The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

تفسير القرآن الكريم_compressed

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Ghada Alnawawy, 2021-11-09 00:37:41

تفسير القرآن الكريم_compressed

تفسير القرآن الكريم_compressed

‫‪� 116‬إ َّن أ�كثر النا�س َي ْب ُنون عقائدهم و أ�فكارهم على‬ ‫‪ 111‬ولو �أ ّننا ن َّزلنا إ�ليهم الملائكة ر�سل ًا كما �س�ألوا‪،‬‬
‫الظن والتخمين والتو ُّهم‪ .‬و�إ َّن ال�سير على طريقهم‬ ‫وك ّلمهم الموتى ف�شهدوا لك بالنبوة‪ ،‬و َج َمعنا عليهم كل‬
‫وطاعتهم أ�و مجاراتهم فيما يقولون ي�ؤ ّدي إ�لى ال�ضلال‬ ‫�شيء في الدنيا �أفواج ًا ت�شهد ب�صدقك‪ ،‬ما كانوا لي�ؤمنوا‬

‫والانحراف عن �سبيل الله‪.‬‬ ‫إ�لا �أن ي�شاء الله إ�يمانهم‪ ،‬ولكن �أكثرهم يجهلون ذلك‪.‬‬

‫‪ 117‬إ� َّن الله الذي لا يخفى عليه �شيء‪ ،‬هو العليم‬ ‫‪ 112‬وكما جعلنا لمن قبلك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬من‬
‫بمن َي�ضل عن �سبيله علم ًا لي�س َفوقه علم‪ ،‬وهو الأعلم‬ ‫ا ألنبياء أ�عداء‪ ،‬جعلنا لك �أعداء ‪� -‬شياطين من الإن�س‪،‬‬
‫و�شياطي َن من الجن‪ -‬يوحي بع�ضهم إ�لى بع�ض القول‬
‫بالمهتدين ال�سالكين �صراطه الم�ستقيم‪.‬‬ ‫الباطل المزخ َرف المزين الذي يغتر به �سام ُعه من الجهلة‬
‫بحقيقته‪ ،‬ولو �شاء ر ُّبك ما َف َع َل كفار مكة هذا‪ ،‬فذرهم‬
‫‪ 118‬و إ�ذا كان الله تعالى هو الذي يعلم المهتدين‬ ‫وما يخا�صمونك به مما يوحي إ�ليهم أ�وليا�ؤهم‪ ،‬وما‬
‫وال�ضالين‪ ،‬فلا تلتفتوا �أيها الم�سلمون إ�لى �ضلال الم�شركين‬
‫في تحريم بع�ض الأنعام‪ ،‬فلا ت أ�كلوا منها إ�لا ما ُذ ِك َر ا�سم‬ ‫َي ْختلقونه من الكذب‪.‬‬
‫الله وحده عليه عند ذبحه‪ ،‬ولا تترددوا في ذلك‪ ،‬إ�ن‬
‫كنتم ت�ؤمنون بالله و آ�ياته‪ .‬وقد جاء هذا ا ألم ُر بعد َح ْم َل ِة‬ ‫‪ 113‬و ِم ْن أ�هداف تزيينهم الأقوا َل الباطل َة �أَ ْن تميل‬
‫الم�شركين الت�شكيكية للم�سلمين ب أ�نهم ي�أكلون ما قتلوا‬ ‫إ�ليها �أفئد ُة الذين لا ي�ؤمنون با آلخرة‪ ،‬ولير�وضا بها‪،‬‬

‫ولا ي�أكلون ما قتله‪ ‬اللهُ ‪ -‬يعنون الميتة‪.-‬‬ ‫وليكت�سبوا ما هم مكت�سبون من القبائح وا آلثام‪.‬‬

‫‪ 114‬وقال م�شركو قري�ش للنبي ‪ :‬اجع ْل بيننا وبينك‬
‫َح َكم ًا‪ ،‬إ� ْن �شئ َت ِم ْن �أحبار اليهود‪ ،‬و إ� ْن �شئت ِم ْن �أحبار‬
‫الن�صارى‪ ،‬ليخبرنا ع ّما في كتابهم ِمن �أمرك‪ .‬فقال الله‬
‫له‪ :‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪� :-‬أفغير الله �أطلب قا�ضي ًا بيني‬
‫وبينكم‪ ،‬وقد �شهد لي ب إ�نزال هذا الكتاب المعجز‪ .‬ثم‬
‫قال تعالى‪ :‬وعلما ُء �أهل الكتابين يعلمون �أنه منزل من‬
‫ربك بالح ّق‪ ،‬فلا تكون َّن من ال�شا ِّكين في علمهم بنبوتك‬
‫وب ِ�صدق ما �ُأنزل إ�ليك و إ�ن أَ�ظهروا خلا َف ذلك ولم‬

‫ي ؤ�منوا بك‪.‬‬

‫‪ 115‬و َب َل َغ ْت كلما ُت ربك التي �أوحاها إ�ليك ‪ -‬أ�يها‬
‫النبي‪ -‬الغاية‪� :‬صدق ًا فيما �أنب أ� و�أخ َب‪ ،‬وعدل ًا فيما ق�ضى‬
‫فيها و�أمر‪ ،‬لا يمكن �َأ ْن يب ِّدل أ�حد �شيئ ًا منها بما هو أَ� ْ�صد ُق‬
‫و أ�عدل‪ ،‬ولا �أمراً ق�ضاه الله فيها‪ ،‬ولا َأ� ْن يغيرها بالزيادة‬
‫والنق�صان‪ ،‬وهو ال�سمي ُع لما يقولون‪ ،‬العلي ُم بما يفعلون‪،‬‬

‫لا يخفى عليه �شيء‪.‬‬

‫‪١٤٢‬‬

‫‪ 121‬ولا ت�أكلوا �أيها الم�ؤمنون مما ُذبح لغير الله أ�و لم‬
‫ُيذكر ا�س ُم الله عليه عند الذبح‪ ،‬ف�إنه خروج عن طاعة‬
‫الله‪ ،‬و إ�ن ال�شياطين ليو�سو�سون إ�لى أ�وليائهم من ا إلن�س‬

‫ليجادلوكم ب إ�لقاء ال�شبهات فيما ح ّرم الله عليكم‪ ،‬و�إن‬
‫اتبعتموهم �أيها‪ ‬الم�ؤمنون ف إ�نكم إ� َذ ْن ِمث ُلهم في ا إل�شراك‬

‫بالله تعالى‪.‬‬

‫‪� 122‬أ َو َم ْن كان بمنزلة الميت كافراً أ�عمى الب�صير ِة‬ ‫‪ 119‬وما يمنعكم ‪ -‬أ�يها الم�سلمون‪ِ -‬م ْن أ�كل ما ُذ ِبح‬
‫ف�أحيينا قلبه بالإيمان‪ ،‬ووفقناه للهداية ف�أ�صبح يعي�ش في‬ ‫بعد �أَ ْن ُذ ِكر ا�س ُم الله عليه والاكتفا ِء به؟ وما ُيحرجكم‬
‫في ا�ستباحة ما أ�بح ُت لكم من الطعام وقد ف ّ�صل ُت لكم‬
‫أ�نوارها‪ ،‬وي�ست�ضي ُء ب�شرائعها في أ�تي الحلا َل ويمتنع عن‬ ‫الحلا َل من الحرام فيما َتطعمون؟ ولكن �إذا �ألج�أتكم‬
‫الحرام‪ ،‬كمن َم َث ُله في ظلمات الكفر وال�ضلالة متحيراً لا‬
‫يعرف المخر َج منها؟! لا ي�ستويان‪ ،‬ف َل�ستم �أيها الم ؤ�منون‬ ‫ال�ضرور ُة إ�لى أ�كل �شيء مما ح َّرم ُت عليكم كالميتة والدم؛‬
‫كالكافرين‪ ،‬وكما ُزيِّن لهذا الكافر ما هو عليه ِم ْن َعمى‬ ‫فكلوا منه بالقدر الذي تدعوكم �إليه ال�ضرورة‪ ،‬و�إ َّن‬
‫الب�صيرة وموت القلب‪ ،‬كذلك ُزيِّن للكافرين ما كانوا‬ ‫كثيراً من ال�ضالين ل ُي�ضلون أ�تبا َعهم ب أ�هوائهم ِم ْن غير‬
‫عل ٍم منهم ب�صحة ما يقولون‪ ،‬ولا برهان عندهم بما فيه‬
‫يعملون ِم ْن معا�صي الله تعالى‪.‬‬ ‫يجادلون‪ ،‬إ� َّن ربك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬هو أ�علم بمن تع ّدى‬

‫‪ 123‬وكما ز َّينا ألكابر مكة ِمن المجرمين ما كانوا‬ ‫حدوده‪ ،‬فتجاوزها �إلى خلافها‪ ،‬وهو لهم بالمر�صاد‪.‬‬
‫يعملون‪ ،‬كذلك جعلنا في كل قري ٍة من التي �أر�سلنا إ�ليها‬
‫‪ 120‬و َد ُعوا ‪ -‬أ�يها النا� ُس‪ -‬المعا�ص َي ظاه َرها وباطنها‬
‫ر�سلنا أ�كاب َر مجرميها يمكرون فيها بدين الله و�أوليائه‪ ،‬وما‬ ‫�س َّرها وعلانيتها‪ ،‬إ� َّن الذين يعملون بما نهاهم الله عنه‬
‫َيحيق مك ُرهم ذاك إ�لا ب أ�نف�سهم‪ ،‬ولا يدرون ما قد �أع َّد‬ ‫وي أ�تون ما ح َّرم عليهم �سيجزيهم الله يوم القيامة بما كانوا‬

‫الله لهم ِم ْن �أليم عذابه‪.‬‬ ‫يعملون ِم ْن معا�صيه في الدنيا‪.‬‬

‫‪ 124‬و إ�ذا جاءت ه�ؤلاء الم�شركين من أ�هل مكة حج ٌة‬ ‫‪١٤٣‬‬
‫ِمن الله على �صحة ما جاءهم به محمد ‪ - -‬قالوا‪:‬‬

‫لن ن�ص ِّدق بما دعانا إ�ليه محمد حتى ُنعطى من المعجزات‬

‫مثل ما أ�عطي ر�سله ال�سابقون‪ ،‬والله أ�علم بموا�ضع‬
‫ر�سالاته‪ ،‬وبالذين هم لها �أ ْهل‪ ،‬فلي�س لكم �أَ ْن تتخيروا‬
‫�أنتم ذلك‪� ،‬سي�صي ُب ه ؤ�لاء ذ ّل ٌة وهوا ٌن‪ ،‬وعذا ٌب �شدي ٌد‬

‫بما كانوا يكيدون للإ�سلام‪ ‬و أ�هله‪.‬‬

‫بع َ�ضهم أ�ولياء بع�ض‪ ،‬كذلك نجع ُل بع�َض الظالمين من‬ ‫‪َ 125‬ف َم ْن ُيرد الله أ�ن يوفقه لقبول الحق يف�سح‬
‫ا إلن�س �أوليا َء بع�ض بما كانوا يك�سبون من معا�صي الله‪.‬‬ ‫�صدره ل إل�سلام حتى ي�ستنير الإيما ُن في قلبه‪ ،‬و َم ْن‬
‫ي�ش أ� �إ�ضلاله ي�شغله بكفره‪ ،‬ويجع ْل �صدره ‪ -‬بخذلانه‬
‫‪ 130‬يقول الله يو َم القيامة للجن والإن�س ِمن‬ ‫و َغ َلبة الكفر عليه‪�َ -‬ض ّيق ًا كحال َم ْن ي�صعد في طبقات‬
‫الم�شركين‪� :‬ألم ي�أتكم ُر�ُس ٌل منكم يخبرونكم بما �أُوح َي‬ ‫الجو ال ُعليا‪ ،‬ف ُي�صاب ب�ضيق �شديد في التنف�س‪ ،‬لتناق�ص‬
‫�إليهم من ا آليات ويح ِّذرونكم لقاء عذابي في يومكم‬ ‫�أك�سجين الهواء‪ ،‬وكما يجعل الله �صدو َر الكافرين‬
‫هذا ‪ -‬وهذا توبي ٌخ لهم على ما �َس َلف منهم ‪ -‬عندها‬ ‫�ضيقة يق�ضي بالف�ساد والخذلان على الذين لا ي�ؤمنون‬
‫يقولون‪َ� :‬ش ِه ْدنا على �أنف�سنا �أَ ْن قد ُب ِّلغنا و ُ�أ ْن ِذرنا‪،‬‬
‫ويعترفون �أنهم غ ّرتهم زين ُة الحياة الدنيا‪ ،‬وطل ُب‬ ‫بالله وباليوم ا آلخر‪.‬‬
‫الريا�سة فيها‪ ،‬والمناف�س ُة عليها‪ ،‬و�شهدوا على �أنف�سهم‬
‫‪ 126‬وهذا الذي ب ّينا لك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬في هذه‬
‫أ�نهم كانوا في الدنيا كافرين بالله وبر�سله‪.‬‬ ‫ال�سورة وغيرها هو طريق ربك ودي ُنه الذي ارت�ضاه‬
‫لنف�سه دين ًا وجعله م�ستقيم ًا لا اعوجاج فيه‪ ،‬فاث ُب ْت عليه‪،‬‬
‫‪� 131‬إنما �أر�سل ُت الر�س َل ‪ -‬يا محمد‪ -‬إ�لى َم ْن‬
‫و�صف ُت أ�َ ْم َره‪ ،‬و�أعلم ُتك َخ َبه؛ يق ُّ�صون عليهم آ�ياتي‪،‬‬ ‫قد ب ّينا ا آليات والحجج لمن يتذكر ِم ْن �أهل العقول‪.‬‬
‫لم يكن ل ُيهلكهم دون‬ ‫وينذرونهم المعاد؛ ألن ربك‬
‫وال ِعبر فيظلمهم بذلك‪،‬‬ ‫تنبي ٍه وتذكي ٍر بالر�سل وا آليات‬ ‫‪ 127‬له�ؤلاء القوم الذين يت َّذكرون عند ربهم يوم‬
‫القيامة دا ُر ال�سلامة ِم ْن كل ما ُيكره‪ ،‬وهي الجنة التي‬
‫والله غي ُر ظ ّل ٍم لعبيده‪.‬‬ ‫أ�ع ّدها ألوليائه في ا آلخرة‪ ،‬والله نا�صرهم جزاء بما كانوا‬

‫يعملون من طاعة الله واتبا ِع ر�وضانه‪.‬‬

‫‪ 128‬واذك ْر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬يوم ي ْح�شر اللهُ الم�شركين‬
‫مع أ�وليائهم ِم ْن �شياطين الجن الذين كانوا يوحون‬
‫�إليهم ُزخرف القو ِل ليجادلوا به الم�ؤمنين‪ ،‬فيجمعهم‬
‫جميع ًا في موقف القيامة‪ ،‬فيقول للجن‪ :‬قد ا�ستكثرتم‬
‫من إ��ضلال ا إلن�س و إ�غوائهم‪ ،‬وقال الذين �أطاعوهم‬
‫ِمن كفار ا إلن�س متح�ِّسين‪ :‬ربنا انتف َع بع ُ�ضنا ببع�ض‬
‫في الحياة الدنيا ‪ -‬حيث ا�ستمت َع ا إلن�س بما ز ّين ْت لهم‬
‫الج ُّن من المفا�سد وال�شهوات‪ ،‬وا�ستمتع الج ُّن بطاعة‬
‫ا إلن�س وتعظيمهم لهم‪ -‬و َب َل ْغنا �أج َل موتنا المق َّدر في‬
‫�سابق علمك‪ ،‬فقال الله ع ّز وج ّل لهم‪ :‬النا ُر مقامكم‬
‫لابثين فيها �أبداً إ�لا ما �شاء الله ‪ -‬وتعلي ُق دوام عذابهم‬
‫على الم�شيئة للتنبيه على جلاله تعالى وكماله ومطلق‬
‫م�شيئته‪ ،‬وقد ق�ضى في �آيات �ُأخر �أنهم لا يخرجون‬
‫منها أ�بداً‪� -‬إ َّن ربك حكيم في تدبيره‪ ،‬عليم ب�أحوال‬

‫الثق َلين و أ�عما ِلهم وبما يليق بها ِم ْن جزاء‪.‬‬

‫‪ 129‬وكما جعلنا ه�ؤلاء الكفار ِمن الجن والإن�س‬

‫‪١٤٤‬‬

‫‪ -‬حيث كنتم‪ -‬في قب�ضته‪ ،‬لا تخرجون عن قدرته‬ ‫‪ ١٣٢‬ولكل عام ٍل في طاعة الله أ�و مع�صيته مناز ُل‬
‫ومراتب جزاء عمله‪ُ ،‬يب ِّلغه الله إ�ياها و ُيثيبه بها‪� ،‬إ ْن خيراً‬
‫وعقابه‪ ،‬فاحذروا و�أنيبوا �إليه‪.‬‬ ‫فخي ٌر‪ ،‬و�إ ْن �َ ّشاً ف�ش ٌّر‪ ،‬وما ر ُّبك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬بغاف ٍل‬

‫‪ ١٣٥‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لقومك الذين يجعلون مع‬ ‫عما يعمل عبا ُده‪.‬‬

‫الله إ�له ًا �آخر‪ :‬اعملوا على طريقتكم وا�ستمروا عليها‪،‬‬ ‫‪ ١٣٣‬ور ُّبك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬الذي أ�َ َمر عباده ونهاهم‪،‬‬
‫و إ�ني عام ٌل ما �أم َرني به ربي ‪ -‬وهذا وعي ٌد وتهديد‪،‬‬ ‫و أ�ثابهم وعاقبهم هو الغني عنهم وعن أ�عمالهم‬
‫لا إ� ْذن لهم في عمل ما أ�رادوا من المعا�صي‪ -‬ف�سوف‬
‫وعبادتهم إ�ياه‪ ،‬وهم المحتاجون إ�ليه‪ ،‬أل َّن بيده حياتهم‬
‫تعلمون ‪� -‬أيها الكفرة بالله‪ -‬عند معاينتكم العذا َب أ�ينا‬ ‫ومماتهم‪ ،‬وك َّل �شي ٍء ِم ْن أَ� ْمرهم‪ ،‬فلم يخ ُل ْقهم ولم‬
‫تكو ُن له العاقب ُة المحمود ُة في الدار ا آلخرة‪ .‬إ�نه لا يفوز‬ ‫يكلفهم لحاج ٍة إ�ليهم‪ ،‬ولكن ليتف�ضل عليهم برحمته إ� ْن‬
‫بحاجته عند الله َم ْن عمل بخلا ِف ما �أمره الله به فظل َم‬ ‫�أح�سنوا‪ ،‬ف إ�نه ذو الرحمة الوا�سعة‪ ،‬لو أ�راد ألهلككم‬
‫و�أتى بقوم آ�خرين يخلفونكم كما �أوجدكم ِم ْن �أقوا ٍم‬
‫نف َ�سه‪ ،‬و أ��شر َك مع الله غيره‪.‬‬
‫�سابقين م�وضا‪ ‬قبلكم‪.‬‬
‫‪ ١٣٦‬وجعل ه�ؤلاء الم�شركون لله م ّما خلق ِم ْن َح ْر ِثهم‬
‫وثمراتهم و�أنعامهم ن�صيب ًا‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا لله ‪ -‬وهم‬ ‫‪� ١٣٤‬إ َّن الذي ُيوعدكم ر ُّبكم ِم ْن عقابه ‪� -‬أيها‬
‫الم�شركون‪ -‬واق ٌع بكم‪ ،‬ولن ُتع ِجزوه هرب ًا منه‪ ،‬ألنكم‬
‫كاذبون‪ -‬وهذا ل�شركائنا‪ .‬ف إ�ذا اختلط �شي ٌء مما جعلوه‬
‫لله بما جعلوه ل ألوثان تركوه للأوثان‪ ،‬و إ�ذا اختلط ما‬

‫جعلوه للأوثان بما جعلوه لله ر ُّدوه على ا ألوثان‪ ،‬و إ�ذا‬
‫احتاجوا �أخذوا مما جعلوه لله‪ ،‬ولم َي ْقربوا ما جعلوه‬
‫له ؤ�لاء ال�شركاء‪ ،‬بئ�س حك ُم القو ِم وق�سم ُتهم‪ ،‬حيث لم‬
‫يكتفوا �أ ْن جعلوا لله �شريك ًا‪ ،‬بل ف َّ�ضلوا غي َره عليه عند‬

‫ق�سمة ا ألنعام والحرث بينه وبين ال�شركاء‪.‬‬

‫‪ ١٣٧‬وكما ز ّين �شركا ُء الم�شركين ما ز ّينوا لهم ‪ -‬م ّما ُذ ِك َر‬
‫في ا آلية ال�سابقة‪ -‬كذلك ز ّين �شركا ؤ�هم من ال�شياطين‬
‫لكثي ٍر منهم َق ْت َل �أولا ِدهم بال َو ْ�أد وغيره خو َف الفقر‪،‬‬
‫ليهلكوهم وليخلطوا عليهم دي َنهم فيلتب�س‪ ،‬في�ضلوا‬
‫ويهلكوا بفعلهم ما ح َّرم اللهُ عليهم‪ ،‬ولو �شاء الله ما‬
‫فعلوا ذلك‪ ،‬ولك َّن الله تركهم لاختيارهم‪ ،‬فقتلوا‬
‫�أولا َدهم‪ ،‬و أ�طاعوا ال�شياطين التي أ�غوتهم‪َ ،‬ف َد ْعهم‬
‫‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬وما ي َت َق َّولون عل َّي من الكذب والزور‪،‬‬

‫ف إ�ني لهم بالمر�صاد‪.‬‬

‫‪١٤٥‬‬

‫مختلف َة ال ُّطعوم كال ُحلو والحام�ض ونحو ذلك‪ ،‬و�أن�ش�أ‬ ‫‪ ١٣٨‬و ِم ْن جهالات الم�شركين �أنهم ُي ِّحرمون الانتفاع‬
‫الزيتون والرمان مت�شابه ًا في المنظر وغير مت�شابه في‬ ‫ببع�ض ما �أحله الله ِم ْن غير ُح ّجة ولا برهان‪ ،‬فقد‬
‫الطعم‪ .‬كلوا ‪� -‬أيها النا�س‪ِ -‬من ثم ِر تلك الزروع‬ ‫قالوا في بع�ض ا ألنعام والـ َحرث‪ :‬هذه أ�نعا ٌم وزرو ٌع‬
‫وا أل�شجار قبل َح ْ�صده و�إخراج َح ِّقه‪ ،‬و�أخرجوا زكاته‬ ‫مح َّرمة علينا لا ي أ�كلها �إلا َم ْن �أردنا ِم ْن خ ّدام ا أل�صنام‪،‬‬
‫يو َم ح�صاده‪ ،‬ولا تخرجوا عن ح ّد الاعتدال في الأكل‬ ‫في�أكلون منها خا�صة‪ ،‬وكذا الوافدون على تلك‬
‫فلا يبقى منه �شيء للزكاة‪ ،‬ولا في العطية بحيث ت�ضرون‬ ‫ا أل�صنام‪ ،‬وبع ُ�ضها ي أ�كله الرجال دون الن�ساء‪َ ،‬ف َعلوا‬
‫�أنف َ�سكم وعيا َلكم و�أ�صحا َب الحقوق‪ ،‬ولا في �سائر ما‬ ‫ذلك باعتقاداتهم و�آرائهم الباطلة‪ ،‬وح َّرموا ظهور‬
‫�شرع الله لكم‪� ،‬إنه تعالى لا يح ُّب َم ْن تجاو َز الح ّد الذي‬ ‫بع�ض الأنعام فلا ُت ْر َك ُب ولا ُي ْحمل عليها‪ ،‬وخ ُّ�صوا‬
‫�أنعام ًا للأ�صنام فلا‪ ‬يذكرون ا�سم الله عليها عند الذبح‪،‬‬
‫ح ّده له في ت�صرفاته كلها‪.‬‬ ‫بل يذكرون عليها أ��سماء �أ�صنامهم لتكون ُقربان ًا خال�ص ًا‬
‫لها‪ ،‬وهم يزعمون أ� ّن الله أ�مرهم بذلك‪ ،‬وهو اخ ِتلا ٌق‬
‫‪ ١٤٢‬و�أن�ش�أ �سبحانه من ا ألنعام َح ُمول ًة ‪ -‬وهي ك ُّل ما‬
‫ُيحمل عليها من �إبل وبقر‪ -‬و َف ْر�ش ًا ‪ -‬وهي الم َ�س َّخرة‬ ‫وكذ ٌب‪ ،‬و�سيعاقبهم اللهُ على افترائهم هـذا‪.‬‬
‫لغير الحمل من الغنم و�صغار الإبل والبقر‪ ،‬و�ُس ِّمي ْت‬ ‫‪ ١٣٩‬وقالوا‪ :‬ما ُو ِل َد من �أ ِج َّن ِة هذه ا ألنعام ح ّي ًا فهو‬
‫فر�ش ًا ألنها كالفر�ش للأر�ض لدنوها منها‪ُ -‬كلوا أ�يها‬ ‫خال�ص للرجال دون الن�ساء‪ ،‬وما ُولد منها ميت ًا َ�أ َك َل ُه‬
‫النا�س مما أ�حله‪ ‬الله لكم ِم ْن هذه ا ألنعام والـ َحرث‪ ،‬ولا‬ ‫الرجا ُل والن�سا ُء جميع ًا‪ ،‬و�سيعاقبهم اللهُ بهذا الذي‬
‫ت�سلكوا طري َق ال�شيطان و آ�ثا َره في التحريم كما فعله �أه ُل‬ ‫ن�سبوه �إليه تعالى كذب ًا‪ ،‬إ�نه حكيم فيما يفعله‪ ،‬عليم‬

‫الجاهلية‪ ،‬إ� ّن ال�شيطان لكم عد ّو ب ِّي العداوة‪.‬‬ ‫ب�أعمال عباده‪.‬‬

‫‪١٤٦‬‬ ‫‪ ١٤٠‬قد خ�سر أ�ه ُل الجاهلية الذين قتلوا أ�ولا َدهم‬
‫‪ -‬مخاف َة الأ�ْس �أو الفقر ب َز ْعمهم‪ -‬و إ�نما فعلوا هذا ل ِخ َّف ِة‬
‫عقولهم وجهلهم ب أ�ن الله هو رازق �أولا ِدهم لا ُه ْم‪ .‬قد‬
‫خ�سروا في الدنيا إ�ذ �سعوا في نق�ص عددهم و إ�زال ِة ما‬
‫�أنعم به عليهم‪ ،‬وخ�سروا في الآخرة إ�ذ ا�ستحقوا بذلك‬
‫العذاب العظيم‪ .‬وخ�سروا �أي�ض ًا إ�ذ ح َّرموا على �أنف�سهم‬
‫الانتفاع ببع�ض ما رزقهم الله من ا ألنعام والحروث‬
‫وما في بطون ا ألنعام‪ ،‬ون�سبوا ذلك كذب ًا �إلى الله بغير‬
‫علم‪ ،‬قد �ضلوا عن ال�صراط الم�ستقيم ب أ�قوالهم و أ�فعالهم‬

‫القبيحة‪ ،‬وما كانوا مهتدين إ�لى الحق وال�وصاب‪.‬‬

‫‪ ١٤١‬والله �سبحانه المنع ُم المبد ُع الذي َن َّوع الـ َخل َق‪،‬‬
‫ف أ�ن�ش أ� ب�ساتين معرو�شات ‪ -‬نبا ُتها ُيجعل له عرو�ش ُيرفع‬
‫بها على وجه الأر�ض‪ -‬و�أن�ش أ� ب�ساتين غير معرو�شات‬
‫‪ -‬نبا ُتها لا �ساق له فهو مب�سوط على وجه ا ألر�ض لا‬
‫ُيرفع‪ -‬و�أن�ش أ� النخ َل وجمي َع الحبوب مما ُيقتا ُت و ُي َّد ُخر‪،‬‬

‫لأهل الجاهلية بتحريمهم ما لم يحرمه‪ ‬الله‪ -‬وقل ‪� -‬أيها‬ ‫‪ ١٤٣‬و�أن�ش أ� الله من الأنعام ‪ -‬وهي ا إلبل والبقر‬
‫الر�سول‪ -‬لهم‪ :‬هل كنتم حا�ضرين حين و ّ�صاكم الله‬ ‫وال�ض�أن والمعز‪ -‬ثماني َة �أزواج‪ِ :‬من ال�ض�أن ‪ -‬وهي‬
‫بتحريم هذا؟! ولما احت َّج‪ ‬الله عليهم بهذه الحجة وب َّي أ�نه‬ ‫ذوات ال�وصف من الغنم‪ -‬ذكراً و أ�نثى‪ ،‬ومن المعز‬
‫لا م�ست َن َد لهم في ذلك قال‪ :‬ف َم ْن أ��ش ُّد ظلم ًا و�أبع ُد عن‬
‫الحق ممن َيكذ ُب على الله بذلك ل ُي�ض َّل النا� َس وي�صدهم‬ ‫‪ -‬وهي ذوا ُت ال�َّشعر من الغنم‪ -‬ذكراً و أ�نثى‪ .‬قل ‪ -‬أ�يها‬
‫عن �سبيل الله جهل ًا منه؟ �إن الله لا ير�شد ولا يوفق َم ْن‬ ‫الر�سول‪ -‬له�ؤلاء الجهلة‪ :‬آ�ل َّذكرين من ال�ض�أن والمعز‬
‫أ��ص َّر على الكذب عليه و َن َ�س َب إ�ليه ما لم ي�شرعه لعباده‪.‬‬ ‫َح َّر َم عليكم أ�َم ا ألُنثيين منهما‪ ،‬أ�م ح َّر َم ما ا�شتمل ْت عليه‬
‫أ�رحا ُم ا ألنثيين من ال�ض�أن والمعز من الحمل؟! ‪ -‬وهذا‬
‫‪ ١٤٥‬قل‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬له ؤ�لاء الم�شركين الجاهلين‬ ‫ا�ستفهام �إنكار ٌّي‪ ،‬فهو تعالى لم ُيح ِّر ْم �شيئ ًا من ذلك كما‬
‫الذين يحللون ويح ِّرمون ِم ْن عند �أنف�سهم‪ :‬لا أ�جد‬ ‫يزعمون‪� -‬أخبروني أ�يها الم�شركون ب�أم ٍر معلو ٍم جاءكم‬
‫فيما أ�ُنزل عل ّي �شيئ ًا محرم ًا على �آكل ي�أكله إ�لا �أن‬ ‫من‪ ‬الله يد ُّل على تحريم ما ح َّرمتم �إ ْن كنتم �صادقين في‬
‫يكون ميتة أ�و دم ًا �سائل ًا ‪ -‬لا َك َد ِم الكب ِد وال ِّطحال وما‬
‫يبقى على اللحم وما يبقى في العروق بعد الذبح ف�إنه‬ ‫أ�ن الله ح َّرمه‪.‬‬
‫يحل‪� -‬أو لحم الخنزير ف إ�نه نج�س‪� ،‬أو ما ُذبح على غير‬
‫ا�سم الله تعالى ‪ -‬و�ُس ِّمي ِف�سق ًا لتو ُّغله في الخروج عن‬ ‫‪ ١٤٤‬و أ�ن�ش أ� الله ِمن الإبل ذكراً و أ�نثى‪ ،‬ومن البقر‬
‫أ�مر الله و�شرعه‪ -‬ف َم ْن دعته ال�ضرور ُة �إلى أ�كل �شيء من‬ ‫كذلك‪ .‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لهم أ�ي�ض ًا‪� :‬آل ّذكرين‬
‫هذه المح َّرمات غي َر قا�ص ٍد في أ�كله إ�ياه تلذذاً‪ ،‬وال‪ ‬عا ٍد‬ ‫ح َّرم �أَم الُأنثيين �َأم ما ا�شتمل ْت عليه �أرحا ُم ا ألنثيين من‬
‫بتجاوزه في ا ألكل الح َّد الذي أ�باحه الله له مما يدفع‬ ‫ا إلبل والبقر؟! ‪ -‬وهذا تقري ٌع وتوبي ٌخ من الله تعالى‬
‫به خو َف الهلاك عن نف�سه‪ ،‬ف إ�ن الله غفو ٌر فلا يعاقبه‬
‫عليه‪ ،‬رحي ٌم ب�إباحته �أ ْك َل ذلك عند ا�ضطراره‪ ،‬ولو �شاء‬ ‫‪١٤٧‬‬

‫ح َّرمه عليه و َم َنعه منه‪.‬‬

‫‪ ١٤٦‬يقول تعالى‪ :‬وح َّرمنا على اليهود ك َّل ذي ُظ ُفر‬
‫‪ -‬وهو من البهائم والطير ما لم يكن م�شقوق ا أل�صابع‪،‬‬
‫كا إلبل والنعام والإو ِّز والب ِّط‪ -‬وح ّرمنا عليهم من البقر‬
‫والغنم �شح َم الجوف و�شحم ال ُك ْليتين ‪ -‬وهذه َت�س ُهل‬
‫�إزالتها‪ -‬ولم نح ِّرم عليهم ما علق منه بالظهر والـ َج ْن ِب‬
‫ِم ْن داخل بطونهما‪ ،‬وكذلك ال�شحم المخالط ل ألمعاء‪،‬‬
‫وال�شح َم المختلط بالعظام التي تكون في الـ َج ْنب‬
‫والر�أ�س والعين‪ ،‬فك ُّل هذا كان حلال ًا لليهود‪ ،‬وكان هذا‬
‫التحريم عقوب ًة لهم ب�سبب بغيهم وظلمهم ‪ -‬وهو قت ُل‬
‫ا ألنبياء و أ�خ ُذ الربا وا�ستحلا ُل أ�موال النا�س بالباطل‪-‬‬
‫و�إ ّنا ل�صادقون في الإخبار عن َب ْغيهم‪ ،‬وعن تخ�صي�صهم‬

