� 116إ َّن أ�كثر النا�س َي ْب ُنون عقائدهم و أ�فكارهم على 111ولو �أ ّننا ن َّزلنا إ�ليهم الملائكة ر�سل ًا كما �س�ألوا،
الظن والتخمين والتو ُّهم .و�إ َّن ال�سير على طريقهم وك ّلمهم الموتى ف�شهدوا لك بالنبوة ،و َج َمعنا عليهم كل
وطاعتهم أ�و مجاراتهم فيما يقولون ي�ؤ ّدي إ�لى ال�ضلال �شيء في الدنيا �أفواج ًا ت�شهد ب�صدقك ،ما كانوا لي�ؤمنوا
والانحراف عن �سبيل الله. إ�لا �أن ي�شاء الله إ�يمانهم ،ولكن �أكثرهم يجهلون ذلك.
117إ� َّن الله الذي لا يخفى عليه �شيء ،هو العليم 112وكما جعلنا لمن قبلك -أ�يها الر�سول -من
بمن َي�ضل عن �سبيله علم ًا لي�س َفوقه علم ،وهو الأعلم ا ألنبياء أ�عداء ،جعلنا لك �أعداء � -شياطين من الإن�س،
و�شياطي َن من الجن -يوحي بع�ضهم إ�لى بع�ض القول
بالمهتدين ال�سالكين �صراطه الم�ستقيم. الباطل المزخ َرف المزين الذي يغتر به �سام ُعه من الجهلة
بحقيقته ،ولو �شاء ر ُّبك ما َف َع َل كفار مكة هذا ،فذرهم
118و إ�ذا كان الله تعالى هو الذي يعلم المهتدين وما يخا�صمونك به مما يوحي إ�ليهم أ�وليا�ؤهم ،وما
وال�ضالين ،فلا تلتفتوا �أيها الم�سلمون إ�لى �ضلال الم�شركين
في تحريم بع�ض الأنعام ،فلا ت أ�كلوا منها إ�لا ما ُذ ِك َر ا�سم َي ْختلقونه من الكذب.
الله وحده عليه عند ذبحه ،ولا تترددوا في ذلك ،إ�ن
كنتم ت�ؤمنون بالله و آ�ياته .وقد جاء هذا ا ألم ُر بعد َح ْم َل ِة 113و ِم ْن أ�هداف تزيينهم الأقوا َل الباطل َة �أَ ْن تميل
الم�شركين الت�شكيكية للم�سلمين ب أ�نهم ي�أكلون ما قتلوا إ�ليها �أفئد ُة الذين لا ي�ؤمنون با آلخرة ،ولير�وضا بها،
ولا ي�أكلون ما قتله اللهُ -يعنون الميتة.- وليكت�سبوا ما هم مكت�سبون من القبائح وا آلثام.
114وقال م�شركو قري�ش للنبي :اجع ْل بيننا وبينك
َح َكم ًا ،إ� ْن �شئ َت ِم ْن �أحبار اليهود ،و إ� ْن �شئت ِم ْن �أحبار
الن�صارى ،ليخبرنا ع ّما في كتابهم ِمن �أمرك .فقال الله
له :قل � -أيها الر�سول� :-أفغير الله �أطلب قا�ضي ًا بيني
وبينكم ،وقد �شهد لي ب إ�نزال هذا الكتاب المعجز .ثم
قال تعالى :وعلما ُء �أهل الكتابين يعلمون �أنه منزل من
ربك بالح ّق ،فلا تكون َّن من ال�شا ِّكين في علمهم بنبوتك
وب ِ�صدق ما �ُأنزل إ�ليك و إ�ن أَ�ظهروا خلا َف ذلك ولم
ي ؤ�منوا بك.
115و َب َل َغ ْت كلما ُت ربك التي �أوحاها إ�ليك -أ�يها
النبي -الغاية� :صدق ًا فيما �أنب أ� و�أخ َب ،وعدل ًا فيما ق�ضى
فيها و�أمر ،لا يمكن �َأ ْن يب ِّدل أ�حد �شيئ ًا منها بما هو أَ� ْ�صد ُق
و أ�عدل ،ولا �أمراً ق�ضاه الله فيها ،ولا َأ� ْن يغيرها بالزيادة
والنق�صان ،وهو ال�سمي ُع لما يقولون ،العلي ُم بما يفعلون،
لا يخفى عليه �شيء.
١٤٢
121ولا ت�أكلوا �أيها الم�ؤمنون مما ُذبح لغير الله أ�و لم
ُيذكر ا�س ُم الله عليه عند الذبح ،ف�إنه خروج عن طاعة
الله ،و إ�ن ال�شياطين ليو�سو�سون إ�لى أ�وليائهم من ا إلن�س
ليجادلوكم ب إ�لقاء ال�شبهات فيما ح ّرم الله عليكم ،و�إن
اتبعتموهم �أيها الم�ؤمنون ف إ�نكم إ� َذ ْن ِمث ُلهم في ا إل�شراك
بالله تعالى.
� 122أ َو َم ْن كان بمنزلة الميت كافراً أ�عمى الب�صير ِة 119وما يمنعكم -أ�يها الم�سلمونِ -م ْن أ�كل ما ُذ ِبح
ف�أحيينا قلبه بالإيمان ،ووفقناه للهداية ف�أ�صبح يعي�ش في بعد �أَ ْن ُذ ِكر ا�س ُم الله عليه والاكتفا ِء به؟ وما ُيحرجكم
في ا�ستباحة ما أ�بح ُت لكم من الطعام وقد ف ّ�صل ُت لكم
أ�نوارها ،وي�ست�ضي ُء ب�شرائعها في أ�تي الحلا َل ويمتنع عن الحلا َل من الحرام فيما َتطعمون؟ ولكن �إذا �ألج�أتكم
الحرام ،كمن َم َث ُله في ظلمات الكفر وال�ضلالة متحيراً لا
يعرف المخر َج منها؟! لا ي�ستويان ،ف َل�ستم �أيها الم ؤ�منون ال�ضرور ُة إ�لى أ�كل �شيء مما ح َّرم ُت عليكم كالميتة والدم؛
كالكافرين ،وكما ُزيِّن لهذا الكافر ما هو عليه ِم ْن َعمى فكلوا منه بالقدر الذي تدعوكم �إليه ال�ضرورة ،و�إ َّن
الب�صيرة وموت القلب ،كذلك ُزيِّن للكافرين ما كانوا كثيراً من ال�ضالين ل ُي�ضلون أ�تبا َعهم ب أ�هوائهم ِم ْن غير
عل ٍم منهم ب�صحة ما يقولون ،ولا برهان عندهم بما فيه
يعملون ِم ْن معا�صي الله تعالى. يجادلون ،إ� َّن ربك -أ�يها الر�سول -هو أ�علم بمن تع ّدى
123وكما ز َّينا ألكابر مكة ِمن المجرمين ما كانوا حدوده ،فتجاوزها �إلى خلافها ،وهو لهم بالمر�صاد.
يعملون ،كذلك جعلنا في كل قري ٍة من التي �أر�سلنا إ�ليها
120و َد ُعوا -أ�يها النا� ُس -المعا�ص َي ظاه َرها وباطنها
ر�سلنا أ�كاب َر مجرميها يمكرون فيها بدين الله و�أوليائه ،وما �س َّرها وعلانيتها ،إ� َّن الذين يعملون بما نهاهم الله عنه
َيحيق مك ُرهم ذاك إ�لا ب أ�نف�سهم ،ولا يدرون ما قد �أع َّد وي أ�تون ما ح َّرم عليهم �سيجزيهم الله يوم القيامة بما كانوا
الله لهم ِم ْن �أليم عذابه. يعملون ِم ْن معا�صيه في الدنيا.
124و إ�ذا جاءت ه�ؤلاء الم�شركين من أ�هل مكة حج ٌة ١٤٣
ِمن الله على �صحة ما جاءهم به محمد - -قالوا:
لن ن�ص ِّدق بما دعانا إ�ليه محمد حتى ُنعطى من المعجزات
مثل ما أ�عطي ر�سله ال�سابقون ،والله أ�علم بموا�ضع
ر�سالاته ،وبالذين هم لها �أ ْهل ،فلي�س لكم �أَ ْن تتخيروا
�أنتم ذلك� ،سي�صي ُب ه ؤ�لاء ذ ّل ٌة وهوا ٌن ،وعذا ٌب �شدي ٌد
بما كانوا يكيدون للإ�سلام و أ�هله.
بع َ�ضهم أ�ولياء بع�ض ،كذلك نجع ُل بع�َض الظالمين من َ 125ف َم ْن ُيرد الله أ�ن يوفقه لقبول الحق يف�سح
ا إلن�س �أوليا َء بع�ض بما كانوا يك�سبون من معا�صي الله. �صدره ل إل�سلام حتى ي�ستنير الإيما ُن في قلبه ،و َم ْن
ي�ش أ� �إ�ضلاله ي�شغله بكفره ،ويجع ْل �صدره -بخذلانه
130يقول الله يو َم القيامة للجن والإن�س ِمن و َغ َلبة الكفر عليه�َ -ض ّيق ًا كحال َم ْن ي�صعد في طبقات
الم�شركين� :ألم ي�أتكم ُر�ُس ٌل منكم يخبرونكم بما �أُوح َي الجو ال ُعليا ،ف ُي�صاب ب�ضيق �شديد في التنف�س ،لتناق�ص
�إليهم من ا آليات ويح ِّذرونكم لقاء عذابي في يومكم �أك�سجين الهواء ،وكما يجعل الله �صدو َر الكافرين
هذا -وهذا توبي ٌخ لهم على ما �َس َلف منهم -عندها �ضيقة يق�ضي بالف�ساد والخذلان على الذين لا ي�ؤمنون
يقولونَ� :ش ِه ْدنا على �أنف�سنا �أَ ْن قد ُب ِّلغنا و ُ�أ ْن ِذرنا،
ويعترفون �أنهم غ ّرتهم زين ُة الحياة الدنيا ،وطل ُب بالله وباليوم ا آلخر.
الريا�سة فيها ،والمناف�س ُة عليها ،و�شهدوا على �أنف�سهم
126وهذا الذي ب ّينا لك -أ�يها الر�سول -في هذه
أ�نهم كانوا في الدنيا كافرين بالله وبر�سله. ال�سورة وغيرها هو طريق ربك ودي ُنه الذي ارت�ضاه
لنف�سه دين ًا وجعله م�ستقيم ًا لا اعوجاج فيه ،فاث ُب ْت عليه،
� 131إنما �أر�سل ُت الر�س َل -يا محمد -إ�لى َم ْن
و�صف ُت أ�َ ْم َره ،و�أعلم ُتك َخ َبه؛ يق ُّ�صون عليهم آ�ياتي، قد ب ّينا ا آليات والحجج لمن يتذكر ِم ْن �أهل العقول.
لم يكن ل ُيهلكهم دون وينذرونهم المعاد؛ ألن ربك
وال ِعبر فيظلمهم بذلك، تنبي ٍه وتذكي ٍر بالر�سل وا آليات 127له�ؤلاء القوم الذين يت َّذكرون عند ربهم يوم
القيامة دا ُر ال�سلامة ِم ْن كل ما ُيكره ،وهي الجنة التي
والله غي ُر ظ ّل ٍم لعبيده. أ�ع ّدها ألوليائه في ا آلخرة ،والله نا�صرهم جزاء بما كانوا
يعملون من طاعة الله واتبا ِع ر�وضانه.
128واذك ْر -أ�يها الر�سول -يوم ي ْح�شر اللهُ الم�شركين
مع أ�وليائهم ِم ْن �شياطين الجن الذين كانوا يوحون
�إليهم ُزخرف القو ِل ليجادلوا به الم�ؤمنين ،فيجمعهم
جميع ًا في موقف القيامة ،فيقول للجن :قد ا�ستكثرتم
من إ��ضلال ا إلن�س و إ�غوائهم ،وقال الذين �أطاعوهم
ِمن كفار ا إلن�س متح�ِّسين :ربنا انتف َع بع ُ�ضنا ببع�ض
في الحياة الدنيا -حيث ا�ستمت َع ا إلن�س بما ز ّين ْت لهم
الج ُّن من المفا�سد وال�شهوات ،وا�ستمتع الج ُّن بطاعة
ا إلن�س وتعظيمهم لهم -و َب َل ْغنا �أج َل موتنا المق َّدر في
�سابق علمك ،فقال الله ع ّز وج ّل لهم :النا ُر مقامكم
لابثين فيها �أبداً إ�لا ما �شاء الله -وتعلي ُق دوام عذابهم
على الم�شيئة للتنبيه على جلاله تعالى وكماله ومطلق
م�شيئته ،وقد ق�ضى في �آيات �ُأخر �أنهم لا يخرجون
منها أ�بداً� -إ َّن ربك حكيم في تدبيره ،عليم ب�أحوال
الثق َلين و أ�عما ِلهم وبما يليق بها ِم ْن جزاء.
129وكما جعلنا ه�ؤلاء الكفار ِمن الجن والإن�س
١٤٤
-حيث كنتم -في قب�ضته ،لا تخرجون عن قدرته ١٣٢ولكل عام ٍل في طاعة الله أ�و مع�صيته مناز ُل
ومراتب جزاء عملهُ ،يب ِّلغه الله إ�ياها و ُيثيبه بها� ،إ ْن خيراً
وعقابه ،فاحذروا و�أنيبوا �إليه. فخي ٌر ،و�إ ْن �َ ّشاً ف�ش ٌّر ،وما ر ُّبك -أ�يها الر�سول -بغاف ٍل
١٣٥قل � -أيها الر�سول -لقومك الذين يجعلون مع عما يعمل عبا ُده.
الله إ�له ًا �آخر :اعملوا على طريقتكم وا�ستمروا عليها، ١٣٣ور ُّبك � -أيها الر�سول -الذي أ�َ َمر عباده ونهاهم،
و إ�ني عام ٌل ما �أم َرني به ربي -وهذا وعي ٌد وتهديد، و أ�ثابهم وعاقبهم هو الغني عنهم وعن أ�عمالهم
لا إ� ْذن لهم في عمل ما أ�رادوا من المعا�صي -ف�سوف
وعبادتهم إ�ياه ،وهم المحتاجون إ�ليه ،أل َّن بيده حياتهم
تعلمون � -أيها الكفرة بالله -عند معاينتكم العذا َب أ�ينا ومماتهم ،وك َّل �شي ٍء ِم ْن أَ� ْمرهم ،فلم يخ ُل ْقهم ولم
تكو ُن له العاقب ُة المحمود ُة في الدار ا آلخرة .إ�نه لا يفوز يكلفهم لحاج ٍة إ�ليهم ،ولكن ليتف�ضل عليهم برحمته إ� ْن
بحاجته عند الله َم ْن عمل بخلا ِف ما �أمره الله به فظل َم �أح�سنوا ،ف إ�نه ذو الرحمة الوا�سعة ،لو أ�راد ألهلككم
و�أتى بقوم آ�خرين يخلفونكم كما �أوجدكم ِم ْن �أقوا ٍم
نف َ�سه ،و أ��شر َك مع الله غيره.
�سابقين م�وضا قبلكم.
١٣٦وجعل ه�ؤلاء الم�شركون لله م ّما خلق ِم ْن َح ْر ِثهم
وثمراتهم و�أنعامهم ن�صيب ًا ،فقالوا :هذا لله -وهم � ١٣٤إ َّن الذي ُيوعدكم ر ُّبكم ِم ْن عقابه � -أيها
الم�شركون -واق ٌع بكم ،ولن ُتع ِجزوه هرب ًا منه ،ألنكم
كاذبون -وهذا ل�شركائنا .ف إ�ذا اختلط �شي ٌء مما جعلوه
لله بما جعلوه ل ألوثان تركوه للأوثان ،و إ�ذا اختلط ما
جعلوه للأوثان بما جعلوه لله ر ُّدوه على ا ألوثان ،و إ�ذا
احتاجوا �أخذوا مما جعلوه لله ،ولم َي ْقربوا ما جعلوه
له ؤ�لاء ال�شركاء ،بئ�س حك ُم القو ِم وق�سم ُتهم ،حيث لم
يكتفوا �أ ْن جعلوا لله �شريك ًا ،بل ف َّ�ضلوا غي َره عليه عند
ق�سمة ا ألنعام والحرث بينه وبين ال�شركاء.
١٣٧وكما ز ّين �شركا ُء الم�شركين ما ز ّينوا لهم -م ّما ُذ ِك َر
في ا آلية ال�سابقة -كذلك ز ّين �شركا ؤ�هم من ال�شياطين
لكثي ٍر منهم َق ْت َل �أولا ِدهم بال َو ْ�أد وغيره خو َف الفقر،
ليهلكوهم وليخلطوا عليهم دي َنهم فيلتب�س ،في�ضلوا
ويهلكوا بفعلهم ما ح َّرم اللهُ عليهم ،ولو �شاء الله ما
فعلوا ذلك ،ولك َّن الله تركهم لاختيارهم ،فقتلوا
�أولا َدهم ،و أ�طاعوا ال�شياطين التي أ�غوتهمَ ،ف َد ْعهم
-أ�يها الر�سول -وما ي َت َق َّولون عل َّي من الكذب والزور،
ف إ�ني لهم بالمر�صاد.
١٤٥
مختلف َة ال ُّطعوم كال ُحلو والحام�ض ونحو ذلك ،و�أن�ش�أ ١٣٨و ِم ْن جهالات الم�شركين �أنهم ُي ِّحرمون الانتفاع
الزيتون والرمان مت�شابه ًا في المنظر وغير مت�شابه في ببع�ض ما �أحله الله ِم ْن غير ُح ّجة ولا برهان ،فقد
الطعم .كلوا � -أيها النا�سِ -من ثم ِر تلك الزروع قالوا في بع�ض ا ألنعام والـ َحرث :هذه أ�نعا ٌم وزرو ٌع
وا أل�شجار قبل َح ْ�صده و�إخراج َح ِّقه ،و�أخرجوا زكاته مح َّرمة علينا لا ي أ�كلها �إلا َم ْن �أردنا ِم ْن خ ّدام ا أل�صنام،
يو َم ح�صاده ،ولا تخرجوا عن ح ّد الاعتدال في الأكل في�أكلون منها خا�صة ،وكذا الوافدون على تلك
فلا يبقى منه �شيء للزكاة ،ولا في العطية بحيث ت�ضرون ا أل�صنام ،وبع ُ�ضها ي أ�كله الرجال دون الن�ساءَ ،ف َعلوا
�أنف َ�سكم وعيا َلكم و�أ�صحا َب الحقوق ،ولا في �سائر ما ذلك باعتقاداتهم و�آرائهم الباطلة ،وح َّرموا ظهور
�شرع الله لكم� ،إنه تعالى لا يح ُّب َم ْن تجاو َز الح ّد الذي بع�ض الأنعام فلا ُت ْر َك ُب ولا ُي ْحمل عليها ،وخ ُّ�صوا
�أنعام ًا للأ�صنام فلا يذكرون ا�سم الله عليها عند الذبح،
ح ّده له في ت�صرفاته كلها. بل يذكرون عليها أ��سماء �أ�صنامهم لتكون ُقربان ًا خال�ص ًا
لها ،وهم يزعمون أ� ّن الله أ�مرهم بذلك ،وهو اخ ِتلا ٌق
١٤٢و�أن�ش�أ �سبحانه من ا ألنعام َح ُمول ًة -وهي ك ُّل ما
ُيحمل عليها من �إبل وبقر -و َف ْر�ش ًا -وهي الم َ�س َّخرة وكذ ٌب ،و�سيعاقبهم اللهُ على افترائهم هـذا.
لغير الحمل من الغنم و�صغار الإبل والبقر ،و�ُس ِّمي ْت ١٣٩وقالوا :ما ُو ِل َد من �أ ِج َّن ِة هذه ا ألنعام ح ّي ًا فهو
فر�ش ًا ألنها كالفر�ش للأر�ض لدنوها منهاُ -كلوا أ�يها خال�ص للرجال دون الن�ساء ،وما ُولد منها ميت ًا َ�أ َك َل ُه
النا�س مما أ�حله الله لكم ِم ْن هذه ا ألنعام والـ َحرث ،ولا الرجا ُل والن�سا ُء جميع ًا ،و�سيعاقبهم اللهُ بهذا الذي
ت�سلكوا طري َق ال�شيطان و آ�ثا َره في التحريم كما فعله �أه ُل ن�سبوه �إليه تعالى كذب ًا ،إ�نه حكيم فيما يفعله ،عليم
الجاهلية ،إ� ّن ال�شيطان لكم عد ّو ب ِّي العداوة. ب�أعمال عباده.
١٤٦ ١٤٠قد خ�سر أ�ه ُل الجاهلية الذين قتلوا أ�ولا َدهم
-مخاف َة الأ�ْس �أو الفقر ب َز ْعمهم -و إ�نما فعلوا هذا ل ِخ َّف ِة
عقولهم وجهلهم ب أ�ن الله هو رازق �أولا ِدهم لا ُه ْم .قد
خ�سروا في الدنيا إ�ذ �سعوا في نق�ص عددهم و إ�زال ِة ما
�أنعم به عليهم ،وخ�سروا في الآخرة إ�ذ ا�ستحقوا بذلك
العذاب العظيم .وخ�سروا �أي�ض ًا إ�ذ ح َّرموا على �أنف�سهم
الانتفاع ببع�ض ما رزقهم الله من ا ألنعام والحروث
وما في بطون ا ألنعام ،ون�سبوا ذلك كذب ًا �إلى الله بغير
علم ،قد �ضلوا عن ال�صراط الم�ستقيم ب أ�قوالهم و أ�فعالهم
القبيحة ،وما كانوا مهتدين إ�لى الحق وال�وصاب.
١٤١والله �سبحانه المنع ُم المبد ُع الذي َن َّوع الـ َخل َق،
ف أ�ن�ش أ� ب�ساتين معرو�شات -نبا ُتها ُيجعل له عرو�ش ُيرفع
بها على وجه الأر�ض -و�أن�ش أ� ب�ساتين غير معرو�شات
-نبا ُتها لا �ساق له فهو مب�سوط على وجه ا ألر�ض لا
ُيرفع -و�أن�ش أ� النخ َل وجمي َع الحبوب مما ُيقتا ُت و ُي َّد ُخر،
لأهل الجاهلية بتحريمهم ما لم يحرمه الله -وقل � -أيها ١٤٣و�أن�ش أ� الله من الأنعام -وهي ا إلبل والبقر
الر�سول -لهم :هل كنتم حا�ضرين حين و ّ�صاكم الله وال�ض�أن والمعز -ثماني َة �أزواجِ :من ال�ض�أن -وهي
بتحريم هذا؟! ولما احت َّج الله عليهم بهذه الحجة وب َّي أ�نه ذوات ال�وصف من الغنم -ذكراً و أ�نثى ،ومن المعز
لا م�ست َن َد لهم في ذلك قال :ف َم ْن أ��ش ُّد ظلم ًا و�أبع ُد عن
الحق ممن َيكذ ُب على الله بذلك ل ُي�ض َّل النا� َس وي�صدهم -وهي ذوا ُت ال�َّشعر من الغنم -ذكراً و أ�نثى .قل -أ�يها
عن �سبيل الله جهل ًا منه؟ �إن الله لا ير�شد ولا يوفق َم ْن الر�سول -له�ؤلاء الجهلة :آ�ل َّذكرين من ال�ض�أن والمعز
أ��ص َّر على الكذب عليه و َن َ�س َب إ�ليه ما لم ي�شرعه لعباده. َح َّر َم عليكم أ�َم ا ألُنثيين منهما ،أ�م ح َّر َم ما ا�شتمل ْت عليه
أ�رحا ُم ا ألنثيين من ال�ض�أن والمعز من الحمل؟! -وهذا
١٤٥قل� -أيها الر�سول -له ؤ�لاء الم�شركين الجاهلين ا�ستفهام �إنكار ٌّي ،فهو تعالى لم ُيح ِّر ْم �شيئ ًا من ذلك كما
الذين يحللون ويح ِّرمون ِم ْن عند �أنف�سهم :لا أ�جد يزعمون� -أخبروني أ�يها الم�شركون ب�أم ٍر معلو ٍم جاءكم
فيما أ�ُنزل عل ّي �شيئ ًا محرم ًا على �آكل ي�أكله إ�لا �أن من الله يد ُّل على تحريم ما ح َّرمتم �إ ْن كنتم �صادقين في
يكون ميتة أ�و دم ًا �سائل ًا -لا َك َد ِم الكب ِد وال ِّطحال وما
يبقى على اللحم وما يبقى في العروق بعد الذبح ف�إنه أ�ن الله ح َّرمه.
يحل� -أو لحم الخنزير ف إ�نه نج�س� ،أو ما ُذبح على غير
ا�سم الله تعالى -و�ُس ِّمي ِف�سق ًا لتو ُّغله في الخروج عن ١٤٤و أ�ن�ش أ� الله ِمن الإبل ذكراً و أ�نثى ،ومن البقر
أ�مر الله و�شرعه -ف َم ْن دعته ال�ضرور ُة �إلى أ�كل �شيء من كذلك .قل -أ�يها الر�سول -لهم أ�ي�ض ًا� :آل ّذكرين
هذه المح َّرمات غي َر قا�ص ٍد في أ�كله إ�ياه تلذذاً ،وال عا ٍد ح َّرم �أَم الُأنثيين �َأم ما ا�شتمل ْت عليه �أرحا ُم ا ألنثيين من
بتجاوزه في ا ألكل الح َّد الذي أ�باحه الله له مما يدفع ا إلبل والبقر؟! -وهذا تقري ٌع وتوبي ٌخ من الله تعالى
به خو َف الهلاك عن نف�سه ،ف إ�ن الله غفو ٌر فلا يعاقبه
عليه ،رحي ٌم ب�إباحته �أ ْك َل ذلك عند ا�ضطراره ،ولو �شاء ١٤٧
ح َّرمه عليه و َم َنعه منه.
