قالوا فيه غير الح ّق.
٣٨ما �أ�ش َّد �َس ْم َع ه ؤ�لاء الم�شركين والكافرين ،يوم
القيامة و�َأقوى ب�ص َرهم ،حين يرون العذاب ويتيقنون
ببطلان ما هم عليه ولا ينفعهم ذلك! ولكنهم في الدنيا
ب�سبب ظلمهم �ص ٌّم و ُعم ٌي ع ّما هم فيه من �ضلا ٍل َب ِّ ٍي
لل ِعيان.
بال�سلامة من كل مكروه ،و�س أ��س�أل ربي أ�ن يغفر لك ٣٩و أ�ن ِذ ْر � -أيها الر�سول -الم�شركين -وهم على ما
راجي ًا �إجابته فقد ع ّودني التلط َف بي وا إلح�سان .و أ�بتع ُد هم عليه من الكفر والغفلة لينتبهوا -أ�ن ِذرهم يوم يندم
عنك وعن قومك و�آلهتكم التي تعبدونها من دون الله الظالمون أ��ش َّد الندم ،يوم ُيق�ضى بين النا�س و ُيفرغ من
و�أخ�ُّص اللهَ ربي بالعبادة والطاعة والدعاء ،ع�سى أ�ن الح�ساب ،في�صير فري ٌق إ�لى الجنة وفري ٌق �إلى ال�سعير،
�أكون من ال�سعداء الذين ُيتقبل منهم دعا�ؤهم و�أعمالهم. ويقال :يا �أهل الجنة خلو ٌد فلا موت ،ويا أ�هل النار
٥٠ ٤٩فل ّما فارقهم �إبراهي ُم وفارق آ�له َتهم التي
يعبدون من دون الله وهاجر �إلى ال�شام َو َهب الله له اب َنه خلو ٌد فلا موت.
إ��سحاق وحفي َده يعقوب بن �إ�سحاق زياد ًة وتف ُّ�ضل ًا لتق ّر
بهما عي ُنه في حياته ،وجعل ك ّ ًل منهما نب ّي ًا .ووهب الله ٤٠إ� ّنا نحن نرث ا ألر�ض و َم ْن عليها بفنائهم وبقائنا،
لهم جميع ًا من رحمته المال والولد ،وجعل لهم ِذكراً فلا �أحد ي َّدعي ُملك ًا ولا ت�ص ُّرف ًا ،و�إلينا وح َدنا يرجعون.
ح�سن ًا على ك ِّل ل�سا ٍن ِم ْن �أه ِل المل ِل الثلاث ِةُ :م�ْسلمين
٤١واذكر -أ�يها الر�سول -في القر�آن لقومك ق�ص َة
ون�صارى ويهود. أ�بيهم إ�براهيم ،فهو َجدير أ�ن يقتدوا به فيما َن َ�صح به �أباه
من التوحيد لأنه كان كام َل الت�صديق بكل ما جاء ِم ْن
٥١واذك ْر -أ�يها الر�سول -لقومك في القر آ�ن
ق�ص َة مو�سى بن عمران الذي �أخل�صه اللهُ تعالى لطاعته عند الله ،وكان ِم ْن �أعلى �أنبيائنا منزل ًة.
وعبادته ،وكان نب ّي ًا ر�سول ًاُ :ين ِزل عليه ما ي�شاء ِمن َو ْحيه
٤٢اذك ْر لهم حين قال �إبراهيم ألبيه متر ِّفق ًا به مق ِّدراً
وي أ�مره بتبليغ ر�سالته إ�لى قومه. أ�ُب َّوته :يا �أبت لماذا تعبد ما لا ي�سمع ،ولا يب�صر ،ولا يملك
308 لك نفع ًا ولا �ض ّراً؟!
٤٤ ٤٣ث ّم دعاه مترفق ًا به ُ ِمل ًا أُلب ّوته ،فقال :يا �أب ِت
إ�ني جاءني من العلم من الله ما لا تعلمه ،فاتبعني أ�د ّلك
على الطريق الم�ستقيم في معرفة ا إلله الحق .ثم ا�ستر�َس َل
في التر ُّفق حين نهاه عن عبادة ال�شيطان -وهي طاعته
في عبادة ا ألوثان -وب َّي له ما يدعوه إ�لى َت ْر ِك طاعته،
فقال :يا �أبت لا تعبد ال�شيطان� ،إ ّن ال�شيطان كان لربه
العظي ِم الرحم ِة مخالف ًا ُم�ص ّراً على المخالفة.
٤٥ث ّم انتق َل إ�لى تخويفه من غير إ�خلا ٍل بما يجب
ألبيه من الأدب ،فقال :يا �أب ِت إ�ني �أخاف �إ ْن ظلل َت
على ال�شرك أ�ن ي�صيبك عذا ٌب من الله ،فت�صير قرين ًا
لل�شيطان في جهنم ،فتهلك وتخ�سر.
� ٤٦أجابه أ�بوه من ِكراً ومه ّدداً فقال� :أ ُم ْع ِر� ٌض �أنت
عن �آلهتي يا �إبراهيم؟ لئن لم تك َّف عن التع ُّر�ض آللهتي
والدعوة �إلى ترك عبادتها ،ألعذب ّنك رجم ًا بالحجارة،
واعتزلني يا �إبراهيم زمان ًا طويل ًا!
٤٨ ٤٧قال �إبراهيم لأبيه� :أ ْت ُر ُك َك داعي ًا لك
٥٨ه�ؤلاء المذكورون هم ِمن الذين �أكرمهم الله بنعمة ٥٣ ٥٢وناديناه ِمن جه ِة جبل ال ُّطور التي تلي َيي َن
النب ّوة ِم ْن ذرية آ�دم و ِم ْن ذرية َم ْن حملنا مع نوح و ِم ْن مو�سى عليه ال�سلام ،ورفعنا مكانته ب�أن كان كلا ُمنا له
ذرية إ�براهيم ويعقوب -عليهم ال�سلام -وك ُّلهم ممن ِم ْن غير وحي .وتف ّ�ضلنا عليه ِم ْن رحمتنا ب�أن َم َن ْحنا �أخاه
هدينا وا�صطفينا ،و�َش�ْأ ُن ه ؤ�لاء أ�نهم �إذا ُقرئ ْت عليهم هارون النبوة ،إ�جاب ًة ل�س�ؤاله ،ليعاونه في تبليغ ر�سالته.
�آيات الرحمن خ ّروا على جباههم �ساجدين تعظيم ًا
٥٤واذك ْر -أ�يها الر�سول -لقومك ق�ص َة �إ�سماعيل،
وخ�شي ًة له �سبحانه. ف�إنه ُع ِرف بال�صدق في جميع ُوعوده ،لا َي ِع ُد ب�شيء إ�لا
�أَ ْنزه على التمام ،وكان ر�سول ًا أ�ر�سله الله إ�لى �أهل مكة
٦٠ ٥٩ف َع ّق َب ه ؤ�لاء ا ألخيار َع ِقب �سوء خالفوا
�سير �آبائهم ،و�أهملوا ال�صلاة واتبعوا ال�شهوات ،فاقترفوا و َم ْن وا َلهمُ ،ينبئهم بديننا و�شريعتنا.
المنكرات ،ف�سوف يلقون �شراً وخ�سران ًا� .إلا َم ْن رجع
إ�لى الله تعالى ،و�آمن به وعمل �صالح ًا ،ف�أولئك يدخلون ٥٥وكان مواظب ًا على �أمر �أهله بال�صلاة والزكاة
الجنة جزاء توبتهم و�إيمانهم و�صلاح �أعمالهم ،ولا ليكونوا قدو ًة لغيرهم ،وكان عند ربه َم ْر�ض َّي الخ�صال.
ُين َق�ص �أج ُرهم ب�سبب ما �سبق منهم ِم ْن كفر أ�و تفريط.
٦٢ ٦١يدخلون جنا ِت إ�قام ٍة وخلو ٍد ،التي َو َعد ٥٧ ٥٦واذك ْر -أ�يها الر�سول -لقومك خب َر
الله تعالى عباده الم�ؤمنين وهي َغ ْي ٌب عنهم ،ف�آمنوا بها إ�دري�س ،إ�نه كان كامل ًا في ال�صدق والت�صديق بما جاء
وعملوا لها ولم يروها ،وو ْع ُده متح ِّق ٌق لا َمحال َة .لا من الله ،وكان نبي ًا يوحى إ�ليه .وجمعنا له بين �َ َش ِف
ي�سمعون فيها كلام ًا لا نفع فيه ،ولكن ي�سمعون �سلا َم
بع�ضهم على بع�ض ،وت�سلي َم الملائكة عليهم ،و ُيجري النبوة وعل ِّو المنزلة.
الله عليهم رز َقه الذي خ ّ�صهم به متى �شا�ؤوا.
٦٣تلك الجن ُة المو�صوف ُة بتلك ال�صفات الجليلة ،هي
التي نتف�ضل بها على عبادنا في�ستمتعون بها ا�ستمتاع ًا
دائم ًا لا ُي�ستر ّد كا�ستمتاع الوارث بما يرث؛ ولي�س ذلك
إ�لا لمن �أ ّدى ما فر�ضناه عليه واجتنب ما نهيناه عنه.
٦٤هذا بيا ٌن من الله تعالى لر�سوله لـ ّما �ش ّق عليه
ت�أ ُّخ ُر نزول الوحي ،ور ٌّد على َزعم الم�شركين أ�ن محمداً
قد تركه ر ُّبه :إ� ّن جبريل وغيره من الملائكة لا يتنزلون
بالوحي �أو بغيره إ�لا ب إ�رادة الله و�أمره ،وذلك وفق ًا ِلـ َما
تقت�ضيه حكم ُته .فهو �سبحانه الذي يرجع إ�ليه تدبير
ا ألمور ك ِّلها ،وهو العا ِلـ َم بما كان وبما �سيكون ،لا يجوز
عليه �سبحانه في �ش�أن الوحي �أو غيره ن�سيا ٌن �أو غفلة.
309
٧٤لقد أ�هلكنا ُ�أمم ًا كثيرة َقبلهم ب�سبب كفرهم ،كانوا ٦٥فهو �سبحانه ر ُّب ال�سماوات وا ألر�ض وما
�أح�س َن منهم في متاع بيوتهم وزينتها ،و�أجم َل منظراً بينهما ،يد ِّبر أ�مر ذلك بعلمه وتقديره ،و�إذا كان كذلك
فاعبده واجته ْد في ال�صبر على عبادته .لي�س له تعالى
وهيئ ًة فلم ُيغن عنهم ذلك �شيئ ًا. �َشبي ٌه أ�و َنظي ٌر في ذاته �أو �صفاته �أو أ�فعاله ،فهو المتف ِّرد
بالكمال ،لا ي�ستح ّق أ�ن ي�س َّمى �إله ًا �إلا هو ،والُ يعبد
٧٥قل � -أيها الر�سول -له ؤ�لاء المفتخرين بما لديهم
من الدنياَ :م ْن كان م�ستغرق ًا في ال�ضلالة فهو َحر ٌّي �أح ٌد بح ٍّق إ�ال هو.
�أن يم َّد له الله تعالى َم ّداً في حظوظ الدنيا ا�ستدراج ًا له
فيزداد �إثم ًا ،حتى يرى ما وعده الله تعالى به� :إ ّما العذاب ٦٦ويقول الكافر منكراً أ�ن يبعثه الله تعالى بعد الموت:
العاجل في الدنيا ،و�إ ّما �أهوال يوم القيامة ،وفي الحالتين أ��إذا م ّت يمكن بعد ذلك أ�ن �أُخرج من قبري ح ّي ًا؟!
�سوف يعلمون ح ّق ًا َم ْن هو �أ�سو�أُ مو�ضع ًا و أ��ضع ُف م�ؤيِّداً
َ ٦٧أ� ُي ْن ِكر الإن�سا ُن البع َث بعد الموت ،ولا يتذكر �أ ّنا
ونا�صراً. خلقناه ِم ْن قب ُل ولم يكن حينئذ �شيئ ًا أ��صل ًا ،مع أ�ن هذا
٧٦وفي مقابل �إمهال الل ِه الكفا َر وا�ستدرا ِجهم يزيد أ�َعج ُب من البعث؟! ف�إنكاره البعث هو الم�ستن َكر.
اللهُ أ�ه َل الهدى هداي ًة بزيادة الطاعات ،وبالتثبي ِت على
الحق .والأعما ُل الباقيا ُت ببقاء �أَ ْجرهن ،ال�صالحا ُت ٦٨فور ِّبك -يا محمدَ :-ل َن�سوق ّنهم مجموعين مع
بر�ضا الله تعالى عن أ�هلهن خي ٌر عند ربك أ�جراً وعاقب ًة �شياطينهم الذين أ�غووهم ،ثم لنح�ضر ّنهم حول جهنم
وهم باركون على ال ُّر َك ِب �أذل ًة خائفين ،ال يقدرون على
مما �أوتي الكفار من الدنيا.
القيام ِم ْن �ش ّدة ما بهم.
٧٠ ٦٩ث ّم ل ُنخرج ّن بقو ٍة ِم ْن ك ِّل ِم ّل ٍة منهم َم ْن هو
أ��شدهم ع�صيان ًا لنا وتك ُّباً عن عبادتنا ،ف�إننا أ�علم بالذين
هم أ� ْج َدر بالعذاب فنبد�أ بهم ،ف ُن ْن ِ�ضج جلو َدهم بالنار،
ونجعلهم يقا�سون ح ّرها و�ش ّدتها.
٧٢ ٧١وما منكم � -أيها النا�س -أ�ح ٌد إ�لا هو �آ ٍت
جهن َم ،وهو يم ُّر على ال�صراط الذي ُي�ضرب فوقها ،وقد
جعل الله تعالى هذا ا ألمر واجب ًا مقطوع ًا به وق�ضا ًء لا
تبديل له .وعند مرور الذين اتقوا ربهم يخمد لهي ُب
النار ،فلا ي�ؤذيهم ،ونترك الظالمين ألنف�سهم بالكفر بالله
فيها على حالتهم ،باركين على الركب أ�ذل ًة خائفين.
٧٣وحين تقر�أ � -أيها النبي -على الكفار �آياتنا في
بيان الح ّق وحا ِل أ�هله عند الله تعالى وبيا ِن الباطل وحا ِل
أ�هله الُ يق ّرون بالح ّق رغم و�ضوح ا آليات ،بل ين�صرفون
إ�لى مقارنة حالهم في الدنيا بحال فقراء الم�ؤمنين،
يقولون :أ� ُّينا خي ٌر م�سكن ًا و أ�ح�س ُن مجل�س ًا بين النا�س! ولو
كان دينكم حق ًا لكنتم �أح�سن منا.
310
٨٢ف ْلينز ِجر الم�شركون عن هذا الاعتقاد الباطل،
�ست ْك ُف ُر آ�له ُتهم بعبادتهم �إيّاها ،ولن تكون مانع ًة لهم
من العذاب ،بل �سبب ًا في هوانهم وانقطاع ُح ّجتهم
يوم القيامة.
٨٤ ٨٣أ�لم َتعلم -أ�يها الر�سول -أ� ّنا �س ّلطنا
ال�شياطين على الكافرين ،لإ�صرارهم على معاندة الحق،
فهي تدفعهم �إلى ال�ضلال وتح ُّثهم على المعا�صي ح ّث ًا .فلا
ت�ستعج ْل عليهم ف إ� َّن ح�سابهم آ� ٍت قريب ًا ،ولكننا نح�صي
عليهم أ�عمالهم ،ونع ُّد �أيامهم �إلى ا ألجل الذي �أ َّجلنا
لعذابهم.
٨٦ ٨٥اذك ْر -أ�يها الر�سول -يو َم الح�شر ،إ�ذ ُيح�شر
المتقون إ�لى ربهم وفوداً مكرمين ،و ُي�ساق المجرمون
بكفرهم في هذا اليوم ِعطا�ش ًا كما ُت�ساق ا ألنعام ،لكن
إ�لى نار جهنم بدل ًا عن الماء.
٨٧لا يملك َأ�ح ٌد في هذا اليوم �أن ي�شفع ألحد ،لك ْن ٧٧أ�فلا َتعجب -أ�يها الر�سول -من هذا الذي
َمن اتخذ عند الرحمن عهداً ،فهو َيلك ال�شفاعة بعد كفر ب آ�يات الله وبراهينه على ال َبعث -وهو العا�ُص بن
الإذن .والعه ُد ا�س ٌم جام ٌع ل إليمان وك ِّل ال�صالحات التي وائل -وزعم �أنه �إن ُب ِعث ف�سي ؤ�تيه الله تعالى الأموال
ترفع �صاحبها �إلى درجة َم ْن ُي�ؤذن له في ال�شفاعة يوم
والأولاد؟!
القيامة.
