The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

تفسير القرآن الكريم_compressed

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Ghada Alnawawy, 2021-11-09 00:37:41

تفسير القرآن الكريم_compressed

تفسير القرآن الكريم_compressed

‫وال�ِّسنون‪ ،‬ونق�ُص الثمرات ‪ -‬وعلما ُء بني إ��سرائيل‬ ‫‪ 97‬و َم ْن يهده الله فهو المهتدي ح ّق ًا؛ ألنه لا هادي‬
‫يعرفون هذا‪ ،‬و�س ؤ�الهم ممكن‪ -‬ومع ذلك فقد قال‬ ‫�إلا الله‪ ،‬و َم ْن ي�ضلل فلن تجد له هادي ًا يهديه‪ .‬و ُي�ْس َح ُب‬
‫ه ؤ�لاء ال�ضالون يوم القيامة �إلى جهنم على وجوههم‬
‫فرعون لمو�سى‪� :‬إني ألظنك يا مو�سى قد �ُسحر َت‪.‬‬
‫‪ 102‬قال مو�سى‪ :‬إ�نك تعلم يا فرعون أ� ّن هذه الآيات‬ ‫ُعمي ًا لا يب�صرون ما ي�س ُّرهم‪ ،‬و ُبكم ًا لا ينطقون ب ُح ّجة‬
‫ِمن عند الله‪ ،‬وا�ضح ًة لا َل ْب� َس فيها‪ُ ،‬ت َب ِّ�ص بالحق الذي �أنا‬ ‫ُتقبل منهم‪ ،‬و ُ�ص ّم ًا لا ي�سمعون ما يحبون �سماعه؛‬
‫عليه‪ ،‬وب�صدقي فيما �أقو ُل‪ ،‬و�إني لموقن يا فرعون �أنك‬ ‫وذلك ألنهم لم ي�ستعملوا جوارحهم فيما خلقها الله‬

‫هال ٌك إ�ذا لم تراجع نف َ�سك و َترج ْع عن َغ ّيك‪.‬‬ ‫ألجله‪ ،‬ويكون َم�سكنهم الذي ي�أوون �إليه هو جهنم‬
‫‪ 103‬ف�أ�ص َّر فرعو ُن على موقفه و�أراد أ�ن ُيخرج مو�سى‬ ‫كل ّما َن َق�ص لهي ُبها زادهم الله ناراً ولهيب ًا‪.‬‬
‫و َمن معه من بني �إ�سرائيل من أ�ر�ض م�صر بجبروته‪،‬‬
‫‪ 98‬ذلك العذاب هو جزا ؤ�هم؛ ألنهم جحدوا �آيات‬
‫فعك�سنا عليه مكره‪ ،‬و أ�غرقناه و َم ْن معه جميع ًا‪.‬‬ ‫الله الوا�ضحة وقالوا با�ستهزا ٍء و�إنكا ٍر‪ :‬أ�ح ّق ًا �س ُنبعث‬
‫خلق ًا جديداً بعدما نكون عظام ًا بالي ًة و�أجزا ًء ُمتف ّتـت ًة‬
‫‪ 104‬وقلنا لبني إ��سرائيل بعد إ�غراق فرعون‪ :‬ا�سكنوا‬
‫الأر�َض المقد�سة بال�شام‪ ،‬ف إ�ذا جاء يو ُم الح�ساب جئنا بكم‬ ‫متف ِّرق ًة في الأر�ض!‬

‫جميع ًا على اختلاف أ��وصلكم وقبائلكم‪.‬‬ ‫‪ 99‬أ� َولم يتفكروا فيعلموا أ� َّن الله الذي خلق‬
‫ال�سماوات وا ألر�ض مع ِع َظمهما قاد ٌر على �أن يخلق‬
‫‪٢٩٢‬‬ ‫مثلهم؟ فهم لي�سوا �أ�ش َّد منهما خلق ًا‪ ،‬ولي�س البع ُث‬
‫و إ�عاد ُة الخلق �أ�صع َب ِمن َب ْدئه‪ ،‬وج َع َل �سبحانه لموتهم‬
‫وقت ًا محد ّداً لا �ش ّك فيه ليعلموا �أ ّن أ�مر حياتهم بيده‬
‫لا بيدهم‪ ،‬ولكنهم بدل ًا من أ�ن يعتبروا بذلك �أ َبوا �إ ّل‬

‫الجحو َد تجا ُوزاً لحدود الح ّق‪.‬‬

‫‪ 100‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء الم�شركين‪ :‬لو كنتم‬
‫تملكون خزائ َن رز ِق الله و ِنعمه َل َبخلتم بما عندكم مخاف َة‬
‫النفاد‪ ،‬وكان ا إلن�سا ُن مبالغ ًا في البخل؛ ألن َمبنى أ�مره‬
‫على الحاجة وال ِّ�ض ّنة بما َيحتاج �إليه‪ ،‬وملاحظ ِة ال ِع َو�ِض‬

‫فيما يبذله‪.‬‬

‫‪ 101‬و َيطلب ه�ؤلاء المعجزات ويقترحون ما ي�شا ؤ�ون‪،‬‬
‫ولو جاءتهم لاقت َرحوا غي َرها فهم ُمتع ّنتون‪ ،‬وهذا �ش أ�ن‬
‫َم ْن ال‪ ‬يريد الان�صياع للح ّق‪ ،‬ولقد آ�تينا مو�سى ِمن قب ُل‬
‫ت�س َع آ�يات وا�ضحا ٍت مق ِنعا ٍت وهي‪ :‬اليد‪ ،‬والع�صا‪،‬‬
‫والطوفان‪ ،‬والجراد‪ ،‬وال ُق ّمل‪ ،‬وال�ضفادع‪ ،‬وال ّدم‪،‬‬

‫‪ 108‬ويقول ه�ؤلاء‪ :‬تن َّزه ر ُّبنا عن ُخ ْل ِف َو ْعده‪ ،‬إ� َّن وعد‬ ‫‪ 105‬وبالح ِّق أ�نزلنا هذا القر آ�ن‪ ،‬ن�أم ُر فيه بالعدل‬
‫ر ِّبنا ببعث محم ٍد و إ�نزال القر آ�ن عليه كائ ٌن لا َمحال َة‪.‬‬ ‫وا إلح�سان وما فيه هداي ٌة إ�لى الخير‪ ،‬و َنن ْهى فيه عن الظلم‬
‫والمنكر وك ِّل ما فيه ف�سا ٌد و�ش ٌّر‪ ،‬وبالح ّق نزل ِمن عند الله‬
‫‪ 109‬إ�ذا ُيتلى القر آ�ن على ه�ؤلاء وقعوا �ساجدين لله‬ ‫على نبيه محمد ‪ ،‬وما �أر�سلناك ‪� -‬أيها الر�سول‪� -‬إلا‬
‫وهم يبكون‪ ،‬ويزيدهم ما فيه من المواعظ خ�وضع ًا‬
‫مب�ّشاً بالجنة لمن �أطاع و ُمخ ِّوف ًا بالنار لمن‪ ‬ع�صى‪.‬‬
‫ألمر‪ ‬الله‪ ‬وطاعته‪.‬‬
‫ون َّزلناه من َّجم ًا في �أوقات‬ ‫هذا القر�آن‬ ‫‪ 106‬وقد ف َّرقنا‬
‫‪ 110‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬للذين ينكرون تع ُّد َد أ��سماء‬ ‫على َمهل و ُت�ؤد ٍة و َت َث ُّب ٍت‪،‬‬ ‫على النا�س‬ ‫متلاحقة‪ ،‬لتقر�أه‬
‫الله الم�شتملة على �أ�شرف المعاني‪ :‬إ� ّن ُم َ�س ّماها واحد؛ إ�ذ‬
‫تع ُّد ُد ا أل�سماء لا يقت�ضي تع ُّد َد الم�س َّمى‪ ،‬ف�إن دعوتموه‬ ‫ف إ�نه أ�ي�س ُر للحفظ‪ ،‬و�أعون على الفهم‪ ،‬ونزلناه تنزيل ًا‬
‫بالله فهو ذلك‪ ،‬و إ�ن دعوتموه بالرحمن �أو بغير ذلك من‬ ‫على ح�سب ما تق�ضيه الحكم ُة والحوادث الواقعة‪.‬‬
‫ا أل�سماء التي جاء بها ال�شرع فهو ذلك‪ .‬و�إذا دعو َت‬
‫‪� -‬أيها الر�سول‪� -‬أو قر أ� َت القر�آن فلتك ْن قراءتك و�سط ًا‬ ‫‪ 107‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء الذين ي�س أ�لون‬
‫بين الجهر وال�ِّ ِّس لي�سمع الم ؤ�منون‪ ،‬ولا ي�ؤذيك الم�شركون‪.‬‬ ‫المعجزات معاند ًة ومكابر ًة‪ :‬آ� ِمنوا بهذا القر�آن �أو لا‬
‫‪ 111‬وقل‪ :‬الحمد لله الذي لم يتخ ْذ ولداً فهو المخت�ُّص‬
‫بالوحدانية المتف ّر ُد بالتدبير المن َّز ُه عن الولد وال�شريك‬ ‫ت�ؤمنوا به‪ ،‬ف�إ َّن ذلك لن يزيد �أو ينق�ص من ملك‪ ‬الله �شيئ ًا‪،‬‬
‫والغني عن الولي والن�صير‪ ،‬و َع ِّظ ْم ر َّبك بما أ�مرك �أن‬ ‫و إ� ّن الذين ُأ�وتوا العلم من م�ؤمني �أهل الكتاب‪ ،‬إ�ذا ُيتلى‬
‫ُت َع ّظمه به و أ�طعه فيما أ�مرك ونهاك اعتقاداً وقلا ًو وفعل ًا‪.‬‬ ‫عليهم خ ُّروا �ساجدين تعظيم ًا‪ ‬لله و�شكراً له لإنجازه ما‬

‫‪ 1‬الحم ُد لله الذي خ�َّص بر�سالته محمداً‪ ،‬وانتخبه‬ ‫وعد في تلك الكتب ب�إر�سالك و�إنزال القر�آن عليك‪.‬‬
‫لبلاغها‪ ،‬وابتعثه �إلى خلقه نب ّي ًا مر�َسل ًا‪ ،‬و�أنزل عليه كتاب ًا‬
‫م�ستقيم ًا‪ ،‬ال‪ ‬اختلا َف فيه ولا تفاو َت‪ ،‬بع ُ�ضه ي�ص ِّد ُق‬
‫بع�ض ًا وبع ُ�ضه ي�شهد لبع�ض‪ ،‬لا َز ْي َغ فيه ولا َميل عن الح ّق‪.‬‬
‫‪ 3 2‬أ�نزل �سبحانه على عبده القر�آن عدل ًا لا‬
‫�إفراط فيه ولا تفريط‪ ،‬ل ُينذر الذين كفروا عذاب ًا �شديداً من‬
‫عنده تعالى‪ ،‬ويب�ِّش الم�ص ِّدقين بالله ور�سوله الذين يعملون‬
‫بما �أمر الله‪ ،‬وينتهون ع ّما نهى عنه أ� ّن لهم ثواب ًا جزيل ًا‬

‫‪ -‬وهو الجنة‪ -‬مقيمين فيه �إقام ًة دائمة لا انتها َء لها‪.‬‬
‫‪ 4‬وِل ُينذر الذين قالوا‪ :‬اتخذ الله ولداً ‪ -‬من اليهود‬
‫والن�صارى وبع�ِض م�شركي العرب‪ -‬عاج َل ِنقمته تعالى‬

‫و�آج َل‪ ‬عذابه‪.‬‬

‫‪٢٩٣‬‬

‫�ش َّك فيه‪ ،‬إ�نهم �آمنوا بربهم وزدناهم إ�لى إ�يمانهم �إيمان ًا‬ ‫‪ 5‬ما له ؤ�لاء القائلين هذا القول ‪ -‬أ�نه يجوز أ�ن‬
‫وب�صير ًة‪ ،‬حتى �صبروا على ِهجران قو ِمهم‪ ،‬وفرا ِق ما‬ ‫يكون له ولد‪ -‬بالله ِمن عل ٍم‪ ،‬ولا أل�سلافهم الذين َم َ�ضوا‬
‫ِمن قب ُل‪ ،‬ف ِل َجهلهم بالله وما يج ُب له ِم ْن �صفات الكمال‬
‫كانوا فيه من نعومة‪ ‬ال َعي�ش‪.‬‬ ‫والجلال نطق ْت أ�ل�س َن ُتهم بكلم ِة الكفر‪َ .‬ع ُظم ْت ك ِلم ُتهم‬

‫‪ 14‬و أ�ل َه ْمنا قلو َبهم ال�صب َر‪ ،‬تثبيت ًا على الح ّق والـ َجراءة‬ ‫جهال ًة و إ�ثم ًا‪ ،‬إ� ّنهم ما يقولون على الله �إلا الكذب‪.‬‬
‫على �إظهاره حين قاموا بين يدي َم ِلكهم فقالوا له‪ :‬ر ُّبنا‬
‫ر ُّب ال�سماوات وا ألر�ض وما فيهما‪ ،‬ولن ندعو من‬ ‫‪ 6‬فلعل َك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ُ -‬مه ٌد نف�سك ومهل ُكها‬
‫دونه إ�له ًا‪ ،‬ألنه لا إ�له غيره‪ ،‬و�إ ّن ك َّل ما دونه هو َخل ُقه‪،‬‬ ‫بعد تو ّليهم عنك َج َزع ًا و ُحزن ًا على كفرهم و إ�عرا�ضهم‬
‫ولئن دعونا إ�له ًا غيره‪ ،‬لقد قلنا قلا ًو بعيداً ُبعداً ُم ْف ِرط ًا‬
‫ع ّما �ُأنزل عليك من القر آ�ن‪.‬‬
‫عن الح ّق وال�وصاب‪.‬‬
‫‪� 7‬إ ّنا جعلنا ما على ا ألر�ض ِم ْن نبا ٍت و�شجر و�سائر‬
‫‪ 15‬ه�ؤلاء قومنا اتخذوا من دون الله آ�له ًة يعبدونها‬ ‫ما ُي�ستطا ُب زين ًة لها؛ لنختبر عبادنا أ�يّهم �أ�ش ُّد حذراً‬
‫ِم ْن دونه‪ ،‬ه ّل ي�أتون على عبادتهم إ�ياها ب ُح ّج ٍة ب ّين ٍة‪،‬‬ ‫من الافتتان بها‪ ،‬و�أ ّيهم �أتب ُع ألمرنا ونهينا‪ ،‬و�أعم ُل‬
‫ولن ي�ستطيعوا مهما تك َّلفوا‪َ ،‬ف َم ْن أ��ش ُّد اعتدا ًء وتجاوزاً‬
‫للح ّق ممن ا ْخ َت َلق على الله كذب ًا‪ ،‬و َأ��شر َك معه �شريك ًا‬ ‫فيها‪ ‬بطاعتنا‪.‬‬

‫يعبده ِم ْن دونه!‬ ‫‪ 8‬و�إ ّنا لـ ُم�يِّصون ما على وجـه ا ألر�ض من الزينة‬
‫عند انق�ضاء الدنيا تراب ًا م�ستوي ًا لا نبا َت فيه وال‪ ‬عمران‬

‫وال‪ ‬غيره‪.‬‬

‫‪ 9‬لا يذهب َّن الظ ُّن ب�َأح ٍد ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬أ� ّن‬
‫أ��صحاب الكهف والرقيم ‪ -‬وهو لوح ُكتب فيه‬
‫�أ�سما�ؤهم وخبرهم‪ -‬كانوا من آ�ياتنا عجب ًا‪ ،‬ف إ� ّن َخ ْل َق‬

‫ال�سماوات وا ألر�ض وما فيهن �أعج ُب من أ�مرهم‪.‬‬

‫‪ 11 10‬واذك ْر حين أ�وى الفتية أ��صحا ُب الكهف‬
‫إ�لى غا ٍر في الجبل‪ ،‬هرب ًا بدينهم �إلى الله فقالوا‪ :‬ر َّبنا �آتنا‬
‫من لدنك رحم ًة‪ ،‬وي�ِّس لنا ِم ْن أ�مرنا الذي نح ُن عليه ما‬
‫يب ِّلغنا ال�سداد في طاعتك والعمل بما فيه ر�ضاك‪ .‬ف أ�ل َقينا‬

‫عليهم النو َم �سنين كثيرة‪.‬‬

‫‪ 12‬ث ّم أ�يقظناهم من َر ْقدتهم لتكون عاقبة ذلك‬
‫إ�ظهار ِع ْل ِمنا بمن �أ�صا َب من الفريقين المختل َفين ِم ْن �أهل‬

‫مدينتهم في تقدي ِر م َّد ِة ُمكثهم في الكهف‪.‬‬

‫‪ 13‬نحن ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬نق�ُّص عليك خب َر ه�ؤلاء‬
‫الفتية الذين �أووا �إلى الكهف بال�صدق واليقين الذي لا‬

‫‪٢٩٤‬‬

‫‪ 18‬و َتظ ُّن ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬ه�ؤلاء الفتي َة �أيقاظ ًا و ُه ْم‬ ‫‪ 16‬وقال بع�ُض الفتية لبع�ض‪ :‬و�إذ فارقتم قو َمكم‬
‫م�ست�سلمون ب�إذن ربهم �إلى َنومهم الذي ُق ِّدر لهم‪،‬‬ ‫الذين اتخذوا من دون الله آ�له ًة؛ فا ْلـ َج ؤ�وا �إلى الكهف‬
‫وكل ُبهم با�س ٌط ذراعيه بفنا ِء الكهف عند مدخله‪ ،‬لو‬ ‫يب�س ْط لكم ربكم من رحمته ويجع ْل لكم فرج ًا مما �أنتم‬
‫اطلع َت عليهم في َرقدتهم تلك ألدبر َت عنهم هارب ًا‬
‫منهم َف َزع ًا من الهيئة التي كانوا عليها‪ ،‬والهيب ِة التي‬ ‫فيه من الغ ِّم‪ ،‬وين ِج ُك ْم مـ ّما أ�نتم فيه من الخوف على‬
‫دينكم‪ ‬و�أنف�سكم‪.‬‬
‫�َأ ْل َب�سهم الله �إيّاها‪.‬‬
‫‪ 17‬وترى ال�شم� َس ‪� -‬أيها الر�سول‪� -‬إذا طلع ْت‬
‫‪ 19‬وكما أَ� ْرقدنا ه�ؤلاء الفتية‪ ،‬فكذلك بعثناهم من‬ ‫تميل عن َكهفهم �إلى جهة اليمين‪ ،‬و إ�ذا غرب ْت َت ْع ِدل‬
‫َرقدتهم‪ ،‬و�أيقظناهم من نومهم؛ ل ُنظهر للنا�س عظي َم‬ ‫عنه �إلى جهة ال�شمال‪ ،‬وهم في م َّت َ�س ٍع منه لا ُت�صيبهم‬
‫�سلطاننا‪ ،‬وعجي َب فعلنا في خلقنا‪ .‬ولقد كان من‬ ‫ال�شم�س ولا ينقطع عنهم الهواء‪ ،‬وهذا ِم ْن ُحجج الله‬
‫حالهم ما دعاهم �إلى الت�سا ؤ�ل عن ُم ّدة ُم ْكثهم نائمين‪،‬‬ ‫ي�ستد ُّل بها ُ�أولو الألباب على عظيم قدرته و�سلطانه‪،‬‬
‫فقال بع ُ�ضهم‪ :‬لبثنا يوم ًا أ�و بع�ض يوم‪ ،‬وقال بع�ض‪:‬‬
‫و أ�نه لا ُي ْع ِجزه �شي ٌء �أراده‪ .‬و َم ْن يوفقه اللهُ للاهتداء‬
‫ر ُّبكم أ�عل ُم بما لبثتم؛ فد ُعوا الخو�َض في هذا‪ ،‬و�أر�س ِلوا‬ ‫بهذه الآيات والـ ُحجج �إلى الح ّق فهو المهتدي ح ّق ًا‪،‬‬
‫�أح َدكم بنقودكم هذه إ�لى أ�هل المدينة‪ ،‬فلينظ ْر‪ :‬أ� ُّي‬
‫باعتها أ�ح ُّل و�أطيب طعام ًا فلي�أتكم ب�شيء منه ت أ�كلونه‪،‬‬ ‫و َمن ُي ِ�ض ّله فلن تجد له نا�صراً ولا ُمعين ًا ير�شده‪.‬‬

‫وليتر َّفق في دخول المدينة و�شراء الطعام ولا يفعل َّن ما‬
‫ي�ؤدي �إلى ال ِع ْلم ب أ�مركم‪.‬‬

‫‪ 20‬إ� َّن قومكم �إ ْن علموا بمكانكم ق َتلوكم َرجم ًا‪ ،‬إ� ّل‬
‫أ�ن َت َدعوا ما �أنتم عليه من الح ّق‪ ،‬وتعودوا إ�لى ما هم عليه‬
‫من الكفر‪ ،‬و�إذا فعلتم و ُعدتم �إلى ِم َّلتهم فلن تفوزوا بما‬

‫وعدكم ر ُّبكم ِم ْن َن ْي ِل الر�ضا ودخو ِل الجنة‪.‬‬

‫‪٢٩٥‬‬

‫�سبحانه ال‪ ‬يخفى عليه �شيء في ال�سماوات والأر�ض‪،‬‬ ‫‪ 21‬وكما بعثناهم بعد ُطول َرقدتهم؛ ليت�ساءلوا بينهم‬
‫ما �أب�ص َره بكل ُم ْب َ� ٍص‪ ،‬وما أ��سم َعه لك ِّل َم�سموع! لي�س‬ ‫فيزدادوا بعظيم �سلطان الله ب�صير ًة‪ ،‬وب ُح�سن دفاع الله‬
‫ألحد من َخلقه نا�صرٌ وال‪ُ  ‬معي ٌن �سواه‪ ،‬ولا ي�شاركه �أح ٌد‬ ‫عن �أوليائه معرف ًة‪ ،‬كذلك �أَ ْط َلعنا عليهم قو َمهم الذين‬
‫كانوا في �ش ٍّك من قدرة الله على إ�حياء الموتى؛ ليعلموا‬
‫في ق�ضائه وتدبيره‪.‬‬
‫�أ َّن وعد الله بالبعث ح ٌّق‪ ،‬و ُيوقنوا �أ ّن ال�ساعة �آتية لا َر ْي َب‬
‫‪ 27‬وا ْل َز ْم ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬قراءة ما أُ�نزل إ�ليك من‬ ‫فيها‪ .‬ثم َق َب�َض اللهُ أ�روا َح ال ِف ْتية‪ ،‬واختل َف النا� ُس في‬
‫القر�آن‪ ،‬وا ْلزم العم َل بمقت�ضاه؛ فهو الحق الذي لا ريب‬ ‫�ش أ�نهم فقال فري ٌق‪ :‬ا ْبنوا عليهم بنيان ًا‪ ،‬ر ُّبهم �أعل ُم بهم‬
‫فيه‪ ،‬ولا ُقدرة لأحد على تغييره �أو تحريفه‪ .‬و إ� ْن أ�ن َت‬ ‫وب�ش أ�نهم‪ ،‬وقال الذين لهم القوة وال َغ َلبة وال�سلطان‪:‬‬
‫‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لم تفع ْل ما أ�مرك الله؛ فلن تجد ِمن دون‬
‫الله ملج ًأ� تلج أ� �إليه‪ ،‬ولا َم ْع ِدل ًا تعدل إ�ليه؛ لأ َّن قدرة‬ ‫�س َنبني عليهم م�سجداً لل�صلاة والعبادة لله فيه‪.‬‬
‫الله محيط ٌة بك وب�سائر خلقه‪ ،‬لا يقدر �أح ٌد منهم على‬
‫الهرب ِم ْن �أم ٍر أ�راده به‪ .‬والمراد بهذا التحذير تقوية عزم‬ ‫‪� 22‬سيقول فري ٌق من الخائ�ضين في أ�مر ال ِفتية‪:‬‬
‫النبي ‪ ‬على القيام بما أُ�مر به‪ ،‬و َق ْط ُع طم ِع الكافرين في‬ ‫هم ثلاث ٌة راب ُعهم كل ُبهم‪ ،‬ويقول فريق‪ :‬هم خم�س ٌة‬
‫�ساد�سهم كل ُبهم‪ .‬وقول الفريقين لا ُم�ست َند له إ�لا‬
‫ا�ستجابته ‪ ‬لبع�ض ما طلبوه منه‪.‬‬ ‫الظن‪ ،‬ويقول فريق ثالث‪ :‬هم �سبع ٌة وثامنهم كلبهم‪.‬‬

‫‪٢٩٦‬‬ ‫قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لقائلي هذه ا ألقوال‪ :‬ربي أ�علم‬

‫ب ِع ّدتهم‪ ،‬ما يعلم عددهم �إلا قلي ٌل ِمن خلقه‪ ،‬فلا تجا ِد ْل‬
‫أ�ه َل الكتاب في ذلك إ�لا بما قد أ�ظهرنا لك من أ�مرهم‪،‬‬

‫ولا ت�س�أ ْل عن �ش�أنهم منهم أ�حداً‪.‬‬

‫‪ 24 23‬ولا تقو َل َّن ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬ألم ٍر َت ْع ِزم‬
‫عليه‪� :‬إ ّن فاعله فيما ُي�ستقبل من الزمان‪ ،‬إ� ّل �أن ت�صله‬
‫وتع ّلقه على إ�ذن‪ ‬الله وم�شيئته‪ ،‬واذك ْر ربك �إذا ن�سيت‬
‫الا�ستثناء بما يد ُّل على تعلي ِق َت ُّق ِق َع ْزمك ب�إرادته‪،‬‬
‫م�سبح ًا وم�ستغفراً‪ ،‬وقل‪ :‬ع�سى �أن يهديني ربي ِلـ َما هو‬

‫�أَ�صل ُح في �أمر ديني ودنياي‪.‬‬

‫‪ 25‬و َل ِب َث �أ�صحا ُب الكهف في كهفهم رقوداً إ�لى‬
‫أ�ن َبعثهم الله و�أَ ْطلع الخل َق عليهم‪ :‬ثلا َث مئة �سن ٍة‪،‬‬

‫وت�س َع �سنين‪.‬‬

‫‪ 26‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬اللهُ أ�عل ُم بم ّدة ُرقودهم‬
‫في الكهف‪ ،‬فهو وحده العلي ُم بما غاب عن علمكم‪،‬‬

‫الحرارة‪ُ ،‬ين ِ�ضج الوجو َه ِم ْن �ش ّدة ح ِّره‪ .‬بئ�س ذلك ال�شراب‬
‫�شراب ًا‪ ،‬و�ساءت النا ُر منزل ًا ل إلقامة وطل ِب الراحة‪.‬‬

‫‪ 30‬إ� ّن الذين �ص َّدقوا الله ور�سوله وعملوا بطاعة‬
‫الله‪� ،‬إ ّنا لا ن�ضيع ثوا َب �أعمالهم الح�سن ِة الجاري ِة على ما‬

‫تق�ضيه‪ ‬ال�شريعة‪.‬‬

‫‪� 31‬أولئك لهم جنا ٌت تجري ِم ْن تحتهم الأنهار‪،‬‬ ‫‪ 28‬وا ْح ِم ْل نف َ�سك واحب�سها على العناية بفقراء‬
‫يلب�سون فيها ِمن الحل ِّي أ��ساو َر ِمن ذهب‪ ،‬وثياب ًا خ�ضراء مما‬ ‫الم�سلمين الذين يتو ّجهون إ�لى ربهم �صباح ًا وم�سا ًء‬
‫َر َّق من الحرير وما َث ُخن‪ ،‬متكئين في الجنات على ال�ُّسر‪،‬‬ ‫بالدعاء وال�صلاة‪ ،‬ولا َت�صرف نظ َرك عنهم إ�لى ُكبراء‬
‫الكفار و�أغنيائهم طمع ًا في �إ�سلامهم‪ ،‬ولا ُتطع َمن �َش َغ ْلنا‬
‫ِنعم ا ألجر ذلك ا ألجر‪ ،‬و َح ُ�سنت تلك ال�ُّسر م ّتك أ�ً‪.‬‬ ‫قلبه عن ذكرنا و�آثر هوى نف�سه على طاعة ر ّبه وكان‬

‫‪ 32‬وا�ضر ْب ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬له ؤ�لاء الم�شركين الذين‬ ‫�أم ُره َ�ضياع ًا وهلاك ًا‪.‬‬
‫�س أ�لوك طر َد فقراء الم�سلمين وع َد َم مجال�ستهم مثل ًا‪:‬‬
‫رجلين جعلنا ألحدهما ب�ستانين من �أعنا ٍب‪ ،‬و�أحطناهما‬ ‫‪ 29‬و ُق ْل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬له ؤ�لاء الكافرين الغافلين‬
‫الم َّتبعين �أهواءهم‪ :‬ما جئتكم به هو الح ُّق ِم ْن ربكم‪ ،‬ف َم ْن‬
‫بنخ ٍل‪ ،‬وجعلنا بينهما زرع ًا‪.‬‬ ‫�شاء منكم فلي�ؤمن‪ ،‬وهو لا ينفع �إلا نف�سه‪ ،‬و َم ْن �شاء منكم‬
‫فليكفر‪ ،‬وهو لا يظلم �إلا نف�سه‪ .‬و إ� ْن كفرتم فاعلموا �أ َّن‬
‫‪ِ 33‬ك َل الب�ستانين �آتى ثم َره‪ ،‬ولم َينق�ص منه في �سائر‬
‫ال�سنين �شيئ ًا‪ ،‬بل جاء به تا ّم ًا َم ْوفوراً‪ ،‬وف ّجرنا بينهما نهراً‬ ‫الله أ�ع َّد للكافرين بالله ور�سوله ناراً ُيحيط بهم �ُسو ُرها فلا‬
‫يجدون منها مخرج ًا‪ ،‬و�إ ْن ي�ست ِغث الكافرون في النار من‬
‫تجري فروعه خلالهما‪.‬‬ ‫ِ�ش ّدة العط�ش فيطلبوا الماء ُيغاثوا بما ٍء كالمع ِدن الـ ُمذاب في‬

‫‪ 34‬وكان ل�صاحب الب�ستانين �أموا ٌل أ�خرى ُم ْثمرة‪،‬‬
‫فقال ل�صحابه الذي لا ما َل له‪� :‬أنا �أكثر منك مال ًا‪ ،‬و�أع ُّز‬

‫ع�شير ًة ورهط ًا‪.‬‬

‫‪٢٩٧‬‬

‫‪ 35‬ودخل أ�ح َد ُب�ستا َنيه وفي نف�سه غرو ٌر و ِكب ٌر‪ ،‬وقال‬
‫لـ ّما عاي َن ما هو فيه ِم ْن خير ونعيم‪ :‬ما �أظ ُّن أ�ن يفنى هذا‬

‫الب�ستان أ�بداً‪.‬‬

‫‪ 36‬وما �أظ ُّن ال�ساع َة التي َو َع َد اللهُ خل َقه واقع ًة‪ ،‬ولئن‬
‫وقع ْت لأجد َّن خيراً من ب�ستاني هذا‪ ،‬ف�إ ّن الله لم ُيعطنيه‬

‫إ�لا ولي عنده �أف�ضل منه‪.‬‬

‫‪َ 37‬ر َّد عليه �صاح ُبه الم�ؤمن وهما يتراجعان الكلا َم‬
‫ف�س�أله واعظ ًا وم�ستنكراً كبره وغروره و�ش َّكه‪� :‬أكفر َت‬

