The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

تفسير القرآن الكريم_compressed

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Ghada Alnawawy, 2021-11-09 00:37:41

تفسير القرآن الكريم_compressed

تفسير القرآن الكريم_compressed

‫‪ ٣٧‬ودلي ٌل آ�خر على قدرة الله‪ :‬اللي ُل نخرج منه النهار‬ ‫‪ ٢٩ ٢٨‬وما أ�نزلنا على قوم هذا الم�ؤمن الذي قتله‬
‫بنزعه منه �شيئ ًا ف�شيئ ًا‪ ،‬ف إ�ذا هم داخلون في الظلام‪.‬‬ ‫قو ُمه لدعو ِته �إياهم إ�لى الله من بعد َق ْت ِله جنوداً من ال�سماء‬
‫ُيقاتلونهم‪ ،‬ولي�س من �ُس َّنتنا �إذا أ�ردنا ا�ستئ�صا َل المك ِّذبين‬
‫‪ ٣٨‬وال�شم� ُس تجري �إلى مو�ضع َقرارها‪ ،‬هذا تقدي ُر‬ ‫�أ ْن ننزل عليهم جنداً ِمن ال�سماء‪ .‬ما كانت عقوبتهم‬
‫العزيز الذي لا ُيعجز قدر َته �شي ٌء‪ ،‬العليم المحيط علمه‬ ‫�إلا �صيح ًة واحدة‪ ،‬ف�إذا هم هالكون ال‪ ‬يتحركون‬

‫بكل �شيء‪.‬‬ ‫وال‪ ‬ينطقون‪.‬‬

‫‪ ٣٩‬و�آي ٌة لهم تقدي ُرنا القم َر مناز َل‪ ،‬حيث يزيد ك َّل‬ ‫‪ ٣٠‬يا ح�سر ًة من العباد على �أنف�سهم‪ ،‬وتن ُّدم ًا وتل ُّهف ًا‬
‫ليلة من �أول ال�شهر حتى ي�صبح بدراً ثم يبد أ�ُ النق�صا ُن‪،‬‬ ‫على ما كانوا ي�صنعون من ا�ستهزائهم بر�ُسل الله‪.‬‬
‫ف إ�ذا كان في �آخر منازله َد َّق وتق َّو�س حتى ي�صبح ك ِع ْذ ِق‬
‫‪� ٣١‬ألم َي َر ه�ؤلاء الم�شركون بالله ِمن قومك ‪ -‬أ�يها‬
‫التمر إ�ذا يب�س‪ ‬واع َو َّج‪.‬‬ ‫الر�سول‪ -‬كم أ�هلكنا قبلهم ِمن ا ألمم بتكذيبهم ر�س َلنا‪،‬‬
‫وكف ِرهم ب�آياتنا‪� ،‬ألم يروا �أ َّن الذين �أهلكناهم لا يعودون‬
‫‪ ٤٠‬لا ال�شم� ُس َيت أ� َّتى لها �إدرا ُك القمر‪ ،‬ولا القمر‬
‫يت�أ َّتى له ال َّلحاق بال�شم�س‪ ،‬ولا غرو ُب ال�شم�س يمكن‬ ‫إ�ليهم في الدنيا؟ �أفلا يعتبرون؟!‬
‫أ�ن ي�سبق وق َته‪ ،‬وال‪� ‬شروقها يمكن أ�ن يتح َّقق قبل وقته‪،‬‬
‫وك ُّل النجو ِم والكواكب لها �أفلاكها التي َت�ْسبح فيها‬ ‫‪ ٣٢‬و إ� َّن ك َّل هذه القرون التي �أهلكناها والذين لم‬
‫ُنهلكهم وغيرهم عندنا يو َم القيامة مجموعون للح�ساب‪.‬‬
‫ولا َتيد عنها‪.‬‬
‫‪ ٣٣‬ودلال ٌة له ؤ�لاء الم�شركين على قدر ِة الل ِه على ما‬
‫‪442‬‬ ‫َي�شا ُء‪ ،‬وعلى ا إلحيا ِء بعد المو ِت‪ :‬إ�حيا ُؤ�ه ا ألر�َض الميت َة‬
‫التي لا َن ْب َت فيها بالغيث الذي ُينزله من ال�سماء‪ ،‬حتى‬
‫يخرج زر ُعها‪ ،‬ثم �إخرا ُجه منها الح َّب الذي هو قو ٌت‬

‫لهم‪ ،‬فمنه ي�أكلون‪.‬‬

‫‪ ٣٤‬وجعلنا في هذه ا ألر�ض التي أ�حييناها بعد موتها‪،‬‬
‫ب�ساتي َن ِم ْن نخيل و�أعناب‪ ،‬و أ� ْن َبعنا فيها عيو َن الماء‪.‬‬

‫‪ ٣٥‬أ�ن�ش�أنا هذه الب�ساتين‪ ،‬و�أجرينا هذه المياه لي�أكلوا‬
‫ِم ْن ثمارها مما خلقنا لهم و�أقدرناهم على َع َمله ِمن‬
‫ال َغ ْر�س وال�سقي ونحوه‪ ،‬أ�فلا ي�شكرون َم ْن رزقهم ذلك‬

‫و�أنع َم‪ ‬عليهم‪ ‬به؟‬

‫‪َ ٣٦‬تن َّزه الله تعالى الذي خل َق ا إلن�سا َن وجميع‬
‫الحيوانات مما تنبت ا ألر�ُض و ِمن تزاوج ذكورهم و إ�ناثهم‬
‫ومما لا يعلم �س َّره �إلا الخال ُق �سبحانه‪ ،‬تنزه أ�ن ُي�شرك به �أحد‪.‬‬

‫حجج الله‪ ،‬وعلام ٌة من علاماته الدا َّل ِة على وجوب‬ ‫‪ 41‬ودلي ٌل لهم أ�ي�ض ًا‪ ،‬وعلام ٌة على قدرتنا على ما‬
‫توحيده‪ ،‬وت�صديق ر�سوله إ�لا كانوا عنها معر�ضين‪ ،‬لا‬ ‫ن�شاء أ� ْن َح َملنا قبل الطوفان نوح ًا و َم ْن آ�من معه ِم ْن ذرية‬

‫يتفكرون فيها ولا يتد َّبرونها‪ ،‬ولا يعملون بمقت�ضاها‪.‬‬ ‫�آدم في ال�سفينة المملوءة بالمتاع والحيوان‪.‬‬
‫‪ 47‬و إ�ذا قيل لهم ‪� :‬أن ِفقوا ِم ْن رزق الله الذي رزقكم‪،‬‬
‫ف�أ ُّدوا منه ألهل الحاج ِة والم�ْس َكنة قالوا‪� :‬أ ُنطعم أ�موا َلنا‬ ‫‪ 43 42‬وخ َل ْقنا له�ؤلاء الم�شركين المك ِّذبين بك‬
‫َم ْن لو ي�شاء‪ ‬الله أ�طعمه؟! ما �أنتم أ�يها القوم في قولكم‪:‬‬ ‫‪ -‬أ�يها الر�سول ‪ -‬تف ُّ�ضل ًا م ّنا عليهم ِمن مثل هذه ال�سفن‬
‫�أنفقوا على م�ساكينكم إ�لا في ُب ْع ٍد ظاه ٍر عن الحق‪،‬‬ ‫ما يركبون‪ ،‬و إ�ِ ْن ن�ش أ� نغرقهم إ�ذا ركبوها في البحر فلا‬
‫ُمغي َث لهم �إذا �أردنا إ�غراقهم‪ ،‬ولا هم ينجون من‪ ‬الموت‪.‬‬
‫و َجو ٍر وا�ض ٍح عن الر�شد‪.‬‬
‫‪ 48‬ويقول ه ؤ�لاء الم�شركون المك ِّذبون بوعي ِد الله‬ ‫‪ 44‬لا ينجون �إلا �أ ْن ُننقذهم نحن‪ ،‬رحم ًة م ّنا لهم‬
‫وبالبعث بعد الممات‪ ،‬ي�ستعجلون ر َّبهم بالعذاب‬ ‫ولنم ِّتعهم إ�لى �أج ٍل هم با ِلغوه‪.‬‬
‫‪ -‬ا�ستهزا ًء‪ : -‬متى و ْع ُد الب ْع ِث والقيامة �إ ْن كنتم �صادقين‬
‫‪ 45‬و إ�ذا قيل له�ؤلاء الم�شركين‪ :‬احذروا أ�ن يح َّل‬
‫فيما كنتم تقولون؟‬ ‫بكم مث ُل ما ح َّل ِمن ِن َق ِم الله با ألمم قب َلكم ل�شرككم‬
‫وتكذيبكم‪ ،‬واحذروا بعد َهلاككم عذا َب ا آلخرة‪،‬‬
‫‪ 49‬ما ينتظر ه�ؤلاء �إلا نفخ ًة واحد ًة وهي النفخة‬ ‫رجا َء أ� ْن يرحمكم ر ُّبكم �إ ْن أ�نتم ا�ستجبتم‪ .‬إ�ذا قيل لهم‬
‫ا ألولى‪ ،‬ت�أخذهم َفج�أ ًة فتهلكهم وهم لاهون‪ُ ،‬يخا�صم‬
‫هذا‪� ‬أعر�ضوا‪.‬‬
‫بع ُ�ضهم بع�ض ًا لا يخطر ببالهم �أم ُرها‪.‬‬
‫‪ 50‬فلا ي�ستطيعون عند النفخ في ال ُّ�صور �أ ْن ُيو�صوا‬ ‫‪ 46‬وما تجيء ه�ؤلاء الم�شركين ِمن قري�ش حج ٌة ِمن‬
‫في �شيء من أ�موالهم �أحداً‪ ،‬ولا ي�ستطيع َم ْن كان منهم‬
‫خارج ًا عن �أهله أ�ن يرجع إ�ليهم‪ ،‬لا ُي َهلون بذلك‪ ،‬بل‬

‫ُيع َّجلون بالهلاك‪.‬‬

‫‪ 51‬و َن َفخ �إ�سرافي ُل في ال ُّ�صور النفخ َة الثاني َة وهي‬
‫نفخة البعث‪ ،‬ف إ�ذا هم قيا ٌم من القبور ُي�سرعون في الم�شي‬

‫إ�لى الـ َمح�شر‪.‬‬
‫‪ 52‬قالوا بعد نفخ ِة البع ِث وقد ُر ّدت أ�روا ُحهم �إلى‬
‫أ�ج�سامهم‪ :‬يا ويلنا َم ْن َأ� ْن�َشنا ِمن م�ضجعنا؟ فيقول لهم‬
‫الم�ؤمنون �أو الملائكة‪ :‬هذا ما َو َع َد الرحم ُن‪ ،‬و َ�ص َد َق‬

‫المر�سلون فيما ب َّلغوا‪.‬‬

‫‪ 53‬ما كانت نفخ ُة البع ِث إ�لا نفخ ًة واحدة ف إ�ذا هم‬
‫مجتمعون لدينا قد ُأ�ح�ضروا‪ ،‬للعر�ض والح�ساب‪.‬‬

‫‪ 54‬ثم ُيقال لهم‪ :‬اليو َم لا ُيظلم أ�ح ٌد‪ ،‬ولا تكاف�ؤون‬
‫�إلا ب أ�عمالكم التي كنتم تعملون بها في الدنيا‪.‬‬

‫‪443‬‬

‫‪� 58 - 55‬إ َّن أ�ه َل الجنة اليو َم في �ُشغل بما فيه من‬
‫النعيم المقيم‪ ،‬ف ِرحون بما أ�نعم اللهُعليهم‪ُ .‬هم و�أزوا ُجهم‬
‫في ظلال‪ ،‬م َّتكئون على ال�ُّسر وا ألرائك‪ .‬لهم في الجنة‬
‫فاكه ٌة كثيرة مما ي�شتهون‪ ،‬ولهم فيها ما يتم َّنون‪ .‬و ُيقال‬
‫لهم بوا�سطة الملائكة �أو ِم ْن غير وا�سطة‪� :‬سلا ٌم عليكم ِم ْن‬
‫ر ٍّب رحيم‪ ،‬مبالغ ًة في �إكرامهم‪ ،‬و ذلك غاي ُة ُم َتم َّناهم‪.‬‬

‫‪ 61 - 59‬ويقال للكافرين في هذا اليوم‪ :‬ان َف ِ�صلوا‬
‫عن الم ؤ�منين وكونوا على ِح َد ٍة؛ �إذ هم واردون غير‬

‫َم ْو ِردهم‪ ،‬وداخلون غير ُمدخلهم‪ .‬ثم ُيقال لهم ‪� :‬ألم‬
‫أ� ْو ِ�صكم و�آمركم في الدنيا �ألا تطيعوا ال�شيطان‪ :‬إ� َّن‬
‫ال�شيطان لكم عد ٌّو‪ ،‬قد �أ َبا َن لكم عداوته‪ .‬و�ألم �َأ ْع َهد‬
‫إ�ليكم أ�ن اعبدوني دون كل ما �سواي‪ ،‬و�إ ّيا َي ف أ�طيعوا‪،‬‬
‫ف�إ َّن �إخلا�ص عبادتي‪ ،‬و إ�فرا َد طاعتي‪ ،‬ومع�صي َة ال�شيطان‪،‬‬

‫هو الدين ال�صحيح‪ ،‬والطريق الم�ستقيم‪.‬‬

‫‪ 67‬ولو ن�شاء لغ َّينا �صورهم ولأَ ْقعدناهم في �أماكنهم‬ ‫‪ 64 - 62‬ولقد �ص َّد ال�شيطا ُن منكم َخلق ًا كثيراً‬
‫فلا ي�ستطيعون َأ� ْن يم�ضوا �أمامهم ولا �أَ ْن يرجعوا وراءهم‪.‬‬ ‫عن طاعتي و إ�فرادي بالألوهية‪� ،‬أفلم تكونوا تعقلون أ� َّنه‬
‫ال‪ ‬ينبغي لكم أ� ْن تطيعوا ع ُد َّوكم وعد َّو الله‪ ،‬وتعبدوا غي َر‬
‫‪ 68‬و َم ْن ُن ِطل عم َره يتزايد َ�ض ْعفه وتتناق�ص قوته حتى‬ ‫الله‪ .‬ويقال لهم‪ :‬هذه جه َّن ُم التي كنتم ُتوعدون بها في‬
‫ُير َّد �إلى حا ٍل �شبيهة بحاله ا ألولى في �ضعف الج�سد وق ّلة‬ ‫الدنيا على ُكفركم بالله ومع�صي ِتكم ر�س َله‪ ،‬فكنتم بها‬
‫العلم‪� ،‬أفلا تعقلون فتعلمون �أ َّن َمن َق َدر على ذلك قادر‬ ‫تك ِّذبون‪ .‬احت ِرقوا بها اليو َم بما كنتم تجحدونها في الدنيا‬

‫على َبعثكم‪.‬‬ ‫و ُتك ّذبون بها‪.‬‬

‫‪ 69‬وما ع َّلمنا مح َّمداً ال�شعر‪ ،‬وما ينبغي له �أن يكون‬ ‫‪ 65‬اليوم ُن ْح ِكم إ�غلا َق �أفواه الكافرين‪ ،‬وتك ِّلمنا‬
‫�شاعراً‪ ،‬وما هذا الذي ع ّلمناه إ�ياه �إلا ِذكر ُيذ ّكركم الله‬ ‫أ�يديهم‪ ،‬وت�شه ُد �أرج ُلهم عليهم فلا ي�ستطيعون إ�نكا َر ما‬
‫به‪ ،‬وهو قر آ� ٌن ُيبين لمن تد َّبره بعق ٍل و ُل ٍّب أ� َّنه تنزي ٌل ِم َن‬ ‫كانوا يعملون في الدنيا من الآثام‪ .‬وهذا يكون في بع�ِض‬

‫الله‪ ،‬ولي�س ب ِ�شع ٍر ولا �َس ْج ِع كاه ٍن‪.‬‬ ‫مواق ِف الح�ساب يوم القيامة‪.‬‬

‫‪ 70‬وقد �أنزلنا هذا القر آ�ن على ر�سولنا محمد لينذر‬ ‫‪ 66‬ولو ن�شاء َل َعاقبناهم على كفرهم‪ ،‬ف َطم�سنا على‬
‫به َم ْن كان ح َّي القل ِب‪َ ،‬يعقل ما ُيقال له فينتفع بالإنذار‪،‬‬ ‫أ�عينهم ف�يَّصناهم ُعمي ًا لا يب�صرون طريق ًا ولا يهتدون‬
‫ول َي ِجب العذا ُب على �أهل الكفر بالله‪ ،‬المولِّين عن ا ّتباعه‬ ‫له‪ ،‬فا�س َتبقوا �سلو َك الطريق الذي اعتادوا �سلوكه‪ ،‬ف�أ َّي‬
‫طريق �سيب�صرون‪ ،‬وقد َطم�سنا على أ�عينهم! ولكنا لم‬
‫‪ - -‬المع ِر�ضين ع ّما �أتاهم به ِم ْن عند الله‪.‬‬
‫ن�ش�أْ ذلك لرحمتنا‪ ،‬واقت�ضا ِء الحكم ِة إ�مها َلهم‪.‬‬

‫‪444‬‬

‫‪ 76‬فلا يحزنك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬قو ُل ه ؤ�لاء‬ ‫‪ 73 - 71‬أ�ولم َي َر ه�ؤلاء الم�شركون �أ َّن مما خلقنا لهم‬
‫الم�شركين‪� :‬إنك �شاع ٌر‪ ،‬وتكذي ُبهم لك‪ ،‬ف�إ ّنا نعلم ما‬ ‫من الخلق أ�نعام ًا ِمن ا إلب ِل والبقر والغنم‪ ،‬فهم مالكون‬
‫ُي�س ُّرون ِم ْن َمعرفتهم بحقيقة ما تدعوهم �إليه‪ ،‬وما‬
‫لها يت�صرفون فيها كيف �شا ؤ�وا‪ ،‬و�س َّخرناها لهم‪ ،‬فمنها‬
‫ُيعلنون ِم ْن جحودهم ذلك ب أ�ل�سنتهم‪.‬‬
‫ما يركبونه كا إلبل ُي�سافرون عليها‪ ،‬ومنها ي�أكلون‪ .‬ولهم‬
‫‪ 78 77‬أ�ولم َي َر ا إلن�سا ُن المك ِّذ ُب بالبعث �أ ّنا خلقناه‬ ‫فيها مناف ُع في أ��صوافها و أ�وبارها و أ��شعارها‪ ،‬باتخاذهم‬
‫ِم ْن نطفة ف�ص َّورناه َخلق ًا �سوي ًا ف�إذا هو ذو خ�صومة‬ ‫ِم ْن ذلك �أثاث ًا ومتاع ًا‪ ،‬و ِمن جلودها ما يحفظون به‬
‫ظاهر ٍة لر ِّبه‪ ،‬يقول للنا�س على ِج َهة المعا َندة والا�ستكبار‪:‬‬ ‫أ�نف َ�سهم‪ ،‬وي�شربون ِم ْن �ألبانها؟ �أفلا ي�شكرون نعمتي‬
‫َم ْن ُيحيي العظام وهي رميم؟ ف َج َع َلنا ك َم ْن لا يقدر على‬ ‫هذه‪ ،‬و إ�ح�ساني �إليهم‪ ،‬بطاعتي‪ ،‬و َت ْر ِك طاع ِة ال�شيطان؟‬

‫ا إلحياء والبعث‪ ،‬و َن ِ�سي �أ َّنا خلقناه ولم يكن إ�لا نطفة‪.‬‬ ‫‪ 75 74‬وا َّتخذ ه�ؤلاء الم�شركون ِم ْن دون الله آ�له ًة‬
‫يعبدونها طمع ًا أ� ْن تن�صرهم تلك ا آلله ُة‪ .‬والأم ُر بالعك�س‬
‫‪ 79‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لهذا الم�شر ِك الجاح ِد الغافل‬ ‫فلا ت�ستطيع هذه ا آلله ُة ن�ص َرهم من الله �إ ْن أ�راد بهم‬
‫عن �أ�صل َخ ْلقه‪ُ :‬يحيي العظا َم البالي َة الذي ابتد�أ خ ْلقها‬ ‫�سوءاً‪ ،‬ولا تدفع عنهم �ضراً‪ ،‬وهم لهذه الآلهة �أعوا ٌن‬
‫أ� ّو َل م َّرة ولم تكن �شيئ ًا‪ ،‬وهو بكل َخ ْلقه علي ٌم لا يخفى‬
‫عليه �شيء من أ�مرهم‪ :‬حيا ُتهم ومو ُتهم و�سا ُئر ما َيجوز‬ ‫يخدمونهم و َيذ ُّبون عنهم و َيغ�ضبون لهم‪.‬‬

‫عليهم‪.‬‬

‫‪ 80‬الذي أَ�خرج لكم بقدرته ِمن ال�شج ِر ا ألخ�ض ِر‬

‫ال َّرطب ناراً ف�إذا �أنتم من ال�شجر توقدون ناراً‪ ،‬فهو‬
‫�سبحانه لا يمتنع عليه ِفع ُل ما أ�راد‪ ،‬ولا َيعجز عن إ�حياء‬

‫العظام التي قد َب ِل َي ْت وتف َّتت ْت‪.‬‬

‫‪� 81‬أَ َولي�س الذي خلق ال�سماوات وا ألر�ض بقاد ٍر‬
‫على أ�ن يخلق مث َلهم؟ بلى‪ ،‬هو قادر على �أن يخلق‬
‫مث َلهم وهو الخ ّلق لما ي�شاء‪ ،‬العلي ُم بك ِّل ما خلق‬
‫ويخلق‪ ،‬فكيف ُيعجزه البع ُث وهو �أ ْي�س ُر و أ�هو ُن ِم ْن‬

‫خلق ال�سماوات والأر�ض؟!‬

‫‪� 82‬إنما �أم ُر الله �إذا �أراد �شيئ ًا �أن يقول له‪ُ « :‬كن»‪ ،‬فيكون‪.‬‬

‫‪ 83‬فتن َّزه اللهُ الذي بيده ُملك ك ِّل �شيء‪ ،‬عما لا يليق‬
‫به‪ ،‬وعن �أَ ْن ُيعجزه �شيء‪ ،‬و�إليه ُتر ّدون و َت�صيرون بعد‬

‫مماتكم‪.‬‬

‫‪445‬‬

‫�آبا ؤُ�نا الذين بادوا وهلكوا؟ قل لهم‪َ :‬ن َعم �أنتم مبعوثون‬ ‫‪ُ 5 - 1‬يق ِ�سم اللهُ بالملائكة ال�صا ّفات �أجنح َتها‬
‫�أحياء‪ ،‬و�أنتم أ�ذلا ُء �أ�ش َّد الذل‪.‬‬ ‫عباد ًة وتر ُّقب ًا ألمر الله‪ ،‬فالزاجرا ِت ال�سحا َب �َسوق ًا‬
‫إ�لى ما �أراد الله‪ ،‬فالتاليا ِت لكلام الله ِمن الكتب المنزلة‬
‫‪ 19‬ف إ�نما هي نفخ ٌة واحد ٌة في ال�صور‪ ،‬ف إ�ذا هم‬ ‫وغيرها‪� :‬إ َّن المعبود الذي َي�ستوجب العباد َة و�إخلا�َص‬
‫�شاخ�ص ٌة أ�ب�صارهم ينظرون �إلى ما كانوا ُيوعدونه من‬ ‫الطاعة له‪ ،‬لواح ٌد لا ثاني له ولا �شريك‪ .‬ر ُّب ال�سماوات‬
‫ال�سبع وا ألر�ض وما بينهما‪ ،‬ور ُّب الم�شارق والمغارب‬
‫قيام ال�ساعة‪.‬‬
‫يد ِّبر ا ألمر في جميع ذلك‪ ،‬وهو القائم عليه‪.‬‬
‫‪ 20‬وقال ه�ؤلاء الم�شركون المك ِّذبون إ�ذا ُنفخ في‬
‫ال�صور و ُبعثوا‪ :‬يا هلا َكنا هذا يوم الـ ُمجازاة والمحا�سبة‪.‬‬ ‫‪� 9 - 6‬إ َّنا زي َّنا ال�سماء التي َت ِليكم بالكواكب‪،‬‬
‫‪ 21‬ف ُيقال لهم‪ :‬هذا يوم َف ْ�ص ِل ق�ضا ِء الله بين خلقه‬ ‫و ِحفظ ًا لها من كل �شيطا ٍن خار ٍج عن الطاعة‪ ،‬إ�ذ كل‬
‫ال�شياطين ممنوع ٌة ِمن الا�ستماع إ�لى خبر ال�سماء والذين‬
‫بالعدل‪ ،‬الذي كنتم تك ِّذبون به في الدنيا وتنكرونه‪.‬‬ ‫يتط َّلعون �إلى �شيء منه ُير َمون بال�ُّشهب من كل جان ٍب‬
‫من جوانب ال�سماء‪ ،‬ولهم من‪ ‬الله عذا ٌب مو ِج ٌع دائ ٌم‪.‬‬
‫‪ 24 - 22‬يقول الله تعالى للملائكة‪ :‬ا ْج َمعوا‬
‫الذين كفروا بالله في الدنيا و َع�صوه و أ��شبا َههم وما كانوا‬ ‫‪ 10‬إ� ّل َمن ا�ستر َق ال�سم َع منهم واختل� َس �شيئ ًا من‬
‫َيعبدون ِم ْن دون الله من ا آللهة‪ ،‬فو ِّجوههم إ�لى طريق‬ ‫كلام الملائكة‪ ،‬ف�أَتبعه �شها ٌب م�ضيء َيثقبه‪� ،‬أو يحرقه‪،‬‬
‫الجحيم‪ .‬واح ِب�سوا ه�ؤلاء الم�شركين‪� ،‬إنهم م�س�ؤولون‬
‫�أو َي ْخ ِب ُله‪.‬‬
‫ع َّما كانوا َيعبدون ِم ْن دون الله‪.‬‬
‫‪ 11‬فا�س�أ ْل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬ه ؤ�لاء الم�شركين‪ :‬أ� َخل ُقهم‬
‫�أ�ش ُّد �أم خل ُق َم ْن ع َّددنا أ�و�صافهم من الملائكة وال�شياطين‬
‫وال�سماوات والأر�ض؟ �إ َّنا ابتد أ�نا خلقهم ِم ْن ترا ٍب‬

‫مخلو ٍط بماء َي ْع َلق بكل ما ي�صيبه‪.‬‬

‫‪ 12‬بل عجب َت ‪� -‬أيها الر�سول‪ِ -‬م ْن تكذيبهم �إياك‪،‬‬
‫و إ�نكا ِرهم البعث‪ ،‬وهم ي�سخرون منك و ِمن تع ُّجبك‪.‬‬

‫‪ 13‬و إ�ذا ُذ ِّكروا ُح َج َج الله عليهم ليعتبروا ويتفكروا لا‬
‫ينتفعون بالتذكير ولا ُيب�صرون‪.‬‬

‫‪ 14‬و�إذا ر�أوا ُح ّج ًة ِمن حجج الله الدالة على نبوة‬
‫محمد ‪ - -‬ي�سخرون منها وي�ستهزئون‪.‬‬

‫‪ 18 - 15‬وقالوا‪ :‬يا مح َّم ُد ما هذا الذي جئ َتنا به‬
‫�إلا �سح ٌر يظهر ِلـ َمن ت�أ َّمله أ� َّنه �سح ٌر‪� ،‬أ إ� ّنا لمبعوثون �أحياء‬
‫ِم ْن قبورنا بعد مماتنا و �صيرو َر ِتنا تراب ًا وعظام ًا‪ ،‬أ�و ُيبعث‬

‫‪446‬‬

‫‪ 34 33‬ف�إ َّن التابعين والـ َم ْتبوعين جميع ًا في عذاب‬
‫النار م�شتركون‪ ،‬كما ا�شتركوا في الدنيا في مع�صية الله‪،‬‬
‫�إ َّنا هكذا نفع ُل بالذين اختاروا معا�صي الله على طاعته‪،‬‬
‫والكف َر على ا إليمان‪ ،‬فنذي ُقهم العذاب ا ألليم‪ ،‬ونجم ُع‬

‫بينهم وبين قرنائهم في النار‪.‬‬

‫‪ 36 35‬إ� َّنهم كانوا في الدنيا إ�ذا قيل لهم‪ :‬قولوا لا‬ ‫‪ 26 25‬ما لكم ‪ -‬أ�يها الم�شركون بالله‪ -‬لا َين�صر‬
‫إ�له إ�لا الله‪ ،‬يتع َّظمون عن قولها ويتك َّبون‪ ،‬ويقولون‪:‬‬ ‫بع ُ�ضكم بع�ض ًا؟ بل هم اليو َم م�ست�س ِلمون ألمر الله فيهم‬

‫�أنتر ُك عباد َة آ�لهتنا لا ِّتباع �شاع ٍر مجنون!‬ ‫وق�ضائه‪ُ ،‬مو ِقنون بعذابه‪.‬‬

‫‪َ 37‬ك َذبوا‪ ،‬ما محم ٌد كما و�صفوه‪ ،‬بل هو نب ٌّي جاء‬ ‫‪ 28 27‬و َأ�قبل بع�ُض الكفار على بع�ض يتجادلون‪.‬‬
‫بالحق ِم ْن عند الله‪ ،‬وهو القر آ�ن‪ ،‬و�ص َّدق َم ْن كان قب َله‬ ‫قال التابعون لل َم ْتبوعين‪� :‬إ َّنكم كنتم ت�أتوننا ِمن ِق َب ِل‬

‫من المر�سلين‪.‬‬ ‫الدين‪ ،‬فتخدعوننا وت�صدوننا عن الحق‪.‬‬

‫‪ 39 38‬إ� َّنكم ‪ -‬أ�يها الم�شركون‪ -‬لذائقو العذا ِب‬ ‫‪ 30 29‬قال الـ َم ْتبوعون‪ :‬بل لم تكونوا بتوحيد الله‬
‫المو ِجع في الآخرة‪ ،‬وما ُتزون إ�لا مث َل ما عملتم بلا‬ ‫مق ِّرين‪ ،‬وكنتم للأ�صنام عابدين‪ ،‬وما كان لنا عليكم‬
‫ِمن ُحجة‪ ،‬فن�ص َّدكم بها عن ا إليمان‪ ،‬و َنحول بينكم من‬
‫زياد ٍة ولا نق�صان‪.‬‬ ‫�أجلها وبين اتباع الحق‪ ،‬بل كنتم قوم ًا متع ِّدين حدودكم‪.‬‬

‫‪ 44 - 40‬لكن عباد الله الذين أ�َ ْخ َل�صهم ون ّجاهم ِمن‬ ‫‪ 32 31‬فوجب ْت علينا كلم ُة الله ب�أ َّنا ذائقون‬
‫ال�شرك‪ ،‬لا يذوقون العذاب‪ ،‬ولهم رز ٌق معلوم الوقت‪،‬‬ ‫لعذابه‪ ،‬فز ّينا لكم ما كنتم عليه من ال�ضلالة فا�ستجبتم‬
‫ي�أتيهم بكر ًة وع�شي ًا‪ ،‬هو الفواكه التي خلقها اللهُلهم في‬ ‫لنا باختياركم‪� ،‬إ ّنا ك ّنا مث َلكم �ضالين‪� .‬أي فلا تلومونا‬
‫الجنة‪ ،‬وهم ُمك َرمون بكرامة الله التي أ�كرمهم بها‪ ،‬في‬
‫ب�ساتين النعيم‪ ،‬على �ُ ُس ٍر مرفوعة‪ ،‬يقا ِبل بع ُ�ضهم بع�ض ًا‪.‬‬ ‫ولوموا‪� ‬أنف َ�سكم‪.‬‬
‫‪ 47 - 45‬يطوف الخد ُم عليهم بك�أ� ٍس ِمن خم ٍر‬
‫جاري ٍة ظاهر ٍة لأعينهم غير غائرة‪� ،‬صافي ٍة في نهاية‬
‫اللطافة‪َ ،‬يلت ُّذ بها �شار ُبوها‪ ،‬لي�س فيها ما ي�ؤذيهم ِم ْن‬

‫مكروه‪ ،‬ولا تذهب بها عقو ُلهم‪.‬‬

‫‪ 49 48‬وعندهم ن�سا ٌء َق َ� َصن نظره َّن على ُبعولتهن‪،‬‬
‫فلا ُيرد َن غي َرهم‪ ،‬ولا َيددن �أب�صا َرهن �إلى غيرهم‪،‬‬

