٦٠ف�إ ْن لم ت أ�توني ب�أخيكم ذلك ،فلي�س لكم عندي ٥٣وقال توا�ضع ًا لله تعالى و إ�قراراً بف�ضله ،و أ� ّنه هو
َب ْع َد اليوم طعام �أكيله لكم ،ولا تقربوا بلادي. الذي َع َ�صمه :وما أَ� ْح ُكم لنف�سي بالبراءة ولا ُأ�ن ّزهها،
�إن النف�س ب َطبعها ل�شديدة الميل إ�لى ال�شهوات كثير ُة
٦١قالوا� :سن�سعى إ�لى ا�ستمالة �أبيه ،و إ�نا لحري�وصن الـ َح ْم ِل على القبائح من ا ألفعال ،إ�لا َمن َع َ�صم الله� ،إ ّن
على ِف ْعل ما طلب َت.
ربي غفور لمن �أذنب من عباده رحيم بهم.
٦٢وقال يو�سف لفتيانه الذين �أمرهم بتجهيز �إخوته:
اجعلوا ما جا�ؤوا به بديل ًا للطعام في �أوعيتهم ،لعلهم ٥٤ولـ ّما ا�ستي َقن المل ُك براء َة يو�سف وع ّفته ،قال:
يعرفون ب�ضاع َتهم وكرام َتهم علينا �إذا رجعوا �إلى �أهلهم، ائتوني به� ،أجعله ِمن خا�صتي و�أه ِل م�وشرتي ،فلما
جا ؤ�وا بيو�سف وك ّلمه ،عرف الملك ِحكمته و ِعلمه
لعلهم يعودون إ�لينا. و ُخ ُلقه ،قال له� :إنك ا آلن ُمـ َم ّك ٌن في مملكتنا م ؤ� َتن على
٦٣فل ّما رجع إ�خوة يو�سف �إلى �أبيهم وق ّ�صوا عليه جميع ما تتلاوه.
ما تل َّقوه من الإكرام ،قالوا له :يا أ�بانا لقد ُم ِنعنا من �شراء
الطعام واكتياله حتى َنيء ب أ�خينا ،ف�أ ْر ِ�سله معنا لنتمكن ٥٥قال يو�سف :اجعلني والي ًا على خزائن �أر�ضك،
ب�سببه من الح�وصل على الطعام ،و�إ ّنا له لحافظون ِمن أ� ْن �إني حفي ٌظ لما ا�ستودعتني ،عليم بما و َّليتني.
يناله مكروه. ٥٦وهكذا م ّكنا ليو�سف في أ�ر�ض م�صر ،يت�صرف
فيها كيف �شاء ،ويتخذ منها منزل ًا حيث يريد ،ي�صيب
٢٤٢ الله بعطائه في الدنيا والآخرة َمن ي�شاء ِمن خلقه ،ولا
ُيب ِطل جزاء َمن �أح�س َن بطاعة ربه.
٥٧و َل َثوا ُب الآخرة أ�ف�ضل للذين آ�منوا بالله وخافوا
عقابه ،ف�أطاعوا �أمره ونهيه.
٥٨ولـ ّما انحب�س ال َق ْط ُر وا�شت َّد القح ُط وع َّم جميع
البلاد حتى بلاد ال�شامَ ،ق َ�صد النا� ُس م�ص َر ،فجاء إ�خوة
يو�سف فدخلوا عليه فعرفهم وهم لا يعرفونه لهيبة
الـ ُم ْل ِك و ُب ْع ِد ال َع ْهد.
٥٩ولـ ّما ح ّمل يو�سف لكل واح ٍد من إ�خوته بعيراً
من الطعام الذي جا ؤ�وا ِمن أ�جله وز ّودهم بما يحتاجون
�إليه في �سفرهم ،قال لهم� :أح ِ�ضوا في الم َّرة القادمة
�أخاكم من أ�بيكم الذي ذكرتم أ�نه بقي في ال�شام مع �أبيه
يت�س ّلى به ،لت�ستزيدوا َكيله� ،أ َل�ْس ُتم ترون أ�ني �أوفي الكيل
ولا أ�بخ�س �أحداً ،وقد ر أ�يتم �أني خير الـ ُم�ضيفين؟
66قال لهم يعقوب :لن ُ�أر�سل معكم �أخاكم حتى 64قال لهم أ�بوهم يعقوب :هل �آ َمنكم على �أخيكم
الذي ت�س أ�لوني �أن ُ�أر�سله معكم �إلا كما �أ ِمنتكم على
ُتعطوني عه َد الله الم ؤ� َّكد لت�أ ُت َّنني به إ�لا �أن ُتغلبوا على
ذلك ،فلما �أعطوه عهدهم قال :الله على ما نقول �شقيقه يو�سف ِمن قبل وقد فعلتم به ما فعلتم؟ ف�أنا لا
وكيل ،أ�ي م ّطل ٌع رقي ٌب. �أثق بحفظكم ولكني أ�ثق بحفظ الله الذي �سيرحم ِك َبي
و َو ْجدي بو َلدي ،و�أرجو من الله �أن ير َّده عل َّي ويجمع
67ولـ ّما ع َزم �أبناء يعقوب على الخروج ،وهم �أحد
ع�شر رجل ًا ،قال لهم -خوف ًا عليهم من ال َعين :-يا َب ِن َّي �شملي به إ�نه �أرحم الراحمين.
ال تدخلوا م�صر من باب واح ٍد وا ْدخلوا من أ�بواب
متفرقة ،وما أ�دفع عنكم بو�صيتي هذه من ق�ضاء الله �شيئ ًا 65ولـ ّما فتح �إخوة يو�سف متاعهم وجدوا ما دفعوه
ف ُح ْكمه ناف ٌذ في خلقه ،عليه اعتمد ُت وبحفظه لكم بدل ًا عن الطعام الذي َج َلبوه قد ُر َّد �إليهم ،قالوا :يا أ�بانا
�أ ّي �شيء نطلب ِمن �إكرا ِم العزي ِز َ�أ ْعظ َم من هذا؟ �إ ّن
َو ِث ْقت ،وعلى الله فليعتمد أ�هل ا إليمان والتوكل. ب�ضاعتنا ُر ّدت إ�لينا والكي َل قد �أوفي لنا ،و�إن ا ْ�ص َطحبنا
�أخانا َج َلبنا لأهلنا ما هم في حاجة �إليه من الطعام،
68ولـ ّما دخلوا من �أبواب متف ّرق ٍة كما �أمرهم ونزداد با�صطحابه ِح ْمل بعي ٍر من الطعام ،وتلك زيادة
�أبوهم ،ما كان دخولهم متفر ِقين ليدفع عنهم من ق�ضاء
ه ِّينة على العزيز فقد �أكرمنا ب�أكثر من ذلك.
الله �شيئ ًا غي َر أ�نه ح َّقق ليعقوب طم أ�نينة في نف�سه من جهة
ما يمكن �أن ي�صيبهم من ال�ش ِّر إ�ذا دخلوا مجتمعين ،و�إ َّن
يعقوب لذو علم عظي ٍم لأجل تعلي ِم الل ِه له إ� ّياه ،ولكن
كثيراً من النا�س لا يعلمون ما كان يعلم.
69وحين دخل إ�خوة يو�سف عليه �ض ّم �إليه أ�خاه
ال�شقيق بنيامين وق ّربه منه و أَ��ْش َعره بالرعاية والحفظ
والحماية ،وقال له �ِ ّساً :إ�ني أ�نا يو�سف أ�خوك ،فلا تحزن
بما كان إ�خوتنا يفعلون بنا ،ف إ� ّن الله قد �أح�سن �إلينا وجمع
بيننا.
٢٤٣
70فل ّما ج ّهز يو�س ُف �إخو َته و أ�م ّدهم بما جا ؤ�وا
ألجله� ،أم َر ِب َج ْع ِل مكيال الطعام الذي كان يكيل به
للنا�س -وهو ال ُّ�صواع ويقال له ال�سقاية -في َر ْحل
�شقيقه ِخفي ًة من غير أ�ن ي�شعر �أحد ،ثم نادى منا ٍد:
يا �أ�صحاب القافلة� :إنكم ل�سارقون!
77قال إ�خو ُة يو�سف :إ� ْن ي�سر ْق ِب ْنيامي ُن فقد �سرق 71قال �إخوة يو�سف وقد �أق َبلوا على المنادي :ما
�شقيقه ِمن قب ُل َ -يعنون يو�سف -و َل�ْسنا على طريقتهما، الذي َتف ِقدون؟
ف�أ�ضم َر يو�س ُف هذه التهمة ولم ُيظهر �أثرها لهم ،وقال
-مح ّدث ًا نف�سه� :-أنتم �ش ٌّر منزل ًة بما �َس َلف من أ�فعالكم 72قال المنادي و َم ْن معه :نف ِقد �صا َع المل ِك الذي
ممن و�صفتموه بال�سرقة ،واللهُ عالـ ٌم بكذبكم و�إ ْن ج ِهله يكيل به ،ولمن جاء به ِحم ُل بعي ٍر من الطعام مكاف أ�ة له.
كثي ٌر من الحا�ضرين. وقال المنادي :و�أنا �ضام ٌن للمكاف أ�ة كفي ٌل بت�سليمها.
78قال �إخوة يو�سف َي�ْستع ِطفونه :يا أ�يها الملك إ� ّن له 73فل ّما ا ّتهم ال ِف ْتيا ُن إ�خو َة يو�سف بال�سرقة قالوا لهم:
�أب ًا �شيخ ًا كبيراً في ال�ِّسن لا ي�صبر على ِفراقه ،ف ُخ ْذ �أحدنا تالل ِه لقد ر�أيتم من �سيرتنا الح�سنة فيما �َس َبق ،أ�ننا ما جئنا
لنع�صي الله في �أر�ضكم بالف�ساد أ�و ال�سرقة ،و�أخلا ُقنا
بدل ًا منه إ� ّنا نراك من المح�سنين في أ�فعالك.
ت أ�ْ َبى ذلك.
74قالوا :فما عقوبة َم ْن �سرقه إ� ْن وجدناه عنده وكنتم
فيما أ�ق�سمتم عليه كاذبين؟
75قال إ�خوة يو�سف :عقوب ُته أ� ّن َم ْن ُو ِجد في َر ْحله
ُيدفع �إليكم لا�س ِ ْتقا ِقه ،هذا جزاء َم ْن �سرق في �شريعتنا.
76فبد�أ يو�س ُف بتفتي�ش أ�وعيتهم قبل وعاء �شقيقه
-إ�حكام ًا في َن ْفي �أن تكون هذه مكيدة لأخذ �أخيهم
بنيامين -ثم ا�ستخرج ال ُّ�صواع من َر ْحل �شقيقه ِب ْنيامين.
كذلك أ�ل َه ْمنا يو�س َف هذه الحيلة لأخذ أ�خيه ،لم يكن
له �أخ ُذه ولا ا�ستبقا�ؤه في ُح ْك ِم �أهل م�صر و�شريعتهم،
ولك َّن الله �أن َط َق بذلك �إخوته تنفيذاً لم�شيئة الله ،نرفع
درجات َم ْن ن�شاء في العلم كما رفعنا درجة يو�سف،
وفوق ك ِّل ذي عل ٍم َم ْن هو �أعلم منه حتى ينتهي العلم
إ�لى الله العليم ،الذي له العلم كله.
٢٤٤
82وقولوا له :إ� ّن الخبر قد ذاع و�شهده َج ْم ٌع كبير
من النا�س ،و إ�ن كن َت غير م�ص ِّد ٍق لنا ف أ�ر�سل �إلى م�صر
َم ْن ي�س أ�ل �أهلها وا�س�أل كذلك أ��صحاب القافلة التي كنا
فيها ،و إ�نا ل�صادقون فيما أ�خبرناك.
83فرجعوا �إلى أ�بيهم فقالوا له هذا الكلام ،فقال :بل
ز ّين ْت لكم أ�نف�سكم �أمراً ومكيدة قد مكرتموها ،ف�صبري
على ما نالني �صب ٌر جميل لا ج َز َع فيه ولا �شكوى معه
لغير الله ،ع�سى الله أ�ن ير َّد عل َّي �أبنائي الثلاثة جميع ًا ،إ�نه
هو العليم بحالي وحالهم ،الحكيم في تدبيره لخلقه.
84ث ّم �أ ْع َر�ض يعقو ُب عنهم وقال :يا ُحزناه على 79قال يو�سف :أ�َ�ْس َتجير بالله أ�ن ن أ�خذ غي َر الذي
يو�سف! و َتب َّدل �سواد عينيه بيا�ض ًا من �شدة ُحزنه ،وهو وج ْدنا متاعنا عنده ،ف�إننا إ�ن أ�خذنا بريئ ًا بذنب غيره كنا
كات ٌم حز َنه �ساك ٌت عن م�صيبته لا ي�شكو �أ ْمره إ�لى مخلوق.
جائ ِري َن على النا�س ،وفع ْلنا ما لي�س لنا ِفع ُله.
85قال أ�بناء يعقوب :تالله لا تزال تذكر يو�س َف ولا
َتف ُت عن َت َذ ُّكره حتى ُيذيبك اله ُّم َف ُت�ش ِرف على الهلاك 80فل ّما يئ�سوا من يو�سف أ�ن ُيجيبهم �إلى ما �س أ�لوه
انف َردوا عن النا�س ُيك ّلم بع ُ�ضهم بع�ض ًا �س ّراً ،قال كبيرهم:
�أو تكون من الهالكين. أ�لم تعلموا �أن أ�باكم قد أ�خذ عليكم عهو َد الله ومواثيقه
�أن ُترجعوا �إليه �أخاكم وقد عاهدتموه ِم ْن َقبل هذا على
86فر ّد عليهم يعقوب قائل ًا :ما أ��شكو ه ّمي و ُحزني ِح ْفظ يو�سف ثم �ضيعتموه عمداً ،فلن �أخرج ِم ْن هنا
�إلا �إلى الله وحده ،و أ�علم ِم ْن ُلطفه ورحمته ما يوجب حتى ي�أذن لي أ�بي بالرجوع� ،أو يق�ضي لي ربي بالخروج،
عل َّي مزيداً من ُح�سن الظن وق ّوة الرجاء فيه. وهو خير َم ْن يحكم و أ�عد ُل َم ْن يف�صل بين النا�س.
81ار ِجعوا أ�نتم �إلى أ�بيكم فقولوا له :إ�ن ِب ْنيامين
�َسق ،وما �َش ِه ْدنا عليه �إلا بما ر�أينا من ا�ستخراج المكيال
من َر ْحله ،وما كنا لنعلم �أنه ي�سرق حين �أعطيناك العهد.
٢٤٥
87ث ّم قال يعقوب :يا َبن َّي ار ِجعوا إ�لى المكان الذي
جئتم منه ،فالتم�سوا َخ َب يو�سف و أ�خيه ،ولا َتقنطوا من
رحمة الله ،إ�نه لا يقنط منها إ�لا القوم الجاحدون.
94ولـ ّما خرجت القافلة من م�صر راجع ًة �إلى ال�شام 88فرجعوا إ�لى م�صر ،فلما دخلوا على يو�سف قالوا:
قال يعقوب لمن ح�ضر ِمن أ�هله وو َل ِد و َلده� :إني ألجد يا �أيها الملك م�ّسنا و أ�ه َلنا الجو ُع وال�شدة ،وجئنا بب�ضاع ٍة
رديئ ٍة كا�سد ٍة ،ف أ�ع ِطنا بها ما كن َت تعطينا َقب ُل بالثمن
ري َح يو�سف ،وللاو �أنكم َت ْن�ُسبوني إ�لى الوهم في �ش�أن الجيد ،وتف ّ�ض ْل علينا ولا تنق�صنا لرداءة ب�ضاعتنا� ،إ ّن الله
يو�سف ل�ص ّدقتموني في ذلك.
ُيثيب المتف ّ�ضلين.
95قال الحا�ضرون عنده :تالل ِه إ�نك ِمن ِ�ش ّدة ُح ّب
يو�سف و ِذ ْكره لفي خطئك القديم ،لا تن�ساه ولا 89فل ّما �َش َكوا حا َلهم أ��شفق يو�سف عليهم ،فقال
لهم :هل تذكرون ما فعلتم بيو�سف و�أخيه إ�ذ ف ّرقتم
تت�س ّلى عنه. بينهما ،و�أنتم جاهلون بعاقبة �ُسوء ُ�صنعكم وما قد ي�صير
�إليه أ� ْم ُره و أ�مركم؟
90قال �إخوة يو�سف حين قال لهم ذلك� :أ إ�نك
ألنت يو�سف؟ قال :نعم �أنا يو�سف ،وهذا أ�خي قد �أنعم
الله علينا ب أ�ن جمع بيننا� ،إ ّنه َم ْن ي ّتق الله وي�بِ ْص على ما
يناله ،ف�إ ّن الله لا ُيبطل ثواب المح�سنين ،ولك ْن يجزيهم
بما عملوا �أح�س َن الجزاء في الدنيا وا آلخرة.
91قالوا معتذرين :تالله لقد ف ّ�ضلك الله علينا ،وما
كنا فيما �صنعنا بك �إلا ُمذنبين.
92قال يو�سف :لا ع ْت َب ولا توبيخ عليكم اليوم،
عفا الله عن ذنبكم ،وهو أ�رحم الراحمين بمن تاب من
ذنبه و�أناب.
93ثم �س�ألهم عن �أبيهم فقالواَ :ذ َه َب ب�ص ُره من الحزن
عليك ،ف أ�عطاهم قمي�صه وقال لهم :اذهبوا بقمي�صي هذا
ف�أل ُقوهعلىوجه�أبي َي ُع ْدب�صيراً،وجي ُئونيبجميع أ�هلكم.
٢٤٦
ادخلوا م�صر آ�منين �إن �شاء الله لا يم�ُّسكم َج ْو ٌر ولا مكروه
من �أهل م�صر و�سلطانها.
100ور َف َع �أبويه على �سرير الـ ُملك �إكرام ًا لهما ،و َخ َّر
له أ�بواه و إ�خوته �ساج ِدين تحي َة �إكرا ٍم و�إجلا ٍل على عادة
ذلك الزمان ،فلما ر أ�ى يو�س ُف ذلك قال ليعقوب:
يا �أب ِت هذا تف�سير الر�ؤيا التي ق�ص�ص ُت عليك و�أنا
َ�صب ٌّي قد ح ّققها ربي ،وقد �أنع َم عل ّي �إذ �أخرجني من
ال�سجن الذي كن ُت فيه وجاء بكم من البادية ،بعد �أن
َ�أوقع ال�شيطا ُن الح�س َد بيني وبين إ�خوتي و�أف�سد بيننا� ،إ ّن
ربي لطي ُف التدبير ِلـ َما ي�شاء من الأمور ،إ�نه هو العليم
بم�صالح َخ ْلقه ،الحكيم في ق�ضائه وجميع أ�فعاله.
101ثم دعا يو�سف ر ّبه قائل ًا :ر ِّب قد آ�تيتني �سلطان ًا في 96وما أ� ْن جاء المب�ِّش بالخبر حتى أ�لقى قمي�ص يو�سف
بلاد م�صر ،وع ّلمتني من تعبير الر ؤ�يا ،يا خال َق ال�سماوات على وجه أ�بيه كما ُأ� ِم َرَ ،ف َرجع إ�لى يعقوب ب�ص ُره من
والأر�ض وبار َئها :أ�نت متل ّو �أموري بالنعمة في الدارين، حينه ،فقال لمن كان ب َح ْ�ضته� :ألم �أ ُقل لكم �إني أ�عل ُم عن
الله -أ�ي في �أ ْم ِر يو�سف و َخ َ ِبه وما يكون بعد ال ِفراق
اق ِب�ضني �إليك ُم�س ِلم ًا و�ألحقني بال�صالحين.
من الجمع -ما لا تعلمون؟
102ذلك الذي ذكر ُت لك � -أيها الر�سولِ -م ْن ق�صة
يو�سف و إ�خوته هو ِم ْن أ�خبار الغيب؛ نلقيه عليك َو ْحي ًا؛ 97قال �أبناء يعقوب لهَ� :س ِل اللهَ مغفر َة ما ارتكبنا في
وما كن َت -يا محمد -عند أ�بناء يعقوب حين عزموا ح ّقك وح ِّق يو�سف� ،إنا كنا مذنبين.
على إ�لقاء يو�سف في الـ ُج ِّب وهم يمكرون به ،وما كن َت
ل َت ْعلم �شيئ ًا من دقائق أ�خباره؛ للاو ما �أوحيناه �إليك. 98قال يعقوب� :سوف أ��س�أل ربي أ�ن يغفر لكم
وهذا دليل على �صدقك ،و أ�نك ُت َل ّقى القر آ�ن وحي ًا من
ذنوبكم� ،إنه هو الذي ي�ستر ذنوب التائبين ويرحمهم
ر ّبك.
فلا يعذبهم بها بعد َتوبتهم.
103وما �أكث ُر الخل ِق ولو حر�ص َت على �إيمانهم
بمتح ِّولين ع ّما هم عليه من الكفر وال�ضلال. 99فل ّما دخل يعقوب و�أبنا ؤ�ه على يو�سف �ض ّم
إ�ليه �أبويه ُم�ْش ِعراً إ�ياهما بالحماية والرعاية ،وقال لهم:
٢٤٧
110ولقد دعا ه ؤ�لاء الر�سل ُ�أم َمه ْم فك ّذبوهم و َر ّدوا ما 104ول�س َت ت�س�ألهم -أ�يها الر�سول -على هذا ال ُّن�صح
أ�توا به ِمن عند الله ،حتى إ�ذا َي ِئ�س الر�س ُل من قومهم وا إلر�شاد �أجراً ِلـ َت ْث ُق َل عليهم ،فما هذا القر�آن �إ ّل ِعبر ٌة
أ�ن ي ؤ�منوا ،وظ ّن الكافرون أ� ّن الر�سل قد ك َذبوهم فيما
�أخبروا به ِمن َن ْ�ص الله �إياهم و إ�هلا ِك عد ّوهم ،جاءهم وتذكي ٌر للعالمين كا ّف ًة بما فيه �صلاحهم ونجاتهم.
ن�ص ُرنا ف ُن َنجي َم ْن ن�شاء ِمن الر�سل والم ؤ�منين بهم،
105وك ْم من علاما ٍت وا�ضحات باهرات َمبثوثة في
ون�ؤا ِخ ُذ المجرمين منهم. ال�سماوات وا ألر�ض تدل على الله �سبحانه ووحدانيته
وقدرته ،يـ ُم ّرون عليها ولا يف ِّكرون فيها وفيما تدل
111لقد كان في ق�صة يو�سف و إ�خوته و ِق�ص�ص ا ُألمم
ال�سابقة ِعبر ٌة لأهل العقول ،ما كان هذا القر آ�ن حديث ًا عليه ِم ْن توحيد خالقها.
ُمخت َلق ًا كما زعم الم�شركون ،ولك ّنه ت�صدي ُق الذي قبله 106وما ي�ؤ ِمن أ�كث ُرهم بالله و أ�نه خالقهم وخالق
ِمن الك ُتب ،وتبيان ك ِّل �شيء ُيحتاج إ�ليه في الدين،
ال�سماوات وا ألر�ض وما فيهما� ،إلا وهم م�شركون في
و إ�ر�شا ٌد ونعم ٌة لقو ٍم ي�ص ّدقون به.
عبادتهم ا أل�صنام وا ألوثان وغيرها.
� 107أف أ� ِم َن ه�ؤلاء الذين ُي�شركون بالله غيره �أن ت�أتيهم
عقوب ٌة من الله تع ُّمهم� ،أو ت�أتيهم ال�ساعة فج�أ ًة وهم لا
ي�شعرون ولا يتو َّقعون قيا َمها؟
108قل � -أيها الر�سول :-هذه �ُس ّنتي و ِمنهاجي ،أ�دعو
النا�س �إلى عبادة الله و أ�نا على ِعل ٍم و ُح ّج ٍة وا�ضح ٍة،
ويدعو �إليها على ب�صير ٍة أ�ي�ض ًا َم ْن �ص ّدقني واتبعني ،و إ�ني
�ُأن ِّزه الله عن أ�ن يكون له �شري ٌك في ُملكه� ،أو معبو ٌد �سواه
في �سلطانه ،و�أنا بري ٌء من الم�شركين.
109وما أ�ر�سلنا ِم ْن قبلك -أ�يها الر�سول -إ�لا رجال ًا
من أ�هل المدن وا ألم�صار ُنوحي �إليهم ِم ْث َلما ُنوحي
إ�ليك� ،أفل ْم ي ِ� ْس ه ؤ�لاء الم�شركون في الأر�ض ،فيعت ِبوا
بما آ� َل إ�ليه أ�م ُر ا ألمم قبلهم� :أه َلكنا الذين ك ّذبوا ر�س َلنا،
ونـ ّجينا الذين آ�منوا منهم ،و َل َدا ُر الآخرة خي ٌر لمن اتقى
ر َّبه َف َفع َل ما �أمره به واجتن َب ما نهاه عنه .أ�فلا تعقلون
�ُسن َة الله في الذين من قبلكم؛ فتختاروا الإيمان والنجاة
ب َد َل الكفر والهلاك؟
٢٤٨
٣وهو الذي َب َ�س َط ا ألر�ض وجعل فيها جبال ًا ثابت ًة
و�أنهاراً ،وجعل فيها ِم ْن ك ِّل نوع ِمن الثمرات زو َجين
اثنين ال َّذكر وا ألنثى ،وجع َل الليل ُيغ ّطي النهار بظلمته،
�إ ّن فيما ُذ ِكر من عجائب َخ ْل ِق الله وعظي ِم قدرته
لدلالا ٍت وعلامات لقو ٍم يتفكرون فيها ،في�ستدلون بها
ويعتبرون.