‫بالذي ابتد�أ خلقك من ترا ٍب‪ ،‬ثم من نطف ٍة‪ ،‬ثم �و ّصرك‬
‫ب�شراً �سو ّي ًا‪�َ ،‬أ َو َلي�س َم ْن فعل هذا بقاد ٍر على �أن ُيعيدك‬

‫خلق ًا جديداً بعدما ت�صير رفات ًا؟!‬

‫‪ 38‬أ� ّما �أنا فلا �أكفر بر ّبي‪ ،‬بل أ�ُ ؤ�من به و�أو ِّحده‬
‫و أ�عتر ُف بنعمته و�أ�شكره‪.‬‬

‫�سقط بع ُ�ضها على بع�ض‪ ،‬ويتم ّنى لو �أنه لم يكن كف َر بالله‬ ‫‪ 40 39‬و َه ّل �إذ دخل َت ج ّنتك ف أ�عجبك ما ر أ�ي َت‬
‫ولا أ��شر َك به �شيئ ًا‪.‬‬ ‫منها قل َت‪ :‬ما �شاء الله كان‪ ،‬لا ق ّو َة لي في كل الأمور‬
‫والحاجات وا ألحوا ِل �إلا بالله‪ ،‬فهو الواهب وهو المنعم‪،‬‬
‫‪ 43‬ولم ت ُكن له جماع ٌة يمنعونه مما ح ّل به كما كان‬
‫يزعم‪ ،‬ولم يكن قادراً على الامتناع منه بنف�سه‪ ،‬لأنه كان‬ ‫و�إن َترني �أنا �أفق َر منك مال ًا و�أق َّل ولداً فلع ّل الله ربي‬
‫يرزقني جن ًة خيراً من جنتك و َي�سلبك ما �أنعم عليك‬
‫عقاب ًا ب�أمر من الله‪ ،‬ولا را َّد ألمره �سبحانه‪.‬‬ ‫لكفرك واغترارك فير�سل على جنتك من ال�سماء �صاعق ًة‬
‫�أو مطراً عظيم ًا‪ ،‬فت�صبح أ�ر�ض ًا مل�ساء لا ُتنبت‪ ،‬ولا َتثبت‬
‫‪ 44‬وفي هذا الموطن الذي لا يملك المر ُء ما يدفع به عن‬
‫نف�سه َي ْظهر أ�ن ال ُّن�صرة الحقيقية لله وحده‪ ،‬هو خي ُر َمن‬ ‫عليها َق َدم‪.‬‬

‫ُيرجى ثوا ُبه‪ ،‬وخي ُر َم ْن ت�صير ا ألمور إ�ليه‪.‬‬ ‫‪ 41‬أ�و ُي ْ�صبح ما�ؤُها غائراً ذاهب ًا في الأر�ض لا ت�ستطيع‬
‫َأ� ْن تدركه ب ِحيلة ِمن الحيل‪.‬‬
‫‪ 45‬اذك ْر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء الم�ستكبرين أ� ّن‬
‫دنياهم في َزهوها ون�ضارتها‪ ،‬و�سرعة انق�ضائها وفنائها‪،‬‬ ‫‪ 42‬و�أتى الهلا ُك على الجنة وثما ِرها من كل جانب‪،‬‬
‫كما ٍء �أنزلناه من ال�سماء فارتوى به نبا ُت الأر�ض حتى‬ ‫ف أ��صبح �صاح ُب الجنة الذي ظن �أنها لن تبيد أ�بداً‪ ،‬نادم ًا‬
‫ا�ستوى و�أينع‪ ،‬ثم م َّرت م ّد ٌة قليلة ف أ��صبح ياب�س ًا متك�ِّساً‬ ‫ُيق ِّلب ك ّفيه َظهراً ِل َب ْط ٍن‪َ ،‬ت َل ُّهف ًا و�أ�سف ًا على َذهاب ما أ�نفق‬
‫فيها ِم ْن أ�جل عمارتها و إ��صلاحها‪ ،‬وهي الآن خالي ٌة قد‬
‫تف ّرقه الريا ُح‪ ،‬والله قاد ٌر على كل �شيء �إن�شا ًء و�إفنا ًء‪.‬‬

‫‪٢٩٨‬‬

‫وما �أعطيناكم من الأموال وراء ظهوركم‪ ،‬وكنتم‬ ‫‪ 46‬الما ُل والبنو َن مما ُيتز َّين به و ُي�ستمتع و ُيتق ّوى به في‬
‫تزعمون �أ ْن لي�س هناك بع ٌث ولا ح�سا ٌب ولا عقا ٌب!‬ ‫الحياة الدنيا‪ ،‬ولكن هذا لا يدوم‪ ،‬إ� ّنا الذي يدوم و َيبقى‬
‫ا ألعما ُل ال�صالحة التي ير�ضاها الله ع ّز وج ّل‪ ،‬وهي خي ٌر‬
‫‪ 49‬و ُو ِ�ضعت يومئ ٍذ �صحائ ُف العباد في �أيديهم‬ ‫‪ -‬يا‪ ‬محمد‪ -‬عند ربك ثواب ًا وجزا ًء من المال والبنين‬
‫و ُع ِر�ضت عليهم أ�عمالهم‪ ،‬فترى الم�شركين بالله خائفين‬ ‫و�سائر ما َيفتخر به ه ؤ�لاء الم�شركون‪ ،‬وهي خي ُر ما ي�ؤ ّمله‬
‫و ِج ِلين مما هو مكتو ٌب من أ�عمالهم ال�سيئة‪ ،‬ويقولون‬
‫�إذا قر ؤ�وا �صحائفهم‪ ،‬ور�أوا ما قد ُكتب عليهم فيها من‬ ‫الإن�سا ُن ويرجوه عند الله تعالى‪.‬‬
‫�صغائر ذنوبهم وكبائرها‪ :‬يا هلا َكنا ما لهذا الكتاب لا‬
‫يترك �صغير ًة ولا كبير ًة إ� ّل حواها و َ�ض َبطها‪ .‬ووجدوا ما‬ ‫‪ 47‬واذكر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬يوم َنقلع الجبال من‬
‫عملوا في الدنيا م�سطوراً‪ ،‬ولا َيظلم ر ُّبك أ�حداً فيكتب‬ ‫�أماكنها ون�س ِّيها كما ت�سير ال�سحاب‪ ،‬وترى ا ألر�ض‬
‫ما لم يعمل من ال�سيئات‪� ،‬أو يزيد في عقابه الم�ست َح ِّق له‪.‬‬ ‫ظاهر ًة م�ستوية لي�س عليها َجبل ولا حجر ولا ُبنيان‪،‬‬
‫و َجم ْعنا النا� َس إ�لى موقف الح�شر من كل َح َد ٍب‪ ،‬م ؤ�منين‬
‫‪ 50‬واذكر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لقومك �إذ قلنا للملائكة‪:‬‬
‫ا�سجدوا آلدم �سجو َد تحية وتكريم فامت َثلوا الأم َر �إلا‬ ‫وكافرين‪ ،‬فلم نترك منهم �أحداً‪.‬‬
‫إ�بلي�س كان من الجن فع�صى �أمر ربه وخرج عن طاعته‬
‫ا�ستكباراً‪ ،‬فكيف تتخذونه وذريته من ال�شياطين �أ ِح ّبا َء‬ ‫‪ 48‬و ُع ِر�َض الـ َخل ُق على ر ّبك ‪� -‬أيها الر�سول‪-‬‬
‫و ُن�صرا َء من دوني‪ ،‬تطيعونهم وتتبعون و�ْسو�ستهم وهم‬ ‫�صفوف ًا �صفوف ًا‪ ،‬ويقول الله للكافرين منهم‪ :‬لقد‬
‫لكم �أعداء غير نا�صحين؟ بئ�س البد ُل ا�ستبدا ُلكم بموالاة‬ ‫جئتمونا كما خلقناكم �أ ّو َل مر ٍة‪ ،‬وتركتم ما خ ّولناكم‬

‫الله موالا َة �إبلي�س‪ ‬وذريته‪.‬‬ ‫‪٢٩٩‬‬

‫‪ 51‬ما �أ�شهد ُت �إبلي� َس ولا ذ ِّر ّيته خل َق ال�سماوات‬
‫وا ألر�ض َف ْ�ضل ًا عن أ�ن ي�شاركوا في الخلق‪ ،‬ولا أ��شهد ُت‬
‫بع َ�ضهم خل َق بع�ٍض‪ ،‬وما كن ُت متخذاً ه ؤ�لاء ال�شياطين‬
‫أ�عوان ًا في �ش�أ ٍن ِم ْن �ش ؤ�وني‪ ،‬ف�أنا المتف ِّر ُد بالخلق والتدبير‪،‬‬

‫فكيف تتخذونهم أ�ولياء وت�شركونهم في عبادتي؟‬

‫‪ 52‬واذك ْر لهم يو َم يقول الح ُّق للكفار‪ :‬نا ُدوا الذين‬
‫جعلتموهم �شركا َء لي لي�شفعوا لكم أ�و ينقذوكم مما‬
‫أ�نتم فيه‪ ،‬فنا َدوهم وا�ستغاثوا بهم فلم يق ْع منهم مج َّر ُد‬
‫ا�ستجاب ٍة لهم‪َ ،‬ف ْ�ضل ًا عن �أن ينفعوهم �أو يدفعوا عنهم‪،‬‬
‫و َج َع ْلنا بين الداعين والمدع ِّوين َمه ِلك ًا فلا َي�ص ُل �أح ٌد‬

‫منهم �إلى ا آلخر‪.‬‬

‫‪ 53‬ور أ�ى ه ؤ�لاء المجرمون النا َر ف�أيقنوا أ� ّنهم واقعون‬
‫فيها‪ ،‬ولم َيجدوا عنها َمه َرب ًا و َم ْع ِدل ًا ين�صرفون إ�ليه‪.‬‬

‫‪ 54‬ولقد ب َّي ّنا ون َّوعنا في هذا القر آ�ن للنا�س ا ألمثا َل‬
‫ليتعظوا ويعتبروا‪ ،‬فلم يفعلوا‪ ،‬وكان الإن�سا ُن كثي َر‬

‫الجدل والمنازعة بالباطل‪.‬‬

‫‪ 59‬و أ�ما َم ه ؤ�لاء �وشاه ُد يم ُّرون عليها و أ�خبا ٌر ي�سمعون‬ ‫‪ 55‬وما َم َنع النا� َس أ�ن ي ؤ�منوا بربهم وي�ستغفروه مما‬
‫بها‪ ،‬عن تلك القرى التي أ�هلكنا �أهلها بالعذاب حين‬ ‫هم م�ص ُّرون عليه من الذنوب والمعا�صي بعد �أن جاءهم‬
‫الهدى إ� ّل انتظار أ� ْن ي أ�تيهم عذا ٌب ي�ست أ��صلهم كما‬
‫َظ َلموا‪ ،‬وجعلنا لهلاكهم وقت ًا مع َّين ًا‪ ،‬فليعتب ْر كفار قري�ش‬ ‫جرت �ُس ّنة الله في َم ْن تق َّدم من ا ألمم الظالمة‪� ،‬أو ي أ�تيهم‬
‫و َم ْن على �شا ِكلتهم بما ح َّل بمن تق َّدم عليهم‪.‬‬
‫عذاب ا آلخرة ِع َيان ًا‪ ،‬وعندئ ٍذ ال‪ ‬ينفعهم �إيما ُنهم �شيئ ًا‪.‬‬
‫‪ 60‬واذكر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬ق�ص َة مو�سى بن عمران‬
‫حين قال لفتاه ُيو�شع بن ُنون‪ :‬لا أ�َزال أ��سي ُر حتى �أبلغ‬ ‫‪ 56‬وما ُنر�سل المر�َسلين إ�لى الأمم إ�لا مب�ِّشين للم ؤ�منين‬
‫ملتقى البحرين ب َ�سي ٍر قريب‪� ،‬أو أ��سير أ�زمان ًا طويلة حتى‬ ‫بالثواب‪ ،‬ومنذرين للكافرين بالعقاب‪ ،‬ولم نر�سلهم‬

‫�أبلغه‪ ،‬ف�إني با ِل ُغه لا َمحال َة‪.‬‬ ‫ل َي�س أ�ل الـ ُم ْب ِطلون ما ي�شا ؤ�ون من معجزات َب َطراً وعناداً‬
‫وجدال ًا و�سخري ًة‪ ،‬ويجا ِد ُل الذين كفروا بالباطل‬
‫‪ 61‬و�سار مو�سى وفتاه‪ ،‬فل ّما و َ�صلا �إلى ُملتقى‬
‫البحرين ن�سي يو�ش ُع هناك حو َتهما‪ ،‬فاتخذ الحو ُت‬ ‫ل ُيزيلوا به الح َّق و ُيزهقوه‪ ،‬وجعلوا �آياتي و�إنذاري َمح ّ ًل‬
‫لل�سخرية والا�ستهزاء‪.‬‬
‫طريقه إ�لى البحر حتى نزل فيه وغاب‪.‬‬
‫‪ 57‬ولن تجد �أحداً �أظل َم لنف�سه ممن ُن ِ�صح َو ُوعظ بهذا‬
‫القر�آن العظيم‪ ،‬ف�أع َر�ض عن �آياته ولم يتدبرها ولم ي ؤ�من‬
‫بها‪ ،‬ون�س َي ما فعله ِمن الكفر والمعا�صي ولم يتفكر في‬
‫عاقبته‪ ،‬إ� ّنا جعلنا ‪ -‬ب�سبب �إعرا�ضهم ون�سيانهم‪ -‬على‬
‫قلوبهم أ�َغطي ًة فلا‪ ‬يعقلون عن الله آ�ي ًة‪ ،‬وجعلنا في آ�ذانهم‬
‫ِث َقل ًا فلا ي�سمعون موعظة‪ ،‬ومهما تدعهم إ�لى الهدى‬

‫فلن يكون منهم اهتدا ٌء‪� ‬أبداً‪.‬‬

‫‪ 58‬ور ُّبك هو الوا�سع الرحمة العظيم المغفرة‪ ،‬وللاو‬
‫ر ْح َم ُته ومغفرته لانتقم منهم على ما يفعلون من كف ٍر‬
‫ومعا�ٍص و إ�عرا�ٍض و�سخري ٍة‪ ،‬و أَلنزل بهم العذا َب‬
‫العاج َل‪ ،‬ولكنه ُي ؤ� ِّخ ُرهم و ُي ِه ُلهم‪ ،‬ولهم بعد ذلك موع ٌد‬

‫ُيعاقبون فيه ولا يجدون ملج�أً يلتجئون �إليه فراراً منه‪.‬‬

‫‪٣٠٠‬‬

‫‪ 66‬ولـ ّما لقي مو�سى ذلك العب َد ال�صالح ا�ست�أذنه في‬ ‫‪ 62‬فل ّما جاوزا َمم َع البحرين‪ ،‬و�شعرا بالجوع‬
‫�صحبته فقال‪ :‬هل �أ ّتبعك على �أن تعلمني مما ع َّلمك اللهُ‬ ‫والتعب‪ ،‬قال مو�سى لفتاه‪� :‬آتنا غداءنا‪ ،‬لقد لقينا من‬
‫من العلم الذي �أزدا ُد به ر�شداً ومعرفة بحقائق ا ألمور؟‬
‫�سفرنا هذا عنا ًء وتعب ًا‪.‬‬
‫‪ 67‬قال له العبد ال�صالح‪ :‬إ�نك لن ُتطيق ال�صبر على‬
‫اتباعي وعدم الإنكار عل َّي فيما تراه من ت�صرفاتي‪ ،‬ف أ�نت‬ ‫‪ 63‬قال الفتى‪� :‬أ َتعلم حين التج�أنا �إلى ال�صخرة لنرتاح‬
‫ر�سو ٌل ُمك َّلف بحفظ ظاهر ال�شريعة‪ ،‬و أ�نا أ�طلعني الله‬ ‫عندها‪ ،‬ف إ�ني ن�سيت �أن أ�ذكر لك الحو َت وما كان من‬
‫َ�أ ْمره‪ ،‬وما �أن�ساني أ�ن �أذكره إ�لا ال�شيطان‪ ،‬وكان الحو ُت‬
‫على أ�مور خف َّية �أت�صر ُف بمقت�ضاها‪.‬‬ ‫قد اتخذ طريقه في البحر على نح ٍو غي ِر َمعهو ٍد‪ ،‬فغاب‬
‫عن عين الفتى فن�سيه ون�سي �أن يذكر ما �شهده لمو�سى‪.‬‬
‫‪ 68‬وكيف ت�ستطيع ال�صب َر على أ�مو ٍر لم يطلعك الله‬
‫على خف ِّي ِحكمتها؟!‬ ‫‪ 64‬قال مو�سى‪ :‬ذلك الذي ذكر َت ِمن أ� ْم ِر الحوت‬
‫هو الذي كنا نطلبه‪ ،‬فرجعا على طريقهما الذي جاءا‬
‫‪ 69‬قال له مو�سى‪� :‬س َتاني إ�ن �شاء الله �صابراً على ما‬
‫�أرى من َك‪ ،‬غي َر معتر�ٍض عليك وغي َر عا�ٍص لما ت أ�مر به‪.‬‬ ‫منه يتبعان �آثا َرهما في الطريق‪.‬‬

‫‪ 70‬قال العبد ال�صالح‪ :‬ف إ� ْن �صحبتني ور�أي َت م ِّني‬ ‫‪ 65‬وهناك عند ال�صخرة وجدا عبداً من عباد‪ ‬الله هو‬
‫ِفعل ًا لا تر�ضاه فلا تبد ْ�أ بال�س ؤ�ال والاعترا�ض حتى �أكون‬ ‫الـ َخ ِ� ُض عليه ال�سلام‪� ،‬آتاه الله رحم ًة عظيم ًة ِم ْن عنده‪،‬‬

‫�أنا البادي ببيان الحكمة الباعث ِة على ذلك الفعل‪.‬‬ ‫وع ّلمه ِم ْن لدنه علم ًا خا�ص ًا‪.‬‬

‫‪ 71‬ف�سارا على �شاطئ البحر‪ ،‬فل ّما وجدا �سفين ًة‬
‫ركباها‪ ،‬وهناك �َأ ْح َد َث فيها العبد ال�صالح ُثقب ًا أ�و‬
‫�َش ّق ًا‪ ،‬ف ُده�ش مو�سى لهذا الفعل وال�سفين ُة في البحر‬
‫وقد ُيع ّر�ضها هذا الخرق للغرق فقال مبادراً‪ :‬أ�َ َخرقتها‬

‫لتت�سبب في إ�غراق �أهلها‪ ،‬لقد أ�تي َت �أمراً منكراً!‬

‫‪ 72‬قال العب ُد ال�صالح‪� :‬أ َل تذكر أ�نني �أخبرتك ب�أنك‬
‫لا تملك ال�صب َر على اتباعي ومرافقتي؟‬

‫‪ 73‬قال مو�سى‪ :‬لا ت�ؤاخذني بن�سياني و�ص َّيتك‬
‫وغفلتي عن �َ ْشطك‪ ،‬ولا ُت ِّملني في تع ُّلمي منك ما‬

‫ي�ش ُّق عل ّي‪ ‬ويع�سر‪.‬‬

‫‪ 74‬ولـ ّما خرجا إ�لى ال َ ِّب انطلقا‪ ،‬فلقيا غلام ًا فقتله‬
‫العب ُد ال�صالح‪ ،‬فلم ُيطق مو�سى ال�سكو َت فقال معتر�ض ًا‪:‬‬
‫كيف تقت ُل نف�س ًا طاهر ًة من الذنوب بغير نف�س؟! لقد‬

‫فعل َت أ�مراً ي�ستنكره ك ُّل ذي عق ٍل راج ٍح وطب ٍع �سلي ٍم!‬

‫‪٣٠١‬‬

‫‪ 82‬و�أ ّما �سب ُب بناء الجدار في القرية مع ُبخل �أهلها‬ ‫‪ 75‬قال الـ َخ ِ�ض لمو�سى ‪ -‬عليهما ال�سلام‪ -‬مك ِّرراً‬
‫و ُبع ِدهم عن الخير‪ ،‬فذلك أ�ن الجدار كان لغلامين‬ ‫تذكي َره بمخالفة ما تع ّهد به من ال�صبر على ما يرى‪� :‬ألم‬
‫يتيمين‪ ،‬وكان تحته كنز لهما قد ي�ضيع إ�ذا انهدم الجدار‬ ‫أ�قل لك �إنك لن ت�ستطيع معي �صبراً؟ وزاد على العتا ِب‬
‫ف�أقم ُته لحفظ الكنز‪ .‬وكان أ�بو الغلامين �صالح ًا فلذلك‬ ‫الأ ّو ِل المواجه َة بكاف الخطاب بقوله‪« :‬لك»‪ ،‬مقابل ًة‬
‫�أراد ر ُّبك رحم ًة منه بال�ضعفاء من ذرية ال�صالحين أ�ن‬
‫يب ُلغا �س َّن الر�شد والقوة وي�ستخرجا كنزهما ‪ -‬وهذا من‬ ‫للزيادة في الإنكار بالزيادة في العتاب‪.‬‬
‫حفظ الله �سبحانه للولد ب�صلاح الوالد‪ -‬وما فعل ُت هذا‬
‫الذي فعل ُت في المرات الثلاث عن أ�مري‪ ،‬و�إنما هو �أم ٌر‬ ‫‪ 76‬قال مو�سى عليه ال�سلام‪ :‬إ� ْن �س أ�لتك بعد هذه‬
‫من الله تعالى لم ت�ستطع �أنت عليه �صبراً ف أ�نكر َته لأ ّن الله‬ ‫الم َّرة عن �شيء فلا ت�صاحبني فقد وجد َت من جهتي‬
‫عذراً؛ ف�إ َّن تك ُّرر المخالفة ثلاث ًا ينفي العذر وي�ؤكد‬
‫لم ُي ْطلعك على �شيء ِم ْن خف ِّي �أمره‪.‬‬
‫‪ 83‬ي�س�ألك قو ُمك ‪ -‬يا محمد‪ -‬اختباراً لنب ّوتك‬ ‫ال َعجز عن ال�صبر‪.‬‬
‫عن ذي القرنين‪ ،‬فقل لهم‪� :‬س�أتلو عليكم ِم ْن أ�خباره‬
‫‪ 77‬فتا َبعا �سي َرهما حتى جاءا قري ًة �أه ُلها أ�ه ُل �سو ٍء‬
‫و�أحواله ما َيبعث على الذكر والاعتبار‪.‬‬ ‫ول�ؤم‪ ،‬فطلبا منهم طعام ًا ف�أبوا �أن يقوموا بما يجب لابن‬
‫ال�سبيل من ال�ضيافة والإكرام‪ .‬ووجد مو�سى والـ َخ ِ�ض‬
‫‪302‬‬ ‫في القرية جداراً مائل ًا يكاد ي�سقط فق ّوى الـ َخ�ض ُر‬
‫بناءه‪ ،‬فقال له مو�سى‪� :‬إنهم �أبوا أ�ن ي�ضيفونا فلو �شئ َت‬

‫لطلب َت منهم �أجراً‪.‬‬

‫‪ 78‬قال الـ َخ ِ�ض‪ :‬اقترا ُحك �أ ْن �آخذ �أجراً على ما‬
‫فعل ُت منا ٍف لما ا�شترطت على نف�سك‪ ،‬وهو ُمو ِج ٌب‬
‫للفراق بيننا‪ ،‬و�س�أخبرك بالأ�سباب الخفية التي من �أجلها‬

‫فعل ُت ما �أنكرته عل َّي بح�سب ظاهر علمك‪.‬‬
‫‪ 79‬أ� ّما �سب ُب َخرق ال�سفينة فهو أ�نها كانت لم�ساكين‬
‫يتك�سبون بها في البحر ف�أردت أ�ن �أعيبها حماي ًة لهم ِم ْن‬
‫مل ٍك وراءهم يغ�صب كل �سفينة �صالح ٍة ظلم ًا‪ ،‬ف�إذا ر�أى‬

‫عيب ًا في هذه لم ينتزعها ِم ْن �أهلها‪.‬‬

‫‪ 80‬و أ� ّما الغلام الذي قتل ُته فكان أ�بواه م�ؤمنين ‪ -‬وقد‬
‫أ�علمه الله أ�نه لو عا�ش لكان كافراً وفتن ًة لوالديه‪-‬‬
‫فخ�شينا لو بقي ح ّي ًا أ�ن ُيوقع �أبويه في الطغيان والكفر‬

‫ل�شدة محبتهما له‪.‬‬

‫‪ 81‬ف�أرد ُت بقتله �أن يرزقهما ر ُّبهما ولداً خيراً منه في‬
‫طهار ِة نف�سه و�صلاحه‪ ،‬و�أقر َب رحم ًة في معاملته لهما‪.‬‬

‫‪ 88‬و أ� ّما َمن جمع ا إليما َن والعم َل ال�صالح فله الجزا ُء‬
‫ا ألح�سن في ا آلخرة‪ ،‬ولا ن�أمره �إلا بما فيه رعاية م�صلحته‬

‫وال‪ ‬ي�ش ُّق عليه‪.‬‬

‫‪ 91 - 89‬ث ّم َأ� َخذ ذو القرنين في طري ٍق ُيبلغه أ�ق�صى‬
‫الأر�ض ِمن جهة م�شرق ال�شم�س فلما َب َلغه وجد ال�شم�س‬
‫تطلع على قوم لا ي�سترهم منها �ساتر ِمن جب ٍل أ�و بناء‪،‬‬

‫فهي �أر�ض منب�سطة مك�شوفة لل�شم�س‪ .‬كذلك كان �ش أ� ُن‬
‫ذي القرنين ِمن العظمة و َب�ْس ِط ال�سلطان والعدل‪ ،‬وقد‬
‫�أحاط الله علم ًا بما عنده من عظمة الـ ُملك و أ��سباب القوة‪.‬‬
‫وهذه كناي ٌة عن كثرة ما آ�تاه الله ع َّز وج َّل من أ��سباب القوة‬

‫والملك بحيث لا يحيط به �إ ّل عل ُم اللطي ِف الخبير‪.‬‬

‫‪ُ 93 92‬ث َّم �سلك ذو القرنين طريق ًا �آخر حتى و�صل‬
‫�إلى ما بين ال�س َّدين‪ ،‬وهما جبلان مانعان يحجبان ما‬
‫وراءهما‪ ،‬فوجد �أمامهما أ�ُ ّم ًة من النا�س لا يكادون‬
‫يفهمون �شيئ ًا عن غيرهم لا�س ِت ْعجامهم و�شدة ُبعدهم‬

‫عن ال ّنا�س‪.‬‬

‫‪ 94‬قال ه ؤ�لاء القوم‪ :‬يا ذا القرنين �إ ّن َقبيلتي ي أ�جوج‬ ‫‪� 84‬إ ّنا َب َ�سطنا له ِمن الق ّوة ما دان ْت له به الأر�ض‪،‬‬
‫وم�أجوج مف�سدون في ا ألر�ض؛ فهم كلما خرجوا‬ ‫وف َت َح به البلاد‪ ،‬و�آتيناه من العلم والقدرة و�سائ ِر ما‬
‫�إلينا من بين الجبلين أ�ف�سدوا في الأر�ض بالظلم والقتل‬
‫والتخريب‪ ،‬فهل تر�ضى أ�ن نعطيك �أجراً على أ�ن تبني‬ ‫ُي�ستعان به على الحكم و�إقامة العدل و َق ْهر‪ ‬الظلم‪.‬‬

‫بيننا وبينهم حاجزاً يك ُّفهم ع ّنا؟‬ ‫‪ 86 85‬فل ّما �أراد �أن يبلغ �أق�صى الأر�ض ِمن جهة‬
‫غروب ال�شم�س ا ّتبع طريق ًا يو�صله �إليه‪ .‬فتابع �َسيره حتى‬
‫‪ 95‬قال ذو القرنين‪ :‬ما �آتاني ربي من ا أل�سباب وما‬ ‫بلغ منتهى ا ألر�ض المعمورة ِمن جهة الغرب‪ ،‬فر�أى‬
‫ال�شم�س وهو ينظر �إلى غروبها في الأفق تغرب في عين‬
‫من القدرة ُيغني عن عطائكم و أ�موالكم؛ ولك ْن‬ ‫َب َ�سط لي‬ ‫ذا ِت طين أ��سود ‪ -‬وهذا هو المعتاد لمن كان بينه وبين �أفق‬
‫بق ّو ِة �أبدا ِنكم وعم ِلكم ف�أَر ِدم بين الجبلين حتى‬ ‫أ�عينوني‬ ‫ال�شم�س الغربي ماء‪ -‬و َو َجد عند هذا المكان الذي بلغه‬
‫قوم ًا لا َيدينون دي َن الحق ولا ي�أتمرون ب أ�مر الله و�شرعه‪،‬‬
‫�أحجزهم عنكم‪.‬‬ ‫فخ َّيه الله تعالى بين أ�ن يعاملهم بالق�سوة وال�شدة �أو‬
‫با إلح�سان �إليهم وال�صبر عليهم حتى ي ؤ�منوا وينقادوا له‪.‬‬
‫‪ 96‬ث ّم قال ذو القرنين‪� :‬أح ِ�ضوا لي ِق َطع الحديد‬
‫و أ� َم َرهم أ�ن يلقوها بين الجبلين حتى ملأ ما بينهما و أ�وقد‬ ‫‪ 87‬قال ذو القرنين‪� :‬أ ّما َم ْن �أ�ص ّر على كفره وا�ستم ّر‬
‫النار عليه‪ ،‬وقال لهم‪ :‬انفخوا‪ ،‬حتى حمي الحديد و�صار‬ ‫على ف�ساده بعد دعوتنا له �إلى ا إليمان ف�سوف نع ِّذبه‬
‫في الدنيا ثم يرجع �إلى الله فيع ِّذبه في الآخرة عذاب ًا في‬
‫ك�أنه نار‪ ،‬فقال‪� :‬أعطوني النحا�س الذائب �أ�ص ّبه عليه‪.‬‬
‫غاي ِة ال�ش َّدة‪.‬‬
‫‪ 97‬فما ا�ستطاعت ي�أجو ُج وم أ�جوج أ�ن تعلوه ل ِ�ش ّدة‬
‫ارتفاعه‪ ،‬ولا أ�ن يفتحوا فيه َم ّراً ل�ش ّدة �صلابته‪.‬‬ ‫‪303‬‬

