The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

تفسير القرآن الكريم_compressed

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Ghada Alnawawy, 2021-11-09 00:37:41

تفسير القرآن الكريم_compressed

تفسير القرآن الكريم_compressed

‫‪ ٦٠‬ف�إ ْن لم ت أ�توني ب�أخيكم ذلك‪ ،‬فلي�س لكم عندي‬ ‫‪ ٥٣‬وقال توا�ضع ًا لله تعالى و إ�قراراً بف�ضله‪ ،‬و أ� ّنه هو‬
‫َب ْع َد اليوم طعام �أكيله لكم‪ ،‬ولا تقربوا بلادي‪.‬‬ ‫الذي َع َ�صمه‪ :‬وما أَ� ْح ُكم لنف�سي بالبراءة ولا ُأ�ن ّزهها‪،‬‬
‫�إن النف�س ب َطبعها ل�شديدة الميل إ�لى ال�شهوات كثير ُة‬
‫‪ ٦١‬قالوا‪� :‬سن�سعى إ�لى ا�ستمالة �أبيه‪ ،‬و إ�نا لحري�وصن‬ ‫الـ َح ْم ِل على القبائح من ا ألفعال‪ ،‬إ�لا َمن َع َ�صم‪ ‬الله‪� ،‬إ ّن‬
‫على ِف ْعل ما طلب َت‪.‬‬
‫ربي غفور لمن �أذنب من عباده رحيم بهم‪.‬‬
‫‪ ٦٢‬وقال يو�سف لفتيانه الذين �أمرهم بتجهيز �إخوته‪:‬‬
‫اجعلوا ما جا�ؤوا به بديل ًا للطعام في �أوعيتهم‪ ،‬لعلهم‬ ‫‪ ٥٤‬ولـ ّما ا�ستي َقن المل ُك براء َة يو�سف وع ّفته‪ ،‬قال‪:‬‬
‫يعرفون ب�ضاع َتهم وكرام َتهم علينا �إذا رجعوا �إلى �أهلهم‪،‬‬ ‫ائتوني به‪� ،‬أجعله ِمن خا�صتي و�أه ِل م�وشرتي‪ ،‬فلما‬
‫جا ؤ�وا بيو�سف وك ّلمه‪ ،‬عرف الملك ِحكمته و ِعلمه‬
‫لعلهم يعودون إ�لينا‪.‬‬ ‫و ُخ ُلقه‪ ،‬قال له‪� :‬إنك ا آلن ُمـ َم ّك ٌن في مملكتنا م ؤ� َتن على‬

‫‪ ٦٣‬فل ّما رجع إ�خوة يو�سف �إلى �أبيهم وق ّ�صوا عليه‬ ‫جميع ما تتلاوه‪.‬‬
‫ما تل َّقوه من الإكرام‪ ،‬قالوا له‪ :‬يا أ�بانا لقد ُم ِنعنا من �شراء‬
‫الطعام واكتياله حتى َنيء ب أ�خينا‪ ،‬ف�أ ْر ِ�سله معنا لنتمكن‬ ‫‪ ٥٥‬قال يو�سف‪ :‬اجعلني والي ًا على خزائن �أر�ضك‪،‬‬
‫ب�سببه من الح�وصل على الطعام‪ ،‬و�إ ّنا له لحافظون ِمن أ� ْن‬ ‫�إني حفي ٌظ لما ا�ستودعتني‪ ،‬عليم بما و َّليتني‪.‬‬

‫يناله‪ ‬مكروه‪.‬‬ ‫‪ ٥٦‬وهكذا م ّكنا ليو�سف في أ�ر�ض م�صر‪ ،‬يت�صرف‬
‫فيها كيف �شاء‪ ،‬ويتخذ منها منزل ًا حيث يريد‪ ،‬ي�صيب‬
‫‪٢٤٢‬‬ ‫الله بعطائه في الدنيا والآخرة َمن ي�شاء ِمن خلقه‪ ،‬ولا‬

‫ُيب ِطل جزاء َمن �أح�س َن بطاعة ربه‪.‬‬

‫‪ ٥٧‬و َل َثوا ُب الآخرة أ�ف�ضل للذين آ�منوا بالله وخافوا‬
‫عقابه‪ ،‬ف�أطاعوا �أمره ونهيه‪.‬‬

‫‪ ٥٨‬ولـ ّما انحب�س ال َق ْط ُر وا�شت َّد القح ُط وع َّم جميع‬
‫البلاد حتى بلاد ال�شام‪َ ،‬ق َ�صد النا� ُس م�ص َر‪ ،‬فجاء إ�خوة‬
‫يو�سف فدخلوا عليه فعرفهم وهم لا يعرفونه لهيبة‬

‫الـ ُم ْل ِك و ُب ْع ِد ال َع ْهد‪.‬‬
‫‪ ٥٩‬ولـ ّما ح ّمل يو�سف لكل واح ٍد من إ�خوته بعيراً‬
‫من الطعام الذي جا ؤ�وا ِمن أ�جله وز ّودهم بما يحتاجون‬
‫�إليه في �سفرهم‪ ،‬قال لهم‪� :‬أح ِ�ضوا في الم َّرة القادمة‬
‫�أخاكم من أ�بيكم الذي ذكرتم أ�نه بقي في ال�شام مع �أبيه‬
‫يت�س ّلى به‪ ،‬لت�ستزيدوا َكيله‪� ،‬أ َل�ْس ُتم ترون أ�ني �أوفي الكيل‬

‫ولا أ�بخ�س �أحداً‪ ،‬وقد ر أ�يتم �أني خير الـ ُم�ضيفين؟‬

‫‪ 66‬قال لهم يعقوب‪ :‬لن ُ�أر�سل معكم �أخاكم حتى‬ ‫‪ 64‬قال لهم أ�بوهم يعقوب‪ :‬هل �آ َمنكم على �أخيكم‬
‫الذي ت�س أ�لوني �أن ُ�أر�سله معكم �إلا كما �أ ِمنتكم على‬
‫ُتعطوني عه َد الله الم ؤ� َّكد لت�أ ُت َّنني به إ�لا �أن ُتغلبوا على‬
‫ذلك‪ ،‬فلما �أعطوه عهدهم قال‪ :‬الله على ما نقول‬ ‫�شقيقه يو�سف ِمن قبل وقد فعلتم به ما فعلتم؟ ف�أنا لا‬

‫وكيل‪ ،‬أ�ي م ّطل ٌع رقي ٌب‪.‬‬ ‫�أثق بحفظكم ولكني أ�ثق بحفظ الله الذي �سيرحم ِك َبي‬
‫و َو ْجدي بو َلدي‪ ،‬و�أرجو من‪ ‬الله �أن ير َّده عل َّي ويجمع‬
‫‪ 67‬ولـ ّما ع َزم �أبناء يعقوب على الخروج‪ ،‬وهم �أحد‬
‫ع�شر رجل ًا‪ ،‬قال لهم ‪ -‬خوف ًا عليهم من ال َعين‪ :-‬يا َب ِن َّي‬ ‫�شملي به إ�نه �أرحم الراحمين‪.‬‬
‫ال‪ ‬تدخلوا م�صر من باب واح ٍد وا ْدخلوا من أ�بواب‬
‫متفرقة‪ ،‬وما أ�دفع عنكم بو�صيتي هذه من ق�ضاء الله �شيئ ًا‬ ‫‪ 65‬ولـ ّما فتح �إخوة يو�سف متاعهم وجدوا ما دفعوه‬
‫ف ُح ْكمه ناف ٌذ في خلقه‪ ،‬عليه اعتمد ُت وبحفظه لكم‬ ‫بدل ًا عن الطعام الذي َج َلبوه قد ُر َّد �إليهم‪ ،‬قالوا‪ :‬يا أ�بانا‬
‫�أ ّي �شيء نطلب ِمن �إكرا ِم العزي ِز َ�أ ْعظ َم من هذا؟ �إ ّن‬
‫َو ِث ْقت‪ ،‬وعلى الله فليعتمد أ�هل ا إليمان والتوكل‪.‬‬ ‫ب�ضاعتنا ُر ّدت إ�لينا والكي َل قد �أوفي لنا‪ ،‬و�إن ا ْ�ص َطحبنا‬
‫�أخانا َج َلبنا لأهلنا ما هم في حاجة �إليه من الطعام‪،‬‬
‫‪ 68‬ولـ ّما دخلوا من �أبواب متف ّرق ٍة كما �أمرهم‬ ‫ونزداد با�صطحابه ِح ْمل بعي ٍر من الطعام‪ ،‬وتلك زيادة‬
‫�أبوهم‪ ،‬ما كان دخولهم متفر ِقين ليدفع عنهم من ق�ضاء‬
‫ه ِّينة على العزيز فقد �أكرمنا ب�أكثر من ذلك‪.‬‬
‫الله �شيئ ًا غي َر أ�نه ح َّقق ليعقوب طم أ�نينة في نف�سه من جهة‬
‫ما يمكن �أن ي�صيبهم من ال�ش ِّر إ�ذا دخلوا مجتمعين‪ ،‬و�إ َّن‬
‫يعقوب لذو علم عظي ٍم لأجل تعلي ِم الل ِه له إ� ّياه‪ ،‬ولكن‬

‫كثيراً من النا�س لا يعلمون ما كان يعلم‪.‬‬

‫‪ 69‬وحين دخل إ�خوة يو�سف عليه �ض ّم �إليه أ�خاه‬
‫ال�شقيق بنيامين وق ّربه منه و أَ��ْش َعره بالرعاية والحفظ‬
‫والحماية‪ ،‬وقال له �ِ ّساً‪ :‬إ�ني أ�نا يو�سف أ�خوك‪ ،‬فلا تحزن‬
‫بما كان إ�خوتنا يفعلون بنا‪ ،‬ف إ� ّن الله قد �أح�سن �إلينا وجمع‬

‫بيننا‪.‬‬

‫‪٢٤٣‬‬

‫‪ 70‬فل ّما ج ّهز يو�س ُف �إخو َته و أ�م ّدهم بما جا ؤ�وا‬
‫ألجله‪� ،‬أم َر ِب َج ْع ِل مكيال الطعام الذي كان يكيل به‬
‫للنا�س ‪ -‬وهو ال ُّ�صواع ويقال له ال�سقاية ‪ -‬في َر ْحل‬
‫�شقيقه ِخفي ًة من غير أ�ن ي�شعر �أحد‪ ،‬ثم نادى منا ٍد‪:‬‬

‫يا �أ�صحاب القافلة‪� :‬إنكم ل�سارقون!‬

‫‪ 77‬قال إ�خو ُة يو�سف‪ :‬إ� ْن ي�سر ْق ِب ْنيامي ُن فقد �سرق‬ ‫‪ 71‬قال �إخوة يو�سف وقد �أق َبلوا على المنادي‪ :‬ما‬
‫�شقيقه ِمن قب ُل ‪َ -‬يعنون يو�سف‪ -‬و َل�ْسنا على طريقتهما‪،‬‬ ‫الذي َتف ِقدون؟‬
‫ف�أ�ضم َر يو�س ُف هذه التهمة ولم ُيظهر �أثرها لهم‪ ،‬وقال‬
‫‪ -‬مح ّدث ًا نف�سه‪� :-‬أنتم �ش ٌّر منزل ًة بما �َس َلف من أ�فعالكم‬ ‫‪ 72‬قال المنادي و َم ْن معه‪ :‬نف ِقد �صا َع المل ِك الذي‬
‫ممن و�صفتموه بال�سرقة‪ ،‬واللهُ عالـ ٌم بكذبكم و�إ ْن ج ِهله‬ ‫يكيل به‪ ،‬ولمن جاء به ِحم ُل بعي ٍر من الطعام مكاف أ�ة له‪.‬‬

‫كثي ٌر من الحا�ضرين‪.‬‬ ‫وقال المنادي‪ :‬و�أنا �ضام ٌن للمكاف أ�ة كفي ٌل‪ ‬بت�سليمها‪.‬‬

‫‪ 78‬قال �إخوة يو�سف َي�ْستع ِطفونه‪ :‬يا أ�يها الملك إ� ّن له‬ ‫‪ 73‬فل ّما ا ّتهم ال ِف ْتيا ُن إ�خو َة يو�سف بال�سرقة قالوا لهم‪:‬‬
‫�أب ًا �شيخ ًا كبيراً في ال�ِّسن لا ي�صبر على ِفراقه‪ ،‬ف ُخ ْذ �أحدنا‬ ‫تالل ِه لقد ر�أيتم من �سيرتنا الح�سنة فيما �َس َبق‪ ،‬أ�ننا ما جئنا‬
‫لنع�صي الله في �أر�ضكم بالف�ساد أ�و ال�سرقة‪ ،‬و�أخلا ُقنا‬
‫بدل ًا منه إ� ّنا نراك من المح�سنين في أ�فعالك‪.‬‬
‫ت أ�ْ َبى ذلك‪.‬‬

‫‪ 74‬قالوا‪ :‬فما عقوبة َم ْن �سرقه إ� ْن وجدناه عنده وكنتم‬
‫فيما أ�ق�سمتم عليه كاذبين؟‬

‫‪ 75‬قال إ�خوة يو�سف‪ :‬عقوب ُته أ� ّن َم ْن ُو ِجد في َر ْحله‬
‫ُيدفع �إليكم لا�س ِ ْتقا ِقه‪ ،‬هذا جزاء َم ْن �سرق في �شريعتنا‪.‬‬

‫‪ 76‬فبد�أ يو�س ُف بتفتي�ش أ�وعيتهم قبل وعاء �شقيقه‬
‫‪ -‬إ�حكام ًا في َن ْفي �أن تكون هذه مكيدة لأخذ �أخيهم‬
‫بنيامين‪ -‬ثم ا�ستخرج ال ُّ�صواع من َر ْحل �شقيقه ِب ْنيامين‪.‬‬
‫كذلك أ�ل َه ْمنا يو�س َف هذه الحيلة لأخذ أ�خيه‪ ،‬لم يكن‬
‫له �أخ ُذه ولا ا�ستبقا�ؤه في ُح ْك ِم �أهل م�صر و�شريعتهم‪،‬‬
‫ولك َّن الله �أن َط َق بذلك �إخوته تنفيذاً لم�شيئة الله‪ ،‬نرفع‬
‫درجات َم ْن ن�شاء في العلم كما رفعنا درجة يو�سف‪،‬‬
‫وفوق ك ِّل ذي عل ٍم َم ْن هو �أعلم منه حتى ينتهي العلم‬