٤وفي ا ألر�ض بقا ٌع متلا�صقا ٌت مختلف ُة الأو�صاف، } ١ﭑﭒ{� :سب َق الكلا ُم على هذه الحروف
وب�ساتي ُن من �أعنا ٍب ،وفيها َز ْرع ونخيل منها الم َّت ِف ُق الـ ُمق َّطعة في �أ ّول �سورة البقرة .تلك آ�يا ُت القر�آن العالي ُة
في ا أل�صل ومنها المفت ِرقُ ،ي�سقى ذلك كله بما ٍء واح ٍد ال َق ْدر ،وهذا القر�آ ُن الذي �أُن ِزل إ�ليك -أ�يها الر�سول-
ونف ِّ�ضل بع�ضها على بع�ٍض في الثمر وال َّطعم وغير ذلك، هو الح ُّق فاع َت ِ�ص ْم به ،ولك ّن أ�كثر النا�س لا ُي�ص ّدقون ب�أنه
�إ ّن فيما ُذ ِك َر من �أحوال تلك الجنات َلدلائل عظيم ًة ِم ْن عند الله تعالى.
ظاهر ًة لقو ٍم يتد ّبرون.
٢الله هو الذي خلق ال�سماوات مرفوع ًة بغير دعائم
٥و�إ ْن تع َج ْب � -أيها الر�سول -من �شيء ف َح ِقي ٌق
بال َعجب قو ُلهم منكرين للبعث :أ� إ�ذا كنا تراب ًا بعد الموت َترونها ،ثم ا�ستوى على العر�ش ا�ستوا ًء يليق بجلاله،
ُنعاد َخلق ًا جديداً كما كنا؟! �إ ّن الذي ق َدر على رفع وذ ّلل ال�شم� َس والقمر لمنافع عباده يجريان �إلى أ� َم ٍد مق َّد ٍر
ال�سماوات و َب�ْس ِط الأر�ض وت�سخي ِر ال�شم�س والقمر ووق ٍت مع ّ ٍي ،يق�ضي ك َّل �أمر في ال�سماوات والأر�ض
وغير ذلك مما ُذ ِكر ،قاد ٌر الَ ر ْي َب على بعث الخلق بعد على َو ْج ِه الحكمة ِم ْن غير �شريك ،يب ِّي لكم آ�يات
موتهم� ،أولئك الذين جحدوا قد َرة ر ّبهم ،وك َّذبوا كتابه ،لعلكم توقنون �أنكم �إلى الله راجعون فتخل�وصا
ر�سله ،و أ�ولئك الذين في أ�عناقهم ا ألغلال يوم القيامة،
له العبادة.
و أ�ولئك هم الملازمون للنار لا ُيخرجون منها ولا
يموتون.
٢٤٩
٦وي�ستعجلك � -أيها الر�سول -م�شركو قو ِم َك
بالعقوبة والبلاء قبل العافية والإمهال ،وهم يعلمون
العقوبا ِت التي أ�نزلها الله بمن �َس َب َق من المكذبين أ�مثا ِلهم،
و�إ ّن ربك لغفور للنا�س لا يع ِّجل لهم العقوبة و�إن كانوا
ظالمين بل ُيهلهم ،و إ� ّن ربك ل�شديد العقاب لمن �أ�ص َّر
على المعا�صي.
٧ويقول الذين كفروا ِمن قومك عناداً ومكابرة:
للاو �أُنزل على محمد �آي ٌة ِح�ّسية من ربه كع�صا مو�سى
وناق ِة �صالح! �إنما �أنت مح ِّذ ٌر لهم من �سوء العاقبة
ونا ِ�صح ،ولكل قو ٍم نب ٌّي يدعوهم إ�لى ربهم ،أ� ّما الإتيان
با آليات المقت َرحة ف�أمره �إلى الله.
١١لله تعالى ملائك ٌة يتعاقبون من أ�مام هذا الإن�سان ٨الله َو ْح َده يعلم ما تحمل كل �أنثى -من جن�س
ا إلن�سان �أو الحيوان -ذكراً هو �أو �أنثى ،تا َّم ًا �أو غير تام،
الم�ستخفي بالليل والبارز بالنهار ،و ِم ْن ورائه ،يحفظونه واحداً هو �أو متعدداً ،ويعلم �صفاته وما �سيجري عليه
ب�إذن الله� ،إ ّن الله لا ُيغ ِّي ما بقو ٍم ِمن عافي ٍة ونعمة وخير ِم ْن أ�حوال �سواء في أ�ثناء الحمل �أو بعده ،ويعلم ما تن ُق�ص
إ�لى �ضدها حتى يغ ِّيوا هم ما ب أ�نف�سهم من ذلك ا ألرحام ِمن ُم َّدة الحمل فيولد قبل ت�سعة أ��شهر ،وما يزيد
بال ُكفران والظلم والع�صيان ،و�إذا �أراد الله بقو ٍم عذاب ًا عليها ،وك ُّل �شي ٍء عنده بق َد ٍر معي ٍن لا يجاوزه ولا َينق�ص
لا�ستحقاقهم ذلك فلا �أح َد َيقدر على ر ِّده عنهم ،ولي�س عنه.
لهم ِم ْن دون الله ِم ْن ملج أ�ٍ يلج�ؤون إ�ليه.
٩والله �سبحانه وتعالى عالمٌ بكل ما غاب ،مما لا
١٣ ١٢هو الذي ُي ْريكم البرق ُيخاف عند لمعانه ِمن يدركه ال ِح� ّس ،ولا تقت�ضيه َب ِديه ُة العقل ،وعالمٌ بكل
�وصاعقه �أن تحرق ،و ُيط َمع في �أن ينزل معه المطر ،و ُيثير م�شا َه ٍد مح�سو�س ،ال يخفى عليه �شيء ،وهو الكبير
ال�سحا َب الثقيل المح َّمل بالماء ،وي�س ِّبح الرع ُد بحمده الذي ك ُّل �شيء دونه ،الم�ستعلي على ك ِّل �شيء بقدرته
تعالى والملائك ُة من َهيبته و إ�جلاله ،و ُير ِ�سل ال�وصاعق
نقم ًة فيهلك بها َم ْن ي�شاء ،وه ؤ�لاء المك ِّذبون ُيخا�صمون وعظمته.
النب ّي فيما َي ِ�ص ُف به ر َّبه ،وهو �شدي ُد القوة والبط�ش. ١٠ي�ستوي في علمه �سبحانه َم ْن ك َتم القو َل منكم
في نف�سه و َم ْن �أظهره لغيره ،و َمن هو منكم متوا ٍر بالليل
و َمن هو بار ٌز بالنهار يراه ك ُّل �أحد.
٢٥٠
ثم ُقل لهم َت ْبكيت ًا و إ�لزام ًا بالحجة وتقريع ًا :أ� َب ْع َد �أن ١٤لله �سبحانه الدعو ُة الثابتة الواقع ُة في َمح ِّلها ،المجاب ُة
َع ِل ْمتموه ر َّب ال�سماوات والأر�ض تتخذون ِمن دونه ب إ�ذنه عند وقوعها ،وا أل�صنا ُم التي اتخذها الم�شركون
�آله ًة لا ي�ستطيعون ألنف�سهم جل َب نف ٍع ولا دف َع ُ� ٍّض، �آله ًة ويدعونها ِم ْن دونه ،لا ي�ستجيبون لهم بنف ٍع �أو دف ِع
فهم با أَل ْولى ال ي�ستطيعونه لغيرهم؟! قل لهم � -أيها ُ� ٍّض �إلا كما ي�ستجيب الما ُء لمن ب�سط �إليه ك ّفيه ليرت ِف َع �إلى
الر�سول :-هل ي�ستوي الم�ش ِرك والمو ِّحد؟ �َأ ْم هل ي�ستوي ف ِم ِه ،والما ُء جما ٌد لا ي�سمع ولا َي ْقدر �أن َيب ُلغ َف َم الداعي،
الكفر وا إليمان؟ �أَ ْم إ� ّن ه ؤ�لاء ا أل�صنام َخ َلقوا خلق ًا ك َخ ْلق وما دعا ُء الكافرين أ��صنا َمهم إ� ّل في �ضيا ٍع لا منفع َة فيه.
الل ِه فت�شابه على الم�شركين َخ ْل ُق الأ�صنام ب َخلق الله،
فجعلوها �شركاء لله في العبادة ِم ْن �أَ ْجل �أ ّنها َخ َل َق ْت كما ١٥ولله وحده يخ�ضع وينقاد ك ُّل َم ْن في ال�سماوات
خلق الله؟ ك ّل لي�س ا ألمر كذلك .قل -أ�يها الر�سول- وا ألر�ض ِمن الملائكة والجن وا إلن�س ،فالم�ؤمنون
تحقيق ًا للحق و إ�ر�شاداً لهم :الله خالق ك ِّل �شي ٍء لا خال َق ي�سجدون طائعين ،والكافرون ي�سجدون كارهين،
�سواه في�شاركه في العبادة ،وهو الفرد الذي لا ثان َي له، و َتنقا ُد له ِظلالهم بال�صباح والم�ساء ،تت�ص ّرف على
الق ّهار لك ّل ما �سواه. م�شيئته في الامتداد والتق ُّل�ص وال َفيء والزوال.
� ١٧أنزل الله من ال�سماء ما ًء إ�لى ا ألر�ض ،ف�سالت أ�ودي ٌة ١٦قل -أ�يها الر�سول -له ؤ�لاء الم�شركينَ :م ْن خا ِل ُق
بامتلائها �ِ -ص َغراً و ِكبراً -من ذلك الماء ،ف َح َمل ال�سيل ال�سماوات وا ألر�ض ومد ِّبرهما؟ قل :الله هو خالق
الجاري في تلك ا ألودية ُغثا ًء يعلو الماء .ومن المعادن التي ال�سماوا ِت وا ألر�ض الذي لا َت ْ�صلح العبادة �إلا له،
ي�صهرها النا�س ويوقدون عليها النار طلب ًا ل ِح ْلية يتزينون
بها �أو �آني ٍة و آ�لات ينتفعون بهما ين�ش�أ ُغثا ٌء ِمثل ُغثاء
ال�َّسيل .كذلك ي�ضرب الله م َث َل الح ِّق والباطل :فالباطل
كال َّز َب ِد وال ُغثاء يطفو ويعلو ولك ّنه ي�ضمح ُّل ويذهب
ولا ينتفع به �أحد .و أ�ما الح ُّق فهو كالماء ال�صافي والمع ِد ِن
النق ِّي الخال�ص يبقى في ا ألر�ض وينتفع به النا�س ،كذلك
ي�ضرب الله الأمثال زياد ًة في البيان و�إظهاراً لكمال
ال ُّلطف والعناية في الإر�شاد والهداية.
١٨للم ؤ�منين الذين ا�ستجابوا لله حين دعاهم للإيمان
واتبعوا ر�س َله الجن ُة ،و�أ ّما الكافرون الذين لم ي�ستجيبوا له
فلو أ� ّن لهم ك ّل ما في ا ألر�ض جميع ًا ومث َله معه ،ل َب َذ ُلوه
يوم القيامة افتدا ًء من النار� ،أولئك يع ِّذبهم الله بذنوبهم
جميعها فلا يغفر لهم منها �شيئ ًا ،وبئ�س الفرا� ُش جهن ُم
التي هي م�أواهم يوم القيامة.
٢٥١
٢٦الله و ْح َده يو�ِّسع الرزق على َم ْن ي�شاء ِم ْن عباده ١٩هل الذي يعلم أ� ّن ما ُ�أنزل إ�ليك من القر�آن هو
و ُي�ض ِّيقه على َم ْن ي�شاء ،وف ِرح م�شركو مكة بما ُب ِ�سط لهم الحق الذي لا ح َّق وراءه ،في�ؤ ِمن به ويعمل به ،ك َم ْن هو
من الدنيا فر َح طغيا ٍن ،وما الحياة الدنيا وما فيها من النعيم أ�عمى الب�صيرة فلا ي ؤ� ِمن بالقر آ�ن وال يعمل به؟ إ�نما ي ّتعظ
بالن�سبة للآخرة ونعيمها إ�لا �شيء قليل �سريع الزوال. ب�آيات الله ويعتبر بها ذوو العقول ال�سليمة.
٢٧ويقول الذين كفروا من �أهل مكة :ه ّل ُأ�نزل على ٢٠الذين يوفون بما أ�مرهم الله تعالى به وف َر َ�ضه
محمد معجز ٌة ِح�ِّسية من ربه ،قل لهم � -أيها الر�سول:- عليهم ،ولا يخالفون العهد الذي عاهدوا الله عليه بل
�إ ّن الله ي ْ� ِصف عن ا إليمان َم ْن ي�شاء ِمن �أهل الجحود
والعناد ،وير�شد إ�لى دينه وا إليمان به َم ْن رجع إ�لى الحق يلتزمون به ويعملون على مقت�ضاه.
و َق ِبل به. ٢١والذين َي ِ�صلون ا ألرحا َم وال َقرابا ِت و�سائ َر ما أ�مر
الله به �أن يو�صل ،ويخافون ر ّبهم �إجلال ًا لمقامه وتعظيم ًا
٢٨الذين آ�منوا و َت�ْس ُك ُن قلو ُبهم وت�ست أ�ن�س بذكر لربوبيته ،ويخافون مناق�ش َة الح�ساب وعد َم مغفر ِة
الله� ،أ َل بذكر الله -لا بذكر غيره -ت�سك ُن القلوب
ذنوبهم ،فيحا�سبون �أنف�سهم قبل أ�ن ُيحا�َسبوا.
و َت�شعر با ألمن.
٢٢والذين �صبروا على الـ َمكاره طلب ًا لمر�ضاة
ربهم ،و�أ َّدوا ال�صلاة المفرو�ضة بحدودها في �أوقاتها،
و أ�خرجوا زكاة أ�موالهم و أ�نفقوا منها في �سبيل الله في
الخفاء وال َع َل ِن ،ويدفعون بالح�سنة ال�سيئ َة فتمحوها،
�أولئك المو�وصفون بهذه ال�صفات الجليلة لهم ُح�ْس ُن
العاقبة في الدار ا آلخرة.
٢٤ ٢٣جنا ُت َع ْد ٍن يدخلها ه�ؤلاء لا يزولون
عنها هم و َم ْن �آمن و�أطاع من �آبائهم و�أبنائهم ون�سائهم
وذرياتهم ،وتدخ ُل عليهم الملائكة من كل با ٍب ،يقولون
لهم� :سلا ٌم عليكم بما �صبرتم في الدنيا فنع َم ُعقبى الدار
ما� أنتم فيه.
٢٥والذين ُيب ِطلون عه َد الل ِه من بعد توثيقه ولا يوفون
به ،ويقطعون الرحم التي أ� َم َر الله بو�صلها ،ويف�سدون
في ا ألر�ض بالكفر والمعا�صي ،ه ؤ�لاء ُمب َعدون من رحمة
الله ،ولهم ما ي�سو ؤ�هم من العذاب في الدار الآخرة.
٢٥٢
لله الأمر جميع ًا لا لغيره ،فلا ي�ؤ ِمن إ�لا َمن �شاء إ�يما َنه� ،أفلم ٢٩ا ّلذين �ص َّدقوا بالله ور�سله وعملوا ال�صالحات
يعلم الذين �آمنوا �أنه لو ي�شاء الله لهدى النا�س جميع ًا إ�لى ِمن الأعمال ،لهم الخي ُر الكامل في الدنيا بالاطمئنان،
الإيمان ِم ْن غير معجزة؟ ولا يزال الذين كفروا ُت�صيبهم و ُح�سن المر ِجع في �آخر �أمرهم.
ب�سبب كفرهم بالله وتكذيبهم إ�ياك داهي ٌة من أ�نواع
٣٠كما أ�ر�سلنا ا ألنبياء �إلى ُأ�ممهم أ�ر�سلناك -أ�يها
البلاء َت ْق َر ُعهم ،أ�و تنزل قريب ًا من دارهم حتى ي أ�تي َو ْع ُد
الله ب إ�ظهار الإ�سلام ،والله لا ُيخلف وعده. الر�سول -إ�لى هذه الأمة التي َم َ�ض ْت من قبلها �ُأمـ ٌم
كثير ٌة ،لتقر أ� عليهم الكتاب العظيم الذي �أوحينا إ�ليك،
٣٢وه�ؤلاء الكفار �إنما طلبوا ا آليات المعجزا ِت على وهم م�ستم ُّرون على الكفر بالرحمن الذي َو ِ�س َعت
رحم ُته ك َّل �شيء ،قل لهم � -أيها الر�سول� :-إ ّن الرحمن
�سبيل الا�ستهزاء فا�بِ ْص � -أيها الر�سول -على أ�ذاهم، الذي �أنكرتم معر َف َته هو ربي ،لا ُم�ست ِح َّق للعبادة �سواه،
فقد ا�س ُته ِزئ بر�س ٍل ِم ْن قبلك ف أ�مهل ُت الم�ستهز ِئي َن ثم
�أنزل ُت بهم عقابي المتناهي في ال�شدة وال َهول ،وما ِم ْث ُل عليه اعتمد ُت في جميع �أموري ،و إ�ليه �أرجع و�ُأنيب.
هذا العقاب من الم�ستهزئين والمكذبين ِم ْن قومك ببعيد.
٣١ولو �أ ّن كتاب ًا ِمن الكتب المنزلة ُح ِّرك ْت به الجبال
٣٣أ�فمن هو حفي ٌظ رقيب على عم ِل ك ِّل �أح ٍد من من َمقا ِّرها ،أ�و �ُش ِّققت به الأر�ض �أنهاراً وعيون ًا ،أ�و ُك ِّلم
به الموتى ف�أحياهم الله لكان هذا القر�آن المنزل علي َك؛ بل
خي ٍر و�ش ٍّر ،ك َم ْن لي�س كذلك من ا أل�صنام التي لا ت�ضر ولا
تنفع؟ وجعلوا لله �شركاء ِم ْن َخ ْلقه ،وهو وحده الم�ست ِح ُّق
للعبادة .قل لهم�ِ :ص ُفوا ه�ؤلاء ال�شركاء ب�صفاتهم ثم
انظروا هل هم َ�أ ْه ٌل أل ْن ُيعبدوا؟ أَ�م تخبرون الله تعالى
ب�شيء لا يعلمه وهو الذي لا يخفى عليه �شيء في الأر�ض
ولا في ال�سماء؟! �أَم َت َّدعو َنهم �شركاء لله بمجرد ظاه ٍر
من القول لا حقيق َة له؟ بل ُزيِّن للذين كفروا �ِشكهم
وكذبهم على الله ،و ُ�صفوا عن الدين ،و َمن أ��ض ّله اللهُ
عن �إ�صابة الحق والهدى بخذلانه �إياه فما له ِم ْن أ�َحد
يهديه إ�ليهما.
٣٤لهم عذاب في الحياة الدنيا بالقتل والأ�سر وبما
ي�صيبهم من البلايا وال ِم َحن ،و َلعذا ُب الآخرة أ��شد منه،
وما لهم َم ْن يدفع عنهم عذاب الله.
٢٥٣
�ِ ٣٥ص َف ُة الجن ِة التي َو َع َد الله المتقين َثم ُرها دائ ُم
الوجود لا ينقطع ،وظ ُّلها َظلي ٌل لا يزول ،تلك عاقبة
المتقين ،وعاقبة الكافرين بالله النار.
٤١أ� َولم َي َر كفا ُر مكة الذين �س�ألوا محمداً - - ٣٦والذين أ��سلموا من �أهل الكتاب و�آمنوا بك � -أيها
ا آليات �أ ّنا ن أ�تي ا ألر�َض التي َع َمرها َم ْن هم �أ�ش ُّد منهم الر�سول -يفرحون بما �أنزلنا إ�ليك من القر آ�ن لموافقته ما
قوة ف َن ْن ُق�صها عليهم من �أطرافها بعد �أن كانوا �أ ِع ّزاء عندهم ،و ِمن أ�هل ال ِملل المتح ِّزبين عليك َم ْن ُينكر بع�َض
أ�قوياء -ب�سبب كفرهم وظلمهم -حتى لا يبقى لأهلها ما �ُأنزل إ�ليك ،فقل لهم� :إنما أ�ُمرت فيما أ�ُنزل �إليَّ �أن
أ�عبد الله ولا ُ�أ�شرك به غيره ،و�أن ُأ�طيعه تعالى� ،إليه �أدعو
�سلطان ولا نفو ٌذ ،والله يحكم في خلقه بما ي�شاء ال را ّد
لحكمه ،والله �سريع الح�ساب والانتقام ممن ع�صاه. النا�س ،و�إليه لا إ�لى غيرهَ مر ِجعي.
٤٢وقد مكر الكفار الذين خ َلوا من َق ْب ُل ب�أنبيائهم ٣٧وكما �أنزلنا الكتب على ا ألنبياء بل َغاتهم �أنزلنا
ود َّبروا لهم المكائد كما يمكر ب َك الكفا ُر من قومك، عليك � -أيها الر�سول -القر�آن عربي ًا بل�سانك ول�سا ِن
وال اع ِتدا َد بمكرهم إ�ذ لا يقع َم ْكر ولا ي�ض ُّر َكي ٌد إ�لا بعلم قومك ،فا ْح َذر أ� ْن ت َّت ِبع أ�هواء ه ؤ�لاء ا ألحزاب ،ولئن
الله و�إرادته ،ور ُّبك � -أيها الر�سول -يعلم ما تعمل ك ُّل اتبعتهم فيما يدعونك �إليه بعد الحق الذي جاءك من الله
نف� ٍس وما ُتد ِّبره �س ّراً وعلاني ًة فيجازيها عليه ،و�سيعلم
الكفا ُر �إذا ق ِدموا على ربهم يوم القيامة ِلـ َم ْن عاقب ُة الدار ما لك نا�صرٌ من الله ولا مان ٌع يمنعك من عذابه.
ا آلخرة حين يدخلون النار ،ويدخل الم�ؤمنون الجنة. ٣٨ولقد أ�ر�سلنا � -أيها الر�سول -كثيراً من الر�سل
ِم ْن قبلك إ�لى ُ�أممهم ،فجعلناهم ب�شراً ِمثلك ،وجعلنا
لهم ن�سا ًء وذرية ،وما َي ْق ِدر ر�سول ِم ْن ر�سل الله أ�ن ي أ�تي
بمعجزة كما يقترح قو ُمه �إلا ب أ�مر الله وم�شيئته ،لكل أ�م ٍر
ق�ضاه الله كتا ٌب قد كتبه فيه ،ووق ٌت يقع فيه.
َ ٣٩ين�سخ الله ما ي�شاء َن�سخه من ا ألحكام وغيرها،
و ُيثبت َب َد َله ما ي�شاء على وفق ِعلمه و ُمقت َ�ضى حكمته،
وعنده �أ�صل الكتاب ،وهو اللوح المحفوظ الذي لا ُي َغ َّي
ولا ُي َب َّدل.
٤٠و�إ ْن �أريناك � -أيها الر�سول -في حياتك بع�َض
الذي َن ِع ُد ه ؤ�لاء الم�شركين بالله من العقاب ،أ�و تو ّفيناك
قبل �أن ُنريك ذلك ،ف�إ ّنا عليك تبلي ُغ الر�سالة إ�ليهم،
وعلينا ح�سابهم يوم القيامة.
٢٥٤
ووي ٌل ِلـ َمن َج َح َد وحدانيته و َع َبد معه غيره ِم ْن
عذاب الله ال�شديد.
٣وه�ؤلاء الكافرون هم الذين يختارون الحياة الدنيا
و َمتاعها على ما ُي َق ِّربهم إ�لى ر�ضا الله من ا ألعمال النافعة
في الآخرة ،وي�صدون النا�س عن دين ا إل�سلام ويريدون
أ�ن تكون �سبي ُل الله ُمع َّوج ًة؛ ِل ُتوافق أ�هواءهم ،أ�ولئك في
�ضلال بعيد عن الحق.
٤وما أ�ر�سلنا ِمن ر�سو ٍل إ�لا جعلنا ر�سال َته بل�سان
قو ِمه الذين ُبع َث فيهم ،ليفهموا عن الله ما هو مبعوث به
�إليهم ،ولتقوم به الحجة عليهم؛ ف ُي�ض ّل الله َمن �آثر �َس َب َب
ال�ضلالة ،ويهدي َم ْن �آثر �سبب الاهتداء ،وهو العزيز فلا
ُيغا َلب على م�شي َئته ،الحكي ُم الذي لا ُي ِ�ض ُّل ولا يهدي
إ�لا لحكمة.
