ولو أ�يقنوا بذلك َلـ َما خافوا التخ ُّطف منه بعد ا إليمان. ٥١ولقد �أنزلنا آ�يات القر آ�ن مب ِّينة متتابعة بع�ضها �ِإثر
بع�ض بالمواعظ والزواجر ليتذ ّكروا فيفلحوا.
٥٨وكم أ�هلكنا ِم ْن �أهل قرية َط َغ ْت وتج ّبت ولم
ت�شكر ِن َعم الله عليها ،فتلك منازلهم باقية ا آلثار ٥٣ ٥٢الذين �آتيناهم الكتاب ِم ْن قبل نزول القر�آن
ي�شاهدونها في ا أل�سفار لم ي�سكنها �أحد إ�لا الم�سافر أ�و ِم ْن م�ؤمني أ�هل الكتاب ،هم بمحمد - -وبالقر�آن
الما ّر بالطريق يوم ًا أ�و �ساعة ،وكان الله تعالى هو الوارث ي ؤ�منون .و إ�ذا ُيتلى عليهم القر آ�ن قالوا :آ�منا به �إنه الح ُّق
ِم ْن عند ربنا؛ ِلـ َما عرفوا في كتابهم من �صفة النبي
لما خ َّلفه ه ؤ�لاء بعد� إهلاكهم. وكتابه� ،إ ّنا كنا ِم ْن َقبل تن ُّزل القر آ�ن متم�سكين بدين
٥٩وما كان ِم ْن �ُس ّنة ربك في عباده أ�ن يهلك القرى ا إل�سلام ،م�ؤمنين بمحمد .
الظالم َة ،إ� ّل بعد أ�ن يبعث في �أم تلك القرى -وهي
�أ�صلها و�أعظمها -ر�سول ًا يتلو عليهم آ�يات الله المنزلات، ٥٤أ�ولئك ُيع َطون أ�جرهم م ّرتين ب�صبرهم على الإيمان
ويب ِّلغهم دعوته ،ويقيم الحج َة ويقطع المع ِذرة ،وما كان بالتوراة وا إليمان بالقر�آن ،ويدفعون الـ َخ�صل َة القبيحة
ربك ُمه ِل َك القرى بعد إ�ر�سال الر�سل� ،إ ّل و أ�هلها بالـ َخ�صل ِة الح�سنة ،فيدفعون ا ألذى بال�ِّسلم ،والمع�صي َة
م�ستحقون العذاب بظلمهم ،وهو إ��صرارهم على الكفر
والمعا�صي والعناد ،بعد الإعذار إ�ليهم .وهذا تنبي ٌه ألهل بالطاعة ،ومما رزقناهم يت�ص ّدقون.
مكة التي هي أ�م القرى ،ولمن حولها؛ ل َيحذروا عاقب َة ما
٥٥و�إذا �سمعوا الباطل �أو ال�شت َم من الم�شركين؛
هم عليه من الكفر. أ�عر�ضوا عنه وقالوا لأ�صحاب ال ّلغو :لنا �أعما ُلنا
و ُنحا�َسب عليها ،ولكم �أعمالكم و ُتا�سبون عليها،
392 �سلا ٌم و أ�ما ٌن م ّنا لكم ،لا نقابل لغ َوكم بمثله ،لا نريد
محاور َة الجاهلين وجدالهم.
٥٦إ� ّنك -يا محمد -لا تقدر َأ� ْن ُتد ِخ َل في الإ�سلام
ك َّل َمن �أحبب َت أَ� ْن يدخل ِم ْن قومك وغيرهم ،ولكن الله
يخلق الهداية في قلب َم ْن ي�شاء ،وهو أ�علم بمن يختار
هدايته ويقبلها.
٥٧وقال بع�ُض كفار قري�ش :إ� ْن ن ّتبع الهدى و َندخ ْل
معك في هذا الدين تخطفنا العرب و ُتخرجنا من
أ�ر�ضنا ،فر ّد الله تعالى عليهم :أ� َولم نجعل مكا َنهم حرم ًا
ذا َ�أم ٍن ب ُح ْرمة البيت ،ي أ�من فيه �ساكنوه ،و َمن يلتجئ
�إليه من غيرهم -بينما ال ي�أمن َم ْن حولهم ِم ْن �أهل
القرى كما ي أ�منونُ -يجمع و ُيجلب إ�لى هذا الحرم ِم ْن
ك ِّل جهة ثمرا ُت ك ِّل �صنف ونوع ،نعم ًة ِم ْن عندنا؟!
ولك ّن أ�كثر َهم َج َهل ٌة لا يعلمون أ�ن ذلك رز ٌق من عند
الله ،و أ�نه �سبحانه هو الذي م َّكن الحرم لهم ،مع �ِشكهم،
اليوم �شريك ًا ين�صركم ويخ ّل�صكم مما نزل بكم؟ ٦٠و�أ ّي �شيء ُأ�عطيتم من �أ�سباب الدنيا و َملا ِّذها،
وتعلق ْت به نفو�ُسكم فما هو إ� ّل متا ٌع وزينة� ،أيام ًا
٦٣قال الذين ح ّق عليهم العذا ُب ،وهم �أئمة قلائل ،وهي م ّدة الحياة الفانية .وما عند الله من النعيم
الكفر الذين َتع َّي عليهم الجواب :ربنا ه�ؤلاء ا ألتباع الدائم الذي تنالونه في ا آلخرة ثواب ًا لأعمالكم خي ٌر ِم ْن
الذين َد َعوناهم إ�لى الغ ِّي ،أ��ضللناهم بطري ِق الو�سو�س ِة ذلك؛ ألن ل ّذته ل ّذ ٌة خال�صة عن النواق�ص وال�شوائب
والت�سويل ،لا با إلكراه وا إللجاء ،ف�ض ُّلوا باختيارهم كما والنقائ�ص ،أ�فلا تعقلون أ� ّن الباقي خير من الفاني و أ� َّن
�ضللنا ،تب ّر�أنا إ�ليك منهم فيما اختاروه من الكفر .ولـ َّما ا�ستبدال الذي هو أ�دنى بالذي هو خير �سفاه ٌة وخرو ٌج
كان الطائ ُع ألئمة الكفر في كفرهم و�ضلالهم ُي َ�ص ِّي
�أئم َة الكفر بمنزلة المعبود ،قال أ�ئمة الكفر :ربنا إ�نهم لم عن ُمقت�ضى العقل؟
يعبدونا ،بل كانوا يعبدون أ�هواءهم ويطيعون �شهواتهم.
٦١أ�ف َم ْن وعدناه وعداً ح�سن ًا ،وهو الجنة؛ فهو
٦٤وقيل للم�شركين :ادعوا الذين اتخذتموهم �شركا َء مدركه لا َمحال َة ،كمن م ّتعناه متا َع الحياة الدنيا الذي
لله ل ُيخ ِّل�صوكم من العذاب؛ فد َعوهم فلم يجيبوهم هو َم ُ�شوب بال َك َدر والمتاعب ،ثم هو يوم القيامة من
لعجزهم عن ا إلجابة وال ُّن�صرة ،ولـ ّما ر�أوا العذاب يوم
القيامة َتنوا �أنهم كانوا ي�ستجيبون لداعي الهدى في المح َ�ضين للح�ساب والعقاب.
الدنيا. ٦٢واذك ْر � -أيها الر�سول -يوم ينادي الله الكفا َر ندا َء
توبي ٍخ ،فيقول لهم :أ�ين �شركائي الذين كنتم تزعمون في
٦٦ ٦٥واذك ْر -أ�يها الر�سول -يوم ينادي الله الدنيا أ�نهم �شركائي ،فتعبدونهم ِم ْن دوني؟ هل تجدون
الم�شركين فيقول :ما كان جوابكم لمن �ُأر�سل إ�ليكم من
النب ِّيين؟ ف َخ ِفي ْت عليهم الـ ُحجج وا ألعذار� ،إذ لم يكن 393
لهم عذر ولا ُح ّجة ،فهم لا ي�س�أل بع ُ�ضهم بع�ض ًا عن
جواب يجيبون به؛ ِل َف ْرط الحيرة والده�شة.
٦٧ف أ� ّما َم ْن تاب ِمن ال�شرك و آ�من بربه وبر�سوله الذي
�أر�سله إ�ليه ،و َج َم َع بين الإيمان والعم ِل ال�صالح ،فع�سى
�أن يكون من الفائزين عند الله بالنعيم المقيم.
٦٩ ٦٨ور ُّبك يخلق ما ي�شاء أ�ن يخلقه ،فلا إ�يجا َب
عليه م ْن أ�حد ،ويختار ما ي�شاء اختيا َره ،لي�س لهم أ� ْن
يعتر�ضوا على الله في اختياره َم ْن ير�سله بر�سالته ،تن َّزه
اللهُ أ�ن ينازعه �أحد ،وتعالى عن �إ�شراكهم .ور ُّبك يعلم ما
ُت�ضمر �صد ُورهم ِم ْن عداو ٍة لك -أ�يها الر�سول -وما
يعلنون ِم ْن َمطاعنهم فيك.
٧٠وهو الله الم�ست�أ ِثر با أللوهية المخت�ُّص بها ،لا معبو َد
بح ٍّق �إلا هو ،له الحمد في الدنيا والآخرة ،وله الق�ضا ُء بين
عباده ،و�إليه وحده ُير ّد الخلق جميع ًا بالبعث والن�شور.
� ٧٦إ َّن قارون كان من قوم مو�سى؛ ف َظ َلمهم وت َ�س َّلط ٧١قل -أ�يها الر�سول� :-أخبروني أ�يها النا�س إ� ْن جعل
عليهم ،و آ�تيناه من الكنوز ما إ� َّن مفاتحه َل َيـ ْث ُق ُل َحم ُلها الله عليكم الليل دائم ًا لا نها َر فيه إ�لى يوم القيامة ،هل
على الجماعة ا ألقوياء من الرجال؛ فعند ذلك ن�صحه إ�ل ٌه غي ُر الله ي�أتيكم بنها ٍر ت�ستقيم به حياتكم وت�سعون فيه
عقلاء قومه وقالوا له :لا َتبط ْر وتتعا َل �إعجاب ًا بكثرة لتحقيق معاي�شكم ،وت�صريف �ش ؤ�ونكم؟ �أفلا ت�سمعون
ما آ�تاك الله من المال� ،إ ّن الله لا يح ُّب ال َب ِط ِرين الذين لا ما َأ�ر�شدناكم إ�ليه �سما َع تد ُّب ٍر وا�ستب�صار ،تهتدون به إ�لى
عبادة الله الذي بيده وحده ذلك ،و�إلى َن ْفي ال�شركاء عنه؟
ي�شكرون الله على نعمه ويتك ّبون بها على عباده.
٧٢قل � -أيها الر�سول -لهم� :أخبروني إ� ْن جعل الله
٧٧وال َت ِم� ْس فيما آ�تاك اللهُ من المال والثرو ِة الدا َر عليكم النهار دائم ًا لا لي َل معه إ�لى يوم القيامة؛ هل
ا آلخر َة ب أ�ن تت�صدق على الفقراء و َت�صل الرحم ،ولا
َت ْن� َس أ�ن ت�أخذ بن�صيبك من الدنيا ،ف إ�نك لا ُتلام عليه إ�ل ٌه غي ُر الله ي�أتيكم بليل ت�ستقرون فيه و َت ْنتظم به �أمور
-وهو ما يكفيك وي�صلحك منها -و أ� ْح ِ�س ْن إ�لى عباد حياتكم؟ أ�فلا تب�صرون �آيات الله الم�شهود َة في كونه،
الله وا�ست ْع ِمل ِن َعم الله في طاعته ،ولا َت ْطلب الف�ساد في
ا ألر�ض بالظلم والبغي و�إنفاق المال في المعا�صي؛ �إ ّن الله ال ّدال َة على قدرته تعالى ورحمته ووحدانيته؟
لا َير�ضى ِفعل المف�سدين. ٧٣و ِم ْن آ�ثار رحمة الله بكم �أَ ْن جعل لكم الليل
والنهار يتعاقبان بال ُّظلمة وال�ضياء؛ لت�سكنوا في الليل،
394 ولتبتغوا ِم ْن ف�ضله بالنهار ب أ�نواع المكا�سب؛ لكي تعرفوا
نعم َة الله في ذلك فت�شكروه عليها.
٧٤ويوم القيامة ينادي الله الم�شركين؛ فيقول مو ّبخ ًا
وم ؤ� ّنب ًا لهم :أ�ين �شركائي الذين كنتم تزعمون في الدنيا
أ�نهم� شركائي؟
٧٥و�أخ َرجنا من كل �أمة �شهيداً ،وهو نب ُّيهم ،ي�شهد
عليهم ب أ�نه ب ّلغهم ر�سالة ر ّبهم و َن َ�صح لهم ،فقلنا للأمم
التي خالف ْت أ�نبيا َءها بعد أ�ن �شهد ْت عليهم �أنبيا ؤ�هم
بالبلاغ وال ُّن�صح :هاتوا برهانكم على �صحة ما كنتم
عليه من ال�شرك ومخالف ِة �أنبيائكم ،فعجزوا عن ا إلتيان
بالبرهان وعلموا أ� ّن الـ ُح ّجة البالغ َة لله عليهم ،و�أ ّن الح َّق
لله ،وغاب عنهم ما كانوا ي َّدعونه و َيختلقون ِمن �ُألوهية
غير الله و�شفاع ِة آ�لهتهم ،ألنه َو ْهم لا حقيقة له ،ولم ُي ْغ ِن
عنهم �شيئ ًا بل �ض ّرهم و أَ� ْ�صلاهم النا َر.
وبر�سله ،و َع ِمل ا ألعمال ال�صالحة ،خي ٌر مما أ�وتي قارون،
ولا ُي َل ّقى هذه القوة والعزيمة في الدين �إلا ال�صابرون على
الطاعات وعن ال�شهوات وزينة الدنيا.
81ف َخ�سفنا بقارون وبداره الأر�َض ،فما كان له من
جماعة يمنعونه من عذاب الله ،وما كان من الممتن ِعين مما
نزل به ِمن الخ�سف.
82و�صار الذين تم ّنوا منزل َة قارون من الدنيا با ألم�س 78قال قارون� :إ ّنا �أوتي ُت الما َل على ا�ستحقا ٍق م ّني
متع ّجبين مما فعل اللهُ به ،نادمين على ما تم َّنوه ،يقولون: وعل ٍم بوجوه َت�صيله و َجمعه ،فقال اللهَ� :أ َو َلـم يكن
َو ْيلنا ،إ� ّن الله بحكمته وق�ضائه يب�سط الرزق لمن ي�شاء من ُجملة العلم الذي عنده :أ� ّن الله قد أ�هلك ِم ْن قبله
و ُي�ض ّيقه على َم ْن ي�شاء لا لكرام ٍة تقت�ضي ال َب�س َط ولا ِم َن القرون َم ْن هو �أ�ش ُّد منه و أ�قوى و أ�غنى و�أكث ُر جمع ًا
ل َهوا ٍن يقت�ضي الت�ضيي َق ب ْل ك ُّل ذلك ابتلا ٌء وفتن ٌة، للمال؟ ولا ُي�س أ�ل المجرمون عن ذنوبهم إ�ذا أ�راد الله
وقالوا :لولا أَ� ْن َم َّن الله علينا بف�ضله وكرمه ب�أنه لم �إهلاكهم ِلعلمه تعالى بعملهم .وفي هذا تهدي ٌد و إ�نذا ٌر
يجعلنا مثل قارون لخ�سف بنا كما خ�سف به ،ح ّق ًا إ� ّنه
للمجرمين أ�ن ُي ؤ�خذوا بغت ًة.
لا يفلح الكافرون.
79فخرج قارون على قومه في زينته ،قال الذين
83تلك الدار العظيم ُة التي �َس ِمع َت َخبرها وبلغك
و�ص ُفها ،وهي الجنة ،نجعلها للذين لا يريدون تك ُّباً في غ ّرتهم مظاهر الحياة الدنيا وزين ُتها :يا ليت لنا ِمث َل
الأر�ض ولا عمل ًا بالمعا�صي كحا ِل فرعون وقارون؛ ما ُأ�عطي قارون من المال والجاه� ،إنه لذو ح ٍّظ عظيم
والعاقب ُة المحمود ُة للمتقين. من الدنيا.
َ 84م ْن جاء بالح�سنة فله خير منها ب�أن ُن�ضاعفها له،
و ُنثيبه عليها ثواب ًا عظيم ًا ،و َم ْن جاء بما لا ير�ضاه الله
تعالى فلاُ يجزون إ� ّل جزا َء عملهم ،و ِم ْن َف�ضله العظيم
�أ ّل يجزي ال�سيئ َة إ� ّل مث َلها ،ويجزي الح�سن َة بع�شر �أمثالها
إ�لى �سبعمائة�ِ ضعف �إلى أ��ضعا ٍف كثيرة.
80وقال الذين أ�وتوا العلم بالله وبما َو َعد في ا آلخرة:
احذروا الهلا َك ،ثوا ُب الله في ا آلخرة لمن آ�من به
395
3ولقد فت ّنا الذين من قبلهم من �أَتباع ا ألنبياء؛ 85يقول الح ُّق ج َّل جلاله لر�سوله :إ� ّن الذي �أنزل
فل ُيظه َر َّن اللهُ بالابتلاء والامتحان الذين �ص َدقوا في عليك القر آ�ن و�َأ ْوج َب عليك تلاو َته وتبلي َغه والعم َل بما
الإيمان بالثبات عليه ،وليعلم َّن الكاذبين بالرجوع عنه. فيهَ ،ل َرا ُّدك �إلى بلدك -مكة -فاتح ًا بعد أ�ن ُت ْخرج منها.
قل له�ؤلاء الم�شركين :ربي �أعلم ب َم ْن جاء بالح ِّق ،و أ�علم
4أ�م َظ َّن الذين يعملون ال�سيئات ِمن ال�شرك ب َم ْن هو في �ضلا ٍل وا�ض ٍح ،وهم أ�نتم ،و�سيجا َزى كل
والمعا�صي و إ�ذاية الم�سلمين أ�ن ُي ْع ِجزونا فلا نقدر على
عقابهم ،بئ�س ما ُيق ِّدرون ويظنون في ح ِّق الله تعالى �أ ّن فريق بما ي�ستحقه.
86وما كن َت -يا محمد -ت ْأ� ُم ُل أ�ن يوحى إ�ليك
�شيئ ًا َي ُفوته �أو ُيعجزه ،وهو القادر على كل �شيء. القر�آن ،لك َّن الله أ�لقاه إ�ليك؛ رحم ًة منه ،فلا تكون َّن ُمعين ًا
َ 5م ْن كان ي�أ ُمل في ثواب الله ويخا ُف ح�سابه أ�و للكافرين على دينهم بمداراتهم والإجاب ِة �إلى طلبا ِتهم.
ف�إ َّن الوقت الذي َع َّينه الله لهذه البع َث في الآخرة ينتظر 87ولا يمنع ّنك كي ُد ه�ؤلاء و�أذاهم عن العمل ب آ�يات
الزمان المح َّدد له ،وهو ال�سميع َلآ ٍت لا َمحال َة في الغاية الله وتبليغها بعد �إذ أ�نزلها ربك �إليك ،وا ْد ُع �إلى توحيده
وعبادته ،ولا تكون َّن من الم�شركين .وفي هذه ا آلية والتي
ِلـ َما يقوله عباده ،العليم بما يفعلونه ،فلا يفوته �شيء. قبلها َق ْط ٌع ألطماع م�شركي مكة �أن يميل �إليهم النب ُّي
6و َم ْن جاه َد نف َ�سه بال�صبر على م�شا ِّق الطاعات، أ�دنى َميل فيما يطلبون �أو �أ ْن ُيداريهم.
والبعد عن المعا�صي ومذمو ِم ال�شهوات ،ف إ�نما يجاهد 88ولا تعب ْد مع الله معبوداً آ�خر ،ف إ�نه لا معبود بح ٍّق
لنف�سه؛ ألن منفع َة ذلك وثوابه راج ٌع �إليه� ،إ ّن الله لغن ٌّي �سوى الله؛ إ�ذ لا خال َق ولا راز َق ولا ُمعطي ولا مانع �إ ّل
هو �سبحانه ،ك ُّل �شيء كائن ًا ما كان فا ٍن زائ ٌل إ� ّل ذاته
عن العالمين. المق َّد�سة ف�إنها موجودة باقية ي�ستحيل في حقها الفناء،
له الق�ضاء الناف ُذ في َخلقه ،و�إليه يرجعون عند َب ْعثهم
يوم القيامة ليجزي المح�سن ب إ�ح�سانه والم�سيء ب إ��ساءته.
والخطا ُب في ا آلية للنبي ،والمق�صود �أهل ِدينه،
وذلك لع�صمته وا�ستحالة �صدور ال�شرك منه.
} 1ﮡ{� :سب َق الكلا ُم على هذه الحروف
الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة.
َ� 2أ َظ َّن النا� ُس �أن ُيتركوا على ما هم عليه
لمجرد قو ِلهم :آ�منا بالله دون أ�ن ُيختبروا في دينهم
بالابتلاءات؟! َك ّل لنختبر ّنهم بما ن�شاء من الم�صائب،
وم�شا ِّق الأوامر والنواهيِ ،ل ُنبين المخ ِل�َص من المنافق،
وال�صاد َق من الكاذب.
396
10و ِمن ال َّنا�س َم ْن يقول آ�م ّنا بالله ،فيدخل في ُجملة 7والذين آ�منوا وعملوا ال�صالحات ل ُنذهب َّن عنهم �إ ْث َم
الم�سلمين ،ف�إذا م�َّسه أ�ذى ِمن ال َكفرة ،ب�َأ ْن ع َّذبوه على ما كانوا عليه قبل إ��سلامهم من �شر ٍك ومعا�ٍص ،ول ُن ِثيب َّنهم
الإيمانَ ،ج ِز َع ِمن ذلك و�س َّوى ل َ�ضعف �إيمانه بين ما َأ�ح�سن مثوبة على ما كانوا يعملون من ا ألعمال ال�صالحة
هو فيه ِمن العذاب وبين عذاب الله في ا آلخرة ،ولم
في ا إل�سلام وما قبله.
ي�صبر على الأذى؛ فارت َّد عن الإيمان اتقا ًء لهذا العذاب
العاجل ،ولا م�ساوا َة بين هذا العذاب الذي ا ّتقاه في 8و أ�َ َم ْرنا الإن�سان بتعا ُهد والديه وا إلح�سا ِن �إليهما.
الدنيا وما َينتظر الكافرين من عذاب الل ِه في الآخرة، و إ� ْن ب َذلا الجه َد في َح ْملك على �أن ت�شرك بي �شيئ ًا؛ فلا
ولئن جاء ن�صرٌ من ربك للم�ؤمنين �أو َغنيمة َليقو ُل َّن :إ� ّنا ت�ستج ْب لهما في ذلك؛ �إذ لا طاع َة لمخلوق في مع�صية
كنا متابعين لكم في دينكم ثابتين عليه؛ ف أ�عطونا ن�صيب ًا الخالق� ،إليَّ َمعا ُدكم وم�صيركمَ :من َأ�ح�س َن إ�لى والديه
و َم ْن أ��ساء ،و َم ْن �آمن منكم و َمن أ��شرك ،ف أ�ُخبركم بما كنتم
من الـ َمغنم ،أ� َولي�س الله ب�أعلم بما في �صدور العالمين من
ا إلخلا�ص أ�و النفاق؟! تعملون و�ُأجازيكم عليه.
11ول ُيظهر ّن اللهُ تعالى ما يعلم ِمن حا ِل الم ؤ�منين 9والذين َثبتوا على ا إليمان وعلى عم ِل ال�صالحات
بما َيظهر منهم ِمن الثبات عند الـ ِم َحن التي يمتحنهم ل ُندخل َّنهم في ُجمل ِة عبادنا ال�صالحين ،الذين ر ِ�ضينا
الله بها ،ول ُيظهر ّن الله تعالى ما يعلم من حال المنافقين
عنهم ور�ضوا ع ّنا.
بع�صيانهم وارتدادهم عند البلايا والمحن.
397
12وقال الذين كفروا ِم ْن �صناديد قري�ش للذين
آ�منوا :ا ّت ِبعوا �سبي َلنا الذي َن�سلكه ،وهو الرجوع إ�لى
ديننا ،و َل َن�ضمن َّن لكم َح ْم َل �أوزاركم ،وما هم بحاملين
�شيئ ًا من أ�وزارهم ،و�إنهم لكاذبون في هذا الا ِّدعاء.
13وليحم ُل َّن أ�ثقا َل أ�نف ِ�سهم ب�سبب كفرهم و أ�ثقال ًا
�ُأ َخر غير التي �ضمنوا للم ؤ�منين حملها ،وهي �أثقال
الذين كانوا �سبب ًا في �ضلالهم ،ول ُي�س أ� ُل َّن يوم القيامة ع ّما
كانوا َي ْختلقون من الأكاذيب وا ألباطيل التي أ��ضلوا بها
�أتبا َعهم و�ص ُّدوهم عن �سواء ال�سبيل.
14ولقد �أر�سلنا نوح ًا إ�لى قومه ف أ�قام فيهم يدعوهم
�إلى عبادة الله وتوحيده أ�ل َف �سنة إ�لا خم�سين عام ًا ،فلم
ي�ستجيبوا و أ��صروا على التكذيب ،ف أ�غرقهم طوفا ُن الماء
وهم ظالمون �أنف َ�سهم بالكفر وال�شرك.