‫إ�لى الله العليم‪ ،‬الذي له العلم‪ ‬كله‪.‬‬

‫‪٢٤٤‬‬

‫‪ 82‬وقولوا له‪ :‬إ� ّن الخبر قد ذاع و�شهده َج ْم ٌع كبير‬
‫من النا�س‪ ،‬و إ�ن كن َت غير م�ص ِّد ٍق لنا ف أ�ر�سل �إلى م�صر‬
‫َم ْن ي�س أ�ل �أهلها وا�س�أل كذلك أ��صحاب القافلة التي كنا‬

‫فيها‪ ،‬و إ�نا ل�صادقون فيما أ�خبرناك‪.‬‬

‫‪ 83‬فرجعوا �إلى أ�بيهم فقالوا له هذا الكلام‪ ،‬فقال‪ :‬بل‬

‫ز ّين ْت لكم أ�نف�سكم �أمراً ومكيدة قد مكرتموها‪ ،‬ف�صبري‬
‫على ما نالني �صب ٌر جميل لا ج َز َع فيه ولا �شكوى معه‬
‫لغير الله‪ ،‬ع�سى الله أ�ن ير َّد عل َّي �أبنائي الثلاثة جميع ًا‪ ،‬إ�نه‬

‫هو العليم بحالي وحالهم‪ ،‬الحكيم في تدبيره لخلقه‪.‬‬

‫‪ 84‬ث ّم �أ ْع َر�ض يعقو ُب عنهم وقال‪ :‬يا ُحزناه على‬ ‫‪ 79‬قال يو�سف‪ :‬أ�َ�ْس َتجير بالله أ�ن ن أ�خذ غي َر الذي‬
‫يو�سف! و َتب َّدل �سواد عينيه بيا�ض ًا من �شدة ُحزنه‪ ،‬وهو‬ ‫وج ْدنا متاعنا عنده‪ ،‬ف�إننا إ�ن أ�خذنا بريئ ًا بذنب غيره كنا‬
‫كات ٌم حز َنه �ساك ٌت عن م�صيبته لا ي�شكو �أ ْمره إ�لى مخلوق‪.‬‬
‫جائ ِري َن على النا�س‪ ،‬وفع ْلنا ما لي�س لنا ِفع ُله‪.‬‬
‫‪ 85‬قال أ�بناء يعقوب‪ :‬تالله لا تزال تذكر يو�س َف ولا‬
‫َتف ُت عن َت َذ ُّكره حتى ُيذيبك اله ُّم َف ُت�ش ِرف على الهلاك‬ ‫‪ 80‬فل ّما يئ�سوا من يو�سف أ�ن ُيجيبهم �إلى ما �س أ�لوه‬
‫انف َردوا عن النا�س ُيك ّلم بع ُ�ضهم بع�ض ًا �س ّراً‪ ،‬قال كبيرهم‪:‬‬
‫�أو تكون من الهالكين‪.‬‬ ‫أ�لم تعلموا �أن أ�باكم قد أ�خذ عليكم عهو َد الله ومواثيقه‬
‫�أن ُترجعوا �إليه �أخاكم وقد عاهدتموه ِم ْن َقبل هذا على‬
‫‪ 86‬فر ّد عليهم يعقوب قائل ًا‪ :‬ما أ��شكو ه ّمي و ُحزني‬ ‫ِح ْفظ يو�سف ثم �ضيعتموه عمداً‪ ،‬فلن �أخرج ِم ْن هنا‬
‫�إلا �إلى الله وحده‪ ،‬و أ�علم ِم ْن ُلطفه ورحمته ما يوجب‬ ‫حتى ي�أذن لي أ�بي بالرجوع‪� ،‬أو يق�ضي لي ربي بالخروج‪،‬‬

‫عل َّي مزيداً من ُح�سن الظن وق ّوة الرجاء فيه‪.‬‬ ‫وهو خير َم ْن يحكم و أ�عد ُل َم ْن يف�صل بين النا�س‪.‬‬

‫‪ 81‬ار ِجعوا أ�نتم �إلى أ�بيكم فقولوا له‪ :‬إ�ن ِب ْنيامين‬
‫�َسق‪ ،‬وما �َش ِه ْدنا عليه �إلا بما ر�أينا من ا�ستخراج المكيال‬
‫من َر ْحله‪ ،‬وما كنا لنعلم �أنه ي�سرق حين �أعطيناك العهد‪.‬‬

‫‪٢٤٥‬‬

‫‪ 87‬ث ّم قال يعقوب‪ :‬يا َبن َّي ار ِجعوا إ�لى المكان الذي‬
‫جئتم منه‪ ،‬فالتم�سوا َخ َب يو�سف و أ�خيه‪ ،‬ولا َتقنطوا من‬

‫رحمة الله‪ ،‬إ�نه لا يقنط منها إ�لا القوم‪ ‬الجاحدون‪.‬‬

‫‪ 94‬ولـ ّما خرجت القافلة من م�صر راجع ًة �إلى ال�شام‬ ‫‪ 88‬فرجعوا إ�لى م�صر‪ ،‬فلما دخلوا على يو�سف قالوا‪:‬‬
‫قال يعقوب لمن ح�ضر ِمن أ�هله وو َل ِد و َلده‪� :‬إني ألجد‬ ‫يا �أيها الملك م�ّسنا و أ�ه َلنا الجو ُع وال�شدة‪ ،‬وجئنا بب�ضاع ٍة‬
‫رديئ ٍة كا�سد ٍة‪ ،‬ف أ�ع ِطنا بها ما كن َت تعطينا َقب ُل بالثمن‬
‫ري َح يو�سف‪ ،‬وللاو �أنكم َت ْن�ُسبوني إ�لى الوهم في �ش�أن‬ ‫الجيد‪ ،‬وتف ّ�ض ْل علينا ولا تنق�صنا لرداءة ب�ضاعتنا‪� ،‬إ ّن الله‬
‫يو�سف ل�ص ّدقتموني في ذلك‪.‬‬
‫ُيثيب المتف ّ�ضلين‪.‬‬
‫‪ 95‬قال الحا�ضرون عنده‪ :‬تالل ِه إ�نك ِمن ِ�ش ّدة ُح ّب‬
‫يو�سف و ِذ ْكره لفي خطئك القديم‪ ،‬لا تن�ساه ولا‬ ‫‪ 89‬فل ّما �َش َكوا حا َلهم أ��شفق يو�سف عليهم‪ ،‬فقال‬
‫لهم‪ :‬هل تذكرون ما فعلتم بيو�سف و�أخيه إ�ذ ف ّرقتم‬
‫تت�س ّلى عنه‪.‬‬ ‫بينهما‪ ،‬و�أنتم جاهلون بعاقبة �ُسوء ُ�صنعكم وما قد ي�صير‬

‫�إليه أ� ْم ُره و أ�مركم؟‬

‫‪ 90‬قال �إخوة يو�سف حين قال لهم ذلك‪� :‬أ إ�نك‬

‫ألنت يو�سف؟ قال‪ :‬نعم �أنا يو�سف‪ ،‬وهذا أ�خي قد �أنعم‬

‫الله علينا ب أ�ن جمع بيننا‪� ،‬إ ّنه َم ْن ي ّتق الله وي�بِ ْص على ما‬
‫يناله‪ ،‬ف�إ ّن الله لا ُيبطل ثواب المح�سنين‪ ،‬ولك ْن يجزيهم‬

‫بما عملوا �أح�س َن الجزاء في الدنيا وا آلخرة‪.‬‬

‫‪ 91‬قالوا معتذرين‪ :‬تالله لقد ف ّ�ضلك الله علينا‪ ،‬وما‬
‫كنا فيما �صنعنا بك �إلا ُمذنبين‪.‬‬

‫‪ 92‬قال يو�سف‪ :‬لا ع ْت َب ولا توبيخ عليكم اليوم‪،‬‬
‫عفا الله عن ذنبكم‪ ،‬وهو أ�رحم الراحمين بمن تاب من‬

‫ذنبه و�أناب‪.‬‬

‫‪ 93‬ثم �س�ألهم عن �أبيهم فقالوا‪َ :‬ذ َه َب ب�ص ُره من الحزن‬
‫عليك‪ ،‬ف أ�عطاهم قمي�صه وقال لهم‪ :‬اذهبوا بقمي�صي هذا‬

‫ف�أل ُقوهعلىوجه�أبي َي ُع ْدب�صيراً‪،‬وجي ُئونيبجميع أ�هلكم‪.‬‬

‫‪٢٤٦‬‬

‫ادخلوا م�صر آ�منين �إن �شاء الله لا يم�ُّسكم َج ْو ٌر ولا مكروه‬
‫من �أهل م�صر و�سلطانها‪.‬‬

‫‪ 100‬ور َف َع �أبويه على �سرير الـ ُملك �إكرام ًا لهما‪ ،‬و َخ َّر‬
‫له أ�بواه و إ�خوته �ساج ِدين تحي َة �إكرا ٍم و�إجلا ٍل على عادة‬

‫ذلك الزمان‪ ،‬فلما ر أ�ى يو�س ُف ذلك قال ليعقوب‪:‬‬

‫يا �أب ِت هذا تف�سير الر�ؤيا التي ق�ص�ص ُت عليك و�أنا‬

‫َ�صب ٌّي قد ح ّققها ربي‪ ،‬وقد �أنع َم عل ّي �إذ �أخرجني من‬
‫ال�سجن الذي كن ُت فيه وجاء بكم من البادية‪ ،‬بعد �أن‬
‫َ�أوقع ال�شيطا ُن الح�س َد بيني وبين إ�خوتي و�أف�سد بيننا‪� ،‬إ ّن‬
‫ربي لطي ُف التدبير ِلـ َما ي�شاء من الأمور‪ ،‬إ�نه هو العليم‬

‫بم�صالح َخ ْلقه‪ ،‬الحكيم في ق�ضائه وجميع أ�فعاله‪.‬‬

‫‪ 101‬ثم دعا يو�سف ر ّبه قائل ًا‪ :‬ر ِّب قد آ�تيتني �سلطان ًا في‬ ‫‪ 96‬وما أ� ْن جاء المب�ِّش بالخبر حتى أ�لقى قمي�ص يو�سف‬
‫بلاد م�صر‪ ،‬وع ّلمتني من تعبير الر ؤ�يا‪ ،‬يا خال َق ال�سماوات‬ ‫على وجه أ�بيه كما ُأ� ِم َر‪َ ،‬ف َرجع إ�لى يعقوب ب�ص ُره من‬
‫والأر�ض وبار َئها‪ :‬أ�نت متل ّو �أموري بالنعمة في الدارين‪،‬‬ ‫حينه‪ ،‬فقال لمن كان ب َح ْ�ضته‪� :‬ألم �أ ُقل لكم �إني أ�عل ُم عن‬
‫الله ‪ -‬أ�ي في �أ ْم ِر يو�سف و َخ َ ِبه وما يكون بعد ال ِفراق‬
‫اق ِب�ضني �إليك ُم�س ِلم ًا و�ألحقني بال�صالحين‪.‬‬
‫من الجمع‪ -‬ما لا تعلمون؟‬
‫‪ 102‬ذلك الذي ذكر ُت لك ‪� -‬أيها الر�سول‪ِ -‬م ْن ق�صة‬
‫يو�سف و إ�خوته هو ِم ْن أ�خبار الغيب؛ نلقيه عليك َو ْحي ًا؛‬ ‫‪ 97‬قال �أبناء يعقوب له‪َ� :‬س ِل اللهَ مغفر َة ما ارتكبنا في‬
‫وما كن َت ‪ -‬يا محمد‪ -‬عند أ�بناء يعقوب حين عزموا‬ ‫ح ّقك وح ِّق يو�سف‪� ،‬إنا كنا مذنبين‪.‬‬
‫على إ�لقاء يو�سف في الـ ُج ِّب وهم يمكرون به‪ ،‬وما كن َت‬
‫ل َت ْعلم �شيئ ًا من دقائق أ�خباره؛ للاو ما �أوحيناه �إليك‪.‬‬ ‫‪ 98‬قال يعقوب‪� :‬سوف أ��س�أل ربي أ�ن يغفر لكم‬
‫وهذا دليل على �صدقك‪ ،‬و أ�نك ُت َل ّقى القر آ�ن وحي ًا من‬
‫ذنوبكم‪� ،‬إنه هو الذي ي�ستر ذنوب التائبين ويرحمهم‬
‫ر ّبك‪.‬‬
‫فلا يعذبهم بها بعد َتوبتهم‪.‬‬
‫‪ 103‬وما �أكث ُر الخل ِق ولو حر�ص َت على �إيمانهم‬
‫بمتح ِّولين ع ّما هم عليه من الكفر وال�ضلال‪.‬‬ ‫‪ 99‬فل ّما دخل يعقوب و�أبنا ؤ�ه على يو�سف �ض ّم‬
‫إ�ليه �أبويه ُم�ْش ِعراً إ�ياهما بالحماية والرعاية‪ ،‬وقال لهم‪:‬‬

‫‪٢٤٧‬‬

‫‪ 110‬ولقد دعا ه ؤ�لاء الر�سل ُ�أم َمه ْم فك ّذبوهم و َر ّدوا ما‬ ‫‪ 104‬ول�س َت ت�س�ألهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬على هذا ال ُّن�صح‬
‫أ�توا به ِمن عند الله‪ ،‬حتى إ�ذا َي ِئ�س الر�س ُل من قومهم‬ ‫وا إلر�شاد �أجراً ِلـ َت ْث ُق َل عليهم‪ ،‬فما هذا القر�آن �إ ّل ِعبر ٌة‬
‫أ�ن ي ؤ�منوا‪ ،‬وظ ّن الكافرون أ� ّن الر�سل قد ك َذبوهم فيما‬
‫�أخبروا به ِمن َن ْ�ص الله �إياهم و إ�هلا ِك عد ّوهم‪ ،‬جاءهم‬ ‫وتذكي ٌر للعالمين كا ّف ًة بما فيه �صلاحهم ونجاتهم‪.‬‬
‫ن�ص ُرنا ف ُن َنجي َم ْن ن�شاء ِمن الر�سل والم ؤ�منين بهم‪،‬‬
‫‪ 105‬وك ْم من علاما ٍت وا�ضحات باهرات َمبثوثة في‬
‫ون�ؤا ِخ ُذ المجرمين منهم‪.‬‬ ‫ال�سماوات وا ألر�ض تدل على الله �سبحانه ووحدانيته‬
‫وقدرته‪ ،‬يـ ُم ّرون عليها ولا يف ِّكرون فيها وفيما تدل‬
‫‪ 111‬لقد كان في ق�صة يو�سف و إ�خوته و ِق�ص�ص ا ُألمم‬
‫ال�سابقة ِعبر ٌة لأهل العقول‪ ،‬ما كان هذا القر آ�ن حديث ًا‬ ‫عليه ِم ْن توحيد خالقها‪.‬‬