٥ولقد �أر�سلنا مو�سى �إلى قومه و أَ� َّيدناه ب آ�ياتنا ٤٣ويقول الذين كفروا لنب ِّي الله :يا محم ُد ل�س َت
المعجزات الدال ِة على ِ�ص ْدقه ،وقلنا لهَ :أ� ْخر ْج بني مر�َسل ًا! قل لهم إ�ذا قالوا ذلكَ :ح�سبي الله �شاهداً بيني
�إ�سرائيل من الكفر �إلى الإيمان ب َبيا ِنك لهم ودعو ِتك وبينكم و َم ْن آ�من بي ِمـ َّمن عنده عل ُم الكتاب ِل ِع ْلمه
إ�ياهم ،وذ ِّكرهم ب َنعماء الله وبلائه� ،إ ّن في ذلك التذكير
لآيا ٍت لك ِّل عب ٍد َ�ص ّبار على بلاء الله �شكور ل َنعمائه؛ إ�ذ ب َن ْعتي وو�صفي فيما �أنزل الله ِمن الكتب قبل القر�آن.
هو الذي يعتب ُر بها وينتف ُع ،و�إ ْن كانت الآيات وا�ضح ٌة } ٢ ١ﭢﭣ{� :سب َق الكلا ُم على هذه الحروف
الـ ُمق َّطعة في أ�ول �سورة البقرة .هذا القر آ�ن �أنزلناه
لا َتخفى. �إليك � -أيها الر�سول -ل ُتخ ِرج النا�س من ظلمات
ال�ضلال والكف ِر �إلى نور الحق وا إليمان ،و ِل َت ْهديهم
ب�إذن الله وتوفيقه إ�لى دين الإ�سلام ،الذي هو �صراط الله
الغال ِب الم�ست ِح ِّق لجمي ِع الـ َمحامد ،الذي له جميع ما
في ال�سماوات وما في الأر�ض َخ ْلق ًا وملك ًا وت�صريف ًا،
٢٥٥
قالوا :ما أ�نتم �إلا ب�شر ِمث ُلنا في ال�وصرة والهيئة و�سائ ِر ٦وا ْذ ُكر -أ�يها الر�سول -إ�ذ قال مو�سى بن عمران
لقومه ِمن بني �إ�سرائيل :اذكروا نعمة الله التي �أنعم
ال�صفات الب�شرية ،فلا َف ْ�ض َل لكم علينا ي ؤ�َ ّهلكم �أ ْن بها عليكم ،حين أ�نجاكم من فرعون وجنو ِده و�أتباعه
تكونوا ر�سل ًا ،و إ� ّنا تريدون بما تقولون �أن َت�ص ِرفونا ع ّما ُي ِذيقونكم �شدي َد العذابُ ،يذ ِّبحون أ�بناءكم و ُيبقون
كان يعبد آ�با ؤ�نا من ا أل�صنام ،ف�أتونا ب ُح ّج ٍة ظاهر ٍة على بناتكم �أحياء مع ال ُّذل وال َّ�ص َغار ،وفي ذلك ابتلا ٌء
ِ�ص ْدقكم! واختبا ٌر لكم من ر ِّبكم عظيم.
٧وا ْذ ُكروا حي َن أ�ع َل َمكم ر ُّبكم :لئن �شكرتم
يا بني إ��سرائيل ما خ ّو ْلتكم ِمن ِنعم ِة الإنجا ِء و إ�هلا ِك
العد ِّو وغي ِر ذلك من النعم والآلاء َ ،أَلزيد َّنكم ِنعم ًة
إ�لى ِنعم ٍة ،ولئن جحدتم ِنعمتي بمع�صيتي ومخالف ِة
�أمري َل ُي�صيب َّنكم عذابي ال�شديد.
٨وقال لهم مو�سى :إ� ْن تكفروا ِنعم َه تعالى بعدم
�شكرها� ،أنتم و َم ْن في الأر�ض ِمن الخلائق جميع ًا ،ف إ� ّن
الله لغني عن �شكركم و�شك ِر غيركم ،م�ستو ِج ٌب لل َحمد
بذاته و إ� ْن لم يحمده الحامدون.
َ ٩أ�لَـ ْم ي أ�تكم خب ُر ا ألمم التي َم َ�ضت من قبلكم :قوم
نوح ،وعاد قوم هود ،وثمود قوم �صالح ،والذين ِمن
َبعدهم لا ُيح�صي عد َدهم �إلا الله لكثرتهم ،جاءتهم
ر�سلهم بالحجج الوا�ضحة على �صدقهم ،فو�ضعوا �أيديهم
في أ�فواههم و َع ّ�ضوا عليها غيظ ًا على الر�سل وتكذيب ًا
لهم ،وقالوا� :إنا كفرنا بما َتز ُعمون �أنكم أُ�ر�سلتم به ،و إ�نا
َلفي �ش ٍّك من حقيق ِة ما تدعوننا إ�ليه ُمو ِق ٍع في ال ِّريبة.
� ١٠أجا َب ْتهم ر�سلهم بقولهم :أ�في وجو ِد الل ِه وتوحيده
�شك؟! وهو خالق ال�سماوات وا ألر�ض ،يدعوكم �إلى
طاعته وتوحيده؛ ليغفر لكم ذنوبكم ،وهو الذي ي َـ ُم ُّد
في �أعماركم و�أرزاقكم إ�لى وق ٍت مع ّ ٍي في �ساب ِق ِع ْلمه،
٢٥٦
١٤و َل ُن�سكن َّنكم ا ألر�َض ِم ْن بعد هلاكهم ،إ� ّن ذلك
الن�ص َر للر�سل وللم�ؤمنين والإهلا َك للكافرين أ�م ٌر م ؤ� َّكد
ح�وص ُله لمن خاف مقامه بين يد َّي ،وخا َف وعيدي؛
فاتقاني بطاعته وتج َّن َب �سخطي.
١٥وا�ستن�ص َر الر�س ُل بالله على قومهم ،فهلك ك ُّل
متكب ٍر جائ ٍر حائ ٍد عن ا إلقرار بتوحيد الله و�إخلا�ِص
العبادة له.
� ١٦أما َم هذا الكافر جهن ُم يدخلها ،و ُي�سقى فيها مما ١١قالت لهم ر�سلهم :ما نحن �إلا ب�َشٌ ِم ْثلكم كما
َي�سيل ِم ْن جوف أ�هل النار مختلط ًا بالقيح والدم. قلتم ،ولكن الله يـ ُم ُّن على َمن ي�شاء ِمن عباده بالنبوة
والر�سالة ،ولي�س لنا ولا في َم ْقدورنا أ�ن ن أ�تيكم بحجة
َ ١٧ي�ْشبه َجرع ًة َجرع ًة لا ي�ست�سيغه لمرارته وحرارته، على �صحة دعوانا إ�لا ب َأ� ْم ِر الله و إ�رادته ،وعلى الله فليعتمد
وت�أتيه أ��سباب الموت ِمن كل جهة ِل َفظي ِع ما ي�صيبه من
الآلام ،وما هو بميت؛ ألنه لو مات لا�ستراح ،و ِمن بين الم�ؤمنون في دفع ا ألذى وال�صبر على كل مكروه.
يديه عذا ٌب أ��ش ُّد مما قبله و أ�غلظ. ١٢و أ� ُّي ُعذ ٍر لنا في �أ َّل نتوك َل على الله وقد �أر�شدنا
إ�لى طريق النجاة من عذابه ،و َلن�صبر ّن على ما َنلقى
َ ١٨م َثل �أعما ِل الكافرين ِم ْن �صل ِة رح ٍم و�صدق ٍة منكم من المكروه ،وعلى الله وحده فليثبت الم ؤ�منون
وغير ذلك من المكارم في �ضياعها و َعد ِم الانتفا ِع بها
كرما ٍد ا�شتدت به الريح في يو ٍم �شدي ِد ُهبو ِب الري ِح؛ في توكلهم.
فجعلته هبا ًء منثوراً لا ُي ْق َد ُر على �شيء منه ،فلا يجدون
ل�شيء مما عملوا في الدنيا ثواب ًا في ا آلخرة ِل َع َد ِم ُح�وصل
�شرطه وهو الإيمانَ ،ف َم�آ ُل أ�عم ِالهم وعاقب ُتها ك ِّلها هو
الخ�سران الكبير.
١٣وقال الذين كفروا لر�سلهمَ :ل َنطرد َّنكم من بلادنا،
�إ َّل �أن ت�صيروا على ديننا� ،أو تعودوا �إلى ما كنتم عليه
قبل ا ّدعا ِء الر�سال ِة ِمن ال�سكو ِت وعد ِم إ�ظهار المخالفة.
ف�أَوحى الله �إلى ُر�سله أ� ّن م�صير ه�ؤلاء الظالمين هو الهلاك.
٢٥٧
٢٠ ١٩أ�لم َت ْع َلم -خطاب للر�سول والمراد به
غيره� -أ ّن الله خلق ال�سماوات وا ألر�ض بالعدل وال ِق�ْسط
متف ِّرداً ب إ�ن�شائهما بغير َظهي ٍر ولا ُمعين؛ ل ُي�ست َد ّل بهما
على قدرته� ،إ ّن الذي َت َف ّرد ب َخ ْلق ذلك و إ�ن�شائه إ�ن ي�ش�أ
ُيذهبكم و ُيفنكم ،وي�أ ِت ب َخل ٍق جدي ٍد ،وما ذلك على
الله بمتع ِّذر ولا ممتنع؛ ألنه القادر على كل �شيء.
ا ألنهار ماكثين فيها �أبداً ،تحي ُتهم فيها من الله وملائكته ٢١و َخ َر َج جمي ُع الخلائق من قبورهم وظهروا
ومن جميع �أه ِل جنته �سلا ٌم منه �سبحانه. للح�ساب فقال الأتباع للمتبوعين في الكفر وال�ضلال:
٢٤أ�لم تعلم -أ�يها الر�سول -كيف َ� َض َب الله مثل ًا إ�نا كنا تابعين لكم في الدنيا فهل �أنتم دافعون عنا اليوم
لكلمة التوحيد الطيب ِة؟ َم َث ُلها ك�شجرة ط ِّيبة الثمرة،
أ��صل هذه ال�شجرة ثاب ٌت في الأر�ض ،وفرعها مرتف ٌع من عذا ِب الله ِمن �شيء؟ قال الـ َم ْت ُبوعون :لو هدانا الله
للإيمان لهديناكم إ�ليه ولكن �ضللنا فاتبعتمونا ف�أ�ضللناكم،
نحو ال�سماء.
ونحن و�إياكم في عذاب الله اليوم �سواء ،ولا يدفعه عنا
ولا عنكم تلا ُو ُمنا َج َزع ًا ولا �سكو ُتنا �صبراً ،ف إ�نه لي�س لنا
اليوم مما نحن فيه من العذاب ِمن َم ْهر ٍب �أو َملج ٍ�أ.
٢٢ولـ ّما ُف ِر َغ من ا ألمر و ُ�أدخل �أه ُل الجن ِة الجن َة
و�ُأدخل �أه ُل النا ِر النا َر خا َط َب إ�بلي� ُس ك َّل َم ْن يلومونه
ِم ْن أ�ه ِل النار بقوله :إ� ّن الله و َع َدكم بالبعث والجزاء
ف�ص َد َقكم ،ووعد ُتكم ب�أنه لا َب ْع َث ولا جزاء ف�أخلف ُتكم
وعدي ،وما كان لي عليكم ِم ْن قوة �َأ ْح ِم ُلكم بها على
اتباعي ،ولكن دعوتكم فا�ستجبتم لي ،فلا تلوموني على
َو ْعدي لكم بالباطل ولوموا أ�نف�سكم على �ضلالكم
واتباع �شهواتكم ،ما أ�نا اليوم ب ُمغي ِثكم وما أ�نتم بمغيث َّي
من عذاب الله ،إ�ني تب ّر أ� ُت من إ��شراككم �إياي مع الله في
الدنيا ،إ� ّن الكافرين لهم عذا ٌب م�ؤلـ ٌم ُمو ِج ٌع.
٢٣و أَ�دخ َل الملائك ُة -ب�إذن الله و أ�مره -الذين �ص َّدقوا
الله ور�سوله وعملوا بطاعة الله ِجنان ًا تجري من تحتها
٢٥٨
ويفعل الله ما ي�شاء ِمن تثبي ِت �أه ِل ا إليمان و إ��ضلا ِل أ�هل
الظلم والطغيان.
٢٩ ٢٨أ� َل تتع ّج ُب -أ�يها الر�سول -من أ�ولئك
الذين َأ��ْس َكنهم الله َح َرم ًا �آمن ًا وتف َّ�ضل عليهم بنعمة القر�آن
فتركوه ولم ي�ؤمنوا به ،وا�ستبدلوا بنعمة الله وما َت ْق َت�ضيه
من الإيمان وال�شكر ُكفراً أ�نزلوا به �أنف�سهم وقو َمهم دار
الهلاك ،جهن َم يذوقون �سعيرها ،وبئ�س الم�ست َق ُّر هي.
٣٠و َج َعلوا لله �شركاء ل ُي�ضلوا عن دين ا إل�سلام ،قل
لهم :تمتعوا بدنياكم قليل ًا ف إ�ن َمرجعكم �إلى النار.
٣١قل -أ�يها الر�سول -لعبادي الذين آ�منوا بك ُ ٢٥تعطي هذه ال�شجرة ثم َرها كل حي ٍن ب إ�ذن ربها،
و�ص ّدقوا بما جئتهم به من عندي �أَ ْن ُيقيموا ال�صلا َة وكذلك كلم ُة ا إليمان أ��ص ُلها ثابت في قلب الم ؤ�من،
المفرو�ض َة عليهم بحدودها ،وينفقوا مما َخ ّولناهم من وفرعها َع َم ُله الذي يرتفع حتى يبلغ ال�سماء ،وينال
ف�ضلنا �سراً وعلانية في�ؤدوا ما �أوجب ُت عليهم من الحقوق برك َته وثوا َبه ك َّل وقت ،ويب ِّي الله ا ألمثال للنا�س لعلهم
فيهِ ،م ْن قبل �أَ ْن ي�أتي يوم القيامة الذي لا ُتقبل فيه ِم ْن
نف� ٍس َو َج َب عليها عقا ُب الله فدي ٌة من هذا العقاب ولا يتعظون فيعتبرون.
�صداقة تنفعها. ٢٦وم َث ُل كلم ٍة خبيث ٍة ،وهي كلمة الكفر ك�شجرة
خبيث ٍة ،ا�س ُت ؤ� ِ�صل ْت من فوق ا ألر�ض ،ما لهذه ال�شجرة
٣٢الله الذي أ�ن�ش�أ ال�سماوات والأر�ض من غير
َظهي ٍر ولا ُمعين ،و أ�نزل من ال�سماء غيث ًا ف أ�خرج به من من قرا ٍر ولا �أ�ص ٍل في ا ألر�ض َتنبت منه وتقوم عليه.
ال�شجر والزروع رزق ًا ت�أكلونه ،و�س ّخر لكم ال�سفن
لتجري في البحر بم�شيئته تركبونها و َت ِملون فيها ٢٧يث ِّبت الله في الحياة الدنيا الذين �آمنوا بالقول
أ�َ ْم ِتعتكم من بلد �إلى بلد ،و�س ّخر لكم ا ألنهار لل�شراب الثابت الذي ير�ِّسخ ا إليما َن في قلوبهم ،وهو كلمة
التوحيد؛ فلا َيغ َفلون عنها في حياتهم وعند مماتهم وفي
وال�سقي و�سائر المنافع. القبر عند �س�ؤالهم ،و ُي�ضل الله الظالمين فلا يهتدون �إليها،
٣٣و�س ّخر لكم ال�شم�س والقمر ك ٌّل يجري في َف َلكه
َو ْف َق نظا ٍم دقيق لا يتخلف ،و�سخر لكم الليل لت�سكنوا
فيه ،والنهار لتبتغوا فيه من ف�ضله.
٢٥٩
٤٠ر ِّب اجعلني م ؤ�دي ًا على التمام ما أ�لزمتني به ِم ْن ٣٤و أ�عطاكم الله ِمن كل ما �س أ�لتموه م ّن ًة منه تعالى،
فري�ضة ال�صلاة ،واجع ْل أ�ي�ض ًا ِم ْن ذريتي َم ْن يحافظ و�إ ْن َتع ّدوا نعمة الله التي �أنعم بها عليكم لا تطيقوا
َح ْ�صها؛ فهي متجددة بتجدد ا ألنفا�س ومتوالية بتوالي
عليها ،ر َّبنا وا�ستج ْب دعائي وتقبل عملي وعبادتي. الحركة وال�سكون و ُم ْد َركات الحوا�س ،إ�ن ا إلن�سان
41ر َّبنا اغفر لي ولوالد َّي وللم�ؤمنين ك ِّلهم يوم يقوم
َلظلو ٌم لنف�سه بالمع�صيةَ ،جحود لنعمة ربه.
النا�س للح�ساب.
42ولا تح�سب ّن -أ�يها الر�سول� -أن الله غافل عما ٣٥وا ْذ ُكر -أ�يها الر�سول -حين قال إ�براهيم :ر ِّب
يعمل ه ؤ�لاء الم�شركون من قومك ،بل هو عالـ ٌم بهم اجعل هذا البلد -يعني مكة -بلداً ي�أمن فيه أ�ه ُله وك ُّل
وب أ�عمالهم و ُمح�صيها عليهم ،ليجزيهم جزا َءهم يوم
القيامة حين َت�ْش َخ�ُص أ�ب�صا ُر الخلق ولا َتكاد َت ْط ِرف ِمن َم ْن يق�صده؛ فلا ُي�سفك فيه دم ولا ُتنتهك فيه حرمة ،ولا
ي�صله مكروه ،و أ� ْب ِعدني و َب ِن َّي عن عبادة ا ألوثان.
�ش ّد ِة هول ما ترى.
٣٦ر ِّب إ�ن ا ألوثان ت�س ّبب ْت في �ضلال كثير من
٢٦٠ النا�س ،ف َم ْن تب َعني على التوحيد ف إ�نه من أ�هل ديني ،و َم ْن
لم يتبعني ف�إني ُ�أف ّو�ض �أمره �إلى رحمتك وغفرانك.
٣٧ر َّبنا إ�ني أ��سكنت بع�َض ذريتي ،وهم �إ�سماعيل
و َم ْن �س ُيولد له ،بوادي مك َة وهو �أر� ٌض َح َجري ٌة تحيط
بها الجبال ولا ُتنبت �شيئ ًا ،قريب ًا من بيتك الذي َح َّرم َت
الا�ستخفا َف بحقه ،ربنا إ�ني فعل ُت ذلك ليقيموا ال�صلاة
متو ِّجهين �إليه متب ِّركين به ،فاجعل قلوب ًا من النا�س تميل
و ُت�سرع �إليهم ،وارزقهم من الثمرات لعلهم ي�شكرونك
على توالي نعمك وعظي ِم إ�ح�سانك.
٣٨ر َّبنا إ�نك تعلم �س َّرنا كما تعلم َع َلننا ،و�إنك أ�علم
ب أ�حوالنا وم�صالحنا و أ�رح ُم بنا ِم ْن رحمتنا ب أ�نف�سنا ،وما
يخفى عليك يا أ�لله ِم ْن �شيء كان �أو يكون في الأر�ض �أو
في ال�سماء؛ لأن ذلك ك َّله ظاهر لك ،ف�إنك �أنت خالقه
و إ�ليك تدبيره ومن َك رزقه ،فكيف يخفى عليك؟!
٣٩الحمد لله الذي رزقني على ِك َب �س ّني ول َد ّي
إ��سماعيل و�إ�سحاق� ،إ ّن ربي ل�سمي ُع دعا ِء َم ْن دعاه ،وهو
�سبحانه الذي يقبله وي�ستجيب له.
٤٥و َن َز ْلتم في م�ساكن الذين ظلموا �أنف�سهم بالكفر ُ ٤٣م�ْ ِس ِعين بعد قيامهم من قبورهم إ�لى الداعي
والطغيان ِمن قبلكم كعا ٍد وثمو َد ،و َع ِل ْمتم كيف الذي يدعوهم �إلى المح�َشُ ،يقبلون عليه خائفين أ�ذ َّل ًة
أ�هلكناهم حين َع َتوا عن أ�مر ربهم وتمادوا في طغيانهم خا�شعين ،رافعي ر�ؤو�سهم مع إ�دا َم ِة ال َّن َظ ِر ِم ْن غير
التفا ٍت �إلى �شيء ،لا يرجع َب َ� ُصهم �إلى ذواتهم ولا إ�لى
وكف ِرهم ،وب ّينا لكم ا ألمثا َل في القر آ�ن فلم تعتبروا. �شيء �آخر ،بل تبقى أ�عينهم مفتوح ًة لا َت ْط ِرف ،وقلو ُبهم
٤٦وقد َمكروا في إ�بطال الحق وتقري ِر الباط ِل م ْك َرهم خالي ٌة من العقل والفهم لفرط الحيرة والده�شة.
العظيم الذي ا�ستفرغوا فيه جهدهم ،وعند الله ِع ْل ُم
مك ِرهم وجزا ؤ�ه ،وما كان مك ُرهم و إ� ْن َع ُظم ِلتزول منه ٤٤وخ ِّو ْف � -أيها الر�سول -الكفا َر يو َم ي أ�تيهم
عذاب الله في القيامة ،فيقول الذين كفروا :ر َّبنا �أَ ِّخر عنا
�شرائ ُع الر�سل و آ�يا ُتهم التي هي في القوة كالجبال. عذابك و�أمهلنا إ�لى �أج ٍل قري ٍب ُ ِن ْب دعوتك بالتوحيد
ون�ص ِّدق بالر�سل ،فيقال لهم توبيخ ًا� :أ َولم تكونوا
٤٧فلا تح�سب ّن الله مخ ِل َف و ْع ِده ر�س َله بالن�صر ،إ�ن الله أ�ق�سمتم ِمن قب ُل أ� ْن لي�س لكم بعد حياتكم في الدنيا
غال ٌب لا ُيعجزه �شيء ،ذو انتقام ممن ع�صاه. انتقا ٌل إ�لى حيا ٍة أ�خرى ُتا�سبون فيها وتجازون على ما
٤٨يوم ُتب ّدل هذه ا ألر�ض التي تعرفونها �أر�ض ًا كنتم تعملون؟
�أخرى ،و ُتب َّدل ال�سماوات غير ال�سماوات ،وخرجوا
من قبورهم الُ يواريهم �شي ٌء ،و َظ َهروا بين يدي الل ِه
الواح ِد الذي لا ِن َّد ولا �شريك له ،الق ّهار الذي لا ُي َغا َلب
على ما يحكم أ�و يريد.
٤٩و ُتب ِ�ص � -أيها الر�سول -الكافرين يومئ ٍذ قد
ُجمع ْت �أيديهم �إلى أ�عناقهم بال�سلا�سل والأغلال.
ِ ٥٠لبا�ُسهم فيها من َق ِطرا ٍن ُت�س ِرع فيه النار فيزيدهم
عذاب ًا �إلى عذابهم ،وتلفح وجو َههم النار فتحرقها.
٥١ليجز َي الله كل نف�س جزا َء ما ك�سب ْت ِمن خي ٍر
و�ش ٍّر ،وهو �سري ٌع ح�سا ُبه ألعمالهم ،قد أ�حاط بها علم ًا
لا َيع ُزب عنه منها� شيء.
٥٢هذا القر�آن كفاي ٌة في التذكير والموعظ ِة و�إقام ِة
الحجة على النا�س ،لينت�صحوا به ،و ِل َيخافوا عذا َب الله
ونقمته ،و ِل َيعلموا بما فيه من الحجج �أ ّن الله �إل ٌه واحد،
و ِل َيـ ّتع َظ أ��صحاب العقول ال�سليمة.
٢٦١
١١ ١٠ولقد �أر�سلنا -يا محمدِ -م ْن قبلك في الأُمم } ١ﭒﭑ{� :سب َق الكلا ُم على هذه الحروف
الأ ّولين ر�سل ًا .وما ي أ�تيهم من ر�سول يدعو �إلى توحيد الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة .هذه الآيات �آيا ُت
الله وطاعته� ،إلا كانوا ي�سخرون به وي�ستهزئون ،كما الكتاب الذي هو �أعظم الكتب البال ِغ منتهى الكمال
يفعل بك �سفهاء قومك .وهذه ت�سلي ٌة لر�سول الله . بين الكتب المنزلة لهداية النا�س ،و�آيا ُت قر آ� ٍن متل ٍّو يبين
لمن ت أ� ّمله وتد ّبره ال ُّر�شد ِمن الغ ِّي والهدى من ال�ضلال.
١٣ ١٢كما �َس َل ْكنا ما أ�نزلنا من الكتاب في قلوب � ٢سيتم َّنى الذين كفروا يوم القيامة �إذا عاينوا حالهم
المجرمين من ا ألمم ال�سابقة ،كذلك ن�سلك هذا القر�آن
في قلوب أ�هل الظلم والطغيان مك َّذب ًا بما فيه ُم�سته َز أ�ً وحا َل الم�سلمين لو كانوا م�سلمين.