�إن�شائها وفي �إن�شاء ما يخرج منها وما يعي�ش فيها؛ لتعرفوا 15ف�أنجينا نوح ًا و َم ْن تبعه ممن كان معه في ال�سفينة،
وجع ْلنا هذه ال�سفينة ِعبر ًة و ِعظة للعالمين ي ّتعظون بها.
عظي َم قدرة الله بالم�شاهدة ،ثم هو �سبحانه كما بد أ�كم
ُين�شئكم مر ًة أ�خرى بعد موتكم ،إ�نه على كل �شيء قدير؛ 16و�أر�سلنا �إبراهي َم -عليه ال�ّسلام -فقال لقومه:
�أخ ِل�صوا العباد َة لله وحده واتقوه ،ذلكم خير لكم مما
فلا ُيعجزه �شيء �أراده.
�أنتم عليه من الكفر ،إ� ْن كان لكم علم بم�صلحتكم و َتيي ٌز
ُ 21يع ِّذب َم ْن ي�شاء ب َعدله ،ويرحم َم ْن ي�شاء ب َف�ضله، لما هو خي ٌر لكم مما هو �ش ٌّر لكم.
و�إليه ُتر ّدون للح�ساب والعقاب.
17إ� ّنا تعبدون ِم ْن دون الله أ��صنام ًا ت�صنعونها
22وما �أنتم بم ْف ِلتين من العذاب �إ ْن هربتم في الأر�ض ب أ�يديكم وتزعمون أ�نها آ�لهة كذب ًا؟! إ� ّن الذين تعبدون
الف�سيح ِة أ�و كنتم في ال�سماء التي هي َأ�ف�س ُح و�أَب�سط لو ِم ْن دون الله لا ي�ستطيعون �أن يرزقوكم �شيئ ًا من الرزق،
ا�ستطعتم الو�صو َل �إليها وال ّتح�صن بها ،وما لكم ِم ْن دون فاطلبوا عند الله الرز َق؛ ف إ�نه القادر على ذلك ،و َتو�َّسلوا
الله ِم ْن وليٍّيتولى �أموركم ،ولا نا�ص ٍر يمنعكم ِم ْن عذابه. �إلى َمطالبكم بعبادته ،مق ِّيدين لما خ ّ�صكم به من النعم
ب�ُشكره� ،إلى الله ُت َر ّدون ِم ْن بعد َماتكم ،فا�ستعدوا للقائه
23والذين كفروا بدلائ ِل الل ِه على وحدانيته أ�و بكتبه
�أو معجزاته ،وكفروا بلقائه ،أ�ولئك يئ�سوا ِم ْن عفوي بعبادته وال�شك ِر له على �أَ ْن ُعمه.
ومغفرتي ،و�أولئك لهم عذا ٌب �ألي ٌم موج ِـ ٌع. 18و�إ ْن تك ِّذبوني ،ف�إ َّن تكذي َبكم لا ي�ض ّرني ،ف�إ َّن
ال ُّر�سل َقبلي قد ك َّذبتهم ُ�أممهم وما �ض ّروهم ،و�إنما �ض ّروا
أ�نف َ�سهم حيث ح َّل بهم العذاب .وما على الر�سول
إ�لا �َأ ْن يبلغ ما ُأ�ر�سل به بلاغ ًا وا�ضح ًا لا خفا َء فيه ،وما
عليه أ�ن ُي�ص ِّدقه قومه بل هم الم�س ؤ�ولون عن ذلك ،وقد
خرج ُت ِم ْن ُع ْهدة التبليغ ،ب أ�ن ب َّلغتكم بلاغا ب ِّين ًا لا َمزي َد
عليه ،فلا ي�ض ُّرني تكذيبكم بعد ذلك.
19أ� َولم َي َر ه ؤ�لاء الكفار المنكرون للبعث كيف ُين�شئ
اللهُالخلق ابتدا ًء بعد �أن لم يكن؟ ولـ ّما كان الكفار يرون
ذلك و ُيق ُّرون به ،أ�خبرهم الله تعالى أ�نه يعيده بعد َفنائه
ويبعثه مر ًة �أخرى للح�ساب ،و أ� ّن الإعادة بعد ا إلفناء
ي�سيرة على قدرة الله.
20قل -أ�يها الر�سول -لكفا ِر قو ِم َك المنكرين
للبعث� :سيروا في ا ألر�ض فانظروا عجائ َب القدرة في
398
26ف�ص ّدق لو ٌط بر�سالة �إبراهيم و أ�َ�سلم له ،وقال
�إبراهيم :إ�ني مهاج ٌر �إلى حيث أ�مرني ربي بالهجرة،
�إنه هو العزيز الذي يمنعني من �أعدائي ،الحكي ُم الذي لا
ي�أمرني إ� ّل بما هو خير لي.
27ووهبنا لإبراهيم اب َنه �إ�سحاق وحفي َده يعقوب 24فما كان جوا َب قوم �إبراهيم حين دعاهم إ�لى الله
ابن �إ�سحاق -عليهم ال�سلام -وجعلنا في ذرية �إبراهيم إ� ّل �أن قال بع ُ�ضهم لبع�ض :اقتلوه �أو ح ّرقوه؛ ف أ�نجاه الله
من النار حين قذفوه فيها؛ ب أ�ن جعلها َب ْرداً و�سلام ًا عليه،
وما َتنا�سل منه ا ألنبيا َء والكت َب ال�سماوية ،و�آتيناه الثنا َء إ� َّن في َج ْع ِل الل ِه النا َر برداً و�سلام ًا على �إبراهيم و إ�نجا ِء الل ِه
الـ َح َ�سن في الدنيا ،و إ�نه في ا آلخرة لفي ُزمرة ال ّ�صالحين. له آليا ٍت لقوم ي ؤ�منون بوجوده �سبحانه وبعجيب قدرته
28واذك ْر -يا محم ُد -ق�ص َة نبينا لوط ًا إ�ذ أ�ر�سلناه وخف ِّي لطفه وتدبيره.
لقومه فقال لهم� :إنكم لت أ�تون ال ِف ْعلة البالغ َة في ال ُقبح ،لم
25وقال �إبراهي ُم لقومه� :إ ّنا ا ّتخذتم ِم ْن دون الله
َيفعلها أ�حد ِم ْن قبلكم! أ��صنام ًا �آلهة ِل َتجتمعوا على عبادتها وتتفقوا عليها
ا�ستبقا ًء للمو َّد ِة بينكم ،ثم يوم القيامة تتبر أ� ا أل�صنام
� 29أ إ�نكم لت أ�تون الرجال �شهو ًة ِم ْن دون الن�ساء، ِم ْن عاب ِديها ،وتتبر�أ القادة من ا ألتباع ،ويلعن ا ألتبا ُع
وتتع ّر�ضون للم�سافرين بالقتل و�أخ ِذ المال كما هو �ش أ� ُن قادتهم الذين كانوا ُيلزمونهم بعبادة ا ألوثان و ُيزينون
ُق ّطاع الطرق ،وت أ�تون في َمل�سكم الذي تجتمعون لهم عبادتها ،وحينئ ٍذ يكون م�أوى الجميع النار ،وما
فيه ا ألعما َل المن َكرة كال�سخرية من النا�س ور ْم ِي الما ّرة لأح ٍد منهم ِمن نا�ص ٍر يحميه فيك�شف عنه عذا َب ر ّبه
بالح�صى و�إيذائهم بما لا يليق من الأقوال وا ألفعال؟ فما
الذي لا كا�شف له إ�لا هو.
كان جوا َب قوم لوط إ� ّل أ�ن قالوا م�ستهزئين ُم َت َح ِّدين:
ائتنا بعذاب الله ،إ� ْن كن َت من ال�صادقين فيما َتع ُدنا ِمن 399
نزول العذاب.
30قال لوط :ر ِّب ان�صرني على القوم المف�سدين الذين
�أف�سدوا �أنف َ�سهم ب َ�شنيع ما يفعلون ،و ُيكرهون غيرهم
على المعا�صي الفواح�ش.
31ولـ ّما جاءت الملائك ُة إ�براهي َم يب�ّشونه ب�أن الله
�سي ؤ�تيه ولداً ِم ْن زوجته �سارة ،وهو �إ�سحاق ،ثم ِم ْن
إ��سحا َق ول َده يعقو َب ،قالت الملائكة إلبراهيم بعد �أن
ب�ّشوه :إ� ّنا ُمه ِلكو أ�ه ِل قرية قوم لوط ،وهي �َس ُدوم،
إ� ّن �أهلها كانوا ظالمي أ�نف�سهم ظلم ًا ي�ستحقون عليه
الإهلا َك والتعذيب.
32قال إ�براهيم-عليهال�سلام-للملائكةَ :أ�تُه ِلكونهم
وفيهم نب ُّي الله لوط؟! قالت الملائكة :نحن �أعلم بمن
فيها ،ل ُن َن ّجي ّنه و�أه َله من الهلاك الذي �سينزل بقريته �إ ّل
امر�أ َته كانت من الباقين في العذاب.
37فك ّذ َب �أه ُل َم ْدين �شعيب ًا فيما جاءهم به ِم ْن 33ولـ ّما جاءت الملائك ُة لوط ًا في �صورة رجال،
عند الله؛ ف أ�خذتهم ال َّزلزل ُة ال�شديد ُة التي َرجف ْت ولم يعرف أ�نهم ملائكة؛ �ساءه َمي ُئهم وغ َّمه؛ مخاف َة أ�ن
منها قلوبهم ،ف أ��صبحوا في دارهم واقعين على يق�صدهم قو ُمه ب�سوء ،و َ�ض ُعف ْت ق ّو ُته و ِحيل ُته عن تدبير
َخلا�صهم ،وقالوا لـ ّما ر�أوا فيه �أثر ال َّ�ضجر والخوف:
الأر�ض هالكين. ال تخ ْف ولا تحز ْن فلن يتمكنوا م َّنا ،و أَ�ع َلموه �أنهم
ملائكة ،وقالوا له� :إ ّنا من ُّجوك من العذاب الناز ِل
38و أ�هلكنا عاداً وثمود ،وقد تب ّي لكم يا أ�هل بقومك وم َن ُّجو �أهلك مع َك �إ ّل امر�أتك ،ف�إنها هالك ٌة
مكة في �أ�سفاركم �آثا ُر م�ساكنهم وما َلـ ِح َقهم من
ال ّدمار ،وز ّين ال�شيطان لعا ٍد وثمو َد أ�عمالهم من الكفر فيمن يهلك ِم ْن قومها
والمعا�صي؛ ف�ص ّدهم عن الطريق الذي �ُأمروا ب�سلوكه،
وهو الإيمان بالله ور�سوله ،وقد كانوا متمكنين من النظر 34إ� ّنا منزلون على �أهل هذه القرية عذاب ًا من ال�سماء
ب�سبب ف�سقهم وارتكا ِبهم الفاح�شة.
والا�ستب�صا ِر وتمييز الحق من الباطل ،ولكنهم لم يفعلوا.
35ولقد �أبقينا ِم ْن قرى قوم لوط آ�ثار منازلهم المد َّمرة
الـ َخ ِربةِ ،عبر ًة ظاهر ًة وعلام ًة وا�ضح ًة لقوم ي�ستعملون
عقولهم في الاعتبار والا�ستب�صار.
36و�أر�سلنا �إلى َم ْدين �أخاهم �شعيب ًا ،فقال:
يا قوم اعبدوا الله وحده ،وخافوا اليو َم الآخر،
واعملوا بما ترجون به ثواب الله ،ولا تتمادوا فيما
�أنتم عليه من الف�ساد.
400
ت�أوي إ�ليه ،و إ� َّن بيتها في غاية ال�ضعف والوهن ال يدفع 39و�أهلكنا قارو َن وفرعون وهامان ،ولقد جاءهم
مو�سى بالدلالات الوا�ضحا ِت على ِ�صدقه؛ فا�ستكبروا
عنها ح ّراً ولا برداً فكذلك الأوثا ُن لا تملك لعابدها نفع ًا
ولا �ض ّراً؛ لو كانوا يعلمون �أ ّن هذا مث ُلهم و أ� ّن ما تم�ّسكوا في ا ألر�ض ،وما كانوا معجزين ر َّبهم وفائتين عذا َبه ،بل
أ�دركهم �أم ُر الله فلم يفوتوه.
به ِمن الدين َب َلغ هذه الغاية ِمن الوهن!
40فعاقبنا ك ّ ًل ِم ْن ه�ؤلاء المذكورين ب�سبب ذنبه؛
� 42إ َّن الله يعلم ما يعبدون ِم ْن دونه ِم ْن جميع فمنهم َم ْن �َأمطرنا عليهم حجار ًة ِمن ال�سماء ،وهم قوم
ا أل�شياء ،ويعلم عد َم �صلاحيتها لما ُي�ؤ ِّملونه منها ،وهو لوط ،ومنهم َم ْن �أخذته ال�صيح ُة؛ كثمود و�أهل مدين،
العزيز الغالب الذي لا �شريك له ،الحكي ُم في َت ْر ِك ومنهم َم ْن خ�سفنا به ا ألر�ض كقارون ،ومنهم َم ْن �أغرقنا
كقوم نوح وفرعو َن وقو ِمه ،وما كان الله ليظلمهم
الـ ُم َعا َجلة بالعقوبة.
فيعاقبهم بغير ذنب ،ولكن كانوا �أنف َ�سهم يظلمون
43وتلك ا ألمثال التي ذكرناها في القر�آن -والتي بالتع ُّر�ض للعذاب بالكفر والطغيان.
منها هذا المثل ال�ساب ُقَ -ن ْ�ضبها للنا�س �إر�شاداً لهم َ 41م َث ُل َم ْن أ��شرك بالله الأوثا َن في ال َّ�ضع ِف و�سو ِء
وتنبيه ًا وتقريب ًا لما قد َيب ُعد عن أ�فهامهم ،وما يعقلها إ� ّل الاختيار كمثل العنكبوت فيما تتخذه لنف�سها ِمن بي ٍت
العالمون بالل ِه و�صفات ِه و أ��سمائ ِه ،وبمواق ِع كلام ِه و ِحكم ِه.
44خلق اللهُ ال�سماوات وا ألر�ض بالحكم ِة والعدل
و ألم ٍر ح ٍّق ،ولم يخلقهما عبث ًا ،إ� ّن في ذلك لـ ُح ّج ًة
وا�ضح ًة للم ؤ�منين على وحدانية الله وقدرته و ِحكمته.
و ُخ�ّص الم ؤ�منون بالانتفاع بها؛ ألنهم هم المنتفعون بها
على الحقيقة.
45ات ُل � -أيها الر�سول -ما ُ�أوحي إ�ليك من القر آ�ن
تلاو َة َتد ُّبر واعتبا ٍر ،و ُد ْم على إ�قامة ال�صلاة ب إ�تقانها
ِفعل ًا وح�ضوراً وخ�شوع ًا ،إ� ّن ال�صلاة تنهى عن ا ألفعال
القبيح ِة؛ كالزنا و�شرب الخمر ونحوهما ،و َتنهى ع ّما
ُينكره ال�شرع ،و َل ِذ ْك ُر الل ِه في ال�صلاة وغيرها �أكب ُر في
النهي عن الفح�شاء والمنكر مما �سواه؛ لأن الانتهاء عن
المعا�صي لا يكون �إلا ِم ْن ذاك ٍر لله ُمراق ٍب له ،والله يعلم
ما ت�صنعون ِمن الخير والطاعة؛ فيثي ُبكم �أح�س َن الثواب.
401
51كيف يطلبون معجز ًة والقر آ�ن أ�عظم المعجزات 46ويا أ�يها الذين آ�منوا لا تجادلوا اليهو َد والن�صارى
و�أو�ضحها دلال ًة على �صحة النبوة ،فه ّل اكتفوا به؟ �إلا بالجميل من القول ،وهو الدعو ُة �إلى الله ب�آياته والتنبيه
وهو معجز ٌة م�ستمر ٌة بخلاف غي ِره من الآيات ،التي على ُحججه بال ِّلين والرفق� ،إلا الذين ظلموا وتجاوزوا
ي�شهدها َم ْن َح�ضرها ،و َت ِ�ص ُل لغيره بالخبر عنها ،والقر�آن الحدو َد في �أقوالهم و�أفعالهم فلكم ا إلغلا ُظ لهم في
القول ومعاملتهم بالمثل ،و�إذا ح ّدثكم �أه ُل الكتاب بما
أ�ي�ض ًا رحم ٌة وتذ ِكرة لمن تدبره. لم تتب ّينوا حاله مما في كتبهم فلا تتع َّر�ضوا له بت�صدي ٍق
52قل لهم :كفى بالله �شاهداً على �صدق ما أ� َّدعيه ولا بتكذي ٍب وقولوا� :آمنا بالذي �ُأنزل �إلينا من القر�آن،
وعلى تكذيبكم لي ،وهو الم َّطلع على �أمري و أ�مركم وبالذي أُ�نزل إ�ليكم من التوراة وا إلنجيل ،ومعبو ُدنا
يعلم ما �أنا عليه ِمن الحق ،وما �أنتم عليه ِمن الباطل ،لا
تخفى عليه خافي ٌة ،والذين �آمنوا بما �سوى الله وكفروا ومعبودكم واح ٌد ،ونحن له مطيعون خا�ضعون.
بالله و آ�ياته أ�ولئك هم البعيدون عن رحمة الله وهم
47وكما �أنزلنا الكت َب على َم ْن قبلك �أنزلنا إ�ليك
الخا�سرون في الدنيا وا آلخرة. يا ر�سول الله القر آ� َن ،فالذين �آتيناهم الكتاب ِم ْن قبلك ِم ْن
م�ؤمني �أهل الكتاب ي ؤ�منون ب�أننا �س َنبعث َك وي�ؤمنون بما
402 ُأ�نزل �إليك ،و ِم ْن أ�هل مكة َم ْن ي ؤ�من به ،وما يجحد ب�آياتنا
مع ظهورها إ�لا المتو ِّغلون في الكفر الم�ص ِّممون عليه.
48وما كن َت -يا ر�سول الله -قبل نزول القر�آن عليك
تقر�أ�شيئ ًامنالكتبال�سابقةولاتكت ُبها،ولوكن َتكذلك
َل َطعن الم�شركون فيما جئ َت به ،وقالوا� :إنما هذا �شيء َت َع َّلمه
وكتبه ،فمجي ُئ َك بهذا و أ�ن َت أ�ُ ّم ٌّي معجز ٌة ظاهر ٌة.
49بل في هذا الذي جاءك ِمن العلم دلائ ُل وا�ضحات
ُيودعها الله في �صدور الذين أ�وتوا العلم ،وما يجحد
نبو َة محمد - -وينكر معجز َة هذا الكتاب �إلا
المتجاوزون للحدود في المكابرة والف�ساد.
50وقال المك ِّذبون :ه ّل ُ�أنزل على محمد �آيا ٌت
ِم ْن ربه تكون ُح ّج ًة له علينا كما ُجعلت الناق ُة ل�صالح
والمائد ُة لعي�سى ،قل لهم� :إ ّن الله هو القادر وحده على
الت�أييد بالمعجزات ح�سبما �شاء ومتى �شاء ،و إ�نما �ش أ�ني
الإنذا ُر ولي�س �إنزا ُل ا آليات بيدي.
٥٧ولا ُتقيموا بدا ٍر لا ت�ستطيعون فيها إ�قام َة دينكم
وتتركوا الهجرة خوف ًا من الموت ،ف�إ ّن كل نف�س لابد
أ�ن تذوق المو َت ،و�إلينا بعد الموت ُتر ّدون للح�ساب
فا�ستعدوا لذلك.
٥٩ ٥٨والذين آ�منوا وعملوا ال�صالحات ل ُن�سكن ّنهم
مناز َل عالي ًة في الجنة ،تجري من تحتها الأنهار ،ماكثين
فيها أ�بداً ،و ِنعم جزا ُء العاملين بطاعة الله ،الذين �صبروا
على �أذى الم�شركين وعلى ُم َفارق ِة الأوطان وا أله ِل
والأموال ،ولم يتركوا دينهم ل�ش ّد ٍة لَـ ِحقتهم ،وعلى الله
يعتمدون وبن�صره يثقون.
الفق َر فكم من أ�و تخافوا الرز ِق ولا تهتموا ألم ِر ٦٠
ا ِّدخاره ولك ّن رزقها ولا َحمل �ضعيف ٍة لا ت�ستطيع دا ّب ٍة
الله يرزقها لحظ ًة بعد لحظ ٍة ،فكذلك يرزقكم حيث
كنتم ،والله لا يخفى عليه �شيء ِمن �أمور خلقه� ،سمي ٌع
ألقوالكم ،علي ٌم بما في �ضمائركم.
٦١ولئن �س�ألت -يا محمد -ه ؤ�لاء الم�شركينَ :م ْن ٥٣وي�ستعج ُلك بالعذاب ه�ؤلاء الذين يطلبون
خ َلق ال�سماوات والأر�ض ف�سواه ّن ،و�س ّخر ال�شم�س الآيات ،ولولا �أج ٌل مع َّي في �ساب ِق عل ِم الله في اللوح
والقمر يجريان دائبين لم�صالح عبا ِده؟ ليقو ُل ّن :الذي المحفوظ لجاءهم العذاب عاجل ًا ،ولي�أتينهم فج�أ ًة وهم
خلق ذلك وف َعله اللهُ ،ف�أ ّنى ُي�صرفون عن توحيده بعد
على َغفلتهم مقيمون.
إ�قرارهم بذلك؟
٥٤ي�ستعجلك -أ�يها الر�سول -ه�ؤلاء الم�شركون
٦٢الله و ْح َده بلا �شري ٍك يو�ِّسع في الرزق لمن ي�شاء ِم ْن بمجيء العذاب ونزو ِله بهم ،و إ� ّن جهنم يوم القيامة
َخلقه امتحان ًا ،وي�ض ّيق على َم ْن ي�شاء ابتلا ًء ،ك ُّل ذلك
جا ٍر على ِحكم ٍة لا ي َّطلع عليها النا�س ،إ� ّن الله عليم بمن جامع ٌة لهم ،لا َيبقى أ�ح ٌد منهم إ�لا دخلها.
لا َي�صلح له إ�لا ال�سعة في الرزق ،و َم ْن لا َي�صلح له إ�لا
ال�ضيق فيه ،ولا يخفى على الله حا ُلكم ولا حاجاتكم. ٥٥يوم يغ�شى الكافرين العذا ُب في جهنم ِم ْن جميع
الجهات ،ويقول الله لهم :ذوقوا جزاء �أعما ِلكم ال�سيئ ِة
٦٣ولئن �س�ألت -أ�يها الر�سول -ه ؤ�لاء الم�شركين:
َم ْن ن ّزل من ال�سحاب ما ًء ف�أخرج به من الأر�ض �أنواع في الدنيا.
النبات؟ ليقو ُل ّن :الله ،فكيف ي�شركون به؟ فقل لهم :لله
كما ُل ال�شك ِر والثنا ِء وهو أ�هله ،و إ�ليه التو ُّجه بالعبادة ٥٦يا عبادي الذين و ّحدوني و آ�منوا بي وبر�سولي
وحده ،ولك َّن أ�كثر النا�س لا يتفكرون في ِنعم الله محمد - -إ� ّن �أر�ضي وا�سع ٌة ،ف إ� ْن لم ت�ستطيعوا
إ�ظها َر عبادتي في مكا ٍن فاخرجوا �إلى غيره ،و�َأخ ِل�صوا
فيعقلوا ما يجب له ِمن ال�شكر والثناء.
لي العبادة والطاعة.
403
} ١ﮫ{� :سب َق الكلا ُم على هذه الحروف ٦٤وما هذه الحياة الدنيا �إلا ُغرور ينق�ضي عن
قريب ،كال�شيء الذي َي ْلعب به ال�صبيان يجتمعون عليه
الـ ُمق َّطعة في أ�ول �سورة البقرة. ويبتهجون به �ساع ًة ثم يتفرقون عنه مت َعبين ،و إ� ّن الدار
الآخر َة لهي الحياة الدائمة الخالدة .ولو كانوا يعلمون
َ ٥ - ٢غ َل َب ْت فار� ُس الرو َم في �أَدنى أ�ر�ض العرب
منهم -وهي أ�طراف ال�شام -والرو ُم ِمن بعد َغ َلب ِة فار�س حقيق َة الدارين لما اختاروا الفاني على الباقي وما �أ�شركوا
إ�ياهم �س َيغ ِلبون فار� َس ،وتكون الدول ُة لهم .و�سيكون
الن�صر في ِب ْ�ضع �سنين -والب�ضع من الثلاث �إلى الت�سع- بالله غيره ،ولكنهم لا يعلمون.
ويو َم تغلب الرو ُم فار� َس ،و ُينجز الله و ْع َده ،يفرح ٦٥وه�ؤلاء الم�شركون -على ما ُو ِ�صفوا به من
الم ؤ�منون أ�ي�ض ًا بن�صرهم على قري�ش ،ين ُ�ص الله �سبحانه الكفر� -إذا ركبوا �سفين ًة ِمن ال�سفن و َج َرت بهم في
َم ْن ي�شاء ِم ْن خلقه على َم ْن ي�شاء ،وهو القو ُّي الذي لا البحر وخافوا الغرق ،تو َّجهوا �إلى الله وحده ،طالبين منه
ُيغلب الرحيم بخلقه .وقد ح�صل ما �أخبر به الله تعالى. النجاة ولم ي�ستغيثوا بما يعبدون ِم ْن دون الله ،ولك ْن بالله
الذي خلقهم ،فلما خ ّل�صهم من تلك ال�شدة و�صاروا
�إلى البر عادوا إ�لى ما كانوا عليه من ال�شرك والعناد.