٧٨هل ا َّطلع هذا على الغيب فعلم أ�نه ِم ْن أ�هل الجنة
٩١ - ٨٨وقال اليهود والن�صارى و َم ْن َز َع َم من و أ�ن الله �سي ؤ�تيه ما ي ّدعيه من المال والولد؟! أ�م اتخذ عند
الم�شركين �أن الملائكة بنا ُت الله :اتخذ الرحمن ولداً .لقد الله تعالى عهداً بذلك فهو على يقي ٍن من أ�ن الله �سيدخله
ارتكبتم بهذا ال�شرك والا ّدعا ِء الباط ِل �شيئ ًا قبيح ًا فظيع ًا
منكراً �شدي َد النكارة .تو�شك ال�سماوات �أن تت�صدع الجنة وي ؤ�تيه ما يزعم؟!
وا ألر�ُض �أن تن�شق والجبال �أن ت�سقط ُمته ِّدم ًة ب�سبب
٨٠ ٧٩ف ْلينز ِج ْر عن هذا الا ّدعاء الذي �ُس ِّجل في
ا ّدعاء الولد للرحمن. �صحائفه ،و�سنحا�سبه عليه يوم القيامة ،و َنزيد له في
العذاب كما زاد في الكذب والاجتراء .و َن ْن ِزع منه ما
الرحم ُن ي َّتخذ ل٣ا�٩ستحولالية�س ُمي�ش�اصب ُّهحةف ايلاخالأل ِذقهاالمنن أ�َّز ِهن ٩٢ يقول من المال والول ِد ب إ�هلاكنا �إياه ،وي�أتينا يوم القيامة
الحدوث عن ولداً؛
بالمخلوق الحادث .وما ِم ْن موجو ٍد في ال�سماوات وحيداً قد ذهب عنه ك ُّل ما يعت ُّز به.
والأر�ض �إلا هو ي�أتي الرحم َن يوم القيامة عبداً خا�ضع ًا ٨١وا ّتخذ الم�شركون آ�له ًة يعبدونها من دون الله
له ،فكيف ي�ستقيم اجتما ُع البن ّوة والعبودية؟!
ي�ستن�صرون بها ويزعمون �أنها تقربهم �إليه.
٩٥ ٩٤لقد علم الرحمن بهم جميع ًا ِع ْل َم �إح�صا ٍء
و َح ْ�ص ،فع ّدهم واحداً واحداً ،وك ُّلهم ي أ�تي ربه فرداً، 311
لي�س له من دون الله وليٌّ ولا ن�صير.
٩٦إ� ّن الذين �آمنوا وعملوا ال�صالحات �س ُيلقي لهم
الله مود ًة في القلوب ،ف ُي ْق ِب ُل العبا ُد عليهم كما �أقبلوا هم
على الله.
٩٧ف إ� ّنا �أنزلنا القر�آن عليك -أ�يها الر�سول -بل�سانك
العرب ِّي الـ ُمبين ،و�َس ّهلنا قراءته و َفهمه لمن يتدبره؛ ِل ُتب�شر
بما فيه من ال َو ْعد عبادنا المتقين ،وتخ ِّوف بما فيه من
الوعيد قوم ًا معاندين� ،شديدي الخ�صومة بالباطل.
٩٨وقد أ�هلكنا قبل ه ؤ�لاء الكفار ِمن قومك �أمم ًا
كثيرة لـ ّما ا�ستم ّروا في عنادهم ،هل تج ُد منهم ِم ْن �أحد،
�أو ت�سمع لهم ولو �صوت ًا خفي ًا؟ با ُدوا جميع ًا ،وهذه
�ُسنتنا فيمن عاند المر�سلين ،فليعتبروا بذلك.
٨ذ ِلكم المو�صو ُف بال�صفات العظيمة هو الله، } ١ﭵ{� :سب َقالكلا ُمعلىهذهالحروفالـ ُم َق َّطعة
المعبو ُد وحده بح ٍّق ،وهو الجدير با أل�سماء التي َمعانيها في �أول �سورة البقرة.
في غاية الـ ُح�سن. ٣ ٢ما �أوحينا إ�ليك � -أيها الر�سول -القر�آن
٩وقد جاءك -أ�يها الر�سول -خب ُر ا�صطفائي مو�سى ل ُت ْن ِه َك نف َ�سك با أل�سف والح�سرة على �إعرا�ض الكفار
عن دعوتك .ولكن أ�نزلناه ليكون تذكيراً وموعظ ًة لمن
للنبوة والر�سالة ،لتت أ��َّسى به في ال�صبر على ما ي�صيبك.
١٠ف إ� ّنه قال لزوجه وهو عائ ٌد من َم ْدين �إلى م�صر: يخاف الله وعوا ِقب المعا�صي.
ا ْب َقي مكا َنك �إني �أب�صرت ناراً ،و�أنا ذاه ٌب إ�ليها راجي ًا أ�ن
�آتيكم منها ب�ُشعلة نوقد منها ناراً� ،أو �أجد عندها دليل ًا ُ ٤ن ِّزل هذا القر�آن تنزيل ًا من الله الذي خلق ا ألر�ض
وال�سماوات ال ُعلا ،فهو تنزي ٌل من ر ٍّب عظي ٍم حكي ٍم،
ُيع ِّرفني الطريق.
١٢ ١١فل ّما �أتى مو�سى مو�ض َع النار ناداه الله: فينبغي أ�ن ُيتل ّقى بكل �إيمان ور�ضا.
يا مو�سى إ�ني �أنا ر ُّبك �أُك ّلمك و�أخاطبك ُ -ي َط ْمئنه الله ٦ ٥ذلكم الذي ن ّزل القر�آن هو الله المت�ص ُف
تعالى بذلك -فاخلع نعليك �إجلال ًا وتوا�ضع ًا ،إ� ّنك بالرحمة التي و�سع ْت ك َّل �شيء ،الذي ا�ستوى على
العر�ش ا�ستواء يليق ب أ�لوهيته وكماله .له �سبحانه ملك ما
بالوادي المط َّه ِر المبارك وادي ُطوى. في ال�سماوات وما في ا ألر�ض وما بينهما ،وله ما على
َو ْجه ا ألر�ض وما تحت ترابها� ،أحاط بكل �شيء �إحاط َة
312
ِع ْل ٍم وت�صريف وتدبير.
٧و إ� ْن تجهر بذكر الله أ�و بغيره َيعلمه الله ،بل
يعلم ما ُت ِ� ُّس به �إلى غيرك ويعلم ما هو أ�خفى ،وهو
خواطر نف�سك.
فت�أكله ،ول َي فيها مناف ُع وحاجا ٌت �أخرى. ١٣و أ�نا اخترتك يا مو�سى لر�سالتي ،فا�ست ِم ْع لما يو َحى
�إليك م ِّني.
٢٣ - ١٩قال الله تعالى لمو�سى� :أ ْل ِقها إ�لى ا ألر�ض،
١٤إ� ّنني أ�نا الله لا معبو َد بح ٍّق غيري؛ فاعبدني ،و ُد ْم
ف أ�لقاها؛ فانقلب ْت ب إ�ذن الله ح ّي ًة ت�سعى ،فو ّلى مو�سى على إ�قامة ال�صلاة ل َتذكرني فيها.
هارب ًا ،قال الله تعالى :خذها ولا َت َخف ِم ْن أ�ذاها؛
�س ُنعيدها ع�ص ًا كما كانت في حالتها ا ألولى ،و أَ�د ِخل ١٥إ� ّن �ساع َة القيام ِة التي �أرد ُت إ�خفاء وقتها �آتي ٌة لا
ي َدك تحت َع ُ�ضدك تخرج بي�ضاء نا�صع َة البيا�ض ِم ْن غير َمحالة؛ لكي ُتزى كل نف�س بما عملت في الدنيا.
�أن ي�صيبها ع ّلة ِم ْن َب َر�ٍص أ�و غيره؛ لتكون لك معجز ًة
�أخرى .وقد فعلنا بالع�صا وبيدك ذلك ل ُنيك بع�ض ١٦فلا ي�شغلك يا مو�سى عن الا�ستعداد لها َمن لا
ي ؤ�من بها ،وا ّتب َع ال�شهوات التي ي�أمره بها هواه؛ فته ِلك
معجزاتنا العظمى.
ب�سبب ذلك.
٣٥ - ٢٤اذه ْب يا مو�سى ومعك المعجزتان إ�لى
فرعون؛ لأنه جاوز الح َّد في الطغيان حتى ا َّدعى ١٨ ١٧قال الله تعالى :وما هذه التي في يمينك
الربوبية ،فاد ُعه إ�لى الإيمان و إ�لى طاعتي وعبادتي، يا مو�سى؟ �أجاب مو�سى :هي ع�صاي أ�عتمد عليها في
قال مو�سى :ر ِّب و�ِّسع لي �صدري ،و�س ِّهل لي أ�مري، �َسيري و أ��ضرب بها ور َق ال�شجر؛ لي�سقط على غنمي
و�أط ِل ْق ل�ساني؛ ليفهموا كلامي ،واجع ْل لي ُمعين ًا من
�أهلي ،هارون �أخي ،ق ِّوني به على َح ْمل �أعباء الدعوة،
و َ�أ�شركه معي في أ�مر الر�سالة وتبليغها؛ كي ُن َنزهك عن
ال�شريك وعن كل نقي�صة بالت�سبيح كثيراً ،ونذك َرك
كثيراً ،إ�نك كنت بنا ب�صيراً ،لا َيخفى عليك �شيء من
�ش أ�ننا منذ ا ألزل.
٣٦قال الله تعالى :قد أ�جب ُت دعاءك و�أعطي ُت َك
مطلو َبك يا مو�سى.
٣٧ولقد �سبق منا التف ّ�ض ُل والإنعام عليك يا مو�سى
في م ّر ٍة �سابق ٍة.
313
٣٩ ٣٨وذلك حين �أوحينا �إلى أ� ِّمك :أ� ِن اجعلي
اب َن ِك في �صندو ٍق ثم َ�ألقيه في ال ِّني ِل ،و�سيلقيه ال ِّنيل
بال�شاطئ ،في أ�خذه عد ُّوي وعد ُّوه فرعو ُن ،و أ�لقي ُت
عليك مح ّب ًة م ّني فلا يراك �أح ٌد إ�لا أ�ح ّبك ،وقد هي�أ ُت
ذلك ك ّله لك من �أجل �أن تن�ش�أ على عيني وتحت عنايتي.
فيه من العذاب ،وقد جئناك ب�آية ُتع ّرفك �أ ّنا ر�سولان من ٤٠وقد َظهر إ�لقا ُء محبتي عليك و أ�ث ُر عنايتي بك؛
ر ّبك ،وال�سلا ُم من الله على َمن ا ّتبع الهدى� .إ ّن ر ّبك حين َم َ�ش ْت �أُختك َت ْقفو أ�ثرك ثم تقول لمن أ�خذوك :هل
قد �أوحى �إلينا أ� ّن عذا َبه على َم ْن ك َّذ َب و أ�عر�َض عن �أد ُّلكم على �أ�سر ٍة تكفله و ُتر�ضعه؟ ف�أرجعناك �إلى أ� ّمك؛
كي تطمئن علي َك ويذهب حز ُنها ،وقتل َت يا مو�سى
�شريعته. نف�س ًا من آ�ل فرعون فن َّجيناك من ه ِّم القتل وخ�شي ِة
العقوبة ،وكان لك في ك ِّل ذلك ِمـ َحـ ٌن ُتق ِّويك و ُت َهي ُئك
٥٠ ٤٩قال فرعون لهما -من ِكراً وم�ستك ِباًَ :-م ْن لأعباء الر�سالة ،و أ�قم َت في أ�هل َم ْدين �سنين برعايتنا ،ثم
ربكما يا مو�سى؟ أ�جابه مو�سى :ر ُّبنا هو الذي أ�عطى جئ َت في الوقت المع ّي في �سابق علمي �إلى المكان الذي
كل مخلوق ُ�صورته وق َّدر طبيعته بح�سب حاجته ،وما
�أنت فيه ا آلن لت�سم َع كلامي وتتلقى ر�سالتي.
ُخ ِل َق لأجله.
٤١أ�عدد ُت َك هذا ا إلعداد لاختياري لك كي َتمل
٥١قال فرعون لمو�سى :فما �ش�أن ا ألمم ال�سابقة؟ فقد
ر�سالتي وتقوم بالتبليغ ع ّني.
�سبقونا �إلى الإنكار والكفر!
٤٥ - ٤٢اذه ْب يا مو�سى أ�نت و�أخوك هارون
بمعجزاتي الكبرى ولا َت ْ�ض ُعفا ولا تق�صرا في ذكري.
اذهبا �إلى فرعون فادعواه إ�لى الح ّق؛ فقد جاوز في كفره
ك َّل ح ٍّد ،فقولا له قول ًا لطيف ًا؛ لعله يتذ ّكر أ�و يخاف ر َّبه.
قالا :ربنا �إننا نخاف أ�ن َي ْع َجل علينا بالقتل �أو أ�ن يتم ّرد
على الح ِّق فلا يقبله.
٤٨ - ٤٦قال الله لمو�سى وهارون :لا تخافا من
ذلك؛ ألنني معكما أ��سمع و�أُب�صر ف أ�ُعينكما عليه و أ�ك ُّف
�أذاه عنكما .ف�أتياه فقولا له :نحن ر�سولان ِم ْن ر ّبك،
ف�أر�س ْل معنا بني �إ�سرائيل ،و َح ِّررهم من الإذلال ،وما هم
314
٥٦ولقد أ�رينا فرعون الدلائ َل الوا�ضحة بع َ�ضها في
إ�ثر بع�ض فك َّذب و�أ َبى أ�ن يقبل الح َّق عناداً وا�ستكباراً.
٥٧قال فرعون لمو�سى قا�صداً إ�ثارة قومه� :أجئتنا
لتخرجنا من أ�ر�ض م�صر ويكون لك الملك فيها بما
أ�ظهر َته من ال�سحر.
ب ِ�س ْح ٍر ف�ُأق�سم ل�سوف ن�أتيك الأ ْم ُر كذلك �إذا كان ٥٨
وبينك من الله ،فاجع ْل بيننا ت ّدعي أ�نه آ�ية فيبطل ما مث ِله
في َنغيب عنه ولا نت أ�خر نحن ولا �أنت، موقتك ًاا ٍنم يع ّينكًاولنا
من م�ستوي ًا يرى ك ُّل النا�س ما يجري فيه
ِ�س ْحرك و ِ�س ْحرنا.
٥٩قال مو�سى :موع ُدكم هو يوم ِعيدكم الذي
تتزينون وتجتمعون فيه ك ّل عام وق َت ال�ضحى حيث
تكون الر ؤ�ية أ�و�ضح والح�ضور �أكثر.
٦٠فان�صرف فرعو ُن واجتهد في َكيده لمو�سى فجمع
ال�سحرة؛ ليكونوا يداً واحدة على مو�سى ،ث ّم جاء بهم
في الموعد.
٦١قال مو�سى -عليه ال�سلام -لل�سحرة نا�صح ًا ٥٢قال مو�سى -عليه ال�سلامِ :-ع ْل ُم تلك القرون
ومح ِّذراً من وقوع الهلاك بهم :لا تتعمدوا الكذب على عند ربي ُم�س ّجل في كتاب -وهو اللوح المحفوظ -والله
الله وتخدعوا النا�س ف ُي�س ِقط عليكم عذاب ًا ي�ست�أ�صلكم، تعالى لا يخطئ فيترك من ذلك �شيئ ًا ولا يغيب عنه �شيء.
وتكون عاقبتكم وعاقب ُة فرعون عاقب َة المفترين الذين لا
٥٣ثم تابع مو�سى عليه ال�سلام ذكر بع�ِض دلائل
يفلحون أ�بداً. ربوبيته �سبحانه فقال :هو الذي ه ّي َأ� لكم الأر�ض
و�س َّهل معي�شتكم عليها كما ُيه َّي�أ المه ُد للطفل ،وهي�أ
٦٢فت�شاور ال�سحر ُة وتداولوا ا ألمر بينهم ب�ش ّد ٍة اللك�سممافءيهماطرُطاً ُرفقأ� ًاخور�سج ّهللهكاملبهك �أمز لوتا�سجلًاكمونهناب،ا ٍوت�أنمزخلت ِلم ِفن
واختلا ٍف و أ��س ّروا محاور َتهم عن مو�سى لئلا يطلع
الأ�شكال والأنواع.
عليها.
َ ٥٤خل ْقنا ذلك لكم و أ�بحناه قائلين على �َسبيل ا إلباحة
�إ ّن مو�سى و٣ها٦روقان لل�ساال�حسراحنر ُة�ضما ِل�عصاّريننفيعالل�ىس محروقيفريهدما:ن والإنعام عليكم :كلوا ما ينا�سبكم وار َعوا �أنعامكم فيما
�إخراجكم ينا�سبها� .إ ّن فيما خلقنا وما هي�أنا لكم لدلائ َل عظيمة
من م�صر ب�سحرهما ،و�إظها َر دينهما للق�ضاء على على ربوبيتنا ووحدانيتنا.
َمذهبكم و�إبطال دينكم الذي هو �أف�ضل الأديان.
ِ ٥٥من الأر�ض خلقنا �أباكم �آد َم ومنها جعلنا
٦٤ف�أ ِع ّدوا ك َّل ما لديكم من أ�دوا ٍت و ِخبرة و َمكر معاي�شكم ،وفيها نعيدكم بعد الموت ،ومنها نخرجكم
ثم �أق ِبلوا على مو�سى و َم ْن معه �ص ّف ًا واحداً فذلك
�أ�ش ُّد �إرهاب ًا لهم ،وقد فاز الفو َز العظي َم في هذا اليوم مر ًة ثانية عند البعث.