به؛ فلا ي ؤ�منون به ولو ر أ�وا جميع ا آليات الدا ّل ِة على
َ ٣د ْع -أ�يها النبي -ه ؤ�لاء الكفار من قومك في
�صدقك .كذلك �ُس ّنة الله في قومك وفي �سائر الأمم. غفلتهم ي�أكلوا ويتم ّتعوا بل ّذات الدنيا و�شهواتها و ُيلههم
الأمل عن الأخذ بحظهم ِم ْن طاعة الله فيها إ�لى أ�ن
١٥ ١٤ولو فت ْحنا على ه�ؤلاء الكافرين باب ًا من ي أ�تي �أج ُلهم الذي �أ ّجل ُت لهم ،ف�سوف يعلمون غداً �إذا
ال�سماء فظ ّلوا يعرجون فيه ور أ�وا ِعيان ًا ما فيها من دلائل و َردوا على ربهم �أنهم كانوا بكفرهم وتكذيبهم لك في
الـ ُمل ِك والملكوت؛ لقالوا ل َف ْر ِط عنادهم ومكابرتهم:
إ�نما �ُس ّدت أ�ب�صارنا ،وما نراه ما هو �إلا َل ْو ٌن من الخداع َخ�سار و َتباب .وهذا تهدي ٌد ووعي ٌد لهم.
والتخييل ب�سبب �سحر محمد. ٥ ٤وما �أهلكنا أ�هل قرية فيما م�ضى �إ ّل بعد قيا ِم
الـ ُح ّج ِة عليهم وبلوغ أ�جلهم المق َّدر لهم في �سابق علمه
تعالى .ما يتق ّدم هلا ُك �أم ٍة قبل ا ألجل الذي جعله الله
�أجل ًا لهلاكها ،ولا يت�أخر هلا ُكها عنه .وفي هذا تنبي ٌه
للم�ستعجلين بالعذاب من �أهل مكة.
٧ ٦وقال كفار مكة للنبي ا�ستهزا ًء :يا �أيها
الذي ُن ِّزل عليه القر�آ ُن� ،إ ّنك بدعوتك �إ ّيانا إ�لى أ�ن نتبعك
و َن َذر �آلهتنا لمجنون .ه ّل ت أ�تينا بالملائكة ي�شهدون ب�صحة
نب َّوتك و ُي َع ِّ�ضدونك في ا إلنذار إ� ْن كن َت من ال�صادقين
في دعواك.
٨ما نن ِّزل الملائكة إ� ّل إ�ذا قامت الـ ُح ّج ُة وح َّق
العذا ُب ،وما كانوا حين نزول الملائكة بالعذاب ُم َهلين،
بلُ يع َّجل لهم.
٩إ� ّنا نحن ن ّزلنا القر آ�ن -وهو يكفيهم �آي ًة على
�صدقك -و�إ ّنا له لحافظون من كل زيادة أ�و نق�ص �أو
تبديل �أو تحريف.
٢٦٢
�إلا بمقدا ٍر مع َّ ٍي على ح�سب الم�صالح. ١٧ ١٦ولقد جعلنا في ال�سماء الدنيا مناز َل
لل�شم�س والقمر ،ول�سائر النجوم والكواكب تتعلق بها
٢٢و�أر�سلنا الرياح تل ِّقح ال�سحا َب فيمتلئ ما ًء، م�صالـ ُحكم ،و َز َّينا هذه ال�سماء للناظرين ،وحفظناها
ف أ�نزلنا من ال�سحاب مطراً ف�أ�سقيناكموه ،ولي�ست
من كل �شيطان َل ِعين مطرو ٍد من رحمة الله تعالى.
خزائنه ب�أيديكم.
١٨لك ْن قد يختل�س بع�ُض ال�شياطين ال�سم َع من كلام
٢٣و�إ ّنا لنحن نحيي َم ْن كان ميت ًا إ�ذا �أردنا َخ ْلقه �أو أ�هل الملإ الأعلى ،في ْتبعه �شها ٌب من النار َي ْظ َه ُر �أث ُره فيه،
َب ْعثه ،ونميت َم ْن كان ح ّي ًا إ�ذا انق�ضى �أج ُله الذي ق ّدرنا
له ،ونحن نرث الأر�ض و َم ْن عليها ،فكل �شيء هالك إ�ما ب إ�خباله و إ�ف�ساده �أو ب إ�حراقه.
وراج ٌع �إلينا ولا بقاء ولا دوام ألحد �سوانا. ١٩والأر�َض ب�سطناها و أ�لقينا فيها جبال ًا ثواب َت
تحفظها من الا�ضطراب في جريانها ،و�أنبتنا فيها من كل
٢٤ولقد َع ِل ْمنا َم ْن م�ضى ِم ْن الخلق من َل ُدن آ�دم،
و َم ْن هو ح ٌّي اليوم ،و َم ْن �َس ُي ْخلق َب ْع ُد �إلى يوم القيامة. �شيء معلو ٍم مق َّدر.
٢٥و إ� ّن ربك هو يح�شرهم للجزاء ،إ�نه بال ُغ الحكمة ٢٠وجعلنا لكم فيها ما تعي�وشن به ِمن المطاعم
في أ�فعالهَ ،و ِ�سع ع ُلمه كل �شيء. والملاب�س وغيرهما مما يتعلق به البقا ُء ،وجعلنا لكم فيها
٢٦ولقد خلقنا �آدم من �صل�صال ،أ�ي من طين ياب� ٍس َم ْن ل�ستم برازقيه ِمن العيال والخدم والدوا ِّب والطير.
ُي�سمع له �وص ٌت إ�ذا ُن ِقر ،و أ��صل هذا ال�صل�صال حم أ�ٌ ٢١و ما ِم ْن �شيء إ�لا عندنا مفاتيح خزائنه ،وما نن ّزله
َم�سنون ،أ�ي طين �أ�سود متغير الرائحة. ٢٦٣
٢٧و إ�بلي�س خلقناه ِمن قب ِل الإن�سان من نا ٍر �شديدة
الح ِّر ينفذ ر ُيحها في الم�سا ّم.
٢٩ ٢٨وا ْذ ُكر وق َت قوله �سبحانه للملائكة :إ�ني
خالق ب�شراً من �صل�صال من حم ٍ�إ َم�سنون .ف إ�ذا �و ّصرته
فع ّدلت �وصرته ونفخت فيه من روحي ف�صار ب�شراً ح ّي ًا،
فقعوا له �ساجدين �سجو َد تح ّي ٍة و إ�كرام لا �سجو َد عبادة.
٣٠فخلقه الله تعالى ف�س ّواه فنفخ فيه الروح ف�سجد
الملائكة ك ُّلهم بحيث لم ي�ش ّذ منهم أ�حد ،ولم يت أ�خر في
ذلك ال�سجود �أحد منهم عن �أحد.
٣١إ� ّل �إبلي�س ف�إ ّنه َأ� َبى �أن يكون مع ال�ساجدين في
�سجودهم آلدم حين �سجدوا ،فلم ي�سجد له معهم تك ُّباً
وح�سداً وبغي ًا.
٤٨ ٤٧و أ�خرجنا ما في �صدورهم ِمن ال�شحناء ٣٢قال تعالى :يا إ�بلي�س ما منع َك أ�ن تكون مع
والحقد والعداوة ،فهم فيها إ�خوة في المو َّدة والإيمان، ال�ساجدين؟
يقابل بع�ضهم بع�ض ًا على الأَ�س ّرة .لا يم� ّس ه ؤ�لاء المتقين
في الجنات َت َع ٌب ،وما هم منها بمخ َرجين ،بل هم في ٣٣قال �إبلي�س متعالي ًا :لا ي�ص ُّح م ِّني �أن �أ�سجد لب�شر
خلقته من َ�صل�صال من طي ٍن متغ ّ ِي الرائحة.
نعيمها دائمون.
٣٥ ٣٤قال تعالى :فاخر ْج من الجنة ف إ�نك مطرود.
٤٩خ ِّب -يا محمد -عبادي �أني �أنا الغفور للم ؤ�منين و�إ ّنك ُم ْب َعد عن رحمة الله حا ٌّل عليك غ�ض ُبه �إلى يوم
الرحيم بهم.
الـ ُمجازاة ،وذلك يوم القيامة.
٥٠و أ�خبرهم �أي�ض ًا أ�ن عذابي لمن أ��ص ّر على المعا�صي
و�أقام عليها ولم َيت ْب منها هو العذاب المو ِجع الذي ٣٨ - ٣٦قال إ�بلي�س :ر ّب ف إ�ذ أ�خرجتني من الجنة
ولعنتني ،ف�أ ِّخرني �إلى يوم تبعث خلقك من قبورهم
الُ ي�شبهه عذاب. فتح�شرهم لموقف القيامة .قال الله له :ف�إنك ممن ُأ� ِّخر
هلا ُكه إ�لى يوم الوقت المعلوم لهلاك جميع خلقي،
٥١و�أ ْخ ِب عبادي -يا محمد -عن �ضيف إ�براهيم
خلي ِل الرحمن ِمن الملائكة ،الذين دخلوا عليه حين وذلك حين لا يبقى على ا ألر�ض من بني �آدم أ�حد.
�أر�سلهم ر ُّبهم إ�لى قوم لوط ِل ُيهلكوهم. ٤٠ ٣٩قال �إبلي�س :ر ِّب ب�إغوائك لي ألُ َح ِّب َبـ َّن �إليهم
معا�صيك في ا ألر�ض ،ولأ�ض َّلنهم عن �سبيل الر�شاد إ�لا
َم ْن أ�خل�ص َته منهم بتوفيقك فهديته ،ف إ�ن ذلك ممن لا
�سلطا َن لي عليه ولا طاق َة لي به.
٤١قال الله تعالى :هذا � -أ ْي :إ�نجا ُء العباد المخ َل�صين
من �إبلي�س -ح ٌّق عل َّي دائم لا يتخ َّلف.
٤٢إ� ّن عبادي لي�س لك عليهم ُح ّجة ولا قوة قاهرة،
�إلا َمن ا ّتبعك على ما دعو َته �إليه من المع�صية من ال�ضالين
الزائغين عن �سبيل الحق.
٤٤ ٤٣و�إ ّن جهنم لموع ُد إ�بلي�س و أ��شيا ِعه و�أتباعه.
لها �سبع ُة أ�طبا ٍق بع�ضها فوق بع�ض ،لكل طبق منها باب
يدخل منه ِ�صنف من �أتباع �إبلي�س ،ح�سب تفاوتهم في
مراتب الغواية والمتابعة.
� ٤٦ ٤٥إ ّن المتقين الذين �أطاعوني ولم يطيعوا �إبلي�س
في ب�ساتين تجري فيها عيون .يقال لهم :ادخلوا الجنة
ب�سلام ٍة �آمنين من الموت والخرو ِج منها ومن ا آلفات.
٢٦٤
٥٨قال الملائكة :إ� ّنا ُ�أر�سلنا �إلى قوم مقيمين على
المع�صية م�ص ِّرين على مخالفة �أمر الله.
٥٩إ� ّل �أتبا َع لوط على ما هو عليه من الدين ،ف إ� ّنا لن
ُنهلكهم بل ننجيهم من العذاب الذي ُ�أمرنا أ�ن نع ِّذب
به قوم لوط.
٦٠إ� ّل امر أ� َته ق�ضينا وكتبنا �إنها لمن الباقين مع قومها في
قريتهم ب�سبب كفرها ،لي�صيبها ما �سي�صيبهم من العذاب.
٦٢ ٦١فلما أ�تى ر�س ُل الله �آ َل لوط .قال لهم لوط:
إ� ّنا ُن ْنكركم ولا نعرفكم.
٦٤ ٦٣قالوا :بل جئناك بالعذاب الذي كان قومك
فيه ي�ش ّكون .وجئناك بالح ّق اليقين من عند الله.
٦٥ف أ��ْ ِس ب�أهل َك في آ�خر الليل ،و�ِ ْس َخ ْل َفهم ،ولا � ٥٢إذ دخلوا عليه فقالوا� :سلام ًا ،قال �إبراهيم لـ ّما
يلتف ْت منكم وراءه �أح ٌد ،وام�وضا حيث ي أ�مركم الله. َع َر�ض عليهم ا ألكل فلم ي�أكلوا :إ�نا منكم خائفون.
٦٦و أ�وحينا إ�لى لوط �أمراً قاطع ًا في قومه ،وهو �أنهم ٥٣قالوا :لا ت َخ ْف� ،إنا ر�ُسل رب َك نب�شرك بغلام ذي
�س ُيقطع أ��ص ُلهم بالهلاك في ال�صباح. ِعل ٍم كثير.
٦٧وجاء أ�هل مدينة �َس ُدوم -وهم قوم لوط -لـ ّما ٥٤قال إ�براهيم للملائكة الذين ب�ّشوه بغلام عليم:
أ�ُخبروا �أن في بيت لوط أ��ضياف ًا؛ ق�صدوا إ�لى بيته -عليه �أب�شرتموني بالولد مع �أني قد ك ِب �س ّني فب�أ ِّي �شيء تب�ِّشون؟!
ال�سلام -م�ستب�شرين ف ِرحين طمع ًا في أ��ضيافه. ٥٥قالواَ :ب�ّشناك بال�صدق ،فلا تكن من ا آلي�سين.
٦٩ ٦٨قال لوط لقومه� :إ ّن ه�ؤلاء الذين جئتم ٥٦قال �إبراهيم :لا يقنط من رحمة ربه إ�لا الجاهلون
ألجلهم �ضيفي ،وح ٌّق على الرجل إ�كرا ُم �ضيفه ،فلا الذين �ضلوا عن �سبيل المعرفة ال�صحيحة بربهم؛ فهم لا
تف�ضحوني �أيها القوم ،و�أكرموني بترككم التعر�َض لهم ي�ست�شعرون كما َل قدرته ووا�س َع رحمته و َخف َّي �ألطافه.
بالمكروه .وخافوا الله ولا تهينوني ب�إهانة �ضيفي. ٥٧قال :فما �ش أ�نكم ،وب�أ ِّي �شيء جئتم �أيها المر�سلون؟
٧٠قالواَ :أ� َولم نن َهك يا لوط �أن ت�ض ِّيف �أحداً
من العالمين؟
٢٦٥
٧١قال لوط لقومه :ه ؤ�لاء ن�سا�ؤكم -وع َّب ببناتي
ألن النب َّي بمنزلة الأب -فلا تفعلوا ما ح َّرم الله عليكم
من �إتيان الرجال ،إ�ن كنتم فاعلين ما �آم ُركم به ومنتهين
�إلى �أمري!
٧٢وحيا ِتك�-أيهاالنبي�-إنهملفي�َس ْكرتهميتر َّددون.
٧٤ ٧٣ف�أخذتهم �صاعقة العذاب عند �شروق
ال�شم�س .فجعلنا عالي قراهم �سافلها ،ب�أن ُر ِفعت إ�لى
ال�سماء و�ُأ�سقطت مقلوب ًة عليهم ،و�أمطرنا عليهم في
أ�ثناء ذلك حجارة من طين ُطبخ بالنار.
لل ُمتف ِّر�سين لوط لدلالا ٍت �إ ّن في �إهلاكنا قو َم ٧٦ ٧٥
قري�ش إ�لى وا�ضح طري ِق و�إ ّن ُقراهم لبطري ٍق المعتب ِرين،
ال�شام لم َت ْندر�س �آثارها� ،أفلا يعتبرون بهم؟
٧٧إ� ّن في ذلك لدليل ًا ب ّين ًا للم ؤ�منين على ما ُينزل الله
من العذاب عقاب ًا للمجرمين الذين يك ِّذبون ر�سله.
بعمله ،ف�أ ْع ِر�ْض -يا محمد -عن قومك إ�عرا�ض ًا لا ٧٩ ٧٨ولقد كان أ��صحاب ا أَليكة ظالمين،
َج َز َع فيه� .إ ّن ربك هو الذي خلقهم وخلق ك ّل �شيء، بكفرهم و�إخ�سارهم الميزان -وهم قوم �شعيب عليه
ال�سلام ،والأيكة� :أر� ٌض فيها ماء و أ��شجار كثيرة م ْلت َّفة
وهو عالم بهم وبما يدبرون ويفعلون. ُقرب َم ْدين -ف�أهلكناهم ،و إ� ّن مدينتي قوم لوط وقوم
�شعيب لبطري ٍق وا�ضح ي�سلكه الم�سافرون ،أ�فلا تعتبرون
٨٩ - ٨٧ولقد �آتيناك �سبع �آيات من القر�آن هي
فاتحة الكتابُ ،ت َثـ َّنى و ُتعاد تلاوتها في كل �صلاة، بهم يا �أهل مكة؟
و�آتيناك �سائر القر آ�ن العظيم؛ فلا تلتف ْت -يا محمد-
�إلى متاع الدنيا الذي متعنا به ا ألغنياء من قومك على ٨١ ٨٠ولقد ك َّذب أ��صحاب ال ِح ْج ِر -وهو وا ٍد
ما هم عليه من الكفر والظلم .ولا تحزن على تكذيبهم بين المدينة وال�شام وهم ثمود -المر�َسلين ،بتكذيبهم
لك وعدم ا�ستجابتهم �إلى ما تدعوهم �إليه ،و أ� ِل ْن جانبك �صالح ًا لأن في تكذيبه تكذيب ًا لكل المر�سلين .و َأ�رينا
للم�ؤمنين وا ْرفق بهم .وقل :إ�ني أ�نا المنذر بالآيات الب ِّينة قو َم �صالح �أد ّلتنا و ُحججنا على �صحة ما بع ْثنا به إ�ليهم
والحجج الوا�ضحة الـ ُمظ ِه ُر للنا�س جميع ًا ما �سي�صيبهم ر�سولنا �صالح ًا ومن ُجملتها الناقة ،فكانوا عن �آياتنا التي
من العذاب إ� ْن هم لم ينتهوا ع ّما هم عليه من الكفر
آ�تيناهم معر�ضين ،لا يعتبرون بها ولا ي ّتعظون.
والتكذيب والعناد.
٩٠أُ�نذركم يا م�شركي قري�ش أ� ْن ي�صيبكم عذا ٌب ٨٤ - ٨٢وكانوا ينحتون من الجبال بيوت ًا َح�صين ًة
كما نزل بالمتحالفين الذين اتفقوا على مخالفة ا ألنبياء آ�منين أ�ن ينالهم عد ٌّو �أو ي�صيبهم فيها مكروه .ف�أخذتهم
�صيحة الهلا ِك وق َت ال�صباح .فما َد َف َع عنهم العذا َب ما
وتكذيبهم و�أذاهم.
كانوا يك�سبون ِم ْن بناء الح�وصن وجمع ا ألموال.
٢٦٦
٨٦ ٨٥وما خلقنا ال�سماوات وا ألر�ض وما بينهما
إ�لا بالح ّق ،و إ�ن ال�ساعة آلتية لا َمحال َة فيجازى ك ُّل أ�حد
ال�صدر والحرج بالت�سبيح والتقدي�س ُمتل ِّب�س ًا بحمده،
و ُك ْن من الم�صلين؛ َي ْك ِفك ويك�شف الغ َّم عنك .و ُد ْم
على عبادة ربك حتى ي أ�تيك الموت الذي هو أ� ْم ٌر مو َقن
به.
� ١أتى �أم ُر الله ف َق ُر َب منكم أ�يها النا�س ودنا فلا ٩٣ - ٩١الذين جعلوا كتبهم المنزل َة عليهم �أجزاء،
ت�ستعجلوا ُوقوعه -وقد كان الكفار ي�ست ِخ ُّفون ب إ�نذار حيث آ�منوا ببع�ض وكفروا ببع�ضَ .ف َوربك لن�س�أل ّنهم
النبي في�ستعجلون قيام ال�ساعة وعقابهم في الدنيا-
تن ّزه وتق ّد�س بذاته ،وج َّل عن �أن يكون له �شريك مما �أجمعين يوم القيامة عما كانوا يعملون في الدنيا.
ي�شركون به ،فيدفع ما أ�راد اللهُ بهم بوج ٍه ِمن الوجوه.
٩٤فا ْج َه ْر -يا ر�سول الله -بما ت�ؤمر ولا تلتف ْت إ�لى
وهذا تهدي ٌد للكافرين لعلهم يرتدعون. ما يقول الم�شركون ولا ُتبا ِل بهم.
٢ين ِّزل الله جبري َل بالوحي على َمن ا�صطفاه واختاره � ٩٥إ ّنا كفيناك -يا محمد -الم�ستهزئين ،الذين
لر�سالته والتبليغ عنه� ،أَ ْن خ ِّوفوا الكافرين من العذاب، ي�ستهزئون ب َك و َي�سخرون منكِ ،م ْن ر ؤ��ساء قري�ش
و�أع ِلموهم �أنه لا �إله �إلا أ�نا ،فخافوني و�أطيعوا أ�مري. وغيرهم.
٣هو الذي خلق ال�سماوات وا ألر�ض خلق ًا ٩٦الذين يجعلون مع الله إ�له ًا �آخر ف�سوف يعلمون
بمقت َ�ضى الحكمة ،لا عبث ًا ولا باطل ًا ،منفرداً ب�إيجادهما عاقب َة َ�أ ْمرهم يوم القيامة.
من غير ُمعين ولا �شريك ،تق ّد�س وعلا عما ي�شركون به
٩٧ولقد َع ِلمنا -يا محمد -أ� ّنك ي�ضيق �صد ُرك بما
من ا أل�صنام وغيرها ،التي لا َتقدر على خلق �شيء. يقول ه�ؤلاء الم�شركون ِم ْن قومكِ ،م ْن تكذيبهم إ� ّياك
٤وخ َلق الإن�سان من ماء قلي ٍل م�ستح َقـ ٍر ،ف�إذا هو وا�ستهزائهم بك وبما جئتهم به.
مجاد ٌل لخ�وصمه ُم ِبي ٌن لحجته ،من ِك ٌر على خالقه.
٩٩ ٩٨فا ْف َز ْع �إلى الله تعالى فيما َنا َبك من ِ�ضي ِق
٥و ِم ْن ُحججه عليكم -أ�يها النا�س -ما خلق
لكم من ا ألنعام -وهي ا إلبل والبقر والغنم -ف�س ّخرها ٢٦٧
لكم ،وجعل لكم من �وصفها ووبرها و�شعرها ملاب�س
َت�ستدفئون بها ،ومناف َع من أ�لبانها ،وتركبون ظهورها،
وت أ�كلون من لحومها.
٦ولكم فيها زين ٌة وبهج ٌة و�سرو ٌر حين تر ُّدونها
بالع�ش ِّي من َمراعيها �إلى مراحها الذي ت أ�وي �إليه ،وحين
تخرجونها �صباح ًا ِم ْن حظيرتها �إلى مراعيها.
٧و ِمن هذه الأنعام ما يحمل �أثقالكم �إلى بلد �آخر
لم تكونوا با ِلغيه إ�لا بجهد من �أنف�سكم �شدي ٍد وم�ش ّق ٍة
عظيمة ،إ�ن ربكم لر�ؤوف رحيم بكم حيث خلقها لكم.
٨و َخ َل َق الخيل والبغال والحمير لكم �أي�ض ًا ،وجعلها
لكم زين ًة تتزينون بها مع المنافع التي فيها لكم كالركوب
وغير ذلك ،ويخلق من و�سائل الركوب وغيرها ما لا
علم لكم به.
٩وعلى الله بيا ُن الطريق الم�ستقيم ،ب إ�ر�سال الر�سل
و إ�نزال الكتب و َن ْ�ص ِب الدلائل وبيان الـ ُحجج ،ومن
ال�ُّسبل حائ ٌد عن الا�ستقامة وهي ِملل الكفر و ِن َح ُل
ا ألهواء الـ ُم ِ�ض ّلة ،ولو �شاء لهداكم �أجمعين فلا يزيغ
أ�حد منكم عن ال�صراط الم�ستقيم ،لكنه �شاء أ�ن تهتدوا
إ�ليه باختيا ٍر منكم.
في ت�سخير الله ذلك لدلالا ٍت وا�ضحا ٍت لقوم يعقلون ١٠والذي أ�نع َم عليكم هذه النعم وخلق لكم الأنعام
ُح َج َج الله ويفهمون عنه تنبيهه �إيّاهم. والخيل و�سائر البهائم ،هو الر ُّب ،الذي �أنزل من ال�سماء
ما ًء ،لكم منه �شراب ت�شربونه ،ولكم منه �شجر ونبات،
١٣وما َخ َلق لكم في الأر�ض من حيوان ونبات
مختلف الأ�شكال وا أل�صناف وا أللوان دلي ٌل قاطع َترعى فيه �أنعامكم من غير كلفة أ�و م�ش ّقة.