٦٦يعودون �إلى ما كانوا عليه ِمن ال�شرك ليكونوا
جاحدين ِنع َم الله عليهم ومنها نعمة ا إلنجاء من الغرق،
قا�صدين التم ُّت َع بها والتل ُّذ َذ لا غير ،ف�سوف يعلمون
عاقب َة كفرهم.
� ٦٧أ َولم يعلم ه ؤ�لاء الم�شركون �أنا جعلنا بل َدهم مك َة
م�صون ًا ِمن ال َّنهب والتعدي �سالم ًا أ�هله ِمن كل �سوء،
والنا� ُس من حولهم ُيعتدى عليهم قتل ًا و�َسبي ًا ،أَ� َف ِبال�شرك
بالله ُيق ُّرون ،وبنعمة الله التي خ َّ�صهم بها يجحدون؟!
٦٨ولا أ�حد أ�ظل ُم ممن اخ َتلق على الله كذب ًا -ب�َأ ْن
زعم له �شريك ًا أ�و َن َ�س َب �إليه ا ألمر بالفواح�ش -أ�و ك ّذ َب
بما بعث به ر�سوله محمداً � - -أ َل َي�ستو ِج ُب ه�ؤلاء
الم�شركون الخلو َد الدائم في جهنم بافترائهم على الله
وتكذيبهم الر�سول؟
٦٩والذين جاهدوا نفو�َسهم ِمن �أج ِلنا َلنهدي َّنهم
ُطر َق ال�سي ِر �إلينا ،و�إ ّن الله َلـ َمع المح�سنين بالن�صر والمعونة
في الدنيا والثواب والمغفرة في الآخرة.
404
� ٩أ َولم َيتن َّقلوا في ا ألر�ض فينظروا إ�لى َم�صارع
ا ألمم قبلهم فيعتبروا بهم؟ فقد كانوا أ��ش َّد منهم ق ّو ًة،
حرثوا ا ألر�َض و َك�شفوا عن بع�ض ذخائرها ،و َع َمروها
ب ُفنون العمارة �أكثر ِمن ِعمارة ه�ؤلاء ،وجاءتهم ر�ُسلهم
بال ُحجج الظاهرا ِت فك ّذبوهم ف أ�هلكهم الله ،فما كان
الله ليظلمهم ب أ�ن يد ّمرهم بلا �سبب ،أ�و ِمن غير إ�عذا ٍر،
ولك ْن كانوا �أنف�سهم يظلمون ،حيث ارتكبوا ما أ�دى
إ�لى تدمي ِرهم.
١٠ثم كان عاقب َة ه ؤ�لاء الذين أ��سا ؤ�وا بالكفر ٦و ْع ُد الله للم ؤ�منين واق ٌع لا َر ْي َب فيه ،وهو
والمعا�صي -بعد عقوبتهم في الدنيا بالدمار -العقوب ُة الُ يخلفهم لأنه لي�س في مواعيده ُخ ْلف ،ولك ّن �أكثر
التي هي َ�أ�سو أُ� العقوبات ،وهي النار التي �أع ّدها الله النا�س لا يعلمون أ� ّن و ْع َد الله ح ّق و أ� ّنه الُ ي ْخ ِلف الميعاد.
للكافرين ،ألنهم ك ّذبوا ب�آياته وكانوا ب ُحجج الله ور�سله
٧يعلمون ِم ْن َ�أ ْم ِر دنياهم ظاه َر ُه المتع ّلق بتدبير
َي�سخرون. َمعا�شهم وم�صالحهم ،و ُه ْم عن أ�مر الدار ا آلخرة والتز ّو ِد
لها من هذه الدنيا -للنجاة من عقاب الله ووعيده
١١الله �سبحانه وحده ُين�شئ المخلوقين ابتدا ًء ،ثم
ُيعيدهم بعد إ�فنائهم خلق ًا جديداً ،ثم إ�ليه بعد موتهم والفوز بوعده الجميل ونعيمه � -ساهون لاهون.
ُيح�شرون ِل َف ْ�ص ِل الق�ضاء بينهم. ٨أ�َ َولم يتف ّكر ه�ؤلاء المكذبون بالبعث ِم ْن قو ِمك في
�أنف�سهم وفيما أ�ودعه الله �إياها من دقائق ال ِحكمة وعجيب
١٢ويوم تقوم ال�ساعة يي�أ�س الم�شركون و َي�سكتون ال َّ�صنعة ،وفي الكون الف�سيح ِم ْن حولهم ليعلموا �أن الله ما
متح ِّيين. َخ َل َق ال�سماوا ِت وا ألر�ض وما بينهما عبث ًا ،و إ�نما خلقها
بالحق والحكمة البالغ ِة إ�لى �أج ٍل مق ّد ٍر َتفنى عنده ثم يكون
١٣ولم يكن لهم يو َم القيامة ِم ْن �شركائهم الذين البعث؟ و إ� َّن كثيراً ِم َن النا�س لجاحدون للحياة ا آلخرة
َعبدوهم ِم ْن دون الله �شفعا ُء ي�شفعون لهم ،وكانوا يومئذ
جاحدين لما َعبدوا ِم ْن دون الله متبرئين ِم ْن عبادتهم، منكرون للح�ساب والجزاء فيها.
�آ ِي ِ�سين ِم ْن َن ْفعهم.
١٤ويوم تجيء ال�ساع ُة و ُيح�شر الخل ُق يتف ّرق أ�ه ُل
ا إليمان بالله و أ�ه ُل الكفر و َي َتميز أ��صحا ُب الجنة من
أ��صحاب النار.
١٥ف�أ ّما الذين آ�منوا بالله ور�سوله وعملوا بما �أمرهم
به فهم في جن ٍة ذا ِت �أزها ٍر و أ�نها ٍر ُي�َ ّسون و ُيك َرمون.
405
والنهار ل َت�ْسكن أ�نف�ُسكم وترتاح أ�ج�سامكم ،وبع ُثكم ١٦و أ� ّما الذين جحدوا توحي َد الله وك ّذبوا ر�ُسله
فيهما لتبتغوا ِم ْن ف�ضل ربكم في َط َل ِب المعا�ش ،و إ� َّن في و�أنكرواال َبع َثبعدالممات،ف أ�ولئكفيالعذابمقيمون.
ذلك لعبر ًة لكم ودليل ًا متكرراً ِم ْن �أنف�سكم على البعث
بعد الموت لقو ٍم ي�سمعون �آيا ِت الله �سما َع تد ُّب ٍر واعتبار. ١٨ ١٧ف�سبحان الله تنزيه ًا له ع ّما لا يليق به،
٢٤و ِم ْن �أد َّلة قدرته �أن يريكم البر َق خوف ًا من والحمد لله �شكراً وثنا ًء كما هو �أ ْه ُله ،ت�سبيح ًا و َحمداً
ال�صواعق وطمع ًا في الغيث ،و ُين ِّزل من ال�سماء ما ًء يملآن ال�سماوات والأر�َض وما بينهما ،و َي�شغل
فيحيي به الأر�ض الميت َة ف ُت ْن ِب ُت ويخر ُج زرعها بعد الأوقا َت� :صبح ًا وظهراً و َع�ش ّي ًا وليل ًا .وقد جمعت
ُجدوبها و ُي ْب�سها ،إ� ّن في ِفعله ذلك كذلك َل ِعبراً و أ�دلة هاتان الآيتان أ�وقات ال�صلوات الخم�س المفرو�ضة:
لقو ٍم يعقلون عن الله حججه و�أد ّلته. حيث وقعت ا إل�شار ُة إ�لى ال�صبح والظهر بلفظهما،
406 و إ�لى الع�صر بالع�ش ِّي ،و إ�لى المغرب والع�شاء بالم�ساء.
١٩وهو القادر على �إخراج الح ِّي من الميت ،و إ�خراج
المي ِت من الح ِّي ،وعلى إ�حياء الأر�ض بعد موتها ،ولا
َر ْي َب �أن القادر على ا�ستمرار الحياة قاد ٌر على إ�خراجكم
من ا ألر�ض أ�حيا ًء بعد َماتكم.
٢٠و ِم ْن �آياته تعالى الدا َّل ِة على قدرته أ� ْن خ َلق
أ�باكم آ�دم ِم ْن ترا ٍب ،ثم إ�ذا �أنتم ب�شرٌ ِم ْن د ٍم ولح ٍم في
ا ألر�ض تنت�شرون.
٢١و ِمن آ�ياته �سبحانه أ�ن خ َل َق من َن ْف�س ِج ْن�سكم
و�َش ْك ِل أ�نف ِ�سكم زوجا ٍت لتطمئنوا �إليها ،وجعل بين
ا ألزواج التوا َّد والتراح َم� ،إ ّن في ذلك َل ِع َباً لقو ٍم يت�أملون
تلك الدلائل ويتفكرون فيها.
٢٢و ِم َن الـ ُحجج الدا َّل ِة على عظيم قدرته �سبحانه
َخ ْل ُق ال�سماوات وا ألر�ض ،واختلا ُف َمنط ِق أ�ل�سن ِتكم
ولغا ِتها ،واختلا ُف أ�لوا ِنكم و�صفاتكم ،إ� ّن في فعله
ذلك كذلك ألدل ًة ظاهر ًة لا تخفى على عاقل ،ينتفع بها
�أهل العلم والفهم.
٢٣و ِم ْن ُحججهالدا َّل ِة علىكمالقدرتهنو ُمكمبالليل
الذي ُيجري الأفعا َل على مقت�ضى ِحكمته.
�َ ٢٨ضب الله لكم � -أيها الم�شركون -مثل ًا بما تعرفونه
فيما بينكم فا�ست ِمعوا له :هل لكم مما ملك ْت أ�يما ُنكم ِمن
عبيدكم و�إما ِئكم �شركا ُء لكم في أ�موالكم و�أه ِلكم،
ف�أنتم و ُه ْم �سواء في الت�صرف فيه ،تخافون ه ؤ�لاء العبي َد
فلا تت�صرفون فيما تملكون دون إ�ذنهم ،كما َيخ�شى الح ُّر
أ�ن َي�ْس َتب َّد بالت�صرف فيما يملك دون �إ ْذن �شريكه؟! ف�إذا
لم تر�ضوا �أن ي�شارككم عبي ُدكم ون َّزهتم �أنف َ�سكم عن
ذلك ،فكيف تجعلون بع�ض َخ ْلقي وعبيدي �شركا َء لي في
ا�ستحقاق العبادة؟! كذلك نب ِّي الآيا ِت وا ألمثا َل ال َّدال َة
على وحدانيتنا لقوم يعقلون الحقائق ،فينتفعون بها.
٢٩ولي�س له ؤ�لاء الم�شركين حج ٌة في �إ�شراكهم ،بل ٢٥ومن �آياته قيا ُم ال�سماوات والأر�ض وا�ستم�سا ُكها
اتبعوا �أهواءهم بغير علم ،ف َم ْن يقدر على هداية َم ْن بغير َعم ٍد ،ثم �إذا دعاكم دعو ًة واحد ًة وقد �أ�صبحتم
أ��ضله الله؟ وما لهم من نا�صرين ُي َخ ِّل�صونهم من ال�ضلال تراب ًا وعظام ًا ،إ�ذا �أنتم تخرجون ِم ْن قبوركم �أحيا ًء كما
ويحفظونهم من آ�فاته. كنتم �أ ّول م َّرة.
٣٠ف�أخ ِل�ص -يا ر�سول الله -دي َنك لله �أنت و َم ْن ٢٦ولله م ْل ُك َم ْن في ال�سماوات والأر�ض ِم ْن م َل ٍك
تبعك ،مائل ًا عن كل ما �سواه من ا ألديان ،وا ْل َزموا ِفطر َة وج ٍّن و إ�ن� ٍس وحيوان ونبات وجماد ،وك ُّلهم منقادون
الله التي َخلق النا� َس عليها في أ��صل ن�ش أ�تهم -وهو ما
تقت�ضيه العقول ال�سليمة ،و�إنما كفر َم ْن كفر لعار�ٍض ل ِف ْعله فيهم لا يمتنعون عنه.
أ�خرجه عن أَ��صل ِفطرته -فما ينبغي أ�ن ُتب ّد َل تلك الفطر ُة
أ�و ُتغير ،ذلك الدين الذي لا ِعوج فيه ،ولك ّن أ�كثر النا�س ٢٧وهو الذي يخلق الخل َق �أول ًا ،ثم يعيدهم بعد
الموت للبعث ،وا إلعاد ُة �أ�سه ُل عليه من الابتداء قيا�س ًا
لا يعلمون ذلك فلذلك ي�صدون عنه �صدوداً.
على أ��صولكم و إ� ّل ف�إنهما بالن�سبة لقدرته �َسواء .وله
٣١تائبين راجعين إ�لى الله مقبلين ،وخافوا عقوب َته، الو�ص ُف الأعلى الأكمل والقدر ُة العا َّم ُة والحكم ُة ال َّتامة
و�أتقنوا ال�صلا َة و�أدوها في وقتها ،ولا تكونوا ممن ُي�ش ِرك و�سائ ُر �صفا ِت الكمال الذي لي�س لغيره ما ي�ساويه
أ�و يدانيه ،ي�صفه به َم ْن في ال�سماوات وا ألر�ض ِدلال ًة
بالله غي َر ُه في العبادة. و ُن ْطق ًا ،وهو العزيز الذي لا ُيعجزه �شيء �أراده ،الحكي ُم
٣٢من الذين ف ّرقوا دي َنهم باختلافهم فيما يعبدونه، 407
وكانوا ِف َرق ًا في ذلك ك ُّل طائف ٍة منهم م�سرورون بما هم
به متم�ِّسكون.
٣٣و إ�ذا م� َّس ه ؤ�لاء الذين يجعلون مع الله إ�له ًا �آخر
�ض ٌّر ،ف أ��صابتهم �شد ٌة و َج ْد ٌب و َقح ٌط �أف َردوا ر َّبهم
بالدعاء والت�ضرع �إليه وا�ستغاثوا به تائبين �إليه ِمن �شركهم
وكفرهم ،ثم إ�ذا ك�شف ر ُّبهم -تعالى ِذكره -عنهم ذلك
ال�ض َّر وف ّرجه عنهم و أ��صابهم برخاء وخ�صب و�سع ٍة ،إ�ذا
جماع ٌة منهم يعبدون مع ر ِّبهم ا آلله َة وا ألوثان.
٣٤ليجحدوا نعم َة الله عليهم التي ِمن ُج ْم َلتها
خلا ُ�صهم ِمن كل �شدة ،فتمتعوا قليل ًا بتحقيق َل َّذاتكم
وما ي�س ُّركم في هذه الدنيا ف�سوف تعلمون و َبال كف ِركم.
� ٣٥إننا لم ُن َن ِّز ْل على ه ؤ�لاء الم�شركين كتاب ًا ي�شهد
ب�صحة �ِشكهم وبحقيق ِة ما يفعلون! فلي�س لهم ُح ّج ٌة
ت�شهد ب�صحة �شركهم.
تريدون به تكثي َر �أموالكم وتنمي َتها فلا َي ْزكو عند الله ،وما ٣٦و�إذا �أ�صا َب النا� َس م ّنا خ�ص ٌب وعافي ٌة في الأبدان
أ�عطيتم ِم ْن �صدق ٍة تبتغون به َو ْجه الله خال�ص ًا فهو الذي وا ألموال فرحوا بذلك ،و�إن ت�صبهم م ّنا ِ�ش ّد ٌة ِمن َج ْد ٍب
وبلا ٍء في ا ألموال أ�و ا ألبدان ب�سبب ما ق ّدمت �أيديهم ِم َن
تنالون به ال ِّ�ضعف من الرزق الح�س ِن وا ألج ِر والثواب.
المعا�صي �إذا هم يي أ��سون ِم ْن رحمة الله وفرجه.
٤٠الله هو الذي �أن�ش أ�كم و أ�وجدكم ابتدا ًء ،ثم رزقكم
ما َت ُقوم به أ�بدا ُنكم ،ثم يميتكم عند انق�ضاء �آجالكم ،ثم � ٣٧أ َولم يعلموا أ� ّن الله يو�ِّسع الرز َق لمن ي�شاء امتحان ًا،
ُيحييكم بعد َماتكم ليجازيكم على �أفعالكم ،هل ِم ْن وي�ض ِّيقه على َم ْن ي�شاء ابتلا ًء� ،إ ّن في ذلك التو�سيع
أ�وثانكم و آ�لهتكم التي تجعلونها لله �شركاء َم ْن يفعل ِم ْن والت�ضيي ِق واختلا ِف النا�س في الغنى والفقر َلدلال ًة
تلك ا ألفعال �شيئ ًا :فيخ ُلق ،أ�و يرزق ،أ�و يميت؟ تن ّزه اللهُ وا�ضح ًة على كمال قدرة الله و ِحكمته ُيدر ُكها َم ْن
وتعالى عن �ِش ِك ه�ؤلاء الم�شركين. �ص ّد َق ُحججه و�أق َّر بها.
َ ٤١ظ َهر الف�ساد في ال َ ِّب والبحر حيث َق ّلت المناف ُع ٣٨ف�َأع ِط ذوي القربى حقو َقهم من ال ِ ّب وال�صلة،
وكثرت الم�ضا ُّر وا ألمرا�ض ب�سب ما ك�سب ْت �أيدي النا�س و�أع ِط الم�سكين المحتا َج والم�ساف َر المنقط َع عن �أهله ووطنه
من المعا�صي وا آلثامِ ،ل ُي�صي َبهم بنتائج �أعمالهم كي ُي ِنيبوا ما َفر�ض الله لهما في مالك ،ف�إيتا ُء هذه الحقوق خي ٌر للذين
إ�لى الح ّق ويتوبوا مما هم عليه من المعا�صي. يريدون وجه الله ،و أ�ولئك هم الفائزون بكل خير.
408 ٣٩وما دفعتم للنا�س ِم ْن أ�موالكم على َو ْج ِه الربا
ِ ٤٥ل َيجزي اللهُ الذين �آمنوا بالله ور�سوله وعملوا ٤٢قل -أ�يها الر�سول -له�ؤلاء الم�شركين ِمن قو ِمك
بطاعته ِم ْن ف�ضله الذي و َعد �أن يجزي به المطيعين يوم
وللنا�س جميع ًا� :سيروا في نواحي الأر�ِض �َس ْ َي اعتبا ٍر
القيامة ،إ�نه ال يح ُّب الكافرين. وتد ُّب ٍر فانظروا إ�لى م�ساكن َم ْن كان َقبلكم وتفكروا
كيف �أهلكهم الله ود ّمر مناز َلهم ب�سبب �شرك أ�كث ِرهم
٤٦و ِم ْن �آياته الدا َّل ِة على كمال قدرته أ�ن ُير�سل
الريا َح ِل ْتب�ِّشكم بالغيث والرحمة ،و ِلين ِّزل عليكم ما وتكذيبهم الر�س َل و�إ�صرا ِرهم على المعا�صي.
يحيي البلا َد و ُي ْخ�صبها ،و ِل َتجري ال�سف ُن في البحر عند
ُهبوبها ب�إرادته ،و ِل َتطلبوا ف�ض َل الله بالتجارات و�أنواع ٤٣فو ِّج ْه وج َهك � -أيها الر�سول -لطاعة ربك
وا�ستق ْم على الـ ِم َّل ِة التي لا ِعوج فيها ولا خللِ ،م ْن قبل
المعاي�ش ،ولت�شكروا نعمة الله تعالى فيها وتو ِّحدوه. أ�ن ي أ�تي يو ٌم من الله لا َي ُر ُّده �أح ٌد ،يومئ ٍذ يتف ّرق النا�س،
٤٧ولقد أ�ر�سلنا � -أيها الر�سولِ -م ْن قبلك ر�سل ًا فري ٌق في الجنة وفري ٌق في ال�سعير.
�إلى قومهم الكفر ِة كما أ�ر�سلناك إ�لى قومك ،فجا�ؤوهم
َ ٤٤م ْن كفر بالله َف َعليه �أوزا ُر كف ِره و�آثا ُم جحود ِن َعم
بالـ ُحجج الوا�ضحات على �صدقهم فك ّذبوهم ف أ�هلكنا ربه ،و َم ْن عمل ما �أمره الله به في الدنيا وانتهى عما نهاه
المك ِّذبين ،وكان ح ّق ًا علينا َن�ص ُر الم ؤ�منين على الكافرين. عنه ف�أولئك يه ِّيـ ُئون لأنف�سهم ما ينتفعون به في الآخرة.
٤٨الله الذي ير�سل الرياح فتن�ش ُئ �سحاب ًا ،فين�شره
الله و َي ْجمعه في ال�سماء كيف ي�شاء ،ويجع ُل ال�سحا َب
ِقطع ًا متفرق ًة ،فترى الم َط َر يخرج ِم ْن خلال ذلك
ال�سحاب ،ف إ�ذا �أ�صاب بذلك المط ِر أ�ر�َض َم ْن ي�شاء ِم ْن
خلقه �إذا هم يفرحون.
٤٩و إ� ْن كانوا ِم ْن قبل �أن ين َّزل عليهم ذلك الغي ُث
َلـ ُم ْكتئبين قانطين لا يملكون و�سيل ًة لجل ِب الماء إ�ليهم.
٥٠فانظر نظ َر اعتبا ٍر وا�ستب�صا ٍر �إلى آ�ثار الغيث من
النبات وا أل�شجار و�أنواع الثمار ،كيف يحيي به الله
الأر�َض بعد ُي ْب�سها ،إ� ّن الذي ق َدر على �إحياء ا ألر�ض
بعد موتها لقاد ٌر على �إحيائهم بعد موتهم ،وهو على
كل �شي ٍء �أرا َده قدي ٌر ،لا يمتنع عليه �شيء.
409
٥٨ولقد ب ّينا وع َّددنا للنا�س في هذا القر�آن ا ألمثا َل ٥١ولئن �أر�سلنا ريح ًا ت�أتي على ما َنبت في الأر�ض
تنبيه ًا لهم ،و إ�قام ًة للحجة عليهم ،ولئن جئ َت � -أيها ِمن الزرع وا أل�شجار فتجعله ياب�س ًا م�صف ّراً َلـ َما اتعظوا
الر�سول -ه�ؤلاء القوم بكل معجزة ِح�ِّسي ٍة من ِج ْن�س ما
ُأ�وتي الر�سل ِم ْن قبلك ،ليقول ّن الذين جحدوا ر�سالتك و َلبقوا على كفرهم.
و�أنكروا نبوتك :ما أ�ن َت و َم ْن تبعك �إلا أ��صحاب
٥٢ف�إ ّنك -أ�يها الر�سول -لا تقدر �أن ُتفهم ه ؤ�لاء
�أباطيل. الم�شركين الذين قد َختم الله على أ��سماعهم ،ف�س َلبهم
ف ْه َم ما ُيتلى عليهم ِمن مواع ِظ تنزيل ِه ،لأنهم كالموتى،
٥٩كذلك يخ ِت ُم الله على قلوب الذين لا يعلمون وكما ال تقدر أ�ن ُت�س ِمع ال�ص َّم الدعا َء �إذا هم و َّلوا
حقيق َة ما ت�أتيهم به َف ُه ْم لا يفقهون عن الله ُح ّج ًة ولا عنك مدبرين ،كذلك لا تقدر �أن ُت�س ِمع َمن كان
ي�صل �إلى قلوبهم �شي ٌء من الحق الذي �ُأنزل إ�ليك من
كالأ�صم دعو َتك �إلى الله.
ربك.
٥٣وما �أنت � -أيها الر�سول -بها ٍد َم ْن َعمي عن
٦٠فا�صبر � -أيها الر�سول -على ما ينا ُلك ِمن طريق الحق ،ولا بقاد ٍر على َ� ْصفه عن �ضلالته ،ف�أنت لا
أ�ذاهم ،وب ِّلغهم ر�سال َة ر ِّبك ،إ� ّن وعده بن�صرك عليهم ُت�سمع �سما َع قبو ٍل و�إفها ٍم إ�لا َم ْن ي ؤ�من بالقر آ�ن وينقاد
ح ٌّق ،فلا ت ْ�ض َطر ْب لكلام ه�ؤلاء الم�شركين بالله الذين لا
ألوامر الله ونواهيه.
ي�صدقون بالبعث بعد الممات.
٥٤الله هو الذي خلقكم ِ�ضعاف ًا ،ثم جعل ِم ْن بعد
�ضع ِف الطفو َل ِة قو َة ال�شبا ِب ،ثم جعل من بعد القوة
�ضع َف ال ِك َب ،يخلق ما ي�شاء من ال َّ�ضع ِف والقوة
وال�شباب وال�شيبة ،وهو العليم بتدبير خلقه ،القدي ُر على
ما ي�شاء.
٥٥ويو َم تقوم ال�ساعة و ُيبعث الخل ُق يحلف الكافرون
ما لبثوا في قبورهم غي َر �ساع ٍة واحد ٍة ،كذلك كانوا
ُي�ص َرفون عن الحق في البعث ،كما ُ�صفوا عن ال�صدق
في مدة ُلبثهم في القبور.
٥٦وقال الذين أ�ُوتوا العل َم والإيمان بالبعث وهم
الملائكة وا ألنبياء والم ؤ�منون :لقد َلبثتم فيما ك َتب الله
في �ساب ِق علم ِه إ�لى يوم البعث ،فهذا يوم البعث الذي
أ�نكرتموه ،ولكنكم كنتم لا تعلمون في الدنيا �أنه يكون،
فلذلك كنتم تك ِّذبون.
