٣٧ودلي ٌل آ�خر على قدرة الله :اللي ُل نخرج منه النهار ٢٩ ٢٨وما أ�نزلنا على قوم هذا الم�ؤمن الذي قتله
بنزعه منه �شيئ ًا ف�شيئ ًا ،ف إ�ذا هم داخلون في الظلام. قو ُمه لدعو ِته �إياهم إ�لى الله من بعد َق ْت ِله جنوداً من ال�سماء
ُيقاتلونهم ،ولي�س من �ُس َّنتنا �إذا أ�ردنا ا�ستئ�صا َل المك ِّذبين
٣٨وال�شم� ُس تجري �إلى مو�ضع َقرارها ،هذا تقدي ُر �أ ْن ننزل عليهم جنداً ِمن ال�سماء .ما كانت عقوبتهم
العزيز الذي لا ُيعجز قدر َته �شي ٌء ،العليم المحيط علمه �إلا �صيح ًة واحدة ،ف�إذا هم هالكون ال يتحركون
بكل �شيء. وال ينطقون.
٣٩و�آي ٌة لهم تقدي ُرنا القم َر مناز َل ،حيث يزيد ك َّل ٣٠يا ح�سر ًة من العباد على �أنف�سهم ،وتن ُّدم ًا وتل ُّهف ًا
ليلة من �أول ال�شهر حتى ي�صبح بدراً ثم يبد أ�ُ النق�صا ُن، على ما كانوا ي�صنعون من ا�ستهزائهم بر�ُسل الله.
ف إ�ذا كان في �آخر منازله َد َّق وتق َّو�س حتى ي�صبح ك ِع ْذ ِق
� ٣١ألم َي َر ه�ؤلاء الم�شركون بالله ِمن قومك -أ�يها
التمر إ�ذا يب�س واع َو َّج. الر�سول -كم أ�هلكنا قبلهم ِمن ا ألمم بتكذيبهم ر�س َلنا،
وكف ِرهم ب�آياتنا� ،ألم يروا �أ َّن الذين �أهلكناهم لا يعودون
٤٠لا ال�شم� ُس َيت أ� َّتى لها �إدرا ُك القمر ،ولا القمر
يت�أ َّتى له ال َّلحاق بال�شم�س ،ولا غرو ُب ال�شم�س يمكن إ�ليهم في الدنيا؟ �أفلا يعتبرون؟!
أ�ن ي�سبق وق َته ،وال� شروقها يمكن أ�ن يتح َّقق قبل وقته،
وك ُّل النجو ِم والكواكب لها �أفلاكها التي َت�ْسبح فيها ٣٢و إ� َّن ك َّل هذه القرون التي �أهلكناها والذين لم
ُنهلكهم وغيرهم عندنا يو َم القيامة مجموعون للح�ساب.
ولا َتيد عنها.
٣٣ودلال ٌة له ؤ�لاء الم�شركين على قدر ِة الل ِه على ما
442 َي�شا ُء ،وعلى ا إلحيا ِء بعد المو ِت :إ�حيا ُؤ�ه ا ألر�َض الميت َة
التي لا َن ْب َت فيها بالغيث الذي ُينزله من ال�سماء ،حتى
يخرج زر ُعها ،ثم �إخرا ُجه منها الح َّب الذي هو قو ٌت
لهم ،فمنه ي�أكلون.
٣٤وجعلنا في هذه ا ألر�ض التي أ�حييناها بعد موتها،
ب�ساتي َن ِم ْن نخيل و�أعناب ،و أ� ْن َبعنا فيها عيو َن الماء.
٣٥أ�ن�ش�أنا هذه الب�ساتين ،و�أجرينا هذه المياه لي�أكلوا
ِم ْن ثمارها مما خلقنا لهم و�أقدرناهم على َع َمله ِمن
ال َغ ْر�س وال�سقي ونحوه ،أ�فلا ي�شكرون َم ْن رزقهم ذلك
و�أنع َم عليهم به؟
َ ٣٦تن َّزه الله تعالى الذي خل َق ا إلن�سا َن وجميع
الحيوانات مما تنبت ا ألر�ُض و ِمن تزاوج ذكورهم و إ�ناثهم
ومما لا يعلم �س َّره �إلا الخال ُق �سبحانه ،تنزه أ�ن ُي�شرك به �أحد.
حجج الله ،وعلام ٌة من علاماته الدا َّل ِة على وجوب 41ودلي ٌل لهم أ�ي�ض ًا ،وعلام ٌة على قدرتنا على ما
توحيده ،وت�صديق ر�سوله إ�لا كانوا عنها معر�ضين ،لا ن�شاء أ� ْن َح َملنا قبل الطوفان نوح ًا و َم ْن آ�من معه ِم ْن ذرية
يتفكرون فيها ولا يتد َّبرونها ،ولا يعملون بمقت�ضاها. �آدم في ال�سفينة المملوءة بالمتاع والحيوان.
47و إ�ذا قيل لهم � :أن ِفقوا ِم ْن رزق الله الذي رزقكم،
ف�أ ُّدوا منه ألهل الحاج ِة والم�ْس َكنة قالوا� :أ ُنطعم أ�موا َلنا 43 42وخ َل ْقنا له�ؤلاء الم�شركين المك ِّذبين بك
َم ْن لو ي�شاء الله أ�طعمه؟! ما �أنتم أ�يها القوم في قولكم: -أ�يها الر�سول -تف ُّ�ضل ًا م ّنا عليهم ِمن مثل هذه ال�سفن
�أنفقوا على م�ساكينكم إ�لا في ُب ْع ٍد ظاه ٍر عن الحق، ما يركبون ،و إ�ِ ْن ن�ش أ� نغرقهم إ�ذا ركبوها في البحر فلا
ُمغي َث لهم �إذا �أردنا إ�غراقهم ،ولا هم ينجون من الموت.
و َجو ٍر وا�ض ٍح عن الر�شد.
48ويقول ه ؤ�لاء الم�شركون المك ِّذبون بوعي ِد الله 44لا ينجون �إلا �أ ْن ُننقذهم نحن ،رحم ًة م ّنا لهم
وبالبعث بعد الممات ،ي�ستعجلون ر َّبهم بالعذاب ولنم ِّتعهم إ�لى �أج ٍل هم با ِلغوه.
-ا�ستهزا ًء : -متى و ْع ُد الب ْع ِث والقيامة �إ ْن كنتم �صادقين
45و إ�ذا قيل له�ؤلاء الم�شركين :احذروا أ�ن يح َّل
فيما كنتم تقولون؟ بكم مث ُل ما ح َّل ِمن ِن َق ِم الله با ألمم قب َلكم ل�شرككم
وتكذيبكم ،واحذروا بعد َهلاككم عذا َب ا آلخرة،
49ما ينتظر ه�ؤلاء �إلا نفخ ًة واحد ًة وهي النفخة رجا َء أ� ْن يرحمكم ر ُّبكم �إ ْن أ�نتم ا�ستجبتم .إ�ذا قيل لهم
ا ألولى ،ت�أخذهم َفج�أ ًة فتهلكهم وهم لاهونُ ،يخا�صم
هذا� أعر�ضوا.
بع ُ�ضهم بع�ض ًا لا يخطر ببالهم �أم ُرها.
50فلا ي�ستطيعون عند النفخ في ال ُّ�صور �أ ْن ُيو�صوا 46وما تجيء ه�ؤلاء الم�شركين ِمن قري�ش حج ٌة ِمن
في �شيء من أ�موالهم �أحداً ،ولا ي�ستطيع َم ْن كان منهم
خارج ًا عن �أهله أ�ن يرجع إ�ليهم ،لا ُي َهلون بذلك ،بل
ُيع َّجلون بالهلاك.
51و َن َفخ �إ�سرافي ُل في ال ُّ�صور النفخ َة الثاني َة وهي
نفخة البعث ،ف إ�ذا هم قيا ٌم من القبور ُي�سرعون في الم�شي
إ�لى الـ َمح�شر.
52قالوا بعد نفخ ِة البع ِث وقد ُر ّدت أ�روا ُحهم �إلى
أ�ج�سامهم :يا ويلنا َم ْن َأ� ْن�َشنا ِمن م�ضجعنا؟ فيقول لهم
الم�ؤمنون �أو الملائكة :هذا ما َو َع َد الرحم ُن ،و َ�ص َد َق
المر�سلون فيما ب َّلغوا.
53ما كانت نفخ ُة البع ِث إ�لا نفخ ًة واحدة ف إ�ذا هم
مجتمعون لدينا قد ُأ�ح�ضروا ،للعر�ض والح�ساب.
54ثم ُيقال لهم :اليو َم لا ُيظلم أ�ح ٌد ،ولا تكاف�ؤون
�إلا ب أ�عمالكم التي كنتم تعملون بها في الدنيا.
443
� 58 - 55إ َّن أ�ه َل الجنة اليو َم في �ُشغل بما فيه من
النعيم المقيم ،ف ِرحون بما أ�نعم اللهُعليهمُ .هم و�أزوا ُجهم
في ظلال ،م َّتكئون على ال�ُّسر وا ألرائك .لهم في الجنة
فاكه ٌة كثيرة مما ي�شتهون ،ولهم فيها ما يتم َّنون .و ُيقال
لهم بوا�سطة الملائكة �أو ِم ْن غير وا�سطة� :سلا ٌم عليكم ِم ْن
ر ٍّب رحيم ،مبالغ ًة في �إكرامهم ،و ذلك غاي ُة ُم َتم َّناهم.
61 - 59ويقال للكافرين في هذا اليوم :ان َف ِ�صلوا
عن الم ؤ�منين وكونوا على ِح َد ٍة؛ �إذ هم واردون غير
َم ْو ِردهم ،وداخلون غير ُمدخلهم .ثم ُيقال لهم � :ألم
أ� ْو ِ�صكم و�آمركم في الدنيا �ألا تطيعوا ال�شيطان :إ� َّن
ال�شيطان لكم عد ٌّو ،قد �أ َبا َن لكم عداوته .و�ألم �َأ ْع َهد
إ�ليكم أ�ن اعبدوني دون كل ما �سواي ،و�إ ّيا َي ف أ�طيعوا،
ف�إ َّن �إخلا�ص عبادتي ،و إ�فرا َد طاعتي ،ومع�صي َة ال�شيطان،
هو الدين ال�صحيح ،والطريق الم�ستقيم.
67ولو ن�شاء لغ َّينا �صورهم ولأَ ْقعدناهم في �أماكنهم 64 - 62ولقد �ص َّد ال�شيطا ُن منكم َخلق ًا كثيراً
فلا ي�ستطيعون َأ� ْن يم�ضوا �أمامهم ولا �أَ ْن يرجعوا وراءهم. عن طاعتي و إ�فرادي بالألوهية� ،أفلم تكونوا تعقلون أ� َّنه
ال ينبغي لكم أ� ْن تطيعوا ع ُد َّوكم وعد َّو الله ،وتعبدوا غي َر
68و َم ْن ُن ِطل عم َره يتزايد َ�ض ْعفه وتتناق�ص قوته حتى الله .ويقال لهم :هذه جه َّن ُم التي كنتم ُتوعدون بها في
ُير َّد �إلى حا ٍل �شبيهة بحاله ا ألولى في �ضعف الج�سد وق ّلة الدنيا على ُكفركم بالله ومع�صي ِتكم ر�س َله ،فكنتم بها
العلم� ،أفلا تعقلون فتعلمون �أ َّن َمن َق َدر على ذلك قادر تك ِّذبون .احت ِرقوا بها اليو َم بما كنتم تجحدونها في الدنيا
على َبعثكم. و ُتك ّذبون بها.
69وما ع َّلمنا مح َّمداً ال�شعر ،وما ينبغي له �أن يكون 65اليوم ُن ْح ِكم إ�غلا َق �أفواه الكافرين ،وتك ِّلمنا
�شاعراً ،وما هذا الذي ع ّلمناه إ�ياه �إلا ِذكر ُيذ ّكركم الله أ�يديهم ،وت�شه ُد �أرج ُلهم عليهم فلا ي�ستطيعون إ�نكا َر ما
به ،وهو قر آ� ٌن ُيبين لمن تد َّبره بعق ٍل و ُل ٍّب أ� َّنه تنزي ٌل ِم َن كانوا يعملون في الدنيا من الآثام .وهذا يكون في بع�ِض
الله ،ولي�س ب ِ�شع ٍر ولا �َس ْج ِع كاه ٍن. مواق ِف الح�ساب يوم القيامة.
70وقد �أنزلنا هذا القر آ�ن على ر�سولنا محمد لينذر 66ولو ن�شاء َل َعاقبناهم على كفرهم ،ف َطم�سنا على
به َم ْن كان ح َّي القل ِبَ ،يعقل ما ُيقال له فينتفع بالإنذار، أ�عينهم ف�يَّصناهم ُعمي ًا لا يب�صرون طريق ًا ولا يهتدون
ول َي ِجب العذا ُب على �أهل الكفر بالله ،المولِّين عن ا ّتباعه له ،فا�س َتبقوا �سلو َك الطريق الذي اعتادوا �سلوكه ،ف�أ َّي
طريق �سيب�صرون ،وقد َطم�سنا على أ�عينهم! ولكنا لم
- -المع ِر�ضين ع ّما �أتاهم به ِم ْن عند الله.
ن�ش�أْ ذلك لرحمتنا ،واقت�ضا ِء الحكم ِة إ�مها َلهم.
444
76فلا يحزنك -أ�يها الر�سول -قو ُل ه ؤ�لاء 73 - 71أ�ولم َي َر ه�ؤلاء الم�شركون �أ َّن مما خلقنا لهم
الم�شركين� :إنك �شاع ٌر ،وتكذي ُبهم لك ،ف�إ ّنا نعلم ما من الخلق أ�نعام ًا ِمن ا إلب ِل والبقر والغنم ،فهم مالكون
ُي�س ُّرون ِم ْن َمعرفتهم بحقيقة ما تدعوهم �إليه ،وما
لها يت�صرفون فيها كيف �شا ؤ�وا ،و�س َّخرناها لهم ،فمنها
ُيعلنون ِم ْن جحودهم ذلك ب أ�ل�سنتهم.
ما يركبونه كا إلبل ُي�سافرون عليها ،ومنها ي�أكلون .ولهم
78 77أ�ولم َي َر ا إلن�سا ُن المك ِّذ ُب بالبعث �أ ّنا خلقناه فيها مناف ُع في أ��صوافها و أ�وبارها و أ��شعارها ،باتخاذهم
ِم ْن نطفة ف�ص َّورناه َخلق ًا �سوي ًا ف�إذا هو ذو خ�صومة ِم ْن ذلك �أثاث ًا ومتاع ًا ،و ِمن جلودها ما يحفظون به
ظاهر ٍة لر ِّبه ،يقول للنا�س على ِج َهة المعا َندة والا�ستكبار: أ�نف َ�سهم ،وي�شربون ِم ْن �ألبانها؟ �أفلا ي�شكرون نعمتي
َم ْن ُيحيي العظام وهي رميم؟ ف َج َع َلنا ك َم ْن لا يقدر على هذه ،و إ�ح�ساني �إليهم ،بطاعتي ،و َت ْر ِك طاع ِة ال�شيطان؟
ا إلحياء والبعث ،و َن ِ�سي �أ َّنا خلقناه ولم يكن إ�لا نطفة. 75 74وا َّتخذ ه�ؤلاء الم�شركون ِم ْن دون الله آ�له ًة
يعبدونها طمع ًا أ� ْن تن�صرهم تلك ا آلله ُة .والأم ُر بالعك�س
79قل -أ�يها الر�سول -لهذا الم�شر ِك الجاح ِد الغافل فلا ت�ستطيع هذه ا آلله ُة ن�ص َرهم من الله �إ ْن أ�راد بهم
عن �أ�صل َخ ْلقهُ :يحيي العظا َم البالي َة الذي ابتد�أ خ ْلقها �سوءاً ،ولا تدفع عنهم �ضراً ،وهم لهذه الآلهة �أعوا ٌن
أ� ّو َل م َّرة ولم تكن �شيئ ًا ،وهو بكل َخ ْلقه علي ٌم لا يخفى
عليه �شيء من أ�مرهم :حيا ُتهم ومو ُتهم و�سا ُئر ما َيجوز يخدمونهم و َيذ ُّبون عنهم و َيغ�ضبون لهم.
عليهم.
80الذي أَ�خرج لكم بقدرته ِمن ال�شج ِر ا ألخ�ض ِر
ال َّرطب ناراً ف�إذا �أنتم من ال�شجر توقدون ناراً ،فهو
�سبحانه لا يمتنع عليه ِفع ُل ما أ�راد ،ولا َيعجز عن إ�حياء
العظام التي قد َب ِل َي ْت وتف َّتت ْت.
� 81أَ َولي�س الذي خلق ال�سماوات وا ألر�ض بقاد ٍر
على أ�ن يخلق مث َلهم؟ بلى ،هو قادر على �أن يخلق
مث َلهم وهو الخ ّلق لما ي�شاء ،العلي ُم بك ِّل ما خلق
ويخلق ،فكيف ُيعجزه البع ُث وهو �أ ْي�س ُر و أ�هو ُن ِم ْن
خلق ال�سماوات والأر�ض؟!
� 82إنما �أم ُر الله �إذا �أراد �شيئ ًا �أن يقول لهُ « :كن» ،فيكون.
83فتن َّزه اللهُ الذي بيده ُملك ك ِّل �شيء ،عما لا يليق
به ،وعن �أَ ْن ُيعجزه �شيء ،و�إليه ُتر ّدون و َت�صيرون بعد
مماتكم.
445
�آبا ؤُ�نا الذين بادوا وهلكوا؟ قل لهمَ :ن َعم �أنتم مبعوثون ُ 5 - 1يق ِ�سم اللهُ بالملائكة ال�صا ّفات �أجنح َتها
�أحياء ،و�أنتم أ�ذلا ُء �أ�ش َّد الذل. عباد ًة وتر ُّقب ًا ألمر الله ،فالزاجرا ِت ال�سحا َب �َسوق ًا
إ�لى ما �أراد الله ،فالتاليا ِت لكلام الله ِمن الكتب المنزلة
19ف إ�نما هي نفخ ٌة واحد ٌة في ال�صور ،ف إ�ذا هم وغيرها� :إ َّن المعبود الذي َي�ستوجب العباد َة و�إخلا�َص
�شاخ�ص ٌة أ�ب�صارهم ينظرون �إلى ما كانوا ُيوعدونه من الطاعة له ،لواح ٌد لا ثاني له ولا �شريك .ر ُّب ال�سماوات
ال�سبع وا ألر�ض وما بينهما ،ور ُّب الم�شارق والمغارب
قيام ال�ساعة.
يد ِّبر ا ألمر في جميع ذلك ،وهو القائم عليه.
20وقال ه�ؤلاء الم�شركون المك ِّذبون إ�ذا ُنفخ في
ال�صور و ُبعثوا :يا هلا َكنا هذا يوم الـ ُمجازاة والمحا�سبة. � 9 - 6إ َّنا زي َّنا ال�سماء التي َت ِليكم بالكواكب،
21ف ُيقال لهم :هذا يوم َف ْ�ص ِل ق�ضا ِء الله بين خلقه و ِحفظ ًا لها من كل �شيطا ٍن خار ٍج عن الطاعة ،إ�ذ كل
ال�شياطين ممنوع ٌة ِمن الا�ستماع إ�لى خبر ال�سماء والذين
بالعدل ،الذي كنتم تك ِّذبون به في الدنيا وتنكرونه. يتط َّلعون �إلى �شيء منه ُير َمون بال�ُّشهب من كل جان ٍب
من جوانب ال�سماء ،ولهم من الله عذا ٌب مو ِج ٌع دائ ٌم.
24 - 22يقول الله تعالى للملائكة :ا ْج َمعوا
الذين كفروا بالله في الدنيا و َع�صوه و أ��شبا َههم وما كانوا 10إ� ّل َمن ا�ستر َق ال�سم َع منهم واختل� َس �شيئ ًا من
َيعبدون ِم ْن دون الله من ا آللهة ،فو ِّجوههم إ�لى طريق كلام الملائكة ،ف�أَتبعه �شها ٌب م�ضيء َيثقبه� ،أو يحرقه،
الجحيم .واح ِب�سوا ه�ؤلاء الم�شركين� ،إنهم م�س�ؤولون
�أو َي ْخ ِب ُله.
ع َّما كانوا َيعبدون ِم ْن دون الله.
11فا�س�أ ْل � -أيها الر�سول -ه ؤ�لاء الم�شركين :أ� َخل ُقهم
�أ�ش ُّد �أم خل ُق َم ْن ع َّددنا أ�و�صافهم من الملائكة وال�شياطين
وال�سماوات والأر�ض؟ �إ َّنا ابتد أ�نا خلقهم ِم ْن ترا ٍب
مخلو ٍط بماء َي ْع َلق بكل ما ي�صيبه.
12بل عجب َت � -أيها الر�سولِ -م ْن تكذيبهم �إياك،
و إ�نكا ِرهم البعث ،وهم ي�سخرون منك و ِمن تع ُّجبك.
13و إ�ذا ُذ ِّكروا ُح َج َج الله عليهم ليعتبروا ويتفكروا لا
ينتفعون بالتذكير ولا ُيب�صرون.
14و�إذا ر�أوا ُح ّج ًة ِمن حجج الله الدالة على نبوة
محمد - -ي�سخرون منها وي�ستهزئون.
18 - 15وقالوا :يا مح َّم ُد ما هذا الذي جئ َتنا به
�إلا �سح ٌر يظهر ِلـ َمن ت�أ َّمله أ� َّنه �سح ٌر� ،أ إ� ّنا لمبعوثون �أحياء
ِم ْن قبورنا بعد مماتنا و �صيرو َر ِتنا تراب ًا وعظام ًا ،أ�و ُيبعث
446
34 33ف�إ َّن التابعين والـ َم ْتبوعين جميع ًا في عذاب
النار م�شتركون ،كما ا�شتركوا في الدنيا في مع�صية الله،
�إ َّنا هكذا نفع ُل بالذين اختاروا معا�صي الله على طاعته،
والكف َر على ا إليمان ،فنذي ُقهم العذاب ا ألليم ،ونجم ُع
بينهم وبين قرنائهم في النار.
36 35إ� َّنهم كانوا في الدنيا إ�ذا قيل لهم :قولوا لا 26 25ما لكم -أ�يها الم�شركون بالله -لا َين�صر
إ�له إ�لا الله ،يتع َّظمون عن قولها ويتك َّبون ،ويقولون: بع ُ�ضكم بع�ض ًا؟ بل هم اليو َم م�ست�س ِلمون ألمر الله فيهم
�أنتر ُك عباد َة آ�لهتنا لا ِّتباع �شاع ٍر مجنون! وق�ضائهُ ،مو ِقنون بعذابه.
َ 37ك َذبوا ،ما محم ٌد كما و�صفوه ،بل هو نب ٌّي جاء 28 27و َأ�قبل بع�ُض الكفار على بع�ض يتجادلون.
بالحق ِم ْن عند الله ،وهو القر آ�ن ،و�ص َّدق َم ْن كان قب َله قال التابعون لل َم ْتبوعين� :إ َّنكم كنتم ت�أتوننا ِمن ِق َب ِل
من المر�سلين. الدين ،فتخدعوننا وت�صدوننا عن الحق.
39 38إ� َّنكم -أ�يها الم�شركون -لذائقو العذا ِب 30 29قال الـ َم ْتبوعون :بل لم تكونوا بتوحيد الله
المو ِجع في الآخرة ،وما ُتزون إ�لا مث َل ما عملتم بلا مق ِّرين ،وكنتم للأ�صنام عابدين ،وما كان لنا عليكم
ِمن ُحجة ،فن�ص َّدكم بها عن ا إليمان ،و َنحول بينكم من
زياد ٍة ولا نق�صان. �أجلها وبين اتباع الحق ،بل كنتم قوم ًا متع ِّدين حدودكم.
44 - 40لكن عباد الله الذين أ�َ ْخ َل�صهم ون ّجاهم ِمن 32 31فوجب ْت علينا كلم ُة الله ب�أ َّنا ذائقون
ال�شرك ،لا يذوقون العذاب ،ولهم رز ٌق معلوم الوقت، لعذابه ،فز ّينا لكم ما كنتم عليه من ال�ضلالة فا�ستجبتم
ي�أتيهم بكر ًة وع�شي ًا ،هو الفواكه التي خلقها اللهُلهم في لنا باختياركم� ،إ ّنا ك ّنا مث َلكم �ضالين� .أي فلا تلومونا
الجنة ،وهم ُمك َرمون بكرامة الله التي أ�كرمهم بها ،في
ب�ساتين النعيم ،على �ُ ُس ٍر مرفوعة ،يقا ِبل بع ُ�ضهم بع�ض ًا. ولوموا� أنف َ�سكم.
47 - 45يطوف الخد ُم عليهم بك�أ� ٍس ِمن خم ٍر
جاري ٍة ظاهر ٍة لأعينهم غير غائرة� ،صافي ٍة في نهاية
اللطافةَ ،يلت ُّذ بها �شار ُبوها ،لي�س فيها ما ي�ؤذيهم ِم ْن
مكروه ،ولا تذهب بها عقو ُلهم.
49 48وعندهم ن�سا ٌء َق َ� َصن نظره َّن على ُبعولتهن،
فلا ُيرد َن غي َرهم ،ولا َيددن �أب�صا َرهن �إلى غيرهم،
ِح�سان الأعي ِن جميلاتها ،ك�أ َّنهن الل�ؤل ؤ� الم�صون.
51 50ف أ�قب َل بع�ُض أ�هل الجنة على بع�ٍض ي�س أ� ُل
بع ُ�ضهم بع�ض ًا ،قال قائ ٌل منهم :إ� ِّن كان لي �صدي ُق �سو ٍء
في الدنيا.