َمن َغ َلب. 315
خلقنا ،فاح ُكم علينا بما ت�شاء ف إ� ّن حكمك لا يجاوز ٦٥قال ال�سحرة �إظهاراً لقوتهم و ِثقتهم بما أ�َعدوا:
حياتنا الدنيا ،وا آلخرة هي لنا خير و�أبقى. يا مو�سى �إ ّما أ�ن ُتلقي أ�نت ع�صاك �أول ًا ،و�إ ّما أ�ن نكون
نحن �أو َل َم ْن �ألقى .ك�أنهم يح ُّثونه على �أن يبد�أ لي َروا ما
٧٣ث ّم َذ َكر ال�سحر ُة أ�نهم ث َبـتوا على الإيمان ليغفر الله
ذنوبهم وما عار�ضوا به مو�سى من ال�سحر و�أ ّن الله خي ٌر يكون منه فيعرفوا كيف يعار�ضونه.
ثواب ًا لمن �آمن و أ�طاعه و أ�ب َقى عقاب ًا لمن كفر به وع�صاه. ٦٦قال مو�سى -عليه ال�سلام -لهم :بل �أل ُقوا �أنتم
أ�ول ًا ،ففوجئ -ب�سبب ق ّوة حيلة ال�سحر ِة -أ� ّن الحبال
� ٧٤إ َّن ال�ش�أْ َن عند الله هو �أنه َمن جاءه يوم القيامة
بجريمة الكفر جعل �أ�ش َّد النار له عذاب ًا ،لا يموت فينتهي وال ِع ِ�ص َّي تتحرك وتم�شي على ا ألر�ض ك�أنها ح ّيات.
عذا ُبه ،ولا يحيا حيا ًة يرتاح فيها وينتفع. ٦٧ر أ�ى مو�سى -عليه ال�سلام -ذلك فوقع في نف�سه
خو ٌف و�أ�ضمره.
٧٦ ٧٥و َم ْن جاء ر َّبه يوم القيامة م ؤ�من ًا به وقد عمل
ا ألعمال المر�ضية عنده ف أ�ولئك لهم أ�على الدرجات. ٦٨قلنا له :لا َت َخ ْف ف إ�نك �أنت الغالب و إ� ّنهم
وتلك الدرجات ال ُعلا هي جنا ُت �إقام ٍة وا�ستقرا ٍر تجري هم المغلوبون.
في أ�ر�ضها وتحت غرفها ا ألنهار ،ويبقون فيها �أبداً بلا
نهاية ،وذلك الجزاء هو جزا ُء َمن ط َّهر نف�سه من الكفر ٦٩و�أل ِق ع�صاك ف إ�نها تبتلع ب�سرع ٍة ما �صنعوه في
حبالهم وع�ص ِّيهم؛ ف إ�نهم �صنعوا كيداً مما يفعله ال�ساحر
والمعا�صي وم�ساوئ ا ألخلاق وخبائث الن ّيات.
تمويه ًا وتخييل ًا ،ولا يفلح ال�ساحر حيثماُ وجد.
316
٧٠وحين ظهر لل�سحرة أ� ّن ما جاء به مو�سى لي�س
�سحراً ولا تخييل ًا -كما ي�صنعون -و إ�نما هو معجزة
تد ُّل على �صدقه؛ دعاهم ذلك إ�لى أ�ن يخ ِّروا ويقعوا
على الأر�ض �ساجدين ،قالوا :آ�منا بر ِّب هارون
ومو�سى.
٧١قال فرعون لهم م�ستن ِكراً �أن ي�ؤمنوا :إ� ّن مو�سى
َلعظي ُمكم ،وهو الذي ع ّلمكم ال�سحر فاتفقتم معه على
ا إليمان به أ�مام النا�س ليتبعوكم ،ثم ه ّدد ال�سحر َة فقال:
�أُق�سم لُأق ِّطعن أ�يديكم و أ�رجلكم مختلفا ٍت ،وذلك
بقطع اليد اليمنى مع ما يقابلها من ال ِّرجل الي�سرى� ،أو
العك�س ،ولأُ�ص ِّلب ّنكم على جذوع النخل ،ولتعل ُم ّن
حينئ ٍذ أ��أنا أ��ش ُّد عذاب ًا �أم ر ُّب مو�سى.
٧٢أ�جاب ال�سحر ُة فرعون فقالوا :لن نختارك على
ما �شاهدنا من المعجزات الظاهرة ولا على ر ِّبنا الذي
ذلك بالـم ِّن وهو حل ٌو لذيذ ،وب�إنزال ال�سلوى ،وهو ٧٧ولقد �أوحينا �إلى مو�سى -بعدما دعا فرعو َن
طائر ي�ْشبه ال�ُّسما َنى. وقو َمه �سنين و أ�راهم ا آليات المعجزة -أ�ن ُينقذ بني
�إ�سرائيل ب�أن ي�سير بهم ليل ًا �إلى فل�سطين ،و�أَ َمرناه أ�ن
٨١قال لهم الله تعالى �إظهاراً لف�ضله وح ّث ًا لهم على ي�ضرب بع�صاه البحر في�ش ّق لهم فيه طريق ًا ياب�س ًا وب�ّشناه
ال�شكر :كلوا من لذائذ الحلال الذي رزقناكم ولا
تتجاوزوا فيه الح َّق إ��سراف ًا أ�و بخل ًا؛ فت�ستوجبوا نزو َل ب�أنه لن يلحقه فرعو ُن ولن يخ�شى الغرق.
غ�ضبي عليكم؛ ف إ� َّن َمن ينزل عليه غ�ضبي فقد وقع في
٧٨فت ِبعهم فرعو ُن وجنو ُد ُه فغمرهم البح ُر وغرقوا
َدر ٍك �َسحيق من الهلاك والعذاب. جميع ًا ،ونجا مو�سى عليه ال�سلام و َمن معه.
٨٢و�إ ّن لكثي ُر الغفران لمن آ�من بي بعد الكفر ،و َر َجع ٧٩و�أ�ض َّل فرعو ُن قو َمه فلا ُه ْم �أفلحوا ببلوغ
بعد المع�صية ،و أ�طاعني بالعمل ال�صالح ث ّم ا�ستقام على مرادهم ،ولا نجوا ِمن الغرق ،ولا ِمن عذاب ا آلخرة.
�سبيل الر�شاد. ٨٠قال الله تعالى لبني �إ�سرائيل مذ ِّكراً لهم بما تف َّ�ضل
عليهم ِل ُيلازموا الطاعة :قد أ�نجيناكم من عذاب عدوكم،
٨٣فجاء مو�سى عليه ال�سلام إ�لى المو ِعد َقبل قومه، وواعدناكم الجان َب ا أليم َن من جبل الطور ،حيث كانت
فقال له ربه �سبحانه وتعالى :أ� ُّي �شيء دعاك إ�لى ال َع َجلة مناجا ُة نب ّيكم ونزو ُل التوراة عليه ،وتف َّ�ضلنا عليكم فوق
يا مو�سى؟ 317
٨٤واعتذر مو�سى عليه ال�سلام ب ُقرب ُلوق قومه به
و أ� ّن الداعي إ�لى العجلة :الم�سارع ُة إ�لى إ�ر�ضائه �سبحانه.
٨٥قال الله تعالى :فقد كان بعد غيابك �أ ِن اختب ْرنا
قو َمك ب�أن دعاهم ال�سامر ُّي �إلى عبادة ال ِع ْجل ف أ�جابوه.
٨٦فل ّما أ�ت َّم مو�سى عليه ال�سلام ميقا َت ربه وهو
أ�ربعون ليلة رجع إ�لى قومه غ�ضبا َن مما �صنعوا حزين ًا
على �ضلالهم ،وقال مو ّبخ ًا لهم� :ألم َي ِعدكم ربكم وعداً
ح�سن ًا -وهو إ�نزال التوراة هداي ًة لكم -؟ فهل طال
الوق ُت دون �إنجاز ال َو ْعد �أم تعمدتم ما ُيوجب حلو َل
غ�ض ِب ربكم ف أ�خلفتم ما وعدتموني من الثبات على
ا إليمان وطاعة الله �سبحانه وتعالى؟
٨٧قال قو ُم مو�سى عليه ال�سلام له :ما �أخلفنا مو ِعدك
رغب ًة في ذلك ،ولكن أ��ض َّلنا ال�سامر ُّي إ�ذ كانت معنا
�أثقا ٌل ِمن ُحل ِّي آ�ل فرعون ف�أغوانا ب�إلقائها في النار
ف أ�لقيناها رجا َء التخ ُّل�ص منها ،و�ألقى هو ما معه.
٨٨ف�صنع ال�سامر ُّي مما أ�لقي في ال ّنار ِعجل ًا ي�صدر عنه
�صو ٌت ك�صوت البقر ،فقال ال�سامر ّي :هذا الذي ترون
هو معبو ُدكم ومعبود مو�سى ،الذي َغ َفل عنه وذهب
يطلبه في جبل ال ُّطور.
٨٩يقول الله �سبحانه وتعالى منكراً عليهم عباد َة
العجل� :أفلا يرون أ� ّن العجل لا ير ّد لهم جواب ًا �إذا كلموه،
ولا يملك لهم َ� ّضاً �إ ْن خالفوه ،ولا نفع ًا �إن �أطاعوه؟!
٩٠ولقد قال لهم هارون مح ِّذراً ِم ْن َقب ِل أ�ن يرجع
مو�سى :يا قوم إ� ّن ما ر أ�يتموه ِمن أ�مر العجل و ُخوا ِره
ما هو إ�لا اختبا ٌر لكم ولقد �ضللتم بعبادته ،و�إ ّن ر َّبكم
المعبو َد بح ّق هو الله الذي يرحمكم ،فاتبعوني في الثبات
على الإيمان به و أ�طيعوا �أمري بعبادته.
ليكون إ�قراره م�س ِّوغ ًا لعقوبته و�إحرا ِق عجله :ما �ش�أنك ٩١قالوا لهارون� :س َنظل مقيمين على عبادة ال ِعجل
يا �سامر ّي؟ �أجاب ال�سامر ّي فقال :علم ُت ما لم يعلموا حتى يرجع �إلينا مو�سى فيق ّرنا على ما نحن فيه �أو
إ�ذ ر�أي ُت جبريل على َف َر� ٍس فقب ْ�ض ُت قب�ض ًة من أ�ثره
فطرحتها في الذهب المذاب ف�صار عجل ًا ج�سداً له ينهانا عنه.
خوار ،وهذا ما �س ّولت لي نف�سي فع َل ُه و َز َّيـ َن ْت ُه لي. ٩٣ ٩٢قال مو�سى وقد �أخذ بر�أ�س �أخيه ولحيته
٩٧قال مو�سى لل�سامر ّي :اعت ِز ْلنا ،ب�سبب ما فعل َت، يج ُّره إ�ليه من �شدة الغ�ضب� :أ ُّي �سب ٍب منعك �إذ ر أ�يتهم
َيح ُرم عليك أ�ن تم� ّس �أحداً أ�و يم�ّسك �أح ٌد ،فتعي�ش �ضلوا بعبادة العجل أ�ن تر ّدهم ولو بقتال ،أ�و َت ْل َحق
منبوذاً ،و إ� ّن لك عند الله موع َد عقا ٍب لي�س ُيخلفك بي أ�نت و َم ْن ثبت معك على الإيمان وتترك الـ ُمقام
الله �إ ّياه ،وانظر �إلى العجل الذي اتخذته �إله ًا ولازم َت و�سطهم؟ �أفع�صي َت أ�مري بخلافتي في قومي والقيام
عبادته لنحرقنه حتى يكون رماداً ثم ل َن ْذ ِر َيـ َّنه في البحر
على ما فيه �صلا ُحهم وعد ِم اتباع �سبيل المف�سدين؟
حتى لا يبقى منه �شيء.
٩٤قال هارون -عليه ال�سلام -وهو ي�ستر ِح ُم �أخاه
٩٨إ� ّن هذا العجل وغيره لا ي�ستح ُّق العبادة ،بل إ�لهكم مو�سى :يا اب َن �أمي لا ت�أخذ بلحيتي ولا بر أ��سي فقد
الجدير بالعبادة هو الله الذي �أحاط عل ُمه بكل �شيء. َح َر�ص ُت على �أ ّل �أفعل �شيئ ًا ي ؤ�دي �إلى ال ُفرقة بين بني
إ��سرائيل.
٩٦ ٩٥قالمو�سى-عليهال�سلام-مو ِّبخ ًا لل�سامر ّي
طالب ًا منه بيا َن ما دعاه إ�لى ا ّدعا ِء أ� َّن العج َل هو إ�لههم،
318
الدنيا كلها -إ�لا ع�شرة أ�يام.
١٠٤نحن �أعلم ب�أقوالهم عن ُم ّدة بقائهم �إذ يقول
�أف�ضلهم ر أ�ي ًا وتفكيراً لمن معه :ما مكثتم في قبوركم
� -أو في دنياكم -إ� ّل يوم ًا واحداً.
١٠٥وي�س أ� ُلك قو ُمك -أ�يها الر�سول -عن َم�صير ٩٩كما ق�ص�صنا عليك -يا محمدِ -من َأ�خبار
الجبا ِل يوم القيامة �س ؤ�ال ا�ستهزا ٍء و إ�نكا ٍر ُم�ستبعدين مو�سى وقومه ،كذلك نق�ُّص عليك من �أخبار الما�ضين؛
أ�ن تزول ل�ضخامتها و َ�صلابتها ،فقل لهمَ :يق َلعها ر ِّبي ليكون عبر ًة و َتب ِ�ص ًة لمن ي�سمعه .وقد آ�تيناك ِمن عندنا
كتاب ًا عظيم ًا فيه من ا ألحكام والمواعظ وا ألخبار ما
ويجعلها هبا ًء منثوراً.
ُيوجب التذ ّكر والاعتبار.
١٠٧ ١٠٦فيترك الأر�َض م�ستوي ًة مل�ساء .لا يرى
الناظر فيها وادي ًا معو ّج ًا ولا انخفا�ض ًا ولا ارتفاع ًا. َ ١٠٠م ْن ترك هذا القر�آن فلم ي ؤ�من ولم يعمل به �أ�صابته
عقوبة ثقيلة فا ِدح ٌة يوم القيامة على كفره ومع�صيته.
١٠٨يوم ُتن�سف الجبال وت�صير ا ألر�ُض م�ستوي ًة؛
يتبع النا� ُس الم َل َك الذي يدعوهم إ�لى الم ْح�َش م�سرعين ١٠١خالدين في العذاب ،وبئ�س ذلك ال ِحم ُل الثقي ُل
ال يزيغون عنه ولا ينحرفون ،وخ�شعت ا أل�صوا ُت ِمن الذنوب الذي َ�أ ْو َردهم النار يوم القيامة.
و�سكن ْت ِل َهيبة الرحم ِن فلا ي�سمع أ�ح ٌد �إلا هم�س ًا. ١٠٢يو ُم القيامة هو اليو ُم الذي ينفخ فيه الم َلك في
١٠٩يوم تقع هذه ا ألهوال لا تنفع ال�شفاع ُة ِم ْن َ�أح ٍد ال ُّ�ص ْور ِل َب ْعث الخلق من الموت ،ونجم ُع الكافرين يومئ ٍذ
ألح ٍد إ� ّل �شفاعة َم ْن �أذن له الرحمن ور�ضي له �أن يتكلم.
ُزر َق ا ألج�ساد ِم ْن �ش ّد ِة ما هم فيه من الهول.
َ ١١٠ي ْعلم اللهُما تق ّدم ِم ْن أ�عمال عباده و أ�حوا ِلهم ،وما ١٠٣يتبادلون الكلا َم بينهم �ِ ّساً ب�صو ٍت خفي�ض ل�شدة
ي�ستقبلونه من الثواب والعقاب ،ولا يحيطون به علم ًا. خوفهم ،يقول بع�ضهم لبع�ض :ما َب ِقيتم في القبر � -أو في
١١١وذ َّلت ُوجوه العباد جميع ًا غاي َة ال ُّذل لله الح ِّي
الذي لا يموت ،وهو القائم على ك ّل �شيء ،لا ت�أخذه
غفل ٌة ولا نوم ،وقد خ�سر ولم يفلح َم ْن �أتى في هذا اليوم
ظالم ًا لنف�سه م�شرك ًا بر ّبه.
١١٢وحين َي ِخيب الظالـ ُم يكون الذي َع ِم َل ال�صالحات
آ�من ًا لا يخاف �أن ُيظلم بعقوب ٍة أ�و ب�ضياع �أجر.
١١٣وكما �أنزلنا ما �سبق من ا آليات الب ّينات �أنزلنا
إ�ليك وحينا قر�آن ًا عربي ًا ُم ِبين ًا ،ك َّر ْرنا ون ّوعنا فيه الإنذار
والتهديد؛ لعل ال ّنا�س يتجنبون ال�شر َك وال�ضلال،
ويتعظون بما فيه من ال ِعبر وا ألمثال.