٥٧فيو َم ُيبعثون ِم ْن قبورهم لا َينفع المك ِّذبين بالبعث
في الدنيا اعتذا ُرهم ،ولا هم ُي�ستتابون يومئ ٍذ عما كانوا
يك ِّذبون به في الدنيا.
410
٦و ِمن النا�س َمن ي�شتري ما ُيلهي عن دين الله } ١ﭑ{� :سب َق الكلا ُم على هذه الحروف
وطاعته مما لا خي َر فيه ولا فائدةِ ،ل َي�ص َّد عن �سبيل الهدى
وما يق ِّرب �إلى الله ،جهل ًا منه بما عليه ِمن ال ِو ْزر ،ويتخذ الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة.
�سبيل الله ومنه َجه �سخري ًة ،أ�ولئك لهم يوم القيامة ٢تلك ا آليات التي تتلوها هي �آيات الكتاب ِذي
ال ِحكم ِة البالغ ِة الذي لا َخ َل َل في َن ْظ ِمه و�ألفاظه ولا
عذا ٌب يهينهم ويخزيهم.
اختلا َف في معانيه و�أحكامه.
٧و�إذا تتلى عليه �آياتنا أ�عر�ض عنها ا�ستكباراً ك أ�نه
لم ي�سمعها ،ك�أ ّن في أ�ذنيه َ�صمم ًا ،فب�ّشه بعذاب مو ِجع ٣هذا الكتاب الحكيم بيا ٌن ورحمة للذين �أح�سنوا
َيحيق به يوم القيامة لا َمحال َة .والتب�شير هنا على �سبيل فعملوا بما فيه من �أوامر الله ونواهيه.
التهكم ِلـ َما كان منه من الا�ستهزاء وال�سخرية. ٤الذين يحافظون على ال�صلاة كامل ًة ب�شرائطها
وخ�شوعها ،ويدفعون الزكاة لم�ستح ّقيها على الو ْج ِه
� ٨إ ّن الذين و َّحدوا الله و�ص ّدقوا ر�سوله واتبعوه، الم�شروع ،يفعلون ذلك وهم بجزاء الله و ُح�ْسن ثوابه في
وعملوا ب أ�مر الله ونهيه لهم بف�ضل الله نعي ُم الجنا ِت التي
ا آلخرة موقنون.
�أع َّدها الله لعباده ال�صالحين.
٥أ�ولئك على بيا ٍن ِمن ربهم ونور ،و أ�ولئك هم
٩ماكثين فيها إ�لى غير نهاية ،و َع َدهم اللهُ بذلك الفائزون في الدنيا والآخرة.
وعداً ح ّق ًا لا �شك فيه ولا ُخ ْل َف ،وهو العزيز الذي لا
َي ْغلبه �شيء فيمنعه عن تحقيق َو ْعده ووعيده ،الحكي ُم
الذي لا ي أ�تي عقا ُبه وثوا ُبه و�سائ ُر �أفعاله إ�لا على َو ْف ِق
ال ِحكم ِة وما َتقت�ضيه ِمن العدل والرحمة.
١٠و ِم ْن آ�ثار قدرته وبدائع ِحكمته �أنه خلق
ال�سماوات ورفعها بغير عم ٍد كما ترونها ،وجعل على
َظ ْهر الأر�ِض جبال ًا �شوام َخ لئلا ت�ضطرب بكم ،ون�ش َر
في ا ألر�ض ِم ْن كل �أنواع الدوا ِّب ،و أ�نز َل من ال�سماء
مطراً ف أ�نب َت به ِم ْن ك ّل �صن ٍف ِم ْن �أ�صناف النبات أ�زواج ًا
تتلاقح ،ح�سن َة المنظر ،كثير َة النفع.
١١هذا الذي ت�شاهدونه قد َخ َل َق ُه الله ،ف أ�روني ماذا
خ َلق الذين تعبدون ِم ْن دونه حتى ا�ْس َتو َجبوا عندكم
العبادة! ما ع َب َد ه�ؤلاء الم�شركون ا أل�صنا َم ِم ْن أ�جل أ�نها
َت ْخلق �شيئ ًا ،و�إنما دعاهم �إلى ذلك انحرا ُفهم عن �سبيل
الحق و�ضلا ُلهم الوا�ض ُح.
411
١٧يا ُبن َّي أ�ق ِم ال�صلاة بحدودها ،و أْ�مر النا� َس بطاعة ١٢ولقد آ�تينا لقمان الفق َه في الدين ،والعق َل
الله وا ْن َه ُه ْم عن معا�صيه ،وا�صب ْر على ما أ��صابك والإ�صاب َة في القول ،وقلنا له :ا�شك ِر اللهَ على ما �أعطاك
من ال�شدائد وا ألذى في ا ألمر بالمعروف والنهي عن من الحكمة ،و َم ْن ي�شكر الله على نعمه عليه ف إ�نما ي�شكر
المنكر� ،إ ّن ذلك من الأمور المفرو�ضة التي يجب الثبا ُت لنف�سه؛ لأ ّن منفع َة �شك ِره تعود عليه ويزيده الله من
ف�ضله ،و َم ْن ك َفر نعم َة الله عليه ف إ�لى نف�سه أ��ساء؛ أل ّن
والمداوم ُة عليها. الله هو الغني فلا يحتاج �إلى �ُشكر �أح ٍد ،وهو َح ِقي ٌق
١٨ولا ُت ْع ِر�ض بوجهك ع َّمن ك َّلم َته تكبراً منك
وا�ستحقاراً ،ولا تم�ِش في الأر�ض مختال ًا� ،إ ّن الله لا بالحمد ،محمو ٌد على كل حال.
يحب ك َّل متك ِّ ٍب فخو ٍر متعا ٍل على النا�س. ١٣واذك ْر � -أيها الر�سول -إ�ذ قال لقمان لابنه وهو
١٩واعت ِد ْل في م�شيك بالتو�سط فيه بين ال�سرعة يعظه :يا ُبن َّي لا ت�شرك بالله� ،إ ّن ال�شرك بالله هو �أ�ش ُّد
وال ُبطء ،واخ ِف�ْض ِم ْن �صوتك �إ ّن �أقب َح ا أل�صوات أ�نوا ِع الت َع ِّدي ،و أ�عظ ُمها �إجحاف ًا بالح ّق؛ ألن الت�سوي َة
ل�صو ُت الحمير؛ أ�لا ترى �أن �صوتها لـ ّما علا ا�ستق َبحه
بين الخالق والمخلوق ظل ٌم عظي ٌم.
النا� ُس ،و�صار عندهم �أقب َح ا أل�صوات!
١٤و�أم ْرنا الإن�سا َن بطاعة والديه وب ِّرهما وخا�ص ًة
412 أ�مهَ ،ح َملته في بطنها ،كلما ازداد حم ُلها ثقل ًا ازدادت
هي �ضعف ًا ،و أ�ر�ضعته ُع�صار َة نف ِ�سها عامين اثنين لمن
�أراد �أن يتم مدة الر�ضاعة ،و َع ِه ْدنا �إلى كل �إن�سان �أ ِن
ا�شكر لي نعمي عليك ،وا�شكر ف�ض َل والديك لتربيتهما
لك ،إ�لى الله م�صي ُرك وهو �سائ ُلك عن جميع ذلك.
١٥و�إن كان الوالدان كافرين و َب َذلا �أق�صى طاقتهما
ِل َي ْحملاك على �أن تعبد معي غيري فلا تطعهما في ذلك،
و�أطعهما فيما عداه ِمن المعروف ،وعا ِم ْلهما بالإح�سان،
واب ُذ ْل لهما من ُخ ُل ِقك وما ِلك غاي َة جهدك ،وا ّتبع في
الدين طريق َم ْن رج َع إ�ليَّ بالتوحيد والإخلا�ص في
الطاعة ،ولا َت َّتب ْع �سبي َل الكافرين و إ� ْن كانوا من الوالدين
�أو ا ألقربين ،ثم إ�ليَّ م�صي ُركم بعد َماتكم ،ف�أجازي
المح�س َن منكم ب إ�ح�سانه والم�سي َء ب�إ�ساءته.
١٦يا ُبن َّي إ� ّن ال َخ�صل َة ِمن الإح�سان أ�و ا إل�ساءة إ� ْن تكن
متناهي ًة في ال�صغر كحب ِة الخردل ،و َتكن مع �صغرها
في جوف �صخر ٍة أ�و في باط ٍن ِمن الأر�ض �أو عا ٍل من
ال�سماوات ُيح ِ�ضها الله فيحا ِ�سب عليها ،إ� ّن الله لطيف
با�ستخراجها خبي ٌر بمكانها.
ب َط َر ِف الحب ِل الذي لا يخا ُف َم ْن تم�ّس َك به انقطا َعه، � ٢٠ألم تعلموا أ� ّن الله �س َّخر لكم ما في ال�سماوات
و�إلى الله ت�صير ا ألمور وهو المجازي عليها. ِمن ال�شم�س والقمر والنجو ِم وما في ا ألر�ض ِمن الثمار
وا ألنهار والدوا ِّب لتنتفعوا بها ،و�أت َّم عليكم نعمه
٢٣و َم ْن ك َفر ولم ُي�ْس ِلم وجهه لله فلا تهت َّم بكفره، ظاهر ًة لا ينكرها إ�لا ُمكا ِبر وباطن ًة قد ُتعر ُف بالدليل
ف إ� ّن م�صيرهم يوم القيامة �إلينا ،ثم نخبرهم ب�أعمالهم وقد لا تعرف؟ و ِم َن النا�س َم ْن يجادل في توحيد الله
الخبيثة التي عملوها في الدنيا ،ثم نجازيهم عليها� ،إ ّن الله و�صفاته بغير عل ٍم م�ستفا ٍد من برها ٍن ودلي ٍل ،ولا هداي ٍة
من ر�سو ٍل ،ولا كتا ٍب مني ٍر �أنزله الله ،بل بمجرد التقليد
عليم بما يخفونه في �صدورهم و�س ُيعاقبهم عليه.
�أو العناد والا�ستكبار.
ُ ٢٤ن ِه ُلهم في هذه الدنيا زمان ًا قليل ًا يتمتعون بمتاعها
الفاني ،ولك ْن لا ُن ْهملهم ،بل ُنح�صي عليهم آ�ثامهم ثم ٢١و�إذا قيل لهم :ات ِبعوا ما �أنزل الله على ر�سوله
نجازيهم عليها يوم القيامة ،فيكون م آ� ُلهم المحتو ُم �إلى ِمن التوحيد وال�شرائع ،قالواَ :ب ْل ن ّتبع ما وجدنا عليه
آ�باءنا من ا ألديان ،أ�ي ّتبعونهم مع أ�نهم لل�شيطان َت َب ٌع وهو
العذاب الم�ضا َعف. يدعوهم -بتزيينه لهم �سو َء أ�عمالهم� -إلى عذاب النار؟
٢٥ولئن �س أ�ل َت -يا ر�سول الله -ه�ؤلاء الم�شركين: ٢٢و َم ْن ي�ست�سلم لله ب ُك ِّليته و ُي ْخل�ص َق ْ�صده لله وهو
َم ْن خ َلق ال�سماوات وا ألر�ض؟ ليقو ُل ّن لو�ضوح مح�س ٌن في �أعماله ،فقد تع ّلق ب�أوثق ما ُيتع ّلق به ،وتم�ّسك
الدليل :خلقهن الله ،قل :الحم ُد لله على ظهور
الـ ُح ّجة عليكم ،واعترا ِفكم بما ُيو ِج ُب بطلا َن 413
اعتقا ِدكم ب�شر ِك الأ�صنام ،بل أ�كثرهم �سفهاء لا
يفكرون ولا يتدبرون في عاقبة ما يعملون.
٢٦لله م ْلك كل �شي ٍء في ال�سماوات وا ألر�ض� ،إ ّن الله
هو الغن ّي عن كل ما �سواه ،الم�ستح ُّق لغاي ِة ال�شك ِر والثناء
في ُ�صنعه و�آلائه.
٢٧ولو �أ ّن ما في الأر�ض ِم ْن �شجر ٍة كانت �أقلام ًا،
وكان البحر ك ُّله ِمداداً � -أي حبراً -ويم ُّده �سبع ُة �أبحر
أ�خرى ،و ُكتب ْت بهذه الأقلام والـ ِمداد كلما ُت الله،
لنفدت الأ�شجا ُر والبحا ُر ولم تن َفد كلما ُت الله ،فالأ�شجا ُر
والبحار ُمتناهي ٌة ،وكلما ُت الله غير متناهي ٍة ،إ� ّن الله عزي ٌز لا
يع ِجزه �شيء ،حكي ٌم لا يخرج عن علمه وحكمته �أ ْمر.
٢٨ما خ ْل ُقكم � -أيها النا�س -وبع ُثكم جميع ًا عند الله
�إلا كخ ْلق نف� ٍس واحد ٍة وب ْع ِثها ،وكل ذلك ه ّ ٌي عليه،
�إ ّن الله �سمي ٌع ِلـ َما يقول ه ؤ�لاء الم�شركون ويفترونه على
ربهم ،ب�صي ٌر بما يعملون وهو مجازيهم على ذلك.
٣٣يا أ�يها النا�س امتثلوا �أ ْم َر الله تعالى واجتنبوا � ٢٩ألم َت َر � -أيها الإن�سان المتف ِّكر� -أن الله بقدرته
نواهيه ،وخافوا يو َم الح�ساب الذي لا ُيغني فيه والد وحده ُيدخل اللي َل في النهار ويدخل النهار في الليل،
عن ولده �شيئ ًا ،وال مولو ٌد هو ُم ْغ ٍن عن والده �شيئ ًا، فيتفاوت بذلك طو ُل ك ٍّل منهما زياد ًة ونق�صان ًا؛ لين َ�ش أ�
إ� َّن وعد الله بالح�ساب والجزاء ح ٌّق ثابت ،فلا ُتلهينكم بذلك تعاق ُب ف�صول ال�سنة ،و�أنه تعالى �سخر ال�شم�س
والقمر لم�صالح خلقه ومنافعهم ،وك ٌّل من ال�شم�س
الحيا ُة الدنيا وزين ُتها عن الحياة الأخرى ،ولا تخدع َّنكم والقمر يجري ب�أمره في َف َلكهما طلوع ًا و�ُأفول ًا إ�لى وق ٍت
و�ساو� ُس ال�شيطان ب�سبب ِح ْل ِم الله تعالى و�صبره عليكم. معلوم في َق َدر الله عز وجل ،و�أنه تعالى م َّطلع على ما
٣٤اخت�َّص اللهُ تعالى بمفاتيح الغيب :فهو وحده يعل ُم تعملون في الليل والنهار لا يخفى عليه� شيء؟
وق َت قيا ِم ال�ساعة وانتها ِء الدنيا ،وهو الذي ُينز ُل الغيث
رحم ًة بخلقه ،ويعل ُم ما يخلق في الأرحام ،وما تدري ٣٠ذلك الذي ذكره الله تعالى وا�صف ًا به نف َ�سه ِم ْن
َن ْف� ٌس ما الذي تك�سبه في َغ ِدها ِم ْن خير �أو �شر ،وما تدري �َسع ِة ِع ْلمه و�شمو ِل قدرته وعجائب ُ�صنعه لدليل باهر
نف�س ب�أ ِّي مكان يكون موتها فيه .فالله عليم بكل هذه على أ�نه هو الإله الحق الذي ي�ستحق العباد َة وحده ،وما
يعبده الم�شركون من دون الله باط ٌل وزائ ٌل لا ي�ستح ُّق
الأمور علم ًا �شامل ًا ،خبير بظواهر الأمور وبواطنها. �أن ُيعبد ،و�أ ّن الله هو العل ُّي على كل �شيء في َمكانته
و�صفاته ،الكبي ُر الذي دو َنه كل �شيء في �سلطانه وذاته.
� ٣١ألم َت َر � -أيها ا إلن�سان -أ� ّن ال�سفن تجري في البحر
ب�أمر الله وب ُلطفه ورحمته؟ ف إ�نه لولا ما �أودعه الله في الماء
وا ألر�ض وال�سماء من القوانين لما َج َر ْت؛ ِل ُييكم بذلك
بع�َض دلائل قدرته وحكمته ورحمته ،إ�ن في ذلك
لدلائل على أ�لوهيته �سبحانه وعظي ِم قدرته ،يهتدي
وينتفع بها الم ؤ�من ال�صبو ُر على الطاعة والبلاء ،الكثي ُر
ال�شكر على النعم وا آللاء.
٣٢و إ�ذا ركب الم�شركون ال�سف َن و أ�حاط بهم مو ٌج
له -ل�ش ّد ِة ارتفاعهُ -ظ َل ٌل كالجبال وخافوا من الهلاك،
ذكروا اللهَ تعالى وحده ،ولم ي�ستغيثوا بغيره ،ف�إذا
ن ّجاهم و�أو�صلهم �إلى البر �سالمين ،فمنهم معتد ٌل بين
ال�صلاح و�ض ِّده ،ومنهم كاف ٌر بنعمة الله جاحد لها،
وما ينكر علاما ِت وحدانيته وف�ضله عليه إ�لا ك ُّل َغ َّدا ٍر
فاج ٍر �شدي ِد ال ُكفران.
414
تتفكرون لتعلموا �أنه تعالى هو الم�ست ِح ُّق وحده للعبادة؟!
٥يد ّبر اللهُ تعالى أ�مر الدنيا ك ِّلها بكل ما يحتويه
الكون من ال�سماوات وا ألر�ض إ�لى �أن تقوم ال�ساعة،
ثم يرجع إ�ليه ذلك الأمر ك ُّله وي�صير إ�ليه في يوم مقداره
�ألف �سنة مما تعدون.
٦ذلك الخالق المد ِّبر هو عالم ك ِّل ما غا َب عن
المخلوقات وخف َي ،وما �شاهدوه من المح�سو�سات َر أْ� َي
العي ِن ،وهو الغال ُب على أ�مره الذي لا يمتنع على قدرته
�شيء ،الرحيم الذي و�سع ْت رحم ُته ك َّل �شيء.
٧الله الذي �أَ ْح َك َم و�أتق َن َخ ْل َق كل �شيء ،وبد�أ خل َق
�آدم -عليه ال�سلام -من طين.
٨ثم جعل ن�س َل ا إلن�سان ،أ�ي ذريته التي تن�سل من } ١ﭑ{� :سب َق الكلا ُم على هذه الحروف
�صلبه ِم ْن نطف ٍة تنف�صل و ُت َ�س ُّل ِم ْن ما ٍء �ضعي ٍف محت َق ٍر في
الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة.
ظاهر الأمر و ُمقت�ضى العادة.
٢هذا القر�آن لا �ش َّك في تنزيله ِم ْن عند الله،
٩ثم �س ّوى الله تعالى َخلق ا إلن�سان في رحم أ�مه ر ِّب العالمين.
ونفخ فيه من ُروحه تكريم ًا له وت�شريف ًا ،وجعل لكم
-أ�يها النا�س -ال�سم َع وا ألب�صا َر والقلو َب؛ لت�سمعوا َ� ٣أ ْم يقول الكافرون :ا ْخ َت َل َق محم ٌد القر�آن من تلقاء
وتب�صروا وتعقلوا ،ولت�شكروا ر َّبكم ،ولكن قليل ًا َم ْن نف�سه؟ بل هو الح ُّق الثابت المن َّزل من عند الله؛ ِل ُتح ِّذر
به -أ�يها الر�سول -قوم ًا ما جاءهم ر�سو ٌل ِم ْن قبلك،
ي�شكر ر َّبه على نعمه.
لعلهم يهتدون �إلى الإيمان بالله وحده.
١٠وقال منكرو البعث� :أ�إذا متنا و ِ�صنا تراب ًا مختلط ًا
بتراب الأر�ض لا يتميز عنه� ،أ ُيعقل �َأ ْن ُن ْب َع َث ونعو َد َخلق ًا ٤الله الذي أ�وج َد بعد العدم ال�سماوا ِت وا ألر�َض
جديداً؟! بل هم في الواقع منكرون للآخرة والح�ساب وما بينهما في �ستة �أيام لتعرفوا كما َل قدرته ،ثم ا�ستوى
على العر�ش ،لي�س لكم نا�صر غير الله ين�صركم ،ولا �شفيع
بين يدي الله تعالى. ي�شف ٌع لكم للنجاة ِم ْن عذابه إ� ّل ب�إذنه �سبحانه� ،أفلا
١١قل � -أيها الر�سول -لمنكري البعث :يتو ّفاكم م َل ُك 415
الموت الذي ُو ّكل بقب�ض �أرواحكم عند انتهاء �آجالكم،
ثمتر ّدون إ�لىخالقكم؛فيحا�سبكمعلىجميع�أعمالكم.
١٢ولو ترى -أ�يها الر�سول -حين يقوم منكرو
البع ِث ،وقد َخ َف�ضوا ر�ؤو�سهم عند ربهم من ال ُّذل
والخزي ،قائلين :ربنا �أب َ� ْصنا ما كنا ننكر من البعث،
و�سمعنا ت�صدي َق ما كانت ر�س ُلك ت أ�مرنا به في الدنيا،
فار ِجعنا �إلى دار الدنيا؛ نعم ْل عمل ًا �صالح ًا� ،إ ّنا قد أ�يق ّنا
بما ك ّنا به في الدنيا مك ِّذبين .لو ر�أي َت ذلك ،لر�أي َت
�أمراً فظيع ًا.
وهذا العطاء الجزيل ب�سبب �أعمالهم ال�صالحة في الدنيا. ١٣لو أ�ردنا هداي َة النا�س َق�ْساً دون اختيار منهم َل َفعلنا،
ولكن وجب القو ُل م ّني :ألم أل َّن جهنم من الذين اختاروا
١٨أ�ف َم ْن كان في هذه الدنيا م�ؤمن ًا بالله ح َّق ا إليمان،
ك َم ْن كان فيها فا�سق ًا وخارج ًا عن طاعة الله تعالى وعن ال�ضلال َة على الهدى من ال ِج ّن ِة والنا�س جميع ًا.
دينه الذي ارت�ضاه لعباده؟ لا ي�ستوون عند الله. ١٤فذوقوا العذاب يا �أهل النار؛ ب�سبب غفلتكم عن
ا آلخرة ،وتر ِككم التزو َد لها بما ينجيكم من �شدائدها
� ١٩أ ّما الذين �آمنوا بالله ور�سوله ،وعملوا ال�صالحات، و أ�هوالها� ،إنا تركناكم اليوم في العذاب ،وذوقوا
فلهم جنا ُت النعي ِم التي َي أ�وون إ�ليها وينزلون فيها نزو َل
التكريم؛ ثواب ًا على أ�عمالهم ال�صالحة التي كانوا يعملونها العذاب الخال َد الدائ َم في جهنم جزا ًء بما كنتم تعملون
في الدنيا من الكفر بالله ،وتكذيب الر�سل.
في الدنيا.
� ١٥إ ّنا ي�ص ّدق ب آ�ياتنا الذين إ�ذا ُو ِعظوا بها؛ �سجدوا لله
٢٠و أ� ّما الذين خرجوا عن ا إليمان إ�لى الكفر، خا�شعين ،ون َّزهوه عما لا يليق به ،و َح ِمدوه على نعمه،
فم�سك ُنهم و ُمقامهم النار ،وه�ؤلاء الكفار كلما أ�رادوا وهم ال ي�ستكبرون عن ال�سجود والت�سبيح له �سبحانه.
�أن يخرجوا منها� ،أُعيدوا فيها ،ويقال لهم توبيخ ًا:
� ١٦إ ّن ه ؤ�لاء الم�ؤمنين ال�صادقينَ ،ت َتنحى �أج�سا ُمهم
ذوقوا عذا َب النار الذي كذبتم به في الدنيا. عن �أماكن نومهم وراحتهم وتتركها؛ للته ُّجد في
َج ْوف الليل ،يدعون ربهم َخ ْوف ًا ِمن �سخطه وعقابه،
و َط َمع ًا في جنته ورحمته ،ومما رزقناهم ينفقون في
وجوه ال ِ ِّب والخير.
١٧فلا َت ْعلم ن ْف� ٌس من النفو�س ،ما �أعده الله تعالى
له�ؤلاء الم ؤ�منين المته ّجدين بالليل والنا� ُس نيامِ ،م ْن ثوا ٍب
تق ُّر به أ�عينهم ،و َت�سعد به قلوبهم ،وتبتهج له نفو�سهم،
416
وكانوا يوقنون ب�آيات ربهم و ُحججه على عباده. َ ٢١و ُن ْق ِ�س ُم لنذيق َّن ه�ؤلاء الفا�سقين في الدنيا العذا َب
ا ألدنى ِم ْن قح ٍط وقت ٍل و�َأ�ْ ٍس وم�صائ َب؛ لعلهم يرجعون
٢٥إ� َّن ربك -أ�يها الر�سول -هو يق�ضي بين ا ألنبياء ويتوبون ِم ْن ذنوبهم قبل أ�ن يدركهم عذا ُب النار الذي
و�أممهم ،وبين الم ؤ�منين والكافرين ،فيما كانوا فيه
يختلفون ِمن ح ٍّق وباط ٍل فيجازي ك َّل واحد بما ي�ستحق. لا ينجي منه توبة �أو رجوع.