‫بهذا التحريم‪.‬‬

‫أ�هواء الذين لا ي�ؤمنون بالآخرة وهم بربهم ي�شركون‪� ،‬إذ‬ ‫‪ ١٤٧‬ف إ� ْن ك َّذبك الم�شركون واليهود و�سائر َم ْن خالفك‬
‫ُي�سوون به ا أل�صنام‪ ،‬ويجعلون له ا ألنداد‪.‬‬ ‫‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬فيما �أخبرناك به فقل‪ :‬ر ُّبكم ذو رحمة‬
‫وا�سعة‪ُ ،‬يهلكم على التكذيب فلا تغتروا ب إ�مهاله‪ ،‬وذو‬
‫‪ ١٥١‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪َ :-‬ه ُل ّموا �أيها القوم أ�قر أ�‬ ‫عقاب �أليم‪ ،‬فلا ُي َر ُّد عذا ُبه حين ينزل عن الذين ارتكبوا‬
‫عليكم الذي ح َّرم ر ُّبكم عليكم حق ًا يقين ًا لا �ش َّك فيه‪،‬‬
‫لا ظ ّن ًا ولا كذب ًا كما تزعون أ�نتم‪ ،‬بل هو وحي أ�وحاه‬ ‫من المعا�صي ما ُيو ِج ُب حلو َل عذابه ونقمته‪.‬‬
‫الله �إليَّ‪ ،‬فهو يو�صيكم أ�ن لا ت�شركوا به �شيئ ًا في عبادته‪،‬‬
‫ويو�صيكم بالوالدين �َأ ْن تح�سنوا إ�ليهما‪ ،‬و أ�ن ال‪ ‬تقتلوا‬ ‫‪� ١٤٨‬سيقول الم�شركون ‪ -‬وقد َل ِز َمتهم الحج ُة وتي َّقنوا‬
‫أ�ولادكم ب�سبب فق ٍر حا�ص ٍل أ�و �ضي ِق حا ٍل‪ ،‬ف إ�ني رازقكم‬ ‫بطلان ما ُه ْم عليه من ال�شرك بالله وتحري ِم ما لم يح ِّرمه‬
‫و�إياهم‪ .‬ولا تقربوا كبائر الذنوب التي َع ُظم قب ُحها‪،‬‬ ‫الله من الأنعام والحرث‪ :-‬لو �شاء الله ما أ��شركنا نحن‬
‫علاني ًة أ�و �سراً‪ ،‬ولا تقتلوا النف�س التي ح َّرم اللهُ قتلها‬ ‫ولا آ�با ؤ�نا ِم ْن قبلنا‪ ،‬ولا ح َّرمنا �شيئ ًا مما ح َّرمناه‪ ،‬فللاو‬
‫والعدوان عليها �إلا بالحق الذي يوجب ذلك‪ .‬ذلكم‬ ‫أ�ن الله ر�ضي ما نحن عليه و أ�راده منا و أ� َم َرنا به لحا َل‬
‫الذي ف ّ�ص ُلته لكم من ا ألوامر والنواهي أ�مركم ربكم‬ ‫بيننا وبين ذلك‪ ،‬وهذا فهم خاطئ لل َق َدر ‪ -‬فالله لا‬
‫بحفظه لكي تعقلوا ِع َظمها عنده‪ ،‬وتفهموا ما في هذه‬ ‫ير�ضى لعباده الكفر ولا ي�أمر به‪ -‬وهم غير �صادقين فيما‬
‫يقولون بل م�ستهزئون مجا ِدلون‪ ،‬وكما ك َّذب ه�ؤلاء‬
‫التكاليف من الفوائد والمنافع فتعملوا بها‪.‬‬ ‫وكابروا‪ ،‬ك َّذب الذين ِم ْن قبلهم ِم ْن كفار ا ألمم ال�سابقة‬
‫أ�نبياءهم ور�سلهم‪ ،‬وجادلوا بمثل ما جادلوا و�أقاموا على‬
‫‪١٤٨‬‬
‫ذلك حتى ذاقوا العذا َب ا أللي َم‪ .‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪-‬‬
‫له�ؤلاء الم�شركين القائلين ك َّل ما قالوا‪ :‬هل عندكم دلي ٌل‬

‫من النقل أ�و العقل فتظهروه لنا وتب ّينوه كما ب ّينا لكم‬
‫خط�أكم؟ والواق ُع أ�نكم ما ت ّتبعون �إلا الظ َّن الباطل‪ ،‬وما‬

‫أ�نتم في ذلك كله إ�لا تكذبون‪.‬‬

‫‪ ١٤٩‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬له ؤ�لاء الم�شركين حين‬
‫عجزوا عن �إظهار عل ٍم �أو بيان حج ٍة‪ :‬فلله الحج ُة التا ّم ُة‬
‫على خلقه ب�إنزال الكتاب و إ�ر�سال الر�سل‪ ،‬فلو �شاء الله‬

‫لو ّفقكم �أجمعين للهداية و َح َم َلكم عليها‪.‬‬

‫‪ ١٥٠‬قل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ : -‬هاتوا وا ْدعوا �شهدا َءكم‬
‫الذين ي�شهدون على ما زعمتم ِم ْن تحريم بع�ض ا ألنعام‬
‫والـ َح ْرث‪ .‬ف إ� ْن �أقدموا و�شهدوا كاذبين فلا ُت َ�س ِّلم لهم ما‬
‫�شهدوا به ولا ُت َ�صدقهم ‪ -‬لأنه إ�ذا �َس َّل َم لهم فك�أنه �َش ِه َد‬
‫معهم مثل �شهادتهم‪ -‬و�إ ْن وقع ْت منهم �شهادة ف�إنما هي‬
‫باتباع الهوى فلا تتب ْع ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬أ�هوا َءهم ولا‬

‫الردي َئة من اليهودية والن�صرانية والمجو�سية و�سائر البدع‬ ‫‪ ١٥٢‬ولا تقربوا مال اليتيم إ�لا بما فيه �صلا ُحه وتكثي ُره‬
‫وال�ضلالات‪ ،‬فتميل بكم عن دينه وطريقه الذي ارت�ضاه‬ ‫وتح�صي ُل الربح له‪ ،‬واحفظوه �إلى َأ� ْن يبلغ اليتيم �س َّن‬
‫لعباده‪ ،‬ذلكم و�صاكم به رجا َء الفو ِز بر�ضاه واجتناب‬ ‫التكليف مع �إينا�س الر�شد‪ .‬و�أوفوا الكيل والميزان‬
‫بال�سوية والعدل‪ ،‬لا نك ِّلف نف�س ًا �إلا ما بما َي�سعها ولا‬
‫ما يوجب عذابه‪.‬‬ ‫تعجز عنه ‪ -‬و�إنما أ�َ ْت َب َع الأم َر ب إ�يفاء الكيل والميزان ذلك؛‬
‫لأ َّن مراعاة الحد من الق�سط الذي لا زيادة فيه ولا نق�صان‬
‫‪ ١٥٤‬ثم قل‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬بعد ذلك له�ؤلاء الم�شركين‬ ‫مما فيه حر ٌج‪ ،‬ف�أمر ببلوغ الو�ْسع‪ ،‬و�أ َّن ما وراءه معف ٌّو‬
‫�أ ّنا �آتينا مو�سى الكتا َب ِم ْن قبل متمم ًا لنعمتنا وف�ضلنا‬ ‫عنه‪ -‬و�إذا قلتم فا�صدقوا ولو كان المقول له �أو عليه في‬
‫على المح�سنين من قومه‪ ،‬فيه بيا ٌن لكل �شيء ُيحتا ُج‬ ‫�شهاد ٍة أ�و غيرها ذا قربى‪ ،‬و�أوفوا بما عه َد الله إ�ليكم ِم ْن‬
‫�إليه ِم ْن �شرائع الدين و أ�حكامه‪ ،‬وهدى من ال�ضلالة‬ ‫طاعته في أ�مره ونهيه ووعده ووعيده‪ ،‬أ�و بعهد �أدخلتم‬
‫ورحمة من الله عليهم‪ ،‬لكي ي ؤ�منوا بالبعث وي�صدقوا‬ ‫الله فيه ِم ْن �أَيمانكم ونذوركم‪ ،‬ذلكم المذكور في هذه‬
‫ا آلية و ّ�صاكم‪ ‬الله به لعلكم تتعظون وتعملون بمقت�ضاه‪.‬‬
‫بالثواب والعقاب‪.‬‬
‫‪ ١٥٣‬و�أن هذا الذي و ّ�صيتكم به هو طريقي وديني‬
‫‪ ١٥٥‬وهذا القر�آن الذي أ�نزلناه �إلى نبينا محمد ‪- -‬‬ ‫الذي ارت�ضيته لعبادي قويم ًا لا اعوجاج فيه فاعملوا‬
‫كتا ٌب مبارك فاجعلوه �إمام ًا تتبعونه‪ ،‬وتعملون بما فيه‬ ‫به‪ ،‬ولا تت ّبعوا الطرق المنحرفة والأهوا َء الم�ض ِّلة والبد َع‬
‫‪� -‬أيها النا�س‪ -‬واح َذروا الله في �أنف�سكم �أن ت�ضيعوا‬
‫‪١٤٩‬‬
‫العم َل بما فيه‪ ،‬وتتعدوا حدوده‪ ،‬وت�ستحلوا محارمه‪.‬‬

‫‪ ١٥٦‬ولقد �أنزلنا القر آ�ن لئلا تقولوا �أيها الم�شركون‪:‬‬
‫�إنما �أُنزل الكتا ُب على طائفتين ِم ْن قبلنا‪ -‬وهم اليهود‬
‫والن�صارى‪ -‬ولم ينزل علينا كتاب فنتبعه‪ ،‬ولم ن�ؤمر‪،‬‬
‫ولم ُنـ ْنه‪ ،‬فلي�س علينا ُح ّج ٌة فيما نفعل ونترك‪ ،‬إ�ذ‬
‫لم ي�أت من الله كتا ٌب ولا ر�سو ٌل‪ ،‬و إ�نما الحج ُة على‬
‫الطائفتين اللتين �أُنزل عليهما الكتاب ِم ْن قبلنا وقد ك ّنا‬
‫غافلين عن تلاوتهم كتابهم‪ ،‬لا نعلم ما يقر�ؤون وما‬
‫يقولون‪ .‬ف َق َط َع‪ ‬اللهُ ب إ�نزاله القر�آن على نبيه محمد ‪‬‬

‫ُح ّج َتهم تلك‪.‬‬

‫‪ ١٥٧‬ولئلا تقولوا‪ :‬لو �أ ّنا ُ�أن ِز َل علينا الكتا ُب مثلهم‬
‫ف�ُأمرنا و ُنهينا‪ ،‬و ُب ِّي لنا فيه خط�أ ما نحن فيه من �وصابه‬
‫لكنا أ��ش َّد ا�ستقامة على طريق الحق‪ ،‬واتباع ًا للكتاب‪،‬‬
‫و�أح�س َن عمل ًا بما فيه منهم‪ .‬فقد جاءكم كتا ٌب بل�سانكم‬
‫عرب ٌّي مبي ُن‪ ،‬حج ٌة وا�ضح ٌة وبيا ٌن للحق‪ ،‬وفرقا ٌن بين‬
‫ال�وصا ِب والخط ِأ�‪ ،‬ورحم ٌة لمن عمل به‪ ،‬ف َم ْن أ�خط ُ�أ ِفعل ًا‬
‫و�أ�ش ُّد عدوان ًا مم ْن ك َّذ َب ب ُحجج الله و أ�دلته و أ�عر�َض‬
‫عنها؟ �أولئك �سنجزيهم على فعلهم هذا �شدي َد العذا ِب‪.‬‬

‫في �شيء من ذلك‪ ،‬وبذلك الإخلا�ص أ�مرني ربي‪ ،‬و�أنا‬ ‫‪ ١٥٨‬هل ينتظر ه ؤ�لاء الم�شركون �إلا �أن ت�أتيهم الملائكة‬
‫�أ ّو ُل َم ْن �أق َّر و�أذع َن وخ�ض َع ِم ْن هذه الأمة لربه‪.‬‬ ‫بالموت‪ ،‬فتقب�ض �أرواحهم‪� ،‬أو ي�أتيهم ربك ‪ -‬يا‪ ‬محمد‪-‬‬
‫لف�صل الق�ضاء بين خلقه في موقف القيامة‪� ،‬أو أ�ن ي أ�تيهم‬
‫‪ ١٦٤‬وقل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لهم‪� :‬أغي َر الله أ�طل ُب ر ّب ًا‬ ‫طلو ُع ال�شم�س ِم ْن مغربها‪ ،‬ويوم ت أ�تي هذه ا آلية لا ينفع‬
‫�أعبده‪ ،‬وهو خالق كل �شيء ومالكه ومدبره؟ ولا‬ ‫َم ْن كان قبل ذلك م�شرك ًا أ�ن ي�ؤمن بعدها‪ ،‬ولا ينفع َم ْن‬
‫تك�سب نف� ٌس إ�ثم ًا �إلا كان جزا�ؤه عليها‪ ،‬ولا تحم ُل‬ ‫كان م�ؤمن ًا مفرط ًا في عمله عم ُله إ� ْن عمل‪ ،‬وك�س ُبه إ� ْن‬
‫نف� ٌس ذن َب نف� ٍس أ�خرى‪ ،‬فل�سنا م�أخوذين ب آ�ثامكم‪،‬‬ ‫اكت�سب‪ ،‬لتفريطه الذي �َس َل َف قبل طلوعها‪ .‬قل‪ -‬أ�يها‬
‫ولا معاقبين ب إ�جرامكم‪ ،‬ولكم دينكم ولنا ديننا‪ ،‬ثم �إلى‬ ‫الر�سول‪ -‬له ؤ�لاء الم�شركين‪ :‬انتظروا ما ُذكر إ� ّنا منتظرون‬
‫ربكم مرجعكم بعد الموت فينبئكم بما كنتم تختلفون‬
‫ليجزل الله لنا ثوابه على طاعتنا و�إخلا�صنا‪.‬‬
‫فيه من ا ألديان والملل‪.‬‬
‫‪� ١٥٩‬إ َّن الذين فارقوا الدين الحق‪ ،‬وف ّرقوه‪ ،‬وكانوا فرق ًا‬
‫‪ ١٦٥‬و�إ َّن الله هو الذي جعلكم ‪� -‬أيها النا�س‪-‬‬ ‫فيه و�أحزاب ًا ِ�ش َيع ًا‪ ،‬من الم�شركين ومن اليهود والن�صارى‪،‬‬
‫خلائ َف ا ألر�ض؛ يخلف بع ُ�ضكم بع�ض ًا فيها جيل ًا بعد‬ ‫ل�س َت منهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬ولي�سوا منك؛ أل َّن الدين‬
‫جيل‪ .‬وخال َف بين �أحوالكم في الرزق والقوة والولد‬ ‫الذي بعثك الله به هو دين ا إل�سلام‪ ،‬دين �إبراهيم الحنيفية‬
‫و�سائر النعم‪ ،‬ليختبركم فيما �أعطاكم‪ ،‬فيعلم المطيع من‬ ‫وهم على خلافه‪ ،‬و َأ� ْم ُر ه ؤ�لاء جميع ًا إ�لى‪ ‬الله وحده؛‬
‫العا�صي‪ ،‬وهو �سريع العقاب لمن يع�صيه‪ ،‬غفور رحيم لمن‬ ‫يدبره ح�سب ما تقت�ضيه حكم ُته‪ ،‬و�سينبئهم يو َم القيامة‬

‫يتو ُب إ�ليه ويني ُب‪.‬‬ ‫بما كانوا يفعلون ويجازيهم عليه‪.‬‬

‫‪١٥٠‬‬ ‫‪ ١٦٠‬م ْن جاء ر َّبه يوم القيامة‪ ،‬با إليمان والعمل‬
‫ال�صالح‪ ،‬فله بالح�سنة ع�شر أ�مثالها‪ ،‬و َم ْن جاء با ألعمال‬
‫ال�سيئة‪ ،‬فلا يجزى بال�سيئة �إلا �سيئة مثلها‪ ،‬والله لا‬
‫يظلم أ�حداً ِم ْن خلقه‪ ،‬فلا يزاد في �سيئاتهم‪ ،‬ولا ينق�ص‬

‫من ح�سناتهم �شيء‪.‬‬

‫‪ ١٦١‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء الم�شركين‪� :‬إنني‬
‫أ�ر�شدني ربي إ�لى الطريق القويم دين ًا م�ستقيم ًا لا عوج‬
‫فيه‪ ،‬وهو الدين الذي اتبعه �إبراهيم مائل ًا به عن العقائد‬

‫الباطلة‪ ،‬وما كان �إبراهيم من الم�شركين بالله‪.‬‬

‫‪ ١٦٣ ١٦٢‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬له ؤ�لاء الذين ي�س أ�لونك‬
‫َ�أ ْن تتبع �أهواءهم على الباطل‪ِ ،‬م ْن عبادة ا آللهة وا ألوثان‪:‬‬
‫إ� ّن �صلاتي وما �أتق َّرب به �إلى الله من الذبح أ�و النحر‪،‬‬
‫و�سائر ما �آتيه ِم ْن �أعمال في حياتي وعند وفاتي‪ ،‬كل‬
‫ذلك خال�ص‪ ‬لله ر ِّب العالمين‪ ،‬لا ي�شاركه أ�حد ِم ْن خلقه‬

‫عندما جاءهم عذا ُبنا إ�لا اعترافهم على أ�نف�سهم ب أ�نهم‬
‫كانوا �إلى �أنف�سهم م�سيئين‪ ،‬وبربهم م�شركين‪ ،‬ولأمره‬

‫ونهيه مخالفين‪ ،‬فلم ينفعهم ذلك‪.‬‬

‫‪ 6‬ف َلن�س أ�ل َّن الأم َم الذين أ�ر�سل ُت إ�ليهم ر�سلي‪ ،‬ماذا‬ ‫‪} 1‬ﭑ{‪� :‬سبق الكلام على هذه الحروف‬
‫عمل ْت فيما جاءتهم به الر�سل‪ ،‬هل عملوا بما أ�مرتهم به‬ ‫الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة‪ ‬البقرة‪.‬‬
‫وانتهوا عما نهيتهم عنه �أم ع�وصني‪ ،‬ولن�س�ألن الر�س َل‪،‬‬
‫هل بلغوا ر�سالاتي �أم ق�صروا في ذلك؟ والمق�وصد‬ ‫‪ 2‬هذا القر آ�ن كتاب أ�نزله الله إ�ليك ‪ -‬أ�يها النبي‪-‬‬
‫بهذين ال�س ؤ�الين تقريع وتوبيخ َم ْن ك ّذبوا المر�سلين‬ ‫لتنذر به َم ْن �أمرتك ب�إنذاره‪ ،‬و ُتذ ِّكر الم ؤ�منين‪ ،‬فلا يكن‬
‫وع�وصهم‪ ،‬و�إكرام المر�سلين ب�إظهار براءتهم ِم ْن �أ ِّي‬ ‫في �صدرك �أ ُّي حر ٍج و�ضي ٍق من ا إلنذار به أ�و التذكير‪.‬‬

‫تق�صي ٍر في البلاغ‪.‬‬ ‫‪ 3‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء المن َذ ِرين‪ :‬اتبعوا ما‬
‫جاءكم ِم ْن عند ربكم من البينات والهدى واعملوا به‪،‬‬
‫‪َ 7‬فل ُنخبر َّن الر�سل و َم ْن أ�ر�سل ُتهم إ�ليهم عن علم يقي ٍن‬ ‫ولا تتبعوا �أمر �أوليائكم الذين ي�أمرونكم بال�شرك‪ .‬إ�نكم‬
‫م ّنا بما عملوه في أ�مري ونهيي‪ ،‬وما كنا غائبين عنهم‬
‫قليل ًا ما تتعظون �أو تعتبرون!‬
‫وعن �أفعالهم التي كانوا يفعلونها‪.‬‬
‫‪ 4‬وح ِّذ ْر ه ؤ�لاء �سخطي؛ فكثيراً ما �أهلك ُت قبلهم‬
‫‪ 9 8‬والق�ضا ُء يوم ن�س أ�ل الذين أ�ُر�سل إ�ليهم‪،‬‬ ‫ِم ْن أ�هل قرى ع�وصني؛ فجاءتهم عقوبتنا ليل ًا قبل �أن‬
‫ون�س�أل المر�سلين هو الق�ضا ُء العد ُل‪ ،‬و�سيزن الله �أعما َل‬
‫خلقه‪ ،‬الح�سنات منها وال�سيئات‪َ ،‬ف ْمن ث ُقل ْت موازين‬ ‫ي�صبحوا‪� ،‬أو جاءتهم نهاراً في وقت القيلولة‪.‬‬
‫�أعماله ال�صالحة ف�أولئك هم الذين ظفروا بالنجاح‪.‬‬
‫و َم ْن خ ّف ْت موازين أ�عماله ال�صالحة ف�أولئك الذين‬ ‫‪ 5‬فلم يكن دعوى أ�هل القرى التي �أهلكناها‪،‬‬
‫غبنوا �أنف�سهم حظوظها ِم ْن جزيل ثواب الله بما كانوا‬

‫يجحدون بحجج الله و�أدلته‪.‬‬

‫‪ 10‬ولقد هي أ�نا لكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬الأر�َض ت�ستقرون‬
‫عليها‪ ،‬ومك ّناكم من الت�ص ّرف فيها‪ ،‬وجعلنا لكم فيها‬
‫معاي�ش ِم ْن مطاعم وم�شارب ومنافع‪ ،‬و أ�نتم قلي ٌل‬
‫�شك ُركم على هذه النعم لعبادتكم غيري‪ ،‬واتخاذكم‬

‫�إِله ًا �سواي‪.‬‬

‫‪ 11‬ولقد ب َد ْأ�نا خلقكم بخلق أ�بيكم �آدم‪ ،‬طين ًا غي َر‬
‫م�و َّص ٍر‪ ،‬ثم �و ّصرناه على ال�وصرة الب�شرية الكريمة‪،‬‬
‫ونفخنا فيه ِم ْن روحنا‪ ،‬ثم قلنا للملائكة‪ :‬ا�سجدوا‬
‫لآدم تحي ًة له و�إظهاراً لف�ضله عندنا‪ ،‬ف�سجدوا إ�لا �إبلي�س‬

‫لم ي�سجد‪.‬‬

‫‪١٥١‬‬

‫‪ 20‬فغ َّرر �إبلي� ُس �آدم وحواء ل ُيظ ِه َر ما �ست َر اللهُ ِم ْن‬ ‫‪ 12‬قال الله لإبلي�س‪� :‬أ ُّي �شيء منعك من ال�سجود‬
‫عورتيهما التي ي�سوء فطر ًة و َط ْبع ًا الك�ش ُف عنها والنظ ُر‬ ‫لآدم �إذ �أمرتك َأ� ْن ت�سجد له؟ قال‪� :‬أنا أ�ف�ضل منه‪ ،‬لف�ضل‬
‫�إليها‪ ،‬وقال لهما‪ :‬ما نهاكما ر ُّبكما عن هذه ال�شجرة‬ ‫العن�صر الذي ُخ ِلق ُت منه‪ ،‬وهو النار‪ ،‬على الذي ُخلق‬
‫أَ� ْن ت أ�كلا ثم َرها إ�لا لئلا تكونا م َلكين‪� ،‬أو تكونا من‬
‫�آدم منه‪ ،‬وهو الطين‪.‬‬
‫الخالدين في الجنة �أبداً فلا تموتا‪.‬‬
‫‪ 21‬وحلف �إبلي� ُس لهما إ�ني لكما لممن ين�ص ُح في‬ ‫‪ 13‬قال الله إلبلي�س عند ذلك‪ :‬فاهبط من الجنة‪،‬‬
‫فلي�س لك �أن ت�ستكبر فيها عن �أمري وطاعتي‪ ،‬ف إ�نه لا‬
‫م�وشرته وطلبه إ�ليكما ا ألك َل من هذه ال�شجرة‪.‬‬ ‫ي�سكن الجن َة متكب ٌر عن أ�مر الله‪ ،‬فاخر ْج �إنك من الذين‬
‫‪ 22‬فخدعهما بتغريره‪ ،‬فلما �شرعا في ا ألكل من‬
‫ال�شجرة ووجدا طع َمها انك�شف ْت لهما عورتاهما‪،‬‬ ‫نالهم من الله الذ ُّل والمهان ُة‪.‬‬
‫فجعلا ي�ش ّدان عليهما ِم ْن ورق الجنة ورق ًة فو َق أ�خرى‬
‫لي�سترا عوراتهما‪ ،‬وناداهما ر ُّبهما معاتب ًا لهما ومو ّبخ ًا‪:‬‬ ‫‪ 14‬قال إ�بلي�س‪ :‬ر ِّب أ�َ ِّخرني‪ ،‬فلا تمتني إ�لى يوم ُي ْب َع ُث‬
‫�ألم أ�نهكما عن �أكل ثمرة ال�شجرة التي أ�كلتما ثم َرها‬ ‫الخل ُق ِم ْن قبورهم للح�ساب‪.‬‬

‫و أ�ُ ْع ِل ْمكما �أ َّن إ�بلي�س لكما عدو مبين؟!‬ ‫‪ 15‬قال الله له‪� :‬إنك من الـ ُمن َظرين إ�لى يوم ُينفخ‬
‫في ال�وصر النفخة الأولى‪ :‬نفخة فناء العالم ونهايته‪،‬‬
‫‪١٥٢‬‬
‫ال‪ ‬نفخة ال َب ْعث‪.‬‬
‫‪ 16‬قال �إبلي�س لله ع َّز وج َّل‪ :‬فب�سبب حكمك عل َّي‬
‫بالغواية وال�ضلال لأج ِلهم؛ �أق�س ُم بعزتك ألقعد َّن في‬

‫طريق بني �آدم ألمنعهم من الو�وصل إ�لى دينك الحق‪.‬‬

‫‪ 17‬ثم ألجتهد َّن في �إ�ضلالهم ب َ�أ ْن آ�تيهم ِم ْن أ�مامهم‬
‫و ِم ْن خلفهم وعن أ�يمانهم وعن �شمائلهم‪ ،‬ف�أو�سو�س لهم‬
‫أل�ص ّدهم عن الحق‪ ،‬و ُ�أح�ِّسن لهم الباطل‪ ،‬ولا تجد �أكثر‬
‫بني �آدم �شاكرين لك نعمك التي أ�نعم َت عليهم‪ ،‬ب أ�ن‬

‫ي ؤ�منوا بك ويطيعوك‪.‬‬

‫‪ 18‬قال الله‪ :‬اخر ْج من الجنة ممقوت ًا مطروداً‪،‬‬
‫و أ�ُق ِ�س ُم �أ َّن َم ْن تبعك و�أطاعك من بني آ�دم َ�أ ْن أ�م أل‬
‫جهنم ِم ْن جميعكم‪ ،‬يعني منك و ِم ْن ك ِّل �أتباعك من‬

‫ا إلن�س والجن‪.‬‬

‫‪ 19‬وقال الله يا �آدم‪ :‬ا�سك ْن �أنت وزو ُجك الجنة‬
‫‪ -‬بعد �أن أ�خرج الله منها إ�بلي�س ‪ -‬ف ُكلا ِم ْن ثمارها ِم ْن‬
‫أ�ي مكا ٍن �شئتما منها‪ ،‬ولا تقربا ث َمر �شجر ٍة ح َّددها‬
‫لهما‪ ،‬فتكونا ممن خال َف �أ َمر ربه‪ ،‬وفع َل ما لي�س له فعله‪.‬‬

‫آ�دم وحواء من قبل‪ -‬ذلك الذي ذكر ُت هو من ُحجج‬ ‫‪ ٢٣‬قال �آدم وحواء‪ :‬ر َّبنا َف َعلنا ب أ�نف�سنا ما لم يكن لنا‬
‫الله و أ�دلته لي َّذكروا فيعتبروا ويتوبوا إ�لى الحق‪.‬‬ ‫�أَ ْن نفعل‪ ،‬و�إ ْن �أنت لم ت�ستر علينا ذنبنا وترحمنا بتع ُّطفك‬

‫‪ ٢٧‬يا بني آ�دم لا يخدع َّنكم ال�شيطا ُن ف ُيبدي �َس ْوءاتكم‬ ‫علينا وتركك م ؤ�اخذتنا به لنكون َّن من الهالكين‪.‬‬
‫للنا�س كما فعل ب أ�بويكم‪ ،‬حيث أ�خرجهما بمكره‬
‫وخداعه من الجنة‪ ،‬ونز َع عنهما ما كان الله أ�لب�سهما‬ ‫‪ ٢٤‬قال الله لآدم وحواء و�إبلي�س‪ :‬اهبطوا �إلى الأر�ض‪،‬‬
‫من اللبا�س‪� ،‬إ َّن ال�شيطان يراكم هو وجنو ُده الذين هم‬ ‫بع ُ�ضكم لبع�ض عدو‪ ،‬ولكم فيها م�ست َق ٌّر ت�ستقرون فيه‪،‬‬
‫ِم ْن �صنفه وجن�سه ِم ْن حيث لا ترونهم �أنتم‪� ،‬إ ّنا جعلنا‬
‫ال�شياطين ُن َ�صاء الكفار الذين لا يو ِّحدون الله ولا‬ ‫ومتا ٌع تنتفعون به �إلى حين انق�ضاء‪� ‬آجالكم‪.‬‬

‫ي�ص ِّدقون ر�سله‪.‬‬ ‫‪ ٢٥‬قال الله للذين َأ�هبطهم‪ :‬في الأر�ض تكون‬
‫حياتكم‪ ،‬وفيها تكون وفاتكم‪ ،‬ومنها ُيخرجكم ر ُّبكم‬
‫‪ ٢٨‬و إ�ذا فعل الم�شركون قبيح ًا من الفعل ‪ -‬كتعريهم‬
‫عند الطواف بالبيت ‪ -‬ف ُع ِذلوا و ُعوتبوا على ذلك قالوا‪:‬‬ ‫بعد �إحيائكم للح�ساب يوم القيامة‪.‬‬
‫وجدنا آ�باءنا يفعلونه فنحن نقتدي بهم‪ ،‬والله أ�مرنا به‪،‬‬
‫قل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬إ�ن الله لا ي أ�مر خلقه بقبائح‬ ‫‪ ٢٦‬يا بني آ�دم قد خلقنا لكم لبا�س ًا ي�ستر عوراتكم‪،‬‬
‫ا ألفعال‪ ،‬أ�تك ِذبون على الله ب�أَ ْن تن�سبوا إ�ليه ما لا تعلمون؟!‬ ‫ولبا�س ًا يزينكم ويجملكم‪ ،‬ولبا� ُس التقوى من ا إليمان‬
‫والحياء والعمل ال�صالح خي ُر لبا� ٍس‪ ،‬فالب�سوه ‪ -‬وفي‬
‫‪ ٢٩‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء الذين يزعمون أ�ن‬ ‫الآية إ��شارة إ�لى ما كانت عليه بع�ض القبائل الجاهلية من‬
‫الله أ�مرهم بالفح�شاء‪ :‬ما �أم َر ربي بما تقولون‪ ،‬بل �أم َر‬ ‫التع ّري عند الطواف‪ ،‬و أ�نه خدع ٌة من ال�شيطان كخدعته‬
‫ربي بالعدل في الأمور ك ِّلها‪ ،‬وهو ما ا�ست ّقر في النفو�س‬
‫�أنه م�ستقيم لا ينكره مميز‪ ،‬فكيف ي�أمر بالفح�شاء وهي‬ ‫‪١٥٣‬‬
‫ما َع ُظم قبحه؟! و�أمركم �أَ ْن تجعلوا �سجودكم خال�ص ًا له‬
‫دون ما �سواه‪ ،‬و أ�ن تعبدوه مخل�صين له العبادة‪ .‬وكما‬
‫خلقكم ‪� -‬أيها النا�س‪ -‬ولم تكونوا �شيئ ًا‪ ،‬تعودون بعد‬

‫الفناء ليجازيكم على �أعمالكم‪.‬‬

‫‪ ٣٠‬و�أنتم تعودون �إلى الله فريقين‪ :‬فريق ًا �سعداء‪،‬‬
‫هداهم اللهُببعثة الر�سل فاهتدوا بهديهم‪ ،‬وو َّفقهم للعمل‬
‫ال�صالح وثبتهم عليه‪ ،‬فهم مهتدون‪ ،‬وفريق ًا ح َّق عليهم‬
‫ال�ضلالة فلم يقلعوا عنها لاتخاذهم ال�شيطا َن ِم ْن دون‬
‫الله ول ّي ًا‪ ،‬ولم يتبعوا داعي الهدى‪ ،‬ويظنون لاغترارهم‬