447
53 52يقول :أ�ت�ص ِّدق ب�أن َك مبعوث بعد َماتك
و ُتزى بعملك و ُتا�َسب ،و أ� َّنا محا�َسبون و َمزيون بعد
م�صيرنا تراب ًا وعظام ًا؟
57 - 54قال هذا الم�ؤم ُن الذي �أُدخل الجنة
يهقلو أ�لنتلمي:م ََّ�أط�إِِلّنعوكنلمفنيالاملن�اصر ِّد،قليعنل ِّبيأ� ّن أ�ارمبىع َقورثينوين لأ�صحابه:
الذي كان
بعد الممات! فقالوا :نعم ،فا َّطل َع في النار فر آ�ه في و�سط
الجحيم ،فل ّما ر آ�ه قال :تالله �إ ْن كد َت في الدنيا ُتهلكني
ب�ص ِّدك إ�ياي عن الإيمان بالبعث والثواب والعقاب،
ولولا أ� َّن اللهَ أ�نعم عل َّي بهدايته ،لكن ُت من المح�ضرين
معك في العذاب.
آ�باءهم ُ�ض ّلل ًا عن َق ْ�صد ال�سبيل غير �سالكين َم َح ّج َة 60 - 58يقول هذا الم ؤ�م ُن الذي أ�عطاه الله ما
الح ِّق ،ف أ��س َرعوا مقتفين آ�ثارهم و�ُس َّنتهم ،مبادرين �إلى أ�عطاه ِم ْن كرامته في جنته� ،سروراً منه بما أ�عطاه فيها:
أ�نحن مخ ّلدون من ّعمون في الجنة فما نح ُن بم ّيتين غير
اتباعهم من غير توقف ولا نظر. موتتنا ا ألولى في الدنيا! وما نحن بمعذبين بعد دخولنا
74 - 71ولقد �ض َّل -يا محمد -عن َق�صد ال�سبيل الجنة! إ� َّن هذا الذي أ�عطانا الله �إياه من الكرامة في الجنة
َق ْب َل م�شركي قومك أ�كث ُر ا ألمم الخالية ،ولقد أ�ر�سلنا في
تلك الأمم منذ ِرين ُينذرونهم ب أ��َسنا ،فك َّذبوهم ،ولم َلـ ُهـ َو النجاة وال َّظ َفر العظيم الدائم.
يقبلوا منهم ن�صائحهم ،ف َ�أحللنا بهم ب�أ�َسنا ،فت أ� َّمل كيف
كانت عاقبة المن َذرين و إ�لا َم �صار �أم ُرهم؟ �ألم نهلكهم 61يقول تعالىِ :لث ِل هذا ا إلكرام فليعمل في الدنيا
فن�يِّصهم للعباد عبر ًة و ِلـ َمن بعدهم عظ ًة؟ �إلا عباد الله ألنف�سهم العاملون ،ليدركوا ما �أدرك ه ؤ�لاء.
الذين أ�خل�صناهم للإيمان ،فقد نجاهم الله من �سوء العاقبة.
76 75ولقد نادانا نو ٌح و�س أ� َلنا �إهلا َك قومه ،بعد � 62أهذا الذي �أعطي ُت ه�ؤلاء الم ؤ�منين الذين و�صف ُت
أ�ن طال �إ�صرارهم على الكفر وتماديهم في العناد ف َل ِنع َم �صف َتهم من كرامتي في الجنة ،و َر َزق ُتهم فيها من النعيم
المجيبون ك َّنا له ،ف�أهلكنا قومه ،ونجيناه و أ�ه َله الذين
ركبوا معه ال�سفينة من ا ألذى والمكروه الذي كان ُي�صيبه خي ٌر� ،أم �شجر ُة الز ُّقوم التي أ�عدد ُتها ألهل النار؟
ِمن الكافرين ،و ِم ْن َكرب الطوفان والغرق الذي هلك
68 - 63إ� ّنا جعلنا هذه ال�شجرة محن ًة وعذاب ًا لهم
به قو ُمه. في الآخرة ،وابتلا ًء لهم في الدنيا ،وذلك �أنهم قالوا:
كيف تكون في النار �شجرة ،والنار َترق ال�شجر؟!
448 إ�نها �شجرة ُغذيت بالنار ،ومنها ُخلقت ،ك�أ َّن ثمرها
في ُقبحه و�سماجته ر ؤ�و� ُس ال�شياطين ،و إ� َّن ه�ؤلاء
الم�شركين لآكلون منها ،فمالئون منها بطو َنهم ،ثم �إ َّن
لهم على َأ� ْكلها بعدما �شبعوا منها و َغ َلبهم العط�ش وطال
ا�ستقا ؤ�هم َل�َشاب ًا من �سائ ٍل كريه َم�شوب ًا بماء حار ،ي�شوي
وجوههم ويقطع �أمعاءهم ،ثم �إ َّن م آ�بهم لإلى الجحيم.
70 69إ� َّن ه ؤ�لاء الم�شركين الم�ستكبرين وجدوا
أ� َّي �شيء تعبدون؟ أ�تريدون آ�لهة تعبدونها ِم ْن دون الله 78 77وجعلنا ذرية نوح هم الباقين في الأر�ض
إ�فك ًا وزوراً وباطل ًا؟ ف أ� َّي �شيء تظ ُّنون -أ�يها القوم -أ�نه بعد َمهلك قومه .و�أَبقينا عليه الذك َر الجمي َل والثنا َء
َي�صنع بكم إ� ْن لقيتموه وقد عبدتم غي َره؟ الح�سن في َم ْن جاء بعده من ا ألمم.
92 - 88فنظر إ�براهي ُم في النجوم؛ وذلك �أن قومه 79تحية �سلام و�أمان من الله لنوح في الملائكة والثقلين
كانوا َي َتعاطون علم النجوم ،فتع َّلل وقال� :إني مري�ض، جميع ًا.
لئلا ينكروا عليه َتخ ُّلفه عن الخروج معهم ،فتفرقوا عنه
وذهبوا �إلى عيدهم ،فذهب إ�براهيم إ�لى ا أل�صنام فقال � 81 80إ ّنا كما فعلنا بنوح -مجازا ًة له على طاعتنا
لها ا�ستهزا ًء :أ�لا ت�أكلون من الطعام الذي بين أ�يديكم ،ما و�صب ِره على �أذى قومه في ر�ضانا -كذلك نجزي الذين
يح�سنون فيطيعوننا ،وينتهون إ�لى �أمرنا ،وي�صبرون
لكم لا تتكلمون؟ على ا ألذى فينا� .إ َّن نوح ًا من عبادنا الذين آ�منوا بنا،
96 - 93فما َل على �آلهة قومه �ضرب ًا بف أ�� ٍس في فو َّحدونا ،و�أخل�صوا لنا العبادة ،و�أف َردونا با أللوهية.
يده بك ِّل قوة حتى ح ّطمها ،ف َ�أقبل قو ُمه إ�ليه ي�سرعون، 82ثم �أغرقنا -حين نجينا نوح ًا و�أهله من الكرب
وجعلوا يت�ساءلون ع َّمن فعل هذا ،ثم قالوا إلبراهيم
جميع ًا :نحن نعبدها و أ�نت تك�سرها؟ ف أ�جابهم بقوله: العظيمَ -م ْن بقي ِمن قومه.
�أتعبدون ما تنحتون ب�أيديكم من ا أل�صنام ،واللهُ هو
الذي خلقكم وخلق ما تعملون منه ا أل�صنام وهو 87 - 83و إ� َّن ِم ْن �أ�شياع نوح الذين �ساروا على
منهاجه ودانوا بدينه إ�براهي َم خلي َل الرحمن� .إذ جاء ر َّبه
الخ�شب والنحا�س والحجارة وما أ�َ�ْشبه ذلك. بقل ٍب مخل�ص �سليم من ال�شرك� .إذ قال ألبيه وقومه:
97فل ّما عجزوا عن مجادلته بالحجة أ�رادوا التخ ُّل�َص
منه وقتله بالحرق نكاي ًة به و ُن�صر ًة لآلهتهم ،فقالوا :اب ُنوا
له بنيان ًا مرتفع ًا من الحجر ،فبنوه ومل ؤ�وه حطب ًا و أ�وقدوا
فيه ناراً عظيمة ،فجا ؤ�وا بنب ِّي الله �إبراهيم فطرحوه فيها.
99 98ف�أرادوا به كيداً ب إ�لقائه في النار ،فجعلناهم
ا ألذلِّين المقهورين ،حين خرج من النار �سالم ًا ،فعلاهم
بالحجة وبن�صر الله له .وقال إ�براهيم عند ذلك:
إ� ِّن مهاج ٌر إ�لى حيث أ�عبد ربي ،واللهُ �س ُيث ِّبتني على
الهدى ،ويعينني عليه.
102 - 100وقال :يا ر ّب ه ْب لي منك ولداً يكون
من ال�صالحين .فب�شرنا �إبراهيم ب أ�نه يولد له ولد ذو حلم
�إذا هو َك ِب .فل ّما َب َلغ �أن ي�سعى مع �أبيه في حوائجه قال
له �إبراهيم :يا ُب َن َّي �إني �ُأمرت في النوم بذبحك -ور ؤ�يا
ا ألنبياء وح ٌي -فماذا ترى من الر�أي؟ قال :يا �أب ِت ،افع ْل
ما ي�أم ُرك به ر ُّبك ِم ْن ذبحي� ،ستجدني � -إن �شاء الله-
�صابراً ِلـما ي�أمرنا به ر ُّبنا.
449
122 - 117و�آتيناهما الكتا َب ال َبليغ في بيانه ،وهو 106 - 103فل ّما �أ�سلما أ� ْم َرهما لله ،وف ّو�ضاه �إليه،
التوراة ،وهديناهما الطريق الم�ستقيم ،الذي لا اعوجاج وتوافقا على الت�سليم لأمره ،والر�ضا بق�ضائه ،و أَ��ضج َع
إ�براهي ُم اب َنه على َجنبه ليذبحه ،ناديناه أَ� ْن يا إ�براهيم
فيه ،وهو الإ�سلام ،دي ُن الله الذي ابتعث به �أنبياءه، قد �ص ّدقت الر�ؤيا التي أ�ريناكها في منامك بذبح ابنك
وتر ْكنا عليهما في الآخرين الثنا َء الح�سن� ،سلام و أ�مان �إ�سماعيل� .إ َّنا كما جزيناك بطاعتنا يا إ�براهيم ،كذلك
من الله على مو�سى وهارون .هكذا نجزي أ�ه َل طاعتنا، نجزي الذين �أح�سنوا ،و�أطاعوا �أمرنا ،وعملوا في ر�ضانا.
إ� َّن �أَ ْمرنا �إليك -يا إ�براهيم -بذبح ابنك َلهو الاختبا ُر
والعاملين بما ير�ضينا عنهم .إ�ن مو�سى وهارون عبدان
الذي َيبين لمن ف ّكر فيه �أنه بلا ٌء �شديد ومحن ٌة عظيمة.
من عبادنا المخ ِل�صين لنا ا إليمان.
108 107وجزينا إ��سماعيل ب�أن جعلنا مكا َن َذ ْبحه
126 - 123و إ� َّن إ�ليا�س لمر�َسل من المر�سلين .إ�ذ َذ ْب َح كب� ٍش عظيم ،و أ�نقذناه من الذبح ،و أ�بقينا على
قال لقومه ِم ْن بني �إ�سرائيل :أ�لا تتقون الله أ�يها القوم،
فتخافوه ،وتحذروا عقوب َته على عبادتكم ر ّب ًا غيره، إ�براهيم في َم ْن بعده إ�لى يوم القيامة ثنا ًء ح�سن ًا.
و�إله ًا �سواه .أَ� َت ْد ُعون �صنم ًا جامداً لا يخلق �شيئ ًا ولا
ي�ض ُّر ولا ينفع ،وتتركون الخال َق الذي أ�ح�سن َخل َق ك ِّل 111 - 109أ�ما ٌن من الله في ا ألر�ض إلبراهيم ،أ� ْن لا
�شيء ،اللهَ ر َّبكم الذي خلقكم ،ور َّب آ�بائكم الما�ضين ُيذكر ِمن بعده �إلا بالجميل من الذكر .كما جزينا إ�براهيم
على طاعته �إيانا ،و إ�ح�سانه في الانتهاء �إلى أ�مرنا ،كذلك
قبلكم؟! نجزي المح�سنين .إ� َّن إ�براهيم من عبادنا المخ ِل�صين لنا في
�إيمانهم .وفي ذلك تنوي ٌه كبير ب�ش أ�ن الإيمان لأنه �أ�سا� ٌس
لك ِّل ما ُيبنى عليه من معرفة و�إح�سان.
113 112وب�َّشنا �إبراهي َم ب�إ�سحاق نب ّي ًا� ،شكراً له
على إ�ح�سانه وطاعته ،و أ�ف�ضنا عليهما من بركات
الدين والدنيا .و ِم ْن ذريتهما م ؤ�م ٌن مطيع لله ،مح�س ٌن
في طاعته ،وكاف ٌر بالله ،جال ٌب على نف�سه بكفره عذا َب
الجحيم ،قد �أبان عن ظلمه هذا بكفره وعناده.
116 - 114ولقد تف َّ�ضلنا على مو�سى وهارون ابني
عمران ،فجعلناهما نب َّيين .ونجيناهما وقو َمهما من اله ِّم
العظيم الذي كانوا فيه .ون�صرناهم على فرعون و آ�له
ب�إغراقهم في البحر ،فكانوا هم الظاهرين عليهم.
450
138 137و�إنكم -يا مع�شر قري�ش -لتم ُّرون على 132 - 127فك َّذبه قو ُمه ولم ي ؤ�منوا به ،فجزا�ؤهم
قوم لوط الذين د َّمرناهم ،عند �إ�صباحكم نهاراً ،وعند أ�نهم داخلون في جهنم ُمك َرهين ،إ�لا عباد الله الذين
إ�م�سائكم ليل ًا عند تجارتكم �إلى ال�شام ،فت�شاهدون هداهم الله ف آ�منوا بنب ِّيه فهم الناجون من العذاب .و أ�ب َقينا
�آثارهم الدا ِر�سة ،وديا َرهم الخالية .أ�فلي�س لكم عقو ٌل عليه الثنا َء الح�سن في ا آلخرين من الأمم بعده .أ�ما ٌن من
تتدبرون بها وتتفكرون ،فتعلموا أ�ن َم ْن �س َلك ِمن النا�س الله إلليا�س( .و إ�ليا�سين لغة في �إليا�س) .إ� ّنا هكذا نجزي
المح�سنين في طاعتنا� .إ َّن �إليا�س َعب ٌد من عبادنا الذين
َم�سلكهم ن َز َل به ما نزل بهم؟
آ�منوا فو َّحدونا ،و�أطاعونا ،ولم ي�شركوا بنا �شيئ ًا.
146 - 139و�إ َّن يون�س لمن المر�سلين إ�لى �أهل ِن َي َنوى،
فك ّذبوه ،فلما أَ� ِي�س من إ�يمانهم هجرهم دون �إذ ٍن ِمن 136 - 133و�إ َّن لوط ًا لمر�َسل من المر�سلين .إ�ذ نجيناه
ربه و َركب البح َر في ُف ْل ٍك مملوء بالنا�س والمتاع .ف َعر�ض و�أه َله أ�جمعين ،من العذاب الذي أ�نزلناه بقومه
لل ُفلك ما ُيوجب التخ ُّل�َص من أ�حد ر ّكابها ،فاقترعوا،
فكان يون�س ِمن المغلوبين بالقرعة ،ف أُ�لقي به في البحر. ف�أهلكناهم به� .إلا عجوزاً كانت في الباقين وهي
فابتلعه الحو ُت ،وهو م ُلوم على َت ْركه قو َمه قبل �أن ي�أذن
له ربه .فلولا �أ َّنه كان من الم�ص ِّلين الذاكرين لله قبل البلاء امر أ�ة لوط أ��صا َبها ما �أ�صا َب قو َمها من العذاب؛ لأ َّنها
الذي اب ُتلي به ولولا ت�سبي ُحه في بطن الحوت ،لبقي �شارك ْتهم في ع�صيانهم ،فح َّق عليها العذا ُب مث َلهم ،ثم
فيه إ�لى يوم القيامة ،ولكنه كان من الذاكرين الله قبل �أهلكنا الآخرين ،ب أ�ن قذفناهم بالحجارة ِم ْن فوقهم،
البلاء وعنده فا�ستجاب اللهُنداءه ف�أنقذه ون ّجاه ،و َأ�لقى به
بف�ضا ٍء من ا ألر�ض ،لا يواريه �شي ٌء من �شج ٍر ولا غيره، و َق َلبنا عليهم مدائنهم.
وهو علي ٌل مما ناله في بطن الحوت .و أ�نبتنا عليه �شجر ًة
451
من َق ْر ٍع وهو من ال�شجر الذي لا يقوم على �ساق.
148 147وك ّنا أ�ر�سلناه إ�لى مئ ِة �أل ٍف ويزيدون ،فل ّما
عاد �إليهم بعد الذي لقيه من البلاء آ�منوا به وبما �ُأر�سل به،
فنفعهم إ�يما ُنهم و ُق ِبلت توبتهم فك�شفنا عنهم العذاب،
ومتعناهم بالحياة إ�لى حين انتهاء آ�جالهم.
َ� 153 - 149س ْل -يا محمد -م�شركي قو ِمك
ِم ْن قري�ش و ُق ْل لهم -م�ستنكراً� :-أ ِل َر ِّبي البنا ُت ولكم
البنون؟ َ�أ ْم َح َ� َض ه ؤ�لاء -القائلون :الملائك ُة بنات
الله -خلق َي الملائك َة و أ�نا أ�خ ُلقهم إ�ناث ًا ،ف�ش ِهدوا هذه
ال�شهادة؟ أ�لا �إ َّن ه�ؤلاء الم�شركين ِم ْن َك ِذبهم وزورهم
ليقولون :ول َد اللهُ ،و�إنهم لكاذبون في قولهم هذا .وهل
اختار البنا ِت على البنين ،ولِـ َم يفع ُل ذلك؟
177 176أ�فبنزول عذابنا بهم ي�ستعجلونك � -أيها 157 - 154بئ�س الحك ُم َتكمون أ�يها القوم� ،أن
الر�سول-؟ ف إ�ذا نزل بهم فبئ�س �صبا ُح القوم الذين يكون لله البنات ولكم البنون ،و أ�نتم لا تر�ضون البنا ِت
أ�نذرهم ر�سو ُلنا نزو َل ذلك العذاب بهم فلم ي�ص ِّدقوا به.
ألنف�سكم فتجعلون له ما لا ترت�ضونه! أ�فلا تتدبرون ما
179 178و�أع ِر�ْض � -أيها الر�سول -عن ه�ؤلاء تقولون ،فتعرفوا خط�أه�َ ،أ ْم لكم حج ٌة قاطعة تب ِّي لمن
الم�شركين ،وخ ِّلهم و ِف ْر َي َتهم على ربهم ،إ�لى حين ي أ�ذ ُن �سمعها �صح َة ما تقولون؟ ف�أ ُتوا بحجتكم ِم ْن كتا ٍب
الله بهلاكهم ،و�أب�ص ْر وارتق ْب ف�سوف يرون ما يح ُّل
بهم ِم ْن عقابنا ،في حين لا تنفعهم التوبة ،وذلك عند جاءكم ِم ْن عند الله �إ ْن كنتم �صادقين في دعواكم.
نزول ب أ��س الله بهم. 160 - 158وجعل ه ؤ�لاء الم�شركون بين الله وبين
َ 182 - 180تن َّزه ر ُّبك الذي لا ُينا َزع في م�شيئته ،ولا الجن ن َ�سب ًا -قالوا :الج ُّن �أمها ُت الملائكة -ولقد علم
ُيغا َلب في حكمه ع ّما ي�ص ُف ه�ؤلاء المفترون .و�سلام الجن �أ َّن الذين ا َّدعوا ذلك لمح�ضرون للعذابَ .تن َّزه الله
من الله و أ�ما ٌن وتحي ٌة م ّنا لكا َّفة المر�سلين .والحمد لله ر ِّب ع ّما يقولون ،لكن عباد الله المخ َل�صين لا يح�ضرون
العالمين على ُن�صر ِة ا ألنبيا ِء وهلا ِك ا ألعداء. العذا َب ولا َي�صفون ر َّبهم إ�لا بما يليق بمطلق كماله.
452 163 - 161ف�إنكم �أيها الم�شركون و آ�له َتكم التي
تعبدون ِم ْن دون الله ما أ�نتم بم�ض ّلين �أحداً بباطلكم هذا،
إ�لا َم ْن تولاكم بعم ِل �أه ِل النار.
166 - 164تقول الملائكة :وما م َّنا �إلا َم ْن له مقام
في ال�سماء معلوم ،و إ� ّنا لنحن ال�صا ّفون أ�جن َحتنا طاع ًة لله
وت�سبيح ًا ،والم�ص ُّلون له .وك َذب َم ْن و�صفنا ب أ� ّنا لله بنات.
175 - 167وكان ه ؤ�لاء الم�شركون ِم ْن قري�ش يقولون
قبل َمبع ِث محم ٍد :لو �أ ّن عندنا كتاب ًا �ُأنزل من ال�سماء،
كالتوراة والإنجيل� ،أو نب ّي ًا �أتان ًا ،مثل الذي �أتى اليهو َد
والن�صارى ل ُك ّنا أ�خل�صنا لله وما ك ّذبنا كما ك ّذبوا .فل َّما
جاءهم ال ِّذكر كفروا به ،ف�سوف يعلمون �إذا وردوا عل َّي،
ما لهم ِمن العذاب بكفرهم .ولقد م�ضى م ّنا الق�ضا ُء
والحكم في �أ ِّم الكتاب ِل ِعبادنا المر�سلين �أ َّن لهم ال ُّن�صر َة
والغلب َة بال ُحجج ،و�أ َّن حزبنا و أ�ه َل ولايتنا لهم ال َّظ َف ُر
والفو ُز على �أهل الكفر بنا والخلاف علينا .ف�أع ِر�ْض
عنهم -يا محمد� -إلى حي ِن مجيء عذا ِبنا ونزو ِله بهم،
و َأ� ْمهلهم ف�سوف يرون ما يح ُّل بهم من عقابنا.
ي�سمع دعا َءنا ك ِّلنا ،ويعلم عباد َة ك ِّل عاب ٍد ع َب َده منا؟! إ� َّن
هذا ل�شيء عجيب.
٨ - ٦و ا ن َط َلق ا ل ُك َب ا ُء من قر ي�ش قا ئلين :
ام ُ�ضوا واث ُبتوا على عبادة �آلهتكم ،إ� َّن هذا القو َل الذي
يقوله محم ٌد ويدعونا �إليه �شي ٌء يريد منه الا�ستعلا َء علينا،
و�أ ْن نكون له فيه �أتباع ًا .ما �سمعنا بهذا الذي يدعونا إ�ليه
محم ٌد في دين �آبائنا ،ولا في الن�صرانية ،ما هذا القر�آ ُن
اإ�لولياذ�شكَك ُرُِّذكِم ٌ ْهبن ؤ�ابليانخءنَتاَل،فقهيف َُموخ ْحح�َّينمصا ٌدبإ�لهو،تىومخليَّرح��مصسهدب.أ���أُ�-أشنرز َفل م-عنلارى َغحمم َ�سأ�بحن ًامه؟م!د
بع ُد الموعود لم يذوقوا عذابي كذب ًا ،بل لومل ُيذلج ِّركبو�اش ّعكلوياه
ِمن ما بهم ذاقوه زال حينئ ٍذ فيه ،ف�إذا
ال�ش ِّك والح�سد.
١١ - ٩أ�م عند ه�ؤلاء مفاتي ُح رحم ِة ر ِّب َك العزي ِز } ٢ ١ﭒﭑ{ �سب َق الكلا ُم على هذه الحروف
في �سلطانه الو ّهاب لمن ي�شاء ِمن خلقه ما ي�شاءِ ،من ُمل ٍك الـ ُمق ّطعة في �أول �سورة البقرة�ُ .أ ْق ِ�سم بالقر�آن ذي
و�سلطا ٍن ونبو ٍة فيمنعوك -أ�يها الر�سول -ما م َّن الله به ال�شرف التا ِّم الباقي ،الم�شتم ِل على �أح�س ِن الذكر .إ� َّن
عليك من النبوة والر�سالة؟! َأ�م يملك ه�ؤلاء الم�شركون ُك ْف َر الكافرين لي�س عليه برهان ،بل هو ب�سبب ال ِك ْب
ال�سماوات والأر�ض وما بينهما؟! ف إ�ن كان كذلك
فلي�صعدوا في َمعارج ال�سماء و َمراقيها ،ول ُينزلوا الوحي والعداوة وال�ِّشقاق و َق ْ�صد المخالفة.
على َم ْن �شا�ؤوا واختاروا .ما هم �إلا جن ٌد من الكفار ٣وكم أ�هلكنا ِم ْن قبل ه�ؤلاء الم�شركين ِمن قري�ش
المتح ِّزبين على الر�سل مهزومون ع ّما قريب ،فلا ُتبا ِل بما كثيراً من ا ألمم ،ف َع ُّجوا �إلى ربهم وا�ستغاثوا بالتوبة حين
نزل بهم ب أ�� ُس الله ،ولي�س ذلك الوق ُت وق َت قبو ِل توب ٍة
يقولون ولا َت ْكتر ْث بهم. وفرا ٍر وال هر ٍب .وفي ذلك تهدي ٌد لم�شركي قري�ش،
١٥ - ١٢ك َّذ َب قبل ه ؤ�لاء الم�شركين قو ُم نو ٍح وح� ٌّض لهم على ا إليمان قبل فوات ا ألوان.