١٤٦يقول تعالى :وح َّرمنا على اليهود ك َّل ذي ُظ ُفر
-وهو من البهائم والطير ما لم يكن م�شقوق ا أل�صابع،
كا إلبل والنعام والإو ِّز والب ِّط -وح ّرمنا عليهم من البقر
والغنم �شح َم الجوف و�شحم ال ُك ْليتين -وهذه َت�س ُهل
�إزالتها -ولم نح ِّرم عليهم ما علق منه بالظهر والـ َج ْن ِب
ِم ْن داخل بطونهما ،وكذلك ال�شحم المخالط ل ألمعاء،
وال�شح َم المختلط بالعظام التي تكون في الـ َج ْنب
والر�أ�س والعين ،فك ُّل هذا كان حلال ًا لليهود ،وكان هذا
التحريم عقوب ًة لهم ب�سبب بغيهم وظلمهم -وهو قت ُل
ا ألنبياء و أ�خ ُذ الربا وا�ستحلا ُل أ�موال النا�س بالباطل-
و�إ ّنا ل�صادقون في الإخبار عن َب ْغيهم ،وعن تخ�صي�صهم
بهذا التحريم.
أ�هواء الذين لا ي�ؤمنون بالآخرة وهم بربهم ي�شركون� ،إذ ١٤٧ف إ� ْن ك َّذبك الم�شركون واليهود و�سائر َم ْن خالفك
ُي�سوون به ا أل�صنام ،ويجعلون له ا ألنداد. � -أيها الر�سول -فيما �أخبرناك به فقل :ر ُّبكم ذو رحمة
وا�سعةُ ،يهلكم على التكذيب فلا تغتروا ب إ�مهاله ،وذو
١٥١قل � -أيها الر�سولَ :-ه ُل ّموا �أيها القوم أ�قر أ� عقاب �أليم ،فلا ُي َر ُّد عذا ُبه حين ينزل عن الذين ارتكبوا
عليكم الذي ح َّرم ر ُّبكم عليكم حق ًا يقين ًا لا �ش َّك فيه،
لا ظ ّن ًا ولا كذب ًا كما تزعون أ�نتم ،بل هو وحي أ�وحاه من المعا�صي ما ُيو ِج ُب حلو َل عذابه ونقمته.
الله �إليَّ ،فهو يو�صيكم أ�ن لا ت�شركوا به �شيئ ًا في عبادته،
ويو�صيكم بالوالدين �َأ ْن تح�سنوا إ�ليهما ،و أ�ن ال تقتلوا � ١٤٨سيقول الم�شركون -وقد َل ِز َمتهم الحج ُة وتي َّقنوا
أ�ولادكم ب�سبب فق ٍر حا�ص ٍل أ�و �ضي ِق حا ٍل ،ف إ�ني رازقكم بطلان ما ُه ْم عليه من ال�شرك بالله وتحري ِم ما لم يح ِّرمه
و�إياهم .ولا تقربوا كبائر الذنوب التي َع ُظم قب ُحها، الله من الأنعام والحرث :-لو �شاء الله ما أ��شركنا نحن
علاني ًة أ�و �سراً ،ولا تقتلوا النف�س التي ح َّرم اللهُ قتلها ولا آ�با ؤ�نا ِم ْن قبلنا ،ولا ح َّرمنا �شيئ ًا مما ح َّرمناه ،فللاو
والعدوان عليها �إلا بالحق الذي يوجب ذلك .ذلكم أ�ن الله ر�ضي ما نحن عليه و أ�راده منا و أ� َم َرنا به لحا َل
الذي ف ّ�ص ُلته لكم من ا ألوامر والنواهي أ�مركم ربكم بيننا وبين ذلك ،وهذا فهم خاطئ لل َق َدر -فالله لا
بحفظه لكي تعقلوا ِع َظمها عنده ،وتفهموا ما في هذه ير�ضى لعباده الكفر ولا ي�أمر به -وهم غير �صادقين فيما
يقولون بل م�ستهزئون مجا ِدلون ،وكما ك َّذب ه�ؤلاء
التكاليف من الفوائد والمنافع فتعملوا بها. وكابروا ،ك َّذب الذين ِم ْن قبلهم ِم ْن كفار ا ألمم ال�سابقة
أ�نبياءهم ور�سلهم ،وجادلوا بمثل ما جادلوا و�أقاموا على
١٤٨
ذلك حتى ذاقوا العذا َب ا أللي َم .قل -أ�يها الر�سول-
له�ؤلاء الم�شركين القائلين ك َّل ما قالوا :هل عندكم دلي ٌل
من النقل أ�و العقل فتظهروه لنا وتب ّينوه كما ب ّينا لكم
خط�أكم؟ والواق ُع أ�نكم ما ت ّتبعون �إلا الظ َّن الباطل ،وما
أ�نتم في ذلك كله إ�لا تكذبون.
١٤٩قل -أ�يها الر�سول -له ؤ�لاء الم�شركين حين
عجزوا عن �إظهار عل ٍم �أو بيان حج ٍة :فلله الحج ُة التا ّم ُة
على خلقه ب�إنزال الكتاب و إ�ر�سال الر�سل ،فلو �شاء الله
لو ّفقكم �أجمعين للهداية و َح َم َلكم عليها.
١٥٠قل لهم -أ�يها الر�سول : -هاتوا وا ْدعوا �شهدا َءكم
الذين ي�شهدون على ما زعمتم ِم ْن تحريم بع�ض ا ألنعام
والـ َح ْرث .ف إ� ْن �أقدموا و�شهدوا كاذبين فلا ُت َ�س ِّلم لهم ما
�شهدوا به ولا ُت َ�صدقهم -لأنه إ�ذا �َس َّل َم لهم فك�أنه �َش ِه َد
معهم مثل �شهادتهم -و�إ ْن وقع ْت منهم �شهادة ف�إنما هي
باتباع الهوى فلا تتب ْع -أ�يها الر�سول -أ�هوا َءهم ولا
الردي َئة من اليهودية والن�صرانية والمجو�سية و�سائر البدع ١٥٢ولا تقربوا مال اليتيم إ�لا بما فيه �صلا ُحه وتكثي ُره
وال�ضلالات ،فتميل بكم عن دينه وطريقه الذي ارت�ضاه وتح�صي ُل الربح له ،واحفظوه �إلى َأ� ْن يبلغ اليتيم �س َّن
لعباده ،ذلكم و�صاكم به رجا َء الفو ِز بر�ضاه واجتناب التكليف مع �إينا�س الر�شد .و�أوفوا الكيل والميزان
بال�سوية والعدل ،لا نك ِّلف نف�س ًا �إلا ما بما َي�سعها ولا
ما يوجب عذابه. تعجز عنه -و�إنما أ�َ ْت َب َع الأم َر ب إ�يفاء الكيل والميزان ذلك؛
لأ َّن مراعاة الحد من الق�سط الذي لا زيادة فيه ولا نق�صان
١٥٤ثم قل -أ�يها الر�سول -بعد ذلك له�ؤلاء الم�شركين مما فيه حر ٌج ،ف�أمر ببلوغ الو�ْسع ،و�أ َّن ما وراءه معف ٌّو
�أ ّنا �آتينا مو�سى الكتا َب ِم ْن قبل متمم ًا لنعمتنا وف�ضلنا عنه -و�إذا قلتم فا�صدقوا ولو كان المقول له �أو عليه في
على المح�سنين من قومه ،فيه بيا ٌن لكل �شيء ُيحتا ُج �شهاد ٍة أ�و غيرها ذا قربى ،و�أوفوا بما عه َد الله إ�ليكم ِم ْن
�إليه ِم ْن �شرائع الدين و أ�حكامه ،وهدى من ال�ضلالة طاعته في أ�مره ونهيه ووعده ووعيده ،أ�و بعهد �أدخلتم
ورحمة من الله عليهم ،لكي ي ؤ�منوا بالبعث وي�صدقوا الله فيه ِم ْن �أَيمانكم ونذوركم ،ذلكم المذكور في هذه
ا آلية و ّ�صاكم الله به لعلكم تتعظون وتعملون بمقت�ضاه.
بالثواب والعقاب.
١٥٣و�أن هذا الذي و ّ�صيتكم به هو طريقي وديني
١٥٥وهذا القر�آن الذي أ�نزلناه �إلى نبينا محمد - - الذي ارت�ضيته لعبادي قويم ًا لا اعوجاج فيه فاعملوا
كتا ٌب مبارك فاجعلوه �إمام ًا تتبعونه ،وتعملون بما فيه به ،ولا تت ّبعوا الطرق المنحرفة والأهوا َء الم�ض ِّلة والبد َع
� -أيها النا�س -واح َذروا الله في �أنف�سكم �أن ت�ضيعوا
١٤٩
العم َل بما فيه ،وتتعدوا حدوده ،وت�ستحلوا محارمه.
١٥٦ولقد �أنزلنا القر آ�ن لئلا تقولوا �أيها الم�شركون:
�إنما �أُنزل الكتا ُب على طائفتين ِم ْن قبلنا -وهم اليهود
والن�صارى -ولم ينزل علينا كتاب فنتبعه ،ولم ن�ؤمر،
ولم ُنـ ْنه ،فلي�س علينا ُح ّج ٌة فيما نفعل ونترك ،إ�ذ
لم ي�أت من الله كتا ٌب ولا ر�سو ٌل ،و إ�نما الحج ُة على
الطائفتين اللتين �أُنزل عليهما الكتاب ِم ْن قبلنا وقد ك ّنا
غافلين عن تلاوتهم كتابهم ،لا نعلم ما يقر�ؤون وما
يقولون .ف َق َط َع اللهُ ب إ�نزاله القر�آن على نبيه محمد
ُح ّج َتهم تلك.
١٥٧ولئلا تقولوا :لو �أ ّنا ُ�أن ِز َل علينا الكتا ُب مثلهم
ف�ُأمرنا و ُنهينا ،و ُب ِّي لنا فيه خط�أ ما نحن فيه من �وصابه
لكنا أ��ش َّد ا�ستقامة على طريق الحق ،واتباع ًا للكتاب،
و�أح�س َن عمل ًا بما فيه منهم .فقد جاءكم كتا ٌب بل�سانكم
عرب ٌّي مبي ُن ،حج ٌة وا�ضح ٌة وبيا ٌن للحق ،وفرقا ٌن بين
ال�وصا ِب والخط ِأ� ،ورحم ٌة لمن عمل به ،ف َم ْن أ�خط ُ�أ ِفعل ًا
و�أ�ش ُّد عدوان ًا مم ْن ك َّذ َب ب ُحجج الله و أ�دلته و أ�عر�َض
عنها؟ �أولئك �سنجزيهم على فعلهم هذا �شدي َد العذا ِب.
في �شيء من ذلك ،وبذلك الإخلا�ص أ�مرني ربي ،و�أنا ١٥٨هل ينتظر ه ؤ�لاء الم�شركون �إلا �أن ت�أتيهم الملائكة
�أ ّو ُل َم ْن �أق َّر و�أذع َن وخ�ض َع ِم ْن هذه الأمة لربه. بالموت ،فتقب�ض �أرواحهم� ،أو ي�أتيهم ربك -يا محمد-
لف�صل الق�ضاء بين خلقه في موقف القيامة� ،أو أ�ن ي أ�تيهم
١٦٤وقل -أ�يها الر�سول -لهم� :أغي َر الله أ�طل ُب ر ّب ًا طلو ُع ال�شم�س ِم ْن مغربها ،ويوم ت أ�تي هذه ا آلية لا ينفع
�أعبده ،وهو خالق كل �شيء ومالكه ومدبره؟ ولا َم ْن كان قبل ذلك م�شرك ًا أ�ن ي�ؤمن بعدها ،ولا ينفع َم ْن
تك�سب نف� ٌس إ�ثم ًا �إلا كان جزا�ؤه عليها ،ولا تحم ُل كان م�ؤمن ًا مفرط ًا في عمله عم ُله إ� ْن عمل ،وك�س ُبه إ� ْن
نف� ٌس ذن َب نف� ٍس أ�خرى ،فل�سنا م�أخوذين ب آ�ثامكم، اكت�سب ،لتفريطه الذي �َس َل َف قبل طلوعها .قل -أ�يها
ولا معاقبين ب إ�جرامكم ،ولكم دينكم ولنا ديننا ،ثم �إلى الر�سول -له ؤ�لاء الم�شركين :انتظروا ما ُذكر إ� ّنا منتظرون
ربكم مرجعكم بعد الموت فينبئكم بما كنتم تختلفون
ليجزل الله لنا ثوابه على طاعتنا و�إخلا�صنا.
فيه من ا ألديان والملل.
� ١٥٩إ َّن الذين فارقوا الدين الحق ،وف ّرقوه ،وكانوا فرق ًا
١٦٥و�إ َّن الله هو الذي جعلكم � -أيها النا�س- فيه و�أحزاب ًا ِ�ش َيع ًا ،من الم�شركين ومن اليهود والن�صارى،
خلائ َف ا ألر�ض؛ يخلف بع ُ�ضكم بع�ض ًا فيها جيل ًا بعد ل�س َت منهم -أ�يها الر�سول -ولي�سوا منك؛ أل َّن الدين
جيل .وخال َف بين �أحوالكم في الرزق والقوة والولد الذي بعثك الله به هو دين ا إل�سلام ،دين �إبراهيم الحنيفية
و�سائر النعم ،ليختبركم فيما �أعطاكم ،فيعلم المطيع من وهم على خلافه ،و َأ� ْم ُر ه ؤ�لاء جميع ًا إ�لى الله وحده؛
العا�صي ،وهو �سريع العقاب لمن يع�صيه ،غفور رحيم لمن يدبره ح�سب ما تقت�ضيه حكم ُته ،و�سينبئهم يو َم القيامة
يتو ُب إ�ليه ويني ُب. بما كانوا يفعلون ويجازيهم عليه.
١٥٠ ١٦٠م ْن جاء ر َّبه يوم القيامة ،با إليمان والعمل
ال�صالح ،فله بالح�سنة ع�شر أ�مثالها ،و َم ْن جاء با ألعمال
ال�سيئة ،فلا يجزى بال�سيئة �إلا �سيئة مثلها ،والله لا
يظلم أ�حداً ِم ْن خلقه ،فلا يزاد في �سيئاتهم ،ولا ينق�ص
من ح�سناتهم �شيء.
١٦١قل � -أيها الر�سول -له�ؤلاء الم�شركين� :إنني
أ�ر�شدني ربي إ�لى الطريق القويم دين ًا م�ستقيم ًا لا عوج
فيه ،وهو الدين الذي اتبعه �إبراهيم مائل ًا به عن العقائد
الباطلة ،وما كان �إبراهيم من الم�شركين بالله.
١٦٣ ١٦٢قل -أ�يها الر�سول -له ؤ�لاء الذين ي�س أ�لونك
َ�أ ْن تتبع �أهواءهم على الباطلِ ،م ْن عبادة ا آللهة وا ألوثان:
إ� ّن �صلاتي وما �أتق َّرب به �إلى الله من الذبح أ�و النحر،
و�سائر ما �آتيه ِم ْن �أعمال في حياتي وعند وفاتي ،كل
ذلك خال�ص لله ر ِّب العالمين ،لا ي�شاركه أ�حد ِم ْن خلقه
عندما جاءهم عذا ُبنا إ�لا اعترافهم على أ�نف�سهم ب أ�نهم
كانوا �إلى �أنف�سهم م�سيئين ،وبربهم م�شركين ،ولأمره
ونهيه مخالفين ،فلم ينفعهم ذلك.
6ف َلن�س أ�ل َّن الأم َم الذين أ�ر�سل ُت إ�ليهم ر�سلي ،ماذا } 1ﭑ{� :سبق الكلام على هذه الحروف
عمل ْت فيما جاءتهم به الر�سل ،هل عملوا بما أ�مرتهم به الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة.
وانتهوا عما نهيتهم عنه �أم ع�وصني ،ولن�س�ألن الر�س َل،
هل بلغوا ر�سالاتي �أم ق�صروا في ذلك؟ والمق�وصد 2هذا القر آ�ن كتاب أ�نزله الله إ�ليك -أ�يها النبي-
بهذين ال�س ؤ�الين تقريع وتوبيخ َم ْن ك ّذبوا المر�سلين لتنذر به َم ْن �أمرتك ب�إنذاره ،و ُتذ ِّكر الم ؤ�منين ،فلا يكن
وع�وصهم ،و�إكرام المر�سلين ب�إظهار براءتهم ِم ْن �أ ِّي في �صدرك �أ ُّي حر ٍج و�ضي ٍق من ا إلنذار به أ�و التذكير.
تق�صي ٍر في البلاغ. 3قل -أ�يها الر�سول -له�ؤلاء المن َذ ِرين :اتبعوا ما
جاءكم ِم ْن عند ربكم من البينات والهدى واعملوا به،
َ 7فل ُنخبر َّن الر�سل و َم ْن أ�ر�سل ُتهم إ�ليهم عن علم يقي ٍن ولا تتبعوا �أمر �أوليائكم الذين ي�أمرونكم بال�شرك .إ�نكم
م ّنا بما عملوه في أ�مري ونهيي ،وما كنا غائبين عنهم
قليل ًا ما تتعظون �أو تعتبرون!
وعن �أفعالهم التي كانوا يفعلونها.
4وح ِّذ ْر ه ؤ�لاء �سخطي؛ فكثيراً ما �أهلك ُت قبلهم
9 8والق�ضا ُء يوم ن�س أ�ل الذين أ�ُر�سل إ�ليهم، ِم ْن أ�هل قرى ع�وصني؛ فجاءتهم عقوبتنا ليل ًا قبل �أن
ون�س�أل المر�سلين هو الق�ضا ُء العد ُل ،و�سيزن الله �أعما َل
خلقه ،الح�سنات منها وال�سيئاتَ ،ف ْمن ث ُقل ْت موازين ي�صبحوا� ،أو جاءتهم نهاراً في وقت القيلولة.
�أعماله ال�صالحة ف�أولئك هم الذين ظفروا بالنجاح.
و َم ْن خ ّف ْت موازين أ�عماله ال�صالحة ف�أولئك الذين 5فلم يكن دعوى أ�هل القرى التي �أهلكناها،
غبنوا �أنف�سهم حظوظها ِم ْن جزيل ثواب الله بما كانوا
يجحدون بحجج الله و�أدلته.
10ولقد هي أ�نا لكم -أ�يها النا�س -الأر�َض ت�ستقرون
عليها ،ومك ّناكم من الت�ص ّرف فيها ،وجعلنا لكم فيها
معاي�ش ِم ْن مطاعم وم�شارب ومنافع ،و أ�نتم قلي ٌل
�شك ُركم على هذه النعم لعبادتكم غيري ،واتخاذكم
�إِله ًا �سواي.
11ولقد ب َد ْأ�نا خلقكم بخلق أ�بيكم �آدم ،طين ًا غي َر
م�و َّص ٍر ،ثم �و ّصرناه على ال�وصرة الب�شرية الكريمة،
ونفخنا فيه ِم ْن روحنا ،ثم قلنا للملائكة :ا�سجدوا
لآدم تحي ًة له و�إظهاراً لف�ضله عندنا ،ف�سجدوا إ�لا �إبلي�س
لم ي�سجد.
١٥١
20فغ َّرر �إبلي� ُس �آدم وحواء ل ُيظ ِه َر ما �ست َر اللهُ ِم ْن 12قال الله لإبلي�س� :أ ُّي �شيء منعك من ال�سجود
عورتيهما التي ي�سوء فطر ًة و َط ْبع ًا الك�ش ُف عنها والنظ ُر لآدم �إذ �أمرتك َأ� ْن ت�سجد له؟ قال� :أنا أ�ف�ضل منه ،لف�ضل
�إليها ،وقال لهما :ما نهاكما ر ُّبكما عن هذه ال�شجرة العن�صر الذي ُخ ِلق ُت منه ،وهو النار ،على الذي ُخلق
أَ� ْن ت أ�كلا ثم َرها إ�لا لئلا تكونا م َلكين� ،أو تكونا من
�آدم منه ،وهو الطين.
الخالدين في الجنة �أبداً فلا تموتا.
21وحلف �إبلي� ُس لهما إ�ني لكما لممن ين�ص ُح في 13قال الله إلبلي�س عند ذلك :فاهبط من الجنة،
فلي�س لك �أن ت�ستكبر فيها عن �أمري وطاعتي ،ف إ�نه لا
م�وشرته وطلبه إ�ليكما ا ألك َل من هذه ال�شجرة. ي�سكن الجن َة متكب ٌر عن أ�مر الله ،فاخر ْج �إنك من الذين
22فخدعهما بتغريره ،فلما �شرعا في ا ألكل من
ال�شجرة ووجدا طع َمها انك�شف ْت لهما عورتاهما، نالهم من الله الذ ُّل والمهان ُة.
فجعلا ي�ش ّدان عليهما ِم ْن ورق الجنة ورق ًة فو َق أ�خرى
لي�سترا عوراتهما ،وناداهما ر ُّبهما معاتب ًا لهما ومو ّبخ ًا: 14قال إ�بلي�س :ر ِّب أ�َ ِّخرني ،فلا تمتني إ�لى يوم ُي ْب َع ُث
�ألم أ�نهكما عن �أكل ثمرة ال�شجرة التي أ�كلتما ثم َرها الخل ُق ِم ْن قبورهم للح�ساب.
و أ�ُ ْع ِل ْمكما �أ َّن إ�بلي�س لكما عدو مبين؟! 15قال الله له� :إنك من الـ ُمن َظرين إ�لى يوم ُينفخ
في ال�وصر النفخة الأولى :نفخة فناء العالم ونهايته،
١٥٢
ال نفخة ال َب ْعث.
16قال �إبلي�س لله ع َّز وج َّل :فب�سبب حكمك عل َّي
بالغواية وال�ضلال لأج ِلهم؛ �أق�س ُم بعزتك ألقعد َّن في
طريق بني �آدم ألمنعهم من الو�وصل إ�لى دينك الحق.
17ثم ألجتهد َّن في �إ�ضلالهم ب َ�أ ْن آ�تيهم ِم ْن أ�مامهم
و ِم ْن خلفهم وعن أ�يمانهم وعن �شمائلهم ،ف�أو�سو�س لهم
أل�ص ّدهم عن الحق ،و ُ�أح�ِّسن لهم الباطل ،ولا تجد �أكثر
بني �آدم �شاكرين لك نعمك التي أ�نعم َت عليهم ،ب أ�ن
ي ؤ�منوا بك ويطيعوك.
18قال الله :اخر ْج من الجنة ممقوت ًا مطروداً،
و أ�ُق ِ�س ُم �أ َّن َم ْن تبعك و�أطاعك من بني آ�دم َ�أ ْن أ�م أل
جهنم ِم ْن جميعكم ،يعني منك و ِم ْن ك ِّل �أتباعك من
ا إلن�س والجن.
19وقال الله يا �آدم :ا�سك ْن �أنت وزو ُجك الجنة
-بعد �أن أ�خرج الله منها إ�بلي�س -ف ُكلا ِم ْن ثمارها ِم ْن
أ�ي مكا ٍن �شئتما منها ،ولا تقربا ث َمر �شجر ٍة ح َّددها
لهما ،فتكونا ممن خال َف �أ َمر ربه ،وفع َل ما لي�س له فعله.
آ�دم وحواء من قبل -ذلك الذي ذكر ُت هو من ُحجج ٢٣قال �آدم وحواء :ر َّبنا َف َعلنا ب أ�نف�سنا ما لم يكن لنا
الله و أ�دلته لي َّذكروا فيعتبروا ويتوبوا إ�لى الحق. �أَ ْن نفعل ،و�إ ْن �أنت لم ت�ستر علينا ذنبنا وترحمنا بتع ُّطفك
٢٧يا بني آ�دم لا يخدع َّنكم ال�شيطا ُن ف ُيبدي �َس ْوءاتكم علينا وتركك م ؤ�اخذتنا به لنكون َّن من الهالكين.
للنا�س كما فعل ب أ�بويكم ،حيث أ�خرجهما بمكره
وخداعه من الجنة ،ونز َع عنهما ما كان الله أ�لب�سهما ٢٤قال الله لآدم وحواء و�إبلي�س :اهبطوا �إلى الأر�ض،
من اللبا�س� ،إ َّن ال�شيطان يراكم هو وجنو ُده الذين هم بع ُ�ضكم لبع�ض عدو ،ولكم فيها م�ست َق ٌّر ت�ستقرون فيه،
ِم ْن �صنفه وجن�سه ِم ْن حيث لا ترونهم �أنتم� ،إ ّنا جعلنا
ال�شياطين ُن َ�صاء الكفار الذين لا يو ِّحدون الله ولا ومتا ٌع تنتفعون به �إلى حين انق�ضاء� آجالكم.
ي�ص ِّدقون ر�سله. ٢٥قال الله للذين َأ�هبطهم :في الأر�ض تكون
حياتكم ،وفيها تكون وفاتكم ،ومنها ُيخرجكم ر ُّبكم
٢٨و إ�ذا فعل الم�شركون قبيح ًا من الفعل -كتعريهم
عند الطواف بالبيت -ف ُع ِذلوا و ُعوتبوا على ذلك قالوا: بعد �إحيائكم للح�ساب يوم القيامة.
وجدنا آ�باءنا يفعلونه فنحن نقتدي بهم ،والله أ�مرنا به،
قل لهم -أ�يها الر�سول :-إ�ن الله لا ي أ�مر خلقه بقبائح ٢٦يا بني آ�دم قد خلقنا لكم لبا�س ًا ي�ستر عوراتكم،
ا ألفعال ،أ�تك ِذبون على الله ب�أَ ْن تن�سبوا إ�ليه ما لا تعلمون؟! ولبا�س ًا يزينكم ويجملكم ،ولبا� ُس التقوى من ا إليمان
والحياء والعمل ال�صالح خي ُر لبا� ٍس ،فالب�سوه -وفي
٢٩قل � -أيها الر�سول -له�ؤلاء الذين يزعمون أ�ن الآية إ��شارة إ�لى ما كانت عليه بع�ض القبائل الجاهلية من
الله أ�مرهم بالفح�شاء :ما �أم َر ربي بما تقولون ،بل �أم َر التع ّري عند الطواف ،و أ�نه خدع ٌة من ال�شيطان كخدعته
ربي بالعدل في الأمور ك ِّلها ،وهو ما ا�ست ّقر في النفو�س
�أنه م�ستقيم لا ينكره مميز ،فكيف ي�أمر بالفح�شاء وهي ١٥٣
ما َع ُظم قبحه؟! و�أمركم �أَ ْن تجعلوا �سجودكم خال�ص ًا له
دون ما �سواه ،و أ�ن تعبدوه مخل�صين له العبادة .وكما
خلقكم � -أيها النا�س -ولم تكونوا �شيئ ًا ،تعودون بعد
الفناء ليجازيكم على �أعمالكم.