‫‪� 108 107‬إ ّن الذين آ�منوا ب�آياتي ولقائي وعملوا‬ ‫‪ 98‬قال ذو القرنين‪ :‬هذا ال�س ُّد رحمة من ربي فهو‬
‫ال�صالحات قد َكتب ُت في ا َلأ َز ِل أ� ّن لهم جنات الفردو�س‬ ‫وقاي ٌة لكل َم ْن ُيخ�شى عليه من �ش ِّر ي�أجوج وم�أجوج‪،‬‬
‫‪ -‬وهي �أف�ضل منازل الجنة و أ�علاها‪ -‬يقيمون فيها أ�بداً‬ ‫ف إ�ذا جاء َو ْع ُد الله بخروجهما عند ُقرب قيام ال�ساعة‬
‫جعل ال�س َّد �أر�ض ًا م�ستوي ًة‪ ،‬وكان َو ْعد ربي واقع ًا لا‬
‫لا يريدون تح ُّول ًا عنها‪ ،‬رغب ًة فيها وحب ًا لها‪.‬‬
‫َر ْي َب فيه‪.‬‬
‫‪ 109‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪� :-‬إ ّن كلمات ر ّبك لا تح�صى‪،‬‬
‫فلو كان البح ُر حبراً يم ّد ا ألقلا َم التي تكتبها لانتهى‬ ‫‪ 99‬ف�إذا جاء الوعد خرجوا ك أ�نهم ِم ْن �ش ّدة الزحام‬
‫البح ُر قبل أ�ن تنتهي‪ ،‬ولو زدنا عليه من الحبر مقدار مثله‬ ‫َمو ٌج يرتطم بع�ضه ببع�ض‪ .‬و ُنفخ في ال�صور ‪ -‬وهو‬
‫ال ُبوق‪ -‬نفخ َة البعث‪ ،‬فجمع الله تعالى الخلق أ�جمعين‬
‫لما انته ْت كلمات ر ِّبك‪.‬‬
‫في مكان واحد للح�ساب‪.‬‬
‫‪ 110‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لل ّنا�س كا ّف ًة‪ :‬ما أ�نا إ� ّل ب�شرٌ‬
‫مثلكم َيع ِر�ض لي ما َيع ِر�ض لكم‪ ،‬و�إنما خ ّ�صني الله‬ ‫‪ 101 100‬و َ�أ ْبرزنا جهنم في ذلك اليوم للكافرين إ�برازاً‬
‫بالوحي و�أمرني أ�ن أ�بلغكم أ� ّن �إل َهكم واح ٌد لا �شريك‬ ‫فيرونها ِع َيان ًا وي�سمعون �صوتها‪ ،‬وذلك جزا ُء �إعرا�ضهم‬
‫له في ذاته ولا في �صفاته ولا في أ�فعاله‪ ،‬ف َم ْن كان يرجو‬ ‫في الدنيا عن �آياتنا �إعرا�ض ًا َم َنعهم من ر�ؤيتها ر�ؤي َة اعتبا ٍر‬
‫ُح�س َن لقاء ربه فليعمل عمل ًا على َو ْف ِق �شريعته‪ ،‬ولا‬
‫وتذ ُّك ٍر و ِمن �سماعها �سما َع تد ُّب ٍر‪ ‬وقبو ٍل‪.‬‬
‫ي�شرك بعبادة ربه �أحداً‪.‬‬
‫‪ 102‬هل ظ َّن الذين كفروا حين أ�عر�ضوا عما ذ ّكر ُتهم‬
‫به من ا آليات �أن يتخذوا عبادي أ�رباب ًا يوالونهم‬
‫بالعبادة دون �أن نعاقبهم؟ لقد ه ّي أ�نا للكافرين جهنم‬

‫منزل ًا و ُمقام ًا‪.‬‬

‫‪ 104 103‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬هل ُن ْع ِلمكم ب�أخ�سر‬
‫ال ّنا�س في عملهم؟ إ�نهم الذين َب َطل ْت أ�عما ُلهم ب�سبب‬
‫كفرهم في حياتهم الدنيا ومع ذلك فهم يظنون أ�ن‬

‫�أعمالهم ح�سنة مقبولة عند الله‪.‬‬

‫‪� 105‬أولئك ا ألخ�سرون هم الذين كفروا ب�آيات الله‬
‫الدالة على أ�لوهيته وتوحيده وكفروا بلقاء الله تعالى يوم‬
‫القيامة ف َب َطل ْت أ�عما ُلهم فلا يقيم الله تعالى ألعمالهم‬
‫ميزان ًا ألنها كالعدم ولا يكون لهم كرامة عند الله تعالى‪.‬‬

‫‪ 106‬ذلك ال ِّ�صنف الذين حبط ْت أ�عمالهم جزا�ؤهم‬
‫هو جهنم ب�سبب كفرهم واتخا ِذهم آ�ياتي ور�سلي َمح ّ ًل‬

‫لل�سخرية والا�ستهزاء‪.‬‬

‫‪304‬‬

‫ولي�س لي ول ٌد وامر�أتي عقي ٌم لا تلد ف َه ْبني بخا�ِّص ف�ضلك‬
‫و أ�م ِر َك ولداً يرثني ويرث �آ َل يعقوب في النب ّوة والعلم‪،‬‬

‫وو ِّفقه ر ِّب ألن يكون عندك َمر�ض ّي ًا‪.‬‬

‫‪ ٧‬قال الله تعالى له‪ :‬يا زكريا إ� ّنا نب�ِّشك ب إ�جابة‬

‫دعوتك‪ ،‬قد وهبنا لك غلام ًا ا�سمه يحيى ولم ُن�س ِّم بهذا‬
‫الا�سم �أحداً قبله ت�شريف ًا له بهذا التخ�صي�ص البديع‪.‬‬

‫‪ ٨‬قال زكريا ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬تعظيم ًا ل ُقدرة الله‬
‫على الخلق بلا أ��سباب‪ :‬ر ِّب كيف يكون لي غلام وحا ُل‬

‫امر�أتي كما تعلم و أ�نا قد بلغ ُت النهاي َة في ال ِكب َر!‬

‫‪ ٩‬قال الله تعالى‪� :‬إ ّن الحا َل كما تقول‪ ،‬ولا را ّد‬
‫لإرادتي و�إ ّن الذي تف ّ�ضل عليك بالخ َلق ابتدا ًء قاد ٌر على‬

‫التف ُّ�ضل عليك بالولد‪.‬‬

‫‪ ١٠‬قال‪ :‬ر ِّب اجعل لي علام ًة أ�عرف بها ح�صول‬ ‫‪} ١‬ﭑ{‪� :‬سب َق الكلا ُم على هذه الحروف‬
‫ا إلجابة بمنحي الولد ف أ��شكرك عليه أ� ّو َل ح�صوله‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫الـ ُمق ّطعة في �أول �سورة البقرة‪.‬‬
‫علام ُة ذلك أ� ّل ت�ستطيع �أن تتوجه �إلى ال ّنا�س بكلام مد َة‬
‫ثلاث ِة �أيام بلياليها مع �سلامتك ِمن ا آلفات المانع ِة للكلام‪.‬‬ ‫‪ ٢‬هذا الذي �س أ�ُخبركم به هو ِذ ْك ُر رحم ِة الله لعبده‬
‫زكريا عليه ال�سلام‪.‬‬
‫‪ ١١‬فخرج على قومه وكانوا ينتظرونه خارج الم�ص َّلى‪،‬‬
‫ف أ��شار �إليهم دو َن ُن ْط ٍق �أن ُي َ�ص ُّلوا أ� ّو َل النهار و آ�خره‪.‬‬

‫‪ ٣‬حين دعا زكريا ر ّبه دعا ًء �أخفاه عن النا�س‪.‬‬

‫‪ ٤‬ق َّدم في الدعاء �صف َة َ�ضعفه ا�سترحام ًا فقال‪:‬‬
‫يا ر ِّب �إ ّن ر َّق عظمي و َ�ض ُع َف‪ ،‬وانت�شر ال�شي ُب في‬
‫ر أ��سي انت�شا َر النا ِر في الحطب‪ ،‬و�أنت عودتني ا إلجابة‬

‫فيما م�ضى فلا ُت َخ ِّيبني في دعائي هذا‪.‬‬

‫‪ ٦ ٥‬ث ّم ا�سترحم ر ّبه لأمته من بعده فقال‪ :‬و إ� ّن‬
‫ِخفت على دين يعقوب وميراثه ممن َي ُلوني في الن�سب‪،‬‬

‫‪305‬‬

‫‪ ١٢‬ف ُو ِلد يحيى ون�ش�أَ حتى َب َل َغ َمب َلغ ًا يفهم فيه الخطاب‬
‫فقلنا له‪ :‬يا يحيى تع َّلم التوراة بج ٍّد واجتهاد‪ ،‬و�آتيناه‬
‫ال ِحكم َة والفقه في الدين والإقبا َل على الخير �صب ّي ًا‪ ،‬دون‬

‫�س ِّن البلوغ‪.‬‬

‫‪ ١٣‬و آ�تيناه من عندنا رحم ًة عظيمة في قلبه‪ ،‬وطهار ًة‬
‫من العيوب والذنوب‪ ،‬وكان تا َّم الطاعة لنا‪.‬‬

‫‪ ١٤‬وكان َل ِّي الجان ِب َخفي�َض الـ َجناح لوالديه ولم‬
‫يكن متكبراً على الخ ْلق ولم يكن عا�صي ًا لر ّبه‪ ،‬فلم ي�أت‬

‫ذنب ًا ولا ه َّم به‪.‬‬

‫‪ ١٥‬و�سلا ٌم من الله على يحيى و�أما ٌن له يوم ُولد و ِم ْن‬
‫عذاب القبر يو َم موته و ِمن َهول القيامة و�شدائدها في‬

‫آ�خرته‪.‬‬

‫�سبب هداي ٍة م ّني للعباد فتنالهم رحمتي‪ ،‬وهذا أ�مر قد‬ ‫اع‪٦‬ت‪١‬زل ْتواقذوكَم ْرها‪-‬فيأ�يمهاكاا ٍلنر�مسنولج‪-‬هة افلمي�شالرققر آ�‪.‬ن مري َم حين‬
‫ُق�ضي وت َّم فار َ�ض ْي بما ق�ضي ُت‪.‬‬
‫‪ ١٧‬فاحتجب ْت عنهم ف أ�ر�سل الله �إليها ُرو َح ال ُق ُد�س‬
‫‪ ٢٢‬فنفخ فيها جبريل نفخ ًة فحمل ْت بعي�سى ‪ -‬عليه‬ ‫جبري َل ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬فظهر لها في �صورة ب�ش ٍر‪ ‬تا ِّم‬
‫ال�سلام‪ -‬فل ّما خ�شي ْت �أن يراها قو ُمها فيظنوا بها ال�سوء‬
‫ال ِخلقة‪.‬‬
‫تن َّح ْت وهو في بطنها عن مكانها �إلى مكان بعيد‪.‬‬
‫‪ ٢٣‬ف�َألج أ�ها أ�لـ ُم ال َّط ْلق و ِ�ش ّد ُته إ�لى ِج ْذع النخلة ف أ�َوت‬ ‫‪ ١٨‬ف َح ِ�س َبته ب�شراً فخاف ْت على عفافها منه‪ ،‬فقالت‬
‫إ�ليه وقالت ‪ -‬ب�سبب ا أللم والخوف من َمقالة ال�سوء‪:-‬‬ ‫له تخويف ًا من الله وح ّث ًا له على تقوى الله في �أمرها‪� :‬إني‬
‫يا ليتني ِم ُّت قبل هذا الحمل وكن ُت �شيئ ًا مـ ّما ُيطرح‬ ‫أ��ستجير بالرحمن من َك أ�ن تم�ّسني �إ ْن كن َت ممن يتقي الله‬

‫ف ُين�سى ولا ُيذكر لقل ِة �ش أ�نه‪.‬‬ ‫ويخ�شاه‪.‬‬
‫‪ ٢٤‬فناداها اب ُنها حين و َ�ض َعته ‪� -‬أو جبريل‪ -‬فقال‪:‬‬
‫لا تحزني قد َ�أ ْنبع الله لك نهراً �صغيراً قريب ًا يجري أ��سفل‬ ‫‪ ١٩‬قال لها جبريل‪ :‬ما أ�ريد بك �سوءاً بل �أنا مر�َس ٌل‬
‫من عند ربك ألَهب لك ب إ�ذنه ولداً طاهر النف�س‬
‫من ِك‪.‬‬
‫كريم‪ ‬ال�صفات‪.‬‬
‫‪ ٢٥‬وح ِّركي جذ َع النخلة نح َوك يت�ساق ْط عليك مر ًة‬
‫بعد مر ٍة ِم ْن ثمرها النا�ض ِج الطر ِّي الذي َته ّي أ� ألن ُيجنى‪.‬‬ ‫‪ ٢٠‬قالت له‪ :‬كيف يكون لي غلا ٌم مع أ� ِّن لم يتزوجني‬
‫ب�شرٌ وما كن ُت زاني ًة َق ّط؟!‬
‫‪306‬‬
‫‪ ٢١‬قال لها‪ :‬إ� ّن الأ ْم َر كما تقولين‪ ،‬لك ْن قال ر ُّب ِك �إ َّن‬
‫بذلك أ�ن‬ ‫عل َّي‪ ،‬وقد �أرد ُت‬ ‫بدون �أ ٍب �سه ٌل‬ ‫َخ ْلق الغلام‬
‫�أن يكون‬ ‫قدرتي‪ ،‬و�أرد ُت‬ ‫يرى النا�س فيها‬ ‫�أجعله ِعبر ًة‬

‫ُوجد ُت‪ ،‬و�أمرني �أمراً م ؤ� َّكداً ب أ�داء ال�صلاة كما يجب‬ ‫‪ ٢٦‬ف ُكلي من ال ُّرطب وا�شربي من هذا الماء واطمئني‬
‫و إ�يتا ِء الزكاة ما دم ُت ح ّي ًا‪.‬‬ ‫بذلك وبمولودك‪ ،‬ف إ�ن ر�أي ِت �أحداً من الب�شر و�س�ألك‬
‫عن المولود فقولي‪ :‬إ�ني أ�َوجبت على نف�سي �صمت ًا طاع ًة‬
‫‪ ٣٢‬وجعلني عظيم الب ِّر بوالدتي‪ ،‬ولم يجعلني متك ِّباً‬
‫متعاظم ًا‪ ،‬ولا خا�سراً عا�صي ًا لربي‪.‬‬ ‫للرحمن؛ فلن �أك ِّلم اليوم إ�ن�سان ًا‪.‬‬

‫‪ ٣٣‬وال�سلا ُم عل َّي من الله‪ِ ،‬من َن ْزغ ال�شيطان يوم‬ ‫‪ ٢٧‬فل ّما اطم�أن ْت بذلك أ�ت ْت قومها بمولودها تحمله‪،‬‬
‫ولادتي‪ ،‬ومن عذاب القبر بعد موتي‪ ،‬و ِمن َهول يوم‬ ‫فقالوا‪ :‬يا مريم لقد أ�تي ِت عمل ًا منكراً عظي َم‪ ‬ال ُقبح‪.‬‬
‫القيامة يوم �ُأبعث ح ّي ًا‪ .‬وهذا إ�قرار منه ‪ -‬عليه ال�سلام‪-‬‬
‫وهو في َمهده بعبوديته لله ع ّز وج َّل‪ ،‬و�أنه مخلوق يحيا‬ ‫‪ ٢٨‬يا �أخ َت هارون في الديِّن وال�صلاح ‪ -‬وكان‬
‫هارون من �صالحي بني إ��سرائيل‪ ،‬وهو غير هارون �أخي‬
‫ويموت وي ُبعث ك�سائر‪ ‬الخلق‪.‬‬ ‫مو�سى‪ -‬ما كان �أبو ِك رج َل �سو ٍء‪ ،‬وما كانت �أمك امر�أ َة‬

‫‪ ٣٤‬ذلك الذي ت َق َّدم َخب ُره و َنع ُته وبيا ُن ب�شريته ونبوته‬ ‫فجو ٍر‪ ،‬فكيف فعل ِت ذلك؟! يقولونه �إنكاراً وتع ُّجب ًا‪.‬‬
‫وعل ِّو مرتبته هو عي�سى ابن مريم‪ ،‬والح ُّق هو ما قاله‬
‫عي�سى عن نف�سه‪ ،‬لا ما ت ّدعيه اليهود والن�صارى الذين‬ ‫‪ ٢٩‬ف أ��شار ْت لهم إ�ليه أ�ن ي�س�ألوه‪ ،‬فقالوا م�ستنكرين‪:‬‬
‫َي ْ�ص ُدرون فيما يقولون عن مجرد ال�شك والزعم الباطل‪.‬‬ ‫كيف نك ِّلم َم ْن هو ر�ضيع لا يزال في‪َ  ‬مهده؟‬

‫‪ ٣٥‬لا ي�ص ُّح عقل ًا أ�ن يتخذ الله ولداً ولا حاج َة له‬ ‫‪ ٣١ ٣٠‬ف�أنطقه الله فقال‪ :‬إ�ني عبد الله‪ ،‬ق َّد َر لي أ�ن‬
‫�إلى الولد‪ ،‬ف إ�نه �إذا أ�راد وقو َع �أم ٍر يكفي �أَ ْن يقول له‪:‬‬ ‫ي ؤ�تيني الإنجي َل‪ ،‬و�أن يجعلني نب ّي ًا‪ ،‬ن ّفاع ًا للخلق أ�ينما‬

‫« ُك ْن»‪ ،‬فيكون‪.‬‬ ‫‪307‬‬

‫‪ ٣٦‬و�إ ّن الله تعالى هو ربي وهو ربكم‪ ،‬ف�أخ ِل�صوا‬
‫له العبادة والطاعة‪ ،‬وهذا هو الطريق الم�ستقيم الذي لا‬
‫ِع َوج فيه‪ .‬وهذا من بقية كلام عي�سى عليه ال�سلام‪ ،‬جاء‬

‫بعد بيان القو ِل الح ِّق في �ش أ�نه‪.‬‬

‫‪ ٣٧‬هذا قو ُل عي�سى لقومه‪ ،‬ولكن اختلفت ال ِفر ُق من‬
‫�أهل الكتاب فيه‪ ،‬فك ّذبه اليهود‪ ،‬وقال �أكثر الن�صارى‪:‬‬
‫ثال ُث ثلاثة‪ ،‬وقال بع�ضهم‪ :‬هو الله‪ ،‬والنادر َم ْن قال‪ :‬هو‬
‫عبد الله‪ ،‬فهلا ٌك وعذا ٌب �شدي ٌد يوم القيامة لمن لم ي ؤ�منوا‬

‫بعي�سى أ�و قالوا فيه غير الح ّق‪.‬‬

‫‪ ٣٨‬ما �أ�ش َّد �َس ْم َع ه ؤ�لاء الم�شركين والكافرين‪ ،‬يوم‬
‫القيامة و�َأقوى ب�ص َرهم‪ ،‬حين يرون العذاب ويتيقنون‬
‫ببطلان ما هم عليه ولا ينفعهم ذلك! ولكنهم في الدنيا‬
‫ب�سبب ظلمهم �ص ٌّم و ُعم ٌي ع ّما هم فيه من �ضلا ٍل َب ِّ ٍي‬

‫لل ِعيان‪.‬‬

‫بال�سلامة من كل مكروه‪ ،‬و�س أ��س�أل ربي أ�ن يغفر لك‬ ‫‪ ٣٩‬و أ�ن ِذ ْر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬الم�شركين ‪ -‬وهم على ما‬
‫راجي ًا �إجابته فقد ع ّودني التلط َف بي وا إلح�سان‪ .‬و أ�بتع ُد‬ ‫هم عليه من الكفر والغفلة لينتبهوا‪ -‬أ�ن ِذرهم يوم يندم‬
‫عنك وعن قومك و�آلهتكم التي تعبدونها من دون الله‬ ‫الظالمون أ��ش َّد الندم‪ ،‬يوم ُيق�ضى بين النا�س و ُيفرغ من‬
‫و�أخ�ُّص اللهَ ربي بالعبادة والطاعة والدعاء‪ ،‬ع�سى أ�ن‬ ‫الح�ساب‪ ،‬في�صير فري ٌق إ�لى الجنة وفري ٌق �إلى ال�سعير‪،‬‬
‫�أكون من ال�سعداء الذين ُيتقبل منهم دعا�ؤهم و�أعمالهم‪.‬‬ ‫ويقال‪ :‬يا �أهل الجنة خلو ٌد فلا موت‪ ،‬ويا أ�هل النار‬
‫‪ ٥٠ ٤٩‬فل ّما فارقهم �إبراهي ُم وفارق آ�له َتهم التي‬
‫يعبدون من دون الله وهاجر �إلى ال�شام َو َهب الله له اب َنه‬ ‫خلو ٌد فلا موت‪.‬‬
‫إ��سحاق وحفي َده يعقوب بن �إ�سحاق زياد ًة وتف ُّ�ضل ًا لتق ّر‬
‫بهما عي ُنه في حياته‪ ،‬وجعل ك ّ ًل منهما نب ّي ًا‪ .‬ووهب الله‬ ‫‪ ٤٠‬إ� ّنا نحن نرث ا ألر�ض و َم ْن عليها بفنائهم وبقائنا‪،‬‬
‫لهم جميع ًا من رحمته المال والولد‪ ،‬وجعل لهم ِذكراً‬ ‫فلا �أحد ي َّدعي ُملك ًا ولا ت�ص ُّرف ًا‪ ،‬و�إلينا وح َدنا يرجعون‪.‬‬
‫ح�سن ًا على ك ِّل ل�سا ٍن ِم ْن �أه ِل المل ِل الثلاث ِة‪ُ :‬م�ْسلمين‬
‫‪ ٤١‬واذكر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬في القر�آن لقومك ق�ص َة‬
‫ون�صارى ويهود‪.‬‬ ‫أ�بيهم إ�براهيم‪ ،‬فهو َجدير أ�ن يقتدوا به فيما َن َ�صح به �أباه‬
‫من التوحيد لأنه كان كام َل الت�صديق بكل ما جاء ِم ْن‬
‫‪ ٥١‬واذك ْر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لقومك في القر آ�ن‬
‫ق�ص َة مو�سى بن عمران الذي �أخل�صه اللهُ تعالى لطاعته‬ ‫عند الله‪ ،‬وكان ِم ْن �أعلى �أنبيائنا منزل ًة‪.‬‬
‫وعبادته‪ ،‬وكان نب ّي ًا ر�سول ًا‪ُ :‬ين ِزل عليه ما ي�شاء ِمن َو ْحيه‬
‫‪ ٤٢‬اذك ْر لهم حين قال �إبراهيم ألبيه متر ِّفق ًا به مق ِّدراً‬
‫وي أ�مره بتبليغ ر�سالته إ�لى قومه‪.‬‬ ‫أ�ُب َّوته‪ :‬يا �أبت لماذا تعبد ما لا ي�سمع‪ ،‬ولا يب�صر‪ ،‬ولا يملك‬

‫‪308‬‬ ‫لك نفع ًا ولا �ض ّراً؟!‬
‫‪ ٤٤ ٤٣‬ث ّم دعاه مترفق ًا به ُ ِمل ًا أُلب ّوته‪ ،‬فقال‪ :‬يا �أب ِت‬
‫إ�ني جاءني من العلم من الله ما لا تعلمه‪ ،‬فاتبعني أ�د ّلك‬
‫على الطريق الم�ستقيم في معرفة ا إلله الحق‪ .‬ثم ا�ستر�َس َل‬
‫في التر ُّفق حين نهاه عن عبادة ال�شيطان ‪ -‬وهي طاعته‬
‫في عبادة ا ألوثان‪ -‬وب َّي له ما يدعوه إ�لى َت ْر ِك طاعته‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا �أبت لا تعبد ال�شيطان‪� ،‬إ ّن ال�شيطان كان لربه‬

‫العظي ِم الرحم ِة مخالف ًا ُم�ص ّراً على المخالفة‪.‬‬

‫‪ ٤٥‬ث ّم انتق َل إ�لى تخويفه من غير إ�خلا ٍل بما يجب‬
‫ألبيه من الأدب‪ ،‬فقال‪ :‬يا �أب ِت إ�ني �أخاف �إ ْن ظلل َت‬
‫على ال�شرك أ�ن ي�صيبك عذا ٌب من الله‪ ،‬فت�صير قرين ًا‬

‫لل�شيطان في جهنم‪ ،‬فتهلك وتخ�سر‪.‬‬

‫‪� ٤٦‬أجابه أ�بوه من ِكراً ومه ّدداً فقال‪� :‬أ ُم ْع ِر� ٌض �أنت‬
‫عن �آلهتي يا �إبراهيم؟ لئن لم تك َّف عن التع ُّر�ض آللهتي‬
‫والدعوة �إلى ترك عبادتها‪ ،‬ألعذب ّنك رجم ًا بالحجارة‪،‬‬

‫واعتزلني يا �إبراهيم زمان ًا طويل ًا!‬

‫‪ ٤٨ ٤٧‬قال �إبراهيم لأبيه‪� :‬أ ْت ُر ُك َك داعي ًا لك‬

‫‪ ٥٨‬ه�ؤلاء المذكورون هم ِمن الذين �أكرمهم الله بنعمة‬ ‫‪ ٥٣ ٥٢‬وناديناه ِمن جه ِة جبل ال ُّطور التي تلي َيي َن‬
‫النب ّوة ِم ْن ذرية آ�دم و ِم ْن ذرية َم ْن حملنا مع نوح و ِم ْن‬ ‫مو�سى عليه ال�سلام‪ ،‬ورفعنا مكانته ب�أن كان كلا ُمنا له‬
‫ذرية إ�براهيم ويعقوب ‪ -‬عليهم ال�سلام‪ -‬وك ُّلهم ممن‬ ‫ِم ْن غير وحي‪ .‬وتف ّ�ضلنا عليه ِم ْن رحمتنا ب�أن َم َن ْحنا �أخاه‬
‫هدينا وا�صطفينا‪ ،‬و�َش�ْأ ُن ه ؤ�لاء أ�نهم �إذا ُقرئ ْت عليهم‬ ‫هارون النبوة‪ ،‬إ�جاب ًة ل�س�ؤاله‪ ،‬ليعاونه في تبليغ ر�سالته‪.‬‬
‫�آيات الرحمن خ ّروا على جباههم �ساجدين تعظيم ًا‬
‫‪ ٥٤‬واذك ْر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لقومك ق�ص َة �إ�سماعيل‪،‬‬
‫وخ�شي ًة له �سبحانه‪.‬‬ ‫ف�إنه ُع ِرف بال�صدق في جميع ُوعوده‪ ،‬لا َي ِع ُد ب�شيء إ�لا‬
‫�أَ ْنزه على التمام‪ ،‬وكان ر�سول ًا أ�ر�سله الله إ�لى �أهل مكة‬
‫‪ ٦٠ ٥٩‬ف َع ّق َب ه ؤ�لاء ا ألخيار َع ِقب �سوء خالفوا‬
‫�سير �آبائهم‪ ،‬و�أهملوا ال�صلاة واتبعوا ال�شهوات‪ ،‬فاقترفوا‬ ‫و َم ْن وا َلهم‪ُ ،‬ينبئهم بديننا و�شريعتنا‪.‬‬
‫المنكرات‪ ،‬ف�سوف يلقون �شراً وخ�سران ًا‪� .‬إلا َم ْن رجع‬
‫إ�لى الله تعالى‪ ،‬و�آمن به وعمل �صالح ًا‪ ،‬ف�أولئك يدخلون‬ ‫‪ ٥٥‬وكان مواظب ًا على �أمر �أهله بال�صلاة والزكاة‬
‫الجنة جزاء توبتهم و�إيمانهم و�صلاح �أعمالهم‪ ،‬ولا‬ ‫ليكونوا قدو ًة لغيرهم‪ ،‬وكان عند ربه َم ْر�ض َّي‪ ‬الخ�صال‪.‬‬
‫ُين َق�ص �أج ُرهم ب�سبب ما �سبق منهم ِم ْن كفر أ�و تفريط‪.‬‬
‫‪ ٦٢ ٦١‬يدخلون جنا ِت إ�قام ٍة وخلو ٍد‪ ،‬التي َو َعد‬ ‫‪ ٥٧ ٥٦‬واذك ْر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لقومك خب َر‬
‫الله تعالى عباده الم�ؤمنين وهي َغ ْي ٌب عنهم‪ ،‬ف�آمنوا بها‬ ‫إ�دري�س‪ ،‬إ�نه كان كامل ًا في ال�صدق والت�صديق بما جاء‬
‫وعملوا لها ولم يروها‪ ،‬وو ْع ُده متح ِّق ٌق لا َمحال َة‪ .‬لا‬ ‫من الله‪ ،‬وكان نبي ًا يوحى إ�ليه‪ .‬وجمعنا له بين �َ َش ِف‬
‫ي�سمعون فيها كلام ًا لا نفع فيه‪ ،‬ولكن ي�سمعون �سلا َم‬
‫بع�ضهم على بع�ض‪ ،‬وت�سلي َم الملائكة عليهم‪ ،‬و ُيجري‬ ‫النبوة وعل ِّو المنزلة‪.‬‬

‫الله عليهم رز َقه الذي خ ّ�صهم به متى �شا�ؤوا‪.‬‬

‫‪ ٦٣‬تلك الجن ُة المو�صوف ُة بتلك ال�صفات الجليلة‪ ،‬هي‬
‫التي نتف�ضل بها على عبادنا في�ستمتعون بها ا�ستمتاع ًا‬
‫دائم ًا لا ُي�ستر ّد كا�ستمتاع الوارث بما يرث؛ ولي�س ذلك‬

‫إ�لا لمن �أ ّدى ما فر�ضناه عليه واجتنب ما‪ ‬نهيناه عنه‪.‬‬

‫‪ ٦٤‬هذا بيا ٌن من الله تعالى لر�سوله لـ ّما �ش ّق عليه‬
‫ت�أ ُّخ ُر نزول الوحي‪ ،‬ور ٌّد على َزعم الم�شركين أ�ن محمداً‬
‫قد تركه ر ُّبه‪ :‬إ� ّن جبريل وغيره من الملائكة لا يتنزلون‬
‫بالوحي �أو بغيره إ�لا ب إ�رادة الله و�أمره‪ ،‬وذلك وفق ًا ِلـ َما‬
‫تقت�ضيه حكم ُته‪ .‬فهو �سبحانه الذي يرجع إ�ليه تدبير‬
‫ا ألمور ك ِّلها‪ ،‬وهو العا ِلـ َم بما كان وبما �سيكون‪ ،‬لا يجوز‬

‫عليه �سبحانه في �ش�أن الوحي �أو غيره ن�سيا ٌن �أو غفلة‪.‬‬

‫‪309‬‬

‫‪ ٧٤‬لقد أ�هلكنا ُ�أمم ًا كثيرة َقبلهم ب�سبب كفرهم‪ ،‬كانوا‬ ‫‪ ٦٥‬فهو �سبحانه ر ُّب ال�سماوات وا ألر�ض وما‬
‫�أح�س َن منهم في متاع بيوتهم وزينتها‪ ،‬و�أجم َل منظراً‬ ‫بينهما‪ ،‬يد ِّبر أ�مر ذلك بعلمه وتقديره‪ ،‬و�إذا كان كذلك‬
‫فاعبده واجته ْد في ال�صبر على عبادته‪ .‬لي�س له تعالى‬
‫وهيئ ًة فلم ُيغن عنهم ذلك �شيئ ًا‪.‬‬ ‫�َشبي ٌه أ�و َنظي ٌر في ذاته �أو �صفاته �أو أ�فعاله‪ ،‬فهو المتف ِّرد‬
‫بالكمال‪ ،‬لا ي�ستح ّق أ�ن ي�س َّمى �إله ًا �إلا هو‪ ،‬وال‪ُ  ‬يعبد‬
‫‪ ٧٥‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬له ؤ�لاء المفتخرين بما لديهم‬
‫من الدنيا‪َ :‬م ْن كان م�ستغرق ًا في ال�ضلالة فهو َحر ٌّي‬ ‫�أح ٌد بح ٍّق إ�ال‪ ‬هو‪.‬‬
‫�أن يم َّد له الله تعالى َم ّداً في حظوظ الدنيا ا�ستدراج ًا له‬
‫فيزداد �إثم ًا‪ ،‬حتى يرى ما وعده الله تعالى به‪� :‬إ ّما العذاب‬ ‫‪ ٦٦‬ويقول الكافر منكراً أ�ن يبعثه الله تعالى بعد الموت‪:‬‬
‫العاجل في الدنيا‪ ،‬و�إ ّما �أهوال يوم القيامة‪ ،‬وفي الحالتين‬ ‫أ��إذا م ّت يمكن بعد ذلك أ�ن �أُخرج من قبري‪ ‬ح ّي ًا؟!‬
‫�سوف يعلمون ح ّق ًا َم ْن هو �أ�سو�أُ مو�ضع ًا و أ��ضع ُف م�ؤيِّداً‬
‫‪َ ٦٧‬أ� ُي ْن ِكر الإن�سا ُن البع َث بعد الموت‪ ،‬ولا يتذكر �أ ّنا‬
‫ونا�صراً‪.‬‬ ‫خلقناه ِم ْن قب ُل ولم يكن حينئذ �شيئ ًا أ��صل ًا‪ ،‬مع أ�ن هذا‬