نوح ًا ،وعا ٌد هوداً ،وفرعو ُن ذو القوة والبط�ش مو�سى، ٥ ٤و َع ِجب ه�ؤلاء الم�شركون أ� ْن جاءهم منذ ٌر
وثمو ُد �صالح ًا ،وقو ُم لوط لوط ًا ،و أ��صحا ُب الأيكة ِم ْن �أنف�سهم ينذرهم ب�أ� َس الله على كفرهم ،ولم ي�أتهم
-أ�ي ال�شجر الكثيف� -شعيب ًا� ،أولئك اجتمعوا على َم َل ٌك من ال�سماء ،وقال المنكرون وحداني َة الله :محمد
الكفر والع�صيان وك َّذبوا ُر�ُس َل الله ،ف َو َجب عليهم �ساح ٌر فيما ُيظهر ِمن المعجزات ،ك ّذا ٌب فيما ي ّدعيه ِمن
عقا ُب الله .ولي�س بين ه ؤ�لاء الم�شركين ِم ْن قري�ش وبين الر�سالة .أ�ج َعل محم ٌد المعبودات ك َّلها معبوداً واحداً،
حلول ما �أع َّد اللهُ لهم من العقاب �إلا نفخ ُة ال َف َز ِع
453
ا ألكبر ،لا تت�أخ ُر عن وقتها.
١٦قال ك ّفا ُر مكة لـ ّما �سمعوا بت�أخير عقوبتهم إ�لى
ا آلخرة :ربنا ع ِّج ْل لنا ح َّظنا من العذاب الذي وعدتنا
به قبل يوم الح�ساب.
١٧ا�بِ ْص -أ�يها الر�سول -على ما يقولون من
المقالات الباطلة ،فالعاقب ُة لك كما كانت ِلـ َمن قبلك من
ا ألنبياء ،وا ْذ ُكر منهم عبدنا داود القو َّي في دينه ،ال�شدي َد
على أ�عدائه ،الكثي َر التوب ِة والرجوع إ�لى ربه.
� ١٨إ َّنا �س َّخرنا الجبال مع داود فهي ت�س ِّبح معه في �آخر
النهار و�أوله.
١٩وكذلك الطير اجتمع ْت إ�ليه ف�س َّبح ْت معه ،وك ُّل
واحد من الجبال والطير ألج ِل ت�سبي ِح داود ُم َ�س ِّب ٌح.
٢٠و َق َّوينا ُمل َكه بالرجال ،وبما و�ضعناه له ِمن الهيبة
في القلوب ،ومنحناه موافق َة الح ِّق في قوله وفعله ،والب ِّ َي
من الكلام المل َّخ�ص غير الملتب�س.
وهم قليلون .و أَ�ح� َّس داود أ�ننا ابتليناه واختبرناه في هذا ٢٢ ٢١وهل �أتاك -أ�يها الر�سول -خب ُر المتخا�صمين
ال�س�ؤال ،فا�ستغفر ر َّبه وخ َّر �ساجداً ،ورجع �إلى الله. �إذ اعتلوا ال�سور على داود ،ونزلوا إ�ليه وهو في مكان
٢٥فتجاوزنا ع َّما كان منه ،و�إ َّن له عندنا ل ُقربى عبادته ،فارتاع منهما ،فقالا له :لا َت َخ ْف نحن
وكرام ًة بعد هذا ،و َمر ِجع ًا ح�سن ًا في الجنة.
متخا�صمان ،ظلم أ�ح ُدنا الآخر فاحك ْم في ق�ضيتنا بالحق
٢٦يا داود �إ َّنا ا�ستخلفناك في ا ألر�ض ،فاحك ْم بين ولا َتـ ُجـ ْر ،و�أر�شدنا إ�لى الطريق الو�سط ،الذي لا ِعوج
النا�س بحكم الله تعالى واعدل ،ولا ت َّتبع هوى النف�س
في الحكومات ،فيكون ذلك �سبب ًا ل�ضلالك عن �شرائع فيه ،وهو طريق الحق والعدل.
الله� .إ َّن الذين َي ِ�ض ُّلون عن �سبيل الله لهم عذا ٌب �شديد ٢٣قال �أحد الخ�صمين� :إ َّن هذا �أخي له ت�س ٌع
ب�سبب ن�سيانهم يو َم الح�ساب ،ذلك أ� َّن تذ ُّكره و َترداده وت�سعون نعج ًة ،وليَ نعجة واحدة لا �أملك غي َرها،
على القلب وت�ص ُّو َره يقت�ضي ملازم َة الح ِّق ومبا َعد َة فقالَ :م ِّلكنيها ،واجعلني أ�كفلها كما أ�كفل ما تحت
الهوى. يدي ،و كان �أقد َر م ِّني على الكلام فغلبني.
٢٤قال له داود -عليه ال�سلام :-إ�ن كن َت �صدق َت
فقد ظلمك برغب ِته وطلب ِه �ض َّم نعجتك الواحد ِة إ�لى
ِنعاجه الت�سع والت�سعين .و�إ َّن كثيراً من المتعا�شر ِين ليقع
منهم ظل ُم بع ِ�ضهم بع�ض ًا ،إ�لا الذين آ�منوا وعملوا
ال�صالحات منهم ف�إ َّنهم يتحا�شون عن البغي والعدوان،
454
٣٣ ٣٢و�َش َعر �أ َّنه ا�شتغل بذلك عن ذكر الله فقال:
إ�ني �أحبب ُت اقتنا َء الخيل -وكان ُيعدها للجهاد ،ف�أح َّبها
لله ال للدنيا -حتى غابت ال�شم�س عن عيني ،فقال:
�أَعيدوا الخيل عل َّي .ف�شرع يم�سح �سيقانها و�أعناقها
إ�كرام ًا لها ألنها خي ُر ُمعين للجهاد.
ولوٍلدق،دو اكباتلنينا�َأق��سسلميملاي َنطوفو�أَّلنقيعنلاىعنل�ىسائهكرف�َتسِل ُِّدي ٣٥ ٣٤
ِ�ش َّق ُم ْلكه
ك ُّل واحدة منهن فار�س ًا ولم يقل :إ� ْن �شاء الله ،فطاف
عليهن فلم تحمل منهن إ�لا واحد ٌة وجاءت ب ِ�ش ِّق ولد،
وحين ر�أى ذلك رجع �إلى الله تائب ًا قال :ر ِّب اغفر لي،
وامنحني �سلطان ًا لا يكون ألحد من بعدي ،إ�ن َك �أن َت
المان ُح المعطي الكريم.
٣٦فذ َّللنا الري َح لطاعته ،تجري َل ِّين ًة طيبة �إلى حيث
ق�ص َد و�شا َء.
٣٧و�س ّخرنا له ال�شياطين ،يبنون له ما ي�شاء، ٢٧وما خلقنا ال�سما َء وا ألر�ض وما بينهما من
ويغو�صون في البحر لا�ستخراج ال آللئ -أ� ّما المخلوقات على هذا النظام البديع خ ْلق ًا باطل ًا عاري ًا
الخارجون عن أ�مره وهم َمردة ال�شياطين -فكان عن الحكمة ،ذلك الظ ُّن الباط ُل ظ ُّن الذين كفروا الذين
يجمع بع َ�ضهم مع بع�ض في القيود وال�سلا�سل ،ت�أديب ًا
ال ي ؤ�منون بالبعث ،فوي ٌل لهم ِم ْن عذاب النار.
لهم ،ومنع ًا لهم من ا إلف�ساد. ٢٨أ�نجع ُل الم�ؤمنين ال�صالحين المتقين يو َم القيامة
كالكفرة المف�سدين ال ُف ّجار؟ ك ّل ف�إ َّن هذا منا ٍف ل ِحكمتنا
٣٩ ٣٨هذا الذي �أعطيناك من الت�سخير والملك وع ْدلنا ،ولو َب َطل الجزا ُء -كما يقول الكفار -لا�ستو ْت
العظيم هو عطا ؤ�نا الخا�ص بك دون غيرك ،ف أ�عط
يا �سليمان َم ْن �شئت وامن ْع َم ْن �شئ َت ،لا حرج عليك. �أحوا ُل الفريقين المذكورين.
٤٠و�إ َّن ل�سليمان ل ُقربى في ا آلخرة و َمر ِجع ًا ح�سن ًا ٢٩هذا القر�آن كتاب �أنزلناه �إليك وهو مر ِ�ش ٌد �إلى
في الجنة. الخير �صار ٌف عن ال�شر ،أ�نزلناه ليتفكروا في �آياته،
٤١واذك ْر -يا مح َّم ُد -عبدنا أ�يوب حين رفع �صوته و َينعموا في ظلاله ،وليتعظ به ذوو العقول ال�سليمة.
بالدعاء قائل ًا :ر ِّب إ� َّن ال�شيطان قد م�َّسني بتع ٍب ،و َ�أل ٍَم ٣٠ووهبنا لداود �سليما َنِ ،ن ْعم العب ُد �سليمان �إنه
�شدي َدين. ر َّجاع �إلى الله ك�أبيه.
٤٢ف أ�ر�سلنا إ�ليه جبري َل فقال له :ا�ضر ْب برجلك ٣١واذك ْر ما كان منه حين ُع ِر�ضت عليه ع�صراً الخي ُل
ا ألر�ض فنبع ْت عي ٌن ،فقال له :هذا ماء بارد تغت�سل منه
ال ِجياد ،فا�شتغل بها إ�لى غروب ال�شم�س.
وت�شرب ،فتبر ُأ� م َّما �أن َت فيه.
455
ربهم َل�ش َّر َم�صير ،أل َّن م�صيرهم إ�لى جهنم ،و إ�ليها ٤٣فاغت َ�سل و�ش ِرب ،فف َّرجنا عنه ما أ��صابه من البلاء،
ُمنق َلبهم بعد وفاتهم ،وهي فرا�شهم فبئ�س الفرا� ُش الذي ورددنا له ما َف َق َد ِم ْن ولد ورزقناه ِم ْن زوجه مث َلهم
ر�أف ًة م ّنا ورحمة ،وتذكيراً ِ ألُولي العقول ،ليعتبروا
�أَع ُّدوه ألنف�سهم.
٥٧هذا �شرا ٌب ِمن ماء يغلي ،و َ�صديد َي�سيل من بها ويتعظوا.
المع َّذبين فلي�شربوه. ٤٤وقلنا أليوبُ :خ ْذ بيدك حزم ًة فيها من ا ألعواد
٥٨ولهم أ�لوا ٌن و أ�نوا ٌع �أخرى ِمن ِم ْث ِل هذا العذاب َب ْق ِدر عدد ال�ضربات التي أَ�ق�سم َت عليها فا�ضر ْب بها
زوج َتك ولا تحن ْث في يمينك ،إ� ّنا وجدنا �أيوب �صابراً
ا ألليم. على البلاءِ ،ن ْع َم العبد هو� ،إ َّنه على طاعة الله مق ِبل ،و إ�لى
٦٠ ٥٩وقال الـ َمتبوعون المُ ِ�ض ُّلون وهم في النار: ر�ضاه ر ّجاع.
هذه جماع ٌة مقت ِحم ٌة معكم ،لا مرحب ًا بهم� ،إنهم واردو ٤٥واذكر -يا محمد -عبادنا �إبراهي َم و إ��سحا َق
النار .فير ُّد ه�ؤلاء المقت ِح ُمون ِمن ا ألتباع :بل �أنتم لا
مرحب ًا بكم ،أ�نتم �سب ُب دخو ِلنا هذا المكان والا�ستقرا ِر ويعقو َبُ� ،أولي القوة والب�صيرة في الدين.
� ٤٦إ َّنا خ�ص�صناهم بخا ّ�ص ٍة هي ِذ ْك ُر الدار الآخرة،
فيه ،فبئ�س الم�ست َق ُّر جهنم.
٦١وقال ه ؤ�لاء الأتباع :ر َّبنا َم ْن كان �سب َب �سو ِء والرغبة فيها والعمل لها.
عاقبتنا ف�ضا ِع ْف له العذا َب في النار. ٤٧و�إ َّنهم عندنا لمن المختا ِرين ِم ْن بين �أبناء جن�سهم
ا ألخيار ،اخترناهم لطاعتنا ور�سالتنا إ�لى خلقنا.
456
٤٨واذكر -أ�يها الر�سول -إ��سماعي َل والي�س َع وذا
الكف ِل ،وك ُّلهم من الم�شهورين بالخيرية ،فت�أ� َّس بهم،
وا�سلك منها َجهم في ال�صبر على ما ينالك في الله.
٥١ - ٤٩هذا القر آ� ُن ذك ٌر لك -أ�يها الر�سول-
ولقومك ،ذ َّكرناك و إ�ياهم به ،و�إ َّن للمتقين لح�ْس َن
َمرجع ،هي ِجنان إ�قام ٍة مفتوحة الأبواب لهم ،متكئين
فيها على �سر ٍر مرفوعة ،يدعون فيها بفاكهة كثيرة مما
ي�شتهون ،و�شراب.
٥٢وعندهم ن�ساء َق َ� َصن نظره ّن على �أزواجهن،
وهن في �س ِّن واحدة.
٥٤ ٥٣هذا النعي ُم هو وع ٌد ِمن الله لكم � -أيها
المتقون -تل َقونه يوم القيامة ،وهو رز ٌق ِمن الله ،لي�س له
عنكم انقطا ٌع ،ولا له فناء.
٥٦ ٥٥هذا جزاء المتقين ،و�إ َّن للذين تم َّردوا على
٧١ - ٦٩وقل لهم :ما كان لي ِم ْن ِعل ٍم بالم ِأل
ا ألعلى من الملائكة إ�ذ يخت�صمون في �ش أ�ن آ�دم .ففي
�إخباري لكم عن ذلك دلي ٌل على أ� َّن هذا وحي من الله،
وما ُيوحي اللهُ �إل َّي ِع ْل َم ما لا ِع ْل َم لي به �إلا أل ِّن نذي ٌر ِم ْن
عقابه ب ِّ ُي ا إلنذار.
٧٣ ٧٢ما كان ل َي من عل ٍم بالملأ الأعلى حين قال
ر ُّبك للملائكة :إ� ِّن خال ٌق ب�شراً -هو آ�دم -من
طين ،ف�إذا �سوي ُت َخ ْلقه ،ونفخ ُت فيه الروح ،ف ِخ ُّروا
له �س َّجداً.
٧٥ ٧٤فل ّما كان ذلك �سجد له الملائك ُة ك ُّلهم
غير �إبلي�س ،ف إ�نه لم ي�سجد تع ُّظم ًا وتك ُّباً ،وكان
بتع ُّظمه ذلك وتك ُّبه على ربه من الجاحدين لح ِّقه،
العا�صين ألمره.
٧٧ ٧٦قال اللهُ :يا �إبلي�س أ� ُّي �شيء م َن َعك من ٦٢وقال الر�ؤ�سا ُء :ما با ُلنا لا َنرى معنا في النار رجال ًا
ال�سجود للذي خلقته بي َد َّي� ،أتع َّظم َت عن ال�سجود ك َّنا نع ُّدهم في الدنيا ِم ْن �أهل ال�شر والباطل؟
لآدم �أم كن َت من المتك ِّبين على ربك؟ قال �إبلي�س :فعل ُت
ذلك لأني خي ٌر منه ،وكن ُت خيراً منه ألن َك خلقتني من � ٦٣أ ُك َّنا َنهز أ� بهم خط أ�ً؛ ألنهم كانوا على الحق
فلم يدخلوا النارَ� ،أ ْم دخلوها معنا ولكن مال ْت عنهم
نار ،وخلق َته من طين.
أ�ب�صا ُرنا فلم نرهم؟!
٧٩ ٧٨قال اللهُ له :فاخر ْج من الجنة ف�إنك َم ْطرود
ِم ْن ك ِّل خير ،بعي ٌد ِم ْن كل رحمة �إلى يوم الجزاء. ٦٤إ� َّن تخا ُ�صم �أه ِل النا ِر الذي �أخبر ُتكم به � -أيها
النا�س -لح ٌّق فلا ت�ش ُّكوا فيه.
٨١ ٨٠قال �إبلي�س :ر ِّب ف إ� ْذ َل َع ْن َتني و�أخرجتني ِمن
جنتك ف أ� ِّخرني ولا ُتهلكني إ�لى يوم تبع ُث خل َقك ِمن ٦٦ ٦٥قل � -أيها الر�سول -لم�شركي قومك :إ�نما
قبورهم .ف أ�جابه اللهُقال :ف إ�نك ِم َن الم�ؤ َّجلين إ�لى الوقت �أنا منذ ٌر �أنذركم عذا َب الله ،فا ْح َذروه ،وما ِم ْن معبود
ت�صلح له العبادة �إلا الله ،مال ُك ال�سماوات وا ألر�ض،
المع َّي في �سابق علمنا.
العزي ُز الذي لا ُيغلب ،الغ َّفار لمن تاب إ�ليه و�أناب.
٨٣ ٨٢قال �إبلي�س :فب ُقدرتك و�سلطانك ُلأ ِ�ض َّل َّن
بني �آدم أ�جمعين ،إ�لا َم ْن أ�خل�ص َت ُه منهم لعبادتك، ٦٨ ٦٧قل � -أيها الر�سول -لقومك المك ِّذبين
و َع َ�صم َته ِم ْن إ��ضلالي ،فلم تجع ْل لي عليه �سبيل ًا ف�إ ِّن لا بالقر�آن :هذا القر آ�ن َخ َ ٌب عظيم� ،أنتم عنه من�صرفون،
ال تعملون به ،ولا ُت�ص ِّدقون بما فيه ِمن ُحج ِج الله و�آياته.
أ�قد ُر على إ��ضلاله و�إغوائه.
457
٨٤قال تعالى :فالح ُّق َقولي ،ولا �أقول غير الحق.
٨٥لأملا َّن جهنم منك يا إ�بلي�س و ِم ْن �أتباعك ِم ْن بني
�آدم أ�جمعين.
٨٦قل � -أيها الر�سول -لم�شركي قومك :ما �أ�س�أ ُلكم
على هذا الإنذار والإبلاغ ثواب ًا وجزاء ،وما أ�نا من
المت�ص ِّنعين حتى �أ َّدعي النبو َة ،و أ�ت َق َّول القر آ�ن.
٨٧وقل لهم :ما هذا القر�آن إ�لا تذكي ٌر ِمن الله للعالمين
من الجن وا إلن�سَ ،ي�ستن ِقذهم به ِمن الهلاك.
٨٨و َل َت ْعلم َّن خب َر هذا القر آ�ن وحقيق َة ما فيه ِمن الوعد
والوعيد بعد حي ٍن في الدنيا عند ظهور ا إل�سلام -أ�و بعد
الموت وقيام ال�ساعة.-
يو ِّفق للاهتداء َم ْن هو را�س ٌخ في الكذب ،متق ِّول على ١تنزي ُل الكتاب الذي ن ّزلناه عليك � -أيها الر�سول-
الله ،مبا ِل ٌغ في الكفر. هو من الله العزي ِز الغال ِب الذي لا َرا َّد ألمره ،الحكي ِم في
٤لو �شاء الله اتخا َذ ول ٍد -ولا ينبغي له ذلك- تدبير َخ ْلقه ،لا ِم ْن غيره �سبحانه.
لاختار ِم ْن َخلقه ما ي�شاء ،تن َّزه اللهُ عن أ�ن يكون له
ولد ،وع َّما أ��ضاف �إليه الم�شركون ِمن �شركهم ،هو الذي ٢إ� َّنا �أنزلنا إ�ليك -أ�يها الر�سول -القر�آ َن ي�أمر بالحق
َيعبده ك ُّل �شيء ،وهو الواحد الذي لا �شريك له في ملكه والعدل ،و ِم ْن ذلك الح ِّق والعد ِل �َأ ْن َتعبد اللهَ مخل�ص ًا له
و�سلطانه ،الق ّهار لخلقه بقدرته ،فك ُّل �شيء له متذلِّل،
الدين ،فاخ�ش ْع لله بالطاعة ،و�أخ ِل�ص له العبادة.
و ِم ْن �سطوته خا�شع.
� ٣أ َل لله العباد ُة والطاع ُة وحده لا �شريك له ،خال�صة
َ ٥خ َل َق الله ال�سماوات وا ألر�َض بالحق ،وجعل لا �ِشك لأح ٍد معه فيها ،والذين اتخذوا من دون الله
اللي َل والنهار متعاقـ َبين؛ ِل َي ْطلب �أح ُدهما ا آلخ َر و ُي ْذهبه،
و�س َّخر ال�شم� َس والق َمر يجريان َو ْفق نظام ُمحك ٍم �إلى أ�وليا َء يعبدونهم كالملائكة وا أل�صنام يقولون :ما نعب ُدهم
قيام ال�ساعة� .ألا إ� َّن اللهَ الذي َخ َلق هذا و�س ّخره هو �إلا لي�شفعوا لنا عند الله ويقربونا إ�ليه .إ� َّن الله يحكم يوم
العزيز في انتقامه ،الغ َّفار لذنوب عباده التائبين. القيامة بين الم�سلمين والم�شركين فيما هم فيه يختلفون من
الحق ،وا ِّدعا ِء ك ِّل واح ٍد �صح َة ما يقول .وحك ُمه تعالى
458 هو �إدخا ُل المو ِّحدين الجن َة ،والم�شركين النار� .إ َّن الله لا
له ،ولا تحم ُل نف� ٌس ذنو َب نف�س �أخرى ،ثم �إلى ربكم
َمبع ُثكم بعد الموت ،فيخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا،
فيجازيكم ب�أعمالكم ثواب ًا وعقاب ًا ،إ�نه علي ٌم بم�ض َمرات
القلوب فكيف با ألعمال الظاهرة؟
٨و إ�ذا م� َّس ا إلن�سا َن بلا ٌء في ج�سده ،أ�و �شدة في ٦خل َقكم -أ�يها النا�سِ -م ْن آ�دم ،ثم َج َع َل ِم ْن
َمعي�شته ،ا�ستغاث بربه الذي خلقه تائب ًا مما كان عليه ِم ْن �آد َم زو َجه حواء ،وج َعل لكم من ا إلبل والبقر وال�ض أ�ن
كف ٍر و�شر ٍك ومع�صي ٍة ،ثم �إذا َم َنحه ر ُّبه العافي َة وك َ�ش َف والمعز ثماني َة أ�زوا ٍج ،يبتدئ � -سبحانه -خل َقكم في
�ض َّره ،ن�سي البلا َء الذي كان يدعو الله ِمن قبل �أن بطون أ�مهاتكم ِمن نطفة ،ثم يجعلها َع َلقة ،ثم ُم ْ�ضغة،
يك�شفه ،وجعل لله �شركاء؛ لي ُ�ض َّل النا� َس بعد أ�ن أ��ض َّل ثم عظام ًا ،ثم يك�سو العظام لحم ًا ،ثم ي ْن ِ�ش ُئه َخلق ًا �آخر،
نف َ�سه ،قل -أ�يها الر�سولِ -لفاعل ذلك :تم َّتع بكفرك في ُظلمة البطن ،و ُظلمة الرحم ،و ُظلمة الـ َم ِ�شيمة.
قليل ًا �إلى أ�ن ت�ستوفي �أج َلك� ،إنك من أ��صحاب النار هذا الذي ف َعل هذه الأفعا َل هو ر ُّبكم ،له ملك الدنيا
والآخرة و�سلطا ُنهما لا ِلغيره ،لا ينبغي أ�ن يكون معبو ٌد
الماكثين فيها. �سواه ،ولا َت�صلح العباد ُة �إلا له ،فكيف َت ْع ِدلون عن
٩أ�هذا ا إلن�سا ُن الكافر المتم ّت ُع بكفره قليل ًا خي ٌر عبادته �إلى عبادة َمن لا ُ� ّض عنده لكم ولا َن ْفع؟
�أَ ِم الم ؤ�م ُن المطيع لربه المتو ّجه �إليه في �أوقا ٍت من الليل
�ساجداً له قائم ًا بين يديه يخاف عذاب ا آلخرة ويرجو ٧إ� ْن تكفروا بالله -أ�يها الكفار -ف إ� َّن الله غن ٌّي عن
إ�يمانكم وعبادتكم �إياه ،ولا ير�ضى لعباده �أن يكفروا
دخول الجنة؟ قل -أ�يها الر�سول -هل ي�ستوي الذين
به ،و إ�ن ت�شكروا ر َّبكم بالإيمان وتطيعوه َي ْر�َض �شك َركم
يعلمون ويعملون بما َع ِلموا والذين ال يعلمون ،فيعملون
بمقت َ�ضى ج ِهلهم؟ �إنما يعتب ُر ب ُح َجج الل ِه �أه ُل العقول
الراجحة وا ألفهام ال�سليمة.
١٠قل -أ�يها النبي مب ِّلغ ًا عن الله تعالى :-يا عبادي
الذين �آمنوا بالله و�ص ّدقوا ر�سو َله اتقوا الله ،للذين
َأ� ْح َ�سنوا في دار التكليف والابتلاء ح�سن ٌة في ا آلخرة،
وهي الجنة ،وح�سن ٌة في الدنيا ِم ْن ت ْ�أيـي ٍد وعافي ٍة وحيا ٍة
طيبة .و�أر�ُض الله ف�سيحة فها ِجروا ِم ْن �أر�ض ال�شرك إ�لى
حيث ت أ�منون على دينكم ،إ�نما ُيعطي اللهُ أ�ه َل ال�صبر على
ما لقوا في الدنيا ثوا َبهم وافراً بغير ح�ساب.