٣٠و�أنتم تعودون �إلى الله فريقين :فريق ًا �سعداء،
هداهم اللهُببعثة الر�سل فاهتدوا بهديهم ،وو َّفقهم للعمل
ال�صالح وثبتهم عليه ،فهم مهتدون ،وفريق ًا ح َّق عليهم
ال�ضلالة فلم يقلعوا عنها لاتخاذهم ال�شيطا َن ِم ْن دون
الله ول ّي ًا ،ولم يتبعوا داعي الهدى ،ويظنون لاغترارهم
بخداع ال�شيطان أ�نهم على ح ٍّق وهدى.
٣٦و أ� ّما َم ْن ك َّذب ب أ�نباء ر�سلي التي أ�ر�سلتها إ�ليه، ٣١يا بني �آدم خذوا زينتكم من الك�ساء واللبا�س
وا�ستكب َر عن ت�صديق حججي و أ�دلتي ،ف�أولئك أ�هل عند كل م�سج ٍد وعند كل �صلاة ،وكلوا ِم ْن طيبات ما
رزقتكم ،وا�شربوا ِم ْن حلال ا أل�شربة ِم ْن غير إ��سراف ولا
النار ،هم فيها ماكثون لا يخرجون منها �أبداً. اعتداء ،إ� َّن الله لا يح ُّب المتعدين حدوده في حلال �أو
حرام ،ولكنه يح ُّب َ�أ ْن ُيح َّلل ما أ�ح َّل و ُيح َّرم ما ح َّر َم،
٣٧فمن �أ ْظ َل ُم فعل ًا ممن اختل َق على الله زوراً من القول
فقال إ�ذا َف َع َل فاح�ش ًة� :إ َّن الله �أمرنا بها� ،أو ك َّذب ب أ�دلته وذلك هو العدل الذي �أمر به.
وحججه الدالة على وحدانيته ونبوة �أنبيائه؟ أ�ولئك
٣٢قل -أ�يها الر�سول -له ؤ�لاء الجهلةَ :م ْن ح ّرم
ي�صل إ�ليهم ح ُّظهم م ّما كت َب الله لهم في اللوح المحفوظ عليكم زين َة الله التي خلقها لعباده ،والحلا َل من الرزق؟
ِم ْن خي ٍر و�ش ٍّر في الدنيا ،ورز ٍق وعم ٍل و أ�ج ٍل� ،إلى َأ� ْن
ت�أتيهم ر�سلنا لقب�ض �أرواحهم ،ف�إذا جاءهم ملك الموت قل :هي للذين �آمنوا طيبة في الحياة الدنيا ،وهي لهم في
وجنده قالوا لهم� :أين الذين كنتم تدعونهم �أولياء ِم ْن الآخرة خال�صة ع ّما يك ِّدرها ،كما بين ُت لكم ا ألحكا َم
دون الله تعبدونهم؟ قالوا :تركونا عند حاجتنا �إليهم فلم في اللبا�س والطعام وال�شراب كذلك �أبي ُن جمي َع �أحكامي
ينفعونا ،و�َش ِه َد القو ُم حينئ ٍذ على �أنف�سهم أ�نهم كانوا لقو ٍم يفقهون ما يب َّي لهم.
كافرين بالله جاحدين وحدانيته.
٣٣قل � -أيها الر�سول -له ؤ�لاء القوم� :إن الله لم يح ِّرم
ما تح ِّرمونه ،و إ�نما ح َّرم القبائح من ا أل�شياء ما ظهر منها
فكان علانية ،وما بطن منها فكان �سراً في خفاء ،وح ّرم
المع�صي َة والا�ستطال َة على النا�س ،وال�شر َك بلا ُح ّج ٍة ولا
برهان ،و َ�أ ْن تن�سبوا إ�لى الله ما لم يقله.
٣٤ولك ِّل جماع ٍة اجتمع ْت على تكذيب ر�سل الله
وق ٌت لحلول العقوبات ب�ساحتهم ،ف إ�ذا جاء ذلك الوقت
ال يت�أخرون بالبقاء في الدنيا �ساع ًة ،ولا يتقدمون بذلك
أ�ي�ض ًا عن الوقت الذي جعله الله لهم وقت ًا للهلاك.
٣٥يا بني �آدم �ِإ ْن ي�أتكم ر�سلي -وهم ِم ْن ع�شائركم
وقبائلكم -يتلون عليكم آ�يات كتابي ،ف َم ْن �آمن منكم
واتقى الله فخافه و أ��صل َح أ�عماله فلا خوف عليهم يوم
القيامة ،ولا هم يحزنون على ما فاتهم ِم ْن دنياهم
التي تركوها.
١٥٤
40إ�ن الذين ك َّذبوا بحججنا الدالة على توحيد الله 38قال الله له ؤ�لاء المفترين المك ِّذبين يوم القيامة:
ونبوة �أنبيائنا فلم ي�ص ِّدقوا بها ،وتكبروا عن الإيمان بها ادخلوا النار في زمر ٍة ِم ْن أ��شكالكم و ُنظرائكم المك ِّذبين
والت�صديق لها ،و�أنفوا عن اتباعها والانقياد لها والعمل ال�ضالين من الأمم ال�سابقة لكم� ،إن�سهم وج ِّنهم ،كلما
بمقت�ضاها تكبراً؛ لا تفتح لأرواحهم �إذا خرج ْت ِم ْن دخلت النا َر جماع ٌة ِم ْن �أهل ِم َّلة دع ْت على الجماعة
�أج�سادهم أ�بواب ال�سماء ،ولا ي�صعد لهم �إلى الله ع ّز ا ألخرى ِم ْن �أهل ِم َّلتها ،تب ِّري ًا منها ،حتى �إذا اجتمع
وج ّل في حياتهم قول ولا عمل ،ولا يدخلون الجنة حتى فيها ا ألولون ِم ْن �أهل الملل الكافرة ،وا آلخرون منهم
يدخل الج َم ُل في ثقب ا إلبرة -وذلك غي ُر ممك ٍن -وبمثل قالت أ�خراهم تتهم أ�ُولاهم :ر َّبنا ه ؤ�لاء �ضلوا قبلنا
بعبادة غيرك فاتبعناهم بما ز ّينوا لنا ِم ْن طاعة ال�شيطان
الذي و�صفنا نجزي المك ِّذبين الم�ستكبرين من كل ُ�أ ّمة. ف�آتهم اليوم �ضع َف عذابنا .قال الله :لجميعكم� ،أولكم
و آ�خركم ،تا ِبعكم ومتبوعكم عذا ٌب م�ضا َع ٌف،
41لهم ِم ْن نار جهنم ِفرا�ش ،ومنها عليهم أ�غطية، ولكنكم ال تعلمون َق ْد َر ما أ�ع َّد الله لكم من العذاب،
فالنار محيطة بهم ِم ْن تحتهم و ِم ْن فوقهم ،وكذلك
نكافئ ونجازي الم�شركين الذين توجهوا بالعبادة إ�لى فلذلك ت�س أ�لون ال ِّ�ضعف منه.
غير م�ستحقها. 39وقال الذين ا ُّت ِبعوا للذين ا َّت َبعوا :فما كان لكم
علينا ِم ْن ف�ضل ،يعني :قد �ضللتم كما �ضللنا ،وكفرتم
42والذين �ص َّدقوا الله ور�سوله ،و�أقروا بما جاءهم به كما كفرنا .فيقول الله تعالى للجميع :ذوقوا العذا َب
ِم ْن وحي الله إ�ليه وتنزيله عليه ِم ْن �شرائع دينه ،وعملوا
بما �أمرهم به و�أطاعوه في ذلك وتجنبوا ما نهاهم عنه ب�سبب ما كنتم تك�سبون من الكفر وا ألعمال الخبيثة.
-ولا نكل ُف نف�س ًا �إلا ما في و�سعها من ا ألعمال وما
ي�سهل عليها ويدخل في �إمكانها وقدرتها ،وما لا حرج
فيه عليها ولا �ضيق -أ�ولئك أ��صحا ُب الجنة هم فيها
خالدون بلا َه َر ٍم وال موت.
43وط ّهرنا �صدو َر الم�ؤمنين ،و أ�خرجنا ما فيها ِم ْن
غ� ٍّش وح�س ٍد وحق ٍد وعداو ٍة كانت بينهم في الدنيا،
فجعلناهم إ�خوان ًا على �سرر متقابلين ،لا يح�سد بع ُ�ضهم
بع�ض ًا في �شيء ،تجري ِم ْن تحتهم ا ألنهار ،وقالوا -إ�ذا
دخلوا الجنة :-الحمد لله الذي و ّفقنا و�أر�شدنا للعمل
الذي هذا ثوا ُب ُه ،وتف َّ�ضل علينا بهذا النعيم المقيم
ف�ضل ًا منه وكرم ًا ،و َ� َص َف ع ّنا عذا َب جهنم رحم ًة
منه و�إح�سان ًا ،وما ك ّنا لن�سلك �سبيل الهداية للاو �أن
الله أ�ر�شدنا �إليه ،لقد جاء ْت ر�س ُل ربنا بالحق وها نحن
نرى ما وعدنا به عيان ًا .ونادى منا ٍد :يا أ�هل الجنة :إ� َّن
هذه الجنة التي كانت الر�سل وعدتكم بها في الدنيا
ُ�أورثتموها بما عملتم من ا ألعمال ال�صالحة في الدنيا.
١٥٥
49هل ه ؤ�لاء ال�ضعفاء من الم�سلمين الذين حلفتم 44ونادى أ�ه ُل الجنة �أه َل النار -تقريراً لهم وتبكيت ًا-
بالله أ�نهم لا يدخلون الجنة؟ ها هم قيل لهم :ادخلوا قائلين لهم :إ� ّنا قد وجدنا ما وعدنا ر ُّبنا في الدنيا على
�أل�سنة ر�سله من الثواب على ا إليمان به وبر�سله وطاعته
الجنة ال تخافون مما ي أ�تي ،ولا تحزنون على ما فات. ح ّق ًا ،فهل وجدتم ما َو َع َد ر ُّبكم من العذاب على الكفر
ح ّق ًا؟ قالوا :نعم ،فنادى منا ٍد بين الفريقين :أ� ّن الطر َد
50ونادى أ�ه ُل النار أ�ه َل الجنة -وقد ُأ�ذن لهم
فنظروا إ�ليهم ور أ�وا ما هم فيه من النعيم :-إ� ّنا قد احترقنا والإبعاد عن رحمة الله جزاء الظالمين.
و ُجعنا وع ِط�شنا ف�أفي�وضا علينا من الماء ،و�أطعمونا مما
رزقكم الله .فيقول لهم أ�ه ُل الجنة� :إ َّن الله ح َّر َم طعا َم 45الذين يمنعون النا� َس عن الدخول في دين الإ�سلام
ويحاولون َأ� ْن يغيروا دي َن الله وطريق َته التي �َ َش َع لعباده،
الجنة و�شرابها على الكافرين.
وهم با آلخرة جاحدون.
51ه�ؤلاء الكافرون الذين ح َّرم اللهُعليهم طعام الجنة
و�شرابها هم الذين تلاعبوا في الدنيا بدينهم الذي �ُ ِش َع 46وبين الجنة والنار �سو ٌر يحج ُب عن �أهل الجنة
لهم ،و َلهوا عنه ،وخدعهم عاج ُل ما هم فيه من نعيم غ�ض َب الله وعذا َبه ،وعن أ�هل النار رحم َة الله ،وعلى
العي�ش ،و�شغلهم ذلك عن الإيمان بالله ور�سله ،والعم ِل هذا ال�سور الحاجز قو ٌم ا�ستو ْت ح�سنا ُتهم و�سيئا ُتهم،
ل آلخرة ،فاليوم -وقد عادوا إ�لينا -نتركهم في العذاب فتجاوز ْت بهم ح�سنا ُتهم النا َر وق�صر ْت بهم �سيئا ُتهم
المهين جياع ًا عطا�ش ًا ،كما تركوا العم َل للقاء يومهم عن �إدخالهم الجنة ،وهم يعرفون �أه َل الجنة ببيا�ض
وجوههم ون�ضرة النعيم عليها ،ويعرفون أ�ه َل النار
هذا ،وكما كانوا بدلائل وحدانيتنا يك ِّذبون. ب�سواد وجوههم وما يظه ُر عليهم من الذل والعذاب
وا ألهوال ،ونادوا أ��صحا َب الجنة قائلين لهم :لقد
١٥٦ �سلمتم من ا آلفات ،وح�صل لكم ا ألمن وال�سلامة .ولم
يدخل �أه ُل ا ألعراف الجن َة وهم يرجون َ�أ ْن ت�شملهم
رحمة الله فيدخلوها.
47و�إذا ُو ِّج َه ْت وجوه �أ�صحاب ا ألعراف تجاه
�أ�صحاب النار فنظروا إ�ليهم و إ�لى �سواد وجوههم وما
هم فيه من العذاب دعوا ربهم فقالوا :ربنا لا تجعلنا
مع الذين ظلموا �أنف َ�سهم ب�أن أ�ك�سبوها ِم ْن �سخطك ما
�أورثهم من العذاب ما هم فيه.
48ونادى أ��صحا ُب ا ألعراف رجال ًا كانوا عظماء
في الدنيا وهم من أ�هل النار يعرفونهم بعلامة �أهل
النار ،قالوا لهم :لم ُي ْغن عنكم ما كنتم تجمعون من
الأموال وا ألعوان في الدنيا ،ولم ُي ْغ ِن عنكم تك ُّبكم
عن ا إليمان �شيئ ًا.
الخ�سران إ�ذ ا�شتروا با آلخرة الباقية الدنيا الفانية ،وذه َب 52ولقد جئنا ه�ؤلاء الكفار بكتا ٍب عظيم ال�ش�أن،
عنهم ما كانوا يع ِّولون عليه من المعبودات الزائفة ،فلا وهو القر�آن الذي �أنزلناه عليك � -أيها الر�سول -ب ّي ّنا به
الوع َد والوعي َد ،وف َ�صلنا فيه بين الحق والباطل ،على عل ٍم
�شفيع لهم. م ّنا بح ِّق ما ب ّي ّناه و�صح ِة ما ف ّ�صلناه ،هدى لمن اهتدى به،
54إ� َّن �س ِّيدكم ومالككم و ُم�صلحكم هو الله الذي ورحم ًة لمن �آمن به.
�أن�ش أ� ال�سماوات والأر�َض على غير مثا ٍل �َسبق في
مقدار �ستة أ�يام ،ثم ا�ستوى على العر�ش ،ي�أتي بالليل 53هل ينتظر ه�ؤلاء الكفار الذين ك َّذبوا ب�آيات كتابنا
على النهار فيغطيه حتى يذهب بنوره ،وي�أتي بالنهار وجحدوها ولم ي�ؤمنوا بها �إلا عاقبة أ�مره ،وذلك حين
على الليل كذلك حتى يذهب بظلمته ،يطلب ك ٌّل منها يكون ما أ�خبرهم به هذا القر آ�ن ،ويح�صل ما نطق به من
الآخر طلب ًا دائم ًا ِم ْن غير فتور ،و َخ َل َق ال�شم�س والقمر الوعد والوعيد مح�سو�س ًا م�شاهداً وذلك يوم القيامة،
والنجوم جاري ًة في أ�فلاكها ب أ�مره ،وهو الذي َخ َل َق حينئ ٍذ يقول الذين تركوا العمل بالقر آ�ن و�أعر�وضا
ا أل�شياء كلها دون غيره ،وله أ�ن يحكم فيها بما �شاء، عنه مق ِّرين بما لا ينفعهم الإقرا ُر به� :إ َّن الذي جاء ْت
َ َت ّجد اللهُ ر ُّب العالمين وك ُثَ خي ُر ُه و َت َع َّظم ،ال ي�ستح ُّق به الر�سل ح ٌّق ،ولي�س لنا طريق إ�لى الخلا�ص مما نحن
فيه من العذاب �إلا أ�ن ي�شفع لنا �شفيع مقبول� ،أو ُنر َّد
التعظي َم �أح ٌد �سواه. إ�لى الدنيا فن�ستبدل بالكفر توحيداً و إ�يمان ًا ،وبالمعا�صي
طاع ًة و إ�ناب ًة .ولك ّن ذلك لن يكون ،وقد خ�سروا �أعظ َم
55ا�س�ألوا ربكم ك َّل ما احتجتم �إليه تذ ُّلل ًا وا�ستكانة،
و�س ّراً في أ�نف�سكم وعلانية ،ولا تعتدوا في الدعاء ولا ١٥٧
في غيره ،ولا تتجاوزوا ما أ�ُمرتم به ،إ� ّن الله لا يحب
المجاوزين ما أُ�مروا به .
56ولا تف�سدوا -أ�يها النا�س -في ا ألر�ض بالمعا�صي
والكفر والدعوة �إلى غير طاعة الله بعد �إ�صلاح الله �إياها
ببعثة الر�سل وبيان ال�شرائع ،وادعوا الله خوف ًا وطمع ًا
فيما عنده ،إ� ّن �إف�ضال الله و إ�نعامه قري ٌب ممن يح�سنون
في �أقوالهم و�أفعالهم.
57و�إ َّن ربكم هو الذي ي�س ِّخر الرياح ويبعثها
مب�ِّش ًة بالغيث الذي هو رحمته ،حتى �إذا حمل ْت هذه
الرياح �سحاب ًا ثقال ًا بما فيها من الماء� ،سقناه �إلى أ�ر�ض
موا ٍت جدباء ف ُن ْخ ِرج به بعد الجدب ِم ْن أ��صناف الثمار
والزروع ،وكما �أحيينا البلد الميت كذلك نخرج الموتى
ِم ْن قبورهم بعد فنائهم ودرو�س آ�ثارهم ،وقد ب ّينا لكم
ذلكم لعلكم تتذكرون فتعلموا أ�ن َم ْن فعل ذلك قادر
على إ�حياء الموتى وبعثهم ِم ْن قبورهم.
58وا ألر�ض الطيبة التربة إ�ذا �أ�صابها الغيث يخرج
نباتها طيب ًا مبارك ًا ب�إذن الله ،وا ألر�ض الخبيثة التربة لا
يخرج نباتها �إلا قليل ًا ع�سراً لا نفع فيه وال خير -وهذا
مث ٌل للم ؤ�من الذي إ�ذا �سمع القر�آن انتفع به ،والكافر
الذي لا ينتفع به -وكما �ضربنا هذا المثل كذلك نب ّ ُي
ا آليات الدالة على التوحيد والإيمان آ�ي ًة بعد �آي ٍة لقوم
ي�شكرون الله على إ�نعامه الجزيل عليهم.
64فك َّذب نوح ًا قو ُمه ،ولـ ُّجوا في طغيانهم يعمهون، 59ولقد بعثنا نوح ًا فقال لقومه :يا قوم اعبدوا الله
ف�أنجاه الله في ال�سفينة ،هو والذين معه من الم�ؤمنين به، ف�إنه هو الذي ي�ستحق العبادة لا غيره ،ولي�س لكم �إله
و�أغر َق الله الذين ك َّذبوا بحججه ،ولم يتبعوا ر�سوله،
معبود بح ٍّق �سواه� ،إني �أخاف عليكم �إ ْن لم تفعلوا عذاب
إ�نهم كانوا قوم ًا عمي ْت قلو ُبهم عن معرفة الحق. يو ٍم يعظم فيه بلا ؤ�كم ،وي�شتد �سخط ربكم عليكم.
65وبعثنا �إلى عاد هوداً ،قال :يا قوم اعبدوا الله 60قال الكبراء ِم ْن قومه� :إنا لنراك يا نوح زائغ ًا عن
ف أ�فردوا له العبادة ،ولا تجعلوا معه إ�له ًا غيره ،ف�إنه لي�س الحق ،زيغ ًا مبين ًا .وهذا حال الفجار عاد ًة ،يرون ا ألبرار
لكم إ�له غيره ،أ�فلا تخافون عقابه بعبادتكم غيره. في �ضلالة.
66قال الكبرا ُء ِم ْن قوم هود الذين جحدوا توحيد 62 61قال نوح :يا قوم لي�س بي ما تظنون من
الله ،و أ�نكروا ر�سالته :إ� ّنا لنراك يا هود في ُحم ٍق وجهال ٍة ال�ضلال ،ولكني ر�سول �إليكم ِم ْن رب العالمين� ،أر�سلني
و�ضلال ٍة عن الحق وال�وصاب ،و�إنا لنظ ّنك من الكاذبين ربي إ�ليكم ،ف أ�نا �أبلغكم ر�سالاته ،و�أخل�ص الن�صح لكم
في قولك� :إني ر�سول ِم ْن رب العالمين. في تحذيري إ�ياكم عقاب الله ،و إ�ر�شادكم �إلى ما فيه
67قال هود :يا قوم لي�س بي ما ت َّدعون من ال�ضلالة م�صلحتكم ،و أ�عل ُم من الله تعالى بالوحي �أ�شياء لا علم
وال ِخ ّفة والطي�ش ،ولكني ر�سول ِم ْن ر ِّب العالمين. لكم بها ،والتي منها ما ينتظركم ِم ْن عذاب عظيم في
الدنيا قبل ا آلخرة إ� ْن �أ�صررتم على الكفر بربكم ،فاقبلوا
ُن�صحي وتحذيري إ� ّياكم.
63أ�ك َّذبتم وعجبتم �أَ ْن جاءكم وح ٌي من ربكم على
رجل منكم تعرفون ن�سبه و َف ْ�ضله ،جاءكم لينذركم
ب�أ�س الله ،ولتتقوا عقاب الله ،بتوحيده و إ�خلا�ص ا إليمان
به والعمل بطاعته ،و ِل َيحمكم ر ُّبكم إ�ن ا َّتقيتمو ُه
وخفتمو ُه وحذرتم ب�أ�َسه؟!
١٥٨
ا أل�صنام ،ف أ�تنا بما تعدنا من العذاب �إ ْن كنت �صادق ًا فيما
تخبرنا به.
71قال هو ٌد مجيب ًا لهم :قد نز َل ووج َب عليكم
ِم ْن ربكم عذا ٌب و�سخ ٌط� ،أتخا�صمونني في �أ�صنام
�سميتموها آ�له ًة �أنتم و آ�با�ؤكم ،ما ن َّزل الله ِم ْن ُح ّجة ولا
برهان على هذه الت�سمية ،و�إنما هي ِم ْن عند �أنف�سكم بغير
دليل ،فانتظروا العذا َب �إني معكم منتظر نزوله بكم.
72ف أ�نجينا هوداً عند نزول العذاب بقومه ،و�أنجينا
أ�تباعه الذين آ�منوا به و�صدقوه ،ألنهم كانوا م�ستحقين
للرحمة ،و�أهلكنا الذين ك ّذبوا بمعجزات ُهو ٍد الدا ّلة
على ِ�ص ْدقه �إهلاك ًا تا ّم ًا� ،إنهم لم يكونوا م�ص ِّدقين بالله
ولا بر�سوله.
73و َب َع ْثنا إ�لى ثمود �أخاهم �صالح ًا ،قال لهم :يا قوم 68أ�ر�سلني الله إ�ليكم ،ف أ�نا أ�ب ِّلغكم ر�سالات الله،
و ِّحدوا الله تعالى ولا ت�شركوا به �شيئ ًا ،فما لكم ِم ْن �إل ٍه و ُأ��َؤديها إ�ليكم كما �أمرني �أَ ْن أ� ؤ�ديها ،و�أنا لكم نا�ص ٌح في
ي�ستحق أ�ن ُيعبد �سواه ،قد جاءتكم حج ٌة من ربكم �أمري إ�ياكم بعبادة الله وحده ،و�أنا أ�مي ٌن على وحي الله،
وبرها ٌن على �صدق ما �أقول و�أدعو إ�ليه :هذه ناقة الله
لا أ�ك ِذ ُب فيه ولا �أزيد ولا أ�ب ِّدل.
-وكانت معجز ًة في خلقها وخروجها وما يبدو منها-
69أ�َ َعجبتم �َأ َن أ�نزل اللهُ وحيه على رج ٍل تعرفونه
علام ٌة على �صدقي ،فاتركوها ت أ�كل الع�ش َب ِم ْن �أر�ض لينذركم ب أ��س ربكم ويخوفكم عقابه؟! واذكروا نعمة
الله ،ولا تطردوها وال تقربوها ب�شي ٍء من أ�نواع ا ألذى
الله عليكم �إذ أ�هلك قو َم نوح وجعلكم تخلفونهم في
ولا تعقروها ،ف�إ ْن تفعلوا ينزل بكم عذا ٌب م�ؤلـ ٌم. ا ألر�ض ،وزاد في خلقكم طلا ًو وقوة ،فاذكروا نعم الله
عليكم واعملوا عمل ًا يليق بذلك ا إلنعام ،وهو أ�َ ْن
ت ؤ�منوا به وتتركوا ما أ�نتم عليه ِم ْن عبادة ا أل�صنام لكي
تفوزوا بالفلاح ،وهو البقاء في نعيم ا آلخرة.
70قال قو ُم هود م�ستنكرين م�ستهزئين� :أجئتنا
يا هود لنعبد اللهُ وحده ونتر َك ما كان يعبد آ�با ؤ�نا ِم َن
١٥٩
80واذكر -أ�يها الر�سول -لوط ًا �إذ قال لقومه: 74واذكروا أ� َّن الله �أهل َك عاداً وجعلكم تخلفونهم
أ�ت أ�تون الفاح�شة -وهي إ�تيا ُن الذكران -ما �سبقكم في الأر�ض ،وتعمرونها و�أ�سكنكم في ا ألر�ض تبنون
-بما م ّكنكم الله -في �سهولها ق�وصراً ،وتنحتون من
بفعل هذه الفاح�شة أ�ح ٌد من العالمين. الجبال بيوت ًا ،تن ُّعم ًا وتر ُّفه ًا ،فاذكروا ِن َع َم الله عليكم
وا�شكروه عليها ،ولا ت�سيروا في ا ألر�ض مف�سدين فيها.
81وقال لهم :إ�نكم �أيها القو ُم َلت�أتون الذكو َر في
أ�دبارهم �شهو ًة خبيث ًة منكم ،تاركين ما أ�باحه الله لكم 75قال ال ُكبراء من قوم �صالح الذين تعا َلوا عن ا إليمان
و َ�أ َح َّله من الن�ساء ،إ�نكم قو ٌم أ��سرفتم في �شهواتكم ،حتى به ،للم�ست�ضعفين الذين آ�منوا ب�صالح� ،ساخرين منهم:
�أتعلمون �أن الله �أر�سله إ�لينا و إ�ليكم؟ قال الم�ست�ضعفون� :إ ّنا
تعديتم حدو َد العق ِل والفطر ِة. بما �أر�سلاللهبه�صالح ًامنالدينوالهدىوالحقم�ص ِّدقون.