‫ِح�سان الأعي ِن جميلاتها‪ ،‬ك�أ َّنهن الل�ؤل ؤ� الم�صون‪.‬‬

‫‪ 51 50‬ف أ�قب َل بع�ُض أ�هل الجنة على بع�ٍض ي�س أ� ُل‬
‫بع ُ�ضهم بع�ض ًا‪ ،‬قال قائ ٌل منهم‪ :‬إ� ِّن كان لي �صدي ُق �سو ٍء‬

‫في الدنيا‪.‬‬

‫‪447‬‬

‫‪ 53 52‬يقول‪ :‬أ�ت�ص ِّدق ب�أن َك مبعوث بعد َماتك‬
‫و ُتزى بعملك و ُتا�َسب‪ ،‬و أ� َّنا محا�َسبون و َمزيون بعد‬

‫م�صيرنا تراب ًا وعظام ًا؟‬

‫‪ 57 - 54‬قال هذا الم�ؤم ُن الذي �أُدخل الجنة‬
‫يهقلو أ�لنتلمي‪:‬م ََّ�أط�إِِلّنعوكنلمفنيالاملن�اصر ِّد‪،‬قليعنل ِّبيأ� ّن أ�ارمبىع َقورثينوين‬ ‫لأ�صحابه‪:‬‬
‫الذي كان‬

‫بعد الممات! فقالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فا َّطل َع في النار فر آ�ه في و�سط‬
‫الجحيم‪ ،‬فل ّما ر آ�ه قال‪ :‬تالله �إ ْن كد َت في الدنيا ُتهلكني‬
‫ب�ص ِّدك إ�ياي عن الإيمان بالبعث والثواب والعقاب‪،‬‬

‫ولولا أ� َّن اللهَ أ�نعم عل َّي بهدايته‪ ،‬لكن ُت من المح�ضرين‬
‫معك في العذاب‪.‬‬

‫آ�باءهم ُ�ض ّلل ًا عن َق ْ�صد ال�سبيل غير �سالكين َم َح ّج َة‬ ‫‪ 60 - 58‬يقول هذا الم ؤ�م ُن الذي أ�عطاه الله ما‬
‫الح ِّق‪ ،‬ف أ��س َرعوا مقتفين آ�ثارهم و�ُس َّنتهم‪ ،‬مبادرين �إلى‬ ‫أ�عطاه ِم ْن كرامته في جنته‪� ،‬سروراً منه بما أ�عطاه فيها‪:‬‬
‫أ�نحن مخ ّلدون من ّعمون في الجنة فما نح ُن بم ّيتين غير‬
‫اتباعهم من غير توقف ولا نظر‪.‬‬ ‫موتتنا ا ألولى في الدنيا! وما نحن بمعذبين بعد دخولنا‬
‫‪ 74 - 71‬ولقد �ض َّل ‪ -‬يا محمد‪ -‬عن َق�صد ال�سبيل‬ ‫الجنة! إ� َّن هذا الذي أ�عطانا الله �إياه من الكرامة في الجنة‬
‫َق ْب َل م�شركي قومك أ�كث ُر ا ألمم الخالية‪ ،‬ولقد أ�ر�سلنا في‬
‫تلك الأمم منذ ِرين ُينذرونهم ب أ��َسنا‪ ،‬فك َّذبوهم‪ ،‬ولم‬ ‫َلـ ُهـ َو النجاة وال َّظ َفر العظيم الدائم‪.‬‬
‫يقبلوا منهم ن�صائحهم‪ ،‬ف َ�أحللنا بهم ب�أ�َسنا‪ ،‬فت أ� َّمل كيف‬
‫كانت عاقبة المن َذرين و إ�لا َم �صار �أم ُرهم؟ �ألم نهلكهم‬ ‫‪ 61‬يقول تعالى‪ِ :‬لث ِل هذا ا إلكرام فليعمل في الدنيا‬
‫فن�يِّصهم للعباد عبر ًة و ِلـ َمن بعدهم عظ ًة؟ �إلا عباد الله‬ ‫ألنف�سهم العاملون‪ ،‬ليدركوا ما �أدرك ه ؤ�لاء‪.‬‬
‫الذين أ�خل�صناهم للإيمان‪ ،‬فقد نجاهم الله من �سوء العاقبة‪.‬‬
‫‪ 76 75‬ولقد نادانا نو ٌح و�س أ� َلنا �إهلا َك قومه‪ ،‬بعد‬ ‫‪� 62‬أهذا الذي �أعطي ُت ه�ؤلاء الم ؤ�منين الذين و�صف ُت‬
‫أ�ن طال �إ�صرارهم على الكفر وتماديهم في العناد ف َل ِنع َم‬ ‫�صف َتهم من كرامتي في الجنة‪ ،‬و َر َزق ُتهم فيها من النعيم‬
‫المجيبون ك َّنا له‪ ،‬ف�أهلكنا قومه‪ ،‬ونجيناه و أ�ه َله الذين‬
‫ركبوا معه ال�سفينة من ا ألذى والمكروه الذي كان ُي�صيبه‬ ‫خي ٌر‪� ،‬أم �شجر ُة الز ُّقوم التي أ�عدد ُتها ألهل النار؟‬
‫ِمن الكافرين‪ ،‬و ِم ْن َكرب الطوفان والغرق الذي هلك‬
‫‪ 68 - 63‬إ� ّنا جعلنا هذه ال�شجرة محن ًة وعذاب ًا لهم‬
‫به قو ُمه‪.‬‬ ‫في الآخرة‪ ،‬وابتلا ًء لهم في الدنيا‪ ،‬وذلك �أنهم قالوا‪:‬‬
‫كيف تكون في النار �شجرة‪ ،‬والنار َترق ال�شجر؟!‬
‫‪448‬‬ ‫إ�نها �شجرة ُغذيت بالنار‪ ،‬ومنها ُخلقت‪ ،‬ك�أ َّن ثمرها‬
‫في ُقبحه و�سماجته ر ؤ�و� ُس ال�شياطين‪ ،‬و إ� َّن ه�ؤلاء‬
‫الم�شركين لآكلون منها‪ ،‬فمالئون منها بطو َنهم‪ ،‬ثم �إ َّن‬
‫لهم على َأ� ْكلها بعدما �شبعوا منها و َغ َلبهم العط�ش وطال‬
‫ا�ستقا ؤ�هم َل�َشاب ًا من �سائ ٍل كريه َم�شوب ًا بماء حار‪ ،‬ي�شوي‬
‫وجوههم ويقطع �أمعاءهم‪ ،‬ثم �إ َّن م آ�بهم لإلى الجحيم‪.‬‬

‫‪ 70 69‬إ� َّن ه ؤ�لاء الم�شركين الم�ستكبرين وجدوا‬

‫أ� َّي �شيء تعبدون؟ أ�تريدون آ�لهة تعبدونها ِم ْن دون الله‬ ‫‪ 78 77‬وجعلنا ذرية نوح هم الباقين في الأر�ض‬
‫إ�فك ًا وزوراً وباطل ًا؟ ف أ� َّي �شيء تظ ُّنون ‪ -‬أ�يها القوم‪ -‬أ�نه‬ ‫بعد َمهلك قومه‪ .‬و�أَبقينا عليه الذك َر الجمي َل والثنا َء‬

‫َي�صنع بكم إ� ْن لقيتموه وقد عبدتم غي َره؟‬ ‫الح�سن في َم ْن جاء بعده من ا ألمم‪.‬‬

‫‪ 92 - 88‬فنظر إ�براهي ُم في النجوم؛ وذلك �أن قومه‬ ‫‪ 79‬تحية �سلام و�أمان من الله لنوح في الملائكة والثقلين‬
‫كانوا َي َتعاطون علم النجوم‪ ،‬فتع َّلل وقال‪� :‬إني مري�ض‪،‬‬ ‫جميع ًا‪.‬‬
‫لئلا ينكروا عليه َتخ ُّلفه عن الخروج معهم‪ ،‬فتفرقوا عنه‬
‫وذهبوا �إلى عيدهم‪ ،‬فذهب إ�براهيم إ�لى ا أل�صنام فقال‬ ‫‪� 81 80‬إ ّنا كما فعلنا بنوح ‪ -‬مجازا ًة له على طاعتنا‬
‫لها ا�ستهزا ًء‪ :‬أ�لا ت�أكلون من الطعام الذي بين أ�يديكم‪ ،‬ما‬ ‫و�صب ِره على �أذى قومه في ر�ضانا‪ -‬كذلك نجزي الذين‬
‫يح�سنون فيطيعوننا‪ ،‬وينتهون إ�لى �أمرنا‪ ،‬وي�صبرون‬
‫لكم لا تتكلمون؟‬ ‫على ا ألذى فينا‪� .‬إ َّن نوح ًا من عبادنا الذين آ�منوا بنا‪،‬‬

‫‪ 96 - 93‬فما َل على �آلهة قومه �ضرب ًا بف أ�� ٍس في‬ ‫فو َّحدونا‪ ،‬و�أخل�صوا لنا العبادة‪ ،‬و�أف َردونا با أللوهية‪.‬‬
‫يده بك ِّل قوة حتى ح ّطمها‪ ،‬ف َ�أقبل قو ُمه إ�ليه ي�سرعون‪،‬‬ ‫‪ 82‬ثم �أغرقنا ‪ -‬حين نجينا نوح ًا و�أهله من الكرب‬
‫وجعلوا يت�ساءلون ع َّمن فعل هذا‪ ،‬ثم قالوا إلبراهيم‬
‫جميع ًا‪ :‬نحن نعبدها و أ�نت تك�سرها؟ ف أ�جابهم بقوله‪:‬‬ ‫العظيم‪َ -‬م ْن بقي ِمن قومه‪.‬‬
‫�أتعبدون ما تنحتون ب�أيديكم من ا أل�صنام‪ ،‬واللهُ هو‬
‫الذي خلقكم وخلق ما تعملون منه ا أل�صنام وهو‬ ‫‪ 87 - 83‬و إ� َّن ِم ْن �أ�شياع نوح الذين �ساروا على‬
‫منهاجه ودانوا بدينه إ�براهي َم خلي َل الرحمن‪� .‬إذ جاء ر َّبه‬
‫الخ�شب والنحا�س والحجارة وما أ�َ�ْشبه ذلك‪.‬‬ ‫بقل ٍب مخل�ص �سليم من ال�شرك‪� .‬إذ قال ألبيه وقومه‪:‬‬

‫‪ 97‬فل ّما عجزوا عن مجادلته بالحجة أ�رادوا التخ ُّل�َص‬
‫منه وقتله بالحرق نكاي ًة به و ُن�صر ًة لآلهتهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬اب ُنوا‬
‫له بنيان ًا مرتفع ًا من الحجر‪ ،‬فبنوه ومل ؤ�وه حطب ًا و أ�وقدوا‬
‫فيه ناراً عظيمة‪ ،‬فجا ؤ�وا بنب ِّي الله �إبراهيم فطرحوه فيها‪.‬‬
‫‪ 99 98‬ف�أرادوا به كيداً ب إ�لقائه في النار‪ ،‬فجعلناهم‬
‫ا ألذلِّين المقهورين‪ ،‬حين خرج من النار �سالم ًا‪ ،‬فعلاهم‬
‫بالحجة وبن�صر الله له‪ .‬وقال إ�براهيم عند ذلك‪:‬‬
‫إ� ِّن مهاج ٌر إ�لى حيث أ�عبد ربي‪ ،‬واللهُ �س ُيث ِّبتني على‬

‫الهدى‪ ،‬ويعينني عليه‪.‬‬

‫‪ 102 - 100‬وقال‪ :‬يا ر ّب ه ْب لي منك ولداً يكون‬
‫من ال�صالحين‪ .‬فب�شرنا �إبراهيم ب أ�نه يولد له ولد ذو حلم‬
‫�إذا هو َك ِب‪ .‬فل ّما َب َلغ �أن ي�سعى مع �أبيه في حوائجه قال‬
‫له �إبراهيم‪ :‬يا ُب َن َّي �إني �ُأمرت في النوم بذبحك ‪ -‬ور ؤ�يا‬
‫ا ألنبياء وح ٌي‪ -‬فماذا ترى من الر�أي؟ قال‪ :‬يا �أب ِت‪ ،‬افع ْل‬
‫ما ي�أم ُرك به ر ُّبك ِم ْن ذبحي‪� ،‬ستجدني ‪� -‬إن �شاء الله‪-‬‬

‫�صابراً ِلـما ي�أمرنا به ر ُّبنا‪.‬‬

‫‪449‬‬

‫‪ 122 - 117‬و�آتيناهما الكتا َب ال َبليغ في بيانه‪ ،‬وهو‬ ‫‪ 106 - 103‬فل ّما �أ�سلما أ� ْم َرهما لله‪ ،‬وف ّو�ضاه �إليه‪،‬‬
‫التوراة‪ ،‬وهديناهما الطريق الم�ستقيم‪ ،‬الذي لا اعوجاج‬ ‫وتوافقا على الت�سليم لأمره‪ ،‬والر�ضا بق�ضائه‪ ،‬و أَ��ضج َع‬
‫إ�براهي ُم اب َنه على َجنبه ليذبحه‪ ،‬ناديناه أَ� ْن يا إ�براهيم‬
‫فيه‪ ،‬وهو الإ�سلام‪ ،‬دي ُن الله الذي ابتعث به �أنبياءه‪،‬‬ ‫قد �ص ّدقت الر�ؤيا التي أ�ريناكها في منامك بذبح ابنك‬
‫وتر ْكنا عليهما في الآخرين الثنا َء الح�سن‪� ،‬سلام و أ�مان‬ ‫�إ�سماعيل‪� .‬إ َّنا كما جزيناك بطاعتنا يا إ�براهيم‪ ،‬كذلك‬
‫من الله على مو�سى وهارون‪ .‬هكذا نجزي أ�ه َل طاعتنا‪،‬‬ ‫نجزي الذين �أح�سنوا‪ ،‬و�أطاعوا �أمرنا‪ ،‬وعملوا في ر�ضانا‪.‬‬
‫إ� َّن �أَ ْمرنا �إليك ‪ -‬يا إ�براهيم‪ -‬بذبح ابنك َلهو الاختبا ُر‬
‫والعاملين بما ير�ضينا عنهم‪ .‬إ�ن مو�سى وهارون عبدان‬
‫الذي َيبين لمن ف ّكر فيه �أنه بلا ٌء �شديد ومحن ٌة عظيمة‪.‬‬
‫من عبادنا المخ ِل�صين لنا ا إليمان‪.‬‬
‫‪ 108 107‬وجزينا إ��سماعيل ب�أن جعلنا مكا َن َذ ْبحه‬
‫‪ 126 - 123‬و إ� َّن إ�ليا�س لمر�َسل من المر�سلين‪ .‬إ�ذ‬ ‫َذ ْب َح كب� ٍش عظيم‪ ،‬و أ�نقذناه من الذبح‪ ،‬و أ�بقينا على‬
‫قال لقومه ِم ْن بني �إ�سرائيل‪ :‬أ�لا تتقون الله أ�يها القوم‪،‬‬
‫فتخافوه‪ ،‬وتحذروا عقوب َته على عبادتكم ر ّب ًا غيره‪،‬‬ ‫إ�براهيم في َم ْن بعده إ�لى يوم القيامة ثنا ًء ح�سن ًا‪.‬‬
‫و�إله ًا �سواه‪ .‬أَ� َت ْد ُعون �صنم ًا جامداً لا يخلق �شيئ ًا ولا‬
‫ي�ض ُّر ولا ينفع‪ ،‬وتتركون الخال َق الذي أ�ح�سن َخل َق ك ِّل‬ ‫‪ 111 - 109‬أ�ما ٌن من الله في ا ألر�ض إلبراهيم‪ ،‬أ� ْن لا‬
‫�شيء‪ ،‬اللهَ ر َّبكم الذي خلقكم‪ ،‬ور َّب آ�بائكم الما�ضين‬ ‫ُيذكر ِمن بعده �إلا بالجميل من الذكر‪ .‬كما جزينا إ�براهيم‬
‫على طاعته �إيانا‪ ،‬و إ�ح�سانه في الانتهاء �إلى أ�مرنا‪ ،‬كذلك‬
‫قبلكم؟!‬ ‫نجزي المح�سنين‪ .‬إ� َّن إ�براهيم من عبادنا المخ ِل�صين لنا في‬
‫�إيمانهم‪ .‬وفي ذلك تنوي ٌه كبير ب�ش أ�ن الإيمان لأنه �أ�سا� ٌس‬

‫لك ِّل ما ُيبنى عليه من معرفة و�إح�سان‪.‬‬

‫‪ 113 112‬وب�َّشنا �إبراهي َم ب�إ�سحاق نب ّي ًا‪� ،‬شكراً له‬
‫على إ�ح�سانه وطاعته‪ ،‬و أ�ف�ضنا عليهما من بركات‬
‫الدين والدنيا‪ .‬و ِم ْن ذريتهما م ؤ�م ٌن مطيع لله‪ ،‬مح�س ٌن‬
‫في طاعته‪ ،‬وكاف ٌر بالله‪ ،‬جال ٌب على نف�سه بكفره عذا َب‬

‫الجحيم‪ ،‬قد �أبان عن ظلمه هذا بكفره وعناده‪.‬‬

‫‪ 116 - 114‬ولقد تف َّ�ضلنا على مو�سى وهارون ابني‬
‫عمران‪ ،‬فجعلناهما نب َّيين‪ .‬ونجيناهما وقو َمهما من اله ِّم‬
‫العظيم الذي كانوا فيه‪ .‬ون�صرناهم على فرعون و آ�له‬

‫ب�إغراقهم في البحر‪ ،‬فكانوا هم الظاهرين عليهم‪.‬‬

‫‪450‬‬

‫‪ 138 137‬و�إنكم ‪ -‬يا مع�شر قري�ش‪ -‬لتم ُّرون على‬ ‫‪ 132 - 127‬فك َّذبه قو ُمه ولم ي ؤ�منوا به‪ ،‬فجزا�ؤهم‬
‫قوم لوط الذين د َّمرناهم‪ ،‬عند �إ�صباحكم نهاراً‪ ،‬وعند‬ ‫أ�نهم داخلون في جهنم ُمك َرهين‪ ،‬إ�لا عباد الله الذين‬
‫إ�م�سائكم ليل ًا عند تجارتكم �إلى ال�شام‪ ،‬فت�شاهدون‬ ‫هداهم الله ف آ�منوا بنب ِّيه فهم الناجون من العذاب‪ .‬و أ�ب َقينا‬
‫�آثارهم الدا ِر�سة‪ ،‬وديا َرهم الخالية‪ .‬أ�فلي�س لكم عقو ٌل‬ ‫عليه الثنا َء الح�سن في ا آلخرين من الأمم بعده‪ .‬أ�ما ٌن من‬
‫تتدبرون بها وتتفكرون‪ ،‬فتعلموا أ�ن َم ْن �س َلك ِمن النا�س‬ ‫الله إلليا�س‪( .‬و إ�ليا�سين لغة في �إليا�س)‪ .‬إ� ّنا هكذا نجزي‬
‫المح�سنين في طاعتنا‪� .‬إ َّن �إليا�س َعب ٌد من عبادنا الذين‬
‫َم�سلكهم ن َز َل به ما نزل بهم؟‬
‫آ�منوا فو َّحدونا ‪ ،‬و�أطاعونا‪ ،‬ولم ي�شركوا بنا �شيئ ًا‪.‬‬
‫‪ 146 - 139‬و�إ َّن يون�س لمن المر�سلين إ�لى �أهل ِن َي َنوى‪،‬‬
‫فك ّذبوه‪ ،‬فلما أَ� ِي�س من إ�يمانهم هجرهم دون �إذ ٍن ِمن‬ ‫‪ 136 - 133‬و�إ َّن لوط ًا لمر�َسل من المر�سلين‪ .‬إ�ذ نجيناه‬
‫ربه و َركب البح َر في ُف ْل ٍك مملوء بالنا�س والمتاع‪ .‬ف َعر�ض‬ ‫و�أه َله أ�جمعين‪ ،‬من العذاب الذي أ�نزلناه بقومه‬
‫لل ُفلك ما ُيوجب التخ ُّل�َص من أ�حد ر ّكابها‪ ،‬فاقترعوا‪،‬‬
‫فكان يون�س ِمن المغلوبين بالقرعة‪ ،‬ف أُ�لقي به في البحر‪.‬‬ ‫ف�أهلكناهم به‪� .‬إلا عجوزاً كانت في الباقين وهي‬
‫فابتلعه الحو ُت‪ ،‬وهو م ُلوم على َت ْركه قو َمه قبل �أن ي�أذن‬
‫له ربه‪ .‬فلولا �أ َّنه كان من الم�ص ِّلين الذاكرين لله قبل البلاء‬ ‫امر أ�ة لوط أ��صا َبها ما �أ�صا َب قو َمها من العذاب؛ لأ َّنها‬
‫الذي اب ُتلي به ولولا ت�سبي ُحه في بطن الحوت‪ ،‬لبقي‬ ‫�شارك ْتهم في ع�صيانهم‪ ،‬فح َّق عليها العذا ُب مث َلهم‪ ،‬ثم‬
‫فيه إ�لى يوم القيامة‪ ،‬ولكنه كان من الذاكرين الله قبل‬ ‫�أهلكنا الآخرين‪ ،‬ب أ�ن قذفناهم بالحجارة ِم ْن فوقهم‪،‬‬
‫البلاء وعنده فا�ستجاب اللهُنداءه ف�أنقذه ون ّجاه‪ ،‬و َأ�لقى به‬
‫بف�ضا ٍء من ا ألر�ض‪ ،‬لا يواريه �شي ٌء من �شج ٍر ولا غيره‪،‬‬ ‫و َق َلبنا عليهم مدائنهم‪.‬‬
‫وهو علي ٌل مما ناله في بطن الحوت‪ .‬و أ�نبتنا عليه �شجر ًة‬
‫‪451‬‬
‫من َق ْر ٍع وهو من ال�شجر الذي لا يقوم على �ساق‪.‬‬

‫‪ 148 147‬وك ّنا أ�ر�سلناه إ�لى مئ ِة �أل ٍف ويزيدون‪ ،‬فل ّما‬
‫عاد �إليهم بعد الذي لقيه من البلاء آ�منوا به وبما �ُأر�سل به‪،‬‬
‫فنفعهم إ�يما ُنهم و ُق ِبلت توبتهم فك�شفنا عنهم العذاب‪،‬‬

‫ومتعناهم بالحياة إ�لى حين انتهاء آ�جالهم‪.‬‬

‫‪َ� 153 - 149‬س ْل ‪ -‬يا محمد ‪ -‬م�شركي قو ِمك‬
‫ِم ْن قري�ش و ُق ْل لهم ‪ -‬م�ستنكراً‪� :-‬أ ِل َر ِّبي البنا ُت ولكم‬
‫البنون؟ َ�أ ْم َح َ� َض ه ؤ�لاء ‪ -‬القائلون‪ :‬الملائك ُة بنات‬
‫الله‪ -‬خلق َي الملائك َة و أ�نا أ�خ ُلقهم إ�ناث ًا‪ ،‬ف�ش ِهدوا هذه‬
‫ال�شهادة؟ أ�لا �إ َّن ه�ؤلاء الم�شركين ِم ْن َك ِذبهم وزورهم‬
‫ليقولون‪ :‬ول َد اللهُ‪ ،‬و�إنهم لكاذبون في قولهم هذا‪ .‬وهل‬

‫اختار البنا ِت على البنين‪ ،‬ولِـ َم يفع ُل ذلك؟‬

‫‪ 177 176‬أ�فبنزول عذابنا بهم ي�ستعجلونك ‪� -‬أيها‬ ‫‪ 157 - 154‬بئ�س الحك ُم َتكمون أ�يها القوم‪� ،‬أن‬
‫الر�سول‪-‬؟ ف إ�ذا نزل بهم فبئ�س �صبا ُح القوم الذين‬ ‫يكون لله البنات ولكم البنون‪ ،‬و أ�نتم لا تر�ضون البنا ِت‬
‫أ�نذرهم ر�سو ُلنا نزو َل ذلك العذاب بهم فلم ي�ص ِّدقوا به‪.‬‬
‫ألنف�سكم فتجعلون له ما لا ترت�ضونه! أ�فلا تتدبرون ما‬
‫‪ 179 178‬و�أع ِر�ْض ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬عن ه�ؤلاء‬ ‫تقولون‪ ،‬فتعرفوا خط�أه‪�َ ،‬أ ْم لكم حج ٌة قاطعة تب ِّي لمن‬
‫الم�شركين‪ ،‬وخ ِّلهم و ِف ْر َي َتهم على ربهم‪ ،‬إ�لى حين ي أ�ذ ُن‬ ‫�سمعها �صح َة ما تقولون؟ ف�أ ُتوا بحجتكم ِم ْن كتا ٍب‬
‫الله بهلاكهم‪ ،‬و�أب�ص ْر وارتق ْب ف�سوف يرون ما يح ُّل‬
‫بهم ِم ْن عقابنا‪ ،‬في حين لا تنفعهم التوبة‪ ،‬وذلك عند‬ ‫جاءكم ِم ْن عند الله �إ ْن كنتم �صادقين في دعواكم‪.‬‬

‫نزول ب أ��س الله بهم‪.‬‬ ‫‪ 160 - 158‬وجعل ه ؤ�لاء الم�شركون بين الله وبين‬

‫‪َ 182 - 180‬تن َّزه ر ُّبك الذي لا ُينا َزع في م�شيئته‪ ،‬ولا‬ ‫الجن ن َ�سب ًا ‪ -‬قالوا‪ :‬الج ُّن �أمها ُت الملائكة‪ -‬ولقد علم‬
‫ُيغا َلب في حكمه ع ّما ي�ص ُف ه�ؤلاء المفترون‪ .‬و�سلام‬ ‫الجن �أ َّن الذين ا َّدعوا ذلك لمح�ضرون للعذاب‪َ .‬تن َّزه‪ ‬الله‬
‫من الله و أ�ما ٌن وتحي ٌة م ّنا لكا َّفة المر�سلين‪ .‬والحمد لله ر ِّب‬ ‫ع ّما يقولون‪ ،‬لكن عباد الله المخ َل�صين لا يح�ضرون‬

‫العالمين على ُن�صر ِة ا ألنبيا ِء وهلا ِك ا ألعداء‪.‬‬ ‫العذا َب ولا َي�صفون ر َّبهم إ�لا بما يليق بمطلق كماله‪.‬‬

‫‪452‬‬ ‫‪ 163 - 161‬ف�إنكم �أيها الم�شركون و آ�له َتكم التي‬
‫تعبدون ِم ْن دون الله ما أ�نتم بم�ض ّلين �أحداً بباطلكم هذا‪،‬‬

‫إ�لا َم ْن تولاكم بعم ِل �أه ِل النار‪.‬‬

‫‪ 166 - 164‬تقول الملائكة‪ :‬وما م َّنا �إلا َم ْن له مقام‬
‫في ال�سماء معلوم‪ ،‬و إ� ّنا لنحن ال�صا ّفون أ�جن َحتنا طاع ًة لله‬
‫وت�سبيح ًا‪ ،‬والم�ص ُّلون له‪ .‬وك َذب َم ْن و�صفنا ب أ� ّنا لله بنات‪.‬‬

‫‪ 175 - 167‬وكان ه ؤ�لاء الم�شركون ِم ْن قري�ش يقولون‬
‫قبل َمبع ِث محم ٍد‪ :‬لو �أ ّن عندنا كتاب ًا �ُأنزل من ال�سماء‪،‬‬
‫كالتوراة والإنجيل‪� ،‬أو نب ّي ًا �أتان ًا‪ ،‬مثل الذي �أتى اليهو َد‬
‫والن�صارى ل ُك ّنا أ�خل�صنا لله وما ك ّذبنا كما ك ّذبوا‪ .‬فل َّما‬
‫جاءهم ال ِّذكر كفروا به‪ ،‬ف�سوف يعلمون �إذا وردوا عل َّي‪،‬‬
‫ما لهم ِمن العذاب بكفرهم‪ .‬ولقد م�ضى م ّنا الق�ضا ُء‬
‫والحكم في �أ ِّم الكتاب ِل ِعبادنا المر�سلين �أ َّن لهم ال ُّن�صر َة‬
‫والغلب َة بال ُحجج‪ ،‬و�أ َّن حزبنا و أ�ه َل ولايتنا لهم ال َّظ َف ُر‬
‫والفو ُز على �أهل الكفر بنا والخلاف علينا‪ .‬ف�أع ِر�ْض‬
‫عنهم ‪ -‬يا محمد‪� -‬إلى حي ِن مجيء عذا ِبنا ونزو ِله بهم‪،‬‬

‫و َأ� ْمهلهم ف�سوف يرون ما يح ُّل بهم من عقابنا‪.‬‬

‫ي�سمع دعا َءنا ك ِّلنا‪ ،‬ويعلم عباد َة ك ِّل عاب ٍد ع َب َده منا؟! إ� َّن‬
‫هذا ل�شيء عجيب‪.‬‬

‫‪ ٨ - ٦‬و ا ن َط َلق ا ل ُك َب ا ُء من قر ي�ش قا ئلين ‪:‬‬
‫ام ُ�ضوا واث ُبتوا على عبادة �آلهتكم‪ ،‬إ� َّن هذا القو َل الذي‬
‫يقوله محم ٌد ويدعونا �إليه �شي ٌء يريد منه الا�ستعلا َء علينا‪،‬‬
‫و�أ ْن نكون له فيه �أتباع ًا‪ .‬ما �سمعنا بهذا الذي يدعونا إ�ليه‬

‫محم ٌد في دين �آبائنا‪ ،‬ولا في الن�صرانية‪ ،‬ما هذا القر�آ ُن‬
‫اإ�لولياذ�شكَك ُرُِّذكِم ٌ ْهبن ؤ�ابليانخءنَتاَل‪،‬فقهيف َُموخ ْحح�َّينمصا ٌدبإ�لهو‪،‬تىومخليَّرح��مصسهدب‪.‬أ���أ‪ُ�-‬أشنرز َفل‪ ‬م‪-‬عنلارى َغحمم َ�سأ�بحن ًامه؟م!د‬
‫بع ُد‬ ‫الموعود‬ ‫لم يذوقوا عذابي‬ ‫كذب ًا‪ ،‬بل‬ ‫لومل ُيذلج ِّركبو�اش ّعكلوياه‬
‫ِمن‬ ‫ما بهم‬ ‫ذاقوه زال حينئ ٍذ‬ ‫فيه‪ ،‬ف�إذا‬

‫ال�ش ِّك والح�سد‪.‬‬

‫‪ ١١ - ٩‬أ�م عند ه�ؤلاء مفاتي ُح رحم ِة ر ِّب َك العزي ِز‬ ‫‪ } ٢ ١‬ﭒﭑ{ �سب َق الكلا ُم على هذه الحروف‬
‫في �سلطانه الو ّهاب لمن ي�شاء ِمن خلقه ما ي�شاء‪ِ ،‬من ُمل ٍك‬ ‫الـ ُمق ّطعة في �أول �سورة البقرة‪�ُ .‬أ ْق ِ�سم بالقر�آن ذي‬
‫و�سلطا ٍن ونبو ٍة فيمنعوك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬ما م َّن الله به‬ ‫ال�شرف التا ِّم الباقي‪ ،‬الم�شتم ِل على �أح�س ِن الذكر‪ .‬إ� َّن‬
‫عليك من النبوة والر�سالة؟! َأ�م يملك ه�ؤلاء الم�شركون‬ ‫ُك ْف َر الكافرين لي�س عليه برهان‪ ،‬بل هو ب�سبب ال ِك ْب‬
‫ال�سماوات والأر�ض وما بينهما؟! ف إ�ن كان كذلك‬
‫فلي�صعدوا في َمعارج ال�سماء و َمراقيها‪ ،‬ول ُينزلوا الوحي‬ ‫والعداوة وال�ِّشقاق و َق ْ�صد المخالفة‪.‬‬
‫على َم ْن �شا�ؤوا واختاروا‪ .‬ما هم �إلا جن ٌد من الكفار‬ ‫‪ ٣‬وكم أ�هلكنا ِم ْن قبل ه�ؤلاء الم�شركين ِمن قري�ش‬
‫المتح ِّزبين على الر�سل مهزومون ع ّما قريب‪ ،‬فلا ُتبا ِل بما‬ ‫كثيراً من ا ألمم‪ ،‬ف َع ُّجوا �إلى ربهم وا�ستغاثوا بالتوبة حين‬
‫نزل بهم ب أ�� ُس الله‪ ،‬ولي�س ذلك الوق ُت وق َت قبو ِل توب ٍة‬
‫يقولون ولا َت ْكتر ْث بهم‪.‬‬ ‫وفرا ٍر وال‪ ‬هر ٍب‪ .‬وفي ذلك تهدي ٌد لم�شركي قري�ش‪،‬‬