459
٢٠للكافرين ُظل ُل النا ِر ِم ْن فوقهم و ِم ْن تحتهم ،لك ْن ١٣ - ١١قل� -أيها الر�سول -لم�شركي قومك� :إ َّن
المتقون لهم في الجنة ُغر ٌف ِم ْن فوقها غرف مبنية ،علالي الله �أمرني أ� ْن �أعبده ُمف ِرداً له العبادة ،و�أمرني بذلك ألجل
بع�ضها فوق بع�ض ،تجري ِم ْن تحتها الأنهار ،كان هذا أ�ن أ�كون �أ ّو َل َم ْن �أ�سلم منكم .وقل لهم :إ�ني �أخاف إ� ْن
ع�صي ُت ربي فيما أ�مرني به عذا َب يو ِم القيامة ،وذلك هو
و ْعداً من الله لهم ،والله لا يخلفهم وعده.
اليوم الذي َي ْع ُظم هو ُله.
٢١أ�لم َت َر -أ�يها الر�سول -أ�ن الله أ�نزل من ال�سماء
مطراً ف أ�جراه عيون ًا في الأر�ض ،ثم ُيخرج به �أنواع ًا ١٥ ١٤قل -أ�يها الر�سول -لهم :اللهَ أ�عب ُد ُمف ِرداً له
مختلف ًة من الزروع ،ثم َييب�س ذلك الزرع ِمن بعد طاعتي وعبادتي ،فاعبدوا أ�نتم � -أيها القوم -ما �شئتم
ُخ�ضرته فتراه قد �صار �أ�صفر ،ثم يجعله الله ُفتات ًا متك�ِّساً،
إ� َّن في ِف ْع ِل الل ِه ذلك لتذكر ًة للعقلاء ،يتذكرون به �أ َّن الله من ا ألوثان وا أل�صنام وغيرها مما تعبدون� ،إ َّن الخا�سرين
ح ّق ًا الذين �ض ّيعوا �أنف َ�سهم بال�ضلال و�أ ِهليهم بالإ�ضلال
على كل �شيء قدير ،لا يتع َّذر عليه البع ُث والجزا ُء. فخ�سروا جميع ًا بدخولهم النار� ،ألا إ� َّن خ�سرانهم هذا
هو الخ�سران الذي ال خ�سران بعده.
١٦لهم ِم ْن فوقهم طبقا ٌت كثيرة من النار بع ُ�ضها
فوق بع�ض ،و ِم ْن تحتهم طبقا ٌت كثيرة بع ُ�ضها تحت
بع�ض وهي ُظ َل ٌل لآخرين ،ذلك العذاب الفظيع هو
الذي يخ ِّو ُف الله به عباده ويح ِّذرهم إ�ياه ليجتنبوا ما
يوقعهم فيه ،يا عبادي فخافوني.
١٨ ١٧والذين اجتنبوا عباد َة ك ِّل ما ُيعبد ِم ْن دون
الله ،وتابوا �إلى الله ،ورجعوا إ�لى ا إلقرار بتوحيده له ُم
الب�شرى في الدنيا بالجنة والنعي ُم المقيم في ا آلخرة ،فب�ِّش
� -أيها النبي -عبادي الذين ي�ستمعون القو َل فيتبعون
�أر�َش َده و�أهداه إ�لى الحق ،و أ�د َّله على توحي ِد الله والعم ِل
بطاعته ،ويتركون ما �سوى ذلك من القول الذي لا يد ُّل
على ر�شاد ،ولا يهدي �إلى �َسداد .أ�ولئك الذين و َّفقهم
الله لإ�صابة ال�صواب ،و�أولئك هم �أُولو العقول الكاملة.
� ١٩أف َم ْن وجب ْت عليه كلم ُة العذاب لكفره بربه
�أف أ�ن َت َتلك � -أيها الر�سول -هداي َته و إ�نقا َذه من النار؟
460
ُيرمى في النار مكتوف ًا مق َّيداً فلا ي�ستطيع الت�ص ُّر َف بيديه
والدف َع عن نف�سه خي ٌر أ�م َمن ُي َن َّعم في ال ِجنان ح ّراً طليق ًا
مك َّرم ًا؟ و ُيقال يومئ ٍذ لمن ظلموا أ�نف�سهم :ذوقوا وبا َل ما
كنتم تك�سبون من معا�صي الله في الدنيا.
٢٦ ٢٥ك َّذب الذين ِم ْن قبل ه ؤ�لاء الم�شركينِ ،من
الأمم الذين م�ضوا في الدهور الخالية ر�س َلهم ،فجاءهم
عذا ُب الله ِمن الجه ِة الم�أمون ِة التي لا يتوقعون أ�ن ي أ�تيهم
منها .فع َّجل اللهُ لتلك ا ألمم الهوا َن في الدنيا ،و َلعذا ُب
الله �إياهم في ا آلخرة أ�كب ُر مما ر�أوه في الدنيا ،لو علم
ه ؤ�لاء الم�شركون من قري�ش ذلك.
٢٨ ٢٧ولقد م َّثلنا للنا�س في هذا القر آ�ن من ك ِّل � ٢٢أف َم ْن جعله الله �شدي َد الا�ستعدا ِد لقبول ا إل�سلام،
َم َثل ِمن �أمثال القرون الما�ضية تخويف ًا منا لهم وتحذيراً، فهو على نو ٍر من ربه وب�صير ٍة في دينه ك َم ْن ق�سا قل ُبه
ليتذ ّكروا فينزجروا ع ّما هم مقيمون عليه من الكفر. و�ضاق �صد ُره وا�ستول ْت عليه ظلما ُت ال�ضلالة؟! فوي ٌل
وجعلنا هـذا الكتاب قر�آن ًا عربي ًا ُم ْح َكم ًا لا خل َل فيه للذين ق�س ْت قلوبهم و�أعر�ض ْت عن ذكر الله ،أ�ولئك في
ولا تناق�ض ليفهموا ما فيه من المواعظ ،حتى ي ّتقوا ما
�ضلا ٍل ظاه ٍر.
ح َّذرهم الله فيه ِم ْن ب أ��سه و�َسطوته.
٢٣الله هو الذي ن َّزل �أح�سن الحديث ،وهو القر�آن
٢٩م َّثل اللهُ َم َثل الكافر الم�شت ِت بين ا أل�صنام الكريمُ ،ي�ْشبه بع�ضه بع�ض ًا في الإعجاز والبيانُ ،تث َّنى
وال�شياطين ،والم�ؤم ِن المطمئن الم�ستق ِّر لإيمانه بر ٍّب فيه الأنبا ُء وا ألخبار وا ألحكام والحجج ،تق�شع ُّر من
واح ٍد ،ب�شخ�ٍص يخدم جماع ًة �شركاء �س ِّيئ ًة أ�خلا ُقهم �س َماعه جلو ُد الذين يخافون ربهم إ�ذا ُتلي عليهم ،ثم
متنازعين فهو حائ ٌر بينهم مو َّز ُع الهموم ،و آ�خر يخدم تلين جلو ُدهم وقلو ُبهم �إلى العمل به ،هذا القر�آن بيا ٌن
رجل ًا واحداً م�سالم ًا �صفوح ًا ،ف أ� ُّي ال�شخ�صين أ�ح�س ُن من الله يو ِّفق ل إليمان به َم ْن ي�شاء ،و َم ْن َيخذله الله فما له
حال ًا ،و َ�أ ْر َوح ِج�سم ًا ،و�أق ُّل َت َعب ًا؟ ف إ�ذا لز َم ِت الم�شركي َن
الحج ُة فقل -أ�يها الر�سول :-الحم ُد لله وحده على هذه ِم ْن مو ِّفق.
الم ّنة ،بل �أكثر ه ؤ�لاء لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره. ٢٤أ�ف َم ْن يتقي بوجهه �سو َء العذاب يو َم القيامة حين
� ٣١ ٣٠إنك� -أيها الر�سول� -صائ ٌر �إلى الموت ،و إ� َّن
�سائر النا�س م�ؤمنهم وكافرهم �صائرون إ�لى الموت ،ثم
إ�نكمجميع ًاعندربكمتخت�صمون،فيف ِ�صلبينكمبالحق.
461
٣٢ف َمن �أظلم ممن جمع بين قو ِل الباط ِل ور ِّد الحق،
ف َن َ�سب إ�لى الله باطل ًا من الو�صف أ�و القول افترا ًء عليه
من غير علم ،و أ�َنكر ما جاء عنه من الحق مما قام الدلي ُل
على ِ�صدقه� ،ألي�ست جهنم جزاءهم على أ�عمالهم؟!
٣٣أ� ّما الر�س ُل وا ألنبياء الذين جا ؤ�وا بال�صدق من الله
والذين �ص َّدقوهم بما �ُأنزل عليهم ،ف�أولئك هم الم�ؤمنون
المتقون .الذين لهم المكان ُة الرفيعة عند ربهم.
٣٤أ�ع َّد الله لهم ما ي�شا�ؤون ِمن الكرامة والر�ضا،
وهذا ا إلكرام ِمن الله هو جزاء المتقين المح�سنين.
٣٥أ�ع َّد الله لهم ذلك ليغفر لهم ويجز َيهم ب�أح�س ِن ما
كانوا عليه ِمن ا ألحوال والأعمال.
ينفعني برحمته هل ت�ستطيع �إم�سا َك رحم ِته عني؟! فالله ٣٦أ�لي�س الله القاد ُر العظي ُم كافي ًا ر�سوله محمداً
وحده هو القادر على َج ْلب الخي ِر ودفع ال�شر ،وعليه � - -ش َّر ا ألعداء وحافظ ًا �إياه من كل �سوء ومكر
وحده أ�عتمد ،وعليه يتوكل المتوكلون في أ�مورهم ك ِّلها مهما د ّبروا وكادوا؟ ويخوفونك -أ�يها الر�سولِ -م ْن
أ�ذى أ�وثا ِنهم وهي لا تدفع عن نف�سها ف�ضل ًا عن غيرها،
َج ْلب ًا و َد ْفع ًا.
٤٠ ٣٩قل -أ�يها الر�سول -له ؤ�لاء القوم المعاندين: والله حاف ٌظ لك من كل �ش ٍّر و�سوء ،و َم ْن َح َك َم اللهُ عليه
اعملوا على غاي ِة ما ت�ستطيعون َكيداً وتهديداً ،ف�إني بال�ضلال؛ إل�صراره على الباطل فما له ِم ْن ها ٍد يهديه.
عامل بما أ�مرني ربي به ،ف�سوف تعلمون َم ْن ي أ�تيه عذا ٌب
ُيذله في الدنيا ،و َيح ُّل عليه العذاب الدائم في ا آلخرة. ٣٧و�أ ّما َم ْن ق�ضى الله له بالهداية و�أراد �سعادته ،فلا
وقد ح َّقق الله وع َده لر�سوله وللم�ؤمنين فن�صر الم�ؤمنين في ي�ستطيع أ�ح ٌد َ�أ ْن ُي�ضله ،إ� َّن الله غالب على أ�مره ،ذو
الدنيا ،و�سيحل عذابه في ا آلخرة بالكافرين لا َمحال َة. انتقا ٍم �شدي ٍد ِم ْن أ�عدائه ،يفعل �سبحانه ما ي�شاء ،ولا يمنع
462 ِم ْن نفا ِذ ق�ضائ ِه مان ٌع.
٣٨ولئن �س�أل َت -أ�يها الر�سول -ه ؤ�لاء الم�شركين:
َم ْن خلق ال�سماوات وا ألر�َض ف إ�نهم يقولون :الله ،لأن
َبدا َه َة العق ِل تقت�ضي ذلك ،ف�إذا اعترفوا ب�أن الله هو
المنفرد بالخلق ،فقل لهم� :أخ ِبوني �إ ْن �أراد اللهُ�أن ي�صيبني
ب�ض ٍّر هل ت�ستطيع آ�لهتكم أ�ن تحميني منه؟! و�إ ْن �أراد أ�ن
43وا ّتخذ �أولئك المك ِّذبون �أرباب ًا من دون الله، 41إ� ّنا �أنزلنا عليك � -أيها الر�سول -القر آ� َن لم�صالح
وجعلوهم ُو�سطا َء لي�شفعوا لهم عند الله .قل لهم
� -أيها الر�سول� :-ألا ترون �أن ما تعبدون من دون الله النا�س ونفع ِهم ،م َّت�صف ًا بالحق في أ�خباره و�أحكامه،
لا يملكون ألنف�سهم �شيئ ًا! و�أنهم لا يعقلون! فكيف ف َمن ا�ستجاب ففي ذلك �سعاد ُته و إ�ليه ترجع فائد ُة
يملكون لغيرهم ما لا يملكون ألنف�سهم؟! وكيف يتوجه هدايته ،و َم ْن لم ي�ستجب لدعوة الحق ف�إ ّن َو َبال �ضلال ِته
عليه وحده ،و�أن َت ل�ست بوكيل عليهم لتجبرهم على
إ�ليهم العاق ُل بالعبادة؟!
الإيمان ،إ�نما �أنت ر�سو ٌل منذ ٌر ومر�ش ٌد ومب ِّل ٌغ.
44قل � -أيها الر�سول -له�ؤلاء� :إ َّن ال�شفاعة لله
وحده ،ولا يجر�ؤ عليها أ�حد �إلا من ارت�ضاه ب�إذنه ،وهو 42الله وحده يتو َّفى الأنف�س بعد ا�ستيفاء �أجلها
�سبحانه الذي له وحده مل ُك ال�سماوات وا ألر�ض ،و�إليه
المق َّدر لها في الحياة الدنيا ،وهي الوفاة الكبرى ،وهو
بعد الموت ُترجعون فيجازيكم ب�أعمالكم.
�أي�ض ًا يتو ّفاها الوفا َة ال�صغرى حين نومها .ف أ� ّما التي
45و�إذا ُذ ِك َر الله وحده ولم تذكر آ�له ُتهم التي يعبدون ق�ضى عليها المو َت فيم�سكها ولا ير ُّدها إ�لى ج�سدها،
ِم ْن دون الله انقب�ض ْت قلو ُب الم�شركين ونفر ْت ،و�إذا و أ� ّما التي لم ينته �أج ُلها المق َّدر لها فير�سلها لتعود إ�لى
ُذ ِك َر ْت معبوداتهم ِم ْن دون الله إ�ذا هم يفرحون وتته َّلل أ�ج�سادها وت�ست أ�ن َف حياتها المق َّدرة لها في الدنيا� .إ َّن
في �إم�ساك ا ألنف�س و إ�ر�سا ِلها لدلائ َل وا�ضح ًة على وا�س ِع
وجوههم ل َف ْرط افتتانهم بها.
عل ِمه تعالى وعظيم قدرته لمن تف َّكر.
46قل -أ�يها الر�سول :-اللهم يا خالق ال�سماوات
والأر�ض ،يا عالم ال�س ِّر والعلانية ،وما ظهر وما َب َطن،
�أنت تحكم بعدلك بين عبادك يوم القيامة ،فيما كانوا
يختلفون فيه في الدنيا ِم ْن ح ٍّق وباطل ،وخي ٍر و�ش ٍّر
فتجازي ُك َّل امر ٍئ بما ق َّدم جزا َء عمله.
47ولو َم َل َك ك ُّل واحد من الظالمين ألنف�سهم ما في
ا ألر�ض جميع ًا ،ومث َله معه لق َّدمه فدا ًء لنف�سه ِم ْن �شدة
العذاب يوم القيامة ،ولو فعلوا ما ُق ِب َل منهم ،ولنالوا
الجزاء العدل على أ�عمالهم .وبدا لهم في ا آلخرة من
العذاب ما لم يكن في بال ِهم ولا فيُ ح�سبانهم.
463
54وارجعوا � -أيها ال ّنا�س� -إلى ربكم وا�ست�سلموا له 48وظهر ْت له�ؤلاء المعاندين يو َم القيامة قبائ ُح ما
بكمال العبودية ،و َتداركوا �أنف َ�سكم قبل أ�ن يح َّل بكم اقترفوا ِم ْن �سيئات �أعمالهم ،وكان جزا�ؤهم أ� ْن �أحاط
العذا ُب في الدنيا جزاء �إ�صراركم ،ثم ي أ�تيكم العذاب بهم العذا ُب ال�شدي ُد ،عقاب ًا لهم على ا�ستهزائهم بهذا
الأبد ُّي الذي لا تجدون فيه َم ْن ين�صركم أ�و يمنعه عنكم.
العذاب في الحياة الدنيا.
55وا َّت ِبعوا هذا القر آ�ن الذي هو أ�ح�س ُن ما أ�نزل الله
�إليكم ،ففيه نجا ُتكم و�صلاحكم في الدنيا وا آلخرةِ ،م ْن 49ف�إذا م� ّس ا إلن�سا َن بلا ٌء �أو �ش ّد ٌة دعا الله �أن يف ّرج
َقبل �أن ينزل بكم العذاب فج�أ ًة و�أنتم في َغفلة عنه لا عنه ويك�ش َف عنه هذا البلاء ،ثم إ�نه إ�ذا منحه الله نعم ًة
قال متباهي ًا� :إ ّن هذه النعمة جاءته بف�ضل اجتهاده
تعلمون ما ينتظركم. و ِعلمه� ،أ َولا يعلم أ� َّن هذه النعمة �إنما هي اختبار وامتحان
له لي�شك َر �أو يكفر؟ ولك ّن �أكثر النا�س لا يعلمون ذلك.
56وتوبوا �إلى ربكم و أ�طيعوه ِم ْن قبل أَ� ْن ي أ�تي يو ُم
القيامة ،فتقول نف� ٌس وهي نادمة أ��ش َّد الندم مو ّبخة 50لقد قال هذه الكلمة -وهي} :ﭨﭩﭪ
نف َ�سها على ما كان منها ِمن كف ٍر وتق�صير في ح ِّق الله: ﭫﭬ{ الدالة على الغرور وجحو ِد نعم ِة الله -قو ٌم ِم ْن
يا ح�سرتا على ما �ض َّيع ُت في الدنيا ِمن العمل بما �أمرني قبل ه ؤ�لاء الكفار كقارون وغيره ،فما �أفادهم ذلك،
الله به ،وعلى ما ا�ستهز أ�ت بدينه و أ�هل طاعته. وما �أغنى عنهم ما ك�سبوا ِم ْن متاع الدنيا.
464 51فنا َل الذين قالوا هذه الكلمة ِمن ا ألمم ال�سابقة
-جزا َء أ�عما ِلهم الجاحدة لف�ضل الله -عذا ُب الله في
الدنيا ،وكذلك �سي�صي ُب الذين كفروا ِم ْن قومك
ن�صي ُبهم من العذاب كما �أ�صاب الذين من قبلهم ،وما
هم بمعجزي الله ،فلا ي�ستطيعون الهروب من عقابه.
� 52أَ َو َلْ يعلم ه ؤ�لاء الم�شركون أ� ّن الله هو وحده الذي
يو�ِّسع الرز َق ويك ِّثه لمن ي�شاء ِم ْن عباده ،وي�ض ِّيقه على
َم ْن ي�شاء ،ل ِح َك ٍم يعلمها ،ولا يعلم م�صال َح عباده على
التحقيق أ�ح ٌد إ�لا هو� ،إ َّن في هذا القب�ض والب�سط ِمن الله
لدلالات و ِعبراً ينتفع بها الم ؤ�منون.
53قل -أ�يها الر�سول -للمذنبين الذين أ�كثروا ِمن
المعا�صي وا آلثام :لا تي أ��سوا ِمن رحمة الله ،فالله ي�ستر
عيو َب عباده الم ؤ�منين ،و َيغفر جميع ذنوبهم� ،إنه �سبحانه
وا�سع المغفر ِة والرحمة.
ويفوزون بر�ضوانه جزا َء طاع ِتهم ويدخلون الجنة، � 57أو أ� ْن تقول :لو �أ َّن الله �أر�شدني �إلى الهداية
وال يحزنون في ا آلخرة على ما فاتهم ِمن حظوظ والطاعة؛ لكن ُت من الذين يتقون ال�شر َك والمعا�صي.
الدنيا .بل هم َف ِرحون م�ستب�شرون. � 58أو �أ ْن تقول كذلك حين َي ُحل بها العذاب :لو
أ� َّن لي أ� ْن �أعود �إلى ال ُّدنيا ألكون من الذين �أح�سنوا
62الله �سبحانه هو الخالق لك ِّل كائ ٍن في ال�سماوات
وا ألر�ض ،وهو القائ ُم على ك ِّل �شيء ،يد ِّبر أ�م َره، بطاعة الله.
ويت�صرف فيه على مقت�ضى حكمته �سبحانه. 59لي�س الأم ُر كما تقول �أيها النادم المتح�ِّس فقد
جاءتك ا آليات تدعوك إ�لى ا إليمان والطاعة ،وب ّين ْت
ِ 63ب َي ِد الله وحده مفاتي ُح خزائن ال�سماوات والأر�ض لك �سبي َل الحق والهدى من الباطل ،ولك ْن ك َّذب َت
وهو حافظها والمت�ص ّرف فيها بحكمته ،والذين كفروا وا�ستكبرت ،وكن َت من الذين كفروا بالله و آ�ياته ور�سله.
وجحدوا ب�آياته و أ�ن َكروا الجزا َء والعقاب يوم القيامة،
أ�ولئك هم الخا�سرون في الدنيا بحرما ِنهم الإيمان ،وفي 60ويو َم القيامة ترى الذين كذبوا على الله -بو�صفه
بما لا يليق به وا ِّدعا ِء ال�شريك والولد له -وجو ُه ُهم
ا آلخرة بخلودهم في ال ّنار. ُم�ْسودة ،علام ًة على �شقائهم� ،ألي�س في جهنم م�أوى
64قل -أ�يها الر�سول -لأولئك الم�شركين الذين لكل الذين �أ َبوا توحيد ربهم وتكبروا على طاعته؟
َي ْدعونك لعبادة آ�لهتهم ِمن الأوثان� :أت أ�مرونني أ�يها 61أ� ّما الذين اتقوا فينجيهم الله من ك ِّل �سوء،
الجاهلون �أن �أعبد غي َر الله ،ولا ي�ستح ُّق العبادة �إلا هو
465
وحده؟
65ولقد أُ�وحي إ�ليك � -أيها الر�سول -و إ�لى الذين
ِم ْن قبلك ِم َن ا ألنبياء والر�سل :لئن أ��شرك َت بالله غيره
َل َي ْب ُط َل َّن عم ُل َك ال�صالح الذي عملته قبل ال�شرك ولتكونن
من الخا�سرين في الدنيا والآخرة .وهذا خطا ٌب ظاه ُره
للنبي ،والمراد جميع الم�ؤمنين من أ�مته على ِج َهة
ا إلنذار والتحذير من ال�شرك بعد الإيمان.
66بل ا ْعب ِد اللهَ وحده ولا ت�شر ْك به أ�حداً ،وكن
�شاكراً لأَ ْن ُعمه التي أ�نعم بها عليك.
67وما ع َّظم ه�ؤلاء الم�شركون الله تعالى ح َّق تعظيمه
حين عبدوا معه غيره وا َّدعوا له ال�شركاء ،وهو العظيم
الذي ك ُّل �شيء تحت قهره وقدرته ،و ِم ْن عظيم قدرته �أ َّن
الأر�ض و َم ْن عليها تحت قب�ضته يوم القيامة ،يحكم فيها
بما ي�شاء ويفعل بها ما يريد ،وال�سماوات على �أَ ْبعادها
المترامية التي لا يعلم مداها �إلا الله مطويا ٌت بقدرته .تن َّزه
�سبحانه وتعاظم ع ّما يعتقده ه�ؤلاء الم�شركون.
68و ُنفخ في ال ُّ�صور -وهو ال ُبو ُق الذي َينفخ فيه
�إ�سرافيل ب�أمر الله -النفخة الأولى ،فخ َّر ميت ًا ك ُّل َم ْن كان
ح ّي ًا في ال�سماوات وا ألر�ض �إلا َم ْن �شاء الله عد َم موته
في هذه النفخة ،ثم ي�ؤمر الم َلك إ��سرافيل بالنفخة الثانية
ف إ�ذا جمي ُع الخلائق أ�حياء يخرجون ِم ْن قبورهم ينتظرون
ماذا يفعل الله بهم.
73و�أ ّما الذين اتقوا ر َّبهم بالتوحيد والطاعة ف ِ�سيقوا 69و�أ�صبحت الأر�ُض م�شرق ًة بنور ر ِّب الع َّزة
ِب ِر ْف ٍق �إلى دار النعيم الدائم والر�ضوان جماع ًة بعد والجلال ل َف ْ�صل الق�ضاء بين الخلق .واجتمع النا�س ب�أر�ض
جماعة ،ك ُّل طائفة مع َم ْن ينا�سبها ،بح�سب �أعمالهم الـ َمح�شر ثم �ُأح�ضرت �صحائف �أعمالهم ،و َن�َشت
ودرجاتهم ،حتى �إذا و�صلوا �إلى الجنة وجدوها قد الملائك ُة �صحيفة ك ِّل مك َّلف ،و ِجي َء بالر�سل والنبيين
فتحت لهم �أبوا ُبها الثمانية ،وا�ستقبلتهم الملائكة ليكونوا �شهدا َء على أ�ُممهم بتبليغ ر�سالة الله لهم ،و ِجي َء
لتكريمهم ،فيقول لهم َخ َزن ُة الجنة� :سلا ٌم عليكم من من أ�مة محمد - -بمن ي�شهد على ال ّنا�س ببلوغ
جميع المكاره ،وطابت حيا ُتكم و ِطبتم نف�س ًا ،فادخلوا الر�سالة إ�ليهم ،فتقوم الحج ُة على الأمم ،و ُق�ضي بين العباد
الجنة خالدين فيها. بالعدل فهم لا ُيظلمون �شيئ ًا.
74وقال أ�ه ُل الجنة بعد تكريمهم والحفاو ِة بهم: 70ونالت ك ُّل نف�س جزا َء �أعمالها ِم ْن خير �أو �شر
الحم ُد لله الذي �أَنجز لنا َو ْع َده ،و�أورثنا �أر�ض الجنة تك ُّرم ًا جزا ًء عادل ًا وافي ًا ،والله تعالى عالـ ٌم بما عمل كل إ�ن�سان،
منه وف�ضل ًاَ ،ينزل ك ُّل واحد م ّنا من الج ّنة التي �ُأوتيها لا يحتاج �إلى كات ٍب ولا إ�لى �شا ِه ٍد ،ولكنه بعدله ُيقيم
حيث ي�شاء ،ف ِنعم هذا الثواب من الله تعالى للعاملين
الحج َة على الخلق با إل�شهاد عليهم.