‫‪ ٧٦‬وفي مقابل �إمهال الل ِه الكفا َر وا�ستدرا ِجهم يزيد‬ ‫أ�َعج ُب من البعث؟! ف�إنكاره البعث هو الم�ستن َكر‪.‬‬
‫اللهُ أ�ه َل الهدى هداي ًة بزيادة الطاعات‪ ،‬وبالتثبي ِت على‬
‫الحق‪ .‬والأعما ُل الباقيا ُت ببقاء �أَ ْجرهن‪ ،‬ال�صالحا ُت‬ ‫‪ ٦٨‬فور ِّبك ‪ -‬يا محمد‪َ :-‬ل َن�سوق ّنهم مجموعين مع‬
‫بر�ضا الله تعالى عن أ�هلهن خي ٌر عند ربك أ�جراً وعاقب ًة‬ ‫�شياطينهم الذين أ�غووهم‪ ،‬ثم لنح�ضر ّنهم حول جهنم‬
‫وهم باركون على ال ُّر َك ِب �أذل ًة خائفين‪ ،‬ال‪ ‬يقدرون على‬
‫مما �أوتي الكفار من‪ ‬الدنيا‪.‬‬
‫القيام ِم ْن �ش ّدة ما بهم‪.‬‬
‫‪ ٧٠ ٦٩‬ث ّم ل ُنخرج ّن بقو ٍة ِم ْن ك ِّل ِم ّل ٍة منهم َم ْن هو‬
‫أ��شدهم ع�صيان ًا لنا وتك ُّباً عن عبادتنا‪ ،‬ف�إننا أ�علم بالذين‬
‫هم أ� ْج َدر بالعذاب فنبد�أ بهم‪ ،‬ف ُن ْن ِ�ضج جلو َدهم بالنار‪،‬‬

‫ونجعلهم يقا�سون ح ّرها و�ش ّدتها‪.‬‬
‫‪ ٧٢ ٧١‬وما منكم ‪� -‬أيها النا�س‪ -‬أ�ح ٌد إ�لا هو �آ ٍت‬
‫جهن َم‪ ،‬وهو يم ُّر على ال�صراط الذي ُي�ضرب فوقها‪ ،‬وقد‬
‫جعل‪ ‬الله تعالى هذا ا ألمر واجب ًا مقطوع ًا به وق�ضا ًء لا‬
‫تبديل له‪ .‬وعند مرور الذين اتقوا ربهم يخمد لهي ُب‬
‫النار‪ ،‬فلا‪ ‬ي�ؤذيهم‪ ،‬ونترك الظالمين ألنف�سهم بالكفر بالله‬

‫فيها على حالتهم‪ ،‬باركين على الركب أ�ذل ًة خائفين‪.‬‬

‫‪ ٧٣‬وحين تقر�أ ‪� -‬أيها النبي‪ -‬على الكفار �آياتنا في‬
‫بيان الح ّق وحا ِل أ�هله عند الله تعالى وبيا ِن الباطل وحا ِل‬
‫أ�هله ال‪ُ  ‬يق ّرون بالح ّق رغم و�ضوح ا آليات‪ ،‬بل ين�صرفون‬
‫إ�لى مقارنة حالهم في الدنيا بحال فقراء الم�ؤمنين‪،‬‬
‫يقولون‪ :‬أ� ُّينا خي ٌر م�سكن ًا و أ�ح�س ُن مجل�س ًا بين النا�س! ولو‬

‫كان دينكم حق ًا لكنتم �أح�سن منا‪.‬‬

‫‪310‬‬

‫‪ ٨٢‬ف ْلينز ِجر الم�شركون عن هذا الاعتقاد الباطل‪،‬‬
‫�ست ْك ُف ُر آ�له ُتهم بعبادتهم �إيّاها‪ ،‬ولن تكون مانع ًة لهم‬
‫من العذاب‪ ،‬بل �سبب ًا في هوانهم وانقطاع ُح ّجتهم‬

‫يوم‪ ‬القيامة‪.‬‬

‫‪ ٨٤ ٨٣‬أ�لم َتعلم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬أ� ّنا �س ّلطنا‬
‫ال�شياطين على الكافرين‪ ،‬لإ�صرارهم على معاندة الحق‪،‬‬

‫فهي تدفعهم �إلى ال�ضلال وتح ُّثهم على المعا�صي ح ّث ًا‪ .‬فلا‬
‫ت�ستعج ْل عليهم ف إ� َّن ح�سابهم آ� ٍت قريب ًا‪ ،‬ولكننا نح�صي‬
‫عليهم أ�عمالهم‪ ،‬ونع ُّد �أيامهم �إلى ا ألجل الذي �أ َّجلنا‬

‫لعذابهم‪.‬‬

‫‪ ٨٦ ٨٥‬اذك ْر‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬يو َم الح�شر‪ ،‬إ�ذ ُيح�شر‬
‫المتقون إ�لى ربهم وفوداً مكرمين‪ ،‬و ُي�ساق المجرمون‬
‫بكفرهم في هذا اليوم ِعطا�ش ًا كما ُت�ساق ا ألنعام‪ ،‬لكن‬

‫إ�لى نار جهنم بدل ًا عن الماء‪.‬‬

‫‪ ٨٧‬لا يملك َأ�ح ٌد في هذا اليوم �أن ي�شفع ألحد‪ ،‬لك ْن‬ ‫‪ ٧٧‬أ�فلا َتعجب ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬من هذا الذي‬
‫َمن اتخذ عند الرحمن عهداً‪ ،‬فهو َيلك ال�شفاعة بعد‬ ‫كفر ب آ�يات الله وبراهينه على ال َبعث ‪ -‬وهو العا�ُص بن‬
‫الإذن‪ .‬والعه ُد ا�س ٌم جام ٌع ل إليمان وك ِّل ال�صالحات التي‬ ‫وائل‪ -‬وزعم �أنه �إن ُب ِعث ف�سي ؤ�تيه الله تعالى الأموال‬
‫ترفع �صاحبها �إلى درجة َم ْن ُي�ؤذن له في ال�شفاعة يوم‬
‫والأولاد؟!‬
‫القيامة‪.‬‬
‫‪ ٧٨‬هل ا َّطلع هذا على الغيب فعلم أ�نه ِم ْن أ�هل الجنة‬
‫‪ ٩١ - ٨٨‬وقال اليهود والن�صارى و َم ْن َز َع َم من‬ ‫و أ�ن الله �سي ؤ�تيه ما ي ّدعيه من المال والولد؟! أ�م اتخذ عند‬
‫الم�شركين �أن الملائكة بنا ُت الله‪ :‬اتخذ الرحمن ولداً‪ .‬لقد‬ ‫الله تعالى عهداً بذلك فهو على يقي ٍن من أ�ن الله �سيدخله‬
‫ارتكبتم بهذا ال�شرك والا ّدعا ِء الباط ِل �شيئ ًا قبيح ًا فظيع ًا‬
‫منكراً �شدي َد النكارة‪ .‬تو�شك ال�سماوات �أن تت�صدع‬ ‫الجنة وي ؤ�تيه ما يزعم؟!‬
‫وا ألر�ُض �أن تن�شق والجبال �أن ت�سقط ُمته ِّدم ًة ب�سبب‬
‫‪ ٨٠ ٧٩‬ف ْلينز ِج ْر عن هذا الا ّدعاء الذي �ُس ِّجل في‬
‫ا ّدعاء الولد للرحمن‪.‬‬ ‫�صحائفه‪ ،‬و�سنحا�سبه عليه يوم القيامة‪ ،‬و َنزيد له في‬
‫العذاب كما زاد في الكذب والاجتراء‪ .‬و َن ْن ِزع منه ما‬
‫الرحم ُن‬ ‫ي َّتخذ‬ ‫ل‪٣‬ا‪�٩‬ستحولالية�س ُمي�ش�اصب ُّهحةف ايلاخالأل ِذقهاالمنن أ�َّز ِهن‬ ‫‪٩٢‬‬ ‫يقول من المال والول ِد ب إ�هلاكنا �إياه‪ ،‬وي�أتينا يوم القيامة‬
‫الحدوث‬ ‫عن‬ ‫ولداً؛‬
‫بالمخلوق الحادث‪ .‬وما ِم ْن موجو ٍد في ال�سماوات‬ ‫وحيداً قد ذهب عنه ك ُّل ما‪ ‬يعت ُّز‪ ‬به‪.‬‬
‫والأر�ض �إلا هو ي�أتي الرحم َن يوم القيامة عبداً خا�ضع ًا‬ ‫‪ ٨١‬وا ّتخذ الم�شركون آ�له ًة يعبدونها من دون‪ ‬الله‬
‫له‪ ،‬فكيف ي�ستقيم اجتما ُع البن ّوة والعبودية؟!‬
‫ي�ستن�صرون بها ويزعمون �أنها تقربهم �إليه‪.‬‬
‫‪ ٩٥ ٩٤‬لقد علم الرحمن بهم جميع ًا ِع ْل َم �إح�صا ٍء‬
‫و َح ْ�ص‪ ،‬فع ّدهم واحداً واحداً‪ ،‬وك ُّلهم ي أ�تي ربه فرداً‪،‬‬ ‫‪311‬‬

‫لي�س له من دون الله وليٌّ ولا ن�صير‪.‬‬

‫‪ ٩٦‬إ� ّن الذين �آمنوا وعملوا ال�صالحات �س ُيلقي لهم‬
‫الله مود ًة في القلوب‪ ،‬ف ُي ْق ِب ُل العبا ُد عليهم كما �أقبلوا هم‬

‫على الله‪.‬‬

‫‪ ٩٧‬ف إ� ّنا �أنزلنا القر�آن عليك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬بل�سانك‬
‫العرب ِّي الـ ُمبين‪ ،‬و�َس ّهلنا قراءته و َفهمه لمن يتدبره؛ ِل ُتب�شر‬
‫بما فيه من ال َو ْعد عبادنا المتقين‪ ،‬وتخ ِّوف بما فيه من‬

‫الوعيد قوم ًا معاندين‪� ،‬شديدي الخ�صومة بالباطل‪.‬‬

‫‪ ٩٨‬وقد أ�هلكنا قبل ه ؤ�لاء الكفار ِمن قومك �أمم ًا‬
‫كثيرة لـ ّما ا�ستم ّروا في عنادهم‪ ،‬هل تج ُد منهم ِم ْن �أحد‪،‬‬
‫�أو ت�سمع لهم ولو �صوت ًا خفي ًا؟ با ُدوا جميع ًا‪ ،‬وهذه‬

‫�ُسنتنا فيمن عاند المر�سلين‪ ،‬فليعتبروا بذلك‪.‬‬

‫‪ ٨‬ذ ِلكم المو�صو ُف بال�صفات العظيمة هو الله‪،‬‬ ‫‪} ١‬ﭵ{‪� :‬سب َقالكلا ُمعلىهذهالحروفالـ ُم َق َّطعة‬
‫المعبو ُد وحده بح ٍّق‪ ،‬وهو الجدير با أل�سماء التي َمعانيها‬ ‫في �أول �سورة البقرة‪.‬‬

‫في غاية‪ ‬الـ ُح�سن‪.‬‬ ‫‪ ٣ ٢‬ما �أوحينا إ�ليك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬القر�آن‬
‫‪ ٩‬وقد جاءك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬خب ُر ا�صطفائي مو�سى‬ ‫ل ُت ْن ِه َك نف َ�سك با أل�سف والح�سرة على �إعرا�ض الكفار‬
‫عن دعوتك‪ .‬ولكن أ�نزلناه ليكون تذكيراً وموعظ ًة لمن‬
‫للنبوة والر�سالة‪ ،‬لتت أ��َّسى به في ال�صبر على ما ي�صيبك‪.‬‬
‫‪ ١٠‬ف إ� ّنه قال لزوجه وهو عائ ٌد من َم ْدين �إلى م�صر‪:‬‬ ‫يخاف الله وعوا ِقب المعا�صي‪.‬‬
‫ا ْب َقي مكا َنك �إني �أب�صرت ناراً‪ ،‬و�أنا ذاه ٌب إ�ليها راجي ًا أ�ن‬
‫�آتيكم منها ب�ُشعلة نوقد منها ناراً‪� ،‬أو �أجد عندها دليل ًا‬ ‫‪ُ ٤‬ن ِّزل هذا القر�آن تنزيل ًا من الله الذي خلق ا ألر�ض‬
‫وال�سماوات ال ُعلا‪ ،‬فهو تنزي ٌل من ر ٍّب عظي ٍم حكي ٍم‪،‬‬
‫ُيع ِّرفني الطريق‪.‬‬
‫‪ ١٢ ١١‬فل ّما �أتى مو�سى مو�ض َع النار ناداه الله‪:‬‬ ‫فينبغي أ�ن ُيتل ّقى بكل �إيمان ور�ضا‪.‬‬
‫يا مو�سى إ�ني �أنا ر ُّبك �أُك ّلمك و�أخاطبك ‪ُ -‬ي َط ْمئنه الله‬ ‫‪ ٦ ٥‬ذلكم الذي ن ّزل القر�آن هو الله المت�ص ُف‬
‫تعالى بذلك‪ -‬فاخلع نعليك �إجلال ًا وتوا�ضع ًا‪ ،‬إ� ّنك‬ ‫بالرحمة التي و�سع ْت ك َّل �شيء‪ ،‬الذي ا�ستوى على‬
‫العر�ش ا�ستواء يليق ب أ�لوهيته وكماله‪ .‬له �سبحانه ملك ما‬
‫بالوادي المط َّه ِر المبارك وادي ُطوى‪.‬‬ ‫في ال�سماوات وما في ا ألر�ض وما بينهما‪ ،‬وله ما على‬
‫َو ْجه ا ألر�ض وما تحت ترابها‪� ،‬أحاط بكل �شيء �إحاط َة‬
‫‪312‬‬
‫ِع ْل ٍم وت�صريف وتدبير‪.‬‬

‫‪ ٧‬و إ� ْن تجهر بذكر الله أ�و بغيره َيعلمه الله‪ ،‬بل‬
‫يعلم ما ُت ِ� ُّس به �إلى غيرك ويعلم ما هو أ�خفى‪ ،‬وهو‬

‫خواطر نف�سك‪.‬‬

‫فت�أكله‪ ،‬ول َي فيها مناف ُع وحاجا ٌت �أخرى‪.‬‬ ‫‪ ١٣‬و أ�نا اخترتك يا مو�سى لر�سالتي‪ ،‬فا�ست ِم ْع لما يو َحى‬
‫�إليك م ِّني‪.‬‬
‫‪ ٢٣ - ١٩‬قال الله تعالى لمو�سى‪� :‬أ ْل ِقها إ�لى ا ألر�ض‪،‬‬
‫‪ ١٤‬إ� ّنني أ�نا الله لا معبو َد بح ٍّق غيري؛ فاعبدني‪ ،‬و ُد ْم‬
‫ف أ�لقاها؛ فانقلب ْت ب إ�ذن الله ح ّي ًة ت�سعى‪ ،‬فو ّلى مو�سى‬ ‫على إ�قامة ال�صلاة ل َتذكرني فيها‪.‬‬
‫هارب ًا‪ ،‬قال الله تعالى‪ :‬خذها ولا َت َخف ِم ْن أ�ذاها؛‬
‫�س ُنعيدها ع�ص ًا كما كانت في حالتها ا ألولى‪ ،‬و أَ�د ِخل‬ ‫‪ ١٥‬إ� ّن �ساع َة القيام ِة التي �أرد ُت إ�خفاء وقتها �آتي ٌة لا‬
‫ي َدك تحت َع ُ�ضدك تخرج بي�ضاء نا�صع َة البيا�ض ِم ْن غير‬ ‫َمحالة؛ لكي ُتزى كل نف�س بما عملت في‪ ‬الدنيا‪.‬‬
‫�أن ي�صيبها ع ّلة ِم ْن َب َر�ٍص أ�و غيره؛ لتكون لك معجز ًة‬
‫�أخرى‪ .‬وقد فعلنا بالع�صا وبيدك ذلك ل ُنيك بع�ض‬ ‫‪ ١٦‬فلا ي�شغلك يا مو�سى عن الا�ستعداد لها َمن لا‬
‫ي ؤ�من بها‪ ،‬وا ّتب َع ال�شهوات التي ي�أمره بها هواه؛ فته ِلك‬
‫معجزاتنا العظمى‪.‬‬
‫ب�سبب ذلك‪.‬‬
‫‪ ٣٥ - ٢٤‬اذه ْب يا مو�سى ومعك المعجزتان إ�لى‬
‫فرعون؛ لأنه جاوز الح َّد في الطغيان حتى ا َّدعى‬ ‫‪ ١٨ ١٧‬قال الله تعالى‪ :‬وما هذه التي في يمينك‬
‫الربوبية‪ ،‬فاد ُعه إ�لى الإيمان و إ�لى طاعتي وعبادتي‪،‬‬ ‫يا مو�سى؟ �أجاب مو�سى‪ :‬هي ع�صاي أ�عتمد عليها في‬
‫قال مو�سى‪ :‬ر ِّب و�ِّسع لي �صدري‪ ،‬و�س ِّهل لي أ�مري‪،‬‬ ‫�َسيري و أ��ضرب بها ور َق ال�شجر؛ لي�سقط على غنمي‬
‫و�أط ِل ْق ل�ساني؛ ليفهموا كلامي‪ ،‬واجع ْل لي ُمعين ًا من‬
‫�أهلي‪ ،‬هارون �أخي‪ ،‬ق ِّوني به على َح ْمل �أعباء الدعوة‪،‬‬
‫و َ�أ�شركه معي في أ�مر الر�سالة وتبليغها؛ كي ُن َنزهك عن‬
‫ال�شريك وعن كل نقي�صة بالت�سبيح كثيراً‪ ،‬ونذك َرك‬
‫كثيراً‪ ،‬إ�نك كنت بنا ب�صيراً‪ ،‬لا َيخفى عليك �شيء من‬

‫�ش أ�ننا منذ ا ألزل‪.‬‬

‫‪ ٣٦‬قال الله تعالى‪ :‬قد أ�جب ُت دعاءك و�أعطي ُت َك‬
‫مطلو َبك يا مو�سى‪.‬‬

‫‪ ٣٧‬ولقد �سبق منا التف ّ�ض ُل والإنعام عليك يا مو�سى‬
‫في م ّر ٍة �سابق ٍة‪.‬‬

‫‪313‬‬

‫‪ ٣٩ ٣٨‬وذلك حين �أوحينا �إلى أ� ِّمك‪ :‬أ� ِن اجعلي‬
‫اب َن ِك في �صندو ٍق ثم َ�ألقيه في ال ِّني ِل‪ ،‬و�سيلقيه ال ِّنيل‬

‫بال�شاطئ‪ ،‬في أ�خذه عد ُّوي وعد ُّوه فرعو ُن‪ ،‬و أ�لقي ُت‬

‫عليك مح ّب ًة م ّني فلا يراك �أح ٌد إ�لا أ�ح ّبك‪ ،‬وقد هي�أ ُت‬
‫ذلك ك ّله لك من �أجل �أن تن�ش�أ على عيني وتحت عنايتي‪.‬‬

‫فيه من العذاب‪ ،‬وقد جئناك ب�آية ُتع ّرفك �أ ّنا ر�سولان من‬ ‫‪ ٤٠‬وقد َظهر إ�لقا ُء محبتي عليك و أ�ث ُر عنايتي بك؛‬
‫ر ّبك‪ ،‬وال�سلا ُم من الله على َمن ا ّتبع الهدى‪� .‬إ ّن ر ّبك‬ ‫حين َم َ�ش ْت �أُختك َت ْقفو أ�ثرك ثم تقول لمن أ�خذوك‪ :‬هل‬
‫قد �أوحى �إلينا أ� ّن عذا َبه على َم ْن ك َّذ َب و أ�عر�َض عن‬ ‫�أد ُّلكم على �أ�سر ٍة تكفله و ُتر�ضعه؟ ف�أرجعناك �إلى أ� ّمك؛‬
‫كي تطمئن علي َك ويذهب حز ُنها‪ ،‬وقتل َت يا مو�سى‬
‫�شريعته‪.‬‬ ‫نف�س ًا من آ�ل فرعون فن َّجيناك من ه ِّم القتل وخ�شي ِة‬
‫العقوبة‪ ،‬وكان لك في ك ِّل ذلك ِمـ َحـ ٌن ُتق ِّويك و ُت َهي ُئك‬
‫‪ ٥٠ ٤٩‬قال فرعون لهما ‪ -‬من ِكراً وم�ستك ِباً‪َ :-‬م ْن‬ ‫لأعباء الر�سالة‪ ،‬و أ�قم َت في أ�هل َم ْدين �سنين برعايتنا‪ ،‬ثم‬
‫ربكما يا مو�سى؟ أ�جابه مو�سى‪ :‬ر ُّبنا هو الذي أ�عطى‬ ‫جئ َت في الوقت المع ّي في �سابق علمي �إلى المكان الذي‬
‫كل مخلوق ُ�صورته وق َّدر طبيعته بح�سب حاجته‪ ،‬وما‬
‫�أنت فيه ا آلن لت�سم َع كلامي وتتلقى ر�سالتي‪.‬‬
‫ُخ ِل َق لأجله‪.‬‬
‫‪ ٤١‬أ�عدد ُت َك هذا ا إلعداد لاختياري لك كي َتمل‬
‫‪ ٥١‬قال فرعون لمو�سى‪ :‬فما �ش�أن ا ألمم ال�سابقة؟ فقد‬
‫ر�سالتي وتقوم بالتبليغ ع ّني‪.‬‬
‫�سبقونا �إلى الإنكار والكفر!‬
‫‪ ٤٥ - ٤٢‬اذه ْب يا مو�سى أ�نت و�أخوك هارون‬
‫بمعجزاتي الكبرى ولا َت ْ�ض ُعفا ولا تق�صرا في ذكري‪.‬‬
‫اذهبا �إلى فرعون فادعواه إ�لى الح ّق؛ فقد جاوز في كفره‬
‫ك َّل ح ٍّد‪ ،‬فقولا له قول ًا لطيف ًا؛ لعله يتذ ّكر أ�و يخاف ر َّبه‪.‬‬
‫قالا‪ :‬ربنا �إننا نخاف أ�ن َي ْع َجل علينا بالقتل �أو أ�ن يتم ّرد‬

‫على الح ِّق فلا يقبله‪.‬‬

‫‪ ٤٨ - ٤٦‬قال الله لمو�سى وهارون‪ :‬لا تخافا من‬
‫ذلك؛ ألنني معكما أ��سمع و�أُب�صر ف أ�ُعينكما عليه و أ�ك ُّف‬
‫�أذاه عنكما‪ .‬ف�أتياه فقولا له‪ :‬نحن ر�سولان ِم ْن ر ّبك‪،‬‬
‫ف�أر�س ْل معنا بني �إ�سرائيل‪ ،‬و َح ِّررهم من الإذلال‪ ،‬وما هم‬

‫‪314‬‬

‫‪ ٥٦‬ولقد أ�رينا فرعون الدلائ َل الوا�ضحة بع َ�ضها في‬
‫إ�ثر بع�ض فك َّذب و�أ َبى أ�ن يقبل الح َّق عناداً وا�ستكباراً‪.‬‬

‫‪ ٥٧‬قال فرعون لمو�سى قا�صداً إ�ثارة قومه‪� :‬أجئتنا‬
‫لتخرجنا من أ�ر�ض م�صر ويكون لك الملك فيها بما‬

‫أ�ظهر َته من ال�سحر‪.‬‬

‫ب ِ�س ْح ٍر‬ ‫ف�ُأق�سم ل�سوف ن�أتيك‬ ‫الأ ْم ُر كذلك‬ ‫�إذا كان‬ ‫‪٥٨‬‬
‫وبينك‬ ‫من الله‪ ،‬فاجع ْل بيننا‬ ‫ت ّدعي أ�نه آ�ية‬ ‫فيبطل ما‬ ‫مث ِله‬

‫في‬ ‫َنغيب عنه ولا نت أ�خر نحن ولا �أنت‪،‬‬ ‫موقتك ًاا ٍنم يع ّينكًاولنا‬
‫من‬ ‫م�ستوي ًا يرى ك ُّل النا�س ما يجري فيه‬

‫ِ�س ْحرك و ِ�س ْحرنا‪.‬‬

‫‪ ٥٩‬قال مو�سى‪ :‬موع ُدكم هو يوم ِعيدكم الذي‬
‫تتزينون وتجتمعون فيه ك ّل عام وق َت ال�ضحى حيث‬

‫تكون الر ؤ�ية أ�و�ضح والح�ضور �أكثر‪.‬‬

‫‪ ٦٠‬فان�صرف فرعو ُن واجتهد في َكيده لمو�سى فجمع‬
‫ال�سحرة؛ ليكونوا يداً واحدة على مو�سى‪ ،‬ث ّم جاء بهم‬

‫في‪ ‬الموعد‪.‬‬

‫‪ ٦١‬قال مو�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬لل�سحرة نا�صح ًا‬ ‫‪ ٥٢‬قال مو�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ِ :-‬ع ْل ُم تلك القرون‬
‫ومح ِّذراً من وقوع الهلاك بهم‪ :‬لا تتعمدوا الكذب على‬ ‫عند ربي ُم�س ّجل في كتاب ‪ -‬وهو اللوح المحفوظ‪ -‬والله‬
‫الله وتخدعوا النا�س ف ُي�س ِقط عليكم عذاب ًا ي�ست�أ�صلكم‪،‬‬ ‫تعالى لا يخطئ فيترك من ذلك �شيئ ًا ولا يغيب عنه �شيء‪.‬‬
‫وتكون عاقبتكم وعاقب ُة فرعون عاقب َة المفترين الذين لا‬
‫‪ ٥٣‬ثم تابع مو�سى عليه ال�سلام ذكر بع�ِض دلائل‬
‫يفلحون‪  ‬أ�بداً‪.‬‬ ‫ربوبيته �سبحانه فقال‪ :‬هو الذي ه ّي َأ� لكم الأر�ض‬
‫و�س َّهل معي�شتكم عليها كما ُيه َّي�أ المه ُد للطفل‪ ،‬وهي�أ‬
‫‪ ٦٢‬فت�شاور ال�سحر ُة وتداولوا ا ألمر بينهم ب�ش ّد ٍة‬ ‫اللك�سممافءيهماطرُطاً ُرفقأ� ًاخور�سج ّهللهكاملبهك �أمز لوتا�سجلًاكمونهناب‪،‬ا ٍوت�أنمزخلت ِلم ِفن‬
‫واختلا ٍف و أ��س ّروا محاور َتهم عن مو�سى لئلا يطلع‬
‫الأ�شكال والأنواع‪.‬‬
‫عليها‪.‬‬
‫‪َ ٥٤‬خل ْقنا ذلك لكم و أ�بحناه قائلين على �َسبيل ا إلباحة‬
‫�إ ّن مو�سى‬ ‫و‪٣‬ها‪٦‬روقان لل�ساال�حسراحنر ُة�ضما ِل�عصاّريننفيعالل�ىس محروقيفريهدما‪:‬ن‬ ‫والإنعام عليكم‪ :‬كلوا ما ينا�سبكم وار َعوا �أنعامكم فيما‬
‫�إخراجكم‬ ‫ينا�سبها‪� .‬إ ّن فيما خلقنا وما هي�أنا لكم لدلائ َل عظيمة‬

‫من م�صر ب�سحرهما‪ ،‬و�إظها َر دينهما للق�ضاء على‬ ‫على ربوبيتنا ووحدانيتنا‪.‬‬
‫َمذهبكم و�إبطال دينكم الذي هو �أف�ضل الأديان‪.‬‬
‫‪ِ ٥٥‬من الأر�ض خلقنا �أباكم �آد َم ومنها جعلنا‬
‫‪ ٦٤‬ف�أ ِع ّدوا ك َّل ما لديكم من أ�دوا ٍت و ِخبرة و َمكر‬ ‫معاي�شكم‪ ،‬وفيها نعيدكم بعد الموت‪ ،‬ومنها نخرجكم‬
‫ثم �أق ِبلوا على مو�سى و َم ْن معه �ص ّف ًا واحداً فذلك‬
‫�أ�ش ُّد �إرهاب ًا لهم‪ ،‬وقد فاز الفو َز العظي َم في هذا اليوم‬ ‫مر ًة ثانية عند البعث‪.‬‬

‫َمن َغ َلب‪.‬‬ ‫‪315‬‬

‫خلقنا‪ ،‬فاح ُكم علينا بما ت�شاء ف إ� ّن حكمك لا يجاوز‬ ‫‪ ٦٥‬قال ال�سحرة �إظهاراً لقوتهم و ِثقتهم بما أ�َعدوا‪:‬‬
‫حياتنا الدنيا‪ ،‬وا آلخرة هي لنا خير و�أبقى‪.‬‬ ‫يا مو�سى �إ ّما أ�ن ُتلقي أ�نت ع�صاك �أول ًا‪ ،‬و�إ ّما أ�ن نكون‬
‫نحن �أو َل َم ْن �ألقى‪ .‬ك�أنهم يح ُّثونه على �أن يبد�أ لي َروا ما‬
‫‪ ٧٣‬ث ّم َذ َكر ال�سحر ُة أ�نهم ث َبـتوا على الإيمان ليغفر الله‬
‫ذنوبهم وما عار�ضوا به مو�سى من ال�سحر و�أ ّن الله خي ٌر‬ ‫يكون منه فيعرفوا كيف يعار�ضونه‪.‬‬

‫ثواب ًا لمن �آمن و أ�طاعه و أ�ب َقى عقاب ًا لمن كفر به وع�صاه‪.‬‬ ‫‪ ٦٦‬قال مو�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬لهم‪ :‬بل �أل ُقوا �أنتم‬
‫أ�ول ًا‪ ،‬ففوجئ ‪ -‬ب�سبب ق ّوة حيلة ال�سحر ِة‪ -‬أ� ّن الحبال‬
‫‪� ٧٤‬إ َّن ال�ش�أْ َن عند الله هو �أنه َمن جاءه يوم القيامة‬
‫بجريمة الكفر جعل �أ�ش َّد النار له عذاب ًا‪ ،‬لا يموت فينتهي‬ ‫وال ِع ِ�ص َّي تتحرك وتم�شي على ا ألر�ض ك�أنها ح ّيات‪.‬‬