‫‪ ١٥ - ١٢‬ك َّذ َب قبل ه ؤ�لاء الم�شركين قو ُم نو ٍح‬ ‫وح� ٌّض لهم على ا إليمان قبل فوات ا ألوان‪.‬‬
‫نوح ًا‪ ،‬وعا ٌد هوداً‪ ،‬وفرعو ُن ذو القوة والبط�ش مو�سى‪،‬‬ ‫‪ ٥ ٤‬و َع ِجب ه�ؤلاء الم�شركون أ� ْن جاءهم منذ ٌر‬
‫وثمو ُد �صالح ًا‪ ،‬وقو ُم لوط لوط ًا‪ ،‬و أ��صحا ُب الأيكة‬ ‫ِم ْن �أنف�سهم ينذرهم ب�أ� َس الله على كفرهم‪ ،‬ولم ي�أتهم‬
‫‪ -‬أ�ي ال�شجر الكثيف‪� -‬شعيب ًا‪� ،‬أولئك اجتمعوا على‬ ‫َم َل ٌك من ال�سماء‪ ،‬وقال المنكرون وحداني َة الله‪ :‬محمد‬
‫الكفر والع�صيان وك َّذبوا ُر�ُس َل الله‪ ،‬ف َو َجب عليهم‬ ‫�ساح ٌر فيما ُيظهر ِمن المعجزات‪ ،‬ك ّذا ٌب فيما ي ّدعيه ِمن‬
‫عقا ُب الله‪ .‬ولي�س بين ه ؤ�لاء الم�شركين ِم ْن قري�ش وبين‬ ‫الر�سالة‪ .‬أ�ج َعل محم ٌد المعبودات ك َّلها معبوداً واحداً‪،‬‬
‫حلول ما �أع َّد اللهُ لهم من العقاب �إلا نفخ ُة ال َف َز ِع‬
‫‪453‬‬
‫ا ألكبر‪ ،‬لا تت�أخ ُر عن وقتها‪.‬‬

‫‪ ١٦‬قال ك ّفا ُر مكة لـ ّما �سمعوا بت�أخير عقوبتهم إ�لى‬
‫ا آلخرة‪ :‬ربنا ع ِّج ْل لنا ح َّظنا من العذاب الذي وعدتنا‬

‫به قبل يوم‪ ‬الح�ساب‪.‬‬

‫‪ ١٧‬ا�بِ ْص ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬على ما يقولون من‬
‫المقالات الباطلة‪ ،‬فالعاقب ُة لك كما كانت ِلـ َمن قبلك من‬
‫ا ألنبياء‪ ،‬وا ْذ ُكر منهم عبدنا داود القو َّي في دينه‪ ،‬ال�شدي َد‬

‫على أ�عدائه‪ ،‬الكثي َر التوب ِة والرجوع إ�لى ربه‪.‬‬

‫‪� ١٨‬إ َّنا �س َّخرنا الجبال مع داود فهي ت�س ِّبح معه في �آخر‬
‫النهار و�أوله‪.‬‬

‫‪ ١٩‬وكذلك الطير اجتمع ْت إ�ليه ف�س َّبح ْت معه‪ ،‬وك ُّل‬
‫واحد من الجبال والطير ألج ِل ت�سبي ِح داود ُم َ�س ِّب ٌح‪.‬‬

‫‪ ٢٠‬و َق َّوينا ُمل َكه بالرجال‪ ،‬وبما و�ضعناه له ِمن الهيبة‬
‫في القلوب‪ ،‬ومنحناه موافق َة الح ِّق في قوله وفعله‪ ،‬والب ِّ َي‬

‫من الكلام المل َّخ�ص غير الملتب�س‪.‬‬

‫وهم قليلون‪ .‬و أَ�ح� َّس داود أ�ننا ابتليناه واختبرناه في هذا‬ ‫‪ ٢٢ ٢١‬وهل �أتاك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬خب ُر المتخا�صمين‬
‫ال�س�ؤال‪ ،‬فا�ستغفر ر َّبه وخ َّر �ساجداً‪ ،‬ورجع �إلى الله‪.‬‬ ‫�إذ اعتلوا ال�سور على داود‪ ،‬ونزلوا إ�ليه وهو في مكان‬

‫‪ ٢٥‬فتجاوزنا ع َّما كان منه‪ ،‬و�إ َّن له عندنا ل ُقربى‬ ‫عبادته‪ ،‬فارتاع منهما‪ ،‬فقالا له‪ :‬لا َت َخ ْف نحن‬
‫وكرام ًة بعد هذا‪ ،‬و َمر ِجع ًا ح�سن ًا في الجنة‪.‬‬
‫متخا�صمان‪ ،‬ظلم أ�ح ُدنا الآخر فاحك ْم في ق�ضيتنا بالحق‬
‫‪ ٢٦‬يا داود �إ َّنا ا�ستخلفناك في ا ألر�ض‪ ،‬فاحك ْم بين‬ ‫ولا َتـ ُجـ ْر‪ ،‬و�أر�شدنا إ�لى الطريق الو�سط‪ ،‬الذي لا ِعوج‬
‫النا�س بحكم الله تعالى واعدل‪ ،‬ولا ت َّتبع هوى النف�س‬
‫في الحكومات‪ ،‬فيكون ذلك �سبب ًا ل�ضلالك عن �شرائع‬ ‫فيه‪ ،‬وهو طريق الحق والعدل‪.‬‬

‫الله‪� .‬إ َّن الذين َي ِ�ض ُّلون عن �سبيل الله لهم عذا ٌب �شديد‬ ‫‪ ٢٣‬قال �أحد الخ�صمين‪� :‬إ َّن هذا �أخي له ت�س ٌع‬
‫ب�سبب ن�سيانهم يو َم الح�ساب‪ ،‬ذلك أ� َّن تذ ُّكره و َترداده‬ ‫وت�سعون نعج ًة‪ ،‬وليَ نعجة واحدة لا �أملك غي َرها‪،‬‬
‫على القلب وت�ص ُّو َره يقت�ضي ملازم َة الح ِّق ومبا َعد َة‬ ‫فقال‪َ :‬م ِّلكنيها‪ ،‬واجعلني أ�كفلها كما أ�كفل ما تحت‬

‫الهوى‪.‬‬ ‫يدي‪ ،‬و كان �أقد َر م ِّني على الكلام فغلبني‪.‬‬

‫‪ ٢٤‬قال له داود ‪ -‬عليه ال�سلام‪ :-‬إ�ن كن َت �صدق َت‬
‫فقد ظلمك برغب ِته وطلب ِه �ض َّم نعجتك الواحد ِة إ�لى‬
‫ِنعاجه الت�سع والت�سعين‪ .‬و�إ َّن كثيراً من المتعا�شر ِين ليقع‬
‫منهم ظل ُم بع ِ�ضهم بع�ض ًا‪ ،‬إ�لا الذين آ�منوا وعملوا‬
‫ال�صالحات منهم ف�إ َّنهم يتحا�شون عن البغي والعدوان‪،‬‬

‫‪454‬‬

‫‪ ٣٣ ٣٢‬و�َش َعر �أ َّنه ا�شتغل بذلك عن ذكر الله فقال‪:‬‬
‫إ�ني �أحبب ُت اقتنا َء الخيل ‪ -‬وكان ُيعدها للجهاد‪ ،‬ف�أح َّبها‬
‫لله ال‪ ‬للدنيا‪ -‬حتى غابت ال�شم�س عن عيني‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫�أَعيدوا الخيل عل َّي‪ .‬ف�شرع يم�سح �سيقانها و�أعناقها‬

‫إ�كرام ًا لها ألنها خي ُر ُمعين للجهاد‪.‬‬

‫ولوٍلدق‪،‬دو اكباتلنينا�َأق��سسلميملاي َنطوفو�أَّلنقيعنلاىعنل�ىسائهكرف�َتسِل ُِّدي‬ ‫‪٣٥‬‬ ‫‪٣٤‬‬
‫ِ�ش َّق‬ ‫ُم ْلكه‬

‫ك ُّل واحدة منهن فار�س ًا ولم يقل‪ :‬إ� ْن �شاء الله‪ ،‬فطاف‬

‫عليهن فلم تحمل منهن إ�لا واحد ٌة وجاءت ب ِ�ش ِّق ولد‪،‬‬

‫وحين ر�أى ذلك رجع �إلى الله تائب ًا قال‪ :‬ر ِّب اغفر لي‪،‬‬
‫وامنحني �سلطان ًا لا يكون ألحد من بعدي‪ ،‬إ�ن َك �أن َت‬

‫المان ُح المعطي الكريم‪.‬‬

‫‪ ٣٦‬فذ َّللنا الري َح لطاعته‪ ،‬تجري َل ِّين ًة طيبة �إلى حيث‬
‫ق�ص َد و�شا َء‪.‬‬

‫‪ ٣٧‬و�س ّخرنا له ال�شياطين‪ ،‬يبنون له ما ي�شاء‪،‬‬ ‫‪ ٢٧‬وما خلقنا ال�سما َء وا ألر�ض وما بينهما من‬
‫ويغو�صون في البحر لا�ستخراج ال آللئ ‪ -‬أ� ّما‬ ‫المخلوقات على هذا النظام البديع خ ْلق ًا باطل ًا عاري ًا‬
‫الخارجون عن أ�مره وهم َمردة ال�شياطين‪ -‬فكان‬ ‫عن الحكمة‪ ،‬ذلك الظ ُّن الباط ُل ظ ُّن الذين كفروا الذين‬
‫يجمع بع َ�ضهم مع بع�ض في القيود وال�سلا�سل‪ ،‬ت�أديب ًا‬
‫ال‪ ‬ي ؤ�منون بالبعث‪ ،‬فوي ٌل لهم ِم ْن عذاب النار‪.‬‬
‫لهم‪ ،‬ومنع ًا لهم من ا إلف�ساد‪.‬‬ ‫‪ ٢٨‬أ�نجع ُل الم�ؤمنين ال�صالحين المتقين يو َم القيامة‬
‫كالكفرة المف�سدين ال ُف ّجار؟ ك ّل ف�إ َّن هذا منا ٍف ل ِحكمتنا‬
‫‪ ٣٩ ٣٨‬هذا الذي �أعطيناك من الت�سخير والملك‬ ‫وع ْدلنا‪ ،‬ولو َب َطل الجزا ُء ‪ -‬كما يقول الكفار ‪ -‬لا�ستو ْت‬
‫العظيم هو عطا ؤ�نا الخا�ص بك دون غيرك‪ ،‬ف أ�عط‬
‫يا �سليمان َم ْن �شئت وامن ْع َم ْن �شئ َت‪ ،‬لا حرج عليك‪.‬‬ ‫�أحوا ُل الفريقين المذكورين‪.‬‬

‫‪ ٤٠‬و�إ َّن ل�سليمان ل ُقربى في ا آلخرة و َمر ِجع ًا ح�سن ًا‬ ‫‪ ٢٩‬هذا القر�آن كتاب �أنزلناه �إليك وهو مر ِ�ش ٌد �إلى‬
‫في الجنة‪.‬‬ ‫الخير �صار ٌف عن ال�شر‪ ،‬أ�نزلناه ليتفكروا في �آياته‪،‬‬

‫‪ ٤١‬واذك ْر ‪ -‬يا مح َّم ُد‪ -‬عبدنا أ�يوب حين رفع �صوته‬ ‫و َينعموا في ظلاله‪ ،‬وليتعظ به ذوو العقول‪ ‬ال�سليمة‪.‬‬
‫بالدعاء قائل ًا‪ :‬ر ِّب إ� َّن ال�شيطان قد م�َّسني بتع ٍب‪ ،‬و َ�أل ٍَم‬ ‫‪ ٣٠‬ووهبنا لداود �سليما َن‪ِ ،‬ن ْعم العب ُد �سليمان �إنه‬

‫�شدي َدين‪.‬‬ ‫ر َّجاع �إلى الله ك�أبيه‪.‬‬
‫‪ ٤٢‬ف أ�ر�سلنا إ�ليه جبري َل فقال له‪ :‬ا�ضر ْب برجلك‬ ‫‪ ٣١‬واذك ْر ما كان منه حين ُع ِر�ضت عليه ع�صراً الخي ُل‬
‫ا ألر�ض فنبع ْت عي ٌن‪ ،‬فقال له‪ :‬هذا ماء بارد تغت�سل منه‬
‫ال ِجياد‪ ،‬فا�شتغل بها إ�لى غروب ال�شم�س‪.‬‬
‫وت�شرب‪ ،‬فتبر ُأ� م َّما �أن َت فيه‪.‬‬
‫‪455‬‬

‫ربهم َل�ش َّر َم�صير‪ ،‬أل َّن م�صيرهم إ�لى جهنم‪ ،‬و إ�ليها‬ ‫‪ ٤٣‬فاغت َ�سل و�ش ِرب‪ ،‬فف َّرجنا عنه ما أ��صابه من البلاء‪،‬‬
‫ُمنق َلبهم بعد وفاتهم‪ ،‬وهي فرا�شهم فبئ�س الفرا� ُش الذي‬ ‫ورددنا له ما َف َق َد ِم ْن ولد ورزقناه ِم ْن زوجه مث َلهم‬
‫ر�أف ًة م ّنا ورحمة‪ ،‬وتذكيراً ِ ألُولي العقول‪ ،‬ليعتبروا‬
‫�أَع ُّدوه ألنف�سهم‪.‬‬
‫‪ ٥٧‬هذا �شرا ٌب ِمن ماء يغلي‪ ،‬و َ�صديد َي�سيل من‬ ‫بها‪ ‬ويتعظوا‪.‬‬

‫المع َّذبين فلي�شربوه‪.‬‬ ‫‪ ٤٤‬وقلنا أليوب‪ُ :‬خ ْذ بيدك حزم ًة فيها من ا ألعواد‬
‫‪ ٥٨‬ولهم أ�لوا ٌن و أ�نوا ٌع �أخرى ِمن ِم ْث ِل هذا العذاب‬ ‫َب ْق ِدر عدد ال�ضربات التي أَ�ق�سم َت عليها فا�ضر ْب بها‬
‫زوج َتك ولا تحن ْث في يمينك‪ ،‬إ� ّنا وجدنا �أيوب �صابراً‬
‫ا ألليم‪.‬‬ ‫على البلاء‪ِ ،‬ن ْع َم العبد هو‪� ،‬إ َّنه على طاعة الله مق ِبل‪ ،‬و إ�لى‬

‫‪ ٦٠ ٥٩‬وقال الـ َمتبوعون المُ ِ�ض ُّلون وهم في النار‪:‬‬ ‫ر�ضاه ر ّجاع‪.‬‬
‫هذه جماع ٌة مقت ِحم ٌة معكم‪ ،‬لا مرحب ًا بهم‪� ،‬إنهم واردو‬ ‫‪ ٤٥‬واذكر ‪ -‬يا محمد‪ -‬عبادنا �إبراهي َم و إ��سحا َق‬
‫النار‪ .‬فير ُّد ه�ؤلاء المقت ِح ُمون ِمن ا ألتباع‪ :‬بل �أنتم لا‬
‫مرحب ًا بكم‪ ،‬أ�نتم �سب ُب دخو ِلنا هذا المكان والا�ستقرا ِر‬ ‫ويعقو َب‪ُ� ،‬أولي القوة والب�صيرة في الدين‪.‬‬
‫‪� ٤٦‬إ َّنا خ�ص�صناهم بخا ّ�ص ٍة هي ِذ ْك ُر الدار الآخرة‪،‬‬
‫فيه ‪ ،‬فبئ�س الم�ست َق ُّر جهنم‪.‬‬
‫‪ ٦١‬وقال ه ؤ�لاء الأتباع‪ :‬ر َّبنا َم ْن كان �سب َب �سو ِء‬ ‫والرغبة فيها والعمل لها‪.‬‬

‫عاقبتنا ف�ضا ِع ْف له العذا َب في النار‪.‬‬ ‫‪ ٤٧‬و�إ َّنهم عندنا لمن المختا ِرين ِم ْن بين �أبناء جن�سهم‬
‫ا ألخيار‪ ،‬اخترناهم لطاعتنا ور�سالتنا إ�لى خلقنا‪.‬‬
‫‪456‬‬
‫‪ ٤٨‬واذكر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬إ��سماعي َل والي�س َع وذا‬
‫الكف ِل‪ ،‬وك ُّلهم من الم�شهورين بالخيرية‪ ،‬فت�أ� َّس بهم‪،‬‬

‫وا�سلك منها َجهم في ال�صبر على ما ينالك في الله‪.‬‬
‫‪ ٥١ - ٤٩‬هذا القر آ� ُن ذك ٌر لك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪-‬‬
‫ولقومك‪ ،‬ذ َّكرناك و إ�ياهم به‪ ،‬و�إ َّن للمتقين لح�ْس َن‬
‫َمرجع‪ ،‬هي ِجنان إ�قام ٍة مفتوحة الأبواب لهم‪ ،‬متكئين‬
‫فيها على �سر ٍر مرفوعة‪ ،‬يدعون فيها بفاكهة كثيرة مما‬

‫ي�شتهون‪ ،‬و�شراب‪.‬‬

‫‪ ٥٢‬وعندهم ن�ساء َق َ� َصن نظره ّن على �أزواجهن‪،‬‬
‫وهن في �س ِّن واحدة‪.‬‬

‫‪ ٥٤ ٥٣‬هذا النعي ُم هو وع ٌد ِمن الله لكم ‪� -‬أيها‬
‫المتقون‪ -‬تل َقونه يوم القيامة‪ ،‬وهو رز ٌق ِمن الله‪ ،‬لي�س له‬

‫عنكم انقطا ٌع‪ ،‬ولا له فناء‪.‬‬
‫‪ ٥٦ ٥٥‬هذا جزاء المتقين‪ ،‬و�إ َّن للذين تم َّردوا على‬

‫‪ ٧١ - ٦٩‬وقل لهم‪ :‬ما كان لي ِم ْن ِعل ٍم بالم ِأل‬
‫ا ألعلى من الملائكة إ�ذ يخت�صمون في �ش أ�ن آ�دم‪ .‬ففي‬
‫�إخباري لكم عن ذلك دلي ٌل على أ� َّن هذا وحي من الله‪،‬‬
‫وما ُيوحي اللهُ �إل َّي ِع ْل َم ما لا ِع ْل َم لي به �إلا أل ِّن نذي ٌر ِم ْن‬

‫عقابه ب ِّ ُي ا إلنذار‪.‬‬

‫‪ ٧٣ ٧٢‬ما كان ل َي من عل ٍم بالملأ الأعلى حين قال‬
‫ر ُّبك للملائكة ‪ :‬إ� ِّن خال ٌق ب�شراً ‪ -‬هو آ�دم ‪ -‬من‬
‫طين‪ ،‬ف�إذا �سوي ُت َخ ْلقه‪ ،‬ونفخ ُت فيه الروح‪ ،‬ف ِخ ُّروا‬

‫له �س َّجداً‪.‬‬

‫‪ ٧٥ ٧٤‬فل ّما كان ذلك �سجد له الملائك ُة ك ُّلهم‬
‫غير �إبلي�س‪ ،‬ف إ�نه لم ي�سجد تع ُّظم ًا وتك ُّباً‪ ،‬وكان‬
‫بتع ُّظمه ذلك وتك ُّبه على ربه من الجاحدين لح ِّقه‪،‬‬

‫العا�صين ألمره‪.‬‬

‫‪ ٧٧ ٧٦‬قال اللهُ‪ :‬يا �إبلي�س أ� ُّي �شيء م َن َعك من‬ ‫‪ ٦٢‬وقال الر�ؤ�سا ُء‪ :‬ما با ُلنا لا َنرى معنا في النار رجال ًا‬
‫ال�سجود للذي خلقته بي َد َّي‪� ،‬أتع َّظم َت عن ال�سجود‬ ‫ك َّنا نع ُّدهم في الدنيا ِم ْن �أهل ال�شر والباطل؟‬
‫لآدم �أم كن َت من المتك ِّبين على ربك؟ قال �إبلي�س‪ :‬فعل ُت‬
‫ذلك لأني خي ٌر منه‪ ،‬وكن ُت خيراً منه ألن َك خلقتني من‬ ‫‪� ٦٣‬أ ُك َّنا َنهز أ� بهم خط أ�ً؛ ألنهم كانوا على الحق‬
‫فلم يدخلوا النار‪َ� ،‬أ ْم دخلوها معنا ولكن مال ْت عنهم‬
‫نار‪ ،‬وخلق َته من طين‪.‬‬
‫أ�ب�صا ُرنا فلم نرهم؟!‬
‫‪ ٧٩ ٧٨‬قال اللهُ له‪ :‬فاخر ْج من الجنة ف�إنك َم ْطرود‬
‫ِم ْن ك ِّل خير‪ ،‬بعي ٌد ِم ْن كل رحمة �إلى يوم الجزاء‪.‬‬ ‫‪ ٦٤‬إ� َّن تخا ُ�صم �أه ِل النا ِر الذي �أخبر ُتكم به ‪� -‬أيها‬
‫النا�س‪ -‬لح ٌّق فلا ت�ش ُّكوا فيه‪.‬‬
‫‪ ٨١ ٨٠‬قال �إبلي�س‪ :‬ر ِّب ف إ� ْذ َل َع ْن َتني و�أخرجتني ِمن‬
‫جنتك ف أ� ِّخرني ولا ُتهلكني إ�لى يوم تبع ُث خل َقك ِمن‬ ‫‪ ٦٦ ٦٥‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لم�شركي قومك‪ :‬إ�نما‬
‫قبورهم‪ .‬ف أ�جابه اللهُقال‪ :‬ف إ�نك ِم َن الم�ؤ َّجلين إ�لى الوقت‬ ‫�أنا منذ ٌر �أنذركم عذا َب الله‪ ،‬فا ْح َذروه‪ ،‬وما ِم ْن معبود‬
‫ت�صلح له العبادة �إلا الله‪ ،‬مال ُك ال�سماوات وا ألر�ض‪،‬‬
‫المع َّي في �سابق علمنا‪.‬‬
‫العزي ُز الذي لا ُيغلب‪ ،‬الغ َّفار لمن تاب إ�ليه و�أناب‪.‬‬
‫‪ ٨٣ ٨٢‬قال �إبلي�س‪ :‬فب ُقدرتك و�سلطانك ُلأ ِ�ض َّل َّن‬
‫بني �آدم أ�جمعين‪ ،‬إ�لا َم ْن أ�خل�ص َت ُه منهم لعبادتك‪،‬‬ ‫‪ ٦٨ ٦٧‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لقومك المك ِّذبين‬
‫و َع َ�صم َته ِم ْن إ��ضلالي‪ ،‬فلم تجع ْل لي عليه �سبيل ًا ف�إ ِّن لا‬ ‫بالقر�آن‪ :‬هذا القر آ�ن َخ َ ٌب عظيم‪� ،‬أنتم عنه من�صرفون‪،‬‬
‫ال‪ ‬تعملون به‪ ،‬ولا ُت�ص ِّدقون بما فيه ِمن ُحج ِج الله و�آياته‪.‬‬
‫أ�قد ُر على إ��ضلاله و�إغوائه‪.‬‬

‫‪457‬‬

‫‪ ٨٤‬قال تعالى‪ :‬فالح ُّق َقولي‪ ،‬ولا �أقول غير الحق‪.‬‬

‫‪ ٨٥‬لأملا َّن جهنم منك يا إ�بلي�س و ِم ْن �أتباعك ِم ْن بني‬
‫�آدم أ�جمعين‪.‬‬

‫‪ ٨٦‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لم�شركي قومك‪ :‬ما �أ�س�أ ُلكم‬
‫على هذا الإنذار والإبلاغ ثواب ًا وجزاء‪ ،‬وما أ�نا من‬

‫المت�ص ِّنعين حتى �أ َّدعي النبو َة‪ ،‬و أ�ت َق َّول القر آ�ن‪.‬‬

‫‪ ٨٧‬وقل لهم‪ :‬ما هذا القر�آن إ�لا تذكي ٌر ِمن الله للعالمين‬
‫من الجن وا إلن�س‪َ ،‬ي�ستن ِقذهم به ِمن الهلاك‪.‬‬

‫‪ ٨٨‬و َل َت ْعلم َّن خب َر هذا القر آ�ن وحقيق َة ما فيه ِمن الوعد‬
‫والوعيد بعد حي ٍن في الدنيا عند ظهور ا إل�سلام ‪ -‬أ�و بعد‬

‫الموت وقيام ال�ساعة‪.-‬‬

‫يو ِّفق للاهتداء َم ْن هو را�س ٌخ في الكذب‪ ،‬متق ِّول على‬ ‫‪ ١‬تنزي ُل الكتاب الذي ن ّزلناه عليك ‪� -‬أيها الر�سول‪-‬‬
‫الله‪ ،‬مبا ِل ٌغ في الكفر‪.‬‬ ‫هو من الله العزي ِز الغال ِب الذي لا َرا َّد ألمره‪ ،‬الحكي ِم في‬

‫‪ ٤‬لو �شاء الله اتخا َذ ول ٍد ‪ -‬ولا ينبغي له ذلك‪-‬‬ ‫تدبير َخ ْلقه‪ ،‬لا ِم ْن غيره �سبحانه‪.‬‬
‫لاختار ِم ْن َخلقه ما ي�شاء‪ ،‬تن َّزه اللهُ عن أ�ن يكون له‬
‫ولد‪ ،‬وع َّما أ��ضاف �إليه الم�شركون ِمن �شركهم‪ ،‬هو الذي‬ ‫‪ ٢‬إ� َّنا �أنزلنا إ�ليك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬القر�آ َن ي�أمر بالحق‬
‫َيعبده ك ُّل �شيء‪ ،‬وهو الواحد الذي لا �شريك له في ملكه‬ ‫والعدل‪ ،‬و ِم ْن ذلك الح ِّق والعد ِل �َأ ْن َتعبد اللهَ مخل�ص ًا له‬
‫و�سلطانه‪ ،‬الق ّهار لخلقه بقدرته‪ ،‬فك ُّل �شيء له متذلِّل‪،‬‬
‫الدين‪ ،‬فاخ�ش ْع‪ ‬لله بالطاعة ‪ ،‬و�أخ ِل�ص له العبادة‪.‬‬
‫و ِم ْن �سطوته خا�شع‪.‬‬
‫‪� ٣‬أ َل لله العباد ُة والطاع ُة وحده لا �شريك له‪ ،‬خال�صة‬
‫‪َ ٥‬خ َل َق الله ال�سماوات وا ألر�َض بالحق‪ ،‬وجعل‬ ‫لا �ِشك لأح ٍد معه فيها‪ ،‬والذين اتخذوا من دون الله‬
‫اللي َل والنهار متعاقـ َبين؛ ِل َي ْطلب �أح ُدهما ا آلخ َر و ُي ْذهبه‪،‬‬
‫و�س َّخر ال�شم� َس والق َمر يجريان َو ْفق نظام ُمحك ٍم �إلى‬ ‫أ�وليا َء يعبدونهم كالملائكة وا أل�صنام يقولون‪ :‬ما نعب ُدهم‬
‫قيام ال�ساعة‪� .‬ألا إ� َّن اللهَ الذي َخ َلق هذا و�س ّخره هو‬ ‫�إلا لي�شفعوا لنا عند الله ويقربونا إ�ليه‪ .‬إ� َّن الله يحكم يوم‬

‫العزيز في انتقامه‪ ،‬الغ َّفار لذنوب عباده‪ ‬التائبين‪.‬‬ ‫القيامة بين الم�سلمين والم�شركين فيما هم فيه يختلفون من‬
‫الحق‪ ،‬وا ِّدعا ِء ك ِّل واح ٍد �صح َة ما يقول‪ .‬وحك ُمه تعالى‬
‫‪458‬‬ ‫هو �إدخا ُل المو ِّحدين الجن َة‪ ،‬والم�شركين النار‪� .‬إ َّن‪ ‬الله لا‬

‫له‪ ،‬ولا تحم ُل نف� ٌس ذنو َب نف�س �أخرى‪ ،‬ثم �إلى ربكم‬
‫َمبع ُثكم بعد الموت‪ ،‬فيخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا‪،‬‬

‫فيجازيكم ب�أعمالكم ثواب ًا وعقاب ًا‪ ،‬إ�نه علي ٌم بم�ض َمرات‬
‫القلوب فكيف با ألعمال الظاهرة؟‬

‫‪ ٨‬و إ�ذا م� َّس ا إلن�سا َن بلا ٌء في ج�سده‪ ،‬أ�و �شدة في‬ ‫‪ ٦‬خل َقكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ِ -‬م ْن آ�دم‪ ،‬ثم َج َع َل ِم ْن‬
‫َمعي�شته‪ ،‬ا�ستغاث بربه الذي خلقه تائب ًا مما كان عليه ِم ْن‬ ‫�آد َم زو َجه حواء‪ ،‬وج َعل لكم من ا إلبل والبقر وال�ض أ�ن‬
‫كف ٍر و�شر ٍك ومع�صي ٍة‪ ،‬ثم �إذا َم َنحه ر ُّبه العافي َة وك َ�ش َف‬ ‫والمعز ثماني َة أ�زوا ٍج‪ ،‬يبتدئ ‪� -‬سبحانه‪ -‬خل َقكم في‬
‫�ض َّره‪ ،‬ن�سي البلا َء الذي كان يدعو الله ِمن قبل �أن‬ ‫بطون أ�مهاتكم ِمن نطفة‪ ،‬ثم يجعلها َع َلقة‪ ،‬ثم ُم ْ�ضغة‪،‬‬
‫يك�شفه‪ ،‬وجعل لله �شركاء؛ لي ُ�ض َّل النا� َس بعد أ�ن أ��ض َّل‬ ‫ثم عظام ًا‪ ،‬ثم يك�سو العظام لحم ًا‪ ،‬ثم ي ْن ِ�ش ُئه َخلق ًا �آخر‪،‬‬
‫نف َ�سه‪ ،‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ِ -‬لفاعل ذلك‪ :‬تم َّتع بكفرك‬ ‫في ُظلمة البطن‪ ،‬و ُظلمة الرحم‪ ،‬و ُظلمة الـ َم ِ�شيمة‪.‬‬
‫قليل ًا �إلى أ�ن ت�ستوفي �أج َلك‪� ،‬إنك من أ��صحاب النار‬ ‫هذا الذي ف َعل هذه الأفعا َل هو ر ُّبكم‪ ،‬له ملك الدنيا‬
‫والآخرة و�سلطا ُنهما لا ِلغيره‪ ،‬لا ينبغي أ�ن يكون معبو ٌد‬
‫الماكثين فيها‪.‬‬ ‫�سواه‪ ،‬ولا َت�صلح العباد ُة �إلا له‪ ،‬فكيف َت ْع ِدلون عن‬

‫‪ ٩‬أ�هذا ا إلن�سا ُن الكافر المتم ّت ُع بكفره قليل ًا خي ٌر‬ ‫عبادته �إلى عبادة َمن لا ُ� ّض عنده لكم ولا َن ْفع؟‬
‫�أَ ِم الم ؤ�م ُن المطيع لربه المتو ّجه �إليه في �أوقا ٍت من الليل‬
‫�ساجداً له قائم ًا بين يديه يخاف عذاب ا آلخرة ويرجو‬ ‫‪ ٧‬إ� ْن تكفروا بالله ‪ -‬أ�يها الكفار‪ -‬ف إ� َّن الله غن ٌّي عن‬
‫إ�يمانكم وعبادتكم �إياه‪ ،‬ولا ير�ضى لعباده �أن يكفروا‬
‫دخول الجنة؟ قل‪ -‬أ�يها الر�سول ‪ -‬هل ي�ستوي الذين‬
‫به‪ ،‬و إ�ن ت�شكروا ر َّبكم بالإيمان وتطيعوه َي ْر�َض �شك َركم‬
‫يعلمون ويعملون بما َع ِلموا والذين ال‪ ‬يعلمون‪ ،‬فيعملون‬
‫بمقت َ�ضى ج ِهلهم؟ �إنما يعتب ُر ب ُح َجج الل ِه �أه ُل العقول‬

‫الراجحة وا ألفهام ال�سليمة‪.‬‬

‫‪ ١٠‬قل ‪ -‬أ�يها النبي مب ِّلغ ًا عن الله تعالى‪ :-‬يا عبادي‬

‫الذين �آمنوا بالله و�ص ّدقوا ر�سو َله اتقوا الله‪ ،‬للذين‬
‫َأ� ْح َ�سنوا في دار التكليف والابتلاء ح�سن ٌة في ا آلخرة‪،‬‬
‫وهي الجنة‪ ،‬وح�سن ٌة في الدنيا ِم ْن ت ْ�أيـي ٍد وعافي ٍة وحيا ٍة‬
‫طيبة‪ .‬و�أر�ُض الله ف�سيحة فها ِجروا ِم ْن �أر�ض ال�شرك إ�لى‬
‫حيث ت أ�منون على دينكم‪ ،‬إ�نما ُيعطي اللهُ أ�ه َل ال�صبر على‬