‫بخداع ال�شيطان أ�نهم على ح ٍّق وهدى‪.‬‬

‫‪ ٣٦‬و أ� ّما َم ْن ك َّذب ب أ�نباء ر�سلي التي أ�ر�سلتها إ�ليه‪،‬‬ ‫‪ ٣١‬يا بني �آدم خذوا زينتكم من الك�ساء واللبا�س‬
‫وا�ستكب َر عن ت�صديق حججي و أ�دلتي‪ ،‬ف�أولئك أ�هل‬ ‫عند كل م�سج ٍد وعند كل �صلاة‪ ،‬وكلوا ِم ْن طيبات ما‬
‫رزقتكم‪ ،‬وا�شربوا ِم ْن حلال ا أل�شربة ِم ْن غير إ��سراف ولا‬
‫النار‪ ،‬هم فيها ماكثون لا يخرجون منها �أبداً‪.‬‬ ‫اعتداء‪ ،‬إ� َّن الله لا يح ُّب المتعدين حدوده في حلال �أو‬
‫حرام‪ ،‬ولكنه يح ُّب َ�أ ْن ُيح َّلل ما أ�ح َّل و ُيح َّرم ما ح َّر َم‪،‬‬
‫‪ ٣٧‬فمن �أ ْظ َل ُم فعل ًا ممن اختل َق على الله زوراً من القول‬
‫فقال إ�ذا َف َع َل فاح�ش ًة‪� :‬إ َّن الله �أمرنا بها‪� ،‬أو ك َّذب ب أ�دلته‬ ‫وذلك هو العدل الذي �أمر به‪.‬‬
‫وحججه الدالة على وحدانيته ونبوة �أنبيائه؟ أ�ولئك‬
‫‪ ٣٢‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬له ؤ�لاء الجهلة‪َ :‬م ْن ح ّرم‬
‫ي�صل إ�ليهم ح ُّظهم م ّما كت َب الله لهم في اللوح المحفوظ‬ ‫عليكم زين َة الله التي خلقها لعباده‪ ،‬والحلا َل من الرزق؟‬
‫ِم ْن خي ٍر و�ش ٍّر في الدنيا‪ ،‬ورز ٍق وعم ٍل و أ�ج ٍل‪� ،‬إلى َأ� ْن‬
‫ت�أتيهم ر�سلنا لقب�ض �أرواحهم‪ ،‬ف�إذا جاءهم ملك الموت‬ ‫قل‪ :‬هي للذين �آمنوا طيبة في الحياة الدنيا‪ ،‬وهي لهم في‬

‫وجنده قالوا لهم‪� :‬أين الذين كنتم تدعونهم �أولياء ِم ْن‬ ‫الآخرة خال�صة ع ّما يك ِّدرها‪ ،‬كما بين ُت لكم ا ألحكا َم‬
‫دون الله تعبدونهم؟ قالوا‪ :‬تركونا عند حاجتنا �إليهم فلم‬ ‫في اللبا�س والطعام وال�شراب كذلك �أبي ُن جمي َع �أحكامي‬

‫ينفعونا‪ ،‬و�َش ِه َد القو ُم حينئ ٍذ على �أنف�سهم أ�نهم كانوا‬ ‫لقو ٍم يفقهون ما يب َّي لهم‪.‬‬
‫كافرين بالله جاحدين وحدانيته‪.‬‬
‫‪ ٣٣‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬له ؤ�لاء القوم‪� :‬إن الله لم يح ِّرم‬
‫ما تح ِّرمونه‪ ،‬و إ�نما ح َّرم القبائح من ا أل�شياء ما ظهر منها‬
‫فكان علانية‪ ،‬وما بطن منها فكان �سراً في خفاء‪ ،‬وح ّرم‬
‫المع�صي َة والا�ستطال َة على النا�س‪ ،‬وال�شر َك بلا ُح ّج ٍة ولا‬

‫برهان‪ ،‬و َ�أ ْن تن�سبوا إ�لى الله ما لم يقله‪.‬‬

‫‪ ٣٤‬ولك ِّل جماع ٍة اجتمع ْت على تكذيب ر�سل الله‬
‫وق ٌت لحلول العقوبات ب�ساحتهم‪ ،‬ف إ�ذا جاء ذلك الوقت‬
‫ال‪ ‬يت�أخرون بالبقاء في الدنيا �ساع ًة‪ ،‬ولا يتقدمون بذلك‬

‫أ�ي�ض ًا عن الوقت الذي جعله الله لهم وقت ًا للهلاك‪.‬‬

‫‪ ٣٥‬يا بني �آدم �ِإ ْن ي�أتكم ر�سلي ‪ -‬وهم ِم ْن ع�شائركم‬
‫وقبائلكم‪ -‬يتلون عليكم آ�يات كتابي‪ ،‬ف َم ْن �آمن منكم‬
‫واتقى‪ ‬الله فخافه و أ��صل َح أ�عماله فلا خوف عليهم يوم‬
‫القيامة‪ ،‬ولا هم يحزنون على ما فاتهم ِم ْن دنياهم‬

‫التي تركوها‪.‬‬

‫‪١٥٤‬‬

‫‪ 40‬إ�ن الذين ك َّذبوا بحججنا الدالة على توحيد الله‬ ‫‪ 38‬قال الله له ؤ�لاء المفترين المك ِّذبين يوم القيامة‪:‬‬
‫ونبوة �أنبيائنا فلم ي�ص ِّدقوا بها‪ ،‬وتكبروا عن الإيمان بها‬ ‫ادخلوا النار في زمر ٍة ِم ْن أ��شكالكم و ُنظرائكم المك ِّذبين‬
‫والت�صديق لها‪ ،‬و�أنفوا عن اتباعها والانقياد لها والعمل‬ ‫ال�ضالين من الأمم ال�سابقة لكم‪� ،‬إن�سهم وج ِّنهم‪ ،‬كلما‬
‫بمقت�ضاها تكبراً؛ لا تفتح لأرواحهم �إذا خرج ْت ِم ْن‬ ‫دخلت النا َر جماع ٌة ِم ْن �أهل ِم َّلة دع ْت على الجماعة‬
‫�أج�سادهم أ�بواب ال�سماء‪ ،‬ولا ي�صعد لهم �إلى الله ع ّز‬ ‫ا ألخرى ِم ْن �أهل ِم َّلتها‪ ،‬تب ِّري ًا منها‪ ،‬حتى �إذا اجتمع‬
‫وج ّل في حياتهم قول ولا عمل‪ ،‬ولا يدخلون الجنة حتى‬ ‫فيها ا ألولون ِم ْن �أهل الملل الكافرة‪ ،‬وا آلخرون منهم‬
‫يدخل الج َم ُل في ثقب ا إلبرة ‪ -‬وذلك غي ُر ممك ٍن‪ -‬وبمثل‬ ‫قالت أ�خراهم تتهم أ�ُولاهم‪ :‬ر َّبنا ه ؤ�لاء �ضلوا قبلنا‬
‫بعبادة غيرك فاتبعناهم بما ز ّينوا لنا ِم ْن طاعة ال�شيطان‬
‫الذي و�صفنا نجزي المك ِّذبين الم�ستكبرين من كل ُ�أ ّمة‪.‬‬ ‫ف�آتهم اليوم �ضع َف عذابنا‪ .‬قال‪ ‬الله‪ :‬لجميعكم‪� ،‬أولكم‬
‫و آ�خركم‪ ،‬تا ِبعكم ومتبوعكم عذا ٌب م�ضا َع ٌف‪،‬‬
‫‪ 41‬لهم ِم ْن نار جهنم ِفرا�ش‪ ،‬ومنها عليهم أ�غطية‪،‬‬ ‫ولكنكم ال‪ ‬تعلمون َق ْد َر ما أ�ع َّد‪ ‬الله لكم من العذاب‪،‬‬
‫فالنار محيطة بهم ِم ْن تحتهم و ِم ْن فوقهم‪ ،‬وكذلك‬
‫نكافئ ونجازي الم�شركين الذين توجهوا بالعبادة إ�لى‬ ‫فلذلك ت�س أ�لون ال ِّ�ضعف منه‪.‬‬

‫غير م�ستحقها‪.‬‬ ‫‪ 39‬وقال الذين ا ُّت ِبعوا للذين ا َّت َبعوا‪ :‬فما كان لكم‬
‫علينا ِم ْن ف�ضل‪ ،‬يعني‪ :‬قد �ضللتم كما �ضللنا‪ ،‬وكفرتم‬
‫‪ 42‬والذين �ص َّدقوا الله ور�سوله‪ ،‬و�أقروا بما جاءهم به‬ ‫كما كفرنا‪ .‬فيقول الله تعالى للجميع‪ :‬ذوقوا العذا َب‬
‫ِم ْن وحي الله إ�ليه وتنزيله عليه ِم ْن �شرائع دينه‪ ،‬وعملوا‬
‫بما �أمرهم به و�أطاعوه في ذلك وتجنبوا ما نهاهم عنه‬ ‫ب�سبب ما كنتم تك�سبون من الكفر وا ألعمال‪ ‬الخبيثة‪.‬‬
‫‪ -‬ولا نكل ُف نف�س ًا �إلا ما في و�سعها من ا ألعمال وما‬
‫ي�سهل عليها ويدخل في �إمكانها وقدرتها‪ ،‬وما لا حرج‬
‫فيه عليها ولا �ضيق‪ -‬أ�ولئك أ��صحا ُب الجنة هم فيها‬

‫خالدون بلا َه َر ٍم وال‪ ‬موت‪.‬‬

‫‪ 43‬وط ّهرنا �صدو َر الم�ؤمنين‪ ،‬و أ�خرجنا ما فيها ِم ْن‬
‫غ� ٍّش وح�س ٍد وحق ٍد وعداو ٍة كانت بينهم في الدنيا‪،‬‬
‫فجعلناهم إ�خوان ًا على �سرر متقابلين‪ ،‬لا يح�سد بع ُ�ضهم‬
‫بع�ض ًا في �شيء‪ ،‬تجري ِم ْن تحتهم ا ألنهار‪ ،‬وقالوا ‪ -‬إ�ذا‬
‫دخلوا الجنة‪ :-‬الحمد‪ ‬لله الذي و ّفقنا و�أر�شدنا للعمل‬
‫الذي هذا ثوا ُب ُه‪ ،‬وتف َّ�ضل علينا بهذا النعيم المقيم‬
‫ف�ضل ًا منه وكرم ًا‪ ،‬و َ� َص َف ع ّنا عذا َب جهنم رحم ًة‬
‫منه و�إح�سان ًا‪ ،‬وما ك ّنا لن�سلك �سبيل الهداية للاو �أن‬
‫الله أ�ر�شدنا �إليه‪ ،‬لقد جاء ْت ر�س ُل ربنا بالحق وها نحن‬
‫نرى ما وعدنا به عيان ًا‪ .‬ونادى منا ٍد‪ :‬يا أ�هل الجنة‪ :‬إ� َّن‬
‫هذه الجنة التي كانت الر�سل وعدتكم بها في الدنيا‬

‫ُ�أورثتموها بما عملتم من ا ألعمال ال�صالحة في الدنيا‪.‬‬

‫‪١٥٥‬‬

‫‪ 49‬هل ه ؤ�لاء ال�ضعفاء من الم�سلمين الذين حلفتم‬ ‫‪ 44‬ونادى أ�ه ُل الجنة �أه َل النار ‪ -‬تقريراً لهم وتبكيت ًا‪-‬‬
‫بالله أ�نهم لا يدخلون الجنة؟ ها هم قيل لهم‪ :‬ادخلوا‬ ‫قائلين لهم‪ :‬إ� ّنا قد وجدنا ما وعدنا ر ُّبنا في الدنيا على‬
‫�أل�سنة ر�سله من الثواب على ا إليمان به وبر�سله وطاعته‬
‫الجنة ال‪ ‬تخافون مما ي أ�تي‪ ،‬ولا تحزنون على ما فات‪.‬‬ ‫ح ّق ًا‪ ،‬فهل وجدتم ما َو َع َد ر ُّبكم من العذاب على الكفر‬
‫ح ّق ًا؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فنادى منا ٍد بين الفريقين‪ :‬أ� ّن الطر َد‬
‫‪ 50‬ونادى أ�ه ُل النار أ�ه َل الجنة ‪ -‬وقد ُأ�ذن لهم‬
‫فنظروا إ�ليهم ور أ�وا ما هم فيه من النعيم‪ :-‬إ� ّنا قد احترقنا‬ ‫والإبعاد عن رحمة الله جزاء‪ ‬الظالمين‪.‬‬
‫و ُجعنا وع ِط�شنا ف�أفي�وضا علينا من الماء‪ ،‬و�أطعمونا مما‬
‫رزقكم الله‪ .‬فيقول لهم أ�ه ُل الجنة‪� :‬إ َّن الله ح َّر َم طعا َم‬ ‫‪ 45‬الذين يمنعون النا� َس عن الدخول في دين الإ�سلام‬
‫ويحاولون َأ� ْن يغيروا دي َن الله وطريق َته التي �َ َش َع لعباده‪،‬‬
‫الجنة و�شرابها على‪ ‬الكافرين‪.‬‬
‫وهم با آلخرة جاحدون‪.‬‬
‫‪ 51‬ه�ؤلاء الكافرون الذين ح َّرم اللهُعليهم طعام الجنة‬
‫و�شرابها هم الذين تلاعبوا في الدنيا بدينهم الذي �ُ ِش َع‬ ‫‪ 46‬وبين الجنة والنار �سو ٌر يحج ُب عن �أهل الجنة‬
‫لهم‪ ،‬و َلهوا عنه‪ ،‬وخدعهم عاج ُل ما هم فيه من نعيم‬ ‫غ�ض َب الله وعذا َبه‪ ،‬وعن أ�هل النار رحم َة الله‪ ،‬وعلى‬
‫العي�ش‪ ،‬و�شغلهم ذلك عن الإيمان بالله ور�سله‪ ،‬والعم ِل‬ ‫هذا ال�سور الحاجز قو ٌم ا�ستو ْت ح�سنا ُتهم و�سيئا ُتهم‪،‬‬
‫ل آلخرة‪ ،‬فاليوم ‪ -‬وقد عادوا إ�لينا‪ -‬نتركهم في العذاب‬ ‫فتجاوز ْت بهم ح�سنا ُتهم النا َر وق�صر ْت بهم �سيئا ُتهم‬
‫المهين جياع ًا عطا�ش ًا‪ ،‬كما تركوا العم َل للقاء يومهم‬ ‫عن �إدخالهم الجنة‪ ،‬وهم يعرفون �أه َل الجنة ببيا�ض‬
‫وجوههم ون�ضرة النعيم عليها‪ ،‬ويعرفون أ�ه َل النار‬
‫هذا‪ ،‬وكما كانوا بدلائل وحدانيتنا يك ِّذبون‪.‬‬ ‫ب�سواد وجوههم وما يظه ُر عليهم من الذل والعذاب‬
‫وا ألهوال‪ ،‬ونادوا أ��صحا َب الجنة قائلين لهم‪ :‬لقد‬
‫‪١٥٦‬‬ ‫�سلمتم من ا آلفات‪ ،‬وح�صل لكم ا ألمن وال�سلامة‪ .‬ولم‬
‫يدخل �أه ُل ا ألعراف الجن َة وهم يرجون َ�أ ْن ت�شملهم‬

‫رحمة الله فيدخلوها‪.‬‬

‫‪ 47‬و�إذا ُو ِّج َه ْت وجوه �أ�صحاب ا ألعراف تجاه‬
‫�أ�صحاب النار فنظروا إ�ليهم و إ�لى �سواد وجوههم وما‬
‫هم فيه من العذاب دعوا ربهم فقالوا‪ :‬ربنا لا تجعلنا‬
‫مع الذين ظلموا �أنف َ�سهم ب�أن أ�ك�سبوها ِم ْن �سخطك ما‬

‫�أورثهم من العذاب ما هم فيه‪.‬‬

‫‪ 48‬ونادى أ��صحا ُب ا ألعراف رجال ًا كانوا عظماء‬
‫في الدنيا وهم من أ�هل النار يعرفونهم بعلامة �أهل‬
‫النار‪ ،‬قالوا لهم‪ :‬لم ُي ْغن عنكم ما كنتم تجمعون من‬
‫الأموال وا ألعوان في الدنيا‪ ،‬ولم ُي ْغ ِن عنكم تك ُّبكم‬

‫عن ا إليمان �شيئ ًا‪.‬‬

‫الخ�سران إ�ذ ا�شتروا با آلخرة الباقية الدنيا الفانية‪ ،‬وذه َب‬ ‫‪ 52‬ولقد جئنا ه�ؤلاء الكفار بكتا ٍب عظيم ال�ش�أن‪،‬‬
‫عنهم ما كانوا يع ِّولون عليه من المعبودات الزائفة‪ ،‬فلا‬ ‫وهو القر�آن الذي �أنزلناه عليك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬ب ّي ّنا به‬
‫الوع َد والوعي َد‪ ،‬وف َ�صلنا فيه بين الحق والباطل‪ ،‬على عل ٍم‬
‫�شفيع لهم‪.‬‬ ‫م ّنا بح ِّق ما ب ّي ّناه و�صح ِة ما ف ّ�صلناه‪ ،‬هدى لمن اهتدى به‪،‬‬

‫‪ 54‬إ� َّن �س ِّيدكم ومالككم و ُم�صلحكم هو الله الذي‬ ‫ورحم ًة لمن �آمن به‪.‬‬
‫�أن�ش أ� ال�سماوات والأر�َض على غير مثا ٍل �َسبق في‬
‫مقدار �ستة أ�يام‪ ،‬ثم ا�ستوى على العر�ش‪ ،‬ي�أتي بالليل‬ ‫‪ 53‬هل ينتظر ه�ؤلاء الكفار الذين ك َّذبوا ب�آيات كتابنا‬
‫على النهار فيغطيه حتى يذهب بنوره‪ ،‬وي�أتي بالنهار‬ ‫وجحدوها ولم ي�ؤمنوا بها �إلا عاقبة أ�مره‪ ،‬وذلك حين‬
‫على الليل كذلك حتى يذهب بظلمته‪ ،‬يطلب ك ٌّل منها‬ ‫يكون ما أ�خبرهم به هذا القر آ�ن‪ ،‬ويح�صل ما نطق به من‬
‫الآخر طلب ًا دائم ًا ِم ْن غير فتور‪ ،‬و َخ َل َق ال�شم�س والقمر‬ ‫الوعد والوعيد مح�سو�س ًا م�شاهداً وذلك يوم القيامة‪،‬‬
‫والنجوم جاري ًة في أ�فلاكها ب أ�مره‪ ،‬وهو الذي َخ َل َق‬ ‫حينئ ٍذ يقول الذين تركوا العمل بالقر آ�ن و�أعر�وضا‬
‫ا أل�شياء كلها دون غيره‪ ،‬وله أ�ن يحكم فيها بما �شاء‪،‬‬ ‫عنه مق ِّرين بما لا ينفعهم الإقرا ُر به‪� :‬إ َّن الذي جاء ْت‬
‫َ َت ّجد اللهُ ر ُّب العالمين وك ُثَ خي ُر ُه و َت َع َّظم‪ ،‬ال‪ ‬ي�ستح ُّق‬ ‫به الر�سل ح ٌّق‪ ،‬ولي�س لنا طريق إ�لى الخلا�ص مما نحن‬
‫فيه من العذاب �إلا أ�ن ي�شفع لنا �شفيع مقبول‪� ،‬أو ُنر َّد‬
‫التعظي َم �أح ٌد �سواه‪.‬‬ ‫إ�لى الدنيا فن�ستبدل بالكفر توحيداً و إ�يمان ًا‪ ،‬وبالمعا�صي‬
‫طاع ًة و إ�ناب ًة‪ .‬ولك ّن ذلك لن يكون‪ ،‬وقد خ�سروا �أعظ َم‬
‫‪ 55‬ا�س�ألوا ربكم ك َّل ما احتجتم �إليه تذ ُّلل ًا وا�ستكانة‪،‬‬
‫و�س ّراً في أ�نف�سكم وعلانية‪ ،‬ولا تعتدوا في الدعاء ولا‬ ‫‪١٥٧‬‬
‫في غيره‪ ،‬ولا تتجاوزوا ما أ�ُمرتم به‪ ،‬إ� ّن الله لا يحب‬

‫المجاوزين ما أُ�مروا به ‪.‬‬

‫‪ 56‬ولا تف�سدوا ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬في ا ألر�ض بالمعا�صي‬
‫والكفر والدعوة �إلى غير طاعة الله بعد �إ�صلاح الله �إياها‬
‫ببعثة الر�سل وبيان ال�شرائع‪ ،‬وادعوا الله خوف ًا وطمع ًا‬
‫فيما عنده‪ ،‬إ� ّن �إف�ضال الله و إ�نعامه قري ٌب ممن يح�سنون‬

‫في �أقوالهم‪ ‬و�أفعالهم‪.‬‬

‫‪ 57‬و�إ َّن ربكم هو الذي ي�س ِّخر الرياح ويبعثها‬
‫مب�ِّش ًة بالغيث الذي هو رحمته‪ ،‬حتى �إذا حمل ْت هذه‬
‫الرياح �سحاب ًا ثقال ًا بما فيها من الماء‪� ،‬سقناه �إلى أ�ر�ض‬
‫موا ٍت جدباء ف ُن ْخ ِرج به بعد الجدب ِم ْن أ��صناف الثمار‬
‫والزروع‪ ،‬وكما �أحيينا البلد الميت كذلك نخرج الموتى‬
‫ِم ْن قبورهم بعد فنائهم ودرو�س آ�ثارهم‪ ،‬وقد ب ّينا لكم‬
‫ذلكم لعلكم تتذكرون فتعلموا أ�ن َم ْن فعل ذلك قادر‬

‫على إ�حياء الموتى وبعثهم ِم ْن قبورهم‪.‬‬

‫‪ 58‬وا ألر�ض الطيبة التربة إ�ذا �أ�صابها الغيث يخرج‬
‫نباتها طيب ًا مبارك ًا ب�إذن الله‪ ،‬وا ألر�ض الخبيثة التربة لا‬
‫يخرج نباتها �إلا قليل ًا ع�سراً لا نفع فيه وال‪ ‬خير ‪ -‬وهذا‬
‫مث ٌل للم ؤ�من الذي إ�ذا �سمع القر�آن انتفع به‪ ،‬والكافر‬

‫الذي لا ينتفع به‪ -‬وكما �ضربنا هذا المثل كذلك نب ّ ُي‬
‫ا آليات الدالة على التوحيد والإيمان آ�ي ًة بعد �آي ٍة لقوم‬

‫ي�شكرون الله على إ�نعامه الجزيل عليهم‪.‬‬

‫‪ 64‬فك َّذب نوح ًا قو ُمه‪ ،‬ولـ ُّجوا في طغيانهم يعمهون‪،‬‬ ‫‪ 59‬ولقد بعثنا نوح ًا فقال لقومه‪ :‬يا قوم اعبدوا‪ ‬الله‬
‫ف�أنجاه الله في ال�سفينة‪ ،‬هو والذين معه من الم�ؤمنين به‪،‬‬ ‫ف�إنه هو الذي ي�ستحق العبادة لا غيره‪ ،‬ولي�س لكم �إله‬
‫و�أغر َق الله الذين ك َّذبوا بحججه‪ ،‬ولم يتبعوا ر�سوله‪،‬‬
‫معبود بح ٍّق �سواه‪� ،‬إني �أخاف عليكم �إ ْن لم تفعلوا عذاب‬
‫إ�نهم كانوا قوم ًا عمي ْت قلو ُبهم عن معرفة الحق‪.‬‬ ‫يو ٍم يعظم فيه بلا ؤ�كم‪ ،‬وي�شتد �سخط ربكم‪ ‬عليكم‪.‬‬

‫‪ 65‬وبعثنا �إلى عاد هوداً‪ ،‬قال‪ :‬يا قوم اعبدوا الله‬ ‫‪ 60‬قال الكبراء ِم ْن قومه‪� :‬إنا لنراك يا نوح زائغ ًا عن‬
‫ف أ�فردوا له العبادة‪ ،‬ولا تجعلوا معه إ�له ًا غيره‪ ،‬ف�إنه لي�س‬ ‫الحق‪ ،‬زيغ ًا مبين ًا‪ .‬وهذا حال الفجار عاد ًة‪ ،‬يرون ا ألبرار‬

‫لكم إ�له غيره‪ ،‬أ�فلا تخافون عقابه بعبادتكم غيره‪.‬‬ ‫في �ضلالة‪.‬‬

‫‪ 66‬قال الكبرا ُء ِم ْن قوم هود الذين جحدوا توحيد‬ ‫‪ 62 61‬قال نوح‪ :‬يا قوم لي�س بي ما تظنون من‬
‫الله‪ ،‬و أ�نكروا ر�سالته‪ :‬إ� ّنا لنراك يا هود في ُحم ٍق وجهال ٍة‬ ‫ال�ضلال‪ ،‬ولكني ر�سول �إليكم ِم ْن رب العالمين‪� ،‬أر�سلني‬
‫و�ضلال ٍة عن الحق وال�وصاب‪ ،‬و�إنا لنظ ّنك من الكاذبين‬ ‫ربي إ�ليكم‪ ،‬ف أ�نا �أبلغكم ر�سالاته‪ ،‬و�أخل�ص الن�صح لكم‬

‫في قولك‪� :‬إني ر�سول ِم ْن رب العالمين‪.‬‬ ‫في تحذيري إ�ياكم عقاب الله‪ ،‬و إ�ر�شادكم �إلى ما فيه‬

‫‪ 67‬قال هود‪ :‬يا قوم لي�س بي ما ت َّدعون من ال�ضلالة‬ ‫م�صلحتكم‪ ،‬و أ�عل ُم من الله تعالى بالوحي �أ�شياء لا علم‬
‫وال ِخ ّفة والطي�ش‪ ،‬ولكني ر�سول ِم ْن ر ِّب العالمين‪.‬‬ ‫لكم بها‪ ،‬والتي منها ما ينتظركم ِم ْن عذاب عظيم في‬
‫الدنيا قبل ا آلخرة إ� ْن �أ�صررتم على الكفر بربكم‪ ،‬فاقبلوا‬

‫ُن�صحي وتحذيري إ� ّياكم‪.‬‬

‫‪ 63‬أ�ك َّذبتم وعجبتم �أَ ْن جاءكم وح ٌي من ربكم على‬
‫رجل منكم تعرفون ن�سبه و َف ْ�ضله‪ ،‬جاءكم لينذركم‬
‫ب�أ�س‪ ‬الله‪ ،‬ولتتقوا عقاب الله‪ ،‬بتوحيده و إ�خلا�ص ا إليمان‬
‫به والعمل بطاعته‪ ،‬و ِل َيحمكم ر ُّبكم إ�ن ا َّتقيتمو ُه‬

‫وخفتمو ُه وحذرتم‪ ‬ب�أ�َسه؟!‬

‫‪١٥٨‬‬

‫ا أل�صنام‪ ،‬ف أ�تنا بما تعدنا من العذاب �إ ْن كنت �صادق ًا فيما‬
‫تخبرنا به‪.‬‬

‫‪ 71‬قال هو ٌد مجيب ًا لهم‪ :‬قد نز َل ووج َب عليكم‬
‫ِم ْن ربكم عذا ٌب و�سخ ٌط‪� ،‬أتخا�صمونني في �أ�صنام‬
‫�سميتموها آ�له ًة �أنتم و آ�با�ؤكم‪ ،‬ما ن َّزل الله ِم ْن ُح ّجة ولا‬
‫برهان على هذه الت�سمية‪ ،‬و�إنما هي ِم ْن عند �أنف�سكم بغير‬

‫دليل‪ ،‬فانتظروا العذا َب �إني معكم منتظر نزوله بكم‪.‬‬

‫‪ 72‬ف أ�نجينا هوداً عند نزول العذاب بقومه‪ ،‬و�أنجينا‬

‫أ�تباعه الذين آ�منوا به و�صدقوه‪ ،‬ألنهم كانوا م�ستحقين‬
‫للرحمة‪ ،‬و�أهلكنا الذين ك ّذبوا بمعجزات ُهو ٍد الدا ّلة‬
‫على ِ�ص ْدقه �إهلاك ًا تا ّم ًا‪� ،‬إنهم لم يكونوا م�ص ِّدقين بالله‬

‫ولا بر�سوله‪.‬‬

‫‪ 73‬و َب َع ْثنا إ�لى ثمود �أخاهم �صالح ًا‪ ،‬قال لهم‪ :‬يا قوم‬ ‫‪ 68‬أ�ر�سلني الله إ�ليكم‪ ،‬ف أ�نا أ�ب ِّلغكم ر�سالات‪ ‬الله‪،‬‬
‫و ِّحدوا الله تعالى ولا ت�شركوا به �شيئ ًا‪ ،‬فما لكم ِم ْن �إل ٍه‬ ‫و ُأ��َؤديها إ�ليكم كما �أمرني �أَ ْن أ� ؤ�ديها‪ ،‬و�أنا لكم نا�ص ٌح في‬
‫ي�ستحق أ�ن ُيعبد �سواه‪ ،‬قد جاءتكم حج ٌة من ربكم‬ ‫�أمري إ�ياكم بعبادة الله وحده‪ ،‬و�أنا أ�مي ٌن على وحي الله‪،‬‬
‫وبرها ٌن على �صدق ما �أقول و�أدعو إ�ليه‪ :‬هذه ناقة الله‬
‫لا أ�ك ِذ ُب فيه ولا �أزيد ولا أ�ب ِّدل‪.‬‬
‫‪ -‬وكانت معجز ًة في خلقها وخروجها وما يبدو منها‪-‬‬
‫‪ 69‬أ�َ َعجبتم �َأ َن أ�نزل اللهُ وحيه على رج ٍل تعرفونه‬
‫علام ٌة على �صدقي‪ ،‬فاتركوها ت أ�كل الع�ش َب ِم ْن �أر�ض‬ ‫لينذركم ب أ��س ربكم ويخوفكم عقابه؟! واذكروا نعمة‬
‫الله‪ ،‬ولا تطردوها وال‪ ‬تقربوها ب�شي ٍء من أ�نواع ا ألذى‬
‫الله عليكم �إذ أ�هلك قو َم نوح وجعلكم تخلفونهم في‬
‫ولا تعقروها‪ ،‬ف�إ ْن تفعلوا ينزل بكم عذا ٌب م�ؤلـ ٌم‪.‬‬ ‫ا ألر�ض‪ ،‬وزاد في خلقكم طلا ًو وقوة‪ ،‬فاذكروا نعم‪ ‬الله‬
‫عليكم واعملوا عمل ًا يليق بذلك ا إلنعام‪ ،‬وهو أ�َ ْن‬
‫ت ؤ�منوا به وتتركوا ما أ�نتم عليه ِم ْن عبادة ا أل�صنام لكي‬

‫تفوزوا بالفلاح‪ ،‬وهو البقاء في نعيم ا آلخرة‪.‬‬

‫‪ 70‬قال قو ُم هود م�ستنكرين م�ستهزئين‪� :‬أجئتنا‬
‫يا‪ ‬هود لنعبد اللهُ وحده ونتر َك ما كان يعبد آ�با ؤ�نا ِم َن‬

‫‪١٥٩‬‬

‫‪ 80‬واذكر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لوط ًا �إذ قال لقومه‪:‬‬ ‫‪ 74‬واذكروا أ� َّن الله �أهل َك عاداً وجعلكم تخلفونهم‬
‫أ�ت أ�تون الفاح�شة ‪ -‬وهي إ�تيا ُن الذكران‪ -‬ما �سبقكم‬ ‫في الأر�ض‪ ،‬وتعمرونها و�أ�سكنكم في ا ألر�ض تبنون‬
‫‪ -‬بما م ّكنكم الله‪ -‬في �سهولها ق�وصراً‪ ،‬وتنحتون من‬
‫بفعل هذه الفاح�شة أ�ح ٌد من العالمين‪.‬‬ ‫الجبال بيوت ًا‪ ،‬تن ُّعم ًا وتر ُّفه ًا‪ ،‬فاذكروا ِن َع َم‪ ‬الله عليكم‬
‫وا�شكروه عليها‪ ،‬ولا ت�سيروا في ا ألر�ض مف�سدين فيها‪.‬‬
‫‪ 81‬وقال لهم‪ :‬إ�نكم �أيها القو ُم َلت�أتون الذكو َر في‬
‫أ�دبارهم �شهو ًة خبيث ًة منكم‪ ،‬تاركين ما أ�باحه الله لكم‬ ‫‪ 75‬قال ال ُكبراء من قوم �صالح الذين تعا َلوا عن ا إليمان‬
‫و َ�أ َح َّله من الن�ساء‪ ،‬إ�نكم قو ٌم أ��سرفتم في �شهواتكم‪ ،‬حتى‬ ‫به‪ ،‬للم�ست�ضعفين الذين آ�منوا ب�صالح‪� ،‬ساخرين منهم‪:‬‬
‫�أتعلمون �أن الله �أر�سله إ�لينا و إ�ليكم؟ قال الم�ست�ضعفون‪� :‬إ ّنا‬
‫تعديتم حدو َد العق ِل والفطر ِة‪.‬‬ ‫بما �أر�سلاللهبه�صالح ًامنالدينوالهدىوالحقم�ص ِّدقون‪.‬‬