76قال الم�ستكبرون عن �أمر الله والإيمان به وبر�سوله
�صالح� :إ ّنا بالذي �آمنتم به جاحدون منكرون.
77فعقر الكفا ُر ِم ْن قوم �صالح الناق َة ،وا�ستكبروا
عن امتثال أ�وامر ربهم ونواهيه ،وتركوا �أمره في ال َّناقة،
وقالوا مت َح ّدين نبيهم :يا �صالح ائتنا بما َت ِع ُدنا من العذاب
إ� ْن كن َت -كما تزع ُم -ر�سلا ًو من الله ،ف�إن الله ين�صر
ر�سله على� أعدائه.
78ف أ�خذتهم الزلزل ُة ِم ْن تحتهم وال�صيح ُة من فوقهم،
ف�أ�صبحوا في أ�ر�ضهم وبلدهم �ساقطين على وجوههم
َ� ْصعى لا يتحركون.
79فخرج �صالح ِم ْن �أر�ضهم بعد �أن عقروا الناقة
وا�ستعجلوه العذاب ،ألن الله تعالى �أوحى �إليه :إ�ني
مهلكهم بعد ثلاثة �أيام ،وقال لهم -بعد هلاكهم
متح�ِّساً : -يا قوم لقد أ�بلغتكم ما أ�مرني ربي ب�إبلاغه
إ�ليكمِ ،م ْن أ�مره ونهيه ،و�أخل�ص ُت ال ُّن�صح ،ولك ّنكم لا
تحبون النا�صحين لكم في الله ،الناهين لكم عن اتباع
�أهوائكم و�شهوات أ�نف�سكم.
١٦٠
85و�أر�َس ْلنا إ�لى أ�هل َم ْدين أ�خاهم �ُشعيب ًا ،فقال لهم:
يا قوم ،اعبدوا الله وحده لا �شريك له ،مالكم من إ�ل ٍه
ي�ستوجب عليكم العبادة غير ا إلله الذي خلقكم ،وبيده
نف ُعكم و�ض ُّركم ،قد جاءتكم علام ٌة وحج ٌة من الله
بحقيقة ما أ�قول ،و�صد ِق ما �أدعوكم �إليه ،ف أ�تموا للنا�س
حقو َقهم بالكيل الذي تكيلون به ،وبالوزن الذي تزنون
لهم به ،وال تظلموا النا� َس حقو َقهم ،ولا تنق�وصهم
إ�ياها ،ولا تعملوا في أ�ر�ض الله بمعا�صيه بعد َ�أ ْن �أ�صلحها
الله بابتعاثي فيكم .هذا الذي ذكرته لكم ،خي ٌر لكم في
عاجل دنياكم ،و آ�ج ِل آ�خرتكم ،إ� ْن كنتم م�صدق ّي فيما
�أقول لكم.
86وقال �شعيب لهم :ولا تجل�سوا بكل طريق 82وما كان جواب قوم لو ٍط إ�ذ و َّبخهم على فعلهم
توعدون الم ؤ�منين بالقتل ،وتخ ِّوفون النا� َس �َأ ْن ي أ�توني، القبيح ،إ�لا �َأ ْن قال بع ُ�ضهم لبع�ض� :أخرجوا لوط ًا و�أتباعه
وتقولون� :إ َّن �شعيب ًا كاذ ٌب فاحذروه ،وت�ص ُّدون بكل من الم ؤ�منين ِم ْن قريتكم؛ إ�نهم أ�نا� ٌس يتنزهون ويتعففون
هذا عن طريق الله ،وتبغون هذه الـ ِم َّلة الم�ستقيمة �أن
تكون عوج ًا بتنقي�صكم لها و�إلقائكم ال�ُّشبه الم�ش ِّككة عما نفعله.
حولها ،واذكروا نعم َة الله عليكم ب�أَ ْن ك َّث جماعتكم بعد
83فل ّما �َأ َبى قو ُم لوط إ�لا التمادي في َغ ِّيهم؛ �أنجينا لوط ًا
أ�ن كان عددكم قليل ًا ،وا�شكروه على ذلك ،وانظروا ما و أ�هله الم ؤ�منين به� ،إلا امر�أته ،ف�إنها كان ْت له عا�صي ًة ،وبالله
نزل بمن كان قبلكم من الأمم حين َع َت ْوا عن �أمر ربهم ،من كافر ًة ،فكانت من الباقين الذين أ��صابهم العذاب.
الـ َم ُثلات وال َّنقمات ،وكيف وجدوا عقبى ع�صيانهم.
84و�أ ْم َطرنا على قوم لو ٍط الذين ك َّذبوه ولم ي�ؤمنوا به
87و�إ ْن كان ْت جماع ٌة منكم �ص َّدقوا بما �ُأر ِ�س ْل ُت حجار ًة ِم ْن �س ِّجيل -أ�ي طين متح ِّجر مطبوخ بالنار-
به فا َّت َبعوني على ذلك ،وجماع ٌة أ�خرى لم ي�ص ِّدقوا أ�هلكناهم بها ،فانظر -أ�يها الر�سول� -إلى عاقبة ه�ؤلاء
ولم يتبعوني فا�صبروا حتى ي أ�تي ق�ضا ُء الله الفا�ص ُل بيننا الذين كذبوا الله ور�سوله ِم ْن قوم لوط ،واجترحوا
وبينكم ،والله خير َم ْن يف�صل ،و�أعدل َم ْن يق�ضي ،ألنه المعا�صي ،وركبوا الفواح�ش ،وا�ستحلوا ما ح َّرم الله،
كيف كانت ،و�إلى أ�ي �شيء �صارت؟! هل كانت إ�لا
لا يقع في حكمه َمي ٌل �إلى أ�حد ،ولا ُمحابا ٌة لأحد. ال َبوار والهلاك؟ و�إن ذلك عاقبة َم ْن ك َّذ َب ِم ْن قومك.
١٦١
ُن�صحي ،فلا أ�حزن أ�نا و َم ْن معي على هلاك َمن اختار 88ولـ ّما دعا �شعي ٌب عليه ال�سلام قومه إ�لى الإيمان،
الكف َر و أ��ص َّر عليه . ونهاهم عن الظلم وتخويف النا�س ِل َي�ص ّدوهم عن
الإيمان ،وح َّذرهم ب�أ� َس الله وعذابه ،قال وجها ُء قومه
94ثم قال الله تعالى لنبيه محمد بعد أ�ن َذ َك َر الذين ا�ستكبروا عن ا إليمان بالله -م�ست�ض ِعفين له ولمن
بع�َض �أخبار ا ألنبياء مع �أقوامهم ،مبين ًا له �سن َته ال�سابقة معهُ ،مق�سمين على أ�حد أ�مرين :-إ� ّما �أن ُنخرجك
فيهم ،وزاجراً َم ْن ك َّذب نب َّيه محمداً من أ�هل مكة: يا �شعيب والذين آ�منوا معك ِم ْن قريتنا� ،أو أ�ن تعودوا
وما أ�ر�سلنا في قرية ِم ْن نبي ،فكذبوه إ�لا ابتلينا المك ِّذبين إ�لى ديننا ،ف�أنك َر �شعي ٌب على قومه أ�ن يجبروهم على
بال�شدة و ِ�ضيق العي�ش والم�صائب وا ألمرا�ضِ ،ل َيثوبوا ذلك ،فقالَ� :أ َو َلو كنا كارهين لدينكم وما أ�نتم عليه
�إلى ُر�شدهم ،وي�ستكينوا إ�لى الله ،ويتركوا ما هم عليه
من الكفر؟!
من الكفر وال�ضلال.
89و�إ ْن ُع ْدنا في دينكم فا ّدعينا �شركا َء لله ،وتركنا
95و ِم ْن �ُس َّنتنا بعد إ��صرارهم على الكفر ،أ�ن الح َّق إ�لى ال�ضلال بعد أ�ن هدانا الله إ�لى الإيمان ،فقد
ن�ستدرجهم فنب ّدل حا َلهم ِمن ال�شدة �إلى الرخاء َ�أ ْعظمنا على الله الكذب ،وهذا لا يكون أ�بداً إ�لا
حتى َي�أ َمنوا و َت ْك ُ َث أ�عدا ُدهم و أ�موالهم، �أن ي�شاء الله ،فهو العالم بما كان وما �سيكون -وهذا
ويظنوا �أحوالهم لي�س ابتلا ًء من الله تعالى، وال�سعة، التفوي�ض والت�سليم ِم ْن أ�دب ا ألنبياء والم ؤ�منين مع الله
فعندئ ٍذ أ� َّن تبدل تعالى -على الله َو ْحده توكلنا ،فهو الذي يكفينا َأ� ْم َر
تهدي ِدكم ،ر َّبنا ا ْح ُك ْم بيننا وبين قومنا بالعدل ،و�أنت
ي�أتيهم العذا ُب َفج�أة ،وهم لا ي�شعرون به ،فاعت ِبوا أ�يها
الكافرون ِبـ َم ْن �سبقكم . خير الحاكمين.
90وقالت جماع ٌة من الوجهاء الذين كفروا بالله
تعالى ِم ْن قوم �شعيب تنفيراً لقومهم عن الإيمان به
وا ّتباعه :لئن دخلتم في دين �شعيب وتركتم دي َنكم،
إ�نكم لخا�سرون ،أ�ي لما تربحونه ِم ْن َب ْخ�ِس الكيل
وتطفيف الميزان لنهي �شعيب عن ذلك .
91فل ّما قالوا ذلك لقومهم ور�وضا به ،أ�هلكهم
الله ب َزلزلة عظيمة ف أ��صبحوا في قريتهم �أموات ًا هامدين
ال حرك َة لهم.
92الذين ك َّذبوا �شعيب ًا وتو َّعدوه و َم ْن معه با إلخراج،
ا�ْس ُت�ؤ ِ�صلوا و ُمحي ْت �آثا ُرهم ،ك�أ ْن لم يعي�وشا في �أر�ضهم
ولم ينزلوا فيها ،ولم يكن الخ�سران والهلاك ِلـ َمن ا ّتبع
�شعيب ًا بل كان لمن كفر به .
93فتو ّلى عنهم �شعي ٌب حين �أتاهم العذاب
وهلكوا ،وقال متح�سراً :لقد �أدي ُت لكم ما بعثني
الله تعالى به ،ون�صح ُت لكم ،فلم ت�ؤمنوا ولم َتقبلوا
١٦٢
إ�مها َلهم العقوب َة �إعرا�ض ًا عنهم ون�سيان ًا لهم؟! فالذين َ 96و َلو أ� َّن �أهل هذه القرى �ص َّدقوا أ�نبياءهم ،و�آمنوا
ي أ�منون عذا َب الله وعقابه هم في الحقيقة خا�سرون ولا بالله وات َق ْوا ما أ�ُنذروا بهَ ،ل َو�َّس ْعنا عليهم في الخيرات،
وي�َّسنا لهم أ�نواع الرزق ِم ْن كل جانب ،ولك ْن لم
ينتفعون ِمن النعيم الذي هم فيه في الدنيا. ي�ؤمنوا ولم يتقوا ،فع ّجلنا لهم العقوب َة ب�سبب كفرهم
100و َب ْع َد ك ِّل ما ُذ ِك َر ِمن َق�ص�ص ال�سابقينَ� :ألم يتب َّي و�سو ِء أ�عمالهم.
للذين ن�ستخلفهم في ا ألر�ض فيرثونها بعد إ�هلاك �أهلها
�أننا قادرون على أ�ن نعذبهم بذنوبهم كما َف َعلنا بمن 97وال َع َج ُب ِم ْن ُغرور �أهل القرى ،كيف ي أ� َمنون
َقبلهم ،و َن ْختم على قلوبهم ،فلا ينتفعون بما ي�سمعون على �أنف�سهم وينامون مطمئنين وقد أُ�نذروا؟! أ�عندهم
ِم ْن ِعظ ٍة أ�و تذكير ،حتى يموتوا على ذلك؟! وهذه
�إ�شار ُة �إنذا ٍر لم�شركي مكة وما حولها الذين ك َّذبوا �أما ٌن ِمن الله �أ ّل ي أ�ت َيهم عذابه ليل ًا وهم نائمون؟!
ر�سول الله ،و َت ْعجي ٌب ِم ْن� ش أ�نهم. 98وهل �أ ِم َن �أي�ض ًا أ�هل القرى أ�ن ي أ�تيهم عذا ُبنا نهاراً
وهم لاهون م�شتغلون بما لا ينفعهم؟! �أي :و�أنتم أ�يها
101وتلك القرى التي َق َ�ص�صنا عليك -أ�يها الر�سول- المك ِّذبون بنبوة محمد - -كذلك ،فعذا ُبنا يمكن
بع�َض أ�خبارها قد جاءتهم ر�سلهم بالدلائل الوا�ضحات
على �صدقهم فل ّجوا في جحودهم وا�ستمروا على �أن ي�أتيكم في �أي وقت.
كفرهم فما ُو ِّفقوا ب�سبب ذلك للإيمان بنبوة نب ِّيهم
-التي بادروا �إلى تكذيبها قبل ر�ؤية ا آليات -فانتقم � 99أ َف َأ� ِمن المك ّذبون للمر�سلين عذا َب الل ِه تعالى
الله منهم و َخ َتم على قلوبهم ،وكذلك يختم الله على و إ�مها َله لهم مع ا�ْس ِتدرا ِجه إ�ياهم بالنعم ،فح ِ�سبوا
قلوب الكافرين. ١٦٣
102وما وجدنا لأكث ِر ا ألم ِم التي َق َ�ص�صنا عليك
-يا محمد -خب َرها ِمن ا�ستجاب ٍة ووفا ٍء بما عاهدوا
عليه ُر�ُس َلهم ،وهو أ�نهم إ� ْن أ� َتوهم بالبينات ي ؤ�منوا
بهم ،بل وجدنا أ�كث َرهم ناكثين للعهد وخارجين عن
طاعتنا و�أمرنا.
103ثم أ�ر�سلنا ِم ْن بع ِد ال ُّر�سل المذكورين مو�سى -عليه
ال�سلام -ومعه العلامات الدال ُة على �صدقه إ�لى فرعون،
و�أ�شرا ِف قومه ،فكفروا بها ظلم ًا و ُعلواً ،فانظر -أ�يها
الر�سول -فيما �سنذكره ل َك كيف كانت عاقب ُة كفرهم.
104لقد بد�أ مو�سى دعوته مخاطب ًا فرعون ب أ�عظم
�أ�سمائه و أ�حبها �إليه فقال :يا فرعو ُن إ�ني ر�سو ٌل �إليك من
الل ِه الخال ِق العظيم ر ِّب كل �شيء.
105وقال مو�سىُ :م َتع َّ ٌي عل َّي �أن �أقول على الله
الح َّق -وهذا �ش�أن ر�سل الله جميع ًا - قد جئتكم �أيها
الم ُأل بحجج وا�ضح ٍة من ربكم ت�شهد على �صدقي في
ر�سالتي ،ف أ� ْط ِل ْق يا فرعون بني إ��سرائيل ِم ْن �أَ�ْ ِسك ،و�أْ َذن
لهم في الخروج معي من م�صر .
106قال فرعون لمو�سى م َ�ش ّكك ًا فيما يقوله� :إ ْن كن َت
جئ َت ب ُح ّجة �شاهد ٍة على �صدق ما تقول ف أ�تني بها ،إ� ْن
كن َت من ال�صادقين.
108 107ف�ألقى مو�سى ع�صاه على الأر�ض فانقلب ْت
ح ّي ًة عظيم ًة ،ظاهر ًة لا ُي َ�ش ُّك في كونها ثعبان ًا حقيقي ًا،
و�أخرج يده من تحت �إبطه أ�و ِم ْن فتحة قمي�صه بعد �أن
أ�دخلها فيه ،ف إ�ذا هي بي�ضا ُء بيا�ض ًا منيراًَ ،ي َتعجب منه
الناظرون .
ابد ؤ�وا �أنتم ف أ�ل ُقوا �أ َّي �شيء �أنتم ُملقونه -أ�ي َف َل ْن ُتبطلوا 110 109فل ّما ر أ�وا ا آليات قال �أ�شراف القوم و�أه ُل
�آيات الله تعالى -فل ّما أ�لقى ال�سحر ُة حبا َلهم و ِع ِ�ص َّيهم، الم�وشرة منهم :إ�ن مو�سى َل�ساح ٌر خبي ٌر بال�سحر ،يريد
أ� ّثروا على �أعين النا�س ف ُخ ِّيل لهم ب ِف ْعل ال�سحر أ�نها بخداعه هذا أ�ن يت�س َّل َط عليكم فيخرجكم من �أر�ض
حيا ٌت تتحرك ،و أ�َدخلوا الخو َف في قلوب النا�س، م�صر ،فقال لهم فرعون :فما الذي ُت�شيرون عل ّي في �أمره؟
112 111ف�أ�شار الم ُأل على فرعون أ�َ ْن �أ ّخ ْر ُمحا َّج َة
وجا�ؤوا ب�سحر عظيم يهابهَ م ْن يراه. مو�سى و أ�خيه هارون �إلى �أجل حتى ترى ر أ�يك فيهما،
117و َأ� َمر الله مو�سى عليه ال�سلام على نح ٍو خف ٍّي أ�ن و َ�أ ْر ِ�سل في مدن م�صر َم ْن يجمع لك ر ؤ��ساء ال�سحرة
يلقي ع�صاه على ا ألر�ض ،ف�ألقاها ف إ�ذا هي تتحول إ�لى
ح ّية عظيمة ت أ�كل وتبتلع الحبال وال ِع�ص َّي التي �و َّصر فيها و َمهر َتهم ،ليبطلوا �سحره الذي جاء به.
ال�سحرة كذ َبهم وتخيي َلهم. 114 113ولـمـّا ح�ضر ال�سحـر ُة عند فرعون �سـ�ألـوه:
�ألنا �أج ٌر إ� ْن غلبنا مو�سى؟ فقال لهم :نعم ،ولكم المـنـزلة
118فا�ْستبان و َث َب َت عند ذلك أ�ن ما جاء به مو�سى هو
الحق ،وظهر بطلا ُن ما فعله ال�سحرة. الرفيع ُة عندي.
120 119ف ُغ ِل َب فرعو ُن وقو ُمه في ذلك ال َج ْمع 115وقال ال�سحرة لمو�سى على ِج َه ِة التكـ ُّبـ ِر وال ُوثو ِق
العظيم ،و�صاروا أ� ِذ ّلء مبهوتين ،و أ� ّما ال�سحرة فقد بما عندهم من ال�سحر :اختر يا مو�سى �إ ّما أ�ن تبد أ� فتلقي
تيقنوا �صح َة نبوة مو�سى ،ف آ�منوا به ،وخ ّروا لله �ساجدين.
ما لديك ،و�إ ّما �أن نبد�أ فنلقي نحن ما لدينا.
116فقال مو�سى لل�سحرة متح ّدي ًا لهم غي َر مبا ٍل بهم
ولا ِ بم ْن َج َم َعهم ،لاعتماده على ربه �سبحانه وتعالى:
١٦٤
جميع ًا �إلى الله ،فنحن نرجو مغفر َته وثوابه ،وما 122 121وقال ال�سحرة :آ�م ّنا بر ِّب العالمين ،ر ِّب
�إنكا ُرك و َعي ُبك علينا إ�لا ِم ْن �أَ ْجل أ�ن �ص َّدقنا ب�آيات مو�سى وهارون� .أي :وكفرنا ب�ألوهيتك يا فرعون.
ربنا لما جاءتنا ،وهو �أم ٌر لا ي�ستحق ا إلنكار ،ر َّبنا َ�أ ِف�ْض
علينا �صبراً وا�سع ًا يه ِّون علينا هذا البلاء ،و أ� ِم ْتنا منقادين 123قال فرعون ُمـ ْنـكـراً على ال�سحرة ما فعلوه:
َ�أ َ�ص َّدقتم بمو�سى و أ�قررتم بنب ّوته قبل �أن آ�ذن لكم في
ألمرك ،ثابتي َن على الإ�سلام. الإيمان به؟! ثم �أراد أ�ن ي�ص ّد أ�ه َل م�صر عن الإيمان بمو�سى
فقال لل�سحرة :إ� ّن هذا الذي �صنعتموه ،لخديع ٌة باتفا ٍق
127وقال ال ُكبراء من رجال فرعونُ ،مح ِّر�ضين �إياه: بينكم وبين مو�سىِ ،ل ُتخرجوا منها أ�هلها ،فتبقى خال�ص ًة
أ�تتر ُك مو�سى وبني �إ�سرائيل ِل ُيف�سدوا في مملكتك ب إ�بطال لكم ولبني إ��سرائيل تتحكمون فيها ،ف�سوف تعلمون ما
ديننا و إ�يقاع ال ُفرقة وت�شتيت ال�شمل ،وتتركهم ين�صرفون
عن ت أ�ليهك وتعظي ِمك ،وعبادة آ�لهتك ،ف أ�جابهم فرعون ُ�أنزله بكم ِمن العذاب على ما فعلتم.
ب�أ ّنا �س ُنق ِّتل أ�بناءهم من الذكور ،و ُنبقي على ن�سائهم
يخدموننا ،وهم جميع ًا تحت قهرنا نفعل بهم ما ن�شاء. 124وب َّي فرعو ُن هذا الوعي َد فقالُ :لأقط ِّعن أ�يها
ال�سحرة أ�يد َيكم و أ�رجلكم ِم ْن ِخلا ٍف � -أي اليد اليمنى
128وقال مو�سى لقومه م�بِّصاً لهم ومطمئن ًا مع الرجل الي�سرى� ،أو اليد الي�سرى مع الرجل اليمنى-
لقلوبهم :ا�ستعينوا بالله بطلب ال ُّن�صرة منه على
فرعون وقومه ،وا�صبروا على ما ينالكم من المكاره ثم ُلأ�ص ّلبنكم جميع ًا على جذوع النخل.
في أ�نف�سكم و أ�ولادكم ،ف�إن ا ألر�َض ملك لله تعالى،
ي�ستخلف فيها َم ْن ي�شاء من عباده ،والعاقب ُة المحمود ُة 126 125فقال ال�سحرة لفرعون :إ� َّن َم ِ�صيرنا و َم ْر ِجعنا
لمن خاف اللهَ وا ّتقاه.
129ف أ�جاب بنو �إ�سرائيل نب َّيهم مو�سى ُم ْل ِمحين بنفاد
َ�صبرهم فقالواُ� :أوذينا ِم ْن قبل أ�ن ت أ�تينا يا مو�سى نب ّي ًا،
� -أي با�ستعباد فرعون لنا وتكليفنا بالأعمال ال�شاقة
وقت ِل أ�بنائنا -وكذلك ُ�أوذينا ِم ْن بعد ما جئتنا ،فقال
مو�سى واعداً وم َر ّجي ًا لهم بن�صر الله :لع َّل ربكم أ�ن
يهلك فرعو َن و�أعوانه ،ويجعلكم خلفاء لهم ِم ْن
َبعدهم أ�حراراً مم َّكنين في الأر�ض ،فيرى أ�ت�شكرون
نعمه �أَ ْم تكفرونها.
130ثم َب َد�أت الآيا ُت في تف�صيل الم�صائب التي
نزل ْت بفرعون وقومه ،فقال تعالى :ولقد َق َه ْرنا قوم
فرعون وابتليناهم ب َجدب ا ألر�ض وقح ِطها بعدم نزول
ا ألمطار ،وابتليناهم أ�ي�ض ًا بق َّلة الثمرات وكثر ِة آ�فاتها،
لعلهم يتعظون ويرجعون عن �ضلالهم.
١٦٥
قبله ،إ�ذا بقوم فرعون يبادرون �إلى َن ْق�ض العهد ،ف�أح َّل 131ف إ�ذا أ��صاب ْت �آ َل فرعون حال ٌة من ال�سعة وال ِخ�صب
الله عليهم نقمته ف أ�غرقهم في البحر ،ب�سبب تكذيبهم وغيرهما ِمن الخيرات ،قالوا :هذا الخي ُر ألجلنا ،ونحن
ب�آيات الله الوا�ضحة ،وحجج ِه ال�ساطعة ،وب�إعرا�ضهم �أَ ْولى با�ستحقاقه ،و إ�ن جاءتهم حال ٌة ت�سو�ؤهم ِم ْن قح ٍط
عن التفكر فيها وع ّما تحمله من ا إلنذار والوعيد ،ك أ�نها أ�و بلاء ،قالوا :هذا ب�سبب �ش ؤ�م مو�سى وقومهَ .أ� َل �إ َّن
ما ي�صيبهم من خير �أو �شر إ�نما يرجع �إلى �إرادة الله تعالى
لم ت�أتهم . و ِحكمته ،وب�سبب جهل أ�كثرهم بهذا قالوا ما قالوا،
137وا�ستخ َل ْفنا بعدهم بني إ��سرائيل الذين كانوا وت�شاءموا بمو�سى و َم ْن معه.
ُي�ستعبدون ويهانون في م�صر ِمن فرعون وقومه ،على
أَ� ْر�ض ال�شام التي باركنا فيها بالخ�صب والثمار و�سعة 132وبا َلغ قو ُم فرعون في تمردهم وعنادهم و�إ�صرارهم
ا ألرزاق ،ي�سكنونها ويت�صرفون فيها ،وتح ّقق وع ُد ربك على الباطل ،فقالوا لمو�سى� :إنك إ�ن ت أ�تنا ب�أ ِّي �آية أ�و حجة
� -أيها الر�سول -بالإنعام على بني إ��سرائيل بن�صرهم َت�شهد لكِ ،لت�صرفنا بها ع ّما نحن عليه ِم ْن دي ِن فرعون،
على عدوهم وتمكينهم في ا ألر�ض ب�سبب �صبرهم
على ما أ�ُوذوا ،وخ َّربنا ما كان ي َ�ش ِّيد فرعو ُن وقومه فلن نقبلها منك ،وما نحن لك بم�ص ِّدقين.