‫ُمخت َلق ًا كما زعم الم�شركون‪ ،‬ولك ّنه ت�صدي ُق الذي قبله‬ ‫‪ 106‬وما ي�ؤ ِمن أ�كث ُرهم بالله و أ�نه خالقهم وخالق‬
‫ِمن الك ُتب‪ ،‬وتبيان ك ِّل �شيء ُيحتاج إ�ليه في الدين‪،‬‬
‫ال�سماوات وا ألر�ض وما فيهما‪� ،‬إلا وهم م�شركون في‬
‫و إ�ر�شا ٌد ونعم ٌة لقو ٍم ي�ص ّدقون به‪.‬‬
‫عبادتهم ا أل�صنام وا ألوثان وغيرها‪.‬‬

‫‪� 107‬أف أ� ِم َن ه�ؤلاء الذين ُي�شركون بالله غيره �أن ت�أتيهم‬
‫عقوب ٌة من الله تع ُّمهم‪� ،‬أو ت�أتيهم ال�ساعة فج�أ ًة وهم لا‬

‫ي�شعرون ولا يتو َّقعون قيا َمها؟‬

‫‪ 108‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ :-‬هذه �ُس ّنتي و ِمنهاجي‪ ،‬أ�دعو‬
‫النا�س �إلى عبادة الله و أ�نا على ِعل ٍم و ُح ّج ٍة وا�ضح ٍة‪،‬‬
‫ويدعو �إليها على ب�صير ٍة أ�ي�ض ًا َم ْن �ص ّدقني واتبعني‪ ،‬و إ�ني‬
‫�ُأن ِّزه الله عن أ�ن يكون له �شري ٌك في ُملكه‪� ،‬أو معبو ٌد �سواه‬

‫في �سلطانه‪ ،‬و�أنا بري ٌء من الم�شركين‪.‬‬

‫‪ 109‬وما أ�ر�سلنا ِم ْن قبلك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬إ�لا رجال ًا‬
‫من أ�هل المدن وا ألم�صار ُنوحي �إليهم ِم ْث َلما ُنوحي‬
‫إ�ليك‪� ،‬أفل ْم ي ِ� ْس ه ؤ�لاء الم�شركون في الأر�ض‪ ،‬فيعت ِبوا‬
‫بما آ� َل إ�ليه أ�م ُر ا ألمم قبلهم‪� :‬أه َلكنا الذين ك ّذبوا ر�س َلنا‪،‬‬
‫ونـ ّجينا الذين آ�منوا منهم‪ ،‬و َل َدا ُر الآخرة خي ٌر لمن اتقى‬
‫ر َّبه َف َفع َل ما �أمره به واجتن َب ما نهاه عنه‪ .‬أ�فلا تعقلون‬
‫�ُسن َة الله في الذين من قبلكم؛ فتختاروا الإيمان والنجاة‬

‫ب َد َل الكفر والهلاك؟‬

‫‪٢٤٨‬‬

‫‪ ٣‬وهو الذي َب َ�س َط ا ألر�ض وجعل فيها جبال ًا ثابت ًة‬
‫و�أنهاراً‪ ،‬وجعل فيها ِم ْن ك ِّل نوع ِمن الثمرات زو َجين‬
‫اثنين ال َّذكر وا ألنثى‪ ،‬وجع َل الليل ُيغ ّطي النهار بظلمته‪،‬‬
‫�إ ّن فيما ُذ ِكر من عجائب َخ ْل ِق الله وعظي ِم قدرته‬
‫لدلالا ٍت وعلامات لقو ٍم يتفكرون فيها‪ ،‬في�ستدلون بها‬

‫ويعتبرون‪.‬‬

‫‪ ٤‬وفي ا ألر�ض بقا ٌع متلا�صقا ٌت مختلف ُة الأو�صاف‪،‬‬ ‫‪} ١‬ﭑﭒ{‪� :‬سب َق الكلا ُم على هذه الحروف‬
‫وب�ساتي ُن من �أعنا ٍب‪ ،‬وفيها َز ْرع ونخيل منها الم َّت ِف ُق‬ ‫الـ ُمق َّطعة في �أ ّول �سورة البقرة‪ .‬تلك آ�يا ُت القر�آن العالي ُة‬
‫في ا أل�صل ومنها المفت ِرق‪ُ ،‬ي�سقى ذلك كله بما ٍء واح ٍد‬ ‫ال َق ْدر‪ ،‬وهذا القر�آ ُن الذي �أُن ِزل إ�ليك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪-‬‬
‫ونف ِّ�ضل بع�ضها على بع�ٍض في الثمر وال َّطعم وغير ذلك‪،‬‬ ‫هو الح ُّق فاع َت ِ�ص ْم به‪ ،‬ولك ّن أ�كثر النا�س لا ُي�ص ّدقون ب�أنه‬

‫�إ ّن فيما ُذ ِك َر من �أحوال تلك الجنات َلدلائل عظيم ًة‬ ‫ِم ْن عند الله تعالى‪.‬‬
‫ظاهر ًة لقو ٍم يتد ّبرون‪.‬‬
‫‪ ٢‬الله هو الذي خلق ال�سماوات مرفوع ًة بغير دعائم‬
‫‪ ٥‬و�إ ْن تع َج ْب ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬من �شيء ف َح ِقي ٌق‬
‫بال َعجب قو ُلهم منكرين للبعث‪ :‬أ� إ�ذا كنا تراب ًا بعد الموت‬ ‫َترونها‪ ،‬ثم ا�ستوى على العر�ش ا�ستوا ًء يليق بجلاله‪،‬‬
‫ُنعاد َخلق ًا جديداً كما كنا؟! �إ ّن الذي ق َدر على رفع‬ ‫وذ ّلل ال�شم� َس والقمر لمنافع عباده يجريان �إلى أ� َم ٍد مق َّد ٍر‬
‫ال�سماوات و َب�ْس ِط الأر�ض وت�سخي ِر ال�شم�س والقمر‬ ‫ووق ٍت مع ّ ٍي‪ ،‬يق�ضي ك َّل �أمر في ال�سماوات والأر�ض‬
‫وغير ذلك مما ُذ ِكر‪ ،‬قاد ٌر ال‪َ  ‬ر ْي َب على بعث الخلق بعد‬ ‫على َو ْج ِه الحكمة ِم ْن غير �شريك‪ ،‬يب ِّي لكم آ�يات‬
‫موتهم‪� ،‬أولئك الذين جحدوا قد َرة ر ّبهم‪ ،‬وك َّذبوا‬ ‫كتابه‪ ،‬لعلكم توقنون �أنكم �إلى الله راجعون فتخل�وصا‬
‫ر�سله‪ ،‬و أ�ولئك الذين في أ�عناقهم ا ألغلال يوم القيامة‪،‬‬
‫له العبادة‪.‬‬
‫و أ�ولئك هم الملازمون للنار لا ُيخرجون منها ولا‬
‫يموتون‪.‬‬

‫‪٢٤٩‬‬

‫‪ ٦‬وي�ستعجلك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬م�شركو قو ِم َك‬

‫بالعقوبة والبلاء قبل العافية والإمهال‪ ،‬وهم يعلمون‬

‫العقوبا ِت التي أ�نزلها الله بمن �َس َب َق من المكذبين أ�مثا ِلهم‪،‬‬
‫و�إ ّن ربك لغفور للنا�س لا يع ِّجل لهم العقوبة و�إن كانوا‬
‫ظالمين بل ُيهلهم‪ ،‬و إ� ّن ربك ل�شديد العقاب لمن �أ�ص َّر‬

‫على المعا�صي‪.‬‬

‫‪ ٧‬ويقول الذين كفروا ِمن قومك عناداً ومكابرة‪:‬‬

‫للاو �أُنزل على محمد �آي ٌة ِح�ّسية من ربه كع�صا مو�سى‬
‫وناق ِة �صالح! �إنما �أنت مح ِّذ ٌر لهم من �سوء العاقبة‬

‫ونا ِ�صح‪ ،‬ولكل قو ٍم نب ٌّي يدعوهم إ�لى ربهم‪ ،‬أ� ّما الإتيان‬
‫با آليات المقت َرحة ف�أمره �إلى الله‪.‬‬

‫‪ ١١‬لله تعالى ملائك ٌة يتعاقبون من أ�مام هذا الإن�سان‬ ‫‪ ٨‬الله َو ْح َده يعلم ما تحمل كل �أنثى ‪ -‬من جن�س‬
‫ا إلن�سان �أو الحيوان‪ -‬ذكراً هو �أو �أنثى‪ ،‬تا َّم ًا �أو غير تام‪،‬‬
‫الم�ستخفي بالليل والبارز بالنهار‪ ،‬و ِم ْن ورائه‪ ،‬يحفظونه‬ ‫واحداً هو �أو متعدداً‪ ،‬ويعلم �صفاته وما �سيجري عليه‬
‫ب�إذن الله‪� ،‬إ ّن الله لا ُيغ ِّي ما بقو ٍم ِمن عافي ٍة ونعمة وخير‬ ‫ِم ْن أ�حوال �سواء في أ�ثناء الحمل �أو بعده‪ ،‬ويعلم ما تن ُق�ص‬
‫إ�لى �ضدها حتى يغ ِّيوا هم ما ب أ�نف�سهم من ذلك‬ ‫ا ألرحام ِمن ُم َّدة الحمل فيولد قبل ت�سعة أ��شهر‪ ،‬وما يزيد‬
‫بال ُكفران والظلم والع�صيان‪ ،‬و�إذا �أراد الله بقو ٍم عذاب ًا‬ ‫عليها‪ ،‬وك ُّل �شي ٍء عنده بق َد ٍر معي ٍن لا يجاوزه ولا َينق�ص‬

‫لا�ستحقاقهم ذلك فلا �أح َد َيقدر على ر ِّده عنهم‪ ،‬ولي�س‬ ‫عنه‪.‬‬
‫لهم ِم ْن دون الله ِم ْن ملج أ�ٍ يلج�ؤون إ�ليه‪.‬‬
‫‪ ٩‬والله �سبحانه وتعالى عالمٌ بكل ما غاب‪ ،‬مما لا‬
‫‪ ١٣ ١٢‬هو الذي ُي ْريكم البرق ُيخاف عند لمعانه ِمن‬ ‫يدركه ال ِح� ّس‪ ،‬ولا تقت�ضيه َب ِديه ُة العقل‪ ،‬وعالمٌ بكل‬
‫�وصاعقه �أن تحرق‪ ،‬و ُيط َمع في �أن ينزل معه المطر‪ ،‬و ُيثير‬ ‫م�شا َه ٍد مح�سو�س‪ ،‬ال‪ ‬يخفى عليه �شيء‪ ،‬وهو الكبير‬
‫ال�سحا َب الثقيل المح َّمل بالماء‪ ،‬وي�س ِّبح الرع ُد بحمده‬ ‫الذي ك ُّل �شيء دونه‪ ،‬الم�ستعلي على ك ِّل �شيء بقدرته‬
‫تعالى والملائك ُة من َهيبته و إ�جلاله‪ ،‬و ُير ِ�سل ال�وصاعق‬
‫نقم ًة فيهلك بها َم ْن ي�شاء‪ ،‬وه ؤ�لاء المك ِّذبون ُيخا�صمون‬ ‫وعظمته‪.‬‬

‫النب ّي فيما َي ِ�ص ُف به ر َّبه‪ ،‬وهو �شدي ُد القوة والبط�ش‪.‬‬ ‫‪ ١٠‬ي�ستوي في علمه �سبحانه َم ْن ك َتم القو َل منكم‬
‫في نف�سه و َم ْن �أظهره لغيره‪ ،‬و َمن هو منكم متوا ٍر بالليل‬

‫و َمن هو بار ٌز بالنهار يراه ك ُّل �أحد‪.‬‬

‫‪٢٥٠‬‬

‫ثم ُقل لهم َت ْبكيت ًا و إ�لزام ًا بالحجة وتقريع ًا‪ :‬أ� َب ْع َد �أن‬ ‫‪ ١٤‬لله �سبحانه الدعو ُة الثابتة الواقع ُة في َمح ِّلها‪ ،‬المجاب ُة‬
‫َع ِل ْمتموه ر َّب ال�سماوات والأر�ض تتخذون ِمن دونه‬ ‫ب إ�ذنه عند وقوعها‪ ،‬وا أل�صنا ُم التي اتخذها الم�شركون‬
‫�آله ًة لا ي�ستطيعون ألنف�سهم جل َب نف ٍع ولا دف َع ُ� ٍّض‪،‬‬ ‫�آله ًة ويدعونها ِم ْن دونه‪ ،‬لا ي�ستجيبون لهم بنف ٍع �أو دف ِع‬
‫فهم با أَل ْولى ال‪ ‬ي�ستطيعونه لغيرهم؟! قل لهم ‪� -‬أيها‬ ‫ُ� ٍّض �إلا كما ي�ستجيب الما ُء لمن ب�سط �إليه ك ّفيه ليرت ِف َع �إلى‬
‫الر�سول‪ :-‬هل ي�ستوي الم�ش ِرك والمو ِّحد؟ �َأ ْم هل ي�ستوي‬ ‫ف ِم ِه‪ ،‬والما ُء جما ٌد لا ي�سمع ولا َي ْقدر �أن َيب ُلغ َف َم الداعي‪،‬‬
‫الكفر وا إليمان؟ �أَ ْم إ� ّن ه ؤ�لاء ا أل�صنام َخ َلقوا خلق ًا ك َخ ْلق‬ ‫وما دعا ُء الكافرين أ��صنا َمهم إ� ّل في �ضيا ٍع لا منفع َة فيه‪.‬‬
‫الل ِه فت�شابه على الم�شركين َخ ْل ُق الأ�صنام ب َخلق الله‪،‬‬
‫فجعلوها �شركاء لله في العبادة ِم ْن �أَ ْجل �أ ّنها َخ َل َق ْت كما‬ ‫‪ ١٥‬ولله وحده يخ�ضع وينقاد ك ُّل َم ْن في ال�سماوات‬
‫خلق الله؟ ك ّل لي�س ا ألمر كذلك‪ .‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪-‬‬ ‫وا ألر�ض ِمن الملائكة والجن وا إلن�س‪ ،‬فالم�ؤمنون‬

‫تحقيق ًا للحق و إ�ر�شاداً لهم‪ :‬الله خالق ك ِّل �شي ٍء لا خال َق‬ ‫ي�سجدون طائعين‪ ،‬والكافرون ي�سجدون كارهين‪،‬‬
‫�سواه في�شاركه في العبادة‪ ،‬وهو الفرد الذي لا ثان َي له‪،‬‬ ‫و َتنقا ُد له ِظلالهم بال�صباح والم�ساء‪ ،‬تت�ص ّرف على‬