‫‪ 76‬قال الم�ستكبرون عن �أمر الله والإيمان به وبر�سوله‬
‫�صالح‪� :‬إ ّنا بالذي �آمنتم به جاحدون‪ ‬منكرون‪.‬‬

‫‪ 77‬فعقر الكفا ُر ِم ْن قوم �صالح الناق َة‪ ،‬وا�ستكبروا‬
‫عن امتثال أ�وامر ربهم ونواهيه‪ ،‬وتركوا �أمره في ال َّناقة‪،‬‬
‫وقالوا مت َح ّدين نبيهم‪ :‬يا �صالح ائتنا بما َت ِع ُدنا من العذاب‬
‫إ� ْن كن َت ‪ -‬كما تزع ُم‪ -‬ر�سلا ًو من الله‪ ،‬ف�إن الله ين�صر‬

‫ر�سله على‪� ‬أعدائه‪.‬‬

‫‪ 78‬ف أ�خذتهم الزلزل ُة ِم ْن تحتهم وال�صيح ُة من فوقهم‪،‬‬
‫ف�أ�صبحوا في أ�ر�ضهم وبلدهم �ساقطين على وجوههم‬

‫َ� ْصعى لا يتحركون‪.‬‬

‫‪ 79‬فخرج �صالح ِم ْن �أر�ضهم بعد �أن عقروا الناقة‬
‫وا�ستعجلوه العذاب‪ ،‬ألن الله تعالى �أوحى �إليه‪ :‬إ�ني‬
‫مهلكهم بعد ثلاثة �أيام‪ ،‬وقال لهم ‪ -‬بعد هلاكهم‬
‫متح�ِّساً‪ : -‬يا قوم لقد أ�بلغتكم ما أ�مرني ربي ب�إبلاغه‬
‫إ�ليكم‪ِ ،‬م ْن أ�مره ونهيه‪ ،‬و�أخل�ص ُت ال ُّن�صح‪ ،‬ولك ّنكم لا‬
‫تحبون النا�صحين لكم في الله‪ ،‬الناهين لكم عن اتباع‬

‫�أهوائكم و�شهوات أ�نف�سكم‪.‬‬

‫‪١٦٠‬‬

‫‪ 85‬و�أر�َس ْلنا إ�لى أ�هل َم ْدين أ�خاهم �ُشعيب ًا‪ ،‬فقال لهم‪:‬‬
‫يا قوم‪ ،‬اعبدوا الله وحده لا �شريك له‪ ،‬مالكم من إ�ل ٍه‬

‫ي�ستوجب عليكم العبادة غير ا إلله الذي خلقكم‪ ،‬وبيده‬

‫نف ُعكم و�ض ُّركم‪ ،‬قد جاءتكم علام ٌة وحج ٌة من الله‬
‫بحقيقة ما أ�قول‪ ،‬و�صد ِق ما �أدعوكم �إليه‪ ،‬ف أ�تموا للنا�س‬

‫حقو َقهم بالكيل الذي تكيلون به‪ ،‬وبالوزن الذي تزنون‬

‫لهم به‪ ،‬وال‪ ‬تظلموا النا� َس حقو َقهم‪ ،‬ولا تنق�وصهم‬
‫إ�ياها‪ ،‬ولا تعملوا في أ�ر�ض الله بمعا�صيه بعد َ�أ ْن �أ�صلحها‬
‫الله بابتعاثي فيكم‪ .‬هذا الذي ذكرته لكم‪ ،‬خي ٌر لكم في‬
‫عاجل دنياكم‪ ،‬و آ�ج ِل آ�خرتكم‪ ،‬إ� ْن كنتم م�صدق ّي فيما‬

‫�أقول لكم‪.‬‬

‫‪ 86‬وقال �شعيب لهم‪ :‬ولا تجل�سوا بكل طريق‬ ‫‪ 82‬وما كان جواب قوم لو ٍط إ�ذ و َّبخهم على فعلهم‬
‫توعدون الم ؤ�منين بالقتل‪ ،‬وتخ ِّوفون النا� َس �َأ ْن ي أ�توني‪،‬‬ ‫القبيح‪ ،‬إ�لا �َأ ْن قال بع ُ�ضهم لبع�ض‪� :‬أخرجوا لوط ًا و�أتباعه‬
‫وتقولون‪� :‬إ َّن �شعيب ًا كاذ ٌب فاحذروه‪ ،‬وت�ص ُّدون بكل‬ ‫من الم ؤ�منين ِم ْن قريتكم؛ إ�نهم أ�نا� ٌس يتنزهون ويتعففون‬
‫هذا عن طريق الله‪ ،‬وتبغون هذه الـ ِم َّلة الم�ستقيمة �أن‬
‫تكون عوج ًا بتنقي�صكم لها و�إلقائكم ال�ُّشبه الم�ش ِّككة‬ ‫عما نفعله‪.‬‬
‫حولها‪ ،‬واذكروا نعم َة الله عليكم ب�أَ ْن ك َّث جماعتكم بعد‬
‫‪ 83‬فل ّما �َأ َبى قو ُم لوط إ�لا التمادي في َغ ِّيهم؛ �أنجينا لوط ًا‬
‫أ�ن كان عددكم قليل ًا‪ ،‬وا�شكروه على ذلك‪ ،‬وانظروا ما‬ ‫و أ�هله الم ؤ�منين به‪� ،‬إلا امر�أته‪ ،‬ف�إنها كان ْت له عا�صي ًة‪ ،‬وبالله‬

‫نزل بمن كان قبلكم من الأمم حين َع َت ْوا عن �أمر ربهم‪ ،‬من‬ ‫كافر ًة‪ ،‬فكانت من الباقين الذين أ��صابهم العذاب‪.‬‬
‫الـ َم ُثلات وال َّنقمات‪ ،‬وكيف وجدوا عقبى ع�صيانهم‪.‬‬
‫‪ 84‬و�أ ْم َطرنا على قوم لو ٍط الذين ك َّذبوه ولم ي�ؤمنوا به‬
‫‪ 87‬و�إ ْن كان ْت جماع ٌة منكم �ص َّدقوا بما �ُأر ِ�س ْل ُت‬ ‫حجار ًة ِم ْن �س ِّجيل ‪ -‬أ�ي طين متح ِّجر مطبوخ بالنار‪-‬‬
‫به فا َّت َبعوني على ذلك‪ ،‬وجماع ٌة أ�خرى لم ي�ص ِّدقوا‬ ‫أ�هلكناهم بها‪ ،‬فانظر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪� -‬إلى عاقبة ه�ؤلاء‬
‫ولم يتبعوني فا�صبروا حتى ي أ�تي ق�ضا ُء الله الفا�ص ُل بيننا‬ ‫الذين كذبوا الله ور�سوله ِم ْن قوم لوط‪ ،‬واجترحوا‬
‫وبينكم‪ ،‬والله خير َم ْن يف�صل‪ ،‬و�أعدل َم ْن يق�ضي‪ ،‬ألنه‬ ‫المعا�صي‪ ،‬وركبوا الفواح�ش‪ ،‬وا�ستحلوا ما ح َّرم الله‪،‬‬
‫كيف كانت‪ ،‬و�إلى أ�ي �شيء �صارت؟! هل كانت إ�لا‬
‫لا يقع في حكمه َمي ٌل �إلى أ�حد‪ ،‬ولا ُمحابا ٌة‪ ‬لأحد‪.‬‬ ‫ال َبوار والهلاك؟ و�إن ذلك عاقبة َم ْن ك َّذ َب ِم ْن‪ ‬قومك‪.‬‬

‫‪١٦١‬‬

‫ُن�صحي‪ ،‬فلا أ�حزن أ�نا و َم ْن معي على هلاك َمن اختار‬ ‫‪ 88‬ولـ ّما دعا �شعي ٌب عليه ال�سلام قومه إ�لى الإيمان‪،‬‬
‫الكف َر و أ��ص َّر عليه ‪.‬‬ ‫ونهاهم عن الظلم وتخويف النا�س ِل َي�ص ّدوهم عن‬
‫الإيمان‪ ،‬وح َّذرهم ب�أ� َس الله وعذابه‪ ،‬قال وجها ُء قومه‬
‫‪ 94‬ثم قال الله تعالى لنبيه محمد ‪ ‬بعد أ�ن َذ َك َر‬ ‫الذين ا�ستكبروا عن ا إليمان بالله ‪ -‬م�ست�ض ِعفين له ولمن‬
‫بع�َض �أخبار ا ألنبياء مع �أقوامهم‪ ،‬مبين ًا له �سن َته ال�سابقة‬ ‫معه‪ُ ،‬مق�سمين على أ�حد أ�مرين‪ :-‬إ� ّما �أن ُنخرجك‬
‫فيهم‪ ،‬وزاجراً َم ْن ك َّذب نب َّيه محمداً ‪ ‬من أ�هل مكة‪:‬‬ ‫يا �شعيب والذين آ�منوا معك ِم ْن قريتنا‪� ،‬أو أ�ن تعودوا‬
‫وما أ�ر�سلنا في قرية ِم ْن نبي‪ ،‬فكذبوه إ�لا ابتلينا المك ِّذبين‬ ‫إ�لى ديننا‪ ،‬ف�أنك َر �شعي ٌب على قومه أ�ن يجبروهم على‬
‫بال�شدة و ِ�ضيق العي�ش والم�صائب وا ألمرا�ض‪ِ ،‬ل َيثوبوا‬ ‫ذلك‪ ،‬فقال‪َ� :‬أ َو َلو كنا كارهين لدينكم وما أ�نتم عليه‬
‫�إلى ُر�شدهم‪ ،‬وي�ستكينوا إ�لى الله‪ ،‬ويتركوا ما هم عليه‬
‫من الكفر؟!‬
‫من الكفر وال�ضلال‪.‬‬
‫‪ 89‬و�إ ْن ُع ْدنا في دينكم فا ّدعينا �شركا َء لله‪ ،‬وتركنا‬
‫‪ 95‬و ِم ْن �ُس َّنتنا بعد إ��صرارهم على الكفر‪ ،‬أ�ن‬ ‫الح َّق إ�لى ال�ضلال بعد أ�ن هدانا الله إ�لى الإيمان‪ ،‬فقد‬
‫ن�ستدرجهم فنب ّدل حا َلهم ِمن ال�شدة �إلى الرخاء‬ ‫َ�أ ْعظمنا على الله الكذب‪ ،‬وهذا لا يكون أ�بداً إ�لا‬
‫حتى َي�أ َمنوا و َت ْك ُ َث أ�عدا ُدهم و أ�موالهم‪،‬‬ ‫�أن ي�شاء الله‪ ،‬فهو العالم بما كان وما �سيكون ‪ -‬وهذا‬
‫ويظنوا‬ ‫�أحوالهم لي�س ابتلا ًء من الله تعالى‪،‬‬ ‫وال�سعة‪،‬‬ ‫التفوي�ض والت�سليم ِم ْن أ�دب ا ألنبياء والم ؤ�منين مع الله‬
‫فعندئ ٍذ‬ ‫أ� َّن تبدل‬ ‫تعالى‪ -‬على‪ ‬الله َو ْحده توكلنا‪ ،‬فهو الذي يكفينا َأ� ْم َر‬
‫تهدي ِدكم‪ ،‬ر َّبنا ا ْح ُك ْم بيننا وبين قومنا بالعدل‪ ،‬و�أنت‬
‫ي�أتيهم العذا ُب َفج�أة‪ ،‬وهم لا ي�شعرون به‪ ،‬فاعت ِبوا أ�يها‬
‫الكافرون ِبـ َم ْن �سبقكم ‪.‬‬ ‫خير الحاكمين‪.‬‬

‫‪ 90‬وقالت جماع ٌة من الوجهاء الذين كفروا بالله‬
‫تعالى ِم ْن قوم �شعيب تنفيراً لقومهم عن الإيمان به‬
‫وا ّتباعه‪ :‬لئن دخلتم في دين �شعيب وتركتم دي َنكم‪،‬‬
‫إ�نكم لخا�سرون‪ ،‬أ�ي لما تربحونه ِم ْن َب ْخ�ِس الكيل‬

‫وتطفيف الميزان لنهي �شعيب‪ ‬عن ذلك ‪.‬‬

‫‪ 91‬فل ّما قالوا ذلك لقومهم ور�وضا به‪ ،‬أ�هلكهم‬
‫الله ب َزلزلة عظيمة ف أ��صبحوا في قريتهم �أموات ًا هامدين‬

‫ال‪ ‬حرك َة‪ ‬لهم‪.‬‬

‫‪ 92‬الذين ك َّذبوا �شعيب ًا وتو َّعدوه و َم ْن معه با إلخراج‪،‬‬
‫ا�ْس ُت�ؤ ِ�صلوا و ُمحي ْت �آثا ُرهم‪ ،‬ك�أ ْن لم يعي�وشا في �أر�ضهم‬
‫ولم ينزلوا فيها‪ ،‬ولم يكن الخ�سران والهلاك ِلـ َمن ا ّتبع‬

‫�شعيب ًا بل كان لمن كفر به ‪.‬‬

‫‪ 93‬فتو ّلى عنهم �شعي ٌب حين �أتاهم العذاب‬
‫وهلكوا‪ ،‬وقال متح�سراً‪ :‬لقد �أدي ُت لكم ما بعثني‬
‫الله تعالى به‪ ،‬ون�صح ُت لكم‪ ،‬فلم ت�ؤمنوا ولم َتقبلوا‬

‫‪١٦٢‬‬

‫إ�مها َلهم العقوب َة �إعرا�ض ًا عنهم ون�سيان ًا لهم؟! فالذين‬ ‫‪َ 96‬و َلو أ� َّن �أهل هذه القرى �ص َّدقوا أ�نبياءهم‪ ،‬و�آمنوا‬
‫ي أ�منون عذا َب الله وعقابه هم في الحقيقة خا�سرون ولا‬ ‫بالله وات َق ْوا ما أ�ُنذروا به‪َ ،‬ل َو�َّس ْعنا عليهم في الخيرات‪،‬‬
‫وي�َّسنا لهم أ�نواع الرزق ِم ْن كل جانب‪ ،‬ولك ْن لم‬
‫ينتفعون ِمن النعيم الذي هم فيه في الدنيا‪.‬‬ ‫ي�ؤمنوا ولم يتقوا‪ ،‬فع ّجلنا لهم العقوب َة ب�سبب كفرهم‬

‫‪ 100‬و َب ْع َد ك ِّل ما ُذ ِك َر ِمن َق�ص�ص ال�سابقين‪َ� :‬ألم يتب َّي‬ ‫و�سو ِء أ�عمالهم‪.‬‬
‫للذين ن�ستخلفهم في ا ألر�ض فيرثونها بعد إ�هلاك �أهلها‬
‫�أننا قادرون على أ�ن نعذبهم بذنوبهم كما َف َعلنا بمن‬ ‫‪ 97‬وال َع َج ُب ِم ْن ُغرور �أهل القرى‪ ،‬كيف ي أ� َمنون‬
‫َقبلهم‪ ،‬و َن ْختم على قلوبهم‪ ،‬فلا ينتفعون بما ي�سمعون‬ ‫على �أنف�سهم وينامون مطمئنين وقد أُ�نذروا؟! أ�عندهم‬
‫ِم ْن ِعظ ٍة أ�و تذكير‪ ،‬حتى يموتوا على ذلك؟! وهذه‬
‫�إ�شار ُة �إنذا ٍر لم�شركي مكة وما حولها الذين ك َّذبوا‬ ‫�أما ٌن ِمن الله �أ ّل ي أ�ت َيهم عذابه ليل ًا وهم نائمون؟!‬

‫ر�سول الله ‪ ،‬و َت ْعجي ٌب ِم ْن‪� ‬ش أ�نهم‪.‬‬ ‫‪ 98‬وهل �أ ِم َن �أي�ض ًا أ�هل القرى أ�ن ي أ�تيهم عذا ُبنا نهاراً‬
‫وهم لاهون م�شتغلون بما لا ينفعهم؟! �أي‪ :‬و�أنتم أ�يها‬
‫‪ 101‬وتلك القرى التي َق َ�ص�صنا عليك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪-‬‬ ‫المك ِّذبون بنبوة محمد ‪ - -‬كذلك‪ ،‬فعذا ُبنا يمكن‬
‫بع�َض أ�خبارها قد جاءتهم ر�سلهم بالدلائل الوا�ضحات‬
‫على �صدقهم فل ّجوا في جحودهم وا�ستمروا على‬ ‫�أن ي�أتيكم في �أي وقت‪.‬‬
‫كفرهم فما ُو ِّفقوا ب�سبب ذلك للإيمان بنبوة نب ِّيهم‬
‫‪ -‬التي بادروا �إلى تكذيبها قبل ر�ؤية ا آليات‪ -‬فانتقم‬ ‫‪� 99‬أ َف َأ� ِمن المك ّذبون للمر�سلين عذا َب الل ِه تعالى‬
‫الله منهم و َخ َتم على قلوبهم‪ ،‬وكذلك يختم الله على‬ ‫و إ�مها َله لهم مع ا�ْس ِتدرا ِجه إ�ياهم بالنعم‪ ،‬فح ِ�سبوا‬

‫قلوب الكافرين‪.‬‬ ‫‪١٦٣‬‬

‫‪ 102‬وما وجدنا لأكث ِر ا ألم ِم التي َق َ�ص�صنا عليك‬
‫‪ -‬يا محمد‪ -‬خب َرها ِمن ا�ستجاب ٍة ووفا ٍء بما عاهدوا‬
‫عليه ُر�ُس َلهم‪ ،‬وهو أ�نهم إ� ْن أ� َتوهم بالبينات ي ؤ�منوا‬
‫بهم‪ ،‬بل وجدنا أ�كث َرهم ناكثين للعهد وخارجين عن‬

‫طاعتنا و�أمرنا‪.‬‬

‫‪ 103‬ثم أ�ر�سلنا ِم ْن بع ِد ال ُّر�سل المذكورين مو�سى ‪ -‬عليه‬
‫ال�سلام ‪ -‬ومعه العلامات الدال ُة على �صدقه إ�لى فرعون‪،‬‬
‫و�أ�شرا ِف قومه‪ ،‬فكفروا بها ظلم ًا و ُعلواً‪ ،‬فانظر ‪ -‬أ�يها‬
‫الر�سول‪ -‬فيما �سنذكره ل َك كيف كانت عاقب ُة كفرهم‪.‬‬

‫‪ 104‬لقد بد�أ مو�سى دعوته مخاطب ًا فرعون ب أ�عظم‬
‫�أ�سمائه و أ�حبها �إليه فقال‪ :‬يا فرعو ُن إ�ني ر�سو ٌل �إليك من‬

‫الل ِه الخال ِق العظيم ر ِّب كل �شيء‪.‬‬

‫‪ 105‬وقال مو�سى‪ُ :‬م َتع َّ ٌي عل َّي �أن �أقول على الله‬
‫الح َّق ‪ -‬وهذا �ش�أن ر�سل الله جميع ًا‪ - ‬قد جئتكم �أيها‬
‫الم ُأل بحجج وا�ضح ٍة من ربكم ت�شهد على �صدقي في‬
‫ر�سالتي‪ ،‬ف أ� ْط ِل ْق يا فرعون بني إ��سرائيل ِم ْن �أَ�ْ ِسك‪ ،‬و�أْ َذن‬

‫لهم في الخروج معي من م�صر ‪.‬‬

‫‪ 106‬قال فرعون لمو�سى م َ�ش ّكك ًا فيما يقوله‪� :‬إ ْن كن َت‬
‫جئ َت ب ُح ّجة �شاهد ٍة على �صدق ما تقول ف أ�تني بها‪ ،‬إ� ْن‬

‫كن َت من ال�صادقين‪.‬‬

‫‪ 108 107‬ف�ألقى مو�سى ع�صاه على الأر�ض فانقلب ْت‬
‫ح ّي ًة عظيم ًة‪ ،‬ظاهر ًة لا ُي َ�ش ُّك في كونها ثعبان ًا حقيقي ًا‪،‬‬
‫و�أخرج يده من تحت �إبطه أ�و ِم ْن فتحة قمي�صه بعد �أن‬
‫أ�دخلها فيه‪ ،‬ف إ�ذا هي بي�ضا ُء بيا�ض ًا منيراً‪َ ،‬ي َتعجب منه‬

‫الناظرون ‪.‬‬

‫ابد ؤ�وا �أنتم ف أ�ل ُقوا �أ َّي �شيء �أنتم ُملقونه ‪ -‬أ�ي َف َل ْن ُتبطلوا‬ ‫‪ 110 109‬فل ّما ر أ�وا ا آليات قال �أ�شراف القوم و�أه ُل‬
‫�آيات الله تعالى‪ -‬فل ّما أ�لقى ال�سحر ُة حبا َلهم و ِع ِ�ص َّيهم‪،‬‬ ‫الم�وشرة منهم‪ :‬إ�ن مو�سى َل�ساح ٌر خبي ٌر بال�سحر‪ ،‬يريد‬
‫أ� ّثروا على �أعين النا�س ف ُخ ِّيل لهم ب ِف ْعل ال�سحر أ�نها‬ ‫بخداعه هذا أ�ن يت�س َّل َط عليكم فيخرجكم من �أر�ض‬
‫حيا ٌت تتحرك‪ ،‬و أ�َدخلوا الخو َف في قلوب النا�س‪،‬‬ ‫م�صر‪ ،‬فقال لهم فرعون‪ :‬فما الذي ُت�شيرون عل ّي في �أمره؟‬
‫‪ 112 111‬ف�أ�شار الم ُأل على فرعون أ�َ ْن �أ ّخ ْر ُمحا َّج َة‬
‫وجا�ؤوا ب�سحر عظيم يهابه‪َ  ‬م ْن يراه‪.‬‬ ‫مو�سى و أ�خيه هارون �إلى �أجل حتى ترى ر أ�يك فيهما‪،‬‬
‫‪ 117‬و َأ� َمر الله مو�سى عليه ال�سلام على نح ٍو خف ٍّي أ�ن‬ ‫و َ�أ ْر ِ�سل في مدن م�صر َم ْن يجمع لك ر ؤ��ساء ال�سحرة‬
‫يلقي ع�صاه على ا ألر�ض‪ ،‬ف�ألقاها ف إ�ذا هي تتحول إ�لى‬
‫ح ّية عظيمة ت أ�كل وتبتلع الحبال وال ِع�ص َّي التي �و َّصر فيها‬ ‫و َمهر َتهم‪ ،‬ليبطلوا �سحره الذي جاء به‪.‬‬

‫ال�سحرة كذ َبهم وتخيي َلهم‪.‬‬ ‫‪ 114 113‬ولـمـّا ح�ضر ال�سحـر ُة عند فرعون �سـ�ألـوه‪:‬‬
‫�ألنا �أج ٌر إ� ْن غلبنا مو�سى؟ فقال لهم‪ :‬نعم‪ ،‬ولكم المـنـزلة‬
‫‪ 118‬فا�ْستبان و َث َب َت عند ذلك أ�ن ما جاء به مو�سى هو‬
‫الحق‪ ،‬وظهر بطلا ُن ما فعله ال�سحرة‪.‬‬ ‫الرفيع ُة عندي‪.‬‬

‫‪ 120 119‬ف ُغ ِل َب فرعو ُن وقو ُمه في ذلك ال َج ْمع‬ ‫‪ 115‬وقال ال�سحرة لمو�سى على ِج َه ِة التكـ ُّبـ ِر وال ُوثو ِق‬
‫العظيم‪ ،‬و�صاروا أ� ِذ ّلء مبهوتين‪ ،‬و أ� ّما ال�سحرة فقد‬ ‫بما عندهم من ال�سحر‪ :‬اختر يا مو�سى �إ ّما أ�ن تبد أ� فتلقي‬
‫تيقنوا �صح َة نبوة مو�سى‪ ،‬ف آ�منوا به‪ ،‬وخ ّروا لله �ساجدين‪.‬‬
‫ما لديك‪ ،‬و�إ ّما �أن نبد�أ فنلقي نحن ما لدينا‪.‬‬

‫‪ 116‬فقال مو�سى لل�سحرة متح ّدي ًا لهم غي َر مبا ٍل بهم‬
‫ولا ِ بم ْن َج َم َعهم‪ ،‬لاعتماده على ربه �سبحانه وتعالى‪:‬‬

‫‪١٦٤‬‬

‫جميع ًا �إلى الله‪ ،‬فنحن نرجو مغفر َته وثوابه‪ ،‬وما‬ ‫‪ 122 121‬وقال ال�سحرة‪ :‬آ�م ّنا بر ِّب العالمين‪ ،‬ر ِّب‬
‫�إنكا ُرك و َعي ُبك علينا إ�لا ِم ْن �أَ ْجل أ�ن �ص َّدقنا ب�آيات‬ ‫مو�سى وهارون‪� .‬أي‪ :‬وكفرنا ب�ألوهيتك يا فرعون‪.‬‬
‫ربنا لما جاءتنا‪ ،‬وهو �أم ٌر لا ي�ستحق ا إلنكار‪ ،‬ر َّبنا َ�أ ِف�ْض‬
‫علينا �صبراً وا�سع ًا يه ِّون علينا هذا البلاء‪ ،‬و أ� ِم ْتنا منقادين‬ ‫‪ 123‬قال فرعون ُمـ ْنـكـراً على ال�سحرة ما فعلوه‪:‬‬
‫َ�أ َ�ص َّدقتم بمو�سى و أ�قررتم بنب ّوته قبل �أن آ�ذن لكم في‬
‫ألمرك‪ ،‬ثابتي َن على الإ�سلام‪.‬‬ ‫الإيمان به؟! ثم �أراد أ�ن ي�ص ّد أ�ه َل م�صر عن الإيمان بمو�سى‬
‫فقال لل�سحرة‪ :‬إ� ّن هذا الذي �صنعتموه‪ ،‬لخديع ٌة باتفا ٍق‬
‫‪ 127‬وقال ال ُكبراء من رجال فرعون‪ُ ،‬مح ِّر�ضين �إياه‪:‬‬ ‫بينكم وبين مو�سى‪ِ ،‬ل ُتخرجوا منها أ�هلها‪ ،‬فتبقى خال�ص ًة‬
‫أ�تتر ُك مو�سى وبني �إ�سرائيل ِل ُيف�سدوا في مملكتك ب إ�بطال‬ ‫لكم ولبني إ��سرائيل تتحكمون فيها‪ ،‬ف�سوف تعلمون ما‬
‫ديننا و إ�يقاع ال ُفرقة وت�شتيت ال�شمل‪ ،‬وتتركهم ين�صرفون‬
‫عن ت أ�ليهك وتعظي ِمك‪ ،‬وعبادة آ�لهتك‪ ،‬ف أ�جابهم فرعون‬ ‫ُ�أنزله بكم ِمن العذاب على ما فعلتم‪.‬‬
‫ب�أ ّنا �س ُنق ِّتل أ�بناءهم من الذكور‪ ،‬و ُنبقي على ن�سائهم‬
‫يخدموننا‪ ،‬وهم جميع ًا تحت قهرنا نفعل بهم ما ن�شاء‪.‬‬ ‫‪ 124‬وب َّي فرعو ُن هذا الوعي َد فقال‪ُ :‬لأقط ِّعن أ�يها‬
‫ال�سحرة أ�يد َيكم و أ�رجلكم ِم ْن ِخلا ٍف ‪� -‬أي اليد اليمنى‬
‫‪ 128‬وقال مو�سى لقومه م�بِّصاً لهم ومطمئن ًا‬ ‫مع الرجل الي�سرى‪� ،‬أو اليد الي�سرى مع الرجل اليمنى‪-‬‬
‫لقلوبهم‪ :‬ا�ستعينوا بالله بطلب ال ُّن�صرة منه على‬
‫فرعون وقومه‪ ،‬وا�صبروا على ما ينالكم من المكاره‬ ‫ثم ُلأ�ص ّلبنكم جميع ًا على جذوع النخل‪.‬‬
‫في أ�نف�سكم و أ�ولادكم‪ ،‬ف�إن ا ألر�َض ملك لله تعالى‪،‬‬
‫ي�ستخلف فيها َم ْن ي�شاء من عباده‪ ،‬والعاقب ُة المحمود ُة‬ ‫‪ 126 125‬فقال ال�سحرة لفرعون‪ :‬إ� َّن َم ِ�صيرنا و َم ْر ِجعنا‬

‫لمن خاف اللهَ وا ّتقاه‪.‬‬

‫‪ 129‬ف أ�جاب بنو �إ�سرائيل نب َّيهم مو�سى ُم ْل ِمحين بنفاد‬
‫َ�صبرهم فقالوا‪ُ� :‬أوذينا ِم ْن قبل أ�ن ت أ�تينا يا مو�سى نب ّي ًا‪،‬‬
‫‪� -‬أي با�ستعباد فرعون لنا وتكليفنا بالأعمال ال�شاقة‬
‫وقت ِل أ�بنائنا‪ -‬وكذلك ُ�أوذينا ِم ْن بعد ما جئتنا‪ ،‬فقال‬
‫مو�سى واعداً وم َر ّجي ًا لهم بن�صر الله‪ :‬لع َّل ربكم أ�ن‬
‫يهلك فرعو َن و�أعوانه‪ ،‬ويجعلكم خلفاء لهم ِم ْن‬
‫َبعدهم أ�حراراً مم َّكنين في الأر�ض‪ ،‬فيرى أ�ت�شكرون‬

‫نعمه �أَ ْم تكفرونها‪.‬‬

‫‪ 130‬ثم َب َد�أت الآيا ُت في تف�صيل الم�صائب التي‬
‫نزل ْت بفرعون وقومه‪ ،‬فقال تعالى‪ :‬ولقد َق َه ْرنا قوم‬
‫فرعون وابتليناهم ب َجدب ا ألر�ض وقح ِطها بعدم نزول‬
‫ا ألمطار‪ ،‬وابتليناهم أ�ي�ض ًا بق َّلة الثمرات وكثر ِة آ�فاتها‪،‬‬

‫لعلهم يتعظون ويرجعون‪ ‬عن �ضلالهم‪.‬‬

‫‪١٦٥‬‬

‫قبله‪ ،‬إ�ذا بقوم فرعون يبادرون �إلى َن ْق�ض العهد‪ ،‬ف�أح َّل‬ ‫‪ 131‬ف إ�ذا أ��صاب ْت �آ َل فرعون حال ٌة من ال�سعة وال ِخ�صب‬
‫الله عليهم نقمته ف أ�غرقهم في البحر‪ ،‬ب�سبب تكذيبهم‬ ‫وغيرهما ِمن الخيرات‪ ،‬قالوا ‪ :‬هذا الخي ُر ألجلنا‪ ،‬ونحن‬
‫ب�آيات الله الوا�ضحة‪ ،‬وحجج ِه ال�ساطعة‪ ،‬وب�إعرا�ضهم‬ ‫�أَ ْولى با�ستحقاقه‪ ،‬و إ�ن جاءتهم حال ٌة ت�سو�ؤهم ِم ْن قح ٍط‬
‫عن التفكر فيها وع ّما تحمله من ا إلنذار والوعيد‪ ،‬ك أ�نها‬ ‫أ�و بلاء‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا ب�سبب �ش ؤ�م مو�سى وقومه‪َ .‬أ� َل �إ َّن‬
‫ما ي�صيبهم من خير �أو �شر إ�نما يرجع �إلى �إرادة الله تعالى‬
‫لم ت�أتهم ‪.‬‬ ‫و ِحكمته‪ ،‬وب�سبب جهل أ�كثرهم بهذا قالوا ما قالوا‪،‬‬