بطاعته.
71و ِ�سي َق الذين كفروا �إلى جهنم �سوق ًا عنيف ًا مهين ًا
466 جماعا ٍت جماعا ٍت ،ك ُّل �أمة على ِح َد ٍة ،حتى �إذا
َوردوا ،ك ٌّل بمقت�ضى ُج ْرمه ،على با ٍب مخ�صو�ص ِم ْن
أ�بوابها ال�سبعةُ ،ف ِت َح ْت تلك ا ألبواب و�س�ألهم خزنتها
تقريع ًا لهم وتوبيخ ًا :أ�لم ي أ�تكم ر�س ٌل منكم ينذرونكم
لقا َء يومكم هذا؟ قال الكافرون مق ِّرين :بلى قد جاءتنا
ر�س ُل ربنا بالحق ،لك ِن ا�ستكبرنا وك َّذبناهم فح َّق علينا
كلم ُة العذاب الرباني جزا َء أ�عمالنا.
72وقال َخ َزن ُة جهنم للكافرين �إهان ًة لهم و إ�ذلال ًا:
ادخلوا جهنم خالدين فيها ،فبئ�س المقا ُم مقام المتكبرين.
- -م ْن عند الله القو ِّي الغالب ،العلي ِم بك ِّل ٧٥وترى -أ�يها الر�سول -وكذلك يرى ك ُّل َمن
�ش�ؤون خلقه� ،سات ِر ذنوب المذنبين وقاب ِل توبتهم، ا�ستح َّق هذه الر�ؤي َة وهذا الت�شريف :الملائك َة وهم
�شدي ِد العقاب لمن ا�ستكبر و�أ�ص َّر على كفره ،ذي الف�ضل ُمح ِدقون محيطون بالعر�ش ،ي�س ِّبحون الله تنزيه ًا عن
والإنعام لمن اهتدى ،لا معبو َد بح ٍّق �سواه ،و إ�ليه المرجع كل نق�ص ،و َيحمدونه على إ�كرامه لهم بهذه المنزلة
ال�شريفة ،و ُق�ضي بين الخلائق بالح ِّق والعدل ،وقال �أه ُل
والم�آب للجزاء والح�ساب. هذا الموقف :الحمد لله ر ِّب العالمين على تحقيق وعده
و�إنفاذ حكمه ،وعلى ما تف َّ�ضل به علينا ِم ْن كرمه
٤لا يجا ِد ُل ويخا ِ�ص ُم وي�ش ِّكك في آ�يات الله المنزلة
ِم ْن أ�جل �أن ُيبطلها �إلا الذين كفروا ،فلا ي ْخدع ّنك ووا�سع رحمته.
ما هم فيه ِم ْن نعيم الدنيا و َب�ْس ٍط في الرزق ،فتظن أ� ّنا
أ�مهلناهم ألنهم على �شي ٍء من الحق ف�إ َّن عاقبة أ�م ِرهم } ١ﭤ{ �سب َق الكلا ُم على هذه الحروف
الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة.
العذاب الموعود.
٣ ٢هذا القر آ�ن الكريم المع ِجز نزل على النب ِّي
٥لي�س كفار مكة �أ ّول َم ْن ك َّذب وطغى ،فقد
ك َّذب ِم ْن قبلهم �أمم كثيرون كقوم نو ٍح ،والكفا ُر الذين 467
ت�شابهت مباد ُئهم و أ�هوا ؤ�هم بعد قوم نوح كعاد وثمود
وقو ِم لوط وقو ِم �شعيب وفرعون وجنوده ،و َد َّبر ْت ك ُّل
أ�مة ِم ْن ه�ؤلاء المكاي َد �ض َّد ر�سولها ،ليع ِّذبوه �أو يقتلوه،
وخا َ�صموا بالباطل ليبطلوا به الحق فع َّذبهم الله و�أهلكهم
في الدنيا ،فتفك ْر كيف كان عقا ُب الله ال�شديد لهم؟!
٦وكما ح ّقت ولزم ْت كلم ُة العذاب على الأمم
المك ِّذبة لر�سلها في الدنيا ،ح ّق على الذين كفروا جميع ًا،
َم ْن تق َّدم منهم و َم ْن ت�أخر� ،أنهم �أ�صحا ُب النار.
٧الملائكة الذين َيحملون العر�ش ،و َم ْن حول
العر�ش ِمن الملائكة ُين ِّزهون الله و َيحمدونه وي�ؤمنون به،
وي�س�ألون الله المغفرة للم ؤ�منين وير ِّددون في ا�ستغفارهم:
ربنا و�سع َت ك َّل �شيء رحم ًة وعلم ًا فاغف ْر للذين تابوا
و�أق َلعوا ع ّما كانوا عليه من المعا�صي وا َّتب َعوا طريق الحق،
واحفظهم ِمن عذاب الجحيم.
الذين �شكروا المنعم �سبحانه و�أنابوا إ�ليه. ٨و َيزي ُد أ�ولئك الملائك ُة في دعائهم :ربنا َ�أدخ ِل
الم ؤ�منين جنا ِت ا إلقام ِة الخالدة التي وعد َتهم بها على
١٤فا ْدعوا اللهَ -أ�يها الم�ؤمنون -واعبدوه مخ ِل�صين ل�سان ر�سلك ،و�أَدخ ْل معهم ال�صالحين ِم ْن آ�بائهم
له،ولو َكرهالكافرونعبا َدتكموتوحي َدكمو�إخلا َ�صكم. و أ�زواجهم وذرياتهم ،و إ�ن كانوا دونهم درج ًة و َمنزل ًة،
ل َي ْكمل �سرو ُرهم� ،إنك أ�نت و ْحدك الغال ُب الذي لا
١٥الله �سبحانه وتعالى رفي ُع الدرجات بعظمته
وكبريائه و�سائر �صفاته ،وهو خال ُق العر�ش ومالكه يمتنع عليه �شيء ،الحكي ُم في تدبيره ألمور خلقه.
والمت�ص ِّرف فيه ،ين ِّزل الوحي ب أ�مره �سبحانه على َم ْن ي�شاء
ِم ْن عباده ِمن ا ألنبياء والمر�سلين لين ِذروا َم ْن َك َف َر وع�صى ٩ربنا وا�صرف عن الم ؤ�منين �سوء عاقبة �سيئاتهم،
يوم ًا يلتقي فيه ا ألولون وا آلخرون ،وهو يوم القيامة. فلا ت�ؤاخذهم بها ،و َمن َت�صر ْف عنه يوم القيامة �سو َء
عاقبة �سيئاته فقد رحم َت ُه ،وذلك هو الفوز العظيم.
١٦في يوم القيامة يخرج النا� ُس ِم ْن قبورهم �إلى
الـ َمح�شر لا َي�سترهم �شيء ،ولا يخفى على الله ِم ْن ١٠إ�ن الذين كفروا �إذا عاينوا �أهوا َل الجحيم يبغ�ضون
أ�عمالهم �شيء ،ويقول ر ُّبنا في هذا اليومِ :لـ َم ِن الـ ُملك
اليوم؟ في�سك ُت الجميع هيب ًة ورهب ًة ،فيجيب تعالى أ�نف َ�سهم الأ ّمار َة بال�سوء �أ�ش َّد ال ُبغ�ض فتناديهم َخ َزن ُة
جهنم� :إ َّن غ�ضب الله عليكم حين ُدعيتم ل إليمان ف أ�بيتم،
نف َ�سه بنف ِ�سه :لله الواحد القهار. �أكب ُر ِمن ُبغ ِ�ضكم و َم ْق ِتكم �أنف َ�سكم اليوم حين ح َّل بكم
468 العذاب ا ألليم.
١١قال ه ؤ�لاء الكافرون بعد أَ� ْن ذاقوا العذاب الأليم:
ربنا ُك ّنا أ�موات ًا ف�أحييتنا ،ثم �أم َّتنا َبعد انق�ضاء �آجالنا ،ثم
بعثتنا �أحيا ًء ِمن جديد؛ ربنا آ�م ّنا بك ،و آ�م ّنا بالبعث ،و آ�م ّنا
ب�أ َّن هذا كله لا يكون إ�لا بعلمك و إ�راد ِتك وقدر ِتك،
واعترفنا بذنوبنا واغترا ِرنا؛ فهل لنا بعد �إيماننا واعترافنا
ِم ْن طري ٍق ن�سلكه للخروج من النار؟
١٢ف أ�جابتهم َخ َزن ُة جهنم :أ�ن لا �سبي َل �إلى الخروج من
هذا العذاب ،ذلك لأنكم ُدعيتم �إلى ا إليمان بالله والتوحيد
فكفرتم ،و ُدعيتم �إلى ال�شرك بالله فا�ستجبتم ،فالـ ُحكم
اليو َم لله العلي الكبير فلا �أحد �أعلى منه ولا �أكبر.
١٣والله تعالى هو الذي ُيريكم قدرا ِته في الكون
وفي أ�نف�سكم الدا َّل َة على �أنه الإله الواحد ،والذي ُي َنز ُل
من ال�سماء ما ًء هو أ��صل حياتكم ،و�سب ُب طعامكم
و�شرا ِبكم و�سائر أ�رزاقكم ،وما ي َّتعظ بهذه المعجزات إ�لا
٢٠والله هو العادل في حكمه ،وفي ثوابه وعقابه، ١٧في هذا اليوم -وهو يوم الق�ضاءُ -تا�َسب ك ُّل
�أ ّما ما يعبده الم�شركون ِمن ا ألوثان وا أل�صنام فلا قدر َة نف�س بما عمل ْت خيراً �أو �شراً ،و ُتعطى جزا َء ذلك ،لا
لها على الحكم بين العباد ب�شيء ،ألنها لا َتعلم �شيئ ًا، ُظلم اليوم ،فالله هو الحاكم العادل ،وهو عالم ومحيط
ولا تقدر على �شيء ،فالله هو ال�سميع الب�صير الذي لا بكل �شيء ،وهو �سريع الح�ساب ،لا َي�شغله ح�سا ٌب عن
ح�ساب ،بل يحا�سب النا� َس في وقت واحد.
ُي�ضاهي �سم َعه �سم ٌع ولا ب�صره ب�صرٌ ،ولا ي�شغله �َس ْم ٌع عن
�َس ْمع ،ولا ب�صرٌ عن ب�صر. ١٨وذ ِّكر � -أيها الر�سول -الذين كفروا ولم
� ٢١ألم َي َر كفا ُر مكة في أ��سفارهم ورحلاتهم كيف ي�ستجيبوا ،بيو ٍم قري ٍب ع�صي ٍب وهو يوم القيامة ،وفيه
كانت نهاية �أم ٍم ظالمة عا�صية قبلهم ليتعظوا بما َح ّل بهم؟ َيبلغ َخ َفقا ُن القلو ِب �إلى الحناجر ِم ْن �ش ّدة الخوف
لقد كانوا �أ�ش َّد منهم قو ًة ،و أ�بقى في الأر�ض �آثاراً ،بما والفزع ،وفي هذا الموقف لي�س للظالمين قري ٌب ينفعهم،
�ش َّيدوا ِم ْن َمدائن وقلاع ،ف�أهلكهم الله ب�سبب كفرهم �أو �شفيع ي�شفع فيهم عند ربهم ،فينقذهم ِم ْن عذاب الله.
وذنوبهم ،ولم تنفعهم قو ُتهم ،وما كان لهم ِم ْن �أح ٍد
١٩الله ُم َّطلع على كل �صغيرة وكبيرة ،يعلم ما
يدفع عنهم عذا َب الله ويمنعه عنهم. تختل�سه العيو ُن ِمن النظرة الحرام ،وما ُتخفيه القلوب
ِمن ال�ضمائر و ُت�س ُّره ِمن المعا�صي ،فيجازي ك َّل نف� ٍس
٢٢و�َس َب ُب العقاب الذي نزل به�ؤلاء المك ِّذبين
الظالمين� ،أنه كانت ت�أتيهم ر�سلهم بال ُحجج الوا�ضحة بما ق ّدم ْت.
والمعجزات الباهرة ،ثم جحدوها ،وهز�ؤوا بالر�سل 469
ف أ�هلكهم الله بقدرته� ،إنه قو ٌّي لا ُيعجزه �شيء ،و�شدي ُد
العقاب لمن كفر به وع�صى �أمره.
٢٤ ٢٣ولقد �أر�سلنا مو�سى م�ؤ َّيداً بمعجزاتنا،
وبحجة ظاهرة ب ِّينة �إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا:
هو �ساح ٌر فيما ُيظهره ِمن المعجزات ،ك َّذا ٌب في دعواه
�أنه ر�سو ٌل ِم ْن عند الله.
٢٥فل ّما �أظهر الله مو�سى بالمعجزات ِمن الع�صا واليد
البي�ضاء ،وعجزوا عن إ�بطال ُحججه ،قال َم ْن يحيط
بفرعون :اقتلوا أ�بناء الذين �آمنوا مع مو�سى ،وا�ست ْب ُقوا
الن�سا َء للخدمة ،كما كنتم تفعلون من قبل ،إ��ضعاف ًا له
و�ص ّداً للنا�س عن الإيمان به .وما تدبي ُر ه ؤ�لاء وكي ُدهم
�إلا في َخ�سا ٍر و َ�ضيا ٍع.
٢٦وقالفرعون ِلـ َمنحوله ِمنا ألعوانوالم�ست�شارين:
دعوني �أقت ْل مو�سى ،وليد ُع ر َّبه الذي يزعم �أ ّنه ر�سو ٌل
ِم ْن عنده لينج َيه ِم ِّني ،إ�ني �أخ�شى أ�ن ُيب ِّدل دي َنكم الذي
تدينون به� ،أو يف�س َد في ا ألر�ض ب إ�ثارة الفتن والتمرد
على ال�سلطان.
٣١ ٣٠وقال الم�ؤمن �أي�ض ًا متابع ًا ُن ْ�ص َحه للقوم: ٢٧وقال مو�سى لقومه لـ ّما �َسمع تهدي َد فرعون له
يا قومي �إني أ�خاف عليكم عذاب ًا عاجل ًا في الدنيا بالقتل� :إ ّن لج أ� ُت �إلى الله وا�ستجر ُت بهِ ،م ْن ك ِّل طاغية
ُي�صيبكم ِم ْث َل العذاب الذي أ��صاب َم ْن َقبلكم م ّم ْن تح َّزبوا
على ُر�سلهم ،كقوم نوح و�صالح وقو ِم عاد وثمود و َم ْن ج ّبار متك ّب لا ي�ؤمن بالله ولا يوق ُن بيوم الح�ساب.
جاء بعدهم ،وما كان عذا ُبهم �إلا عن ا�ستحقاق ،ف�إ َّن الله
لا يريد ظلم ًا للعباد فيعذبهم بغير ذنب� ،أو يهلكهم ِم ْن ٢٨ولـ ّما َع َر�ض فرعون على الملأ ِم ْن قومه أَ� ْم َر
مو�سى و َر ْغب َته في قتله ،قال رج ٌل م ؤ�م ٌن ِم ْن �أهل فرعون
غير إ�قامة الحجة عليهم. وخا َّ�ص ِته يخفي �إيمانه من ِكراً عليهم :أ�تقتلون رجل ًا من
َ�أ ْجل قوله :ربي الله ،وقد �أظهر لكم الآيات والمعجزات
٣٢و�إ ّن �أخاف عليكم كذلك عقا َب الله يو َم القيامة، التي تد ُّل على ِ�صدق ما قال؟! ثم تل َّط َف لهم في القول
يوم ينادي النا� ُس بع ُ�ضهم بع�ض ًا ِمن َهول ما قد عا َينوا،
ليدفع أ�ذاهم ،فقال :أ�نتم في أ�مر مو�سى بين احتمالين،
ويت�صا َيحون وي�ستغيثون.
�إ ّما �أن يكون كاذب ًا فلا ي�ضركم ذلك ،ويعو ُد و َبا ُل كذ ِبه
٣٣في هذا اليوم الع�صيب ت ِف ُّرون ُم ْدبرين خوف ًا ِم ْن عليه ،و إ� ّما أ�ن يكون �صادق ًا في�صيبكم ما َي ِع ُدكم ِمن
َهول جهنم فلا ت�ستطيعون ،ولي�س لكم حاف ٌظ يحفظكم عذاب الدنيا ،و�إ َّن بع�ض ما َي ِع ُدكم لكا ٍف لإهلاككم،
ولا مان ٌع يمنعكم من عذاب الله ،و َمن َق�ضى الله عليه فلا َم�صلح َة لكم في َق ْتله على ك ِّل حال ،إ� َّن الله لا يهدي
�إلى طريق النجاة و�سبيل الح ِّق َم ْن هو م�سرف في عناده
بال�ضلالة فما له ِم ْن ها ٍد يهديه إ�لى طريق النجاة.
ك ّذاب.
٢٩وقال م�ؤمن �آل فرعون أ�ي�ض ًا :يا قو ِم لكم الـ ُملك
اليو َم ،ولكم قو ُتكم وب أ��ُسكم ب ِم ْ� َص ،فلا تتع َّر�ضوا لغ�ضب
الله عليكم بتكذيب مو�سى و َق ْتله ،ف َم ْن ينقذنا ويحمينا
ِمن عذاب الله� ،إ ْن ح َّل بنا كما َتو َّعدنا؟ فقال فرعون
لجل�سائه بعد أ� ْن خ�شي ِم ْن ت�أثير كلما ِت هذا الم�ؤمن:
ما ُ�أ�شير عليكم ِ -من َق ْت ِل مو�سى� -إلا ما �أراه لنف�سي
ولكم �صلاح ًا و�صواب ًا ،وما أ�هديكم إ�لا �إلى طريق الح ِّق
وال�صواب.
470
٣٧ ٣٦وقال فرعون لوزيره هامان� :ش ِّيد لي ق�صراً
عالي ًا �شامخ ًاَ ،لع ِّلي أ�بلغ الطرق المو�صلة �إلى ال�سماوات
ألرى بنف�سي ا إلله الذي يزعم مو�سى أ�نه ر�سوله،
و إ�ني ألظنه كاذب ًا في دعواه .وهكذا ُزيِّن لفرعون قب ُح
عمله ال�َّس ِّيئ حتى ر�آه ح�سن ًا ،و ُ� ِص َف عن طريق الحق
إ�لى طرق ال�ضلال .وما تدبي ُره ومكره إلظهار باطله،
و�إبطا ِل الحق الذي جاء به مو�سى إ�لا في َخ�سار وهلاك،
ألن نهايته العذاب الدائم وال�شقاء.
٣٩ ٣٨ودعا م�ؤم ُن �آ ِل فرعون قو َمه �إلى ا إليمان
بالله بعد �أن يئ�س من فرعون قائل ًا :ا َّتبعوني أ�دلكم على
طريق ا إليمان المو�صل إ�لى الفوز والنجاة .إ�نما هذه الحياة
ومتا ُعها إ�لى انقطاع وزوال ،و�أ ّما الدار ا آلخرة فهي دار
النعيم الدائم.
َ ٤٠م ْن عمل في هذه الدنيا �سيئ ًة فلن ُيعا َقب إ�لا بمثل ٣٤ولقد �أر�سل الله إ�ليكم يا �أهل ِم�صر نب َّيه يو�سف بن
ما عمل ،و َم ْن عمل عمل ًا �صالح ًا ذكراً كان أ�و أ�نثى وهو يعقوب ِم ْن َقبل مو�سى بالمعجزات الوا�ضحات الدا َّل ِة
على ِ�صدق نبوته ،فما زلتم في �ش ٍّك وتكذيب لما جاءكم
م ؤ�م ٌن بالله ور�سله ف أ�ولئك يدخلون الجنة يوم القيامة به ،حتى إ�ذا مات يو�سف ازددتم �ش ّك ًا وارتياب ًا وقلتم:
و ُيرزقون ِم ْن نعيمها الوفير بغير ح�ساب. لن يبعث الله ِم ْن بعده ر�سول ًا .و ِم ْثل ذلك ال�ضلال،
ُي�ضل الله َم ْن هو م�سرف في كفره �شا ٌّك في حقيقة �أخبار
المر�سلين ،قد ا�ستولى ال�شيطان والهوى على قلبه.
٣٥ه�ؤلاء المعاندون الذي ُي�ضلهم الله هم الذين
يجادلون في المعجزا ِت والبراهين الدالة على توحيد
الله وعلى ِ�صدق المر�سلين بغير ُحجة ولا برهان ،و َع ُظ َم
هذا الجدال ُبغ�ض ًا عند الله وعند الذين آ�منوا .وكما طبع
الله على قلوب ه ؤ�لاء ب�سبب ا�ستمرارهم في ِك ْبهم
وتج ُّ ِبهم يطبع الله على قلوب َم ْن هم على �شا ِكلتهم،
فلا يهتدون إ�لى الحق.
471
٤٧وحين يتخا�صم أ�ه ُل النار يقول ال�ضعفاء للذين ٤١ويا قومي الذين أ�نتم �أهلي وع�شيرتي ،والذين
ا َّتبعوهم ِمن الم�ستكبرين ال�ضالين :إ�ننا ك ّنا مقتدين بكم أُ�ري ُد لهم الخير ،مالي �أدعوكم �إلى ا إليمان بالله ور�سله
م َّتبعين ألوامركم ،فهل �أنتم مغنون ع ّنا ُجزءاً ِم ْن هذا الذي هو �سبيل النجاة ،و أ�نتم تدعونني �إلى ما ي ؤ� ّدي �إلى
العذاب الذي نحن فيه؟ عذاب الله؟!
٤٨قال ه ؤ�لاء الر ؤ��ساء الم�ستكبرون لل�ضعفاء :نحن ٤٢إ�نكم تدعونني لأَكفر بالله الواحد الأحد،
و أ�نتم جميع ًا في ال ّنار فكيف نغني عنكم �شيئ ًا؟ إ� َّن الله و�أ�شر َك به ما لا دلي َل عندي ُيو ِج ُب ا�ستحقا َقه للعبادة،
قد حكم بين العباد ،ف أ�َ ْدخ َل �أه َل الج ّن ِة الج ّن َة ،و�أه َل ال ّنا ِر و�أنا �أدعوكم لعبادة الله العزيز الذي لا ُيغا َلب ،الوا�س ِع
النا َر بعدله ،ولا مع ِّقب لحكمه. المغفرة لمن تاب �إليه و�أناب.
٤٩وقال الذين ُيع َّذبون في ال ّنار ِلـ َخ َزنة جهنم
ي�ستعطفونهم م�ستغيثين :ادعوا ر َّبكم كي ُيخ ِّف َف ع ّنا ٤٣ح ّق ًا إ� َّن ما تدعونني �إلى الإيمان به باط ٌل و�ضلا ٌل
�شيئ ًا ِمن العذاب و َلو ليو ٍم واحد ،حتى نرتاح قليل ًا ِم ْن لا ي�ستح ُّق الدعو َة �إليه ،ولا ُقدرة له في َد ْفع الكربات
أ�و َجلب المنافع ،فهو لا ينفع في الدنيا ولا في الآخرة،
هذا العذاب. ورجو ُعنا جميع ًا �إلى الله ،فيجازي ك ّل بما ي�ستح ُّقه،
وبما ق َّدم ِم ْن إ�يمان وعمل ،أ� ّما الم�سرفون على أ�نف�سهم
472 الظالمون لها بالكفر والطغيان وال�ضلال فجزا�ؤهم �أنهم
�أ�صحا ُب ال ّنار خالدين فيها.
٤٤فل ّما رف�ضوا ُن�صحه قال لهم� :ستذكرون ِ�ص ْد َق
ما �أقول لكم ،و�ستعلمون �أني قد �أخل�صت ال ُّن�ص َح لكم
حينما يح ُّل بكم غ�ض ُب الله و ِنقمته وعذابه ،و�َأعتمد في
قولي و ِفعلي على الله الذي لا تخفى عليه خافية.
٤٥ف َجعل اللهُ الوقاي َة والحف َظ لم ؤ�من �آل فرعون،
ون ّجاه ِمن الكفرة الذين أ�رادوا به �ش ّراً ،فلم ُي�صبه �شيء
منهم ،و َن َزل ب آ�ل فرعون أ��سو�ُأ العذاب في الدنيا والبرز ِخ
وفي الآخرة.
٤٦النا ُر ُي ْع َر�ضون عليها في ال�صباح والم�ساء في
قبورهم �إلى قيام ال�ساعة ،ويوم ُيبعث َم ْن في القبور
للف�صل يقال ِلـ َخ َزنة جهن َم :أ�َدخلوا آ� َل فرعون النار ف�إ ّن
لهم فيها أ��ش ّد العذاب .وهذه ا آلية دلي ٌل قو ٌّي في إ�ثبات
عذاب القبر.