‫عذا ُبه‪ ،‬ولا يحيا حيا ًة يرتاح فيها وينتفع‪.‬‬ ‫‪ ٦٧‬ر أ�ى مو�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬ذلك فوقع في نف�سه‬
‫خو ٌف و�أ�ضمره‪.‬‬
‫‪ ٧٦ ٧٥‬و َم ْن جاء ر َّبه يوم القيامة م ؤ�من ًا به وقد عمل‬
‫ا ألعمال المر�ضية عنده ف أ�ولئك لهم أ�على الدرجات‪.‬‬ ‫‪ ٦٨‬قلنا له‪ :‬لا َت َخ ْف ف إ�نك �أنت الغالب و إ� ّنهم‬
‫وتلك الدرجات ال ُعلا هي جنا ُت �إقام ٍة وا�ستقرا ٍر تجري‬ ‫هم المغلوبون‪.‬‬
‫في أ�ر�ضها وتحت غرفها ا ألنهار‪ ،‬ويبقون فيها �أبداً بلا‬
‫نهاية‪ ،‬وذلك الجزاء هو جزا ُء َمن ط َّهر نف�سه من الكفر‬ ‫‪ ٦٩‬و�أل ِق ع�صاك ف إ�نها تبتلع ب�سرع ٍة ما �صنعوه في‬
‫حبالهم وع�ص ِّيهم؛ ف إ�نهم �صنعوا كيداً مما يفعله ال�ساحر‬
‫والمعا�صي وم�ساوئ ا ألخلاق وخبائث الن ّيات‪.‬‬
‫تمويه ًا وتخييل ًا‪ ،‬ولا يفلح ال�ساحر حيثما‪ُ  ‬وجد‪.‬‬
‫‪316‬‬
‫‪ ٧٠‬وحين ظهر لل�سحرة أ� ّن ما جاء به مو�سى لي�س‬
‫�سحراً ولا تخييل ًا ‪ -‬كما ي�صنعون‪ -‬و إ�نما هو معجزة‬
‫تد ُّل على �صدقه؛ دعاهم ذلك إ�لى أ�ن يخ ِّروا ويقعوا‬
‫على الأر�ض �ساجدين‪ ،‬قالوا‪ :‬آ�منا بر ِّب هارون‬

‫ومو�سى‪.‬‬

‫‪ ٧١‬قال فرعون لهم م�ستن ِكراً �أن ي�ؤمنوا‪ :‬إ� ّن مو�سى‬
‫َلعظي ُمكم‪ ،‬وهو الذي ع ّلمكم ال�سحر فاتفقتم معه على‬
‫ا إليمان به أ�مام النا�س ليتبعوكم‪ ،‬ثم ه ّدد ال�سحر َة فقال‪:‬‬
‫�أُق�سم لُأق ِّطعن أ�يديكم و أ�رجلكم مختلفا ٍت‪ ،‬وذلك‬
‫بقطع اليد اليمنى مع ما يقابلها من ال ِّرجل الي�سرى‪� ،‬أو‬
‫العك�س‪ ،‬ولأُ�ص ِّلب ّنكم على جذوع النخل‪ ،‬ولتعل ُم ّن‬

‫حينئ ٍذ أ��أنا أ��ش ُّد عذاب ًا �أم ر ُّب مو�سى‪.‬‬

‫‪ ٧٢‬أ�جاب ال�سحر ُة فرعون فقالوا‪ :‬لن نختارك على‬
‫ما �شاهدنا من المعجزات الظاهرة ولا على ر ِّبنا الذي‬

‫ذلك بالـم ِّن وهو حل ٌو لذيذ‪ ،‬وب�إنزال ال�سلوى‪ ،‬وهو‬ ‫‪ ٧٧‬ولقد �أوحينا �إلى مو�سى ‪ -‬بعدما دعا فرعو َن‬
‫طائر ي�ْشبه ال�ُّسما َنى‪.‬‬ ‫وقو َمه �سنين و أ�راهم ا آليات المعجزة‪ -‬أ�ن ُينقذ بني‬
‫�إ�سرائيل ب�أن ي�سير بهم ليل ًا �إلى فل�سطين‪ ،‬و�أَ َمرناه أ�ن‬
‫‪ ٨١‬قال لهم الله تعالى �إظهاراً لف�ضله وح ّث ًا لهم على‬ ‫ي�ضرب بع�صاه البحر في�ش ّق لهم فيه طريق ًا ياب�س ًا وب�ّشناه‬
‫ال�شكر‪ :‬كلوا من لذائذ الحلال الذي رزقناكم ولا‬
‫تتجاوزوا فيه الح َّق إ��سراف ًا أ�و بخل ًا؛ فت�ستوجبوا نزو َل‬ ‫ب�أنه لن يلحقه فرعو ُن ولن يخ�شى‪ ‬الغرق‪.‬‬
‫غ�ضبي عليكم؛ ف إ� َّن َمن ينزل عليه غ�ضبي فقد وقع في‬
‫‪ ٧٨‬فت ِبعهم فرعو ُن وجنو ُد ُه فغمرهم البح ُر وغرقوا‬
‫َدر ٍك �َسحيق من الهلاك والعذاب‪.‬‬ ‫جميع ًا‪ ،‬ونجا مو�سى عليه ال�سلام و َمن معه‪.‬‬

‫‪ ٨٢‬و�إ ّن لكثي ُر الغفران لمن آ�من بي بعد الكفر‪ ،‬و َر َجع‬ ‫‪ ٧٩‬و�أ�ض َّل فرعو ُن قو َمه فلا ُه ْم �أفلحوا ببلوغ‬
‫بعد المع�صية‪ ،‬و أ�طاعني بالعمل ال�صالح ث ّم ا�ستقام على‬ ‫مرادهم‪ ،‬ولا نجوا ِمن الغرق‪ ،‬ولا ِمن عذاب‪ ‬ا آلخرة‪.‬‬

‫�سبيل‪ ‬الر�شاد‪.‬‬ ‫‪ ٨٠‬قال الله تعالى لبني �إ�سرائيل مذ ِّكراً لهم بما تف َّ�ضل‬
‫عليهم ِل ُيلازموا الطاعة‪ :‬قد أ�نجيناكم من عذاب عدوكم‪،‬‬
‫‪ ٨٣‬فجاء مو�سى عليه ال�سلام إ�لى المو ِعد َقبل قومه‪،‬‬ ‫وواعدناكم الجان َب ا أليم َن من جبل الطور‪ ،‬حيث كانت‬
‫فقال له ربه �سبحانه وتعالى‪ :‬أ� ُّي �شيء دعاك إ�لى ال َع َجلة‬ ‫مناجا ُة نب ّيكم ونزو ُل التوراة عليه‪ ،‬وتف َّ�ضلنا عليكم فوق‬

‫يا‪ ‬مو�سى؟‬ ‫‪317‬‬

‫‪ ٨٤‬واعتذر مو�سى عليه ال�سلام ب ُقرب ُلوق قومه به‬
‫و أ� ّن الداعي إ�لى العجلة‪ :‬الم�سارع ُة إ�لى إ�ر�ضائه �سبحانه‪.‬‬

‫‪ ٨٥‬قال الله تعالى‪ :‬فقد كان بعد غيابك �أ ِن اختب ْرنا‬
‫قو َمك ب�أن دعاهم ال�سامر ُّي �إلى عبادة ال ِع ْجل ف أ�جابوه‪.‬‬

‫‪ ٨٦‬فل ّما أ�ت َّم مو�سى عليه ال�سلام ميقا َت ربه وهو‬
‫أ�ربعون ليلة رجع إ�لى قومه غ�ضبا َن مما �صنعوا حزين ًا‬
‫على �ضلالهم‪ ،‬وقال مو ّبخ ًا لهم‪� :‬ألم َي ِعدكم ربكم وعداً‬
‫ح�سن ًا ‪ -‬وهو إ�نزال التوراة هداي ًة لكم ‪-‬؟ فهل طال‬
‫الوق ُت دون �إنجاز ال َو ْعد �أم تعمدتم ما ُيوجب حلو َل‬
‫غ�ض ِب ربكم ف أ�خلفتم ما وعدتموني من الثبات على‬

‫ا إليمان وطاعة الله �سبحانه وتعالى؟‬

‫‪ ٨٧‬قال قو ُم مو�سى عليه ال�سلام له‪ :‬ما �أخلفنا مو ِعدك‬
‫رغب ًة في ذلك‪ ،‬ولكن أ��ض َّلنا ال�سامر ُّي إ�ذ كانت معنا‬
‫�أثقا ٌل ِمن ُحل ِّي آ�ل فرعون ف�أغوانا ب�إلقائها في النار‬

‫ف أ�لقيناها رجا َء التخ ُّل�ص منها‪ ،‬و�ألقى هو ما معه‪.‬‬

‫‪ ٨٨‬ف�صنع ال�سامر ُّي مما أ�لقي في ال ّنار ِعجل ًا ي�صدر عنه‬
‫�صو ٌت ك�صوت البقر‪ ،‬فقال ال�سامر ّي‪ :‬هذا الذي ترون‬
‫هو معبو ُدكم ومعبود مو�سى‪ ،‬الذي َغ َفل عنه وذهب‬

‫يطلبه في جبل ال ُّطور‪.‬‬

‫‪ ٨٩‬يقول الله �سبحانه وتعالى منكراً عليهم عباد َة‬

‫العجل‪� :‬أفلا يرون أ� ّن العجل لا ير ّد لهم جواب ًا �إذا كلموه‪،‬‬
‫ولا يملك لهم َ� ّضاً �إ ْن خالفوه‪ ،‬ولا نفع ًا �إن �أطاعوه؟!‬

‫‪ ٩٠‬ولقد قال لهم هارون مح ِّذراً ِم ْن َقب ِل أ�ن يرجع‬
‫مو�سى‪ :‬يا قوم إ� ّن ما ر أ�يتموه ِمن أ�مر العجل و ُخوا ِره‬
‫ما هو إ�لا اختبا ٌر لكم ولقد �ضللتم بعبادته‪ ،‬و�إ ّن ر َّبكم‬
‫المعبو َد بح ّق هو الله الذي يرحمكم‪ ،‬فاتبعوني في الثبات‬

‫على الإيمان به و أ�طيعوا �أمري‪ ‬بعبادته‪.‬‬

‫ليكون إ�قراره م�س ِّوغ ًا لعقوبته و�إحرا ِق عجله‪ :‬ما �ش�أنك‬ ‫‪ ٩١‬قالوا لهارون‪� :‬س َنظل مقيمين على عبادة ال ِعجل‬
‫يا �سامر ّي؟ �أجاب ال�سامر ّي فقال‪ :‬علم ُت ما لم يعلموا‬ ‫حتى يرجع �إلينا مو�سى فيق ّرنا على ما نحن فيه �أو‬
‫إ�ذ ر�أي ُت جبريل على َف َر� ٍس فقب ْ�ض ُت قب�ض ًة من أ�ثره‬
‫فطرحتها في الذهب المذاب ف�صار عجل ًا ج�سداً له‬ ‫ينهانا عنه‪.‬‬

‫خوار‪ ،‬وهذا ما �س ّولت لي نف�سي فع َل ُه و َز َّيـ َن ْت ُه لي‪.‬‬ ‫‪ ٩٣ ٩٢‬قال مو�سى وقد �أخذ بر�أ�س �أخيه ولحيته‬

‫‪ ٩٧‬قال مو�سى لل�سامر ّي‪ :‬اعت ِز ْلنا‪ ،‬ب�سبب ما فعل َت‪،‬‬ ‫يج ُّره إ�ليه من �شدة الغ�ضب‪� :‬أ ُّي �سب ٍب منعك �إذ ر أ�يتهم‬
‫َيح ُرم عليك أ�ن تم� ّس �أحداً أ�و يم�ّسك �أح ٌد‪ ،‬فتعي�ش‬ ‫�ضلوا بعبادة العجل أ�ن تر ّدهم ولو بقتال‪ ،‬أ�و َت ْل َحق‬
‫منبوذاً‪ ،‬و إ� ّن لك عند‪ ‬الله موع َد عقا ٍب لي�س ُيخلفك‬ ‫بي أ�نت و َم ْن ثبت معك على الإيمان وتترك الـ ُمقام‬
‫الله �إ ّياه‪ ،‬وانظر �إلى العجل الذي اتخذته �إله ًا ولازم َت‬ ‫و�سطهم؟ �أفع�صي َت أ�مري بخلافتي في قومي والقيام‬
‫عبادته لنحرقنه حتى يكون رماداً ثم ل َن ْذ ِر َيـ َّنه في البحر‬
‫على ما فيه �صلا ُحهم وعد ِم اتباع �سبيل المف�سدين؟‬
‫حتى لا يبقى منه �شيء‪.‬‬
‫‪ ٩٤‬قال هارون ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬وهو ي�ستر ِح ُم �أخاه‬
‫‪ ٩٨‬إ� ّن هذا العجل وغيره لا ي�ستح ُّق العبادة‪ ،‬بل إ�لهكم‬ ‫مو�سى‪ :‬يا اب َن �أمي لا ت�أخذ بلحيتي ولا بر أ��سي فقد‬
‫الجدير بالعبادة هو الله الذي �أحاط عل ُمه بكل �شيء‪.‬‬ ‫َح َر�ص ُت على �أ ّل �أفعل �شيئ ًا ي ؤ�دي �إلى ال ُفرقة بين بني‬

‫إ��سرائيل‪.‬‬

‫‪ ٩٦ ٩٥‬قالمو�سى‪-‬عليهال�سلام‪-‬مو ِّبخ ًا لل�سامر ّي‬
‫طالب ًا منه بيا َن ما دعاه إ�لى ا ّدعا ِء أ� َّن العج َل هو إ�لههم‪،‬‬

‫‪318‬‬

‫الدنيا كلها‪ -‬إ�لا ع�شرة أ�يام‪.‬‬

‫‪ ١٠٤‬نحن �أعلم ب�أقوالهم عن ُم ّدة بقائهم �إذ يقول‬
‫�أف�ضلهم ر أ�ي ًا وتفكيراً لمن معه‪ :‬ما مكثتم في قبوركم‬

‫‪� -‬أو في دنياكم‪ -‬إ� ّل يوم ًا واحداً‪.‬‬

‫‪ ١٠٥‬وي�س أ� ُلك قو ُمك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬عن َم�صير‬ ‫‪ ٩٩‬كما ق�ص�صنا عليك ‪ -‬يا محمد‪ِ -‬من َأ�خبار‬
‫الجبا ِل يوم القيامة �س ؤ�ال ا�ستهزا ٍء و إ�نكا ٍر ُم�ستبعدين‬ ‫مو�سى وقومه‪ ،‬كذلك نق�ُّص عليك من �أخبار الما�ضين؛‬
‫أ�ن تزول ل�ضخامتها و َ�صلابتها‪ ،‬فقل لهم‪َ :‬يق َلعها ر ِّبي‬ ‫ليكون عبر ًة و َتب ِ�ص ًة لمن ي�سمعه‪ .‬وقد آ�تيناك ِمن عندنا‬
‫كتاب ًا عظيم ًا فيه من ا ألحكام والمواعظ وا ألخبار ما‬
‫ويجعلها هبا ًء منثوراً‪.‬‬
‫ُيوجب التذ ّكر‪ ‬والاعتبار‪.‬‬
‫‪ ١٠٧ ١٠٦‬فيترك الأر�َض م�ستوي ًة مل�ساء‪ .‬لا يرى‬
‫الناظر فيها وادي ًا معو ّج ًا ولا انخفا�ض ًا ولا ارتفاع ًا‪.‬‬ ‫‪َ ١٠٠‬م ْن ترك هذا القر�آن فلم ي ؤ�من ولم يعمل به �أ�صابته‬
‫عقوبة ثقيلة فا ِدح ٌة يوم القيامة على كفره ومع�صيته‪.‬‬
‫‪ ١٠٨‬يوم ُتن�سف الجبال وت�صير ا ألر�ُض م�ستوي ًة؛‬
‫يتبع النا� ُس الم َل َك الذي يدعوهم إ�لى الم ْح�َش م�سرعين‬ ‫‪ ١٠١‬خالدين في العذاب‪ ،‬وبئ�س ذلك ال ِحم ُل الثقي ُل‬
‫ال‪ ‬يزيغون عنه ولا ينحرفون‪ ،‬وخ�شعت ا أل�صوا ُت‬ ‫ِمن الذنوب الذي َ�أ ْو َردهم النار يوم‪ ‬القيامة‪.‬‬

‫و�سكن ْت ِل َهيبة الرحم ِن فلا ي�سمع أ�ح ٌد �إلا هم�س ًا‪.‬‬ ‫‪ ١٠٢‬يو ُم القيامة هو اليو ُم الذي ينفخ فيه الم َلك في‬
‫‪ ١٠٩‬يوم تقع هذه ا ألهوال لا تنفع ال�شفاع ُة ِم ْن َ�أح ٍد‬ ‫ال ُّ�ص ْور ِل َب ْعث الخلق من الموت‪ ،‬ونجم ُع الكافرين يومئ ٍذ‬
‫ألح ٍد إ� ّل �شفاعة َم ْن �أذن له الرحمن ور�ضي له �أن يتكلم‪.‬‬
‫ُزر َق ا ألج�ساد ِم ْن �ش ّد ِة ما هم فيه من الهول‪.‬‬
‫‪َ ١١٠‬ي ْعلم اللهُما تق ّدم ِم ْن أ�عمال عباده و أ�حوا ِلهم‪ ،‬وما‬ ‫‪ ١٠٣‬يتبادلون الكلا َم بينهم �ِ ّساً ب�صو ٍت خفي�ض ل�شدة‬
‫ي�ستقبلونه من الثواب والعقاب‪ ،‬ولا يحيطون به علم ًا‪.‬‬ ‫خوفهم‪ ،‬يقول بع�ضهم لبع�ض‪ :‬ما َب ِقيتم في القبر ‪� -‬أو في‬

‫‪ ١١١‬وذ َّلت ُوجوه العباد جميع ًا غاي َة ال ُّذل لله الح ِّي‬
‫الذي لا يموت‪ ،‬وهو القائم على ك ّل �شيء‪ ،‬لا ت�أخذه‬
‫غفل ٌة ولا نوم‪ ،‬وقد خ�سر ولم يفلح َم ْن �أتى في هذا اليوم‬

‫ظالم ًا لنف�سه م�شرك ًا بر ّبه‪.‬‬

‫‪ ١١٢‬وحين َي ِخيب الظالـ ُم يكون الذي َع ِم َل ال�صالحات‬
‫آ�من ًا لا يخاف �أن ُيظلم بعقوب ٍة أ�و ب�ضياع �أجر‪.‬‬

‫‪ ١١٣‬وكما �أنزلنا ما �سبق من ا آليات الب ّينات �أنزلنا‬
‫إ�ليك وحينا قر�آن ًا عربي ًا ُم ِبين ًا‪ ،‬ك َّر ْرنا ون ّوعنا فيه الإنذار‬
‫والتهديد؛ لعل ال ّنا�س يتجنبون ال�شر َك وال�ضلال‪،‬‬

‫ويتعظون بما فيه من ال ِعبر وا ألمثال‪.‬‬

‫‪319‬‬

‫‪ ١١٤‬فتق ّد�س اللهُ و َتعا َظم �ش�أ ُنه في ذاته و�صفاته ع ّما‬
‫يقوله الكفرة؛ فهو الملك الذي لا يزول ُملكه ولا ير ُّد‬
‫أ�مره‪ ،‬الحقي ُق ب أ�ن ُيرجى َو ْع ُده و ُيخ�شى وعيده‪ .‬ولا‬
‫تعج ْل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬بقراءة القر�آن قبل �أن يت ّم جبري ُل‬
‫قراءته عليك‪ ،‬وا�ستعن بالله على حفظه‪ ،‬وقل‪ :‬ر ِّب زدني‬

‫علم ًا‪.‬‬

‫‪ ١١٥‬ولقد و ّ�صينا آ�دم و�صي ًة م�ؤ َّكدة �أ ّل ي أ�كل من‬
‫ال�شجرة ولا يغت َّر ب�إغواء ال�شيطان فغفل عن ذلك‪،‬‬
‫وانخدع ب إ�غراء ال�شيطان‪ ،‬ولم نجد له ثبات ًا في‬

‫مواجهة‪� ‬إغرائه‪.‬‬

‫‪ ١٢٢‬ث ّم ا�صطفاه ر ُّبه ب أ�ن أ� ْل َهمه التوبة فقبلها منه وق ّربه‬ ‫‪ ١١٦‬واذكر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬إ�ذ قلنا للملائكة‪:‬‬
‫�إليه وهداه إ�لى الثبات على الطاعة و أ�ر�شده �إلى كل خير‪.‬‬ ‫ا�سجدوا لآدم �سجو َد َتـح َّي ٍة و�إكرا ٍم‪ ،‬ف�سجد الملائكة إ�لا‬

‫‪ ١٢٣‬قال الله تعالى آلدم و َز ْو ِجه‪ :‬ان ِزلا من الجنة‪،‬‬ ‫إ�بلي�س رف�ض وتك َّب‪.‬‬
‫بع�ُض ذر ّي ِت ُكما عد ٌّو لبع�ض؛ بالتنازع على منافع الدنيا‬
‫وتح�صيل رغائب النف�س‪ ،‬ف�إ ْن جاءكم يا بني �آدم م ِّني‬ ‫‪ ١١٧‬فقلنا‪ :‬يا �آدم �إ ّن هذا الذي َ�أ َبى أ�ن ي�سجد لك عد ٌّو‬
‫هدى بما ُ�أنزله عليكم من الوحي والر�سالات؛ ف َمن اتبع‬ ‫لك ولزوجك فلا يكن �سبب ًا في �إخراجكما من الجنة‪،‬‬
‫ذلك الهدى فلا‪ ‬ي�ض ُّل في الدنيا عن الح ّق‪ ،‬ولا ي�شقى في‬
‫فتتع َب في الدنيا بالك ِّد وتح�صيل �أ�سباب المعا�ش‪.‬‬
‫ا آلخرة بعقوبة أ�و عذاب‪.‬‬
‫‪� ١١٩ ١١٨‬إ ّن لك يا �آدم في الجنة دوا َم العطاء وتما َم‬
‫‪ ١٢٤‬و َم ْن �ص ّد عن �آيات كتابي فلم يعم ْل بها ف�إ ّن له في‬ ‫النعمة‪ ،‬ف�أنت فيها مكفو ُل الطعا ِم واللبا�س وال�شراب‬
‫الدنيا معي�ش ًة �شديد َة ال�ضي ِق في نف�سه �أو َمعا�شه‪ ،‬ون�سوقه‬ ‫وال�سكن‪ ،‬ال‪ ‬ي�صيبك جو ٌع ولا ُعري ولا ظم�أ ولا ُبرو ٌز‬

‫إ�لى الـ َمح�شر يوم القيامة �أعمى ليزداد عذا ُبه‪.‬‬ ‫لل�شم�س ي�ؤذيك‪.‬‬

‫‪ ١٢٥‬قال‪ :‬ر ِّب ِلـ َم ح�شرتني في القيامة َ�أعمى وقد‬ ‫‪ ١٢٠‬ف�أ�س ّر إ�ليه ال�شيطان بو�سو�سته و�إغوائه ب أ� ْن قال‬
‫كن ُت في الدنيا ب�صيراً؟‬ ‫له‪ :‬هل �أد ُّلك على �شجر ٍة إ�ذا �أكلت منها ع�ش َت خالداً‬

‫بلا‪ ‬مو ٍت و ِنل َت ُملك ًا لا يزول ولا يفنى؟‬

‫‪ ١٢١‬ف�أكل �آد ُم وحوا ُء من ال�شجرة التي نهاهما الله عنها‬
‫فبد ْت لهما عوراتهما وكانا لا يريانها‪ ،‬و�َ َشعا ي�سترانها‬
‫بورق الجن ِة بو ْ�ضع بع ِ�ض ِه على بع�ض‪ ،‬وع�صى �آد ُم ر َّبه‬
‫لن�سيانه عهده �إليه‪ ،‬فوقع في نقي�ض َق ْ�صده �إذ ُح ِر َم مما‬

‫كان فيه من‪ ‬النعمة‪.‬‬

‫‪320‬‬

‫الأم َم الكافرة ِم ْن قبلهم‪.‬‬ ‫‪ ١٢٦‬أ�جا َبه اللهُ تعالى بقوله‪ :‬كذلك فعل َت �أن َت؛ �أتتك‬
‫�آياتنا الداعي ُة �إلى ا إليمان والطاعة فكفر َت وع�صي َت‬
‫‪ ١٣٠‬فا�صب ْر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬على ما يقول كفار‬ ‫و�أهملتها إ�همال َم ْن لا يتذكر‪ ،‬وكما أَ�همل َتها ُته َمل اليوم‪.‬‬
‫قومك ِم ْن كف ٍر و�إيذاء‪ ،‬ف إ� ّن خبي ٌر ب أ�حوالهم‪ ،‬و�س ِّبح‬
‫حامداً لربك‪ ،‬في �صلاة الفجر قبل طلوع ال�شم�س‪،‬‬ ‫‪ ١٢٧‬وهكذا نجزي في الدنيا ك َّل من تع َّدى حدود الله‬
‫وفي �صلاة الع�صر قبل غروبها‪ ،‬وفي �ساعات الليل في‬ ‫وكفر ب�آيات ربه و�أعر�ض عنها‪ ،‬و َلعذا ُب ا آلخرة الـ ُمع ُّد‬
‫�صلاتي المغرب والع�شاء‪ ،‬وفي �صلاة الظهر وهي ال�صلاة‬
‫الجامع ُة ل َط َر َف النهار‪ ،‬لعلك �أن تنال من الثواب عند الله‬ ‫لهم �أ�ش ّد و�أكثر بقا ًء؛ ألنه لا ينقطع‪.‬‬

‫ما تر�ضى به نف�سك‪.‬‬ ‫‪� ١٢٨‬أفلم يتب ّي لكفار قري�ش عاقب ُة القرون الأولى كعاد‬
‫وثمود‪ ،‬ك ّذبوا �أنبياءهم ف أ�هلكهم الله بذنوبهم‪ .‬و إ�نهم‬
‫‪ ١٣٢ ١٣١‬ولا ُت ِطل النظ َر ب�إعجا ٍب إ�لى ما م ّتعنا به بع�ض‬ ‫َل َيم ّرون على �آثارهم �إذا �سافروا وخرجوا للتجارة‪� .‬أفلا‬
‫ه ؤ�لاء الم�شركين‪ ،‬ف إ�نه متا ٌع زائ ٌل كال َّزهرة �سرعان ما تذبل‪،‬‬ ‫يخافون أ�ن َيح ّل بهم مث ُل ما ح ّل بالكفار قبلهم؟! إ� ّن في‬
‫وهو اختبار لهم‪� ،‬أي�شكرون وي�ؤمنون فينالوا خير الآخرة‬ ‫ذلك ا إلهلاك وتلك ا آلثار الدالة عليه آليا ٍت وا�ضحا ٍت‬
‫�أ ْم يجحدون ويكفرون فينالهم عذابها؟! وما ا ّدخره‪ ‬الله‬
‫لك في الآخرة خي ٌر و�أبقى مما متعنا به ه ؤ�لاء في الدنيا‪.‬‬ ‫أل�صحاب العقول الناهي ِة عن الف�ساد‪.‬‬
‫ومع الإعرا�ض ع ّما ُم ِّتع به الم�شركون ُم ْر ‪� -‬أيها النبي‪-‬‬
‫أ�ه َلك و َمن يتبعك بالمحافظة على ال�صلاة واجته ْد في‬ ‫‪ ١٢٩‬ولولا أ� ّن ر َّبك �سبق منه الحك ُم والتقدي ُر بت�أخير‬
‫المداومة على ذلك‪ ،‬ولا تن�شغل ب أ�مر الرزق؛ ف�إ ّنا تك ّفلنا‬ ‫العذاب عنهم إ�لى �أجل م�س َّمى وهو يوم القيامة؛ لأنزل‬
‫بهم عذاب ًا لا �سبي َل إ�لى دفعه‪ ،‬ي�ست�أ�ص ُلهم كما ا�ست�أ�صل‬
‫لك ولأهلك به‪ ،‬والم�صي ُر المحمو ُد لأهل التقوى‪.‬‬

‫‪ ١٣٣‬وقالت قري�ش تع ُّنت ًا وتغا ُفل ًا‪ :‬ه ّل ي أ�تينا محم ٌد‬
‫بمعجزة من ربه تكون برهان ًا على نبوته؟ ف أ�جابهم الله‬
‫تعالى بقوله‪� :‬أ َو َل ت�أتهم في القر�آن �أنباء البينات التي‬
‫في ال�صحف الأولى كالتوراة وا إلنجيل‪ ،‬مع أ� ّن محمداً‬
‫‪ - -‬أُ�م ٌّي لم ي ّطلع على �شيء منها ولم ُي َل ِّقنه أ�ح ٌد من‬

‫الذين لهم عل ٌم بها؟!‬

‫‪ ١٣٤‬ولو أ�نزلنا عليهم عذاب ًا ُي ِبي ُدهم قبل مجيء ر�سولنا‬
‫محمد بالقر آ�ن لاحت ّجوا فقالوا‪ :‬ربنا ه ّل أ�ر�سلت إ�لينا‬
‫ر�سول ًا بكتا ٍب فن ؤ�من به ِم ْن قبل أ�ن ينزل بنا العذاب في‬
‫الدنيا وي�صيبنا الخز ُي في ا آلخرة‪ ،‬ولقد جاءهم ر�سولنا‬

‫فانقطع ْت حج ُتهم‪.‬‬

‫‪ ١٣٥‬قل لهم ‪� -‬أيها الر�سول‪ :-‬ك ُّل واح ٍد م ّنا ومنكم‬
‫منتظ ٌر ما ي�صير �إليه �أم ُرنا و�أمركم‪ ،‬و ِلـ َم ْن تكون العاقبة؛‬
‫فانتظروا ف�سوف تعلمون َم ْن �أ�صحاب الطريق الم�ستقيم‬

‫و َم ِن اهتدى �إلى الحق!‬

‫‪321‬‬

‫‪ ١‬د َنا وق ُت محا�سب ِة الل ِه للنا�س على أ�عمالهم التي‬
‫عملوها في دنياهم‪ ،‬والنا� ُس في غفل ٍة عن هذه المحا�سبة‪،‬‬

‫فلا يعملون لها‪ ،‬ولا ي�ستعدون من �أجلها‪.‬‬

‫‪ ٧‬و إ� ّنا لم ُنر�سل الملائكة �إلى الأَولي َن‪ ،‬و�إنما �أر�سلنا‬ ‫‪ ٢‬ما ُي ْح ِدث اللهُ ِمن تنزيل �شي ٍء من هذا القر�آن‬
‫رجال ًا مثل َك يا محمد يو َحى إ�ليهم‪ ،‬و ْلي�س�أ ْل ه�ؤلاء‬ ‫للنا�س‪ُ ،‬يذ ِّكرهم به ويعظهم‪� ،‬إ ّل ا�ستمعوا لتلاوته‬
‫المعتر�ضون على �إر�سالك �أه َل العلم بالتوراة وا إلنجيل إ� ْن‬
‫كانوا لا يعلمون �أ ّن ر�س َل الله الذين أ�ر�سلهم �إلى النا�س لم‬ ‫بالا�ستهزاء وال�ُّسخرية‪.‬‬