على كمال قدرة الله� ،إن في ذلك لدلالة وا�ضحة لقو ٍم
ُ ١١ينبت الله لكم بالماء الذي أ�نزل من ال�سماء الزرع
يتعظون. والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات� ،إن في
١٤و�س ّخر لكم البح َر بحيث تتمكنون من الانتفاع هذا ا إلنزال وا إلنبات آلي ًة دال ًة على قدرته ووحدانيته
به ،بركوبه والغو�ص فيه والا�صطياد منه؛ لت أ�كلوا منه تعالى لقوم يتفكرون في ُ�صنعه في�ؤمنون ببالغ حكمته
لحما طري ًا ،من ال�سمك وغيره ،وت�ستخرجوا منه ِح ْلية
كالل�ؤل�ؤ والمرجان تلب�سونها ،وترى ال�سفن جواري وعظيم قدرته.
فيه؛ لتبتغوا من �سعة رزقه بركوبها للتجارة ،ولعلكم
تعرفون حقوق ِن َعمه الجليلة فتقوموا ب�شكرها بالتوحيد ١٢و ِم ْن ِنعمه عليكم � -أيها النا�س -مع التي ذكرها
َق ْب ُل أ�ن �س ّخر لكم الليل والنهار يتعاقبان عليكم ،هذا
والطاعة. ل َت َ� ُّصفكم في َمعا�شكم وذاك ل�سكنكم فيه ،و�س ّخر
ال�شم�س والقمر ،بهما تعرفون �أوقات �أزمنتكم،
ول�صلاح َمعاي�شكم ،والنجو ُم م�سخرا ٌت لكم ب أ�مر الله
تجري في َف َلكها لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر� ،إ ّن
٢٦٨
ُت�س ُّرون في أ�نف�سكم فتخفونه عن غيركم ،وما تعلنونه ١٥و أ�لقى في الأر�ض جبال ًا ثوابت لئلا ت�ضطرب
ب أ�ل�سنتكم وجوارحكم و أ�فعالكم ،وهو ُمح�ٍص ذلك بكم ،وجعل فيها أ�نهاراً ،و ُطرق ًا لعلكم تهتدون
كله عليكم حتى يجازيكم به يوم القيامة. إ�لى مقا�صدكم.
٢٠وا أل�صنا ُم التي تعبدون من دون الله وتتو ّجهون ١٦و َجعل علامات في ا ألر�ض من جبال و ِفجاج
�إليها بالدعاء ،لا يخلقون �شيئ ًا وهم ُي�صنعون و ُي َ�ص َّورون وغيرها ت�ستدلون بها نهاراً على الطرق في �سيركم
و�أ�سفاركم .وبالنجوم التي �سخرها الله في ال�سماء هم
من الحجارة وغيرها.
يهتدون ليل ًا في ظلمات البر والبحر.
٢١هذه ا أل�صنام جمادات �أموات لم تكن لها حياة
َق ّط ولا تكون ،ولا يعلمون متى ولا كيف يكون َب ْع ُث � ١٧أف َمن يخلق هذه الخلائق العجيبة التي ع ّددناها
َم ْن يتوجهون إ�ليهم بالعبادة ،فكيف ُتعبد من دون عليكم ،و ُينعم عليكم هذه ال ِّنعم العظيم َة ،ك َم ْن لا
الله؟! إ�ذ لا يكون إ�له ًا إ�لا الخالق الحي العالم بوقت
يخلق �شيئ ًا ولا ُينعم عليكم نعم ًة �صغير ًة وال كبير ًة؟
البعث القادر عليه.
١٨و�إ ْن َتعدوا نعمة الله لا ُتطيقوا َح ْ�صها ولا
� ٢٢إلهكم الذي ي�ستحق عليكم العباد َة و إ�فرا َد الطاعة الإحاطة بها عدداً وعلم ًا ،ف�ضل ًا عن القيام بح ّقها �شكراً
له دون �سائر ا أل�شياء �إل ٌه واحد ،فالذين لا ي�ص ِّدقون بوعد وعمل ًا .إ� ّن الله لغفور رحيم؛ حيث ُينعم عليكم مع
الله ووعيده ولا ُيق ّرون بالـ َمعاد إ�ليه بعد الممات قلو ُبهم
تق�صيركم وع�صيانكم.
جاحد ٌة للوحدانية ،وهم متكبرون عن ا إليمان بها.
١٩والله -الذي هو إ�لهكم �أيها النا�س -يعلم ما
٢٣ح ّق ًا �إ ّن الله يعلم ما ُي�س ُّر ه�ؤلاء الم�شركون من
�إنكارهم ما ذكرنا من ا ألنباء في هذه ال�سورة ،ويعلم
ما يعلنون من كفرهم به تعالى وافترائهم عليه� ،إ ّن الله لا
يحب الم�ستكبرين عن توحيده والطاعة له.
٢٤و�إذا قيل له ؤ�لاء الم�شركين الذين لا ي�ؤمنون
با آلخرة :أ� ّي �شيء أ�نزل ربكم؟ قالوا :أ�نزل ما �َس َّط َر ُه
ا ألولون من ا ألباطيل.
٢٥ليحملوا في عاقبة ا ألمر ذنو َبهم؛ لم ُيك َّفر منها
�شيء يوم القيامة ،ويحملوا مع ذلك بع�َض ذنوب الذين
ُي�ضلونهم بغير علم؛ ألنهم دعوهم إ�لى ال�ضلال فاتبعوهم
فا�شتركوا في ا إلثم ،أ� َل بئ�س ال ِحم ُل الذي يحملون.
٢٦قد م َكر الم�شركون الذين كانوا قبل ه ؤ�لاء،
ودبروا المكائد لخداع النا�س بالباطل و�ص ِّدهم عن �سواء
ال�سبيل ،فك�شف الله خداعهم و أ�َ ْب َطل تدبيرهم ،و َه َد َم
بنيانهم من �أ�صله ،فوقع �سق ُفه عليهم ،وجاءهم العذاب
ِم ْن حيث لا يتوقعون.
٢٦٩
٢٧ثم ب ّي �سبحانه أ�ن عذاب الذين مكروا غير
مق�وصر على عذاب الدنيا فقط؛ بل يوم القيامة
يخزيهم ب إ�دخالهم النار ويف�ضحهم بالعذاب و ُي ِذلهم
به ويهينهم ،ويقول الله تعالى مق ِّرع ًا لهم ومو ِّبخ ًا:
أ�ين �شركائي من ا آللهة التي عبدتموها ِم ْن دوني وكنتم
تعاندون و ُتا ّجون الأنبياء والم�ؤمنين في ربوبيتهم؟! قال
الذين آ�تاهم الله العلم من ا ألنبياء والر�سل وال�صالحين :إ� ّن
ال ِّذلة والف�ضيحة والعذاب على الكافرين في هذا اليوم.
٢٨يخبر تعالى عن حال الم�شركين الظالمي �أنف�سهم
عند احت�ضارهم ومجيء الملائكة �إليهم لقب�ض �أرواحهم:
ف�أظ َهروا ال�سم َع والطاعة والانقياد قائلين كذب ًا :ما ك ّنا
نعمل �شيئ ًا من ال�شرك ،فتجيبهم الملائكة :بلى� ،إ ّن الله
عليم بما كنتم تعملون ،والله يجازيكم على �سوء عملكم.
٣٢يجزي الله هذا الجزا َء للمتقين الذين َت ْق ِب�ض ٢٩يقال له�ؤلاء الظلمة أ�نف َ�سهم حين يقولون لربهم:
�أروا َحهم ملائك ُة الله ،وهم طيبون بتطييب الله �إياهم. ما ك ّنا نعمل من �سوء :ادخلوا أ�بواب جهنم � -أي
تقول الملائكة تطمين ًا لهم� :سلا ٌم عليكم ،أ�ي :أ�ما ٌن ِل َي ْدخ ْل ك ُّل ِ�صنف طبق َته في جهنم من الباب الذي �ُأع ّد
عليكم من كل مكروه ،و أ�ب ِ�شوا بدخول الجنة بما كنتم ألمثاله في المع�صية -ما ِكثي َن فيها ،فلبئ�س َمنزل َم ْن تك ّب
تعملون من �صالح الأعمال التي و ّفقكم الله �إليها بف�ضله على الله ولم يق ّر بربوبيته ،وي�ص ّدق بوحدانيته.
وتق َّبلها منكم برحمته. ٣٠وقيل للفريق الآخر ،الذين هم �أهل �إيما ٍن وتقوى
لله :ماذا َأ� ْن َز َل ر ُّب ُكم على ر�سو ِل ِه؟ قالوا :أ�نزل الله عليه
٣٣هل ينتظر ه ؤ�لاء الم�شركون �إلا �أن ت�أتيهم الملائكة الخير والهدى ،وهو القر آ�ن العظيم ،ثم أ�خبر �سبحانه
ع ّما َو َع َد به عباده المح�سنين من حيا ٍة طيبة في الدنيا،
لقب�ض �أرواحهم ،أ�و ي أ�تي �أمر ربك بح�شرهم لموقف وجن ٍة في ا آلخرة؛ ولدار ا آلخرة لهم خير و�أف�ضل مما
القيامة؟! كذلك َف َع َل أ��سلا ُفهم من الكفرة بالله ،وما أُ�وتوه في الدنيا؛ و ِن ْع َم دا ُر ا آلخرة دارهم.
ظلمهم الله ب إ�حلال �سخطه بهم ،ولك ْن كانوا �أنف َ�سهم
٣١هي جنا ُت �إقامة دائمة يدخلونها ،تجري ِم ْن تحت
يظلمون بمع�صيتهم ر َّبهم وكفرهم به. ب�ساتينها وق�وصرها ا ألنهار ،لهم فيها ما تم ّنوه و�أرادوه.
وبم ْث ِل هذا يجزي الله الذين اتقوه ب�أداء فرائ�ضه واجتناب
٣٤ف أ��صابهم جزا ُء �سيئا ِت ما عملوا ،و أ�حاط بهم
عذا ُب الله الذي كانوا منه ي�سخرون. نواهيه.
٢٧٠
37إ� ْن تجتهد -يا محمد -غاي َة الاجتها ِد طلب ًا لهداية
ه ؤ�لاء الم�شركين ،لم ينفعهم اجتهادك �شيئ ًا� ،إذ لا هادي
لمن �أ�ض ّله الله ،ولي�س لهم نا�صرٌ ُينقذهم من عقابه.
38و َ�أق�سم ه ؤ�لاء الم�شركون مبالغين في توكيد �أيمانهم
ب أ� ّن الله لا يبعث َمن يموت ،بلى يبعثهم اللهَ ،و َع َد بذلك
عباده وعداً �صادق ًا ح ّق ًا ،ولك ّن �أكثر ال ّنا�س لا يعلمون
كمال قدرته وبا ِل َغ حكمته �سبحانه ،فينكرون البعث.
39ليب ّي الله للنا�س -يوم البعث -ما كانوا يختلفون
فيه من الحق والباطل؛ وليعلم الذين �أنكروا حقيقة البعث،
أ�نهم كانوا كاذبين في قولهم :لا َب ْع َث بعد الموت.
� 40إ ّنا إ�ذا أ�ردنا َخ ْل َق �شي ٍء أ�و �إن�شا َءه ،ف�إنما نقول له:
«كن» فيكون بلا معاناة فيه ولا م�شقة.
41والذين تركوا ديارهم و�أوطانهم في �سبيل الله، 35هذا �إخبا ٌر من الله أ� ّن م�شركي مكة قد جادلوا عن
ِم ْن بعد ما ُع ِّذبوا و�ُأوذوا ،ل ُن�ْسكن ّنهم في الدنيا م�سكن ًا �ِشكهم وتحريمهم ما أ�ح َّل الله ،بالق�ضاء والقدر .قالوا:
�صالح ًا ير�وضنه ،و َلثوا ُب الله لهم على هجرتهم في
ا آلخرة أ�عظم مما �أعطيناهم في الدنيا .لو كان الذين لو �شاء الله تعالى لنا عبا َد َته وحده لعبدناه نحن و�آبا�ؤنا
كفروا يعلمون منزلتهم! الذين هم قدوتنا ،وما ح َّرمنا �شيئ ًا لم يح ِّرمه ،لك ْن لم
ي�ش�أ .وبم ْث ِل هذه الحجة الباطلة التي تنفي عن الإن�سان
42ه�ؤلاء المهاجرين في �سبيل الله هم الذين �صبروا
في الله على ما نالهم في الدنيا ،وبالله يثقون في �أمورهم م�س ؤ�وليته وقدرته على الاختيار احت َّج الكفار ال�سابقون
على ُر�ُسلهم ،فلي�س على الر�سل المن ِذرين لهم إ�لا التبلي ُغ
كلها.
الوا�ضح لما ُك ّلفوا به.
36ولقد أ�ر�سلنا في ك ّل �أمة من الأمم ال�سابقة ر�سلا ًو،
ي�أمرهم ب�أن يعبدوا الله ،و�أن يتركوا ك َّل معبود دونهِ :م ْن
�أ�صنا ٍم وغيرها ممن يدعو إ�لى ال�ضلال ،ف ِم ْن ه�ؤلاء الأمم
َم ْن هداه الله ،ومنهم َم ْن كفر وك ّذب ،ف�سيروا َ -معا�شر
المخاطبين -في البلاد ِل َتوا ماذا ح َّل به ؤ�لاء المك ّذبين ِم ْن
�سخط الله وعقابه.
٢٧١
51وقال الله لعباده :لا تجعلوا لي �شريك ًا ،ولا تعبدوا 43وما أ�ر�سلنا من قبلك �إلى الُأمم الما�ضية
معبو َد ْين� ،إنما �إلهكم معبو ٌد واحد ،ف إ� ّياي فاتقوا. -يا محمد -إ�لا ب�شراً ،ننزل عليهم َو ْحينا ،فا�س�ألوا
وخافوا عقابي إ�ن ع�ص ْيتموني وعبدتم غيري ،أ�و �أ�شر ْكتم أ�هل العلم من اليهود والن�صارى إ� ْن كنتم لا تعلمون هل
في عبادتكم لي �شريك ًا. كانت الر�سل ب�شراً َ�أم ملائكة!؟
52ولله ما في ال�سماوات وا ألر�ض َخ ْلق ًا وتدبيراً، 44وما �أر�سلنا من قبلك إ� ّل رجال ًا� ،أر�سلناهم
وله الطاعة والإخلا�ص دائم ًا ثابت ًا� ،أف َغي َر الله بالـ ُحجج ال�شاهدة على نب َّوتهم ،وبالكتب الهادية
المب ّينة ،و أ�نزلنا �إليك -يا محمد -القر آ�ن لتب ّي ا ألحكام
َت ْرهبون وتحذرون؟!
53وما َي ُكن بكم � -أيها النا�س -من نعمة في وال�شرائع للنا�س ،وليتفكروا ويعتبروا بما فيه.
دينكم �أو أ�بدانكم �أو �أهليكم أ�و أ�موالكم ...فمن الله،
هو الم ْنعم بذلك عليكم ،ثم �إذا أ��صابكم بلاء أ�و ِ�ش َّدة 45أ�ف َ�أ ِم َن الذين َي�ْس َت�سلون في اقتراف الذنوب
في �شيء مما تف َّ�ضل الله به عليكم ،ف�إلى الله ت�صرخون وتدبير المكائد �أن يخ�سف الله بهم ا ألر�ض -كما ُفعل
بقارون -أ�و ي�صي َبهم العذا ُب وهم على حا ٍل من الغفلة
بالدعاء؛ ليك�شف ذلك عنكم.
وال�شعور با ألمن؟!
54ثم �إذا َرفع الله عنكم ما أ��صابكم من مر�ض و�ش َّدة،
وف َّرج البلاء عنكم ،إ�ذا جماع ٌة منكم يجعلون لله �شريك ًا 46أ�و ُيهلكهم الله بالعذاب في أ�ثناء �َس ْع ِيهم
ومتاجرتهم و�أ�سفارهم ،ف�إنهم لا ُيعجزونه في ذلك� ،إن
في عبادتهم� ،شكراً لغير َم ْن أ�نعم عليهم بالفرج.
أ�راد �أ ْخ َذهم.
٢٧٢
� 47أو ي�أخذهم الله وهم على حا ٍل من الخوف وتو ُّق ِع
نزول العذاب؛ ف�إ ّن ر ّبكم لر�ؤوف رحيم؛ حيث لم
ي ُعاجلهم بالعقوبة وهو القادر على إ�نزال العذاب بهم
و إ�هلاكهم بما �شاء ووق َت ما �شاء.
� 48أ َولم ينظر ه ؤ�لاء الكفار نظر َة ت�أ ُّم ٍل واعتبار
�إلى ما خلق الله من �شيء من الأ�شياء التي لها ظ ٌّل
كال�شجر والجبال ،كيف تمتد ظلالها ثم تتراجع �شيئ ًا
ف�شيئ ًا عن اليمين وال�شمال ،منقاد ًة لله تعالى خا�ضعة
له تمام الخ�وضع؟
49ولله يخ�ضع وينقاد كل ما َيد ّب ويتحرك في
ال�سماوات والأر�ض ،اختياراً وطوع ًا أ�و ا�ضطراراً
و َك ْره ًا .وله �سبحانه ت�سجد الملائكة وهم لا ي�ستكبرون
عن عبادته والخ�وضع له.
50وجميع الملائكة يخافون ر َّبهم من فوقهم،
ويفعلون ما ي ؤ�مرون به من الت�سبيح والعبادة له وتنفيذ
�أوامره تعالى في خلقه.
59ي�ستخفي هذا الـ ُم َب�َّ ُش بلاودة ا ألنثى عن أ�َ ُعين 55ل َي ْجحدوا بذلك نعمة الله ،فيما آ�تاهم من َك�ْش ِف
النا�س؛ ِمن �سوء الذي ب�ّشه النا�س به ،أ�يت ُركها وهي ال�ض ِّر عنهم ،فتم ّتعوا � -أيها الجاحدون -في هذه الدنيا
مهان ٌة عنده -على رغم �أنفه� -أم يدفنها ح ّي ًة في التراب؟ �إلى انتهاء �آجالكم ،ف�سوف تعلمون عاقب َة أ�مركم .وهذا
بئ�س الـ ُحكم الذي حكموا به؛ حيث ن�سبوا لخالقهم
من الله وعي ٌد لهم.
البنات اللاتي هي عندهم بهذا المح ِّل. َ 56يخ�ُّص ه�ؤلاء الم�شركون أ�وثا َنهم بجز ٍء مما رزقهم
الله من ا ألموال ،والل ِه -أ�يها الم�شركونَ -ل َي�س أ�ل َّنكم ر ُّبكم
60له�ؤلاء الم�شركين الذين جعلوا لله البنات ،القبي ُح يوم القيامة ،ع ّما كنتم َت ْخ ِتل ِقونه من الباطل وا إلفك على
ِمن الـ َم َثل ،الذي ي�سوء �صاح َبه ،ولله المثل ا ألعلى ،وهو
ا ألف�ض ُل وا ألطي ُب وا ألح�س ُن وا ألجم ُل ِمن ا ألمثال الله بدعواكم له �شريك ًا.
و�صفا ِت الكمال ،وهو العزيز في ملكه ،الحكيم في
57ويجعل ه ؤ�لاء الم�شركون �أي�ض ًا البنا ِت لله الذي
َخلقه. َخ َلقهم و�أنعم عليهم ،ولا ينبغي �أن يكون لله ول ٌد -ذكر
ولا أ�نثىُ -ي َن ِّزه ج َّل جلاله بذلك نف�سه عما ن�سبوا �إليه
61ولو ي ؤ�اخذ الله بني آ�دم بمعا�صيهم ،ما َترك على من البنات ،ويجعلون ألنف�سهم ما ي�شتهون من البنين.
ا ألر�ض ِمن دا ّبة تد ّب عليها وتتحرك فوقها ،ولكنه
ب ِح ْلمه ي�ؤ ّخر ه ؤ�لاء الظلمة �إلى الوقت الذي ح َّدده 58و إ�ذا ُب�ِّش أ�ح ُد ه�ؤلاء الذين جعلوا لله البنات،
لهم ،ف�إذا جاء وقت هلاكهم فلا ي ؤ� َّخرون ولا يق َّدمون. بلاودة البنت� ،صار وجهه م�ْسو ّداً من كراهته لها ،وهو
62ويجعل ه�ؤلاء الم�شركون ما يكرهونه ألنف�سهم ممتلئ غ ّم ًا وحزن ًا وغ�ضب ًا.
من البنات لله تعالى ،وتقول أ�ل�سن ُتهم الكذب :لنا
الذكو ُر ولله البنا ُت ،ح ّق ًا واجب ًا �أ ّن له�ؤلاء القائلين النا َر ٢٧٣
يوم القيامة ،و�أنهم ُمع َّجلون �سابقون �إليها.
63والله -يا محمد -لقد أ�ر�سلنا ر�سل ًا ِمن قبلك
إ�لى �ُأممهمِ ،بثل ما أ�ر�سلناك إ�لى أ� ّمتك ،فك ّذبوهم؛
فح�َّسن لهم ال�شيطان �أعمالهم القبيحة ،فهو ول ُّيهم في
الدينا ُيعينهم على الكفر والمعا�صي ،ولهم في الآخرة
عذا ٌب �شديد الإيلام .وهذه ت�سلي ٌة للنبي ب أ� ّنه ُك ِّذب
كما ُك ِّذب ْت ر�س ٌل من قبله ،و أ��صابه من الأذى كالذي
أ��صابهم.
64وما �أنزلنا -يا محمد -عليك القر آ�ن إ�لا ل ُتب ِّي
لل ّنا�س ما اختلفوا فيه من أ�مور ال ِّدين ،فتم ّيز لهم الحق
من الباطل ،فتقوم الحجة عليهم ببيانك ،وهذا القر آ�ن
هداية لل ّنا�س ورحمة لقوم ي ؤ�منون به ،وي�ص ِّدقون بما فيه.
71واللهُ ف َّ�ضل بع َ�ضكم على بع�ض في الرزق الذي 65واللهُ هو الذي أ�نزل من ال�سماء ما ًء ف أ�حيا به
رزقكم ،فما الذين ف َّ�ضلهم الله على غيرهم بم�شركي ا ألر�َض و أ�نبت فيها �أنواع ًا �ش ّتى من النبات بعد أ�ن كانت
مماليكهم فيما رزقهم اللهُ ،حتى ي�ستووا فيه جميع ًا� ،إذ لا زر َع فيها ولا ُع�شب� ،إ ّن في ذلك لدليل ًا وا�ضح ًا على
هم لا ير�وضن ب أ�ن يكونوا هم وممالي ُكهم فيما رزق ُتهم قدرة الله على البعث ،وا�ستحقا ِقه للعبا َدة دون غيره،
�سواء ،فكيف ير�ضى هو تعالى بم�ساواة عبي ٍد له في
الإلهية والتعظيم؟ أ� َف ِبنعمة الله التي �أنعمها على ه�ؤلاء لقو ٍم ي�سمعون هذا القول فيتدبرونه ويعقلونه.
الم�شركين يجحدون فيجعلون لله في �سلطانه و ُملكه
66و إ� ّن لكم -أ�يها النا�سَ -ل ِعظ ًة في ا إلبل والبقر
�شريك ًا ِم ْن َعبيده وخلقه؟! والغنم ن�سقيكم مما في بطونها لبن ًا نخرجه لكم من بين
72واللهُ هو الذي َخ َل َق �آدم ،ثم خلق زوجته منه، َفر ٍث -وهو ما في ال َك ِر� ِش ِم ْن َف َ�ضلا ٍت -ودم خال�ص ًا
وجعل لكم من ِج ْن�سكم أ�زواج ًا ،ثم جعل لكم من من مخالطتهما� ،سائغ ًا لل�شاربين الُ يغ�ّص به للذته
�أزواجكم بني َن و�أبنا َء بنين ،ورزقكم ِم ْن حلا ِل المعا�ش
وا ألقوات� ،أفبالباطل ِمن ا أل�صنام وما ُيعبد ِمن دون الله وطيب طعمه.
ي ؤ�منون ،وب ِنعم الله الوا�ضح ِة الجل ّي ِة هم يكفرون؟! وهي
التي ت�ستح ُّق منهم �شكره تعالى ،و إ�خلا�َص العبادة له. 67ولكم �أي�ض ًا � -أيها النا�س -عبرة في ثمرات
٢٧٤ النخيل والأعناب ،تتخذون منه �شراب ًا ُم�ْسكراً ورزق ًا
ح�سن ًا -وفي هذا تمهيد لتحريم ك ِّل م�سكر بالتنبيه على
ُمغايرته للرزق الح�سن -إ� ّن في ذلك لدلال ًة وا�ضح ًة
على قدرة الله وا�ستحقاقه و ْح َده للعبودية لقو ٍم يعقلون
عن الله تعالى ُحججه.
69 68و َ�أ ْل َه َم ر ُّبك -أ�يها الر�سول -النح َل أ� ِن
اتخذي من الجبال بيوت ًا ،ومن ال�شجر ،ومما َيبني النا� ُس
من ا ألغ�صان ونحوها على هيئة ال�سقوف .ثم ُكلي من
كل الثمرات فا�سلكي ُط ُر َق ربك ُم َذ َّلل ًة وم�سخرة ل ِك،
َيخر ُج من بطونها ع�س ٌل مختلف أ�لوانه ،فيه �شفاء من
ا ألمرا�ض التي �شفا ؤ�ها فيه� ،إ ّن في ذلك لدلال ًة و ُح ّج ًة
وا�ضح ًة �أ ّنه الواحد الذي لي�س كمثله �شيء ،و�أ ّنه
ال ينبغي �أن يكون له �شريك ،ولا َت�ص ُّح الأُلوهية �إ ّل له.