‫‪ 137‬وا�ستخ َل ْفنا بعدهم بني إ��سرائيل الذين كانوا‬ ‫وت�شاءموا بمو�سى و َم ْن‪ ‬معه‪.‬‬
‫ُي�ستعبدون ويهانون في م�صر ِمن فرعون وقومه‪ ،‬على‬
‫أَ� ْر�ض ال�شام التي باركنا فيها بالخ�صب والثمار و�سعة‬ ‫‪ 132‬وبا َلغ قو ُم فرعون في تمردهم وعنادهم و�إ�صرارهم‬
‫ا ألرزاق‪ ،‬ي�سكنونها ويت�صرفون فيها‪ ،‬وتح ّقق وع ُد ربك‬ ‫على الباطل‪ ،‬فقالوا لمو�سى‪� :‬إنك إ�ن ت أ�تنا ب�أ ِّي �آية أ�و حجة‬
‫‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬بالإنعام على بني إ��سرائيل بن�صرهم‬ ‫َت�شهد لك‪ِ ،‬لت�صرفنا بها ع ّما نحن عليه ِم ْن دي ِن فرعون‪،‬‬
‫على عدوهم وتمكينهم في ا ألر�ض ب�سبب �صبرهم‬
‫على ما أ�ُوذوا‪ ،‬وخ َّربنا ما كان ي َ�ش ِّيد فرعو ُن وقومه‬ ‫فلن نقبلها منك‪ ،‬وما نحن لك بم�ص ِّدقين‪.‬‬
‫من العمارات والق�وصر‪ ،‬وما كانوا ين�شئون من ِجنان‬
‫‪ 133‬فكان عاقب َة هذا العناد �أن أ�نزل الله بهم �أنواع ًا‬
‫وب�ساتين ذا ِت عرائ�ش ُتمل عليها الزروع‪ ‬والثمار‪.‬‬ ‫أ�خرى من العذاب ‪ -‬وهي في نف�سها آ�يا ٌت َت�شهد لمو�سى‬
‫عليه ال�سلام‪ -‬فطا َف على فرعون وقو ِمه دون غيرهم‪،‬‬
‫ما ٌء كثير أ�حاط بهم وملأ بيو َتهم و�أغرق زروعهم‪،‬‬
‫و�َأر�س َل الله عليهم الجراد ف�أكل ْت زروعهم وثمارهم‪،‬‬
‫و َأ�ر�س َل عليهم ال ُق َّمل ‪ -‬وهو نوع من الح�شرات ال�صغيرة‬
‫الم�ؤذية‪ -‬وال�ضفاد َع فانت�شر ْت في بيوتهم وملاب�سهم‬
‫وطعامهم و آ�ذتهم ب أ��وصاتها‪ ،‬و�أر�س َل عليهم الدم‬
‫فاختلط بمياههم‪ ،‬وجعل‪ ‬الله هذه ا آليات عقوبا ٍت‬
‫متواليات‪ ،‬تقع ا آلي ُة بعد الأخرى ليزدجروا‪ ،‬فا�ستكبروا‬
‫عن الإيمان بالله تعالى وت�صديق مو�سى‪ ،‬وكانوا قوم ًا‬

‫ُم�ص ّرين على الكفر‪.‬‬

‫‪ 134‬ولـ ّما نزل ب آ�ل فرعون ما �َس َب َق من العذاب‬
‫بالطوفان وغيره‪ ،‬فزعوا إ�لى مو�سى فقالوا له‪ :‬ا ْد ُع لنا‬
‫ربك بما أ�عطاك ِمن العلم‪ ،‬ونحن ُن ْق ِ�س ُم لك‪ :‬لئن أ�زل َت‬
‫ع ّنا العذاب الذي وقع علينا ل ُن�صدق َّنك فيما تقول‪،‬‬
‫ول ُن�سلن معك بني إ��سرائيل حتى يذهبوا حيث �شا�ؤوا ‪.‬‬

‫‪ 136 135‬فل ّما دعا مو�سى ربه ع ّز وج ّل فرفع اللهُ‬
‫عنهم العذاب رفع ًا م�ؤقت ًا �إلى أ�ج ٍل هم بالغوه فلا يعذبون‬

‫‪١٦٦‬‬

‫�س�ألوه فقال متع ّجب ًا منهم‪ :‬كيف �أطلب لكم إ�له ًا غي َر الله‬ ‫‪ُ 138‬يخبر الله تعالى في هذه الآية وما بعدها ع ّما‬
‫تعبدونه؟! وهو الذي خلقكم وف َّ�ضلكم على �سائر أ�هل‬ ‫َ�أ ْحدثه َج َهل ُة بني �إ�سرائيل من ا ألمور ال�شنيعة بعد أ�ن‬
‫زمانكم بما خ ّ�صكم به من ِن َع ٍم لم ُيع ِطها غيركم؛ فكيف‬ ‫م ّن الله عليهم بنعم عظا ٍم موجب ٍة لل�شكر‪ ،‬و أ�راهم من‬
‫ا آليات الكبا ِر‪ ،‬فقال �سبحانه‪ :‬وع َ ْبنا ‪ -‬بقدرتنا‪ -‬ببني‬
‫تقابلون نعمه بطلب عبادة غيره؟!‬ ‫�إ�سرائيل البحر‪ ،‬فلم يلبثوا �إلا وقت ًا ي�سيراً حتى مروا بقوم‬
‫ملازمين لتماثيل لهم يعبدونها‪ ،‬فقال بنو �إ�سرائيل عند‬
‫‪ 141‬واذكروا يا بني إ��سرائيل نعم َة ربكم‪ ،‬إ�ذ �أنقذكم‬ ‫ر�ؤية أ�حوالهم مخاطبين نبيهم في �سو ِء أ�د ٍب‪ :‬يا مو�سى‬
‫من آ�ل فرعون‪ ،‬وهم ُيذيقونكم أ��ش َّد �أنواع العذاب‬ ‫اجعل لنا �صنم ًا نعبده‪ ،‬كما له�ؤلاء تماثيل يعبدونها‪،‬‬
‫و أ�قبحها‪ ،‬يذ ِّبحون أ�بناءكم‪ ،‬و َي�ستبقون ن�ساءكم‬ ‫فقال لهم مو�سى‪ :‬إ�نكم تجهلون عظمة الله تعالى‪ ،‬و�أنه‬
‫للخدمة‪ ،‬وفي إ�نجاء الله لكم من هذا العذاب‪ ،‬اختبا ٌر‬
‫وامتحان عظيم من ربكم لكم‪ ،‬لت�شكروه لا لتكفروه‪.‬‬ ‫لا يجوز أ�ن ُيعبد �سواه‪.‬‬

‫‪ 142‬ووعد اللهُ مو�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪� -‬أن ي�ش ِّرفه‬ ‫‪ 139‬وقال لهم مو�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ :-‬إ� ّن عمل‬
‫بتكليمه وي�ؤتيه التوراة التي فيها بيان �شريعته بعد ثلاثين‬ ‫ه�ؤلاء العاكفين على ا أل�صنام �صائ ٌر إ�لى هلاك ودمار‪،‬‬
‫ليلة ينقطع فيها لعبادة ربه ومناجا ِته‪ ،‬فلما ق�ضاها‪،‬‬ ‫باط ٌل ما كانوا يعملون من عبادتهم لتلك ا أل�صنام‪ ،‬ولن‬
‫زاده اللهُ ع�ش َر ليا ٍل أ�خرى‪ ،‬فت َّم الوق ُت الذي ق ّدره الله‬
‫لهذه المناجاة أ�ربعين ليلة‪ ،‬وقال مو�سى ألخيه هارون‬ ‫ُينقذهم ِمن عذاب الله‪.‬‬
‫عند انطلاقه إ�لى الجبل للمناجاة‪ُ :‬ك ْن خليفتي في بني‬
‫�إ�سرائيل حتى أ�رجع‪ ،‬وارفق بهم‪ ،‬وا ْح ِملهم على عبادة‬ ‫‪ 140‬و أ�نكر مو�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬على قومه ما‬
‫الله‪ ،‬ولا تطع َم ْن يع�صي الله ويف�سد في الأر�ض‪ ،‬ولا‬
‫‪١٦٧‬‬
‫توافقه على �أمره ‪.‬‬

‫‪ 143‬ولـ ّما ح�ضر مو�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬للميقات‬
‫الذي وع َده الله أ�ن يك ّلمه فيه‪ ،‬و أ��س َمعه الله كلامه من‬
‫غير وا�سط ٍة‪ ،‬ا�شتا َق مو�سى لر�ؤية الله وطمع فيها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ر ِّب ائذن لي في النظر إ�ليك‪ ،‬فقال الله له‪ :‬لن تراني‪ ،‬يعني‬
‫لن تطيق ر ؤ�يتي و�أنت في الحياة الدنيا‪ .‬وخ َّفف الله عنه‬
‫وتل َّطف به‪ ،‬ف�ضرب له مثل ًا بالجبل الذي هو �أقوى منه‬
‫و�أ�ش ُّد‪ ،‬فقال‪ :‬انظر يا مو�سى إ�لى الجبل ف إ� ْن َث َب َت وا�ستقر‬
‫مكانه عند ر ؤ�يتي ف�سوف تراني‪ ،‬فل ّما �أزال اللهُ حجاب‬
‫ر�ؤيته عن الجبل �صار الجب ُل ُمف ّتت ًا م�ستوي ًا با ألر�ض‪،‬‬
‫ولـ ّما ر�أى مو�سى ذلك �سقط مغ�شي ًا عليه‪ ،‬فل ّما �أفاق ِمن‬
‫غ�شيته‪ ،‬قال‪ :‬ما َ�أ ْعظمك ربي‪ُ ،‬تبت �إليك من �س�ؤالي ما لم‬
‫ت أ� ْذن لي فيه ‪ -‬وهذه توبة لي�ست عن ذنب ولكنها منا ِ�سب ٌة‬

‫لمقام النبوة‪ -‬و أ�نا �أ ّول الم�ؤمنين بعظمتك‪ ‬وجلالك‪.‬‬

‫‪ 148‬و َ�ص َنع قو ُم مو�سى ألنف�سهم من بعد ذهاب مو�سى‬ ‫‪ 144‬و�آن� َس اللهُ نبيه مو�سى عليه ال�سلام ليزيل ما به‬
‫�إلى جبل الطور لمناجاة ربه‪ِ ،‬من ُح ِّليهم عجل ًا ج�سداً لا‬ ‫ِمن َر ْو ٍع‪ ،‬ول ُي�س ِّليه عن عدم �إجابته �إلى �س�ؤاله الر�ؤي َة‪،‬‬
‫روح فيه‪ ،‬له �وصت ك�وصت البقر ليعبدوه‪ .‬فقال الله‬ ‫فقال له‪ :‬يا مو�سى إ�ني اختر ُتك و�آثرتك على جميع �أهل‬
‫منكراً عليهم‪� :‬ألم َي ْعلم ه�ؤلاء �أ ّن هذا العجل لا ينفعهم‬ ‫زمانك‪ ،‬بوحيي �إليك و َج ْع ِلك من المر�سلين‪ ،‬وبتكليمي‬
‫ب أ�دنى �شيء‪ ،‬فلا يقدر على كلا ٍم ولا على �إر�شا ٍد إ�لى‬ ‫لك من غير وا�سطة‪ ،‬ف ُخ ْذ ما �آتيتك من ا أللواح التي فيها‬
‫خير �أو �إلى طريق ي�سلكونه يجلب لهم به نفع ًا أ�و يدفع‬ ‫�شريعتك‪ ،‬و ُك ْن ِمن ال�شاكرين على ما أ�نعمت به عليك‬
‫عنهم به �ضراً؟ ومع ذلك اتخذوه إ�له ًا يعبدونه وكانوا‬
‫بذلك ظالمين ألنف�سهم‪ ،‬مبر ِهنين على �سفاهة عقولهم‬ ‫وخ�ص�ص ُتك به من جلائل النعم‪.‬‬

‫وجهلهم بعظمة ر ِّب العالمين‪.‬‬ ‫‪ 145‬وكت ْبنا لمو�سى في �ألواح التوراة ِمن كل �شيء‬
‫‪ 149‬ولـ ّما رجع �إليهم مو�سى تب ّينوا �ضلالهم وندموا‬ ‫يحتاجون إ�ليه في �أمر دينهم‪ِ ،‬من أ��وص ِل الإيمان التي‬
‫على اتخاذهم العجل وعباد ِته ندم ًا �شديداً‪ ،‬فقالوا‬
‫م�ستغفرين ر َّبهم منيبين �إليه‪ :‬لئن لم َي ْرحمنا ر ُّبنا ب أ�ن‬ ‫تبين الح َّق و ُتبعد ال�شبهات‪ ،‬ومن المواعظ التي ُت�ؤثر‬
‫في القلوب ترغيب ًا وترهيب ًا‪ ،‬و ِمن تفا�صيل ا ألحكام‬
‫يتوب علينا ويتجاوز ع ّما فعلنا لنكون َّن من الهالكين‪.‬‬
‫في الحلال والحرام والق�صا�ِص والحدود وغيرها مما‬
‫‪١٦٨‬‬ ‫يحتاجون إ�ليه‪ ،‬ف ُخ ْذ يا‪ ‬مو�سى ما آ�تيتك من ا أللواح‪،‬‬
‫واعمل بما فيها بعزيمة‪ ،‬و�أْ ُمر قومك �أن يعملوا بما فيها‬
‫من محا�سن ال�شريعة ‪ -‬وك ُّلها ح�سن‪ -‬لا أ�ن يخالفوها‪،‬‬
‫�س ُأ�ريكم منازل َمن َه َلك ِمن الجبابرة الذين خالفوا‬

‫�أمري وخرجوا عن طاعتي‪ ،‬لتعتبروا بها‪.‬‬

‫‪� 146‬س�أجع ُل الذين يتكبرون عن الحق و�أه ِله بعيدين‬
‫عن فهم آ�ياتي ودلائل قدرتي‪ ،‬و إ� ْن َي َر ه�ؤلاء المتكبرون‬
‫أ� َّي آ�ية من َّزلة أ�و معجز ٍة دالة لا ي�صدقوا بها‪ ،‬و إ� ْن يروا‬
‫طريق الهدى والا�ستقامة لا ي�سلكوه‪ ،‬و�إ ْن يروا طريق‬
‫الغواية وال�ضلال ي�سلكوه‪ ،‬وهذا ال َّ�ص ُف والإلهاء‬
‫ب�سبب �إ�صرارهم على الكفر واختيا ِرهم التكذيب‬
‫ب آ�يات الله تعالى‪ ،‬وتغا ِفلهم عن التفكر فيها والاتعاظ‬

‫بها‪ .‬وهذا تحذير لبني �إ�سرائيل وغي ِرهم أ�ن ي�سلكوا �سبيل‬

‫ه�ؤلاء المتكبرين فيعا َقبوا بمثل عقابهم ‪.‬‬

‫‪ 147‬والذين ك ّذبوا ب آ�يات الله الداعي ِة �إلى ا إليمان به‬
‫وبر�سله‪ ،‬وك ّذبوا ب أ�نهم مبعوثون يوم القيامة للح�ساب‬
‫ب َط َلت �أعما ُل الخير التي عملوها فلا ينتفعون بها في‬
‫الآخرة‪ ،‬ولا ُيجزو َن فيها إ�لا بما كانوا يعملونه ِمن الكفر‬

‫والمعا�صي‪.‬‬

‫تق�صي ٌر ‪ -‬فكان في ا�ستغفار مو�سى لنف�سه تر�ضية لأخيه‪،‬‬
‫وفي ا�ستغفاره لأخيه �إظهار لر�ضاه عنه لئلا ي�شمت به‬
‫ال�شامتون‪ -‬و أ�تم مو�سى دعاءه فقال‪ :‬و أ�د ِخلنا ربنا في‬

‫رحمتك الوا�سعة‪ ،‬و�أنت �أرحم الراحمين ‪.‬‬

‫‪ 152‬إ� َّن الذين اتخذوا العجل �إله ًا �ستنزل بهم عقوبة‬
‫من الله تعالى‪ ،‬و�ست�صيبهم ذلة ومهانة في الحياة الدنيا‪.‬‬

‫وكذلك يفعل الله بكل من افترى عليه الكذب ‪.‬‬

‫‪ 153‬والذين عملوا ال�سيئات ثم ندموا ورجعوا �إلى‬

‫الله‪ ،‬و�أخل�وصا �إيمانهم وا�ستقاموا‪ ،‬إ�ن ربك من بعد‬

‫توبتهم َلكثي ُر الرحمة بهم‪ ،‬ي�سترهم ويمحو ذنوبهم و�إن‬
‫َع ُظمت‪ .‬وهذا ترغيب للع�صاة في التوبة وطرد للقنوط‬

‫من نفو�سهم‪.‬‬

‫‪ 154‬ولـ ّما �سكن غ�ضب مو�سى عليه ال�سلام على‬ ‫‪ 150‬ولـ ّما عاد مو�سى �إلى قومه ِمن مناجاة ربه‪ ،‬عاد‬
‫قومه‪ ،‬أ�خذ ا أللواح‪ ،‬وكان فيما كتب فيها بيا ٌن للحق‬ ‫وهو غ�ضبان ِمن ع�صيانهم‪ ،‬حزي ٌن على ف�ساد �أحوالهم؛‬
‫ورحمة للخلق ب�إر�شادهم إ�لى ما فيه الخي ُر وال�صلاح‪،‬‬ ‫وذلك لأن الله تعالى قد أ�علمه في أ�ثناء غيابه بما فعلوا‪.‬‬

‫ينتفع به الذين يخافون ربهم ويهابونه ‪.‬‬ ‫ف�أنكر عليهم مو�سى ارتدا َدهم في المدة الي�سيرة التي‬
‫غاب فيها عنهم‪ ،‬فك أ�نهم ا�ستعجلوا حلو َل غ�ض ِب الله‬
‫‪ 155‬وا�صطفى مو�سى عليه ال�سلام من قومه �سبعين‬ ‫عليهم‪ ،‬و�ألقى مو�سى الألواح ِمن �ش ّدة غ�ضبه‪ ،‬و�أم�س َك‬
‫رجل ًا من خيارهم‪ ،‬ليخرجوا معه للموعد الذي‬ ‫بر�أ�س أ�خيه هارون يج ُّر ُه إ�ليه‪ ،‬فقال هارون‪ :‬يا اب َن �أمي‪،‬‬
‫�إني قد بذل ُت ُجهدي في َك ِّفهم عن عبادة العجل ولك َّن‬
‫حدده‪ ‬الله له ليعتذروا �إليه �سبحانه مما فعله �سفهاء‬ ‫القوم ا�ست�ضعفوني فتركوا طاعتي واتباع �أمري‪ ،‬وكادوا‬

‫قومهم‪ ،‬فلما جا�ؤوا �أخذتهم زلزلة �شديدة‪ ،‬فدعا مو�سى‬ ‫يقتلونني لـ ّما ا�شتد ْت معار�ضتي لهم‪ ،‬فا ْق َب ْل معذرتي‬
‫ولا تفع ْل بي ما يكون �سبب ًا في �شماتة ا ألعداء بي‪ ،‬ولا‬
‫ربه فقال‪ :‬ر ِّب لو �شئت �أهلكتهم جميع ًا و�أهلكتني‬
‫من قب ِل أ�ن ن أ�تيك معتذرين‪ ،‬ولكنك لطفت بنا‪ ،‬ربنا لا‬ ‫تجعلني في ِع َداد ه ؤ�لاء الظالمين‪.‬‬
‫تهلكنا بما فعل �سفها ؤ�نا‪ ،‬ربنا إ�نك تبتلي عبادك بما ت�شاء‪،‬‬
‫‪ 151‬ولـ ّما تب َّي لمو�سى عذ ُر �أخيه قال‪ :‬ر ِّب اغف ْر لي‬
‫وما فعلوه كان اختباراً وابتلاء منك أ��ضلل َت به قوم ًا‬ ‫ما فعل ُت ب�أخي هارون‪ ،‬واغف ْر ألخي إ�ن كان َف َرط منه‬
‫فافتتنوا‪ ،‬وهدي َت قوم ًا فع�صمتهم حتى ثبتوا على دينك‪،‬‬
‫ربنا �أنت المتولي لأمورنا والمت�صرف في �ش�ؤوننا‪ ،‬فاغف ْر‬
‫لنا ذنوبنا ولا ت ؤ�اخذنا بها‪ ،‬و َت َع َّط ْف علينا برحمتك‪،‬‬

‫و�أنت خير َم ْن �صفح و�ستر ‪.‬‬

‫‪١٦٩‬‬

‫لجميع النا�س‪ :‬إ�ني ر�سول الله إ�ليكم‪� ،‬أر�سلني الله الذي له‬ ‫‪ 156‬وارزقنا يا ر َّبنا ِف هذه الدنيا حيا ًة طيب ًة وتوفيق ًا‬
‫للطاعة‪ ،‬وفي ا آلخرة مغفر ًة و َجن ًة �إ ّنا ُتبنا إ�ليك‪ ،‬قال‬
‫وحده الأم ُر وال�سلطان في ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬لا �إله‬ ‫الله تعالى‪ :‬عذابي أ��صيب به َم ْن أ��شاء ِم ْن خلقي‪ ،‬ومنه‬
‫إ�لا هو وحده‪ ،‬فلا �شري َك له ولا معبو َد بح ٍّق �سواه‪ ،‬الذي‬ ‫العذاب الذي ا�ستحقه الذين اتخذوا العجل إ�له ًا‪ .‬ثم‬
‫ُيحييكم ويميتكم‪ ،‬ف�آمنوا ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬بالله‪ ،‬و آ�منوا‬
‫بر�سوله‪ ،‬وهو النبي محمد ‪ ‬المو�وصف والممدوح‬ ‫فتح الله لنبيه باب ًا من أ�بواب العفو والرحمة‪ ،‬فقال له‪:‬‬

‫بالأمية‪ ،‬الذي ي�ؤمن بالله‪ ،‬وبما �أنزله �إليه من القر�آن وبما‬ ‫ورحمتي و�سعت كل �شيء‪ ،‬أ�ي في الدنيا‪ ،‬إ�ن�سان ًا كان‬
‫أُ�نـزل �إلى النبيين قبله من الكتب‪ ،‬وا َّت ِبعوه‪ ،‬لتكونوا من‬
‫أ�و غيره‪ ،‬مطيع ًا كان �أو عا�صي ًا‪ ،‬ف أ�نت يا مو�سى ومن‬
‫المهتدين‪.‬‬
‫اختر َت لميقاتنا �أولى بها‪ .‬ولا َيجمع بين الفوز بها‬
‫‪ 159‬ولي�س بنو إ��سرائيل من قوم مو�سى �سوا ًء‪ ،‬بل منهم‬ ‫في الدنيا والآخرة �إلا َم ْن يت�صفون باجتناب المعا�صي‬
‫جماعة يدعون النا�س �إلى الهداية بما �أنزله الله من الحق‪،‬‬ ‫وبفعل الطاعات وي ؤ�دون زكاة أ�موالهم المفرو�ضة‬

‫و َيحكمون بهذا الحق بين النا�س‪ ،‬فلا يجورون ‪.‬‬ ‫عليهم‪ ،‬وي ؤ�منون ب�آياتنا ومعجزاتنا كلها‪.‬‬

‫‪ 157‬و ِم ْن �صفات الموعودين بهذه الرحمة َعلاو ًة على‬
‫ما �سبق‪ :‬أ�نهم ي ّتبعون ر�سولنا محمداً النب َّي ا ألمي عند‬
‫بعثته‪ ،‬الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة‪ ،‬وهو الذي‬

‫يجد اليهو ُد والن�صارى ا�س َمه و�صفته ونب َّوته في كتبهم‪،‬‬
‫ي�أمرهم بالمعروف‪ ،‬وهو ما تتقبله العقول وال ِف َط ُر‬
‫ال�سليمة‪ِ ،‬م ْن توحيد الله ومكارم ال�شرائع وا ألخلاق‪،‬‬
‫وينهاهم عن �ضد ذلك‪ ،‬و�أنه ُيحل لهم ما ت�ستطيبه‬
‫النفو�س من المطاعم والم�شارب وغيرها مما ُح ّرم عليهم‬
‫ب�سبب ظلمهم‪ ،‬أ�و َح َّرموه على أ�نف�سهم‪ ،‬ويح ِّرم عليهم‬
‫ما ت�ستخبثه الطباع ال�سليمة‪ ،‬ويخفف عنهم ما ُكلفوا به‬

‫من ا ألحكام ال�شا َّقة‪ ،‬فالذين آ�منوا بهذا النبي‪ ،‬وع َّظموه‬
‫وو َّقروه‪ ،‬ون�صروه على عدوه‪ ،‬واتبعوا القر�آن الذي �أُنزل‬

‫عليه‪� ،‬أولئك هم الفائزون بالخير في الدنيا‪ ‬والآخرة‪.‬‬

‫‪ 158‬وال�سعاد ُة التي جاء بها ر�سول الله ‪ ‬لي�ست‬

‫مخت�ص ًة بمن ي ؤ�من به ويتبعه من اليهود والن�صارى‪ ،‬بل هي‬
‫�شامل ٌة ك َّل َم ْن يتبعه كائن ًا َم ْن كان‪ ،‬فقل ‪� -‬أيها الر�سول‪-‬‬

‫‪١٧٠‬‬

‫َ� ّضونا ولا نق�وصا في ملكنا �شيئ ًا بمع�صيتهم‪ ،‬ولكن كانوا‬ ‫‪ 160‬و�أ ْن َعمنا على قوم مو�سى ب�أ ْن ن َّظمنا لهم‬
‫ي ُ� ُّضون �أنف�سهم بتعري�ضها لعذاب الله و�سلب النعم‪.‬‬ ‫معي�شتهم‪ ،‬وكفيناهم حاجاتهم‪ ،‬فق�ّسمناهم اثنتي ع�شرة‬
‫فرق ًة‪ ،‬كل فرقة قبيلة متميزة ترجع إ�لى �أ�صل واحد وهو‬
‫‪ 161‬واذك ْر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لليهود خط أ�َ �أ�سلافهم‬ ‫أ�حد ا أل�سباط الاثني ع�شر ِم ْن أ�بناء نبي الله يعقوب عليه‬
‫وع�صيا َنهم لربهم‪ ،‬وتبديلهم القو َل الذي أُ�مروا أ�ن‬ ‫ال�سلام‪ ،‬و أ�وحينا �إلى مو�سى حين ا�ستولى على قومه‬
‫يقولوه‪ ،‬وكيف َفعلنا بهم‪ ،‬ليتعظوا ويعتبروا‪ ،‬ولا‬ ‫العط� ُش فطلبوا منه ال�ُّسقيا ‪ -‬وهم في زمن ال ِّتي ِه‪ -‬أ�ن‬
‫يبدلوا ما أُ�مروا به من الإيمان بنبوتك‪ ،‬واذك ْر لهم قولنا‬ ‫ا�ضرب الحج َر بع�صاك‪َ ،‬ف َ�ض َب فان�شق الحجر ونبعت‬
‫أل�سلافهم‪ :‬ادخلوا هذه القرية‪ ،‬يعني بيت المقد�س‪،‬‬ ‫منه اثنتا ع�ْشة عين ًا بعدد ا أل�سباط‪ ،‬و َع ِلم ك ُّل ِ�س ْبط‬
‫و أ�قيموا فيها مطمئنين وكلوا ما �شئتم ِم ْن ثمارها‬ ‫منهم العي َن الخا�صة به؛ فلم يختلفوا‪ ،‬وظ َّللنا عليهم‬
‫وزروعها وحبوبها و�سائر طيبات �أهلها‪ ،‬وادخلوا‬ ‫الغمام ليقيهم حر ال�شم�س‪ ،‬ون ّزلنا عليهم الم َّن ‪ -‬وهو‬
‫بابها راكعين متوا�ضعين لله الذي �أنعم عليكم‪،‬‬ ‫�شيء كال َّ�صمغ كان يقع على ا أل�شجار طع ُمه كالع�سل‪-‬‬
‫وقولوا‪ُ :‬ح َّط عنا ذنوبنا‪ ،‬نغف ْر لكم بذلك ما �َس َلف‬ ‫ون ّزلنا عليهم ال�سلوى ‪ -‬وهو طائر ي�ش ِبه ال�ُّسما َنى‪-‬‬
‫من ذنوبكم‪ ،‬ونزيد المطيعين منكم على المغفرة ف�ضل ًا‬ ‫فكان الواحد منهم ي�أخذ ما يكفيه من ذلك‪ ،‬وقلنا لهم‪:‬‬

‫وثواب ًا في الدنيا وا آلخرة‪.‬‬ ‫كلوا من طيبات ما رزقناكم‪ ،‬يعني �أكل ًا هنيئ ًا‪ ،‬فخا َلفوا‬
‫ما أُ�مروا به‪ ،‬ولم يقابلوا النعم بال�شكر‪ ،‬وكرهوا هذه‬
‫‪ 162‬فب ّدل الذين ظلموا من بني إ��سرائيل ما ُ�أ ِمروا به‬
‫من التوبة والا�ستغفار‪ ،‬فقالوا قلا ًو مغايراً له ُم�ْش ِعراً‬ ‫الطيبات‪ ،‬فطلبوا �أن ي�ستبدل بها ما هو �أدنى منها‪ .‬وما‬
‫با�ستهزائهم بما �أُمروا به‪ ،‬فب َد َل أ�ن يقولوا ِح َّطة‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫َح ّبة في �َشعرة‪ ،‬وب َد َل أ�ن يدخلوا �ساجدين متوا�ضعين‬
‫دخلوا يزحفون على أ�دبارهم‪ ،‬ف أ�نزل الله على الذين‬
‫ظلموا منهم ع ِق َب ذلك عذاب ًا من ال�سماء ب�سبب ظلمهم‬

‫الم�ستمر وبتبديلهم وا�ستخفافهم بما ُ�أمروا‪.‬‬

‫‪ 163‬وا�س�أ ْل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬اليهو َد الذين بح�ضرتك‬
‫عن �أ�سلافهم من أ�هل القرية التي كانت على �ساحل‬
‫البحر‪ ،‬وما ح َّل بهم من العقاب ليعتبروا‪ ،‬وذلك‬
‫حين تجاوز أ�ه ُل القرية حدود الله فاحتالوا للا�صطياد‬
‫يوم ال�سبت‪ ،‬وقد ُنهوا عن ال�صيد والعمل فيه‪ ،‬وكان‬
‫ِمن امتحاننا لهم أ�ن الحيتان ت أ�تيهم يوم ال�سبت كثير ًة‬
‫ظاهر ًة على وجه الماء قريبة من ال�ساحل‪ ،‬ف إ�ذا م َّر يوم‬
‫ال�سبت لا ت أ�تيهم كما كانت ت أ�تيهم فيه‪ ،‬وبمثل هذا‬
‫البلاء ال�شديد نبتليهم و ُن�شدد عليهم ب�سبب ف�سقهم‬

‫وخروجهم عن طاعتنا‪.‬‬

‫‪١٧١‬‬

‫‪ 169‬ف َخ َل َف ِم ْن بعد تلك ا ألمم التي فيها ال�صالح‬ ‫‪ 164‬وا ْذك ْر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لهم �أي�ض ًا حين قالت‬
‫والطالح َخ ْلف �آخر لا خير فيهم‪ ،‬قد قر ؤ�وا التوراة ولم‬ ‫جماعة من ُ�صلحاء تلك القرية ‪-‬لم ي�صيدوا ولم َينهوا‬
‫يعملوا بها‪ ،‬ي أ�خذون ما َيعر�ض لهم من متاع الدنيا‪،‬‬ ‫عن ال�صيد‪ -‬لآخرين ممن كانوا يجتهدون في وعظ‬
‫ِمن ال ِّر�وشة التي ي أ�خذها حكا ُمهم‪ ،‬أ�و في مقابل‬ ‫المتع ّدين في ال�سبت الذين أ�َ�صروا على ال�صيد فيه ولم‬
‫تحريف كلام الله‪ ،‬ويقولون اغتراراً منهم‪� :‬سيغفر الله‬ ‫يقبلوا الموعظة‪ِ :‬لـ َم تعظون قوم ًا الله ُم�ست أ��صلهم �أو‬
‫لنا ذنوبنا‪ .‬وهم مقيمون على الذنب غي ُر تائبين منه‪،‬‬ ‫معذبهم عذاب ًا �شديداً؟ فقال الذين ا�ستمروا في نهيهم‬
‫ف�إن جاءهم متا ٌع مث ُله أ�خذوه وا�ستحلوه غير مبالين‪،‬‬ ‫عن المع�صية‪ :‬إ�نما وعظناهم لنجد عذراً لأنف�سنا عند‬
‫وهم يعلمون �أ ّنا قد أ�خذنا عليهم العهد في التوراة‬ ‫الله تعالى فلا ُن ْن�سب �إلى ترك النهي عن المنكر‪ ،‬ولعل‬
‫�أ ّل يكذبوا على الله‪ ،‬لأنهم قد قر ؤ�وها ودر�سوها‪.‬‬ ‫الع�صاة منا يتقون الله فيتوبوا‪ .‬وفي هذا �إنذا ٌر و إ��شار ٌة‬
‫و�إن ثواب الدار الآخرة خير للذين اتقوا محارم الله‬ ‫�إلى وجوب تغيير المنكر‪ ،‬وتع ُّ ِي الخوف ِم ْن عاقبة‪ ‬تركه‪.‬‬
‫من هذا ال َع َر�ِض ا ألدنى‪� ،‬أفلا تعتبرون وتتعظون أ�يها‬
‫‪ 165‬فل ّما ترك المعتدون من �أهل القرية ما وعظهم به‬
‫اليهود بذلك فت�ؤمنوا بمحمد ‪.‬‬ ‫�صلحا ؤ�هم َت ْر َك النا�سي لل�شيء المعر�ض عنه‪ ،‬أ�نجينا الذين‬
‫كانوا ينهون عن مع�صية الله‪ ،‬وع ّذبنا المعتدين بعذاب‬
‫‪ 170‬والذين عملوا بالتوراة من اليهود‪ ،‬من غير تحريف‬
‫أ�و كتمان‪ ،‬و أ�قاموا ال�صلاة ف�إن الله لا ي ِ�ضيع �أجر ال�ساعين‬ ‫�شديد ب�سبب تماديهم في‪ ‬المع�صية‪.‬‬

‫إ�لى الخير الدالين على ال ِّب‪.‬‬ ‫‪ 166‬فل ّما لم َي ْنت ِه المعتدون بعد أ�ن أ�خذناهم بعذاب‬
‫�شديد‪ ،‬وتكبروا وتمردوا‪ ،‬م�سخناهم قردة ذليلين ُمبعدين‪.‬‬