‫ما لقوا في الدنيا ثوا َبهم وافراً بغير ح�ساب‪.‬‬

‫‪459‬‬

‫‪ ٢٠‬للكافرين ُظل ُل النا ِر ِم ْن فوقهم و ِم ْن تحتهم‪ ،‬لك ْن‬ ‫‪ ١٣ - ١١‬قل‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لم�شركي قومك‪� :‬إ َّن‬
‫المتقون لهم في الجنة ُغر ٌف ِم ْن فوقها غرف مبنية‪ ،‬علالي‬ ‫الله �أمرني أ� ْن �أعبده ُمف ِرداً له العبادة‪ ،‬و�أمرني بذلك ألجل‬
‫بع�ضها فوق بع�ض‪ ،‬تجري ِم ْن تحتها الأنهار‪ ،‬كان هذا‬ ‫أ�ن أ�كون �أ ّو َل َم ْن �أ�سلم منكم‪ .‬وقل لهم‪ :‬إ�ني �أخاف إ� ْن‬
‫ع�صي ُت ربي فيما أ�مرني به عذا َب يو ِم القيامة‪ ،‬وذلك هو‬
‫و ْعداً من الله لهم‪ ،‬والله لا يخلفهم وعده‪.‬‬
‫اليوم الذي َي ْع ُظم هو ُله‪.‬‬
‫‪ ٢١‬أ�لم َت َر‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬أ�ن الله أ�نزل من ال�سماء‬
‫مطراً ف أ�جراه عيون ًا في الأر�ض‪ ،‬ثم ُيخرج به �أنواع ًا‬ ‫‪ ١٥ ١٤‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لهم‪ :‬اللهَ أ�عب ُد ُمف ِرداً له‬
‫مختلف ًة من الزروع‪ ،‬ثم َييب�س ذلك الزرع ِمن بعد‬ ‫طاعتي وعبادتي‪ ،‬فاعبدوا أ�نتم ‪� -‬أيها القوم‪ -‬ما �شئتم‬
‫ُخ�ضرته فتراه قد �صار �أ�صفر‪ ،‬ثم يجعله الله ُفتات ًا متك�ِّساً‪،‬‬
‫إ� َّن في ِف ْع ِل الل ِه ذلك لتذكر ًة للعقلاء‪ ،‬يتذكرون به �أ َّن الله‬ ‫من ا ألوثان وا أل�صنام وغيرها مما تعبدون‪� ،‬إ َّن الخا�سرين‬
‫ح ّق ًا الذين �ض ّيعوا �أنف َ�سهم بال�ضلال و�أ ِهليهم بالإ�ضلال‬
‫على كل �شيء قدير‪ ،‬لا يتع َّذر عليه البع ُث والجزا ُء‪.‬‬ ‫فخ�سروا جميع ًا بدخولهم النار‪� ،‬ألا إ� َّن خ�سرانهم هذا‬

‫هو الخ�سران الذي ال‪ ‬خ�سران بعده‪.‬‬

‫‪ ١٦‬لهم ِم ْن فوقهم طبقا ٌت كثيرة من النار بع ُ�ضها‬
‫فوق بع�ض‪ ،‬و ِم ْن تحتهم طبقا ٌت كثيرة بع ُ�ضها تحت‬
‫بع�ض وهي ُظ َل ٌل لآخرين‪ ،‬ذلك العذاب الفظيع هو‬

‫الذي يخ ِّو ُف الله به عباده ويح ِّذرهم إ�ياه ليجتنبوا ما‬
‫يوقعهم فيه‪ ،‬يا عبادي فخافوني‪.‬‬

‫‪ ١٨ ١٧‬والذين اجتنبوا عباد َة ك ِّل ما ُيعبد ِم ْن دون‬
‫الله‪ ،‬وتابوا �إلى الله‪ ،‬ورجعوا إ�لى ا إلقرار بتوحيده له ُم‬
‫الب�شرى في الدنيا بالجنة والنعي ُم المقيم في ا آلخرة‪ ،‬فب�ِّش‬
‫‪� -‬أيها النبي‪ -‬عبادي الذين ي�ستمعون القو َل فيتبعون‬
‫�أر�َش َده و�أهداه إ�لى الحق‪ ،‬و أ�د َّله على توحي ِد الله والعم ِل‬
‫بطاعته‪ ،‬ويتركون ما �سوى ذلك من القول الذي لا يد ُّل‬

‫على ر�شاد‪ ،‬ولا يهدي �إلى �َسداد‪ .‬أ�ولئك الذين و َّفقهم‬
‫الله لإ�صابة ال�صواب‪ ،‬و�أولئك هم �أُولو العقول الكاملة‪.‬‬

‫‪� ١٩‬أف َم ْن وجب ْت عليه كلم ُة العذاب لكفره بربه‬
‫�أف أ�ن َت َتلك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬هداي َته و إ�نقا َذه من النار؟‬

‫‪460‬‬

‫ُيرمى في النار مكتوف ًا مق َّيداً فلا ي�ستطيع الت�ص ُّر َف بيديه‬
‫والدف َع عن نف�سه خي ٌر أ�م َمن ُي َن َّعم في ال ِجنان ح ّراً طليق ًا‬
‫مك َّرم ًا؟ و ُيقال يومئ ٍذ لمن ظلموا أ�نف�سهم‪ :‬ذوقوا وبا َل ما‬

‫كنتم تك�سبون من معا�صي الله في الدنيا‪.‬‬

‫‪ ٢٦ ٢٥‬ك َّذب الذين ِم ْن قبل ه ؤ�لاء الم�شركين‪ِ ،‬من‬
‫الأمم الذين م�ضوا في الدهور الخالية ر�س َلهم‪ ،‬فجاءهم‬

‫عذا ُب‪ ‬الله ِمن الجه ِة الم�أمون ِة التي لا يتوقعون أ�ن ي أ�تيهم‬
‫منها‪ .‬فع َّجل اللهُ لتلك ا ألمم الهوا َن في الدنيا‪ ،‬و َلعذا ُب‬
‫الله �إياهم في ا آلخرة أ�كب ُر مما ر�أوه في الدنيا‪ ،‬لو‪ ‬علم‬

‫ه ؤ�لاء الم�شركون من قري�ش ذلك‪.‬‬

‫‪ ٢٨ ٢٧‬ولقد م َّثلنا للنا�س في هذا القر آ�ن من ك ِّل‬ ‫‪� ٢٢‬أف َم ْن جعله الله �شدي َد الا�ستعدا ِد لقبول ا إل�سلام‪،‬‬
‫َم َثل ِمن �أمثال القرون الما�ضية تخويف ًا منا لهم وتحذيراً‪،‬‬ ‫فهو على نو ٍر من ربه وب�صير ٍة في دينه ك َم ْن ق�سا قل ُبه‬
‫ليتذ ّكروا فينزجروا ع ّما هم مقيمون عليه من الكفر‪.‬‬ ‫و�ضاق �صد ُره وا�ستول ْت عليه ظلما ُت ال�ضلالة؟! فوي ٌل‬
‫وجعلنا هـذا الكتاب قر�آن ًا عربي ًا ُم ْح َكم ًا لا خل َل فيه‬ ‫للذين ق�س ْت قلوبهم و�أعر�ض ْت عن ذكر الله‪ ،‬أ�ولئك في‬
‫ولا تناق�ض ليفهموا ما فيه من المواعظ‪ ،‬حتى ي ّتقوا ما‬
‫�ضلا ٍل ظاه ٍر‪.‬‬
‫ح َّذرهم‪ ‬الله فيه ِم ْن ب أ��سه و�َسطوته‪.‬‬
‫‪ ٢٣‬الله هو الذي ن َّزل �أح�سن الحديث‪ ،‬وهو القر�آن‬
‫‪ ٢٩‬م َّثل اللهُ َم َثل الكافر الم�شت ِت بين ا أل�صنام‬ ‫الكريم‪ُ ،‬ي�ْشبه بع�ضه بع�ض ًا في الإعجاز والبيان‪ُ ،‬تث َّنى‬
‫وال�شياطين‪ ،‬والم�ؤم ِن المطمئن الم�ستق ِّر لإيمانه بر ٍّب‬ ‫فيه الأنبا ُء وا ألخبار وا ألحكام والحجج‪ ،‬تق�شع ُّر من‬
‫واح ٍد‪ ،‬ب�شخ�ٍص يخدم جماع ًة �شركاء �س ِّيئ ًة أ�خلا ُقهم‬ ‫�س َماعه جلو ُد الذين يخافون ربهم إ�ذا ُتلي عليهم‪ ،‬ثم‬
‫متنازعين فهو حائ ٌر بينهم مو َّز ُع الهموم‪ ،‬و آ�خر يخدم‬ ‫تلين جلو ُدهم وقلو ُبهم �إلى العمل به‪ ،‬هذا القر�آن بيا ٌن‬
‫رجل ًا واحداً م�سالم ًا �صفوح ًا‪ ،‬ف أ� ُّي ال�شخ�صين أ�ح�س ُن‬ ‫من الله يو ِّفق ل إليمان به َم ْن ي�شاء‪ ،‬و َم ْن َيخذله الله فما له‬
‫حال ًا‪ ،‬و َ�أ ْر َوح ِج�سم ًا‪ ،‬و�أق ُّل َت َعب ًا؟ ف إ�ذا لز َم ِت الم�شركي َن‬
‫الحج ُة فقل‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬الحم ُد لله وحده على هذه‬ ‫ِم ْن مو ِّفق‪.‬‬

‫الم ّنة‪ ،‬بل �أكثر ه ؤ�لاء لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره‪.‬‬ ‫‪ ٢٤‬أ�ف َم ْن يتقي بوجهه �سو َء العذاب يو َم القيامة حين‬

‫‪� ٣١ ٣٠‬إنك‪� -‬أيها الر�سول‪� -‬صائ ٌر �إلى الموت‪ ،‬و إ� َّن‬
‫�سائر النا�س م�ؤمنهم وكافرهم �صائرون إ�لى الموت‪ ،‬ثم‬

‫إ�نكمجميع ًاعندربكمتخت�صمون‪،‬فيف ِ�صلبينكمبالحق‪.‬‬

‫‪461‬‬

‫‪ ٣٢‬ف َمن �أظلم ممن جمع بين قو ِل الباط ِل ور ِّد الحق‪،‬‬
‫ف َن َ�سب إ�لى الله باطل ًا من الو�صف أ�و القول افترا ًء عليه‬
‫من غير علم‪ ،‬و أ�َنكر ما جاء عنه من الحق مما قام الدلي ُل‬

‫على ِ�صدقه‪� ،‬ألي�ست جهنم جزاءهم على أ�عمالهم؟!‬

‫‪ ٣٣‬أ� ّما الر�س ُل وا ألنبياء الذين جا ؤ�وا بال�صدق من الله‬
‫والذين �ص َّدقوهم بما �ُأنزل عليهم‪ ،‬ف�أولئك هم الم�ؤمنون‬

‫المتقون‪ .‬الذين لهم المكان ُة الرفيعة عند ربهم‪.‬‬

‫‪ ٣٤‬أ�ع َّد الله لهم ما ي�شا�ؤون ِمن الكرامة والر�ضا‪،‬‬
‫وهذا ا إلكرام ِمن الله هو جزاء المتقين المح�سنين‪.‬‬

‫‪ ٣٥‬أ�ع َّد الله لهم ذلك ليغفر لهم ويجز َيهم ب�أح�س ِن ما‬
‫كانوا عليه ِمن ا ألحوال والأعمال‪.‬‬

‫ينفعني برحمته هل ت�ستطيع �إم�سا َك رحم ِته عني؟! فالله‬ ‫‪ ٣٦‬أ�لي�س الله القاد ُر العظي ُم كافي ًا ر�سوله محمداً‬
‫وحده هو القادر على َج ْلب الخي ِر ودفع ال�شر‪ ،‬وعليه‬ ‫‪� - -‬ش َّر ا ألعداء وحافظ ًا �إياه من كل �سوء ومكر‬
‫وحده أ�عتمد‪ ،‬وعليه يتوكل المتوكلون في أ�مورهم ك ِّلها‬ ‫مهما د ّبروا وكادوا؟ ويخوفونك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ِ -‬م ْن‬
‫أ�ذى أ�وثا ِنهم وهي لا تدفع عن نف�سها ف�ضل ًا عن غيرها‪،‬‬
‫َج ْلب ًا و َد ْفع ًا‪.‬‬
‫‪ ٤٠ ٣٩‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬له ؤ�لاء القوم المعاندين‪:‬‬ ‫والله حاف ٌظ لك من كل �ش ٍّر و�سوء‪ ،‬و َم ْن َح َك َم اللهُ عليه‬
‫اعملوا على غاي ِة ما ت�ستطيعون َكيداً وتهديداً‪ ،‬ف�إني‬ ‫بال�ضلال؛ إل�صراره على الباطل فما له ِم ْن ها ٍد يهديه‪.‬‬
‫عامل بما أ�مرني ربي به‪ ،‬ف�سوف تعلمون َم ْن ي أ�تيه عذا ٌب‬
‫ُيذله في الدنيا‪ ،‬و َيح ُّل عليه العذاب الدائم في ا آلخرة‪.‬‬ ‫‪ ٣٧‬و�أ ّما َم ْن ق�ضى الله له بالهداية و�أراد �سعادته‪ ،‬فلا‬
‫وقد ح َّقق الله وع َده لر�سوله وللم�ؤمنين فن�صر الم�ؤمنين في‬ ‫ي�ستطيع أ�ح ٌد َ�أ ْن ُي�ضله‪ ،‬إ� َّن الله غالب على أ�مره‪ ،‬ذو‬
‫الدنيا‪ ،‬و�سيحل عذابه في ا آلخرة بالكافرين لا َمحال َة‪.‬‬ ‫انتقا ٍم �شدي ٍد ِم ْن أ�عدائه‪ ،‬يفعل �سبحانه ما ي�شاء‪ ،‬ولا يمنع‬

‫‪462‬‬ ‫ِم ْن نفا ِذ ق�ضائ ِه مان ٌع‪.‬‬

‫‪ ٣٨‬ولئن �س�أل َت ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬ه ؤ�لاء الم�شركين‪:‬‬

‫َم ْن خلق ال�سماوات وا ألر�َض ف إ�نهم يقولون‪ :‬الله‪ ،‬لأن‬
‫َبدا َه َة العق ِل تقت�ضي ذلك‪ ،‬ف�إذا اعترفوا ب�أن الله هو‬
‫المنفرد بالخلق‪ ،‬فقل لهم‪� :‬أخ ِبوني �إ ْن �أراد اللهُ�أن ي�صيبني‬
‫ب�ض ٍّر هل ت�ستطيع آ�لهتكم أ�ن تحميني منه؟! و�إ ْن �أراد أ�ن‬

‫‪ 43‬وا ّتخذ �أولئك المك ِّذبون �أرباب ًا من دون الله‪،‬‬ ‫‪ 41‬إ� ّنا �أنزلنا عليك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬القر آ� َن لم�صالح‬
‫وجعلوهم ُو�سطا َء لي�شفعوا لهم عند الله‪ .‬قل لهم‬
‫‪� -‬أيها الر�سول‪� :-‬ألا ترون �أن ما تعبدون من دون الله‬ ‫النا�س ونفع ِهم‪ ،‬م َّت�صف ًا بالحق في أ�خباره و�أحكامه‪،‬‬
‫لا يملكون ألنف�سهم �شيئ ًا! و�أنهم لا يعقلون! فكيف‬ ‫ف َمن ا�ستجاب ففي ذلك �سعاد ُته و إ�ليه ترجع فائد ُة‬
‫يملكون لغيرهم ما لا يملكون ألنف�سهم؟! وكيف يتوجه‬ ‫هدايته‪ ،‬و َم ْن لم ي�ستجب لدعوة الحق ف�إ ّن َو َبال �ضلال ِته‬
‫عليه وحده‪ ،‬و�أن َت ل�ست بوكيل عليهم لتجبرهم على‬
‫إ�ليهم العاق ُل بالعبادة؟!‬
‫الإيمان‪ ،‬إ�نما �أنت ر�سو ٌل منذ ٌر ومر�ش ٌد‪ ‬ومب ِّل ٌغ‪.‬‬
‫‪ 44‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء‪� :‬إ َّن ال�شفاعة لله‬
‫وحده‪ ،‬ولا يجر�ؤ عليها أ�حد �إلا من ارت�ضاه ب�إذنه‪ ،‬وهو‬ ‫‪ 42‬الله وحده يتو َّفى الأنف�س بعد ا�ستيفاء �أجلها‬
‫�سبحانه الذي له وحده مل ُك ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬و�إليه‬
‫المق َّدر لها في الحياة الدنيا‪ ،‬وهي الوفاة الكبرى‪ ،‬وهو‬
‫بعد الموت ُترجعون فيجازيكم ب�أعمالكم‪.‬‬
‫�أي�ض ًا يتو ّفاها الوفا َة ال�صغرى حين نومها‪ .‬ف أ� ّما التي‬
‫‪ 45‬و�إذا ُذ ِك َر الله وحده ولم تذكر آ�له ُتهم التي يعبدون‬ ‫ق�ضى عليها المو َت فيم�سكها ولا ير ُّدها إ�لى ج�سدها‪،‬‬
‫ِم ْن دون الله انقب�ض ْت قلو ُب الم�شركين ونفر ْت‪ ،‬و�إذا‬ ‫و أ� ّما التي لم ينته �أج ُلها المق َّدر لها فير�سلها لتعود إ�لى‬
‫ُذ ِك َر ْت معبوداتهم ِم ْن دون الله إ�ذا هم يفرحون وتته َّلل‬ ‫أ�ج�سادها وت�ست أ�ن َف حياتها المق َّدرة لها في الدنيا‪� .‬إ َّن‬
‫في �إم�ساك ا ألنف�س و إ�ر�سا ِلها لدلائ َل وا�ضح ًة على وا�س ِع‬
‫وجوههم ل َف ْرط افتتانهم بها‪.‬‬
‫عل ِمه تعالى وعظيم قدرته لمن تف َّكر‪.‬‬
‫‪ 46‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬اللهم يا خالق ال�سماوات‬
‫والأر�ض‪ ،‬يا عالم ال�س ِّر والعلانية‪ ،‬وما ظهر وما َب َطن‪،‬‬
‫�أنت تحكم بعدلك بين عبادك يوم القيامة‪ ،‬فيما كانوا‬
‫يختلفون فيه في الدنيا ِم ْن ح ٍّق وباطل‪ ،‬وخي ٍر و�ش ٍّر‬

‫فتجازي ُك َّل امر ٍئ بما ق َّدم جزا َء عمله‪.‬‬

‫‪ 47‬ولو َم َل َك ك ُّل واحد من الظالمين ألنف�سهم ما في‬
‫ا ألر�ض جميع ًا‪ ،‬ومث َله معه لق َّدمه فدا ًء لنف�سه ِم ْن �شدة‬
‫العذاب يوم القيامة‪ ،‬ولو فعلوا ما ُق ِب َل منهم‪ ،‬ولنالوا‬
‫الجزاء العدل على أ�عمالهم‪ .‬وبدا لهم في ا آلخرة من‬

‫العذاب ما لم يكن في بال ِهم ولا في‪ُ  ‬ح�سبانهم‪.‬‬

‫‪463‬‬

‫‪ 54‬وارجعوا ‪� -‬أيها ال ّنا�س‪� -‬إلى ربكم وا�ست�سلموا له‬ ‫‪ 48‬وظهر ْت له�ؤلاء المعاندين يو َم القيامة قبائ ُح ما‬
‫بكمال العبودية‪ ،‬و َتداركوا �أنف َ�سكم قبل أ�ن يح َّل بكم‬ ‫اقترفوا ِم ْن �سيئات �أعمالهم‪ ،‬وكان جزا�ؤهم أ� ْن �أحاط‬
‫العذا ُب في الدنيا جزاء �إ�صراركم‪ ،‬ثم ي أ�تيكم العذاب‬ ‫بهم العذا ُب ال�شدي ُد‪ ،‬عقاب ًا لهم على ا�ستهزائهم بهذا‬
‫الأبد ُّي الذي لا تجدون فيه َم ْن ين�صركم أ�و يمنعه عنكم‪.‬‬
‫العذاب في الحياة الدنيا‪.‬‬
‫‪ 55‬وا َّت ِبعوا هذا القر آ�ن الذي هو أ�ح�س ُن ما أ�نزل الله‬
‫�إليكم‪ ،‬ففيه نجا ُتكم و�صلاحكم في الدنيا وا آلخرة‪ِ ،‬م ْن‬ ‫‪ 49‬ف�إذا م� ّس ا إلن�سا َن بلا ٌء �أو �ش ّد ٌة دعا الله �أن يف ّرج‬
‫َقبل �أن ينزل بكم العذاب فج�أ ًة و�أنتم في َغفلة عنه لا‬ ‫عنه ويك�ش َف عنه هذا البلاء‪ ،‬ثم إ�نه إ�ذا منحه الله نعم ًة‬
‫قال متباهي ًا‪� :‬إ ّن هذه النعمة جاءته بف�ضل اجتهاده‬
‫تعلمون ما ينتظركم‪.‬‬ ‫و ِعلمه‪� ،‬أ َولا يعلم أ� َّن هذه النعمة �إنما هي اختبار وامتحان‬
‫له لي�شك َر �أو يكفر؟ ولك ّن �أكثر النا�س لا يعلمون ذلك‪.‬‬
‫‪ 56‬وتوبوا �إلى ربكم و أ�طيعوه ِم ْن قبل أَ� ْن ي أ�تي يو ُم‬
‫القيامة‪ ،‬فتقول نف� ٌس وهي نادمة أ��ش َّد الندم مو ّبخة‬ ‫‪ 50‬لقد قال هذه الكلمة ‪ -‬وهي‪} :‬ﭨﭩﭪ‬
‫نف َ�سها على ما كان منها ِمن كف ٍر وتق�صير في ح ِّق الله‪:‬‬ ‫ﭫﭬ{ الدالة على الغرور وجحو ِد نعم ِة‪ ‬الله‪ -‬قو ٌم ِم ْن‬
‫يا ح�سرتا على ما �ض َّيع ُت في الدنيا ِمن العمل بما �أمرني‬ ‫قبل ه ؤ�لاء الكفار كقارون وغيره‪ ،‬فما �أفادهم ذلك‪،‬‬

‫الله به‪ ،‬وعلى ما ا�ستهز أ�ت بدينه و أ�هل طاعته‪.‬‬ ‫وما �أغنى عنهم ما ك�سبوا ِم ْن متاع الدنيا‪.‬‬

‫‪464‬‬ ‫‪ 51‬فنا َل الذين قالوا هذه الكلمة ِمن ا ألمم ال�سابقة‬
‫‪ -‬جزا َء أ�عما ِلهم الجاحدة لف�ضل الله‪ -‬عذا ُب الله في‬
‫الدنيا‪ ،‬وكذلك �سي�صي ُب الذين كفروا ِم ْن قومك‬
‫ن�صي ُبهم من العذاب كما �أ�صاب الذين من قبلهم‪ ،‬وما‬

‫هم بمعجزي الله‪ ،‬فلا ي�ستطيعون الهروب من عقابه‪.‬‬

‫‪� 52‬أَ َو َلْ يعلم ه ؤ�لاء الم�شركون أ� ّن الله هو وحده الذي‬
‫يو�ِّسع الرز َق ويك ِّثه لمن ي�شاء ِم ْن عباده‪ ،‬وي�ض ِّيقه على‬
‫َم ْن ي�شاء‪ ،‬ل ِح َك ٍم يعلمها‪ ،‬ولا يعلم م�صال َح عباده على‬
‫التحقيق أ�ح ٌد إ�لا هو‪� ،‬إ َّن في هذا القب�ض والب�سط ِمن الله‬

‫لدلالات و ِعبراً ينتفع بها‪ ‬الم ؤ�منون‪.‬‬

‫‪ 53‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬للمذنبين الذين أ�كثروا ِمن‬
‫المعا�صي وا آلثام‪ :‬لا تي أ��سوا ِمن رحمة الله‪ ،‬فالله ي�ستر‬

‫عيو َب عباده الم ؤ�منين‪ ،‬و َيغفر جميع ذنوبهم‪� ،‬إنه �سبحانه‬
‫وا�سع المغفر ِة والرحمة‪.‬‬

‫ويفوزون بر�ضوانه جزا َء طاع ِتهم ويدخلون الجنة‪،‬‬ ‫‪� 57‬أو أ� ْن تقول‪ :‬لو �أ َّن الله �أر�شدني �إلى الهداية‬
‫وال‪ ‬يحزنون في ا آلخرة على ما فاتهم ِمن حظوظ‬ ‫والطاعة؛ لكن ُت من الذين يتقون ال�شر َك والمعا�صي‪.‬‬

‫الدنيا‪ .‬بل هم َف ِرحون م�ستب�شرون‪.‬‬ ‫‪� 58‬أو �أ ْن تقول كذلك حين َي ُحل بها العذاب‪ :‬لو‬
‫أ� َّن لي أ� ْن �أعود �إلى ال ُّدنيا ألكون من الذين �أح�سنوا‬
‫‪ 62‬الله �سبحانه هو الخالق لك ِّل كائ ٍن في ال�سماوات‬
‫وا ألر�ض‪ ،‬وهو القائ ُم على ك ِّل �شيء‪ ،‬يد ِّبر أ�م َره‪،‬‬ ‫بطاعة‪ ‬الله‪.‬‬

‫ويت�صرف فيه على مقت�ضى‪ ‬حكمته �سبحانه‪.‬‬ ‫‪ 59‬لي�س الأم ُر كما تقول �أيها النادم المتح�ِّس فقد‬
‫جاءتك ا آليات تدعوك إ�لى ا إليمان والطاعة‪ ،‬وب ّين ْت‬
‫‪ِ 63‬ب َي ِد الله وحده مفاتي ُح خزائن ال�سماوات والأر�ض‬ ‫لك �سبي َل الحق والهدى من الباطل‪ ،‬ولك ْن ك َّذب َت‬
‫وهو حافظها والمت�ص ّرف فيها بحكمته‪ ،‬والذين كفروا‬ ‫وا�ستكبرت‪ ،‬وكن َت من الذين كفروا بالله و آ�ياته ور�سله‪.‬‬
‫وجحدوا ب�آياته و أ�ن َكروا الجزا َء والعقاب يوم القيامة‪،‬‬
‫أ�ولئك هم الخا�سرون في الدنيا بحرما ِنهم الإيمان‪ ،‬وفي‬ ‫‪ 60‬ويو َم القيامة ترى الذين كذبوا على الله ‪ -‬بو�صفه‬
‫بما لا يليق به وا ِّدعا ِء ال�شريك والولد له‪ -‬وجو ُه ُهم‬
‫ا آلخرة بخلودهم في ال ّنار‪.‬‬ ‫ُم�ْسودة‪ ،‬علام ًة على �شقائهم‪� ،‬ألي�س في جهنم م�أوى‬

‫‪ 64‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لأولئك الم�شركين الذين‬ ‫لكل الذين �أ َبوا توحيد ربهم وتكبروا على طاعته؟‬
‫َي ْدعونك لعبادة آ�لهتهم ِمن الأوثان‪� :‬أت أ�مرونني أ�يها‬ ‫‪ 61‬أ� ّما الذين اتقوا فينجيهم الله من ك ِّل �سوء‪،‬‬
‫الجاهلون �أن �أعبد غي َر الله‪ ،‬ولا ي�ستح ُّق العبادة �إلا هو‬
‫‪465‬‬
‫وحده؟‬

‫‪ 65‬ولقد أُ�وحي إ�ليك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬و إ�لى الذين‬
‫ِم ْن قبلك ِم َن ا ألنبياء والر�سل‪ :‬لئن أ��شرك َت بالله غيره‬
‫َل َي ْب ُط َل َّن عم ُل َك ال�صالح الذي عملته قبل ال�شرك ولتكونن‬
‫من الخا�سرين في الدنيا والآخرة‪ .‬وهذا خطا ٌب ظاه ُره‬
‫للنبي ‪ ،‬والمراد جميع الم�ؤمنين من أ�مته على ِج َهة‬

‫ا إلنذار والتحذير من ال�شرك بعد الإيمان‪.‬‬

‫‪ 66‬بل ا ْعب ِد اللهَ وحده ولا ت�شر ْك به أ�حداً‪ ،‬وكن‬
‫�شاكراً لأَ ْن ُعمه التي أ�نعم بها عليك‪.‬‬

‫‪ 67‬وما ع َّظم ه�ؤلاء الم�شركون الله تعالى ح َّق تعظيمه‬
‫حين عبدوا معه غيره وا َّدعوا له ال�شركاء‪ ،‬وهو العظيم‬
‫الذي ك ُّل �شيء تحت قهره وقدرته‪ ،‬و ِم ْن عظيم قدرته �أ َّن‬
‫الأر�ض و َم ْن عليها تحت قب�ضته يوم القيامة‪ ،‬يحكم فيها‬
‫بما ي�شاء ويفعل بها ما يريد‪ ،‬وال�سماوات على �أَ ْبعادها‬
‫المترامية التي لا يعلم مداها �إلا الله مطويا ٌت بقدرته‪ .‬تن َّزه‬

‫�سبحانه وتعاظم ع ّما يعتقده ه�ؤلاء الم�شركون‪.‬‬

‫‪ 68‬و ُنفخ في ال ُّ�صور ‪ -‬وهو ال ُبو ُق الذي َينفخ فيه‬
‫�إ�سرافيل ب�أمر الله‪ -‬النفخة الأولى‪ ،‬فخ َّر ميت ًا ك ُّل َم ْن كان‬
‫ح ّي ًا في ال�سماوات وا ألر�ض �إلا َم ْن �شاء الله عد َم موته‬
‫في هذه النفخة‪ ،‬ثم ي�ؤمر الم َلك إ��سرافيل بالنفخة الثانية‬

‫ف إ�ذا جمي ُع الخلائق أ�حياء يخرجون ِم ْن قبورهم ينتظرون‬

‫ماذا يفعل الله بهم‪.‬‬

‫‪ 73‬و�أ ّما الذين اتقوا ر َّبهم بالتوحيد والطاعة ف ِ�سيقوا‬ ‫‪ 69‬و�أ�صبحت الأر�ُض م�شرق ًة بنور ر ِّب الع َّزة‬
‫ِب ِر ْف ٍق �إلى دار النعيم الدائم والر�ضوان جماع ًة بعد‬ ‫والجلال ل َف ْ�صل الق�ضاء بين الخلق‪ .‬واجتمع النا�س ب�أر�ض‬
‫جماعة‪ ،‬ك ُّل طائفة مع َم ْن ينا�سبها‪ ،‬بح�سب �أعمالهم‬ ‫الـ َمح�شر ثم �ُأح�ضرت �صحائف �أعمالهم‪ ،‬و َن�َشت‬
‫ودرجاتهم‪ ،‬حتى �إذا و�صلوا �إلى الجنة وجدوها قد‬ ‫الملائك ُة �صحيفة ك ِّل مك َّلف‪ ،‬و ِجي َء بالر�سل والنبيين‬
‫فتحت لهم �أبوا ُبها الثمانية‪ ،‬وا�ستقبلتهم الملائكة‬ ‫ليكونوا �شهدا َء على أ�ُممهم بتبليغ ر�سالة الله لهم‪ ،‬و ِجي َء‬
‫لتكريمهم‪ ،‬فيقول لهم َخ َزن ُة الجنة‪� :‬سلا ٌم عليكم من‬ ‫من أ�مة محمد ‪ - -‬بمن ي�شهد على ال ّنا�س ببلوغ‬
‫جميع المكاره‪ ،‬وطابت حيا ُتكم و ِطبتم نف�س ًا‪ ،‬فادخلوا‬ ‫الر�سالة إ�ليهم‪ ،‬فتقوم الحج ُة على الأمم‪ ،‬و ُق�ضي بين العباد‬