319
١١٤فتق ّد�س اللهُ و َتعا َظم �ش�أ ُنه في ذاته و�صفاته ع ّما
يقوله الكفرة؛ فهو الملك الذي لا يزول ُملكه ولا ير ُّد
أ�مره ،الحقي ُق ب أ�ن ُيرجى َو ْع ُده و ُيخ�شى وعيده .ولا
تعج ْل -أ�يها الر�سول -بقراءة القر�آن قبل �أن يت ّم جبري ُل
قراءته عليك ،وا�ستعن بالله على حفظه ،وقل :ر ِّب زدني
علم ًا.
١١٥ولقد و ّ�صينا آ�دم و�صي ًة م�ؤ َّكدة �أ ّل ي أ�كل من
ال�شجرة ولا يغت َّر ب�إغواء ال�شيطان فغفل عن ذلك،
وانخدع ب إ�غراء ال�شيطان ،ولم نجد له ثبات ًا في
مواجهة� إغرائه.
١٢٢ث ّم ا�صطفاه ر ُّبه ب أ�ن أ� ْل َهمه التوبة فقبلها منه وق ّربه ١١٦واذكر -أ�يها الر�سول -إ�ذ قلنا للملائكة:
�إليه وهداه إ�لى الثبات على الطاعة و أ�ر�شده �إلى كل خير. ا�سجدوا لآدم �سجو َد َتـح َّي ٍة و�إكرا ٍم ،ف�سجد الملائكة إ�لا
١٢٣قال الله تعالى آلدم و َز ْو ِجه :ان ِزلا من الجنة، إ�بلي�س رف�ض وتك َّب.
بع�ُض ذر ّي ِت ُكما عد ٌّو لبع�ض؛ بالتنازع على منافع الدنيا
وتح�صيل رغائب النف�س ،ف�إ ْن جاءكم يا بني �آدم م ِّني ١١٧فقلنا :يا �آدم �إ ّن هذا الذي َ�أ َبى أ�ن ي�سجد لك عد ٌّو
هدى بما ُ�أنزله عليكم من الوحي والر�سالات؛ ف َمن اتبع لك ولزوجك فلا يكن �سبب ًا في �إخراجكما من الجنة،
ذلك الهدى فلا ي�ض ُّل في الدنيا عن الح ّق ،ولا ي�شقى في
فتتع َب في الدنيا بالك ِّد وتح�صيل �أ�سباب المعا�ش.
ا آلخرة بعقوبة أ�و عذاب.
� ١١٩ ١١٨إ ّن لك يا �آدم في الجنة دوا َم العطاء وتما َم
١٢٤و َم ْن �ص ّد عن �آيات كتابي فلم يعم ْل بها ف�إ ّن له في النعمة ،ف�أنت فيها مكفو ُل الطعا ِم واللبا�س وال�شراب
الدنيا معي�ش ًة �شديد َة ال�ضي ِق في نف�سه �أو َمعا�شه ،ون�سوقه وال�سكن ،ال ي�صيبك جو ٌع ولا ُعري ولا ظم�أ ولا ُبرو ٌز
إ�لى الـ َمح�شر يوم القيامة �أعمى ليزداد عذا ُبه. لل�شم�س ي�ؤذيك.
١٢٥قال :ر ِّب ِلـ َم ح�شرتني في القيامة َ�أعمى وقد ١٢٠ف�أ�س ّر إ�ليه ال�شيطان بو�سو�سته و�إغوائه ب أ� ْن قال
كن ُت في الدنيا ب�صيراً؟ له :هل �أد ُّلك على �شجر ٍة إ�ذا �أكلت منها ع�ش َت خالداً
بلا مو ٍت و ِنل َت ُملك ًا لا يزول ولا يفنى؟
١٢١ف�أكل �آد ُم وحوا ُء من ال�شجرة التي نهاهما الله عنها
فبد ْت لهما عوراتهما وكانا لا يريانها ،و�َ َشعا ي�سترانها
بورق الجن ِة بو ْ�ضع بع ِ�ض ِه على بع�ض ،وع�صى �آد ُم ر َّبه
لن�سيانه عهده �إليه ،فوقع في نقي�ض َق ْ�صده �إذ ُح ِر َم مما
كان فيه من النعمة.
320
الأم َم الكافرة ِم ْن قبلهم. ١٢٦أ�جا َبه اللهُ تعالى بقوله :كذلك فعل َت �أن َت؛ �أتتك
�آياتنا الداعي ُة �إلى ا إليمان والطاعة فكفر َت وع�صي َت
١٣٠فا�صب ْر -أ�يها الر�سول -على ما يقول كفار و�أهملتها إ�همال َم ْن لا يتذكر ،وكما أَ�همل َتها ُته َمل اليوم.
قومك ِم ْن كف ٍر و�إيذاء ،ف إ� ّن خبي ٌر ب أ�حوالهم ،و�س ِّبح
حامداً لربك ،في �صلاة الفجر قبل طلوع ال�شم�س، ١٢٧وهكذا نجزي في الدنيا ك َّل من تع َّدى حدود الله
وفي �صلاة الع�صر قبل غروبها ،وفي �ساعات الليل في وكفر ب�آيات ربه و�أعر�ض عنها ،و َلعذا ُب ا آلخرة الـ ُمع ُّد
�صلاتي المغرب والع�شاء ،وفي �صلاة الظهر وهي ال�صلاة
الجامع ُة ل َط َر َف النهار ،لعلك �أن تنال من الثواب عند الله لهم �أ�ش ّد و�أكثر بقا ًء؛ ألنه لا ينقطع.
ما تر�ضى به نف�سك. � ١٢٨أفلم يتب ّي لكفار قري�ش عاقب ُة القرون الأولى كعاد
وثمود ،ك ّذبوا �أنبياءهم ف أ�هلكهم الله بذنوبهم .و إ�نهم
١٣٢ ١٣١ولا ُت ِطل النظ َر ب�إعجا ٍب إ�لى ما م ّتعنا به بع�ض َل َيم ّرون على �آثارهم �إذا �سافروا وخرجوا للتجارة� .أفلا
ه ؤ�لاء الم�شركين ،ف إ�نه متا ٌع زائ ٌل كال َّزهرة �سرعان ما تذبل، يخافون أ�ن َيح ّل بهم مث ُل ما ح ّل بالكفار قبلهم؟! إ� ّن في
وهو اختبار لهم� ،أي�شكرون وي�ؤمنون فينالوا خير الآخرة ذلك ا إلهلاك وتلك ا آلثار الدالة عليه آليا ٍت وا�ضحا ٍت
�أ ْم يجحدون ويكفرون فينالهم عذابها؟! وما ا ّدخره الله
لك في الآخرة خي ٌر و�أبقى مما متعنا به ه ؤ�لاء في الدنيا. أل�صحاب العقول الناهي ِة عن الف�ساد.
ومع الإعرا�ض ع ّما ُم ِّتع به الم�شركون ُم ْر � -أيها النبي-
أ�ه َلك و َمن يتبعك بالمحافظة على ال�صلاة واجته ْد في ١٢٩ولولا أ� ّن ر َّبك �سبق منه الحك ُم والتقدي ُر بت�أخير
المداومة على ذلك ،ولا تن�شغل ب أ�مر الرزق؛ ف�إ ّنا تك ّفلنا العذاب عنهم إ�لى �أجل م�س َّمى وهو يوم القيامة؛ لأنزل
بهم عذاب ًا لا �سبي َل إ�لى دفعه ،ي�ست�أ�ص ُلهم كما ا�ست�أ�صل
لك ولأهلك به ،والم�صي ُر المحمو ُد لأهل التقوى.
١٣٣وقالت قري�ش تع ُّنت ًا وتغا ُفل ًا :ه ّل ي أ�تينا محم ٌد
بمعجزة من ربه تكون برهان ًا على نبوته؟ ف أ�جابهم الله
تعالى بقوله� :أ َو َل ت�أتهم في القر�آن �أنباء البينات التي
في ال�صحف الأولى كالتوراة وا إلنجيل ،مع أ� ّن محمداً
- -أُ�م ٌّي لم ي ّطلع على �شيء منها ولم ُي َل ِّقنه أ�ح ٌد من
الذين لهم عل ٌم بها؟!
١٣٤ولو أ�نزلنا عليهم عذاب ًا ُي ِبي ُدهم قبل مجيء ر�سولنا
محمد بالقر آ�ن لاحت ّجوا فقالوا :ربنا ه ّل أ�ر�سلت إ�لينا
ر�سول ًا بكتا ٍب فن ؤ�من به ِم ْن قبل أ�ن ينزل بنا العذاب في
الدنيا وي�صيبنا الخز ُي في ا آلخرة ،ولقد جاءهم ر�سولنا
فانقطع ْت حج ُتهم.
١٣٥قل لهم � -أيها الر�سول :-ك ُّل واح ٍد م ّنا ومنكم
منتظ ٌر ما ي�صير �إليه �أم ُرنا و�أمركم ،و ِلـ َم ْن تكون العاقبة؛
فانتظروا ف�سوف تعلمون َم ْن �أ�صحاب الطريق الم�ستقيم
و َم ِن اهتدى �إلى الحق!
321
١د َنا وق ُت محا�سب ِة الل ِه للنا�س على أ�عمالهم التي
عملوها في دنياهم ،والنا� ُس في غفل ٍة عن هذه المحا�سبة،
فلا يعملون لها ،ولا ي�ستعدون من �أجلها.
٧و إ� ّنا لم ُنر�سل الملائكة �إلى الأَولي َن ،و�إنما �أر�سلنا ٢ما ُي ْح ِدث اللهُ ِمن تنزيل �شي ٍء من هذا القر�آن
رجال ًا مثل َك يا محمد يو َحى إ�ليهم ،و ْلي�س�أ ْل ه�ؤلاء للنا�سُ ،يذ ِّكرهم به ويعظهم� ،إ ّل ا�ستمعوا لتلاوته
المعتر�ضون على �إر�سالك �أه َل العلم بالتوراة وا إلنجيل إ� ْن
كانوا لا يعلمون �أ ّن ر�س َل الله الذين أ�ر�سلهم �إلى النا�س لم بالا�ستهزاء وال�ُّسخرية.
يكونوا �إ ّل ب�شراً ِمن جن�سهم. ٣وا�ست َمع ه�ؤلاء القوم القر آ� َن بقلو ٍب غافل ٍة ،لا
يتد ّبرون ِح َكمه ،ولا يتف ّكرون فيما فيه من الـ ُحجج،
٩ ٨ولم نجع ِل الر�س َل من قبلك -يا محمد- و�أ�س َّر ه�ؤلاء المعر�ضون عن ذكر الله ،الظالمون ألنف�سهم،
كالملائكة لا ي أ�كلون ،بل جعلناهم ب�شراً ي أ�كلون الطعا َم الحدي َث بينهم فقالوا م�ستبعدين َك ْون محم ٍد - -
ويعي�شون حيا َة الب�ش ِر ،وما كا ُنوا خا ِل ِدي َن في الدنيا ،بل ر�سول ًا :هل هذا الذي يزعم أ�نه ر�سو ٌل من الله إ�لينا
يموتون كغيرهم .ثم َ�ص َدقنا ر�س َلنا الوع َد الذي وعدناهم
به ،ف أ�نجيناهم وعبا َدنا الذين �آمنوا بهم ،و أ�هل ْكنا �أعداءهم إ� ّل ب�شرٌ مث ُلنا؟ وقال بع�ضهم لبع�ض :أ� َت ْقبلون ال�ِّسحر
وت�ص ِّدقون به ،و أ�نتم تعلمون أ�ن القر�آن �سح ٌر؟
الذين تجاوزوا الح ّد في الكفر والمع�صية.
٤قال لهم ر�سول الله - -بعد �أن َ�أطلعه اللهُ
١٠لقد �أنزلنا �إليكم يا َمع�شر قري�ش كتاب ًا عظي َم على ما أ��س ّروا من الحديث :ربي يعل ُم قو َل ك ِّل قائ ٍل في
ال�ش�أن ،فيه �َ َش ٌف لمن ا ّت َب َعه وعم َل بما فيه� ،أفلا تعقلون؟! ال�سماء والأر�ض ،لا يخفى عليه �شيء ،وهو ال�سميع
ألقوالكم ،العليم ب�صدق ما أ�دعوكم إ�ليه وحقيق ِته.
٥و ِم ْن أ�باطيل قو ِل الم�شركين في القر�آن �أي�ض ًا :هو
َأ�خلا ٌط من الأحلام ر آ�ها محمد في نومه .وقال بع�ضهم:
هو ِف ْري ٌة واخ ِتلا ٌق ،ا ْفتراه وا ْختلقه من ِق َب ِل نف�سه ،وقال
بع�ضهم :بل محم ٌد �شاعر ،وهذا الذي جاءكم به ِ�شعر،
ف ْلي أ�ت محمد ب ُح ّجة دا ّل ٍة على �صدق دعواه كما �أتى
ال ُّر�س ُل ِم ْن قبله.
٦إ� ّن ا ألم َم التي أُ�هلكت بتكذيب المعجزات التي
طلبوها لم ي�ؤمنوا بها لـ َّما �أتتهم ،أ�في ؤ�من كفا ُر مكة �إذا
جاءتهم وهمِ مثلهم؟!
322
أ�ح ّق ،و أ�نه يجازي المح�س َن ب�إح�سانه والم�سيء ب�إ�ساءته. 11وكثيراً من أ�هل القرى أ�هلكناهم هلاك ًا �شديداً
لطغيانهم وك ْفرهم ،وخلقنا بعدهم �أمم ًا غيرهم.
17لو �أردنا أ�ن نتخ َذ ما ُيلهى به ِمن زوج ٍة أ�و ول ٍد
لا ّتخذنا ذلك ولم َي�صل �إلى ِعلمكم لعجزكم عن 12فل َّما ح َّل بهم عذابنا ووجدوا َم�َّس ُه� ،إذا هم
إ�دراكه ،ولك ّنا لا نفعل ذلك؛ لأنه لا يليق ولا ي�ص ُّح �أن يهربون من قراهم �ِساع ًا منهزمين.
يكون لله ولد ولا زوجة. 13ف ُنودوا ا�ستهزا ًء بهم :لا ترك�ضوا ولا تهربوا
وار ِجعوا إ�لى م�ساكنكم و أ�موا ِلكم؛ لعلكم ُت�س�ألون عن
18إ�نا ُنبطل ا ّدعا َء الم�شركين باتخاذنا الزوج َة والولد �شي ٍء مما �أ�صابكم ،فتخبروا َم ْن �س�ألوكم عن ُمعاين ٍة وعلم.
بما نب ّي من الح ِّق الذي ُيذهب الباط َل ويمحقه بالك ِّلية.
ولكم الويل والهلاك؛ لأنكم ت�صفون الذي خلقكم بما 15 14قالوا حين ر�َأوا العذاب :يا وي َلنا إ� ّنا كنا
ظالمين بكفرنا بر ّبنا وتكذيبنا ر�س َله .فما زال ْت تلك
لا يليق بعظيم �ش أ�نه وكما ِل �صفاته. الكلمات قو َلهم ير ِّددونها ،حتى جعلناهم كزر ٍع
19ولله مل ُك جميع َم ْن في ال�سماوات وا ألر�ض، مح�صو ٍد ،خامدين م ّيتين لا ِحراك لهم.
وك ُّل ملائكته لا يتك ّبون عن عبادته ،ولا يم ّلون.
16وما خلقنا ال�سماء والأر�ض وما بينهما عبث ًا وباطل ًا
20ي�س ِّبحون ر ّبهم بالليل والنهار وينزهونه ع ّما و إ�نما للاعتبار والتنبي ِه على �أن الذي َخ َل َق هو بالعباد ِة
لا يليق به ،لا ي�س أ�مون من ت�سبيحهم �إيّاه ،ولا َي ْ�ضعفون.
323
21فه ْل هذه ا آللهة التي اتخذها الم�شركون مما في
ا ألر�ض ِمن الخ�ش ِب والحجر و�أنوا ِع المعادنُ ،تيي
ا ألموات ،وتبعثهم خلق ًا جديداً؟
22لو كان في ال�سماء والأر�ض� ،آ ِل َه ٌة غي ُر الله،
لف�سدتا وهلك َمن فيهما؛ لما يقت�ضيه تع ُّدد ا آللهة حتم ًا
من التنازع والتغا ُل ِب بينها ،فتعالى الله ع ّما ي�صفه به
الم�شركون من ال�شريك والولد.
23لا �سائ َل ي�س أ� ُل ر َّب العر�ش ع ّما يفعله ب َخلقه؛
وهو الذي ي�س أ�لهم عن ذلك.
� 24أي�ص ُّح �أن يتخذوا آ�له ًة من دون الله؟! قل لهم
� -أيها الر�سول :-هاتوا ُح َّج َتكم على ذلك ،وهذا
القر�آن وما أ�ُنزل ِمن َقبله بيا ُن الحق ،فهل تجدون فيه
أ� ّن مع الله إ�له ًا �آخر؟ ك ّل ،ولك ّن �أكثرهم لا يعلمون
ال�صواب ،فهم عنه معر�ضون.