‫‪ 167‬وا ْذك ْر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬وق َت أ�ن أَ�ع َلم ربك بني‬
‫�إ�سرائيل �أنه �أوجب على نف�سه أ�ن ي�سلط عليهم من حي ٍن‬
‫آلخ َر �إلى انتهاء الدنيا َمن يذيقهم من �أنواع العذاب‬
‫الذي ي�سو ؤ�هم ما داموا معر�ضين عن الطاعة ناق�ضين‬
‫لمواثيق الله التي �أخذها عليهم ‪ -‬ومنها ا ّتباع محمد‬
‫‪ .-‬إ�ن ربك ‪ -‬يا محمد‪ -‬ل�سريع العقاب‪ ،‬و�إنه‬
‫لذو �صفح عن ذنوب َمن تاب‪ ،‬رحي ٌم فلا ي ؤ�اخذه بها‪.‬‬
‫وفي هذا �إ�شارة للكفار من اليهود وغيرهم أ�نهم �إن تابوا‬
‫ودخلوا في الإ�سلام غفر الله لهم‪ ،‬وعافاهم من العذاب‪.‬‬

‫‪ 168‬وف َّرقنا بني �إ�سرائيل في أ�قطار ا ألر�ض جماعات‬
‫�ش َّتى‪ ،‬ب�سبب ع�صيانهم ومخالفتهم أ�وامر الله‪ ،‬منهم‬
‫الم ؤ�منون المطيعون ألنبيائهم‪ ،‬ومنهم المنتهكون لحرمات‬
‫الله‪ ،‬وامتح ّناهم بال ِّنعم وال ِّنقم لعلهم يرجعون إ�لى الله‬

‫بالطاعة ويتوبون من المع�صية‪.‬‬

‫‪١٧٢‬‬

‫‪ 173‬و َذ َّكرناكم بهذا الميثاق ون َّبهناكم �إلى ما أ�ودعناه‬ ‫‪ 171‬وا�ْس�أ ْل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬اليهو َد عن �أمر عظيم‬
‫فيكم من القدرة على النظر والتفكر والا�ستعدا ِد لقبول‬ ‫�آخر يعرفونه ليعتبروا‪ ،‬وذلك وقت أ�ن اقتلعنا جبل الطور‬
‫الإيمان لئلا يكون لكم �سبيل إ�لى الاعتذار عن �شرككم‬ ‫من مكانه ورفعناه فوق ر�ؤو�س �أ�سلافهم ك�أنه �سحابة‬
‫يوم القيامة ب أ�ن تقولوا‪ :‬إ�نا وجدنا آ�باءنا على ال�شرك‪،‬‬ ‫تظلهم‪ ،‬ب�سبب ع�صيانهم لمو�سى وامتناعهم عن الالتزام‬
‫وكنا ذري ًة من بعدهم تابعين لهم ال‪ ‬قدرة لنا على‬ ‫ب أ�حكام التوراة‪ ،‬و�أيقنوا أ�ن الجبل واق ٌع عليهم ف�س ّلموا‬
‫الاهتداء �إلى الحق ومعرفة ال�وصاب‪� ،‬أف ُتهلكنا بما فعل‬ ‫وخ�ضعوا حينئ ٍذ‪ ،‬وقلنا لهم وهم في هذه الحالة‪ :‬اعملوا‬
‫بما آ�تيناكم من الكتاب ب ِج ٍّد وعزيمة‪ ،‬واذكروا ما فيه من‬
‫�آبا�ؤنا‪ ،‬ولا ذنب لنا لجهلنا‪ ‬وعجزنا؟!‬
‫العهود والمواثيق‪ ،‬لتتقوا الهلا َك في الدنيا وا آلخرة‪.‬‬
‫‪ 174‬وهكذا ف َّ�صلنا الآيات ال�سابقات تف�صيل ًا بليغ ًا‬
‫‪ -‬وهذا �ش أ�ننا فيما يحتاج إ�ليه العباد‪ -‬ليتدبرها ه ؤ�لاء‬ ‫‪ 172‬وا ْذك ْر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬للم�شركين وغيرهم هذا‬
‫فينزجروا ويرتدعوا‪ ،‬وليرجعوا عن الإ�صرار على ال�شرك‬ ‫العهد الذي أ�خذه الله على النا�س ليتذكروه‪ ،‬وذلك وق َت‬
‫�أن أ�خرج ربك ن�س َل بني آ�دم من ظهور �آبائهم‪ ،‬و أ��شهد‬
‫وتقلي ِد ا آلباء �إلى توحيد الله وعبادته ‪.‬‬ ‫كل واحد من هذه الذرية على نف�سه‪ ،‬قائل ًا لهم‪ :‬أ�ل�ستم‬
‫تقرون ب�أني ربكم؟ فقالوا‪ :‬بلى �شهدنا على �أنف�سنا ب�أنك‬
‫‪ 175‬وا ْق�ص�ْص ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬على قومك خب َر‬ ‫ربنا‪ .‬وقد َذ َّكرناكم بهذا الميثاق وب َّيناه لكم لئلا تعتذروا‬
‫الرجل الذي ع ّلمناه العلم الذي ينجيه فوقف على‬
‫الحجج والأدلة الكثيرة الهادية إ�لى الإيمان والر�شاد‪ ،‬فلم‬ ‫يوم القيامة فتقولوا‪ :‬إ�نا كنا غافلين عنه فلم ُن َن َّبه �إليه‪.‬‬
‫يعمل بها ونبذها وراء ظهره‪ ،‬ف أ�دركه ال�شيطا ُن وتم ّكن‬

‫منه‪ ،‬ف�صار في ُزمرة ال�ضالين الرا�سخين في الغواية ‪.‬‬

‫‪ 176‬ولو أ�ردنا لرفعنا َق ْدر هذا الرجل بما ع ّلمناه‪ ،‬ولكنه‬
‫�سكن �إلى الدنيا و آ�ثر لذتها و�شهواتها على الآخرة‬
‫وا ّتبع ما يهواه‪ ،‬ف َم َث ُله كمثل الكلب في أ�قب ِح أ�و�صافه‪،‬‬
‫إ�ن تز ُجره يله ْث و�إن تتركه يله ْث‪ ،‬وكذلك حا ُل هذا‬
‫الرجل �إن وعظته فهو �ضال و إ�ن لم تعظه فهو �ضال‪،‬‬
‫وهذه الحال الخ�سي�سة هي حال كل َم ْن ك َّذب ب�آياتنا‬
‫بعد أ�ن عرفها‪ ،‬فاق�ص�ص ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬عليهم هذا‬
‫ال َق�ص�ص لعلهم يتفكرون فيها فينزجروا عن ال�ضلال ‪.‬‬

‫‪� 177‬أ َل ما �أ�سو�َأ َم َث َل القو ِم الذين كذبوا بحجج الله‪.‬‬
‫ولم ي�ضروا بهذا التكذيب إ�لا �أنف�سهم‪.‬‬

‫‪َ 178‬من يوفقه الله �إلى �سلوك �سبيل الحق فهو المهتدي‪،‬‬
‫و َمن لم يوفقه لذلك ف أ�ولئك هم الخا�سرون تمام الخ�سران‪.‬‬

‫‪١٧٣‬‬

‫في هذا الملك العظيم الكائن في ال�سماوات والأر�ض‪،‬‬ ‫‪ 179‬ولقد خلقنا لجه ّنم َم ْن ي�ستح ُّق العذاب فيها من‬
‫وفي �أي مخلوق من مخلوقاته َج َّل أ�و د َّق‪ ،‬فيعلموا �أن‬ ‫الجن والإن�س‪ ،‬بما �سبق في علمنا �أنهم يختارون الكفر‪،‬‬
‫لذلك ر ّب ًا خالق ًا مدبراً‪ ،‬في�ؤمنوا به؟! ولكنهم لم يفعلوا‪.‬‬ ‫لهم قلوب لا يتفكرون بها فيما �أر�سلنا به ر�سلنا فيدركوا‬
‫�أَ َولا يخافون أ�ن تكون �آجالهم قد اقتربت فيموتوا على‬ ‫الحق‪ ،‬ولهم �أعي ٌن لا ينظرون بها نظ َر اعتبا ٍر إ�لى ما في‬
‫كفرهم وي�صيروا إ�لى عذاب �أليم‪ ،‬ف�إذا لم ي�ؤمنوا بالقر آ�ن‬ ‫الكون من �أدلة ت�شهد بوجود الله ووحدانيته‪ ،‬ولهم‬
‫�آذان لا ينتفعون بما ي�سمعون بها من كتاب الله والمواعظ‬
‫فب�أي كلام �أحق منه يريدون �أن ي�ؤمنوا؟!‬ ‫النافعة‪ ،‬فهم كالبهائم في عدم التدبر والاعتبار‪ ،‬بل هم‬
‫أ�جه ُل منها؛ لأنها تتقي بفطرتها ما ي�ضرها‪ ،‬وه�ؤلاء‬
‫‪َ 186‬م ْن لم يوفقهم الله ل إليمان فلا ي�ستطيع أ�حد‬ ‫يتركون ما فيه �صلاح دنياهم و آ�خرتهم‪ ،‬و أ�ولئك هم‬
‫هدايتهم‪ ،‬ويتركهم الله في �ضلالتهم يترددون متحيرين‬
‫الم�ستغرقون في غفلتهم‪.‬‬
‫ال‪ ‬يهتدون‪� ‬سبيل ًا ‪.‬‬
‫‪ 180‬ولله وحده الأ�سماء التي هي �أح�س ُن ا أل�سماء الدالة‬
‫‪ 187‬ي�س�ألونك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬عن القيامة‪ ،‬متى‬ ‫على أ�ح�سن المعاني وال�صفات‪ ،‬فاذكروه بها وا�س أ�لوه بها‬
‫وقتها؟ قل لهم‪� :‬إ ّن ِع ْل َم وقتها عند الله وحده‪ ،‬لا‬ ‫حاجاتكم‪ ،‬واتركوا الم�شركين وانحرا َفهم عن طريق‬
‫يظهرها في وقتها إ�لا هو‪َ ،‬ع ُظ َم �أم ُرها وخفي على �أهل‬ ‫الحق في أ��سمائه با�شتقاقهم منها أ��سماء لآلهتهم كاللات‬
‫ال�سماوات والأر�ض‪ ،‬فلا ت�أتيكم ال�ساعة إ�لا فج أ�ة‪.‬‬ ‫ِمن‪ ‬الله‪ ،‬وال ُع َّزى من العزيز‪ ،‬ولا ُتبالوا ب�إنكارهم ما‬
‫ي�س�ألونك عن ال�ساعة ك�أنك عالم بها‪ ،‬قل لهم م�ؤكداً‪ :‬لا‬ ‫�س ّمى الله به نف�سه‪ ،‬ف�سيجزون ب�سوء ما كانوا يعملون‪.‬‬
‫ِعلم لي بذلك‪ ،‬و ِع ْل ُمها عند الله‪ .‬و�أكثر النا�س لا يعلمون‬
‫‪ 181‬و ِم ْن ُجملة َم ْن خلقنا جماعة ير�شدون النا�س‬
‫�أن ذلك مما ا�ست�أثر الله بعلمه‪.‬‬ ‫�إلى الحق‪ ،‬وي�ستقيمون عليه‪ ،‬وبالحق يق�وضن وين�صفون‬
‫النا�س‪ .‬وهذه �إ�شار ٌة إ�لى ا�ستدامة الحق‪ ،‬و ُو ُفور القائمين‬

‫به من ا ألمة المحمدية‪.‬‬

‫‪ 182‬والذين كذبوا بالقر�آن‪ ،‬وبحججنا‪� ،‬سوف‬
‫ن أ�خذهم �شيئ ًا ف�شيئ ًا إ�لى هلاكهم‪ ،‬وهم لا ي�شعرون‪،‬‬
‫وذلك ك�أن يفتح الله لهم أ�بواب الرزق في الدنيا حتى‬
‫يغتروا بما هم فيه ويزدادوا تمادي ًا في ال�ضلال‪ ،‬في�أخذهم‬

‫الله وهم غافلون ‪.‬‬

‫‪ 183‬و ُ�أمه ُلهم على ما هم فيه و�أ�ؤخر لهم العقوبة‪ ،‬ثم‬
‫�آخذهم بالعذاب‪ ،‬إ�ن عذابي �شديد ‪.‬‬

‫‪ 184‬أ�لم تكن له�ؤلاء المكذبين عقول يتفكرون بها‬
‫ليتحققوا �أن لي�س ب�صاحبهم محمد ‪ ‬أ�دنى �شيء‬
‫من جنون‪ ،‬كما يزعمون؟! وما هو إ�لا منذ ٌر لهم إ�نذاراً‬

‫وا�ضح ًا لا لب�س فيه‪.‬‬

‫‪� 185‬أ َولم يتفكر ه�ؤلاء المكذبون ويتدبروا بعقولهم‬

‫‪١٧٤‬‬

‫‪ 190‬فل ّما وهب اللهُ �آد َم وحوا َء ما طلبا من الولد‬ ‫‪ 188‬وقل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لهم‪ :‬إ�ني لا أ�قدر على‬
‫ال�صالح‪ ،‬جعلا ‪ -‬أ�ي جعل جماعة من الذكور والإناث‬ ‫َج ْلب نف ٍع لنف�سي �أو دفع �ضر عنها‪ ،‬إ�لا ما �شاء الله �أن‬
‫من ذريتهما من بعدهما‪ -‬لله تعالى �شركاء في هذا‬ ‫يوفقني �إليه ف�أفعله‪ ،‬ولو كن ُت أ�علم ما ي�ستقبلني من‬
‫العطاء‪ ،‬وغي َّروا في ِفطرة التوحيد التي فطرهم الله‬ ‫ا ألمور المغيبة‪ ،‬ك�شدائد الزمان و أ�هواله وما يكون في‬
‫م�ستقبل ا أليام و َ َت ُّو ِل أ�حواله‪ ،‬لا�ستعدد ُت له قبل نزوله‬
‫عليها‪ ،‬فتنزه‪ ‬الله تعالى ع ّما يدعيه الم�شركون ‪.‬‬ ‫با�ستكثار الخير الذي ينفعني والاحترا� ِس من ال�شر‪ ،‬حتى‬
‫لا يم�سني �سوء‪ ،‬وما �أنا �إلا ر�سول‪ ،‬نذي ٌر بالنار للكافرين‪،‬‬
‫‪� 191‬أت�شركون ‪ -‬أ�يها الكفار‪ -‬في عبادة الله الذي هو‬
‫خالق كل �شيء أ��صنام ًا لا تقدر على خلق �شيء؟! بل هي‬ ‫وب�شي ٌر بالجنات للم�ؤمنين‪.‬‬

‫مخلوقة‪ ‬م�صنوعة‪.‬‬ ‫‪ 189‬الله هو الذي بد�أ َخلقكم من نف�س واحدة‪ ،‬وهي‬
‫�آدم عليه ال�سلام‪ ،‬وخلق من �آدم زوجته حواء‪ ،‬لت�سكن‬
‫‪ 192‬ولا ي�ستطيعون لمن يعبدهم ن�صراً‪ ،‬بل لا‬ ‫َن ْف�ُسه �إليها ب�أُن�سه بها‪ ،‬فلما وطئها‪ ،‬حمل ْت حمل ًا‬
‫ي�ستطيعون أ�ن يدفعوا عن أ�نف�سهم �أ َّي �سوء! وفي هذا‬ ‫خفيف ًا‪ ،‬فا�ستمرت بهذا الحمل ولم َت�شعر بثقله‪ ،‬فلما كبر‬
‫الولد في بطنها‪ ،‬دعا آ�د ُم وحواء ربهما لئن آ�تيتنا ب�شراً‬
‫إ�ظها ُر غاي ِة‪ ‬جهلهم‪.‬‬
‫�سوي ًا يعبدك ويوحدك‪ ،‬لنكون َّن لك من ال�شاكرين‪.‬‬
‫‪ 193‬و�إ ْن تدعوا ‪ -‬أ�يها الم�شركون‪ -‬هذه ا أل�صنام إ�لى‬
‫مجرد الدلالة على مطلوب ‪ -‬وهو أ�ق ُّل من ال ُّن�صرة‪ -‬لا‬ ‫‪١٧٥‬‬
‫يدلوكم ولا ير�شدوكم‪ ،‬ولا يجيبوكم �إلى ما تطلبون‪،‬‬
‫في�ستوي ‪ -‬في عدم ا إلفادة منهم‪ -‬دعا ؤ�كم لهم‬

‫و�سكوتكم‪ ،‬فكيف ُيعبد َم ْن هذا �ش�أنه؟!‬

‫‪� 194‬إ ّن ه�ؤلاء الذين جعلتموهم أ�يها الم�شركون آ�لهة‪،‬‬
‫هم مخلوقون لله كما أ�نتم مخلوقون له‪ ،‬فادعوهم‬
‫لجلب نفع لكم �أو دف ِع ُ� ٍّض عنكم‪ ،‬ف إ�ن كانوا آ�لهة ‪ -‬كما‬
‫تزعمون‪ -‬فليجيبوكم‪ ،‬إ�ن كنتم �صادقين فيما ت ّدعونه‪.‬‬

‫‪ 195‬وهذه ا أل�صنام لا إ�درا َك لها ولا حياة ولا قدرة‪،‬‬
‫فلا ت�صح أ�ن تكون �آلهة‪ .‬فانظروا واعتبروا‪ ،‬هل لهم‬
‫أ�َ ْرج ٌل ي�س َعون بها في نفع �أنف�سهم ف�ضل ًا عن نفع‬
‫غيرهم؟ �أ ْم لهم أ�ي ٍد يدفعون بها عن �أنف�سهم وي أ�خذون‬
‫بها ما يريدون ف�ضل ًا عن �أن يدفعوا عن غيرهم؟ �أ ْم لهم‬
‫أ�عين يب�صرون بها كما تب�صرون؟ �أ ْم لهم �آذان ي�سمعون‬
‫بها كما ت�سمعون؟ بل أ�نتم أ�ف�ضل منهم‪ ،‬فكيف‬
‫تعبدونهم؟! فقل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬متحدي ًا لهم‪ :‬ادعوا‬
‫أ��صنامكم لتن�صركم عل َّي فت�ستريحوا مني‪ ،‬ف إ�ن تمكنتم‬

‫من �إيقاع ال�سوء بي فافعلوا‪ِ ،‬م ْن غير إ�مهال‪.‬‬

‫�أ ّتبع ما يوحيه �إليَّ ربي‪ ،‬وقل لهم‪ :‬إ�ن هذا القر آ�ن بيان‬ ‫‪ 196‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬للم�شركين‪ :‬إ� ّن حافظي‬
‫من الله للنا�س ُي َب ِّ� ُص القلو َب بالحق وهو هدى ورحمة‬ ‫ونا�صري هو الله‪ ،‬وهو الذي ن َّزل القر�آن عل َّي بالحق‪،‬‬
‫فكما أ� َّيدني به فهو يتولى حفظي‪ ،‬وهو يتولى عباده‬
‫لمن ي�ؤمن به ‪.‬‬
‫ال�صالحين‪.‬‬
‫‪ 204‬و�إذا ُقرئ القر�آن فا�ستمعوا له بتدبر وخ�وشع‪،‬‬
‫و أ��صغوا �إليه ب�أ�سماعكم‪ ،‬لعلكم تفوزون برحمة‬ ‫‪ 197‬أ� ّما أ��صنا ُمكم التي تعبدونها فهي لا تقدر على‬
‫ن�صركم‪ ،‬بل لا تقدر على دفع أ� ِّي َ�ضر عن نف�سها‪ ،‬فهي‬
‫الله ور�ضاه‪.‬‬ ‫لا ت�ستحق العبادة‪ ،‬و إ�نما ي�ستحقها ر ُّب العالمين الذي‬

‫‪ 205‬واذكر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬ر َّبك في �ِ ِّس َك‪ ،‬و�أنت‬ ‫يحفظ عباده وين�صرهم ‪.‬‬
‫مت�ضر ٌع خائف‪ ،‬واذكره بل�سانك ذكراً و�سط ًا بين‬
‫الجهر وا إلخفاء‪ ،‬أ� ّو َل النهار و آ�خره‪ ،‬ولا تكن من‬ ‫‪ 198‬و إ� ْن تدعوا ‪ -‬أ�يها الم�شركون‪ -‬الأ�صنا َم ليهدوكم �أو‬
‫الغافلين عن ذكره‪ .‬وهذا الخطاب و إ�ن كان للنبي ‪‬‬ ‫ير�شدوكم‪ ،‬لا ي�سمعوا دعاءكم‪ ،‬وترى ‪� -‬أيها الر�سول‪-‬‬
‫هذه ا أل�صنام ك�أنها تنظر �إليك بعيون م�و َّصر ٍة م�صنوعة‪،‬‬
‫فهو عا ٌّم ألمته‪.‬‬ ‫والحا ُل أ� ّنها لا تب�صر �شيئ ًا‪ .‬وهذا ت�سفي ٌه لعقول الم�شركين‪.‬‬

‫‪� 206‬إ ّنالملائكة‪-‬الذينرفعالله�أقدا َرهم‪-‬لاي�ستكبرون‬ ‫‪َ� 199‬س ْع ‪ -‬أ�يها النبي‪ -‬النا�س بعفوك عن م�سيئهم‬
‫عن عبادة الله‪ ،‬ويعظمونه وينزهونه ع ّما لا يليق بجنابه‪،‬‬ ‫وارفق بهم لئلا ينفروا‪ ،‬و�ْأ ُم ْر ُهم بما َيح�سن من الأفعال‬
‫ويخ ُّ�صونه وحده بالخ�وضع والعبادة وال�سجود‪ .‬وهذا‬ ‫والخ�صال‪ ،‬و�أعر�ْض عن ال�سفهاء فلا ُتارهم ولا تقابلهم‬
‫تعري� ٌض بالم�شركين الذين ي�ستكبرون عن عبادة الله‪،‬‬
‫بمثل �أفعالهم‪ .‬وهذه ا آلية من مجامع الأخلاق‪.‬‬
‫وتحري�ض للم�ؤمنين على الت�شبه بالملأ ا ألعلى‪.‬‬
‫‪ 200‬و إ� ْن تع ّر�ض لك ال�شيطان بخاطر ‪� -‬أيها النبي‪-‬‬
‫‪١٧٦‬‬ ‫يثير غ�ضبك‪ ،‬أ�و يحملك على خلاف ما أ�ُمرت به في‬
‫معاملة النا�س فا�ستعذ بالله ليدفع عنك هذا الخاطر‪� ،‬إنه‬
‫�سميع لدعائك عليم بك‪ .‬وهذا إ�ر�شا ٌد للأمة في �شخ�ص‬

‫النبي‪. ‬‬

‫‪ 202 201‬و�ش�أ ُن الم�ؤمنين الذين يتقون ربهم‬
‫ويطيعونه‪ ،‬أ�نهم �إذا َمـ َّر بهم أ�دنى خاط ٍر ِمن و�ساو�س‬
‫ال�شيطان‪ ،‬تذكروا عظمة الله وعقابه‪ ،‬ف إ�ذا هم مب�صرون‬
‫طريق الحق فيحترزون عن مكائد ال�شيطان ولا يتبعونه‪.‬‬
‫و أ� ّما �إخوان ال�شياطين من �أهل ال�شرك وال�ضلال ف�إن‬
‫ال�شياطين تزين لهم ما هم فيه وتزيدهم غ ّي ًا �إلى غ ّيهم‪،‬‬

‫ولا يك ّفون عن �إغوائهم‪.‬‬

‫‪ 203‬و�إذا لم ت أ� ِت ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬الم�شركين‬
‫ب آ�ية جديدة من القر آ�ن إلبطاء الوحي عنك‪ ،‬قالوا‬
‫متهكمين‪ :‬ه ّل اختل ْق َت �آي ًة ِمن عند نف�سك؟ فقل لهم‪:‬‬
‫ل�س ُت �آتي بالآيات من عند نف�سي كما تزعمون‪ ،‬و�إنما‬

‫وينفقون مما رزقهم الله ِمن ا ألموال فيما أ�مرهم �أن‬ ‫‪ 1‬ي�س�ألك بع�ُض �أ�صحابك ‪� -‬أيها النبي‪ -‬عن الغنائم‬
‫ينفقوها فيه‪.‬‬ ‫التي غنمتموها في غزوة بدر‪َ ،‬من الذي ي�ستحقها؟‬
‫وكيف ُت َق�َّسم؟ ‪ -‬وذلك عندما اختلفوا في ق�سمتها‪-‬‬
‫‪ 4‬ه ؤ�لاء الذين اجتمع ْت فيهم ال�صفات ال�سابقة هم‬ ‫فقل لهم‪ :‬إ�ن َأ� ْمرها إ�لى الله ور�سوله‪ُ ،‬يق�ِّسمها‬
‫الم ؤ�منون الكاملون في �إيمانهم‪ ،‬لهم في الجنة مناز ُل خي ٍر‬ ‫ر�سول الله ‪ - -‬وي�ضعها حيث ي أ�مره الله تعالى‪،‬‬
‫وكرامة‪ ،‬ولهم مغفر ٌة لذنوبهم‪ ،‬ورز ٌق وا�سع في الجنة لا‬ ‫فاتقوا الله و�أ�صلحوا ما بينكم بالمودة وتر ِك النزاع‪،‬‬
‫واقبلوا ما �أُمرتم به في �أمر الغنائم‪ ،‬إ�ن كنتم م ؤ�منين ح ّق ًا‪.‬‬
‫ينقطع َمدده‪.‬‬
‫‪� 2‬إ ّن �ش أ�ن الم�ؤمنين الكاملين في إ�يمانهم أ�نهم إ�ذا ُذ ِكر‬
‫‪ 5‬في هذه ا آلية وما بعدها تذكي ٌر للم�ؤمنين ب أ�مر‬ ‫ا�سم الله �أو �صفا ُته‪� ،‬أو ُذ ِّكروا بالله وعقابه خا َفت قلوبهم‬
‫الخروج ِل َب ْد ٍر‪ ،‬وما ظهر فيها من دلائل عناية الله تعالى‬ ‫ور َّقت؛ ا�ستعظام ًا له وهيبة من جلاله‪ ،‬و إ�ذا ُتليت عليهم‬
‫بر�سوله وبالم�ؤمنين‪ ،‬فب ّي تعالى أ�ن حا َل كراه ِة بع�ِض‬ ‫�آيات القر آ�ن زادتهم يقين ًا به تعالى‪ ،‬و�أنهم يف ِّو�وضن إ�ليه‬
‫الم ؤ�منين ما جرى من تق�سيم غنائم بدر‪ ،‬هو كحال‬
‫كراهة فريق منهم الخرو َج لقتال الم�شركين ببدر �أ ّول‬ ‫�أمورهم ولا يخ�وشن أ�حداً ولا يرجون إ�لا إ�ياه‪.‬‬
‫ا ألمر‪ ،‬فكما جعل الله في هذا القتال الذي اختاره الله‬
‫لكم خيراً ون�صراً عظيم ًا‪� ،‬سيجعل‪ ‬الله في هذه الق�سمة‬ ‫‪ 3‬و ِمن �صفات الم�ؤمنين أ�نهم ي ؤ�دون ال�صلاة‬
‫خيراً لكم‪ ،‬إ�ذ الخير فيما ق ّدره الله و أ�راده لا فيما تظنون‪.‬‬ ‫المفرو�ضة تا ّمة بفرائ�ضها و�شرائطها وخ�وشعها‪،‬‬

‫‪ 6‬يجادلك بع�ُض أ��صحابك ‪ -‬أ�يها النبي‪ -‬في �ش�أن‬ ‫‪١٧٧‬‬
‫قتال الم�شركين ببدر ‪ -‬ألنهم لم ي�ستعدوا لقتالهم و إ�نما‬
‫خرجوا للإغارة على ِع ْ ِي قري�ش التي فيها تجارتهم‪ -‬بعد‬
‫أ�ن تبين لهم �أن الله وعدهم الن�صر ب إ�خبارك �إياهم بذلك‪،‬‬
‫وكانوا حا َل جدالهم كحال َم ْن يجادل ويمانع َم ْن‬
‫ي�سوقه �إلى الموت‪ ،‬وهو ينظر إ�لى أ��سبابه وقد ح�ضر ْت‪.‬‬

‫‪ 7‬واذكروا �إذ يعدكم الله على ل�سان نبيه ‪- -‬‬
‫�إحدى الطائفتين‪� :‬إ ّما �أَ ْخذ ِعي ِر قري�ش‪ ،‬و إ� ّما قتالهم‬
‫والانت�صار عليهم‪ ،‬و أ�نتم تحبون �أن تظفروا بالعير‪،‬‬
‫لت�صيبوا مال ًا ولا تل َقوا قتالاً‪ ،‬واللهُ يريد �أعظ َم مما‬
‫تريدون‪ ،‬وهو �إعلاء الدين و إ�ظهار الحق‪ ،‬وفوزكم في‬
‫الدارين‪ ،‬وذلك ب�أمره لكم بقتالهم‪ ،‬ويريد �أن ي�ست�أ�صل‬
‫الكافرين‪ ،‬ف�ش ّتا َن بين ما تريدونه وما يريده الله تعالى‪.‬‬

‫‪ 8‬وقد ق ّدر الله كل ما �سبق‪ ،‬ل ُي ْظ ِه َر الإ�سلام ويث ِّب َته‪،‬‬
‫و ُيبطل الكفر و َي َ�ض َعه‪ ،‬ر ْغم ًا عن أ�نوف أ�هل ا إلجرام‬

‫الذين يكرهون الحق ويعادونه ويحاربونه‪.‬‬

‫ب�سبب مخالفتهم ومعاداتهم لله ور�سوله‪ ،‬و َم ْن يعاد اللهَ‬ ‫‪ 9‬واذكروا ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬ت أ�يي َد الله لكم يوم بدر‬
‫ور�سو َله يعاقبه الله عقاب ًا �شديداً‪ ،‬ف�إن الله �شديد العقاب ‪.‬‬ ‫حين دعوتموه ب�إلحا ٍح أ�ن يعينكم وين�صركم على عدوكم‪،‬‬
‫لـ ّمـا علمتم �أنه لابد من قتالهم‪ ،‬ور أ�يتم كثر َة عددهم مع‬
‫‪ 14‬ذوقوا أ�يها الكفار وتج َّرعوا آ�لام ما ع َّجلته لكم‬ ‫ِقلة عددكم‪ ،‬فا�ستجاب الله دعاءكم ب أ�ني ممدكم ب�ألف من‬
‫في الدنيا من القتل وا أل�سر والهزيمة يوم بدر‪ ،‬واعلموا‬
‫أ�ن للكافرين في الآخرة عذاب ًا أ�عظ َم‪ ،‬وهو عذاب النار‪.‬‬ ‫الملائكة ي�أتون ِتباع ًا ُي ْرد ُف بع ُ�ضهم بع�ض ًا‪.‬‬
‫‪ 15‬يا �أيها الذين �آمنوا �إذا لقيتم الكفار مجتمعين‬
‫متوج ِّهين لقتالكم‪ ،‬فلا تو ُّلوهم ظهوركم فا ِّرين منهم‪،‬‬ ‫‪ 10‬واعلموا ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬أ�ن الله ما جعل إ�نزا َل‬
‫الملائكة و�إمدادكم بها إ�لا ب�شار ًة لكم بالن�صر‪ ،‬ول َتط َمئن‬
‫بل قابلوهم وقاتلوهم‪.‬‬ ‫به قلوبكم فيزو َل ما بها من الخوف‪ ،‬واعلموا أ�ن الن�صر‬
‫في الحقيقة إ�نما هو بيد الله‪ ،‬لا ب�شد ِة ب أ�� ٍس ولا بكثر ِة‬
‫‪ 16‬و َم ْن يف َّر ِم ْن قتال الكافرين وق َت قتالهم ‪ -‬إ�لا‬ ‫َعد ٍد‪ ،‬فلا ُتن�صرون �إلا أ�ن ين�صركم الله‪� ،‬إن الله عزيز فلا‬
‫رجل ًا مظهراً الفرار خدع ًة ليرجع َف َي ِك َّر عليهم‪� ،‬أو منحازاً‬
‫�إلى جماعة من الم�سلمين يتقوى بهم ليعاودوا جميع ًا‬ ‫ُينا َزع في حكمه‪ ،‬حكيم في �أفعاله ‪.‬‬
‫القتال‪ -‬فقد رجع هذا الفا ُّر من قتاله م�صحوب ًا بغ�ضب‬
‫من الله‪ ،‬وم�صي ُره في الآخرة جهنم‪ ،‬وبئ�س هذا الم�صير ‪.‬‬ ‫‪ 11‬واذكروا ‪ -‬أ�يها الم�ؤمنون‪ -‬كيف ه ّي�أكم الله للقاء‬
‫عدوكم ب�إلقائه النعا� َس عليكم ليل َة المعركة‪ ،‬لتناموا‬
‫‪١٧٨‬‬ ‫مطمئنين وتن�شطوا للقاء عدوكم‪ ،‬ويذه َب ما في قلوبكم‬
‫من الرهبة‪ ،‬في وقت لا ينام في ِمثله خائ ٌف‪ ،‬وب إ�نزاله‬
‫عليكم من ال�سماء ماء‪ ،‬ليطه َركم به من ال َح َدث والجنابة‬
‫ويذه َب عنكم بذلك و�سو�سة ال�شيطان وتخوي َفه �إياكم‬
‫ِمن العط�ش‪ ،‬وليربط به على قلوبكم فيجع َلها قوية ثابتة‬
‫في الحرب‪ ،‬و ُي َل ِّب َد بهذا المطر الأر�َض فلا َت�ُسوخ فيها‬