� ٢٦ألم يب ّي الله له ؤ�لاء الجاحدين من كفار قري�ش: ٢٢لا �أح َد �َأ ْظل ُم لنف�سه ممن ذ ّكره الله ب�آياته ،ثم كان
كم �أهلك ِم ْن قبلهم من ا ألمم ال�سابقة كعا ٍد وثمود منه بعد التذكير بها ،الإعرا�ُض عنها ،م�ستكبراً جاحداً
وغيرهما ،يم ُّرون في أ��سفارهم على م�ساكن هذه ا ألمم
وي�شاهدون آ�ثا َر ما َلـ ِح َقهم من العذاب؟! �إ ّن في ذلك معانداً ،و�سينتقم الله ِم ْن كل َم ْن �أَجرم وكفر ب�آياته.
دلالا ٍت وبراهي َن على قدرة الله؛ أ�فلا ي�سم ُع ه ؤ�لاء هذه
٢٣ولقد �آتينا مو�سى الكتاب و�أتممنا له ما وعدناه من
ا آليات بما فيها ِم ْن عظا ٍت فينتفعوا بها؟ ن�صرنا ،فلا تكن في �ش ٍّك ِم ْن ن�ص ِرنا لك والانتقا ِم من
٢٧أ� َع ِمي ه�ؤلاء الجاحدون ولم يروا �َس ْوقنا للماء �إلى أ�عدائك ،وجعلنا التوراة هادي ًا ومر�شداً لبني �إ�سرائيل.
ا ألر�ض الياب�س ِة التي لا نبات بها ،فنخرج به زرع ًا ت أ�كل
منه موا�شيهم ِمن إ�ب ٍل وبقر وغنم ،وي أ�كلون هم كذلك ٢٤وجعلنا ِم ْن بني �إ�سرائيل ُهدا ًة يهدون النا�س �إلى
منه ،أ�فلا يب�صرون ذلك فيعلموا أ� ّن القادر على �إحياء توحيد الله وطاعته؛ وقد جعلنا ه�ؤلاء الهدا َة �أئم ًة لـ َّما
�صبروا على طاعتنا ،وعلى م�شا ِّق الدعوة في �سبيل الله،
الأر�ِض بعد موتها قاد ٌر على �إحيائهم بعد موتهم؟!
417
٢٨ويقول الم�شركون للم�ؤمنين -على �سبيل الا�ستهزاء
والإنكار :-متى يوم ال َف�صل ،الذي يتح َّقق لكم فيه
الن�صر كما تزعمون؟ ف إ� ْن كنتم �صادقين في قولكم،
فادعوا ر َّبكم أ�ن ُي َع ِّجل بهذا اليوم.
٢٩قل � -أيها الر�سول -في الر ِّد على ه ؤ�لاء الم�شركين:
�إ ّن يوم الف�صل بيننا وبينكم قري ٌب ،يو َم لا ينفع �إيما ُن
الكفار وهم َي ْل ِفظون أ�نفا�سهم عند َماتهم ،ولا هم
ُيهلون لتوبة �أو اعتذار.
٣٠ف�أعر�ْض � -أيها الر�سول -عن ه�ؤلاء الم�شركين،
وانتظر يو َم الف�صل والق�ضاء ،وتحقي ِق الوعيد بهلاكهم
وعذابهم� ،إنهم منتظرون ذلك ،وهو �آتيهم.
لغير �آبائهم مع علمكم بذلك ،وكان الله وا�س َع المغفرة ١يا أ�يها النب ُّي ُد ْم على ما أ�نت عليه من تقوى الله،
عظي َم الرحمة بعباده. وعلى عدم طاعة الكافرين والمنافقين ،فلاَ تقب ْل أ�قوالهم
٦النب ُّي �أرح ُم بالم�ؤمنين و أَ�ولى بالمحبة والطاعة من و�إ ْن أ�ظهروا �أنها ن�صيحة ،إ� َّن الله علي ٌم بكل �شيء ،ومنه
أ�نف�سهم ،و�أزواج النبي - -ك أ�مهاتهم في الاحترام ما ت�ضمره نفو� ُس �أعدائك ،حكي ٌم فيما ي�أمر وينهى.
وا إلكرام و ُحرمة النكاح .وا إلر ُث ب�سبب القرابة �َأ ْولى
ِمن الإرث لمج َّرد ا ألُخ ّو ِة والموالا ِة في ال ِّدين -خلاف ًا ٢واع َم ْل � -أيها النبي� -أنت و أ�ُ َّم ُتك بما ينزل الله
ِلـ َما كان معمول ًا به في �صدر الإ�سلام -ولكن �إ ْن �أردتم عليك ِمن َو ْحيه� ،إن الله م ّطلع على كل ما تعملون،
�أن ُتو�صوا إ�لى َم ْن واليتم في ال ّدين ِمن غي ِر ال َو َرث ِة فلا
حرج عليكم .كان ذلك الحكم -وهو توارث ذوي ال تخفى عليه خافية.
ال َقرابات فيما بينهم -مكتوب ًا في اللوح المحفوظ .وقد ٣وا ْع َت ِمد على الله تعالى في القيام ب�أعباء الوحي
�َأ ْع َلمناكم بذلك فوج َب عليكم العم ُل به. وتكاليفه ،وكفى بربك حافظ ًا لك ،وكفيل ًا بتدبير �َأ ْمرك.
٤كما �أ ّن الله تعالى لم يخلق للإن�سان قلبين في
�صدره ،كذلك لم يجعل المر�أ َة الواحد َة زوج ًا للرجل و أ� ّم ًا
له ،فلا َت�صير الزوج ُة التي ُيظا ِهر منها زو ُجها -بقوله:
أ�ن ِت عل َّي كظهر ُ�أ ِّمي -كا أل ّم له في الـ ُحرمة ،وكذلك
لم يجعل ا ألدعيا َء � -أي ا ألبناء الذين َت َتبنونهم� -أبنا ًء
لكم ،فلا َي ْثب ُت ن�س ٌب بال َّتب ّني ولا حقو ُق ُبن ّو ٍة ،فقو ُلكم
بال ِّظهار وبالتب ِّني هو مج َّرد قو ٍل ب�أفواهكم ال حقيق َة له،
واللهُ�سبحانه يقول الح َّق الذي يجب اتبا ُعه ،وهو يهدي
إ�لى �سبيل الر�شاد.
٥ا ْن ُ�س ُبوا ه�ؤلاء الأدعياء �إلى آ�بائهم الحقيقيين ،ف�إ َّن
ذلك أَ� ْع َد ُل عند الله تعالى ،و�أ�شر ُف للآباء وا ألبناء ،ف إ�ن
لم تعلموا �آباءهم الحقيقيين ،فهم �إخوانكم في الدين
والعقيدة ،وهم مواليكم � -أي ن�صرا ؤ�كم -فقولوا لهم:
يا �أخي أ�و يا مولاي َ -يق�صدون بذلك أ�خو َة الدين
وولايته -ولي�س عليكم �إث ٌم فيما وقعتم فيه من خط ٍأ�
�ساب ٍق لم تتعمدوه ،و�إنما ي ؤ�اخذكم فيما تع َّمدتم ِن�سبتهم
418
١٠واذكروا َن ْ� َص الله حين جاءكم جنو ُد ا َلأحزاب
ِم ْن أ�على الوادي ِمن جه ِة الم�شر ِق ،و ِم ْن أ��سف ِل الوادي
ِم ْن جهة المغرب ،وحين �َش َخ َ�ص ِت ا ألب�صار ِم ْن �شدة
الـ َح ْية وال َّده�شة ،وفزعت القلو ُب فزع ًا �شديداً ،ك�أنها
ِم ْن �ش ّدة الفزع َب َلغت الحناجر ،وتظنون بالله ُمختل َف
الظنون؛ ِمن ن�ص ٍر وهزيم ٍة ،ونجا ٍة وهلا ٍك.
١١في هذه المحنة الع�صيب ِة التي تكاثر ْت على
الم ؤ�منين فيها ا ألعداء ،وطال فيها الح�صار اخ ُت ِب الم ؤ�منون
وا�ض َطربوا ا�ضطراب ًا� شديداً.
١٢واذكر � -أيها النب ُّي -حين يقول المنافقون والذين
في قلوبهم �ش ٌّك و َ�ضع ُف اعتقاد :ما وع َدنا اللهُ ور�سول ُه
بالن�صر والتمكين �إلا َو ْعداً باطل ًا لا حقيق َة له؛ فلا
ت�ص ِّدقوه.
١٣و�إذ قالت طائفة من المنافقين :يا أ�هل يثرب -أ�ي ٧واذكر -أ�يها الر�سول -حين �أخذنا ِم ْن جميع
المدينة :-لا مكان لكم في َ�أر�ض المعركة تقيمون فيه، النبيين ميثا َقهم �أَ ْن يب ِّلغوا �شرائعنا ُألممهم ،و أ�خذنا هذا
ف َ�أنتم ُعر�ضة للهزيمة والهلاك؛ فارجعوا إ�لى منازلكم الميثاق منك ومن نوح و�إبراهيم ومو�سى وعي�سى ابن
لتنجوا ،وي�ست أ�ذن فريق �آ َخر من المنافقين النبي - -
بالعودة إ�لى منازلهم قائلين� :إن بيوتنا غي ُر َح ِ�صينة نخاف مريم ،و�أخذنا منهم بذلك عهداً م ؤ� َّكداً عظيم ًا.
عليها من العدو ،فك َّذبهم الله ب�أنها مح َّ�صنة ،و�أنهم ما
٨أ�خذ الله العه َد ِم ْن ه�ؤلاء ا َلأنبياء ،لي�س أ�لهم ع ّما
يريدون با�ستئذانهم �إلا الهر َب من القتال. قالوه وب ّلغوه ِم ْن �شرائعه ال�صادقة ،وع ّما أ�جا َبهم به
١٤ولو َدخل ْت عليهم المدين َة جيو� ُش الأحزاب من أ�قوا ُمهم ،و أ�ع َّد الله للكافرين بالر�سل عذاب ًا أ�ليم ًا.
جوانبها ثم ُط ِل َب ِم ْن ه�ؤلاء المنافقين الر َّد ُة ومقاتل ُة
الم�سلمين لتركوا بيو َتهم و َلـ َما تر َّددوا في الا�ستجابة لهم ٩يا أ�يها الم ؤ�منون ،اذكروا نعمة الله التي �أنعم بها
عليكم في َو ْق َع ِة الأحزا ِب ،حين تحالف ْت عليكم جنو ُد
ولم يت�أخروا إ�لا زمن ًا ي�سيراً. ا ألحزاب ،ف�أر�سلنا عليهم ريح ًا �شديد ًة اقتلع ْت �أوتا َدهم
وخيا َمهم ،و َق َل َب ْت ُق ُدورهم ،و أ�ر�سلنا جنوداً لم تروها
١٥وقد كان ه ؤ�لاء المنافقون المعت ِذرون عاهدوا من الملائكة؛ و َق َذفنا الرع َب في قلوبهم ،وكان الله بما
الله أ�ما َم ر�سوله ِمن َقبل غزو ِة الخند ِق �أ ْن لا يف ّروا من تعملون �أيها الم�ؤمنون ِ -من َح ْفر الخندق والثبا ِت مع
معرك ٍة ،ولكنهم خانوا العه َد ،وكان عه ُد الله جديراً
النبي - ب�صيراً.
بالوفاء ،و�س ُي�س أ�لون عنه يوم القيامة.
419
ي�س أ�لون عن �أخباركم مع الكفار ،ولو كانوا بينكم في ١٦قل � -أيها النبي -له ؤ�لا ِء المنافقين الفا ِّرين من
المعركة :لن ينفعكم الفرا ُر من الموت ،أ�و من القتل
المدينة ما قاتلوا معكم �إلا قتال ًا ي�سيراً؛ لأ ّن غايتهم لي�ست إ� ْن ق�ضى الله بذلك ،فلا تتمتعون بحياتكم �إلا قليل ًا
ُن ْ�صتكم ولكن ت�ضليلكم و إ�يهامكم �أنهم معكم.
ب َق ْدر� أعماركم.
٢١لقد كان لكم � -أيها الم�سلمون -في ر�سول الله
محمد - -قدو ٌة ح�سنة؛ فاقتدوا به في جهاده ١٧قل� -أيها النبي -لهمَ :م ْن يمنعكم ِم ْن ق�ضاء الله
�إ ْن أ�راد بكم هلاك ًا أ�و هزيمة �أو أ�راد بكم ن�صراً أ�و خيراً؟
و َ�صبره وعبادته و�سائ ِر �أفعاله ،و�إنما يقتدي بر�سول الله
- -الم ؤ�م ُن ال�صادق الذي يرجو ما عند الله ِم ْن ولا يجدون لهم من دون الله قريب ًا ينفعهم ،ولا ن�صيراً
خي ٍر في الدنيا وا آلخرة ،و َذ َك َر اللهَ ذكراً كثيراً في حالة
يدفع ال ُّ� َّض عنهم.
الخوف وا ألمن ،وفي ال�شدة والرخاء.
١٨إ� َّن الله يعلم المنافقين والـ ُمث ِّبطين القائلين
٢٢ولـ ّمار�أىالم�ؤمنونجيو� َشالأحزابوقد�أحاطت أل�صحابهمَ� :أ ْق ِبلوا إ�لينا واتركوا محمداً فلا تحاربوا
بهم قالوا :هذا ما وعدنا الله ور�سولهِ ،من تحقيق الن�صر،
معه ،ف إ� ّنا نخاف عليكم الهلاك ،وهم لا ي�شاركون في
�أو ال�شهادة ،و َ�ص َد َق الله ور�سوله في الوعد والابتلاء، القتال �إلا قليل ًا ب َق ْد ِر ما ُيو ِهمون الم ؤ�منين أ�نهم معهم.
وما زادهم هذا الأمر إ�لا ثبات ًا وت�سليم ًا بق�ضائه و ُحكمه.
ُ ١٩بخلاء عليكم بالمعونة وا إلنفاق في �سبيل الله؛
ِلـ َما في نفو�سهم من الحقد ،ف�إذا جاءت الحر ُب خافوا
الهلاك ،وظهر هذا الخو ُف في وجوههم ور�أي َتهم
ينظرون إ�ليك ،تدور �أعي ُنهم ك َد َوران عي ِن الذي يعاني
�َسكرا ِت الموت ،ف إ�ذا انتهت الحر ُب وذهب الخوف،
اجتر ؤ�وا عليكم وخا َ�ص ُموكم في �ش�أن الغنائم ب�أل�سن ٍة
�َسليط ٍة حر�ص ًا منهم على �أن لا يفوتهم �شيء منها ،ذلك
ألنهم لم ي�ؤمنوا بقلوبهم ،ف�َأ ْذ َه َب الله ثوا َب أ�عمالهم،
وكان َف ْ�ض ُح نفا ِقهم و إ�ذها ُب ثواب أ�عمالهم ه ِّين ًا على
الله تعالى.
٢٠يظ ُّن المنافقون ُجبن ًا وخوف ًا أ�ن الأحزاب الذين
ُهزموا مازالوا يحا�صرون المدينة ولم يرجعوا من حيث
�أتوا مع أ�نهم قد رحلوا خائبين ،و�إ ْن يرجع الأحزا ُب
مر ًة أ�خرى ،لتم َّنى ه�ؤلاء المنافقون أ�ن يكونوا في َم أ�ْمن
مع الأعراب في البادية بعيدين عن القتال في المدينة،
420
الأحزاب ِم ْن ري ٍح وملائكة ،وكان الله قوي ًا لا ُيعجزه
ن�ص ُر الم�ؤمنين ،عزيزاً لا يمتنع عليه إ�ذلا ُل الكافرين.
٢٦و أ�نزل الله الذين عاونوا الأحزا َب المخذول َة
-وهم يهود بني ُقريظةِ -م ْن ح�صونهم ،و أ�لقى في
قلوبهم الخو َف ال�شدي َد ،تقتلون � -أيها الم ؤ�منون -فريق ًا،
وت�أ�سرون فريق ًا �آخر ،جزا ًء على خيانتهم ونق ِ�ضهم للعهد.
٢٧و أ�ورثكم -أ�يها الم�ؤمنون -أ�ر َ�ضهم ومنازلهم
و أ�موالهم ،و أ�ورثكم بعد ذلك أ�ر�ض ًا لم تط�أها أ�قدا ُمكم
ِم ْن قبل -وهي �أر�ض خيبر المح َّ�صنة -وكان الله على
كل �شيء قديراً.
٢٨يا أ�يها النبي قل لن�سائك اللائي َي ْط ُل ْ َب منك زياد َة ِ ٢٣من الم�ؤمنين رجال و َّفوا �أكم َل وفا ٍء بما عاهدوا الله
النفقة بعد أ�ن فتح الله على الم�سلمين ديار بني قريظة عليه ِمن ت�أييد الر�سول - -ومن الثبات معه في كل
وخيبر و�أموالهم :إ�ن كنت َّن ُت ِرد َن الحيا َة الدنيا وزينتها، َموط ٍن ،فمنهم َم ْن و َّفى بعهده حتى �أدركه �أج ُله فمات
ف�أ ْق ِب ْل َن �أُمتعك َّن بما �شرع الله للن�ساء ِمن الـ ُمتعة عند �شهيداً ،ومنهم َم ْن ينتظر :ال�شهادة أ�و الن�صر ،وما غ َّيوا
الطلاق و ُ�أفارقكن ِم ْن غير ُخ�صوم ٍة أ�و َ�ض ٍر أ�و �إيذا ٍء. عه َد الله ولا نق�ضوه ،ولا ب ّدلوه.
٢٩و إ� ْن كنت َّن ُت ؤ�ثرن ر�ضا الله � -سبحانه -وح َّب ِ ٢٤ل ُي ِثي َب اللهُ أ�َه َل ال�صد ِق ب ِ�صدقهم اللهَ بما عاهدوه
ر�سوله -عليه ال�صلاة وال�سلام -ونعي َم الدا ِر ا آلخرة عليه ،ووفا ِئهم له به ،ويع ّذ َب المنافقين بكفرهم بالله
على متاع الدنيا وزين ِتها ،ف�إ َّن الله هي�أ َل ُك َّن أ�جراً ونفاقهم ،أ�و يتو َب عليهم من نفاقهم؛ فيهديهم ل إليمان،
عظيم ًا ،جزا َء الإح�سان باختيا ِر ُك َّن اللهَ ور�سوله على
�إ ّن الله غفو ٌر للم�سيء ،رحي ٌم به إ�ذا تاب إ�ليه و�أناب.
متاع الدنيا وزينتها.
٢٥و َ� َص َف الله هجو َم الكفار عن (المدينة) ورجعوا
٣٠يا ِن�سا َء النبي َم ْن ي�أ ِت منك َّن بمع�صية ظاهر ِة منهزمين خائبين والغي ُظ يملأ قلوبهم؛ ألنهم لم يحققوا
ال ُقب ِح؛ ُي�ضا َعف لها العذاب �ضعفين؛ لأن ما َق ُب َح من
غيرهن هو منه َّن أَ� ْقبح ،وكان ذلك العقا ُب على الله ه ِّين ًا ن�صراً ولا غنيمة ،وكفى الله الم ؤ�منين القتال ،بما �س َّلط على
�سهل ًا.
421
٣١و َمن َت ُدم منك َّن على الطاعة لله ور�سوله وتعم ْل
�صالح ًا ن ؤ�تها مثل �أج ِر غيرها مرتين :مر ًة على الطاعة
ومر ًة على �إر�ضاء النبي ،و�أع َددنا لها في الجنة رزق ًا
ح�سن ًا جليل ًا.
عند الله وكذلك الم�ص ّدقا ِت ،والدائمين على طاعة ٣٢يا ن�سا َء النب ِّي لي�س َق ْد ُرك ّن عند الله ك َق ْد ِر
الله والدائمات ،وال�صادقين وال�صادقات قول ًا وعمل ًا، غيرك ّن من ال�صالحات ،ف أ�نت َّن أ�كر ُم وثوابك َّن �أعظم إ�ذا
ابت َع ْد ُت َّن عن مخالفة الله ور�سوله ،فلا يك ْن كلا ُمك ّن
وال�صابرين وال�صابرات على طاعة الله و َت ْر ِك معا�صيه، عند مخاطبة الرجال ِمن وراء ال�ستار ل ِّين ًا رقيق ًا ،حتى
والخا�شعين والخا�شعات توا�ضع ًا لله بالقلوب والجوارح، ال يطمع الذي في نف�سه رغب ُة �سو ٍء ،و ُق ْل َن قول ًا بعيداً عن
والمت�ص ّدقين والمت�ص ّدقات فر�ض ًا ونفل ًا ،م ّما رز َق ُهم ال ِّريبة وا إل ْطماع.
الله ،والحافظين فرو َجهم والحافظات ع ّما ال يح ُّل،
والذاكرين الله كثيراً والذاكرات بقلوبهم و�أل�سنتهم ٣٣وا ْل َز ْم َن بيوتك ّن إ� ّل ل�ضرورة ،ولا ُتظ ِهر َن ما
لا يجوز إ�ظها ُره ِمن الزينة كما كان �ش ْ�أ َن الن�ساء قبل
تلاو ًة وت�سبيح ًا ونحوهما ،ك ُّل �أولئك �أع َّد الله لهم الإ�سلام ،و أ� ِقم َن ال�صلاة و�أ ِّدي َن الزكاة على الو ْجه
مغفر ًة لذنوبهم و�أجراً عظيم ًا على طاعتهم. الم�شروع ،و أ� ِطع َن الله ور�سوله فيما �أمر ونهى ،ف�إ ّن الله
ما أ�مركم بهذا يا �أهل البيت إ� ّل ل ُيذه َب عنكم الذنوب
وا آلثام وي�صونكم ع ّما لا يليق ببيت النب ّوة.
٣٤واذكر َن ما ُيتلى في بيوتك َّن من القر�آن ،ودا ِومن
على ا�ستح�ضار َهدي النبي - -واعرف َن ح َّق ذلك
و َق ْدره ،فقد َخ ّ�ص ُك ّن الله بال َعي�ش مع نب ّيه - -ف�ضل ًا
منه ونعم ًة ،واحذر َن مخالف َة الل ِه �سبحانه ف إ� ّنه خبي ٌر
با ألحوال لا يخفى عليه� شيء.
َ ٣٥ذ َكر اللهُ الن�سا َء بجان ِب الرجا ِل و َو َع َدهما
بوحدة الجزاء عند اتحاد العمل ر ْفع ًا ل�ش أ�نه ّن ،ولكي
لا َيظ ّن �أح ٌد أ�نه َّن َي ْختلف َن عن الرجال في �شيء من
ذلك ،فب ّي �سبحانه أ� ّن الذين �أ�س َلموا لله واللاتي �أ�س َل ْم َن
انقياداً ألحكامه قول ًا وفعل ًا ،والم�ص ّدقين بما جاء ِمن
422
اللهُ �إ ّياها ،لئلا يكون على الم�ؤمنين حر ٌج إ�ذا تزوج 36لا ي�ستقيم اجتما ُع ا إليما ِن وعد ِم الر�ضا بحكم الله
�أحدهم مطلق َة َمن تب َّناه بعد انق�ضا ِء ع َّدتها ،وك ُّل �أم ٍر ور�سوله في قلب م ؤ�م ٍن ولا م�ؤمن ٍة ،فلا اختيا َر لمخلو ٍق
فيما حكم به الخالق �سبحانه ،والنب ُّي - -يحكم
�أراده الله فهو كائ ٌن لا َمحالة. ب ُحكم الله تعالى ،و َم ْن رف�ض حك َمه كفر ،و َم ْن َك ِره دون
رف�ٍض انحر َف عن عمل �أهل ا إليمان انحراف ًا ب ّين ًا �شديداً.
38ما كان على النبي ت�ضيي ٌق �أو َلو ٌم فيما َق َ�سم الله
له فهذه �ُس ّنة الله وعادته في أ�نبيائه ال�سابقين وقد ق َّدر 37و�إذ تقو ُل -أ�يها الر�سول -للذي �أَنعم الله
طلا َق زينب زو ِج ُمتب َّنى النبي كما ق ّدر زواجها
ِم ْن نبيه - -وما �أ َم َر به الله فهو ق�ضا ٌء �ساب ٌق في علمه عليه بالإ�سلام و�أنعم َت عليه با إلعتاق -وهو زيد بن
حارثة :-أ�م�س ْك علي َك زوج َك زين َب بنت َج ْح�ش فلا
الَ م َّرد له. تط ِّل ْقها ،وا َّت ِق الله في أ�مرها ،وا�صبر على ما َب َد َر منها
في حقك .تقول -يا ر�سول الله -ذلك له وتخفي في
39وقد رفع الله الحر َج عن أ�نبيائه إ�ذ هم لا ي أ�تون نف�سك ا أل ْم َر الذي َأ�ع َلمك اللهُ أ�نه �سيظهره ،أ�ن زيداً
ب�شيء ِمن عندهم بل يب ِّلغون ما �أر�سلهم الله به .ومحم ٌد �سيطلق زينب وتتزوجها ،وت�ستحي من النا�س أ�ن يقال:
- -وا ألنبيا ُء -عليهم ال�سلام -لا يتركون تبلي َغ
�شيء مما �أُر�سلوا به ،إ�ذ هم يخ�شون الله ،ولا يخ�شون تز َّو َج مطلق َة ُمتب ّناه .والله �أحق �أن ت�ستحي منه ،فلما
أ�حداً غير الله فلا َي ْتكون �شيئ ًا مما أُ�ر�سلوا به ،وكفى بالله ق�ضى زي ٌد منها حاجته وط َّل َقها وانق�ض ْت عد ُتها ز َّوجك
ظهيراً ،وكافي ًا للمخاوف. 423
40ما كان محم ٌد أ�با �أح ٍد من رجالكم؛ �إ ْذ ك ُّل أ�بنائه
ماتوا قبل البلوغ ،و أ�ُب ّوته لأمته ُ�أب ّوة رعاية لا ُتوجب
تحري َم النكاح ،وهو خات ُم النب ّيين ،لا نب َّي بعده،
وكان الله بكل �شيء عليم ًا ،فهو يعلم أ�نه َج ِدي ٌر ب َخ ْت ِم
النبوة وكيف يكون �ش�أ ُنه مع الم�ؤمنين وغيرهم.