‫الجنة خالدين فيها‪.‬‬ ‫بالعدل فهم لا ُيظلمون �شيئ ًا‪.‬‬

‫‪ 74‬وقال أ�ه ُل الجنة بعد تكريمهم والحفاو ِة بهم‪:‬‬ ‫‪ 70‬ونالت ك ُّل نف�س جزا َء �أعمالها ِم ْن خير �أو �شر‬
‫الحم ُد لله الذي �أَنجز لنا َو ْع َده‪ ،‬و�أورثنا �أر�ض الجنة تك ُّرم ًا‬ ‫جزا ًء عادل ًا وافي ًا‪ ،‬والله تعالى عالـ ٌم بما عمل كل إ�ن�سان‪،‬‬
‫منه وف�ضل ًا‪َ ،‬ينزل ك ُّل واحد م ّنا من الج ّنة التي �ُأوتيها‬ ‫لا يحتاج �إلى كات ٍب ولا إ�لى �شا ِه ٍد‪ ،‬ولكنه بعدله ُيقيم‬
‫حيث ي�شاء‪ ،‬ف ِنعم هذا الثواب من الله تعالى للعاملين‬
‫الحج َة على الخلق با إل�شهاد عليهم‪.‬‬
‫بطاعته‪.‬‬
‫‪ 71‬و ِ�سي َق الذين كفروا �إلى جهنم �سوق ًا عنيف ًا مهين ًا‬
‫‪466‬‬ ‫جماعا ٍت جماعا ٍت‪ ،‬ك ُّل �أمة على ِح َد ٍة‪ ،‬حتى �إذا‬
‫َوردوا‪ ،‬ك ٌّل بمقت�ضى ُج ْرمه‪ ،‬على با ٍب مخ�صو�ص ِم ْن‬
‫أ�بوابها ال�سبعة‪ُ ،‬ف ِت َح ْت تلك ا ألبواب و�س�ألهم خزنتها‬
‫تقريع ًا لهم وتوبيخ ًا‪ :‬أ�لم ي أ�تكم ر�س ٌل منكم ينذرونكم‬

‫لقا َء يومكم هذا؟ قال الكافرون مق ِّرين‪ :‬بلى قد جاءتنا‬
‫ر�س ُل ربنا بالحق‪ ،‬لك ِن ا�ستكبرنا وك َّذبناهم فح َّق علينا‬

‫كلم ُة العذاب الرباني جزا َء أ�عمالنا‪.‬‬

‫‪ 72‬وقال َخ َزن ُة جهنم للكافرين �إهان ًة لهم و إ�ذلال ًا‪:‬‬
‫ادخلوا جهنم خالدين فيها‪ ،‬فبئ�س المقا ُم مقام المتكبرين‪.‬‬

‫‪ - -‬م ْن عند الله القو ِّي الغالب‪ ،‬العلي ِم بك ِّل‬ ‫‪ ٧٥‬وترى ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬وكذلك يرى ك ُّل َمن‬
‫�ش�ؤون خلقه‪� ،‬سات ِر ذنوب المذنبين وقاب ِل توبتهم‪،‬‬ ‫ا�ستح َّق هذه الر�ؤي َة وهذا الت�شريف‪ :‬الملائك َة وهم‬
‫�شدي ِد العقاب لمن ا�ستكبر و�أ�ص َّر على كفره‪ ،‬ذي الف�ضل‬ ‫ُمح ِدقون محيطون بالعر�ش‪ ،‬ي�س ِّبحون الله تنزيه ًا عن‬
‫والإنعام لمن اهتدى‪ ،‬لا معبو َد بح ٍّق �سواه‪ ،‬و إ�ليه المرجع‬ ‫كل نق�ص‪ ،‬و َيحمدونه على إ�كرامه لهم بهذه المنزلة‬
‫ال�شريفة‪ ،‬و ُق�ضي بين الخلائق بالح ِّق والعدل‪ ،‬وقال �أه ُل‬
‫والم�آب للجزاء والح�ساب‪.‬‬ ‫هذا الموقف‪ :‬الحمد لله ر ِّب العالمين على تحقيق وعده‬
‫و�إنفاذ حكمه‪ ،‬وعلى ما تف َّ�ضل به علينا ِم ْن كرمه‬
‫‪ ٤‬لا يجا ِد ُل ويخا ِ�ص ُم وي�ش ِّكك في آ�يات الله المنزلة‬
‫ِم ْن أ�جل �أن ُيبطلها �إلا الذين كفروا‪ ،‬فلا ي ْخدع ّنك‬ ‫ووا�سع‪ ‬رحمته‪.‬‬
‫ما هم فيه ِم ْن نعيم الدنيا و َب�ْس ٍط في الرزق‪ ،‬فتظن أ� ّنا‬
‫أ�مهلناهم ألنهم على �شي ٍء من الحق ف�إ َّن عاقبة أ�م ِرهم‬ ‫‪} ١‬ﭤ{ �سب َق الكلا ُم على هذه الحروف‬
‫الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة‪.‬‬
‫العذاب‪ ‬الموعود‪.‬‬
‫‪ ٣ ٢‬هذا القر آ�ن الكريم المع ِجز نزل على النب ِّي‬
‫‪ ٥‬لي�س كفار مكة �أ ّول َم ْن ك َّذب وطغى‪ ،‬فقد‬
‫ك َّذب ِم ْن قبلهم �أمم كثيرون كقوم نو ٍح‪ ،‬والكفا ُر الذين‬ ‫‪467‬‬
‫ت�شابهت مباد ُئهم و أ�هوا ؤ�هم بعد قوم نوح كعاد وثمود‬

‫وقو ِم لوط وقو ِم �شعيب وفرعون وجنوده‪ ،‬و َد َّبر ْت ك ُّل‬
‫أ�مة ِم ْن ه�ؤلاء المكاي َد �ض َّد ر�سولها‪ ،‬ليع ِّذبوه �أو يقتلوه‪،‬‬
‫وخا َ�صموا بالباطل ليبطلوا به الحق فع َّذبهم الله و�أهلكهم‬

‫في الدنيا‪ ،‬فتفك ْر كيف كان عقا ُب الله ال�شديد لهم؟!‬

‫‪ ٦‬وكما ح ّقت ولزم ْت كلم ُة العذاب على الأمم‬
‫المك ِّذبة لر�سلها في الدنيا‪ ،‬ح ّق على الذين كفروا جميع ًا‪،‬‬

‫َم ْن تق َّدم منهم و َم ْن ت�أخر‪� ،‬أنهم �أ�صحا ُب النار‪.‬‬

‫‪ ٧‬الملائكة الذين َيحملون العر�ش‪ ،‬و َم ْن حول‬
‫العر�ش ِمن الملائكة ُين ِّزهون الله و َيحمدونه وي�ؤمنون به‪،‬‬
‫وي�س�ألون الله المغفرة للم ؤ�منين وير ِّددون في ا�ستغفارهم‪:‬‬
‫ربنا و�سع َت ك َّل �شيء رحم ًة وعلم ًا فاغف ْر للذين تابوا‬
‫و�أق َلعوا ع ّما كانوا عليه من المعا�صي وا َّتب َعوا طريق الحق‪،‬‬

‫واحفظهم ِمن عذاب الجحيم‪.‬‬

‫الذين �شكروا المنعم �سبحانه و�أنابوا إ�ليه‪.‬‬ ‫‪ ٨‬و َيزي ُد أ�ولئك الملائك ُة في دعائهم‪ :‬ربنا َ�أدخ ِل‬
‫الم ؤ�منين جنا ِت ا إلقام ِة الخالدة التي وعد َتهم بها على‬
‫‪ ١٤‬فا ْدعوا اللهَ ‪ -‬أ�يها الم�ؤمنون‪ -‬واعبدوه مخ ِل�صين‬ ‫ل�سان ر�سلك‪ ،‬و�أَدخ ْل معهم ال�صالحين ِم ْن آ�بائهم‬
‫له‪،‬ولو َكرهالكافرونعبا َدتكموتوحي َدكمو�إخلا َ�صكم‪.‬‬ ‫و أ�زواجهم وذرياتهم‪ ،‬و إ�ن كانوا دونهم درج ًة و َمنزل ًة‪،‬‬
‫ل َي ْكمل �سرو ُرهم‪� ،‬إنك أ�نت و ْحدك الغال ُب الذي لا‬
‫‪ ١٥‬الله �سبحانه وتعالى رفي ُع الدرجات بعظمته‬
‫وكبريائه و�سائر �صفاته‪ ،‬وهو خال ُق العر�ش ومالكه‬ ‫يمتنع عليه �شيء‪ ،‬الحكي ُم في تدبيره ألمور خلقه‪.‬‬
‫والمت�ص ِّرف فيه‪ ،‬ين ِّزل الوحي ب أ�مره �سبحانه على َم ْن ي�شاء‬
‫ِم ْن عباده ِمن ا ألنبياء والمر�سلين لين ِذروا َم ْن َك َف َر وع�صى‬ ‫‪ ٩‬ربنا وا�صرف عن الم ؤ�منين �سوء عاقبة �سيئاتهم‪،‬‬

‫يوم ًا يلتقي فيه ا ألولون وا آلخرون‪ ،‬وهو يوم‪ ‬القيامة‪.‬‬ ‫فلا ت�ؤاخذهم بها‪ ،‬و َمن َت�صر ْف عنه يوم القيامة �سو َء‬
‫عاقبة �سيئاته فقد رحم َت ُه‪ ،‬وذلك هو الفوز العظيم‪.‬‬
‫‪ ١٦‬في يوم القيامة يخرج النا� ُس ِم ْن قبورهم �إلى‬
‫الـ َمح�شر لا َي�سترهم �شيء‪ ،‬ولا يخفى على الله ِم ْن‬ ‫‪ ١٠‬إ�ن الذين كفروا �إذا عاينوا �أهوا َل الجحيم يبغ�ضون‬
‫أ�عمالهم �شيء‪ ،‬ويقول ر ُّبنا في هذا اليوم‪ِ :‬لـ َم ِن الـ ُملك‬
‫اليوم؟ في�سك ُت الجميع هيب ًة ورهب ًة‪ ،‬فيجيب تعالى‬ ‫أ�نف َ�سهم الأ ّمار َة بال�سوء �أ�ش َّد ال ُبغ�ض فتناديهم َخ َزن ُة‬
‫جهنم‪� :‬إ َّن غ�ضب الله عليكم حين ُدعيتم ل إليمان ف أ�بيتم‪،‬‬
‫نف َ�سه بنف ِ�سه‪ :‬لله الواحد القهار‪.‬‬ ‫�أكب ُر ِمن ُبغ ِ�ضكم و َم ْق ِتكم �أنف َ�سكم اليوم حين ح َّل بكم‬

‫‪468‬‬ ‫العذاب ا ألليم‪.‬‬

‫‪ ١١‬قال ه ؤ�لاء الكافرون بعد أَ� ْن ذاقوا العذاب الأليم‪:‬‬
‫ربنا ُك ّنا أ�موات ًا ف�أحييتنا‪ ،‬ثم �أم َّتنا َبعد انق�ضاء �آجالنا‪ ،‬ثم‬
‫بعثتنا �أحيا ًء ِمن جديد؛ ربنا آ�م ّنا بك‪ ،‬و آ�م ّنا بالبعث‪ ،‬و آ�م ّنا‬
‫ب�أ َّن هذا كله لا يكون إ�لا بعلمك و إ�راد ِتك وقدر ِتك‪،‬‬

‫واعترفنا بذنوبنا واغترا ِرنا؛ فهل لنا بعد �إيماننا واعترافنا‬
‫ِم ْن طري ٍق ن�سلكه للخروج من النار؟‬

‫‪ ١٢‬ف أ�جابتهم َخ َزن ُة جهنم‪ :‬أ�ن لا �سبي َل �إلى الخروج من‬
‫هذا العذاب‪ ،‬ذلك لأنكم ُدعيتم �إلى ا إليمان بالله والتوحيد‬
‫فكفرتم‪ ،‬و ُدعيتم �إلى ال�شرك بالله فا�ستجبتم‪ ،‬فالـ ُحكم‬

‫اليو َم لله العلي الكبير فلا �أحد �أعلى منه ولا �أكبر‪.‬‬

‫‪ ١٣‬والله تعالى هو الذي ُيريكم قدرا ِته في الكون‬
‫وفي أ�نف�سكم الدا َّل َة على �أنه الإله الواحد‪ ،‬والذي ُي َنز ُل‬
‫من ال�سماء ما ًء هو أ��صل حياتكم‪ ،‬و�سب ُب طعامكم‬
‫و�شرا ِبكم و�سائر أ�رزاقكم‪ ،‬وما ي َّتعظ بهذه المعجزات إ�لا‬

‫‪ ٢٠‬والله هو العادل في حكمه‪ ،‬وفي ثوابه وعقابه‪،‬‬ ‫‪ ١٧‬في هذا اليوم ‪ -‬وهو يوم الق�ضاء‪ُ -‬تا�َسب ك ُّل‬
‫�أ ّما ما يعبده الم�شركون ِمن ا ألوثان وا أل�صنام فلا قدر َة‬ ‫نف�س بما عمل ْت خيراً �أو �شراً‪ ،‬و ُتعطى جزا َء ذلك‪ ،‬لا‬
‫لها على الحكم بين العباد ب�شيء‪ ،‬ألنها لا َتعلم �شيئ ًا‪،‬‬ ‫ُظلم اليوم‪ ،‬فالله هو الحاكم العادل‪ ،‬وهو عالم ومحيط‬

‫ولا تقدر على �شيء‪ ،‬فالله هو ال�سميع الب�صير الذي لا‬ ‫بكل �شيء‪ ،‬وهو �سريع الح�ساب‪ ،‬لا َي�شغله ح�سا ٌب عن‬
‫ح�ساب‪ ،‬بل يحا�سب النا� َس في وقت واحد‪.‬‬
‫ُي�ضاهي �سم َعه �سم ٌع ولا ب�صره ب�صرٌ‪ ،‬ولا ي�شغله �َس ْم ٌع عن‬
‫�َس ْمع‪ ،‬ولا ب�صرٌ عن ب�صر‪.‬‬ ‫‪ ١٨‬وذ ِّكر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬الذين كفروا ولم‬

‫‪� ٢١‬ألم َي َر كفا ُر مكة في أ��سفارهم ورحلاتهم كيف‬ ‫ي�ستجيبوا‪ ،‬بيو ٍم قري ٍب ع�صي ٍب وهو يوم القيامة‪ ،‬وفيه‬
‫كانت نهاية �أم ٍم ظالمة عا�صية قبلهم ليتعظوا بما َح ّل بهم؟‬ ‫َيبلغ َخ َفقا ُن القلو ِب �إلى الحناجر ِم ْن �ش ّدة الخوف‬
‫لقد كانوا �أ�ش َّد منهم قو ًة‪ ،‬و أ�بقى في الأر�ض �آثاراً‪ ،‬بما‬ ‫والفزع‪ ،‬وفي هذا الموقف لي�س للظالمين قري ٌب ينفعهم‪،‬‬
‫�ش َّيدوا ِم ْن َمدائن وقلاع‪ ،‬ف�أهلكهم الله ب�سبب كفرهم‬ ‫�أو �شفيع ي�شفع فيهم عند ربهم‪ ،‬فينقذهم ِم ْن عذاب الله‪.‬‬
‫وذنوبهم‪ ،‬ولم تنفعهم قو ُتهم‪ ،‬وما كان لهم ِم ْن �أح ٍد‬
‫‪ ١٩‬الله ُم َّطلع على كل �صغيرة وكبيرة‪ ،‬يعلم ما‬
‫يدفع عنهم عذا َب الله ويمنعه عنهم‪.‬‬ ‫تختل�سه العيو ُن ِمن النظرة الحرام‪ ،‬وما ُتخفيه القلوب‬
‫ِمن ال�ضمائر و ُت�س ُّره ِمن المعا�صي‪ ،‬فيجازي ك َّل نف� ٍس‬
‫‪ ٢٢‬و�َس َب ُب العقاب الذي نزل به�ؤلاء المك ِّذبين‬
‫الظالمين‪� ،‬أنه كانت ت�أتيهم ر�سلهم بال ُحجج الوا�ضحة‬ ‫بما‪ ‬ق ّدم ْت‪.‬‬

‫والمعجزات الباهرة‪ ،‬ثم جحدوها‪ ،‬وهز�ؤوا بالر�سل‬ ‫‪469‬‬

‫ف أ�هلكهم الله بقدرته‪� ،‬إنه قو ٌّي لا ُيعجزه �شيء‪ ،‬و�شدي ُد‬
‫العقاب لمن كفر به وع�صى �أمره‪.‬‬

‫‪ ٢٤ ٢٣‬ولقد �أر�سلنا مو�سى م�ؤ َّيداً بمعجزاتنا‪،‬‬
‫وبحجة ظاهرة ب ِّينة �إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا‪:‬‬
‫هو �ساح ٌر فيما ُيظهره ِمن المعجزات‪ ،‬ك َّذا ٌب في دعواه‬

‫�أنه ر�سو ٌل ِم ْن عند الله‪.‬‬

‫‪ ٢٥‬فل ّما �أظهر الله مو�سى بالمعجزات ِمن الع�صا واليد‬
‫البي�ضاء‪ ،‬وعجزوا عن إ�بطال ُحججه‪ ،‬قال َم ْن يحيط‬
‫بفرعون‪ :‬اقتلوا أ�بناء الذين �آمنوا مع مو�سى‪ ،‬وا�ست ْب ُقوا‬
‫الن�سا َء للخدمة‪ ،‬كما كنتم تفعلون من قبل‪ ،‬إ��ضعاف ًا له‬
‫و�ص ّداً للنا�س عن الإيمان به‪ .‬وما تدبي ُر ه ؤ�لاء وكي ُدهم‬

‫�إلا في َخ�سا ٍر و َ�ضيا ٍع‪.‬‬

‫‪ ٢٦‬وقالفرعون ِلـ َمنحوله ِمنا ألعوانوالم�ست�شارين‪:‬‬
‫دعوني �أقت ْل مو�سى‪ ،‬وليد ُع ر َّبه الذي يزعم �أ ّنه ر�سو ٌل‬
‫ِم ْن عنده لينج َيه ِم ِّني‪ ،‬إ�ني �أخ�شى أ�ن ُيب ِّدل دي َنكم الذي‬
‫تدينون به‪� ،‬أو يف�س َد في ا ألر�ض ب إ�ثارة الفتن والتمرد‬

‫على ال�سلطان‪.‬‬

‫‪ ٣١ ٣٠‬وقال الم�ؤمن �أي�ض ًا متابع ًا ُن ْ�ص َحه للقوم‪:‬‬ ‫‪ ٢٧‬وقال مو�سى لقومه لـ ّما �َسمع تهدي َد فرعون له‬
‫يا قومي �إني أ�خاف عليكم عذاب ًا عاجل ًا في الدنيا‬ ‫بالقتل‪� :‬إ ّن لج أ� ُت �إلى الله وا�ستجر ُت به‪ِ ،‬م ْن ك ِّل طاغية‬
‫ُي�صيبكم ِم ْث َل العذاب الذي أ��صاب َم ْن َقبلكم م ّم ْن تح َّزبوا‬
‫على ُر�سلهم‪ ،‬كقوم نوح و�صالح وقو ِم عاد وثمود و َم ْن‬ ‫ج ّبار متك ّب لا ي�ؤمن بالله ولا يوق ُن بيوم الح�ساب‪.‬‬
‫جاء بعدهم‪ ،‬وما كان عذا ُبهم �إلا عن ا�ستحقاق‪ ،‬ف�إ َّن الله‬
‫لا يريد ظلم ًا للعباد فيعذبهم بغير ذنب‪� ،‬أو يهلكهم ِم ْن‬ ‫‪ ٢٨‬ولـ ّما َع َر�ض فرعون على الملأ ِم ْن قومه أَ� ْم َر‬
‫مو�سى و َر ْغب َته في قتله‪ ،‬قال رج ٌل م ؤ�م ٌن ِم ْن �أهل فرعون‬
‫غير إ�قامة الحجة عليهم‪.‬‬ ‫وخا َّ�ص ِته يخفي �إيمانه من ِكراً عليهم‪ :‬أ�تقتلون رجل ًا من‬
‫َ�أ ْجل قوله‪ :‬ربي الله‪ ،‬وقد �أظهر لكم الآيات والمعجزات‬
‫‪ ٣٢‬و�إ ّن �أخاف عليكم كذلك عقا َب الله يو َم القيامة‪،‬‬ ‫التي تد ُّل على ِ�صدق ما قال؟! ثم تل َّط َف لهم في القول‬
‫يوم ينادي النا� ُس بع ُ�ضهم بع�ض ًا ِمن َهول ما قد عا َينوا‪،‬‬
‫ليدفع أ�ذاهم‪ ،‬فقال‪ :‬أ�نتم في أ�مر مو�سى بين احتمالين‪،‬‬
‫ويت�صا َيحون وي�ستغيثون‪.‬‬
‫�إ ّما �أن يكون كاذب ًا فلا ي�ضركم ذلك‪ ،‬ويعو ُد و َبا ُل كذ ِبه‬
‫‪ ٣٣‬في هذا اليوم الع�صيب ت ِف ُّرون ُم ْدبرين خوف ًا ِم ْن‬ ‫عليه‪ ،‬و إ� ّما أ�ن يكون �صادق ًا في�صيبكم ما َي ِع ُدكم ِمن‬
‫َهول جهنم فلا ت�ستطيعون‪ ،‬ولي�س لكم حاف ٌظ يحفظكم‬ ‫عذاب الدنيا‪ ،‬و�إ َّن بع�ض ما َي ِع ُدكم لكا ٍف لإهلاككم‪،‬‬
‫ولا مان ٌع يمنعكم من عذاب الله‪ ،‬و َمن َق�ضى الله عليه‬ ‫فلا َم�صلح َة لكم في َق ْتله على ك ِّل حال‪ ،‬إ� َّن الله لا يهدي‬
‫�إلى طريق النجاة و�سبيل الح ِّق َم ْن هو م�سرف في عناده‬
‫بال�ضلالة فما له ِم ْن ها ٍد يهديه إ�لى طريق النجاة‪.‬‬
‫ك ّذاب‪.‬‬

‫‪ ٢٩‬وقال م�ؤمن �آل فرعون أ�ي�ض ًا‪ :‬يا قو ِم لكم الـ ُملك‬
‫اليو َم‪ ،‬ولكم قو ُتكم وب أ��ُسكم ب ِم ْ� َص‪ ،‬فلا تتع َّر�ضوا لغ�ضب‬
‫الله عليكم بتكذيب مو�سى و َق ْتله‪ ،‬ف َم ْن ينقذنا ويحمينا‬
‫ِمن عذاب الله‪� ،‬إ ْن ح َّل بنا كما َتو َّعدنا؟ فقال فرعون‬
‫لجل�سائه بعد أ� ْن خ�شي ِم ْن ت�أثير كلما ِت هذا الم�ؤمن‪:‬‬
‫ما ُ�أ�شير عليكم ‪ِ -‬من َق ْت ِل مو�سى‪� -‬إلا ما �أراه لنف�سي‬

‫ولكم �صلاح ًا و�صواب ًا‪ ،‬وما أ�هديكم إ�لا �إلى طريق الح ِّق‬

‫وال�صواب‪.‬‬

‫‪470‬‬

‫‪ ٣٧ ٣٦‬وقال فرعون لوزيره هامان‪� :‬ش ِّيد لي ق�صراً‬
‫عالي ًا �شامخ ًا‪َ ،‬لع ِّلي أ�بلغ الطرق المو�صلة �إلى ال�سماوات‬

‫ألرى بنف�سي ا إلله الذي يزعم مو�سى أ�نه ر�سوله‪،‬‬

‫و إ�ني ألظنه كاذب ًا في دعواه‪ .‬وهكذا ُزيِّن لفرعون قب ُح‬
‫عمله ال�َّس ِّيئ حتى ر�آه ح�سن ًا‪ ،‬و ُ� ِص َف عن طريق الحق‬
‫إ�لى طرق ال�ضلال‪ .‬وما تدبي ُره ومكره إلظهار باطله‪،‬‬
‫و�إبطا ِل الحق الذي جاء به مو�سى إ�لا في َخ�سار وهلاك‪،‬‬

‫ألن نهايته العذاب الدائم وال�شقاء‪.‬‬

‫‪ ٣٩ ٣٨‬ودعا م�ؤم ُن �آ ِل فرعون قو َمه �إلى ا إليمان‬
‫بالله بعد �أن يئ�س من فرعون قائل ًا‪ :‬ا َّتبعوني أ�دلكم على‬

‫طريق ا إليمان المو�صل إ�لى الفوز والنجاة‪ .‬إ�نما هذه الحياة‬

‫ومتا ُعها إ�لى انقطاع وزوال‪ ،‬و�أ ّما الدار ا آلخرة فهي دار‬
‫النعيم الدائم‪.‬‬

‫‪َ ٤٠‬م ْن عمل في هذه الدنيا �سيئ ًة فلن ُيعا َقب إ�لا بمثل‬ ‫‪ ٣٤‬ولقد �أر�سل الله إ�ليكم يا �أهل ِم�صر نب َّيه يو�سف بن‬
‫ما عمل‪ ،‬و َم ْن عمل عمل ًا �صالح ًا ذكراً كان أ�و أ�نثى وهو‬ ‫يعقوب ِم ْن َقبل مو�سى بالمعجزات الوا�ضحات الدا َّل ِة‬
‫على ِ�صدق نبوته‪ ،‬فما زلتم في �ش ٍّك وتكذيب لما جاءكم‬
‫م ؤ�م ٌن بالله ور�سله ف أ�ولئك يدخلون الجنة يوم القيامة‬ ‫به‪ ،‬حتى إ�ذا مات يو�سف ازددتم �ش ّك ًا وارتياب ًا وقلتم‪:‬‬
‫و ُيرزقون ِم ْن نعيمها الوفير بغير ح�ساب‪.‬‬ ‫لن يبعث الله ِم ْن بعده ر�سول ًا‪ .‬و ِم ْثل ذلك ال�ضلال‪،‬‬
‫ُي�ضل الله َم ْن هو م�سرف في كفره �شا ٌّك في حقيقة �أخبار‬

‫المر�سلين‪ ،‬قد ا�ستولى ال�شيطان والهوى على قلبه‪.‬‬

‫‪ ٣٥‬ه�ؤلاء المعاندون الذي ُي�ضلهم الله هم الذين‬
‫يجادلون في المعجزا ِت والبراهين الدالة على توحيد‬
‫الله وعلى ِ�صدق المر�سلين بغير ُحجة ولا برهان‪ ،‬و َع ُظ َم‬
‫هذا الجدال ُبغ�ض ًا عند الله وعند الذين آ�منوا‪ .‬وكما طبع‬
‫الله على قلوب ه ؤ�لاء ب�سبب ا�ستمرارهم في ِك ْبهم‬
‫وتج ُّ ِبهم يطبع الله على قلوب َم ْن هم على �شا ِكلتهم‪،‬‬

‫فلا يهتدون إ�لى الحق‪.‬‬

‫‪471‬‬

‫‪ ٤٧‬وحين يتخا�صم أ�ه ُل النار يقول ال�ضعفاء للذين‬ ‫‪ ٤١‬ويا قومي الذين أ�نتم �أهلي وع�شيرتي‪ ،‬والذين‬
‫ا َّتبعوهم ِمن الم�ستكبرين ال�ضالين‪ :‬إ�ننا ك ّنا مقتدين بكم‬ ‫أُ�ري ُد لهم الخير‪ ،‬مالي �أدعوكم �إلى ا إليمان بالله ور�سله‬
‫م َّتبعين ألوامركم‪ ،‬فهل �أنتم مغنون ع ّنا ُجزءاً ِم ْن هذا‬ ‫الذي هو �سبيل النجاة‪ ،‬و أ�نتم تدعونني �إلى ما ي ؤ� ّدي �إلى‬

‫العذاب الذي نحن فيه؟‬ ‫عذاب‪ ‬الله؟!‬

‫‪ ٤٨‬قال ه ؤ�لاء الر ؤ��ساء الم�ستكبرون لل�ضعفاء‪ :‬نحن‬ ‫‪ ٤٢‬إ�نكم تدعونني لأَكفر بالله الواحد الأحد‪،‬‬
‫و أ�نتم جميع ًا في ال ّنار فكيف نغني عنكم �شيئ ًا؟ إ� َّن الله‬ ‫و�أ�شر َك به ما لا دلي َل عندي ُيو ِج ُب ا�ستحقا َقه للعبادة‪،‬‬
‫قد حكم بين العباد‪ ،‬ف أ�َ ْدخ َل �أه َل الج ّن ِة الج ّن َة‪ ،‬و�أه َل ال ّنا ِر‬ ‫و�أنا �أدعوكم لعبادة الله العزيز الذي لا ُيغا َلب‪ ،‬الوا�س ِع‬

‫النا َر بعدله‪ ،‬ولا مع ِّقب لحكمه‪.‬‬ ‫المغفرة لمن تاب �إليه و�أناب‪.‬‬
‫‪ ٤٩‬وقال الذين ُيع َّذبون في ال ّنار ِلـ َخ َزنة جهنم‬
‫ي�ستعطفونهم م�ستغيثين‪ :‬ادعوا ر َّبكم كي ُيخ ِّف َف ع ّنا‬ ‫‪ ٤٣‬ح ّق ًا إ� َّن ما تدعونني �إلى الإيمان به باط ٌل و�ضلا ٌل‬
‫�شيئ ًا ِمن العذاب و َلو ليو ٍم واحد‪ ،‬حتى نرتاح قليل ًا ِم ْن‬ ‫لا ي�ستح ُّق الدعو َة �إليه‪ ،‬ولا ُقدرة له في َد ْفع الكربات‬
‫أ�و َجلب المنافع‪ ،‬فهو لا ينفع في الدنيا ولا في الآخرة‪،‬‬
‫هذا العذاب‪.‬‬ ‫ورجو ُعنا جميع ًا �إلى الله‪ ،‬فيجازي ك ّل بما ي�ستح ُّقه‪،‬‬
‫وبما ق َّدم ِم ْن إ�يمان وعمل‪ ،‬أ� ّما الم�سرفون على أ�نف�سهم‬
‫‪472‬‬ ‫الظالمون لها بالكفر والطغيان وال�ضلال فجزا�ؤهم �أنهم‬

‫�أ�صحا ُب ال ّنار خالدين فيها‪.‬‬

‫‪ ٤٤‬فل ّما رف�ضوا ُن�صحه قال لهم‪� :‬ستذكرون ِ�ص ْد َق‬
‫ما �أقول لكم‪ ،‬و�ستعلمون �أني قد �أخل�صت ال ُّن�ص َح لكم‬
‫حينما يح ُّل بكم غ�ض ُب‪ ‬الله و ِنقمته وعذابه‪ ،‬و�َأعتمد في‬

‫قولي و ِفعلي على الله الذي لا تخفى عليه خافية‪.‬‬

‫‪ ٤٥‬ف َجعل اللهُ الوقاي َة والحف َظ لم ؤ�من �آل فرعون‪،‬‬
‫ون ّجاه ِمن الكفرة الذين أ�رادوا به �ش ّراً‪ ،‬فلم ُي�صبه �شيء‬
‫منهم‪ ،‬و َن َزل ب آ�ل فرعون أ��سو�ُأ العذاب في الدنيا والبرز ِخ‬

‫وفي الآخرة‪.‬‬

‫‪ ٤٦‬النا ُر ُي ْع َر�ضون عليها في ال�صباح والم�ساء في‬
‫قبورهم �إلى قيام ال�ساعة‪ ،‬ويوم ُيبعث َم ْن في القبور‬
‫للف�صل يقال ِلـ َخ َزنة جهن َم‪ :‬أ�َدخلوا آ� َل فرعون النار ف�إ ّن‬
‫لهم فيها أ��ش ّد العذاب‪ .‬وهذه ا آلية دلي ٌل قو ٌّي في إ�ثبات‬

‫عذاب القبر‪.‬‬

‫واعتقدوه‪ ،‬ولهم ال َّلعنة ِمن الله والم�ؤمنين‪ ،‬ولهم أ�ي�ض ًا‬ ‫‪ ٥٠‬قال َخ َزن ُة جهنم للكافرين توبيخ ًا وت�أنيب ًا‬
‫أ��سو ُأ� َم�صير‪ ،‬وهو العذاب ا ألليم في نار جهنم‪.‬‬ ‫لهم‪� :‬ألم ت�أتكم ر�س ُلكم في حياتكم الدنيا بالمعجزات‬
‫الوا�ضحات‪ ،‬وتح ِّذركم ِمن عذاب جهنم الذي �أنتم‬
‫‪ ٥٤ ٥٣‬ولقد �أعطينا مو�سى المعجزات وال�شرائ َع‬
‫والأحكام‪ ،‬فك َّذبه فرعو ُن وجنوده‪ ،‬ف أ�هلكهم الله ون�صر‬ ‫فيه؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬جاءتنا الر�سل فب َّلغونا فك َّذبناهم‪ ،‬فقال‬
‫�أولياءه‪ ،‬و�أَورث التوراة بني �إ�سرائيل هداي ًة ُلأولي العقو ِل‬ ‫لهم َخ َزنة جهنم ته ُّكم ًا بهم‪ :‬فادعوا �أنتم ر َّبكم‪ ،‬فنحن‬
‫لا ن�شفع لمن كف َر بالله وك َّذ َب ر�سله‪ ،‬و َم ْهما دعوتم‬
‫ال�سليمة‪.‬‬ ‫ف إ� َّن دعاءكم لا ينفعكم‪ ،‬أل َّن دعاء الكافرين في �ضيا ٍع‬