‫يكونوا �إ ّل ب�شراً ِمن جن�سهم‪.‬‬ ‫‪ ٣‬وا�ست َمع ه�ؤلاء القوم القر آ� َن بقلو ٍب غافل ٍة‪ ،‬لا‬
‫يتد ّبرون ِح َكمه‪ ،‬ولا يتف ّكرون فيما فيه من الـ ُحجج‪،‬‬
‫‪ ٩ ٨‬ولم نجع ِل الر�س َل من قبلك ‪ -‬يا محمد‪-‬‬ ‫و�أ�س َّر ه�ؤلاء المعر�ضون عن ذكر الله‪ ،‬الظالمون ألنف�سهم‪،‬‬
‫كالملائكة لا ي أ�كلون‪ ،‬بل جعلناهم ب�شراً ي أ�كلون الطعا َم‬ ‫الحدي َث بينهم فقالوا م�ستبعدين َك ْون محم ٍد ‪- -‬‬
‫ويعي�شون حيا َة الب�ش ِر‪ ،‬وما كا ُنوا خا ِل ِدي َن في الدنيا‪ ،‬بل‬ ‫ر�سول ًا‪ :‬هل هذا الذي يزعم أ�نه ر�سو ٌل من الله إ�لينا‬
‫يموتون كغيرهم‪ .‬ثم َ�ص َدقنا ر�س َلنا الوع َد الذي وعدناهم‬
‫به‪ ،‬ف أ�نجيناهم وعبا َدنا الذين �آمنوا بهم‪ ،‬و أ�هل ْكنا �أعداءهم‬ ‫إ� ّل ب�شرٌ مث ُلنا؟ وقال بع�ضهم لبع�ض‪ :‬أ� َت ْقبلون ال�ِّسحر‬
‫وت�ص ِّدقون به‪ ،‬و أ�نتم تعلمون أ�ن القر�آن �سح ٌر؟‬
‫الذين تجاوزوا الح ّد في الكفر والمع�صية‪.‬‬
‫‪ ٤‬قال لهم ر�سول الله ‪ - -‬بعد �أن َ�أطلعه اللهُ‬
‫‪ ١٠‬لقد �أنزلنا �إليكم يا َمع�شر قري�ش كتاب ًا عظي َم‬ ‫على ما أ��س ّروا من الحديث‪ :‬ربي يعل ُم قو َل ك ِّل قائ ٍل في‬
‫ال�ش�أن‪ ،‬فيه �َ َش ٌف لمن ا ّت َب َعه وعم َل بما فيه‪� ،‬أفلا تعقلون؟!‬ ‫ال�سماء والأر�ض‪ ،‬لا يخفى عليه �شيء‪ ،‬وهو ال�سميع‬

‫ألقوالكم‪ ،‬العليم ب�صدق ما أ�دعوكم إ�ليه وحقيق ِته‪.‬‬

‫‪ ٥‬و ِم ْن أ�باطيل قو ِل الم�شركين في القر�آن �أي�ض ًا‪ :‬هو‬
‫َأ�خلا ٌط من الأحلام ر آ�ها محمد في نومه‪ .‬وقال بع�ضهم‪:‬‬

‫هو ِف ْري ٌة واخ ِتلا ٌق‪ ،‬ا ْفتراه وا ْختلقه من ِق َب ِل نف�سه‪ ،‬وقال‬
‫بع�ضهم‪ :‬بل محم ٌد �شاعر‪ ،‬وهذا الذي جاءكم به ِ�شعر‪،‬‬
‫ف ْلي أ�ت محمد ب ُح ّجة دا ّل ٍة على �صدق دعواه كما �أتى‬

‫ال ُّر�س ُل ِم ْن قبله‪.‬‬

‫‪ ٦‬إ� ّن ا ألم َم التي أُ�هلكت بتكذيب المعجزات التي‬

‫طلبوها لم ي�ؤمنوا بها لـ َّما �أتتهم‪ ،‬أ�في ؤ�من كفا ُر مكة �إذا‬
‫جاءتهم وهم‪ِ  ‬مثلهم؟!‬

‫‪322‬‬

‫أ�ح ّق‪ ،‬و أ�نه يجازي المح�س َن ب�إح�سانه والم�سيء‪ ‬ب�إ�ساءته‪.‬‬ ‫‪ 11‬وكثيراً من أ�هل القرى أ�هلكناهم هلاك ًا �شديداً‬
‫لطغيانهم وك ْفرهم‪ ،‬وخلقنا بعدهم �أمم ًا‪ ‬غيرهم‪.‬‬
‫‪ 17‬لو �أردنا أ�ن نتخ َذ ما ُيلهى به ِمن زوج ٍة أ�و ول ٍد‬
‫لا ّتخذنا ذلك ولم َي�صل �إلى ِعلمكم لعجزكم عن‬ ‫‪ 12‬فل َّما ح َّل بهم عذابنا ووجدوا َم�َّس ُه‪� ،‬إذا هم‬
‫إ�دراكه‪ ،‬ولك ّنا لا نفعل ذلك؛ لأنه لا يليق ولا ي�ص ُّح �أن‬ ‫يهربون من قراهم �ِساع ًا منهزمين‪.‬‬

‫يكون لله ولد ولا زوجة‪.‬‬ ‫‪ 13‬ف ُنودوا ا�ستهزا ًء بهم‪ :‬لا ترك�ضوا ولا تهربوا‬
‫وار ِجعوا إ�لى م�ساكنكم و أ�موا ِلكم؛ لعلكم ُت�س�ألون عن‬
‫‪ 18‬إ�نا ُنبطل ا ّدعا َء الم�شركين باتخاذنا الزوج َة والولد‬ ‫�شي ٍء مما �أ�صابكم‪ ،‬فتخبروا َم ْن �س�ألوكم عن ُمعاين ٍة وعلم‪.‬‬
‫بما نب ّي من الح ِّق الذي ُيذهب الباط َل ويمحقه بالك ِّلية‪.‬‬
‫ولكم الويل والهلاك؛ لأنكم ت�صفون الذي خلقكم بما‬ ‫‪ 15 14‬قالوا حين ر�َأوا العذاب‪ :‬يا وي َلنا إ� ّنا كنا‬
‫ظالمين بكفرنا بر ّبنا وتكذيبنا ر�س َله‪ .‬فما زال ْت تلك‬
‫لا يليق بعظيم �ش أ�نه وكما ِل �صفاته‪.‬‬ ‫الكلمات قو َلهم ير ِّددونها‪ ،‬حتى جعلناهم كزر ٍع‬

‫‪ 19‬ولله مل ُك جميع َم ْن في ال�سماوات وا ألر�ض‪،‬‬ ‫مح�صو ٍد‪ ،‬خامدين م ّيتين لا ِحراك لهم‪.‬‬
‫وك ُّل ملائكته لا يتك ّبون عن عبادته‪ ،‬ولا يم ّلون‪.‬‬
‫‪ 16‬وما خلقنا ال�سماء والأر�ض وما بينهما عبث ًا وباطل ًا‬
‫‪ 20‬ي�س ِّبحون ر ّبهم بالليل والنهار وينزهونه ع ّما‬ ‫و إ�نما للاعتبار والتنبي ِه على �أن الذي َخ َل َق هو بالعباد ِة‬
‫لا يليق به‪ ،‬لا ي�س أ�مون من ت�سبيحهم �إيّاه‪ ،‬ولا َي ْ�ضعفون‪.‬‬
‫‪323‬‬
‫‪ 21‬فه ْل هذه ا آللهة التي اتخذها الم�شركون مما في‬
‫ا ألر�ض ِمن الخ�ش ِب والحجر و�أنوا ِع المعادن‪ُ ،‬تيي‬

‫ا ألموات‪ ،‬وتبعثهم خلق ًا جديداً؟‬

‫‪ 22‬لو كان في ال�سماء والأر�ض‪� ،‬آ ِل َه ٌة غي ُر الله‪،‬‬
‫لف�سدتا وهلك َمن فيهما؛ لما يقت�ضيه تع ُّدد ا آللهة حتم ًا‬
‫من التنازع والتغا ُل ِب بينها‪ ،‬فتعالى الله ع ّما ي�صفه به‬

‫الم�شركون من ال�شريك والولد‪.‬‬

‫‪ 23‬لا �سائ َل ي�س أ� ُل ر َّب العر�ش ع ّما يفعله ب َخلقه؛‬
‫وهو الذي ي�س أ�لهم عن ذلك‪.‬‬

‫‪� 24‬أي�ص ُّح �أن يتخذوا آ�له ًة من دون الله؟! قل لهم‬
‫‪� -‬أيها الر�سول‪ :-‬هاتوا ُح َّج َتكم على ذلك‪ ،‬وهذا‬
‫القر�آن وما أ�ُنزل ِمن َقبله بيا ُن الحق‪ ،‬فهل تجدون فيه‬
‫أ� ّن مع الله إ�له ًا �آخر؟ ك ّل‪ ،‬ولك ّن �أكثرهم لا يعلمون‬

‫ال�صواب‪ ،‬فهم عنه معر�ضون‪.‬‬

‫‪ 25‬وما أ�َر�سلنا ِمن قبلك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ِ -‬من‬

‫ر�سول‪� ،‬إلى أُ�مة من الأمم‪� ،‬إلا نوحي إ�ليه �أنه لا معبو َد‬
‫ت�ص ُلح له العبادة �إلا الله‪ ،‬ف�أخ ِل�صوا ليَ العبادة‪ ،‬و�أف ِردوا‬

‫لي ا أللوهية‪.‬‬

‫‪ 26‬وقال فريق من الم�شركين‪ :‬اتخ َذ الرحمن ولداً من‬
‫ملائكته‪ ،‬فقال الله ا�ستعظام ًا لما قالوا وتنزيه ًا لنف�سه عن‬

‫ذلك‪ :‬ما الملائك ُة إ�لا عبا ٌد أ�كرمهم الله وا�صطفاهم‪.‬‬

‫‪ 27‬الملائكة لا يتكلمون إ�لا بما ي�أمرهم به ر ُّبهم‪ ،‬ولا‬
‫يعملون عمل ًا �إلا ب�أمره‪.‬‬

‫عن التفكر فيها‪ ،‬وتد ُّبر ما فيها من الـ ُحجج الدا ّلة على‬ ‫‪ 28‬والملائكة يراقبون ر َّبهم في جميع �أحوالهم‪،‬‬
‫وحدانية خالقها‪.‬‬ ‫فلا يعملون عمل ًا �إلا ب�إذنه‪ ،‬ولا ي�شفعون يوم القيامة‬
‫إ�لا لمن ارت�ضى الله �أن ُي�شفع له‪ ،‬وهم ل�ش ّد ِة خوفهم منه‬
‫‪ 33‬والله الذي خلق لكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬الليل والنهار؛‬ ‫وتعظي ِمهم له َح ِذرون �أن ينالهم منه غ�ض ٌب �أو‪ ‬عقاب‪.‬‬
‫نعم ًة منه عليكم؛ و ُح ّج ًة على عظيم تدبيره‪ ،‬وخلق‬
‫‪ 29‬و َمن يز ُعم ِمن الملائكة أ� ّنه إ�ل ٌه من دون الله ‪ -‬على‬
‫ال�شم�س والقمر‪ ،‬ك ٌّل منهما يدور ويجري في َفلكه‪.‬‬ ‫�سبيل ال َف ْر�ض والتقدير‪ْ َ -‬ن ِزه جهن َم؛ و ِم ْثل هذا الجزاء‬

‫‪ 34‬و�إن كانوا ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬يتم ّنون مو َتك أ�و‬ ‫ال�شديد َنزي الكافرين‪.‬‬
‫ينتظرون حلو َل النوائب بك‪ ،‬فما جعلنا لب�ش ٍر قبلك‬
‫‪� 30‬أ َو َل يعلم ه ؤ�لاء الكفار �أن ال�سماوات وا ألر�ض‬
‫دوا َم البقاء في الدنيا‪� ،‬أف إ�ن ِم َّت أ�َ َف ُهم الخالدون فيها؟‬ ‫كانتا ُكتل ًة واحدة‪ ،‬ف َف َ�صل الله بينهما‪ ،‬و�أنه جعل الماء‬
‫�أ�صل ًا لا تقوم حيا ٌة على الأر�ض إ�لا به؟ أ�فلا ي ؤ�منون ب�أن‬
‫‪ 35‬ك ُّل نف�س م�صيرها �إلى الموت لا َمحال َة‪ ،‬ونختبركم‬ ‫الله هو الإل ُه الح ُّق‪ ،‬و ُي ْفردونه بالعبادة بعد ما ر�أوا دلائ َل‬
‫بالم�صائب والنعم وبال�ش ّدة والرخاء؛ لننظر َم ْن ي�شكر‬
‫و َم ْن يكفر‪ ،‬و َم ْن ي�صبر و َم ْن َيقنط‪ ،‬و�إلينا ترجعون‪،‬‬ ‫وحدانيته وقدرته؟‬

‫فنجازيكم ب أ�عمالكم‪ ،‬إ� ْن خيراً فخير‪ ،‬و إ� ْن �شراً ف�ش ّر‪.‬‬ ‫‪ 31‬وجعل الله تعالى في ا ألر�ض جبال ًا ثابتة؛ لئلا‬
‫ت�ضطرب‪ ،‬وجعل فيها ُط ُرق ًا وا�سع ًة وم�سالك؛ ليهتدوا‬
‫‪324‬‬
‫بها في �سيرهم و أ��سفارهم‪.‬‬

‫‪ 32‬وجعلنا ال�سماء �سقف ًا ل ألر�ض محفوظ ًا من الزوال‬
‫والف�ساد وحدوث الخلل‪ ،‬وه ؤ�لاء الم�شركون ُيع ِر�ضون‬

‫ي�ستطيعون َدفعها عن وجوههم‪ ،‬وال‪ ‬عن ظهورهم‪،‬‬ ‫‪ 36‬و�إذا ر آ�ك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬الذين كفروا بالله‪ ،‬قال‬
‫ولا نا�ص َر لهم ي�ستنقذهم من عذاب الله! لو يعلمون‬
‫ذلك ل�سارعوا إ�لى التوبة والإيمان و َلـ َما ا�ستعجلوا‬ ‫بع�ضهم لبع�ض م�ستهزئين‪ :‬أ�هذا الذي َيعيب آ�لهتكم‬
‫ويذكرها ب�سوء؟! يتعجبون من أ�مرك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪-‬‬
‫العذاب‪  ‬ألنف�سهم‪.‬‬ ‫والحا ُل أ�نهم بما هم عليه من الكفر �أح ُّق ب أ�ن ُيهز أ� بهم‬

‫‪ 40‬لا ت�أتيهم القيام ُة الموعو ُد بها وبعذابهم فيها إ�لا‬ ‫و ُيتع ّج َب منهم‪.‬‬
‫فج أ� ًة من غير �شعو ٍر بمجيئها؛ فتح ِّيهم وتده�شهم؛‬
‫‪ُ 37‬خ ِلق الإن�سا ُن مجبول ًا على ال َع َجلة؛ ولذلك‬
‫وال‪ ‬ي�ستطيعون �صرفها ولا دفعها‪ ،‬ولا هم ُي َهلون‪.‬‬ ‫ي�ستعجل ر َّبه بالعذاب‪� ،‬ست أ�تيكم ِنقم ُتنا وما يدل على‬

‫‪ 41‬ولقد ا�س ُتهزئ بر�س ٍل ِم ْن قبلك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪-‬‬ ‫اقتدارنا فلا ت�ستعجلوا‪.‬‬
‫كما ا�س ُتهزئ بك ‪ُ -‬ي�س ِّلي الله تعالى بذلك نب َّيه ‪‬‬
‫ويخ ِّفف عنه‪ -‬ف َن َزل بالم�ستهزئين البلا ُء والعذاب‪ ،‬الذي‬ ‫‪ 38‬ويقول ه�ؤلاء الم�ستع ِجلون ر َّبهم بالعذاب‪،‬‬
‫كانت تخوفهم به ر�س ُلهم‪ ،‬و�س َيحي ُق بالم�ستهزئين بك‬ ‫لمحمد ‪ :- -‬متى يجي ُئنا هذا الذي تع ُدنا من‬

‫جزا ُء ما ا�ستهز ؤ�وا‪.‬‬ ‫العذاب‪ ،‬إ�ن كنت �صادق ًا في وعدك به؟‬

‫‪ 42‬قل له ؤ�لاء الم�ستعجلين بالعذاب‪َ :‬م ْن يحفظكم‬ ‫‪ 39‬لو يعلم ه ؤ�لاء الكفار الم�ستعجلون عذا َب ر ِّبهم‬
‫من ب�أ�س الرحم ِن �إ ْن أ�راد إ�حلا َل العذا ِب بكم؟ وهم عن‬ ‫ماذا أ�ُع ّد لهم من البلاء‪ ،‬حين تلفح وجو َههم النا ُر؛ فلا‬

‫القر�آن ومواعظه معر�ضون‪ ،‬لا يتفكرون ولا يعتبرون‪.‬‬ ‫‪325‬‬

‫‪ 43‬أ� ِله�ؤلاء الذين ي�ستعجلون ر َّبهم بالعذاب �آله ٌة‬
‫تمنعهم م ّنا �إ ْن نحن أ�نزلنا بهم عذابنا؟ �إ َّن �آلهتهم لا‬
‫ي�ستطيعون �أن ين�صروا �أنف َ�سهم‪ ،‬فكيف ي�ستطيعون أ�ن‬

‫يمنعوهم؟ وهم منا لا ُيجارون ولا ُينعون‪.‬‬

‫‪ 44‬بل م ّتعنا الكفار بهذه الحياة الدنيا‪ ،‬و آ�باءهم من‬
‫قبلهم‪ ،‬حتى امت َّدت �أعمارهم فاغتروا بحياتهم الدنيا‬
‫واطم�أنوا بها‪� ،‬أفلا يرى كفار مكة �أنا ننق�ص ِم ْن جوانب‬
‫ا ألر�ض التي َيعمرها الكفا ُر الذين هم أ��ش ُّد منهم قوة‬
‫فتنح�سر بلادهم و َي�ض ُعف �سلطانهم؟ �أفيظنون بعد هذا‬

‫أ�نهم الغالبون؟‬

‫‪ 45‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لقومك‪� :‬إنما ُأ�خ ِّوفكم‬
‫و�أح ّذركم بالقر�آن وذلك �ش أ�ني وما أ�مرني الله به‪ ،‬ولا‬

‫ُي�صغي الكاف ُر �إلى القر�آن وما فيه من مواعظ‪ ،‬ولكنه‬
‫ُيعر�ض عنه كا أل�صم‪.‬‬

‫‪ 46‬ولئن �أ�صابهم قلي ٌل من عذاب ربك ‪ -‬يا‪ ‬محمد‪-‬‬

‫بتكذيبهم بك وكفرهم؛ ليقو ُل َّن متح�سرين‪ :‬يا هلا َكنا‪،‬‬
‫لقد كنا ظالمين في عبادتنا ا آللهة‪ ،‬وت ْر ِكنا عباد َة‪ ‬الله‬

‫خالقنا‪.‬‬

‫‪ 47‬ون�ضع الموازين العادل َة لح�ساب الخلق يوم القيامة؛‬

‫فلا ُيعا َقب �إن�سا ٌن بذنب لم يفعله‪ ،‬ولا ُيب َخ�س ثوا َب عم ٍل‬
‫عم َله‪ ،‬و إ�ن كان هذا العمل وز َن ح ّب ٍة من َخردل جئنا به‪،‬‬

‫وكفى �أن نكون نحن المحا ِ�سبين لهم على أ�عمالهم‪.‬‬

‫‪ 53‬أ�جا َب قو ُم �إبراهيم فقالوا‪ :‬وجدنا آ�باءنا لهذه‬ ‫‪ 49 48‬ولقد �آتينا مو�سى وهارون التوراة فرقان ًا‬
‫ا ألوثان عابدين‪ ،‬فنحن على ِم ّل ِة �آبائنا نعبد ما يعبدون‪.‬‬ ‫بين الح ّق والباطل؛ ونوراً ُي�ست�ضاء به من ظلمات الكفر‬
‫والجهل‪ ،‬وتذكيراًللمتقين الذين يخافون ر َّبهم ويع ِّظمون‬
‫‪ 54‬قال إ�براهيم‪ :‬لقد كنتم �أنتم و آ�با ؤ�كم في عبادتكم‬ ‫�أمره ِمن غي ِر �أن يروه‪ .‬وهم من ال�ساعة خائفون لأنهم‬
‫لهذه ا ألوثان في �ضلا ٍل مبين‪.‬‬
‫َي�ست�صغرون ح�سناتهم و َي�ستكثرون �سيئاتهم‪.‬‬
‫‪ 55‬ث ّم قالوا‪� :‬أجئتنا يا إ�براهيم بالحق فيما تقوله لنا؟ أَ� ْم‬
‫�أنت م�ستهزئ‪ ،‬لا ِع ٌب بعقولنا؟‬ ‫‪ 50‬وهذا القر�آن ِذك ٌر لمن تذ َّكر به‪ ،‬وعظة لمن ا َّتعظ‬
‫به‪ ،‬مبار ٌك كثير الخير‪� ،‬أف�أنتم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬لهذا الحق‬
‫‪ 56‬قال إ�براهيم‪ :‬بل أ�نا جا ٌّد فيما أ�قول‪ ،‬إ� ّن ربكم هو‬
‫ر ّب ال�سماوات وا ألر�ض الذي خلقهن‪ ،‬و�أنا على ما‬ ‫جاحدون؟!‬

‫ذكر ُت لكم من التوحيد من ال�شاهدين‪.‬‬ ‫‪ 51‬ولقد آ�تى الله �إبراهيم ‪ -‬عليه ال�سلام‪ُ -‬هداه‬
‫وا�صطفاه لر�سالته قبل مو�سى وهارون وهو �سبحانه‬
‫‪ 57‬وتالله ألجتهد ّن في تحطيم أ��صنامكم بعد �َأ ْن‬
‫تن�صرفوا بعيداً عنها‪.‬‬ ‫العليم ب�أنه �َأ ْه ٌل‪ِ  ‬لـ َما‪� ‬آتاه‪.‬‬

‫‪ 52‬واذك ْر لقومك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬إ�ذ قال إ�براهيم‬
‫ألبيه �آزر وقومه‪ :‬ما هذه ا أل�صنام التي أ�نتم مقيمون على‬

‫عبادتها؟!‬

‫‪326‬‬

‫‪ 63‬ف أ�جابهم مقيم ًا لل ُح ّجة عليهم‪ :‬بل الذي فعله‬

‫هذا ال�صن ُم الكبير؛ فا�س أ�لوا ا آللهة َم ْن َفعل بها ذلك �إ ْن‬
‫كانت‪ ‬تنطق؟‬

‫‪ 65 64‬فرجعوا �إلى عقولهم فقالوا‪� :‬إنكم �أنتم‬

‫الظالمون بعبادة مالا ينطق ولا ي�ستطيع أ�ن يدفع عن نف�سه‬
‫�ض ّراً‪ .‬ثم عادوا من جديد �إلى جهلهم وعنادهم وبا ِطلهم‬
‫فقالوا لإبراهيم‪ :‬لقد علم َت ما ه ؤ�لاء ا أل�صنام‪ ‬ينطقون‪.‬‬

‫‪ 66‬قال إ�براهيم لقومه ‪ -‬وقد انقطعت ُح ّج ُتهم‪:-‬‬
‫�أفتعبدون ما لا ينفعكم �شيئ ًا ولا ي�ضركم؟!‬

‫‪ُ 67‬ق ْبح ًا لكم وللآلهة التي تعبدونها من دون الله‪،‬‬ ‫‪ 58‬قام إ�براهيم عليه ال�سلام بتك�سير ا أل�صنام‪ ،‬فجعلها‬
‫�أفلا تعقلون ف�سا َد ما تفعلون؟‬ ‫ِقطع ًا إ�لا �صنم ًا عظيم ًا لم يك�سره؛ ليعتبروا ويعلموا �أن‬
‫هذه ا أل�صنام �إذا لم ت�ستطع أ�ن تدفع عن نف�سها ال�ش َّر‪،‬‬
‫‪ 68‬قال بع�ُض قوم إ�براهيم لبع�ض‪ ،‬بعد �أن ر�َأوا إ�براهيم‬
‫قد أ�قام الـ ُح ّج َة عليهم بـ َم ْن ِطقه الحكيم‪ :‬أ�َح ِرقوا إ�براهي َم‬ ‫فهي عن دفعه عن غيرها أ� ْب َع ُد‪.‬‬

‫بالنار ن�صراً آللهتكم إ�ن كنتم نا�صريها‪.‬‬ ‫‪ 59‬لـ ّما ر�أى قو ُم �إبراهيم آ�لهتهم قد ُح ِّطمت‪ ،‬قالوا‬
‫متو ِّعدين‪َ :‬م ْن فعل هذا ب آ�لهتنا؟ إ� ّن الذي فعل هذا بها‬
‫‪ 69‬ف�أ ْو َقدوا له ناراً ل ُيح ِّرقوه‪ ،‬ثم �أل َقوه فيها؛ فقال الله‬
‫للنار‪ :‬كوني برداً و�سلام ًا على إ�براهيم‪.‬‬ ‫لمن‪ ‬الظالمين‪.‬‬

‫‪ 70‬و�أرادوا ب�إبراهيم مكراً وهلاك ًا؛ فجعلناهم في‬ ‫‪ 60‬قال بع�ض الذين �سمعوه يذكر ا آللهة‪� :‬سمعنا فت ًى‬
‫الدنيا مغلوبين في مجادل ِتهم وتدبيرهم وفي ا آلخرة‬ ‫َي ِعيبها‪ ،‬يقال له إ�براهيم‪ ،‬وهو الذي نظ ُّنه �صنع هذا‪.‬‬

‫من الخا�سرين‪.‬‬ ‫‪ 61‬قالوا فيما بينهم‪ :‬ف�أتوا به على َمر�أى من النا�س‬
‫ي�شهدون عقا َبه وما ُي�صنع به‪.‬‬
‫‪ 71‬ونـ َّجينا إ�براهي َم وابن �أخيه لوط ًا من �أعدائهما؛‬
‫فهاجرا من أ�ر�ض العراق إ�لى أ�ر�ض ال�شام التي باركنا‬ ‫‪ 62‬فل ّما أ�توا به قالوا له‪� :‬أ�أنت فعل َت هذا ب آ�لهتنا‬
‫يا‪  ‬إ�براهيم؟‬
‫فيها للعالمين‪.‬‬

‫‪ 72‬ووهبنا إلبراهيم �إ�سحا َق ِمن زوجته �سارة‪،‬‬
‫ووهبنا له من إ��سحاق حفي َده يعقو َب ف�ضل ًا وزيادة‪،‬‬
‫وجعلنا الج َّد والابن والحفي َد جميع ًا متقين �صالحين‬

‫عاملين بطاعتنا‪.‬‬

‫‪327‬‬

‫‪ 73‬وجعلنا �إبراهي َم و إ��سحاق ويعقوب �أئم ًة ُي ؤ�ت ُّم‬
‫بهم في الخير‪ ،‬يهدون النا�س ب أ�مر الله‪ ،‬وي ْدعونهم‬
‫�إلى عبادته‪ ،‬و أ�وحينا إ�ليهم‪ :‬أ� ِن افعلوا الخيرات‪،‬‬

‫و أ�قيموا ال�صلاة‪ ،‬و آ�توا الزكاة‪ ،‬وكانوا لله خا�شعين‪ ،‬لا‬

‫ي�ستكبرون عن طاعته‪.‬‬

‫‪ 74‬و�آتينا لوط ًا النب ّوة والحكمة‪ ،‬و�آتيناه علم ًا نافع ًا‬
‫عظيم ًا‪ ،‬ونجَّيناه ِمن عذابنا الذي �أ ْحل ْلناه ب�أهل قريته التي‬
‫كانت تعمل الخبائث‪� ،‬إنهم كانوا قوم ًا مخالفين أ�مر الله‪،‬‬

‫خارجين عن طاعته‪.‬‬

‫ليقوموا ب إ��صلاحه حتى يعود كما كان ثم يترا ّدان‪ .‬ولا‬ ‫‪ 75‬و أ� ْد َخلنا لوط ًا في رحمتنا في الدنيا وا آلخرة؛ لأنه‬
‫َيخفى ما في الـ ُحكمين من العدل‪ ،‬وما في حكم �سليمان‬ ‫من الذين يعملون بطاعتنا‪ ،‬ولا يع�صوننا في �أَ ْمر‪.‬‬
‫عليه ال�سلام زياد ًة على العدل من العمارة وا إل�صلاح‪-‬‬
‫و�س َّخرنا مع داود الجبال والطير‪ ،‬ي�س ِّبحن معه إ�ذا �س َّبح‪.‬‬ ‫‪ 76‬واذك ْر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬خب َر نو ٍح ِمن َقب ِل �إبراهي َم‬
‫ولو ٍط حين دعانا يائ�س ًا من قومه المك ِّذبين‪ ،‬فا�ستجبنا له‬
‫وقد ق�ضينا ذلك في ُأ� ِّم الكتاب تكريم ًا له‪.‬‬ ‫دعاءه‪ ،‬ونـ َّجيناه و َمن معه من الم�ؤمنين من عذا ِب الغر ِق‬

‫‪ 80‬وع َّلمنا داود َ�صنع َة الدروع‪ ،‬التي ُتلب�س في‬ ‫والطوفا ِن الذي ح َّل بقومه‪.‬‬
‫الحرب؛ لتحف َظكم من القتل �إذا لقيتم أ�عداءكم‪ ،‬فهل‬
‫�أنتم ‪ -‬أ�يها النا�س‪� -‬شاكرون الله على نعمته هذه التي‬ ‫‪ 77‬وم َن ْعنا نوح ًا من قومه الذين كذبوا ب�آياتنا �أن‬
‫َي�صلوا �إليه ب�سوء‪� ،‬إنهم قو ٌم �أ�شرا ٌر �أ�ص ّروا على مع�صيتنا‬
‫تف ّ�ضل بها عليكم؟‬
‫ومخالفة �أمرنا فا�ستوجبوا الإغراق والهلاك‪.‬‬
‫‪ 81‬و�س َّخرنا ل�سليمان ريح ًا �شديد َة ال ُهبوب‪ ،‬تجري‬
‫ب�سليمان و أ��صحابه؛ حيث ي�شاء‪ ،‬ث ّم تعود بهم إ�لى‬ ‫‪ 78‬واذك ْر ‪ -‬يا محمد‪ -‬خب َر داو َد و�سليمان‪ ،‬و ْق َت‬
‫منازلهم بال�شام المباركة‪ ،‬ونحن عا ِلـمون بك ّل �شيء‪ ،‬لا‬ ‫ُحك ِمهما في ق�ضية الزرع‪ ،‬حين دخل ْت وانت�شر ْت فيه‬
‫غن ُم القوم ليل ًا بلا را ٍع‪ ،‬فر َع ْته و أ�ف�سدته‪ ،‬وك َّنا لحكم‬
‫َيخفى علينا منه �شيء‪.‬‬
‫داود و�سليمان �شاهدين‪ ،‬لا يخفى علينا منه �شيء‪.‬‬

‫‪ 79‬وع َّلمنا وف ّهمنا �سليما َن الـ ُحك َم في ق�ضية الزرع‪،‬‬
‫وك ّ ًل من داود و�سليمان آ�تيناه النبو َة‪ ،‬و ِع ْلم ًا بالق�ضاء‬
‫و أ��صول الحكم ‪ -‬حيث إ� ّن داود َحكم ب َد ْفع الغنم‬
‫أل�صحاب الـ َح ْرث‪ .‬و أ� ّما �سليمان ف�أمر ب َد ْفع الغنم إ�ليهم‬
‫لينتفعوا بها‪ ،‬و أَ� َمر بدفع الـ َح ْرث إ�لى أ��صحاب الغنم‬