42 41يا أ�يها الذين �آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً،
فالذكر ِمن لواز ِم ا إليمان ،وهو تهلي ٌل وتكبي ٌر وتلاو ُة
قر آ� ٍن و�صلا ٌة وعباد ٌة ،مع المواظبة ب ُح ُ�ضور القلب،
و�َس ِّبحوا الله ،في �أول النهار و آ�خره .والت�سبي ُح هو تنزيه
الله عن كل نق�ص ،وهو ِذ ْك ٌر لك ْن �ُأعيد لأهميته.
43هو الذي ين ّز ُل عليكم رحم َته وبركاته ،وتدعو
لكم ملائك ُته بالمغفرة والرحمة ،ليخرجكم من ظلمات
الكفر وال�ضلال و�س ِّيئ الأعما ِل إ�لى نور الإيمان والر�شاد.
44تح ّي ُة الم�ؤمنين في الآخرة �سلا ٌم من الله وملائكته،
وت�أمي ٌن من العذاب و�سائ ِر المكروهات ،و أ�ع َّد الله
للم ؤ�منين �أجراً كريم ًا وهو الجنة وما فيها مما الَ عين ر�أ ْت
ولا �أذن �سمع ْت ولا خطر على قلب َب�َش.
45يا �أيها النبي �إنا �أر�سلناك �إلى النا�س بر�سالتنا َت�شهد
لمن آ�من و َع ِمل �صالح ًا و َت�شهد على َم ْن كفر وع�صى،
و ُتب�ِّش الم�ؤمن بالثواب في الجنة و ُتنذر الكافر بالنار.
46و أ�ر�سلناك داعي ًا إ�لى ا إليمان بالله و�صفاته وما
َ�أ ْخبر به ،و�أن َت � -أيها الر�سول� -إنما تدعو إ�لى الله ب�أمره
و َع ْونه إ�ذ لا َّقوة لأح ٍد إ�لا به �سبحانه ،و�أن َت فيما تدعو
�إليه قدو ٌة كالم�صباح المنير ُتر�شد بقولك و ِفعلك ،وتد ُّل
النا�س على طريق الحق .
ُح َي ّي و ُجويرية بنت الحارث ر�ضي الله عنهما �أعتقهما 47ث ّم أ�مر الله نب َّيه أ�ن يب�شر الم�ؤمني َن بالثواب
وتزوج بهما -و أ�حللنا ل َك أ�ن تتزوج بنا ِت ع ّمك العظيم ،وبما خ َّ�صهم به �سبحانه من العفو عن ال�سيئات
وبنا ِت ع ّماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي
هاجرن ف ُك َّن معك في دار الهجرة ،وكذلك �أَ ْح َل ْلنا لك وم�ضاعفة الح�سنات.
ك َّل امر�أ ٍة م ؤ�منة �إ ْن وهب ْت نف َ�سها لك -أ�يها النبي -بلا
َمه ٍر إ� ْن أ�رد َت �أن تتزوجها ،وهذه خال�صة لك َو ْحدك 48كان النبي لا يطيع الكافري َن والمنافقين ،ف أَ� َم َره
من دون الم�ؤمنين ،فلا تح ُّل لهم هذه ال ِه َب ُة ،بل لاب ّد من الله أ�ن َي ُدوم على ذلك ولا ُيبالي ب�إيذائهم له ،و أ�ن َي ْع َتمد
ال َع ْقد والمهر في الزواج .قد َع ِلمنا ما فر�ضنا عليهم من على الله وحده في ر ِّد أ�ذاهم عليهم وفي ك ِّل �أم ٍر �أهمه،
الح ّق في �ش�أن �أزواجهم وما ملك ْت أ�يما ُنهم ،وقد �أحللنا
لك ما َذ َكرنا لكي لا يكون عليك ت�ضيي ٌق في هذا الأمر، وهو كافيه ولا كاف َي غيره ف إ� ّنه متك ِّفل بذلك.
وكان الله غفوراً لمن وقع في الحرج ِم ْن عباده ،رحيم ًا
49يا أ�يها الذين آ�منوا �إذا َع َق ْدتم على الم�ؤمنات ثم
بالتو�سعة عليهم. طلقتموهن قبل الـ َم�سي�س والمبا�َشة ،فلي�س لكم عليهن
ح ُّق العد ِة ،ف َم ِّتعوهن على َق ْدر ُع�سركم و ُي�سركم،
424
وفارقوه ّن ب�إح�سان ِم ْن غير ت�ضييق �أو َمن ِع ح ٍّق.
50يا �أيها النبي �إنا �أحللنا لك �أزواجك اللاتي �آتيت
مهو َرهن ،و أ�حللنا لك ما ملكت يمي ُنك من الإماء مما
�أفاء الله عليك -ومما �أفاء الله على نبيه� :صف ّي ُة بنت
أ�ن ُتطلقهن لتتزوج غيرهن بدل ًا منهن ،ولو �أعجبك
ُح�ْس ُن غي ِرهن ،لكن يح ُّل لك ما ملك ْت يمي ُنك ،والله
م َّطلع على كل �شيء ،لا يخفى عليه �شيء من �أمر العباد.
53يا أ�يها الذين �آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إ�لا إ�ذا 51و ِمن َر ْح َمته أ�نه و�َّسع عليك -يا ر�سول الله -في
�أمر ن�سائك ف�أ ِذ َن لك �أن ت ؤ� ِّخـر َم ْن ت�شـاء منهن؛ فلا
َ�أ ِذ َن لكم �إلى طعام ،ف�إذا �أذن لكم فادخلوا في الوقت تجعل لها ِق�سم َة ا أليام بينهن ،و ُت ؤ�وي �إليك َم ْن ت�شاء
منهن فتجعل لها ح ّظ ًا ،و َم ْن �أردتها من اللاتي َع َز ْلتهن
المنا�سب ،ولا ت أ�توا مب ّكرين تنتظرون ُن ْ�ض َج الطعام، عن ال ِق�سمة فلا ُجناح عليك في ذلك ،وهذا �أقرب �إلى
ولكن �إذا ُدعيتم �إلى الدخول فادخلوا ،ف إ�ذا �أكلتم �أن َتق َّر �أعينهن ولا َيحز َّن و َير َ�ضين ك ُّلهن بما �آتيتهن �إذا
َع ِل ْمن أ� ّن الله هو الذي ف ّو�ض �إليك �أمر الق�سمة .ثم ن َّبه
فاخرجوا ولا َتبقوا وقت ًا طويل ًا لي أ�ن�س بع ُ�ضكم بحديث الله الم�ؤمنين والم�ؤمنات على �أ َّل ُيخفوا في �أنف�سهم إ�لا ما
بع�ض ؛ لأن بقاءكم في بيته كثيراً -كما وقع بعد َو ِليمة ُير�ضي ربهم :فهو يعلم �سبحانه ما في قلوبهم ِم ْن ح ٍب
زواجه بزينب -كان ي�ؤذيه في�ستحيي أ�ن ُي�ص ِّر َح لكم أ�و ُكر ٍه و ِم ْن َمي ٍل �أو نفو ٍر ،وكان الله عليم ًا بما ت�ضمر
بذلك ،والله لا ي�ستحيي ِم ْن بيان الح ّق؛ وكذلك �إذا ال�صدور ِم ْن خير أ�و �شر ،حليم ًا ال يعجل بعقوبة َم ْن ق ّ�ص
أ�تيتم بيو َت ن�سا ِئه و�س أ�لتموهن حاج ًة فا�س�ألوه َّن ِم ْن
خ ْلف الحجاب ال تنظروا �إليهن ولا َي ْنظرن �إليكم؛ ألن فهو َج ِدير �أنُ يطاع.
ذلكم َ�أ ْن َفى للتهمة و َ�أ ْبعد للو�سو�سة عنكم وعنهن ،ولا
يح ُّل لكم ب أ� ِّي و ْجه أ�ن ت ؤ�ذوا ر�سول الله ولا أ�ن تتزوجوا 52لا َيح ُّل لك � -أيها النبي� -أن تنكح الن�ساء بعد
ن�ساءه ِم ْن بعده �أبداً ف إ� َّن ذلك ِم ْن كبائر ما نهى الله عنه ن�سائك اللاتي اختر َن اللهَ ور�سو َله والدا َر ا آلخر َة ،ولا
ِلـ َما فيه من المنافا ِة لما يجب لنبيه ح ّي ًا وم ّيت ًا ِمن
425
التعظيم لـ ُحرمته والتكريم ل�ش أ�نه.
� 54إ ْن ُتظهروا �شيئ ًا مما ي ؤ�ذي النبي - -أ�و تخفوه
ف�إ ّن الله كان به عليم ًا و�سيحا�سبكم عليه.
بعباده فيما ي�أمرهم. 55لي�س على ن�ساء النبي إ�ِث ٌم في الظهور بلا حجاب
�أمام آ�بائهن �أو أ�بنائهن �أو إ�خوانهن �أو �أبنا ِء �إخوانهن �أو
َ 60أ� ْق�سم الله تعالى لنبيه على أ�نه �إ ْن لم َينته أ�بنا ِء �أخواتهن �أو الن�سا ِء الم�سلمات المخت ّ�صات ب ُ�صحبتهن
المنافقون عن نفاقهم و�إيذائهم ،وكذلك الذين في وخدمتهن �أو إ�مائهن .ثم و ّجه الله تعالى ال ِخطاب �إليه َّن
قلوبهم رغب ُة التعر�ِض للم�ؤمنات ب َق ْ�صد الفجور وكذلك حين أ�راد تحذيرهن من التق�صير في هذا الأمر ف�أمرهن
المرجفون الذين يذيعون ا ألخبا َر الكاذب َة في المدينة ُب ْغي َة بالتقوى ون َّبه ُه َّن على أ�نه �شهي ٌد عليهن وعلى كل �شيء
الفتنة ون�ش ِر الا�ضطراب في قلوب الم�ؤمنين ،لئن لم ينتهوا
عن كل ذلك ف َل ُن َح ِّر�ض ّنك على عقابهم بالقتل وال َّطر ِد وهو يعاقب من يخالفه.
حتى يخرجوا من المدينة فلا يجاورونك فيها إ�لا زمن ًا
َ� 56أخبر اللهُ عن نف�سه وملائكته أ�نهم ي�ص ُّلون على
قليل ًا يته َّي�ؤون فيه للخروج. النبي إ�ظهاراً ل ِع َظم ف�ضله وف�ض ِل ال�صلا ِة عليه ،و أ�مر
�سبحانه الم�ؤمنين ب أ�ن ُي�ص ّلوا عليه وي�سلموا ت�سليم ًا -ب�أن
61ويكونون مطرودين ُمبعدين عن رحمة الله :أ�ينما يقولوا :اللهم �ص ِّل على محمد و�سلم �أو نحو ذلك-
ُو ِجدوا ُِقب�َض عليهم ف ُيق َتلون قتل ًا لا َهوا َدة فيه. وال�صلا ُة منه �سبحانه هي الرحمة ،و ِم ْن غيره هي دعاء
بها ،والت�سليم في الأ�صل دعاء بال�سلامة ثم يت�ضمن َف ْو َق
62يفعل الله بهم ذلك ح�سب �ُس َّنته في ا ألمم ال�سابقة،
و�س َّنته لا تتبدل ولا تتخلف لا يغي ِّرها ولا َيقدر أ�ح ٌد على ذلك التحي َة والتعظيم.
تغييرها. � 57إ ّن الذين ي�ؤذون الله بكفرهم به كقولهم :هو
ثالث ثلاثة ،وبو�صفه بما لا يليق كقولهم :إ�نه فقير،
426 وي ؤ�ذون ر�سو َله ِب َقول ِة ال�ُّسوء في بع�ض ن�سائه أ�و ب أ�ي قول
أ�و فعل ُينق�ص من �ش أ�نه ،ه�ؤلاء َط َر َدهم الله و أ�بعدهم
ِم ْن رحمته في الدارين ،وه ّي�أَ لهم في ا آلخرة عذاب ًا ِم ْن
جن�س عملهم ي�ؤذيهم في نفو�سهم ويذلهم.
58ث ّم َأ� ْلـ َح َق اللهُتعالى إ�يذاء الم ؤ�منين والم�ؤمنات ب�إيذائه
و إ�يذاء ر�سوله - -زياد ًة في ت أ�كيد الزجر عن �أذى
الم ؤ�منين و�س ّماه ُبهتان ًا وهو الاتهام الباطل ،و�س ّماه �إثم ًا
ُمبين ًا وهو الذن ُب الوا�ض ُح الب ِّي ،وهذا ك ُّله حا ِ�ص ٌل إ�ذا
كان بغير اكت�ساب منهم ،أ� ّما َم ْن أ�تى �إثم ًا ف ُأ�وذ َي ب�سببه
أ�و اعتدى َف ُر َّد عليه الاعتداء فلا �إثم في إ�يذائه ومعاقبته.
59يا �أيها النبي ُم ْر �أزوا َجك وبناتك وك َّل الن�ساء
الم�ؤمنات ب أ�ن َي�سترن أ�بدانهن جميعها بجلابيبهن د ْفع ًا
للفتنة و َف ْرق ًا بينهن وبين غيرهن من المتبرجات فلا
ُيتعر�ض له َّن ب�سوء ،وكان الله غفوراً للذنوب رحيم ًا
قاد َتنا وعظماءنا في الكفر ؛ َف َ�صفونا عن طريق الهدى.
68ربنا َع ّذ ْبهم عذاب ًا م�ضاعف ًا واطردهم عن رحمتك
طرداً بعيداً.
69يح ِّذر تعالى الم�ؤمنين من �إيذاء نب ِّيهم كي لا 63ي�س�ألك النا� ُس عن ال�ساعة � -أي وقت قيام النا�س
يكونوا ِمث َل الذين �آذوا مو�سى ِم ْن قومه �إذ َو َ�صفوه بما لا للح�شر والح�ساب -ا�ستفهام ًا �أو ا�ستهزا ًء �أو اختباراً ك ٌّل
يليق به وبمقام النبوة ،فب ّر أ�َه الله مما قالوا ،و�أظهر َك ِذبهم، بح�سب ما في قلبه ،قل� :إنما ِع ْلمها عند الله ،لم ُي ْطل ْعك
وكان مو�سى -عليه ال�سلام -عند الله ذا منزل ٍة عظيم ٍة ولم ُيطل ْع أ�حداً على وقتها ،ولعل حدوث القيامة قريب.
ودعو ٍة مجاب ٍة. � 64إن الله َط َر َد الكافرين و�أب َعدهم ِم ْن رحمته و أ�ع َّد
لهم ناراً ملتهب ًة هائج ًة.
70يا أ�يها الذين �آمنوا احذروا عقا َب الله واجتنبوا
أ�ذى ر�سوله وك َّل ما يكره ،وقولوا قول ًا م�ستقيم ًا، 65ماكثين فيها بلا نهاية ،لا يجدون َم ْن يدفع
قا ِ�صداً إ�لى الحق والعدل بريئ ًا ِم ْن كل انحرا ٍف أ�و ف�سا ٍد. عنهم العذاب ،ولا يجدون ن�صيراً يعينهم ،في�صرف
� 71إ ْن تفعلوا ذلك يجع ْل �أعما َلكم خال�ص ًة لوجهه عنهم العذاب.
موافقة ل�شرعه ويتقب ْلها منكم و َي ْع ُف عن �سيئاتكم ،و َم ْن 66يوم ُنق ِّلب وجو َههم و�سا ِئ َر �أج�سا ِدهم ِم ْن جه ٍة
يطع الله ور�سوله ب ِف ْعل ِما �أمر به و َت ْر ِك ما نهى عنه فقد إ�لى �أخرى في النار يتمنون لو أ�نهم كانوا قد أ�طاعوا الله
فاز بال�سعادة في الدارين. ور�سو َله ِلي َّتقوا ما هم فيه من العذاب.
72إ� َّنا عر�ضنا �أمان َة الخلافة والتكلي ِفعلى ال�سماوات 67وقال الكافرون وهم في جهنم :ربنا إ�نا �أطعنا
والأر�ض والجبال ،فاخترن ا إلعفا َء منها خوف ًا ِمن ثقلها
وعد ِم القدرة على الوفاء ب َت ِبعاتها ،و َق ِب َل الإن�سا ُن على
َ�ضعفه أ�ن يحملها غير م�شفق ِم ْن ثقلها ولا مق ّد ٍر عاقبة
التق�صير في الوفاء بحقها ،إ�نه كان ظلوم ًا لنف�سه جهول ًا
بربه؛ لركوبه المع�صي َة وخيان ِته ما ا�ست�ؤمن عليه.
73و إ�نما كان َعر�ُض ا ألمان ِة وتحمي ُل الإن�سان إ� ّياها؛
ِل ُيظهر العبا ُد نياتهم بعملهم ،فيعذب َم ْن لم َي ْقم بح ِّق
الأمانة و َتظا َهر بحملها وهم المنافقون والمنافقات� ،أو
�أعلن الكف َر والع�صيان وهم الم�شركون والم�شركات،
�أ ّما الم�ؤمنون والم�ؤمنات فيتوب الله على َم ْن ق ّ�ص منهم
و ُيح�سن جزاءه ،ويكرم الطائ َع منهم ويرفع مقامه.
427
5والذين َج ُّدوا في محاولة �إبطا ِل �آياتنا التي 1الحمد التا ُّم ك ُّله ُم�ست َح ٌّق لله تعالى الذي له ما في
أ�نزلناها ظا ِّنين أ�نهم يعجزوننا �أولئك لهم يوم القيامة ال�سماوات وا ألر�ض َخ ْلق ًا وم ْلك ًا ،وا�ستحقا ُقه للحمد
�أَ ْظ َه ُر ما يكون في الآخرة حين يرى الخل ُق �أ ّل �أثر لغير
عذا ٌب �شدي ٌد مو ِج ٌع. قدرته في ت�صريف أ� ّي �شيء� ،أ ّما في الدنيا ف أ�ثرها م�ستو ٌر
� 6أ ّما الذين �أُوتوا العلم فيعلمون ِعلم اليقي ِن أ�ن في ا أل�سباب ،وهو الحكيم في تدبير �ش�ؤون خلقه ،الخبير
القر آ�ن الذي ُ�أنزل عليك هو منزل ِم ْن ربك دو َن �ش ٍّك
و�أنه ير�شد إ�لى المنهج القويم منه ِج العزي ِز الذي لا ُيغالب، بما في نفو�سهم ِمن �شك ٍر وجحو ٍد وخي ٍر و�ش ٍّر.
الم�ستح ِّق لكل ثنا ٍء و َح ْم ٍد. 2يعلم ما يدخل في ا ألر�ض من ا ألمطار والأموات
7وقال الذين كفروا ببع ِث الل ِه المخلوقاتِ ،ل َيحجبوا
النا� َس عن دعوة ر�سول الله و ِل ُيظهروها في �صورة ا ألمر وك ِّل كبير و�صغير ،ويعلم ما يخرج منها من النبات
الم�ستن َكر :هل ند ُّلكم على رج ٍل يخبركم بخبر عجيب،
هو أ�نكم إ�ذا متم و َبليتم وتف ّرق ْت أ�جزا�ؤكم في الأر�ض والماء والمعادن وغي ِر ذلك ،ويعلم ما ينزل من ال�سماء
ِم ْن �أمطا ٍر وخيرات و ِمن الملائكة والوحي والأقدار،
تعودون خلق ًا جديداً؟! ويعلم ما ي�صعد �إليها من الملائك ِة والأعمال والدعوات
428 والأرواح ،وهو الرحي ُم بخلقه ينزل لهم رزقهم
ومناف َعهم وينزل الوح َي على الر�سل لهدايتهم ،وهو
الغفور لذنوبهم وتق�صيرهم في الطاعة.
3وقال منكرو البعث :لا ت أ�تينا ال�ساع ُة التي ُيبعث
فيها الخلق للح�ساب ،قل لهم -أ�يها الر�سول� :-إ ّن
قولكم باط ٌل و�سوف ت أ�تيكم ،و�ُأق�سم على ذلك بربي
عال ِم الغي ِب علم ًا محيط ًا ،لا يغيب عنه �شيء مهما �صغر
ولو كان بمقدار �أ�صغ ِر َنلة أ�و هباء ٍة �سواء كان في ال�سماء
�أو في ا ألر�ض ولا �أ�صغ ُر من ذلك ولا �أكبر ،فما ِم ْن �شيء
منه �إلا هو م�س َّجل في كتاب -وهو اللوح المحفوظ-
ُي ِبين ع ّما �ُس ِّجل فيه أ�ت َّم البيان حين يريد الله ذلك؛ فهو
تعالى قاد ٌر على البعث والح�ساب.
� 4ست أ�تي ال�ساعة ليجزي الله الذين �آمنوا وعملوا
ال�صالحات جزا ًء يليق ب�إيمانهم وع ِملهم ال�صالح،
�أولئك لهم مغفرة لذنوبهم وتق�صيرهم ،ولهم رز ٌق
َح َ�س ٌن وا�س ٌع من نعي ِم الجنة ل�صبرهم على الطاعة وعلى
اجتناب المع�صية.
�إذا َذكر اللهَ تعالى ،وجعلنا الحدي َد في يديه ل ّين ًا ي�ش ِّكله 8وقالوا :هل اخ َتلق هذا القو َل عمداً �أم به َم� ٌّس من
كما يريد. الجن؟ ف أ�جابهم الله تعالى بقوله :بل هم حين ينكرون
11يا داود :ا�ص َن ْع دروع ًا مح َكم ًة وا�ضب ْط مقدا َر البعث و ُيك ّذبون بالآخرة واقعون ب�سبب إ�نكارهم
حلقاتها حتى تكون متنا�سب ًة متما�سك َة الن�س ِج ،واعم ْل وتكذيبهم في العذاب يوم القيامة ،وفي ال�ضلال البعيد
�أن َت و َم ْن معك عمل ًا �صالح ًا ،فالله ب�صي ٌر بعملكم
عن الح ّق في الدنيا.
ون ّياتكم لا يخفى عليه منها �شيء .
9ث ّم و َّب َخهم �سبحانه على َتركهم التد ُّب َر الهادي
12و�س ّخرنا ل�سليمان الري َح ت�سير به َغدا ًة -أ�ي ِم ْن �إلى الإيمان فقال :هل عموا فلم ينظروا إ�لى ما يحيط
�أول النهار �إلى الزوال -م�سير َة �شهر ،و َرواح ًا -أ�ي ِم َن بهم في ال�سماء وا ألر�ض ِم ْن �آيات الله الدا َّل ِة على قدرته،
الزوال إ�لى الغروب -م�سيرة �شهر ،فكانت تقطع به في فهو إ� ْن �شاء َخ َ�س َف بهم ا ألر�َض �أو أ��سقط عليهم ِق َطع ًا
يوم واح ٍد م�سير َة �شهرين بال�سير المعتاد ،و آ�تيناه نعم ًة ُمه ِلك ًة من ال�سماء؟! إ� ّن في ذلك َلدلائ َل وا�ضح ًة لك ّل
�أخرى فجعلنا له النحا�س َعين ًا �سائل ًة ي�صنع منها ما ي�شاء، ع ْب ٍد يتد َّبر ويريد العودة إ�لى الح ّق.
و�سخرنا له ِمن الجن َم ْن يعمل له ما ي�شاء ب إ�ذن ربه ،و َم ْن
10ولقد آ�تينا داود النب ّو َة والكتاب والملك وتف�ضلنا
َي ْع ِدل منهم عن طاعته ُن ِذ ْقه ِم ْن عذاب النار. عليه ِمن َل ُد ّنا بزياد ٍة ف أ�مرنا الجبا َل والطير أ�ن تر ِّدد معه
13يعمل له الج ُّن ما يريد ِم ْن بناء الم�ساجد والق�صور،
ويعملون له تماثيل ،وهي كل �شيء َ�ص َّورته على ِمثل هيئته
-ولم تكن التماثيل مح ّرم ًة في �شريعتهم -ويعملون له
ِ�صحاف ًا لطعا ِم �ضيوفه كبيرة ك ِحيا�ض الماء وقدوراً للطبخ
عظيم ًة ثابت ًة على مواقدها لا تتحرك ل�ضخامتها ،ثم
قال الله تعالى ل�سليمان و َمن معه ِمن �آل داود :اعملوا
يا آ�ل داود بطاعة الله �شكراً على �إنعامه .و أ�خ َبهم �أ ّن
ال�شاكرين ِم ْن عباده ح َّق ال�شكر قليلون.
14ث ّم قال الله تعالى :فلما قب�ضنا رو َحه لم ي�شعر الج ُّن
ولا �آ ُل داود بموته ،وقد مات �سليمان عليه ال�سلام وهو
م َّتكئ على ع�صاه ف�أكل ْت منها داب ُة ا ألر�ض -وهي
ا َأل َر َ�ض ُة �آكلة الخ�شب -فانك�سرت الع�صا فخ َّر على
الأر�ض وعلموا أ�نه مات منذ ُم َّدة طويلة و َع ِل َم الج ُّن الذين
يزعمون ِع ْل َم الغيب �أنهم لو كانوا يعلمون الغي َب لم يبقوا
في العمل ال�شا ِّق المهين لهم بعد موته عليه ال�سلام.