من العمارات والق�وصر ،وما كانوا ين�شئون من ِجنان
133فكان عاقب َة هذا العناد �أن أ�نزل الله بهم �أنواع ًا
وب�ساتين ذا ِت عرائ�ش ُتمل عليها الزروع والثمار. أ�خرى من العذاب -وهي في نف�سها آ�يا ٌت َت�شهد لمو�سى
عليه ال�سلام -فطا َف على فرعون وقو ِمه دون غيرهم،
ما ٌء كثير أ�حاط بهم وملأ بيو َتهم و�أغرق زروعهم،
و�َأر�س َل الله عليهم الجراد ف�أكل ْت زروعهم وثمارهم،
و َأ�ر�س َل عليهم ال ُق َّمل -وهو نوع من الح�شرات ال�صغيرة
الم�ؤذية -وال�ضفاد َع فانت�شر ْت في بيوتهم وملاب�سهم
وطعامهم و آ�ذتهم ب أ��وصاتها ،و�أر�س َل عليهم الدم
فاختلط بمياههم ،وجعل الله هذه ا آليات عقوبا ٍت
متواليات ،تقع ا آلي ُة بعد الأخرى ليزدجروا ،فا�ستكبروا
عن الإيمان بالله تعالى وت�صديق مو�سى ،وكانوا قوم ًا
ُم�ص ّرين على الكفر.
134ولـ ّما نزل ب آ�ل فرعون ما �َس َب َق من العذاب
بالطوفان وغيره ،فزعوا إ�لى مو�سى فقالوا له :ا ْد ُع لنا
ربك بما أ�عطاك ِمن العلم ،ونحن ُن ْق ِ�س ُم لك :لئن أ�زل َت
ع ّنا العذاب الذي وقع علينا ل ُن�صدق َّنك فيما تقول،
ول ُن�سلن معك بني إ��سرائيل حتى يذهبوا حيث �شا�ؤوا .
136 135فل ّما دعا مو�سى ربه ع ّز وج ّل فرفع اللهُ
عنهم العذاب رفع ًا م�ؤقت ًا �إلى أ�ج ٍل هم بالغوه فلا يعذبون
١٦٦
�س�ألوه فقال متع ّجب ًا منهم :كيف �أطلب لكم إ�له ًا غي َر الله ُ 138يخبر الله تعالى في هذه الآية وما بعدها ع ّما
تعبدونه؟! وهو الذي خلقكم وف َّ�ضلكم على �سائر أ�هل َ�أ ْحدثه َج َهل ُة بني �إ�سرائيل من ا ألمور ال�شنيعة بعد أ�ن
زمانكم بما خ ّ�صكم به من ِن َع ٍم لم ُيع ِطها غيركم؛ فكيف م ّن الله عليهم بنعم عظا ٍم موجب ٍة لل�شكر ،و أ�راهم من
ا آليات الكبا ِر ،فقال �سبحانه :وع َ ْبنا -بقدرتنا -ببني
تقابلون نعمه بطلب عبادة غيره؟! �إ�سرائيل البحر ،فلم يلبثوا �إلا وقت ًا ي�سيراً حتى مروا بقوم
ملازمين لتماثيل لهم يعبدونها ،فقال بنو �إ�سرائيل عند
141واذكروا يا بني إ��سرائيل نعم َة ربكم ،إ�ذ �أنقذكم ر�ؤية أ�حوالهم مخاطبين نبيهم في �سو ِء أ�د ٍب :يا مو�سى
من آ�ل فرعون ،وهم ُيذيقونكم أ��ش َّد �أنواع العذاب اجعل لنا �صنم ًا نعبده ،كما له�ؤلاء تماثيل يعبدونها،
و أ�قبحها ،يذ ِّبحون أ�بناءكم ،و َي�ستبقون ن�ساءكم فقال لهم مو�سى :إ�نكم تجهلون عظمة الله تعالى ،و�أنه
للخدمة ،وفي إ�نجاء الله لكم من هذا العذاب ،اختبا ٌر
وامتحان عظيم من ربكم لكم ،لت�شكروه لا لتكفروه. لا يجوز أ�ن ُيعبد �سواه.
142ووعد اللهُ مو�سى -عليه ال�سلام� -أن ي�ش ِّرفه 139وقال لهم مو�سى -عليه ال�سلام :-إ� ّن عمل
بتكليمه وي�ؤتيه التوراة التي فيها بيان �شريعته بعد ثلاثين ه�ؤلاء العاكفين على ا أل�صنام �صائ ٌر إ�لى هلاك ودمار،
ليلة ينقطع فيها لعبادة ربه ومناجا ِته ،فلما ق�ضاها، باط ٌل ما كانوا يعملون من عبادتهم لتلك ا أل�صنام ،ولن
زاده اللهُ ع�ش َر ليا ٍل أ�خرى ،فت َّم الوق ُت الذي ق ّدره الله
لهذه المناجاة أ�ربعين ليلة ،وقال مو�سى ألخيه هارون ُينقذهم ِمن عذاب الله.
عند انطلاقه إ�لى الجبل للمناجاةُ :ك ْن خليفتي في بني
�إ�سرائيل حتى أ�رجع ،وارفق بهم ،وا ْح ِملهم على عبادة 140و أ�نكر مو�سى -عليه ال�سلام -على قومه ما
الله ،ولا تطع َم ْن يع�صي الله ويف�سد في الأر�ض ،ولا
١٦٧
توافقه على �أمره .
143ولـ ّما ح�ضر مو�سى -عليه ال�سلام -للميقات
الذي وع َده الله أ�ن يك ّلمه فيه ،و أ��س َمعه الله كلامه من
غير وا�سط ٍة ،ا�شتا َق مو�سى لر�ؤية الله وطمع فيها ،فقال:
ر ِّب ائذن لي في النظر إ�ليك ،فقال الله له :لن تراني ،يعني
لن تطيق ر ؤ�يتي و�أنت في الحياة الدنيا .وخ َّفف الله عنه
وتل َّطف به ،ف�ضرب له مثل ًا بالجبل الذي هو �أقوى منه
و�أ�ش ُّد ،فقال :انظر يا مو�سى إ�لى الجبل ف إ� ْن َث َب َت وا�ستقر
مكانه عند ر ؤ�يتي ف�سوف تراني ،فل ّما �أزال اللهُ حجاب
ر�ؤيته عن الجبل �صار الجب ُل ُمف ّتت ًا م�ستوي ًا با ألر�ض،
ولـ ّما ر�أى مو�سى ذلك �سقط مغ�شي ًا عليه ،فل ّما �أفاق ِمن
غ�شيته ،قال :ما َ�أ ْعظمك ربيُ ،تبت �إليك من �س�ؤالي ما لم
ت أ� ْذن لي فيه -وهذه توبة لي�ست عن ذنب ولكنها منا ِ�سب ٌة
لمقام النبوة -و أ�نا �أ ّول الم�ؤمنين بعظمتك وجلالك.
148و َ�ص َنع قو ُم مو�سى ألنف�سهم من بعد ذهاب مو�سى 144و�آن� َس اللهُ نبيه مو�سى عليه ال�سلام ليزيل ما به
�إلى جبل الطور لمناجاة ربهِ ،من ُح ِّليهم عجل ًا ج�سداً لا ِمن َر ْو ٍع ،ول ُي�س ِّليه عن عدم �إجابته �إلى �س�ؤاله الر�ؤي َة،
روح فيه ،له �وصت ك�وصت البقر ليعبدوه .فقال الله فقال له :يا مو�سى إ�ني اختر ُتك و�آثرتك على جميع �أهل
منكراً عليهم� :ألم َي ْعلم ه�ؤلاء �أ ّن هذا العجل لا ينفعهم زمانك ،بوحيي �إليك و َج ْع ِلك من المر�سلين ،وبتكليمي
ب أ�دنى �شيء ،فلا يقدر على كلا ٍم ولا على �إر�شا ٍد إ�لى لك من غير وا�سطة ،ف ُخ ْذ ما �آتيتك من ا أللواح التي فيها
خير �أو �إلى طريق ي�سلكونه يجلب لهم به نفع ًا أ�و يدفع �شريعتك ،و ُك ْن ِمن ال�شاكرين على ما أ�نعمت به عليك
عنهم به �ضراً؟ ومع ذلك اتخذوه إ�له ًا يعبدونه وكانوا
بذلك ظالمين ألنف�سهم ،مبر ِهنين على �سفاهة عقولهم وخ�ص�ص ُتك به من جلائل النعم.
وجهلهم بعظمة ر ِّب العالمين. 145وكت ْبنا لمو�سى في �ألواح التوراة ِمن كل �شيء
149ولـ ّما رجع �إليهم مو�سى تب ّينوا �ضلالهم وندموا يحتاجون إ�ليه في �أمر دينهمِ ،من أ��وص ِل الإيمان التي
على اتخاذهم العجل وعباد ِته ندم ًا �شديداً ،فقالوا
م�ستغفرين ر َّبهم منيبين �إليه :لئن لم َي ْرحمنا ر ُّبنا ب أ�ن تبين الح َّق و ُتبعد ال�شبهات ،ومن المواعظ التي ُت�ؤثر
في القلوب ترغيب ًا وترهيب ًا ،و ِمن تفا�صيل ا ألحكام
يتوب علينا ويتجاوز ع ّما فعلنا لنكون َّن من الهالكين.
في الحلال والحرام والق�صا�ِص والحدود وغيرها مما
١٦٨ يحتاجون إ�ليه ،ف ُخ ْذ يا مو�سى ما آ�تيتك من ا أللواح،
واعمل بما فيها بعزيمة ،و�أْ ُمر قومك �أن يعملوا بما فيها
من محا�سن ال�شريعة -وك ُّلها ح�سن -لا أ�ن يخالفوها،
�س ُأ�ريكم منازل َمن َه َلك ِمن الجبابرة الذين خالفوا
�أمري وخرجوا عن طاعتي ،لتعتبروا بها.
� 146س�أجع ُل الذين يتكبرون عن الحق و�أه ِله بعيدين
عن فهم آ�ياتي ودلائل قدرتي ،و إ� ْن َي َر ه�ؤلاء المتكبرون
أ� َّي آ�ية من َّزلة أ�و معجز ٍة دالة لا ي�صدقوا بها ،و إ� ْن يروا
طريق الهدى والا�ستقامة لا ي�سلكوه ،و�إ ْن يروا طريق
الغواية وال�ضلال ي�سلكوه ،وهذا ال َّ�ص ُف والإلهاء
ب�سبب �إ�صرارهم على الكفر واختيا ِرهم التكذيب
ب آ�يات الله تعالى ،وتغا ِفلهم عن التفكر فيها والاتعاظ
بها .وهذا تحذير لبني �إ�سرائيل وغي ِرهم أ�ن ي�سلكوا �سبيل
ه�ؤلاء المتكبرين فيعا َقبوا بمثل عقابهم .
147والذين ك ّذبوا ب آ�يات الله الداعي ِة �إلى ا إليمان به
وبر�سله ،وك ّذبوا ب أ�نهم مبعوثون يوم القيامة للح�ساب
ب َط َلت �أعما ُل الخير التي عملوها فلا ينتفعون بها في
الآخرة ،ولا ُيجزو َن فيها إ�لا بما كانوا يعملونه ِمن الكفر
والمعا�صي.
تق�صي ٌر -فكان في ا�ستغفار مو�سى لنف�سه تر�ضية لأخيه،
وفي ا�ستغفاره لأخيه �إظهار لر�ضاه عنه لئلا ي�شمت به
ال�شامتون -و أ�تم مو�سى دعاءه فقال :و أ�د ِخلنا ربنا في
رحمتك الوا�سعة ،و�أنت �أرحم الراحمين .
152إ� َّن الذين اتخذوا العجل �إله ًا �ستنزل بهم عقوبة
من الله تعالى ،و�ست�صيبهم ذلة ومهانة في الحياة الدنيا.
وكذلك يفعل الله بكل من افترى عليه الكذب .
153والذين عملوا ال�سيئات ثم ندموا ورجعوا �إلى
الله ،و�أخل�وصا �إيمانهم وا�ستقاموا ،إ�ن ربك من بعد
توبتهم َلكثي ُر الرحمة بهم ،ي�سترهم ويمحو ذنوبهم و�إن
َع ُظمت .وهذا ترغيب للع�صاة في التوبة وطرد للقنوط
من نفو�سهم.
154ولـ ّما �سكن غ�ضب مو�سى عليه ال�سلام على 150ولـ ّما عاد مو�سى �إلى قومه ِمن مناجاة ربه ،عاد
قومه ،أ�خذ ا أللواح ،وكان فيما كتب فيها بيا ٌن للحق وهو غ�ضبان ِمن ع�صيانهم ،حزي ٌن على ف�ساد �أحوالهم؛
ورحمة للخلق ب�إر�شادهم إ�لى ما فيه الخي ُر وال�صلاح، وذلك لأن الله تعالى قد أ�علمه في أ�ثناء غيابه بما فعلوا.
ينتفع به الذين يخافون ربهم ويهابونه . ف�أنكر عليهم مو�سى ارتدا َدهم في المدة الي�سيرة التي
غاب فيها عنهم ،فك أ�نهم ا�ستعجلوا حلو َل غ�ض ِب الله
155وا�صطفى مو�سى عليه ال�سلام من قومه �سبعين عليهم ،و�ألقى مو�سى الألواح ِمن �ش ّدة غ�ضبه ،و�أم�س َك
رجل ًا من خيارهم ،ليخرجوا معه للموعد الذي بر�أ�س أ�خيه هارون يج ُّر ُه إ�ليه ،فقال هارون :يا اب َن �أمي،
�إني قد بذل ُت ُجهدي في َك ِّفهم عن عبادة العجل ولك َّن
حدده الله له ليعتذروا �إليه �سبحانه مما فعله �سفهاء القوم ا�ست�ضعفوني فتركوا طاعتي واتباع �أمري ،وكادوا
قومهم ،فلما جا�ؤوا �أخذتهم زلزلة �شديدة ،فدعا مو�سى يقتلونني لـ ّما ا�شتد ْت معار�ضتي لهم ،فا ْق َب ْل معذرتي
ولا تفع ْل بي ما يكون �سبب ًا في �شماتة ا ألعداء بي ،ولا
ربه فقال :ر ِّب لو �شئت �أهلكتهم جميع ًا و�أهلكتني
من قب ِل أ�ن ن أ�تيك معتذرين ،ولكنك لطفت بنا ،ربنا لا تجعلني في ِع َداد ه ؤ�لاء الظالمين.
تهلكنا بما فعل �سفها ؤ�نا ،ربنا إ�نك تبتلي عبادك بما ت�شاء،
151ولـ ّما تب َّي لمو�سى عذ ُر �أخيه قال :ر ِّب اغف ْر لي
وما فعلوه كان اختباراً وابتلاء منك أ��ضلل َت به قوم ًا ما فعل ُت ب�أخي هارون ،واغف ْر ألخي إ�ن كان َف َرط منه
فافتتنوا ،وهدي َت قوم ًا فع�صمتهم حتى ثبتوا على دينك،
ربنا �أنت المتولي لأمورنا والمت�صرف في �ش�ؤوننا ،فاغف ْر
لنا ذنوبنا ولا ت ؤ�اخذنا بها ،و َت َع َّط ْف علينا برحمتك،
و�أنت خير َم ْن �صفح و�ستر .
١٦٩
لجميع النا�س :إ�ني ر�سول الله إ�ليكم� ،أر�سلني الله الذي له 156وارزقنا يا ر َّبنا ِف هذه الدنيا حيا ًة طيب ًة وتوفيق ًا
للطاعة ،وفي ا آلخرة مغفر ًة و َجن ًة �إ ّنا ُتبنا إ�ليك ،قال
وحده الأم ُر وال�سلطان في ال�سماوات وا ألر�ض ،لا �إله الله تعالى :عذابي أ��صيب به َم ْن أ��شاء ِم ْن خلقي ،ومنه
إ�لا هو وحده ،فلا �شري َك له ولا معبو َد بح ٍّق �سواه ،الذي العذاب الذي ا�ستحقه الذين اتخذوا العجل إ�له ًا .ثم
ُيحييكم ويميتكم ،ف�آمنوا -أ�يها النا�س -بالله ،و آ�منوا
بر�سوله ،وهو النبي محمد المو�وصف والممدوح فتح الله لنبيه باب ًا من أ�بواب العفو والرحمة ،فقال له:
بالأمية ،الذي ي�ؤمن بالله ،وبما �أنزله �إليه من القر�آن وبما ورحمتي و�سعت كل �شيء ،أ�ي في الدنيا ،إ�ن�سان ًا كان
أُ�نـزل �إلى النبيين قبله من الكتب ،وا َّت ِبعوه ،لتكونوا من
أ�و غيره ،مطيع ًا كان �أو عا�صي ًا ،ف أ�نت يا مو�سى ومن
المهتدين.
اختر َت لميقاتنا �أولى بها .ولا َيجمع بين الفوز بها
159ولي�س بنو إ��سرائيل من قوم مو�سى �سوا ًء ،بل منهم في الدنيا والآخرة �إلا َم ْن يت�صفون باجتناب المعا�صي
جماعة يدعون النا�س �إلى الهداية بما �أنزله الله من الحق، وبفعل الطاعات وي ؤ�دون زكاة أ�موالهم المفرو�ضة
و َيحكمون بهذا الحق بين النا�س ،فلا يجورون . عليهم ،وي ؤ�منون ب�آياتنا ومعجزاتنا كلها.
157و ِم ْن �صفات الموعودين بهذه الرحمة َعلاو ًة على
ما �سبق :أ�نهم ي ّتبعون ر�سولنا محمداً النب َّي ا ألمي عند
بعثته ،الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة ،وهو الذي
يجد اليهو ُد والن�صارى ا�س َمه و�صفته ونب َّوته في كتبهم،
ي�أمرهم بالمعروف ،وهو ما تتقبله العقول وال ِف َط ُر
ال�سليمةِ ،م ْن توحيد الله ومكارم ال�شرائع وا ألخلاق،
وينهاهم عن �ضد ذلك ،و�أنه ُيحل لهم ما ت�ستطيبه
النفو�س من المطاعم والم�شارب وغيرها مما ُح ّرم عليهم
ب�سبب ظلمهم ،أ�و َح َّرموه على أ�نف�سهم ،ويح ِّرم عليهم
ما ت�ستخبثه الطباع ال�سليمة ،ويخفف عنهم ما ُكلفوا به
من ا ألحكام ال�شا َّقة ،فالذين آ�منوا بهذا النبي ،وع َّظموه
وو َّقروه ،ون�صروه على عدوه ،واتبعوا القر�آن الذي �أُنزل
عليه� ،أولئك هم الفائزون بالخير في الدنيا والآخرة.
158وال�سعاد ُة التي جاء بها ر�سول الله لي�ست
مخت�ص ًة بمن ي ؤ�من به ويتبعه من اليهود والن�صارى ،بل هي
�شامل ٌة ك َّل َم ْن يتبعه كائن ًا َم ْن كان ،فقل � -أيها الر�سول-
١٧٠
َ� ّضونا ولا نق�وصا في ملكنا �شيئ ًا بمع�صيتهم ،ولكن كانوا 160و�أ ْن َعمنا على قوم مو�سى ب�أ ْن ن َّظمنا لهم
ي ُ� ُّضون �أنف�سهم بتعري�ضها لعذاب الله و�سلب النعم. معي�شتهم ،وكفيناهم حاجاتهم ،فق�ّسمناهم اثنتي ع�شرة
فرق ًة ،كل فرقة قبيلة متميزة ترجع إ�لى �أ�صل واحد وهو
161واذك ْر -أ�يها الر�سول -لليهود خط أ�َ �أ�سلافهم أ�حد ا أل�سباط الاثني ع�شر ِم ْن أ�بناء نبي الله يعقوب عليه
وع�صيا َنهم لربهم ،وتبديلهم القو َل الذي أُ�مروا أ�ن ال�سلام ،و أ�وحينا �إلى مو�سى حين ا�ستولى على قومه
يقولوه ،وكيف َفعلنا بهم ،ليتعظوا ويعتبروا ،ولا العط� ُش فطلبوا منه ال�ُّسقيا -وهم في زمن ال ِّتي ِه -أ�ن
يبدلوا ما أُ�مروا به من الإيمان بنبوتك ،واذك ْر لهم قولنا ا�ضرب الحج َر بع�صاكَ ،ف َ�ض َب فان�شق الحجر ونبعت
أل�سلافهم :ادخلوا هذه القرية ،يعني بيت المقد�س، منه اثنتا ع�ْشة عين ًا بعدد ا أل�سباط ،و َع ِلم ك ُّل ِ�س ْبط
و أ�قيموا فيها مطمئنين وكلوا ما �شئتم ِم ْن ثمارها منهم العي َن الخا�صة به؛ فلم يختلفوا ،وظ َّللنا عليهم
وزروعها وحبوبها و�سائر طيبات �أهلها ،وادخلوا الغمام ليقيهم حر ال�شم�س ،ون ّزلنا عليهم الم َّن -وهو
بابها راكعين متوا�ضعين لله الذي �أنعم عليكم، �شيء كال َّ�صمغ كان يقع على ا أل�شجار طع ُمه كالع�سل-
وقولواُ :ح َّط عنا ذنوبنا ،نغف ْر لكم بذلك ما �َس َلف ون ّزلنا عليهم ال�سلوى -وهو طائر ي�ش ِبه ال�ُّسما َنى-
من ذنوبكم ،ونزيد المطيعين منكم على المغفرة ف�ضل ًا فكان الواحد منهم ي�أخذ ما يكفيه من ذلك ،وقلنا لهم:
وثواب ًا في الدنيا وا آلخرة. كلوا من طيبات ما رزقناكم ،يعني �أكل ًا هنيئ ًا ،فخا َلفوا
ما أُ�مروا به ،ولم يقابلوا النعم بال�شكر ،وكرهوا هذه
162فب ّدل الذين ظلموا من بني إ��سرائيل ما ُ�أ ِمروا به
من التوبة والا�ستغفار ،فقالوا قلا ًو مغايراً له ُم�ْش ِعراً الطيبات ،فطلبوا �أن ي�ستبدل بها ما هو �أدنى منها .وما
با�ستهزائهم بما �أُمروا به ،فب َد َل أ�ن يقولوا ِح َّطة ،قالوا:
َح ّبة في �َشعرة ،وب َد َل أ�ن يدخلوا �ساجدين متوا�ضعين
دخلوا يزحفون على أ�دبارهم ،ف أ�نزل الله على الذين
ظلموا منهم ع ِق َب ذلك عذاب ًا من ال�سماء ب�سبب ظلمهم
الم�ستمر وبتبديلهم وا�ستخفافهم بما ُ�أمروا.
163وا�س�أ ْل � -أيها الر�سول -اليهو َد الذين بح�ضرتك
عن �أ�سلافهم من أ�هل القرية التي كانت على �ساحل
البحر ،وما ح َّل بهم من العقاب ليعتبروا ،وذلك
حين تجاوز أ�ه ُل القرية حدود الله فاحتالوا للا�صطياد
يوم ال�سبت ،وقد ُنهوا عن ال�صيد والعمل فيه ،وكان
ِمن امتحاننا لهم أ�ن الحيتان ت أ�تيهم يوم ال�سبت كثير ًة
ظاهر ًة على وجه الماء قريبة من ال�ساحل ،ف إ�ذا م َّر يوم
ال�سبت لا ت أ�تيهم كما كانت ت أ�تيهم فيه ،وبمثل هذا
البلاء ال�شديد نبتليهم و ُن�شدد عليهم ب�سبب ف�سقهم
وخروجهم عن طاعتنا.
١٧١
169ف َخ َل َف ِم ْن بعد تلك ا ألمم التي فيها ال�صالح 164وا ْذك ْر � -أيها الر�سول -لهم �أي�ض ًا حين قالت
والطالح َخ ْلف �آخر لا خير فيهم ،قد قر ؤ�وا التوراة ولم جماعة من ُ�صلحاء تلك القرية -لم ي�صيدوا ولم َينهوا
يعملوا بها ،ي أ�خذون ما َيعر�ض لهم من متاع الدنيا، عن ال�صيد -لآخرين ممن كانوا يجتهدون في وعظ
ِمن ال ِّر�وشة التي ي أ�خذها حكا ُمهم ،أ�و في مقابل المتع ّدين في ال�سبت الذين أ�َ�صروا على ال�صيد فيه ولم
تحريف كلام الله ،ويقولون اغتراراً منهم� :سيغفر الله يقبلوا الموعظةِ :لـ َم تعظون قوم ًا الله ُم�ست أ��صلهم �أو
لنا ذنوبنا .وهم مقيمون على الذنب غي ُر تائبين منه، معذبهم عذاب ًا �شديداً؟ فقال الذين ا�ستمروا في نهيهم
ف�إن جاءهم متا ٌع مث ُله أ�خذوه وا�ستحلوه غير مبالين، عن المع�صية :إ�نما وعظناهم لنجد عذراً لأنف�سنا عند
وهم يعلمون �أ ّنا قد أ�خذنا عليهم العهد في التوراة الله تعالى فلا ُن ْن�سب �إلى ترك النهي عن المنكر ،ولعل
�أ ّل يكذبوا على الله ،لأنهم قد قر ؤ�وها ودر�سوها. الع�صاة منا يتقون الله فيتوبوا .وفي هذا �إنذا ٌر و إ��شار ٌة
و�إن ثواب الدار الآخرة خير للذين اتقوا محارم الله �إلى وجوب تغيير المنكر ،وتع ُّ ِي الخوف ِم ْن عاقبة تركه.
من هذا ال َع َر�ِض ا ألدنى� ،أفلا تعتبرون وتتعظون أ�يها
165فل ّما ترك المعتدون من �أهل القرية ما وعظهم به
اليهود بذلك فت�ؤمنوا بمحمد . �صلحا ؤ�هم َت ْر َك النا�سي لل�شيء المعر�ض عنه ،أ�نجينا الذين
كانوا ينهون عن مع�صية الله ،وع ّذبنا المعتدين بعذاب
170والذين عملوا بالتوراة من اليهود ،من غير تحريف
أ�و كتمان ،و أ�قاموا ال�صلاة ف�إن الله لا ي ِ�ضيع �أجر ال�ساعين �شديد ب�سبب تماديهم في المع�صية.
إ�لى الخير الدالين على ال ِّب. 166فل ّما لم َي ْنت ِه المعتدون بعد أ�ن أ�خذناهم بعذاب
�شديد ،وتكبروا وتمردوا ،م�سخناهم قردة ذليلين ُمبعدين.