واعتقدوه ،ولهم ال َّلعنة ِمن الله والم�ؤمنين ،ولهم أ�ي�ض ًا ٥٠قال َخ َزن ُة جهنم للكافرين توبيخ ًا وت�أنيب ًا
أ��سو ُأ� َم�صير ،وهو العذاب ا ألليم في نار جهنم. لهم� :ألم ت�أتكم ر�س ُلكم في حياتكم الدنيا بالمعجزات
الوا�ضحات ،وتح ِّذركم ِمن عذاب جهنم الذي �أنتم
٥٤ ٥٣ولقد �أعطينا مو�سى المعجزات وال�شرائ َع
والأحكام ،فك َّذبه فرعو ُن وجنوده ،ف أ�هلكهم الله ون�صر فيه؟ قالوا :بلى ،جاءتنا الر�سل فب َّلغونا فك َّذبناهم ،فقال
�أولياءه ،و�أَورث التوراة بني �إ�سرائيل هداي ًة ُلأولي العقو ِل لهم َخ َزنة جهنم ته ُّكم ًا بهم :فادعوا �أنتم ر َّبكم ،فنحن
لا ن�شفع لمن كف َر بالله وك َّذ َب ر�سله ،و َم ْهما دعوتم
ال�سليمة. ف إ� َّن دعاءكم لا ينفعكم ،أل َّن دعاء الكافرين في �ضيا ٍع
٥٥فا�صبر -أ�يها الر�سول -على أ�ذى الم�شركين ،كما وخ�سرا ٍن ،لا ُيقبل ولا ُي�ستجاب له.
َ�ص َب الر�س ُل وا ألنبياء ِم ْن قبلك ،ف إ� َّن َو ْعد الله ح ُّق في
ن�صر دينك ،وا�س أ� ْل ر َّبك المغفرة ،ل ُي�ْس َ َّت بك ،و�أك ِ ْث ِمن ٥١إ�ننا لنن�صر ر�س َلنا و�أتباعهم الم ؤ�منين على أ�عدائهم
ت�سبيح ر ّبك ون ِّزهه تنزيه ًا عن كل ما لا يليق بجلاله، في الحياة الدنيا ،بالـ ُح ّج ِة البالغ ِة على َم ْن خالفهم ،ويو َم
القيامة يوم يقوم ا أل�شها ُد ِمن الر�سل والملائكة والم�ؤمنين
واجع ْل ذلك مقترن ًا بالحمد والثناء أ� ّو َل النهار و آ�خره. لل�شهادة على غيرهمَ ،يحك ُم الله لأوليائه الم�ؤمنين
� ٥٦إ ّن الذين يجادلون لير ُّدوا آ�يا ِت الله وحج َجه التي بالجنة ،و َيحكم على الكافرين بالنار.
آ�تاها ر�سو َله ،بغير دلي ٍل لهم ولا برها ٍن أ�تاهم ،ما َح َملهم
على ذلك �إلا ما في �صدورهم ِمن الكبر والتعالي عن ٥٢يوم لا ينفع الظالمين اعتذا ُرهم ،ع ّما فعلوه
الحق ،ولي�س تعاليهم بمو�صلهم �إلى غايتهم ِمن الق�ضاء
على دعوتك الإلهية ،فالتج ْئ �إلى الله واعت�ص ْم به ،إ� َّنه
�سمي ٌع ألقوالهم وب�صي ٌر بجميع أ�حوالهم.
َ ٥٧لـ َخ ْل ُق ال�سماوات والأر�ض �أكب ُر و�أعظم من َخ ْلق
النا�س .والذي َق َدر على خلقهما مع ِع َظ ِمهما قاد ٌر على
َب ْع ِث النا�س وح�سابهم ،ولك َّن أ�كثر النا�س -ومنهم
ه�ؤلاء المعاندون -غافلون عن هذه الحقيقة الوا�ضحة،
لغفلتهم وا�ستيلاء الهوى عليهم.
٥٨ولا ي�ستوي عند الله ا ألعمى الغاف ُل عن الحق،
والب�صي ُر الذي اهتدى �إلى �سبيل الر�شاد ،وكذلك لا
ي�ستوي الم�ؤمنون الذين يعملون ال�صالحات ويهتدون
ب َهدي الله ،والم�سيئون بالاعتقاد الفا�سد والمعا�صي.
قليل ًا ما تتذكرون ،إ� ْذ لو تذكرتم لظهر لكم التفاو ُت بين
الفريقين.
473
� ٥٩إ َّن �ساع َة القيام ِة و َب ْع ِث الموتى من قبورهم
للح�ساب آ�تي ٌة لا �ش َّك فيها ،ولك َّن أ�كثر ال ّنا�س ينكرون
ذلك ،لغفلتهم وق�صور نظرهم ،و�إ�ضلا ِل ال�شياطين لهم.
٦٠وقال ربكم � -أيها ال ّنا�س :-ادعوني ،و ُخ ُّ�صوني
بالعبادة ،ولا ت�شركوا بي �شيئ ًا أ��ستج ْب لكم� ،إ َّن الذين
يتكبرون عن عبادتي �سيدخلون جه َّنم �صا ِغ ِرين ذليلين.
٦١الله وحده الذي جعل الليل لتح ُ�ص َل لكم الراح ُة
فيه بالنوم وال�سكون بعد التعب في النهار ،و َج َعل
النهار م�ضيئ ًا لتعملوا فيه وت�سعوا ِمن �أجل الك�سب
وتح�صي ِل المعا�ش ،والله ذو ف�ض ٍل عظيم على ال ّنا�س كا َّف ًة
بنعمه الوفيرة ،ولك َّن �أكثر ال ّنا�س يكفرون بهذه النعم،
وال ي�ؤدون �شكرها بالإيمان به تعالى والإ�سلام له.
٦٥والله هو الح ُّي المنفرد بالحياة ا ألزلية الدائمة ٦٢ذلكم الذي تف َّ�ضل عليكم بالنع ِم ال�سابغ ِة هو الله
الباقية ،لا �إله �إلا هو؛ �إذ لا ُيدانيه موجو ٌد في ذاته ر ُّبكم الجام ُع لكل �صفات الربوبية ،الذي لا معبو َد بح ٍّق
و�صفاته و أ�فعاله ،ف ُخ ُّ�صوه بالعبادة والطاعة و�أخ ِل�صوا �إلا هو ،الخال ُق لكل �شيء في الوجود ،فكيف ُت ْ� َصفون
له ،وتو َّجهوا �إليه بالدعاء ،واحمدوه على نعمه التي عن عبادة الله الخالق الرازق إ�لى عبادة غيره ممن لا يملك
خ َّ�صكم بها ،قائلين :الحمد لله ر ِّب المخلوقات ك ِّلها. �أَ ْن يخلق �أو يرزق.
٦٦قل � -أيها الر�سول -للم�شركين الذين يدعونك
�إلى عبادة الأوثان وا أل�صنام :إ�ني ُنهيت �َأ ْن أ�عبد آ�لهتكم، ٦٣فكما ُ�صفتم عن ا إليمان الح ِّق مع قيام ا آليات
فقد جاءتني الآيا ُت الوا�ضحات من عند ربي على المعجزات الدالة على قدرة الله وعظمته ،كذلك ُي�صرف
بطلان عبادة غيره ،و ُ�أمرت أ�ن �أخ�ض َع و أ�نقا َد بالطاعة عن الهدى وا إليمان الذين كانوا يجحدون ب�آيات الله.
التامة لله ر ِّب العالمين. ٦٤الله الذي جعل ا ألر�ض م�س َتق ّراً تعي�شون عليها
وتت�صرفون فيها ،وجعل ال�سماء فوقكم بنا ًء مترابط ًا
474 متما�سك ًا منتظم ًا ،و�ص َّور ا إلن�سان على �أكمل هيئة
ف أ�ح�سن �صورته ،وم َّيزه عن كل ذي روح ،ورزقكم
ِمن الرزق الطيب الحلا ِل الم�ست َل ِّذ .ذلكم هو الله ربكم
العظيم في قدرته و َخ ْلقه ،المنع ُم على الخلق ب�أف�ضاله،
فتبارك الله ر ُّب المخلوقات ك ِّلها.
بالباطل في آ�يات الله وقدرته ،كيف ُي�صرفون عنها ،وهي ٦٧اللهُ الذي �أُمر ُت �أن أُ��ْسلم �إليه هو الذي خلقكم
وا�ضحة جلية موجبة ل إليمان؟! �أطواراً ،حيث ابتد أ� خلق آ�دم ِم ْن تراب ،ثم جعل ابتداء
َن�ْسلكم في بطون �أمهاتكم ِم ْن نطفة ،ثم جعلها دم ًا
٧٢ - ٧٠ه ؤ�لاء المجادلون في �آيات الله بالباطل، غليظ ًا عالق ًا بالرحم ،ثم ط ّورها أ�طواراً ،ثم أ�خرجكم
الذين ك ّذبوا بالقر آ�ن وبالكتب التي أ�نزلها الله على ِم ْن بطون أ�مهاتكم أ�طفال ًا ،ثم لتبلغوا �س َّن الكمال في
ر�سله� ،سوف يعلمون عاقب َة هذا ا إلنكار ،حين ُت َع َّل ُق القوة والعقل ،ثم لتبلغوا �س َّن ال�شيخوخة ،ومنكم َم ْن
�أطوا ُق الحديد في أ�عناقهم وال�سلا�سل في أ�رجلهم، يتوفاه الله قبل ذلك ،و ِل َت�صلوا إ�لى وق ٍت ق َّدره الله لكم لا
ت�سحبهم زبانية العذاب ،ثم ُي ْلقون في الماء الحا ِّر ال�شدي ِد َت�سبقونه ولا تتجاوزونه ،ولكي تعقلوا ما في ذلك ك ِّله
الغليان ،ثم في النار ُيحرقون. من الدلالة على عظيم قدرة الله وعظيم ُ�صنعه.
٧٤ ٧٣ثم تقول لهم َخ َزن ُة جهنم� :أين الآلهة ٦٨الله �سبحانه هو المتف ِّرد با إلحياء والإماتة ،ف�إذا �أراد
التي كنتم تعبدونها ِم ْن دون الله؟ فادعوهم إ� ْن كانوا الله �أمراً �َسبق أ� ْن ق َّدره وق�ضاه ،ف إ�نه لا يمتنع عليه بل يقول
قادرين على تخلي�صكم ِمن هذا العذاب ا ألليم! فيقول
المك ِّذبون :لقد غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا ن�ست�شفع له« :كن» ،فيكون في الحال كما �أراده الله.
بهم ،و�ضاع ْت عباد ُتنا لهم ،بل الح ُّق �أننا لم نكن نعبد ِم ْن
قب ُل في الدنيا �شيئ ًا ُيعت ُّد به .وكما �ض ُّلوا في الدنيا ُي�ضلهم ٦٩عجب ًا -أ�يها الر�سولِ -م ْن �أولئك الذين يجادلون
الله في ا آلخرة ،حيث لا يهتدون �إلى �شي ٍء ينفعهم.
٧٥وما أ��صابكم ِم ْن عذا ٍب �شدي ٍد في جهنم �إنما
ب�سبب ما كنتم عليه في الدنيا ِم ْن الفر ِح بالباطل
وال�شرك ،والت ُّكبر في ا ألر�ض بغير حق.
٧٦يقال لهم :ادخلوا أ�بوا َب جهنم ال�سبع َة المق�سوم َة
لكم بح�سب ذنوبكم جزا ًء لكم على طغيانكم و ُك ْفركم،
خالدين فيها ،فبئ�ست الإقام ُة الدائم ُة للمتكبرين.
٧٧فا�صبر -أ�يها الر�سول -على تكذيب قو ِمك
لك ،إ� َّن وعد الله ح ٌّق ،له وق ٌت معلوم عنده ،و�سين�صرك
الله على �أعدائك ،ف إ� ّما ُنري َّنك بع�َض ما وعدناهم به
ِمن العذاب قبل وفاتك ،أ�و نتوفينك قبل �أن َيح َّل
بهم العذاب ،ف�إلينا وحدنا م�صي ُرهم لنجازيهم على
أ�عمالهم.
475
٧٨ولقد �أر�سلنا قبلك � -أيها الر�سول -ر�سل ًا منهم
َم ْن َق َ�ص�صنا عليك ِ�سيرته في القر آ�ن ،ومنهم َم ْن لم
َن ْق�ص�ص عليك ،وك ٌّل آ�تاه الله ا آليا ِت المعجزات ،فا�صب ْر
كما �صبروا ،وت�أ� َّس بهم ،ولم يكن لأ ِّي ر�سول أ�ن ي�أتي
بمعجزة لقومه لهدايتهم إ�لا ب أ�مر الله و إ�رادته ،ف�إذا جاء َ�أ ْم ُر
الله بنزول العذاب على الكفار -في الدنيا �أو الآخرة-
َح َك َم اللهُ بين الر�سل ومك ِّذبيهم بالعدل والح ِّق ،وخ�سر
وخاب عندئ ٍذ المب ِطلون الذين يجادلون بغير حق.
٨٤فل ّما �أيقنوا بنزول عذابنا ال�شديد بهم -ب أ�ن ر�أوا ٨١ - ٧٩الله هو الذي خلق لكم -أ�يها ال ّنا�س-
مق ّدماته� -أق ُّروا حين لا ينفع ا إلقرا ُر ،وندموا حيث لا ا ألنعا َم ،وهي الإبل والبقر وال�ض أ�ن والمعز ،لتركبوا على
ينفع الند ُم ،وقالوا� :آم ّنا بالله وحده ،وتب ّر�ْأنا ِمن ال�شرك ظهور بع�ضها ولت أ�كلوا ِم ْن لحومها ،ولكم فيها منافع
�أخرى ،و ِل َتحملوا على ظهورها أ�ثقا َلكم و�أمتعتكم ِم ْن
وا أل�صنام. بلد �إلى بلد في أ��سفاركم للتجارة والارتحال ،وعليها
٨٥فلم ُيقبل منهم �إيمانهم بعد نزول العذاب، ُتملون في ال َ ِّب ،وعلى ال�سفن في البحر ُتملون �أي�ض ًا،
ولم ينفعهم ،وهذه �ُس َّن ُة الله في َخلقه� ،أنهم لا ينفعهم وفي ذلك آ�يا ٌت دالة على قدرة الله وعظمته في مخلوقاته،
�إيمانهم عندما يعاينون العذاب ،و َخ ِ�س في ذلك الوقت
ف أ� َّي �آية ِمن �آيات الله الظاهرات الباهراتُ تنكرون؟
الكافرون بربهم الجاحدون لتوحيده.
٨٢أ�فلم َي ِ� ْس ه�ؤلاء الم�شركون في الأر�ض فيت أ�ملوا
كيف كان عاقب ُة الذين كفروا ِم ْن قبلهم ،د َّمر الله بلادهم
وع َّذبهم و�أهلكهم وا�ست�أ�صلهم! وكانوا أ�كث َر عدداً،
و أ��ش َّد قو ًة ،و�َأ ْظه َر ُعمران ًا ،فلم ينفعهم ذلك ولم يدفع
عنهم �شيئ ًا ِم ْن عذابنا عندما ح َّل بهم.
٨٣فل ّما جاءت -ه ؤ�لاء الجاحدين -ر�س ُلهم
بالمعجزات الوا�ضحة ،والآيات الجل ّية ،لم يقبلوا ما جاء
به الر�س ُل ِم ْن ربهم ،واغتروا بما �أُوتوا ِم ْن علم وقو ٍة في
م�صالحهم ،ونزل بهم ما كانوا ي�ستهز ؤ�ون به من العذاب
الذي كانت ُتنذرهم به ر�سلهم.
476
قولك ،وبيننا وبينك حاج ٌز يمنع �أن ي�صل �إلينا �شيء مما } ١ﭑ{ �سب َق الكلا ُم على هذه الحروف
تدعونا إ�ليه ،فاعم ْل ما �شئ َت مما ي�أمرك به دينك ،ف�إننا
�سن�ستمر على ما نحن عليه ِمن عبادة الأوثان وا أل�صنام، الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة.
والعم ِل على إ�بطال دينك و�ص ِّد النا�س عن دعوتك. ٣ ٢هذا القر�آن العظيم -الذي ُأ�نزل على ر�سول
الله ُ -منز ٌل ِمن الله المنعم بجلائل النعم ودقائقها.
٧ ٦قل لهم -أ�يها الر�سول :-ما �أنا �إلا َب�َش وهو كتا ٌب ُب ِّينت آ�يا ُته و�أحكامه ومواعظه بيان ًا وا�ضح ًا
مث ُلكم ول�س ُت َم َلك ًا ،ولك َّن الله اختارني وا�صطفاني
و�أوحى إ�ليَّ أُلب ِّلغ ر�سالته في توحيده وعبادته ،فاتبعوني بل�سا ٍن عرب ٍّي لقوم يعقلون دلائله و�إعجازه.
ولا تميلوا عن �صراط الله الم�ستقيم ،وا�ستغفروا ر َّبكم من
ال�شرك والمع�صية .والعذا ُب والهلا ُك للم�شركين الذين لا ٤القر�آ ُن مب�ِّشٌ أ�وليا َء الله بالثواب العاجل وا آلجل،
يط ِّهرون أ�نف�سهم ِمن ال�شرك والرذائل ،ولا ي�ؤتون زكاة وبجنات النعيم ،ومنذ ٌر �أعدا َء الله بالعقاب ،ولك ّن �أكثر
أ�موالهم ،وهم بالبعث والح�ساب يوم القيامة كافرون. الم�شركين أ�عر�ضوا عنه تك ُّباً ومعاند ًة ،فهم لا ي�سمعون
٨إ� َّن الذين �آمنوا �إيمان ًا ح ّق ًا ،وعملوا ال�صالحات �آياته �سما َع تد ُّبر وتف ُّكر.
الدا َّل َة على �إيمانهم لهم عند ربهم ثوا ٌب دائم غير
٥وقالوا للنبي � :- -إن قلوبنا في أَ� ْغطية تمنع
مقطوع عنهم. َت َف ُّه َموتق ُّبلماتدعونا إ�ليه،وفي آ�ذاننا ِثقليمنع ِمنا�ستماع
٩قل -أ�يها الر�سول -للم�شركين مب ّين ًا لهم ِع َظ َم 477
كفرهم :أ��إنكم لتكفرون بالله الذي خل َق ا ألر�َض
وك َّونها في يومين اثنين ،وتجعلون له �شركا َء و ُن َظرا َء مم ْن
َخ َل َق تعبدونهم؟! ذلك الذي تكفرون به هو خالق ك ِّل
الموجودات ومد ِّبر �أمرها ،الم�ست ِح ُّق للعبادة وحده دون
غيره.
١٠وجعل في ا ألر�ض جبال ًا �شامخات ثواب َت
را�سيات ل َت ْحفظ توازن الأر�ض فلا ت�ض ّطرب بكم،
و َبارك فيها بتكثير خيراتها ،وح ّدد �أرزا َق َمن يعي�ش
عليها نوع ًا و َق ْدراً ،في تمام أ�ربعة أ�يام كاملة لا نق�ص فيها
ولا زيادة لمن �أراد ال�س�ؤال عن ذلك.
١١ث ّم و َّج َه الله إ�راد َته �إلى خلق ال�سماء ،وهي على
هيئة دخان ،ف�س ّواها بقدرته �سب َع �سماوات ،وقال لل�سماء
والأر�ض :ا�ستجيبا ألمري طائعتين �أو ُمكرهتين ،فقالتا:
امت َثلنا أ�م َرك ُم ْذعنين لك ،لي�س لنا �إراد ٌة تخالف �إرادتك.
١٧و أ� ّما ثمو ُد قو ُم �صالح ،فب َّي لهم نب ُّيهم طري َق الهدى ١٢فق�ضى اللهُ وق َّدر �أن يجعل ال�سماوات �سبع ًا،
والح ِّق وال�سعادة ،ور َّغبهم بذلك وح َّذرهم ِمن مخالفته، و�أت َّم خلقها على نظا ٍم بديع في يومين ،فت َّم بذلك َخ ْل ُق
فاختاروا الكفر وال�ضلال على الإيمان ،ف أ�خذهم العذا ُب ال�سماوات وا ألر�ض في �ستة �أيام .و�أوحى في كل �سماء
ال�شام ُل المهين بال�صيحة المهلكة والزلزلة المدمرة ،ب�سبب ما ينا�سب ِمن أَ� ْمر تدبيرها ،وز َّين ال�سماء الدنيا القريب َة
ِمن الأر�ض بنجوم وكواكب منيرة ،يهتدي بها ال ّنا�س
اختيارهم للكفر وك�سبهم المعا�صي. في الليل ،وجعلها حافظ ًة من ال�شياطين الذين َي�ْس َ ِتقون
ال�سمعُ ،ك ُّل ذلك ِمن َخلق الله العزيز في ملكه ،العلي ِم
١٨ونـ َّجى الله الذين �آمنوا ِم ْن عاد وثمود ِم ْن هذا
العذاب ،لإيمانهم و�صدقهم وتقواهم. ب�ش ؤ�ون خلقه وم�صالحهم.
٢٠ ١٩ويوم القيامة يجم ُع اللهُ الكفار ِمن الأولين ١٣ف إ� ْن أ�َعر�ض كفار قري�ش -بعد هذا البيان -عن
وا آلخرين ،و ُي�ساقون بعد الح�ساب �إلى جهنم، الإيمان بما جئتهم به ،فقل لهم � -أيها الر�سول :-إ�ني قد
و ُيزجرون و ُيدفعون �إليها دفع ًا فلا ي�ستطيعون ت�أ ُّخراً ولا ح َّذرتكم و�أنذرتكم عذاب ًا مهلك ًا ،كعذاب عا ٍد قوم
هرب ًا ،حتى إ�ذا ما جا�ؤوا ال ّنا َر ور أ�وا �أهوالها و�شدائدها
�شهد ْت عليهم �أ�سما ُعهم و أ�ب�صا ُرهم وجلو ُدهم بما فعلوه هود ،وثمود قوم �صالح.
في الدنيا ِمن ال�شرك و�َس ِّيئ ا ألعمال وقبائحها. ١٤ولقد أ�هلك الله عاداً وثمود حين جاءتهم
ر�س ُلهم بالبينات لهدايتهم ،وب َذلوا ك َّل جهد في دعوتهم
478 و�إر�شادهم إ�لى عبادة لله وحده ،ف أ�جابوهم مك ِّذبين
م�ستهزئين� :أنتم ل�ستم ر�سل ًا من الله ،ولو أ�راد الله إ�ر�سا َل
ر�سو ٍل �إلينا َلـجعله َم َلك ًا ،ولـ ّما كنتم ب�شراً مث َلنا ف�إ ّنا لا
ن�ؤمن بكم ولا بما ُأ�ر�سلتم به.
١٥ف أ� ّما عا ٌد قو ُم هود فب ّينا لهم ،فا�ست ْع َلوا في
ا ألر�ض بغير الح ّق ،وقالوا مغت ِّرين ب�أج�سامهم القوية
وم�ساكنهم المح َّ�صنة المنيعةَ :من أ��ش ُّد م ّنا قو ًة؟ ونحن
ن�ستطيع بقوتنا َد ْف َع العذاب الذي تنذرنا به ،فر َّد الله
عليهم� :أفلا يعلم ه ؤ�لاء �أ َّن الله هو أ��ش ُّد قو ًة وبط�ش ًا؟
وكانوا ب�سبب غرورهم معاندين لآياتنا الدالة على
قدرتنا ووحدانيتنا ،جاحدين لها.
١٦ف أ�ر�سلنا عليهم ريح ًا �شديد َة ال�صوت والبرد،
في �أيام م�ش�ؤوماتِ ،ل ُنذيقهم العذاب والذ َّل في الحياة
الدنيا ،ول�سوف يلاقون العذا َب الأكبر في الآخرة،
وحينها لا يجدون َم ْن يدفع عنهم هذا العذاب الأليم.
٢٤ف�إ ْن ي�صبروا -ولا ينفعهم ال�صبر يومئ ٍذ -فالنا ُر ٢١وقال الكفار يو َم القيامة لجلودهم و أ�ع�ضائهم
مكا ُن �إقامتهم ،لا َي ْبحونها ،و إ� ْن ُيعلنوا توبت َهم وندمهم َي ُلومونهاِ :لـ َم �شه ْد ُت علينا بما عملنا؟ قالت� :أ ْن َط َقنا
وي�س�ألوا ر�ضا الله عنهم ،لا ُيقبل منهم ،ولا ُيرفع عنهم الله ،الذي أ�َ ْنطق بقدرته ك َّل �شي ٍء ينطق في الوجود،
والله الذي َ�أ ْنطقنا هو الذي خلقكم �أ َّول مرة ،و أ�ن�ش�أكم
العذاب ،فقد م�ضى وقت التوبة والندم. ِمن تراب ،و إ�ليه َمرج ُع الخلق يو َم الح�ساب ،فيحا�سبكم
٢٥وه ّي�أْنا له ؤ�لاء الظالمين في الدنيا ُق َرناء �ُسو ٍء من على ما اقترفتموه من �أعمال.
�شياطين الإن�س والج ِّن و َم َّك ّناهم منهم ،فح�َّسنوا لهم �سو َء
�أعمالهم في الدنيا ِمن ال�شرك وا ّتباع ال�شهوات وتقلي ِد ٢٣ ٢٢وما كنتم -أ�يها الكفارُ -ت ْخفون �ِش َككم
الأ�سلاف ،كما أ�نهم ز َّينوا لهم تكذي َب ما �سي أ�تيهم ِم ْن
أ�مور ا آلخرة ،ف أ�َ ْلقوا إ�ليهم �أنه لا َب ْع َث ولا ح�ساب، و أ�عمالكم ال�سيئة عند ارتكابكم المعا�صي مخاف َة �أ ْن
وقد ا�ستجابوا لهذه الظنون ،وماتوا على ذلك ،فو َج َب
عليهم القو ُل ب�سبب �شقائهم �أنهم خا�سرون ،و�أنهم ت�شهد عليكم جلو ُدكم وجوارحكم يوم القيامة ،ولكن
تو َّهمتم �أن الله لا يعلم كثيراً ِمن �أفعالكم و أ�قوالكم،
�أ�صحا ُب النار الخالدون فيها. وهذا الظ ُّن الباط ُل بربكم هو الذي �أهلككم و�أوقعكم
في العذاب ،ف أ��صبحتم ِمن الذين خ�سروا �أنف َ�سهم
٢٦وقال ال ُّر ؤ��ساء ِم ْن كفار قري�ش لـ ّما �أيقنوا بانقطاع
ُحجتهم مع القر�آن ،ور�أوا ت أ�ثي َر القر�آن على قلوب و�سعادتهم في ا آلخرة.