‫‪328‬‬

‫أ�ن الله قد يبتلي أ�ح َّب عباده‪ ،‬لي�س لهوانه عليه ولكن‬ ‫‪ 82‬و�س َّخرنا �أي�ض ًا ل�سليمان ِمن ال�شياطين َم ْن‬
‫اختباراً منه له ليرفعه ب�صبره �إلى منزل ِة الكرام ِة‪ ‬عنده‪.‬‬ ‫يغو�صون له في البحار‪ ،‬وي�ستخرجون له ِمن الجواهر‬
‫واللآلئ‪ ،‬ويعملون غير ذلك ِمن بناء المدن والق�صور‪،‬‬
‫‪ 85‬واذك ْر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬أ�نبياءنا‪� :‬إ�سماعيل‪،‬‬ ‫وك ّل ما يريده منهم‪ ،‬وك ّنا لهم حافظين حتى لا يخرجوا‬
‫و�إدري�س‪ ،‬وذا ال ِك ْفل؛ لأنهم ك َّلهم ِمن أ�هل ال�صبر على‬
‫عن �أمره‪ ،‬ولا يف�سدوا ما عملوا‪.‬‬
‫ما نا َبهم في الله‪.‬‬
‫‪ 86‬و َأ� ْدخلنا جمي َع ه�ؤلاء الم�صط َفين الأخيار في‬ ‫‪ 83‬واذك ْر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬خب َر أ�يو َب ‪ -‬عليه‬
‫ال�سلام‪ -‬الذي ابتليناه في ماله وولده ون ْف�سه و َو َجدناه‬
‫رحمتنا‪� ،‬إنهم ممن �ص َلح‪ ،‬ف�أطاع الله‪ ،‬و َع ِمل بما أ�مره‪.‬‬ ‫�صابراً را�ضي ًا ودعانا خا�شع ًا‪ :‬يا رب �إني م�َّسني ال�ض ُّر‪،‬‬
‫و�أنت أ�رحم الراحمين‪ .‬وهذا تعري� ٌض منه عليه ال�سلام‬
‫‪ 87‬واذك ْر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬خب َر �صاح ِب الحو ِت‬
‫يون� َس بن م َّتى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬حين غ�ضب على قومه؛‬ ‫ب َط َل ِب الرحمة‪ ،‬وهو ِم ْن كمال �أدبه مع الله‪.‬‬
‫فغادرهم دون ا�ستئذا ٍن من الله؛ وظ َّن �أننا لا ن ؤ�اخذه‬
‫بخروجه‪ ،‬ولن ُن�ض ّيق عليه ف َح َكمنا عليه با إللقاء في‬ ‫‪ 84‬فا�ستجبنا لأيو َب دعا َءه‪ ،‬فرفعنا عنه ما كان قد نزل‬
‫البحر‪ ،‬وب أ�ن يلتقمه الحو ُت‪ ،‬فنادى يون� ُس وهو في‬ ‫به من بلا ٍء في َب َدنه وماله‪ ،‬ورددنا عليه ما فقده ِمن �أه ٍل‬
‫ظلمة الليل‪ ،‬وظلمة البحر‪ ،‬وظلمة بطن الحوت ر ّبه‬ ‫وول ٍد‪ ،‬وزدناه مث َل عد ِد �أولاده‪َ ،‬ف َع ْلنا ذلك رحم ًة م ّنا‬
‫مق ّراً بوحدانيته‪ ،‬ومن ّزه ًا له عن ك ِّل ما لا يليق بجلاله‪،‬‬ ‫أليوب‪ ،‬و َت ْذ ِكر ًة للعابدين؛ لي�صبروا كما �صبر؛ وليعلموا‬

‫معترف ًا بذنبه‪ ،‬تائب ًا مما كان منه ِمن الظلم لنف�سه‪.‬‬ ‫‪329‬‬

‫‪ 88‬فا�ستجبنا ليون�س دعاءه‪ ،‬ونـ َّجيناه من غ ِّم الحب�ِس‬
‫في بطن الحوت‪ ،‬وكما �أنجينا يون� َس من الكرب‪ ،‬كذلك‬

‫ُننجي الم ؤ�منين �إذا ا�ستغاثوا بنا ودعونا‪.‬‬

‫‪ 89‬واذك ْر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬خب َر زكريا ‪ -‬عليه‬
‫ال�سلام‪ -‬حين دعا ر ّبه‪ ،‬قال‪ :‬ر ِّب لا تتركني وحيداً بلا‬
‫َول ٍد يرثني ويكون نب ّي ًا من بعدي؛ وح�سبي أ�ن َت و�إ ْن لم‬
‫ترزقني وارث ًا ف إ�نك خير الوارثين‪ .‬وهذا ثنا ٌء على الله ب أ�نه‬

‫الباقي بعد فناء الخلق و أ�نه الوارث لهم‪.‬‬

‫‪ 90‬فا�ستجبنا لزكريا دعا َءه‪ ،‬ووهبنا له يحيى َولداً‬
‫ووارث ًا‪ ،‬وجعلنا زوجت َه َت ِلد بعد أ�ن كانت عقيم ًا؛ إ�نهم‬
‫كانوا أ�هل بي ٍت ي�سارعون في طاعتنا‪ ،‬ويعبدوننا رغب ًة‬
‫منهم فيما يرجونه ِمن َر ْحمتنا وف�ض ِلنا‪ ،‬ورهب ًة من‬
‫عذابنا‪ ،‬وكانوا لنا متوا�ضعين مت َذلِّلين‪ ،‬ال‪ ‬ي�ستكبرون‬

‫عن عبادتنا ودعائنا‪.‬‬

‫‪ 91‬واذك ْر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬خب َر مريم بنت ِعمران‬
‫التي حفظ ْت َفرجها عن الحلال والحرام‪ ،‬و َ�أ َم ْرنا جبريل‬
‫فنفخ فيها فكان منها عي�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ِ -‬من غي ِر �أن‬

‫َي�سها ب�شرٌ‪ ،‬وجعلنا مريم وعي�سى علام ًة وبرهان ًا على‬
‫كمال‪ ‬قدرتنا‪.‬‬

‫‪� 92‬إ َّن الرابط َة التي تجمعكم به ؤ�لاء ا ألنبياء و أ�تباعهم‬
‫هي الإ�سلام لله‪ ،‬ف�أنتم جميع ًا أ�م ٌة واحدة؛ فتوجهوا إ�لى‬
‫ربكم بالعبادة‪ ،‬و�أف ِردوه بالخ�ضوع والطاعة له بما هو‬

‫طاع ٌة عنده‪.‬‬

‫‪ 93‬وتف َّرق النا� ُس في دينهم‪ ،‬ف�صاروا فرق ًا و�أحزاب ًا‪:‬‬
‫من اليهود‪ ،‬والن�صارى‪ ،‬و َع َبد ِة ا ألوثان‪ ،‬ومرج ُع جميع‬

‫ه�ؤلاء �إلى الله فيجازيهم ب أ�عمالهم‪.‬‬

‫‪ 98‬أ�نتم أ�يها الكافرون وما تعبدون من دون الله‪،‬‬ ‫‪ 94‬ف َم ْن عمل ِم ْن ه ؤ�لاء الذين تف ّرقوا في دينهم بما‬
‫�أمره الله به‪ ،‬وهو ُمق ٌّر بوحدانيته تعالى ور�سالة نب ّيه؛‬
‫َح َطب جهنم ووقودها المع ُّد لها‪ ،‬و أ�نتم داخلون إ�ليها‬ ‫ف إ� ّن‪ ‬الله ي�شكر له عم َله‪ ،‬و ُيثيبه عليه في ا آلخرة‪ ،‬ولا‬
‫لا َمحي َد لكم عنها‪.‬‬
‫َي�ضيع منه �شيء �إذ ك ُّله مكتوب ب�أمر الله‪.‬‬
‫‪ 99‬لو كانت هذه ا ألوثا ُن وا أل�صنام و�شياطين الجن‬
‫‪ 95‬و ُمتن ٌع على أ�هل قرية ق َّدرنا هلا َكها لأْج ِل‬
‫والإن�س التي تعبدون من دون الله آ�له ًة على الحقيقة كما‬ ‫كفرهم وطغيانهم‪ ،‬عد ُم رجوعهم �إلينا يوم القيامة‬
‫زعمتم؛ ما دخل ِت النار‪ ،‬وك ٌّل ِم ْن هذه المعبودات و َمن‬
‫للح�ساب والجزاء‪ ،‬بل هم إ�لينا راجعون‪.‬‬
‫َع َبدها ماكثون في النار �أبداً‪.‬‬
‫‪ 96‬حتى �إذا ُأ� ِذن لي�ْأجو َج وم�ْأجوج بالخروج و ُفتح‬
‫‪ُ 100‬ت�سمع لأنفا�س ه ؤ�لاء الم�شركين في جهنم أ��صوا ٌت‬ ‫لهم ال�س ُّد‪ ،‬أ��سرعوا ِم ْن كل مرتفع من الأر�ض‪ ،‬وانت�شروا‬
‫ُت ْن ِبئ عن عظيم �آلامهم و ِ�ش َّدة َكربهم‪ ،‬وهم لا ي�سمعون‬
‫في أ�رجائها مف�سدين‪.‬‬
‫ِم ْن َهول ما هم فيه ندا ًء‪ ،‬ولا يدركون معن ًى‪.‬‬
‫‪ 97‬واقتر َب بخروج ي أ�جو َج وم�أجوج يو ُم البعث‬
‫‪ 101‬لـ ّما �شاغب الم�شركون ب�أ ّن عي�سى والملائكة ُعبدوا‬ ‫والجزاء‪ ،‬ف�إذا أ�ب�صار الذين كفروا حين ي أ�تي يو ُم البعث‬
‫من دون الله ف�س ُيع َّذبون في النار‪� ،‬أخب َر الله تعالى أ� َّن الذين‬ ‫والجزاء من �ش ّدة الأهوال؛ لا تكاد َت ْطرف‪ ،‬يقولون‪:‬‬
‫يا ويلنا قد كنا في الدنيا في َغ ْفلة‪ ،‬م ّما نرى ونعاين من‬
‫�سبق ْت لهم ال�سعاد ُة من الله‪ ،‬هم عن جهنم مب َعدون‪.‬‬ ‫عظيم البلاء‪ ،‬بل كنا ظالمين بمع�صيتنا ر َّبنا وعباد ِة غيره‪.‬‬

‫‪330‬‬

‫في ا ألر�ض‪ ،‬و ُنورثهم إ�يّاها ِمن أ�ج ِل ا إل�صلاح فيها‬
‫و ِعمارتها‪ .‬وهذا وع ٌد من الله تعالى ب إ�ظهار الدين‬

‫و�إعزا ِز أ�هله‪.‬‬

‫‪� 106‬إ َّن في هذا القر آ�ن لمن �أطاع الله و أ�قام على عبادته‬
‫لكفاي ًة و�سبب ًا يو�صله �إلى ر�ضوانه �سبحانه‪.‬‬

‫‪ 107‬وما أ�ر�سلناك ‪ -‬يا محمد‪ -‬إ� ّل رحم ًة للعالمين‬
‫كا ّف ًة‪ ،‬فالم ؤ�من ُر ِح َم با إليمان بك وبما أ�ر�سلناك به‪،‬‬

‫والكافر ُدفع عنه ِب َك عذا ُب الا�ستئ�صال‪.‬‬

‫‪ 108‬قل ‪ -‬يا محمد‪ :-‬ما يوحي إ�ليَّ ربي‪� ،‬إ ّل أ�نه لا إ�له‬
‫لكم إ� ّل �إل ٌه واحد‪ ،‬فهل أ�نتم ُم ْذ ِعنون له‪ ،‬ومتب ِّرئون ِمن‬

‫عبادة‪ ‬غيره‪.‬‬

‫‪ 109‬ف�إ ْن َأ�عر�ض ه ؤ�لاء الم�شركون عن ا إلقرار با إليمان‪،‬‬ ‫‪ 102‬لا ي�سمع ه ؤ�لاء الذين �سبق ْت لهم م ّنا الح�سنى‬
‫فقل لهم ‪ -‬يا محمد‪ :-‬لقد �أبلغ ُتكم جميع ًا ما ُ�أمر ُت‬ ‫�صو َت جهنم؛ ألنهم �صاروا في الجنة‪ ،‬وهم فيما َت�ْش َتهيه‬
‫بتبليغه‪ ،‬وبذلك ا�ستوينا في العلم‪ ،‬وما أ�دري متى الوقت‬
‫الذي يح ُّل بكم عقاب الله‪� ،‬أقري ٌب نزو ُله بكم أ�م بعيد؟‬ ‫نفو�ُسهم‪ِ ،‬م ْن نعيمها ول َّذاتها مقيمون إ�قام ًة دائم ًة‪.‬‬

‫‪ 110‬قل ‪ -‬يا محمد‪ -‬له ؤ�لاء الم�شركين‪� :‬إ ّن الله يعلم ما‬ ‫‪ 103‬لا ُت ِخيفهم �أهوا ُل يوم القيامة‪ ،‬وت�ستقبلهم‬
‫َتهرون به من القول‪ ،‬ويعلم ما ُتخفونه‪.‬‬ ‫الملائك ُة على �أبواب الجنة‪ُ ،‬يه ِّنئونهم‪ ،‬ويقولون‪ :‬هذا‬

‫‪ 111‬وما أ�دري ال�سب َب الذي ِمن أ�جله ي ؤ� َّخر عنكم‬ ‫يومكم الذي كنتم تو َعدون و ُتب�َّشون به في الدنيا‪.‬‬
‫عقاب الله‪ ،‬لعل ذلك لفتن ٍة يريدها الله بكم إ�لى �أَ َج ٍل‬
‫‪ 104‬يوم نطوي ال�سماء كط ِّي ال�صحيف ِة على المكتوب‬
‫تبلغونه‪.‬‬ ‫فيها‪ ،‬كما َخ َل ْقناهم �أول مر ٍة نعيدهم‪ ،‬وكما �أخرجناهم‬
‫من بطون أ�مهاتهم حفا ًة ُعرا ًة ُغ ْرل ًا‪ ،‬كذلك ُنخرجهم‬
‫‪ 112‬قال الر�سول ‪ :- -‬ر ِّب ا ْف�ص ْل بيني وبين َم ْن‬ ‫من قبورهم‪ ،‬و َع ْدناكم بذلك وعداً كائن ًا ال‪َ  ‬محال َة‪،‬‬
‫ك ّذبني ِم ْن م�شركي قومي بالح ّق؛ ور ُّبنا الرحم ُن الذي‬
‫أ��ستعينه على ما تقولون وت ّدعون‪ ،‬ه ِّ ٌي عليه ِخذلا ُنكم‬ ‫فا�ستعدوا له‪.‬‬

‫وتحقي ُق ن�صري عليكم‪.‬‬ ‫‪ 105‬ولقد كت َبنا في َزبور داود ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬كما‬
‫كتبنا ِمن َقب ُل في التوراة �أننا نم ِّكن لعبادنا ال�صالحين‬

‫‪331‬‬

‫�ُأ ّمه �إلى وقته‪ ،‬ث ّم نخرجكم من أ�رحام أ�ُمهاتكم �أطفال ًا‬ ‫‪ 1‬يا �أيها النا�س اح َذروا عقا َب ر ِّبكم بطاعته‪،‬‬
‫�صغاراً‪ ،‬ث ّم لتبلغوا كما َل عقولكم‪ ،‬ونهاي َة ُقواكم‪،‬‬ ‫ف�أطيعوه ولا تع�صوه؛ لت�ْأ َمنوا من المخاوف‪ ،‬ف�إ ّن زلزلة‬
‫ومنكم َم ْن يموت قبل ذلك‪ ،‬ومنكم َم ْن ُي�ؤ َّخر في �َأ َجله‬
‫فيع ّمر حتى َيهرم و َت ْ�ض ُعف ُق َواه‪ ،‬فلا يعلم �شيئ ًا مما كان‬ ‫ا ألر�ض يوم القيامة أ�م ٌر عظي ٌم ُمفز ٌع ُمخي ٌف‪.‬‬
‫يعلمه من قبل‪ .‬و ِم ْن دلائل �إمكا ِن البعث وقدر ِتنا عليه‬
‫أ�نك ترى الأر�ض ياب�س ًة لا أ�ثر فيها لنبا ٍت �أو زرع‪ ،‬ف�إذا‬ ‫‪ 2‬يومئ ٍذ َتغ ُفل ِمن ِ�ش َّدة ال َّد َه�ش ك ُّل مر�ضعة ع ّما‬
‫�أر�ضعت‪ ،‬وت�ضع ك ُّل حامل جنينها ِمن �ش َّدة ال َهول‪،‬‬
‫�أنزلنا عليها المطر؛ تحرك ْت ونما نبا ُتها‪ ،‬و أ�خرج ْت من‬ ‫وترى النا�س �ُسكارى ِمن �ش َّدة الفزع‪ ،‬وما هم ب ُ�سكارى‬
‫ك ِّل نو ٍع ن ِ� ٍض َح�س ِن المن َظر‪.‬‬ ‫حقيق ًة‪ ،‬ولك ْن طا�ش ْت عقولهم ب�سبب هذه ال�ش َّدة‬

‫ف�صاروا كال�ُّسكارى‪.‬‬

‫‪ 3‬و ِم َن النا�س َمن ُيخا�صم في الله‪ ،‬فيزعم أ� ّن الله‬
‫غير قاد ٍر على إ�حياء َمن قد َبل َي و�صار تراب ًا؛ جهل ًا منه‬
‫بما يقول‪ ،‬وي ّتبع في جداله بغير علم ك َّل �شيطان متج ِّر ٍد‬

‫للف�ساد مقي ٍم عليه‪.‬‬

‫‪ُ 4‬ق�ضي و ُق ّدر على ال�شيطان ب�سبب تك ُّ ِبه ومع�صيته‬
‫�أمر ر ِّبه �أن ُي�ض َّل أ�تباعه‪ ،‬ولا يهديهم إ�لى الحق‪ ،‬وي�سوق‬

‫َم ِن ا َّتبعه �إلى عذاب جهنم المو َقدة‪.‬‬

‫‪ 5‬ثم ب َّي الله الحج َج لمنكري البعث‪ ،‬فقال‪ :‬يا �أيها‬
‫النا�س إ�ن كنتم في �ش ٍّك من �أمر �إعادتكم إ�لى الحياة‬

‫مر ًة �أخرى للح�ساب يوم القيامة‪ ،‬ف�إ ّن في ابتدائنا‬
‫خل َق أ�بيكم �آد َم ِم ْن تراب‪ ،‬ثم �إن�شائكم ِم ْن ُنطفة‪ ،‬ثم‬
‫ِم ْن علقة تنغر�س في الرحم وتتغذى منه‪ ،‬ثم ِم ْن ُم�ضغة‬
‫على هيئة ما ُي�ضغ في الفم‪ ،‬مخ َّلق ٍة خلق ًا �سو ّي ًا‪� ،‬أو غي ِر‬
‫مخ َّلقة ‪ -‬وهو ال�َّس ْقط قبل تمام خلقه‪ -‬لدليل ًا يب ّي لكم‬
‫�إمكا َن البعث بعد الموت وقدر َتنا عليه؛ إ�ذ �أعظم منه هذا‬

‫الـ َخل ُق ا ألول‪ ،‬ف َم ْن خلقكم ابتدا ًء لا ُيعجزه �أن يعيدكم‬
‫مر ًة أ�خرى‪ .‬ف َم ْن ُك ّنا كتبنا له حيا ًة‪ ،‬ف�إ ّنا ُنق ُّره في رحم‬

‫‪332‬‬

‫‪ 10‬ذلك العذاب الدنيوي والأخروي النا ُزل ب َك‬

‫‪� -‬أيها المجادل المتكبر‪ -‬هو ب�سبب ما اقترفته من الكفر‬

‫والمعا�صي‪ ،‬واللهُ �سبحانه لا يع ِّذ ُب عبا َده بغير ذنب‪.‬‬

‫‪ 11‬و ِمن النا�س َم ْن يعبد الله على غير َيقي ٍن‪ ،‬ف إ�ن أ��صابه‬
‫�سع ٌة ِمن ال َعي�ش‪ ،‬ا�ستق َّر بالإ�سلام وثب َت عليه‪ ،‬و�إ ْن أ��صابه‬
‫بلاءٌ�أو �ضيق في ال َعي�ش؛ انقل َب �إلى الكفر‪ ،‬خ�سر دنياه؛‬
‫ألنه لم َيظفر بحاجته‪ ،‬وخ�س َر ا آلخرة؛ لأنه مع َّذ ٌب فيها‪،‬‬

‫ذلك هو الخ�سران الوا�ضح الذي لا خ�سرا َن مثله‪.‬‬

‫‪ 12‬يدعو هذا المرت ُّد المفتون في دينه آ�له ًة لا ت�ض ُّره �إ ْن‬ ‫‪ 6‬ذلك الذي ذك ْرنا ِمن خل ِق بني آ�دم و�أطوا ِره‪،‬‬
‫لم يعبدها‪ ،‬ولا تنفعه �إ ْن عبدها‪ ،‬ذلك هو ال�ضلال البعيد‬ ‫و إ�حيا ِء الأر�ض؛ ِل ُت�ص ّدقوا ب أ� ّن الذي فعل ذلك‪ ،‬هو‪ ‬الله‬
‫الحق لا �ش َّك فيه‪ ،‬و�أ ّنه يحيي الموتى بعد فنائهم‪ ،‬و�أ ّنه‬
‫عن الحق وال ُّر�شد‪.‬‬
‫تعالى قادر على كل �شيء‪.‬‬
‫‪ 13‬يعبد هذا المرت ُّد آ�له ًة �ض ُّرها المتحق ُق في الآخرة‬
‫�أقر ُب ِم ْن نفعها الذي َيتو َّهمه ويتو َّقعه‪َ ،‬ل ِبئ� َس النا�صر‪،‬‬ ‫‪ 7‬ولت�ؤمنوا ب أ� ّن القيامة التي وع ْد ُتكم بها �آتية‪،‬‬
‫ال‪� ‬ش ّك في حدوثها ومجيئها‪ ،‬و أ� ّن الله يبعث َم ْن في‬
‫ولبئ�س المعا�شر وال�صاح ُب هذا المعبود‪.‬‬ ‫القبور ويحييهم حينئ ٍذ للح�ساب‪ ،‬فلا ت�شكوا في ذلك‪.‬‬

‫‪ 14‬إ� ّن الله ُيدخل الذين �ص َّدقوا اللهَ ور�سو َله‪ ،‬وعملوا‬ ‫‪ 8‬و ِمن النا�س َم ْن يخا�صم في توحيد الله‪ ،‬و إ�فرا ِده‬
‫بما �أمرهم الله في الدنيا‪ ،‬وانتهوا ع ّما نهاهم عنه فيها‪،‬‬ ‫با أللوهية بغير عل ٍم منه‪ ،‬وبغير بيا ٍن وال‪ ‬برهان‪،‬‬
‫ُيدخلهم ب�ساتين تجري ا ألنهار ِم ْن تحت �أ�شجارها‪،‬‬
‫فيعطي ما �شاء ِم ْن كرامته أ�ه َل طاعته‪ ،‬وما �شاء ِمن‬ ‫وال‪ ‬كتا ٍب من الله ُينير عن ُح ّجته‪.‬‬

‫الهوان أ�ه َل مع�صيته‪.‬‬

‫‪َ 15‬م ْن كان ِمن النا�س ي ْح َ�سب أ� ْن لن ين�ص َر اللهُ نب ّيه‬
‫محمداً ‪ - -‬في الدنيا والآخرة؛ ف ْل َي�ْش ُدد بحب ٍل إ�لى‬
‫�سقف بيته‪ ،‬ث ّم لي ْختنق به حتى يموت‪ ،‬فلينظ ْر هل ُيذهب‬

‫فع ُله ذلك غي َظه ِمن ن�ص ِر الل ِه لنبيه؟‬

‫‪ 9‬يجادل ‪ -‬هذا الذي يجادل في الله بغير علم‪-‬‬
‫لا ِوي ًا ُعن َقه ا�ستكباراً‪ِ ،‬لي�ص ّد الم ؤ�منين عن دينهم‪ ،‬فله في‬

‫الدنيا ال ُّذل والمهانة‪ ،‬وله يوم القيامة عذاب النار‪.‬‬

‫‪333‬‬

‫‪ 23‬والذين �ص َّدقوا بالله ور�سوله و أ�طاعوهما‪ ،‬ف إ�ن‬ ‫‪ 16‬وكما ب َّي الله قدر َته على �إحياء الخلق بعد فنائهم؛‬
‫الله ُي ْدخلهم ب�ساتي َن تجري ِم ْن تحت �أ�شجارها ا ألنهار‪،‬‬ ‫كذلك أ�نزل هذا القر�آن‪� ،‬آيا ُته دلالا ٌت وا�ضحا ٌت‪،‬‬
‫و ُيح ّليهم فيها �أ�ساور ِمن ذهب ول�ؤل�ؤاً‪ ،‬ولبا�ُسهم في‬
‫يهدي‪ ‬الله بها َم ْن �أراد هدايته وتوفيقه ل�سبيل الحق‪.‬‬
‫الجنة الحرير‪.‬‬
‫‪ 17‬إ� ّن الذين �ص َّدقوا بالله ور�سوله محم ٍد‪ ،‬واليهو َد‪،‬‬
‫‪334‬‬
‫وال�صابئين ‪ -‬وهم َمن اهتدى من العرب �إلى التوحيد‬
‫وت ْر ِك عبادة ا ألوثان‪ -‬والن�صارى‪ ،‬والمجو�س ‪ -‬وهم‬
‫َع َبدة النار‪ -‬والذين أ��شركوا بالله فعبدوا ا ألوثا َن‬
‫وا أل�صنام‪ ،‬إ� ّن الله �سيف�صل بينهم يوم القيامة‪ ،‬ف ُيدخل‬
‫الم ؤ�منين الجنة‪ ،‬والكفا َر النار‪ ،‬إ� ّن الله على ك ّل �شي ٍء‬

‫�شهي ٌد‪ ،‬لا َيخفى عنه �شيء من أ�عمالهم‪.‬‬

‫‪ 18‬أ� َلـ ْم َتعلم ‪ -‬يا محم ُد‪� -‬أ ّن الله ي�سجد له َم ْن في‬
‫ال�سماوات ِمن الملائكة‪ ،‬و َم ْن في ا ألر�ض ِمن المخلوقات‪،‬‬
‫وكذلك ال�شم� ُس والقم ُر والنجو ُم في ال�سماء‪ ،‬والجبا ُل‬
‫وال�شجر وال َّدوا ُّب في الأر�ض؟ وي�سجد لله كثي ٌر من بني‬
‫�آدم‪ ،‬وهم الم�ؤمنون‪ ،‬وكثي ٌر من النا�س َو َج َب عليه عذا ُب‬
‫الله بكفره‪ ،‬و إ�بائه ال�سجو َد له‪ ،‬و َم ْن ُي ِه ْنه اللهُ بال�شقاوة‬
‫فما له َم ْن ي�سعده‪� ،‬إ ّن الله يفعل في خلقه ما ي�شاء‪ِ ،‬من‬

‫�إهان ٍة و�إكرا ِم؛ ألن الخلق خ ْل ُق ُه والأم َر �أم ُر ُه‪.‬‬

‫‪ 22 - 19‬هذان فريقان متخا�صمان‪� :‬أه ُل الكفر‬

‫و�أه ُل الإيمان‪ ،‬عا َدى ك ُّل فريق منهم ا آلخ َر وحا َربه على‬
‫دينه‪ ،‬ف أ� ّما الكافر بالله منهما‪ ،‬ف�إن النار ت�شتمل عليه‬
‫وتحيط به �إحاط َة الثو ِب بالج�س ِد‪ ،‬و ُي َ�ص ُّب على ر�ؤو�س‬
‫فريق أ�هل الكفر ما ٌء َم ْغلي‪ُ ،‬يذيب ما في بطونهم‪،‬‬
‫وي�شوي جلودهم فتت�ساقط‪ ،‬وت�ضرب الملائك ُة ر�ؤو�َسهم‬
‫بمطار َق من حديد‪ ،‬ك ّلما حاولوا الخروج من النار؛‬

‫ِل�شدة ما نالهم ِمن غ ِّمها وك ْربها‪ُ ،‬ر ُّدوا إ�ليها‪ ،‬وقيل لهم‪:‬‬
‫ذوقوا عذا َب النار المح ِرق‪.‬‬

‫ليقوم ببنائه‪ ،‬وو�صيناه �أ ّل ي�شرك بعبادتي �شيئ ًا‪ ،‬و أ�ن يط ّهر‬
‫بيتي الذي بناه من عبادة الأوثان للطائفين به‪ ،‬والقائمين‬

‫فيه لل�صلاة والدعاء‪ ،‬وال ُّر ّكع ال�ّسجود في �صلاتهم حول‬
‫البيت‪.‬‬

‫‪ 28 27‬و أ� ْع ِل ْم ‪ -‬يا �إبراهي ُم‪ -‬ونا ِد في النا�س‪َ :‬أ� ْن‬ ‫‪ 24‬وهداهم الله في الجنة �إلى ال َّطيب من ال َقول‪ِ ،‬م ْن‬
‫ح ُّجوا بيت الله الحرام‪ ،‬ف�إ ّن النا�س ي�أتون البيت م�شا ًة‬ ‫حم ِد الله على ُح�سن العاقب ِة والثنا ِء عليه‪ ،‬وط ّي ِب القول‬
‫على �أرجلهم‪ ،‬وي�أتون ُركبان ًا على كل َبعير َمهزول قد‬ ‫فيما بينهم‪ ،‬كما هداهم في الدنيا �إلى الطريق المو ِ�صل‬
‫أ�نهكه ال�سفر‪ِ ،‬م ْن كل طري ٍق ومكان بعيد؛ لي�شهدوا ما‬
‫ينفعهم من الأعمال الدينية والدنيوية؛ وكي يذكروا ا�سم‬ ‫�إلى ر�ضاه‪ ،‬وهو دين الإ�سلام‪.‬‬

‫الله تعالى في �أيا ٍم معلومات ‪ -‬وهي يوم النحر عا�ش ِر ذي‬ ‫‪� 25‬إ ّن الذين جحدوا ما جاءهم ِمن ربهم‪ ،‬وك َّذبوا‬
‫الـ ِح ّجة و�أيا ُم الت�شريق الثلاثة‪ -‬على ما رزقهم من الأنعام‬
‫التي أ�هدوها من الإبل والبقر والغنم‪ ،‬ف ُكلوا مما تذبحون‬ ‫ر�سوله‪ ،‬و َينعون النا� َس عن دين الله �أن يدخلوا فيه‪،‬‬
‫و َينعون النا�س عن الم�سجد الحرام‪ ،‬الذي جعله الله‬
‫�أو تنحرون من هذه ا ألنعام و أ�ط ِعموا البائ� َس ‪ -‬وهو الذي‬ ‫للم�ؤمنين كا َّف ًة‪ ،‬ي�ستوي في تعظيم ُحرمته والطوا ِف‬
‫به ُ� ُّض الجوع والحاجة‪ -‬والفقي َر الذي لا �شيء له‪.‬‬ ‫به وق�ضا ِء المنا�سك والنزو ِل فيه حيث ي�شاء المقي ُم به‬
‫والقاد ُم إ�ليه‪ ،‬و َم ْن ُي ِر ْد في الم�سجد الحرام ب�أن َييل بظلم‬
‫‪ 29‬ثم ِل َيق�ضوا ما عليهم من منا�سك ح ِّجهم؛ ِم ْن‬ ‫فيع�صي‪ ‬الله فيه؛ ُنذقه يوم القيامة من عذا ٍب ُمو ِج ٍع له‪.‬‬
‫َحلق ال�شعر‪ ،‬والرمي‪ ،‬والطواف‪ ،‬و ْل ُيوفوا اللهَ بما نذروا‬
‫ِم ْن هدايا و�ضحايا وغير ذلك‪ ،‬ولي َّطوفوا ببيت الله‬ ‫‪ 26‬اذك ْر ‪ -‬يا محمد‪ -‬كيف ابتد أ�نا هذا البيت الذي‬
‫يع ُب ُد قو ُمك فيه غيري‪ ،‬حين ب َّينا إلبراهيم مكان البيت؛‬
‫الحرام‪ ،‬الذي هو أ�ول بيت و�ضع للنا�س‪.‬‬