‫الق ّهار لك ّل ما �سواه‪.‬‬ ‫م�شيئته في الامتداد والتق ُّل�ص وال َفيء والزوال‪.‬‬

‫‪� ١٧‬أنزل الله من ال�سماء ما ًء إ�لى ا ألر�ض‪ ،‬ف�سالت أ�ودي ٌة‬ ‫‪ ١٦‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬له ؤ�لاء الم�شركين‪َ :‬م ْن خا ِل ُق‬
‫بامتلائها ‪�ِ -‬ص َغراً و ِكبراً‪ -‬من ذلك الماء‪ ،‬ف َح َمل ال�سيل‬ ‫ال�سماوات وا ألر�ض ومد ِّبرهما؟ قل‪ :‬الله هو خالق‬
‫الجاري في تلك ا ألودية ُغثا ًء يعلو الماء‪ .‬ومن المعادن التي‬ ‫ال�سماوا ِت وا ألر�ض الذي لا َت ْ�صلح العبادة �إلا له‪،‬‬
‫ي�صهرها النا�س ويوقدون عليها النار طلب ًا ل ِح ْلية يتزينون‬
‫بها �أو �آني ٍة و آ�لات ينتفعون بهما ين�ش�أ ُغثا ٌء ِمثل ُغثاء‬
‫ال�َّسيل‪ .‬كذلك ي�ضرب الله م َث َل الح ِّق والباطل‪ :‬فالباطل‬
‫كال َّز َب ِد وال ُغثاء يطفو ويعلو ولك ّنه ي�ضمح ُّل ويذهب‬
‫ولا ينتفع به �أحد‪ .‬و أ�ما الح ُّق فهو كالماء ال�صافي والمع ِد ِن‬
‫النق ِّي الخال�ص يبقى في ا ألر�ض وينتفع به النا�س‪ ،‬كذلك‬
‫ي�ضرب الله الأمثال زياد ًة في البيان و�إظهاراً لكمال‬

‫ال ُّلطف والعناية في الإر�شاد‪ ‬والهداية‪.‬‬

‫‪ ١٨‬للم ؤ�منين الذين ا�ستجابوا لله حين دعاهم للإيمان‬

‫واتبعوا ر�س َله الجن ُة‪ ،‬و�أ ّما الكافرون الذين لم ي�ستجيبوا له‬
‫فلو أ� ّن لهم ك ّل ما في ا ألر�ض جميع ًا ومث َله معه‪ ،‬ل َب َذ ُلوه‬
‫يوم القيامة افتدا ًء من النار‪� ،‬أولئك يع ِّذبهم الله بذنوبهم‬
‫جميعها فلا يغفر لهم منها �شيئ ًا‪ ،‬وبئ�س الفرا� ُش جهن ُم‬

‫التي هي م�أواهم يوم القيامة‪.‬‬

‫‪٢٥١‬‬

‫‪ ٢٦‬الله و ْح َده يو�ِّسع الرزق على َم ْن ي�شاء ِم ْن عباده‬ ‫‪ ١٩‬هل الذي يعلم أ� ّن ما ُ�أنزل إ�ليك من القر�آن هو‬
‫و ُي�ض ِّيقه على َم ْن ي�شاء‪ ،‬وف ِرح م�شركو مكة بما ُب ِ�سط لهم‬ ‫الحق الذي لا ح َّق وراءه‪ ،‬في�ؤ ِمن به ويعمل به‪ ،‬ك َم ْن هو‬
‫من الدنيا فر َح طغيا ٍن‪ ،‬وما الحياة الدنيا وما فيها من النعيم‬ ‫أ�عمى الب�صيرة فلا ي ؤ� ِمن بالقر آ�ن وال‪ ‬يعمل به؟ إ�نما ي ّتعظ‬

‫بالن�سبة للآخرة ونعيمها إ�لا �شيء قليل �سريع الزوال‪.‬‬ ‫ب�آيات الله ويعتبر بها ذوو العقول ال�سليمة‪.‬‬

‫‪ ٢٧‬ويقول الذين كفروا من �أهل مكة‪ :‬ه ّل ُأ�نزل على‬ ‫‪ ٢٠‬الذين يوفون بما أ�مرهم الله تعالى به وف َر َ�ضه‬
‫محمد معجز ٌة ِح�ِّسية من ربه‪ ،‬قل لهم ‪� -‬أيها الر�سول‪:-‬‬ ‫عليهم‪ ،‬ولا يخالفون العهد الذي عاهدوا‪ ‬الله عليه بل‬
‫�إ ّن الله ي ْ� ِصف عن ا إليمان َم ْن ي�شاء ِمن �أهل الجحود‬
‫والعناد‪ ،‬وير�شد إ�لى دينه وا إليمان به َم ْن رجع إ�لى الحق‬ ‫يلتزمون به ويعملون على مقت�ضاه‪.‬‬

‫و َق ِبل به‪.‬‬ ‫‪ ٢١‬والذين َي ِ�صلون ا ألرحا َم وال َقرابا ِت و�سائ َر ما أ�مر‬
‫الله به �أن يو�صل‪ ،‬ويخافون ر ّبهم �إجلال ًا لمقامه وتعظيم ًا‬
‫‪ ٢٨‬الذين آ�منوا و َت�ْس ُك ُن قلو ُبهم وت�ست أ�ن�س بذكر‬ ‫لربوبيته‪ ،‬ويخافون مناق�ش َة الح�ساب وعد َم مغفر ِة‬
‫الله‪� ،‬أ َل بذكر الله ‪ -‬لا بذكر غيره‪ -‬ت�سك ُن القلوب‬
‫ذنوبهم‪ ،‬فيحا�سبون �أنف�سهم قبل أ�ن ُيحا�َسبوا‪.‬‬
‫و َت�شعر‪ ‬با ألمن‪.‬‬
‫‪ ٢٢‬والذين �صبروا على الـ َمكاره طلب ًا لمر�ضاة‬
‫ربهم‪ ،‬و�أ َّدوا ال�صلاة المفرو�ضة بحدودها في �أوقاتها‪،‬‬
‫و أ�خرجوا زكاة أ�موالهم و أ�نفقوا منها في �سبيل الله في‬
‫الخفاء وال َع َل ِن‪ ،‬ويدفعون بالح�سنة ال�سيئ َة فتمحوها‪،‬‬
‫�أولئك المو�وصفون بهذه ال�صفات الجليلة لهم ُح�ْس ُن‬

‫العاقبة في الدار ا آلخرة‪.‬‬

‫‪ ٢٤ ٢٣‬جنا ُت َع ْد ٍن يدخلها ه�ؤلاء لا يزولون‬
‫عنها هم و َم ْن �آمن و�أطاع من �آبائهم و�أبنائهم ون�سائهم‬
‫وذرياتهم‪ ،‬وتدخ ُل عليهم الملائكة من كل با ٍب‪ ،‬يقولون‬

‫لهم‪� :‬سلا ٌم عليكم بما �صبرتم في الدنيا فنع َم ُعقبى الدار‬
‫ما‪� ‬أنتم‪ ‬فيه‪.‬‬

‫‪ ٢٥‬والذين ُيب ِطلون عه َد الل ِه من بعد توثيقه ولا يوفون‬
‫به‪ ،‬ويقطعون الرحم التي أ� َم َر الله بو�صلها‪ ،‬ويف�سدون‬
‫في ا ألر�ض بالكفر والمعا�صي‪ ،‬ه ؤ�لاء ُمب َعدون من رحمة‬

‫الله‪ ،‬ولهم ما ي�سو ؤ�هم من العذاب في الدار الآخرة‪.‬‬

‫‪٢٥٢‬‬

‫لله الأمر جميع ًا لا لغيره‪ ،‬فلا ي�ؤ ِمن إ�لا َمن �شاء إ�يما َنه‪� ،‬أفلم‬ ‫‪ ٢٩‬ا ّلذين �ص َّدقوا بالله ور�سله وعملوا ال�صالحات‬
‫يعلم الذين �آمنوا �أنه لو ي�شاء الله لهدى النا�س جميع ًا إ�لى‬ ‫ِمن الأعمال‪ ،‬لهم الخي ُر الكامل في الدنيا بالاطمئنان‪،‬‬

‫الإيمان ِم ْن غير معجزة؟ ولا يزال الذين كفروا ُت�صيبهم‬ ‫و ُح�سن المر ِجع في �آخر �أمرهم‪.‬‬
‫ب�سبب كفرهم بالله وتكذيبهم إ�ياك داهي ٌة من أ�نواع‬
‫‪ ٣٠‬كما أ�ر�سلنا ا ألنبياء �إلى ُأ�ممهم أ�ر�سلناك ‪ -‬أ�يها‬
‫البلاء َت ْق َر ُعهم‪ ،‬أ�و تنزل قريب ًا من دارهم حتى ي أ�تي َو ْع ُد‬
‫الله ب إ�ظهار الإ�سلام‪ ،‬والله لا ُيخلف وعده‪.‬‬ ‫الر�سول‪ -‬إ�لى هذه الأمة التي َم َ�ض ْت من قبلها �ُأمـ ٌم‬
‫كثير ٌة‪ ،‬لتقر أ� عليهم الكتاب العظيم الذي �أوحينا إ�ليك‪،‬‬
‫‪ ٣٢‬وه�ؤلاء الكفار �إنما طلبوا ا آليات المعجزا ِت على‬ ‫وهم م�ستم ُّرون على الكفر بالرحمن الذي َو ِ�س َعت‬
‫رحم ُته ك َّل �شيء‪ ،‬قل لهم ‪� -‬أيها الر�سول‪� :-‬إ ّن الرحمن‬
‫�سبيل الا�ستهزاء فا�بِ ْص ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬على أ�ذاهم‪،‬‬ ‫الذي �أنكرتم معر َف َته هو ربي‪ ،‬لا ُم�ست ِح َّق للعبادة �سواه‪،‬‬
‫فقد ا�س ُته ِزئ بر�س ٍل ِم ْن قبلك ف أ�مهل ُت الم�ستهز ِئي َن ثم‬
‫�أنزل ُت بهم عقابي المتناهي في ال�شدة وال َهول‪ ،‬وما ِم ْث ُل‬ ‫عليه اعتمد ُت في جميع �أموري‪ ،‬و إ�ليه �أرجع و�ُأنيب‪.‬‬
‫هذا العقاب من الم�ستهزئين والمكذبين ِم ْن قومك‪ ‬ببعيد‪.‬‬
‫‪ ٣١‬ولو �أ ّن كتاب ًا ِمن الكتب المنزلة ُح ِّرك ْت به الجبال‬
‫‪ ٣٣‬أ�فمن هو حفي ٌظ رقيب على عم ِل ك ِّل �أح ٍد من‬ ‫من َمقا ِّرها‪ ،‬أ�و �ُش ِّققت به الأر�ض �أنهاراً وعيون ًا‪ ،‬أ�و ُك ِّلم‬
‫به الموتى ف�أحياهم الله لكان هذا القر�آن المنزل علي َك؛ بل‬
‫خي ٍر و�ش ٍّر‪ ،‬ك َم ْن لي�س كذلك من ا أل�صنام التي لا ت�ضر ولا‬
‫تنفع؟ وجعلوا لله �شركاء ِم ْن َخ ْلقه‪ ،‬وهو وحده الم�ست ِح ُّق‬
‫للعبادة‪ .‬قل لهم‪�ِ :‬ص ُفوا ه�ؤلاء ال�شركاء ب�صفاتهم ثم‬
‫انظروا هل هم َ�أ ْه ٌل أل ْن ُيعبدوا؟ أَ�م تخبرون الله تعالى‬
‫ب�شيء لا يعلمه وهو الذي لا يخفى عليه �شيء في الأر�ض‬
‫ولا في ال�سماء؟! �أَم َت َّدعو َنهم �شركاء لله بمجرد ظاه ٍر‬

‫من القول لا حقيق َة له؟ بل ُزيِّن للذين كفروا �ِشكهم‬
‫وكذبهم على الله‪ ،‬و ُ�صفوا عن الدين‪ ،‬و َمن أ��ض ّله اللهُ‬
‫عن �إ�صابة الحق والهدى بخذلانه �إياه فما له ِم ْن أ�َحد‬

‫يهديه إ�ليهما‪.‬‬

‫‪ ٣٤‬لهم عذاب في الحياة الدنيا بالقتل والأ�سر وبما‬
‫ي�صيبهم من البلايا وال ِم َحن‪ ،‬و َلعذا ُب الآخرة أ��شد منه‪،‬‬

‫وما لهم َم ْن يدفع عنهم عذاب الله‪.‬‬

‫‪٢٥٣‬‬

‫‪�ِ ٣٥‬ص َف ُة الجن ِة التي َو َع َد الله المتقين َثم ُرها دائ ُم‬
‫الوجود لا ينقطع‪ ،‬وظ ُّلها َظلي ٌل لا يزول‪ ،‬تلك عاقبة‬

‫المتقين‪ ،‬وعاقبة الكافرين بالله النار‪.‬‬

‫‪ ٤١‬أ� َولم َي َر كفا ُر مكة الذين �س�ألوا محمداً ‪- -‬‬ ‫‪ ٣٦‬والذين أ��سلموا من �أهل الكتاب و�آمنوا بك ‪� -‬أيها‬
‫ا آليات �أ ّنا ن أ�تي ا ألر�َض التي َع َمرها َم ْن هم �أ�ش ُّد منهم‬ ‫الر�سول‪ -‬يفرحون بما �أنزلنا إ�ليك من القر آ�ن لموافقته ما‬
‫قوة ف َن ْن ُق�صها عليهم من �أطرافها بعد �أن كانوا �أ ِع ّزاء‬ ‫عندهم‪ ،‬و ِمن أ�هل ال ِملل المتح ِّزبين عليك َم ْن ُينكر بع�َض‬
‫أ�قوياء ‪ -‬ب�سبب كفرهم وظلمهم‪ -‬حتى لا يبقى لأهلها‬ ‫ما �ُأنزل إ�ليك‪ ،‬فقل لهم‪� :‬إنما أ�ُمرت فيما أ�ُنزل �إليَّ �أن‬
‫أ�عبد الله ولا ُ�أ�شرك به غيره‪ ،‬و�أن ُأ�طيعه تعالى‪� ،‬إليه �أدعو‬
‫�سلطان ولا نفو ٌذ‪ ،‬والله يحكم في خلقه بما ي�شاء ال‪ ‬را ّد‬
‫لحكمه‪ ،‬والله �سريع الح�ساب والانتقام ممن ع�صاه‪.‬‬ ‫النا�س‪ ،‬و�إليه لا إ�لى غيره‪َ  ‬مر ِجعي‪.‬‬