النا�س :الَ ت�سمعوا لهذا القر آ�ن ،و�إذا ُتلي عليكم فارفعوا
�أ�صواتكم بال ِّ�صياح فلا ي�ستطيع �سما َعه أ�حد.
َ ٢٧ف َل ُنذيق َّن ه ؤ�لاء الم�شركين العذا َب ال�شدي َد يوم
الدين ،و َل َنجزي َّنهم جزا َء �أ�سو إ� الذي كانوا يقترفونه في
الدنيا وهو الكفر ،فلا يتوقف عنهم العذاب.
٢٨هذا الجزاء لأعداء الله هو الجزاء العادل ،فالنا ُر
م�أواهم خالدين فيها جزا َء جحودهم ب آ�يات الله.
٢٩وقال الذين كفروا بالله وك َّذبوا ر�سله :ر َّبنا �أ ِرنا
الفريقين ال َّل َذ ْين �أ�ضلانا ِمن الجن وا إلن�س نجعلهما
تحت أ�قدامنا ليكونا من الأ�سفلين الذين هم أ��ش ُّد أ�هل
ال ّنار عذاب ًا.
479
٣٠إ� ّن الذين قالوا ر ُّبنا الله ،مق ِّرين بربوبيته �شاهدين
على وحدانيته �سبحانه ،ثم ا�ستقاموا في �سلوكهم
ومنه ِجهم على �صراط الله الم�ستقيم ،اعتقاداً وعمل ًا،
ظاهراً وباطن ًا تتنزل عليهم الملائك ُة عند الاحت�ضار
بما ي�شرح �صدو َرهم و ُيفي�ض ال�سكين َة والطم أ�نينة على
قلوبهم ،قائلين لهم :لا تخافوا ِمن الموت وما بعده،
ولا تحزنوا على ما خ َّلفتم في الدنيا ،و أ�ب�شروا بالج ّنة التي
كنتم توعدون بها .
في الانتقام ،فا�س�أل الله العون والتج ْئ �إليه ليع�صمك ِمن ٣٢ ٣١وتقول لهم الملائكة �أي�ض ًا مب�ِّشين لهم :نحن
�ش ِّره ،فالله �سميع لدعائك ،عليم ب أ�حوال النا�س جميع ًا.
�أن�صا ُركم و أ�عوانكم على الطاعة في الحياة الدنيا ،ونحن
٣٧و ِم ْن دلائل قدرة الله :اللي ُل والنها ُر ،وال�شم�س أ�وليا ؤ�كم في ا آلخرة لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة التي
والقمر ،فلا ت�سجدوا لل�شم�س ولا للقمر ألنهما ِمن
مخلوقات الله الم�سخرا ِت لكم ،وا�سجدوا لله الذي لكم فيها ما ت�شتهي ا ألن ُف�س و َت َل ُّذ الأعي ُن ،وهي مقامكم
الدائم بف�ض ِل ر ِّبكم الغفور الرحيم وكرمه.
خلق اللي َل والنها َر وال�شم� َس والقم َر� ،إن كنتم ح ّق ًا
تعبدونه وتطيعونه بما هو طاعة عنده. ٣٣لا أ�حد �أح�س ُن قول ًا ممن دعا بالحكمة والموعظة
الح�سنة �إلى توحيد الله والعمل ب�شرعه ،و َل ِز َم أَ� ْم َر ربه
٣٨ف إ� ِن ا�ستكبر ه ؤ�لاء الم�شركون عن ال�سجود لله وع ِمل بطاعته ،معت ّزاً بدينه ،مق ّراً ب إ��سلامه مع َم ْن �أ�سلم
وحده ،فهم لا ي ْقدرون على تغيير الحقيقة ا إليمانية وهي لله ر ِّب العالمين.
وحدانية الله ع َّز وج َّل ،ف َمن َيخر ْج عن هذا الطريق
الم�ستقيم فل ْن ي�ض َّر اللهَ �شيئ ًا ،فالملائك ُة المط َّهرون من ٣٥ ٣٤والح�سن ُة وال�سيئ ُة متفاوتتان في أ�نف�سهما
المعا�صي وا آلثام ،ي�س ِّبحون ر َّبهم وين ِّزهونه وي�سجدون
له بالليل والنهار ،وهم لا يم ُّلون ِمن ت�سبيحه وتوحيده. وفي جزائهما وعاقبتهما ،فادفع -أ�يها الم ؤ�من� -إ�ساءة
َم ْن �أ�ساء �إليك بالتي هي �أح�سن منها ،وهي �أن تقابل
الجه َل بالحلم ،والغ�ض َب بال�صبر ،وا إل�ساء َة بالإح�سان،
ع�سى �أن ي�صبح َمن أ��ساء �إليك �صديق ًا قريب ًا .وما يو َّفق
لمقابلة الإ�ساءة با إلح�سان �إلا �أهل ال�صبر ،و َم ْن ُر ِزق
حظ ًا وافراً ِمن ُح�سن الخلق وكمال النف�س.
٣٦و إ� ْن و�سو� َس �إليك ال�شيطان و أ�لقى في قلبك ما
َي ْبع ُث على ِفعل ما لا ينبغي ِف ْعله ِمن الغ�ضب والرغبة
480
فهو كتا ٌب عزي ٌز لا ُيغا َلب إلعجازه وقوة حججه، ٣٩و ِمن دلائ ِل َع َظم ِة الله وقدرته على البعث و�إحياء
ولا يجد الباطل �إليه �سبيل ًا ِم ْن أ� ِّي جهة ِمن الجهات، الموتى بعد فنائهم �أن َك ترى ا ألر�ض ياب�س ًة َجدبة ،ف�إذا
محفو ٌظ من الزيادة والنق�صان والتغيير والتبديل ،من َّز ٌل �أنزلنا عليها َغ ْي َث ال�سماء تحرك ْت وارتفع ْت ود َّب ْت
فيها الحياة� ،إ َّن الذي أ�حيا هذه الأر�ض بعد موتها قاد ٌر
من الله الحكيم الحميد. على إ�حياء الخلق و َب ْعثهم ِمن القبور ،وهو القادر الذي
٤٣ما يقول كفا ُر قري�ش لك � -أيها الر�سول -إ�لا ما الُ يعجزه �شيء �أراده.
قد قيل للر�سل ِم ْن قبلكِ ،من الكلمات الم�ؤذية الـ ُم�ْش ِعرة
بالتكذيب وال�سخرية وا ألذى ،فا�صب ْر على ما �أ�صابك � ٤٠إ َّن الذين لا ي ؤ�منون ب آ�ياتنا ُيح ِّرفونها وي ؤ�ولونها
في �سبيل الله كما �صبر الر�سل ِم ْن قبلك ،إ� َّن ربك لذو ت أ�ويل ًا فا�سداً ،وي�ضعونها في غير مو�ضعها الذي �ُأنزل ْت
مغفرة عظيمة لمن �آمن به وتاب �إليه ،وذو عقا ٍب �أَليم لمن ِم ْن �أجله ،لا يخفى �أم ُرهم علينا ،فهل َم ْن ُيل َقى في النار
أ�ف�ض ُل َ�أ ِم الم�ؤم ُن ب�آياتنا الذي يدخل الجنة �آمن ًا مطمئن ًا؟!
�أ�ص َّر على كفره وذنوبه. فالفر ُق �شا�س ٌع بينهما .فاعملوا �أيها المائلون عن الح ِّق
٤٤ولو أ�نزلنا -أ�يها الر�سول -هذا القر آ� َن بغير لغ ِة ما �شئتم في هذه الحياة الدنيا ،ف إ�نه لا يخفى على الله
العرب لقالوا :لولا ُب ِّي َن ْت آ�يا ُته بالعربية حتى نفهمها!
ولقالوا :هل ُي ْع َقل قر�آ ٌن أ�عجم ٌّي ونب ُّي عرب ٌّي؟! و�إ ْذ نزل خال ِقكم ،و�سيحا�س ُبكم عليه� ،إنه بما تعملون ب�صير.
القر�آن بلغة العرب ُع ِل َم عنا ُدهم و ِجدا ُلهم بالباطل .وق ْل
لهم� :إ ّن هذا القر آ�ن هدى ونو ٌر للم ؤ�منين ،و�شفا ٌء ِلـ َما � ٤٢ ٤١إ َّن الذين كفروا بالقر�آن ،و�سا َرعوا �إلى
في القلوب ِمن الجهل وال�ش ِّك .والذين كفروا في �آذانهم تكذيبه لـ ّما جاءهم ،و أ�لـ َح ُدوا فيه لن ينالوا منه �شيئ ًا،
َ�ص َم ٌم فلا ي�سمعونه �سما َع تف ُّك ٍر وتد ُّبر ،وهو عليهم
ظلم ٌة و�شقاء ب�سبب عنادهم .فهم ك َم ْن ينا َدى عليه ِم ْن 481
مكا ٍن بعي ٍد ،لا ي�سمع ولا يجيب.
٤٥ولقد أ�نزلنا التورا َة على مو�سى -عليه ال�سلام-
لتكون هدى ونوراً لبني إ��سرائيل فاختلفوا فيها ما بين
م�ص ِّد ٍق ومك ِّذب ،ولولا وع ٌد �َس َب َق ِمن ربك في ت أ�خير
العذاب عن قومك َل ُق�ضي با�ستئ�صالهم في الدنيا .و إ� َّن
الكفار لفي �ش ٍّك �شدي ٍد في َ�أ ْمر القر آ�ن ،أ�و َقعهم في َحيرة
وا�ضطراب.
َ ٤٦م ْن عمل عمل ًا �صالح ًا وهو م ؤ�من فعم ُله يعود
عليه بالنفع ،و َم ْن عمل عمل ًا �س ِّيئ ًا ف�ضر ُر عمله يعود
على نف�سه ،وما ر ُّبك -يا محمد -بظ َّل ٍم لعبيده ،فل ْن
ينق�صهم ح�سن ًة ولن يزيدهم �سيئ ًة.
� ٥٣س ُني ه�ؤلاء المك ِّذبين �آياتنا في �أقطار ال�سماوات ٤٧إ�لى الله تعالى ُير ُّد علم وق ِت قيام ال�ساعة ،ف�إنه لا
وا ألر�ض ،وما يخلقه الله فيهما ِمن الحوادث العظيمة، يعلمها غي ُره ،وما َتظهر ثمر ٌة فتخرج بارزة ِم ْن �أوعيتها
الدا َّل ِة على بديع ُ�صنع الله و َعظيم قدرته ،وفي آ�فاق وما تحمل ِم ْن �أنثى حمل ًا ،ولا ت�ضع ولدها �إلا بعلم الله
النف�س الإن�سانية ،بما يكت�شفه ا إلن�سا ُن ِم ْن أ��سرار َخلقه و�إرادته ،لا َيخفى عليه �شيء من ذلك ،ويوم ينادي اللهُ
وتكوينه وما في ذلك ك ِّله ِمن العجائب مما ي ِّحي ُر العقو َل الم�شركين -توبيخ ًا لهم و إ�ظهاراً لكذبهم� :-أين �شركائي
والأفكار؛ حتى ي�ستدلوا على �صدق القر آ�ن ومعجزته، الذين كنتم ت َّدعونهم آ�له ًة معي؟ أ�جاب الم�شركون:
َأ� َو َلـ ْم يك ِف -يا محمد -أ� َّن ر َّبك �شهي ٌد على كل �شيء
ِم ْن �أفعال خلقه وهو مجازيهم على أ�عمالهمَ� ،أ َل يكفيهم �أخبرناك ر َّبنا ما م ّنا �أحد ي�شهد �أن معك� شريك ًا.
هذا دليل ًا على �صدقك ،و�أ َّن القر آ�ن منزل ِم ْن عنده؟! ٤٨وغاب ْت عنهم آ�له ُتهم التي كانوا يعبدونها في
� ٥٤أ َل إ� َّن ه�ؤلاء الم�شركين في �ش ٍّك ِمن البعث الدنيا ،فلم تنفعهم ،ولم تدف ْع عنهم �شيئ ًا ِمن عذاب الله،
والح�ساب والجزاء بعد الممات� ،أ َل إ� َّن الله قد أ�حاط بكل الذي ح َّل بهم ،و أ�ي َقنوا حينئ ٍذ �أنه لي�س لهم َملج�أ ِم ْن
�شيء علم ًا وقدر ًة ،لا يفوته �شيء أ�راده� ،أي :فهو قاد ٌر
على َبعث الخلائق ليجزي المح�س َن ب�إح�سانه ،والم�سي َء عذاب الله يلج ؤ�ون إ�ليه.
ب إ��ساءته. ٤٩لا يم ُّل الكافر ولا يك ُّل ِم ْن �س�ؤال ر ِّبه ِمن الخير،
كطلب المال و�صحة الج�سم والجاه ،و إ� ْن ناله �ض ٌّر ِم ْن
482 �ُسقم وفقر ،ونحو ذلك ِم ْن البلايا؛ ف�إن الكاف َر يائ� ٌس ِم ْن
فرج الله ،وقانط ِم ْن رحمته.
٥٠ولئن ك�شفنا عن هذا الكافر ،ما أ��صابه ِمن �ُسقم
و�ض ٍّر و�ش ّدة ،وو�ّسعنا عليه في معي�شته؛ لي ُقو َل َّن :هذا
�شيء ا�ستحقق ُته و ِن ْلته بعملي؛ وما أ�عتقد القيامة �آتية،
ولئن ُرددت �إلى ربي ح ّي ًا بعد مماتي -كما يقولون-
ف�س ُيح ِ�سن �إليَّ ربي ،كما �أح�سن �إليَّ في الدنياَ ،ف َل ُن ْخبر َّن
ه ؤ�لاء الكفار ،بما عملوا في الدنيا من المعا�صي،
و َل ُنذيق ّنهم من العذاب ال�شديد.
٥١و�إذا �َأنعمنا على الكافر ،فك�شفنا ما به ِمن �ض ٍّر،
ووهبنا له الرز َق وال�صحة والعافيةَ� ،أ ْعر�ض عن �شكر الله
وطاعته ،وتك َّب و�َش َمخ ب�أنفه ،و إ�ذا م�َّسته ال�ش ّدة ،فهو
ذو دعا ٍء كثير ب�أن يك�شف الله �ض َّره.
٥٢قل -يا محمد -للمك ِّذبين :أ�َخ ِبوني �أ ّيها القوم،
�إ ْن كان هذا القر آ�ن من َّزل ًا ِم ْن عند الله ،ثم ك ّذبتم به ،كيف
ترون حا َلكم عند الذي �أنزله على ر�سوله؟ فلا �أحد �أ�ضل
منكم؛ ألنكم في خلاف للحق غاي ٌة في ال ُبعد عنه.
ا ألر�ض ِم ْن �أهل ا إليمان به ،أ� َل �إ َّن الله هو الغفور لذنوب
الم�ؤمنين ،الرحيم بهم.
٦والذين ات َخذوا من دون الله �آلهة ،يتو َّلونها
ويعبدونها ،اللهُ رقي ٌب عليهم ُيح�صي عليهم أ�فعالهم،
فيجازيهم بها يو َم القيامة ،وما أ�ن َت -يا محمد-
بالوكيل عليهم الكفي ِل ب�إيمانهم ،و إ�نما أ�ن َت منذر ،فب ِّلغهم
ما ُ�أر ِ�س ْل َت به إ�ليهم ،ف إ�نما عليك البلا ُغ وعلينا الح�ساب.
٧وكما �أوحينا إ�لى ا ألنبياء والر�سل قبلك ،أ�وحينا
�إليك قر آ�ن ًا عربي ًا وا�ضح ًا جليل ًا؛ ِل ُتنذر �أه َل مكة و َم ْن
حولها ِمن العرب و�سائر النا�س ،وتنذ َرهم عقاب الله
يوم ال َج ْمع -وهو يوم القيامة -الذي لا �ش َّك فيه ،والذي
يتف َّر ُق فيه النا� ُس �إلى فريقين :فريق في الجنة ،وهم الذين
آ�منوا بالله ،واتبعوا ما جاءهم به ر�سو ُله ،وفري ٌق في النار
ُيع َّذبون ،وهم الكافرون بالله ور�سوله.
٨ولو �شاء الله لجعل النا� َس �أم ًة واحدة على الهدى، } ٢ ١ﭑﭒﭓ{ �سب َق الكلا ُم على هذه
ولكنه تعالى فا َو َت بينهم ،فهدى َم ْن ي�شاء إ�لى الحق، الحروف الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة.
و�أ�ض َّل َم ْن ي�شاء عنه ،وله الحكم ُة والحج ُة البالغ ُة،
والكافرون بالله ما لهم ِم ْن وليٍّ يدفع عنهم العذاب ،ولا ِ ٣مثل ما ت�ض ّم َن ْته هذه ال�سورة من المعاني ُيوحي
إ�ليك -أ�يها الر�سول -و�إلى الر�سل ِم ْن قبلك ،اللهُالعزي ُز
ن�صي ٍر يمنعهم ِمن النار.
في انتقامه ،الحكي ُم في تدبير �أمور خلقه.
٩بل ا َّتخذ الكافرون ِم ْن دون الله �آله ًة يتو َّلونهم
وهي لا ُتغني ع ّمن تولاها �شيئ ًا� ،إنما الله هو الوليُّ ح ّق ًا، ٤لله وحده ُملك ما في ال�سماوات وما في ا ألر�ض
وهو الذي يحيي الموتى ِم ْن َبعد َماتهم للح�ساب ،وهو ِمن الأ�شياء ك ِّلها ،وهو العلي في ذاته و�صفاته و�أفعاله؛
ال َخل ُق جميع ًا تحت �سلطانه ،جاري ٌة عليهم ُقدر ُته ،ما�ضي ٌة
القادر على كل �شيء.
فيهم م�شيئ ُته ،وهو العظي ُم الذي له العظمة والكبرياء.
١٠وما اختلفتم فيه ِم ْن �أم ِر الدين ف ُحكمه مردو ٌد �إلى
الله ،يف�صل فيه يوم القيامة ،وعند ذلك يظهر الـ ُمح ُّق من ٥تكاد ال�سماوات تت�ش َّقـ ْقن وتت�صـ َّدعـن ِم ْن
الـ ُمب ِطل.ذلكمالحاك ُمفيك ِّل�شيءهوربي،عليهتوكل ُت عظمة الله وجلاله ،والملائك ُة ي�سبحون بحمد الله ثنا ًء
على عظمته وجلاله ،وي�س أ�لونه المغفر َة لذنوب َم ْن في
في جميع أ�موري ،و�إليه َأ�رج ُع في كل �شيء َي ْع ِر�ُض لي.
483
١٥ف إ�لى ذلك الدين الذي �شرعه ر ُّبكم ،وو َّ�صى به ١١الله �سبحانه خالق ال�سماوات وا ألر�ض وما
ِمن َقب ُل �أنبياءه ،فاد ُع -يا محمد -النا�س ،و ُد ْم على بينهما ،جعل لكم ِم ْن ِج ْن�سكم و�َش ْكلكم �أزواج ًا،
العمل به ،وا ْث ُب ْت عليه كما أ�مرك الله ،ولا َت َّتبع أ�هواء و ِمن ا ألنعام �أزواج ًا؛ ُي َك ِّثكم بهذا ال َج ْع ِل فتتوالدون
الذين �ش ّكوا في الحق الذي �شرعه الله لكم ،وقل� :آمن ُت وتتنا�سلون ،لي�س ِم ْثل الله �شي ٌء في ذاته و�صفاته و�أفعاله،
بجميع الكتب المنزلة على الأنبياء ،و�أمرني ربي أ� ْن �أَعدل وهو ال�سميع لك ِّل الـ َم�سموعات ،المد ِر ُك لجميع
الـ ُمب َ�صات لا يخفى عليه �سبحانه �شيء ِم ْن �أمور العباد.
بينكم بالحق الذي �شرعه الله ،لنا جزا ُء �أعمالنا ،ولكم
جزا ُء أ�عمالكم ،لا جدا َل ولا ِحجاج بيننا وبينكم ١٢له �سبحانه وحده مفاتي ُح الرزق والرحم ِة في
بعد أ�ن َو َ�ض َح الح ُّق ،الله تعالى يجمع بيننا يوم القيامة، ال�سماوات وا ألر�ض ،يو�ِّسع الرزق لمن ي�شاء ِم ْن عباده،
وي�ض ِّي ُق ويق ِّلل على َم ْن ي�شاء� ،إنه تعالى بكل �شيء عليم،
فيحكم بيننا بالحق ،و إ�ليه المرجع والم�آب.
فلا َتخفى عليه خافية.
١٣و َّ�ضح الله لكم -أ�يها الم ؤ�منونِ -م ْن ِدينه وب ّي ،ما
�أمر به نوح ًا �أن يدعو الخلق �إليه وي�ستقيم عليه ،وما �أنزله
إ�ليكم في القر آ�ن ،وما أ�مر به إ�براهي َم ومو�سى وعي�سى،
وهو إ�قام ُة الدين ِم ْن توحي ِد الله وطاع ِته ،وعد ِم التف ُّر ِق
والاختلاف فيهَ .ع ُظم على الم�شركين و�ش َّق ما تدعوهم
إ�ليه ِمن �إخلا�ص العبادة لله ،و إ�فراده با أللوهية ،الله تعالى
يختار ِمن عباده لدينه َمن ي�شاء ،ويو ِّفق لطاعته َمن ُيقبل
عليه تائب ًا من ذنوبه.
١٤وما تف ّرق �أقوا ُم ا ألنبياء إ� َّل ِم ْن بعد ما جاءهم
العل ُم ب أ� َّن ما �أمرهم الله به هو �إقام ُة الدين الحق ،و�أ َّل
يتفرقوا فيه ،ولكنهم فعلوا ذلك عدوان ًا ِم ْن بع�ضهم على
بع�ض ،وح�سداً ،وحم ّي ًة ،وطلب ًا للدنيا ،ولولا ُح ْك ٌم
�َس َب َق ِم ْن ر ِّبك با إلمهال وت�أخير الح�ساب والعذا ِب
إ�لى يوم القيامة؛ ل ُق�ض َي بينهم بتعجيل �إهلاك الم�شركين
منهم ،و إ� َّن الذين ُ�أوتوا الكتاب ِمن اليهود والن�صارى
لفي َحيرة ِم ْن �أمرهم و�ش ٍّك مري ٍب.
484
في قيام ال�ساعة ويخا�صمون فيها لفي �ضلال بعيد عن
الحق.
١٩الله كثي ُر ال ُّلطف بعباده َب ِّرهم وفا ِجرهم ،يو�ِّسع
على َم ْن ي�شاء الرزق ،وي�ض ِّيقه على َم ْن ي�شاء منهم ،بما
تقت�ضيه حكم ُته �سبحانه ،وهو القو ُّي الذي لا َيغلبه
�أحد ،العزي ُز في انتقامه إ�ذا انتقم ِم ْن أ�هل معا�صيه.
َ ٢٠م ْن كان يريد بعمله ثوا َب ا آلخرةَ ،ن ِز ْد له في
ثمرا ِت عمله ون�ضاع ِف الثوا َب له ،و َم ْن كان يريد
بعمله الدنيا وحدها ،ن�ؤْته ما ُق ِّدر و ُق ِ�سم له منها ،ولي�س
له في ا آلخرة ن�صيب من النعيم.
٢١أَ� َل ُهم �شركاء �شرعوا لهم ال�شر َك الذي لم ي أ�ذن به ١٦والذين يخا�صمون في دين الله ويجادلون ِلر ِّد
الله؟! -وهذا تقرير وتقريع وتوبيخ لهم -ولولا ال ُحك ُم ما يدعو إ�ليه من التوحيد ِمن بعد ما ا�ستجاب النا� ُس
ال�سابق من الله ،بت�أخير العقوبة والعذاب عن الم�شركين لر�سولنا محمد - -فدخلوا في دينهُ ،ح ّج ُتهم
�إلى قيام ال�ساعة؛ َل ُف ِر َغ ِمن الحكم بينكم وبينهم بتعجيل باطلة عند ربهم ،وعليهم غ�ض ٌب ِمن الله عظيم ،ولهم
العذاب لهم في الدنيا ،و�إ َّن الكافرين لهم يوم القيامة في ا آلخرة عذا ٌب �شدي ٌد.
عذاب �شديد الإيلام. ١٧الله الذي أ�نزل القر�آ َن و�سائر كتب ا ألنبياء
� ٢٢س َتى � -أيها النب ُّي -الكافرين يوم القيامة، بال�صدق والح ِّق والعدل ،وما ُيدريك -أ�يها الر�سول-
خائفين خوف ًا �شديداً ِم ْن عقاب الله ،على �أعمالهم لع َّل ال�ساعة التي تقوم فيها القيامة قريب ،والنا� ُس عنها
ِمن ال�شرك والأعما ِل الخبيثة ،وعذا ُب الله واق ٌع بهم
لا م َحال َة ،و�أ ّما الذين �ص َّدقوا بالله و أ�طاعوه ،فهم في في غفلة� ساهون.
الآخرة في رو�ضات الجنات ونعيمها ،لهم ما ت�شتهيه
�أنف�ُسهم ،و َتل ُّذه �أعي ُنهم ،هذا الذي أ�عطاهم الله ِمن ١٨ي�ستعجلك � -أيها الر�سول -بمجيء ال�ساع ِة الذين
النعيم والكرامة ،هو الف�ضل الكبير ِمن الله عليهم ،الذي ال ي ؤ�منون بها؛ ا�ستعجا َل ا�ستهزا ٍء منهم بها وتكذيب ًا
بمجيئها ،والذين �آمنوا خائفون َح ِذرون ِمن قيامها،
َي ْف ُ�ضل ك َّل نعيم وكرامة في الدنيا. ويعلمون أ�نها �آتية لا َر ْي َب فيها� .ألا إ� َّن الذين يجادلون
485
َبعد ي�ْأ�س ،وينزل بركاته على عباده ،وهو الوليُّ ب إ�ح�سانه ٢٣ذلك النعي ُم والكرامة في ا آلخرة للم ؤ�منين ،هو
وف�ضله ،الحمي ُد عند خلقه على إ�نعامه عليهم. الذي يب�ِّش الله به عباده ،الذين �آمنوا وعملوا ال�صالحات.