‫�أقدامكم وحوافر دوا ِّبكم‪.‬‬

‫‪ 12‬واذكر ‪� -‬أيها النبي‪� -‬إذ يوحي ربك �إلى الملائكة‬
‫الذين أ�م ّدكم الله بهم‪� :‬أني معكم بعوني وت�أييدي‪ ،‬فثبتوا‬
‫الم�ؤمنين على القتال‪ ،‬ب�إلقاء ب�شارات الن�صر في قلوبهم‪،‬‬
‫وبالقتال معهم‪� ،‬س أ�ملُأ قلوب الكافرين بالخوف‬
‫والفزع‪ ،‬فا�ضربوا يا‪ ‬ملائكتي �أعالي أ�عناق الم�شركين؛‬
‫إ�ذ ال�ضربة فيها �أ ْب َلغ في القتل وفي قطع الر أ��س‪ ،‬واقطعوا‬
‫�أطراف �أ�صابعهم؛ لئلا يتمكنوا من الإم�ساك ب أ��سلحتهم‪.‬‬

‫‪ 13‬وهذا الذي حدث للكفار ببدر ِمن إ�لقاء ال ُّرعب في‬
‫قلوبهم و َق ْط ِع �أعناقهم و�أ�صابعهم على هذا النحو �إنما كان‬

‫الله �شيئ ًا ولو ك ُثت‪ ،‬لأن الله مع الم�ؤمنين بن�صره وت أ�ييده‪.‬‬

‫‪ 20‬يا �أيها الذين آ�منوا امتثلوا ما أ�مركم به الله ور�سوله‪،‬‬

‫وانت ُهوا ع ّما نهاكم عنه‪ ،‬ولا تتولوا عن ر�سوله مخالفين‬
‫�َأ ْمره‪ ،‬و�أنتم ت�سمعون ما ُيتلى عليكم في كتاب الله من‬
‫وجوب طاعته والتحذير من مع�صيته‪ ،‬ف إ� ّن هذا لي�س‬

‫�ش أ� َن الم�ؤمنين‪.‬‬

‫‪ 21‬ولا تكونوا ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬بمخالفة ما أ�مرناكم‬
‫به ونهيناكم عنه كالمنافقين والم�شركين الذين قالوا‪:‬‬
‫�سمعنا ب آ�ذاننا‪ ،‬وهم معر�وضن عن َت َد ُّبر ما ي�سمعونه‬

‫وعن امتثاله‪ ،‬فهم بمنزلة َم ْن لا ي�سمع‪.‬‬

‫‪ 22‬إ� ّن �ش َّر َم ْن د َّب على وجه ا ألر�ض‪ ،‬في علم الله‬
‫وحكمه‪ ،‬ال ّ�ص ُّم‪ ،‬وهم الذين �أعر�وضا عن �سماع الحق‬
‫‪ -‬الذين لا ينطقون بالحق‪ -‬فهم لا‬ ‫وعن تدبره‪ ،‬ال ُب ْك ُم‬
‫الله به عليهم ِمن قدر ٍة على الفهم‬ ‫ينتفعون بما تف ّ�ضل‬

‫والبيان‪ .‬والمق�وصد بهم الكفار‪ ،‬جعلهم‪ ‬الله �ش َّر البهائم‬
‫و�أخ�سها لإِبطالهم ما ُميزوا به من العقل و ُف�ضلوا ألجله‪.‬‬

‫‪ 23‬ولو علم الله في ه�ؤلاء المكذبين لله ولر�سوله �صدق ًا‬ ‫‪ 17‬فلم تقتلوا ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬الم�شركين يوم بدر‬
‫في طلب الحق وا�ستعداداً لقبوله‪ ،‬أل�سمعهم �سماع ًا‬ ‫بقوتكم وقدرتكم‪ ،‬ولكن الله هو الذي قتلهم بتثبيته‬
‫ينتفعون به‪ ،‬ولكن لم يعلم الله في نفو�سهم خيراً‪ ،‬فلو‬ ‫إ�ياكم وبن�صركم عليهم‪ ،‬وما كان في َمقدور رمي ِتك‬
‫�أفهمهم الحق حتى �صدقوا به لتو َّلوا بعد ذلك معر�ضين؛‬ ‫‪ -‬أ�يها النبي‪� -‬أن تو�صل التراب �إلى وجوه الم�شركين‬
‫و�أعينهم حين رمي َتهم به‪ ،‬ولكن الله هو الذي �أو�صله‬
‫لغلبة جحودهم وعنادهم ‪.‬‬ ‫ف�شغلهم و�آذاهم‪ ،‬وقد فع َل الله ذلك ل ُينعم على‬
‫الم ؤ�منين بالن�صر والغنيمة‪� ،‬إن الله �سميع لدعائكم‪ ،‬عليم‬
‫‪ 24‬يا أ�يها الذين آ�منوا ا�ستجيبوا لله وللر�سول بالطاعة‬
‫ب�أحوالكم‪.‬‬
‫والانقياد ألمرهما‪� ،‬إذا دعاكم الر�سول لما يحيي قلوبكم‬
‫‪ 18‬هذا الذي �سبق ِمن قتل الم�شركين ورميهم حتى‬
‫وي�صلحكم في الدنيا‪ ،‬ويورثكم نعيم ا آلخرة ‪ -‬وك ُّل‬ ‫انهزموا هو معونتنا لكم �أيها الم�ؤمنون‪ ،‬واعلموا أ�ن الله‬
‫ما يدعوكم �إليه إ�نما هو لذلك‪ -‬واعلموا �أ ّن الله أ�قرب‬
‫�إلى قلوبكم و�أَ ْقدر عليها منكم‪ ،‬فبادروا إ�لى الا�ستجابة‬ ‫ُم�ض ِعف تدبير الكافرين وقوتهم‪.‬‬
‫مخاف َة �أن ُيحال بينكم وبينها‪ ،‬واعلموا أ� ّن َمرجعكم إ�ليه‬
‫‪ 19‬إ� ْن طلبتم يا كفار قري�ش أ�ن يحكم الله بينكم وبين‬
‫وحده فيوفيكم جزاء‪� ‬أعمالكم‪.‬‬ ‫الم�سلمين‪ ،‬فقد جاءكم حكم الله تعالى بن�صره الم�سلمي َن‬
‫عليكم‪ ،‬و إ� ْن تنتهوا عن معاداة الر�سول والم�ؤمنين‬
‫‪ 25‬واحذروا مع�صي ًة لا ي�صيب أ�ث ُرها َم ْن قام بها‬ ‫ومحاربتهم فهو خير لكم‪ ،‬و�إ ْن تعودوا إ�لى ذلك َن ُعد‬
‫فقط‪ ،‬بل يع ُّم ال�صالح منكم وغير ال�صالح‪ ،‬وذلك‬ ‫�إلى إ�هلاككم وهزيمتكم‪ ،‬ولن تنفعكم جماعتكم من‬
‫ك�إقرار المن َكر وترك ا ألمر بالمعروف‪ ،‬واعلموا أ�ن الله‬
‫‪١٧٩‬‬
‫�شديد العقاب لمن خالف �أمره‪.‬‬

‫تلو َت ُه علينا وفهمناه‪ ،‬ولو �أردنا أ�ن ن�أتي بمثله ألتينا‪ ،‬وما‬ ‫‪ 26‬واذكروا يا مع�شر الم ؤ�منين وقت أ�ن كنتم بمكة‬
‫هذا الذي تلوته علينا �إلا ما كتبه ا أل ّولون من الق�ص�ص‬ ‫عدداً قليل ًا‪ ،‬م�ست�ضعفين فيها‪ ،‬تخافون �أن ي�ستولي‬
‫عليكم الم�شركون بها‪ ،‬لا يمنعكم منهم مانع فيقتلوكم �أو‬
‫وا ألكاذيب ولي�س وحي ًا‪.‬‬ ‫يعذبوكم‪ ،‬ف�آواكم الله إ�لى المدينة �آمنين‪ ،‬و أ�يدكم بن�صره‬
‫يو َم بدر‪ ،‬ورزقكم من الغنائم‪ ،‬لعلكم ت�شكرون هذه‬
‫‪ 32‬واذكر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬إ�ذ قال الم�شركون متهكمين‬ ‫النعم الجليلة ‪ .‬وفي هذا التذكير تقوي ٌة لعزم الم ؤ�منين على‬
‫ب َك مبالغين في �إنكارهم �أن يكون هذا القر�آن من‬
‫عند‪ ‬الله‪ :‬ال َّلهم �إن كان هذا القر�آن حق ًا منزل ًا من عندك‬ ‫طاعة الله ور�سوله التي �أمروا بها في ا آليات ال�سابقة‪.‬‬
‫ف�أمطر الحجارة علينا عقوب ًة على �إنكارنا‪ ،‬أ�و ائتنا بعذا ٍب‬
‫�أليم غيره‪ .‬فزادوا بذلك على إ�نكارهم ا�ستعجا َل العذاب‪.‬‬ ‫‪ 27‬يا أ�يها الذين �آمنوا بالله ور�سوله‪ ،‬احذروا أ�ن تخونوا‬
‫الله والر�سول بدلال ِة الم�شركي َن على ما ُيخ ُّل ب�أمنكم‪،‬‬
‫‪ 33‬وما كان الله ليع ِّذب الم�شركين و أ�نت ‪� -‬أيها‬ ‫و�إخبا ِرهم ب أ��سراركم ‪ -‬ويدخل في هذه الخيانة �أي�ض ًا كل‬
‫الر�سول‪ -‬مقيم بين �أظهرهم ‪ -‬وذلك ببركة ُمقام النبي‬ ‫ت�ضييع لأوامر الله ور�سوله‪ -‬وال‪ ‬تخونوا ‪ -‬أ�يها الم�ؤمنون‪-‬‬
‫‪ ‬فيهم‪ -‬وما كان الله مع ِّذ َبهم وهم ي�ستغفرون‪ ،‬أ� َما‬ ‫ما ائ ُت ِمنتم عليه من الأمانات فيما بينكم‪ ،‬و�أنتم تعلمون �أن‬
‫وقد �أ�صروا على ال�شرك وعدم الا�ستغفار فقد ا�ستحقوا‬
‫هذا الفعل خيانة‪ ،‬ف إ�ن ذلك لا يليق ب�أهل الإيمان ‪.‬‬
‫ما نزل بهم من الهزيمة والعذاب يوم بدر‪.‬‬
‫‪ 28‬واعلموا ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪� -‬أن �أموالكم و�أولادكم‬
‫مح ّل اختبار لكم‪ ،‬فلا َيحمل َّنـ ُكم ح ُّبهما على الخيانة‬
‫وت�ضييع ا ألمانات‪ ،‬واعلموا أ�ن الله عنده أ�جر عظيم لمن‬

‫�آثر ر�ضا الله عليهما‪ ،‬وراعى حدوده فيهما‪.‬‬

‫‪ 29‬يا أ�يها الذين آ�منوا �إن تطيعوا �أوامر الله وتجتنبوا‬
‫نواهيه يجع ْل لكم نجا ًة مما تحذرون منه‪ ،‬وهداية في‬
‫قلوبكم ُتف ِّرقون بها بين الحق والباطل‪ ،‬ويغف ْر لكم‬
‫ذنوبكم‪ ،‬وهذا ك ُّل ُه تف ُّ�ضل من الله و�إح�سان‪ ،‬وهو ذو‬

‫الف�ضل العظيم‪.‬‬

‫‪ 30‬واذكر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬نعمتي عليك إ�ذ �أحبط ُت‬
‫ما د َّبره الم�شركون ِم ْن قومك �س ّراً ب�أن يحب�سوك �أو يقتلوك‬
‫�أو يخرجوك من مكة‪ ،‬ويدبرون ويخفون مكايدهم‬
‫ويبطل الله كي َدهم‪ ،‬و ُيخفي ما أ�ع َّد لهم حتى ي�أتيهم‬

‫بغتة‪ ،‬والله خير َم ْن يبطل مكر الماكرين‪.‬‬

‫‪ 31‬و�إذا تتلى على ه�ؤلاء الكافرين �آيات القر�آن‪ ،‬قالوا‬
‫َي ُغ ّرون أ�نف�سهم و َمن اتبعهم على باطلهم‪ :‬قد �سمعنا ما‬

‫‪١٨٠‬‬

‫الجيو�ش لذلك و�إنفاق الأموال عليها‪ ،‬ف�سينفقونها‬ ‫‪ 34‬و�أ ُّي �شيء يمنع عذا َب الل ِه عن ه ؤ�لاء الم�شركين‪،‬‬
‫وي�ستمرون في �إنفاقها‪ ،‬ثم لا تكون عاقب ُة هذا الإنفاق‬ ‫وقد جمعوا مع كفرهم َم ْن َعهم الر�سو َل والم�ؤمنين‬
‫إ�لا الح�سرة والندامة‪ ،‬لأنهم لن ي�صلوا إ�لى ما يريدون‪،‬‬ ‫‪ -‬الذين هم �أَ ْولى بالبيت‪ -‬من الطواف به وال�صلاة‬
‫ثم ينتهي أ�مرهم في الدنيا �إلى الهزيمة والإذلال‪ ،‬و�أ ّما‬ ‫عنده؟! زاعمين �أنهم أ�ولياء َ�أ ْم ِر الحرم‪ ،‬وما كان لهم أ�ن‬
‫في ا آلخرة ف�إن م�صير َمن ا�ستمر على الكفر منهم أ�نهم‬ ‫ي�ستحقوا ولايته مع �شركهم وعداوتهم لدين الله‪ ،‬و�إنما‬
‫ي�ستحقها الذين يتقون ال�شرك والمعا�صي وال‪ ‬يعبدون فيه‬
‫ُيجمعون وي�ساقون �إلى نار جهنم‪.‬‬
‫إ�لا الله‪ ،‬ولكن �أكثر الم�شركين لجهلهم ال‪ ‬يعلمون ‪.‬‬
‫‪ 37‬و َيح�شر الله �إليه يوم القيامة ه ؤ�لاء الذين كفروا‬
‫بربهم‪ ،‬و�أنفقوا �أموالهم لي�صدوا عن �سبيل الله‪ِ ،‬م ْن‬ ‫‪ 35‬ولم يكن دعاء الم�شركين أ�و ما ي�سمونه �صلا ًة‬
‫�َأ ْج ِل �أن يف ّرق بين هذا الفريق الخبيث وبين الم ؤ�منين بالله‬ ‫عند البيت الحرام إ�لا �صفيراً وت�صفيق ًا‪ ،‬ال‪ ‬ا�ست�شعار فيها‬
‫ور�سوله‪ ،‬ف ُيدخل �أه َل ا إليمان والطاعة جناته‪ ،‬ويجمع‬ ‫لعظمة البيت‪ ،‬بل هي �َأ�شبه باللعب‪ .‬فذوقوا ‪� -‬أيها‬
‫الكفار وي�ضم بع�ضهم �إلى بع�ض حتى يتراكموا فوق‬ ‫الم�شركون‪ -‬عذاب القتل والأ�سر الذي نزل بكم يوم بدر‬
‫بع�ضهم من �شدة ازدحامهم فيجعلهم في جهنم جميع ًا‪،‬‬ ‫فقد ا�ستحققتموه ب�سبب كفركم وعنادكم وا�ستهزائكم‬

‫وه�ؤلاء هم الكاملون في‪ ‬الخ�سران‪.‬‬ ‫بالحق الذي جاءكم به محمد‪. ‬‬

‫‪ُ 38‬ق ْل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬ل َّلذين كفروا ِم ْن قومك‪� :‬إ ْن‬ ‫‪� 36‬إ ّن ه�ؤلاء الكفار لا يبذلون أ�موالهم في الخير‪ ،‬و�إنما‬
‫َينتهوا عن عداوتك وقتالك ب أ�ن ُي�سلموا َيغفر الله لهم ما‬ ‫ينفقونها ل�ص ِّد النا�س عن دين الله بمحاربة الر�سول و َج ْم ِع‬
‫�سبق من ذنوبهم وعداوتهم لك‪ ،‬و إ� ْن يعودوا �إلى قتالك‬
‫فقد جرت �ُس َّن ُة الله ب إ�هلاك الذين تح َّزبوا على أ�نبيائه‪،‬‬

‫فليتوقع الكافرون مث َل ذلك‪.‬‬

‫‪ 39‬وقاتلوا ‪ -‬أ�يها الم�سلمون‪ -‬الم�شركين حتى لا تكون‬
‫فتنة‪ ،‬ب�أن لا يقدروا أ�ن ي�ؤذوا أ�حداً من أ�هل الإ�سلام‬
‫لير ُّدوه عن دينه‪ ،‬أ�و ي�سلبوه حقه �أو ي�صدوا غيرهم عن‬
‫الدخول في دين الله‪ ،‬وحتى تكون الطاعة والعبادة لله‬
‫وحده فلا ُيعبد ِم ْن دونه �شيء‪ ،‬ف�إن انتهوا عن كفرهم‬
‫وما يتبعه من أ�ذى الم�ؤمنين‪ ،‬فك ّفوا �أيديكم عنهم و�إن لم‬
‫تعلموا بواطنهم‪ ،‬ف�إ ّن الله تعالى لا يخفى عليه �شيء من‬

‫أ�عمالهم‪ ،‬و�سيجازيهم عليها بما ي�ستحقون‪.‬‬

‫‪ 40‬و�إن ا�ستمر ه ؤ�لاء الم�شركون على خلافكم‬
‫ومحاربتكم فقاتلوهم‪ ،‬واعلموا �أَن الله نا�صركم ف ِثقوا‬
‫به‪ ،‬و أ�نه نعم المولى فلا ي�ضيع َمن تلاوه‪ ،‬و ِنعم الن�صير فلا‬

‫ُيغ َلب َمن ن�صره‪.‬‬

‫‪١٨١‬‬

‫‪ 41‬واعلموا ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬أ�ن الله تعالى ق�َّسم‬
‫ما غنمتموه من �أموال الكفار بالقتال في �سبيل الله‪:‬‬
‫�أربع َة �أخما� ٍس للغانمين الذين �شهدوا المعركة‪ ،‬وال ُخم�س‬
‫الباقي يق�ّسم خم�س َة �أ�سهم‪َ� :‬س ْه ٌم لله وللر�سول‪ ،‬و�سهم‬
‫لقرابته ‪ ،‬و�سهم لليتامى‪ ،‬و�سهم ألهل الحاجة من‬

‫الم�سلمين‪ ،‬و�سهم لابن ال�سبيل ‪ -‬وهو الم�سافر المحتاج‬
‫للنفقة‪ -‬وما ُج ِع َل �سهم ًا لله ور�سوله مردو ٌد على‬
‫الم�سلمين ي�ضعه الر�سو ُل أ�و ا إلما ُم م ْن َبعده فيما يراه‬
‫من م�صالح الم�سلمين العامة‪ ،‬ف�أطيعوا ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪-‬‬
‫و�َس ِّلموا ا ألمر لله في تق�سيم الغنيمة وا ْر َ�ضوا به‪� ،‬إن كنتم‬
‫�آمنتم بالله تعالى وبما أ�نزلنا على عبدنا محمد من الآيات‬

‫والم�ؤيِّدات يو َم َب ْد ٍر الذي �أظهر الله فيه الحق على الباطل‪،‬‬
‫ِيق َّلوِتمكالتم‪،‬قىوال َلجه ْم ُععلكىمكولج�شمعيءالقكدايفرر‪.‬ين‪ ،‬فن�صركم عليهم مع‬

‫كان الم�شركون ِق ّلة باعتبار ما �أ َّيد الله الم�سلمين به‪ -‬ولو‬ ‫‪ 42‬واذكروا ‪ -‬أ�يها الم�ؤمنون‪ -‬وق َت نزولكم ببد ٍر‬
‫�أرا َك ُه ْم كثيراً َلها َب الم�سلمون ا إلقدام عليهم ولاختلفوا‬ ‫بجانب الوادي ا ألدنى ِمن المدينة و أ�نتم عد ٌد قليل في‬
‫في �أمر القتال‪ ،‬ولكن الله أ�نعم عليكم بال�سلامة من ذلك‬ ‫مكان لا ماء فيه‪ ،‬ولا تكاد َتثبت فيه الأقدام‪ ،‬وعد ّوكم‬
‫بما أ�راك في منامك‪ ،‬إ�ن الله عليم بما �سيكون في ال�صدور‬ ‫بالجانب الأق�صى منه مما يلي مكة وهم عدد كثير والماء‬

‫من الخواطر‪ ،‬فق َّدر لكم ما ق َّدر‪.‬‬ ‫عندهم و�أر ُ�ضهم أَ� ْثب ُت من أ�ر�ضكم‪ ،‬و َر ْك ُب تجارة قري�ش‬
‫في مكا ٍن أ��سفل منكم على �ساحل البحر‪ ،‬لي�سوا منكم‬
‫‪ 44‬واذكروا ‪ -‬أ�يها الم�ؤمنون‪ -‬وق َت �أن �أراكم الله‬
‫الم�شركين ب أ�عينكم عدداً قليل ًا رغم َكثرتهم‪ ،‬وق َّللكم في‬ ‫ببعيد‪ ،‬وقد �أ�ص َّر الكفار على قتالكم مع نجاة ِع ْ ِيهم‬
‫�أعين الم�شركين َقبل بد ِء القتال حتى َي َتج ّر ؤ�وا عليكم ولا‬ ‫إ�ظهاراً لقوتهم‪ ،‬ولو تواعدتم أ�نتم وهم على القتال‬
‫ي�ستعدوا لكم ‪ -‬فل ّما بد�أ القتال فاج أ�هم الله ب�أن ك َّ َثكم‬
‫في �أعينهم فهابوكم‪ -‬ل ُيظهر الله بذلك �أمراً قد ق�ضاه‪،‬‬ ‫ل َع َر�َض لكم من الموانع وال�وصارف ما يمنعكم من اللقاء‬
‫وهو إ�عزا ُز ا إل�سلام و أ�ه ِله و إ�ذلا ُل الكفر و أ�هل ِه‪ ،‬والله‬ ‫في الميعاد‪ ،‬ولقد َج َمعكم‪ ‬الله على غير ميعاد ليق�ضي ما‬
‫أ�راد بقدرته من ن�صر �أوليائه وقهر �أعدائه‪ ،‬لتت�ضح الـ ُح َّجة‬
‫ي�ص ّرف ا ألمور ك ّلها كيف ي�شاء‪.‬‬ ‫للكفار في�ستمر على الكفر َمن ا�ستمر عليه منهم وهو‬
‫ويهتدي َمن اهتدى‬ ‫�أمره �أنه على باطل‪،‬‬ ‫من‬ ‫على ب�صيرة‬
‫‪ 45‬يا �أيها الذين �آمنوا �إذا لقيتم جماعة من الم�شركين‬ ‫الحق‪� ،‬إن الله �سميع‬ ‫�أن ا إل�سلام هو دين‬ ‫من‬ ‫عن ُحـ َّجـ ٍة‬
‫للقتال ف ْاثبتوا ولا ت ِف ّروا‪ ،‬و�أكثروا من ذكر الله والا�ستعانة‬
‫لدعائكم‪ ،‬علي ٌم بنياتكم‪ ،‬ولا تخفى عليه خافية‪.‬‬
‫به‪ ،‬لعلكم تظفرون بن�صر الله وثوابه‪.‬‬
‫‪ 43‬واذكر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬نعم َة الله عليكم إ�ذ ُيريك‬
‫‪١٨٢‬‬ ‫الم�شركين في منامك عدداً قليل ًا‪ ،‬ف�أخبر َت الم�سلمين‬
‫بذلك َف َقوي ْت نفو�سهم وتجر�ؤوا على قتالهم ‪ -‬وقد‬

‫ذلك وقال لهم‪ :‬لا غالب لكم اليوم من الم�سلمين أ�و‬ ‫‪ 46‬والت ِزموا ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪ -‬طاع َة الله ور�سوله‬
‫غيرهم‪ ،‬و�إني معكم ُأ�جيركم و أَ�حميكم مما تحذرونه‪،‬‬ ‫في جميع �أحوالكم ولا تخالفوا أ�مرهما في �شيء‪ ،‬ولا‬
‫ف�ساروا مطمئنين‪ ،‬فلما التقوا ور أ�ى ال�شيطان إ�مدا َد‬ ‫تختلفوا فيما بينكم لئلا تختلف قلو ُبكم‪ ،‬فيكون �سبب ًا‬
‫الم�سلمين بالملائكة‪ ،‬خاف وو ّلى مدبراً ف َخ َذلهم بعد‬ ‫في �ضعفكم ودخو ِل الو َهن عليكم‪ ،‬و َذهاب َغ َلبتكم‬
‫ا�ستدراجهم‪ ،‬وقال‪� :‬إني بريء من ِجواركم و ُن�صرتكم‪،‬‬ ‫وقو ِتكم‪ ،‬وا�صبروا على �شدائد الحرب‪ ،‬إ�ن الله مع‬
‫�إني �أرى ما لا ترون من الملائكة‪� ،‬إني �أخاف �أن ي�صيبني‬
‫عذاب من الله‪ ،‬والله �شديد العقاب‪ .‬ف َ�ص َدق وهو َكذوب‪.‬‬ ‫ال�صابرين بن�صره ومعونته‪.‬‬

‫‪ 49‬واذكروا ‪ -‬أ�يها الم�ؤمنون‪ -‬لتعتبروا حين قال‬ ‫‪ 47‬واحذروا ‪ -‬أ�يها الم�ؤمنون‪ -‬أ�ن تكونوا مثل‬
‫المنافقون بالمدينة والذين لم تطمئن قلوبهم بع ُد با إليمان‬ ‫ه�ؤلاء الكفار الذين خرجوا من ديارهم إ�لى َب ْد ٍر فخراً‬
‫ل ُ�شبه ٍة أ�و غيرها‪ :‬غ َّر ه�ؤلاء الم�سلمين دي ُنهم‪ ،‬فدخلوا‬ ‫وطغيان ًا بما هم فيه من قوة ونعمة‪ ،‬وليراهم النا�س فيثنوا‬
‫فيما لا طاقة لهم به من قتال قري�ش‪ ،‬ف�أجابهم الح ُّق تعالى‬ ‫عليهم بال�شجاعة‪ ،‬و ِل َيمنعوا النا�س عن الدخول في‬
‫ب�أن َم ْن يث ْق بالله ويفو�ض �أمره �إليه ين�ص ْره‪ ،‬ف�إنه تعالى‬ ‫دين الله‪ ،‬ولكن ات ُقوا الله ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬و أ�خل�وصا‬
‫عزيز لا َيذل َمن ا�ستجار به‪ ،‬له الحكمة البالغ ُة التي َت ْق�صر‬ ‫له جميع �أعمالكم‪ ،‬والله عليم ب ُ�سوء فعل ه�ؤلاء الكفار‬

‫عنها العقول‪ ،‬فلا توه ْنكم �أقوا ُل �أمثال ه�ؤلاء‪.‬‬ ‫و�ُسوء ق�صدهم‪.‬‬

‫‪ 50‬ولو عاين َت ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬حا َل الكافرين حين‬ ‫‪ 48‬واذكر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬حين ح�َّس َن ال�شيطا ُن‬
‫تقب�ض الملائكة �أرواحهم‪ ،‬لر أ�يت �أمراً فظيع ًا؛ إ�ذ ي�ضربون‬ ‫للم�شركين خرو َجهم لقتالكم وحربكم و�ش َّجعهم على‬
‫وجوههم وظهورهم‪ ،‬ويقولون لهم‪ :‬ذوقوا عذاب‬
‫الحريق‪ .‬وهذه ا آلية و�إن نزلت في قتلى الم�شركين ببدر‬ ‫‪١٨٣‬‬

‫فهي عامة في جميع الكفار‪.‬‬

‫‪ 51‬وتقول الملائكة للكافرين حين تتوفاهم على هذا‬
‫النحو الفظيع‪ :‬إ� ّن هذا الجزاء ب�سبب كفركم ومعا�صيكم‬

‫في حياتكم الدنيا‪ ،‬والله لا يظلم �أحداً ِم ْن خلقه‪.‬‬

‫‪ 52‬و�ش�أ ُن ه ؤ�لاء الكفار من أ�هل مكة في كفرهم وما‬
‫ج َّر لهم من العذاب ‪ -‬كما ح�صل ببدر‪ -‬هو ك�ش�أن قوم‬
‫فرعون و َم ْن قبلهم من الأمم ال�سابقة حين َجحدوا ب�آيات‬
‫الله الدال ِة على وحدانيته والمنزل ِة على ر�سله ف�أخذهم الله‬
‫بالعذاب‪ ،‬ف ِكل َا الجزا َءين كان ب�سبب كفرهم‪� ،‬إن الله‬

‫قوي فلا يغلبه غالب‪� ،‬شديد العقاب لمن كفر ب آ�ياته‪.‬‬

‫‪ 53‬هذا العذاب الذي ح َّل بم�شركي مكة ببدر‪ ،‬ح َّل‬
‫بهم ب�سبب كفرهم وطغيانهم‪ ،‬ألنه تعالى قد َج َر ْت �ُس َّنته‬
‫�أن لا َي�سلب نعمة أ�نعمها على قوم �أو ُيبدلها ب ِن ْقمة‪ ،‬حتى‬
‫يت�سببوا هم في تغييرها‪ ،‬بمعا�صيهم وكفرانهم لنعمه‪،‬‬
‫فيجازيهم الله بعدله‪ ،‬ويعاملهم بما ي�ستحقون‪� .‬إن الله‬
‫�سميع لما يقولون‪ ،‬عليم لا يخفى عليه �شيء مما يعملون‪.‬‬

‫عليهم‪،‬‬ ‫ربهم‬ ‫بت‪4‬ك‪5‬ذيبهومحابمُلحكمف ٍادِر قري‪،�‬شوبحاينآلياغ ّيتواالندعالمةة‬
‫�صدقه‪،‬‬ ‫على‬

‫وعقاب الله لهم على ذلك هو ك َحا ِل �آل فرعون و َم ْن‬
‫قبلهم من الأمم‪ ،‬حين غ ّيوا نعمة الله ب�أن ك ّذبوا ب أ�نبيائهم‬
‫وبالآيات الدال ِة على �صدقهم‪ ،‬فعاقبهم الله ب أ�ن �أهلك‬

‫هذه ا ألمم‪ ،‬و أ�غرق قو َم فرعون‪ ،‬وك ُّل ه�ؤلاء كانوا‬
‫ظالمين‪.‬‬

‫‪ 59‬ولا يظ َّن َن الذين َ َنوا من القتل يوم بدر من‬ ‫‪ 55‬إ� ّن �ش َّر َم ْن َي ِد ّب على الأر�ض من المخلوقات‬
‫الكفار‪ ،‬أ�نهم قد �أفلتوا فلا َن ْقدر عليهم‪ ،‬بل هم تحت‬ ‫في حكم الله تعالى‪ :‬الكفا ُر الم�صرون على كفرهم‬
‫وتماديهم في �ضلالهم‪ ،‬فلا يرجعون عن كفرهم ولا‬
‫قهرنا فلا ُيعجزوننا �إذا �أردنا تعذي َبهم و�إهلاكهم‪.‬‬
‫ُيرجى منهم إ�يمان‪.‬‬
‫‪ 60‬و أ� ِع ُّدوا ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬لمواجهة �أعدائكم ما‬
‫تقدرون عليه ِمن ال ُع ّدة التي تتقوون بها على القتال‪،‬‬ ‫‪ 56‬و�ش ُّر ه�ؤلاء الكفار ‪ -‬الذين هم �شر الدواب‪:-‬‬
‫وخا�صة الخي َل التي ُتربط للقتال في �سبيل الله ‪ -‬ويدخل‬ ‫الذين �أَخ ْذ َت عليهم ‪ -‬يا محمد‪ -‬عهودهم ب�أن لا‬
‫فيها الآن ك ُّل ما في معناها من الآلات وال�سلاح‪-‬‬ ‫يحاربوك ولا ُيعينوا �أعداءك عليك ثم ينق�وضنها في‬
‫لتخ ّوفوا بذلك عدو‪ ‬الله وعدوكم من م�شركي مكة‪،‬‬ ‫كل مرة‪ ،‬ولا يخافون عقاب الله في نق�ضهم العهد‪.‬‬
‫و�آخرين لا تعلمونهم ‪ -‬من قبائل العرب والمنافقين‬
‫واليهود وغيرهم‪ -‬ولك ّن‪ ‬الله يعل ُمهم‪ ،‬و�أ ُّي �شيء‬ ‫والمق�وصد بهم يهود بني قريظة و ُن َظرا ؤ�هم‪.‬‬
‫تنفقونه في �سبيل إ�علا ِء كلم ِة الله ولو كان ي�سيراً يوفيكم‬
‫‪ 57‬ف�إذا لقي َت ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬ه�ؤلاء الناكثين‬
‫الله جزاءه كامل ًا‪ ،‬ولا ُتن َق�وصن من ثوابكم �شيئ ًا‪.‬‬ ‫لعهودك في الحرب‪ ،‬فا�ش ُد ْد عليهم ون ِّكل بهم تنكيل ًا‬
‫يزجر ويف ِّر ُق غيرهم من �أعدائك الذين بينك وبينهم‬
‫‪ 61‬و�إ ْن ما َل �أعدا ؤ�ك إ�لى ال�صلح والـ ُم�سالمَة معك‬ ‫عهد‪ ،‬ع�سى �أن ي َّذكروا فلا يتجر�ؤوا على نق�ض عهدك‪.‬‬
‫‪� -‬أيها النبي‪ -‬و َط َلبوه منك‪ ،‬فاق َبله منهم‪ ،‬وف ّو�ض أ�م َرك‬
‫‪ 58‬و إ�ذا علم َت ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬بواد َر غد ٍر وخيانة‬
‫�إلى‪ ‬الله‪ ،‬إ�نه هو ال�سميع العليم‪.‬‬ ‫ِمن قوم ِمن المعا ِهدين لك بما ظهر لك من الدلائل‬
‫وا أَلمارات‪ ،‬ف�أخبرهم �إخباراً وا�ضح ًا ب َف�سخك لهذا‬