‫‪ ٤٢‬وقد مكر الكفار الذين خ َلوا من َق ْب ُل ب�أنبيائهم‬ ‫‪ ٣٧‬وكما �أنزلنا الكتب على ا ألنبياء بل َغاتهم �أنزلنا‬
‫ود َّبروا لهم المكائد كما يمكر ب َك الكفا ُر من قومك‪،‬‬ ‫عليك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬القر�آن عربي ًا بل�سانك ول�سا ِن‬
‫وال‪ ‬اع ِتدا َد بمكرهم إ�ذ لا يقع َم ْكر ولا ي�ض ُّر َكي ٌد إ�لا بعلم‬ ‫قومك‪ ،‬فا ْح َذر أ� ْن ت َّت ِبع أ�هواء ه ؤ�لاء ا ألحزاب‪ ،‬ولئن‬
‫الله و�إرادته‪ ،‬ور ُّبك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬يعلم ما تعمل ك ُّل‬ ‫اتبعتهم فيما يدعونك �إليه بعد الحق الذي جاءك من الله‬
‫نف� ٍس وما ُتد ِّبره �س ّراً وعلاني ًة فيجازيها عليه‪ ،‬و�سيعلم‬
‫الكفا ُر �إذا ق ِدموا على ربهم يوم القيامة ِلـ َم ْن عاقب ُة الدار‬ ‫ما لك نا�صرٌ من الله ولا مان ٌع يمنعك من عذابه‪.‬‬

‫ا آلخرة حين يدخلون النار‪ ،‬ويدخل الم�ؤمنون‪ ‬الجنة‪.‬‬ ‫‪ ٣٨‬ولقد أ�ر�سلنا ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬كثيراً من الر�سل‬
‫ِم ْن قبلك إ�لى ُ�أممهم‪ ،‬فجعلناهم ب�شراً ِمثلك‪ ،‬وجعلنا‬
‫لهم ن�سا ًء وذرية‪ ،‬وما َي ْق ِدر ر�سول ِم ْن ر�سل الله أ�ن ي أ�تي‬
‫بمعجزة كما يقترح قو ُمه �إلا ب أ�مر الله وم�شيئته‪ ،‬لكل أ�م ٍر‬

‫ق�ضاه الله كتا ٌب قد كتبه فيه‪ ،‬ووق ٌت يقع فيه‪.‬‬

‫‪َ ٣٩‬ين�سخ الله ما ي�شاء َن�سخه من ا ألحكام وغيرها‪،‬‬
‫و ُيثبت َب َد َله ما ي�شاء على وفق ِعلمه و ُمقت َ�ضى حكمته‪،‬‬
‫وعنده �أ�صل الكتاب‪ ،‬وهو اللوح المحفوظ الذي لا ُي َغ َّي‬

‫ولا ُي َب َّدل‪.‬‬

‫‪ ٤٠‬و�إ ْن �أريناك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬في حياتك بع�َض‬
‫الذي َن ِع ُد ه ؤ�لاء الم�شركين بالله من العقاب‪ ،‬أ�و تو ّفيناك‬
‫قبل �أن ُنريك ذلك‪ ،‬ف�إ ّنا عليك تبلي ُغ الر�سالة إ�ليهم‪،‬‬

‫وعلينا ح�سابهم يوم القيامة‪.‬‬

‫‪٢٥٤‬‬

‫ووي ٌل ِلـ َمن َج َح َد وحدانيته و َع َبد معه غيره ِم ْن‬
‫عذاب‪ ‬الله‪ ‬ال�شديد‪.‬‬

‫‪ ٣‬وه�ؤلاء الكافرون هم الذين يختارون الحياة الدنيا‬

‫و َمتاعها على ما ُي َق ِّربهم إ�لى ر�ضا الله من ا ألعمال النافعة‬
‫في الآخرة‪ ،‬وي�صدون النا�س عن دين ا إل�سلام ويريدون‬

‫أ�ن تكون �سبي ُل الله ُمع َّوج ًة؛ ِل ُتوافق أ�هواءهم‪ ،‬أ�ولئك في‬
‫�ضلال بعيد عن الحق‪.‬‬

‫‪ ٤‬وما أ�ر�سلنا ِمن ر�سو ٍل إ�لا جعلنا ر�سال َته بل�سان‬

‫قو ِمه الذين ُبع َث فيهم‪ ،‬ليفهموا عن الله ما هو مبعوث به‬

‫�إليهم‪ ،‬ولتقوم به الحجة عليهم؛ ف ُي�ض ّل الله َمن �آثر �َس َب َب‬
‫ال�ضلالة‪ ،‬ويهدي َم ْن �آثر �سبب الاهتداء‪ ،‬وهو العزيز فلا‬
‫ُيغا َلب على م�شي َئته‪ ،‬الحكي ُم الذي لا ُي ِ�ض ُّل ولا يهدي‬

‫إ�لا لحكمة‪.‬‬

‫‪ ٥‬ولقد �أر�سلنا مو�سى �إلى قومه و أَ� َّيدناه ب آ�ياتنا‬ ‫‪ ٤٣‬ويقول الذين كفروا لنب ِّي الله‪ :‬يا محم ُد ل�س َت‬
‫المعجزات الدال ِة على ِ�ص ْدقه‪ ،‬وقلنا له‪َ :‬أ� ْخر ْج بني‬ ‫مر�َسل ًا! قل لهم إ�ذا قالوا ذلك‪َ :‬ح�سبي الله �شاهداً بيني‬
‫�إ�سرائيل من الكفر �إلى الإيمان ب َبيا ِنك لهم ودعو ِتك‬ ‫وبينكم و َم ْن آ�من بي ِمـ َّمن عنده عل ُم الكتاب ِل ِع ْلمه‬
‫إ�ياهم‪ ،‬وذ ِّكرهم ب َنعماء الله وبلائه‪� ،‬إ ّن في ذلك التذكير‬
‫لآيا ٍت لك ِّل عب ٍد َ�ص ّبار على بلاء الله �شكور ل َنعمائه؛ إ�ذ‬ ‫ب َن ْعتي وو�صفي فيما �أنزل الله ِمن الكتب قبل القر�آن‪.‬‬

‫هو الذي يعتب ُر بها وينتف ُع‪ ،‬و�إ ْن كانت الآيات وا�ضح ٌة‬ ‫‪} ٢ ١‬ﭢﭣ{‪� :‬سب َق الكلا ُم على هذه الحروف‬
‫الـ ُمق َّطعة في أ�ول �سورة البقرة‪ .‬هذا القر آ�ن �أنزلناه‬
‫لا َتخفى‪.‬‬ ‫�إليك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬ل ُتخ ِرج النا�س من ظلمات‬
‫ال�ضلال والكف ِر �إلى نور الحق وا إليمان‪ ،‬و ِل َت ْهديهم‬
‫ب�إذن الله وتوفيقه إ�لى دين الإ�سلام‪ ،‬الذي هو �صراط‪ ‬الله‬
‫الغال ِب الم�ست ِح ِّق لجمي ِع الـ َمحامد‪ ،‬الذي له جميع ما‬
‫في ال�سماوات وما في الأر�ض َخ ْلق ًا وملك ًا وت�صريف ًا‪،‬‬

‫‪٢٥٥‬‬

‫قالوا‪ :‬ما أ�نتم �إلا ب�شر ِمث ُلنا في ال�وصرة والهيئة و�سائ ِر‬ ‫‪ ٦‬وا ْذ ُكر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬إ�ذ قال مو�سى بن عمران‬
‫لقومه ِمن بني �إ�سرائيل‪ :‬اذكروا نعمة الله التي �أنعم‬
‫ال�صفات الب�شرية‪ ،‬فلا َف ْ�ض َل لكم علينا ي ؤ�َ ّهلكم �أ ْن‬ ‫بها عليكم‪ ،‬حين أ�نجاكم من فرعون وجنو ِده و�أتباعه‬
‫تكونوا ر�سل ًا‪ ،‬و إ� ّنا تريدون بما تقولون �أن َت�ص ِرفونا ع ّما‬ ‫ُي ِذيقونكم �شدي َد العذاب‪ُ ،‬يذ ِّبحون أ�بناءكم و ُيبقون‬
‫كان يعبد آ�با ؤ�نا من ا أل�صنام‪ ،‬ف�أتونا ب ُح ّج ٍة ظاهر ٍة على‬ ‫بناتكم �أحياء مع ال ُّذل وال َّ�ص َغار‪ ،‬وفي ذلك ابتلا ٌء‬

‫ِ�ص ْدقكم!‬ ‫واختبا ٌر لكم من ر ِّبكم عظيم‪.‬‬

‫‪ ٧‬وا ْذ ُكروا حي َن أ�ع َل َمكم ر ُّبكم‪ :‬لئن �شكرتم‬
‫يا‪ ‬بني إ��سرائيل ما خ ّو ْلتكم ِمن ِنعم ِة الإنجا ِء و إ�هلا ِك‬
‫العد ِّو وغي ِر ذلك من النعم والآلاء‪ َ ،‬أَلزيد َّنكم ِنعم ًة‬
‫إ�لى ِنعم ٍة‪ ،‬ولئن جحدتم ِنعمتي بمع�صيتي ومخالف ِة‬

‫�أمري َل ُي�صيب َّنكم عذابي ال�شديد‪.‬‬

‫‪ ٨‬وقال لهم مو�سى‪ :‬إ� ْن تكفروا ِنعم َه تعالى بعدم‬
‫�شكرها‪� ،‬أنتم و َم ْن في الأر�ض ِمن الخلائق جميع ًا‪ ،‬ف إ� ّن‬
‫الله لغني عن �شكركم و�شك ِر غيركم‪ ،‬م�ستو ِج ٌب لل َحمد‬

‫بذاته و إ� ْن لم يحمده الحامدون‪.‬‬

‫‪َ ٩‬أ�لَـ ْم ي أ�تكم خب ُر ا ألمم التي َم َ�ضت من قبلكم‪ :‬قوم‬
‫نوح‪ ،‬وعاد قوم هود‪ ،‬وثمود قوم �صالح‪ ،‬والذين ِمن‬

‫َبعدهم لا ُيح�صي عد َدهم �إلا الله لكثرتهم‪ ،‬جاءتهم‬
‫ر�سلهم بالحجج الوا�ضحة على �صدقهم‪ ،‬فو�ضعوا �أيديهم‬

‫في أ�فواههم و َع ّ�ضوا عليها غيظ ًا على الر�سل وتكذيب ًا‬
‫لهم‪ ،‬وقالوا‪� :‬إنا كفرنا بما َتز ُعمون �أنكم أُ�ر�سلتم به‪ ،‬و إ�نا‬

‫َلفي �ش ٍّك من حقيق ِة ما تدعوننا إ�ليه ُمو ِق ٍع في ال ِّريبة‪.‬‬

‫‪� ١٠‬أجا َب ْتهم ر�سلهم بقولهم‪ :‬أ�في وجو ِد الل ِه وتوحيده‬
‫�شك؟! وهو خالق ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬يدعوكم �إلى‬

‫طاعته وتوحيده؛ ليغفر لكم ذنوبكم‪ ،‬وهو الذي ي َـ ُم ُّد‬
‫في �أعماركم و�أرزاقكم إ�لى وق ٍت مع ّ ٍي في �ساب ِق ِع ْلمه‪،‬‬

‫‪٢٥٦‬‬

‫‪ ١٤‬و َل ُن�سكن َّنكم ا ألر�َض ِم ْن بعد هلاكهم‪ ،‬إ� ّن ذلك‬
‫الن�ص َر للر�سل وللم�ؤمنين والإهلا َك للكافرين أ�م ٌر م ؤ� َّكد‬
‫ح�وص ُله لمن خاف مقامه بين يد َّي‪ ،‬وخا َف وعيدي؛‬

‫فاتقاني بطاعته وتج َّن َب �سخطي‪.‬‬

‫‪ ١٥‬وا�ستن�ص َر الر�س ُل بالله على قومهم‪ ،‬فهلك ك ُّل‬
‫متكب ٍر جائ ٍر حائ ٍد عن ا إلقرار بتوحيد الله و�إخلا�ِص‬

‫العبادة‪ ‬له‪.‬‬

‫‪� ١٦‬أما َم هذا الكافر جهن ُم يدخلها‪ ،‬و ُي�سقى فيها مما‬ ‫‪ ١١‬قالت لهم ر�سلهم‪ :‬ما نحن �إلا ب�َشٌ ِم ْثلكم كما‬
‫َي�سيل ِم ْن جوف أ�هل النار مختلط ًا بالقيح والدم‪.‬‬ ‫قلتم‪ ،‬ولكن الله يـ ُم ُّن على َمن ي�شاء ِمن عباده بالنبوة‬
‫والر�سالة‪ ،‬ولي�س لنا ولا في َم ْقدورنا أ�ن ن أ�تيكم بحجة‬
‫‪َ ١٧‬ي�ْشبه َجرع ًة َجرع ًة لا ي�ست�سيغه لمرارته وحرارته‪،‬‬ ‫على �صحة دعوانا إ�لا ب َأ� ْم ِر الله و إ�رادته‪ ،‬وعلى الله فليعتمد‬
‫وت�أتيه أ��سباب الموت ِمن كل جهة ِل َفظي ِع ما ي�صيبه من‬
‫الآلام‪ ،‬وما هو بميت؛ ألنه لو مات لا�ستراح‪ ،‬و ِمن بين‬ ‫الم�ؤمنون في دفع ا ألذى وال�صبر على كل مكروه‪.‬‬

‫يديه عذا ٌب أ��ش ُّد مما قبله و أ�غلظ‪.‬‬ ‫‪ ١٢‬و أ� ُّي ُعذ ٍر لنا في �أ َّل نتوك َل على الله وقد �أر�شدنا‬
‫إ�لى طريق النجاة من عذابه‪ ،‬و َلن�صبر ّن على ما َنلقى‬
‫‪َ ١٨‬م َثل �أعما ِل الكافرين ِم ْن �صل ِة رح ٍم و�صدق ٍة‬ ‫منكم من المكروه‪ ،‬وعلى الله وحده فليثبت الم ؤ�منون‬
‫وغير ذلك من المكارم في �ضياعها و َعد ِم الانتفا ِع بها‬
‫كرما ٍد ا�شتدت به الريح في يو ٍم �شدي ِد ُهبو ِب الري ِح؛‬ ‫في توكلهم‪.‬‬
‫فجعلته هبا ًء منثوراً لا ُي ْق َد ُر على �شيء منه‪ ،‬فلا يجدون‬
‫ل�شيء مما عملوا في الدنيا ثواب ًا في ا آلخرة ِل َع َد ِم ُح�وصل‬
‫�شرطه وهو الإيمان‪َ ،‬ف َم�آ ُل أ�عم ِالهم وعاقب ُتها ك ِّلها هو‬