70واللهُ خلقكم � -أيها النا�س -و أ�َ ْوجدكم ولم
تكونوا �شيئ ًا ،ثم يقب�ضكم ،ومنكم َم ْن َي ْهرم في�صير �إلى
َأ� ْرد ِ�إ مراحل العمر و أ��سوئها ،لئلا َيعلم �شيئ ًا بعد عل ٍم كان
يعلمه في �شبابه ،إ� ّن الله علي ٌم بك ِّل ما كان ويكون ،قدي ٌر
على ما �شاء ،ال يجهل �شيئ ًا ،ولا ُيعجزه �شي ٌء �أراده.
بل �أكثرهم لا يعلمون ما ُذ ِكر فيتوجهون بالعبادة إ�لى
غيره و ُي�ضيفون ِن َعمه �سبحانه إ�لى َمن لا يملك لهم �ضراً
ولا نفع ًا.
76و�ضرب اللهُ مثل ًا �آخر يد ُّل على ما د َّل عليه
المث ُل ال�سابق على وج ٍه يزيده و�وضح ًا وبيان ًا :رجلين،
�أح ُدهما أ�خر�س ال ي�ستطيع القيا َم ب�شيء من ا أل�شياء
المتعلقة بنف�سه أ�و بغيره ،وهو ثقي ٌل على َم ْن يعوله ويلي
�أمره ،لا ينجح في أ�ي �أمر ُو ِك َل �إليه ،و�آخر ِم ْنطي ٌق ذو
ر�أ ٍي وكفاي ٍة و ُر�ش ٍد وا�ستقام ٍة وهد ًى ،ينفع النا�س ِبح ِّثهم
على العدل الجام ِع لمجام ِع الف�ضائل ،فكما لا يت�ساوى
هذان فلا يمكن �أن ت�ساووا -أ�يها الم�شركون -بين الله
والأوثان.
77ولله وحده عل ُم ا ألمور الغائبة عن المخلوقين ،وما 73ويعب ُد ه�ؤلاء الم�شركون من دون الله �أوثان ًا لي�س لها
�أم ُر ال�ساعة -التي هي َأ�عظ ُم ما وقع فيه الجدل وال�ش ّك من الَأ ْمر �شيء ،لا َتقدر على �إنزال َق ْط ٍر من ال�سماوات،
من الغيوب� -إلا كنظر ٍة خاطف ٍة بالب�صر؛ بل هو أَ��سرع ولا على إ�خراج �شيء من نبات ا ألر�ض وثما ِرها لهم.
من ذلك ،إ� ّن الله عظيم القدرة لا يعجزه �شيء أ�راده. 74فلا ُت�ش ِّبهوا الخالق بالمخلوق ،ولا ُت ْث ِبتوا للأ�صنام
�صف ًة من �صفات ا إلله ،ف إ�نه لا ِم ْثل له وال�ِ ش ْبه ،واللهُ
78واللهُ �أخرجكم من �أرحام أ�مهاتكم لا تعلمون يعلم خط�أ أ�مثا ِلكم وف�سا َد �أقي�ستكم ،و أ�نتم ال تعلمون
�شيئ ًا ،ولكنه َر َّكب فيكم و�سائ َل الإدرا ِك وتح�صي ِل
المعرفة ،فجعل لكم ال�سمع وا ألب�صار والأفئدة لت�سمعوا �وصاب ذلك من خ َطئه.
وتروا وتعقلوا ،لعلكم ت�شكرونه با إليمان به وتوحيده،
� 75ضرب الله مثل ًا ُي�ستدل به على مخا َلفته لك ّل
ولزو ِم أ�مره ونهيه. ما ي�شركون به بحيث يظهر ف�ساد ما ارتكبوه ظهوراً
جلي ًا� :إ ّن م َثلهم في الت�سوية بين الله وا ألوثان ك َمن
79أ�لم ينظر ه ؤ�لاء المعر�وضن عن ا إليمان إ�لى ال َّطير �س ّوى بين عب ٍد مملوك لا ي�ستطيع القيام ب�شيء ،و�إن�سا ٍن
م�سخرا ٍت للطيران في الهواء المتباعد من الأر�ض ،ما غن ٍّي يت�صرف في ماله كيف ي�شاء ،فكما ال يت�ساوى
ُي�سكه َّن عن ال�سقوط إ�لى ا ألر�ض إ� ّل الله ع ّز وج ّل بما هذان فكذلك ال تجوز الت�سوي ُة بين ا إلله الغن ّي القاد ِر،
َخ َلق لها من ا ألع�ضاء والحوا�س ،وما �َأودع فيها من وا ألوثان المخلوقة العاجزة .الحمد لله الخال ِق الرازق،
الخ�صائ�ص والمميزات ،وبما هي�َأ لها من أ��سباب الطبيعة
وال�سنن الكونية؟ �إ َّن في َخ ْلق الطير وتحلي ِقه في ج ِّو
ال�سماء لآيا ٍت لقو ٍم ي�ؤمنون في�ستدلون بما ي�شاهدون
على وا�سعِ علم الله �سبحانه وعظي ِم قدرته وبديعِ خلقه.
٢٧٥
85و�إذا ر�أى الذين ظلموا �أنف�سهم بال�شرك ما 80واللهُ جعل لكم من بيوتكم الـ َم ْعهود ِة التي
ا�ستو َجبوه ب ُظلمهم -وهو عذاب جهنم -فلا ُيخ َّفف َتبنونها من الحجر ونحوه مح ّ ًل للا�ستقرار والراحة
والطم�أنينة ،وجعل لكم بيوت ًا أُ�خر ُمغاير ًة لبيوتكم
عنهم ذلك ولا هم ُيهلون عن �إلقائهم فيه. المعهودة ،كالخيام ونحوها ،تتخذونها ِمن جلود الإبل
والبقر والغنم تجدونها خفيف ًة �سهل َة الم�ْأ َخ ِذ و ْق َت �سفركم
86و�إذا ر أ�ى الذين أ��شركوا ما كانوا يعبدون من دون ووقت نزولكم و إ�قامتكم ،وجعل لكم من أ��وصاف
الله في الدنيا قالوا على ِجه ِة �إلقا ِء ال َّت ِبع ِة على �شركائهم
وطل ِب م�ضاعف ِة العذاب لهم :ر ّبنا ه�ؤلاء الذين كنا ال�ض�أن و�أوبا ِر الإبل و�أ�شعا ِر المعز أ�ثاث ًا تتمتعون به مد ًة
َنعبدهم و ُنطيعهم وهم الذين أ��ضلونا .فقال ال�شركاء مق َّدر ًة من الزمن ك ٌّل ب َح َ�سبه.
را ِّدين عليهم� :إنكم لكاذبون ،ما كنا �شركاء لله ،وما
َق�َ ْسناكم على ال�ضلال ،ولا ح َملناكم قهراً على الكفر. 81واللهُ َج َع َل لكم مما خلق �أ�شيا َء كثيرة َت�ستظ ُّلون
87و أَ�علن الم�شركون يومئ ٍذ الا�ست�سلا َم والانقياد بها من ح ِّر ال�شم�س ،وجعل لكم من الجبال موا�ض َع
لحكم الله العزيز الغالب بعد الا�ستكبار عنه في الدنيا، تلج�ؤون �إليها عند الحاجة ِمن الكهوف وغيرها ،وجعل
و�ضاع و َب َط َل ما كانوا ي َّدعون ِمن أ� َّن لله �شركا َء ،و أ�نهم
لكم ثياب ًا من القطن وغيره تحفظكم من الح ِّر ،ودروع ًا
ين�صرونهم وي�شفعون لهم. تحفظكم في الحرب ِمن ال َّ� ْض ِب والطعن ،و ِم ْثل ذلك
الإتما ِم البال ِغ يت ُّم نعمته عليكم لعلكم تعرفون ح ّقه
٢٧٦
فتوحدوه وتنقادوا ألمره ،وتذروا ما كنتم ت�شركون.
82ف إ� ْن �أع َر�وضا عن ا إل�سلام ولم يقبلوا منك � -أيها
الر�سول -ما �أُلقي �إليهم من البينات والعبر والعظات فلا
ُق ُ�صو َر من جهتك ،ألن مهمتك هي البلاغ الوا�ضح،
وقد قمت به تمام القيام.
83يعر ُف ه�ؤلاء الم�شركون ِن َع َم الله ،ويعترفون �أنها
منه ثم ينكرونها ب�أفعالهم حيث يعبدون غير ُم ْن ِعمها،
و أ�كث ُرهم المنكرون بقلوبهم غير المعترفين بنعم الله عليهم.
84وا ْذ ُكر لهم -أ�يها الر�سول -يو َم القيامة حين
نبعث من كل �أم ٍة نب َّيها ي�شهد لمن اتبعه بالطاعة والإيمان،
وي�شهد على َم ْن ك ّذبه بالكفر والع�صيان ،ويومئ ٍذ
لا ُي ْ�ؤذن للكافرين في الاعتذار ،ولا ُيطلب منهم أ�ن
ي�ستر�وضا ر َّبهم بقو ٍل أ�و عم ٍلِ ،ل َفوات �أ َوا ِن التوبة
وحلو ِل �أوا ِن الح�ساب والعقاب.
فقال :إ� ّن الله ي أ�مر بالعدل -والعد ُل مع الله توحيده،
ومع النف�س فع ُل الفرائ�ض ،ومع الآخرين ا إلن�صا ُف-
وي أ�مر بالإح�سان في كل أ�مر تقوم به مفرو�ض ًا أ�و م�سنون ًا
أ�و مندوب ًا ،فتح�سن عبادتك ،وتح�سن معاملتك ،وتح�سن
الله ُ وي أ�م ُر علاقاتك مع الإن�سان والحيوان والجماد،
عن وينهى ب إ�كرام ذوي القرابة و ِ�ص َلتهم والتو ُّدد إ�ليهم.
�أ�وصل ال�سيئات وهي ِف ْع ُل ما َيفح�ش ِذ ْك ُره وَأ� َثره من
التع ِّدي في الفروج ،وعن �إتيان ما أ�نكره ال�شرع وح ّرمه،
والا�ستطال ِة على النا�س ،يعظكم الله ويذ ِّكركم العواقب
لعلكم ُت�سنون َت َذ ُّكر ما ينفعكم فتعملوا بمقت�ضاه.
91و ِم ْن �آك ِد الخ�صا ِل الـ ُخ ُلقية و أ�عظ ِم الواجبات
ال�شرعية الداخل ِة تحت العدل :الوفا ُء بالعهد ،وقد أ�مر الله
به فقال :و�أوفوا بعهد الله؛ كالبيعة للر�سول - -
وللأمراء ،وا َأليمان ،والنذور وغيرها ،ولا َتنكثوا
َح ِلفكم الم ؤ� َّكد بذكر الله �أو �صفته �أو أ��سمائه ،وقد
جعلتم الله عليكم �شاهداً ورقيب ًا ،إ� ّن الله يعلم ما تفعلون.
92ولا َتنق�وضا عهودكم ،فيكون حا ُلكم كحا ِل 88الذين كفروا ،و�ص ُّدوا غي َرهم عن الإ�سلام،
و َح َملوهم على الكفر زدناهم عذاب ًا فوق العذاب
تلك المر أ�ة الحمقاء التي ح ّلت َغ ْزلها و أ�ف�سدته من بعد الم�ست َح ِّق بكفرهم ،بما كانوا يف�سدون في الأر�ض
�أن �أبرمته و أ�حكمته ،فلي�س هذا من �شيم العقلاء ولا
وي�ص ُّدون النا�س عما فيه �صلاحهم وخيرهم.
َعمل النبهاءُ ،م ّتخذين أ�يمانكم التي تتعاهدون بها و�سيل ًة
للخداع والمكر ،وتنق�وضن عه َدكم ألجل ُو ْجدانكم 89واذكر � -أيها الر�سول -يو َم القيامة حين نبع ُث
من الذين عاهدتموهم جماع ًة أ�كث َر عدداً و أ�وف َر مال ًا في كل �أم ٍة من الأمم الما�ضية نب َّيها ،ي�شهد عليها بما كان
كانوا حينئ ٍذ أ�كثر ِم ْن -والمراد بهم هنا قري�ش إ�ذ منها من كفر �أو إ�يمان� ،أو طاعة أ�و ع�صيان ،وجئنا بك
� -أيها الر�سول� -شهيداً على �أمتك � -أو على ه�ؤلاء
الم�سلمين ،فح َّذر اللهُ َم ْن دخل في الإ�سلام من �ضعفاء ال�شهداء -ولقد ن َّزلنا عليك القر�آن بيان ًا بليغ ًا لكل �شيء
ا إليمان أ�ن ينق�ض عه َده مع الله ور�سوله والم�ؤمنين ِلـ َما من �أمور الدين على التف�صيل� ،أو الإجمال ،وهداي ًة من
ُيرى من قوة أ�هل الكفر و�سلطانهم -وهذا ابتلا ٌء من الله ال�ضلالة ،ورحم ًة بنور الهداية لجميع الخلق ،و ُب�شرى
يختبركم به ،وليب ِّي لكم يوم القيامة ما كنتم تختلفون بالجنة للم�سلمين المو ِّحدين ،فلا ُعذ َر لأح ٍد بعد هذا
فيه في الدنيا ب أ�ن يجازي ك ّ ًل بح�سب عمله. البيان البليغ.
93ولو �شاء الله لجعلكم أ�مة واحدة م َّت ِفق ًة على 90لـ ّما َذ َكر اللهُ أ�ن القر آ�ن فيه تبيا ٌن لكل �شيءَ ،ذ َكر آ�ي ًة
ا إل�سلام ،ولك ْن ُي�ضل َمن ي�شاء بعدله ،ويهدي من ي�شاء ت�ض َّمنت أ��وصل الأحكام ،فيها تبيان ك ّل �شيء إ�جمال ًا،
بف�ضله ،ول ُت�س أ� ُل َّن يوم القيامة ع ّما كنتم تعملون في الدنيا
ف أ�ع ُّدوا الجواب لذلك.
٢٧٧
100 99إ� ّن ال�شيطان لي�س له ت�س ُّلط ولا ولاي ٌة على 94ولا تتخذوا في معاملاتكم و�سائ ِر ت�صرفاتكم
�أولياء الله الم�ؤمنين به ،المتوكلين عليه ،إ�نما ت�س ُّلطه على الأيما َن التي َتع ِقدونها ذريع ًة للإف�ساد ،فت ِز َّل قد ٌم بعد
ثبوتها وتقعوا في ال َّزيغ بعد الا�ستقامة ،وتذوقوا ما
الذين يحبونه ويطيعونه ،والذين هم ب�سببه م�شركون، ي�سو ؤ�كم في الدنيا لغدركم و�ص ّدكم َغي َركم عن
الثقة بدين الله والوفا ِء بعهد الله ،ولكم في ا آلخرة
دعاهم إ�لى ال�شرك وزيّنه لهم ف أ�طاعوه.
عذا ٌب عظي ٌم.
101و إ�ذا ب َّدلنا آ�ي ًة مكان �آي ٍة ب أ�ن ن�سخنا ا ألولى ،وجعلنا
الثانية مكانها -واللهُ أ�علم بما ينزل من الم�صالح -قال 95ولا ت�ستبدلوا بعه ِدكم مع الله ور�سوله َع َر�ض ًا
الكفر ُة لك :إ�نما أ�ن َت ُمتق ِّو ٌل على الله .بل �أكثر ه ؤ�لاء لا ي�سيراً من الدنيا ،ب أ� ْن تنق�وضا عه َدكم طمع ًا في هذا
يعلمون حكم َة الن�سخ ،ولا حقيق َة القر آ�ن ،ولا يم ّيزون الع َر�ِض -وهو ما كانت َت ِع ُد به قري�ش َم ْن يرجع عن
ا إل�سلام -ولك ْن أ�وفوا بعهد الله ،إ� ّن الذي عند الله من
الخط�أ من ال�وصاب. الن�صر والع ِّز والثواب في الدنيا والآخرة هو خير لكم مما
102قل لهم � -أيها الر�سول� :-إ َّن هذا القر�آن ن ّزله ي ِعدونكم �إ ْن كنتم من �أهل العلم والتمييز.
جبريل من الله ح ّق ًا لا َري َب فيه؛ ل ُيث ِّبت الذين آ�منوا على
الإيمان ،و أ�نزله هداي ًة دائمة ،وب�شرى �صادقة للم�سلمين 96ما عندكم ِم ْن �أعرا�ِض الدنيا ينق�ضي ويفنى وما
عند الله من خزائن رحمته و َجزي ِل نعمته لا يفنى -وفي
المنقادين لأحكامه. هذا ترغي ٌب في لزوم دين الله والوفاء بعهده وعدم الطمع
في ال َع َر�ض الفاني -و َل َيجزي َّن اللهُ الذين �صبروا على
الوفاء بالعهود وعلى �أذى الكفار وم�شا ِّق التكاليف،
جزا ًء رفيع ًا على َق ْدر �أح�سن أ�عمالهم.
97ولي�س هذا في الآخرة ف َح�ْسب بل َمن َعمل عمل ًا
�صالح ًا َمر�ضي ًا مقبلا ًو من الم�ؤمنين والم�ؤمنات ف إ�ن الله
َي ِع ُده أ� ْن ُيحييه حياة طيبة في الدنيا ،يج ُد �سعادتها في
قلبه ،ويعي� ُش على َأ� َمل �أن ُيجزى في دار الجزاء والق�ضاء،
ب�أرفع ما عمل في دار التكليف والفناء .وفي تكرير
الوعد الرباني في الآخرة ح�ٌّض على الثبات على طاعة
الله ،وتف�ضيل الباقي على الفاني.
98ف إ�ذا �أرد َت قراءة القر آ�ن َف َ�س ِل اللهَ أ�ن ُيعيذك من
و�سوا�س ال�شيطان المطرود من رحمة الله.
٢٧٨
عن الح ِّق والحقيقة هم الكاذبون .وحا�شا محمداً
أ�ن يكون كذلك.
َ 106من َن َطق بالكفر مختاراً ،وارت َّد عن الإ�سلام 103نحن نعل ُم ما يقوله م�شركو قري�ش ،إ�نهم يقولون:
طائع ًا ،وان�شر َح لذلك �صد ُره ف أ�ولئك عليهم من الله إ�نما يع ِّلم محمداً القر�آ َن ب�شرٌ من بني آ�دم؛ ي�شيرون �إلى
غ�ض ٌب ،ولهم عذا ٌب عظي ٌم� ،أ ّما َمن أ�ُرغم على النطق رجل ٍ ِب َعينه أ�عجم ٍّي ،وفا َتهم -جهل ًا �أو تجاهل ًا -أ� َّن
بكلمة الكفر تح َت َو ْط أ�ة التعذيب والترهي ِب وهو كار ٌه الذي يميلون �إليه بقولهم هذا ذو ل�سا ٍن �أعجم ّي ،وهذا
القر�آن نزل بل�سا ٍن عرب ٍّي هو الغاي ُة في البيان ،فكيف
لذلك ،مطمئ ُن القلب ب إ�يمانه ،فلا َح َرج عليه ولا إ�ثم.
ي�ستقيم هذا؟!
107ارت َّد ه ؤ�لاء عن ال ِّدين الح ِّق ألنهم آ�ثروا الحياة
الدنيا ،وطمعوا ب�شي ٍء من ُفتاتها ،و�آثروها على نعيم � 104إ َّن الذين لا ي�ص ِّدقون بهذه ا آليات أ�نها منزل ٌة
ا آلخرة الدائم ،والله لا يهدي َمن يفع ُل ِفع َلهم و َي ْكف ُر
من عند الله ،و ُي�ص ُّرون على باطلهم ال يو ِّفقهم الله إ�لى
كف َرهم. الهداية ،ولهم بعد ذلك عذا ٌب م ؤ�لم مو ِجع.
108أ�ولئك المب َعدون عن رحمة الله هم الذين ختم 105لا يجر ؤ� على افتراء الكذب على الله و ِن�سبة
الله على قلوبهم و�سمعهم و َج َعل على ب�صرهم غ�شاوة،
فتع َّطلت حوا�ُّسهم عن إ�دراك الح ّق ،وغفلوا ع ّما �أُ ِع َّد �شيء إ�ليه لم ُينزله ولم َيقله إ�لا الذين لا ُي�ؤمنون ب�آياته ولا
ُي�ص ِّدقون بلقائه ولا َيخ�وشن عذابه� ،أولئك البعيدون
لهم من العذاب.
109لا َمحال َة أ� َّن ه�ؤلاء هم الخا�سرون ،الذين خ�سروا
في ا آلخرة النعيم المقيم ،والفوز العظيم.
110ثم �إ َّن ر َّبك � -أيها الر�سول -للذين هاجروا من
ديارهم وتركوا �أه َلهم وع�شائرهم فا ِّرين بدينهم بعدما
ُأ�كرهوا على النطق بما لم يريدوا ،و ُع ِّذبوا ليرتدوا عن
دينهم ،ثم جاهدوا أ�نف َ�سهم و�صبروا على ما واجهوه،
�إ َّن ربك من بعد ذلك لغفو ٌر لهم ما كان منهم ،رحي ٌم
بهم غي ُر ُمعاق ٍب لهم .وقد نزلت هذه ا آلية فيمن هاجر
من الم�سلمين �إلى الحب�شة.
٢٧٩
فيكون هذا منكم افترا ًء على الله ،إ� َّن الذين َيكذبون على 111واذكر يو َم ي أ�تي ك ُّل �إن�سان يدافع عن ذاته ،ولا
الله لا ينجون من العذاب ولا يفوزون بخير. يه ُّمه غي ُره ،ك أ� ْن يقول :والل ِه ر ِّبي ما كن ُت �ضا ّ ًل �أو
م�شرك ًا .وهناك ُتزى ك ُّل نف� ٍس بما عمل ْت في الدنيا من
َ 117م ْنفع ُة ه ؤ�لاء الكفار فيما ُهم عليه من أ�فعال
الجاهلية منفع ٌة قليل ٌة ،ولهم يو َم القيامة عذا ٌب م ؤ�لـ ٌم خي ٍر �أو �ش ٍّر ،ولا ُينق�ص �أح ٌد من جزاء �أعماله �شيئ ًا.
�شدي ُد ا إليلام. 112يذك ُر اللهُع ّز وج ّل على ِج َه ِة المثال قري ًة من القرى
118وعلى اليهود ح َّرمنا ما أ�خبرناك به -يا محم ُد- كانت تعي�ش في أ�م ٍن واطمئنا ٍن ،و ُي َد ُّر عليها الرزق من
من قب ُل -يعني ك َّل بهيم ٍة وطي ٍر غي ِر منفر ِج ا أل�صابع كل مكان ،فجحد ْت ح َّق الله عليها ،فلم ُت ؤ�من ولم
كا إلبل والنعام ،و�شحو َم البقر والغنم إ� ّل �َش ْحم ال َّظهر أ�و َت�شكر ،فعاقبها اللهُ عقاب ًا بالجوع والخوف ُيحيط بها
الملت ِف با ألمعاء �أو ما اختلط منها ب َع ْظم -وما ظلمناهم إ�حاط َة اللبا�س ب�صاحبه ،جزا َء كفرها وجحودها .وفي
هذا تذكي ٌر وتحذي ٌر ألهل مكة ا آلمنين المرزوقين من
بهذا التحريم ،ولك َّنهم فعلوا ما ا�ستح ّقوا به العقاب.
م�صي ٍر كذلك الم�صير� ،إ ْن لم ي ؤ�منوا بالله ور�سوله.
٢٨٠
113تلك القري ُة جاء �أه َلها ر�سو ٌل منهم يعرفونه،
فك َّذبوه و أ�عر�وضا عن ر�سالته ،ف�أخذهم العذا ُب وهم
ُم�ص ُّرون على ظلمهم �أنف َ�سهم بالتكذيب وعدم الإيمان،
وجحودهم ِنعم الله عليهم.
114أ� َّما �أنتم � -أيها الم ؤ�منون -ف ُكلوا مما رزقكم الله
رزق ًا حلال ًا طيب ًا ،وا�شكروا اللهَ على ِنعمه المتلاحقة ولا
تكفروها ،إ�ن كنتم ت�ؤمنون به ولا ت�شركون به �أحداً.
115أ�باح اللهُ لكم الطيبات ولم يح ِّرم عليكم -من
اللحوم التي ت�أكلون منها� -إلا ما فارقته رو ُحه من غير
ذب ٍح ،والدم الم�سفوح الجاري ،والخنزير ،وما ُق ِ�ص َد
بذبحه التق ُّرب �إلى غير الله ،ف َمن �ألج أ�ته ال�ضرور ُة �إلى
�شيء مما ُذكر ف�أكل منه غي َر م�ستبي ٍح �أ�ص َل حرمته ولا
متجاو ٍز فيه ح َّد ال�ضرورة؛ ف�إ َّن الله غفور لا ي ؤ�اخذه بما
ا�ضطر �إليه ،رحيم �إذ �شرع له ال ُّرخ�صة.