25وما أ�َر�سلنا ِمن قبلك -أ�يها الر�سولِ -من
ر�سول� ،إلى أُ�مة من الأمم� ،إلا نوحي إ�ليه �أنه لا معبو َد
ت�ص ُلح له العبادة �إلا الله ،ف�أخ ِل�صوا ليَ العبادة ،و�أف ِردوا
لي ا أللوهية.
26وقال فريق من الم�شركين :اتخ َذ الرحمن ولداً من
ملائكته ،فقال الله ا�ستعظام ًا لما قالوا وتنزيه ًا لنف�سه عن
ذلك :ما الملائك ُة إ�لا عبا ٌد أ�كرمهم الله وا�صطفاهم.
27الملائكة لا يتكلمون إ�لا بما ي�أمرهم به ر ُّبهم ،ولا
يعملون عمل ًا �إلا ب�أمره.
عن التفكر فيها ،وتد ُّبر ما فيها من الـ ُحجج الدا ّلة على 28والملائكة يراقبون ر َّبهم في جميع �أحوالهم،
وحدانية خالقها. فلا يعملون عمل ًا �إلا ب�إذنه ،ولا ي�شفعون يوم القيامة
إ�لا لمن ارت�ضى الله �أن ُي�شفع له ،وهم ل�ش ّد ِة خوفهم منه
33والله الذي خلق لكم -أ�يها النا�س -الليل والنهار؛ وتعظي ِمهم له َح ِذرون �أن ينالهم منه غ�ض ٌب �أو عقاب.
نعم ًة منه عليكم؛ و ُح ّج ًة على عظيم تدبيره ،وخلق
29و َمن يز ُعم ِمن الملائكة أ� ّنه إ�ل ٌه من دون الله -على
ال�شم�س والقمر ،ك ٌّل منهما يدور ويجري في َفلكه. �سبيل ال َف ْر�ض والتقديرْ َ -ن ِزه جهن َم؛ و ِم ْثل هذا الجزاء
34و�إن كانوا � -أيها الر�سول -يتم ّنون مو َتك أ�و ال�شديد َنزي الكافرين.
ينتظرون حلو َل النوائب بك ،فما جعلنا لب�ش ٍر قبلك
� 30أ َو َل يعلم ه ؤ�لاء الكفار �أن ال�سماوات وا ألر�ض
دوا َم البقاء في الدنيا� ،أف إ�ن ِم َّت أ�َ َف ُهم الخالدون فيها؟ كانتا ُكتل ًة واحدة ،ف َف َ�صل الله بينهما ،و�أنه جعل الماء
�أ�صل ًا لا تقوم حيا ٌة على الأر�ض إ�لا به؟ أ�فلا ي ؤ�منون ب�أن
35ك ُّل نف�س م�صيرها �إلى الموت لا َمحال َة ،ونختبركم الله هو الإل ُه الح ُّق ،و ُي ْفردونه بالعبادة بعد ما ر�أوا دلائ َل
بالم�صائب والنعم وبال�ش ّدة والرخاء؛ لننظر َم ْن ي�شكر
و َم ْن يكفر ،و َم ْن ي�صبر و َم ْن َيقنط ،و�إلينا ترجعون، وحدانيته وقدرته؟
فنجازيكم ب أ�عمالكم ،إ� ْن خيراً فخير ،و إ� ْن �شراً ف�ش ّر. 31وجعل الله تعالى في ا ألر�ض جبال ًا ثابتة؛ لئلا
ت�ضطرب ،وجعل فيها ُط ُرق ًا وا�سع ًة وم�سالك؛ ليهتدوا
324
بها في �سيرهم و أ��سفارهم.
32وجعلنا ال�سماء �سقف ًا ل ألر�ض محفوظ ًا من الزوال
والف�ساد وحدوث الخلل ،وه ؤ�لاء الم�شركون ُيع ِر�ضون
ي�ستطيعون َدفعها عن وجوههم ،وال عن ظهورهم، 36و�إذا ر آ�ك -أ�يها الر�سول -الذين كفروا بالله ،قال
ولا نا�ص َر لهم ي�ستنقذهم من عذاب الله! لو يعلمون
ذلك ل�سارعوا إ�لى التوبة والإيمان و َلـ َما ا�ستعجلوا بع�ضهم لبع�ض م�ستهزئين :أ�هذا الذي َيعيب آ�لهتكم
ويذكرها ب�سوء؟! يتعجبون من أ�مرك -أ�يها الر�سول-
العذاب ألنف�سهم. والحا ُل أ�نهم بما هم عليه من الكفر �أح ُّق ب أ�ن ُيهز أ� بهم
40لا ت�أتيهم القيام ُة الموعو ُد بها وبعذابهم فيها إ�لا و ُيتع ّج َب منهم.
فج أ� ًة من غير �شعو ٍر بمجيئها؛ فتح ِّيهم وتده�شهم؛
ُ 37خ ِلق الإن�سا ُن مجبول ًا على ال َع َجلة؛ ولذلك
وال ي�ستطيعون �صرفها ولا دفعها ،ولا هم ُي َهلون. ي�ستعجل ر َّبه بالعذاب� ،ست أ�تيكم ِنقم ُتنا وما يدل على
41ولقد ا�س ُتهزئ بر�س ٍل ِم ْن قبلك -أ�يها الر�سول- اقتدارنا فلا ت�ستعجلوا.
كما ا�س ُتهزئ بك ُ -ي�س ِّلي الله تعالى بذلك نب َّيه
ويخ ِّفف عنه -ف َن َزل بالم�ستهزئين البلا ُء والعذاب ،الذي 38ويقول ه�ؤلاء الم�ستع ِجلون ر َّبهم بالعذاب،
كانت تخوفهم به ر�س ُلهم ،و�س َيحي ُق بالم�ستهزئين بك لمحمد :- -متى يجي ُئنا هذا الذي تع ُدنا من
جزا ُء ما ا�ستهز ؤ�وا. العذاب ،إ�ن كنت �صادق ًا في وعدك به؟
42قل له ؤ�لاء الم�ستعجلين بالعذابَ :م ْن يحفظكم 39لو يعلم ه ؤ�لاء الكفار الم�ستعجلون عذا َب ر ِّبهم
من ب�أ�س الرحم ِن �إ ْن أ�راد إ�حلا َل العذا ِب بكم؟ وهم عن ماذا أ�ُع ّد لهم من البلاء ،حين تلفح وجو َههم النا ُر؛ فلا
القر�آن ومواعظه معر�ضون ،لا يتفكرون ولا يعتبرون. 325
43أ� ِله�ؤلاء الذين ي�ستعجلون ر َّبهم بالعذاب �آله ٌة
تمنعهم م ّنا �إ ْن نحن أ�نزلنا بهم عذابنا؟ �إ َّن �آلهتهم لا
ي�ستطيعون �أن ين�صروا �أنف َ�سهم ،فكيف ي�ستطيعون أ�ن
يمنعوهم؟ وهم منا لا ُيجارون ولا ُينعون.
44بل م ّتعنا الكفار بهذه الحياة الدنيا ،و آ�باءهم من
قبلهم ،حتى امت َّدت �أعمارهم فاغتروا بحياتهم الدنيا
واطم�أنوا بها� ،أفلا يرى كفار مكة �أنا ننق�ص ِم ْن جوانب
ا ألر�ض التي َيعمرها الكفا ُر الذين هم أ��ش ُّد منهم قوة
فتنح�سر بلادهم و َي�ض ُعف �سلطانهم؟ �أفيظنون بعد هذا
أ�نهم الغالبون؟
45قل � -أيها الر�سول -لقومك� :إنما ُأ�خ ِّوفكم
و�أح ّذركم بالقر�آن وذلك �ش أ�ني وما أ�مرني الله به ،ولا
ُي�صغي الكاف ُر �إلى القر�آن وما فيه من مواعظ ،ولكنه
ُيعر�ض عنه كا أل�صم.
46ولئن �أ�صابهم قلي ٌل من عذاب ربك -يا محمد-
بتكذيبهم بك وكفرهم؛ ليقو ُل َّن متح�سرين :يا هلا َكنا،
لقد كنا ظالمين في عبادتنا ا آللهة ،وت ْر ِكنا عباد َة الله
خالقنا.
47ون�ضع الموازين العادل َة لح�ساب الخلق يوم القيامة؛
فلا ُيعا َقب �إن�سا ٌن بذنب لم يفعله ،ولا ُيب َخ�س ثوا َب عم ٍل
عم َله ،و إ�ن كان هذا العمل وز َن ح ّب ٍة من َخردل جئنا به،
وكفى �أن نكون نحن المحا ِ�سبين لهم على أ�عمالهم.
53أ�جا َب قو ُم �إبراهيم فقالوا :وجدنا آ�باءنا لهذه 49 48ولقد �آتينا مو�سى وهارون التوراة فرقان ًا
ا ألوثان عابدين ،فنحن على ِم ّل ِة �آبائنا نعبد ما يعبدون. بين الح ّق والباطل؛ ونوراً ُي�ست�ضاء به من ظلمات الكفر
والجهل ،وتذكيراًللمتقين الذين يخافون ر َّبهم ويع ِّظمون
54قال إ�براهيم :لقد كنتم �أنتم و آ�با ؤ�كم في عبادتكم �أمره ِمن غي ِر �أن يروه .وهم من ال�ساعة خائفون لأنهم
لهذه ا ألوثان في �ضلا ٍل مبين.
َي�ست�صغرون ح�سناتهم و َي�ستكثرون �سيئاتهم.
55ث ّم قالوا� :أجئتنا يا إ�براهيم بالحق فيما تقوله لنا؟ أَ� ْم
�أنت م�ستهزئ ،لا ِع ٌب بعقولنا؟ 50وهذا القر�آن ِذك ٌر لمن تذ َّكر به ،وعظة لمن ا َّتعظ
به ،مبار ٌك كثير الخير� ،أف�أنتم -أ�يها النا�س -لهذا الحق
56قال إ�براهيم :بل أ�نا جا ٌّد فيما أ�قول ،إ� ّن ربكم هو
ر ّب ال�سماوات وا ألر�ض الذي خلقهن ،و�أنا على ما جاحدون؟!
ذكر ُت لكم من التوحيد من ال�شاهدين. 51ولقد آ�تى الله �إبراهيم -عليه ال�سلامُ -هداه
وا�صطفاه لر�سالته قبل مو�سى وهارون وهو �سبحانه
57وتالله ألجتهد ّن في تحطيم أ��صنامكم بعد �َأ ْن
تن�صرفوا بعيداً عنها. العليم ب�أنه �َأ ْه ٌلِ لـ َما� آتاه.
52واذك ْر لقومك � -أيها الر�سول -إ�ذ قال إ�براهيم
ألبيه �آزر وقومه :ما هذه ا أل�صنام التي أ�نتم مقيمون على
عبادتها؟!
326
63ف أ�جابهم مقيم ًا لل ُح ّجة عليهم :بل الذي فعله
هذا ال�صن ُم الكبير؛ فا�س أ�لوا ا آللهة َم ْن َفعل بها ذلك �إ ْن
كانت تنطق؟
65 64فرجعوا �إلى عقولهم فقالوا� :إنكم �أنتم
الظالمون بعبادة مالا ينطق ولا ي�ستطيع أ�ن يدفع عن نف�سه
�ض ّراً .ثم عادوا من جديد �إلى جهلهم وعنادهم وبا ِطلهم
فقالوا لإبراهيم :لقد علم َت ما ه ؤ�لاء ا أل�صنام ينطقون.
66قال إ�براهيم لقومه -وقد انقطعت ُح ّج ُتهم:-
�أفتعبدون ما لا ينفعكم �شيئ ًا ولا ي�ضركم؟!
ُ 67ق ْبح ًا لكم وللآلهة التي تعبدونها من دون الله، 58قام إ�براهيم عليه ال�سلام بتك�سير ا أل�صنام ،فجعلها
�أفلا تعقلون ف�سا َد ما تفعلون؟ ِقطع ًا إ�لا �صنم ًا عظيم ًا لم يك�سره؛ ليعتبروا ويعلموا �أن
هذه ا أل�صنام �إذا لم ت�ستطع أ�ن تدفع عن نف�سها ال�ش َّر،
68قال بع�ُض قوم إ�براهيم لبع�ض ،بعد �أن ر�َأوا إ�براهيم
قد أ�قام الـ ُح ّج َة عليهم بـ َم ْن ِطقه الحكيم :أ�َح ِرقوا إ�براهي َم فهي عن دفعه عن غيرها أ� ْب َع ُد.
بالنار ن�صراً آللهتكم إ�ن كنتم نا�صريها. 59لـ ّما ر�أى قو ُم �إبراهيم آ�لهتهم قد ُح ِّطمت ،قالوا
متو ِّعدينَ :م ْن فعل هذا ب آ�لهتنا؟ إ� ّن الذي فعل هذا بها
69ف�أ ْو َقدوا له ناراً ل ُيح ِّرقوه ،ثم �أل َقوه فيها؛ فقال الله
للنار :كوني برداً و�سلام ًا على إ�براهيم. لمن الظالمين.
70و�أرادوا ب�إبراهيم مكراً وهلاك ًا؛ فجعلناهم في 60قال بع�ض الذين �سمعوه يذكر ا آللهة� :سمعنا فت ًى
الدنيا مغلوبين في مجادل ِتهم وتدبيرهم وفي ا آلخرة َي ِعيبها ،يقال له إ�براهيم ،وهو الذي نظ ُّنه �صنع هذا.
من الخا�سرين. 61قالوا فيما بينهم :ف�أتوا به على َمر�أى من النا�س
ي�شهدون عقا َبه وما ُي�صنع به.
71ونـ َّجينا إ�براهي َم وابن �أخيه لوط ًا من �أعدائهما؛
فهاجرا من أ�ر�ض العراق إ�لى أ�ر�ض ال�شام التي باركنا 62فل ّما أ�توا به قالوا له� :أ�أنت فعل َت هذا ب آ�لهتنا
يا إ�براهيم؟
فيها للعالمين.
72ووهبنا إلبراهيم �إ�سحا َق ِمن زوجته �سارة،
ووهبنا له من إ��سحاق حفي َده يعقو َب ف�ضل ًا وزيادة،
وجعلنا الج َّد والابن والحفي َد جميع ًا متقين �صالحين
عاملين بطاعتنا.
327
73وجعلنا �إبراهي َم و إ��سحاق ويعقوب �أئم ًة ُي ؤ�ت ُّم
بهم في الخير ،يهدون النا�س ب أ�مر الله ،وي ْدعونهم
�إلى عبادته ،و أ�وحينا إ�ليهم :أ� ِن افعلوا الخيرات،
و أ�قيموا ال�صلاة ،و آ�توا الزكاة ،وكانوا لله خا�شعين ،لا
ي�ستكبرون عن طاعته.
74و�آتينا لوط ًا النب ّوة والحكمة ،و�آتيناه علم ًا نافع ًا
عظيم ًا ،ونجَّيناه ِمن عذابنا الذي �أ ْحل ْلناه ب�أهل قريته التي
كانت تعمل الخبائث� ،إنهم كانوا قوم ًا مخالفين أ�مر الله،
خارجين عن طاعته.
ليقوموا ب إ��صلاحه حتى يعود كما كان ثم يترا ّدان .ولا 75و أ� ْد َخلنا لوط ًا في رحمتنا في الدنيا وا آلخرة؛ لأنه
َيخفى ما في الـ ُحكمين من العدل ،وما في حكم �سليمان من الذين يعملون بطاعتنا ،ولا يع�صوننا في �أَ ْمر.
عليه ال�سلام زياد ًة على العدل من العمارة وا إل�صلاح-
و�س َّخرنا مع داود الجبال والطير ،ي�س ِّبحن معه إ�ذا �س َّبح. 76واذك ْر � -أيها الر�سول -خب َر نو ٍح ِمن َقب ِل �إبراهي َم
ولو ٍط حين دعانا يائ�س ًا من قومه المك ِّذبين ،فا�ستجبنا له
وقد ق�ضينا ذلك في ُأ� ِّم الكتاب تكريم ًا له. دعاءه ،ونـ َّجيناه و َمن معه من الم�ؤمنين من عذا ِب الغر ِق
80وع َّلمنا داود َ�صنع َة الدروع ،التي ُتلب�س في والطوفا ِن الذي ح َّل بقومه.
الحرب؛ لتحف َظكم من القتل �إذا لقيتم أ�عداءكم ،فهل
�أنتم -أ�يها النا�س� -شاكرون الله على نعمته هذه التي 77وم َن ْعنا نوح ًا من قومه الذين كذبوا ب�آياتنا �أن
َي�صلوا �إليه ب�سوء� ،إنهم قو ٌم �أ�شرا ٌر �أ�ص ّروا على مع�صيتنا
تف ّ�ضل بها عليكم؟
ومخالفة �أمرنا فا�ستوجبوا الإغراق والهلاك.