‫الخ�سران الكبير‪.‬‬

‫‪ ١٣‬وقال الذين كفروا لر�سلهم‪َ :‬ل َنطرد َّنكم من بلادنا‪،‬‬
‫�إ َّل �أن ت�صيروا على ديننا‪� ،‬أو تعودوا �إلى ما كنتم عليه‬

‫قبل ا ّدعا ِء الر�سال ِة ِمن ال�سكو ِت وعد ِم إ�ظهار المخالفة‪.‬‬
‫ف�أَوحى الله �إلى ُر�سله أ� ّن م�صير ه�ؤلاء الظالمين هو الهلاك‪.‬‬

‫‪٢٥٧‬‬

‫‪ ٢٠ ١٩‬أ�لم َت ْع َلم ‪ -‬خطاب للر�سول ‪ ‬والمراد به‬
‫غيره‪� -‬أ ّن الله خلق ال�سماوات وا ألر�ض بالعدل وال ِق�ْسط‬
‫متف ِّرداً ب إ�ن�شائهما بغير َظهي ٍر ولا ُمعين؛ ل ُي�ست َد ّل بهما‬
‫على قدرته‪� ،‬إ ّن الذي َت َف ّرد ب َخ ْلق ذلك و إ�ن�شائه إ�ن ي�ش�أ‬
‫ُيذهبكم و ُيفنكم‪ ،‬وي�أ ِت ب َخل ٍق جدي ٍد‪ ،‬وما ذلك على‬

‫الله بمتع ِّذر ولا ممتنع؛ ألنه القادر على كل �شيء‪.‬‬

‫ا ألنهار ماكثين فيها �أبداً‪ ،‬تحي ُتهم فيها من الله وملائكته‬ ‫‪ ٢١‬و َخ َر َج جمي ُع الخلائق من قبورهم وظهروا‬
‫ومن جميع �أه ِل جنته �سلا ٌم منه �سبحانه‪.‬‬ ‫للح�ساب فقال الأتباع للمتبوعين في الكفر وال�ضلال‪:‬‬

‫‪ ٢٤‬أ�لم تعلم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬كيف َ� َض َب الله مثل ًا‬ ‫إ�نا كنا تابعين لكم في الدنيا فهل �أنتم دافعون عنا اليوم‬
‫لكلمة التوحيد الطيب ِة؟ َم َث ُلها ك�شجرة ط ِّيبة الثمرة‪،‬‬
‫أ��صل هذه ال�شجرة ثاب ٌت في الأر�ض‪ ،‬وفرعها مرتف ٌع‬ ‫من عذا ِب الله ِمن �شيء؟ قال الـ َم ْت ُبوعون‪ :‬لو هدانا الله‬
‫للإيمان لهديناكم إ�ليه ولكن �ضللنا فاتبعتمونا ف�أ�ضللناكم‪،‬‬
‫نحو ال�سماء‪.‬‬
‫ونحن و�إياكم في عذاب الله اليوم �سواء‪ ،‬ولا يدفعه عنا‬

‫ولا عنكم تلا ُو ُمنا َج َزع ًا ولا �سكو ُتنا �صبراً‪ ،‬ف إ�نه لي�س لنا‬
‫اليوم مما نحن فيه من العذاب ِمن َم ْهر ٍب �أو َملج ٍ�أ‪.‬‬

‫‪ ٢٢‬ولـ ّما ُف ِر َغ من ا ألمر و ُ�أدخل �أه ُل الجن ِة الجن َة‬
‫و�ُأدخل �أه ُل النا ِر النا َر خا َط َب إ�بلي� ُس ك َّل َم ْن يلومونه‬
‫ِم ْن أ�ه ِل النار بقوله‪ :‬إ� ّن الله و َع َدكم بالبعث والجزاء‬
‫ف�ص َد َقكم‪ ،‬ووعد ُتكم ب�أنه لا َب ْع َث ولا جزاء ف�أخلف ُتكم‬
‫وعدي‪ ،‬وما كان لي عليكم ِم ْن قوة �َأ ْح ِم ُلكم بها على‬
‫اتباعي‪ ،‬ولكن دعوتكم فا�ستجبتم لي‪ ،‬فلا تلوموني على‬

‫َو ْعدي لكم بالباطل ولوموا أ�نف�سكم على �ضلالكم‬
‫واتباع �شهواتكم‪ ،‬ما أ�نا اليوم ب ُمغي ِثكم وما أ�نتم بمغيث َّي‬
‫من عذاب الله‪ ،‬إ�ني تب ّر أ� ُت من إ��شراككم �إياي مع الله في‬

‫الدنيا‪ ،‬إ� ّن الكافرين لهم عذا ٌب م�ؤلـ ٌم ُمو ِج ٌع‪.‬‬

‫‪ ٢٣‬و أَ�دخ َل الملائك ُة ‪ -‬ب�إذن الله و أ�مره‪ -‬الذين �ص َّدقوا‬
‫الله ور�سوله وعملوا بطاعة الله ِجنان ًا تجري من تحتها‬

‫‪٢٥٨‬‬

‫ويفعل الله ما ي�شاء ِمن تثبي ِت �أه ِل ا إليمان و إ��ضلا ِل أ�هل‬
‫الظلم والطغيان‪.‬‬

‫‪ ٢٩ ٢٨‬أ� َل تتع ّج ُب ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬من أ�ولئك‬
‫الذين َأ��ْس َكنهم الله َح َرم ًا �آمن ًا وتف َّ�ضل عليهم بنعمة القر�آن‬
‫فتركوه ولم ي�ؤمنوا به‪ ،‬وا�ستبدلوا بنعمة الله وما َت ْق َت�ضيه‬
‫من الإيمان وال�شكر ُكفراً أ�نزلوا به �أنف�سهم وقو َمهم دار‬

‫الهلاك‪ ،‬جهن َم يذوقون �سعيرها‪ ،‬وبئ�س الم�ست َق ُّر هي‪.‬‬

‫‪ ٣٠‬و َج َعلوا لله �شركاء ل ُي�ضلوا عن دين ا إل�سلام‪ ،‬قل‬
‫لهم‪ :‬تمتعوا بدنياكم قليل ًا ف إ�ن َمرجعكم �إلى النار‪.‬‬

‫‪ ٣١‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لعبادي الذين آ�منوا بك‬ ‫‪ُ ٢٥‬تعطي هذه ال�شجرة ثم َرها كل حي ٍن ب إ�ذن ربها‪،‬‬
‫و�ص ّدقوا بما جئتهم به من عندي �أَ ْن ُيقيموا ال�صلا َة‬ ‫وكذلك كلم ُة ا إليمان أ��ص ُلها ثابت في قلب الم ؤ�من‪،‬‬
‫المفرو�ض َة عليهم بحدودها‪ ،‬وينفقوا مما َخ ّولناهم من‬ ‫وفرعها َع َم ُله الذي يرتفع حتى يبلغ ال�سماء‪ ،‬وينال‬
‫ف�ضلنا �سراً وعلانية في�ؤدوا ما �أوجب ُت عليهم من الحقوق‬ ‫برك َته وثوا َبه ك َّل وقت‪ ،‬ويب ِّي الله ا ألمثال للنا�س لعلهم‬
‫فيه‪ِ ،‬م ْن قبل �أَ ْن ي�أتي يوم القيامة الذي لا ُتقبل فيه ِم ْن‬
‫نف� ٍس َو َج َب عليها عقا ُب الله فدي ٌة من هذا العقاب ولا‬ ‫يتعظون فيعتبرون‪.‬‬

‫�صداقة تنفعها‪.‬‬ ‫‪ ٢٦‬وم َث ُل كلم ٍة خبيث ٍة‪ ،‬وهي كلمة الكفر ك�شجرة‬
‫خبيث ٍة‪ ،‬ا�س ُت ؤ� ِ�صل ْت من فوق ا ألر�ض‪ ،‬ما لهذه ال�شجرة‬
‫‪ ٣٢‬الله الذي أ�ن�ش�أ ال�سماوات والأر�ض من غير‬
‫َظهي ٍر ولا ُمعين‪ ،‬و أ�نزل من ال�سماء غيث ًا ف أ�خرج به من‬ ‫من قرا ٍر ولا �أ�ص ٍل في ا ألر�ض َتنبت منه وتقوم عليه‪.‬‬
‫ال�شجر والزروع رزق ًا ت�أكلونه‪ ،‬و�س ّخر لكم ال�سفن‬
‫لتجري في البحر بم�شيئته تركبونها و َت ِملون فيها‬ ‫‪ ٢٧‬يث ِّبت الله في الحياة الدنيا الذين �آمنوا بالقول‬
‫أ�َ ْم ِتعتكم من بلد �إلى بلد‪ ،‬و�س ّخر لكم ا ألنهار لل�شراب‬ ‫الثابت الذي ير�ِّسخ ا إليما َن في قلوبهم‪ ،‬وهو كلمة‬
‫التوحيد؛ فلا َيغ َفلون عنها في حياتهم وعند مماتهم وفي‬
‫وال�سقي و�سائر المنافع‪.‬‬ ‫القبر عند �س�ؤالهم‪ ،‬و ُي�ضل الله الظالمين فلا يهتدون �إليها‪،‬‬

‫‪ ٣٣‬و�س ّخر لكم ال�شم�س والقمر ك ٌّل يجري في َف َلكه‬
‫َو ْف َق نظا ٍم دقيق لا يتخلف‪ ،‬و�سخر لكم الليل لت�سكنوا‬

‫فيه‪ ،‬والنهار لتبتغوا فيه من ف�ضله‪.‬‬

‫‪٢٥٩‬‬

‫‪ ٤٠‬ر ِّب اجعلني م ؤ�دي ًا على التمام ما أ�لزمتني به ِم ْن‬ ‫‪ ٣٤‬و أ�عطاكم الله ِمن كل ما �س أ�لتموه م ّن ًة منه تعالى‪،‬‬
‫فري�ضة ال�صلاة‪ ،‬واجع ْل أ�ي�ض ًا ِم ْن ذريتي َم ْن يحافظ‬ ‫و�إ ْن َتع ّدوا نعمة الله التي �أنعم بها عليكم لا تطيقوا‬
‫َح ْ�صها؛ فهي متجددة بتجدد ا ألنفا�س ومتوالية بتوالي‬
‫عليها‪ ،‬ر َّبنا وا�ستج ْب دعائي وتقبل عملي وعبادتي‪.‬‬ ‫الحركة وال�سكون و ُم ْد َركات الحوا�س‪ ،‬إ�ن ا إلن�سان‬
‫‪ 41‬ر َّبنا اغفر لي ولوالد َّي وللم�ؤمنين ك ِّلهم يوم يقوم‬
‫َلظلو ٌم لنف�سه بالمع�صية‪َ ،‬جحود لنعمة ربه‪.‬‬
‫النا�س للح�ساب‪.‬‬
‫‪ 42‬ولا تح�سب ّن ‪ -‬أ�يها الر�سول‪� -‬أن الله غافل عما‬ ‫‪ ٣٥‬وا ْذ ُكر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬حين قال إ�براهيم‪ :‬ر ِّب‬
‫يعمل ه ؤ�لاء الم�شركون من قومك‪ ،‬بل هو عالـ ٌم بهم‬ ‫اجعل هذا البلد ‪ -‬يعني مكة‪ -‬بلداً ي�أمن فيه أ�ه ُله وك ُّل‬
‫وب أ�عمالهم و ُمح�صيها عليهم‪ ،‬ليجزيهم جزا َءهم يوم‬
‫القيامة حين َت�ْش َخ�ُص أ�ب�صا ُر الخلق ولا َتكاد َت ْط ِرف ِمن‬ ‫َم ْن يق�صده؛ فلا ُي�سفك فيه دم ولا ُتنتهك فيه حرمة‪ ،‬ولا‬
‫ي�صله مكروه‪ ،‬و أ� ْب ِعدني و َب ِن َّي عن عبادة ا ألوثان‪.‬‬
‫�ش ّد ِة هول ما ترى‪.‬‬
‫‪ ٣٦‬ر ِّب إ�ن ا ألوثان ت�س ّبب ْت في �ضلال كثير من‬
‫‪٢٦٠‬‬ ‫النا�س‪ ،‬ف َم ْن تب َعني على التوحيد ف إ�نه من أ�هل ديني‪ ،‬و َم ْن‬

‫لم يتبعني ف�إني ُ�أف ّو�ض �أمره �إلى رحمتك‪ ‬وغفرانك‪.‬‬

‫‪ ٣٧‬ر َّبنا إ�ني أ��سكنت بع�َض ذريتي‪ ،‬وهم �إ�سماعيل‬
‫و َم ْن �س ُيولد له‪ ،‬بوادي مك َة وهو �أر� ٌض َح َجري ٌة تحيط‬
‫بها الجبال ولا ُتنبت �شيئ ًا‪ ،‬قريب ًا من بيتك الذي َح َّرم َت‬
‫الا�ستخفا َف بحقه‪ ،‬ربنا إ�ني فعل ُت ذلك ليقيموا ال�صلاة‬
‫متو ِّجهين �إليه متب ِّركين به‪ ،‬فاجعل قلوب ًا من النا�س تميل‬
‫و ُت�سرع �إليهم‪ ،‬وارزقهم من الثمرات لعلهم ي�شكرونك‬

‫على توالي نعمك وعظي ِم‪  ‬إ�ح�سانك‪.‬‬

‫‪ ٣٨‬ر َّبنا إ�نك تعلم �س َّرنا كما تعلم َع َلننا‪ ،‬و�إنك أ�علم‬
‫ب أ�حوالنا وم�صالحنا و أ�رح ُم بنا ِم ْن رحمتنا ب أ�نف�سنا‪ ،‬وما‬
‫يخفى عليك يا أ�لله ِم ْن �شيء كان �أو يكون في الأر�ض �أو‬
‫في ال�سماء؛ لأن ذلك ك َّله ظاهر لك‪ ،‬ف�إنك �أنت خالقه‬

‫و إ�ليك تدبيره ومن َك رزقه‪ ،‬فكيف يخفى عليك؟!‬

‫‪ ٣٩‬الحمد لله الذي رزقني على ِك َب �س ّني ول َد ّي‬
‫إ��سماعيل و�إ�سحاق‪� ،‬إ ّن ربي ل�سمي ُع دعا ِء َم ْن دعاه‪ ،‬وهو‬