116التحري ُم والتحليل لله تعالى ،فلا تقولوا � -أيها
الم�شركون -افترا ًء منكم وا ّدعاء :هذا حلا ٌل وهذا حرا ٌم،
123ث ّم أ�وحينا �إليك � -أيها الر�سول� -أ ِن اتبع ال ِّدي َن � 119إ ّن ر َّبك � -أيها النبي -للذين عملوا ال�سيئات
الق ِّي َم الذي كان عليه إ�براهيم ،مائل ًا عن ك ِّل ا ِللل الباطلة، جاهلين ب�ُسوئها و�آثارها وعواقبها ،ث ّم تابوا بعدما
م�ستقيم ًا على الهدى ،وما كان إ�براهيم من الم�شركين. عملوا تلك ال�سيئات ،و�أ�ص َلحوا أ�عمالهم و�أحوالهم،
إ� ّن ربك من بعد توبتهم و�إ�صلاحهم �أحوا َلهم لغفو ٌر
124إ� ّنا ُف ِر َ�ض ْت �أحكا ُم يوم ال�سبت وما يتعلق به من
التعظيم والتخ�صي�ص بالعبادة ،تغليظ ًا على بني إ��سرائيل كثي ُر المغفرة ،رحي ٌم عظي ُم الرحمة بهم.
الذين اختلفوا على نب ِّيهم لـ ّما �أمرهم أ�ن يجعلوا يوم
الجمعة مخت ّ�ص ًا للعبادة ،فر�ضي به بع ُ�ضهم ،وف ّ�ضل 120إ� ّن إ�براهيم كان بمثابة �أم ٍة لوحده ،بما كان عليه من
أ�كث ُرهم يوم ال�سبت ،ف أ�لزمهم ال�سب َت وما يتعلق به من �صفات الخير و ِخلال الهدى ،وكان خا�ضع ًا لله مطيع ًا
ا ألحكام ،إ� ّن ر ّبك ليق�ضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا
له ،مائل ًا إ�لى الحق دائم ًا ،مو ِّحداً لله.
فيه يختلفون.
121وكان �شاكراً لله على َأ� ْن ُع ِمه ،بذ ْكرها ومعرفة
125ا ْد ُع -أ�يها الر�سول -النا� َس �إلى الطريق الـ ُمو ِ�صل َق ْدرها وح ِّب ُمنعمها ،وقد ا�صطفاه اللهُ لنبوته ،و�أكرمه
إ�لى الفوز وني ِل ر�ضا ربك -وهو الإ�سلام -بالـ ُح ّجة
البالغة والمقال ِة المح َكمة ،وبما ُيلين القلوب وي�ؤثر في ب ُخ ّلته ،وهداه إ�لى الدين الم�ستقيم.
النفو�س من ا ألمثال والق�ص�ص وال َو ْعد والوعيد ،وجا ِد ْل
َم ْن يحتاج إ�لى المجادلة بالرفق وال ّلين ،من غير غلظة 122و�آتيناه في الدنيا الحكمة والذ ّري َة الط ّيب َة والثنا َء
أ�و تعنيف ،إ�نما عليك البلاغ والدعوة ،و أ� ّما ح�وصل الح�سن ،و إ� ّنه في ا آلخرة من ال�صالحين الذين لهم
الهداية وال�ضلال والجزاء على النوايا وا ألعمال فا ألم ُر
فيه إ�لى الله �سبحانه ،إ� ّنه َو ْحده هو أ�علم بمن �ض َّل عن الدرجات ال ُعلا.
�سبيله وبمن اهتدى فيجازي ك َّل واح ٍد بعمله.
126و�إ ْن َ�ص َنع بكم �أح ٌد َ�صني َع �سو ٍء فيجوز لكم مقابل ُة
ِفعله بالمثل ،ولا تزيدوا عليه ِلـ َما في الزيادة من العدوان،
ولئن �صبرتم ولم تعاقبوا َم ْن أ��ساء إ�ليكم فال�صبر خي ٌر لكم.
127ث ّم َأ� َمر الله تعالى ر�سو َله بالمداومة على ال�صبر على
ما يلقاه من الأذى في �سبيل دعوته وعلى �سائر ما يقت�ضيه
َمقا ُم النبوة ،فقال :وا�صبر وما �صبرك إ�لا بتوفيق الله
وتثبيته ،ولا تحزن على َمن خالفك ولم يتب ْعك من قومك
حر�ص ًا على هداهم ،ولا ي ِ�ض ْق �صد ُرك بمكر الم�شركين،
ف أ�نا متولِّيك ونا�ص ُرك عليهم.
128إ� َّن الله مع الذين اتقوا الكفر والمعا�صي ،والذين
هم مح�سنون في أ�عمالهم ،فهو معهم باللاوية والن�ص ِر
وال ِّرعاية والحفظ.
٢٨١
1تنزيه ًا لله عن كل نق�ٍص ،وتمجيداً لعظيم �ش�أنه
وعجي ِب قدرته ،الذي أ��سرى بعبده محمد - -في
جز ٍء ي�سي ٍر من الليل من الم�سجد الحرام بمكة �إلى الم�سجد
ا ألق�صى ببيت المقد�س ،الذي باركنا حوله ببركا ِت
ال ِّدي ِن والدنيا؛ ف إ�نه َم ْه ِب ُط الوحي و ُم َتع َّب ُد ا ألنبياء ،وهو
محفو ٌف بالعيون وا أل�شجار والثمار�َ ،أ�ْسينا به ِل ُنيه من
آ�ياتنا الدا َّل ِة على عظيم قدرتنا ،إ� ّن الله هو ال�سمي ُع لأقوال
عباده ،الب�صي ُر ب أ�حوالهم ما ُي�س ُّرون منها وما يعلنون،
فيعطي ك ّ ًل ما ي�ستح ُّقه في الدنيا وا آلخرة.
و أ�مددناكم ب�أموال و ِفير ٍة ،وبني َن كثيرين ،وجعلناكم 2و ِم ْن قب ُل �آتينا مو�سى التوراة وجعلناها هداي ًة
�أكثر عدداً. ونوراً لبني �إ�سرائيل ،وقلنا لهم :لا تتخذوا من دوني
7إ� ْن أ�ح�سنتم بفعل الطاع ِة والعم ِل ال�صال ِح كفيل ًا تعتمدون عليه و َت ِك ُلون إ�ليه أ�موركم.
عاد ذلك ا إلح�سا ُن لكم ،و�إ ْن أ��س�أتم عادت الإ�ساء ُة
بالوبال عليكم ،ف إ�ذا جاء وع ُد عقوب ِة الإف�ساد ِة الثاني ِة، 3يا �ُسلال َة َم ْن حملنا مع نوح في ال�سفينة ،آ� ِمنوا
بع ْثنا عليكم يا بني إ��سرائيل عباداً لنا آ�خرين ُأ�ولي ب�أ� ٍس بر ّبكم ولا ت�شركوا به واجعلوا نوح ًا �ُأ�سو َتكم إ� َّنه كان
�شدي ٍدِ ،ل َيجعلوا آ�ثا َر ال�ُّسوء كالك آ�بة والحزن بادي ًة على
وجوهكم ،وليدخلوا بيت المقد�س بالقهر وال َغ َلبة كما عبداً كثي َر ال�شكر لربه.
دخله العبا ُد الذين بعثناهم عليكم أ�ول مرة ،و ِليد ّمروا ما
4و�أع َل ْمنا بني إ��سرائيل فيما آ�تيناهم من الكتاب،
تم ّكنوا منه تدميراً. �أنكم �ستف�سدون في ا ألر�ض بالمعا�صي مرتين،
و َل َت�ستكب ُر َّن ا�ستكباراً كبيراً ،و َل َتظل ُم َّن النا�س ظلم ًا كثيراً.
5ف إ�ذا جاء وع ُد عقا ِب الإف�ساد ِة ا ألولى �س َّلطنا
عليكم عباداً لنا أ��ش ّداء في القتال فطافوا بين الديار
وو�سطها يطلبونكم ليقتلوكم ،وكان ذلك ق�ضا ًء كائن ًا
لازم ًا لا ُخ ْلف فيه.
6ثم ر َد َدنا لكم الدول َة وال َغ َلبة على الذين ُبعثوا
عليكم ،حين تبتم من ذنوبكم ،ورجعتم عن الف�ساد،
٢٨٢
11ويدعو ا إلن�سا ُن بال�شر على نف�سه وماله حال َة ُقنو ِطه
وغ�ضبه كما يدعو بالخير حا َل رجائه وتث ُّبته� ،إ َّن الإن�سان
َعجو ٌل يت�سر ُع في �أموره ومواقفه دون تد ُّبر للعواقب.
12جعل اللهُ اللي َل والنهار من العلامات الدا ّلة على
وا�سع علمه وعظيم قدرته ،فجعل الليل مظلم ًا لل�سكن
والراحة ،والنها َر م�ضيئ ًا لل�سعي وطل ِب الرزق .وقد
جعل الله الليل والنهار متعاق َبين و ْف َق نظا ٍم دقي ٍق لا
يتخ ّلفِ ،ل َيعلم النا� ُس عدد ال�سنين وح�سا َب ا أليام
والأوقات .وما ِم ْن �شيء يحتاج النا�س إ�لى بيانه �إلا ب َّينه
الله في كتابه ليدركوا حكمته البالغة وقدرته ال�شاملة.
� 14 13إ ّن ك ّل �إن�سان في الدنيا ُي َ�س َّجل عليه عم ُله، 8ع�سى ر ُّبكم أ� ْن يرحمكم يا بني �إ�سرائيل بعد
وعليه َت ِبعت ُه إ� ْن خيراً فخي ٌر ،و�إِ ْن �ش ّراً ف�ش ٌّر ،و إ� َّن الله انتقامه منكم� ،إن انزجرتم عن المعا�صي و ُتبتم �إلى الله
�س ُيخرج له في الآخرة كتاب �أعماله مفتوح ًا ،ويقول من جدي ٍد ،فير ُّد ال َّدولة �إليكم ،و�إ ْن ُعدتم مر ًة �أخرى إ�لى
الف�ساد وا إلف�ساد ُع ْدنا �إلى عقوبتكم في الدنيا ،وج َعلنا
له :اقر أ� كتابك وحا ِ�س ْب نف�سك على ما فيه.
جهنم في ا آلخرة للكافرين �سجن ًا ومحب�س ًا.
َ 15من اهتدى ف�إنما ينفع نف َ�سه باهتدائه ،و َمن �ض َّل
ف�إنما ي�ض ُّر نف�سه ب�ضلاله ،ولا يحم ُل أ�ح ٌد َت ِب َع َة عمل ِ �أحد � 9إ ّن هذا القر�آن بما يت�ض ّمنه من المبادئ وا ألحكام
وال م�س ؤ�وليته ،و ِم ْن تمام حكمة الله وعدله أ� ّل يع ّذب والق�ص�ص والدلائل والعبر ،...يهدي ُم َّتبعيه �إلى �أقوم
قوم ًا حتى يبعث فيهم ر�سلا ًو يب ّي لهم طريق الهدى ال�ُّسبل و أ�و�ضحها ،ويب�ّش الم ؤ�منين الذين يعملون
وطريق ال�ضلال ،فتقوم الـ ُحجة على الكافرين ،ويظهر ال�صالحات ب�أ ّن لهم عند ربهم �أجراً كبيراً؛ إ�ذ يتجاوز عن
�أثر الم ّنة على الم�ؤمنين. �سيئاتهم بعفوه ،وي�ضاعف ح�سناتهم بف�ضله ،و ُيدخلهم
الجنة التي هي مح ُّل كرامته ور�وضانه برحمته.
� 17 16إ ّن الله لا ُيهلك �أهل مدينة �أو بلدة إ�لا
إ�ذا �أمرهم بالحق فتمرد عليه زعما ؤ�هم ووجها ؤ�هم 10ويب�ِّش القر آ� ُن -على �سبيل الا�ستهزاء والتبكيت-
و أ�ثريا�ؤهم اغتراراً بما �صار لهم من ما ٍل وجا ٍه ،وانحرفوا الذين لا ي�ؤمنون بالح�ساب والثواب والعقاب� :أَ ّنا
عن طريق الحق والا�ستقامة .وهذه �س ّنة الله التي لا أ�عددنا لهم عذاب ًا م�ؤلم ًا مو ِجع ًا في جهنم.
تتخ ّلف في إ�هلاك الُأمم وا�ستئ�صالها .ولقد �أهلك الله
كثيراً من ا ُألمم من بعد نوح ،وهو -ع ّز �ش�أ ُنه -خبي ٌر
بذنو ِب عباده فلا يعاقبهم إ� ّل بما ي�ستح ّقون ،ب�صي ٌر فلا
يخفى عليه �شيء مما يعملون.
٢٨٣
َ 18م ْن كان ُيريد متاع الحياة الدنيا ومل ّذاتها ولا
يطلب الآخرة ع ّجل الله له فيها ما ي�شاء من ُم َتعها وزينتها،
ولكن ِلـ َم ْن ي�شا ُء عطا َء ُه منهم ،ثم جعل م�صي َرهم جميع ًا
إ�لى جهنم يدخلونها مذمومين مطرودين من رحمته.
التوقير وعد ِم العقوق .ف َمن َب َدر ْت منه ف ْلت ٌة �أو كان منه 19و َم ْن �أراد ا آلخرة و�آثر نعيمها الدائم ،و�سعى لها
تق�صير في حقهما وهو لا ُي�ضمر عقوق ًا ولا ق�صداً إ�لى ح ّق ال�سعي بلزوم طاعة الله واجتناب مع�صيته ،وهو
إ��ساءة ،ف�إ ّن الله كان للت ّوابين الم�ستغفرين النادمين على ما م ؤ�من بر ّبه وبما �أع َّد له ،ف إ� ّن الله يتق ّبل منه وي�ضا ِعف له
َب َد َر منهم غفوراً. ا ألجر والثواب.
َ 26ب ْع َد الو�ص ّية بالوالدين و َّ�صى الله ع ّز وج ّل بالقرابة
أ�ن ُي ؤ� َتوا ح َّقهم ِم ْن �صلة الرحم والمو ّدة والزيارة و ُح�سن ُ 20ك ّ ًل نرزق في الدنيا ب َم ْح�ِض التف ُّ�ضل ،الم�ؤمنين
المعا�شرة ،والم�ؤالفة على ال�س ّراء وال�ض ّراء والـ ُمعا�ضدة الذين يعملون آلخرتهم ،والكافرين الذين لا ه َّم لهم �إلا
ونحو ذلك ،كذلك و َّ�صى بالم�سكين والغريب الذي دنياهم .وما كان رز ُق ر ِّبك ممنوع ًا عن م ؤ�من ولا كافر.
ُقطع ْت به ال�سبيل ،وو َّ�صى أ�ن يكون ا إلنفا ُق باعتدا ٍل، 21انظر -أ�يها الر�سول -كيف ف َّ�ضلنا بع�َض النا�س
على بع�ض في المال والجاه وال�ّسعة ،و إ� ّن التفا�ضل في
و�أن لا ُي�سرف ا إلن�سا ُن �أو ينفق ماله في غير ح ٍّق. الآخرة بالجنة ودرجاتها والنار و َد َركاتها أ�كب ُر و�أعظم.
27إ� َّن الذين يتجاوزون الح ّد الم�شروع في ا إلنفاق، ف َمن �أراد الفوز ب�أف�ضل الدرجات فينبغي أ�ن تكون
وي�صرفون أ�موالهم في المعا�صي هم أ�ولياء لل�شياطين،
ألنهم يطيعونهم فيما ي أ�مرونهم به ،والما ُل نعم ٌة ،وو�ض ُع رغب ُته في ا آلخرة أ��ش َّد و�سعيه لها �أكثر.
النعمة في غير مح ِّلها ُجحو ٌد لها ،وكان ال�شيطان
22لا تجع ْل -أ�يها الإن�سان -مع الله �شريك ًا في
َج ُحوداً للنعمة فلا ينبغي �أن ُيطاع أ�و يقتدى به. ربوبيته وعبادته ،فت�صبح حينئ ٍذ جامع ًا على نف�سك الذ َّم
٢٨٤ وفقدان الن�صير.
23أ�م َر ر ُّبك أ�مراً جازم ًا مقطوع ًا به بعدم التوجه
بالعبادة إ�لى غيره ،وبب ِّر الوالدين والعطف عليهما
والإح�سان إ�ليهما ،و�إذا �صار عندك أ�ح ُدهما �أو كلاهما
إ�لى حال ٍة ِمن ال�ضعف والعجز ب�سبب الكبر ،فلا تقل
لهما كلم ًة تد ُّل على ت َ�ض ُّجرك من حالهما أ�و ا�ستثقال
القيام بحقهما ،ولا تزجرهما ع َّما يقومان به مـ ّما لا
ُيعجبك ،وقل لهما قلا ًو ح�سن ًا جميل ًا ل ّين ًا.
وتوا�ض ْع لهما تذ ُّلل ًا لهما 24و أ� ِل ْن لهما جانبك،
معتنج �دشد ٍةي ٍءك�أماح َّباره َّب،ياوكادبرُعحالمل ٍهة و�شفق ًة عليهما ،ولا تمتنع
�أن يرحمهما برحمة باقي ٍة
و�شفق ٍة و�أن َت �صغير.
25ر ُّبكم � -أيها النا�س� -أ ْعلم منكم بما في نفو�سكم
ِمن ال َق ْ�صد إ�لى ب ِّر الوالدين ،واعتقا ِد ما يجب لهما من
أ�ولادكم خوف ًا من الفقر ،واللهُ�ضام ٌن لرزقهم ورزقكم،
فدعوا الأوهام ،وتح ّلوا باليقين بما عند الله� ،إ ّن قت َل
الأولاد إ�ث ٌم عظيم.
32ولا تقربوا دواعي الزنا كالم� ِّس وال ُقبلة ونحوهما،
خ�شي َة الوقوع فيه ،إ� َّن الزنا فاح�ش ٌة قبيح ٌة ُم�ْستب َ�شعة،
وبئ�س الطري ُق طريقه.
بم�إ ؤ�3حمٍ 3دنىعولثمالداتاًقتعثل:دواوكاانلف ًانٌر.فب�وع َمسد ْانإ�ليتُقم ِتايلن،حظ َّلرومزمنًاا ًالفلبهقع�إد ّدل إ�جبعاحللن�حاص ّالقو،نل،يو �أذولقمتر ُكله
حجة وحق ًا في متابعة الجاني ق�ضا ًء ،والمطالبة بال ِّدية أ�و
ابلققتالتهلق��،أصاو ا�صثنًا،ينفلباواُي�حس ٍرد،فف�إفنياالللهقت َنلَ� َصك�أهنوي�ش َرطلع ابل َقق ْت�َصلاغ�ي ِصر
�أو الدية ،فلا يجوز �أن يتع ّدى حدود ال�شرع.
34ولا َتقربوا مال اليتيم ف�ضل ًا عن �أن تت�صرفوا فيه، 28و إ� ْن �أعر�ض َت عن ذي ال ُقربى والم�سكين وابن
�إلا بالطريقة التي هي أ�ح�سن له ،حتى يبلغ ُر�شده ويكون ال�سبيل لعدم تم ُّكنك من التو�سعة عليهم وم�ساعدتهم،
قادراً على القيام بم�صالحه ،وعندئذ ُي ْد َفع إ�ليه ما ُله كامل ًا
غير منقو�ص .وقوموا بمقت�ضى عهودكم ف�إنكم �س ُت�س أ�لون
عنها يوم القيامة.
35و�إذا تبايعتم ف�أوفوا الكيل للم�شتري ولا تبخ�سوا
فيه ،و ِزنوا بالميزان ال�سو ِّي ،ذلك أ�ح�س ُن عاقب ًة وم آ�ل ًا
الدنيا، في ا أل�سواق عليه ِمن الربح وا�ستقام ِة ِلـو َِممانياتر ألتجبر ل ّين ًا ف ُقل لهم قلا ًو وج�أنميَلت ًا،منبت أ�ظن ٌرت ِعر َدزقه ًاموتووع�سداًعةط ّيمب ًان ُترطبِّيكب
والثواب في ا آلخرة. به قلو َبهم.
36ولا تتبع ما لي�س لك به علم ،فلا تقل :ر�أي ُت 29ي�ض ُع الح ُّق �سبحانه لعباده قانون ًا و�َسط ًا في أ�مر
لوما ّدَت َرعا،ءوب�اسلبماعط ُلت،و أ�نوا َ�ستتلعممات ٌ�لسمللع،ح فواذ�لسكف َمي ْحغ�ُيرض و�أن َت الإنفاق فيقول :لا ُت�سك يدك عن النفقة في الحق
افتراء والخير ك َمن ُغ َّلت ي ُده فلا يقدر على م ِّدها ،ولا تب�سطها
بالعطاء ك َّل الب�سط فتعطي و ُتخرج جمي َع ما عندك،
ما �أمر اللهُ� .إ ّن ال�سمع والب�صر والف�ؤاد مما ُي�س�أل عنه فت�صبح ملوم ًا على ت�ضييع المال بالكلية ،منقطع ًا لا �شيء
الإن�سان يوم القيامة.
عندك تنفقه.
37ولا تم�ِش في ا ألر�ض ُمختال ًا� ،إنك لن ت�ش َّق � 30إ ّن الرزق موكو ٌل �إلى الله ،يدبر أ�مره بحكمته،
ا ألر�ض بكبرك و َزهوك ،ولن َتقدر �أن تبلغ طول الجبال فلا ُت�سرف ثق ًة بما عندك ،ولا تدفعك ال ِق ّل ُة وخو ُف
الم�ستقبل إ�لى �أن َت�ش ّح ،وا ْعلم أ� ّن ربك يو�ّسع الرزق
باختيالك وتعاليك. لمن ي�شاء وي�ض ّيقه على من ي�شاء� ،إنه كان بعباده خبيراً
38ك ُّل ما ُذ ِك َر من ا ألمور التي نهى اللهُ عنها كان ب�س ِّرهم وعلانيتهم وما ي�صلحهم ،لا يخفى عليه �شيء
مكروه ًا عند ربك ،وما كرهه الله فواج ٌب على الم�سلم
من �أحوالهم وحاجاتهم.
أ�ن يتج ّنبه.
31و�إذا كان الأمر كذلك فلا ُت ْقدموا على َق ْت ِل
٢٨٥
46و َجع ْلنا على قلوبهم أ�غطي ًة لئلا يفهموه ،وفي 39ذلك الذي أَ� َم ْرنا به ونهينا عنه هو م ّما �أوحيناه
�آذانهم ِثقل ًا لئلا ي�سمعوه� ،إذ ُه ْم م�ص ِّممون �أ�صل ًا على إ�ليك من القر�آن الذي نزل هادي ًا للنا�س �إلى �أح�سن
عدم ال�سماع الم ؤ�دي �إلى الفهم ،و�إذا ذكر َت اللهَ وحده ا ألمور .ولا تجع ْل � -أيها الإن�سان -لله �شريك ًا ،تعبده
و�أن َت تتلو القر آ�ن �أعر�وضا ون َفروا ِلـ َما ا�ستح َكم في وتخافه وترجوه ،ف إ�نك �إذا فعل َت ُتلقى في جهنم ملوم ًا
�أنف�سهم من ال�شرك والتعظيم آللهتهم. على فعلك ال�س ِّيئ ،مطروداً من رحمة الله الواحد.
47نح ُن أ�عل ُم بما ُيلاب�سهم من الا�ستهزاء وال�سخرية َ 40أ� َفا ْختاركم ربكم � -أيها الم�شركون -ف َخ ّ�صكم
حين يكونون عندك و�أنت تقر�أ القر آ�ن ،وبما يتناجون به بما تحبون من الأولاد -وهم البنون -وجعل لنف�سه ما
في �أمرك �إذا خلا بع ُ�ضهم �إلى بع�ض فيقولون� :إ ْن ت َّتبعون تكرهون من البنات؟! إ�نكم لتقولون قلا ًو عظي َم ال ُّن ْكر
�إلا رجل ًا م�سحوراً ،يقو ُل ما لا يقبله العق ُل ِمن البعث
وال�شناعة.
بعد الموت والجنة والنار وغيره.
41ولقد َذ َكرنا وب ّينا و أ�و�ضحنا في هذا الكتاب
48انظر -أ�يها الر�سول -وتع َّج ْب له�ؤلاء كيف المنزل عليكم من ال ِعبر وال ِحكم والأمثال وا ألحكام
�ش َّبهوك بالم�سحور ف أ�خط ؤ�وا ،فلا يملكون -وحال ُهم والحجج ما فيه الكفاية ليتعظوا ويعتبروا ،وما يزدادون
هذا -إ�لى الحق طريق ًا. مع ت�صريفنا وتذكيرنا �إلا ُبعداً عن الحق.