‫العهد‪ ،‬ولا ت ْفج أ�هم بالحرب قبل ذلك حتى لا ُتن�سب‬
‫إ�ليك �شائب ُة غد ٍر‪� ،‬إن الله لا يحب الخائنين‪.‬‬

‫‪١٨٤‬‬

‫منهم ع�شرون ثابتون في القتال ُمحت ِ�سبون َي ْغلبوا مئتين‬ ‫‪ 63 62‬و إ�ن ُيرد ه ؤ�لاء ا ألعداء �أن يخدعوك‬
‫من الكفار بت أ�ييدنا لكم‪ ،‬و�إن يكن منهم مئة �صابرة‬ ‫ب إ�ظهارهم ال ُّ�صلح و إ��ضمار الغدر‪ ،‬ف إ�ن الله كافيك‬
‫ُمحت ِ�سبة َيغلبوا �ألف ًا من الكافرين‪ ،‬ذلك لأن الكفار قوم‬ ‫�شرو َرهم‪ ،‬فهو الذي �أيدك بن�صره يوم بدر‪ ،‬و أ�يدك‬
‫جهلة بالله واليوم ا آلخر‪ ،‬فلا يقاتلون احت�ساب ًا ولا طل َب‬ ‫بالم ؤ�منين من المهاجرين وا ألن�صار‪ ،‬و�أيدك بالت أ�ليف‬
‫بين قلوب الم�ؤمنين‪ ،‬على ما كان بينهم من العداوات‬
‫ثواب‪ ،‬و�إنما يقاتلون َحم ّي َّة‪ ،‬في ِق ّل ثباتهم‪  ‬إ�ذا �صبرتم‪.‬‬ ‫والبغ�ضاء‪ .‬ولو أ�نفق َت جميع ما في الأر�ض من مال‬
‫لتفعل ذلك ما ا�ستطع َت‪ ،‬ولكن‪ ‬الله أ� ّلف بينهم با إليمان‬
‫‪ 66‬الآن َر َفع الله عنكم ‪ -‬أ�يها الم�ؤمنون‪ -‬ما فيه‬ ‫بالله ور�سوله‪� ،‬إنه عزيز فلا ي�ستع�صي عليه �شيء‪ ،‬حكيم‬
‫م�شقة عليكم ِلعلمه ب�أن فيكم �ضعف ًا‪ ،‬ف إ� ْن يكن منكم‬
‫‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬مئ ٌة �صابرة في القتال يغلبوا مئتين من‬ ‫في تدبيره وفي كل ما �أمر به ونهى‪ ‬عنه‪.‬‬
‫الكافرين‪ ،‬و�إن يكن منكم �ألف �صابرون يغلبوا �ألفين‬
‫‪ 64‬يا أ�يها النبي إ�ن الله كافيك جميع أ�مرك وم ؤ�ي ُد َك‬
‫من الكفار‪ ،‬ب�أ ْمر الله وتي�سيره‪ ،‬والله مع ال�صابرين بن�صره‬ ‫على عد ّوك‪ ،‬و إ�ن َك ُثوا‪ ،‬وهو كافي َمن اتبعك ِمن‬
‫وت أ�ييده‪ .‬والمراد بال َغ َلبة في ا آليتين‪ :‬الثبات وعدم الفرار‪،‬‬
‫الم ؤ�منين ونا�ص ُرهم على عدوهم‪.‬‬
‫ف َم ْن ف ّر ِمن اثنين فقد ف َّر‪ ،‬و َمن ف ّر ِمن ثلاثة فما ف ّر‪.‬‬
‫‪ 65‬يا �أيها النبي با ِل ْغ في َح ّث الم ؤ�منين على قتال‬
‫‪ 67‬ما �ص َّح لنب ٍّي من الأنبياء ولا ا�ستقا َم أ�ن يكون له‬ ‫عدوهم‪ ،‬و�ْأ ُم ْرهم بالثبات �أمامهم‪ ،‬و َب�ِّشهم ب�أنه إ�ن يكن‬
‫أ��سرى حرب ُيبقيهم لأخذ الفداء �أو الم ِّن بالعفو عنهم قبل‬
‫أ�ن ُيبالغ في قتل الكفار ِل ُيذلهم و ُي�ضعف حزبهم‪ ،‬ت�ؤثرون‬ ‫‪١٨٥‬‬
‫‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬فداءهم على قتلهم ابتغاء عر�ض زائل‪،‬‬

‫والله يريد لكم ثوا َب ا آلخرة بقهركم لهم و َن ْ�ص دينه‪،‬‬
‫والله عزيز ين�صر �أولياءه‪ ،‬حكيم في تدبيره م�صال َح عباده‪.‬‬

‫‪ 68‬للاو ق�ضاء ِمن الله �سبق في ِح ِّل الغنائم لكم‪ ،‬و أ�نه‬

‫لا ي ؤ�اخذ قوم ًا حتى يب ّي لهم‪ ،‬أل�صابكم ب�سبب ما‬
‫أ�خذتم ِمن الفداء عذا ٌب عظي ٌم‪.‬‬

‫‪ 69‬ف ُكلوا ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬مما غنمتم من الغنائم‬
‫وفدا ِء ا أل�سرى حلال ًا طيب ًا‪ ،‬واتقوا الله في جميع �أموركم‪،‬‬

‫�إن الله غفور رحيم‪.‬‬

‫وبين �أقاربكم من الكفار َت�ص ْل فتنة عظيمة‪ ،‬وهي‬ ‫‪ 70‬يا �أيها النبي ُق ْل لأ�سرى َبدر الذين هم في أ�يديكم‬
‫�ضع ُف الإيمان و أ�هل ِه‪ ،‬وظهو ُر الكفر و أ�هل ِه‪ ،‬ويح�ص ْل‬ ‫و أ�خذتم الفداء منهم‪ :‬إ� ْن �أ�سلمتم و َع ِلم الله في قلوبكم‬
‫ِ�صد َق إ�يمان يع ّو ْ�ضكم في هذه الدنيا رزق ًا خيراً و أ�نفع‬
‫ف�ساد كبير في الدين والدنيا‪.‬‬ ‫لكم من الفداء الذي أُ�خذ منكم‪ ،‬ويغف ْر لكم ما قد‬
‫�سلف من ذنوبكم‪ ،‬فلا ي�ؤاخذكم بها‪ ،‬والله غفور‬
‫‪ 74‬والمهاجرون الذين �آمنوا وهاجروا وجاهدوا في‬
‫�سبيل الله‪ ،‬وا ألن�صار الذين آ�ووا المهاجرين ون�صروهم‪،‬‬ ‫لذنوب عباده إ�ن تابوا و�آمنوا‪ ،‬رحي ٌم ب�أهل طاعته‪.‬‬
‫أ�ولئك ُهم الكاملون في �إيمانهم حق ًا‪ ،‬لهم مغفرة‬
‫‪ 71‬و�إ ْن ُي ِرد ه ؤ�لاء الأ�سرى أ�ن يخدعوك ‪ -‬أ�يها‬
‫لذنوبهم‪ ،‬ورز ٌق كريم في الجنة‪.‬‬ ‫النبي‪ -‬ب إ�ظهار الإ�سلام مخادع ًة‪� ،‬أو بالعودة �إلى قتالكم‬
‫بعد أ�ن َ�أخذت عليهم العهد أ� ّل يعودوا �إلى ذلك‪ ،‬ف�إن‬
‫‪ 75‬والذين آ�منوا ِم ْن َبعد ما ب َّين ُت لكم أ�حكام‬ ‫الله �سيم ِّكنك منهم و َيكفيك �شرهم‪ ،‬فقد خانوا الله‬
‫الموالاة بينكم وبين من لم يهاجر من الم ؤ�منين‪ ،‬ول ِحقوا‬ ‫ِمن قبل ذلك بكفرهم به‪ ،‬ف�أَ ْمكن الله منهم بالأَ�سر يوم‬
‫بالمهاجرين ا أل ّولين والأن�صار وجاهدوا معكم‪ ،‬فه�ؤلاء‬ ‫بدر‪ ،‬والله عليم بما في نياتهم‪ ،‬حكيم في معاملتهم على‬
‫منكم‪ ،‬ي�ستحقون ما ت�ستحقونه من الموالاة وال ُّن�صرة‬
‫وكمال ا إليمان والمغفرة والرزق الكريم‪ ،‬و أُ�ولو القربى‬ ‫ح�سب ما يعلم منهم‪.‬‬
‫من الم�ؤمنين بع ُ�ضهم َ�أ ْولى ببع�ض في الميراث‪ ،‬في حكم‬
‫‪ 72‬إ� ّن المهاجرين الذين �ص َّدقوا بالله وبر�سوله ‪‬‬
‫الله و�َ ْشعه‪� ،‬إن الله عليم بما ي�صلح حال عباده‪.‬‬ ‫وهجروا ديارهم و�أموالهم وقو َمهم طلب ًا لما عند الله‬
‫وطاع ًة لر�سوله‪ ،‬والأن�صا َر الذين آ�ووا ر�سول الله‬
‫والمهاجرين في ديارهم ون�صروهم على أ�عدائهم‪،‬‬

‫ه ؤ�لاء فريق واحد ُيعين بع ُ�ضهم بع�ض ًا و َي ِر ُث بع�ضهم‬
‫بع�ض ًا ‪ -‬وقد ُن ِ�س َخ هذا التوارث‪ -‬و�أما الذين �آمنوا ولم‬
‫يهاجروا فلا يح ُّل لكم �أن ترثوهم ولا �أن تنا�صروهم‬

‫حتى يهاجروا إ�لى المدينة‪ ،‬و إ�ن طلبوا منكم ُن�صرتهم‬
‫بما ٍل �أو قتال على قوم فتنوهم في دينهم خا�صة‪،‬‬

‫ف�أعينوهم �إلا �أن َي�ستن�صروكم على قوم بينكم وبينهم‬
‫عهد فلا تن�صروهم عليهم‪ ،‬والله بما تعملون ب�صير فلا‬

‫تتعدوا حدوده‪.‬‬

‫‪ 73‬و أ� ّما الكافرون فبع ُ�ضهم �أعوان بع�ض‪ -‬فلا‬
‫موالا َة بينكم وبينهم ولا ميراث‪ -‬و�إذا لم تفعلوا ‪� -‬أيها‬
‫الم ؤ�منون‪ -‬ما أ�ُمرتم به ِمن التوا�صل والتوارث فيما بينكم‬
‫ومن موالاة الم�ؤمنين و ُن�صرتهم‪ ،‬و َق ْط ِع العلائق بينكم‬

‫‪١٨٦‬‬

‫ب أ�ن َيع َلموا �أن الله قد َب ِرئ ِمن عهود الم�شركين وبرئ‬
‫ر�سو ُل ُه منها‪ ،‬ف�إ ْن ُتبتم ‪ -‬أ�يها الم�شركون‪ِ -‬من �شرككم‬

‫وذلك با إليمان بالله و�سوله‪ ،‬فهو �أنفع لكم‪ ،‬و إ�ن توليتم‬

‫عن الإيمان فاعلموا �أنكم لا ُت ْف ِلتون من الله‪ ،‬و�أن ِذ ْر‬
‫‪� -‬أيها الر�سول‪َ -‬من لم ي ؤ�من منهم ب�أن لهم عذاب ًا �أليم ًا‪،‬‬
‫وهو عذاب القتل وا أل�سر في الدنيا‪ ،‬والنار في الآخرة‪.‬‬

‫‪ 4‬و�أ ّما الذين عاهدتم من الم�شركين فلم َينق�وصا من‬
‫َعهدهم �شيئ ًا‪ ،‬ولم يعاونوا عليكم �أحداً من أ�عدائكم‪،‬‬
‫فلا تعاملوهم معامل َة الناكثين‪ ،‬بل أ�وفوا لهم بعهدهم‬

‫إ�لى انتهاء م ّدته ولو كانت فوق أ�ربعة �أ�شهر‪ ،‬ألن الله‬
‫يحب المتقين‪ ،‬ووفا�ؤكم لهم ِمن تقوى الله‪.‬‬

‫‪ 5‬ف إ�ذا َم َ�ضت الأ�شهر ا ألربعة التي أ�بيح للم�شركين‬ ‫‪ 1‬هذه َبراءة من الله ور�سوله ِمن المعاهدات التي‬
‫الناكثين للعهود �أن ي�سيحوا خلالها في ا ألر�ض‪،‬‬ ‫عاهد ر�سو ُل الله ‪ ‬عليها الم�شركين‪ ،‬وهي �َأ ْم ٌر من الله‬
‫فاقتلوهم في أ�ي مكان وجدتموهم فيه‪ ،‬و أ�ْ�ِسوهم‪،‬‬ ‫إ�لى الم�ؤمنين ب َن ْب ِذها والتحلل منها‪ .‬وكان ذلك ب�سبب‬

‫وامنعوهم من الت َق ُّلب في البلاد إ�لا ب�إذنكم‪ ،‬وتر ّب�وصا‬ ‫نق�ض الم�شركين لها‪.‬‬
‫لهم في المرا�صد والم�سالك التي َت ْرقبونهم فيها‪ ،‬ف إ�ن تابوا‬
‫عن ال�شرك بالله‪ ،‬ف�آمنوا وفعلوا ما ي ِّ�صدق �إيمانهم من‬ ‫‪ 2‬ولكم‪�-‬أيهاالم�شركون‪-‬بعدهذهالبراءة ُمهلة�أربعة‬
‫�إقا ِم ال�صلاة و إ�يتا ِء الزكاة‪ ،‬فاتركوهم ولا تتعر�وضا لهم‬ ‫�أ�شهر ت�سيرون فيها في ا ألر�ض حيث �شئتم وتدبرون فيها‬
‫ألنف�سكم‪ ،‬آ�منين لا ُي�صيبكم ِمن الم�سلمين أ�ذى‪ ،‬واعلموا‬
‫ب�شيء‪ ،‬ألن الله وا�سع المغفرة والرحمة لمن تاب و أ�ناب‪.‬‬ ‫‪� -‬أيها الم�شركون‪� -‬أنكم لا تفلتون من عقاب الله و�إ ْن‬
‫أ�مهلكم ف�إنكم في �سلطانه‪ ،‬وهو ُمذ ّلكم و ُمهينكم بالقتل‬
‫‪ 6‬و�إ ْن َط َل َب منك ‪� -‬أيها الر�سول‪� -‬أح ُد الم�شركين‬ ‫والأ�سر في الدنيا‪ ،‬وبالعذاب في ا آلخرة ب�سبب كفركم‪.‬‬
‫‪ -‬الذين أ�ُمر َت بقتالهم‪ِ -‬جوا َر َك و أ�مانك ف أ� ِّمنه حتى‬
‫ي�سم َع كلام‪ ‬الله ويتدبره وي َّطل َع على حقيقة دينك لعله‬ ‫‪ 3‬وهذا �إعلا ٌم عا ٌّم من الله ور�سوله إ�لى جميع النا�س‬
‫ُي�سلم‪ ،‬ف�إن لم ُي�سلم ف�أ ِع ْده ِمن حيث �أتى‪ ،‬دون أ�ن‬ ‫م ؤ�م ِنهم وكافرهم في يوم الحج ا ألكبر ‪ -‬وهو يوم عرفة‪-‬‬
‫يتعر�ض له �أحد من الم�سلمين ب أ�ذى‪ ،‬وقد �أمر ُتك بذلك‬

‫لأنهم قوم لا يعلمون ما الإيمان وما حقيق ُة ما تدعوهم‬

‫إ�ليه‪ ،‬لعلهم ي�ؤمنون‪.‬‬

‫‪١٨٧‬‬

‫‪ 7‬أ� ّنى يكون للم�شركين عه ٌد عند الله وعند ر�سوله‬
‫و�أكث ُرهم قوم يغدرون وينق�وضن العهود؟! فلا َع ْه َد‬
‫لهم عندكم ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬ولكن الذين عاهدتم من‬

‫الم�شركين عند الم�سجد الحرام ثم لم ينق�وضا ولم ينكثوا‬

‫ف�أوفوا لهم بعهودهم ما داموا ملتزمين لكم بما يلزم‪،‬‬
‫وهذا الوفاء ِمن التقوى‪ ،‬والله يحب المتقين‪.‬‬

‫وقادتهم؛ ف�إنهم لا عهود لهم‪ ،‬لعلهم بذلك ينتهون عن‬ ‫‪ 8‬كيف ي�ستح ُّق ه�ؤلاء الم�شركون أ�ن يكون لهم َع ْهد‬
‫عند الله وعند ر�سوله‪ ،‬وهم إ�ن تكن ال َغ َلبة لهم لن يراعوا‬
‫الكفر و َن ْق�ِض العهد والطعن في الإ�سلام‪.‬‬ ‫فيكم قراب ًة ولا عهداً ولا حق ًا؟! يقولون ب�أل�سنتهم ما‬
‫لي�س في قلوبهم إ�ر�ضاء لكم‪ ،‬و أ�كث ُرهم خارجون عن‬
‫‪ 13‬أ�لا ُتقاتلون ‪ -‬أ�يها الم�سلمون‪ -‬ه ؤ�لاء الم�شركين‬
‫الح ِّق‪ ،‬لا عقيد َة تز ُجرهم‪ ،‬ولا مروءة َتردعهم‪.‬‬
‫الذين نق�وضا عهودهم معكم‪ ،‬وهم بد ؤ�وكم بالـ ُمعاداة‬
‫والقتال‪ ،‬و َع َزموا على إ�خراج النبي من المدينة ‪� -‬أو ِم ْن‬ ‫‪ 9‬ا�ْستب َدلوا باتباع آ�يا ِت القر�آن التي فيها هداي ُتهم‬
‫مكة حين الفتح في حال انت�صارهم عليكم وتم ُّكنهم‬ ‫ونجاتهم َع َر�ض ًا ي�سيراً‪ ،‬وهو ما تل َّه ْوا به من أ�مور الدنيا‬
‫الخ�سي�س ِة واتباع الهوى‪ ،‬ف�أع َر�وضا بذلك عن �سبيل‬
‫منكم‪ -‬و َم ْن كان كذلك فهو َحقي ٌق �أن لا ُيتوانى في‬ ‫الله و َ� َصفوا غيرهم عنه‪ ،‬وبئ� َس هذا العمل الذي‬
‫قتاله‪� .‬أتخافون ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪� -‬أن ي�صيبكم منهم‬
‫كانوا‪ ‬يعملون‪.‬‬
‫مكروه فتتركوا قتالهم؟! فالله الذي أ�مركم بقتالهم هو‬
‫�أح ُّق �أن تخافوا عقابه �إ ْن خالفتم �أَ ْمره‪ ،‬وتركتم قتال‬ ‫‪ 10‬لا ُيراعون فيكم ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬ب�سبب �إيمانكم‬
‫قراب ًة‪ ،‬ولا حق ًا ل�سوء طويتهم‪ ،‬و أ�ولئك هم المتجاوزون‬
‫أ�عدائه‪ ،‬وهذا هو ُمقت َ�ضى الإيمان‪.‬‬
‫لحدود الله‪.‬‬

‫‪َ 11‬ف�إ ْن َر َج َع ه ؤ�لاء الم�شركون ‪ -‬الذين أ�مرتكم‬
‫بقتالهم‪ -‬عن ال�شرك إ�لى ا إليمان‪ ،‬و�َأقاموا ال�صلاة و آ�توا‬
‫الزكاة‪ ،‬فهم إ�خوا ُنكم في الدين‪ ،‬لهم ما لكم وعليهم ما‬
‫عليكم‪ ،‬ونب ّي آ�ياتنا ونو ّ�ضحها لمن يعلم ويفهم‪ .‬وهذا‬
‫ح ٌّث على ت�أمل ما ُف ِّ�صل من أ�حكام المعا َهدين وتبيين‬

‫�شروط توبتهم‪.‬‬

‫‪ 12‬و إ� ْن َن َق�َضالم�شركون أ�يمانهمالتيو َّثقوابهاعهودهم‬
‫معكم وعابوا دي َنكم وانتق�وصه‪ ،‬فقاتلوا ر ؤ�و�س الكفار‬

‫‪١٨٨‬‬

‫ا إليمان الذين اتخذوا ِبطان ًة من �أعدائكم يوالونهم‬
‫ويف�وشن �إليهم أ��سراركم؟ والله خبير بكل ما تعملون لا‬

‫يخفى عليه أ� ُّي �شيء‪.‬‬

‫‪ 17‬لا َح َّق للم�شركين في ِعمارة بيوت الله وتولي‬
‫�ش ؤ�ونها وهم ي�شهدون على كفرهم بعبادة غير الله فيها‪،‬‬

‫فلا‪َ  ‬ي�ْستقيم �أبداً �أن يجمعوا بين �أمرين ُمتباي َنين‪ :‬عمارة‬
‫بيوت الله وعبادة غيره‪ .‬أ�ولئك لا اعتبا َر ألعمالهم‬
‫ب�سبب اقترانها بالكفر‪ ،‬وهم في عذاب النار‪ ‬خالدون‪.‬‬

‫‪� 18‬إنما ي�ستحق �أن َي ْع ُم َر البيت الحرام وغيره ِم ْن بيوت‬
‫الله ويقوم على �ش�ؤونها َم ْن �آ َم َن بالله وحده وبر�سوله‬
‫وباليوم الآخر‪ ،‬و�أقا َم ال�صلاة و آ�تى الزكاة‪ ،‬ولم َيخ�ش‬
‫في أ�مور دينه �أحداً �إلا الله‪ ،‬و أ�ولئك هم الذين ُيرجى أ�ن‬

‫يكونوا من المهتدين ال�سالكين طريق الجنة‪.‬‬

‫‪ 19‬أ� ُت�س ُّوون القائمين على �سقاية الحجاج ورعاية‬ ‫‪ ١٥ 14‬قا ِتلوا ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪ -‬ه�ؤلاء الم�شركين‬
‫�ش ؤ�ون البيت الحرام‪ ،‬ب َم ْن آ�من بالله ور�سوله وباليوم ا آلخر‬
‫وهاج َر وجاهد في �سبيل الله؟! هذان الفريقان لا ت�ستوي‬ ‫ُي ِك ْنكم الله ِمن تعذيبهم‪ ،‬و ُيذلهم بالقهر والأ�سر‪،‬‬
‫مراتبهم عند الله‪ ،‬والله لا يوفق ل�صالح ا ألعمال الكافرين‬ ‫وين�صركم عليهم‪ ،‬و َي�ْش ِف الله �صدور جماع ٍة من الم ؤ�منين‬
‫بفرحها و�سرورها بهذا الن�صر‪ .‬و ُيزل الله بهذا الن�صر‬
‫الذين ظلموا أ�نف�سهم بال�شرك وا�ستمروا على ذلك‪.‬‬ ‫�أي�ض ًا ما كان في قلوب ه ؤ�لاء الم ؤ�منين ِمن َغ ٍّم و َكرب‬
‫ب�سبب غدر الم�شركين بهم و َقتلهم �إياهم‪ ،‬ويجعل الله‬
‫‪ 20‬الذين آ�منوا وهاجروا وجاهدوا في �سبيل الله‬
‫ب أ�موالهم و�أنف�سهم �أعظم منزلة عند الله من �أ�صحاب‬ ‫ذلك القتال �سبب ًا في �أن َيدخل كثير من الم�شركين في‬
‫ال�سقاية والعمارة‪ ،‬و�أولئك هم الفائزون الفوز العظيم‪.‬‬ ‫الإ�سلام ‪ -‬وقد حقق الله للم�ؤمنين ك َّل ما وعدهم به‪،‬‬

‫وتاب الله على كثير من الم�شركين ف آ�منوا‪ -‬والله عليم بما‬

‫كان ويكون‪ ،‬حكيم فيما �أمر وق َّدر‪ ،‬فامتثلوا �أمره‪.‬‬

‫‪ 16‬كيف تظنون �أن ُتتركوا دون أ�ن ت ؤ�مروا بالجهاد‬

‫و ُتبتلوا بما ُي ّح�صكم‪ ،‬ويميز الـ ُخ َّل�ص المجاهدين ال�صادقين‬
‫في موالاة الله ور�سوله والم�ؤمنين‪ ،‬من المنافقين و ِ�ضعاف‬

‫‪١٨٩‬‬

‫‪ 21‬يب�ِّش الله تعالى ه�ؤلاء الم ؤ�منين الذين هاجروا إ�لى‬
‫ر�سوله وجاهدوا في �سبيله ب أ�موالهم و�أنف�سهم بالرحمة‬
‫الوا�سع ِة التي َتع ُّمهم‪ ،‬وبر�ضائه التام عنهم‪ ،‬وبجنا ٍت‬

‫لهم فيها نعي ٌم دائم لا نفا َد له ولا انقطاع‪.‬‬

‫‪ 22‬وهم خالدون في الجنان لا يخرجون منها أ�بداً‪،‬‬
‫و إ�ن الله عنده ثوا ٌب عظيم لمن عمل بطاعته وجاهد في‬

‫�سبيله‪ ،‬فابت ُغوا هذا الثواب‪.‬‬

‫‪ 23‬يا أ�يها الذين �آمنوا لا تتخذوا من آ�بائكم و إ�خوانكم‬
‫و�سائ ِر �أقربائكم ِبطان ًة و�أ�صدقاء ُتف�وشن إ�ليهم أ��سراركم‬

‫وت�ؤْثرون الـ ُمقام معهم على الهجرة �إن اختاروا الكفر‬
‫على ا إليمان‪ ،‬و َم ْن يتخذهم أ�ولياء فقد ظلم نف�سه بمخالفة‬

‫�أمر الله‪.‬‬

‫على ر�سوله وعلى الم�ؤمنين‪ ،‬فرجع َم ْن ف َّر منهم للقتال‬ ‫‪ 24‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬للم�ؤمنين‪� :‬إن كان آ�با�ؤكم‬
‫مع ر�سوله ‪ - -‬و أ�نزل ملائك ًة لم تروها ُتث ِّبتكم في‬
‫و أ�بنا�ؤكم و إ�خوانكم و أ�زواجكم و أ��صحابكم و�سائ ُر َمن‬
‫القتال و ُتلقي الرعب في قلوب عد ِّوكم‪ ،‬و أ�ذاق الله‬ ‫تخالطونهم وت�أن�سون بهم و�أموا ٌل اكت�سبتموها وتجارة‬

‫عد َّوكم مرارة الهزيمة‪ ،‬وع َّذبهم بالقتل وا أل�سر وال�َّسبي‪،‬‬ ‫تخ�وشن عليها وم�ساك ُن ت�ستريحون للإقامة فيها �أح َّب‬
‫وذلك جزاء ُكفرهم في الدنيا‪.‬‬ ‫�إليكم من الإيمان بالله و ُ�ص ْحب ِة ر�سوله والجها ِد في �سبيله؛‬
‫فانتظروا حتى ي أ�تيكم الله بعقوب ٍة عاجلة �أو �آجلة‪ ،‬والله لا‬

‫ُيو ّفق الخارجين عن طاعته‪.‬‬

‫‪ 25‬واذكروا ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪� -‬أن الله َن َ�صكم في‬
‫كثير من مواقع الحرب‪ ،‬ومنها يوم حنين‪ ،‬وهو اليوم‬

‫الذي غ َّرتكم فيه كثر ُتكم‪ ،‬فلم تنفعكم كثر ُتكم �شيئ ًا‪،‬‬
‫وتخ ّلف ْت عنكم معون ُة الله‪ ،‬وظه َر عليكم عد ُّوكم‪،‬‬
‫و�ضاق ْت عليكم الأر�ض على ات�ساعها‪ ،‬ثم فررتم‬

‫منهزمين هاربين‪.‬‬

‫‪ 26‬ثم �أدر َك ْتكم عناي ُة الله ف أ�نزل رحمته وطم�أنينته‬

‫‪١٩٠‬‬

‫إ�قراراً �صحيح ًا‪ ،‬و ُيحلون كثيراً مما ح ّرم الله‪ .‬إ�ذ �إ ّن‬
‫اليهود أ�ح ّلوا قتل بع�ضهم بع�ض ًا‪ ،‬و�إخراج بع�ضهم بع�ض ًا‬

‫من أ�ر�ضهم وديارهم‪ ،‬و�أَ ْك َل الربا‪ ...‬وقد ُنهوا عن ذلك‬

‫كله‪ .‬أ� ّما الن�صارى فا�ستحلوا الخمر والميتة والدم ولحم‬
‫الخنزير وغي َر ذلك م ّما حرمه‪ ‬الله عليهم‪ .‬وهم جميع ًا‬
‫ا�ستح ّلوا أ�ك َل أ�موال ال ّنا�س بالباطل‪ ،‬و ِكتما َن ما أ�نزل الله‬
‫على أ�نبيائهم من �صفة النبي ‪ ‬وكفروا به ولم يعتنقوا‬

‫ا إل�سلام الذي هو الدين الحق‪ ،‬النا�س ُخ ل�سائر ا ألديان‪،‬‬
‫فقا ِتلوهم حتى ي ؤ�منوا أ�و ي�ؤدوا الجزية خا�ضعين طائعين‪.‬‬

‫‪ 30‬وقال بع�ض اليهود‪ُ :‬عـ َز ْي ٌر اب ُن الله‪ ،‬وكذلك فعل‬ ‫‪ 27‬ث َّم يتوب الله ِم ْن بعد ذلك على َم ْن ي�شاء منهم‪،‬‬
‫الن�صارى‪ ،‬فقالت ِفر ٌق منهم‪ :‬الم�سيح اب ُن الله‪ ،‬وهو قول‬ ‫والله غفور يتجاوز عنهم ويمحو ذنوبهم‪ ،‬رحي ٌم يك�شف‬
‫لا يع ُ�ضده برهان ولا ي�ستند �إلى بيان‪ ،‬وهم ي�شابهون في‬
‫هذه المقالة أ��سلافهم المتق ِّدمين‪� ،‬أَ ْه َلكهم الله ودمرهم‪،‬‬ ‫عنهم العذاب ويتف َّ�ضل عليهم بالتوفيق والهداية‪.‬‬
‫كيف ُي ْ� َصفون عن الحق بعد قيام البرهان و إ�قامة الحجة؟!‬
‫‪ 28‬يا �أيها الم ؤ�منون اعلموا �أ ّن الم�شركين َ َن�س؛ لنجا�سة‬
‫‪ 31‬اتخذوا علماءهم و ُن�ّسا َكهم �آلهة من دون الله ب أ�ن‬ ‫باطنهم وف�ساد عقائدهم و إ�تيانهم القبيح الم�ستق َذر من‬
‫�أطاعوهم في تحريم ما أ�حل الله‪ ،‬وتحليل ما حرم الله‪،‬‬ ‫ا ألفعال‪ ،‬فامنعوهم ِمن دخول الم�سجد الحرام بعد هذا‬

‫وفي ال�سجود لهم‪ ،‬واتخذوا الم�سيح ابن مريم إ�له ًا حيث‬ ‫العام ‪ -‬وهو العام التا�سع من الهجرة ‪ -‬و�إ ْن خفتم فقراً‬
‫جعلوه اب َن الله‪ ،‬وما �أُمروا في الكتب المنزلة عليهم على‬ ‫ب�سبب منعهم من الحرم وانقطاع ما كنتم ُتفيدونه من‬
‫َ�أ ْل ِ�سنة �أنبيائهم إ�لا ليعبدوا الله الواحد الحق‪ ،‬الم�ستح َّق‬ ‫�أموالهم‪ ،‬ف�سوف ُيع ّو�ضكم الله من عطائه وتف ُّ�ضله وفق ًا‬
‫للعبادة وحده‪ ،‬تعالى وتنزه عن أ�ن يكون له �شريك‬ ‫لم�شيئته‪ ،‬إ� ّن الله عليم ب�أحوالكم‪ ،‬حكيم فيما يعطي‬

‫ي�ستحق العباد َة والتعظيم‪ ‬وا إلجلال‪.‬‬ ‫ويمنع‪.‬‬

‫‪ 29‬قا ِتلوا �أهل الكتاب من اليهود والن�صارى الذين‬
‫لا يقيمون أ�ركان الإيمان‪ ،‬ولا ُيق ُّرون بالبعث والجزاء‬

‫‪١٩١‬‬


Click to View FlipBook Version