قل لهم -يا محمد :-لا �أ�س أ�لكم �أيها القوم على ما
٢٩و ِمن الدلائل الباهرة على كمال قدرته تعالى �أدعوكم إ�ليه ِمن الحق ،والن�صيح ِة التي أ�ن�صحكم ،ثواب ًا
المو ِجب ِة لتوحيدهَ ،خل ُقه ال�سماوات وا ألر�ض على ولا جزا ًء ،إ�ل ّا أ�ن َت َو ُّدوني لقرابتي منكم ،و َت ِ�صلوا ال َّرح َم
ما هما عليه ِمن عجي ِب ال�صنعة ،وما َن�َش فيهما من بيني وبينكم ،و َم ْن يعم ْل عمل ًا يطيع الله فيه؛ ُي�ضاعف
المخلوقات الكثيرة ،وهو على َج ْمع َخ ْلقه بعد موتهم الله له ثواب عمله ،و ُيح�سن جزاءه� ،إ َّن الله عف ٌّو غفور
ليوم القيامة قادر ،لا يتع َّذر عليه �شيء. لذنوب عبادهَ� ،شكور لح�سناتهم وطاعتهم إ�ياه.
٣٠وما ي�صيبكم -أ�يها النا�سِ -من م�صيب ٍة في ٢٤بل يقول ه�ؤلاء الم�شركون :ا ْخ َت َلق محم ٌد على الله
أ�نف�سكم ،و أ�هليكم ،و�أموالكم ،ف إ�نما ُي�صيبكم ذلك كذب ًا؛ فجاء بهذا القر آ�ن ِمن ِق َب ِل نف�سه ،ف�إ ْن ي�ش أ� الله
ب�سبب ما اكت�سبتم ِمن المعا�صي والذنوب ،ويعفو عن -يا محمد -ع َدم �صدور القر�آن عنك يختم على قلبك
فلم تقدر أ�ن تنطق بحرف واحد منه ،وحيث لم يكن
كثير ،فلا يعاقبكم عليه. كذلك؛ بل تواتر الوحي عليك حين ًا بعد حين ،تب َّي �أنه
من عند الله تعالى ،والله تعالى يمحو الباطل ويثبت الح َّق
٣١وما أ�نتم بمعجزين ر َّبكم �إذا �أراد عقوب َتكم؛ بكلماته� ،إ ّن الله عالم بما في �صدور خلقه ،وما تنطوي
ألنكم في قب�ض ِة ت�ص ُّرفه ،وما لكم ِم ْن دون الله ِم ْن وليٍّ
عليه �ضمائرهم ،لا يخفى عليه �شيء.
ولا ن�صير.
٢٥والله تعالى يقبل توب َة العبد ،إ�ذا رجع إ�لى الله
486 وطاعته ،ويعفو عن معا�صيه التي تاب منها ،و َيعلم
ر ُّبكم � -أيها النا�س -ما تفعلون ِم ْن خير و�ش ٍّر ،وهو
مجازيكم عليه ،فاحذروا أ�ن ترتكبوا ما ت�ستحقون به
العقوبة.
٢٦وي�ستجيب الله دعا َء الم ؤ�منين ودعاء بع�ضهم
لبع�ض ،العاملين بما أ�مرهم الله ،الـ ُمن َتهين ع ّما نهاهم
عنه ،ويزيدهم الله مع �إجابته دعاءهم ،ب�أن يعطيهم مالم
ي�س�ألوه ،والكافرون لهم يوم القيامة عذاب �شديد.
٢٧ولو و�َّسع الله الرز َق لجميع عباده لط َغوا في
ا ألر�ض وع�صوا وتك َّبوا ،ولكنه َيب�سط الرزق لمن ي�شاء
و ُي�ض ِّيقه على َم ْن ي�شاء ،إ� ّن الله عالم بما ُي�صلح عباده،
ب�صي ٌر بتدبير �ش ؤ�ونهم.
٢٨والله هو الذي ين ِّزل الغيث ،فيبع ُث فيكم ا ألم َل
الله من ثواب ا آلخرة ،خير للذين آ�منوا وعلى ربهم ٣٣ ٣٢ومن ا آليات الدا َّلة على قدرته؛ ال�سف ُن
يتوكلون. الجارية في البحر كالجبال ،وهي تحت ت�ص ُّرفه؛ ف إ� ْن �شاء
أ� ّل تجري� ،أ�ْس َك َن الريح ،فو َق ْف َن على ظهر الماء� ،إ َّن في
٣٩ - ٣٧والذين يجتنبون كبائ َر الذنوب كال�شرك هذا ا ألمر لعظ ًة وعبرة ،على قدرة الله على ما ي�شاء ،لك ِّل
بالله ،ويجتنبون الفواح� َش كالزنا ،و�إذا �أغ�ضبهم �أح ٌد،
فهم يتجاوزون و َي�صفحون ،طلب ًا لثواب الله .والذين ذي �صبر على طاعة الله� ،شكو ٍر لنعمه ،وهو الم ؤ�من.
�أجابوا ر َّبهم حين دعاهم إ�لى توحيده وعبادته ،و أ� َّدوا
ال�صلا َة على َو ْجهها ا ألكمل في �أوقاتها ،و�إذا �أه َّمهم ٣٤و�إ ْن ي�ش�أ اللهُيجع ِل الريا َح عوا�ص َف ف ُيغرق ال�سفن
َأ� ْم ٌر ت�شاوروا وتنا�صحوا فيه ،ومما رزقناهم من الطيبات ب َم ْن فيها؛ وذلك بما ك�سب �أه ُلها من الذنوب ،وي�صفح
ينفقون .والذين �إذا َبغى عليهم ُم ْعت ٍد ينت�صرون للح ِّق،
الله عن كثير من ذنو ِب عباده فلا ي ؤ�اخذهم بها.
ِمن غير أ�َ ْن يعتدوا.
٣٥ويعلم الكافرون بالله المجادلون في �صدق ر�سله
٤٠وجزا ُء الم�سيء أ� ْن ُيعا َق َب بمثل ما َجنى فلا ُيقت�ُّص إ�ذا بقي ِت ال�سف ُن رواك َد� ،أو �إذا تو�َّسطوا البحر وغ�شيتهم
ِم ْن أ�حد إ�لا بمقدار جنايته ،ف َم ْن عفا ع َّمن �أ�ساء إ�ليه ،فلم
َيقت�َّص منه ابتغا َء وجه الله ،ف�أج ُر عفوه على الله� ،إ َّن الله العوا�صف أ�نهم لا ملج�أ لهم �سوى الله.
لا يح ُّب الظالمين ،الذين يعتدون على النا�س. ٣٦فما �ُأعطيتم -أ�يها النا�سِ -من زينة الدنياِ ،من
ما ٍل وجا ٍه وبنين ،فما هو �إلا َمتا ٌع قلي ٌل زائ ٌل ،وما عند
٤١و َلـ َمن انت�صر لنف�سه ممن َظ َل َمه ف أ�ولئك لا م�ؤا َخذ َة
عليهم بعقوبة؛ ألنهم انت�صروا منه بح ٍّق.
٤٢إ�نما الم ؤ�اخذ ُة والعقاب على الذين يعتدون على
النا�س بغير ح ّق ،ويتجاوزون حقو َقهم التي أ�باحها الله
لهم ،ويف�سدون في ا ألر�ض بغير الح ّق ،فه ؤ�لاء الظلم ُة
لهم عذا ٌب ُموج ٌع في جهنم.
٤٣و َلـ َم ْن �صبر على ا إل�ساءة ،و َغفر للم�سيء فلم
يقت�َّص منه؛ ابتغاء وجه الله ،وجزيل ثوابه� ،إ َّن ذلك ِمن
َع ْزم ا ألمور التي َن َد َب اللهُ �إليها عباده ،ور َّتب عليها
ثواب ًا جزيل ًا.
٤٤و َم ْن َي ْحكم اللهُب�ضلاله ،فلي�س له ِم ْن �أحد ي�س ّدده
ويهديه .وترى الكافرين -يا محمد -لـ ّما َر�َأوا عذاب
الله ،يقولون :ر َّبنا هل لنا ِم ْن رجوع إ�لى الدنيا؛ لنعمل
عمل ًا �صالح ًا غير الذي كنا نعمل؟ فلا يجابون إ�لى ذلك!
487
٥٠ ٤٩لله �سلطا ُن ال�سماوات وا ألر�ض ،يت�ص َّر ُف ٤٥وترى -يا محمد -الكافرين ُيع َر�ضون على
فيهما بما يريد ،ويخلق ما ي�شاءَ ،ي َه ُب �سبحانه ِم ْن ف�ضله، جهنم خائفين مما يلحقهم ِمن الذ ِّل وقد �أَطرقوا
ِلـ َمن ي�شاء ِم ْن َخلقه ا إلنا َث دون الذكور ،و َي َه ُب ِلـ َم ْن
ي�شاء منهم الذكو َر فقط دون ا إلناث� ،أو يجمع لمن ي�شاء بر�ؤو�سهم لا يوا ِجهون ب�أب�صارهم �أحداً ولا ينظرون
بين الذكور وا إلناث ،ويجع ُل َم ْن ي�شاء عقيم ًا لا ُيولد �إ ّل ِخ ْف َي ًة .وقال الم ؤ�منون في الجنة -لـ ّما عاينوا ما ح َّل
بالكفار ِمن خ�سران :-إ� َّن الخا�سرين هم الذين خ�سروا
له ،إ� َّن الله �سبحانه عليم ،قدي ٌر على ما يريد. �أنف َ�سهم و أ�هليهم يوم القيامة� .أ َل إ� َّن الكافرين في عذا ٍب
٥١ما �ص َّح بوج ٍه ِمن الوجوه لب�ش ٍر ِمن بني �آدم �أ ْن دائم م�ستم ٍّر ال ينقطع عنهم ،ولا يزول ولا يخ َّفف.
يك ِّلمه الله� ،إلا وحي ًا يوحيه إ�ليه كيف �شاء� ،إلقا ًء في
القلب� ،أو �إلهام ًا� ،أو غيره� ،أو يك ِّل َمه ِم ْن وراء حجاب ٤٦وما كان له�ؤلاء الكافرين �أعوا ٌن ولا ُن�صراء
-كما ك ّلم مو�سى عليه ال�سلام -بحيث ي�سمع كلا َمه
ولا يراه ،أ�و ُير ِ�س َل الله ِم ْن ملائكته ر�سول ًا -وهو َي ْدفعون عنهم عذاب الله .و َم ْن ي�ضلل الله -ب أ� ْن َيخذله
الغالب -فيوحي إ�لى المر�َسل إ�ليه ،ما �شاء الله �أ ْن يوحيه، وال يو ِّفقه لطريق الح ّق والهداية -فلي�س له ِمن طريق
إ� َّن الله ذو عل ٍّو واقتدا ٍر ،وذو حكمة في تدبير َخ ْلقه. للنجاة ِمن العذاب.
� ٤٧أَجيبوا � -أيها النا�س -داعي الله محمداً - -
وا ّت ِبعوه ،على ما جاءكم به ِم ْن عند ربكمِ ،م ْن قبل أ�ن ي أ�تي
يوم القيامة الذي لا َيقدر أ�حد على ر ِّده و َد ْفعه ،وما لكم
ِم ْن ملج أٍ� يومئ ٍذ تلت ِج ُئون �إليه ،فتعت�صموا به ِم ْن عذاب
الله ،وما لكم ِمن نا�ص ٍر يغ ِّي ما يح ُّل بكم ِم ْن عقابه.
٤٨ف إ� ْن أ�عر�ض ه�ؤلاء الكافرون ع ّما أ�ت ْيتهم به ِمن
الح ّق وال ُّر�شد ،فلم ي�ستجيبوا لك ف َد ْعهم؛ ف�إ ّنا لم نر�سلك
رقيب ًا عليهم ،تحفظ أ�عما َلهم و ُت�صيها ،وما عليك �إ ّل أ�ن
تب ِّلغهم الر�سالة ،وقد ب َّلغ َت -وفي هذا َت�سلي ٌة للر�سول
وت أ�ني�س له -و�إذا �أعطينا ا إلن�سان من ف�ضلنا نعم ًة
ِم ْن غن ًى وجا ٍه و أ�م ٍن وغير ذلك َف ِرح و َب ِطر ألجلها
وا�ستك َب ،و إ� ْن �أ�صابته م�صيبة ِم ْن فق ٍر ومر�ٍض وخو ٍف
وغير ذلك؛ ب�سبب ما قدم ْت يداه من المعا�صي وا آلثام،
ف إ� َّن الإن�سان كثير الجحود لنعم ربهُ ،يع ِّدد الم�صائب
ويت�س َّخط عليها ،وين�سى النعم.
488
َ ٢أ� ْق َ�س َم الله تعالى بالقر آ�ن الوا�ضح الجل ِّي ،الـ ُمظهر
لطريق الهداية ،وما ُيحتاج إ�ليه من ال�شريعة.
� ٣إ ّنا �أنزلنا القر آ�ن بل�سان العرب؛ لكي تفهموه،
ولتعقلوا معانيه ،وتعملوا بما جاء به.
٤و�إ َّن هذا القر آ�ن ُم ْث َبت في اللوح المحفوظ ،وهو
عندنا رفيع ال�ش�أن ،وهو ذو ِحكم ٍة با ِلغ ٍة؛ لا اختلاف
فيه وال تناق�ض.
� ٥أَ َفنتر ُككم -أ�يها الم�شركون -فلا ُنذ ِّكركم بعقابنا
ولا بعذابنا ِم ْن �أجل أ�نكم قوم ُم ْف ِرطون في الكفر
متمادون في الإعرا�ض عن الح ّق؟! لا ،بل َن ِعظكم
ونذ ِّكركم بالقر آ�ن.
٨ - ٦ولقد �أر�سلنا كثيراً من الأنبياء �إلى ا ألمم ٥٣ ٥٢وكما �أوحينا �إلى الر�سل ِمن قبلك ،أَ�وحينا
قبلك -يا محمد -وما ي�أتي هذه ا ألم َم ِمن نب ٍّي إ�لا كانوا
به ي�سخرون وي�ستهزئون كا�ستهزاء قومك بك؛ فلا إ�ليك -يا محمد -هذا القر�آ َن الذي تحيا به القلوب،
َي ْع ُظم ّن عليك ذلك .ولقد أ�هلكنا المك ِّذبين بما فعلوا ب�أَ ْمرنا و�إرادتنا ،ما كن َت تعرف القر آ� َن و أ�حكامه ولا
ب أ�نبيائهم وكانوا �أ�ش َّد ِم ْن قومك قو ًة وبط�ش ًا ،وهكذا ا إليما َن -أ�ي على التف�صيل الذي �ُ ِش َع لك في القر�آن-
َج َر ْت �ُس َّنة الله و َم َ�ضت عقوب ُة ا أل َّولين ب�أن �ُأهلكوا ولك ْن جعلنا هذا القر�آن نوراً م�ضيئ ًا ،نهدي به َم ْن ن�شاء
ِم ْن عبادنا إ�لى الدين الحق ،و�إنك -يا محمدَ -ل ُت�شد إ�لى
ب�سبب كفرهم وا�ستهزائهم ب أ�نبيائهم. الطريق الم�ستقيم -وهو الإ�سلام -دي ِن الله الذي له ُملك
جميع ما في ال�سماوات والأر�ض ،ال� شريك له في ملك
٩ولئن �س أ�ل َت -يا ر�سول الله -ه�ؤلاء الم�شركين ِم ْن
قومكَ :م ْن َخ َل َق ال�سماوات والأر�ض؟ لي ُقو ُل ّن :خلقه َّن ذلك ،أ� َل إ�لى الله ترجع �أمو ُركم أ�يها النا�س في الآخرة،
الله العزيز في �سلطانه ،العليم الذي لا يخفى عليه �شيء فيق�ضي بينكم بالعدل؛ ألنه لا حاك َم وال� سلطان غيره.
فيهن.
١٠الذي َم َّهد لكم ا ألر�ض ،فجعلها لكم ِوطا ًء،
َت�شون عليها ،وجعل لكم فيها ُط ُرق ًا �صالحة لمعا�شكم؛
لعلكم تهتدون �إلى خالقها بما ب َّثه فيها ِمن ا آليات
وعجائب الخلق.
} ١ﮀ{ �سب َق الكلا ُم على هذه الحروف
الـ ُمق ّطعة في �أول �سورة البقرة.
489
وعباده ،بنا ٍت لله ،ف�أن َّثوهم�َ .أ َح َ�ضوا َخ ْل َقهم حتى ١١وهو الذي ن ّزل من ال�سماء ماء بمقدا ٍر ُمع َّي اقت�ضته
يعرفوا ِجن َ�سهم؟! �س ُتكتب �شهاد ُتهم التي هي بغير ح ٍّق حكم ُته ،ف�أحيا به بلدة ُ ْم ِدبة ،لا نبا َت فيها ولا زرع،
و أ�خرج به ِمن الزرع والثمر رزق ًا لكم .إ� َّن الذي �أحيا
ولا برهان ،و ُي�س�ألون عنها يوم الح�ساب. الأر�َض بعد موتها لقادر على بعثكم و�إخراجكم ِم ْن
٢٠وقال ه�ؤلاء الم�شركون :لو �شاء الرحمن ما َع َبدنا قبوركم �أحيا ًء بعد مماتكم.
�أوثا َننا� ،إ َذ ْن فالله را�ٍض عن عبادتنا �إيّاها .ما لهم بما
يقولون ِم ْن علم ،و إ�نما َيكذبون فيما قالوا؛ ألنهم لا َخ َب ١٢وهو الذي َخ َل َق أ��صناف المخلوقات ك ّلها من
الحيوان والنبات ،و َح ِف َظ ا�ستمرا َر وجودها بالتزاوج
عندهم ِمن الله ،ولا برهان. والتنا�سل ،و َج َع َل لكم ِمن ال�سفن ما تركبونه في البحار،
و ِمن ا ألنعام ما تركبونه في ال َ ِّب؛ لبلوغ مقا�صدكم
� ٢١أَ ْم هل �آتينا ه ؤ�لاء المك ِّذبين ،كتاب ًا ِم ْن َق ْب ِل القر آ�ن،
ب�أن يعبدوا غي َر الله ،فهم به م�ستم�سكون يعملون بما فيه، وق�ضا ِء حاجاتكم.
ويحت ُّجون به عليك يا محمد؟ ١٤ ١٣و�س َّخر لكم ذلك لكي ت�ستووا على ظهور
٢٢لي�س الأم ُر كذلك ،إ�ذ لا دلي َل لهم ِم ْن عق ٍل أ�و ما تركبون ،ثم تتفكروا في نعمة الله التي �أنعمها عليكم،
َن ْق ٍل على ما يزعمون ،ولكنهم قالوا :وجدنا �آبا َءنا على بت�سخيره ذلك لكم ،إ�ذا ا�ستويتم عليه ،ف َتحمدوه
دين و ِم َّل ٍة ،فنحن �سائرون على منهاجهم ،مقتدون بهم، وتع ِّظموه ،وتقولوا :الحمد لله الذي َخ َل َق هذا وذ َّللـه
لنا ،وما كنا ل ُركوبه ُم ِطيقين لولا ت�سخي ُره ،و�إ ّنا إ�لى ر ِّبنا
نعبد ما كانوا يعبدون ِمن ا ألوثان وا أل�صنام.
راجعون بعد َماتنا.
١٥وا َّدعى الم�شركون لله ِمن َخ ْلقه ن�صيب ًا ،وذلك
قولهم :الملائك ُة بنات الله .إ� َّن الكافر لظاهر الجحود،
�شدي ُد ا إلنكار ِل ِنعم ر ِّبه التي �أنعمها عليه.
١٦أَ� ِم اتخذ ر ُّبكم �أيها الجاهلون مما يخلق بنا ٍت
لنف�سه؟ وخ َّ�صكم بالبنين ف َجعلهم لكم كما تزعمون؟!
١٧و�إذا ُب�ِّش أ�ح ُد الم�شركين بولاد ِة ما ن�سبوه لل ِه من
البنات� ،صار وج ُهه م�سوداً ِمن �سو ِء الب�شارة ،وهو
حزي ٌن ممتل ٌئ غيظ ًا وغ ّم ًا ،فكيف ت أ�نفون �أنتم ِمن ذلك
وتن�ُسبونه إ�لى الله تعالى؟!
١٨أ�ين ُ�سبون �إلى الله البنا ِت اللواتي ُير َّبين في الزينة
والنعمة ،وه َّن عند الخ�صام والجدال لا تكاد َتظهر
ُح ّجته َّن!
١٩وجعل الم�شركون بالله الملائك َة الذين هم َخ ْل ُقه
490
�إ ّل ِمن الله الذي خلقني ،ف�إنه �سيهديني للدين الح ِّق، ٢٣وكذلك لم نر�سل َقبلك � -أيها الر�سول -إ�لى
ويوفقني لاتباعه. �أهل قرية ر�سل ًاُ ،تنذرهم عقابنا على كفرهم بنا؛ �إ ّل قال
ر�ؤ�سا�ؤهم وكبرا ؤ�هم حين أ�نذرتهم ر�سلنا� :إ ّنا وجدنا
٢٨و َجعل إ�براهي ُم كلم َة التوحيد والبراءة ِمن ال�شرك آ�باءنا على ِم ّل ٍة ودي ٍن ،و�إ ّنا �سائرون على منهاجهم
بالله -ب إ�علانه لها وو�صيته ألبنائه و َمن بعدهم بها-
كلم ًة باقي ًة في ذريته ،فلا يزال َم ْن يو�صي بها ،رجا َء �أَ ْن وطريقتهم مقتدون بفعلهم ،نعبد ما كانوا يعبدون.
يرجع َم ْن أ��شرك بالله منهم إ�لى عبادة الله وحده. ٢٤قال ك ُّل نذير ِم ْن أ�ولئك المر�سلين ألمته :لو
٢٩بل م ّتع ُت -أ�يها الر�سول -ه�ؤلاء الم�شركين ِم ْن جئتكم بدين �َأ ْهدى �إلى �سبيل الر�شاد ،مما وجدتم عليه
قومك ،و�آبا َءهم ِم ْن قبلهم في الحياة ،فلم أُ�عاجلهم �آباءكم ِمن الدين والملة أ� ُت ِ� ُّصون على اتباعهم؟ ف�أجابت
بالعقوبة على كفرهم؛ حتى جاءهم القر�آن يب ِّي لهم الأمـ ُم المك ِّذب ُة ر�سلها بنف�س الجواب� :إنا بما أ�ُر�سلتم به
بالحجج أ�نك ر�سو ٌل ُم ِح ٌّق فيما تقول ،وي�شرع لهم ما كافرون ،وعلى الدين الذي كان عليه �آبا�ؤنا م�ستم ُّرون.
٢٥فانتقمنا ِم ْن ه�ؤلاء الذين ك َّذبوا ر�س َلهم وكفروا
يحتاجون �إليه ِمن �أ ْمر الدين. بربهم ،ب�إحلال العقوبة بهم ،فانظر -يا محمد -كيف
٣٠ولـ ّما جاءهم القر�آن ِم ْن عند الله بلاغ ًا على ل�سان كان �آخر �أمرهم� ،ألم نهلكهم فنجعلهم ِعبرة لغيرهم؟!
ر�سوله - -قالوا :هذا الذي جاءنا به محم ٌد �سح ٌر
َي�سحرنا به ،ولي�س بوحي ِمن الله ،و إ� ّنا به جاحدون، ٢٧ ٢٦واذكر حين قال إ�براهيم ألبيه وقومه ،الذين
كانوا يعبدون الأوثان وا أل�صنام :إ�نني بري ٌء مما تعبدون،
ننكر أ� ْن يكون ِمن عند الله.
٣١وقال الم�شركون من قري�ش -على �سبيل العناد
والح�سد :-ه ّل ُن ِّزل هذا القر آ�ن على رجل كثي ِر المال
عظي ِم الجاه ِمن مكة �أو الطائف؟!
� ٣٢أب�أيدي ه�ؤلاء �أم ُر النب ّو ِة وا�صطفاء َم ْن ي�صلح لها؟
نحن نختار للنب ّوة َم ْن ن�شاء ِم ْن عبادنا و َن ْق ِ�سم رحمتنا
وكرامتنا ،كما َق َ�سمنا بينهم الأرزا َق وا ألقوات في
حياتهم الدنيا ،فجعلنا هذا غن ّي ًا وهذا فقيراً .وجعلنا
بع َ�ضهم في الدنيا �أرف َع ِم ْن بع�ض درج ًة؛ ليكون بع�ضهم
في خدمة بع�ض ،ف ُي ِفيد ك ُّل واحد ِمن غيره في أ�مور
المعا�ش .ونعم ُة الله عليك � -أيها الر�سول -خي ٌر مما
يجمع ه ؤ�لاء ِم ْن حطام الدنيا.
٣٣ولولا �أ ْن يفتتن النا�س بمظاهر الحياة الدنيا فيكونوا
جماع ًة واحدة على الكفر لَـ َجعلنا -لهوان الدنيا علينا
و ِق َّلة مقدارها عندناُ� -س ُق َف بيوت الكافرين ِمن ف ّ�ضة،
و َلـ َجعلنا لها مراقي و َد َرج ًا من ف ّ�ض ٍة كذلك ،عليها
ي�صعدون.
491