‫‪ ٥٥‬فا�صبر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬على أ�ذى الم�شركين‪ ،‬كما‬ ‫وخ�سرا ٍن‪ ،‬لا ُيقبل ولا ُي�ستجاب له‪.‬‬
‫َ�ص َب الر�س ُل وا ألنبياء ِم ْن قبلك‪ ،‬ف إ� َّن َو ْعد الله ح ُّق في‬
‫ن�صر دينك‪ ،‬وا�س أ� ْل ر َّبك المغفرة‪ ،‬ل ُي�ْس َ َّت بك‪ ،‬و�أك ِ ْث ِمن‬ ‫‪ ٥١‬إ�ننا لنن�صر ر�س َلنا و�أتباعهم الم ؤ�منين على أ�عدائهم‬
‫ت�سبيح ر ّبك ون ِّزهه تنزيه ًا عن كل ما لا يليق بجلاله‪،‬‬ ‫في الحياة الدنيا‪ ،‬بالـ ُح ّج ِة البالغ ِة على َم ْن خالفهم‪ ،‬ويو َم‬
‫القيامة يوم يقوم ا أل�شها ُد ِمن الر�سل والملائكة والم�ؤمنين‬
‫واجع ْل ذلك مقترن ًا بالحمد والثناء أ� ّو َل النهار و آ�خره‪.‬‬ ‫لل�شهادة على غيرهم‪َ ،‬يحك ُم الله لأوليائه الم�ؤمنين‬

‫‪� ٥٦‬إ ّن الذين يجادلون لير ُّدوا آ�يا ِت الله وحج َجه التي‬ ‫بالجنة‪ ،‬و َيحكم على الكافرين بالنار‪.‬‬
‫آ�تاها ر�سو َله‪ ،‬بغير دلي ٍل لهم ولا برها ٍن أ�تاهم‪ ،‬ما َح َملهم‬
‫على ذلك �إلا ما في �صدورهم ِمن الكبر والتعالي عن‬ ‫‪ ٥٢‬يوم لا ينفع الظالمين اعتذا ُرهم‪ ،‬ع ّما فعلوه‬
‫الحق‪ ،‬ولي�س تعاليهم بمو�صلهم �إلى غايتهم ِمن الق�ضاء‬
‫على دعوتك الإلهية‪ ،‬فالتج ْئ �إلى الله واعت�ص ْم به‪ ،‬إ� َّنه‬

‫�سمي ٌع ألقوالهم وب�صي ٌر بجميع أ�حوالهم‪.‬‬

‫‪َ ٥٧‬لـ َخ ْل ُق ال�سماوات والأر�ض �أكب ُر و�أعظم من َخ ْلق‬
‫النا�س‪ .‬والذي َق َدر على خلقهما مع ِع َظ ِمهما قاد ٌر على‬
‫َب ْع ِث النا�س وح�سابهم‪ ،‬ولك َّن أ�كثر النا�س ‪ -‬ومنهم‬
‫ه�ؤلاء المعاندون‪ -‬غافلون عن هذه الحقيقة الوا�ضحة‪،‬‬

‫لغفلتهم وا�ستيلاء الهوى عليهم‪.‬‬

‫‪ ٥٨‬ولا ي�ستوي عند الله ا ألعمى الغاف ُل عن الحق‪،‬‬
‫والب�صي ُر الذي اهتدى �إلى �سبيل الر�شاد‪ ،‬وكذلك لا‬
‫ي�ستوي الم�ؤمنون الذين يعملون ال�صالحات ويهتدون‬
‫ب َهدي‪ ‬الله‪ ،‬والم�سيئون بالاعتقاد الفا�سد والمعا�صي‪.‬‬
‫قليل ًا ما تتذكرون‪ ،‬إ� ْذ لو تذكرتم لظهر لكم التفاو ُت بين‬

‫الفريقين‪.‬‬

‫‪473‬‬

‫‪� ٥٩‬إ َّن �ساع َة القيام ِة و َب ْع ِث الموتى من قبورهم‬
‫للح�ساب آ�تي ٌة لا �ش َّك فيها‪ ،‬ولك َّن أ�كثر ال ّنا�س ينكرون‬
‫ذلك‪ ،‬لغفلتهم وق�صور نظرهم‪ ،‬و�إ�ضلا ِل ال�شياطين لهم‪.‬‬

‫‪ ٦٠‬وقال ربكم ‪� -‬أيها ال ّنا�س‪ :-‬ادعوني‪ ،‬و ُخ ُّ�صوني‬
‫بالعبادة‪ ،‬ولا ت�شركوا بي �شيئ ًا أ��ستج ْب لكم‪� ،‬إ َّن الذين‬
‫يتكبرون عن عبادتي �سيدخلون جه َّنم �صا ِغ ِرين‪ ‬ذليلين‪.‬‬

‫‪ ٦١‬الله وحده الذي جعل الليل لتح ُ�ص َل لكم الراح ُة‬
‫فيه بالنوم وال�سكون بعد التعب في النهار‪ ،‬و َج َعل‬
‫النهار م�ضيئ ًا لتعملوا فيه وت�سعوا ِمن �أجل الك�سب‬

‫وتح�صي ِل المعا�ش‪ ،‬والله ذو ف�ض ٍل عظيم على ال ّنا�س كا َّف ًة‬
‫بنعمه الوفيرة‪ ،‬ولك َّن �أكثر ال ّنا�س يكفرون بهذه النعم‪،‬‬

‫وال‪ ‬ي�ؤدون �شكرها بالإيمان به تعالى والإ�سلام له‪.‬‬

‫‪ ٦٥‬والله هو الح ُّي المنفرد بالحياة ا ألزلية الدائمة‬ ‫‪ ٦٢‬ذلكم الذي تف َّ�ضل عليكم بالنع ِم ال�سابغ ِة هو الله‬
‫الباقية‪ ،‬لا �إله �إلا هو؛ �إذ لا ُيدانيه موجو ٌد في ذاته‬ ‫ر ُّبكم الجام ُع لكل �صفات الربوبية‪ ،‬الذي لا معبو َد بح ٍّق‬
‫و�صفاته و أ�فعاله‪ ،‬ف ُخ ُّ�صوه بالعبادة والطاعة و�أخ ِل�صوا‬ ‫�إلا هو‪ ،‬الخال ُق لكل �شيء في الوجود‪ ،‬فكيف ُت ْ� َصفون‬
‫له‪ ،‬وتو َّجهوا �إليه بالدعاء‪ ،‬واحمدوه على نعمه التي‬ ‫عن عبادة الله الخالق الرازق إ�لى عبادة غيره ممن لا يملك‬

‫خ َّ�صكم بها‪ ،‬قائلين‪ :‬الحمد لله ر ِّب المخلوقات ك ِّلها‪.‬‬ ‫�أَ ْن يخلق �أو يرزق‪.‬‬
‫‪ ٦٦‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬للم�شركين الذين يدعونك‬
‫�إلى عبادة الأوثان وا أل�صنام‪ :‬إ�ني ُنهيت �َأ ْن أ�عبد آ�لهتكم‪،‬‬ ‫‪ ٦٣‬فكما ُ�صفتم عن ا إليمان الح ِّق مع قيام ا آليات‬
‫فقد جاءتني الآيا ُت الوا�ضحات من عند ربي على‬ ‫المعجزات الدالة على قدرة الله وعظمته‪ ،‬كذلك ُي�صرف‬
‫بطلان عبادة غيره‪ ،‬و ُ�أمرت أ�ن �أخ�ض َع و أ�نقا َد بالطاعة‬ ‫عن الهدى وا إليمان الذين كانوا يجحدون ب�آيات الله‪.‬‬

‫التامة لله ر ِّب العالمين‪.‬‬ ‫‪ ٦٤‬الله الذي جعل ا ألر�ض م�س َتق ّراً تعي�شون عليها‬
‫وتت�صرفون فيها‪ ،‬وجعل ال�سماء فوقكم بنا ًء مترابط ًا‬
‫‪474‬‬ ‫متما�سك ًا منتظم ًا‪ ،‬و�ص َّور ا إلن�سان على �أكمل هيئة‬
‫ف أ�ح�سن �صورته‪ ،‬وم َّيزه عن كل ذي روح‪ ،‬ورزقكم‬
‫ِمن الرزق الطيب الحلا ِل الم�ست َل ِّذ‪ .‬ذلكم هو الله ربكم‬

‫العظيم في قدرته و َخ ْلقه‪ ،‬المنع ُم على الخلق ب�أف�ضاله‪،‬‬
‫فتبارك الله ر ُّب المخلوقات ك ِّلها‪.‬‬

‫بالباطل في آ�يات الله وقدرته‪ ،‬كيف ُي�صرفون عنها‪ ،‬وهي‬ ‫‪ ٦٧‬اللهُ الذي �أُمر ُت �أن أُ��ْسلم �إليه هو الذي خلقكم‬
‫وا�ضحة جلية موجبة ل إليمان؟!‬ ‫�أطواراً‪ ،‬حيث ابتد أ� خلق آ�دم ِم ْن تراب‪ ،‬ثم جعل ابتداء‬
‫َن�ْسلكم في بطون �أمهاتكم ِم ْن نطفة‪ ،‬ثم جعلها دم ًا‬
‫‪ ٧٢ - ٧٠‬ه ؤ�لاء المجادلون في �آيات الله بالباطل‪،‬‬ ‫غليظ ًا عالق ًا بالرحم‪ ،‬ثم ط ّورها أ�طواراً‪ ،‬ثم أ�خرجكم‬
‫الذين ك ّذبوا بالقر آ�ن وبالكتب التي أ�نزلها الله على‬ ‫ِم ْن بطون أ�مهاتكم أ�طفال ًا‪ ،‬ثم لتبلغوا �س َّن الكمال في‬
‫ر�سله‪� ،‬سوف يعلمون عاقب َة هذا ا إلنكار‪ ،‬حين ُت َع َّل ُق‬ ‫القوة والعقل‪ ،‬ثم لتبلغوا �س َّن ال�شيخوخة‪ ،‬ومنكم َم ْن‬
‫�أطوا ُق الحديد في أ�عناقهم وال�سلا�سل في أ�رجلهم‪،‬‬ ‫يتوفاه الله قبل ذلك‪ ،‬و ِل َت�صلوا إ�لى وق ٍت ق َّدره الله لكم لا‬
‫ت�سحبهم زبانية العذاب‪ ،‬ثم ُي ْلقون في الماء الحا ِّر ال�شدي ِد‬ ‫َت�سبقونه ولا تتجاوزونه‪ ،‬ولكي تعقلوا ما في ذلك ك ِّله‬

‫الغليان‪ ،‬ثم في النار ُيحرقون‪.‬‬ ‫من الدلالة على عظيم قدرة الله وعظيم ُ�صنعه‪.‬‬

‫‪ ٧٤ ٧٣‬ثم تقول لهم َخ َزن ُة جهنم‪� :‬أين الآلهة‬ ‫‪ ٦٨‬الله �سبحانه هو المتف ِّرد با إلحياء والإماتة‪ ،‬ف�إذا �أراد‬
‫التي كنتم تعبدونها ِم ْن دون الله؟ فادعوهم إ� ْن كانوا‬ ‫الله �أمراً �َسبق أ� ْن ق َّدره وق�ضاه‪ ،‬ف إ�نه لا يمتنع عليه بل يقول‬
‫قادرين على تخلي�صكم ِمن هذا العذاب ا ألليم! فيقول‬
‫المك ِّذبون‪ :‬لقد غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا ن�ست�شفع‬ ‫له‪« :‬كن»‪ ،‬فيكون في الحال كما �أراده الله‪.‬‬
‫بهم‪ ،‬و�ضاع ْت عباد ُتنا لهم‪ ،‬بل الح ُّق �أننا لم نكن نعبد ِم ْن‬
‫قب ُل في الدنيا �شيئ ًا ُيعت ُّد به‪ .‬وكما �ض ُّلوا في الدنيا ُي�ضلهم‬ ‫‪ ٦٩‬عجب ًا ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ِ -‬م ْن �أولئك الذين يجادلون‬

‫الله في ا آلخرة‪ ،‬حيث لا يهتدون �إلى �شي ٍء ينفعهم‪.‬‬

‫‪ ٧٥‬وما أ��صابكم ِم ْن عذا ٍب �شدي ٍد في جهنم �إنما‬
‫ب�سبب ما كنتم عليه في الدنيا ِم ْن الفر ِح بالباطل‬

‫وال�شرك‪ ،‬والت ُّكبر في ا ألر�ض بغير حق‪.‬‬

‫‪ ٧٦‬يقال لهم‪ :‬ادخلوا أ�بوا َب جهنم ال�سبع َة المق�سوم َة‬
‫لكم بح�سب ذنوبكم جزا ًء لكم على طغيانكم و ُك ْفركم‪،‬‬

‫خالدين فيها‪ ،‬فبئ�ست الإقام ُة الدائم ُة للمتكبرين‪.‬‬

‫‪ ٧٧‬فا�صبر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬على تكذيب قو ِمك‬

‫لك‪ ،‬إ� َّن وعد الله ح ٌّق‪ ،‬له وق ٌت معلوم عنده‪ ،‬و�سين�صرك‬
‫الله على �أعدائك‪ ،‬ف إ� ّما ُنري َّنك بع�َض ما وعدناهم به‬
‫ِمن العذاب قبل وفاتك‪ ،‬أ�و نتوفينك قبل �أن َيح َّل‬
‫بهم العذاب‪ ،‬ف�إلينا وحدنا م�صي ُرهم لنجازيهم على‬

‫أ�عمالهم‪.‬‬

‫‪475‬‬

‫‪ ٧٨‬ولقد �أر�سلنا قبلك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬ر�سل ًا منهم‬

‫َم ْن َق َ�ص�صنا عليك ِ�سيرته في القر آ�ن‪ ،‬ومنهم َم ْن لم‬
‫َن ْق�ص�ص عليك‪ ،‬وك ٌّل آ�تاه الله ا آليا ِت المعجزات‪ ،‬فا�صب ْر‬
‫كما �صبروا‪ ،‬وت�أ� َّس بهم‪ ،‬ولم يكن لأ ِّي ر�سول أ�ن ي�أتي‬
‫بمعجزة لقومه لهدايتهم إ�لا ب أ�مر الله و إ�رادته‪ ،‬ف�إذا جاء َ�أ ْم ُر‬
‫الله بنزول العذاب على الكفار ‪ -‬في الدنيا �أو الآخرة‪-‬‬

‫َح َك َم اللهُ بين الر�سل ومك ِّذبيهم بالعدل والح ِّق‪ ،‬وخ�سر‬
‫وخاب عندئ ٍذ المب ِطلون الذين يجادلون بغير حق‪.‬‬

‫‪ ٨٤‬فل ّما �أيقنوا بنزول عذابنا ال�شديد بهم ‪ -‬ب أ�ن ر�أوا‬ ‫‪ ٨١ - ٧٩‬الله هو الذي خلق لكم ‪ -‬أ�يها ال ّنا�س‪-‬‬
‫مق ّدماته‪� -‬أق ُّروا حين لا ينفع ا إلقرا ُر‪ ،‬وندموا حيث لا‬ ‫ا ألنعا َم‪ ،‬وهي الإبل والبقر وال�ض أ�ن والمعز‪ ،‬لتركبوا على‬
‫ينفع الند ُم‪ ،‬وقالوا‪� :‬آم ّنا بالله وحده‪ ،‬وتب ّر�ْأنا ِمن ال�شرك‬ ‫ظهور بع�ضها ولت أ�كلوا ِم ْن لحومها‪ ،‬ولكم فيها منافع‬
‫�أخرى‪ ،‬و ِل َتحملوا على ظهورها أ�ثقا َلكم و�أمتعتكم ِم ْن‬
‫وا أل�صنام‪.‬‬ ‫بلد �إلى بلد في أ��سفاركم للتجارة والارتحال‪ ،‬وعليها‬

‫‪ ٨٥‬فلم ُيقبل منهم �إيمانهم بعد نزول العذاب‪،‬‬ ‫ُتملون في ال َ ِّب‪ ،‬وعلى ال�سفن في البحر ُتملون �أي�ض ًا‪،‬‬
‫ولم ينفعهم‪ ،‬وهذه �ُس َّن ُة الله في َخلقه‪� ،‬أنهم لا ينفعهم‬ ‫وفي ذلك آ�يا ٌت دالة على قدرة الله وعظمته في مخلوقاته‪،‬‬
‫�إيمانهم عندما يعاينون العذاب‪ ،‬و َخ ِ�س في ذلك الوقت‬
‫ف أ� َّي �آية ِمن �آيات الله الظاهرات الباهرات‪ُ  ‬تنكرون؟‬
‫الكافرون بربهم الجاحدون لتوحيده‪.‬‬
‫‪ ٨٢‬أ�فلم َي ِ� ْس ه�ؤلاء الم�شركون في الأر�ض فيت أ�ملوا‬
‫كيف كان عاقب ُة الذين كفروا ِم ْن قبلهم‪ ،‬د َّمر الله بلادهم‬
‫وع َّذبهم و�أهلكهم وا�ست�أ�صلهم! وكانوا أ�كث َر عدداً‪،‬‬
‫و أ��ش َّد قو ًة‪ ،‬و�َأ ْظه َر ُعمران ًا‪ ،‬فلم ينفعهم ذلك ولم يدفع‬

‫عنهم �شيئ ًا ِم ْن عذابنا عندما‪ ‬ح َّل بهم‪.‬‬

‫‪ ٨٣‬فل ّما جاءت ‪ -‬ه ؤ�لاء الجاحدين‪ -‬ر�س ُلهم‬
‫بالمعجزات الوا�ضحة‪ ،‬والآيات الجل ّية‪ ،‬لم يقبلوا ما جاء‬
‫به الر�س ُل ِم ْن ربهم‪ ،‬واغتروا بما �أُوتوا ِم ْن علم وقو ٍة في‬
‫م�صالحهم‪ ،‬ونزل بهم ما كانوا ي�ستهز ؤ�ون به من العذاب‬

‫الذي كانت ُتنذرهم به ر�سلهم‪.‬‬

‫‪476‬‬

‫قولك‪ ،‬وبيننا وبينك حاج ٌز يمنع �أن ي�صل �إلينا �شيء مما‬ ‫‪} ١‬ﭑ{ �سب َق الكلا ُم على هذه الحروف‬
‫تدعونا إ�ليه‪ ،‬فاعم ْل ما �شئ َت مما ي�أمرك به دينك‪ ،‬ف�إننا‬
‫�سن�ستمر على ما نحن عليه ِمن عبادة الأوثان وا أل�صنام‪،‬‬ ‫الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة‪.‬‬

‫والعم ِل على إ�بطال دينك و�ص ِّد النا�س عن دعوتك‪.‬‬ ‫‪ ٣ ٢‬هذا القر�آن العظيم ‪ -‬الذي ُأ�نزل على ر�سول‬
‫الله ‪ُ -‬منز ٌل ِمن الله المنعم بجلائل النعم ودقائقها‪.‬‬
‫‪ ٧ ٦‬قل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬ما �أنا �إلا َب�َش‬ ‫وهو كتا ٌب ُب ِّينت آ�يا ُته و�أحكامه ومواعظه بيان ًا وا�ضح ًا‬
‫مث ُلكم ول�س ُت َم َلك ًا‪ ،‬ولك َّن الله اختارني وا�صطفاني‬
‫و�أوحى إ�ليَّ أُلب ِّلغ ر�سالته في توحيده وعبادته‪ ،‬فاتبعوني‬ ‫بل�سا ٍن عرب ٍّي لقوم يعقلون دلائله و�إعجازه‪.‬‬
‫ولا تميلوا عن �صراط الله الم�ستقيم‪ ،‬وا�ستغفروا ر َّبكم من‬
‫ال�شرك والمع�صية‪ .‬والعذا ُب والهلا ُك للم�شركين الذين لا‬ ‫‪ ٤‬القر�آ ُن مب�ِّشٌ أ�وليا َء الله بالثواب العاجل وا آلجل‪،‬‬
‫يط ِّهرون أ�نف�سهم ِمن ال�شرك والرذائل‪ ،‬ولا ي�ؤتون زكاة‬ ‫وبجنات النعيم‪ ،‬ومنذ ٌر �أعدا َء الله بالعقاب‪ ،‬ولك ّن �أكثر‬
‫أ�موالهم‪ ،‬وهم بالبعث والح�ساب يوم القيامة كافرون‪.‬‬ ‫الم�شركين أ�عر�ضوا عنه تك ُّباً‪ ‬ومعاند ًة‪ ،‬فهم لا ي�سمعون‬

‫‪ ٨‬إ� َّن الذين �آمنوا �إيمان ًا ح ّق ًا‪ ،‬وعملوا ال�صالحات‬ ‫�آياته �سما َع تد ُّبر وتف ُّكر‪.‬‬
‫الدا َّل َة على �إيمانهم لهم عند ربهم ثوا ٌب دائم غير‬
‫‪ ٥‬وقالوا للنبي ‪� :- -‬إن قلوبنا في أَ� ْغطية تمنع‬
‫مقطوع عنهم‪.‬‬ ‫َت َف ُّه َموتق ُّبلماتدعونا إ�ليه‪،‬وفي آ�ذاننا ِثقليمنع ِمنا�ستماع‬

‫‪ ٩‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬للم�شركين مب ّين ًا لهم ِع َظ َم‬ ‫‪477‬‬
‫كفرهم‪ :‬أ��إنكم لتكفرون بالله الذي خل َق ا ألر�َض‬
‫وك َّونها في يومين اثنين‪ ،‬وتجعلون له �شركا َء و ُن َظرا َء مم ْن‬
‫َخ َل َق تعبدونهم؟! ذلك الذي تكفرون به هو خالق ك ِّل‬
‫الموجودات ومد ِّبر �أمرها‪ ،‬الم�ست ِح ُّق للعبادة وحده دون‬

‫غيره‪.‬‬

‫‪ ١٠‬وجعل في ا ألر�ض جبال ًا �شامخات ثواب َت‬
‫را�سيات ل َت ْحفظ توازن الأر�ض فلا ت�ض ّطرب بكم‪،‬‬
‫و َبارك فيها بتكثير خيراتها‪ ،‬وح ّدد �أرزا َق َمن يعي�ش‬
‫عليها نوع ًا و َق ْدراً‪ ،‬في تمام أ�ربعة أ�يام كاملة لا نق�ص فيها‬

‫ولا زيادة لمن �أراد ال�س�ؤال عن ذلك‪.‬‬

‫‪ ١١‬ث ّم و َّج َه الله إ�راد َته �إلى خلق ال�سماء‪ ،‬وهي على‬
‫هيئة دخان‪ ،‬ف�س ّواها بقدرته �سب َع �سماوات‪ ،‬وقال لل�سماء‬
‫والأر�ض‪ :‬ا�ستجيبا ألمري طائعتين �أو ُمكرهتين‪ ،‬فقالتا‪:‬‬
‫امت َثلنا أ�م َرك ُم ْذعنين لك‪ ،‬لي�س لنا �إراد ٌة تخالف �إرادتك‪.‬‬

‫‪ ١٧‬و أ� ّما ثمو ُد قو ُم �صالح‪ ،‬فب َّي لهم نب ُّيهم طري َق الهدى‬ ‫‪ ١٢‬فق�ضى اللهُ وق َّدر �أن يجعل ال�سماوات �سبع ًا‪،‬‬
‫والح ِّق وال�سعادة‪ ،‬ور َّغبهم بذلك وح َّذرهم ِمن مخالفته‪،‬‬ ‫و�أت َّم خلقها على نظا ٍم بديع في يومين‪ ،‬فت َّم بذلك َخ ْل ُق‬
‫فاختاروا الكفر وال�ضلال على الإيمان‪ ،‬ف أ�خذهم العذا ُب‬ ‫ال�سماوات وا ألر�ض في �ستة �أيام‪ .‬و�أوحى في كل �سماء‬
‫ال�شام ُل المهين بال�صيحة المهلكة والزلزلة المدمرة‪ ،‬ب�سبب‬ ‫ما ينا�سب ِمن أَ� ْمر تدبيرها‪ ،‬وز َّين ال�سماء الدنيا القريب َة‬
‫ِمن الأر�ض بنجوم وكواكب منيرة‪ ،‬يهتدي بها ال ّنا�س‬
‫اختيارهم للكفر وك�سبهم المعا�صي‪.‬‬ ‫في الليل‪ ،‬وجعلها حافظ ًة من ال�شياطين الذين َي�ْس َ ِتقون‬
‫ال�سمع‪ُ ،‬ك ُّل ذلك ِمن َخلق الله العزيز في ملكه‪ ،‬العلي ِم‬
‫‪ ١٨‬ونـ َّجى الله الذين �آمنوا ِم ْن عاد وثمود ِم ْن هذا‬
‫العذاب‪ ،‬لإيمانهم و�صدقهم وتقواهم‪.‬‬ ‫ب�ش ؤ�ون خلقه وم�صالحهم‪.‬‬

‫‪ ٢٠ ١٩‬ويوم القيامة يجم ُع اللهُ الكفار ِمن الأولين‬ ‫‪ ١٣‬ف إ� ْن أ�َعر�ض كفار قري�ش ‪ -‬بعد هذا البيان‪ -‬عن‬
‫وا آلخرين‪ ،‬و ُي�ساقون بعد الح�ساب �إلى جهنم‪،‬‬ ‫الإيمان بما جئتهم به‪ ،‬فقل لهم ‪� -‬أيها الر�سول‪ :-‬إ�ني قد‬
‫و ُيزجرون و ُيدفعون �إليها دفع ًا فلا ي�ستطيعون ت�أ ُّخراً ولا‬ ‫ح َّذرتكم و�أنذرتكم عذاب ًا مهلك ًا‪ ،‬كعذاب عا ٍد قوم‬
‫هرب ًا‪ ،‬حتى إ�ذا ما جا�ؤوا ال ّنا َر ور أ�وا �أهوالها و�شدائدها‬
‫�شهد ْت عليهم �أ�سما ُعهم و أ�ب�صا ُرهم وجلو ُدهم بما فعلوه‬ ‫هود‪ ،‬وثمود قوم �صالح‪.‬‬

‫في الدنيا ِمن ال�شرك و�َس ِّيئ ا ألعمال وقبائحها‪.‬‬ ‫‪ ١٤‬ولقد أ�هلك الله عاداً وثمود حين جاءتهم‬
‫ر�س ُلهم بالبينات لهدايتهم‪ ،‬وب َذلوا ك َّل جهد في دعوتهم‬
‫‪478‬‬ ‫و�إر�شادهم إ�لى عبادة لله وحده‪ ،‬ف أ�جابوهم مك ِّذبين‬
‫م�ستهزئين‪� :‬أنتم ل�ستم ر�سل ًا من الله‪ ،‬ولو أ�راد الله إ�ر�سا َل‬
‫ر�سو ٍل �إلينا َلـجعله َم َلك ًا‪ ،‬ولـ ّما كنتم ب�شراً مث َلنا ف�إ ّنا لا‬

‫ن�ؤمن بكم ولا بما ُأ�ر�سلتم به‪.‬‬

‫‪ ١٥‬ف أ� ّما عا ٌد قو ُم هود فب ّينا لهم‪ ،‬فا�ست ْع َلوا في‬
‫ا ألر�ض بغير الح ّق‪ ،‬وقالوا مغت ِّرين ب�أج�سامهم القوية‬
‫وم�ساكنهم المح َّ�صنة المنيعة‪َ :‬من أ��ش ُّد م ّنا قو ًة؟ ونحن‬
‫ن�ستطيع بقوتنا َد ْف َع العذاب الذي تنذرنا به‪ ،‬فر َّد الله‬
‫عليهم‪� :‬أفلا يعلم ه ؤ�لاء �أ َّن الله هو أ��ش ُّد قو ًة وبط�ش ًا؟‬
‫وكانوا ب�سبب غرورهم معاندين لآياتنا الدالة على‬

‫قدرتنا ووحدانيتنا‪ ،‬جاحدين لها‪.‬‬

‫‪ ١٦‬ف أ�ر�سلنا عليهم ريح ًا �شديد َة ال�صوت والبرد‪،‬‬
‫في �أيام م�ش�ؤومات‪ِ ،‬ل ُنذيقهم العذاب والذ َّل في الحياة‬
‫الدنيا‪ ،‬ول�سوف يلاقون العذا َب الأكبر في الآخرة‪،‬‬
‫وحينها لا يجدون َم ْن يدفع عنهم هذا العذاب الأليم‪.‬‬

‫‪ ٢٤‬ف�إ ْن ي�صبروا ‪ -‬ولا ينفعهم ال�صبر يومئ ٍذ‪ -‬فالنا ُر‬ ‫‪ ٢١‬وقال الكفار يو َم القيامة لجلودهم و أ�ع�ضائهم‬
‫مكا ُن �إقامتهم‪ ،‬لا َي ْبحونها‪ ،‬و إ� ْن ُيعلنوا توبت َهم وندمهم‬ ‫َي ُلومونها‪ِ :‬لـ َم �شه ْد ُت علينا بما عملنا؟ قالت‪� :‬أ ْن َط َقنا‬
‫وي�س�ألوا ر�ضا الله عنهم‪ ،‬لا ُيقبل منهم‪ ،‬ولا ُيرفع عنهم‬ ‫الله‪ ،‬الذي أ�َ ْنطق بقدرته ك َّل �شي ٍء ينطق في الوجود‪،‬‬
‫والله الذي َ�أ ْنطقنا هو الذي خلقكم �أ َّول مرة‪ ،‬و أ�ن�ش�أكم‬
‫العذاب‪ ،‬فقد م�ضى وقت التوبة والندم‪.‬‬ ‫ِمن تراب‪ ،‬و إ�ليه َمرج ُع الخلق يو َم الح�ساب‪ ،‬فيحا�سبكم‬

‫‪ ٢٥‬وه ّي�أْنا له ؤ�لاء الظالمين في الدنيا ُق َرناء �ُسو ٍء من‬ ‫على ما اقترفتموه من �أعمال‪.‬‬
‫�شياطين الإن�س والج ِّن و َم َّك ّناهم منهم‪ ،‬فح�َّسنوا لهم �سو َء‬
‫�أعمالهم في الدنيا ِمن ال�شرك وا ّتباع ال�شهوات وتقلي ِد‬ ‫‪ ٢٣ ٢٢‬وما كنتم ‪ -‬أ�يها الكفار‪ُ -‬ت ْخفون �ِش َككم‬
‫الأ�سلاف‪ ،‬كما أ�نهم ز َّينوا لهم تكذي َب ما �سي أ�تيهم ِم ْن‬
‫أ�مور ا آلخرة‪ ،‬ف أ�َ ْلقوا إ�ليهم �أنه لا َب ْع َث ولا ح�ساب‪،‬‬ ‫و أ�عمالكم ال�سيئة عند ارتكابكم المعا�صي مخاف َة �أ ْن‬
‫وقد ا�ستجابوا لهذه الظنون‪ ،‬وماتوا على ذلك‪ ،‬فو َج َب‬
‫عليهم القو ُل ب�سبب �شقائهم �أنهم خا�سرون‪ ،‬و�أنهم‬ ‫ت�شهد عليكم جلو ُدكم وجوارحكم يوم القيامة‪ ،‬ولكن‬
‫تو َّهمتم �أن الله لا يعلم كثيراً ِمن �أفعالكم و أ�قوالكم‪،‬‬
‫�أ�صحا ُب النار الخالدون فيها‪.‬‬ ‫وهذا الظ ُّن الباط ُل بربكم هو الذي �أهلككم و�أوقعكم‬
‫في العذاب‪ ،‬ف أ��صبحتم ِمن الذين خ�سروا �أنف َ�سهم‬
‫‪ ٢٦‬وقال ال ُّر ؤ��ساء ِم ْن كفار قري�ش لـ ّما �أيقنوا بانقطاع‬
‫ُحجتهم مع القر�آن‪ ،‬ور�أوا ت أ�ثي َر القر�آن على قلوب‬ ‫و�سعادتهم في‪ ‬ا آلخرة‪.‬‬
‫النا�س‪ :‬ال‪َ  ‬ت�سمعوا لهذا القر آ�ن‪ ،‬و�إذا ُتلي عليكم فارفعوا‬