167وا ْذك ْر -أ�يها الر�سول -وق َت أ�ن أَ�ع َلم ربك بني
�إ�سرائيل �أنه �أوجب على نف�سه أ�ن ي�سلط عليهم من حي ٍن
آلخ َر �إلى انتهاء الدنيا َمن يذيقهم من �أنواع العذاب
الذي ي�سو ؤ�هم ما داموا معر�ضين عن الطاعة ناق�ضين
لمواثيق الله التي �أخذها عليهم -ومنها ا ّتباع محمد
.-إ�ن ربك -يا محمد -ل�سريع العقاب ،و�إنه
لذو �صفح عن ذنوب َمن تاب ،رحي ٌم فلا ي ؤ�اخذه بها.
وفي هذا �إ�شارة للكفار من اليهود وغيرهم أ�نهم �إن تابوا
ودخلوا في الإ�سلام غفر الله لهم ،وعافاهم من العذاب.
168وف َّرقنا بني �إ�سرائيل في أ�قطار ا ألر�ض جماعات
�ش َّتى ،ب�سبب ع�صيانهم ومخالفتهم أ�وامر الله ،منهم
الم ؤ�منون المطيعون ألنبيائهم ،ومنهم المنتهكون لحرمات
الله ،وامتح ّناهم بال ِّنعم وال ِّنقم لعلهم يرجعون إ�لى الله
بالطاعة ويتوبون من المع�صية.
١٧٢
173و َذ َّكرناكم بهذا الميثاق ون َّبهناكم �إلى ما أ�ودعناه 171وا�ْس�أ ْل -أ�يها الر�سول -اليهو َد عن �أمر عظيم
فيكم من القدرة على النظر والتفكر والا�ستعدا ِد لقبول �آخر يعرفونه ليعتبروا ،وذلك وقت أ�ن اقتلعنا جبل الطور
الإيمان لئلا يكون لكم �سبيل إ�لى الاعتذار عن �شرككم من مكانه ورفعناه فوق ر�ؤو�س �أ�سلافهم ك�أنه �سحابة
يوم القيامة ب أ�ن تقولوا :إ�نا وجدنا آ�باءنا على ال�شرك، تظلهم ،ب�سبب ع�صيانهم لمو�سى وامتناعهم عن الالتزام
وكنا ذري ًة من بعدهم تابعين لهم ال قدرة لنا على ب أ�حكام التوراة ،و�أيقنوا أ�ن الجبل واق ٌع عليهم ف�س ّلموا
الاهتداء �إلى الحق ومعرفة ال�وصاب� ،أف ُتهلكنا بما فعل وخ�ضعوا حينئ ٍذ ،وقلنا لهم وهم في هذه الحالة :اعملوا
بما آ�تيناكم من الكتاب ب ِج ٍّد وعزيمة ،واذكروا ما فيه من
�آبا�ؤنا ،ولا ذنب لنا لجهلنا وعجزنا؟!
العهود والمواثيق ،لتتقوا الهلا َك في الدنيا وا آلخرة.
174وهكذا ف َّ�صلنا الآيات ال�سابقات تف�صيل ًا بليغ ًا
-وهذا �ش أ�ننا فيما يحتاج إ�ليه العباد -ليتدبرها ه ؤ�لاء 172وا ْذك ْر � -أيها الر�سول -للم�شركين وغيرهم هذا
فينزجروا ويرتدعوا ،وليرجعوا عن الإ�صرار على ال�شرك العهد الذي أ�خذه الله على النا�س ليتذكروه ،وذلك وق َت
�أن أ�خرج ربك ن�س َل بني آ�دم من ظهور �آبائهم ،و أ��شهد
وتقلي ِد ا آلباء �إلى توحيد الله وعبادته . كل واحد من هذه الذرية على نف�سه ،قائل ًا لهم :أ�ل�ستم
تقرون ب�أني ربكم؟ فقالوا :بلى �شهدنا على �أنف�سنا ب�أنك
175وا ْق�ص�ْص -أ�يها الر�سول -على قومك خب َر ربنا .وقد َذ َّكرناكم بهذا الميثاق وب َّيناه لكم لئلا تعتذروا
الرجل الذي ع ّلمناه العلم الذي ينجيه فوقف على
الحجج والأدلة الكثيرة الهادية إ�لى الإيمان والر�شاد ،فلم يوم القيامة فتقولوا :إ�نا كنا غافلين عنه فلم ُن َن َّبه �إليه.
يعمل بها ونبذها وراء ظهره ،ف أ�دركه ال�شيطا ُن وتم ّكن
منه ،ف�صار في ُزمرة ال�ضالين الرا�سخين في الغواية .
176ولو أ�ردنا لرفعنا َق ْدر هذا الرجل بما ع ّلمناه ،ولكنه
�سكن �إلى الدنيا و آ�ثر لذتها و�شهواتها على الآخرة
وا ّتبع ما يهواه ،ف َم َث ُله كمثل الكلب في أ�قب ِح أ�و�صافه،
إ�ن تز ُجره يله ْث و�إن تتركه يله ْث ،وكذلك حا ُل هذا
الرجل �إن وعظته فهو �ضال و إ�ن لم تعظه فهو �ضال،
وهذه الحال الخ�سي�سة هي حال كل َم ْن ك َّذب ب�آياتنا
بعد أ�ن عرفها ،فاق�ص�ص -أ�يها الر�سول -عليهم هذا
ال َق�ص�ص لعلهم يتفكرون فيها فينزجروا عن ال�ضلال .
� 177أ َل ما �أ�سو�َأ َم َث َل القو ِم الذين كذبوا بحجج الله.
ولم ي�ضروا بهذا التكذيب إ�لا �أنف�سهم.
َ 178من يوفقه الله �إلى �سلوك �سبيل الحق فهو المهتدي،
و َمن لم يوفقه لذلك ف أ�ولئك هم الخا�سرون تمام الخ�سران.
١٧٣
في هذا الملك العظيم الكائن في ال�سماوات والأر�ض، 179ولقد خلقنا لجه ّنم َم ْن ي�ستح ُّق العذاب فيها من
وفي �أي مخلوق من مخلوقاته َج َّل أ�و د َّق ،فيعلموا �أن الجن والإن�س ،بما �سبق في علمنا �أنهم يختارون الكفر،
لذلك ر ّب ًا خالق ًا مدبراً ،في�ؤمنوا به؟! ولكنهم لم يفعلوا. لهم قلوب لا يتفكرون بها فيما �أر�سلنا به ر�سلنا فيدركوا
�أَ َولا يخافون أ�ن تكون �آجالهم قد اقتربت فيموتوا على الحق ،ولهم �أعي ٌن لا ينظرون بها نظ َر اعتبا ٍر إ�لى ما في
كفرهم وي�صيروا إ�لى عذاب �أليم ،ف�إذا لم ي�ؤمنوا بالقر آ�ن الكون من �أدلة ت�شهد بوجود الله ووحدانيته ،ولهم
�آذان لا ينتفعون بما ي�سمعون بها من كتاب الله والمواعظ
فب�أي كلام �أحق منه يريدون �أن ي�ؤمنوا؟! النافعة ،فهم كالبهائم في عدم التدبر والاعتبار ،بل هم
أ�جه ُل منها؛ لأنها تتقي بفطرتها ما ي�ضرها ،وه�ؤلاء
َ 186م ْن لم يوفقهم الله ل إليمان فلا ي�ستطيع أ�حد يتركون ما فيه �صلاح دنياهم و آ�خرتهم ،و أ�ولئك هم
هدايتهم ،ويتركهم الله في �ضلالتهم يترددون متحيرين
الم�ستغرقون في غفلتهم.
ال يهتدون� سبيل ًا .
180ولله وحده الأ�سماء التي هي �أح�س ُن ا أل�سماء الدالة
187ي�س�ألونك � -أيها الر�سول -عن القيامة ،متى على أ�ح�سن المعاني وال�صفات ،فاذكروه بها وا�س أ�لوه بها
وقتها؟ قل لهم� :إ ّن ِع ْل َم وقتها عند الله وحده ،لا حاجاتكم ،واتركوا الم�شركين وانحرا َفهم عن طريق
يظهرها في وقتها إ�لا هوَ ،ع ُظ َم �أم ُرها وخفي على �أهل الحق في أ��سمائه با�شتقاقهم منها أ��سماء لآلهتهم كاللات
ال�سماوات والأر�ض ،فلا ت�أتيكم ال�ساعة إ�لا فج أ�ة. ِمن الله ،وال ُع َّزى من العزيز ،ولا ُتبالوا ب�إنكارهم ما
ي�س�ألونك عن ال�ساعة ك�أنك عالم بها ،قل لهم م�ؤكداً :لا �س ّمى الله به نف�سه ،ف�سيجزون ب�سوء ما كانوا يعملون.
ِعلم لي بذلك ،و ِع ْل ُمها عند الله .و�أكثر النا�س لا يعلمون
181و ِم ْن ُجملة َم ْن خلقنا جماعة ير�شدون النا�س
�أن ذلك مما ا�ست�أثر الله بعلمه. �إلى الحق ،وي�ستقيمون عليه ،وبالحق يق�وضن وين�صفون
النا�س .وهذه �إ�شار ٌة إ�لى ا�ستدامة الحق ،و ُو ُفور القائمين
به من ا ألمة المحمدية.
182والذين كذبوا بالقر�آن ،وبحججنا� ،سوف
ن أ�خذهم �شيئ ًا ف�شيئ ًا إ�لى هلاكهم ،وهم لا ي�شعرون،
وذلك ك�أن يفتح الله لهم أ�بواب الرزق في الدنيا حتى
يغتروا بما هم فيه ويزدادوا تمادي ًا في ال�ضلال ،في�أخذهم
الله وهم غافلون .
183و ُ�أمه ُلهم على ما هم فيه و�أ�ؤخر لهم العقوبة ،ثم
�آخذهم بالعذاب ،إ�ن عذابي �شديد .
184أ�لم تكن له�ؤلاء المكذبين عقول يتفكرون بها
ليتحققوا �أن لي�س ب�صاحبهم محمد أ�دنى �شيء
من جنون ،كما يزعمون؟! وما هو إ�لا منذ ٌر لهم إ�نذاراً
وا�ضح ًا لا لب�س فيه.
� 185أ َولم يتفكر ه�ؤلاء المكذبون ويتدبروا بعقولهم
١٧٤
190فل ّما وهب اللهُ �آد َم وحوا َء ما طلبا من الولد 188وقل -أ�يها الر�سول -لهم :إ�ني لا أ�قدر على
ال�صالح ،جعلا -أ�ي جعل جماعة من الذكور والإناث َج ْلب نف ٍع لنف�سي �أو دفع �ضر عنها ،إ�لا ما �شاء الله �أن
من ذريتهما من بعدهما -لله تعالى �شركاء في هذا يوفقني �إليه ف�أفعله ،ولو كن ُت أ�علم ما ي�ستقبلني من
العطاء ،وغي َّروا في ِفطرة التوحيد التي فطرهم الله ا ألمور المغيبة ،ك�شدائد الزمان و أ�هواله وما يكون في
م�ستقبل ا أليام و َ َت ُّو ِل أ�حواله ،لا�ستعدد ُت له قبل نزوله
عليها ،فتنزه الله تعالى ع ّما يدعيه الم�شركون . با�ستكثار الخير الذي ينفعني والاحترا� ِس من ال�شر ،حتى
لا يم�سني �سوء ،وما �أنا �إلا ر�سول ،نذي ٌر بالنار للكافرين،
� 191أت�شركون -أ�يها الكفار -في عبادة الله الذي هو
خالق كل �شيء أ��صنام ًا لا تقدر على خلق �شيء؟! بل هي وب�شي ٌر بالجنات للم�ؤمنين.
مخلوقة م�صنوعة. 189الله هو الذي بد�أ َخلقكم من نف�س واحدة ،وهي
�آدم عليه ال�سلام ،وخلق من �آدم زوجته حواء ،لت�سكن
192ولا ي�ستطيعون لمن يعبدهم ن�صراً ،بل لا َن ْف�ُسه �إليها ب�أُن�سه بها ،فلما وطئها ،حمل ْت حمل ًا
ي�ستطيعون أ�ن يدفعوا عن أ�نف�سهم �أ َّي �سوء! وفي هذا خفيف ًا ،فا�ستمرت بهذا الحمل ولم َت�شعر بثقله ،فلما كبر
الولد في بطنها ،دعا آ�د ُم وحواء ربهما لئن آ�تيتنا ب�شراً
إ�ظها ُر غاي ِة جهلهم.
�سوي ًا يعبدك ويوحدك ،لنكون َّن لك من ال�شاكرين.
193و�إ ْن تدعوا -أ�يها الم�شركون -هذه ا أل�صنام إ�لى
مجرد الدلالة على مطلوب -وهو أ�ق ُّل من ال ُّن�صرة -لا ١٧٥
يدلوكم ولا ير�شدوكم ،ولا يجيبوكم �إلى ما تطلبون،
في�ستوي -في عدم ا إلفادة منهم -دعا ؤ�كم لهم
و�سكوتكم ،فكيف ُيعبد َم ْن هذا �ش�أنه؟!
� 194إ ّن ه�ؤلاء الذين جعلتموهم أ�يها الم�شركون آ�لهة،
هم مخلوقون لله كما أ�نتم مخلوقون له ،فادعوهم
لجلب نفع لكم �أو دف ِع ُ� ٍّض عنكم ،ف إ�ن كانوا آ�لهة -كما
تزعمون -فليجيبوكم ،إ�ن كنتم �صادقين فيما ت ّدعونه.
195وهذه ا أل�صنام لا إ�درا َك لها ولا حياة ولا قدرة،
فلا ت�صح أ�ن تكون �آلهة .فانظروا واعتبروا ،هل لهم
أ�َ ْرج ٌل ي�س َعون بها في نفع �أنف�سهم ف�ضل ًا عن نفع
غيرهم؟ �أ ْم لهم أ�ي ٍد يدفعون بها عن �أنف�سهم وي أ�خذون
بها ما يريدون ف�ضل ًا عن �أن يدفعوا عن غيرهم؟ �أ ْم لهم
أ�عين يب�صرون بها كما تب�صرون؟ �أ ْم لهم �آذان ي�سمعون
بها كما ت�سمعون؟ بل أ�نتم أ�ف�ضل منهم ،فكيف
تعبدونهم؟! فقل -أ�يها الر�سول -متحدي ًا لهم :ادعوا
أ��صنامكم لتن�صركم عل َّي فت�ستريحوا مني ،ف إ�ن تمكنتم
من �إيقاع ال�سوء بي فافعلواِ ،م ْن غير إ�مهال.
�أ ّتبع ما يوحيه �إليَّ ربي ،وقل لهم :إ�ن هذا القر آ�ن بيان 196قل -أ�يها الر�سول -للم�شركين :إ� ّن حافظي
من الله للنا�س ُي َب ِّ� ُص القلو َب بالحق وهو هدى ورحمة ونا�صري هو الله ،وهو الذي ن َّزل القر�آن عل َّي بالحق،
فكما أ� َّيدني به فهو يتولى حفظي ،وهو يتولى عباده
لمن ي�ؤمن به .
ال�صالحين.
204و�إذا ُقرئ القر�آن فا�ستمعوا له بتدبر وخ�وشع،
و أ��صغوا �إليه ب�أ�سماعكم ،لعلكم تفوزون برحمة 197أ� ّما أ��صنا ُمكم التي تعبدونها فهي لا تقدر على
ن�صركم ،بل لا تقدر على دفع أ� ِّي َ�ضر عن نف�سها ،فهي
الله ور�ضاه. لا ت�ستحق العبادة ،و إ�نما ي�ستحقها ر ُّب العالمين الذي
205واذكر � -أيها الر�سول -ر َّبك في �ِ ِّس َك ،و�أنت يحفظ عباده وين�صرهم .
مت�ضر ٌع خائف ،واذكره بل�سانك ذكراً و�سط ًا بين
الجهر وا إلخفاء ،أ� ّو َل النهار و آ�خره ،ولا تكن من 198و إ� ْن تدعوا -أ�يها الم�شركون -الأ�صنا َم ليهدوكم �أو
الغافلين عن ذكره .وهذا الخطاب و إ�ن كان للنبي ير�شدوكم ،لا ي�سمعوا دعاءكم ،وترى � -أيها الر�سول-
هذه ا أل�صنام ك�أنها تنظر �إليك بعيون م�و َّصر ٍة م�صنوعة،
فهو عا ٌّم ألمته. والحا ُل أ� ّنها لا تب�صر �شيئ ًا .وهذا ت�سفي ٌه لعقول الم�شركين.
� 206إ ّنالملائكة-الذينرفعالله�أقدا َرهم-لاي�ستكبرون َ� 199س ْع -أ�يها النبي -النا�س بعفوك عن م�سيئهم
عن عبادة الله ،ويعظمونه وينزهونه ع ّما لا يليق بجنابه، وارفق بهم لئلا ينفروا ،و�ْأ ُم ْر ُهم بما َيح�سن من الأفعال
ويخ ُّ�صونه وحده بالخ�وضع والعبادة وال�سجود .وهذا والخ�صال ،و�أعر�ْض عن ال�سفهاء فلا ُتارهم ولا تقابلهم
تعري� ٌض بالم�شركين الذين ي�ستكبرون عن عبادة الله،
بمثل �أفعالهم .وهذه ا آلية من مجامع الأخلاق.
وتحري�ض للم�ؤمنين على الت�شبه بالملأ ا ألعلى.
200و إ� ْن تع ّر�ض لك ال�شيطان بخاطر � -أيها النبي-
١٧٦ يثير غ�ضبك ،أ�و يحملك على خلاف ما أ�ُمرت به في
معاملة النا�س فا�ستعذ بالله ليدفع عنك هذا الخاطر� ،إنه
�سميع لدعائك عليم بك .وهذا إ�ر�شا ٌد للأمة في �شخ�ص
النبي.
202 201و�ش�أ ُن الم�ؤمنين الذين يتقون ربهم
ويطيعونه ،أ�نهم �إذا َمـ َّر بهم أ�دنى خاط ٍر ِمن و�ساو�س
ال�شيطان ،تذكروا عظمة الله وعقابه ،ف إ�ذا هم مب�صرون
طريق الحق فيحترزون عن مكائد ال�شيطان ولا يتبعونه.
و أ� ّما �إخوان ال�شياطين من �أهل ال�شرك وال�ضلال ف�إن
ال�شياطين تزين لهم ما هم فيه وتزيدهم غ ّي ًا �إلى غ ّيهم،
ولا يك ّفون عن �إغوائهم.
203و�إذا لم ت أ� ِت -أ�يها الر�سول -الم�شركين
ب آ�ية جديدة من القر آ�ن إلبطاء الوحي عنك ،قالوا
متهكمين :ه ّل اختل ْق َت �آي ًة ِمن عند نف�سك؟ فقل لهم:
ل�س ُت �آتي بالآيات من عند نف�سي كما تزعمون ،و�إنما
وينفقون مما رزقهم الله ِمن ا ألموال فيما أ�مرهم �أن 1ي�س�ألك بع�ُض �أ�صحابك � -أيها النبي -عن الغنائم
ينفقوها فيه. التي غنمتموها في غزوة بدرَ ،من الذي ي�ستحقها؟
وكيف ُت َق�َّسم؟ -وذلك عندما اختلفوا في ق�سمتها-
4ه ؤ�لاء الذين اجتمع ْت فيهم ال�صفات ال�سابقة هم فقل لهم :إ�ن َأ� ْمرها إ�لى الله ور�سولهُ ،يق�ِّسمها
الم ؤ�منون الكاملون في �إيمانهم ،لهم في الجنة مناز ُل خي ٍر ر�سول الله - -وي�ضعها حيث ي أ�مره الله تعالى،
وكرامة ،ولهم مغفر ٌة لذنوبهم ،ورز ٌق وا�سع في الجنة لا فاتقوا الله و�أ�صلحوا ما بينكم بالمودة وتر ِك النزاع،
واقبلوا ما �أُمرتم به في �أمر الغنائم ،إ�ن كنتم م ؤ�منين ح ّق ًا.
ينقطع َمدده.
� 2إ ّن �ش أ�ن الم�ؤمنين الكاملين في إ�يمانهم أ�نهم إ�ذا ُذ ِكر
5في هذه ا آلية وما بعدها تذكي ٌر للم�ؤمنين ب أ�مر ا�سم الله �أو �صفا ُته� ،أو ُذ ِّكروا بالله وعقابه خا َفت قلوبهم
الخروج ِل َب ْد ٍر ،وما ظهر فيها من دلائل عناية الله تعالى ور َّقت؛ ا�ستعظام ًا له وهيبة من جلاله ،و إ�ذا ُتليت عليهم
بر�سوله وبالم�ؤمنين ،فب ّي تعالى أ�ن حا َل كراه ِة بع�ِض �آيات القر آ�ن زادتهم يقين ًا به تعالى ،و�أنهم يف ِّو�وضن إ�ليه
الم ؤ�منين ما جرى من تق�سيم غنائم بدر ،هو كحال
كراهة فريق منهم الخرو َج لقتال الم�شركين ببدر �أ ّول �أمورهم ولا يخ�وشن أ�حداً ولا يرجون إ�لا إ�ياه.
ا ألمر ،فكما جعل الله في هذا القتال الذي اختاره الله
لكم خيراً ون�صراً عظيم ًا� ،سيجعل الله في هذه الق�سمة 3و ِمن �صفات الم�ؤمنين أ�نهم ي ؤ�دون ال�صلاة
خيراً لكم ،إ�ذ الخير فيما ق ّدره الله و أ�راده لا فيما تظنون. المفرو�ضة تا ّمة بفرائ�ضها و�شرائطها وخ�وشعها،
6يجادلك بع�ُض أ��صحابك -أ�يها النبي -في �ش�أن ١٧٧
قتال الم�شركين ببدر -ألنهم لم ي�ستعدوا لقتالهم و إ�نما
خرجوا للإغارة على ِع ْ ِي قري�ش التي فيها تجارتهم -بعد
أ�ن تبين لهم �أن الله وعدهم الن�صر ب إ�خبارك �إياهم بذلك،
وكانوا حا َل جدالهم كحال َم ْن يجادل ويمانع َم ْن
ي�سوقه �إلى الموت ،وهو ينظر إ�لى أ��سبابه وقد ح�ضر ْت.
7واذكروا �إذ يعدكم الله على ل�سان نبيه - -
�إحدى الطائفتين� :إ ّما �أَ ْخذ ِعي ِر قري�ش ،و إ� ّما قتالهم
والانت�صار عليهم ،و أ�نتم تحبون �أن تظفروا بالعير،
لت�صيبوا مال ًا ولا تل َقوا قتالاً ،واللهُ يريد �أعظ َم مما
تريدون ،وهو �إعلاء الدين و إ�ظهار الحق ،وفوزكم في
الدارين ،وذلك ب�أمره لكم بقتالهم ،ويريد �أن ي�ست�أ�صل
الكافرين ،ف�ش ّتا َن بين ما تريدونه وما يريده الله تعالى.
8وقد ق ّدر الله كل ما �سبق ،ل ُي ْظ ِه َر الإ�سلام ويث ِّب َته،
و ُيبطل الكفر و َي َ�ض َعه ،ر ْغم ًا عن أ�نوف أ�هل ا إلجرام
الذين يكرهون الحق ويعادونه ويحاربونه.
ب�سبب مخالفتهم ومعاداتهم لله ور�سوله ،و َم ْن يعاد اللهَ 9واذكروا -أ�يها الم ؤ�منون -ت أ�يي َد الله لكم يوم بدر
ور�سو َله يعاقبه الله عقاب ًا �شديداً ،ف�إن الله �شديد العقاب . حين دعوتموه ب�إلحا ٍح أ�ن يعينكم وين�صركم على عدوكم،
لـ ّمـا علمتم �أنه لابد من قتالهم ،ور أ�يتم كثر َة عددهم مع
14ذوقوا أ�يها الكفار وتج َّرعوا آ�لام ما ع َّجلته لكم ِقلة عددكم ،فا�ستجاب الله دعاءكم ب أ�ني ممدكم ب�ألف من
في الدنيا من القتل وا أل�سر والهزيمة يوم بدر ،واعلموا
أ�ن للكافرين في الآخرة عذاب ًا أ�عظ َم ،وهو عذاب النار. الملائكة ي�أتون ِتباع ًا ُي ْرد ُف بع ُ�ضهم بع�ض ًا.
15يا �أيها الذين �آمنوا �إذا لقيتم الكفار مجتمعين
متوج ِّهين لقتالكم ،فلا تو ُّلوهم ظهوركم فا ِّرين منهم، 10واعلموا -أ�يها الم ؤ�منون -أ�ن الله ما جعل إ�نزا َل
الملائكة و�إمدادكم بها إ�لا ب�شار ًة لكم بالن�صر ،ول َتط َمئن
بل قابلوهم وقاتلوهم. به قلوبكم فيزو َل ما بها من الخوف ،واعلموا أ�ن الن�صر
في الحقيقة إ�نما هو بيد الله ،لا ب�شد ِة ب أ�� ٍس ولا بكثر ِة
16و َم ْن يف َّر ِم ْن قتال الكافرين وق َت قتالهم -إ�لا َعد ٍد ،فلا ُتن�صرون �إلا أ�ن ين�صركم الله� ،إن الله عزيز فلا
رجل ًا مظهراً الفرار خدع ًة ليرجع َف َي ِك َّر عليهم� ،أو منحازاً
�إلى جماعة من الم�سلمين يتقوى بهم ليعاودوا جميع ًا ُينا َزع في حكمه ،حكيم في �أفعاله .
القتال -فقد رجع هذا الفا ُّر من قتاله م�صحوب ًا بغ�ضب
من الله ،وم�صي ُره في الآخرة جهنم ،وبئ�س هذا الم�صير . 11واذكروا -أ�يها الم�ؤمنون -كيف ه ّي�أكم الله للقاء
عدوكم ب�إلقائه النعا� َس عليكم ليل َة المعركة ،لتناموا
١٧٨ مطمئنين وتن�شطوا للقاء عدوكم ،ويذه َب ما في قلوبكم
من الرهبة ،في وقت لا ينام في ِمثله خائ ٌف ،وب إ�نزاله
عليكم من ال�سماء ماء ،ليطه َركم به من ال َح َدث والجنابة
ويذه َب عنكم بذلك و�سو�سة ال�شيطان وتخوي َفه �إياكم
ِمن العط�ش ،وليربط به على قلوبكم فيجع َلها قوية ثابتة
في الحرب ،و ُي َل ِّب َد بهذا المطر الأر�َض فلا َت�ُسوخ فيها
�أقدامكم وحوافر دوا ِّبكم.