429
أ�جمعين إ�لا عبادك منهم المخ َل�صين ظن ًا منه �أنهم يتبعونه، 15أ�خ َ َب �سبحانه عن �شكر �آل داود ثم أ�خبر مقاب َل
فلما اتبعوه في الدنيا َ�ص َد َق عليهم ظ ُّنه في قدرته على ذلك عن بع�ض التاركين �شك َره وهم قبيلة �سب أ�؛ حيث
إ�غوائهم إ�لا فئ ًة من الم ؤ�منين ،ف إ�نهم خ َّيبوا ظ َّنه بطاعتهم جعل لهم من �إنعامه آ�ي ًة تذ ّكر بقدرته ووحدانيته
ووجوب �شكره ،هذه ا آلية هي ب�ساتين عن يمين وا ِديهم
لله تعالى. الذي ي�سكنون وعن �شماله ،فقال لهم على ل�سان
ر�سولهم :كلوا مما رزقكم ر ُّبكم الذي يرعاكم وا�شكروا
21وما كان له �أن َيقهرهم على الكفر ،و إ�نما كان منه له با إليمان وا ألعمال ال�صالحة ف�أنتم في أ�ت ِّم نعمة؛ بلد ُتكم
مجرد الو�سو�سة والتزيين ،لنعلم -علم ًا ظاهراً موجوداً
تقوم به الحجةَ -م ْن ي ؤ�من بيوم القيامة ممن هو منها في طيب ٌة وربكم غفو ٌر.
�ش ّك ،ور ُّب َك -يا محمد -على كل �شي ٍء حفيظ ،لا
16ف�أع َر�ضوا عن طاعتنا ف�أر�سلنا عليهم �َسيل ًا مد ِّمراً
يفوته �شيءَ ،يرى أ�عمال عباده ويجازيهم عليها. ل َ�س ّدهم وب ّدلناهم بجنتيهم جنتين ُتنبتان ثمراً حام�ض ًا
22قل -أ�يها الر�سول -للم�شركين ِمن أ�هل مكة: م ّراً و�شجراً �ضخم ًا بلا ثمر وهو ا ألَ ْثل ،و ُتنبتان قليل ًا
ادعوا الذين زعمتموهم �شركا َء لله لجل ِب نف ٍع �أو دفع
ُ� ٍّض فلن يجيبوكم لأنهم لا يملكون ذر ًة مما في ال�سماء من �شجر ال�سدر الذي يثمر النبق.
وا ألر�ض ،وما لهم فيهما ِم ْن �شيء ،ولو على �سبيل
ال�ّ ِشكة ،وما له �سبحانه ُم ِعي ٌن منهم على فعل �شيء أ�و 17وقد جزيناهم ذلك الجزاء ب�سبب كفرهم ،ولا
نجازي هذا الجزا َء إ�لا َم ْن بال َغ في إ�همال �شكر الله.
تدبير �أمر ،فكيف يكونون �شركا َءه في الألوهية؟!
18و ِمن إ�نعامنا على �َس َب�ٍأ أ� ْن جعلنا بينهم وبين مدن
430 ال�شام التي باركنا فيها بتو�سعة �أرزا ِقها و َب ْع ِث كثي ٍر من
الر�سل من أ�هلها ُمدن ًا ظاهر ًة للناظرين ،وق ّدرنا بينها
م�ساف ًة معلومة ،يم ُّر الم�سافر بالمدينة �أول النهار ويبلغ
الأخرى �آخره ،وقلنا لهم� :سيروا فيها ليل ًا أ�و نهاراً في
�أمن دائم ولا تخ�شوا فيها عدواً ولا �س ُبع ًا ولا جوع ًا ولا
عط�ش ًا ،فكان الم�سافر يقطع الم�ساف َة ِمن �أر�ِض �سب�أ �إلى
ال�شام �آمن ًا لا يحتاج إ�لى �شيء.
19فم ّلوا دوا َم النعمة ،وتم َّنوا تباعد الأ�سفار -ب�أ ّل
يجدوا في طريقهم �إلى المدن المباركة ُقرى عامرة-
فع َّجله الله لهم ،كما زال ْت النعم ا ألخرى ،وظلموا
أ�نف َ�سهم بمع�صيتهم لله فف َّرقهم الله في البلاد والبوادي �ش َّر
تفريق و�صاروا عبر ًة يتحدث النا�س ب�ش أ�نهم ،إ� َّن فيما
جرى لهم لدلائل ظاهرة على معاقبة الله لمن كفر نعمه
يعتبر بها ك ُّل ذي َ�صبر دائ ٍم عن المعا�صي وك ُّل �شاك ٍر
ال�شك َر الكثي َر لربه.
20وقد قال إ�بلي�س حين طرده الله :فبعزتك أُلغوي َّنهم
عن �ِإجرامنا لو كنا مجرمين ،ولا ي�س أ�لنا عن �أعمالكم 23وال�شفاعة عند الله لا تكون ابتدا ًء إ�لا ممن �أَ ِذ َن له
َمهما كانت ،فنحن ندعوكم رحم ًة لكم لا خوف ًا من أ�ن ي�شفع ،ولا تنفع إ�لا َم ْن �أَذن �سبحانه بال�شفاعة له حتى
إ�ذا ك�شف اللهُ الفز َع عن قلوب الم�شفوع لهم �س أ�لوا
�ضر ِر� ضلالكم. �شفعاءهم ماذا قال ربكم في �ش�أننا؟ قالوا :قال الح َّق،
أ�ي تف ّ�ضل ربنا بقبول �شفاعتنا؛ �إ ّنه �سبحانه هو المتفرد
26قل لهم � -أيها الر�سول� :-سوف َيظهر َم ْن كان بالعلو والكبرياء ،فلا َي�شفع عنده �أحد ولا ُي�شفع ألحد
على الحق يوم القيامة إ� ْذ َيجمع بيننا ر ُّبنا ويك�شف لك ٍّل
من الفريقين حقيق َة حا ِله ،ثم يحكم بيننا بالحق فهو إ�لا ب�إذنه ور�ضاه.
لا َيجور على �أحد ،وهو الحاكم العليم بحا ِل المطيع
24قل � -أيها الر�سول -للم�شركين الذين يعبدون
والعا�صي. �آلهة أ�خرىَ :م ْن يرزقكم من ال�سماوات وا ألر�ض،
ثم قل لهم :الله هو الذي يرزقكم ،ف إ�نهم و إ� ْن �أن َك َرته
27قل -يا محمد -للذين اتخذوا مع الله �آلهة أ�ل�سن ُتهم تق ُّر به قلو ُبهم ،ثم قل لهم -بعد تذكيرهم
�أخرى� :أروني ه ؤ�لاء الذين أ�لحقتموهم به في العبادة؟ بهذه الحجة الغالبة :-إ� َّن أ�حد الفريقين -نحن �أو �أنتم
وذلك ل ُيظهر ُب ْع َدها عن ا�ستحقاق العبادة .وقل لهم :ك ّل في هذا الحوار -على هدى �أو في �ضلال وا�ضح .وهذا
-زجراً لهم عن �إلحاق ما لي�س أ�هل ًا للعبادة بالله تعالى- على ِجهة التن ُّزل و َح ْم ِل المنكرين على الإذعان وا إلقرار
بل ال�ش�أ ُن الح ُّق في الوجود أ�ن الإله هو الله وحده ،القاه ُر
لكل �أحد فلا يمكن �أن يكون له �شريك ،وهو الحكيم في بالحجة.
تدبير الكون؛ فك ُّل ما فيه �شاه ٌد بوحدانيته. 25قل لهم � -أيها الر�سول� :-إ ّن الله لا ي�س أ�لكم
28وما أ�ر�سلناك -يا محمد -ألم ٍة دو َن �أمة ،بل
�أر�سلناك رحم ًة للنا�س جميع ًا :العرب وغيرهمَ ،ب�شيراً 431
لمن �آمن بالخير ،ونذيراً لمن �ض َّل بحلول العذاب ،ولك َّن
�أكثر النا�س لا يعلمون ذلك ،لإعرا�ضهم عن التد ّبر في
أ�مور ر�سالتك.
30 29ويقول الكافرون لك وللم ؤ�منين على و ْج ِه
الا�ستبعاد والإنكار :متى يكون هذا الذي تنذرنا به
و َت ِعدنا بحلوله؟! فقل لهم -أ�يها الر�سول :-لكم َم ْو ِع ٌد
في يو ٍم محتو ٍم لا يمكنكم �أن تت أ�خروا عنه وقت ًا ي�سيراً ولا
�أن تتقدموا.
31وقال الذين كفروا عناداً منهم :لن ن ؤ�من بهذا
القر�آن الذي ت ّدعي يا محمد أ�ن الله �أنزله ،ولا بالكتب
التي تق ّدم ْت .مع �أنهم ي�ؤمنون ب�إبراهيم عليه ال�سلام،
و ِلذا كان جوابه ا إلعرا�ض عنهم دون تعقيب ،و�أنذ َر ُهم
تعالى بقوله :ولو ترى إ�ذ الكفار الظالمون محبو�سون
في َمو�ضع الح�ساب عند ربهم يلو ُم بع ُ�ضهم بع�ض ًا؛
يقول التابعون ال�ضعفا ُء لقادتهم في الكفر :لولا �أنكم
�صددتمونا عن اتباع الر�سول لك ّنا م�ؤمنين.
ِم ْن أ�موالهم و ُي َر ُّبون أ�ولادهم على طاعة الله ،ف أ�ولئك 32أ�جابهم الم�ستكبرون فقالوا على �سبيل ا إلنكار:
يجزون جزا ًء م�ضا َعف ًا على �أعمالهم ِمن ع�شر ِة �أ�ضعا ٍف أ�نحن ر َد ْدناكم عن الهدى الذي دعاكم إ�ليه محمد
�إلى ما �شاء الله من الزيادة ،وهم في ُغرف الجنة �آمنون - -بقو ٍة �أو �سلطان؟ لي�س ا ألم ُر كذلك ،بل
فيها من العذاب. �أعر�ضتم عن الح ّق بر�ضاكم فكنتم مجرمين بلا إ�كراه.
38والذين ي�سعون في ُحججنا و آ�ي كتابنا با إلبطال 33وقال ال�ضعفاء لقادتهم المتكبرين :لي�س ا ألم ُر كما
والطعن فيها وال�ص ِّد عن �سبيل الله ،متو ِّهمين �إفلاتهم م ّنا تزعمون بل الذي �ص َّدنا هو مك ُركم في الليل والنهار
وعد َم قدرتنا عليهم ،ف أ�ولئك ُت�ضرهم الملائكة المو َّكلة ِل َت�صرفونا عن الحق إ�ذ كنتم ت�أمروننا أ�ن نكفر بوحدانية
الله ونجعل له �شركاء في ربوبيته ،و�أ�س َّر الفريقان الندام َة
بهم رغم ًا عنهم في عذاب جه ّنم ،لا يغيبون عنها. على كفرهم لـ ّما ر أ�وا العذا َب ووقعوا فيه ،وجعلنا
�أطوا َق الحديد في �أعناقهم ،فهذا جزاء الكافرين ،وما
39قل � -أيها الر�سول -لل ّنا�س :إ� ّن ربي هو المتف ِّ�ضل
بالرزق على خلقه فيو�ّسع على بع�ضهم وي�ض ّيق على جزيناهم �إلا بما ينا ِ�س ُب كف َرهم
بع�ضهم ،و�أ ُّي �شيء من أ�رزاقكم تنفقونه فيما ير�ضيه
فهو ُي ْخ ِلفه عليكم ،بيده الأرزا ُق و أ��سبا ُبها وهو خير 34وك ّلما �أر�سلنا �إلى �أهل قري ٍة ر�سول ًا ليحذرهم
و َبا َل كفرهم انبرى كبرا ؤ�هم المترفون في وجوهم
الرازقين. معلنين بك ِّل عنا ٍد وجحو ٍد :إ� ّنا بما ُأ�ر�سلتم به كافرون.
وهذه ا آلية مما ُأ�نزل ليخفف عن ر�سول الله � - -أث َر
432
تكذيب قومه له.
35وقال �أولئك الزعماء المن َّعمون لر�سلهم :نحن
مكرمون عند الله فقد َج َع َلنا �أكثر أ�موال ًا و�أولاداً،
ولذلك ال يمكن أ�ن نكون عنده مع َّذبين.
36قل لهم -أ�يها الر�سول :-إ� ّن ربي يو�سع رز َقه
على َم ْن ي�شاء ِم ْن عباده أ�و يجعله محدوداً َح�ْسب
إ�رادته لا َح�ْس َب قر ِب العب ِد منه و ُبعده عنه ،فتو�سيعه
عليكم لا يدل على أ�نكم غير مع َّذبين ،ولك ّن أ�كثر النا�س
لا يعلمون ِحكم َة الله الحقيقية في توزيع ا ألرزاق،
فيزعمون أ� ّن الغن َّي قري ٌب من الله و أ� ّن َك ْثة ما ِله تد ُّل
على كرامته عنده.
37ا ألموال وا ألولاد نف ُ�سها لا ُتق ِّرب �أه َلها من
الله ُقربى ،لكنها تق ِّرب أ�ه َل ا إليمان الذين يت�ص ّدقون
وا�ضحة الدلالة على أ�نها ِم ْن عند الله -قالوا عن النبي:
ما هذا إ�لا رجل لا َم ِز َّية له على غيره من الرجال يريد �أن
َي�صرفكم عما كان يعبد �آبا�ؤكم من ا أل�صنام ،وقالوا عن
القر آ�ن :ما هذا إ� ّل َك ِذ ٌب ُمخت َل ٌق ُن�سب إ�لى الله زوراً،
وقالوا -مبالغ ًة في الكفر بالقر�آن :-ما هذا إ�لا �سح ٌر ب ِّ ٌي
وا�ض ٌح .فقال الله :وما �أعطينا م�شركي قري�ش والعرب
ُك ُتب ًا من َّزلة من عندنا َد َر�سوها فوجدوا فيها برهان ًا على
�شركهم ف�أ�شركوا ،ولا َب َع ْثنا �إليهم ر�سول ًا قبلك ينذرهم
بالعقاب إ�ذا تركوا ما هم عليه من ال�شرك ،فمن �أين �أتوا
بهذا ا إل�صرار على الكفر والتكذيب؟!
45وقد ك َّذب ا ألقوا ُم الذين كانوا ِمن َقب ِل قومك ،وما
بلغ قو ُمك ُع�ش َر ما �ُأعطي ا ألولون ِم ْن قوة وطو ِل عمر،
فك َّذب أ�ولئكا أل ّولونا ألنبيا َءالذين ُبعثوا إ�ليهمفعذب ُتهم،
فانظروا كيف كان إ�نكاري على َم ْن هو �أ�شد منكم.
46قل -أ�يها الر�سول -لقومك الذين ك ّذبوك
وزعموا �أ ّنك مجنون :ما َ�أن�ص ُحكم إ� ّل بن�صيح ٍة واحدة،
افليح ّتق�ؤمتد ٍةف؛ِّر ِقفي�إنن،كاثمنليون في طلب �أن تقوموا مخ ِل�صين وهي
تتفكروا وواحداً واحداً ،ثم اثنين 40واذكر -أ�يها الر�سول -يو َم يجمع الله الم�شركين
ف ّكرتم كذلك وتحريتم ال�صدق لأيقنتم ا�ستحالة �أن يكون وما كانوا يعبدون من دونه ،ثم يقول للملائكة
-إ�ظهاراً لكذب الم�شركين :-أ�ه ؤ�لاء كانوا يعبدونكم أ�م
ب�صاحبكم الذي تعرفون �صدقه وعق َله و�أمانته جنو ٌن،
وما هو �إ ّل نذي ٌر لكم يح ّذركم من عذا ٍب �شدي ٍد قريب كانوا يعبدون غي َركم؟
منكم ،إ�ن َب ِقيتم على ما �أنتم عليه من التكذيب وا إل�صرار 41فقال الملائكة :نن ِّزهك يا ر َّبنا عن َأ� ْن ُيعبد معك
غي ُرك ،بل نحن لك عابدون مطيعون ،لا نر�ضى قول
على الكفر. الم�شركين الذين يزعمون �أنهم كانوا يعبدوننا ،و إ� ّنا
كانت طاع ُتهم للج ّن الذين �أمروهم بعبادة غيرك ،وبهم
47قل -أ�يها الر�سول -لقومك الذين ك َّذبوك :ما
طلبته ِم ْن ما ٍل على أ�داء ر�سالة ربي إ�ليكم فهو هب ٌة لكم، كانوا ي�ؤمنون.
-والمعنى أ�ني لم أ�طلب منكم �أجراً فيحملكم ذلك على
ال�ش ّك في �صدقي -بل �أجري لي�س �إ ّل على ربي ،وهو 42ولـ ّما قالوا ذلك وظهر كذ ُب الم�شركين ،قال الله
لهم :فاليوم -أ�ي يوم القيامة -لا ينفع العابدون
�سبحانه �شهي ٌد على َخ ْلقه ك ِّلهم. والمعبودون بع ُ�ضهم بع�ض ًا ولا ي�ض ُّرون؛ أل َّن النف َع وال�ض َّر
ك ّله بيد الله وحده ،ويقول الله للذين ظلموا بعبادتهم
48قل -أ�يها الر�سول -للم�شركين :إ� ّن ربي الله الذي غيره :ذوقـوا عـذا َب ال ّنـار التي كنتم تكذبون بها
ا�ألربا�سلطنليبيكر�مشي افلباحطقيَلقتببهي،نا�إن ِهت�اسلبح ِّحقانالهذعاليـ�أ ٌموبحكاهل�إلغييَّ فٍيببيل ُاد
في الدنيا.
يخفى عليه �شيء في ال�سماوات ولا في الأر�ض.
44 43وحينما ُتتلى عليهم آ�يات القر آ�ن -وهي
433
ر�سل ًا بينه وبين �أنبيائه ،وجعل لهم �أجنح ًة لي�سرعوا �إلى 49قل � -أيها الر�سول :-جاء الح ُّق بنزول القر آ�ن
�أداء ما �أمرهم به ،فمنهم ذوو جناحين ومنهم ذوو ثلاث ٍة و َه َلك الباط ُل ،فلم َي ْب َق للباطل �شي ٌء َيبد�ؤه ويعيده.
ومنهم ذوو �أربع ٍة ،يزيد في َخ ْلق الملائكة وغيرهم ما
50ولـ ّما قال الم�شركون للنبي : إ�نك �ضلل َت
ي�شاء ،فهو �سبحانه القادر الذي لا ُيعجزه �شيء. ب�سبب َت ْرك دين آ�بائك؛ قال له الله تعالى :قل لهم
2ما ُير�سل الله لعباده ِم ْن رز ٍق وعافي ٍة وعل ٍم وغير إ� ْن �ضلل ُت ف�ضر ُر ذلك على نف�سي لا ي�صيبكم ،و�إن
ذلك فلا يمكن أ�ن يمنعه أ�حد ،وما َين ُع فلا يمكن �أن ير�سله اهتدي ُت إ�لى الح ِّق فب�سبب الوحي الذي ينزله إ�ليَّ ربي،
�أحد� ،سبحانه هو الغالب على ِفعل ما ي�شاء ،الحكيم في فهو �سبحانه �سمي ٌع ي�سمع ما �أقول ،قري ٌب م ِّني ومنكم
�أفعاله فلي�س منها �شيء إ�لا هو في مو�ضعه اللائق به. يجازي ك َّل فري ٍق بما ي�ستحق.
51ث ّم ذكر الله �سبحانه م�صي َرهم فقال :ولو ترى
3ث ّم دعا �سبحانه عباده �إلى تذ ُّكر نعمه لي�شكروها، � -أيها الر�سول -ما يعتري الك َفرة ِم ْن خو ٍف وانقبا�ض
فقال يا �أيها ال ّنا�س :اذكروا نعمة الله عليكم هل ِم ْن خالق عند البعث؛ لر أ�ي َت أ�مراً فظيع ًا ،حيث لا َم ْهرب لأح ٍد
غير الله ،يعني لا خال َق غي َره يرزق عباده الما َء ونح َوه منهم ولا ملج َأ� ،وي�سحبون جميع ًا من الـ َمح�شر �إلى
من ال�سماء ،والنبا َت وغيره من ا ألر�ض ،ثم خاط َب
المن�صرفين عن َتذ ُّك ِر نعمه ،مع أ�نه لا �إله �إلا هو ،ولا راز َق جهنم.
�إلا هو فقال م�ستنكراً عليهم} :ﰇﰈ{ ،يعني 52وقالوا حينئ ٍذ� :آم ّنا بالقر آ�ن وما فيه ،وكيف
يمكنهم تناو ُل التوبة حينئ ٍذ مع ُبعدها ،بعد �أن �أعر�ضوا
ف ِم ْن أ�ين جاءكم الان�صرا ُف عن الح ِّق الذي جاءكم؟!
عنها في الدنيا وكانت ممكن ًة قريبة؟!
434 53يفعلون ذلك مع �أنهم كفروا ِم ْن قب ُل بالنبي وبما
جاء به من الكتاب وبما ا�شتمل عليه -وقد كانوا في الدنيا
يرمون النب َّي بما يعلمون �أنه بعيد عنه من ال�ِّسحر والكهانة
وال�شعر فيقولون قول ًا بعيداً عن الحق وال�صواب.
54وقد حا َل اللهُبينهم وبين ما ي�شتهون من الانتفاع
با إليمان بعد الموت والنجا ِة من النار ودخو ِل الجنة
ح�سب �ُس َّنة الله في أ��شباههم ال�سابقين في الكفر ،وذلك
ألنهم كانوا في �ش ٍّك ِمن �أمر الر�سول � - -ش ّك ًا
يدعو إ�لى التردد والا�ضطراب .
1بد�أَ اللهُتعالى ب َح ْمده تعليم ًا لعباده وتعظيم ًا لنف�سه
با�ستحقاق الحمد على بدائع َخ ْلقه ،فقد َجعل الملائك َة
7ث ّم ب ّي �سبحانه م�صي َر حز ِب ال�شيطان وم�صي َر 4و�إ ْن يكذبوك � -أيها الر�سول -في ر�سالتك فلا
الم ؤ�منين فقال :الذين اتبعوا خدا َع ال�شيطان فكفروا، َتزن ،وا�صب ْر كما �صبر �أُولو العزم من الر�سل ،فقد
لهم يوم القيامة عذا ٌب �شديد ،والذين خالفوه ف آ�منوا ُك ِّذ َب ر�سل ِم ْن قبلك كثيرون آ�تاهم الله دلائ َل وا�ضح ًة
وعملوا ال�صالحات ،لهم مغفر ٌة لذنوبهم ،ولهم �أج ٌر ومعجزات باهرة ،و�إلى الله ترجع ا ألمور كلها ،ومنها
�أمرك و�أمر �أولئك المكذبين ،فيجازيك على �صبرك
كبير وهو دخول الجنة.
ويجازيهم على تكذيبهم بما ي�ستحقون.
8هل الذي َغ َلب هواه على عقله حتى ر�أى ما
يهواه ح�سن ًا -وهو في نف�سه قبيح -كمن ر�أى الح َّق 5ث ّم و َع َظهم الله تعالى لعلهم يتوبون فقال :يا
ح�سن ًا والباطل قبيح ًا؟! لا ي�ستويان� ،إن الله يعلم رغب َة �أيها النا�س �إ َّن ما وعدكم الله به من الثواب والعقاب في
الفريقين ف ُي�ض ُّل منهما َم ْن ي�شاء ،ويهدي َم ْن ي�شاء ا آلخرة هو ح ٌّق ،فلا تنخدعوا ب�شهوات الحياة الدنيا
ح�سب ما علم من رغبتهما ،فلذلك لا تهلك نف َ�سك وتتركوا اتباع الحق ،ولا تنخدعوا بو ْع ِد ال�شيطان
-أ�يها النبي -حزن ًا و َح�سر ًة عليهم ،إ�ن الله عليم بحقيقة
وتزيينه فهو كثير الخداع بالباطل.
ما ي�صنعون فيجازيهم عليه.
� 6إ ّن ال�شيطان عد ٌّو لكم فلا ت�ص ّدقوا ِخداعه
9ذ َّكر الله �سبحانه ال ّنا� َس بقدرته على إ�حياء الخلق وعا ِملوه على �أنه عدو ،فهو لا يدعو َم ْن يتبع خطواته
للح�ساب بوا�سطة �صور ٍة تتكرر أ�مامهم فقال :واللهُ �إلا �إلى الكفر والع�صيان؛ وذلك ي�ؤ ِّدي �إلى �أن يكونوا
الذي أ�ر�سل الرياح على البحر وموا�ضع الماء ف ُتح ِّر ُك
البخار فيكون �سحاب ًا في�سوقه الله تعالى �إلى أ�ر�ض ياب�سة من �أهل النار.
لا نبات فيها فيحييها الله ب إ�نبات الزرع بعد ما كانت
ميتة ،كذلك لا ريب أ�ن الله قادر على بعث الأموات 435
يوم القيامة.
َ 10من كان يريد لنف�سه الع َّز َة ف ْليط ُلبها من الله تعالى؛
لأن الع َّز َة ك َّلها له؛ و�إنما ُتطلب الع ّزة من عنده بكلم ِة
التوحيد ،إ�ليه ي�صعد ذك ُره الط ّيبِ ،من كلم ِة التوحي ِد
وغي ِرها ،والعم ُل ال�صالح الذي يتق ّبله يرفعه �إليه ،والذين
مكروا بر�سول الله المك َر ال�س ِّي َئ ِل َي ْحب�سوه �أو يقتلوه أ�و
يخرجوه لهم عذا ٌب �شديد ،ومك ُر َم ْن كان كذلك
َي ْبطل ويزول.