81و�س َّخرنا ل�سليمان ريح ًا �شديد َة ال ُهبوب ،تجري
ب�سليمان و أ��صحابه؛ حيث ي�شاء ،ث ّم تعود بهم إ�لى 78واذك ْر -يا محمد -خب َر داو َد و�سليمان ،و ْق َت
منازلهم بال�شام المباركة ،ونحن عا ِلـمون بك ّل �شيء ،لا ُحك ِمهما في ق�ضية الزرع ،حين دخل ْت وانت�شر ْت فيه
غن ُم القوم ليل ًا بلا را ٍع ،فر َع ْته و أ�ف�سدته ،وك َّنا لحكم
َيخفى علينا منه �شيء.
داود و�سليمان �شاهدين ،لا يخفى علينا منه �شيء.
79وع َّلمنا وف ّهمنا �سليما َن الـ ُحك َم في ق�ضية الزرع،
وك ّ ًل من داود و�سليمان آ�تيناه النبو َة ،و ِع ْلم ًا بالق�ضاء
و أ��صول الحكم -حيث إ� ّن داود َحكم ب َد ْفع الغنم
أل�صحاب الـ َح ْرث .و أ� ّما �سليمان ف�أمر ب َد ْفع الغنم إ�ليهم
لينتفعوا بها ،و أَ� َمر بدفع الـ َح ْرث إ�لى أ��صحاب الغنم
328
أ�ن الله قد يبتلي أ�ح َّب عباده ،لي�س لهوانه عليه ولكن 82و�س َّخرنا �أي�ض ًا ل�سليمان ِمن ال�شياطين َم ْن
اختباراً منه له ليرفعه ب�صبره �إلى منزل ِة الكرام ِة عنده. يغو�صون له في البحار ،وي�ستخرجون له ِمن الجواهر
واللآلئ ،ويعملون غير ذلك ِمن بناء المدن والق�صور،
85واذك ْر -أ�يها الر�سول -أ�نبياءنا� :إ�سماعيل، وك ّل ما يريده منهم ،وك ّنا لهم حافظين حتى لا يخرجوا
و�إدري�س ،وذا ال ِك ْفل؛ لأنهم ك َّلهم ِمن أ�هل ال�صبر على
عن �أمره ،ولا يف�سدوا ما عملوا.
ما نا َبهم في الله.
86و َأ� ْدخلنا جمي َع ه�ؤلاء الم�صط َفين الأخيار في 83واذك ْر -أ�يها الر�سول -خب َر أ�يو َب -عليه
ال�سلام -الذي ابتليناه في ماله وولده ون ْف�سه و َو َجدناه
رحمتنا� ،إنهم ممن �ص َلح ،ف�أطاع الله ،و َع ِمل بما أ�مره. �صابراً را�ضي ًا ودعانا خا�شع ًا :يا رب �إني م�َّسني ال�ض ُّر،
و�أنت أ�رحم الراحمين .وهذا تعري� ٌض منه عليه ال�سلام
87واذك ْر � -أيها الر�سول -خب َر �صاح ِب الحو ِت
يون� َس بن م َّتى -عليه ال�سلام -حين غ�ضب على قومه؛ ب َط َل ِب الرحمة ،وهو ِم ْن كمال �أدبه مع الله.
فغادرهم دون ا�ستئذا ٍن من الله؛ وظ َّن �أننا لا ن ؤ�اخذه
بخروجه ،ولن ُن�ض ّيق عليه ف َح َكمنا عليه با إللقاء في 84فا�ستجبنا لأيو َب دعا َءه ،فرفعنا عنه ما كان قد نزل
البحر ،وب أ�ن يلتقمه الحو ُت ،فنادى يون� ُس وهو في به من بلا ٍء في َب َدنه وماله ،ورددنا عليه ما فقده ِمن �أه ٍل
ظلمة الليل ،وظلمة البحر ،وظلمة بطن الحوت ر ّبه وول ٍد ،وزدناه مث َل عد ِد �أولادهَ ،ف َع ْلنا ذلك رحم ًة م ّنا
مق ّراً بوحدانيته ،ومن ّزه ًا له عن ك ِّل ما لا يليق بجلاله، أليوب ،و َت ْذ ِكر ًة للعابدين؛ لي�صبروا كما �صبر؛ وليعلموا
معترف ًا بذنبه ،تائب ًا مما كان منه ِمن الظلم لنف�سه. 329
88فا�ستجبنا ليون�س دعاءه ،ونـ َّجيناه من غ ِّم الحب�ِس
في بطن الحوت ،وكما �أنجينا يون� َس من الكرب ،كذلك
ُننجي الم ؤ�منين �إذا ا�ستغاثوا بنا ودعونا.
89واذك ْر -أ�يها الر�سول -خب َر زكريا -عليه
ال�سلام -حين دعا ر ّبه ،قال :ر ِّب لا تتركني وحيداً بلا
َول ٍد يرثني ويكون نب ّي ًا من بعدي؛ وح�سبي أ�ن َت و�إ ْن لم
ترزقني وارث ًا ف إ�نك خير الوارثين .وهذا ثنا ٌء على الله ب أ�نه
الباقي بعد فناء الخلق و أ�نه الوارث لهم.
90فا�ستجبنا لزكريا دعا َءه ،ووهبنا له يحيى َولداً
ووارث ًا ،وجعلنا زوجت َه َت ِلد بعد أ�ن كانت عقيم ًا؛ إ�نهم
كانوا أ�هل بي ٍت ي�سارعون في طاعتنا ،ويعبدوننا رغب ًة
منهم فيما يرجونه ِمن َر ْحمتنا وف�ض ِلنا ،ورهب ًة من
عذابنا ،وكانوا لنا متوا�ضعين مت َذلِّلين ،ال ي�ستكبرون
عن عبادتنا ودعائنا.
91واذك ْر � -أيها الر�سول -خب َر مريم بنت ِعمران
التي حفظ ْت َفرجها عن الحلال والحرام ،و َ�أ َم ْرنا جبريل
فنفخ فيها فكان منها عي�سى -عليه ال�سلامِ -من غي ِر �أن
َي�سها ب�شرٌ ،وجعلنا مريم وعي�سى علام ًة وبرهان ًا على
كمال قدرتنا.
� 92إ َّن الرابط َة التي تجمعكم به ؤ�لاء ا ألنبياء و أ�تباعهم
هي الإ�سلام لله ،ف�أنتم جميع ًا أ�م ٌة واحدة؛ فتوجهوا إ�لى
ربكم بالعبادة ،و�أف ِردوه بالخ�ضوع والطاعة له بما هو
طاع ٌة عنده.
93وتف َّرق النا� ُس في دينهم ،ف�صاروا فرق ًا و�أحزاب ًا:
من اليهود ،والن�صارى ،و َع َبد ِة ا ألوثان ،ومرج ُع جميع
ه�ؤلاء �إلى الله فيجازيهم ب أ�عمالهم.
98أ�نتم أ�يها الكافرون وما تعبدون من دون الله، 94ف َم ْن عمل ِم ْن ه ؤ�لاء الذين تف ّرقوا في دينهم بما
�أمره الله به ،وهو ُمق ٌّر بوحدانيته تعالى ور�سالة نب ّيه؛
َح َطب جهنم ووقودها المع ُّد لها ،و أ�نتم داخلون إ�ليها ف إ� ّن الله ي�شكر له عم َله ،و ُيثيبه عليه في ا آلخرة ،ولا
لا َمحي َد لكم عنها.
َي�ضيع منه �شيء �إذ ك ُّله مكتوب ب�أمر الله.
99لو كانت هذه ا ألوثا ُن وا أل�صنام و�شياطين الجن
95و ُمتن ٌع على أ�هل قرية ق َّدرنا هلا َكها لأْج ِل
والإن�س التي تعبدون من دون الله آ�له ًة على الحقيقة كما كفرهم وطغيانهم ،عد ُم رجوعهم �إلينا يوم القيامة
زعمتم؛ ما دخل ِت النار ،وك ٌّل ِم ْن هذه المعبودات و َمن
للح�ساب والجزاء ،بل هم إ�لينا راجعون.
َع َبدها ماكثون في النار �أبداً.
96حتى �إذا ُأ� ِذن لي�ْأجو َج وم�ْأجوج بالخروج و ُفتح
ُ 100ت�سمع لأنفا�س ه ؤ�لاء الم�شركين في جهنم أ��صوا ٌت لهم ال�س ُّد ،أ��سرعوا ِم ْن كل مرتفع من الأر�ض ،وانت�شروا
ُت ْن ِبئ عن عظيم �آلامهم و ِ�ش َّدة َكربهم ،وهم لا ي�سمعون
في أ�رجائها مف�سدين.
ِم ْن َهول ما هم فيه ندا ًء ،ولا يدركون معن ًى.
97واقتر َب بخروج ي أ�جو َج وم�أجوج يو ُم البعث
101لـ ّما �شاغب الم�شركون ب�أ ّن عي�سى والملائكة ُعبدوا والجزاء ،ف�إذا أ�ب�صار الذين كفروا حين ي أ�تي يو ُم البعث
من دون الله ف�س ُيع َّذبون في النار� ،أخب َر الله تعالى أ� َّن الذين والجزاء من �ش ّدة الأهوال؛ لا تكاد َت ْطرف ،يقولون:
يا ويلنا قد كنا في الدنيا في َغ ْفلة ،م ّما نرى ونعاين من
�سبق ْت لهم ال�سعاد ُة من الله ،هم عن جهنم مب َعدون. عظيم البلاء ،بل كنا ظالمين بمع�صيتنا ر َّبنا وعباد ِة غيره.
330
في ا ألر�ض ،و ُنورثهم إ�يّاها ِمن أ�ج ِل ا إل�صلاح فيها
و ِعمارتها .وهذا وع ٌد من الله تعالى ب إ�ظهار الدين
و�إعزا ِز أ�هله.
� 106إ َّن في هذا القر آ�ن لمن �أطاع الله و أ�قام على عبادته
لكفاي ًة و�سبب ًا يو�صله �إلى ر�ضوانه �سبحانه.
107وما أ�ر�سلناك -يا محمد -إ� ّل رحم ًة للعالمين
كا ّف ًة ،فالم ؤ�من ُر ِح َم با إليمان بك وبما أ�ر�سلناك به،
والكافر ُدفع عنه ِب َك عذا ُب الا�ستئ�صال.
108قل -يا محمد :-ما يوحي إ�ليَّ ربي� ،إ ّل أ�نه لا إ�له
لكم إ� ّل �إل ٌه واحد ،فهل أ�نتم ُم ْذ ِعنون له ،ومتب ِّرئون ِمن
عبادة غيره.
109ف�إ ْن َأ�عر�ض ه ؤ�لاء الم�شركون عن ا إلقرار با إليمان، 102لا ي�سمع ه ؤ�لاء الذين �سبق ْت لهم م ّنا الح�سنى
فقل لهم -يا محمد :-لقد �أبلغ ُتكم جميع ًا ما ُ�أمر ُت �صو َت جهنم؛ ألنهم �صاروا في الجنة ،وهم فيما َت�ْش َتهيه
بتبليغه ،وبذلك ا�ستوينا في العلم ،وما أ�دري متى الوقت
الذي يح ُّل بكم عقاب الله� ،أقري ٌب نزو ُله بكم أ�م بعيد؟ نفو�ُسهمِ ،م ْن نعيمها ول َّذاتها مقيمون إ�قام ًة دائم ًة.
110قل -يا محمد -له ؤ�لاء الم�شركين� :إ ّن الله يعلم ما 103لا ُت ِخيفهم �أهوا ُل يوم القيامة ،وت�ستقبلهم
َتهرون به من القول ،ويعلم ما ُتخفونه. الملائك ُة على �أبواب الجنةُ ،يه ِّنئونهم ،ويقولون :هذا
111وما أ�دري ال�سب َب الذي ِمن أ�جله ي ؤ� َّخر عنكم يومكم الذي كنتم تو َعدون و ُتب�َّشون به في الدنيا.
عقاب الله ،لعل ذلك لفتن ٍة يريدها الله بكم إ�لى �أَ َج ٍل
104يوم نطوي ال�سماء كط ِّي ال�صحيف ِة على المكتوب
تبلغونه. فيها ،كما َخ َل ْقناهم �أول مر ٍة نعيدهم ،وكما �أخرجناهم
من بطون أ�مهاتهم حفا ًة ُعرا ًة ُغ ْرل ًا ،كذلك ُنخرجهم
112قال الر�سول :- -ر ِّب ا ْف�ص ْل بيني وبين َم ْن من قبورهم ،و َع ْدناكم بذلك وعداً كائن ًا الَ محال َة،
ك ّذبني ِم ْن م�شركي قومي بالح ّق؛ ور ُّبنا الرحم ُن الذي
أ��ستعينه على ما تقولون وت ّدعون ،ه ِّ ٌي عليه ِخذلا ُنكم فا�ستعدوا له.
وتحقي ُق ن�صري عليكم. 105ولقد كت َبنا في َزبور داود -عليه ال�سلام -كما
كتبنا ِمن َقب ُل في التوراة �أننا نم ِّكن لعبادنا ال�صالحين
331
�ُأ ّمه �إلى وقته ،ث ّم نخرجكم من أ�رحام أ�ُمهاتكم �أطفال ًا 1يا �أيها النا�س اح َذروا عقا َب ر ِّبكم بطاعته،
�صغاراً ،ث ّم لتبلغوا كما َل عقولكم ،ونهاي َة ُقواكم، ف�أطيعوه ولا تع�صوه؛ لت�ْأ َمنوا من المخاوف ،ف�إ ّن زلزلة
ومنكم َم ْن يموت قبل ذلك ،ومنكم َم ْن ُي�ؤ َّخر في �َأ َجله
فيع ّمر حتى َيهرم و َت ْ�ض ُعف ُق َواه ،فلا يعلم �شيئ ًا مما كان ا ألر�ض يوم القيامة أ�م ٌر عظي ٌم ُمفز ٌع ُمخي ٌف.
يعلمه من قبل .و ِم ْن دلائل �إمكا ِن البعث وقدر ِتنا عليه
أ�نك ترى الأر�ض ياب�س ًة لا أ�ثر فيها لنبا ٍت �أو زرع ،ف�إذا 2يومئ ٍذ َتغ ُفل ِمن ِ�ش َّدة ال َّد َه�ش ك ُّل مر�ضعة ع ّما
�أر�ضعت ،وت�ضع ك ُّل حامل جنينها ِمن �ش َّدة ال َهول،
�أنزلنا عليها المطر؛ تحرك ْت ونما نبا ُتها ،و أ�خرج ْت من وترى النا�س �ُسكارى ِمن �ش َّدة الفزع ،وما هم ب ُ�سكارى
ك ِّل نو ٍع ن ِ� ٍض َح�س ِن المن َظر. حقيق ًة ،ولك ْن طا�ش ْت عقولهم ب�سبب هذه ال�ش َّدة
ف�صاروا كال�ُّسكارى.
3و ِم َن النا�س َمن ُيخا�صم في الله ،فيزعم أ� ّن الله
غير قاد ٍر على إ�حياء َمن قد َبل َي و�صار تراب ًا؛ جهل ًا منه
بما يقول ،وي ّتبع في جداله بغير علم ك َّل �شيطان متج ِّر ٍد
للف�ساد مقي ٍم عليه.
ُ 4ق�ضي و ُق ّدر على ال�شيطان ب�سبب تك ُّ ِبه ومع�صيته
�أمر ر ِّبه �أن ُي�ض َّل أ�تباعه ،ولا يهديهم إ�لى الحق ،وي�سوق
َم ِن ا َّتبعه �إلى عذاب جهنم المو َقدة.
5ثم ب َّي الله الحج َج لمنكري البعث ،فقال :يا �أيها
النا�س إ�ن كنتم في �ش ٍّك من �أمر �إعادتكم إ�لى الحياة
مر ًة �أخرى للح�ساب يوم القيامة ،ف�إ ّن في ابتدائنا
خل َق أ�بيكم �آد َم ِم ْن تراب ،ثم �إن�شائكم ِم ْن ُنطفة ،ثم
ِم ْن علقة تنغر�س في الرحم وتتغذى منه ،ثم ِم ْن ُم�ضغة
على هيئة ما ُي�ضغ في الفم ،مخ َّلق ٍة خلق ًا �سو ّي ًا� ،أو غي ِر
مخ َّلقة -وهو ال�َّس ْقط قبل تمام خلقه -لدليل ًا يب ّي لكم
�إمكا َن البعث بعد الموت وقدر َتنا عليه؛ إ�ذ �أعظم منه هذا
الـ َخل ُق ا ألول ،ف َم ْن خلقكم ابتدا ًء لا ُيعجزه �أن يعيدكم
مر ًة أ�خرى .ف َم ْن ُك ّنا كتبنا له حيا ًة ،ف�إ ّنا ُنق ُّره في رحم
332
10ذلك العذاب الدنيوي والأخروي النا ُزل ب َك
� -أيها المجادل المتكبر -هو ب�سبب ما اقترفته من الكفر
والمعا�صي ،واللهُ �سبحانه لا يع ِّذ ُب عبا َده بغير ذنب.