‫�سبحانه الذي يقبله وي�ستجيب له‪.‬‬

‫‪ ٤٥‬و َن َز ْلتم في م�ساكن الذين ظلموا �أنف�سهم بالكفر‬ ‫‪ُ ٤٣‬م�ْ ِس ِعين بعد قيامهم من قبورهم إ�لى الداعي‬
‫والطغيان ِمن قبلكم كعا ٍد وثمو َد‪ ،‬و َع ِل ْمتم كيف‬ ‫الذي يدعوهم �إلى المح�َش‪ُ ،‬يقبلون عليه خائفين أ�ذ َّل ًة‬
‫أ�هلكناهم حين َع َتوا عن أ�مر ربهم وتمادوا في طغيانهم‬ ‫خا�شعين‪ ،‬رافعي ر�ؤو�سهم مع إ�دا َم ِة ال َّن َظ ِر ِم ْن غير‬
‫التفا ٍت �إلى �شيء‪ ،‬لا يرجع َب َ� ُصهم �إلى ذواتهم ولا إ�لى‬
‫وكف ِرهم‪ ،‬وب ّينا لكم ا ألمثا َل في القر آ�ن فلم تعتبروا‪.‬‬ ‫�شيء �آخر‪ ،‬بل تبقى أ�عينهم مفتوح ًة لا َت ْط ِرف‪ ،‬وقلو ُبهم‬

‫‪ ٤٦‬وقد َمكروا في إ�بطال الحق وتقري ِر الباط ِل م ْك َرهم‬ ‫خالي ٌة من العقل والفهم لفرط الحيرة والده�شة‪.‬‬
‫العظيم الذي ا�ستفرغوا فيه جهدهم‪ ،‬وعند الله ِع ْل ُم‬
‫مك ِرهم وجزا ؤ�ه‪ ،‬وما كان مك ُرهم و إ� ْن َع ُظم ِلتزول منه‬ ‫‪ ٤٤‬وخ ِّو ْف ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬الكفا َر يو َم ي أ�تيهم‬
‫عذاب الله في القيامة‪ ،‬فيقول الذين كفروا‪ :‬ر َّبنا �أَ ِّخر عنا‬
‫�شرائ ُع الر�سل و آ�يا ُتهم التي هي في القوة كالجبال‪.‬‬ ‫عذابك و�أمهلنا إ�لى �أج ٍل قري ٍب ُ ِن ْب دعوتك بالتوحيد‬
‫ون�ص ِّدق بالر�سل‪ ،‬فيقال لهم توبيخ ًا‪� :‬أ َولم تكونوا‬
‫‪ ٤٧‬فلا تح�سب ّن الله مخ ِل َف و ْع ِده ر�س َله بالن�صر‪ ،‬إ�ن الله‬ ‫أ�ق�سمتم ِمن قب ُل أ� ْن لي�س لكم بعد حياتكم في الدنيا‬
‫غال ٌب لا ُيعجزه �شيء‪ ،‬ذو انتقام ممن ع�صاه‪.‬‬ ‫انتقا ٌل إ�لى حيا ٍة أ�خرى ُتا�سبون فيها وتجازون على ما‬

‫‪ ٤٨‬يوم ُتب ّدل هذه ا ألر�ض التي تعرفونها �أر�ض ًا‬ ‫كنتم تعملون؟‬
‫�أخرى‪ ،‬و ُتب َّدل ال�سماوات غير ال�سماوات‪ ،‬وخرجوا‬
‫من قبورهم ال‪ُ  ‬يواريهم �شي ٌء‪ ،‬و َظ َهروا بين يدي الل ِه‬
‫الواح ِد الذي لا ِن َّد ولا �شريك له‪ ،‬الق ّهار الذي لا ُي َغا َلب‬

‫على ما يحكم أ�و يريد‪.‬‬

‫‪ ٤٩‬و ُتب ِ�ص ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬الكافرين يومئ ٍذ قد‬
‫ُجمع ْت �أيديهم �إلى أ�عناقهم بال�سلا�سل والأغلال‪.‬‬

‫‪ِ ٥٠‬لبا�ُسهم فيها من َق ِطرا ٍن ُت�س ِرع فيه النار فيزيدهم‬
‫عذاب ًا �إلى عذابهم‪ ،‬وتلفح وجو َههم النار فتحرقها‪.‬‬

‫‪ ٥١‬ليجز َي الله كل نف�س جزا َء ما ك�سب ْت ِمن خي ٍر‬
‫و�ش ٍّر‪ ،‬وهو �سري ٌع ح�سا ُبه ألعمالهم‪ ،‬قد أ�حاط بها علم ًا‬

‫لا َيع ُزب عنه منها‪� ‬شيء‪.‬‬

‫‪ ٥٢‬هذا القر�آن كفاي ٌة في التذكير والموعظ ِة و�إقام ِة‬
‫الحجة على النا�س‪ ،‬لينت�صحوا به‪ ،‬و ِل َيخافوا عذا َب الله‬
‫ونقمته‪ ،‬و ِل َيعلموا بما فيه من الحجج �أ ّن الله �إل ٌه واحد‪،‬‬

‫و ِل َيـ ّتع َظ أ��صحاب العقول ال�سليمة‪.‬‬

‫‪٢٦١‬‬

‫‪ ١١ ١٠‬ولقد �أر�سلنا ‪ -‬يا محمد‪ِ -‬م ْن قبلك في الأُمم‬ ‫‪ } ١‬ﭒﭑ{‪� :‬سب َق الكلا ُم على هذه الحروف‬
‫الأ ّولين ر�سل ًا‪ .‬وما ي أ�تيهم من ر�سول يدعو �إلى توحيد‬ ‫الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة‪ .‬هذه الآيات �آيا ُت‬
‫الله وطاعته‪� ،‬إلا كانوا ي�سخرون به وي�ستهزئون‪ ،‬كما‬ ‫الكتاب الذي هو �أعظم الكتب البال ِغ منتهى الكمال‬
‫يفعل بك �سفهاء قومك‪ .‬وهذه ت�سلي ٌة لر�سول الله ‪.‬‬ ‫بين الكتب المنزلة لهداية النا�س‪ ،‬و�آيا ُت قر آ� ٍن متل ٍّو يبين‬
‫لمن ت أ� ّمله وتد ّبره ال ُّر�شد ِمن الغ ِّي والهدى من‪ ‬ال�ضلال‪.‬‬
‫‪ ١٣ ١٢‬كما �َس َل ْكنا ما أ�نزلنا من الكتاب في قلوب‬ ‫‪� ٢‬سيتم َّنى الذين كفروا يوم القيامة �إذا عاينوا حالهم‬
‫المجرمين من ا ألمم ال�سابقة‪ ،‬كذلك ن�سلك هذا القر�آن‬
‫في قلوب أ�هل الظلم والطغيان مك َّذب ًا بما فيه ُم�سته َز أ�ً‬ ‫وحا َل الم�سلمين لو كانوا م�سلمين‪.‬‬
‫به؛ فلا ي ؤ�منون به ولو ر أ�وا جميع ا آليات الدا ّل ِة على‬
‫‪َ ٣‬د ْع ‪ -‬أ�يها النبي‪ -‬ه ؤ�لاء الكفار من قومك في‬
‫�صدقك‪ .‬كذلك �ُس ّنة الله في قومك وفي �سائر الأمم‪.‬‬ ‫غفلتهم ي�أكلوا ويتم ّتعوا بل ّذات الدنيا و�شهواتها و ُيلههم‬
‫الأمل عن الأخذ بحظهم ِم ْن طاعة الله فيها إ�لى أ�ن‬
‫‪ ١٥ ١٤‬ولو فت ْحنا على ه�ؤلاء الكافرين باب ًا من‬ ‫ي أ�تي �أج ُلهم الذي �أ ّجل ُت لهم‪ ،‬ف�سوف يعلمون غداً �إذا‬
‫ال�سماء فظ ّلوا يعرجون فيه ور أ�وا ِعيان ًا ما فيها من دلائل‬ ‫و َردوا على ربهم �أنهم كانوا بكفرهم وتكذيبهم لك في‬
‫الـ ُمل ِك والملكوت؛ لقالوا ل َف ْر ِط عنادهم ومكابرتهم‪:‬‬
‫إ�نما �ُس ّدت أ�ب�صارنا‪ ،‬وما نراه ما هو �إلا َل ْو ٌن من الخداع‬ ‫َخ�سار و َتباب‪ .‬وهذا تهدي ٌد ووعي ٌد لهم‪.‬‬

‫والتخييل ب�سبب �سحر محمد‪.‬‬ ‫‪ ٥ ٤‬وما �أهلكنا أ�هل قرية فيما م�ضى �إ ّل بعد قيا ِم‬
‫الـ ُح ّج ِة عليهم وبلوغ أ�جلهم المق َّدر لهم في �سابق علمه‬
‫تعالى‪ .‬ما يتق ّدم هلا ُك �أم ٍة قبل ا ألجل الذي جعله الله‬
‫�أجل ًا لهلاكها‪ ،‬ولا يت�أخر هلا ُكها عنه‪ .‬وفي هذا تنبي ٌه‬

‫للم�ستعجلين بالعذاب من �أهل مكة‪.‬‬

‫‪ ٧ ٦‬وقال كفار مكة للنبي ‪ ‬ا�ستهزا ًء‪ :‬يا �أيها‬
‫الذي ُن ِّزل عليه القر�آ ُن‪� ،‬إ ّنك بدعوتك �إ ّيانا إ�لى أ�ن نتبعك‬
‫و َن َذر �آلهتنا لمجنون‪ .‬ه ّل ت أ�تينا بالملائكة ي�شهدون ب�صحة‬
‫نب َّوتك و ُي َع ِّ�ضدونك في ا إلنذار إ� ْن كن َت من ال�صادقين‬

‫في دعواك‪.‬‬

‫‪ ٨‬ما نن ِّزل الملائكة إ� ّل إ�ذا قامت الـ ُح ّج ُة وح َّق‬
‫العذا ُب‪ ،‬وما كانوا حين نزول الملائكة بالعذاب ُم َهلين‪،‬‬

‫بل‪ُ  ‬يع َّجل‪ ‬لهم‪.‬‬
‫‪ ٩‬إ� ّنا نحن ن ّزلنا القر آ�ن ‪ -‬وهو يكفيهم �آي ًة على‬
‫�صدقك‪ -‬و�إ ّنا له لحافظون من كل زيادة أ�و نق�ص �أو‬

‫تبديل �أو تحريف‪.‬‬

‫‪٢٦٢‬‬

‫�إلا بمقدا ٍر مع َّ ٍي على ح�سب الم�صالح‪.‬‬ ‫‪ ١٧ ١٦‬ولقد جعلنا في ال�سماء الدنيا مناز َل‬
‫لل�شم�س والقمر‪ ،‬ول�سائر النجوم والكواكب تتعلق بها‬
‫‪ ٢٢‬و�أر�سلنا الرياح تل ِّقح ال�سحا َب فيمتلئ ما ًء‪،‬‬ ‫م�صالـ ُحكم‪ ،‬و َز َّينا هذه ال�سماء للناظرين‪ ،‬وحفظناها‬
‫ف أ�نزلنا من ال�سحاب مطراً ف�أ�سقيناكموه‪ ،‬ولي�ست‬
‫من كل �شيطان َل ِعين مطرو ٍد من رحمة‪ ‬الله‪ ‬تعالى‪.‬‬
‫خزائنه‪ ‬ب�أيديكم‪.‬‬
‫‪ ١٨‬لك ْن قد يختل�س بع�ُض ال�شياطين ال�سم َع من كلام‬
‫‪ ٢٣‬و�إ ّنا لنحن نحيي َم ْن كان ميت ًا إ�ذا �أردنا َخ ْلقه �أو‬ ‫أ�هل الملإ الأعلى‪ ،‬في ْتبعه �شها ٌب من النار َي ْظ َه ُر �أث ُره فيه‪،‬‬
‫َب ْعثه‪ ،‬ونميت َم ْن كان ح ّي ًا إ�ذا انق�ضى �أج ُله الذي ق ّدرنا‬
‫له‪ ،‬ونحن نرث الأر�ض و َم ْن عليها‪ ،‬فكل �شيء هالك‬ ‫إ�ما ب إ�خباله و إ�ف�ساده �أو ب إ�حراقه‪.‬‬

‫وراج ٌع �إلينا ولا بقاء ولا دوام ألحد �سوانا‪.‬‬ ‫‪ ١٩‬والأر�َض ب�سطناها و أ�لقينا فيها جبال ًا ثواب َت‬
‫تحفظها من الا�ضطراب في جريانها‪ ،‬و�أنبتنا فيها من كل‬
‫‪ ٢٤‬ولقد َع ِل ْمنا َم ْن م�ضى ِم ْن الخلق من َل ُدن آ�دم‪،‬‬
‫و َم ْن هو ح ٌّي اليوم‪ ،‬و َم ْن �َس ُي ْخلق َب ْع ُد �إلى يوم القيامة‪.‬‬ ‫�شيء معلو ٍم مق َّدر‪.‬‬

‫‪ ٢٥‬و إ� ّن ربك هو يح�شرهم للجزاء‪ ،‬إ�نه بال ُغ الحكمة‬ ‫‪ ٢٠‬وجعلنا لكم فيها ما تعي�وشن به ِمن المطاعم‬
‫في أ�فعاله‪َ ،‬و ِ�سع ع ُلمه كل �شيء‪.‬‬ ‫والملاب�س وغيرهما مما يتعلق به البقا ُء‪ ،‬وجعلنا لكم فيها‬

‫‪ ٢٦‬ولقد خلقنا �آدم من �صل�صال‪ ،‬أ�ي من طين ياب� ٍس‬ ‫َم ْن ل�ستم برازقيه ِمن العيال والخدم والدوا ِّب والطير‪.‬‬
‫ُي�سمع له �وص ٌت إ�ذا ُن ِقر‪ ،‬و أ��صل هذا ال�صل�صال حم أ�ٌ‬ ‫‪ ٢١‬و ما ِم ْن �شيء إ�لا عندنا مفاتيح خزائنه‪ ،‬وما نن ّزله‬

‫َم�سنون‪ ،‬أ�ي طين �أ�سود متغير الرائحة‪.‬‬ ‫‪٢٦٣‬‬

‫‪ ٢٧‬و إ�بلي�س خلقناه ِمن قب ِل الإن�سان من نا ٍر �شديدة‬
‫الح ِّر ينفذ ر ُيحها في الم�سا ّم‪.‬‬