11والله ابتد�أ خل َق أ��ص ِلكم الذي ترجعون إ�ليه جميع ًا
ِم ْن تراب ،ثم جعل ن�س َلكم من نطفة واحدة مل َّقحة ثم
جعلكم ذكوراً و�إناث ًا لتتزاوجوا و َي�ْسكن بع ُ�ضكم إ�لى
بع�ض ،ولا تحم ُل �أنثى ولا ت�ضع َحملها إ�لا بعلم الله ،ولا
َيطول ُع ُم ُر �أح ٍد ولا ينق�ص �إلا وقد كتبه الله عنده في
اللوح المحفوظ ،وهذا كله -مع كونه عظيم ًا -هو على
الل ِه ي�سي ٌر.
16وب َّي لهم �سبحانه افتقا َرهم �إليه وغناه عنهم 12وكما كانت قدر ُته تعالى في خلق ا إلن�سان عجيب ًة
ب�أنه �إ ْن �شا َء أ� ْن ُي ْفنيهم ويخ ُل َق عباداً آ�خرين يعبدونه لا و ِعل ُمه ب�سائر �أحواله عجيب ًا ،كانا كذلك فيما أَ�نعم الله
عليه به كالبحرين ال َع ْذب والـ ِملح ،فهما مختلفان
ي�شركون به �شيئ ًا َل َفع َل ذلك. ال ي�ستويان� ،أحدهما كام ُل ال ُعذوبة كام ُل ا إلرواء،
والثاني �شدي ُد الـ ُملوحة ،ومع اختلافهما ي�أكل الإن�سان
17ولي�س هذا التبديل ممت ِنع ًا عليه ولا �صعب ًا عليه. ِم ْن ك ٍّل منهما لحم ًا ط ّري ًا وي�ستخرج النا� ُس حلي ًة يتزينون
بها ،ويرى ا إلن�سا ُن ال�سف َن ت�ش ُّق الماء �ش ّق ًا ذا ِهب ًة را ِجع ًة
18ولا َتمل نف� ٌس ُمذنب ٌة ذنو َب نف� ٍس ُمذنبة أ�خرى، ليبتغي النا� ُس بوا�سطتها ِم ْن ف�ضل الله ،ولعلهم ي�شكرونه
و�إ ْن تد ُع نف� ٌس قد �أثقلتها الذنو ُب نف�س ًا �أخرى لتحمل
عنها بع�ض ذلك الثقل لا َيحمل عنها أ�ح ٌد �شيئ ًا ولو على نعمه.
ي�سيراً ،و�إ ْن كان الذي تدعوه ذا قراب ٍة �شديد ٍة كالابن
والأب ،ثم قال الله تعالى لر�سوله� : إ ّن هذا الإنذار 13و ِم ْن ف�ضله �سبحانه �أنه ُيدخل اللي َل على النهار
ونح َوه لا ينتفع به �إلا الذين يخافون ر َّبهم حيث لا في أ�خذ �شيئ ًا من أ�جزائه ،و ُيدخل النهار على الليل في�أخذ
يراهم أ�ح ٌد �سواه ،و أ� َّدوا ال ّ�صلا َة بحقوقها ،والذين ز ّكوا كذلك �شيئ ًا من �أجزائه ،وذ َّل َل ال�شم� َس والقمر َي�ْس َبحان
نفو�َسهم بالإيمان والطاعة وتج ُّن ِب المع�صية ،و إ�نما تنفع في َف َلكهما �إلى وق ٍت معلوم عنده ،ذ ِلكم الذي َف َعل ك َّل
التزكي ُة �صاح َبها ،ثم ي�صير الجميع �إلى الله دون غيره ما تق ّدم ِذ ْكره أل ْج ِلكم هو الله ر ُّبكم ،له ُملك كل �شيء
وت�صريفه ،أ� ّما الذين تدعونهم �آله ًة ِم ْن دونه فلا يملكون
فيكافئ ك ّ ًل بعمله. �أ َّي �شيء مهما كان ي�سيراً كال ِقطمير .وهو الق�شرة الرقيقة
436 الملفوفة على نواة التمر.
14ث ّم ب َّي الله لعابدي ا أل�صنام منتهى عجزها ،فقال:
�إنكم -يا عابدي ا أل�صنام� -إ ْن تدعوا ما تعبدون من
الأ�صنام لا ي�سمعوا دعاءكم لأنها جما ٌد ،ولو �سمعوا
-افترا�ض ًا -ما أ�جابوا طلبكم ألنهم عاجزون لا يملكون
�شيئ ًا ،فانتبهوا ،ويو َم القيامة يجحدون َدعوى �أنكم
َع َبد ُتو ُهم فيتب ّر�ؤون منكم ،وهذا ك ُّله يخبركم الله به
إ�خبا َر الخبير ،العال ِم ب ُك ْنه ا أل�شياء وحقائقها.
15وبعد ما ب ّي الله ح ّق َّية ربوبيته و َز ْي َف دعوى
ربوبية الأ�صنام ذ َّكر النا� َس بحقيقتهم وهي أ�نهم فقراء
فقراً تا ّم ًا �إلى الله ،و أ�نه غن ٌّي عنهم لا يحتاج �شيئ ًا ،وهو
َمحمو ٌد بذاته لا يحتاج �إلى َح ْم ِد �أحد.
�أ ّم ٍة َقبل أ�متك �إلا �َس َلف فيها ر�سو ٌل ،يح ّذرها عقوبة الله. 19وما ي�ستوي الأعمى عن الهدى وهو الكافر،
والب�صير بالهدى وهو الم�ؤمن.
25و�إ ْن يك ِّذبك قومك فقد ك َّذب ال�سابقون
�أنبياءهم مع أ�نه قد جاءتهم ر�سلهم بالـ ُحجج الظاهرة، 20وما ت�ستوي ظلما ُت الباط ِل والكفر ،وال نو ُر
وبال�صحف وبالكتب التي تنير ُطرق الهدى وتزكي الحق والإيمان.
القلوب وفيها المباد ُئ وا ألحكام. 21ولا َب ْرد الظ ِّل و�ستره ،ولا الح ُّر و إ�يذا ؤ�ه.
22وما ي�ستوي الأحياء ولا ا ألموات -يعني الم�ؤمنين
26ث ّم ع َّذب اللهُ الذين كفروا في الدنيا� ،ألم تكن والكفار -إ� ّن الله يهدي قلو َب َم ْن ي�شاء بما ُي�سمعهم من
عقوبتي لهم �شديد ًة هائلة؟! فل َيحذر المك ّذبون لك الحق في�ستجيبون له ،وما أ�نت � -أيها الر�سول -بها ٍد
يا محمد ِمثل عاقب ِة الذين ِم ْن قبلهم. الكفا َر الذين أ�ما َت الكف ُر قلو َبهم.
23ما �أنت � -أيها الر�سول� -إ ّل ُمح ِّذ ٌر لهم ِم ْن عذاب
28 27ن َّبه تعالى ر�سوله على دلائل قدرته الدنيا وا آلخرة ،ولي�س بيدك �أن تخلق الهدى في قلوبهم.
-وذلك على ِجهة التقرير المو َّجه إ�لى عموم المك َّلفين-
أ�نه �سبحانه �أنزل من ال�سماء ما ًء ف�أخرج به ثمرات من َّوعة � 24إ ّنا �أر�سلناك إ�لى العالمين بدعوة الح ِّق مب�ّشاً بالجنة
الأ�صناف وا أل�شكال ،وكاختلا ِف الثمرات اختلا ُف َمن اتبعك ،منذراً بالنار َم ْن ع�صاك ور َّد دعوتك ،وما ِم ْن
الجبا ِل ،فمنها ُج َد ٌد -أ�ي طرائقِ -بي� ٌض و أ�خرى
ُح ْم ٌر مختل ٌف أ�لوانها ،و�ُسو ٌد �شديدة ال�سواد .ومن 437
النا�س والدوا ّب وا ألنعام -وهي ا إلبل والبقر والغنم-
مختل ٌف أ�لوانه كذلك ،و�إ ّنا يعل ُم ما في ذلك وغيره ِم ْن
أ��سرار القدرة والحكمة العلما ُء خا�ص ًة الذين امتلأ ْت
قلو ُبهم بخ�شية الله وخ�شية عقابه ،إ� ّن الله عزي ٌز الُ يغالبه
أ�ح ٌد غفو ٌر لمن خافه.
29إ� ّن الذين ُيداومون على قراءة القر�آن ،و أ�عطوا
ال�صلا َة ح َّقها ب أ�ن أ�دوها في وقتها و أ�ح�سنوا هيئ َتها
وخ�شوعها ،و�أنفقوا في �سبيل الله ِم ْن أ�نواع النفقات
الواجبة والم�ست َح ّبة� ،س ّراً وعلاني ًة ،طلب ًا لثوابه تعالى
ور�ضاه يرجون عند الله تجار ًة لن تخ�سر؛ بل هي رابح ٌة،
ُت�ضاعف الح�سن ُة فيها �أ�ضعاف ًا م�ضاعفة.
30وذلك لأنه �سبحانه يوفيهم حقو َقهم كامل ًة
ويزيدهم ما ي�شاء �إح�سان ًا منه وف�ضل ًا؛ �إذ هو غفو ٌر
يتجاوز عن العظيم ِم ْن ذنوبهمَ� ،شكو ٌر ي�ضاعف ثوا َب
القليل ِم ْن طاعاتهم ،عظي ُم ال�شكر على طاعاتهم.
31وهذا القر آ�ن الذي �أوحيناه �إليك هو الح ُّق ،وهو
م�ص ّد ٌق للكتب التي �سبقته ،إ�ن الله محي ٌط بجميع أ�مور
عباده ،ب�صي ٌر بظواهرهم وبواطنهم ،عال ٌم ب�أحوالهم،
م َّطلع على ما في قلوبهم.
32وبعد ما �أوحينا �إليك الكتا َب أ�ورثناه الذين
ا�صطفيناهم ِمن الأمم -وهم أ�متك -فبع�ُض الوارثين
مرتك ٌب ل آلثام غالب ٌة عليه ،وبع ُ�ضهم مقت ِ�ص ٌد َخ َلط عمل ًا
�صالح ًا و�آخر �س ّيئ ًا ،وبع ُ�ضهم �ساب ٌق بالخيرات فاع ٌل لها
مجتن ٌب ل�سواها بتوفيق الله له ،ذلك الا�صطفاء هو الف�ضل
الكبير الذي لا ي ُـدانيه ف�ضل.
33وجزاء ه ؤ�لاء الم�صط َفين هو ا إلقام ُة الدائمة في
جنات النعيم ،يلب�سون فيها ُحل ّي ًا من الذهب ول ؤ�ل�ؤاً
وثياب ًا ناعم ًة من حرير.
عمل ًا �صالح ًا غير الذي كنا نعمله في حياتنا الدنيا، 34وقالوا :الحم ُد لله الذي أ�راحنا من الهموم ال ُّدنيوية،
ه ِّم المر�ض والرزق ،وه ِّم الخوف من الخاتمة والمو ِت
فيجيبهم �سبحانه :أ� َو َلـم ُنعطكم ِمن ال ُعمر ما يكفيكم وعذا ِب القبر وعذا ِب النار� ،إ ّن ربنا لغفو ٌر �َس َت ذنوبنا
للتذ ُّكر كما كفى المتذكرين ،و أ�ر�سلنا �إليكم َم ْن
يح ِّذركم العذاب؟ فذوقوا العذا َب ،فلا نا�صر ولا �شافع وتجاوز عنا� ،شكو ٌر تق َّب َل منا و�ضاع َف �أجر ح�سناتنا.
يومئ ٍذ للكافرين الذين ظلموا أ�نف�سهم ولم ي ؤ�دوا ح ّق الله
35وهو الذي أ��سكننا الجن َة وهي دار باقية� ،أه ُلها
عليهم.
خالدون فيها ،لا يم�ُّسنا فيها َت َعب ،ولا يم�ُّسنا فيها َ�ض ْع ٌف
38إ� ّن الله عالـ ٌم ك َّل غي ٍب في ال�سماوات وا ألر�ض، ولا إ� ْعيا ٌء.
و ِمن ُجملة ذلك أ�نه علي ٌم بما ُت�س ُّره كل ال�صدور.
36و أ� ّما جزاء الكافرين ،فهو نار جهنم ،لا ُيحكم
عليهم بالموت فيموتوا في�ستريحوا ،ولا ُيخ َّفف عنهم
ما ا�ستو َجبوه ِم ْن عذابها ،وبمثل ذلك الجزاء َنزي ك َّل
َم ْن �أ�ص َّر على الكفر وتجاوز الح َّد في الجحود والطغيان.
37وهم ي�ص ُرخون فيها ُ�صاخ ًا عظيم ًا ِمن ِ�ش َّدة
العذاب وي�ستغيثون قائلين :ربنا أ�خرجنا منها فنعمل
438
الـ ُحجج الباهرة ،ظهر ُبطلا ُن َز ْعمهم �أ ّن لله �شركاء، ٣٩هو الذي جعلكم خلفاءه في أ�ر�ضه و َم َّكن لكم
وتب ّي أ�نهم لا َي ِع ُد بع�ضهم بع�ض ًا و َم ْن ي�صدقهم من فيها ،ولذلك ف أ�نتم م�س ؤ�ولون عندهَ :م ْن َكف َر فعليه
أ�تباعهم إ� ّل وعوداً كاذب ًة خادعة ،بزعمهم �أ ّن �أوثانهم �ضر ُر ُكفره يتح ّمله و ْح َده دون غيره ،وال يزيد الكافرين
كف ُرهم عند ربهم إ�لا بغ�ض ًا �شديداً ،ولا يزيدهم عند
�شفعاء لهم عند الله تعالى.
ربهم إ�لا ُبعداً وهلاك ًا .
� ٤١إ ّن الله ُي�سك ال�سماوات وا ألر�َض بقدرته،
و َيدفع عنهما الزوا َل والفناء ،ولئن زالتا -فيما لو رفع ٤٠قل -أ�يها الر�سول -للم�شركين� :أخ ِبوني عن
الله �إم�سا َكه لهما -لا يم�سكهما أ�ح ٌد ِم ْن بعده ،إ� ّنه كان
حليم ًا لا يع ّج ُل بعقوبة الكافري َن و أ�ه ِل المعا�صي ،غفوراً �آلهتكم الذين تعبدونهم من دون الله ،ماذا خلقوا من
لمن تا َب و آ�م َن. ا ألر�ض فكانوا به �شركاء لله؟ ولـ ّما كان ذلك غي َر واق ٍع
انتقل إ�لى ال�س�ؤال ع ّما هو �َأ ْبعد عن ا إلمكان فقال :أ�م
٤٢و�َأق�سم م�شركو مكة َق َ�سم ًا م ؤ� َّكداً أ��ش َّد الت�أكيد لهم م�شارك ٌة في خلق �شيء من ال�سماوات� ،أو تدبيره؟
لئن جاءهم ر�سو ٌل ِم ْن عند الله ليكو ُن َّن أ�هدى من الأمم
ا ألخرى؛ لمعرفتهم تكذيب بني إ��سرائيل ل ألنبياء ،فل ّما ولـ ّما كان ذلك غير واقع �أي�ض ًا انتقل إ�لى دلي ٍل نقل ٍّي،
جاءهم ر�سول الله - -ما زادهم مجي ُئه إ�لا ُبعداً عن ف َ�س أ�لهم �سبحانه� :إ ْن كان َأ�نزل عليهم كتاب ًا ا�ستندوا إ�لى
ُح ّجة ظاهر ٍة منه ،ولـ ّما لم يكن لهم جوا ٌب على هذه
الحق وتكذيب ًا.
٤٣وقد َف َعلوا ذلك تعا ِلي ًا وا�ستكباراً عن اتباع الحق،
و�إمعان ًا في التدبي ِر ال�س ِّيئ والخدا ِع بالباطل ،وما أ�دركوا
أ� ّن المكر ال�س ِّي َئ لا يقع �إلا على �أهله فيحيط بهم ،فهل
ينتظر ه ؤ�لاء إ� ّل �ُس ّن َة الله في ال�سابقين أ�مثا ِلهم ،وهي أَ� ْن
يجعل عاقب َة مكرهم عليهم .و�ُس ّن ُة الله في محا�سبة خلقه
لا تتغير ولا تتحول ع ّمن أ�راد �َأ ْن تق َع عليه.
� ٤٤أ َولم ي�سيروا في الأر�ض؟ يعني قد �ساروا و�شاهدوا
�آثار ِنقم ِة الله التي ح َّلت با ألمم الكافرة كعاد وثمود،
فقد كانوا �أ�ش ّد قو ًة منهم فما نفعتهم قو ُتهم في الهرب
من العذاب ،واللهُ لا يمكن أ�ن ُيعجزه ع ّما يريد �شي ٌء في
ال�سماوات وال في الأر�ض مهما كان ،فهو علي ٌم ب�ش�ؤون
خلقه ،قاد ٌر على �أن يفع َل بهم ما ي�شاء .
439
٤٥ولو ُيع ِّجل الله العقوب َة للنا�س بذنوبهم ما ترك على
ظهر ا ألر�ض ح ّي ًا من ا ألحياء يد ُّب عليها ،من النا�س ومما
�س َّخره لهم ،ولكنه يعاملهم بحل ٍم في�ؤ ّخرهم �إلى يوم
القيامة ،ف�إذا جاء ذلك الوق ُت عام َلهم بما َع ِلمه منهم،
فهو ب�صي ٌر بعباده ،لا يخفى عليه �شيء من �أمورهم.
١٠و ألنهم كانوا كذلك ي�ستوي عندهم �إنذا ُرك } ١ﭬ{ �سب َق الكلا ُم على هذه الحروف الـ ُمق ّطعة
� -أيها الر�سول -وعد ُم إ�نذارك ،فهم في الحالتين لا في �أول البقرة.
ي ؤ�منون. �ُ ٣ ٢أق�سم بالقر آ�ن الحكيم� :إ ّنك -يا محمد-
لمن المر�سلين و إ� ْن �أنكر الجاحدون.
١١ولا ينتفع ب إ�نذارك �إ ّل َمن ا َّتبع ما �أُنزل إ�ليك من
لا يراه �أحد بميغخفار ٍةفواال�لسهَع ٍةباللغذينوببه،وبح�يِّشهث وكان القر آ�ن ٤و إ� ّنك � -أيها الر�سول -على طري ٍق م�ستقيم ،وهو
ب أ�ج ٍر َح�س ٍن، فب�ِّشه �سواه؛ دين الحق الذي يو�صل �سا ِل َكه إ�لى ر�ضوان الله وجنته.
وهو دخول الجنة. ٥هذا القر آ�ن الحكيم �أنزله الله الغال ُب بم�شيئ ِته
وقدرته ،فلا يكون إ� ّل ما يريد ،الرحي ُم الذي �َأح�سن �إلى
١٢ث ّم ذ َكر �سبحانه أ�نه هو الذي ُيحيي بقدرته الموتى
يوم القيامة ل ُتجزى ك ُّل نف�س بما ك�سبت ،و أ�نه تعالى خلقه ،بما �أنزل إ�ليهم من هداية القر�آن .
يكتب �أعما َلهم التي َع ِملوها في الدنيا خي َرها و�ش َّرها،
ويكتب ما بقي له َ�أث ٌر َح�س ٌن من �أعمالهم كبناء الم�ساجد ٦أَ�نزله ل ُتح ِّذر به قو َمك ِم ْن عذاب الله و�ش�ؤم
وكتابة العلم ،أ�و َأ�ث ٌر �س ِّي ٌئ ك�ضلال الذين أ��ضلوهم ،وقد معا�صيه؛ ف�إ ّن �آباءهم ا ألقربين لم ينذرهم �أح ٌد ِم ْن قبلك
أ�ح�صى �سبحانه ك َّل �شيء عملوه في كتا ٍب مبي ٍن كا�ش ٍف
ف َن َ�ش�ؤوا بعيدين عن الحق غافلين عن دين الله.
عن ك ّل �صغير ٍة وكبير ٍة. ٧لقد �سبق ِع ْل ُم الله ب أ� ّن �أكثرهم � -أي �أكثر ُكبراء
م�شركي مكة -لا ي�ؤمنون ،ف َح َّق عليهم قول الله تعالى:
}ﭬﭭﭮﭯﭰﭱ{.
� ٨ش َّبه الله تعالى حا َلهم في �إعرا�ضهم بقو ٍم �ُش َّدت
�أيديهم إ�لى أ�عناقهم بال�سلا�سل ،ف�صارت ر�ؤو�سهم
مرفوع ًة ال ت�ستطيع �إب�صا َر دلائ ِل الحق الوا�ضحة أ�مامها.
٩وبا إل�ضافة إ�لى ا ألغلال هم كقو ٍم ُب ِني أ�ما َمهم
�س ٌّد و ِم ْن خلفهم �َس ٌّد ف�صارت �أب�صا ُرهم محجوب ًة فلا
يب�صرون �شيئ ًا مما ينفعهم ،يعني �أنهم لا يرون دلائ َل
ا إليمان ولا ي�ستطيعون �سلو َك �سبيل الهدى.
440
ونخ�شى أ�ن تح َّل بنا م�صيب ٌة �إذا تركنا عبادة أ��صنامنا، ١٣و َم ِّث ْل -أ�يها الر�سول -لقومك مثل ًا أ��صحا َب
ف ُك ُّفوا عن دعوتكم لنا ،و�إن لم َت ُك ّفوا فق�سم ًا لنرمي ّنكم القرية حين جاءها المر�سلون يدعون �أهلها إ�لى
بالحجارة ،ول ُي�صيب ّنكم م ّنا عذا ٌب م ؤ�لـ ٌم. الإيمان بالله.
١٩قال لهم ال ُّر�سلُ� :ش ؤ�مكم ب�سبب كفركم ١٤فقد �أر�سل الله �إليهم اثنين فك ّذبوهما ف أ�يدناهما
و أ�عما ِلكم فهو معكم ولي�س ب�سببنا ،أ�تقولون لنا} :ﮄ بثال ٍث ،فقال ال ُّر�سل الثلاث ُة لأهل القرية� :إ ّنا �إليكم
ﮅﮆﮇ{ ألننا ذ َّكرناكم ودعوناكم إ�لى الله؟ لي�س
التذكي ُر �ش�ؤم ًا ولكنكم قوم مجاوزون الح َّد في الكفر مر�سلون من عند الله.
والع�صيان. ١٥قال أ�ه ُل القرية لهم :ما أ�نتم �إ ّل ب�شرٌ ِمث ُلنا ولو
كنتم مر�سلين لكان لكم �صف ٌة تميزكم عنا ،واللهُ لم ُينزل
٢٠وجاء ِمن �أطراف المدينة رج ٌل م�ؤم ٌن وهو يج ُّد في
ال�َّسير ،فقال ألهل القرية :يا قو ِم اتبعوا ه ؤ�لاء المر�سلين. �شيئ ًا من الوحي ول�ستم مر�سلين بل �أنتم تكذبون.
٢١وب َّ َي لهم أ� ّن حال ه ؤ�لاء الر�سل يد ُّل على ١٦قال لهم ال ُّر�سل ُم ْق�سمين م ؤ� ِّكدين �أ ّن الله �أر�سلهم:
إ�خلا�صهم ،فهم لا ي�س�ألونكم أ�جراً فتظنوا أ�نهم ر ُّبنا يعلم �إ ّنا �إليكم لمر�سلون.
يدعونكم من أ�َ ْجله ،وهم مع ذلك يقولون ال ُهدى
ويعملون به ،والمهتدي لا يقوم �إ ّل بعم ِل َخ ْيي الدنيا ١٧ولا يج ُب علينا إ� ّل �َأ ْن نب ّلغكم ر�سال َة الله بلاغ ًا
وا�ض َح الح ّجة.
وا آلخرة.
١٨قال لهم �أه ُل القرية� :إ ّنا َت�شاء ْمنا بكم وبدعوتكم
٢٢ث ّم ب َّي لهم أ� ّن ما يدعوهم إ�ليه الر�سل ح ٌّق ،و�أ ّن
ا إلعرا�ض عن الله م�ستن َك ٌر ومخال ٌف للفطرة ،يقول: 441
فلا �شيء يدعوني �إلى َت ْرك عبادته ،و�إليه �سبحانه وتعالى
المر ِجع والم آ� ُب فيجزيكم ب�أعمالكم.
� ٢٣أ�أعبد آ�له ًة غيره؟! وهذه الآلهة إ� ْن �أرادني الرحم ُن
ب�ض ٍّر لم ُت ّغن عني �شفاعتهم �شيئ ًا ،ولا ينقذوني من ال ُّ� ّض.
٢٤إ� ّن �إذا فعل ُت ذلك �أكون واقع ًا في �ضلا ٍل وا�ض ٍح
لا َيخفى على �أحد.
٢٥إ� ّن �آمن ُت بربكم فا�سمعوا ُن�صحي .لكنهم لم
يقبلوا ُن�صحه بل قتلوه.
٢٧ ٢٦فلما ُقتل ورجع إ�لى الله �شهيداً قيل له:
ا ْدخل الجن َة ،عندها تم َّنى �أن يعلم قو ُمه ب�أ ّن الله غفر له
لإيمانه و�أك َر َمه بدخول الجنة ليرغبوا في ا إليمان.