11و ِمن النا�س َم ْن يعبد الله على غير َيقي ٍن ،ف إ�ن أ��صابه
�سع ٌة ِمن ال َعي�ش ،ا�ستق َّر بالإ�سلام وثب َت عليه ،و�إ ْن أ��صابه
بلاءٌ�أو �ضيق في ال َعي�ش؛ انقل َب �إلى الكفر ،خ�سر دنياه؛
ألنه لم َيظفر بحاجته ،وخ�س َر ا آلخرة؛ لأنه مع َّذ ٌب فيها،
ذلك هو الخ�سران الوا�ضح الذي لا خ�سرا َن مثله.
12يدعو هذا المرت ُّد المفتون في دينه آ�له ًة لا ت�ض ُّره �إ ْن 6ذلك الذي ذك ْرنا ِمن خل ِق بني آ�دم و�أطوا ِره،
لم يعبدها ،ولا تنفعه �إ ْن عبدها ،ذلك هو ال�ضلال البعيد و إ�حيا ِء الأر�ض؛ ِل ُت�ص ّدقوا ب أ� ّن الذي فعل ذلك ،هو الله
الحق لا �ش َّك فيه ،و�أ ّنه يحيي الموتى بعد فنائهم ،و�أ ّنه
عن الحق وال ُّر�شد.
تعالى قادر على كل �شيء.
13يعبد هذا المرت ُّد آ�له ًة �ض ُّرها المتحق ُق في الآخرة
�أقر ُب ِم ْن نفعها الذي َيتو َّهمه ويتو َّقعهَ ،ل ِبئ� َس النا�صر، 7ولت�ؤمنوا ب أ� ّن القيامة التي وع ْد ُتكم بها �آتية،
ال� ش ّك في حدوثها ومجيئها ،و أ� ّن الله يبعث َم ْن في
ولبئ�س المعا�شر وال�صاح ُب هذا المعبود. القبور ويحييهم حينئ ٍذ للح�ساب ،فلا ت�شكوا في ذلك.
14إ� ّن الله ُيدخل الذين �ص َّدقوا اللهَ ور�سو َله ،وعملوا 8و ِمن النا�س َم ْن يخا�صم في توحيد الله ،و إ�فرا ِده
بما �أمرهم الله في الدنيا ،وانتهوا ع ّما نهاهم عنه فيها، با أللوهية بغير عل ٍم منه ،وبغير بيا ٍن وال برهان،
ُيدخلهم ب�ساتين تجري ا ألنهار ِم ْن تحت �أ�شجارها،
فيعطي ما �شاء ِم ْن كرامته أ�ه َل طاعته ،وما �شاء ِمن وال كتا ٍب من الله ُينير عن ُح ّجته.
الهوان أ�ه َل مع�صيته.
َ 15م ْن كان ِمن النا�س ي ْح َ�سب أ� ْن لن ين�ص َر اللهُ نب ّيه
محمداً - -في الدنيا والآخرة؛ ف ْل َي�ْش ُدد بحب ٍل إ�لى
�سقف بيته ،ث ّم لي ْختنق به حتى يموت ،فلينظ ْر هل ُيذهب
فع ُله ذلك غي َظه ِمن ن�ص ِر الل ِه لنبيه؟
9يجادل -هذا الذي يجادل في الله بغير علم-
لا ِوي ًا ُعن َقه ا�ستكباراًِ ،لي�ص ّد الم ؤ�منين عن دينهم ،فله في
الدنيا ال ُّذل والمهانة ،وله يوم القيامة عذاب النار.
333
23والذين �ص َّدقوا بالله ور�سوله و أ�طاعوهما ،ف إ�ن 16وكما ب َّي الله قدر َته على �إحياء الخلق بعد فنائهم؛
الله ُي ْدخلهم ب�ساتي َن تجري ِم ْن تحت �أ�شجارها ا ألنهار، كذلك أ�نزل هذا القر�آن� ،آيا ُته دلالا ٌت وا�ضحا ٌت،
و ُيح ّليهم فيها �أ�ساور ِمن ذهب ول�ؤل�ؤاً ،ولبا�ُسهم في
يهدي الله بها َم ْن �أراد هدايته وتوفيقه ل�سبيل الحق.
الجنة الحرير.
17إ� ّن الذين �ص َّدقوا بالله ور�سوله محم ٍد ،واليهو َد،
334
وال�صابئين -وهم َمن اهتدى من العرب �إلى التوحيد
وت ْر ِك عبادة ا ألوثان -والن�صارى ،والمجو�س -وهم
َع َبدة النار -والذين أ��شركوا بالله فعبدوا ا ألوثا َن
وا أل�صنام ،إ� ّن الله �سيف�صل بينهم يوم القيامة ،ف ُيدخل
الم ؤ�منين الجنة ،والكفا َر النار ،إ� ّن الله على ك ّل �شي ٍء
�شهي ٌد ،لا َيخفى عنه �شيء من أ�عمالهم.
18أ� َلـ ْم َتعلم -يا محم ُد� -أ ّن الله ي�سجد له َم ْن في
ال�سماوات ِمن الملائكة ،و َم ْن في ا ألر�ض ِمن المخلوقات،
وكذلك ال�شم� ُس والقم ُر والنجو ُم في ال�سماء ،والجبا ُل
وال�شجر وال َّدوا ُّب في الأر�ض؟ وي�سجد لله كثي ٌر من بني
�آدم ،وهم الم�ؤمنون ،وكثي ٌر من النا�س َو َج َب عليه عذا ُب
الله بكفره ،و إ�بائه ال�سجو َد له ،و َم ْن ُي ِه ْنه اللهُ بال�شقاوة
فما له َم ْن ي�سعده� ،إ ّن الله يفعل في خلقه ما ي�شاءِ ،من
�إهان ٍة و�إكرا ِم؛ ألن الخلق خ ْل ُق ُه والأم َر �أم ُر ُه.
22 - 19هذان فريقان متخا�صمان� :أه ُل الكفر
و�أه ُل الإيمان ،عا َدى ك ُّل فريق منهم ا آلخ َر وحا َربه على
دينه ،ف أ� ّما الكافر بالله منهما ،ف�إن النار ت�شتمل عليه
وتحيط به �إحاط َة الثو ِب بالج�س ِد ،و ُي َ�ص ُّب على ر�ؤو�س
فريق أ�هل الكفر ما ٌء َم ْغليُ ،يذيب ما في بطونهم،
وي�شوي جلودهم فتت�ساقط ،وت�ضرب الملائك ُة ر�ؤو�َسهم
بمطار َق من حديد ،ك ّلما حاولوا الخروج من النار؛
ِل�شدة ما نالهم ِمن غ ِّمها وك ْربهاُ ،ر ُّدوا إ�ليها ،وقيل لهم:
ذوقوا عذا َب النار المح ِرق.
ليقوم ببنائه ،وو�صيناه �أ ّل ي�شرك بعبادتي �شيئ ًا ،و أ�ن يط ّهر
بيتي الذي بناه من عبادة الأوثان للطائفين به ،والقائمين
فيه لل�صلاة والدعاء ،وال ُّر ّكع ال�ّسجود في �صلاتهم حول
البيت.
28 27و أ� ْع ِل ْم -يا �إبراهي ُم -ونا ِد في النا�سَ :أ� ْن 24وهداهم الله في الجنة �إلى ال َّطيب من ال َقولِ ،م ْن
ح ُّجوا بيت الله الحرام ،ف�إ ّن النا�س ي�أتون البيت م�شا ًة حم ِد الله على ُح�سن العاقب ِة والثنا ِء عليه ،وط ّي ِب القول
على �أرجلهم ،وي�أتون ُركبان ًا على كل َبعير َمهزول قد فيما بينهم ،كما هداهم في الدنيا �إلى الطريق المو ِ�صل
أ�نهكه ال�سفرِ ،م ْن كل طري ٍق ومكان بعيد؛ لي�شهدوا ما
ينفعهم من الأعمال الدينية والدنيوية؛ وكي يذكروا ا�سم �إلى ر�ضاه ،وهو دين الإ�سلام.
الله تعالى في �أيا ٍم معلومات -وهي يوم النحر عا�ش ِر ذي � 25إ ّن الذين جحدوا ما جاءهم ِمن ربهم ،وك َّذبوا
الـ ِح ّجة و�أيا ُم الت�شريق الثلاثة -على ما رزقهم من الأنعام
التي أ�هدوها من الإبل والبقر والغنم ،ف ُكلوا مما تذبحون ر�سوله ،و َينعون النا� َس عن دين الله �أن يدخلوا فيه،
و َينعون النا�س عن الم�سجد الحرام ،الذي جعله الله
�أو تنحرون من هذه ا ألنعام و أ�ط ِعموا البائ� َس -وهو الذي للم�ؤمنين كا َّف ًة ،ي�ستوي في تعظيم ُحرمته والطوا ِف
به ُ� ُّض الجوع والحاجة -والفقي َر الذي لا �شيء له. به وق�ضا ِء المنا�سك والنزو ِل فيه حيث ي�شاء المقي ُم به
والقاد ُم إ�ليه ،و َم ْن ُي ِر ْد في الم�سجد الحرام ب�أن َييل بظلم
29ثم ِل َيق�ضوا ما عليهم من منا�سك ح ِّجهم؛ ِم ْن فيع�صي الله فيه؛ ُنذقه يوم القيامة من عذا ٍب ُمو ِج ٍع له.
َحلق ال�شعر ،والرمي ،والطواف ،و ْل ُيوفوا اللهَ بما نذروا
ِم ْن هدايا و�ضحايا وغير ذلك ،ولي َّطوفوا ببيت الله 26اذك ْر -يا محمد -كيف ابتد أ�نا هذا البيت الذي
يع ُب ُد قو ُمك فيه غيري ،حين ب َّينا إلبراهيم مكان البيت؛
الحرام ،الذي هو أ�ول بيت و�ضع للنا�س.
30هذا الذي أ�مركم الله به من الوفاء بالنذور،
والطواف هو الفر�ض الواج ُب عليكم � -أيها النا�س-
في ح ّجكم ،و َم ْن يجتن ْب ما أ�مره اللهُ باجتنابه في حال
�إحرامه ،تعظيم ًا منه لحدود الله ،فهو خي ٌر له عند ربه في
الآخرة ،و أ�َحل الله لكم � -أيها النا�س� -أك ّل الأنعام
-وهي الإبل والبقر والغنم� -إ ّل ما ُيتلى عليكم تحريـ ُمه
ِمن الميتة وما لم ُيذكر ا�سم الله عليه ،وغير ذلك ،فاتقوا
عباد َة الأوثان ،ف�إنها ِرج�س -أ�ي خبث معنوي و َق َذر-
واتقوا قول الكذب ،والافتراء على الله.
335
و�َس َكن ْت -وذلك بخروج روحها -فقد ح ّلت لكم 31م�ستقيمين لله على إ�خلا�ص التوحيد له ،غي َر
فكلوا منها ،و أ�طعموا منها القانع -وهو الفقير الذي م�شركين به �شيئ ًا ،و َم ْن ي�شرك بالله فقد هلك ،و َم َثله ك َم ْن
يقنع بما أ�ُع ِطي -والـ ُمعت َّر الذي ي�س أ�ل لحاجته ،كذلك �سقط من ال�سماء فت�أخذه الطي ُر ب�سرع ٍة و ُتزقه� ،أو تهوي
�س َّخرنا لكم ال ُب ْد َن لتنتفعوا بها ولت�شكروني على ما
به الريح في مكا ٍن بعيد.
تف ّ�ضل ُت به عليكم من الت�سخير والإنعام.
32هذا الذي أ�مرتكم ،من اجتناب ال ِّرج�س من
37لن ي�ص َل �إلى الل ِه لحو ُم ُب ْد ِنكم ولا دما ؤ�ُها، ا ألوثان ،واجتنا ِب قول الزور ،والا�ستقامة على
ولكن ُترف ُع إ�ليه منكم ا ألعمال ال�صالحة والتقوى، �إخلا�ص التوحيد ،هو خي ٌر لكم فاتبعوه ،وتعظي ُم �شعائر
والإخلا�ص -وهو ما �أريد به وجه الله -هكذا �س َّخر الله الله -وهو اختيار الإبل والبقر ِح�سان ًا ِ�سمان ًا -و�أدا ُء
لكم ال ُبدن؛ كي تك ِّبوا الله عند ذبحها ،وت�شكروه على منا�سك الح ِّج على ما أ�مر الله تعالى هو دلي ٌل على تقوى
توفيقه ،و َب�ِّش المخ ِل�صين في كل ما ي�أتون وما يفعلون في
القلوب.
أ�مور دينهم.
33ولكم في الهدايا منافع ،هي َلب ُنها و َن�ْس ُلها
� 38إ ّن الله َي ْدف ُع أ�ذى الم�شركين وكي َدهم عن الم ؤ�منين، و�صوفها وركوبها� ،إلى أ�ن يح َّل الوق ُت المعين لنحرها
إ� ّن الله لا يح ُّب الذي يخون ر َّبه ،فيخالف �أمره و َنهيه عند البيت العتيق ،وهو الحرم ك ُّله ،فت أ�كلون لحمها،
ويع�صيه ،و َيجحدِ نعمه. وتت�صدقون منها.
34ولك ِّل أ�ُ ّم ٍة من الم ؤ�منين الذين تق ّدموا عليكم �َ َشعنا
َذ ْب َح ا ألنعام و�إراق َة دمها عباد ًة يتقربون بها �إلينا؛ ليذكروا
ا�سم الله دون غيره عند ذبحها ،ف�إل ُهكم � -أيها النا�س-
إ�ل ٌه واحد لا �شريك له؛ فله �أخل�صوا العبادة والعبودية،
و َب�ِّش -يا محمد -الخا�ضعين المتوا�ضعين لله.
ِ 35م ْن �صفات ه ؤ�لاء الم َب�َّشين أ�نهم إ�ذا ُذكر الله
تخ�شع قلو ُبهم ،خوف ًا من �سخطه وعقابه ،و إ�ذا نزلت
بهم �ش َّد ٌة ،أ�و نالهم مكرو ٌه في َج ْن ِب الله �صبروا ،و أ�نهم
يقيمون ال�صلاة ،وينفقون مما رزقناهم في وجوه الخير.
36وا إلب َل والبق َر ال�ِّسما َن ال ِح�سان التي ُت�ساق �إلى
الحرم َه ْدي ًا ،جعلناها لكم -أ�يها النا�س -من �شعائر دين
الله ،لكم فيها خي ٌر ،وهو الانتفاع بها في الدنيا ،والأجر
في ا آلخرة بنحرها وال�صدقة بها ،فقولوا عند ذبحها،
وهي وا ِق َف ٌة على ثلا ِث قوائم ،و َيدها الي�سرى معقولة:
ب�سم الله والله �أكبر ،ف�إذا �سقط ْت ُجنوبها على الأر�ض
336
41و ِم ْن ِ�صفة الذين ين�صرون الله تعالى �أنهم �إذا َفتح
الله عليهم الأر�َض وتمكنوا؛ �أقاموا ال�صلاة بحدودها،
و أ�عطوا زكا َة �أموالهم ،ودعوا النا�س إ�لى توحيد الله،
والعم ِل بطاعته و َنهوا عن ال�شرك بالله ،وعم ِل المعا�صي،
ولله م�صي ُر أ�مو ِر الخلق وبيده الثوا ُب والعقا ُب ،والن�ص ُر
وال ِخذلان.
44 - 42و�إ ْن يك ِّذ ْبك � -أيها الر�سول -ه ؤ�لاء َ� 39أ ِذ َن اللهُ ور ّخ�ص للم ؤ�منين الذين ُيقا َتلون ظلم ًا
الم�شركون؛ فلا يحزنك تكذي ُبهم ،ول�س َت ِب ْدع ًا ِمن و ُعدوان ًا في قتال عدوهم دفاع ًا عن أ�نف�سهم ،و إ� َّن الله
الر�سل ،فقد �سبقهم في تكذيب ر�سلهم قو ُم نوح،
وعاد ،وثمود ،وقوم �إبراهيم ،وقوم لوط ،و�أ�صحا ُب على ن�صر الم�ؤمنين لقدير.
َم ْد َين الذين كذبوا �شعيب ًا ،وك ّذب فرعون وقومه
مو�سى ،ف�أمهل ُت ُه ْم ولم ُ�أعاجلهم بالعذاب ،ثم �أنزل ُت 40الذين ُ�أذن لهم بالقتال ،هم الذين �أخرجهم كفا ُر
عليهم العقاب ،فانظ ْر كيف كانت عاقبة المكذبين، قري�ش ِم ْن ديارهم بمكة بغير ح ٍّق ،لم يخرجوهم إ�لا
ب�سبب توحيدهم لله تعالى ،ولولا ت�سلي ُط الل ِه الم ؤ�مني َن
وكيف َتغير ما كان بهم من نعمة. على الم�شركين بالقتال لا�ستولى الم�شركون على أ�هل الملل
45و َكم ِم ْن قرية �أهلكناها ،و أ�ه ُلها ظالمون وهدموا �صوام َع الرهبان ،وكنائ� َس الن�صارى ،ومعاب َد
بالتكذيب والكفر ،ف َبا َد �أه ُلها ،وخ َل ْت ديارهم من اليهود ،وم�ساج َد الم�سلمين التي يذكر فيها ا�سم الله
�سكانها وته َّدمت ،فانظ ْر كم ِمن بئ ٍر متروك ٍة بموت
�أهلها لا ُينتفع بها ،وكم من ق�ص ٍر رفي ٍع مزخ َر ٍف ،قد كثيراً ،إ� ّن الله ين�صر َم ْن يقاتل في �سبيله ،إ� ّن الله لقو ٌّي
على ن�صر �أهل ِولايتهَ ،مني ٌع في �سلطانه ،لا َيقهره قاه ٌر،
خلا من �سكانه ،ولم َيبق إ� ّل �شواهد أ�طلاله.