‫‪ 30‬هذا الذي أ�مركم الله به من الوفاء بالنذور‪،‬‬

‫والطواف هو الفر�ض الواج ُب عليكم ‪� -‬أيها النا�س‪-‬‬
‫في ح ّجكم‪ ،‬و َم ْن يجتن ْب ما أ�مره اللهُ باجتنابه في حال‬
‫�إحرامه‪ ،‬تعظيم ًا منه لحدود الله‪ ،‬فهو خي ٌر له عند ربه في‬
‫الآخرة‪ ،‬و أ�َحل الله لكم ‪� -‬أيها النا�س‪� -‬أك ّل الأنعام‬

‫‪ -‬وهي الإبل والبقر والغنم‪� -‬إ ّل ما ُيتلى عليكم تحريـ ُمه‬
‫ِمن الميتة وما لم ُيذكر ا�سم الله عليه‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فاتقوا‬
‫عباد َة الأوثان‪ ،‬ف�إنها ِرج�س ‪ -‬أ�ي خبث معنوي و َق َذر‪-‬‬

‫واتقوا قول الكذب‪ ،‬والافتراء على الله‪.‬‬

‫‪335‬‬

‫و�َس َكن ْت ‪ -‬وذلك بخروج روحها‪ -‬فقد ح ّلت لكم‬ ‫‪ 31‬م�ستقيمين لله على إ�خلا�ص التوحيد له‪ ،‬غي َر‬
‫فكلوا منها‪ ،‬و أ�طعموا منها القانع ‪ -‬وهو الفقير الذي‬ ‫م�شركين به �شيئ ًا‪ ،‬و َم ْن ي�شرك بالله فقد هلك‪ ،‬و َم َثله ك َم ْن‬
‫يقنع بما أ�ُع ِطي‪ -‬والـ ُمعت َّر الذي ي�س أ�ل لحاجته‪ ،‬كذلك‬ ‫�سقط من ال�سماء فت�أخذه الطي ُر ب�سرع ٍة و ُتزقه‪� ،‬أو تهوي‬
‫�س َّخرنا لكم ال ُب ْد َن لتنتفعوا بها ولت�شكروني على ما‬
‫به الريح في مكا ٍن بعيد‪.‬‬
‫تف ّ�ضل ُت به عليكم من الت�سخير والإنعام‪.‬‬
‫‪ 32‬هذا الذي أ�مرتكم‪ ،‬من اجتناب ال ِّرج�س من‬
‫‪ 37‬لن ي�ص َل �إلى الل ِه لحو ُم ُب ْد ِنكم ولا دما ؤ�ُها‪،‬‬ ‫ا ألوثان‪ ،‬واجتنا ِب قول الزور‪ ،‬والا�ستقامة على‬
‫ولكن ُترف ُع إ�ليه منكم ا ألعمال ال�صالحة والتقوى‪،‬‬ ‫�إخلا�ص التوحيد‪ ،‬هو خي ٌر لكم فاتبعوه‪ ،‬وتعظي ُم �شعائر‬
‫والإخلا�ص‪ -‬وهو ما �أريد به وجه الله‪ -‬هكذا �س َّخر الله‬ ‫الله ‪ -‬وهو اختيار الإبل والبقر ِح�سان ًا ِ�سمان ًا‪ -‬و�أدا ُء‬
‫لكم ال ُبدن؛ كي تك ِّبوا الله عند ذبحها‪ ،‬وت�شكروه على‬ ‫منا�سك الح ِّج على ما أ�مر الله تعالى هو دلي ٌل على تقوى‬
‫توفيقه‪ ،‬و َب�ِّش المخ ِل�صين في كل ما ي�أتون وما يفعلون في‬
‫القلوب‪.‬‬
‫أ�مور دينهم‪.‬‬
‫‪ 33‬ولكم في الهدايا منافع‪ ،‬هي َلب ُنها و َن�ْس ُلها‬
‫‪� 38‬إ ّن الله َي ْدف ُع أ�ذى الم�شركين وكي َدهم عن الم ؤ�منين‪،‬‬ ‫و�صوفها وركوبها‪� ،‬إلى أ�ن يح َّل الوق ُت المعين لنحرها‬
‫إ� ّن الله لا يح ُّب الذي يخون ر َّبه‪ ،‬فيخالف �أمره و َنهيه‬ ‫عند البيت العتيق‪ ،‬وهو الحرم ك ُّله‪ ،‬فت أ�كلون لحمها‪،‬‬

‫ويع�صيه‪ ،‬و َيجحد‪ِ  ‬نعمه‪.‬‬ ‫وتت�صدقون منها‪.‬‬

‫‪ 34‬ولك ِّل أ�ُ ّم ٍة من الم ؤ�منين الذين تق ّدموا عليكم �َ َشعنا‬
‫َذ ْب َح ا ألنعام و�إراق َة دمها عباد ًة يتقربون بها �إلينا؛ ليذكروا‬
‫ا�سم الله دون غيره عند ذبحها‪ ،‬ف�إل ُهكم ‪� -‬أيها النا�س‪-‬‬
‫إ�ل ٌه واحد لا �شريك له؛ فله �أخل�صوا العبادة والعبودية‪،‬‬

‫و َب�ِّش ‪ -‬يا محمد‪ -‬الخا�ضعين المتوا�ضعين لله‪.‬‬

‫‪ِ 35‬م ْن �صفات ه ؤ�لاء الم َب�َّشين أ�نهم إ�ذا ُذكر الله‬
‫تخ�شع قلو ُبهم‪ ،‬خوف ًا من �سخطه وعقابه‪ ،‬و إ�ذا نزلت‬
‫بهم �ش َّد ٌة‪ ،‬أ�و نالهم مكرو ٌه في َج ْن ِب الله �صبروا‪ ،‬و أ�نهم‬
‫يقيمون ال�صلاة‪ ،‬وينفقون مما رزقناهم في وجوه الخير‪.‬‬

‫‪ 36‬وا إلب َل والبق َر ال�ِّسما َن ال ِح�سان التي ُت�ساق �إلى‬
‫الحرم َه ْدي ًا‪ ،‬جعلناها لكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬من �شعائر دين‬
‫الله‪ ،‬لكم فيها خي ٌر‪ ،‬وهو الانتفاع بها في الدنيا‪ ،‬والأجر‬
‫في ا آلخرة بنحرها وال�صدقة بها‪ ،‬فقولوا عند ذبحها‪،‬‬
‫وهي وا ِق َف ٌة على ثلا ِث قوائم‪ ،‬و َيدها الي�سرى معقولة‪:‬‬
‫ب�سم الله والله �أكبر‪ ،‬ف�إذا �سقط ْت ُجنوبها على الأر�ض‬

‫‪336‬‬

‫‪ 41‬و ِم ْن ِ�صفة الذين ين�صرون الله تعالى �أنهم �إذا َفتح‬
‫الله عليهم الأر�َض وتمكنوا؛ �أقاموا ال�صلاة بحدودها‪،‬‬

‫و أ�عطوا زكا َة �أموالهم‪ ،‬ودعوا النا�س إ�لى توحيد الله‪،‬‬

‫والعم ِل بطاعته و َنهوا عن ال�شرك بالله‪ ،‬وعم ِل المعا�صي‪،‬‬

‫ولله م�صي ُر أ�مو ِر الخلق وبيده الثوا ُب والعقا ُب‪ ،‬والن�ص ُر‬
‫وال ِخذلان‪.‬‬

‫‪ 44 - 42‬و�إ ْن يك ِّذ ْبك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬ه ؤ�لاء‬ ‫‪َ� 39‬أ ِذ َن اللهُ ور ّخ�ص للم ؤ�منين الذين ُيقا َتلون ظلم ًا‬
‫الم�شركون؛ فلا يحزنك تكذي ُبهم‪ ،‬ول�س َت ِب ْدع ًا ِمن‬ ‫و ُعدوان ًا في قتال عدوهم دفاع ًا عن أ�نف�سهم‪ ،‬و إ� َّن الله‬
‫الر�سل‪ ،‬فقد �سبقهم في تكذيب ر�سلهم قو ُم نوح‪،‬‬
‫وعاد‪ ،‬وثمود‪ ،‬وقوم �إبراهيم‪ ،‬وقوم لوط‪ ،‬و�أ�صحا ُب‬ ‫على ن�صر الم�ؤمنين لقدير‪.‬‬
‫َم ْد َين الذين كذبوا �شعيب ًا‪ ،‬وك ّذب فرعون وقومه‬
‫مو�سى‪ ،‬ف�أمهل ُت ُه ْم ولم ُ�أعاجلهم بالعذاب‪ ،‬ثم �أنزل ُت‬ ‫‪ 40‬الذين ُ�أذن لهم بالقتال‪ ،‬هم الذين �أخرجهم كفا ُر‬
‫عليهم العقاب‪ ،‬فانظ ْر كيف كانت عاقبة المكذبين‪،‬‬ ‫قري�ش ِم ْن ديارهم بمكة بغير ح ٍّق‪ ،‬لم يخرجوهم إ�لا‬
‫ب�سبب توحيدهم لله تعالى‪ ،‬ولولا ت�سلي ُط الل ِه الم ؤ�مني َن‬
‫وكيف َتغير ما كان بهم من نعمة‪.‬‬ ‫على الم�شركين بالقتال لا�ستولى الم�شركون على أ�هل الملل‬

‫‪ 45‬و َكم ِم ْن قرية �أهلكناها‪ ،‬و أ�ه ُلها ظالمون‬ ‫وهدموا �صوام َع الرهبان‪ ،‬وكنائ� َس الن�صارى‪ ،‬ومعاب َد‬
‫بالتكذيب والكفر‪ ،‬ف َبا َد �أه ُلها‪ ،‬وخ َل ْت ديارهم من‬ ‫اليهود‪ ،‬وم�ساج َد الم�سلمين التي يذكر فيها ا�سم الله‬
‫�سكانها وته َّدمت‪ ،‬فانظ ْر كم ِمن بئ ٍر متروك ٍة بموت‬
‫�أهلها لا ُينتفع بها‪ ،‬وكم من ق�ص ٍر رفي ٍع مزخ َر ٍف‪ ،‬قد‬ ‫كثيراً‪ ،‬إ� ّن الله ين�صر َم ْن يقاتل في �سبيله‪ ،‬إ� ّن الله لقو ٌّي‬
‫على ن�صر �أهل ِولايته‪َ ،‬مني ٌع في �سلطانه‪ ،‬لا َيقهره قاه ٌر‪،‬‬
‫خلا من �سكانه‪ ،‬ولم َيبق إ� ّل �شواهد أ�طلاله‪.‬‬
‫ولا َي ْغل ُبه‪ ‬غال ٌب‪.‬‬
‫‪� 46‬أفلم َي ِ� ْس ه ؤ�لاء المك ِّذبون من قري�ش في ا ألر�ض؛‬
‫ليروا َم�صارع المك ِّذبين لر�سلهم ِمن َقبل‪ ،‬فيتف َّكروا‬
‫بعقولهم فيها‪ ،‬ويعتبروا بها‪ ،‬وي�سمعوا ب آ�ذانهم أ�خبا َر‬
‫ال�سابقين فيعتبروا‪ ،‬ف�إ ّنها لا تعمى �أب�صا ُرهم عن ر�ؤية‬
‫ا أل�شخا�ص‪ ،‬ولكن تعمى قلو ُبهم التي في �صدورهم‬
‫عن �إِب�صار الحق ومعرفته‪ .‬وهذا ح ٌّث من الله تعالى على‬

‫الاعتبار بحال َمن م�ضى ِمن ا ألمم المك ِّذبة لر�سلها‪.‬‬

‫‪337‬‬

‫‪َ 53‬ك ْي يجعل الله ذلك الإلقاء الذي يلقيه ال�شيطان؛‬ ‫‪ 47‬وي�ستعج ُل َك ‪ -‬أ�يها النبي‪ -‬م�شركو قو ِمك بما‬
‫اختباراً يختبر به الذين في قلوبهم �ش ٌّك ونفا ٌق‪ ،‬والذين‬ ‫َت ِع ُدهم ِم ْن عذاب الله ‪ -‬على �سبيل التحدي والا�ستهزاء‬
‫َق�س ْت قلوبهم عن الإيمان‪ ،‬وهم الم�شركون‪ ،‬و إ� ّن الفريقين‬ ‫وال�سخرية‪ -‬ولن ُي ْخ ِلف اللهُ وع َده لك بالن�صر و ُح�ْسن‬
‫العاقبة‪ ،‬ولا وعي َده لهم بالخذلان و�ُسوء العاقبة‪ ،‬و�إ َّن‬
‫لفي عداو ٍة �شديد ٍة ومخالف ٍة بعيد ٍة عن ال�صواب‪.‬‬ ‫يوم ًا عند ر ِّبك في ا آلخرة‪ ،‬ك�ألف �سنة مما تع ّدون ِمن‬

‫‪ 54‬و َك ْي َيعلم الم ؤ�منون بالله �أن القر�آن هو الحق النازل‬ ‫ِ�سن ِّي الدنيا‪.‬‬
‫من عند الله‪ ،‬فيزدادوا �إيمان ًا فتخ�ضع له قلوبهم بالانقياد‪،‬‬
‫و�إ ّن الله َلـ ُمر ِ�ش ُد الذين �آمنوا ‪ -‬في أ�مور دينهم‪ -‬إ�لى‬ ‫‪ 48‬وكم ِم ْن أ�هل بلدة أ� ْم َهل ُتهم‪ ،‬و�أ ّخر ُت عذا َبهم‪،‬‬
‫وهم بالله م�شركون‪ ،‬ثم �أخذ ُتهم بعذابي في الدنيا‪،‬‬
‫الطريق ال�صحيح الذي لا ِعوج به‪.‬‬ ‫و�إليّ م�صي ُرهم بعد هلاكهم‪ ،‬فيل َقون عذاب ًا حينئ ٍذ لا‬

‫‪ 55‬ولا يزال ه ؤ�لاء الكفار في �ش ٍّك ِمن �أمر هذا‬ ‫انقطا َع‪ ‬له‪.‬‬
‫القر آ�ن‪� ،‬إلى �أَ ْن ت�أتيهم �ساع ُة الح�شر للح�ساب فج أ� ًة‪،‬‬
‫أ�و ي�أتيهم عذاب يو ٍم عظي ٍم لا خير فيه لهم‪ ،‬وهو يوم‬ ‫‪ 49‬قل يا ‪ -‬أ�يها النبي‪� :-‬إنما ُأ�نذركم ‪ -‬أ�يها النا�س‪-‬‬

‫القيامة‪.‬‬ ‫عقا َب‪ ‬الله في الدنيا‪ ،‬وعذا َبه في ا آلخرة إ�نذاراً ب ّين ًا؛‬
‫لتتوبوا من �شرككم‪ ،‬لا أ�ملك لكم غير ذلك‪ ،‬والله هو‬
‫‪338‬‬
‫الذي يتو ّلى ُمازاتكم على أ�عمالكم‪.‬‬

‫‪ 50‬فالذين آ�منوا بالله ور�سوله وعملوا ال�صالحات‬
‫ُيب�ِّشهم ربهم بمغفر ٍة منه َي�ستر بها ذنو َبهم‪ ،‬وبرز ٍق‬

‫ح�س ٍن في‪ ‬الجنة‪.‬‬

‫‪ 51‬والذين �ص ُّدوا عن ا ّتباع ر�سولنا محم ٍد‪ ،‬وا إلقرا ِر‬
‫بكتابنا الذي أ�نزلناه عليه‪ ،‬ظا ِّنين �أنهم ُيعجزوننا و َيغلبوننا‬
‫بتكذيبهم ب�آيات الله‪� ،‬أولئك هم أ�هل جهنم يوم القيامة‪.‬‬

‫‪ 52‬وما �أر�سلنا ِمن قبلك ‪� -‬أيها الر�سول‪ِ -‬من ر�سو ٍل‬
‫ولا نب ٍّي إ�لا �إذا قر�أ �شيئ ًا مما �أنزلناه عليه‪َ� ،‬ألقى ال�شيطا ُن‬
‫في معنى قراءته ال�ُّش َبه والأباطي َل؛ لي�ص ّد النا�س عن ا ّتباع‬
‫ما تلا عليهم هذا الر�سول أ�و النب ّي؛ فيزيل الله �سبحانه‬
‫وتعالى بقدرته وحكمته ما �ألقاه ال�شيطان في القلوب‪،‬‬

‫التي �شاء الله تعالى لها ا إليما َن والثبا َت‪ ،‬ثم ُيحكم الله‬
‫�آياته‪ ،‬والله علي ٌم‪ ‬حكي ٌم‪.‬‬

‫حلي ٌم ي�صفح ويغفر لهم الذنوب‪ ،‬ويك ِّفرها عنهم‬
‫بهجرتهم إ�ليه وتو ّكلهم عليه‪.‬‬

‫‪ 60‬ذلك الأم ُر الذي َق�ص�صناه عليك هو �ش أ� ُننا في‬
‫الح�ساب والجزاء‪ ،‬لا نظلم النا�س �شيئ ًا‪ .‬و َم ْن جازى‬
‫من الم ؤ�منين َم ْن َظلمه بمثل ُظ ْلمه دون زيادة‪ ،‬ثم تمادى‬
‫الظالـ ُم في ظلمه له واعتدائه‪ ،‬ف إ� ّن الله َي ِع ُد المظلو َم وعداً‬
‫م�ؤ َّكداً ب أ�ن ين�صره على هذا الذي ظلمه في الحال أ�و‬

‫الم آ�ل‪ ،‬واللهُكثير العفو عن عباده والمغفرة لهم‪ .‬وفي َخ ْت ِم‬
‫ا آلية ب ِذك ِر كثر ِة عفو ِه تعالى ومغفرته إ�يما ٌء إ�لى الترغيب‬

‫في العفو عن الظالم‪.‬‬

‫‪ 62 61‬ذلك الن�ص ُر الموعو ُد �أم ٌر ي�سي ٌر على الله‬ ‫‪ 57 56‬الـ ُمل ُك والـ ُحكم يوم القيامة لله وحده‪،‬‬
‫تعالى‪ ،‬فهو الله القادر على ما ي�شاء‪ ،‬فهو الذي ِمن ُقدرته‬ ‫لا يحكم فيه �أح ٌد من الخلق على غيره‪ ،‬ولا يحا ِ�سب‬
‫أ�ح ٌد غي ُر‪ ‬الله أ�حداً‪ ،‬ولا ينازعه يومئ ٍذ ُمناز ٌع‪ ،‬يحكم بين‬
‫�أنه ُيدخل ما ينق�ُص من َوق ِت الليل في وقت النهار‪،‬‬ ‫الم�شركين والم�ؤمنين‪ .‬ثم ب َّي حك َمه‪ :‬فالذين �آمنوا بهذا‬
‫و ُيدخل ما انتق�َص من وقت النهار في وقت الليل‪،‬‬ ‫القر�آن‪ ،‬وعملوا بما فيه؛ يدخلون جنات النعيم‪ ،‬والذين‬
‫لتجري م�صالح الخلق على مقت�ضى حكمته‪ ،‬و�َأ َّن الله‬ ‫كفروا بالله وك ّذبوا ب آ�يات كتابه؛ لهم عذا ٌب مذ ٌّل في‬

‫�َسمي ٌع لدعاء الم�ؤمنين َب ِ�صي ٌر بهم‪ ،‬ذ ِل َك ب�أن الله هو الإله‬ ‫جهنم‪.‬‬
‫الح ُّق‪ ،‬و�أ َّن ما يعبدون ِم ْن دونه هو البا ِط ُل‪ ،‬و�أ َّن اللهَ هو‬
‫‪ 58‬والذين هاجروا من �أوطا ِنهم وع�شا ِئرهم في ر�ضا‬
‫العظي ُم الذي لا �شي َء أ�عظ ُم منه‪ ،‬وك ُّل �شي ٍء دو َنه‪.‬‬ ‫الله وطاعت ِه ثم ُقتلوا أ�و ماتوا وهم كذلك؛ َليرزق َّنهم اللهُ‬
‫يو َم القيام ِة الثوا َب الجزي َل‪ ،‬و�إن الله لهو خي ُر َم ْن َب�سط‬
‫‪ 63‬أ� َلـ ْم تعل ْم �أ ّن الله �أنزل المط َر من ال�سماء‪ ،‬فت�صبح‬
‫ا ألر�ض ُم ْخ�ض َّر ًة بما ين ُب ُت فيها من النبات؟ �إن الله لطيف‬ ‫ف�ض َله على أ�ه ِل طاعت ِه و أ�ك َرمهم‪.‬‬
‫با�ستخراج النبات من ا ألر�ض رزق ًا للعباد‪ ،‬خبي ٌر بما في‬
‫‪َ 59‬ل ُيدخل ّن اللهُ المقتو َل في �سبيله من المهاجرين‬
‫قلوب العباد �إذا ت�أ َّخر المط ُر عنهم‪.‬‬ ‫والمي َت منهم الجنة التي ير�ضونها‪ ،‬والله علي ٌم بن ّياتهم‪،‬‬

‫‪ 64‬له ما في ال�َّسماوات وما في ا ْلأَر�ض‪ ،‬فهو خال ُقهم‬
‫ورازقهم والحاكم عليهم‪ ،‬و إ� ّن الله لهو الغن ُّي عن عباده‪،‬‬
‫المحمو ُد في أ�فعاله‪ ،‬الم�ستو ِج ُب للثناء على َجميل ُ�صنعه‬

‫وعظيم إ�نعامه‪.‬‬

‫‪339‬‬

‫‪ 71‬و َيعبد ه ؤ�لاء الم�شركون ما لم ينزل الله بعبادته‬ ‫‪� 65‬ألم َت َر أ�ن الله �س َّخر لكم ‪� -‬أيها النا�س‪ -‬ما في‬
‫ُح ّجة‪ ،‬وهي ا أل�صنام‪ ،‬وما لي�س لهم به ِم ْن دلي ٍل َعقل ٍّي‬ ‫ا ألر�ض َب ِّرها و َبحرها بقدرته وف�ضله لأغرا�ضكم‬
‫يد ُّل على جواز ذلك ب َوج ٍه من الوجوه‪ ،‬وما له ؤ�لاء‬ ‫وم�صالحكم‪ ،‬وه ّي َأ� لكم البح َر تجري فيه ال�سفن مذ َّلل ًة‬
‫الكافرين من ن�صي ٍر ين�ص ُرهم‪ ،‬ويدف ُع عنهم عذا َب الله‬ ‫لكم بقدرته‪ ،‬و ُي�سك ال�سماء وكواك َبها؛ كي لا تقع‬
‫على ا ألر�ض إ�لا بم�شيئته‪ ،‬إ� ّن الله بالنا�س لذو ر�أف ٍة وا�سع ٍة‬
‫يو َم القيامة‪.‬‬
‫ورحم ٍة دائم ٍة‪.‬‬
‫‪ 72‬و إ�ذا ُتتلى على م�شركي قري�ش �آيا ُت القر آ�ن‬
‫وا�ضحا ٍت ُحج ُجها؛ تتب َّ ُي في وجو ِههم الإنكا َر‬ ‫‪ 66‬الله هو الذي �أن�ش أ�كم ولم تكونوا �شيئ ًا‪ ،‬ث ّم ُيي ُتكم‪،‬‬
‫والعبو� َس والكراهية‪ ،‬ويكادون َيبط�شون بالم ؤ�منين الذين‬ ‫عند انق�ضاء آ�جالكم‪ ،‬ثم ُي ْحييكم‪ ،‬يو َم البعث للثواب‬
‫ي ْت ُلون عليهم �آياتنا‪ ،‬قل‪ :‬أ�ف�أُنب ُئكم ‪� -‬أيها الم�شركو َن‪ -‬بما‬ ‫والعقاب‪ ،‬إ� ّن الإن�سان لَـ َجحو ٌد لنع ِم‪ ‬الله ع ّز وج ّل مع‬
‫هو �أ�ش ُّد �ألم ًا ِمن َغيظكم على َم ْن يتلو عليكم آ�يات الله؟‬
‫أ��ش ُّد من ذلك ال ّنا ُر‪ ،‬وع َدها اللهُ الم�شركين‪ ،‬وبئ�س المكا ُن‬ ‫ظهورها‪.‬‬

‫الذي ي�صيرون �إليه‪.‬‬ ‫‪ِ 67‬ل ُك ِّل ُ�أمة ِم ْن �أ�صحاب ال�شرائ ِع ال�سابق ِة َج َع ْلنا‬
‫�شريع ًة خا ّ�صة يتع َّبدون بها‪ ،‬فلا ُينازعك �أح ٌد من‬
‫‪340‬‬ ‫الم�شركين فيما ُي�شرع ألمتك‪ ،‬ولا َتلتف ْت �إلى قولهم‪،‬‬
‫و ُدم على الدعوة �إلى ربك وتوحيده‪� ،‬إ ّنك لع َلى طري ٍق‬

‫م�ستقيم‪.‬‬

‫‪ 68‬و إ� ْن جا َدلك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬المخالفون في‬
‫َت ْف�صيلات الت�شريع‪ ،‬فقل لهم‪ :‬الله أ�علم بما تعملون وما‬

‫ت�ستح ُّقون من‪ ‬الجزاء‪.‬‬

‫‪ 69‬والله يق�ضي بين المختل ِفين يو َم القيام ِة فيما اختلفوا‬
‫فيه‪ ،‬فتعلمون حينئ ٍذ ‪ -‬أ�يها الم�شركون‪ -‬الـ ُمـ ِحـ َّق من‬
‫الـ ُمـبـ ِطـ ِل‪ .‬وهـذا أ�د ٌب َح َ�س ٌن ع َّلمه الله عباده لير ُّدوا به‬
‫َم ْن جادل على �سبيل التع ُّنت‪ ،‬فلا ُيجيبوه‪ ،‬ولا يناظروه‪.‬‬

‫‪ 70‬أ�لم تعل ْم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬أ� ّن الله يعل ُم ك َّل ما في‬
‫ال�سماوا ِت وا ألر�ِض‪ ،‬لا َيخفى عليه من ذلك �شي ٌء‪،‬‬
‫وهو ُما ٍز المح�س َن منهم ب إ�ح�سا ِنه‪ ،‬والم�سي َء ب إ��ساء ِته‪،‬‬
‫وك ُّل ذلك مكتو ٌب عنده في اللوح المحفوظ‪ .‬إ� َّن إ�ح�صا َء‬

‫ذلك و ِحف َظه ي�سي ٌر‪ ‬على الله‪.‬‬

‫�سمي ٌع لما يقوله الم�شركون في ر�سوله محم ٍد‪َ ،‬ب�صي ٌر بمن‬
‫يختاره لر�سالته‪.‬‬

‫‪ 76‬يعلم �سبحانه �أعما َل العباد و�أحوالهم‪ ،‬ما �َسبق‬
‫منها وما هم عليه الآن وما �سيكون منهم؛ لا تخفى عليه‬

‫خافي ٌة‪ ،‬و�إليه وحده ترجع ا ألمور في الآخرة فيجازي‬
‫ك ّل عام ٍل بعمله‪.‬‬

‫‪ 77‬يا �أيها الذين �ص َّدقوا الله ور�سوله‪ ،‬اركعوا لله في‬ ‫‪� 73‬أيها الم�شركون من النا�س‪ :‬إ� ّن الله �ضرب مثل ًا ف َ�أل ُقوا‬

‫�صلاتكم‪ ،‬وا�سجدوا له فيها‪ ،‬و َتذ ّللوا لر ِّبكم غاي َة التذ ُّلل‪،‬‬ ‫�إليه ال�سم َع وتد َّبروه‪ :‬إ� ّن جميع ما تعبدون من دون‪ ‬الله لو‬
‫واخ�ضعوا له بالطاعة‪ ،‬وافعلوا الخير الذي أ�مركم ر ُّبكم‬ ‫اجتمعوا وتعاونوا؛ لم َيخلقوا ذباب ًا واحداً مع ما ترون ِم ْن‬
‫ب ِفعله؛ ِل ُتفلحوا بذلك‪ ،‬فتدركوا به طلباتكم عند ر ِّبكم‪.‬‬ ‫ِ�ص َغره و َ�ضعفه‪ ،‬و�إ ْن ي أ�خذ الذبا ُب منهم �شيئ ًا لا يقدروا‬
‫على ا�سترداده‪�َ ،‬ض ُع َف الطالب الذي هو المعبو ُد ِمن دون‬
‫‪ 78‬وجا ِهدوا في �سبيل الله؛ واب ُذلوا في ذلك غاي َة‬
‫الله‪ ،‬و َ�ض ُع َف المطلوب الذي هو الذباب‪.‬‬
‫ال ُو�سع‪ ،‬ولا تخافوا في الله لوم َة لائم‪ ،‬هو ا�صطفاكم‪،‬‬
‫فاختاركم ل ُن�صرة دينه‪ ،‬وجعلكم �أم ًة و�سط ًا‪ ،‬وما جعل‬ ‫‪ 74‬ه�ؤلاء الم�شركون الذين جعلوا لله �شريك ًا في العبادة‬
‫الله عليكم في ال ِّدين من �ضي ٍق �أو �ش ّد ٍة؛ فلا َي�ضي ُق عليكم‬
‫�أم ٌر من �أمور الدين إ�لا و�َّسع عليكم فيه‪ ،‬ولا يقع منكم‬ ‫لم ُيع ِّظموا الله ح َّق تعظيمه‪ ،‬ولا ع َرفوه ح ّق معرفته‪ ،‬إ� ّن‬
‫ذن ٌب إ�لا وجعل لكم منه توب ًة‪ ،‬وال َزموا ِم َّل َة �أبيكم‬ ‫الله لقو ٌّي على خلق ما ي�شاء‪ ،‬مني ٌع‪ ‬في‪ُ  ‬ملكه‪.‬‬
‫إ�براهيم‪ .‬إ�ن الله �س َّماكم الم�سلمين ِمن قبل نزول القر آ�ن‬
‫في الكتب المنزل ِة و�س َّماكم الم�سلمين في هذا القر�آن‪،‬‬ ‫‪ 75‬اللهُيختار من الملائكة ر�سل ًا؛ كجبري َل وميكائيل‪،‬‬
‫وقد اخت َّ�صكم الله و�ش ّرفكم بهذا الاختيار؛ ليكو َن خاتم‬ ‫و ِمن النا�س ر�سل ًا‪ ،‬وهم ا ألنبياء ِمثل �إبراهيم ومو�سى‬
‫الر�سل محم ٌد ‪� - -‬شهيداً عليكم يوم القيامة‪ ،‬ب أ�نه‬
‫قد ب ّلغكم ما أُ�ر�سل به �إليكم؛ وتكونوا أ�نتم �شهداء حينئ ٍذ‬ ‫وعي�سى ومحمد �صلوات الله عليهم أ�جمعين‪� ،‬إ ّن الله‬

‫على النا�س �أجمعين؛ ف أ� ُّدوا ال�صلا َة المفرو�ض َة عليكم‬

‫بحدودها‪ ،‬و آ�توا الزكاة الواجبة عليكم في أ�موالكم إ�لى‬
‫أ�هلها‪ ،‬و ِث ُقوا بالله‪ ،‬وتو ّكلوا عليه في أ�موركم‪ ،‬وت�ش ّبثوا بما‬
‫ع ّرفكم من الحق‪ ،‬ف ِنعم الوليُّ اللهُ‪ ،‬و ِنعم النا�ص ُر والن�صير‬
‫للم�ؤمنين‪ ،‬ي�ؤيد َم ْن جاهد لتكون كلم ُة الله هي العليا‪.‬‬

‫‪341‬‬


Click to View FlipBook Version