‫�أ�صواتكم بال ِّ�صياح فلا ي�ستطيع �سما َعه أ�حد‪.‬‬

‫‪َ ٢٧‬ف َل ُنذيق َّن ه ؤ�لاء الم�شركين العذا َب ال�شدي َد يوم‬
‫الدين‪ ،‬و َل َنجزي َّنهم جزا َء �أ�سو إ� الذي كانوا يقترفونه في‬

‫الدنيا وهو الكفر‪ ،‬فلا يتوقف عنهم العذاب‪.‬‬

‫‪ ٢٨‬هذا الجزاء لأعداء الله هو الجزاء العادل‪ ،‬فالنا ُر‬
‫م�أواهم خالدين فيها جزا َء جحودهم ب آ�يات الله‪.‬‬

‫‪ ٢٩‬وقال الذين كفروا بالله وك َّذبوا ر�سله‪ :‬ر َّبنا �أ ِرنا‬
‫الفريقين ال َّل َذ ْين �أ�ضلانا ِمن الجن وا إلن�س نجعلهما‬
‫تحت أ�قدامنا ليكونا من الأ�سفلين الذين هم أ��ش ُّد أ�هل‬

‫ال ّنار عذاب ًا‪.‬‬

‫‪479‬‬

‫‪ ٣٠‬إ� ّن الذين قالوا ر ُّبنا الله‪ ،‬مق ِّرين بربوبيته �شاهدين‬
‫على وحدانيته �سبحانه‪ ،‬ثم ا�ستقاموا في �سلوكهم‬

‫ومنه ِجهم على �صراط الله الم�ستقيم‪ ،‬اعتقاداً وعمل ًا‪،‬‬

‫ظاهراً وباطن ًا تتنزل عليهم الملائك ُة عند الاحت�ضار‬

‫بما ي�شرح �صدو َرهم و ُيفي�ض ال�سكين َة والطم أ�نينة على‬
‫قلوبهم‪ ،‬قائلين لهم‪ :‬لا تخافوا ِمن الموت وما بعده‪،‬‬

‫ولا تحزنوا على ما خ َّلفتم في الدنيا‪ ،‬و أ�ب�شروا بالج ّنة التي‬
‫كنتم توعدون بها ‪.‬‬

‫في الانتقام‪ ،‬فا�س�أل الله العون والتج ْئ �إليه ليع�صمك ِمن‬ ‫‪ ٣٢ ٣١‬وتقول لهم الملائكة �أي�ض ًا مب�ِّشين لهم‪ :‬نحن‬
‫�ش ِّره‪ ،‬فالله �سميع لدعائك‪ ،‬عليم ب أ�حوال النا�س جميع ًا‪.‬‬
‫�أن�صا ُركم و أ�عوانكم على الطاعة في الحياة الدنيا‪ ،‬ونحن‬
‫‪ ٣٧‬و ِم ْن دلائل قدرة الله‪ :‬اللي ُل والنها ُر‪ ،‬وال�شم�س‬ ‫أ�وليا ؤ�كم في ا آلخرة لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة التي‬
‫والقمر‪ ،‬فلا ت�سجدوا لل�شم�س ولا للقمر ألنهما ِمن‬
‫مخلوقات الله الم�سخرا ِت لكم‪ ،‬وا�سجدوا لله الذي‬ ‫لكم فيها ما ت�شتهي ا ألن ُف�س و َت َل ُّذ الأعي ُن‪ ،‬وهي مقامكم‬
‫الدائم بف�ض ِل ر ِّبكم الغفور‪ ‬الرحيم وكرمه‪.‬‬
‫خلق اللي َل والنها َر وال�شم� َس والقم َر‪� ،‬إن كنتم ح ّق ًا‬
‫تعبدونه وتطيعونه بما هو طاعة عنده‪.‬‬ ‫‪ ٣٣‬لا أ�حد �أح�س ُن قول ًا ممن دعا بالحكمة والموعظة‬
‫الح�سنة �إلى توحيد الله والعمل ب�شرعه‪ ،‬و َل ِز َم أَ� ْم َر ربه‬
‫‪ ٣٨‬ف إ� ِن ا�ستكبر ه ؤ�لاء الم�شركون عن ال�سجود لله‬ ‫وع ِمل بطاعته‪ ،‬معت ّزاً بدينه‪ ،‬مق ّراً ب إ��سلامه مع َم ْن �أ�سلم‬

‫وحده‪ ،‬فهم لا ي ْقدرون على تغيير الحقيقة ا إليمانية وهي‬ ‫لله ر ِّب العالمين‪.‬‬
‫وحدانية الله ع َّز وج َّل‪ ،‬ف َمن َيخر ْج عن هذا الطريق‬
‫الم�ستقيم فل ْن ي�ض َّر اللهَ �شيئ ًا‪ ،‬فالملائك ُة المط َّهرون من‬ ‫‪ ٣٥ ٣٤‬والح�سن ُة وال�سيئ ُة متفاوتتان في أ�نف�سهما‬
‫المعا�صي وا آلثام‪ ،‬ي�س ِّبحون ر َّبهم وين ِّزهونه وي�سجدون‬
‫له بالليل والنهار‪ ،‬وهم لا يم ُّلون ِمن ت�سبيحه وتوحيده‪.‬‬ ‫وفي جزائهما وعاقبتهما‪ ،‬فادفع ‪ -‬أ�يها الم ؤ�من‪� -‬إ�ساءة‬

‫َم ْن �أ�ساء �إليك بالتي هي �أح�سن منها‪ ،‬وهي �أن تقابل‬
‫الجه َل بالحلم‪ ،‬والغ�ض َب بال�صبر‪ ،‬وا إل�ساء َة بالإح�سان‪،‬‬
‫ع�سى �أن ي�صبح َمن أ��ساء �إليك �صديق ًا قريب ًا‪ .‬وما يو َّفق‬
‫لمقابلة الإ�ساءة با إلح�سان �إلا �أهل ال�صبر‪ ،‬و َم ْن ُر ِزق‬

‫حظ ًا وافراً ِمن ُح�سن الخلق وكمال النف�س‪.‬‬

‫‪ ٣٦‬و إ� ْن و�سو� َس �إليك ال�شيطان و أ�لقى في قلبك ما‬
‫َي ْبع ُث على ِفعل ما لا ينبغي ِف ْعله ِمن الغ�ضب والرغبة‬

‫‪480‬‬

‫فهو كتا ٌب عزي ٌز لا ُيغا َلب إلعجازه وقوة حججه‪،‬‬ ‫‪ ٣٩‬و ِمن دلائ ِل َع َظم ِة الله وقدرته على البعث و�إحياء‬
‫ولا يجد الباطل �إليه �سبيل ًا ِم ْن أ� ِّي جهة ِمن الجهات‪،‬‬ ‫الموتى بعد فنائهم �أن َك ترى ا ألر�ض ياب�س ًة َجدبة‪ ،‬ف�إذا‬
‫محفو ٌظ من الزيادة والنق�صان والتغيير والتبديل‪ ،‬من َّز ٌل‬ ‫�أنزلنا عليها َغ ْي َث ال�سماء تحرك ْت وارتفع ْت ود َّب ْت‬
‫فيها الحياة‪� ،‬إ َّن الذي أ�حيا هذه الأر�ض بعد موتها قاد ٌر‬
‫من الله الحكيم الحميد‪.‬‬ ‫على إ�حياء الخلق و َب ْعثهم ِمن القبور‪ ،‬وهو القادر الذي‬

‫‪ ٤٣‬ما يقول كفا ُر قري�ش لك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬إ�لا ما‬ ‫ال‪ُ  ‬يعجزه �شيء �أراده‪.‬‬
‫قد قيل للر�سل ِم ْن قبلك‪ِ ،‬من الكلمات الم�ؤذية الـ ُم�ْش ِعرة‬
‫بالتكذيب وال�سخرية وا ألذى‪ ،‬فا�صب ْر على ما �أ�صابك‬ ‫‪� ٤٠‬إ َّن الذين لا ي ؤ�منون ب آ�ياتنا ُيح ِّرفونها وي ؤ�ولونها‬
‫في �سبيل الله كما �صبر الر�سل ِم ْن قبلك‪ ،‬إ� َّن ربك لذو‬ ‫ت أ�ويل ًا فا�سداً‪ ،‬وي�ضعونها في غير مو�ضعها الذي �ُأنزل ْت‬
‫مغفرة عظيمة لمن �آمن به وتاب �إليه‪ ،‬وذو عقا ٍب �أَليم لمن‬ ‫ِم ْن �أجله‪ ،‬لا يخفى �أم ُرهم علينا‪ ،‬فهل َم ْن ُيل َقى في النار‬
‫أ�ف�ض ُل َ�أ ِم الم�ؤم ُن ب�آياتنا الذي يدخل الجنة �آمن ًا مطمئن ًا؟!‬
‫�أ�ص َّر على كفره وذنوبه‪.‬‬ ‫فالفر ُق �شا�س ٌع بينهما‪ .‬فاعملوا �أيها المائلون عن الح ِّق‬
‫‪ ٤٤‬ولو أ�نزلنا ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬هذا القر آ� َن بغير لغ ِة‬ ‫ما �شئتم في هذه الحياة الدنيا‪ ،‬ف إ�نه لا يخفى على‪ ‬الله‬
‫العرب لقالوا‪ :‬لولا ُب ِّي َن ْت آ�يا ُته بالعربية حتى نفهمها!‬
‫ولقالوا‪ :‬هل ُي ْع َقل قر�آ ٌن أ�عجم ٌّي ونب ُّي عرب ٌّي؟! و�إ ْذ نزل‬ ‫خال ِقكم‪ ،‬و�سيحا�س ُبكم عليه‪� ،‬إنه بما تعملون ب�صير‪.‬‬
‫القر�آن بلغة العرب ُع ِل َم عنا ُدهم و ِجدا ُلهم بالباطل‪ .‬وق ْل‬
‫لهم‪� :‬إ ّن هذا القر آ�ن هدى ونو ٌر للم ؤ�منين‪ ،‬و�شفا ٌء ِلـ َما‬ ‫‪� ٤٢ ٤١‬إ َّن الذين كفروا بالقر�آن‪ ،‬و�سا َرعوا �إلى‬
‫في القلوب ِمن الجهل وال�ش ِّك‪ .‬والذين كفروا في �آذانهم‬ ‫تكذيبه لـ ّما جاءهم‪ ،‬و أ�لـ َح ُدوا فيه لن ينالوا منه �شيئ ًا‪،‬‬
‫َ�ص َم ٌم فلا ي�سمعونه �سما َع تف ُّك ٍر وتد ُّبر‪ ،‬وهو عليهم‬
‫ظلم ٌة و�شقاء ب�سبب عنادهم‪ .‬فهم ك َم ْن ينا َدى عليه ِم ْن‬ ‫‪481‬‬

‫مكا ٍن بعي ٍد‪ ،‬لا ي�سمع ولا يجيب‪.‬‬

‫‪ ٤٥‬ولقد أ�نزلنا التورا َة على مو�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪-‬‬
‫لتكون هدى ونوراً لبني إ��سرائيل فاختلفوا فيها ما بين‬
‫م�ص ِّد ٍق ومك ِّذب‪ ،‬ولولا وع ٌد �َس َب َق ِمن ربك في ت أ�خير‬
‫العذاب عن قومك َل ُق�ضي با�ستئ�صالهم في الدنيا‪ .‬و إ� َّن‬
‫الكفار لفي �ش ٍّك �شدي ٍد في َ�أ ْمر القر آ�ن‪ ،‬أ�و َقعهم في َحيرة‬

‫وا�ضطراب‪.‬‬

‫‪َ ٤٦‬م ْن عمل عمل ًا �صالح ًا وهو م ؤ�من فعم ُله يعود‬
‫عليه بالنفع‪ ،‬و َم ْن عمل عمل ًا �س ِّيئ ًا ف�ضر ُر عمله يعود‬
‫على نف�سه‪ ،‬وما ر ُّبك ‪ -‬يا محمد ‪ -‬بظ َّل ٍم لعبيده‪ ،‬فل ْن‬

‫ينق�صهم ح�سن ًة ولن يزيدهم �سيئ ًة‪.‬‬

‫‪� ٥٣‬س ُني ه�ؤلاء المك ِّذبين �آياتنا في �أقطار ال�سماوات‬ ‫‪ ٤٧‬إ�لى الله تعالى ُير ُّد علم وق ِت قيام ال�ساعة‪ ،‬ف�إنه لا‬
‫وا ألر�ض‪ ،‬وما يخلقه الله فيهما ِمن الحوادث العظيمة‪،‬‬ ‫يعلمها غي ُره‪ ،‬وما َتظهر ثمر ٌة فتخرج بارزة ِم ْن �أوعيتها‬
‫الدا َّل ِة على بديع ُ�صنع الله و َعظيم قدرته‪ ،‬وفي آ�فاق‬ ‫وما تحمل ِم ْن �أنثى حمل ًا‪ ،‬ولا ت�ضع ولدها �إلا بعلم الله‬
‫النف�س الإن�سانية‪ ،‬بما يكت�شفه ا إلن�سا ُن ِم ْن أ��سرار َخلقه‬ ‫و�إرادته‪ ،‬لا َيخفى عليه �شيء من ذلك‪ ،‬ويوم ينادي اللهُ‬
‫وتكوينه وما في ذلك ك ِّله ِمن العجائب مما ي ِّحي ُر العقو َل‬ ‫الم�شركين ‪ -‬توبيخ ًا لهم و إ�ظهاراً لكذبهم‪� :-‬أين �شركائي‬
‫والأفكار؛ حتى ي�ستدلوا على �صدق القر آ�ن ومعجزته‪،‬‬ ‫الذين كنتم ت َّدعونهم آ�له ًة معي؟ أ�جاب الم�شركون‪:‬‬
‫َأ� َو َلـ ْم يك ِف ‪ -‬يا محمد‪ -‬أ� َّن ر َّبك �شهي ٌد على كل �شيء‬
‫ِم ْن �أفعال خلقه وهو مجازيهم على أ�عمالهم‪َ� ،‬أ َل يكفيهم‬ ‫�أخبرناك ر َّبنا ما م ّنا �أحد ي�شهد �أن معك‪� ‬شريك ًا‪.‬‬

‫هذا دليل ًا على �صدقك‪ ،‬و�أ َّن القر آ�ن منزل ِم ْن عنده؟!‬ ‫‪ ٤٨‬وغاب ْت عنهم آ�له ُتهم التي كانوا يعبدونها في‬
‫‪� ٥٤‬أ َل إ� َّن ه�ؤلاء الم�شركين في �ش ٍّك ِمن البعث‬ ‫الدنيا‪ ،‬فلم تنفعهم‪ ،‬ولم تدف ْع عنهم �شيئ ًا ِمن عذاب الله‪،‬‬
‫والح�ساب والجزاء بعد الممات‪� ،‬أ َل إ� َّن الله قد أ�حاط بكل‬ ‫الذي ح َّل بهم‪ ،‬و أ�ي َقنوا حينئ ٍذ �أنه لي�س لهم َملج�أ ِم ْن‬
‫�شيء علم ًا وقدر ًة‪ ،‬لا يفوته �شيء أ�راده‪� ،‬أي‪ :‬فهو قاد ٌر‬
‫على َبعث الخلائق ليجزي المح�س َن ب�إح�سانه‪ ،‬والم�سي َء‬ ‫عذاب الله يلج ؤ�ون إ�ليه‪.‬‬

‫ب إ��ساءته‪.‬‬ ‫‪ ٤٩‬لا يم ُّل الكافر ولا يك ُّل ِم ْن �س�ؤال ر ِّبه ِمن الخير‪،‬‬
‫كطلب المال و�صحة الج�سم والجاه‪ ،‬و إ� ْن ناله �ض ٌّر ِم ْن‬
‫‪482‬‬ ‫�ُسقم وفقر‪ ،‬ونحو ذلك ِم ْن البلايا؛ ف�إن الكاف َر يائ� ٌس ِم ْن‬

‫فرج الله‪ ،‬وقانط ِم ْن رحمته‪.‬‬

‫‪ ٥٠‬ولئن ك�شفنا عن هذا الكافر‪ ،‬ما أ��صابه ِمن �ُسقم‬
‫و�ض ٍّر و�ش ّدة‪ ،‬وو�ّسعنا عليه في معي�شته؛ لي ُقو َل َّن‪ :‬هذا‬
‫�شيء ا�ستحقق ُته و ِن ْلته بعملي؛ وما أ�عتقد القيامة �آتية‪،‬‬
‫ولئن ُرددت �إلى ربي ح ّي ًا بعد مماتي ‪ -‬كما يقولون‪-‬‬
‫ف�س ُيح ِ�سن �إليَّ ربي‪ ،‬كما �أح�سن �إليَّ في الدنيا‪َ ،‬ف َل ُن ْخبر َّن‬
‫ه ؤ�لاء الكفار‪ ،‬بما عملوا في الدنيا من المعا�صي‪،‬‬

‫و َل ُنذيق ّنهم من العذاب ال�شديد‪.‬‬

‫‪ ٥١‬و�إذا �َأنعمنا على الكافر‪ ،‬فك�شفنا ما به ِمن �ض ٍّر‪،‬‬
‫ووهبنا له الرز َق وال�صحة والعافية‪َ� ،‬أ ْعر�ض عن �شكر الله‬
‫وطاعته‪ ،‬وتك َّب و�َش َمخ ب�أنفه‪ ،‬و إ�ذا م�َّسته ال�ش ّدة‪ ،‬فهو‬

‫ذو دعا ٍء كثير ب�أن يك�شف الله �ض َّره‪.‬‬
‫‪ ٥٢‬قل ‪ -‬يا محمد‪ -‬للمك ِّذبين‪ :‬أ�َخ ِبوني �أ ّيها القوم‪،‬‬
‫�إ ْن كان هذا القر آ�ن من َّزل ًا ِم ْن عند الله‪ ،‬ثم ك ّذبتم به‪ ،‬كيف‬
‫ترون حا َلكم عند الذي �أنزله على ر�سوله؟ فلا �أحد �أ�ضل‬

‫منكم؛ ألنكم في خلاف للحق غاي ٌة في ال ُبعد عنه‪.‬‬

‫ا ألر�ض ِم ْن �أهل ا إليمان به‪ ،‬أ� َل �إ َّن الله هو الغفور لذنوب‬
‫الم�ؤمنين‪ ،‬الرحيم بهم‪.‬‬

‫‪ ٦‬والذين ات َخذوا من دون الله �آلهة‪ ،‬يتو َّلونها‬

‫ويعبدونها‪ ،‬اللهُ رقي ٌب عليهم ُيح�صي عليهم أ�فعالهم‪،‬‬
‫فيجازيهم بها يو َم القيامة‪ ،‬وما أ�ن َت ‪ -‬يا محمد‪-‬‬
‫بالوكيل عليهم الكفي ِل ب�إيمانهم‪ ،‬و إ�نما أ�ن َت منذر‪ ،‬فب ِّلغهم‬
‫ما ُ�أر ِ�س ْل َت به إ�ليهم‪ ،‬ف إ�نما عليك البلا ُغ وعلينا الح�ساب‪.‬‬

‫‪ ٧‬وكما �أوحينا إ�لى ا ألنبياء والر�سل قبلك‪ ،‬أ�وحينا‬

‫�إليك قر آ�ن ًا عربي ًا وا�ضح ًا جليل ًا؛ ِل ُتنذر �أه َل مكة و َم ْن‬
‫حولها ِمن العرب و�سائر النا�س‪ ،‬وتنذ َرهم عقاب الله‬
‫يوم ال َج ْمع ‪-‬وهو يوم القيامة‪ -‬الذي لا �ش َّك فيه‪ ،‬والذي‬
‫يتف َّر ُق فيه النا� ُس �إلى فريقين‪ :‬فريق في الجنة‪ ،‬وهم الذين‬
‫آ�منوا بالله‪ ،‬واتبعوا ما جاءهم به ر�سو ُله‪ ،‬وفري ٌق في النار‬

‫ُيع َّذبون‪ ،‬وهم الكافرون بالله ور�سوله‪.‬‬

‫‪ ٨‬ولو �شاء الله لجعل النا� َس �أم ًة واحدة على الهدى‪،‬‬ ‫‪} ٢ ١‬ﭑﭒﭓ{ �سب َق الكلا ُم على هذه‬
‫ولكنه تعالى فا َو َت بينهم‪ ،‬فهدى َم ْن ي�شاء إ�لى الحق‪،‬‬ ‫الحروف الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة‪.‬‬
‫و�أ�ض َّل َم ْن ي�شاء عنه‪ ،‬وله الحكم ُة والحج ُة البالغ ُة‪،‬‬
‫والكافرون بالله ما لهم ِم ْن وليٍّ يدفع عنهم العذاب‪ ،‬ولا‬ ‫‪ِ ٣‬مثل ما ت�ض ّم َن ْته هذه ال�سورة من المعاني ُيوحي‬
‫إ�ليك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬و�إلى الر�سل ِم ْن قبلك‪ ،‬اللهُالعزي ُز‬
‫ن�صي ٍر يمنعهم ِمن النار‪.‬‬
‫في انتقامه‪ ،‬الحكي ُم في تدبير �أمور خلقه‪.‬‬
‫‪ ٩‬بل ا َّتخذ الكافرون ِم ْن دون الله �آله ًة يتو َّلونهم‬
‫وهي لا ُتغني ع ّمن تولاها �شيئ ًا‪� ،‬إنما الله هو الوليُّ ح ّق ًا‪،‬‬ ‫‪ ٤‬لله وحده ُملك ما في ال�سماوات وما في ا ألر�ض‬
‫وهو الذي يحيي الموتى ِم ْن َبعد َماتهم للح�ساب‪ ،‬وهو‬ ‫ِمن الأ�شياء ك ِّلها‪ ،‬وهو العلي في ذاته و�صفاته و�أفعاله؛‬
‫ال َخل ُق جميع ًا تحت �سلطانه‪ ،‬جاري ٌة عليهم ُقدر ُته‪ ،‬ما�ضي ٌة‬
‫القادر على كل �شيء‪.‬‬
‫فيهم م�شيئ ُته‪ ،‬وهو العظي ُم الذي له العظمة والكبرياء‪.‬‬
‫‪ ١٠‬وما اختلفتم فيه ِم ْن �أم ِر الدين ف ُحكمه مردو ٌد �إلى‬
‫الله‪ ،‬يف�صل فيه يوم القيامة‪ ،‬وعند ذلك يظهر الـ ُمح ُّق من‬ ‫‪ ٥‬تكاد ال�سماوات تت�ش َّقـ ْقن وتت�صـ َّدعـن ِم ْن‬
‫الـ ُمب ِطل‪.‬ذلكمالحاك ُمفيك ِّل�شيءهوربي‪،‬عليهتوكل ُت‬ ‫عظمة‪ ‬الله وجلاله‪ ،‬والملائك ُة ي�سبحون بحمد الله ثنا ًء‬
‫على عظمته وجلاله‪ ،‬وي�س أ�لونه المغفر َة لذنوب َم ْن في‬
‫في جميع أ�موري‪ ،‬و�إليه َأ�رج ُع في كل �شيء َي ْع ِر�ُض لي‪.‬‬
‫‪483‬‬

‫‪ ١٥‬ف إ�لى ذلك الدين الذي �شرعه ر ُّبكم‪ ،‬وو َّ�صى به‬ ‫‪ ١١‬الله �سبحانه خالق ال�سماوات وا ألر�ض وما‬
‫ِمن َقب ُل �أنبياءه‪ ،‬فاد ُع ‪ -‬يا محمد‪ -‬النا�س‪ ،‬و ُد ْم على‬ ‫بينهما‪ ،‬جعل لكم ِم ْن ِج ْن�سكم و�َش ْكلكم �أزواج ًا‪،‬‬
‫العمل به‪ ،‬وا ْث ُب ْت عليه كما أ�مرك الله‪ ،‬ولا َت َّتبع أ�هواء‬ ‫و ِمن ا ألنعام �أزواج ًا؛ ُي َك ِّثكم بهذا ال َج ْع ِل فتتوالدون‬
‫الذين �ش ّكوا في الحق الذي �شرعه الله لكم‪ ،‬وقل‪� :‬آمن ُت‬ ‫وتتنا�سلون‪ ،‬لي�س ِم ْثل الله �شي ٌء في ذاته و�صفاته و�أفعاله‪،‬‬
‫بجميع الكتب المنزلة على الأنبياء‪ ،‬و�أمرني ربي أ� ْن �أَعدل‬ ‫وهو ال�سميع لك ِّل الـ َم�سموعات‪ ،‬المد ِر ُك لجميع‬
‫الـ ُمب َ�صات لا يخفى عليه �سبحانه �شيء ِم ْن �أمور العباد‪.‬‬
‫بينكم بالحق الذي �شرعه الله‪ ،‬لنا جزا ُء �أعمالنا‪ ،‬ولكم‬
‫جزا ُء أ�عمالكم‪ ،‬لا جدا َل ولا ِحجاج بيننا وبينكم‬ ‫‪ ١٢‬له �سبحانه وحده مفاتي ُح الرزق والرحم ِة في‬
‫بعد أ�ن َو َ�ض َح الح ُّق‪ ،‬الله تعالى يجمع بيننا يوم القيامة‪،‬‬ ‫ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬يو�ِّسع الرزق لمن ي�شاء ِم ْن عباده‪،‬‬
‫وي�ض ِّي ُق ويق ِّلل على َم ْن ي�شاء‪� ،‬إنه تعالى بكل �شيء عليم‪،‬‬
‫فيحكم بيننا بالحق‪ ،‬و إ�ليه المرجع والم�آب‪.‬‬
‫فلا َتخفى عليه خافية‪.‬‬

‫‪ ١٣‬و َّ�ضح الله لكم ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ِ -‬م ْن ِدينه وب ّي‪ ،‬ما‬
‫�أمر به نوح ًا �أن يدعو الخلق �إليه وي�ستقيم عليه‪ ،‬وما �أنزله‬

‫إ�ليكم في القر آ�ن‪ ،‬وما أ�مر به إ�براهي َم ومو�سى وعي�سى‪،‬‬
‫وهو إ�قام ُة الدين ِم ْن توحي ِد الله وطاع ِته‪ ،‬وعد ِم التف ُّر ِق‬
‫والاختلاف فيه‪َ .‬ع ُظم على الم�شركين و�ش َّق ما تدعوهم‬
‫إ�ليه ِمن �إخلا�ص العبادة لله‪ ،‬و إ�فراده با أللوهية‪ ،‬الله تعالى‬

‫يختار ِمن عباده لدينه َمن ي�شاء‪ ،‬ويو ِّفق لطاعته َمن ُيقبل‬
‫عليه تائب ًا من ذنوبه‪.‬‬

‫‪ ١٤‬وما تف ّرق �أقوا ُم ا ألنبياء إ� َّل ِم ْن بعد ما جاءهم‬
‫العل ُم ب أ� َّن ما �أمرهم الله به هو �إقام ُة الدين الحق‪ ،‬و�أ َّل‬
‫يتفرقوا فيه‪ ،‬ولكنهم فعلوا ذلك عدوان ًا ِم ْن بع�ضهم على‬
‫بع�ض‪ ،‬وح�سداً‪ ،‬وحم ّي ًة‪ ،‬وطلب ًا للدنيا‪ ،‬ولولا ُح ْك ٌم‬
‫�َس َب َق ِم ْن ر ِّبك با إلمهال وت�أخير الح�ساب والعذا ِب‬
‫إ�لى يوم القيامة؛ ل ُق�ض َي بينهم بتعجيل �إهلاك الم�شركين‬
‫منهم‪ ،‬و إ� َّن الذين ُ�أوتوا الكتاب ِمن اليهود والن�صارى‬

‫لفي َحيرة ِم ْن �أمرهم و�ش ٍّك مري ٍب‪.‬‬

‫‪484‬‬

‫في قيام ال�ساعة ويخا�صمون فيها لفي �ضلال بعيد عن‬
‫الحق‪.‬‬

‫‪ ١٩‬الله كثي ُر ال ُّلطف بعباده َب ِّرهم وفا ِجرهم‪ ،‬يو�ِّسع‬
‫على َم ْن ي�شاء الرزق‪ ،‬وي�ض ِّيقه على َم ْن ي�شاء منهم‪ ،‬بما‬
‫تقت�ضيه حكم ُته �سبحانه‪ ،‬وهو القو ُّي الذي لا َيغلبه‬

‫�أحد‪ ،‬العزي ُز في انتقامه إ�ذا انتقم ِم ْن أ�هل معا�صيه‪.‬‬

‫‪َ ٢٠‬م ْن كان يريد بعمله ثوا َب ا آلخرة‪َ ،‬ن ِز ْد له في‬
‫ثمرا ِت عمله ون�ضاع ِف الثوا َب له‪ ،‬و َم ْن كان يريد‬
‫بعمله الدنيا وحدها‪ ،‬ن�ؤْته ما ُق ِّدر و ُق ِ�سم له منها‪ ،‬ولي�س‬

‫له في ا آلخرة ن�صيب من النعيم‪.‬‬

‫‪ ٢١‬أَ� َل ُهم �شركاء �شرعوا لهم ال�شر َك الذي لم ي أ�ذن به‬ ‫‪ ١٦‬والذين يخا�صمون في دين الله ويجادلون ِلر ِّد‬
‫الله؟! ‪ -‬وهذا تقرير وتقريع وتوبيخ لهم‪ -‬ولولا ال ُحك ُم‬ ‫ما يدعو إ�ليه من التوحيد ِمن بعد ما ا�ستجاب النا� ُس‬
‫ال�سابق من الله‪ ،‬بت�أخير العقوبة والعذاب عن الم�شركين‬ ‫لر�سولنا محمد ‪ - -‬فدخلوا في دينه‪ُ ،‬ح ّج ُتهم‬
‫�إلى قيام ال�ساعة؛ َل ُف ِر َغ ِمن الحكم بينكم وبينهم بتعجيل‬ ‫باطلة عند ربهم‪ ،‬وعليهم غ�ض ٌب ِمن الله عظيم‪ ،‬ولهم‬

‫العذاب لهم في الدنيا‪ ،‬و�إ َّن الكافرين لهم يوم القيامة‬ ‫في ا آلخرة عذا ٌب �شدي ٌد‪.‬‬

‫عذاب �شديد الإيلام‪.‬‬ ‫‪ ١٧‬الله الذي أ�نزل القر�آ َن و�سائر كتب ا ألنبياء‬

‫‪� ٢٢‬س َتى ‪� -‬أيها النب ُّي‪ -‬الكافرين يوم القيامة‪،‬‬ ‫بال�صدق والح ِّق والعدل‪ ،‬وما ُيدريك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪-‬‬
‫خائفين خوف ًا �شديداً ِم ْن عقاب الله‪ ،‬على �أعمالهم‬ ‫لع َّل ال�ساعة التي تقوم فيها القيامة قريب‪ ،‬والنا� ُس عنها‬
‫ِمن ال�شرك والأعما ِل الخبيثة‪ ،‬وعذا ُب الله واق ٌع بهم‬
‫لا م َحال َة‪ ،‬و�أ ّما الذين �ص َّدقوا بالله و أ�طاعوه‪ ،‬فهم في‬ ‫في غفلة‪� ‬ساهون‪.‬‬
‫الآخرة في رو�ضات الجنات ونعيمها‪ ،‬لهم ما ت�شتهيه‬
‫�أنف�ُسهم‪ ،‬و َتل ُّذه �أعي ُنهم‪ ،‬هذا الذي أ�عطاهم الله ِمن‬ ‫‪ ١٨‬ي�ستعجلك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬بمجيء ال�ساع ِة الذين‬
‫النعيم والكرامة‪ ،‬هو الف�ضل الكبير ِمن الله عليهم‪ ،‬الذي‬ ‫ال‪ ‬ي ؤ�منون بها؛ ا�ستعجا َل ا�ستهزا ٍء منهم بها وتكذيب ًا‬
‫بمجيئها‪ ،‬والذين �آمنوا خائفون َح ِذرون ِمن قيامها‪،‬‬
‫َي ْف ُ�ضل ك َّل نعيم وكرامة في الدنيا‪.‬‬ ‫ويعلمون أ�نها �آتية لا َر ْي َب فيها‪� .‬ألا إ� َّن الذين يجادلون‬