ولا َي ْغل ُبه غال ٌب.
� 46أفلم َي ِ� ْس ه ؤ�لاء المك ِّذبون من قري�ش في ا ألر�ض؛
ليروا َم�صارع المك ِّذبين لر�سلهم ِمن َقبل ،فيتف َّكروا
بعقولهم فيها ،ويعتبروا بها ،وي�سمعوا ب آ�ذانهم أ�خبا َر
ال�سابقين فيعتبروا ،ف�إ ّنها لا تعمى �أب�صا ُرهم عن ر�ؤية
ا أل�شخا�ص ،ولكن تعمى قلو ُبهم التي في �صدورهم
عن �إِب�صار الحق ومعرفته .وهذا ح ٌّث من الله تعالى على
الاعتبار بحال َمن م�ضى ِمن ا ألمم المك ِّذبة لر�سلها.
337
َ 53ك ْي يجعل الله ذلك الإلقاء الذي يلقيه ال�شيطان؛ 47وي�ستعج ُل َك -أ�يها النبي -م�شركو قو ِمك بما
اختباراً يختبر به الذين في قلوبهم �ش ٌّك ونفا ٌق ،والذين َت ِع ُدهم ِم ْن عذاب الله -على �سبيل التحدي والا�ستهزاء
َق�س ْت قلوبهم عن الإيمان ،وهم الم�شركون ،و إ� ّن الفريقين وال�سخرية -ولن ُي ْخ ِلف اللهُ وع َده لك بالن�صر و ُح�ْسن
العاقبة ،ولا وعي َده لهم بالخذلان و�ُسوء العاقبة ،و�إ َّن
لفي عداو ٍة �شديد ٍة ومخالف ٍة بعيد ٍة عن ال�صواب. يوم ًا عند ر ِّبك في ا آلخرة ،ك�ألف �سنة مما تع ّدون ِمن
54و َك ْي َيعلم الم ؤ�منون بالله �أن القر�آن هو الحق النازل ِ�سن ِّي الدنيا.
من عند الله ،فيزدادوا �إيمان ًا فتخ�ضع له قلوبهم بالانقياد،
و�إ ّن الله َلـ ُمر ِ�ش ُد الذين �آمنوا -في أ�مور دينهم -إ�لى 48وكم ِم ْن أ�هل بلدة أ� ْم َهل ُتهم ،و�أ ّخر ُت عذا َبهم،
وهم بالله م�شركون ،ثم �أخذ ُتهم بعذابي في الدنيا،
الطريق ال�صحيح الذي لا ِعوج به. و�إليّ م�صي ُرهم بعد هلاكهم ،فيل َقون عذاب ًا حينئ ٍذ لا
55ولا يزال ه ؤ�لاء الكفار في �ش ٍّك ِمن �أمر هذا انقطا َع له.
القر آ�ن� ،إلى �أَ ْن ت�أتيهم �ساع ُة الح�شر للح�ساب فج أ� ًة،
أ�و ي�أتيهم عذاب يو ٍم عظي ٍم لا خير فيه لهم ،وهو يوم 49قل يا -أ�يها النبي� :-إنما ُأ�نذركم -أ�يها النا�س-
القيامة. عقا َب الله في الدنيا ،وعذا َبه في ا آلخرة إ�نذاراً ب ّين ًا؛
لتتوبوا من �شرككم ،لا أ�ملك لكم غير ذلك ،والله هو
338
الذي يتو ّلى ُمازاتكم على أ�عمالكم.
50فالذين آ�منوا بالله ور�سوله وعملوا ال�صالحات
ُيب�ِّشهم ربهم بمغفر ٍة منه َي�ستر بها ذنو َبهم ،وبرز ٍق
ح�س ٍن في الجنة.
51والذين �ص ُّدوا عن ا ّتباع ر�سولنا محم ٍد ،وا إلقرا ِر
بكتابنا الذي أ�نزلناه عليه ،ظا ِّنين �أنهم ُيعجزوننا و َيغلبوننا
بتكذيبهم ب�آيات الله� ،أولئك هم أ�هل جهنم يوم القيامة.
52وما �أر�سلنا ِمن قبلك � -أيها الر�سولِ -من ر�سو ٍل
ولا نب ٍّي إ�لا �إذا قر�أ �شيئ ًا مما �أنزلناه عليهَ� ،ألقى ال�شيطا ُن
في معنى قراءته ال�ُّش َبه والأباطي َل؛ لي�ص ّد النا�س عن ا ّتباع
ما تلا عليهم هذا الر�سول أ�و النب ّي؛ فيزيل الله �سبحانه
وتعالى بقدرته وحكمته ما �ألقاه ال�شيطان في القلوب،
التي �شاء الله تعالى لها ا إليما َن والثبا َت ،ثم ُيحكم الله
�آياته ،والله علي ٌم حكي ٌم.
حلي ٌم ي�صفح ويغفر لهم الذنوب ،ويك ِّفرها عنهم
بهجرتهم إ�ليه وتو ّكلهم عليه.
60ذلك الأم ُر الذي َق�ص�صناه عليك هو �ش أ� ُننا في
الح�ساب والجزاء ،لا نظلم النا�س �شيئ ًا .و َم ْن جازى
من الم ؤ�منين َم ْن َظلمه بمثل ُظ ْلمه دون زيادة ،ثم تمادى
الظالـ ُم في ظلمه له واعتدائه ،ف إ� ّن الله َي ِع ُد المظلو َم وعداً
م�ؤ َّكداً ب أ�ن ين�صره على هذا الذي ظلمه في الحال أ�و
الم آ�ل ،واللهُكثير العفو عن عباده والمغفرة لهم .وفي َخ ْت ِم
ا آلية ب ِذك ِر كثر ِة عفو ِه تعالى ومغفرته إ�يما ٌء إ�لى الترغيب
في العفو عن الظالم.
62 61ذلك الن�ص ُر الموعو ُد �أم ٌر ي�سي ٌر على الله 57 56الـ ُمل ُك والـ ُحكم يوم القيامة لله وحده،
تعالى ،فهو الله القادر على ما ي�شاء ،فهو الذي ِمن ُقدرته لا يحكم فيه �أح ٌد من الخلق على غيره ،ولا يحا ِ�سب
أ�ح ٌد غي ُر الله أ�حداً ،ولا ينازعه يومئ ٍذ ُمناز ٌع ،يحكم بين
�أنه ُيدخل ما ينق�ُص من َوق ِت الليل في وقت النهار، الم�شركين والم�ؤمنين .ثم ب َّي حك َمه :فالذين �آمنوا بهذا
و ُيدخل ما انتق�َص من وقت النهار في وقت الليل، القر�آن ،وعملوا بما فيه؛ يدخلون جنات النعيم ،والذين
لتجري م�صالح الخلق على مقت�ضى حكمته ،و�َأ َّن الله كفروا بالله وك ّذبوا ب آ�يات كتابه؛ لهم عذا ٌب مذ ٌّل في
�َسمي ٌع لدعاء الم�ؤمنين َب ِ�صي ٌر بهم ،ذ ِل َك ب�أن الله هو الإله جهنم.
الح ُّق ،و�أ َّن ما يعبدون ِم ْن دونه هو البا ِط ُل ،و�أ َّن اللهَ هو
58والذين هاجروا من �أوطا ِنهم وع�شا ِئرهم في ر�ضا
العظي ُم الذي لا �شي َء أ�عظ ُم منه ،وك ُّل �شي ٍء دو َنه. الله وطاعت ِه ثم ُقتلوا أ�و ماتوا وهم كذلك؛ َليرزق َّنهم اللهُ
يو َم القيام ِة الثوا َب الجزي َل ،و�إن الله لهو خي ُر َم ْن َب�سط
63أ� َلـ ْم تعل ْم �أ ّن الله �أنزل المط َر من ال�سماء ،فت�صبح
ا ألر�ض ُم ْخ�ض َّر ًة بما ين ُب ُت فيها من النبات؟ �إن الله لطيف ف�ض َله على أ�ه ِل طاعت ِه و أ�ك َرمهم.
با�ستخراج النبات من ا ألر�ض رزق ًا للعباد ،خبي ٌر بما في
َ 59ل ُيدخل ّن اللهُ المقتو َل في �سبيله من المهاجرين
قلوب العباد �إذا ت�أ َّخر المط ُر عنهم. والمي َت منهم الجنة التي ير�ضونها ،والله علي ٌم بن ّياتهم،
64له ما في ال�َّسماوات وما في ا ْلأَر�ض ،فهو خال ُقهم
ورازقهم والحاكم عليهم ،و إ� ّن الله لهو الغن ُّي عن عباده،
المحمو ُد في أ�فعاله ،الم�ستو ِج ُب للثناء على َجميل ُ�صنعه
وعظيم إ�نعامه.
339
71و َيعبد ه ؤ�لاء الم�شركون ما لم ينزل الله بعبادته � 65ألم َت َر أ�ن الله �س َّخر لكم � -أيها النا�س -ما في
ُح ّجة ،وهي ا أل�صنام ،وما لي�س لهم به ِم ْن دلي ٍل َعقل ٍّي ا ألر�ض َب ِّرها و َبحرها بقدرته وف�ضله لأغرا�ضكم
يد ُّل على جواز ذلك ب َوج ٍه من الوجوه ،وما له ؤ�لاء وم�صالحكم ،وه ّي َأ� لكم البح َر تجري فيه ال�سفن مذ َّلل ًة
الكافرين من ن�صي ٍر ين�ص ُرهم ،ويدف ُع عنهم عذا َب الله لكم بقدرته ،و ُي�سك ال�سماء وكواك َبها؛ كي لا تقع
على ا ألر�ض إ�لا بم�شيئته ،إ� ّن الله بالنا�س لذو ر�أف ٍة وا�سع ٍة
يو َم القيامة.
ورحم ٍة دائم ٍة.
72و إ�ذا ُتتلى على م�شركي قري�ش �آيا ُت القر آ�ن
وا�ضحا ٍت ُحج ُجها؛ تتب َّ ُي في وجو ِههم الإنكا َر 66الله هو الذي �أن�ش أ�كم ولم تكونوا �شيئ ًا ،ث ّم ُيي ُتكم،
والعبو� َس والكراهية ،ويكادون َيبط�شون بالم ؤ�منين الذين عند انق�ضاء آ�جالكم ،ثم ُي ْحييكم ،يو َم البعث للثواب
ي ْت ُلون عليهم �آياتنا ،قل :أ�ف�أُنب ُئكم � -أيها الم�شركو َن -بما والعقاب ،إ� ّن الإن�سان لَـ َجحو ٌد لنع ِم الله ع ّز وج ّل مع
هو �أ�ش ُّد �ألم ًا ِمن َغيظكم على َم ْن يتلو عليكم آ�يات الله؟
أ��ش ُّد من ذلك ال ّنا ُر ،وع َدها اللهُ الم�شركين ،وبئ�س المكا ُن ظهورها.
الذي ي�صيرون �إليه. ِ 67ل ُك ِّل ُ�أمة ِم ْن �أ�صحاب ال�شرائ ِع ال�سابق ِة َج َع ْلنا
�شريع ًة خا ّ�صة يتع َّبدون بها ،فلا ُينازعك �أح ٌد من
340 الم�شركين فيما ُي�شرع ألمتك ،ولا َتلتف ْت �إلى قولهم،
و ُدم على الدعوة �إلى ربك وتوحيده� ،إ ّنك لع َلى طري ٍق
م�ستقيم.
68و إ� ْن جا َدلك � -أيها الر�سول -المخالفون في
َت ْف�صيلات الت�شريع ،فقل لهم :الله أ�علم بما تعملون وما
ت�ستح ُّقون من الجزاء.
69والله يق�ضي بين المختل ِفين يو َم القيام ِة فيما اختلفوا
فيه ،فتعلمون حينئ ٍذ -أ�يها الم�شركون -الـ ُمـ ِحـ َّق من
الـ ُمـبـ ِطـ ِل .وهـذا أ�د ٌب َح َ�س ٌن ع َّلمه الله عباده لير ُّدوا به
َم ْن جادل على �سبيل التع ُّنت ،فلا ُيجيبوه ،ولا يناظروه.
70أ�لم تعل ْم -أ�يها الر�سول -أ� ّن الله يعل ُم ك َّل ما في
ال�سماوا ِت وا ألر�ِض ،لا َيخفى عليه من ذلك �شي ٌء،
وهو ُما ٍز المح�س َن منهم ب إ�ح�سا ِنه ،والم�سي َء ب إ��ساء ِته،
وك ُّل ذلك مكتو ٌب عنده في اللوح المحفوظ .إ� َّن إ�ح�صا َء
ذلك و ِحف َظه ي�سي ٌر على الله.
�سمي ٌع لما يقوله الم�شركون في ر�سوله محم ٍدَ ،ب�صي ٌر بمن
يختاره لر�سالته.
76يعلم �سبحانه �أعما َل العباد و�أحوالهم ،ما �َسبق
منها وما هم عليه الآن وما �سيكون منهم؛ لا تخفى عليه
خافي ٌة ،و�إليه وحده ترجع ا ألمور في الآخرة فيجازي
ك ّل عام ٍل بعمله.
77يا �أيها الذين �ص َّدقوا الله ور�سوله ،اركعوا لله في � 73أيها الم�شركون من النا�س :إ� ّن الله �ضرب مثل ًا ف َ�أل ُقوا
�صلاتكم ،وا�سجدوا له فيها ،و َتذ ّللوا لر ِّبكم غاي َة التذ ُّلل، �إليه ال�سم َع وتد َّبروه :إ� ّن جميع ما تعبدون من دون الله لو
واخ�ضعوا له بالطاعة ،وافعلوا الخير الذي أ�مركم ر ُّبكم اجتمعوا وتعاونوا؛ لم َيخلقوا ذباب ًا واحداً مع ما ترون ِم ْن
ب ِفعله؛ ِل ُتفلحوا بذلك ،فتدركوا به طلباتكم عند ر ِّبكم. ِ�ص َغره و َ�ضعفه ،و�إ ْن ي أ�خذ الذبا ُب منهم �شيئ ًا لا يقدروا
على ا�سترداده�َ ،ض ُع َف الطالب الذي هو المعبو ُد ِمن دون
78وجا ِهدوا في �سبيل الله؛ واب ُذلوا في ذلك غاي َة
الله ،و َ�ض ُع َف المطلوب الذي هو الذباب.
ال ُو�سع ،ولا تخافوا في الله لوم َة لائم ،هو ا�صطفاكم،
فاختاركم ل ُن�صرة دينه ،وجعلكم �أم ًة و�سط ًا ،وما جعل 74ه�ؤلاء الم�شركون الذين جعلوا لله �شريك ًا في العبادة
الله عليكم في ال ِّدين من �ضي ٍق �أو �ش ّد ٍة؛ فلا َي�ضي ُق عليكم
�أم ٌر من �أمور الدين إ�لا و�َّسع عليكم فيه ،ولا يقع منكم لم ُيع ِّظموا الله ح َّق تعظيمه ،ولا ع َرفوه ح ّق معرفته ،إ� ّن
ذن ٌب إ�لا وجعل لكم منه توب ًة ،وال َزموا ِم َّل َة �أبيكم الله لقو ٌّي على خلق ما ي�شاء ،مني ٌع فيُ ملكه.
إ�براهيم .إ�ن الله �س َّماكم الم�سلمين ِمن قبل نزول القر آ�ن
في الكتب المنزل ِة و�س َّماكم الم�سلمين في هذا القر�آن، 75اللهُيختار من الملائكة ر�سل ًا؛ كجبري َل وميكائيل،
وقد اخت َّ�صكم الله و�ش ّرفكم بهذا الاختيار؛ ليكو َن خاتم و ِمن النا�س ر�سل ًا ،وهم ا ألنبياء ِمثل �إبراهيم ومو�سى
الر�سل محم ٌد � - -شهيداً عليكم يوم القيامة ،ب أ�نه
قد ب ّلغكم ما أُ�ر�سل به �إليكم؛ وتكونوا أ�نتم �شهداء حينئ ٍذ وعي�سى ومحمد �صلوات الله عليهم أ�جمعين� ،إ ّن الله
على النا�س �أجمعين؛ ف أ� ُّدوا ال�صلا َة المفرو�ض َة عليكم
بحدودها ،و آ�توا الزكاة الواجبة عليكم في أ�موالكم إ�لى
أ�هلها ،و ِث ُقوا بالله ،وتو ّكلوا عليه في أ�موركم ،وت�ش ّبثوا بما
ع ّرفكم من الحق ،ف ِنعم الوليُّ اللهُ ،و ِنعم النا�ص ُر والن�صير
للم�ؤمنين ،ي�ؤيد َم ْن جاهد لتكون كلم ُة الله هي العليا.
341