49وقال الم�شركون� :أئذا ِ�صنا عظام ًا و ُفتات ًا أ� ُنخل ُق 42قل -أ�يها الر�سول -له�ؤلاء الم�شركين :لو كان مع
ثاني ًة ،ونبعث ِم ْن جديد؟! الله آ�له ٌة �أخرى كما ت َّدعون ،ل َط َلب ه�ؤلاء ا آللهة طريق ًا
�إلى ذي العر�ش لينازعوه في ملكه ،وي�ستلبوا عر�شه،
٢٨٦ كفعل ملوك الدنيا بع�ضهم ببع�ض .وهم لم يفعلوا ،ولا
ي�ستطيعون ،ف�أ َّنى لهم با أللوهية الم َّدعاة؟!
43تن َّزه الخال ُق الواح ُد وتق َّد�س وتعالى ع ّما يزع ُم
ه�ؤلاء من ال�شركاء ُع ُل ّواً كبيراً؛ ف إ� ّنه لا َمثي َل له ولا نظير.
ُ 44ت َن ِّز ُه اللهَ ال�سماوا ُت ال�سب ُع والأر�ُض و َم ْن فيهن
من المخلوقات ،وما من �شي ٍء حيوان ًا كان �أو نبات ًا �أو
جماداً إ�لا ُين ِّزه الله بل�سان الحال أ�و بل�سان المقال عن كل
ما لا يليق به ،ولكن لا تدركون ولا تفهمون ت�سبيحهم،
�إ ّن الله كان حليم ًا غفوراً حيث لم ُيعاجلكم بالعقوبة
على ما ت َّدعون له وتزعمون.
45و�إذا قر أ� َت -أ�يها الر�سول -القر آ�ن على ه ؤ�لاء
الم�شركين الذين لا ي ؤ�منون بالبعث ،و َد َع ْوتهم �إلى الإيمان
به والعمل بما فيهَ ،جع ْلنا بينك وبينهم حجاب ًا �ساتراً يمنع
نو َر القر�آن وهداي َته من الو�وصل �إلى قلوبهم.
54ر ُّبكم � -أيها النا�س� -أعلم بكم� ،إ ْن ي�ش�أ يرحمكم 51 50قل لهم -أ�يها الر�سول :-لو كنتم حجار ًة
تف ُّ�ضل ًا فيوفقكم لاتباع ِدينه والعمل بطاعته ،و�إ ْن ي�ش�أ أ�و حديداً �أو �أ َّي �شيء آ�خر َت�ستبعدون إ�حياءه ،ل ُبعثتم بعد
يعذبكم َعدل ًا بكفركم ومع�صيتكم؛ فهو الذي يعلم الموت �أحيا ًء للح�ساب والجزاء ،ف�سيقولونَ :م ْن ُيحيينا
َمن هو �أ ْه ٌل للهداية .ولي�س لأح ٍد عل ٌم ب�سابق علم الله و َي ْبعثنا؟ قل الذي خلقكم أ� ّول مرةَ ،ف َم ْن َق َدر على
في �ش�أنه .وما أ�ر�سلناك -أ�يها الر�سول� -إ ّل ِمن أ�جل الإن�شاء قدر على ا إلعادة ،ولكنهم ِلـ َما تم َّكن في نفو�سهم
البيان والدعوة والتبليغ .ولي�س أ�َ ْم ُر هداي ِة �أح ٍد من النا�س من التكذيب والعناد �سيح ِّركون ر ؤ�و�سهم م�ستهزئين بما
تقول ،وي�س أ�لونك على ِج َه ِة الته ُّكم :متى يكون هذا
وجزائه موكلا ًو� إليك.
البعث الذي ت ّدعيه؟ قل :لا يب ُع ُد أ�ن يكون قريب ًا.
55ور ُّبك � -أيها الر�سول� -أعلم بك ِّل َم ْن في
ال�سماوات وا ألر�ض ،وب أ�حوالهم ،فيختار منهم لنب َّوته 52يو َم يدعوكم ر ُّبكم �إلى موقف القيامة ف�ستجيبون
َمن ي�شاء .وهذا َر ٌّد على قري�ش لا�ستبعادها أ�ن يكون يتي ُم م�سرعين .وله الحم ُد على البعث للح�ساب والجزاء.
أ�بي طالب --نبي ًا ،و�أن يكون أ��صحابه من �ضعفاء
النا�س وفقرائهم .ولقد ف ّ�ضل الله بع�َض النب ِّيين على بع�ض وتظنون �أنكم لم تلبثوا في الدنيا إ�لا قليل ًا.
بالمعجزات و َك ْثة التابعين ،لا بالملك ،ف َف�ض ُل داود أ�نه
ُ�أوتي الزبور ،لا ألنه ُأ�وتي الملك؛ فلا َع َج َب أ�ن َتنال 53وقل � -أيها النبي -للم ؤ�منين �أن يقولوا �أح�س َن
الكلام و أ�طي َبه في مخاطباتهم ومحاوراتهم ،و ْل َيحذروا
الف�ضل العظيم بما �أُوتي َت من القر آ�ن. ال�شيطان ف�إنه ي�سعى للإف�ساد بين النا�س و إ�ثارة العداوة
والمخا�صمة بينهم� ،إنه كان ل إلن�سان عد ّواً ب ِّ َي العداوة.
56قل � -أيها الر�سول -للذين يزعمون �أ ّن مع الله
آ�لهة من الملائكة �أو الجن �أو غير ذلك أ� ْن يدعوهم �إذا ٢٨٧
نزل ْت بهم �ش ّد ٌة� ،أو أ�حاط بهم بلا ٌء ،و�َس َيون �أنهم لا
ي�ستطيعون رف َع ما أ��صابهم من �سوء ولا َن ْق َلهم من حال
الع�سر وال�ش ّدة �إلى حال الي�سر والرخاء.
57ه�ؤلاء الذين اتخذهم الم�شركون �أرباب ًا يعبدونهم
ويدعونهم من ا ألنبياء والملائكة وال�صالحين ُه ْم في غاية
الافتقار �إلى الله ،وك ُّلهم يتقربون �إلى ربهم بالطاعة،
ويتناف�سون أ� ُّيهم يكون �أقرب �إليه ،وهم جميع ًا يرجون
رحمته ويخافون عذابه ك�سائر العباد .إ� َّن عذاب ربك
كان َمـ ُخوفـ ًا ،حقيق ًا ب أ�ن يحذره ك ُّل أ�حد.
58وما ِمن �أهل قرية كفروا وع َ�صوا إ� ّل نحن
مهلكوهم بالتدمير والا�ستئ�صال قبل يوم القيامة ،أ�و
معذبوهم عذاب ًا �شديداً بالجوع والقحط والوباء وغير
ذلك ،فح ِّذر �أه َل مكة من هذه ال�ُّس ّنة ا إلله ّية الما�ضية.
كان ذلك في اللوح المحفوظ مكتوب ًا.
59وما َ� َص َفنا عن إ�ر�سال الآيات التي اقترح ْتها
قري�ش �إلا تكذي ُب الأ ّولين بها ،فهلكوا ،و ُهم أ�مثا ُلهم،
فلو �ُأر�سلت لك َّذبوها ،فيهلكوا ،كما م�ض ْت به �ُس ّن ُتنا،
وقد ق�ضينا في أَ� َزلنا أ� ّل ن�ست أ��صلهم؛ لأ َّن فيهم َم ْن ي�ؤمن،
أ�و يل ُد َم ْن ي�ؤمن .ثم ذك َر اللهُ بع�َض َم ْن أ�هلك بتكذيب
ا آليات المقترحة فقال :و�آتينا ثمود ب�سبب �س�ؤالهم
الناق َة �آية ب ِّين ًة وا�ضح ًة ُيدر ُكها ك ُّل َم ْن ُيب�صرها ،فظلموا
ُنر�سل بالآيات فهلكوا ،وما ب�سبب عقرها �أنف َ�سهم
الم�ست�أ ِ�صل ،ف�إ ْن نزول العذاب إ�لا تخويف ًا ِم ْن المقت َرحة
لم يخافوا َن َز َل بهم.
60و إ�ذ قلنا ل َك � -أيها الر�سول -فيما �أوحينا إ�ليك:
�إ َّن ربك أ�حاط بالنا�س علم ًا وقدر ًة ،فلا َم ْهر َب لهم
ولا َمنجى ،وما جعلنا ما �أريناك ليل َة الإ�سراء �إلا اختباراً
للنا�س .لنرى َم ْن ي�ؤم ُن بذلك و َم ْن يك ّذب ،وما جعلنا
�شجر َة الز ُّقوم الملعون َة �إ ّل عذاب ًا ُمر َ�صداً للكافرين،
ونخ ِّوفهم ب�أنواع التخويف ،فما يزيدهم �إلا عت ّواً
مجاو ِزاً للح ِّد.
ب َح ْملهم على َك�ْسبها و َج ْمعها من الحرام والت�ص ُّرف أ�يها الر�سول -إ�ذ قلنا للملائكة :ا�سجدوا واذك ْر - 61
فيها على ما لا ينبغي ،ك إ�نفاقها في المعا�صي ،و�شاركهم �إلا �إبلي�س امتنع وقال� :أنا �َأ ْ�صلي من النار ف�سجدوا لآدم،
في الأولاد بح ِّثهم على التو�صل إ�ليهم من غير نكاح
م�شروع وعلى ن�سبتهم �إلى غير �آبائهم والإ�ساءة في فكيف �أ�سجد لمن خلقته من طين؟!
تربيتهم ،و ِع ْدهم المواع َد الباطلة كطول الأمل وت�أخير
التوبة ،وما يع ُدهم ال�شيطان إ�لا باطل ًا ،يز ُّين لهم الخط�أ أ�عمل2هَّ6ليتنب�أقيما إ�رلل �إيىبليبياو�لم�سس:ال َ�أجقيوخا ِدمبةلنهي،أُليال�ِـضرَلم َّ ّنبك ّذرعِّرم َّيَتنت ُهههعوذلا َّلأايقل؟وذد َّنوياهلل ِهكم ّر�إللمئ َت ُهنى
ع�صيانك ،كما ُتقاد الدابة ،إ�لا قليل ًا ،وهم عبادك
بما يوهم �أنه �وصاب. المعت ِ�صمون بك المخل�وصن في طاعتك ،فه ؤ�لاء لا
65ومع ك ِّل هذا ف إ� َّن عبادي المخل�صين الذين �سلطان لي عليهم.
في جميع أ�مورهم وي�ستعينون بي في ك ِّل عل َّي يتوكلون 63قال اللهُ :ام�ِض ل�ش�أنك الذي اختر َته ،ولك
لك عليهم ت�س ُّل ٌط ولا َتقدر على إ�غوائهم؛ لي�س �أحوالهم ما أ�رد َت من الإمهال ،و�س�أح ِّذر عبادي منك ومن
و�ساو�سك و إ��ضلالك و�إغوائك ،ف َمن تبعك منهم بعد
بربك وكفى وات َخذوني وكيل ًا. التج ؤ�وا إ�ليَّ، حيث ذلك ف إ� ّن جهنم جزا ُ�ؤك وجزاء �أتباعك جزا ًء كامل ًا لا
لمن تو َّكل عليه. النبي -حافظ ًا � -أيها
ُيخ ّفف عنكم والُ ينق�ص لكم منه.
66ر ُّبكم الذي ُيجري لكم ال�سف َن و ُي�س ِّيها في البحر 64وا�ست ِخ َّف وا�ست ِز َّل َم ْن ا�ستطع َت ِم ْن ذ ِّر َّية آ�دم
لتبتغوا من ف�ضله بالتجارة وال�صيد وغير ذلك ،إ�نه كان بدعوتك إ�ياهم للمع�صية ،واجم ْع عليهم مكايدك
بكم رحيم ًا في ت�سخيرها لكم ،فا�س أ�لوه من ف�ضله ،وثقوا و َحبائلك ،وح ّثهم على الغواية ،و�شا ِركهم في الأموال
بوعده،وا�شكروهعلىما�س َّخرلكممن�أ�سبابالك�سب.
٢٨٨
�إهلا ِككم و إ�غراقكم انت�صاراً لكم؟
70ولقد ك ّرمنا أ�ولا َد آ�دم تكريم ًا كبيراً ،ف أ�ح�س ّنا
�وصرهم ،وميزناهم بالعقل وبالقدرة على الاختيار،
وهديناهم إ�لى ما فيه �أ�سبا ُب معا�شهم ،وحملناهم في الب ِّر
على الدوا ّب وغي ِرها ،وفي البحر على ال�سفن ،ورزقناهم
من طيبات المطاعم والم�شارب ،وف َّ�ضلناهم بالعلوم
والإدراكات مما ر َّكبنا فيهم على كثي ٍر ممن خلقنا تف�ضيل ًا،
فح ّق عليهم أ�ن ي�شكروا هذه النعم ولا يكفروها.
ندعو ك َّل �أيها النب ُّي -لقومك يو َم ج1م7اع ٍةوامذنكا ْلرنا�-س
في الخير أ�و بنب ِّيهم� ،أو بمن كانوا يتبعونه
ال�ش ِّر ،فيقال مثل ًا :يا أ�تباع مو�سى أ�و يا أ�هل التوراة،...
ندعوهم ليت�س َّلموا كت َب أ�عمالهم ،ف َم ْن ُأ�عطي �صحيفة
�أعماله بيمينه :ف�أولئك يقر ؤ�ون كت َبهم فرحين م�سرورين،
ولا ُين َق ُ�صون ِم ْن �أجور أ�عمالهم المكتوب ِة في �صحيفتهم
َ�أ ْدنى �شيء ،ولو كان ي�سيراً كالخيط الذي في �ش ِّق النواة.
72و َم ْن كان في هذه الدنيا فاق َد الب�صيرة ،لا يهتدي 67و�إذا كنتم في البحر و ِخفتم الغر َق غا َب عنكم
إ�لى ُر�شده ،ولا يعرف ما َ�أ ْو َليناه ِم ْن نعمة التكريم في تلك ال�شدائد َم ْن ت�ستغيثون به في حوادثكم إ�لا الله،
والتف�ضيل فهو في الآخرة أ�عمى كذلك ،وفي َحير ٍة فل َّما دعوتموه وا�ستجاب لكم فن َّجاكم إ�لى البر و�س َّلمكم
من تلك المخاوف� ،أعر�ضتم عن توحيده ،وكفرتم به،
وذهو ٍل ،وهو هناك أ�بع ُد عن طريق النجاة. و ُع ْدتم �إلى أ�وثانكم ،ولم ت�شكروا نعمته عليكم ،إ� َّن
73وقد قار َب كفا ُر قري�ش -في ظ ِّنهم الباط ِل الإن�سا َن جحو ٌد للنعم.
و َز ْع ِمهم الكاذب -أ�ن يخدعوك وي�صرفوك -أ�يها
الر�سول -عن بع�ض ما أ�وحينا إ�ليك في هذا القر آ�ن؛ � 68أتظ ُّنون حين َنوتم من البحر و أ�هوا ِله أ�نكم أ� ِم ْن ُتم
لتقول علينا ما لم َن ُقل لك ،ولو فعل َت ما �أرادوا منك �أن َيخ�سف الله بكم جانب ال َ ِّب ب�أن يجعل �أ�سفله �أعلاه
فتهلكوا تحته� ،أو أ� ِمنتم أ�ن ُير�سل عليكم ريح ًا �شديد ًة
ل�صر َت لهم ول ّي ًا قريب ًا و�صديق ًا� ص ِف ّي ًا. و َيرميكم بالح�صى والحجارة ،ثم لا تجدوا حافظ ًا
75 74وللاو أ�ن َع َ�ص ْمناك -أ�يها الر�سول -لقارب َت يحفظكم من عذابه ،ويمنعكم من عقابه؟
-لق ّوة خداعهم واحتيالهم وحر�صك على هدايتهم -أ�ن
تميل إ�ليهم �شيئ ًا قليل ًا فيما اقترحوه عليك ،لك ْن تثبي ُتنا لك � 69أَ ْم �أ ِمنتم ِم ْن أ�ن يخلق فيكم َدواعي َ ْت ِملكم على
حا َل دون أ�ن ُتقارب الميل .ولو َر َكن َت إ�ليهم لع ّذبناك ِمث َلي �أن ترجعوا �إلى البحر وتركبوا فيه ثاني ًة ،ف�إذا �صرتم في
ما ُع ِّذب غي ُرك في الدنيا والآخرة ،ث ّم لا تجد لك ن�صيراً ُعبابه ُير ِ�س ُل عليكم ريح ًا �شديدة لا تم ُّر ب�شي ٍء إ�لا ك�سرته،
يدفع عنك العذاب .ولكن هذا لا يكون أ�بداً لا�ستحالة فيغرقكم بكفركم ،ثم لا تجدوا �أحداً يطالبنا ب َت ِب َعة
مخالفته ر َّبه ،و�إنما هو بيا ٌن ِل ِعظم ِن ْعمة ال ِع�صمة. ٢٨٩
76ولقد قار َب أ�ه ُل مكة أ�ن يزعجوك بعداوتهم
و َمكرهم لإخراجك منها ،ولك َّن اللهَ ث ّبتك و�أعانك،
ولو خرج َت منها لا يبقون بعد خروجك إ� ّل زمان ًا قليل ًا
حتى تنز َل بهم العقوب ُة.
77عاد ُة الله تعالى أ�ن يهلك ك َّل �أهل قرية �أخرجوا
ر�ُسولهم ِمن بين أ� ْظ ُهرهم ،هذه �س َّنة الله في الأمم الخالية،
ولا تج ُد لهذه ال�ُّس ّنة تغييراً.
� 78أ ِقم ال�صلا َة ابتدا ًء من وقت ال َّظهيرة ،وهو وقت
ب ْدء زوال ال�شم�س وميلانها نحو المغرب� ،إلى وقت
اجتماع ظلمة الليل .والإ�شارة بدلوك ال�شم�س إ�لى وقت
الظهر والع�صر ،وب َغ َ�سق الليل إ�لى المغرب والع�شاء .و�أ ِقم
�صلاة ال�صبح عند الفجر قبل طلوع ال�شم�س ،وهي
�صلاة م�شهودة تح�ضرها ملائك ُة الليل وملائك ُة النهار.
و�ص ِّل لله نومك في الليل، و ُق ْم -يا محمد -من 79
درجا ٍت المفرو�ضةَ ،ت ِز ْدك غير ال�صلوات الخم�س �صلا ًة
فوق درجاتك ،وا ْر ُج أ�ن ي ؤ�تيك ر ُّبك يوم القيامة مقام
ال�شفاعة عنده ،وهو مقام جليل َيحمدك عليه ا أل ّولون
ُ�ضوب النعم� ،أعر�ض عن ِذكرنا و�ُشكرنا ،و َتباعد والآخرون.
بنف�سه غافل ًا عن القيام بح ّق المنعم من الطاعة و إ�خلا�ص
العبادة ،و إ�ذا م�َّسه ال�ش ُّر من فق ٍر �أو مر�ٍض �أو نازل ٍة كان 80و ُقل :ر ّب �أدخلني ُمدخل ًا �صادق ًا كريم ًا َمر�ضي ًا
في �أموري كلها ،في َح ِّلي و َترحالي ،وديني ودنياي،
�شدي َد ال ُقنوط ِمن َر ْوحنا و َف َرجنا! و أ�خرجني كذلك ُمخرج �صد ٍق وعناي ٍة في كل �أم ٍر
84قل -أ�يها الر�سول :-ك ُّل واح ٍد �سواء من الم�ؤمنين فرغ ُت منه ،أ�و مكا ٍن انتقل ُت عنه ،واجع ْل لي منك
�أو الكافرين َيعمل على طريقته ،فر ُّبكم الذي يراكم ولا
تخفى عليه �أحوا ُلكم هو أ�عل ُم بمن هو �أ�س ُّد طريق ًا و أ� ْقوم ُح ّج ًة ظاهر ًة فيما أ�َ َد ُع و�أفع ُل.
�سبيل ًا. 81و ُقل منذراً وم�ستب�شراً بن�صر الله :جاء الدي ُن الح ُّق
وو ّلى ال�شرك وما ينطوي عليه من الباطل� ،إ ّن الباطل
85وي�س�ألك الم�شركون ب�إيعا ٍز من اليهود عن حقيقة
ال ُّروح الذي هو م َد ِّبر البد ِن الإن�ساني و َمبد�ُأ حياته، ُم ْ�ض َمح ٌّل زائ ٌل.
فقل لهم� :إ ّن الروح من علم ربي الذي ا�ست�أثر به .وما
ُ�أوتيتم من العلم إ�لا �شيئ ًا قليل ًا لا ُيذكر أ�مام �سعة علم الله 82ونن ِّزل ِم ْن �آيات القر آ�ن ما هو �شفا ٌء لما في ال�صدور
ِمن ال َّريب والجهل وال َّزيغ والك ْب و�سائر أ�مرا�ض القلوب،
و إ�حاطته. ورحم ٌة للم ؤ�منين الذين ينتفعون بتلاوته والعمل به ،ولا
يزي ُد هذا القر�آ ُن الكفا َر إ� ّل هلاك ًا لكفرهم وتكذيبهم
86ولئن �أردنا �أن َن ْذهب بالقر�آن الذي أ�وحيناه
ونمحوه من �صدركَ ،ل َفعلنا ،ث ّم لا تجد َم ْن يتو ّكل بر ّده. به.
٢٩٠ 83و إ�ذا �أنعمنا على ا إلن�سان بال�صحة والعافية و�سائر
المعاندة والمحا َد َدة وقالوا :لن ن ؤ�من بك يا محمد 87لك ّن الله ر ِحم َك ف�أثب َت القر آ�ن في قلبك وقلوب
ون�ص ِّدق بما تقول حتى ُتخرج لنا من أ�ر�ض مكة عين ًا الم ؤ�منين ،إ� َّن ف�ضل الله كان عليك كبيراً فقد اختارك
ف ّيا�ض ًة. و�أر�سلك و�أنزل عليك �آخر كتبه ،و�أتم عليك نعمته.
� 91أو تكون لك حديق ٌة عامرة بالنخيل وا ألعناب، 88قل � -أيها الر�سول -لهم متح ّدي ًا :لئن اجتمع ِت
ا إلن� ُس والجن واتفقوا وتظاهروا وتعاونوا على �أن
َف ُتف ِّجر في و�سطها المياه الغزيرة تفجيراً. ي�أتوا بقر آ�ن ِمث ِل هذا القر آ�ن المع ِجز في معناه و َم ْبناه،
لا ي�ستطيعون ولا يتمكنونِ ،لـ َما ت�ض َّمنه من العلوم
� 92أو ُت َع ِّجل لنا العقوب َة التي تتوعدنا بها فتوقع الإلهية ،والبراهين الوا�ضحة ،والمعاني التي لم يكن ألح ٍد
ال�سما َء علينا ِقطع ًا متعدد ًة ،أ�و ت أ�تي لنا بالله والملائكة
بها عل ٌم.
ل ُنعاينهم جهراً ،في�شهدوا لك بما تقول.
89ولقد و َّجهنا القو َل للنا�س في هذا القر آ�ن بكل ما
� 93أو يكون لك بي ٌت من ذهب� ،أو تعرج في ال�سماء ِم ْن �ش أ�نه أ�ن يب ِّي لهم الحجة ويهديهم ال�سبيل ،فرف�َض
أ�مامنا ،ولن ن�ؤمن ل ُعروجك حتى تن ِّزل علينا كتاب ًا فيه
ت�صدي ُقك نقر�ؤه نحن ،من غير أ�ن ُيتل َّقى من ِق َبلكُ .ق ْل �أكث ُر النا�س قبو َله و أ� َبوا �إلا الكف َر والجحود!
لهم -يا محمد -وتع َّج ْب من �شدة َج َدلهم و�إ�صرارهم
على باطلهمُ� :أن ِّز ُه الله عن �أن يتح ّكم في إ�رادته وقدرته 90ولـ َّما عجزوا عن معار�ضة القر�آن لج�ؤوا إ�لى
أ�ح ٌد ،وما �أنا �إلا ب�شرٌ �أُر�سلت إ�ليكم أُلبلغكم ،وا ألم ُر في
٢٩١
ذلك لله وحده.
94وما منع ه ؤ�لاء الم�شركين من الإيمان والت�صديق
والإذعان ِلـ َما جاءهم ِمن الهدى ِم ْن عند ربهم إ�لا
جه ُلهم وا�ستبعا ُدهم �أن يبعث اللهُ ب�شراً يب ِّلغ عنه.
95قل لهم -يا محمد :-لو كان في الأر�ض ملائك ٌة
م�ستخ َلفون ،يعي�وشن فيها و َي ْعمرونها ألر�سلنا �إليهم
م َلك ًا ِم ْن ِجن�سهم ،ولك َّنكم ب�شرٌ ف أ�ر�سلنا إ�ليكم ب�شراً
مث َلكم ،تعرفون ل�سانه وتفهمون عنه.
96قل� :إ ْن أ��صررتم على مواقفكم الجاحدة فكفى
بالله حاكم ًا َيف�صل بيني وبينكم ،ف ُيع ُّز الـ ُم ِح َّق ،و ُيذل
الـ ُم ْب ِط َل ،و ُيعلي كلمته ،ويخف�ُض كلمتكم ،إ� ّنه كان
بعباده ِمن ال ُّر�ُس ِل والم ْر�َس ِل �إليهم عليم ًا محيط ًا.