12واذكر � -أيها النبي� -إذ يوحي ربك �إلى الملائكة
الذين أ�م ّدكم الله بهم� :أني معكم بعوني وت�أييدي ،فثبتوا
الم�ؤمنين على القتال ،ب�إلقاء ب�شارات الن�صر في قلوبهم،
وبالقتال معهم� ،س أ�ملُأ قلوب الكافرين بالخوف
والفزع ،فا�ضربوا يا ملائكتي �أعالي أ�عناق الم�شركين؛
إ�ذ ال�ضربة فيها �أ ْب َلغ في القتل وفي قطع الر أ��س ،واقطعوا
�أطراف �أ�صابعهم؛ لئلا يتمكنوا من الإم�ساك ب أ��سلحتهم.
13وهذا الذي حدث للكفار ببدر ِمن إ�لقاء ال ُّرعب في
قلوبهم و َق ْط ِع �أعناقهم و�أ�صابعهم على هذا النحو �إنما كان
الله �شيئ ًا ولو ك ُثت ،لأن الله مع الم�ؤمنين بن�صره وت أ�ييده.
20يا �أيها الذين آ�منوا امتثلوا ما أ�مركم به الله ور�سوله،
وانت ُهوا ع ّما نهاكم عنه ،ولا تتولوا عن ر�سوله مخالفين
�َأ ْمره ،و�أنتم ت�سمعون ما ُيتلى عليكم في كتاب الله من
وجوب طاعته والتحذير من مع�صيته ،ف إ� ّن هذا لي�س
�ش أ� َن الم�ؤمنين.
21ولا تكونوا � -أيها الم ؤ�منون -بمخالفة ما أ�مرناكم
به ونهيناكم عنه كالمنافقين والم�شركين الذين قالوا:
�سمعنا ب آ�ذاننا ،وهم معر�وضن عن َت َد ُّبر ما ي�سمعونه
وعن امتثاله ،فهم بمنزلة َم ْن لا ي�سمع.
22إ� ّن �ش َّر َم ْن د َّب على وجه ا ألر�ض ،في علم الله
وحكمه ،ال ّ�ص ُّم ،وهم الذين �أعر�وضا عن �سماع الحق
-الذين لا ينطقون بالحق -فهم لا وعن تدبره ،ال ُب ْك ُم
الله به عليهم ِمن قدر ٍة على الفهم ينتفعون بما تف ّ�ضل
والبيان .والمق�وصد بهم الكفار ،جعلهم الله �ش َّر البهائم
و�أخ�سها لإِبطالهم ما ُميزوا به من العقل و ُف�ضلوا ألجله.
23ولو علم الله في ه�ؤلاء المكذبين لله ولر�سوله �صدق ًا 17فلم تقتلوا � -أيها الم ؤ�منون -الم�شركين يوم بدر
في طلب الحق وا�ستعداداً لقبوله ،أل�سمعهم �سماع ًا بقوتكم وقدرتكم ،ولكن الله هو الذي قتلهم بتثبيته
ينتفعون به ،ولكن لم يعلم الله في نفو�سهم خيراً ،فلو إ�ياكم وبن�صركم عليهم ،وما كان في َمقدور رمي ِتك
�أفهمهم الحق حتى �صدقوا به لتو َّلوا بعد ذلك معر�ضين؛ -أ�يها النبي� -أن تو�صل التراب �إلى وجوه الم�شركين
و�أعينهم حين رمي َتهم به ،ولكن الله هو الذي �أو�صله
لغلبة جحودهم وعنادهم . ف�شغلهم و�آذاهم ،وقد فع َل الله ذلك ل ُينعم على
الم ؤ�منين بالن�صر والغنيمة� ،إن الله �سميع لدعائكم ،عليم
24يا أ�يها الذين آ�منوا ا�ستجيبوا لله وللر�سول بالطاعة
ب�أحوالكم.
والانقياد ألمرهما� ،إذا دعاكم الر�سول لما يحيي قلوبكم
18هذا الذي �سبق ِمن قتل الم�شركين ورميهم حتى
وي�صلحكم في الدنيا ،ويورثكم نعيم ا آلخرة -وك ُّل انهزموا هو معونتنا لكم �أيها الم�ؤمنون ،واعلموا أ�ن الله
ما يدعوكم �إليه إ�نما هو لذلك -واعلموا �أ ّن الله أ�قرب
�إلى قلوبكم و�أَ ْقدر عليها منكم ،فبادروا إ�لى الا�ستجابة ُم�ض ِعف تدبير الكافرين وقوتهم.
مخاف َة �أن ُيحال بينكم وبينها ،واعلموا أ� ّن َمرجعكم إ�ليه
19إ� ْن طلبتم يا كفار قري�ش أ�ن يحكم الله بينكم وبين
وحده فيوفيكم جزاء� أعمالكم. الم�سلمين ،فقد جاءكم حكم الله تعالى بن�صره الم�سلمي َن
عليكم ،و إ� ْن تنتهوا عن معاداة الر�سول والم�ؤمنين
25واحذروا مع�صي ًة لا ي�صيب أ�ث ُرها َم ْن قام بها ومحاربتهم فهو خير لكم ،و�إ ْن تعودوا إ�لى ذلك َن ُعد
فقط ،بل يع ُّم ال�صالح منكم وغير ال�صالح ،وذلك �إلى إ�هلاككم وهزيمتكم ،ولن تنفعكم جماعتكم من
ك�إقرار المن َكر وترك ا ألمر بالمعروف ،واعلموا أ�ن الله
١٧٩
�شديد العقاب لمن خالف �أمره.
تلو َت ُه علينا وفهمناه ،ولو �أردنا أ�ن ن�أتي بمثله ألتينا ،وما 26واذكروا يا مع�شر الم ؤ�منين وقت أ�ن كنتم بمكة
هذا الذي تلوته علينا �إلا ما كتبه ا أل ّولون من الق�ص�ص عدداً قليل ًا ،م�ست�ضعفين فيها ،تخافون �أن ي�ستولي
عليكم الم�شركون بها ،لا يمنعكم منهم مانع فيقتلوكم �أو
وا ألكاذيب ولي�س وحي ًا. يعذبوكم ،ف�آواكم الله إ�لى المدينة �آمنين ،و أ�يدكم بن�صره
يو َم بدر ،ورزقكم من الغنائم ،لعلكم ت�شكرون هذه
32واذكر -أ�يها الر�سول -إ�ذ قال الم�شركون متهكمين النعم الجليلة .وفي هذا التذكير تقوي ٌة لعزم الم ؤ�منين على
ب َك مبالغين في �إنكارهم �أن يكون هذا القر�آن من
عند الله :ال َّلهم �إن كان هذا القر�آن حق ًا منزل ًا من عندك طاعة الله ور�سوله التي �أمروا بها في ا آليات ال�سابقة.
ف�أمطر الحجارة علينا عقوب ًة على �إنكارنا ،أ�و ائتنا بعذا ٍب
�أليم غيره .فزادوا بذلك على إ�نكارهم ا�ستعجا َل العذاب. 27يا أ�يها الذين �آمنوا بالله ور�سوله ،احذروا أ�ن تخونوا
الله والر�سول بدلال ِة الم�شركي َن على ما ُيخ ُّل ب�أمنكم،
33وما كان الله ليع ِّذب الم�شركين و أ�نت � -أيها و�إخبا ِرهم ب أ��سراركم -ويدخل في هذه الخيانة �أي�ض ًا كل
الر�سول -مقيم بين �أظهرهم -وذلك ببركة ُمقام النبي ت�ضييع لأوامر الله ور�سوله -وال تخونوا -أ�يها الم�ؤمنون-
فيهم -وما كان الله مع ِّذ َبهم وهم ي�ستغفرون ،أ� َما ما ائ ُت ِمنتم عليه من الأمانات فيما بينكم ،و�أنتم تعلمون �أن
وقد �أ�صروا على ال�شرك وعدم الا�ستغفار فقد ا�ستحقوا
هذا الفعل خيانة ،ف إ�ن ذلك لا يليق ب�أهل الإيمان .
ما نزل بهم من الهزيمة والعذاب يوم بدر.
28واعلموا � -أيها الم ؤ�منون� -أن �أموالكم و�أولادكم
مح ّل اختبار لكم ،فلا َيحمل َّنـ ُكم ح ُّبهما على الخيانة
وت�ضييع ا ألمانات ،واعلموا أ�ن الله عنده أ�جر عظيم لمن
�آثر ر�ضا الله عليهما ،وراعى حدوده فيهما.
29يا أ�يها الذين آ�منوا �إن تطيعوا �أوامر الله وتجتنبوا
نواهيه يجع ْل لكم نجا ًة مما تحذرون منه ،وهداية في
قلوبكم ُتف ِّرقون بها بين الحق والباطل ،ويغف ْر لكم
ذنوبكم ،وهذا ك ُّل ُه تف ُّ�ضل من الله و�إح�سان ،وهو ذو
الف�ضل العظيم.
30واذكر � -أيها الر�سول -نعمتي عليك إ�ذ �أحبط ُت
ما د َّبره الم�شركون ِم ْن قومك �س ّراً ب�أن يحب�سوك �أو يقتلوك
�أو يخرجوك من مكة ،ويدبرون ويخفون مكايدهم
ويبطل الله كي َدهم ،و ُيخفي ما أ�ع َّد لهم حتى ي�أتيهم
بغتة ،والله خير َم ْن يبطل مكر الماكرين.
31و�إذا تتلى على ه�ؤلاء الكافرين �آيات القر�آن ،قالوا
َي ُغ ّرون أ�نف�سهم و َمن اتبعهم على باطلهم :قد �سمعنا ما
١٨٠
الجيو�ش لذلك و�إنفاق الأموال عليها ،ف�سينفقونها 34و�أ ُّي �شيء يمنع عذا َب الل ِه عن ه ؤ�لاء الم�شركين،
وي�ستمرون في �إنفاقها ،ثم لا تكون عاقب ُة هذا الإنفاق وقد جمعوا مع كفرهم َم ْن َعهم الر�سو َل والم�ؤمنين
إ�لا الح�سرة والندامة ،لأنهم لن ي�صلوا إ�لى ما يريدون، -الذين هم �أَ ْولى بالبيت -من الطواف به وال�صلاة
ثم ينتهي أ�مرهم في الدنيا �إلى الهزيمة والإذلال ،و�أ ّما عنده؟! زاعمين �أنهم أ�ولياء َ�أ ْم ِر الحرم ،وما كان لهم أ�ن
في ا آلخرة ف�إن م�صير َمن ا�ستمر على الكفر منهم أ�نهم ي�ستحقوا ولايته مع �شركهم وعداوتهم لدين الله ،و�إنما
ي�ستحقها الذين يتقون ال�شرك والمعا�صي وال يعبدون فيه
ُيجمعون وي�ساقون �إلى نار جهنم.
إ�لا الله ،ولكن �أكثر الم�شركين لجهلهم ال يعلمون .
37و َيح�شر الله �إليه يوم القيامة ه ؤ�لاء الذين كفروا
بربهم ،و�أنفقوا �أموالهم لي�صدوا عن �سبيل اللهِ ،م ْن 35ولم يكن دعاء الم�شركين أ�و ما ي�سمونه �صلا ًة
�َأ ْج ِل �أن يف ّرق بين هذا الفريق الخبيث وبين الم ؤ�منين بالله عند البيت الحرام إ�لا �صفيراً وت�صفيق ًا ،ال ا�ست�شعار فيها
ور�سوله ،ف ُيدخل �أه َل ا إليمان والطاعة جناته ،ويجمع لعظمة البيت ،بل هي �َأ�شبه باللعب .فذوقوا � -أيها
الكفار وي�ضم بع�ضهم �إلى بع�ض حتى يتراكموا فوق الم�شركون -عذاب القتل والأ�سر الذي نزل بكم يوم بدر
بع�ضهم من �شدة ازدحامهم فيجعلهم في جهنم جميع ًا، فقد ا�ستحققتموه ب�سبب كفركم وعنادكم وا�ستهزائكم
وه�ؤلاء هم الكاملون في الخ�سران. بالحق الذي جاءكم به محمد.
ُ 38ق ْل -أ�يها الر�سول -ل َّلذين كفروا ِم ْن قومك� :إ ْن � 36إ ّن ه�ؤلاء الكفار لا يبذلون أ�موالهم في الخير ،و�إنما
َينتهوا عن عداوتك وقتالك ب أ�ن ُي�سلموا َيغفر الله لهم ما ينفقونها ل�ص ِّد النا�س عن دين الله بمحاربة الر�سول و َج ْم ِع
�سبق من ذنوبهم وعداوتهم لك ،و إ� ْن يعودوا �إلى قتالك
فقد جرت �ُس َّن ُة الله ب إ�هلاك الذين تح َّزبوا على أ�نبيائه،
فليتوقع الكافرون مث َل ذلك.
39وقاتلوا -أ�يها الم�سلمون -الم�شركين حتى لا تكون
فتنة ،ب�أن لا يقدروا أ�ن ي�ؤذوا أ�حداً من أ�هل الإ�سلام
لير ُّدوه عن دينه ،أ�و ي�سلبوه حقه �أو ي�صدوا غيرهم عن
الدخول في دين الله ،وحتى تكون الطاعة والعبادة لله
وحده فلا ُيعبد ِم ْن دونه �شيء ،ف�إن انتهوا عن كفرهم
وما يتبعه من أ�ذى الم�ؤمنين ،فك ّفوا �أيديكم عنهم و�إن لم
تعلموا بواطنهم ،ف�إ ّن الله تعالى لا يخفى عليه �شيء من
أ�عمالهم ،و�سيجازيهم عليها بما ي�ستحقون.
40و�إن ا�ستمر ه ؤ�لاء الم�شركون على خلافكم
ومحاربتكم فقاتلوهم ،واعلموا �أَن الله نا�صركم ف ِثقوا
به ،و أ�نه نعم المولى فلا ي�ضيع َمن تلاوه ،و ِنعم الن�صير فلا
ُيغ َلب َمن ن�صره.
١٨١
41واعلموا -أ�يها الم ؤ�منون -أ�ن الله تعالى ق�َّسم
ما غنمتموه من �أموال الكفار بالقتال في �سبيل الله:
�أربع َة �أخما� ٍس للغانمين الذين �شهدوا المعركة ،وال ُخم�س
الباقي يق�ّسم خم�س َة �أ�سهمَ� :س ْه ٌم لله وللر�سول ،و�سهم
لقرابته ،و�سهم لليتامى ،و�سهم ألهل الحاجة من
الم�سلمين ،و�سهم لابن ال�سبيل -وهو الم�سافر المحتاج
للنفقة -وما ُج ِع َل �سهم ًا لله ور�سوله مردو ٌد على
الم�سلمين ي�ضعه الر�سو ُل أ�و ا إلما ُم م ْن َبعده فيما يراه
من م�صالح الم�سلمين العامة ،ف�أطيعوا � -أيها الم ؤ�منون-
و�َس ِّلموا ا ألمر لله في تق�سيم الغنيمة وا ْر َ�ضوا به� ،إن كنتم
�آمنتم بالله تعالى وبما أ�نزلنا على عبدنا محمد من الآيات
والم�ؤيِّدات يو َم َب ْد ٍر الذي �أظهر الله فيه الحق على الباطل،
ِيق َّلوِتمكالتم،قىوال َلجه ْم ُععلكىمكولج�شمعيءالقكدايفرر.ين ،فن�صركم عليهم مع
كان الم�شركون ِق ّلة باعتبار ما �أ َّيد الله الم�سلمين به -ولو 42واذكروا -أ�يها الم�ؤمنون -وق َت نزولكم ببد ٍر
�أرا َك ُه ْم كثيراً َلها َب الم�سلمون ا إلقدام عليهم ولاختلفوا بجانب الوادي ا ألدنى ِمن المدينة و أ�نتم عد ٌد قليل في
في �أمر القتال ،ولكن الله أ�نعم عليكم بال�سلامة من ذلك مكان لا ماء فيه ،ولا تكاد َتثبت فيه الأقدام ،وعد ّوكم
بما أ�راك في منامك ،إ�ن الله عليم بما �سيكون في ال�صدور بالجانب الأق�صى منه مما يلي مكة وهم عدد كثير والماء
من الخواطر ،فق َّدر لكم ما ق َّدر. عندهم و�أر ُ�ضهم أَ� ْثب ُت من أ�ر�ضكم ،و َر ْك ُب تجارة قري�ش
في مكا ٍن أ��سفل منكم على �ساحل البحر ،لي�سوا منكم
44واذكروا -أ�يها الم�ؤمنون -وق َت �أن �أراكم الله
الم�شركين ب أ�عينكم عدداً قليل ًا رغم َكثرتهم ،وق َّللكم في ببعيد ،وقد �أ�ص َّر الكفار على قتالكم مع نجاة ِع ْ ِيهم
�أعين الم�شركين َقبل بد ِء القتال حتى َي َتج ّر ؤ�وا عليكم ولا إ�ظهاراً لقوتهم ،ولو تواعدتم أ�نتم وهم على القتال
ي�ستعدوا لكم -فل ّما بد�أ القتال فاج أ�هم الله ب�أن ك َّ َثكم
في �أعينهم فهابوكم -ل ُيظهر الله بذلك �أمراً قد ق�ضاه، ل َع َر�َض لكم من الموانع وال�وصارف ما يمنعكم من اللقاء
وهو إ�عزا ُز ا إل�سلام و أ�ه ِله و إ�ذلا ُل الكفر و أ�هل ِه ،والله في الميعاد ،ولقد َج َمعكم الله على غير ميعاد ليق�ضي ما
أ�راد بقدرته من ن�صر �أوليائه وقهر �أعدائه ،لتت�ضح الـ ُح َّجة
ي�ص ّرف ا ألمور ك ّلها كيف ي�شاء. للكفار في�ستمر على الكفر َمن ا�ستمر عليه منهم وهو
ويهتدي َمن اهتدى �أمره �أنه على باطل، من على ب�صيرة
45يا �أيها الذين �آمنوا �إذا لقيتم جماعة من الم�شركين الحق� ،إن الله �سميع �أن ا إل�سلام هو دين من عن ُحـ َّجـ ٍة
للقتال ف ْاثبتوا ولا ت ِف ّروا ،و�أكثروا من ذكر الله والا�ستعانة
لدعائكم ،علي ٌم بنياتكم ،ولا تخفى عليه خافية.
به ،لعلكم تظفرون بن�صر الله وثوابه.
43واذكر � -أيها الر�سول -نعم َة الله عليكم إ�ذ ُيريك
١٨٢ الم�شركين في منامك عدداً قليل ًا ،ف�أخبر َت الم�سلمين
بذلك َف َقوي ْت نفو�سهم وتجر�ؤوا على قتالهم -وقد
ذلك وقال لهم :لا غالب لكم اليوم من الم�سلمين أ�و 46والت ِزموا � -أيها الم�ؤمنون -طاع َة الله ور�سوله
غيرهم ،و�إني معكم ُأ�جيركم و أَ�حميكم مما تحذرونه، في جميع �أحوالكم ولا تخالفوا أ�مرهما في �شيء ،ولا
ف�ساروا مطمئنين ،فلما التقوا ور أ�ى ال�شيطان إ�مدا َد تختلفوا فيما بينكم لئلا تختلف قلو ُبكم ،فيكون �سبب ًا
الم�سلمين بالملائكة ،خاف وو ّلى مدبراً ف َخ َذلهم بعد في �ضعفكم ودخو ِل الو َهن عليكم ،و َذهاب َغ َلبتكم
ا�ستدراجهم ،وقال� :إني بريء من ِجواركم و ُن�صرتكم، وقو ِتكم ،وا�صبروا على �شدائد الحرب ،إ�ن الله مع
�إني �أرى ما لا ترون من الملائكة� ،إني �أخاف �أن ي�صيبني
عذاب من الله ،والله �شديد العقاب .ف َ�ص َدق وهو َكذوب. ال�صابرين بن�صره ومعونته.
49واذكروا -أ�يها الم�ؤمنون -لتعتبروا حين قال 47واحذروا -أ�يها الم�ؤمنون -أ�ن تكونوا مثل
المنافقون بالمدينة والذين لم تطمئن قلوبهم بع ُد با إليمان ه�ؤلاء الكفار الذين خرجوا من ديارهم إ�لى َب ْد ٍر فخراً
ل ُ�شبه ٍة أ�و غيرها :غ َّر ه�ؤلاء الم�سلمين دي ُنهم ،فدخلوا وطغيان ًا بما هم فيه من قوة ونعمة ،وليراهم النا�س فيثنوا
فيما لا طاقة لهم به من قتال قري�ش ،ف�أجابهم الح ُّق تعالى عليهم بال�شجاعة ،و ِل َيمنعوا النا�س عن الدخول في
ب�أن َم ْن يث ْق بالله ويفو�ض �أمره �إليه ين�ص ْره ،ف�إنه تعالى دين الله ،ولكن ات ُقوا الله -أ�يها الم ؤ�منون -و أ�خل�وصا
عزيز لا َيذل َمن ا�ستجار به ،له الحكمة البالغ ُة التي َت ْق�صر له جميع �أعمالكم ،والله عليم ب ُ�سوء فعل ه�ؤلاء الكفار
عنها العقول ،فلا توه ْنكم �أقوا ُل �أمثال ه�ؤلاء. و�ُسوء ق�صدهم.
50ولو عاين َت � -أيها الر�سول -حا َل الكافرين حين 48واذكر � -أيها الر�سول -حين ح�َّس َن ال�شيطا ُن
تقب�ض الملائكة �أرواحهم ،لر أ�يت �أمراً فظيع ًا؛ إ�ذ ي�ضربون للم�شركين خرو َجهم لقتالكم وحربكم و�ش َّجعهم على
وجوههم وظهورهم ،ويقولون لهم :ذوقوا عذاب
الحريق .وهذه ا آلية و�إن نزلت في قتلى الم�شركين ببدر ١٨٣
فهي عامة في جميع الكفار.
51وتقول الملائكة للكافرين حين تتوفاهم على هذا
النحو الفظيع :إ� ّن هذا الجزاء ب�سبب كفركم ومعا�صيكم
في حياتكم الدنيا ،والله لا يظلم �أحداً ِم ْن خلقه.
52و�ش�أ ُن ه ؤ�لاء الكفار من أ�هل مكة في كفرهم وما
ج َّر لهم من العذاب -كما ح�صل ببدر -هو ك�ش�أن قوم
فرعون و َم ْن قبلهم من الأمم ال�سابقة حين َجحدوا ب�آيات
الله الدال ِة على وحدانيته والمنزل ِة على ر�سله ف�أخذهم الله
بالعذاب ،ف ِكل َا الجزا َءين كان ب�سبب كفرهم� ،إن الله
قوي فلا يغلبه غالب� ،شديد العقاب لمن كفر ب آ�ياته.
53هذا العذاب الذي ح َّل بم�شركي مكة ببدر ،ح َّل
بهم ب�سبب كفرهم وطغيانهم ،ألنه تعالى قد َج َر ْت �ُس َّنته
�أن لا َي�سلب نعمة أ�نعمها على قوم �أو ُيبدلها ب ِن ْقمة ،حتى
يت�سببوا هم في تغييرها ،بمعا�صيهم وكفرانهم لنعمه،
فيجازيهم الله بعدله ،ويعاملهم بما ي�ستحقون� .إن الله
�سميع لما يقولون ،عليم لا يخفى عليه �شيء مما يعملون.
عليهم، ربهم بت4ك5ذيبهومحابمُلحكمف ٍادِر قري،�شوبحاينآلياغ ّيتواالندعالمةة
�صدقه، على
وعقاب الله لهم على ذلك هو ك َحا ِل �آل فرعون و َم ْن
قبلهم من الأمم ،حين غ ّيوا نعمة الله ب�أن ك ّذبوا ب أ�نبيائهم
وبالآيات الدال ِة على �صدقهم ،فعاقبهم الله ب أ�ن �أهلك
هذه ا ألمم ،و أ�غرق قو َم فرعون ،وك ُّل ه�ؤلاء كانوا
ظالمين.
59ولا يظ َّن َن الذين َ َنوا من القتل يوم بدر من 55إ� ّن �ش َّر َم ْن َي ِد ّب على الأر�ض من المخلوقات
الكفار ،أ�نهم قد �أفلتوا فلا َن ْقدر عليهم ،بل هم تحت في حكم الله تعالى :الكفا ُر الم�صرون على كفرهم
وتماديهم في �ضلالهم ،فلا يرجعون عن كفرهم ولا
قهرنا فلا ُيعجزوننا �إذا �أردنا تعذي َبهم و�إهلاكهم.
ُيرجى منهم إ�يمان.
60و أ� ِع ُّدوا -أ�يها الم ؤ�منون -لمواجهة �أعدائكم ما
تقدرون عليه ِمن ال ُع ّدة التي تتقوون بها على القتال، 56و�ش ُّر ه�ؤلاء الكفار -الذين هم �شر الدواب:-
وخا�صة الخي َل التي ُتربط للقتال في �سبيل الله -ويدخل الذين �أَخ ْذ َت عليهم -يا محمد -عهودهم ب�أن لا
فيها الآن ك ُّل ما في معناها من الآلات وال�سلاح- يحاربوك ولا ُيعينوا �أعداءك عليك ثم ينق�وضنها في
لتخ ّوفوا بذلك عدو الله وعدوكم من م�شركي مكة، كل مرة ،ولا يخافون عقاب الله في نق�ضهم العهد.
و�آخرين لا تعلمونهم -من قبائل العرب والمنافقين
واليهود وغيرهم -ولك ّن الله يعل ُمهم ،و�أ ُّي �شيء والمق�وصد بهم يهود بني قريظة و ُن َظرا ؤ�هم.
تنفقونه في �سبيل إ�علا ِء كلم ِة الله ولو كان ي�سيراً يوفيكم
57ف�إذا لقي َت -أ�يها الر�سول -ه�ؤلاء الناكثين
الله جزاءه كامل ًا ،ولا ُتن َق�وصن من ثوابكم �شيئ ًا. لعهودك في الحرب ،فا�ش ُد ْد عليهم ون ِّكل بهم تنكيل ًا
يزجر ويف ِّر ُق غيرهم من �أعدائك الذين بينك وبينهم
61و�إ ْن ما َل �أعدا ؤ�ك إ�لى ال�صلح والـ ُم�سالمَة معك عهد ،ع�سى �أن ي َّذكروا فلا يتجر�ؤوا على نق�ض عهدك.