‫‪485‬‬

‫َبعد ي�ْأ�س‪ ،‬وينزل بركاته على عباده‪ ،‬وهو الوليُّ ب إ�ح�سانه‬ ‫‪ ٢٣‬ذلك النعي ُم والكرامة في ا آلخرة للم ؤ�منين‪ ،‬هو‬
‫وف�ضله‪ ،‬الحمي ُد عند خلقه على إ�نعامه عليهم‪.‬‬ ‫الذي يب�ِّش الله به عباده‪ ،‬الذين �آمنوا وعملوا ال�صالحات‪.‬‬
‫قل لهم ‪ -‬يا محمد‪ :-‬لا �أ�س أ�لكم �أيها القوم على ما‬
‫‪ ٢٩‬و ِمن الدلائل الباهرة على كمال قدرته تعالى‬ ‫�أدعوكم إ�ليه ِمن الحق‪ ،‬والن�صيح ِة التي أ�ن�صحكم‪ ،‬ثواب ًا‬
‫المو ِجب ِة لتوحيده‪َ ،‬خل ُقه ال�سماوات وا ألر�ض على‬ ‫ولا جزا ًء‪ ،‬إ�ل ّا أ�ن َت َو ُّدوني لقرابتي منكم‪ ،‬و َت ِ�صلوا ال َّرح َم‬
‫ما هما عليه ِمن عجي ِب ال�صنعة‪ ،‬وما َن�َش فيهما من‬ ‫بيني وبينكم‪ ،‬و َم ْن يعم ْل عمل ًا يطيع الله فيه؛ ُي�ضاعف‬
‫المخلوقات الكثيرة‪ ،‬وهو على َج ْمع َخ ْلقه بعد موتهم‬ ‫الله له ثواب عمله‪ ،‬و ُيح�سن جزاءه‪� ،‬إ َّن الله عف ٌّو غفور‬

‫ليوم القيامة قادر‪ ،‬لا يتع َّذر عليه �شيء‪.‬‬ ‫لذنوب عباده‪َ� ،‬شكور لح�سناتهم وطاعتهم إ�ياه‪.‬‬

‫‪ ٣٠‬وما ي�صيبكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ِ -‬من م�صيب ٍة في‬ ‫‪ ٢٤‬بل يقول ه�ؤلاء الم�شركون‪ :‬ا ْخ َت َلق محم ٌد على الله‬
‫أ�نف�سكم‪ ،‬و أ�هليكم‪ ،‬و�أموالكم‪ ،‬ف إ�نما ُي�صيبكم ذلك‬ ‫كذب ًا؛ فجاء بهذا القر آ�ن ِمن ِق َب ِل نف�سه‪ ،‬ف�إ ْن ي�ش أ� الله‬
‫ب�سبب ما اكت�سبتم ِمن المعا�صي والذنوب‪ ،‬ويعفو عن‬ ‫‪ -‬يا محمد‪ -‬ع َدم �صدور القر�آن عنك يختم على قلبك‬
‫فلم تقدر أ�ن تنطق بحرف واحد منه‪ ،‬وحيث لم يكن‬
‫كثير‪ ،‬فلا يعاقبكم عليه‪.‬‬ ‫كذلك؛ بل تواتر الوحي عليك حين ًا بعد حين‪ ،‬تب َّي �أنه‬
‫من عند الله تعالى‪ ،‬والله تعالى يمحو الباطل ويثبت الح َّق‬
‫‪ ٣١‬وما أ�نتم بمعجزين ر َّبكم �إذا �أراد عقوب َتكم؛‬ ‫بكلماته‪� ،‬إ ّن الله عالم بما في �صدور خلقه‪ ،‬وما تنطوي‬
‫ألنكم في قب�ض ِة ت�ص ُّرفه‪ ،‬وما لكم ِم ْن دون الله ِم ْن وليٍّ‬
‫عليه �ضمائرهم‪ ،‬لا يخفى عليه �شيء‪.‬‬
‫ولا ن�صير‪.‬‬
‫‪ ٢٥‬والله تعالى يقبل توب َة العبد‪ ،‬إ�ذا رجع إ�لى الله‬
‫‪486‬‬ ‫وطاعته‪ ،‬ويعفو عن معا�صيه التي تاب منها‪ ،‬و َيعلم‬
‫ر ُّبكم ‪� -‬أيها النا�س‪ -‬ما‪ ‬تفعلون ِم ْن خير و�ش ٍّر‪ ،‬وهو‬
‫مجازيكم عليه‪ ،‬فاحذروا أ�ن ترتكبوا ما ت�ستحقون به‬

‫العقوبة‪.‬‬

‫‪ ٢٦‬وي�ستجيب الله دعا َء الم ؤ�منين ودعاء بع�ضهم‬
‫لبع�ض‪ ،‬العاملين بما أ�مرهم الله‪ ،‬الـ ُمن َتهين ع ّما نهاهم‬
‫عنه‪ ،‬ويزيدهم الله مع �إجابته دعاءهم‪ ،‬ب�أن يعطيهم مالم‬

‫ي�س�ألوه‪ ،‬والكافرون لهم يوم القيامة عذاب �شديد‪.‬‬

‫‪ ٢٧‬ولو و�َّسع الله الرز َق لجميع عباده لط َغوا في‬
‫ا ألر�ض وع�صوا وتك َّبوا‪ ،‬ولكنه َيب�سط الرزق لمن ي�شاء‬
‫و ُي�ض ِّيقه على َم ْن ي�شاء‪ ،‬إ� ّن الله عالم بما ُي�صلح عباده‪،‬‬

‫ب�صي ٌر بتدبير �ش ؤ�ونهم‪.‬‬

‫‪ ٢٨‬والله هو الذي ين ِّزل الغيث‪ ،‬فيبع ُث فيكم ا ألم َل‬

‫الله من ثواب ا آلخرة‪ ،‬خير للذين آ�منوا وعلى ربهم‬ ‫‪ ٣٣ ٣٢‬ومن ا آليات الدا َّلة على قدرته؛ ال�سف ُن‬
‫يتوكلون‪.‬‬ ‫الجارية في البحر كالجبال‪ ،‬وهي تحت ت�ص ُّرفه؛ ف إ� ْن �شاء‬
‫أ� ّل تجري‪� ،‬أ�ْس َك َن الريح‪ ،‬فو َق ْف َن على ظهر الماء‪� ،‬إ َّن في‬
‫‪ ٣٩ - ٣٧‬والذين يجتنبون كبائ َر الذنوب كال�شرك‬ ‫هذا ا ألمر لعظ ًة وعبرة‪ ،‬على قدرة الله على ما ي�شاء‪ ،‬لك ِّل‬
‫بالله‪ ،‬ويجتنبون الفواح� َش كالزنا‪ ،‬و�إذا �أغ�ضبهم �أح ٌد‪،‬‬
‫فهم يتجاوزون و َي�صفحون‪ ،‬طلب ًا لثواب الله‪ .‬والذين‬ ‫ذي �صبر على طاعة الله‪� ،‬شكو ٍر لنعمه‪ ،‬وهو الم ؤ�من‪.‬‬
‫�أجابوا ر َّبهم حين دعاهم إ�لى توحيده وعبادته‪ ،‬و أ� َّدوا‬
‫ال�صلا َة على َو ْجهها ا ألكمل في �أوقاتها‪ ،‬و�إذا �أه َّمهم‬ ‫‪ ٣٤‬و�إ ْن ي�ش�أ اللهُيجع ِل الريا َح عوا�ص َف ف ُيغرق ال�سفن‬
‫َأ� ْم ٌر ت�شاوروا وتنا�صحوا فيه‪ ،‬ومما رزقناهم من الطيبات‬ ‫ب َم ْن فيها؛ وذلك بما ك�سب �أه ُلها من الذنوب‪ ،‬وي�صفح‬
‫ينفقون‪ .‬والذين �إذا َبغى عليهم ُم ْعت ٍد ينت�صرون للح ِّق‪،‬‬
‫الله عن كثير من ذنو ِب عباده فلا ي ؤ�اخذهم بها‪.‬‬
‫ِمن غير أ�َ ْن يعتدوا‪.‬‬
‫‪ ٣٥‬ويعلم الكافرون بالله المجادلون في �صدق ر�سله‬
‫‪ ٤٠‬وجزا ُء الم�سيء أ� ْن ُيعا َق َب بمثل ما َجنى فلا ُيقت�ُّص‬ ‫إ�ذا بقي ِت ال�سف ُن رواك َد‪� ،‬أو �إذا تو�َّسطوا البحر وغ�شيتهم‬
‫ِم ْن أ�حد إ�لا بمقدار جنايته‪ ،‬ف َم ْن عفا ع َّمن �أ�ساء إ�ليه‪ ،‬فلم‬
‫َيقت�َّص منه ابتغا َء وجه الله‪ ،‬ف�أج ُر عفوه على الله‪� ،‬إ َّن الله‬ ‫العوا�صف أ�نهم لا ملج�أ لهم �سوى الله‪.‬‬

‫لا يح ُّب الظالمين‪ ،‬الذين يعتدون على النا�س‪.‬‬ ‫‪ ٣٦‬فما �ُأعطيتم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ِ -‬من زينة الدنيا‪ِ ،‬من‬
‫ما ٍل وجا ٍه وبنين‪ ،‬فما هو �إلا َمتا ٌع قلي ٌل زائ ٌل‪ ،‬وما عند‬
‫‪ ٤١‬و َلـ َمن انت�صر لنف�سه ممن َظ َل َمه ف أ�ولئك لا م�ؤا َخذ َة‬
‫عليهم بعقوبة؛ ألنهم انت�صروا منه بح ٍّق‪.‬‬

‫‪ ٤٢‬إ�نما الم ؤ�اخذ ُة والعقاب على الذين يعتدون على‬
‫النا�س بغير ح ّق‪ ،‬ويتجاوزون حقو َقهم التي أ�باحها الله‬
‫لهم‪ ،‬ويف�سدون في ا ألر�ض بغير الح ّق‪ ،‬فه ؤ�لاء الظلم ُة‬

‫لهم عذا ٌب ُموج ٌع في جهنم‪.‬‬

‫‪ ٤٣‬و َلـ َم ْن �صبر على ا إل�ساءة‪ ،‬و َغفر للم�سيء فلم‬
‫يقت�َّص منه؛ ابتغاء وجه الله‪ ،‬وجزيل ثوابه‪� ،‬إ َّن ذلك ِمن‬
‫َع ْزم ا ألمور التي َن َد َب اللهُ �إليها عباده‪ ،‬ور َّتب عليها‬

‫ثواب ًا جزيل ًا‪.‬‬

‫‪ ٤٤‬و َم ْن َي ْحكم اللهُب�ضلاله‪ ،‬فلي�س له ِم ْن �أحد ي�س ّدده‬
‫ويهديه‪ .‬وترى الكافرين ‪ -‬يا محمد‪ -‬لـ ّما َر�َأوا عذاب‬
‫الله‪ ،‬يقولون‪ :‬ر َّبنا هل لنا ِم ْن رجوع إ�لى الدنيا؛ لنعمل‬
‫عمل ًا �صالح ًا غير الذي كنا نعمل؟ فلا يجابون إ�لى ذلك!‬

‫‪487‬‬

‫‪ ٥٠ ٤٩‬لله �سلطا ُن ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬يت�ص َّر ُف‬ ‫‪ ٤٥‬وترى ‪ -‬يا محمد‪ -‬الكافرين ُيع َر�ضون على‬
‫فيهما بما يريد‪ ،‬ويخلق ما ي�شاء‪َ ،‬ي َه ُب �سبحانه ِم ْن ف�ضله‪،‬‬ ‫جهنم خائفين مما يلحقهم ِمن الذ ِّل وقد �أَطرقوا‬
‫ِلـ َمن ي�شاء ِم ْن َخلقه ا إلنا َث دون الذكور‪ ،‬و َي َه ُب ِلـ َم ْن‬
‫ي�شاء منهم الذكو َر فقط دون ا إلناث‪� ،‬أو يجمع لمن ي�شاء‬ ‫بر�ؤو�سهم لا يوا ِجهون ب�أب�صارهم �أحداً ولا ينظرون‬
‫بين الذكور وا إلناث‪ ،‬ويجع ُل َم ْن ي�شاء عقيم ًا لا ُيولد‬ ‫�إ ّل ِخ ْف َي ًة‪ .‬وقال الم ؤ�منون في الجنة ‪ -‬لـ ّما عاينوا ما ح َّل‬
‫بالكفار ِمن خ�سران‪ :-‬إ� َّن الخا�سرين هم الذين خ�سروا‬
‫له‪ ،‬إ� َّن الله �سبحانه عليم‪ ،‬قدي ٌر على ما يريد‪.‬‬ ‫�أنف َ�سهم و أ�هليهم يوم القيامة‪� .‬أ َل إ� َّن الكافرين في عذا ٍب‬

‫‪ ٥١‬ما �ص َّح بوج ٍه ِمن الوجوه لب�ش ٍر ِمن بني �آدم �أ ْن‬ ‫دائم م�ستم ٍّر ال‪ ‬ينقطع عنهم‪ ،‬ولا يزول ولا يخ َّفف‪.‬‬
‫يك ِّلمه الله‪� ،‬إلا وحي ًا يوحيه إ�ليه كيف �شاء‪� ،‬إلقا ًء في‬
‫القلب‪� ،‬أو �إلهام ًا‪� ،‬أو غيره‪� ،‬أو يك ِّل َمه ِم ْن وراء حجاب‬ ‫‪ ٤٦‬وما كان له�ؤلاء الكافرين �أعوا ٌن ولا ُن�صراء‬
‫‪ -‬كما ك ّلم مو�سى عليه ال�سلام‪ -‬بحيث ي�سمع كلا َمه‬
‫ولا يراه‪ ،‬أ�و ُير ِ�س َل الله ِم ْن ملائكته ر�سول ًا ‪ -‬وهو‬ ‫َي ْدفعون عنهم عذاب الله‪ .‬و َم ْن ي�ضلل الله ‪ -‬ب أ� ْن َيخذله‬
‫الغالب‪ -‬فيوحي إ�لى المر�َسل إ�ليه‪ ،‬ما �شاء الله �أ ْن يوحيه‪،‬‬ ‫وال‪ ‬يو ِّفقه لطريق الح ّق والهداية‪ -‬فلي�س له ِمن طريق‬

‫إ� َّن الله ذو عل ٍّو واقتدا ٍر‪ ،‬وذو حكمة في تدبير َخ ْلقه‪.‬‬ ‫للنجاة ِمن العذاب‪.‬‬

‫‪� ٤٧‬أَجيبوا ‪� -‬أيها النا�س‪ -‬داعي الله محمداً ‪- -‬‬

‫وا ّت ِبعوه‪ ،‬على ما جاءكم به ِم ْن عند ربكم‪ِ ،‬م ْن قبل أ�ن ي أ�تي‬
‫يوم القيامة الذي لا َيقدر أ�حد على ر ِّده و َد ْفعه‪ ،‬وما لكم‬
‫ِم ْن ملج أٍ� يومئ ٍذ تلت ِج ُئون �إليه‪ ،‬فتعت�صموا به ِم ْن عذاب‬

‫الله‪ ،‬وما لكم ِمن نا�ص ٍر يغ ِّي ما يح ُّل بكم ِم ْن عقابه‪.‬‬

‫‪ ٤٨‬ف إ� ْن أ�عر�ض ه�ؤلاء الكافرون ع ّما أ�ت ْيتهم به ِمن‬
‫الح ّق وال ُّر�شد‪ ،‬فلم ي�ستجيبوا لك ف َد ْعهم؛ ف�إ ّنا لم نر�سلك‬
‫رقيب ًا عليهم‪ ،‬تحفظ أ�عما َلهم و ُت�صيها‪ ،‬وما عليك �إ ّل أ�ن‬

‫تب ِّلغهم الر�سالة‪ ،‬وقد ب َّلغ َت ‪ -‬وفي هذا َت�سلي ٌة للر�سول‬
‫‪ ‬وت أ�ني�س له‪ -‬و�إذا �أعطينا ا إلن�سان من ف�ضلنا نعم ًة‬
‫ِم ْن غن ًى وجا ٍه و أ�م ٍن وغير ذلك َف ِرح و َب ِطر ألجلها‬
‫وا�ستك َب‪ ،‬و إ� ْن �أ�صابته م�صيبة ِم ْن فق ٍر ومر�ٍض وخو ٍف‬
‫وغير ذلك؛ ب�سبب ما قدم ْت يداه من المعا�صي وا آلثام‪،‬‬
‫ف إ� َّن الإن�سان كثير الجحود لنعم ربه‪ُ ،‬يع ِّدد الم�صائب‬

‫ويت�س َّخط عليها‪ ،‬وين�سى النعم‪.‬‬

‫‪488‬‬

‫‪َ ٢‬أ� ْق َ�س َم الله تعالى بالقر آ�ن الوا�ضح الجل ِّي‪ ،‬الـ ُمظهر‬
‫لطريق الهداية‪ ،‬وما ُيحتاج إ�ليه من ال�شريعة‪.‬‬

‫‪� ٣‬إ ّنا �أنزلنا القر آ�ن بل�سان العرب؛ لكي تفهموه‪،‬‬
‫ولتعقلوا معانيه‪ ،‬وتعملوا بما جاء به‪.‬‬

‫‪ ٤‬و�إ َّن هذا القر آ�ن ُم ْث َبت في اللوح المحفوظ‪ ،‬وهو‬
‫عندنا رفيع ال�ش�أن‪ ،‬وهو ذو ِحكم ٍة با ِلغ ٍة؛ لا اختلاف‬

‫فيه وال‪ ‬تناق�ض‪.‬‬

‫‪� ٥‬أَ َفنتر ُككم ‪ -‬أ�يها الم�شركون‪ -‬فلا ُنذ ِّكركم بعقابنا‬
‫ولا بعذابنا ِم ْن �أجل أ�نكم قوم ُم ْف ِرطون في الكفر‬
‫متمادون في الإعرا�ض عن الح ّق؟! لا‪ ،‬بل َن ِعظكم‬

‫ونذ ِّكركم بالقر آ�ن‪.‬‬

‫‪ ٨ - ٦‬ولقد �أر�سلنا كثيراً من الأنبياء �إلى ا ألمم‬ ‫‪ ٥٣ ٥٢‬وكما �أوحينا �إلى الر�سل ِمن قبلك‪ ،‬أَ�وحينا‬
‫قبلك ‪ -‬يا محمد‪ -‬وما ي�أتي هذه ا ألم َم ِمن نب ٍّي إ�لا كانوا‬
‫به ي�سخرون وي�ستهزئون كا�ستهزاء قومك بك؛ فلا‬ ‫إ�ليك ‪ -‬يا محمد‪ -‬هذا القر�آ َن الذي تحيا به القلوب‪،‬‬
‫َي ْع ُظم ّن عليك ذلك‪ .‬ولقد أ�هلكنا المك ِّذبين بما فعلوا‬ ‫ب�أَ ْمرنا و�إرادتنا‪ ،‬ما كن َت تعرف القر آ� َن و أ�حكامه ولا‬
‫ب أ�نبيائهم وكانوا �أ�ش َّد ِم ْن قومك قو ًة وبط�ش ًا‪ ،‬وهكذا‬ ‫ا إليما َن ‪ -‬أ�ي على التف�صيل الذي �ُ ِش َع لك في القر�آن‪-‬‬
‫َج َر ْت �ُس َّنة الله و َم َ�ضت عقوب ُة ا أل َّولين ب�أن �ُأهلكوا‬ ‫ولك ْن جعلنا هذا القر�آن نوراً م�ضيئ ًا‪ ،‬نهدي به َم ْن ن�شاء‬
‫ِم ْن عبادنا إ�لى الدين الحق‪ ،‬و�إنك ‪ -‬يا محمد‪َ -‬ل ُت�شد إ�لى‬
‫ب�سبب كفرهم وا�ستهزائهم ب أ�نبيائهم‪.‬‬ ‫الطريق الم�ستقيم ‪ -‬وهو الإ�سلام‪ -‬دي ِن‪ ‬الله الذي له ُملك‬
‫جميع ما في ال�سماوات والأر�ض‪ ،‬ال‪� ‬شريك له في ملك‬
‫‪ ٩‬ولئن �س أ�ل َت ‪ -‬يا ر�سول الله‪ -‬ه�ؤلاء الم�شركين ِم ْن‬
‫قومك‪َ :‬م ْن َخ َل َق ال�سماوات والأر�ض؟ لي ُقو ُل ّن‪ :‬خلقه َّن‬ ‫ذلك‪ ،‬أ� َل إ�لى الله ترجع �أمو ُركم أ�يها النا�س في الآخرة‪،‬‬
‫الله العزيز في �سلطانه‪ ،‬العليم الذي لا يخفى عليه �شيء‬ ‫فيق�ضي بينكم بالعدل؛ ألنه لا حاك َم وال‪� ‬سلطان‪ ‬غيره‪.‬‬

‫فيهن‪.‬‬

‫‪ ١٠‬الذي َم َّهد لكم ا ألر�ض‪ ،‬فجعلها لكم ِوطا ًء‪،‬‬
‫َت�شون عليها‪ ،‬وجعل لكم فيها ُط ُرق ًا �صالحة لمعا�شكم؛‬
‫لعلكم تهتدون �إلى خالقها بما ب َّثه فيها ِمن ا آليات‬

‫وعجائب الخلق‪.‬‬

‫‪} ١‬ﮀ{ �سب َق الكلا ُم على هذه الحروف‬
‫الـ ُمق ّطعة في �أول �سورة البقرة‪.‬‬

‫‪489‬‬

‫وعباده‪ ،‬بنا ٍت لله‪ ،‬ف�أن َّثوهم‪�َ .‬أ َح َ�ضوا َخ ْل َقهم حتى‬ ‫‪ ١١‬وهو الذي ن ّزل من ال�سماء ماء بمقدا ٍر ُمع َّي اقت�ضته‬
‫يعرفوا ِجن َ�سهم؟! �س ُتكتب �شهاد ُتهم التي هي بغير ح ٍّق‬ ‫حكم ُته‪ ،‬ف�أحيا به بلدة ُ ْم ِدبة‪ ،‬لا نبا َت فيها ولا زرع‪،‬‬
‫و أ�خرج به ِمن الزرع والثمر رزق ًا لكم‪ .‬إ� َّن الذي �أحيا‬
‫ولا برهان‪ ،‬و ُي�س�ألون عنها يوم الح�ساب‪.‬‬ ‫الأر�َض بعد موتها لقادر على بعثكم و�إخراجكم ِم ْن‬

‫‪ ٢٠‬وقال ه�ؤلاء الم�شركون‪ :‬لو �شاء الرحمن ما َع َبدنا‬ ‫قبوركم �أحيا ًء بعد مماتكم‪.‬‬
‫�أوثا َننا‪� ،‬إ َذ ْن فالله را�ٍض عن عبادتنا �إيّاها‪ .‬ما لهم بما‬
‫يقولون ِم ْن علم‪ ،‬و إ�نما َيكذبون فيما قالوا؛ ألنهم لا َخ َب‬ ‫‪ ١٢‬وهو الذي َخ َل َق أ��صناف المخلوقات ك ّلها من‬
‫الحيوان والنبات‪ ،‬و َح ِف َظ ا�ستمرا َر وجودها بالتزاوج‬
‫عندهم ِمن الله‪ ،‬ولا برهان‪.‬‬ ‫والتنا�سل‪ ،‬و َج َع َل لكم ِمن ال�سفن ما تركبونه في البحار‪،‬‬
‫و ِمن ا ألنعام ما تركبونه في ال َ ِّب؛ لبلوغ مقا�صدكم‬
‫‪� ٢١‬أَ ْم هل �آتينا ه ؤ�لاء المك ِّذبين‪ ،‬كتاب ًا ِم ْن َق ْب ِل القر آ�ن‪،‬‬
‫ب�أن يعبدوا غي َر الله‪ ،‬فهم به م�ستم�سكون يعملون بما فيه‪،‬‬ ‫وق�ضا ِء‪ ‬حاجاتكم‪.‬‬

‫ويحت ُّجون به عليك يا محمد؟‬ ‫‪ ١٤ ١٣‬و�س َّخر لكم ذلك لكي ت�ستووا على ظهور‬
‫‪ ٢٢‬لي�س الأم ُر كذلك‪ ،‬إ�ذ لا دلي َل لهم ِم ْن عق ٍل أ�و‬ ‫ما تركبون‪ ،‬ثم تتفكروا في نعمة الله التي �أنعمها عليكم‪،‬‬
‫َن ْق ٍل على ما يزعمون‪ ،‬ولكنهم قالوا‪ :‬وجدنا �آبا َءنا على‬ ‫بت�سخيره ذلك لكم‪ ،‬إ�ذا ا�ستويتم عليه‪ ،‬ف َتحمدوه‬
‫دين و ِم َّل ٍة‪ ،‬فنحن �سائرون على منهاجهم‪ ،‬مقتدون بهم‪،‬‬ ‫وتع ِّظموه‪ ،‬وتقولوا‪ :‬الحمد لله الذي َخ َل َق هذا وذ َّللـه‬
‫لنا‪ ،‬وما كنا ل ُركوبه ُم ِطيقين لولا ت�سخي ُره‪ ،‬و�إ ّنا إ�لى ر ِّبنا‬
‫نعبد ما كانوا يعبدون ِمن ا ألوثان وا أل�صنام‪.‬‬
‫راجعون بعد َماتنا‪.‬‬

‫‪ ١٥‬وا َّدعى الم�شركون لله ِمن َخ ْلقه ن�صيب ًا‪ ،‬وذلك‬
‫قولهم‪ :‬الملائك ُة بنات الله‪ .‬إ� َّن الكافر لظاهر الجحود‪،‬‬

‫�شدي ُد ا إلنكار ِل ِنعم ر ِّبه التي �أنعمها عليه‪.‬‬

‫‪ ١٦‬أَ� ِم اتخذ ر ُّبكم �أيها الجاهلون مما يخلق بنا ٍت‬
‫لنف�سه؟ وخ َّ�صكم بالبنين ف َجعلهم لكم كما تزعمون؟!‬

‫‪ ١٧‬و�إذا ُب�ِّش أ�ح ُد الم�شركين بولاد ِة ما ن�سبوه لل ِه من‬
‫البنات‪� ،‬صار وج ُهه م�سوداً ِمن �سو ِء الب�شارة‪ ،‬وهو‬
‫حزي ٌن ممتل ٌئ غيظ ًا وغ ّم ًا‪ ،‬فكيف ت أ�نفون �أنتم ِمن ذلك‬

‫وتن�ُسبونه إ�لى الله تعالى؟!‬

‫‪ ١٨‬أ�ين ُ�سبون �إلى الله البنا ِت اللواتي ُير َّبين في الزينة‬
‫والنعمة‪ ،‬وه َّن عند الخ�صام والجدال لا تكاد َتظهر‬

‫ُح ّجته َّن!‬

‫‪ ١٩‬وجعل الم�شركون بالله الملائك َة الذين هم َخ ْل ُقه‬

‫‪490‬‬

‫�إ ّل ِمن الله الذي خلقني‪ ،‬ف�إنه �سيهديني للدين الح ِّق‪،‬‬ ‫‪ ٢٣‬وكذلك لم نر�سل َقبلك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬إ�لى‬
‫ويوفقني لاتباعه‪.‬‬ ‫�أهل قرية ر�سل ًا‪ُ ،‬تنذرهم عقابنا على كفرهم بنا؛ �إ ّل قال‬
‫ر�ؤ�سا�ؤهم وكبرا ؤ�هم حين أ�نذرتهم ر�سلنا‪� :‬إ ّنا وجدنا‬
‫‪ ٢٨‬و َجعل إ�براهي ُم كلم َة التوحيد والبراءة ِمن ال�شرك‬ ‫آ�باءنا على ِم ّل ٍة ودي ٍن‪ ،‬و�إ ّنا �سائرون على منهاجهم‬
‫بالله ‪ -‬ب إ�علانه لها وو�صيته ألبنائه و َمن بعدهم بها‪-‬‬
‫كلم ًة باقي ًة في ذريته‪ ،‬فلا يزال َم ْن يو�صي بها‪ ،‬رجا َء �أَ ْن‬ ‫وطريقتهم مقتدون بفعلهم‪ ،‬نعبد ما كانوا يعبدون‪.‬‬

‫يرجع َم ْن أ��شرك بالله منهم إ�لى عبادة الله وحده‪.‬‬ ‫‪ ٢٤‬قال ك ُّل نذير ِم ْن أ�ولئك المر�سلين ألمته‪ :‬لو‬
‫‪ ٢٩‬بل م ّتع ُت ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬ه�ؤلاء الم�شركين ِم ْن‬ ‫جئتكم بدين �َأ ْهدى �إلى �سبيل الر�شاد‪ ،‬مما وجدتم عليه‬
‫قومك‪ ،‬و�آبا َءهم ِم ْن قبلهم في الحياة‪ ،‬فلم أُ�عاجلهم‬ ‫�آباءكم ِمن الدين والملة أ� ُت ِ� ُّصون على اتباعهم؟ ف�أجابت‬
‫بالعقوبة على كفرهم؛ حتى جاءهم القر�آن يب ِّي لهم‬ ‫الأمـ ُم المك ِّذب ُة ر�سلها بنف�س الجواب‪� :‬إنا بما أ�ُر�سلتم به‬
‫بالحجج أ�نك ر�سو ٌل ُم ِح ٌّق فيما تقول‪ ،‬وي�شرع لهم ما‬ ‫كافرون‪ ،‬وعلى الدين الذي كان عليه �آبا�ؤنا‪ ‬م�ستم ُّرون‪.‬‬
‫‪ ٢٥‬فانتقمنا ِم ْن ه�ؤلاء الذين ك َّذبوا ر�س َلهم وكفروا‬
‫يحتاجون �إليه ِمن �أ ْمر الدين‪.‬‬ ‫بربهم‪ ،‬ب�إحلال العقوبة بهم‪ ،‬فانظر ‪ -‬يا محمد‪ -‬كيف‬
‫‪ ٣٠‬ولـ ّما جاءهم القر�آن ِم ْن عند الله بلاغ ًا على ل�سان‬ ‫كان �آخر �أمرهم‪� ،‬ألم نهلكهم فنجعلهم ِعبرة لغيرهم؟!‬
‫ر�سوله ‪ - -‬قالوا‪ :‬هذا الذي جاءنا به محم ٌد �سح ٌر‬
‫َي�سحرنا به‪ ،‬ولي�س بوحي ِمن الله‪ ،‬و إ� ّنا به جاحدون‪،‬‬ ‫‪ ٢٧ ٢٦‬واذكر حين قال إ�براهيم ألبيه وقومه‪ ،‬الذين‬
‫كانوا يعبدون الأوثان وا أل�صنام‪ :‬إ�نني بري ٌء مما تعبدون‪،‬‬
‫ننكر أ� ْن يكون ِمن عند الله‪.‬‬

‫‪ ٣١‬وقال الم�شركون من قري�ش ‪ -‬على �سبيل العناد‬
‫والح�سد‪ :-‬ه ّل ُن ِّزل هذا القر آ�ن على رجل كثي ِر المال‬

‫عظي ِم الجاه ِمن مكة �أو الطائف؟!‬
‫‪� ٣٢‬أب�أيدي ه�ؤلاء �أم ُر النب ّو ِة وا�صطفاء َم ْن ي�صلح لها؟‬
‫نحن نختار للنب ّوة َم ْن ن�شاء ِم ْن عبادنا و َن ْق ِ�سم رحمتنا‬
‫وكرامتنا‪ ،‬كما َق َ�سمنا بينهم الأرزا َق وا ألقوات في‬
‫حياتهم الدنيا‪ ،‬فجعلنا هذا غن ّي ًا وهذا فقيراً‪ .‬وجعلنا‬
‫بع َ�ضهم في الدنيا �أرف َع ِم ْن بع�ض درج ًة؛ ليكون بع�ضهم‬
‫في خدمة بع�ض‪ ،‬ف ُي ِفيد ك ُّل واحد ِمن غيره في أ�مور‬
‫المعا�ش‪ .‬ونعم ُة الله عليك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬خي ٌر مما‬

‫يجمع ه ؤ�لاء ِم ْن حطام الدنيا‪.‬‬

‫‪ ٣٣‬ولولا �أ ْن يفتتن النا�س بمظاهر الحياة الدنيا فيكونوا‬
‫جماع ًة واحدة على الكفر لَـ َجعلنا ‪ -‬لهوان الدنيا علينا‬
‫و ِق َّلة مقدارها عندنا‪ُ� -‬س ُق َف بيوت الكافرين ِمن ف ّ�ضة‪،‬‬
‫و َلـ َجعلنا لها مراقي و َد َرج ًا من ف ّ�ض ٍة كذلك‪ ،‬عليها‬

‫ي�صعدون‪.‬‬

‫‪491‬‬


Click to View FlipBook Version