� -أيها النبي -و َط َلبوه منك ،فاق َبله منهم ،وف ّو�ض أ�م َرك
58و إ�ذا علم َت -أ�يها الر�سول -بواد َر غد ٍر وخيانة
�إلى الله ،إ�نه هو ال�سميع العليم. ِمن قوم ِمن المعا ِهدين لك بما ظهر لك من الدلائل
وا أَلمارات ،ف�أخبرهم �إخباراً وا�ضح ًا ب َف�سخك لهذا
العهد ،ولا ت ْفج أ�هم بالحرب قبل ذلك حتى لا ُتن�سب
إ�ليك �شائب ُة غد ٍر� ،إن الله لا يحب الخائنين.
١٨٤
منهم ع�شرون ثابتون في القتال ُمحت ِ�سبون َي ْغلبوا مئتين 63 62و إ�ن ُيرد ه ؤ�لاء ا ألعداء �أن يخدعوك
من الكفار بت أ�ييدنا لكم ،و�إن يكن منهم مئة �صابرة ب إ�ظهارهم ال ُّ�صلح و إ��ضمار الغدر ،ف إ�ن الله كافيك
ُمحت ِ�سبة َيغلبوا �ألف ًا من الكافرين ،ذلك لأن الكفار قوم �شرو َرهم ،فهو الذي �أيدك بن�صره يوم بدر ،و أ�يدك
جهلة بالله واليوم ا آلخر ،فلا يقاتلون احت�ساب ًا ولا طل َب بالم ؤ�منين من المهاجرين وا ألن�صار ،و�أيدك بالت أ�ليف
بين قلوب الم�ؤمنين ،على ما كان بينهم من العداوات
ثواب ،و�إنما يقاتلون َحم ّي َّة ،في ِق ّل ثباتهم إ�ذا �صبرتم. والبغ�ضاء .ولو أ�نفق َت جميع ما في الأر�ض من مال
لتفعل ذلك ما ا�ستطع َت ،ولكن الله أ� ّلف بينهم با إليمان
66الآن َر َفع الله عنكم -أ�يها الم�ؤمنون -ما فيه بالله ور�سوله� ،إنه عزيز فلا ي�ستع�صي عليه �شيء ،حكيم
م�شقة عليكم ِلعلمه ب�أن فيكم �ضعف ًا ،ف إ� ْن يكن منكم
� -أيها الم ؤ�منون -مئ ٌة �صابرة في القتال يغلبوا مئتين من في تدبيره وفي كل ما �أمر به ونهى عنه.
الكافرين ،و�إن يكن منكم �ألف �صابرون يغلبوا �ألفين
64يا أ�يها النبي إ�ن الله كافيك جميع أ�مرك وم ؤ�ي ُد َك
من الكفار ،ب�أ ْمر الله وتي�سيره ،والله مع ال�صابرين بن�صره على عد ّوك ،و إ�ن َك ُثوا ،وهو كافي َمن اتبعك ِمن
وت أ�ييده .والمراد بال َغ َلبة في ا آليتين :الثبات وعدم الفرار،
الم ؤ�منين ونا�ص ُرهم على عدوهم.
ف َم ْن ف ّر ِمن اثنين فقد ف َّر ،و َمن ف ّر ِمن ثلاثة فما ف ّر.
65يا �أيها النبي با ِل ْغ في َح ّث الم ؤ�منين على قتال
67ما �ص َّح لنب ٍّي من الأنبياء ولا ا�ستقا َم أ�ن يكون له عدوهم ،و�ْأ ُم ْرهم بالثبات �أمامهم ،و َب�ِّشهم ب�أنه إ�ن يكن
أ��سرى حرب ُيبقيهم لأخذ الفداء �أو الم ِّن بالعفو عنهم قبل
أ�ن ُيبالغ في قتل الكفار ِل ُيذلهم و ُي�ضعف حزبهم ،ت�ؤثرون ١٨٥
-أ�يها الم ؤ�منون -فداءهم على قتلهم ابتغاء عر�ض زائل،
والله يريد لكم ثوا َب ا آلخرة بقهركم لهم و َن ْ�ص دينه،
والله عزيز ين�صر �أولياءه ،حكيم في تدبيره م�صال َح عباده.
68للاو ق�ضاء ِمن الله �سبق في ِح ِّل الغنائم لكم ،و أ�نه
لا ي ؤ�اخذ قوم ًا حتى يب ّي لهم ،أل�صابكم ب�سبب ما
أ�خذتم ِمن الفداء عذا ٌب عظي ٌم.
69ف ُكلوا � -أيها الم ؤ�منون -مما غنمتم من الغنائم
وفدا ِء ا أل�سرى حلال ًا طيب ًا ،واتقوا الله في جميع �أموركم،
�إن الله غفور رحيم.
وبين �أقاربكم من الكفار َت�ص ْل فتنة عظيمة ،وهي 70يا �أيها النبي ُق ْل لأ�سرى َبدر الذين هم في أ�يديكم
�ضع ُف الإيمان و أ�هل ِه ،وظهو ُر الكفر و أ�هل ِه ،ويح�ص ْل و أ�خذتم الفداء منهم :إ� ْن �أ�سلمتم و َع ِلم الله في قلوبكم
ِ�صد َق إ�يمان يع ّو ْ�ضكم في هذه الدنيا رزق ًا خيراً و أ�نفع
ف�ساد كبير في الدين والدنيا. لكم من الفداء الذي أُ�خذ منكم ،ويغف ْر لكم ما قد
�سلف من ذنوبكم ،فلا ي�ؤاخذكم بها ،والله غفور
74والمهاجرون الذين �آمنوا وهاجروا وجاهدوا في
�سبيل الله ،وا ألن�صار الذين آ�ووا المهاجرين ون�صروهم، لذنوب عباده إ�ن تابوا و�آمنوا ،رحي ٌم ب�أهل طاعته.
أ�ولئك ُهم الكاملون في �إيمانهم حق ًا ،لهم مغفرة
71و�إ ْن ُي ِرد ه ؤ�لاء الأ�سرى أ�ن يخدعوك -أ�يها
لذنوبهم ،ورز ٌق كريم في الجنة. النبي -ب إ�ظهار الإ�سلام مخادع ًة� ،أو بالعودة �إلى قتالكم
بعد أ�ن َ�أخذت عليهم العهد أ� ّل يعودوا �إلى ذلك ،ف�إن
75والذين آ�منوا ِم ْن َبعد ما ب َّين ُت لكم أ�حكام الله �سيم ِّكنك منهم و َيكفيك �شرهم ،فقد خانوا الله
الموالاة بينكم وبين من لم يهاجر من الم ؤ�منين ،ول ِحقوا ِمن قبل ذلك بكفرهم به ،ف�أَ ْمكن الله منهم بالأَ�سر يوم
بالمهاجرين ا أل ّولين والأن�صار وجاهدوا معكم ،فه�ؤلاء بدر ،والله عليم بما في نياتهم ،حكيم في معاملتهم على
منكم ،ي�ستحقون ما ت�ستحقونه من الموالاة وال ُّن�صرة
وكمال ا إليمان والمغفرة والرزق الكريم ،و أُ�ولو القربى ح�سب ما يعلم منهم.
من الم�ؤمنين بع ُ�ضهم َ�أ ْولى ببع�ض في الميراث ،في حكم
72إ� ّن المهاجرين الذين �ص َّدقوا بالله وبر�سوله
الله و�َ ْشعه� ،إن الله عليم بما ي�صلح حال عباده. وهجروا ديارهم و�أموالهم وقو َمهم طلب ًا لما عند الله
وطاع ًة لر�سوله ،والأن�صا َر الذين آ�ووا ر�سول الله
والمهاجرين في ديارهم ون�صروهم على أ�عدائهم،
ه ؤ�لاء فريق واحد ُيعين بع ُ�ضهم بع�ض ًا و َي ِر ُث بع�ضهم
بع�ض ًا -وقد ُن ِ�س َخ هذا التوارث -و�أما الذين �آمنوا ولم
يهاجروا فلا يح ُّل لكم �أن ترثوهم ولا �أن تنا�صروهم
حتى يهاجروا إ�لى المدينة ،و إ�ن طلبوا منكم ُن�صرتهم
بما ٍل �أو قتال على قوم فتنوهم في دينهم خا�صة،
ف�أعينوهم �إلا �أن َي�ستن�صروكم على قوم بينكم وبينهم
عهد فلا تن�صروهم عليهم ،والله بما تعملون ب�صير فلا
تتعدوا حدوده.
73و أ� ّما الكافرون فبع ُ�ضهم �أعوان بع�ض -فلا
موالا َة بينكم وبينهم ولا ميراث -و�إذا لم تفعلوا � -أيها
الم ؤ�منون -ما أ�ُمرتم به ِمن التوا�صل والتوارث فيما بينكم
ومن موالاة الم�ؤمنين و ُن�صرتهم ،و َق ْط ِع العلائق بينكم
١٨٦
ب أ�ن َيع َلموا �أن الله قد َب ِرئ ِمن عهود الم�شركين وبرئ
ر�سو ُل ُه منها ،ف�إ ْن ُتبتم -أ�يها الم�شركونِ -من �شرككم
وذلك با إليمان بالله و�سوله ،فهو �أنفع لكم ،و إ�ن توليتم
عن الإيمان فاعلموا �أنكم لا ُت ْف ِلتون من الله ،و�أن ِذ ْر
� -أيها الر�سولَ -من لم ي ؤ�من منهم ب�أن لهم عذاب ًا �أليم ًا،
وهو عذاب القتل وا أل�سر في الدنيا ،والنار في الآخرة.
4و�أ ّما الذين عاهدتم من الم�شركين فلم َينق�وصا من
َعهدهم �شيئ ًا ،ولم يعاونوا عليكم �أحداً من أ�عدائكم،
فلا تعاملوهم معامل َة الناكثين ،بل أ�وفوا لهم بعهدهم
إ�لى انتهاء م ّدته ولو كانت فوق أ�ربعة �أ�شهر ،ألن الله
يحب المتقين ،ووفا�ؤكم لهم ِمن تقوى الله.
5ف إ�ذا َم َ�ضت الأ�شهر ا ألربعة التي أ�بيح للم�شركين 1هذه َبراءة من الله ور�سوله ِمن المعاهدات التي
الناكثين للعهود �أن ي�سيحوا خلالها في ا ألر�ض، عاهد ر�سو ُل الله عليها الم�شركين ،وهي �َأ ْم ٌر من الله
فاقتلوهم في أ�ي مكان وجدتموهم فيه ،و أ�ْ�ِسوهم، إ�لى الم�ؤمنين ب َن ْب ِذها والتحلل منها .وكان ذلك ب�سبب
وامنعوهم من الت َق ُّلب في البلاد إ�لا ب�إذنكم ،وتر ّب�وصا نق�ض الم�شركين لها.
لهم في المرا�صد والم�سالك التي َت ْرقبونهم فيها ،ف إ�ن تابوا
عن ال�شرك بالله ،ف�آمنوا وفعلوا ما ي ِّ�صدق �إيمانهم من 2ولكم�-أيهاالم�شركون-بعدهذهالبراءة ُمهلة�أربعة
�إقا ِم ال�صلاة و إ�يتا ِء الزكاة ،فاتركوهم ولا تتعر�وضا لهم �أ�شهر ت�سيرون فيها في ا ألر�ض حيث �شئتم وتدبرون فيها
ألنف�سكم ،آ�منين لا ُي�صيبكم ِمن الم�سلمين أ�ذى ،واعلموا
ب�شيء ،ألن الله وا�سع المغفرة والرحمة لمن تاب و أ�ناب. � -أيها الم�شركون� -أنكم لا تفلتون من عقاب الله و�إ ْن
أ�مهلكم ف�إنكم في �سلطانه ،وهو ُمذ ّلكم و ُمهينكم بالقتل
6و�إ ْن َط َل َب منك � -أيها الر�سول� -أح ُد الم�شركين والأ�سر في الدنيا ،وبالعذاب في ا آلخرة ب�سبب كفركم.
-الذين أ�ُمر َت بقتالهمِ -جوا َر َك و أ�مانك ف أ� ِّمنه حتى
ي�سم َع كلام الله ويتدبره وي َّطل َع على حقيقة دينك لعله 3وهذا �إعلا ٌم عا ٌّم من الله ور�سوله إ�لى جميع النا�س
ُي�سلم ،ف�إن لم ُي�سلم ف�أ ِع ْده ِمن حيث �أتى ،دون أ�ن م ؤ�م ِنهم وكافرهم في يوم الحج ا ألكبر -وهو يوم عرفة-
يتعر�ض له �أحد من الم�سلمين ب أ�ذى ،وقد �أمر ُتك بذلك
لأنهم قوم لا يعلمون ما الإيمان وما حقيق ُة ما تدعوهم
إ�ليه ،لعلهم ي�ؤمنون.
١٨٧
7أ� ّنى يكون للم�شركين عه ٌد عند الله وعند ر�سوله
و�أكث ُرهم قوم يغدرون وينق�وضن العهود؟! فلا َع ْه َد
لهم عندكم -أ�يها الم ؤ�منون -ولكن الذين عاهدتم من
الم�شركين عند الم�سجد الحرام ثم لم ينق�وضا ولم ينكثوا
ف�أوفوا لهم بعهودهم ما داموا ملتزمين لكم بما يلزم،
وهذا الوفاء ِمن التقوى ،والله يحب المتقين.
وقادتهم؛ ف�إنهم لا عهود لهم ،لعلهم بذلك ينتهون عن 8كيف ي�ستح ُّق ه�ؤلاء الم�شركون أ�ن يكون لهم َع ْهد
عند الله وعند ر�سوله ،وهم إ�ن تكن ال َغ َلبة لهم لن يراعوا
الكفر و َن ْق�ِض العهد والطعن في الإ�سلام. فيكم قراب ًة ولا عهداً ولا حق ًا؟! يقولون ب�أل�سنتهم ما
لي�س في قلوبهم إ�ر�ضاء لكم ،و أ�كث ُرهم خارجون عن
13أ�لا ُتقاتلون -أ�يها الم�سلمون -ه ؤ�لاء الم�شركين
الح ِّق ،لا عقيد َة تز ُجرهم ،ولا مروءة َتردعهم.
الذين نق�وضا عهودهم معكم ،وهم بد ؤ�وكم بالـ ُمعاداة
والقتال ،و َع َزموا على إ�خراج النبي من المدينة � -أو ِم ْن 9ا�ْستب َدلوا باتباع آ�يا ِت القر�آن التي فيها هداي ُتهم
مكة حين الفتح في حال انت�صارهم عليكم وتم ُّكنهم ونجاتهم َع َر�ض ًا ي�سيراً ،وهو ما تل َّه ْوا به من أ�مور الدنيا
الخ�سي�س ِة واتباع الهوى ،ف�أع َر�وضا بذلك عن �سبيل
منكم -و َم ْن كان كذلك فهو َحقي ٌق �أن لا ُيتوانى في الله و َ� َصفوا غيرهم عنه ،وبئ� َس هذا العمل الذي
قتاله� .أتخافون � -أيها الم�ؤمنون� -أن ي�صيبكم منهم
كانوا يعملون.
مكروه فتتركوا قتالهم؟! فالله الذي أ�مركم بقتالهم هو
�أح ُّق �أن تخافوا عقابه �إ ْن خالفتم �أَ ْمره ،وتركتم قتال 10لا ُيراعون فيكم � -أيها الم ؤ�منون -ب�سبب �إيمانكم
قراب ًة ،ولا حق ًا ل�سوء طويتهم ،و أ�ولئك هم المتجاوزون
أ�عدائه ،وهذا هو ُمقت َ�ضى الإيمان.
لحدود الله.
َ 11ف�إ ْن َر َج َع ه ؤ�لاء الم�شركون -الذين أ�مرتكم
بقتالهم -عن ال�شرك إ�لى ا إليمان ،و�َأقاموا ال�صلاة و آ�توا
الزكاة ،فهم إ�خوا ُنكم في الدين ،لهم ما لكم وعليهم ما
عليكم ،ونب ّي آ�ياتنا ونو ّ�ضحها لمن يعلم ويفهم .وهذا
ح ٌّث على ت�أمل ما ُف ِّ�صل من أ�حكام المعا َهدين وتبيين
�شروط توبتهم.
12و إ� ْن َن َق�َضالم�شركون أ�يمانهمالتيو َّثقوابهاعهودهم
معكم وعابوا دي َنكم وانتق�وصه ،فقاتلوا ر ؤ�و�س الكفار
١٨٨
ا إليمان الذين اتخذوا ِبطان ًة من �أعدائكم يوالونهم
ويف�وشن �إليهم أ��سراركم؟ والله خبير بكل ما تعملون لا
يخفى عليه أ� ُّي �شيء.
17لا َح َّق للم�شركين في ِعمارة بيوت الله وتولي
�ش ؤ�ونها وهم ي�شهدون على كفرهم بعبادة غير الله فيها،
فلاَ ي�ْستقيم �أبداً �أن يجمعوا بين �أمرين ُمتباي َنين :عمارة
بيوت الله وعبادة غيره .أ�ولئك لا اعتبا َر ألعمالهم
ب�سبب اقترانها بالكفر ،وهم في عذاب النار خالدون.
� 18إنما ي�ستحق �أن َي ْع ُم َر البيت الحرام وغيره ِم ْن بيوت
الله ويقوم على �ش�ؤونها َم ْن �آ َم َن بالله وحده وبر�سوله
وباليوم الآخر ،و�أقا َم ال�صلاة و آ�تى الزكاة ،ولم َيخ�ش
في أ�مور دينه �أحداً �إلا الله ،و أ�ولئك هم الذين ُيرجى أ�ن
يكونوا من المهتدين ال�سالكين طريق الجنة.
19أ� ُت�س ُّوون القائمين على �سقاية الحجاج ورعاية ١٥ 14قا ِتلوا � -أيها الم�ؤمنون -ه�ؤلاء الم�شركين
�ش ؤ�ون البيت الحرام ،ب َم ْن آ�من بالله ور�سوله وباليوم ا آلخر
وهاج َر وجاهد في �سبيل الله؟! هذان الفريقان لا ت�ستوي ُي ِك ْنكم الله ِمن تعذيبهم ،و ُيذلهم بالقهر والأ�سر،
مراتبهم عند الله ،والله لا يوفق ل�صالح ا ألعمال الكافرين وين�صركم عليهم ،و َي�ْش ِف الله �صدور جماع ٍة من الم ؤ�منين
بفرحها و�سرورها بهذا الن�صر .و ُيزل الله بهذا الن�صر
الذين ظلموا أ�نف�سهم بال�شرك وا�ستمروا على ذلك. �أي�ض ًا ما كان في قلوب ه ؤ�لاء الم ؤ�منين ِمن َغ ٍّم و َكرب
ب�سبب غدر الم�شركين بهم و َقتلهم �إياهم ،ويجعل الله
20الذين آ�منوا وهاجروا وجاهدوا في �سبيل الله
ب أ�موالهم و�أنف�سهم �أعظم منزلة عند الله من �أ�صحاب ذلك القتال �سبب ًا في �أن َيدخل كثير من الم�شركين في
ال�سقاية والعمارة ،و�أولئك هم الفائزون الفوز العظيم. الإ�سلام -وقد حقق الله للم�ؤمنين ك َّل ما وعدهم به،
وتاب الله على كثير من الم�شركين ف آ�منوا -والله عليم بما
كان ويكون ،حكيم فيما �أمر وق َّدر ،فامتثلوا �أمره.
16كيف تظنون �أن ُتتركوا دون أ�ن ت ؤ�مروا بالجهاد
و ُتبتلوا بما ُي ّح�صكم ،ويميز الـ ُخ َّل�ص المجاهدين ال�صادقين
في موالاة الله ور�سوله والم�ؤمنين ،من المنافقين و ِ�ضعاف
١٨٩
21يب�ِّش الله تعالى ه�ؤلاء الم ؤ�منين الذين هاجروا إ�لى
ر�سوله وجاهدوا في �سبيله ب أ�موالهم و�أنف�سهم بالرحمة
الوا�سع ِة التي َتع ُّمهم ،وبر�ضائه التام عنهم ،وبجنا ٍت
لهم فيها نعي ٌم دائم لا نفا َد له ولا انقطاع.
22وهم خالدون في الجنان لا يخرجون منها أ�بداً،
و إ�ن الله عنده ثوا ٌب عظيم لمن عمل بطاعته وجاهد في
�سبيله ،فابت ُغوا هذا الثواب.
23يا أ�يها الذين �آمنوا لا تتخذوا من آ�بائكم و إ�خوانكم
و�سائ ِر �أقربائكم ِبطان ًة و�أ�صدقاء ُتف�وشن إ�ليهم أ��سراركم
وت�ؤْثرون الـ ُمقام معهم على الهجرة �إن اختاروا الكفر
على ا إليمان ،و َم ْن يتخذهم أ�ولياء فقد ظلم نف�سه بمخالفة
�أمر الله.
على ر�سوله وعلى الم�ؤمنين ،فرجع َم ْن ف َّر منهم للقتال 24قل -أ�يها الر�سول -للم�ؤمنين� :إن كان آ�با�ؤكم
مع ر�سوله - -و أ�نزل ملائك ًة لم تروها ُتث ِّبتكم في
و أ�بنا�ؤكم و إ�خوانكم و أ�زواجكم و أ��صحابكم و�سائ ُر َمن
القتال و ُتلقي الرعب في قلوب عد ِّوكم ،و أ�ذاق الله تخالطونهم وت�أن�سون بهم و�أموا ٌل اكت�سبتموها وتجارة
عد َّوكم مرارة الهزيمة ،وع َّذبهم بالقتل وا أل�سر وال�َّسبي، تخ�وشن عليها وم�ساك ُن ت�ستريحون للإقامة فيها �أح َّب
وذلك جزاء ُكفرهم في الدنيا. �إليكم من الإيمان بالله و ُ�ص ْحب ِة ر�سوله والجها ِد في �سبيله؛
فانتظروا حتى ي أ�تيكم الله بعقوب ٍة عاجلة �أو �آجلة ،والله لا
ُيو ّفق الخارجين عن طاعته.
25واذكروا � -أيها الم ؤ�منون� -أن الله َن َ�صكم في
كثير من مواقع الحرب ،ومنها يوم حنين ،وهو اليوم
الذي غ َّرتكم فيه كثر ُتكم ،فلم تنفعكم كثر ُتكم �شيئ ًا،
وتخ ّلف ْت عنكم معون ُة الله ،وظه َر عليكم عد ُّوكم،
و�ضاق ْت عليكم الأر�ض على ات�ساعها ،ثم فررتم
منهزمين هاربين.
26ثم �أدر َك ْتكم عناي ُة الله ف أ�نزل رحمته وطم�أنينته
١٩٠
إ�قراراً �صحيح ًا ،و ُيحلون كثيراً مما ح ّرم الله .إ�ذ �إ ّن
اليهود أ�ح ّلوا قتل بع�ضهم بع�ض ًا ،و�إخراج بع�ضهم بع�ض ًا
من أ�ر�ضهم وديارهم ،و�أَ ْك َل الربا ...وقد ُنهوا عن ذلك
كله .أ� ّما الن�صارى فا�ستحلوا الخمر والميتة والدم ولحم
الخنزير وغي َر ذلك م ّما حرمه الله عليهم .وهم جميع ًا
ا�ستح ّلوا أ�ك َل أ�موال ال ّنا�س بالباطل ،و ِكتما َن ما أ�نزل الله
على أ�نبيائهم من �صفة النبي وكفروا به ولم يعتنقوا
ا إل�سلام الذي هو الدين الحق ،النا�س ُخ ل�سائر ا ألديان،
فقا ِتلوهم حتى ي ؤ�منوا أ�و ي�ؤدوا الجزية خا�ضعين طائعين.
30وقال بع�ض اليهودُ :عـ َز ْي ٌر اب ُن الله ،وكذلك فعل 27ث َّم يتوب الله ِم ْن بعد ذلك على َم ْن ي�شاء منهم،
الن�صارى ،فقالت ِفر ٌق منهم :الم�سيح اب ُن الله ،وهو قول والله غفور يتجاوز عنهم ويمحو ذنوبهم ،رحي ٌم يك�شف
لا يع ُ�ضده برهان ولا ي�ستند �إلى بيان ،وهم ي�شابهون في
هذه المقالة أ��سلافهم المتق ِّدمين� ،أَ ْه َلكهم الله ودمرهم، عنهم العذاب ويتف َّ�ضل عليهم بالتوفيق والهداية.
كيف ُي ْ� َصفون عن الحق بعد قيام البرهان و إ�قامة الحجة؟!
28يا �أيها الم ؤ�منون اعلموا �أ ّن الم�شركين َ َن�س؛ لنجا�سة
31اتخذوا علماءهم و ُن�ّسا َكهم �آلهة من دون الله ب أ�ن باطنهم وف�ساد عقائدهم و إ�تيانهم القبيح الم�ستق َذر من
�أطاعوهم في تحريم ما أ�حل الله ،وتحليل ما حرم الله، ا ألفعال ،فامنعوهم ِمن دخول الم�سجد الحرام بعد هذا
وفي ال�سجود لهم ،واتخذوا الم�سيح ابن مريم إ�له ًا حيث العام -وهو العام التا�سع من الهجرة -و�إ ْن خفتم فقراً
جعلوه اب َن الله ،وما �أُمروا في الكتب المنزلة عليهم على ب�سبب منعهم من الحرم وانقطاع ما كنتم ُتفيدونه من
َ�أ ْل ِ�سنة �أنبيائهم إ�لا ليعبدوا الله الواحد الحق ،الم�ستح َّق �أموالهم ،ف�سوف ُيع ّو�ضكم الله من عطائه وتف ُّ�ضله وفق ًا
للعبادة وحده ،تعالى وتنزه عن أ�ن يكون له �شريك لم�شيئته ،إ� ّن الله عليم ب�أحوالكم ،حكيم فيما يعطي
ي�ستحق العباد َة والتعظيم وا إلجلال. ويمنع.
29قا ِتلوا �أهل الكتاب من اليهود والن�صارى الذين
لا يقيمون أ�ركان الإيمان ،ولا ُيق ُّرون بالبعث والجزاء
١٩١