‫‪ ٢٩ ٢٨‬وا ْذ ُكر وق َت قوله �سبحانه للملائكة‪ :‬إ�ني‬
‫خالق ب�شراً من �صل�صال من حم ٍ�إ َم�سنون‪ .‬ف إ�ذا �و ّصرته‬
‫فع ّدلت �وصرته ونفخت فيه من روحي ف�صار ب�شراً ح ّي ًا‪،‬‬
‫فقعوا له �ساجدين �سجو َد تح ّي ٍة و إ�كرام لا �سجو َد عبادة‪.‬‬
‫‪ ٣٠‬فخلقه الله تعالى ف�س ّواه فنفخ فيه الروح ف�سجد‬
‫الملائكة ك ُّلهم بحيث لم ي�ش ّذ منهم أ�حد‪ ،‬ولم يت أ�خر في‬

‫ذلك ال�سجود �أحد منهم عن �أحد‪.‬‬

‫‪ ٣١‬إ� ّل �إبلي�س ف�إ ّنه َأ� َبى �أن يكون مع ال�ساجدين في‬
‫�سجودهم آلدم حين �سجدوا‪ ،‬فلم ي�سجد له معهم تك ُّباً‬

‫وح�سداً‪ ‬وبغي ًا‪.‬‬

‫‪ ٤٨ ٤٧‬و أ�خرجنا ما في �صدورهم ِمن ال�شحناء‬ ‫‪ ٣٢‬قال تعالى‪ :‬يا إ�بلي�س ما منع َك أ�ن تكون مع‬
‫والحقد والعداوة‪ ،‬فهم فيها إ�خوة في المو َّدة والإيمان‪،‬‬ ‫ال�ساجدين؟‬
‫يقابل بع�ضهم بع�ض ًا على الأَ�س ّرة‪ .‬لا يم� ّس ه ؤ�لاء المتقين‬
‫في الجنات َت َع ٌب‪ ،‬وما هم منها بمخ َرجين‪ ،‬بل هم في‬ ‫‪ ٣٣‬قال �إبلي�س متعالي ًا‪ :‬لا ي�ص ُّح م ِّني �أن �أ�سجد لب�شر‬
‫خلقته من َ�صل�صال من طي ٍن متغ ّ ِي الرائحة‪.‬‬
‫نعيمها دائمون‪.‬‬
‫‪ ٣٥ ٣٤‬قال تعالى‪ :‬فاخر ْج من الجنة ف إ�نك مطرود‪.‬‬
‫‪ ٤٩‬خ ِّب ‪ -‬يا محمد‪ -‬عبادي �أني �أنا الغفور للم ؤ�منين‬ ‫و�إ ّنك ُم ْب َعد عن رحمة الله حا ٌّل عليك غ�ض ُبه �إلى يوم‬
‫الرحيم بهم‪.‬‬
‫الـ ُمجازاة‪ ،‬وذلك يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ ٥٠‬و أ�خبرهم �أي�ض ًا أ�ن عذابي لمن أ��ص ّر على المعا�صي‬
‫و�أقام عليها ولم َيت ْب منها هو العذاب المو ِجع الذي‬ ‫‪ ٣٨ - ٣٦‬قال إ�بلي�س‪ :‬ر ّب ف إ�ذ أ�خرجتني من الجنة‬
‫ولعنتني‪ ،‬ف�أ ِّخرني �إلى يوم تبعث خلقك من قبورهم‬
‫ال‪ُ  ‬ي�شبهه‪ ‬عذاب‪.‬‬ ‫فتح�شرهم لموقف القيامة‪ .‬قال الله له‪ :‬ف�إنك ممن ُأ� ِّخر‬
‫هلا ُكه إ�لى يوم الوقت المعلوم لهلاك جميع خلقي‪،‬‬
‫‪ ٥١‬و�أ ْخ ِب عبادي ‪ -‬يا محمد‪ -‬عن �ضيف إ�براهيم‬
‫خلي ِل الرحمن ِمن الملائكة‪ ،‬الذين دخلوا عليه حين‬ ‫وذلك حين لا يبقى على ا ألر�ض من بني �آدم‪  ‬أ�حد‪.‬‬

‫�أر�سلهم ر ُّبهم إ�لى قوم لوط ِل ُيهلكوهم‪.‬‬ ‫‪ ٤٠ ٣٩‬قال �إبلي�س‪ :‬ر ِّب ب�إغوائك لي ألُ َح ِّب َبـ َّن �إليهم‬
‫معا�صيك في ا ألر�ض‪ ،‬ولأ�ض َّلنهم عن �سبيل الر�شاد إ�لا‬
‫َم ْن أ�خل�ص َته منهم بتوفيقك فهديته‪ ،‬ف إ�ن ذلك ممن لا‬

‫�سلطا َن لي عليه ولا طاق َة لي به‪.‬‬

‫‪ ٤١‬قال الله تعالى‪ :‬هذا ‪� -‬أ ْي‪ :‬إ�نجا ُء العباد المخ َل�صين‬
‫من �إبلي�س‪ -‬ح ٌّق عل َّي دائم لا يتخ َّلف‪.‬‬

‫‪ ٤٢‬إ� ّن عبادي لي�س لك عليهم ُح ّجة ولا قوة قاهرة‪،‬‬
‫�إلا َمن ا ّتبعك على ما دعو َته �إليه من المع�صية من ال�ضالين‬

‫الزائغين عن �سبيل الحق‪.‬‬

‫‪ ٤٤ ٤٣‬و�إ ّن جهنم لموع ُد إ�بلي�س و أ��شيا ِعه و�أتباعه‪.‬‬
‫لها �سبع ُة أ�طبا ٍق بع�ضها فوق بع�ض‪ ،‬لكل طبق منها باب‬
‫يدخل منه ِ�صنف من �أتباع �إبلي�س‪ ،‬ح�سب تفاوتهم في‬

‫مراتب الغواية والمتابعة‪.‬‬

‫‪� ٤٦ ٤٥‬إ ّن المتقين الذين �أطاعوني ولم يطيعوا �إبلي�س‬
‫في ب�ساتين تجري فيها عيون‪ .‬يقال لهم‪ :‬ادخلوا الجنة‬

‫ب�سلام ٍة �آمنين من الموت والخرو ِج منها ومن ا آلفات‪.‬‬

‫‪٢٦٤‬‬

‫‪ ٥٨‬قال الملائكة‪ :‬إ� ّنا ُ�أر�سلنا �إلى قوم مقيمين على‬
‫المع�صية م�ص ِّرين على مخالفة �أمر الله‪.‬‬

‫‪ ٥٩‬إ� ّل �أتبا َع لوط على ما هو عليه من الدين‪ ،‬ف إ� ّنا لن‬
‫ُنهلكهم بل ننجيهم من العذاب الذي ُ�أمرنا أ�ن نع ِّذب‬

‫به قوم لوط‪.‬‬

‫‪ ٦٠‬إ� ّل امر أ� َته ق�ضينا وكتبنا �إنها لمن الباقين مع قومها في‬
‫قريتهم ب�سبب كفرها‪ ،‬لي�صيبها ما �سي�صيبهم من العذاب‪.‬‬

‫‪ ٦٢ ٦١‬فلما أ�تى ر�س ُل الله �آ َل لوط‪ .‬قال لهم لوط‪:‬‬
‫إ� ّنا ُن ْنكركم ولا نعرفكم‪.‬‬

‫‪ ٦٤ ٦٣‬قالوا‪ :‬بل جئناك بالعذاب الذي كان قومك‬
‫فيه ي�ش ّكون‪ .‬وجئناك بالح ّق اليقين من عند الله‪.‬‬

‫‪ ٦٥‬ف أ��ْ ِس ب�أهل َك في آ�خر الليل‪ ،‬و�ِ ْس َخ ْل َفهم‪ ،‬ولا‬ ‫‪� ٥٢‬إذ دخلوا عليه فقالوا‪� :‬سلام ًا‪ ،‬قال �إبراهيم لـ ّما‬
‫يلتف ْت منكم وراءه �أح ٌد‪ ،‬وام�وضا حيث ي أ�مركم الله‪.‬‬ ‫َع َر�ض عليهم ا ألكل فلم ي�أكلوا‪ :‬إ�نا منكم خائفون‪.‬‬

‫‪ ٦٦‬و أ�وحينا إ�لى لوط �أمراً قاطع ًا في قومه‪ ،‬وهو �أنهم‬ ‫‪ ٥٣‬قالوا‪ :‬لا ت َخ ْف‪� ،‬إنا ر�ُسل رب َك نب�شرك بغلام ذي‬
‫�س ُيقطع أ��ص ُلهم بالهلاك في ال�صباح‪.‬‬ ‫ِعل ٍم كثير‪.‬‬

‫‪ ٦٧‬وجاء أ�هل مدينة �َس ُدوم ‪ -‬وهم قوم لوط‪ -‬لـ ّما‬ ‫‪ ٥٤‬قال إ�براهيم للملائكة الذين ب�ّشوه بغلام عليم‪:‬‬
‫أ�ُخبروا �أن في بيت لوط أ��ضياف ًا؛ ق�صدوا إ�لى بيته ‪ -‬عليه‬ ‫�أب�شرتموني بالولد مع �أني قد ك ِب �س ّني فب�أ ِّي �شيء‪ ‬تب�ِّشون؟!‬

‫ال�سلام‪ -‬م�ستب�شرين ف ِرحين طمع ًا في أ��ضيافه‪.‬‬ ‫‪ ٥٥‬قالوا‪َ :‬ب�ّشناك بال�صدق‪ ،‬فلا تكن من‪ ‬ا آلي�سين‪.‬‬

‫‪ ٦٩ ٦٨‬قال لوط لقومه‪� :‬إ ّن ه�ؤلاء الذين جئتم‬ ‫‪ ٥٦‬قال �إبراهيم‪ :‬لا يقنط من رحمة ربه إ�لا الجاهلون‬
‫ألجلهم �ضيفي‪ ،‬وح ٌّق على الرجل إ�كرا ُم �ضيفه‪ ،‬فلا‬ ‫الذين �ضلوا عن �سبيل المعرفة ال�صحيحة بربهم؛ فهم لا‬
‫تف�ضحوني �أيها القوم‪ ،‬و�أكرموني بترككم التعر�َض لهم‬ ‫ي�ست�شعرون كما َل قدرته ووا�س َع رحمته و َخف َّي �ألطافه‪.‬‬

‫بالمكروه‪ .‬وخافوا الله ولا تهينوني ب�إهانة �ضيفي‪.‬‬ ‫‪ ٥٧‬قال‪ :‬فما �ش أ�نكم‪ ،‬وب�أ ِّي �شيء جئتم �أيها المر�سلون؟‬

‫‪ ٧٠‬قالوا‪َ :‬أ� َولم نن َهك يا لوط �أن ت�ض ِّيف �أحداً‬
‫من العالمين؟‬

‫‪٢٦٥‬‬

‫‪ ٧١‬قال لوط لقومه‪ :‬ه ؤ�لاء ن�سا�ؤكم ‪ -‬وع َّب ببناتي‬
‫ألن النب َّي بمنزلة الأب‪ -‬فلا تفعلوا ما ح َّرم الله عليكم‬
‫من �إتيان الرجال‪ ،‬إ�ن كنتم فاعلين ما �آم ُركم به ومنتهين‬

‫�إلى �أمري!‬

‫‪ ٧٢‬وحيا ِتك‪�-‬أيهاالنبي‪�-‬إنهملفي�َس ْكرتهميتر َّددون‪.‬‬

‫‪ ٧٤ ٧٣‬ف�أخذتهم �صاعقة العذاب عند �شروق‬
‫ال�شم�س‪ .‬فجعلنا عالي قراهم �سافلها‪ ،‬ب�أن ُر ِفعت إ�لى‬
‫ال�سماء و�ُأ�سقطت مقلوب ًة عليهم‪ ،‬و�أمطرنا عليهم في‬

‫أ�ثناء ذلك حجارة من طين ُطبخ بالنار‪.‬‬

‫لل ُمتف ِّر�سين‬ ‫لوط لدلالا ٍت‬ ‫�إ ّن في �إهلاكنا قو َم‬ ‫‪٧٦ ٧٥‬‬
‫قري�ش إ�لى‬ ‫وا�ضح طري ِق‬ ‫و�إ ّن ُقراهم لبطري ٍق‬ ‫المعتب ِرين‪،‬‬

‫ال�شام لم َت ْندر�س �آثارها‪� ،‬أفلا يعتبرون بهم؟‬

‫‪ ٧٧‬إ� ّن في ذلك لدليل ًا ب ّين ًا للم ؤ�منين على ما ُينزل الله‬
‫من العذاب عقاب ًا للمجرمين الذين يك ِّذبون‪ ‬ر�سله‪.‬‬

‫بعمله‪ ،‬ف�أ ْع ِر�ْض ‪ -‬يا محمد‪ -‬عن قومك إ�عرا�ض ًا لا‬ ‫‪ ٧٩ ٧٨‬ولقد كان أ��صحاب ا أَليكة ظالمين‪،‬‬
‫َج َز َع فيه‪� .‬إ ّن ربك هو الذي خلقهم وخلق ك ّل �شيء‪،‬‬ ‫بكفرهم و�إخ�سارهم الميزان ‪ -‬وهم قوم �شعيب عليه‬
‫ال�سلام‪ ،‬والأيكة‪� :‬أر� ٌض فيها ماء و أ��شجار كثيرة م ْلت َّفة‬
‫وهو عالم بهم وبما يدبرون ويفعلون‪.‬‬ ‫ُقرب َم ْدين‪ -‬ف�أهلكناهم‪ ،‬و إ� ّن مدينتي قوم لوط وقوم‬
‫�شعيب لبطري ٍق وا�ضح ي�سلكه الم�سافرون‪ ،‬أ�فلا تعتبرون‬
‫‪ ٨٩ - ٨٧‬ولقد �آتيناك �سبع �آيات من القر�آن هي‬
‫فاتحة الكتاب‪ُ ،‬ت َثـ َّنى و ُتعاد تلاوتها في كل �صلاة‪،‬‬ ‫بهم يا �أهل مكة؟‬
‫و�آتيناك �سائر القر آ�ن العظيم؛ فلا تلتف ْت ‪ -‬يا محمد‪-‬‬
‫�إلى متاع الدنيا الذي متعنا به ا ألغنياء من قومك على‬ ‫‪ ٨١ ٨٠‬ولقد ك َّذب أ��صحاب ال ِح ْج ِر ‪ -‬وهو وا ٍد‬
‫ما هم عليه من الكفر والظلم‪ .‬ولا تحزن على تكذيبهم‬ ‫بين المدينة وال�شام وهم ثمود‪ -‬المر�َسلين‪ ،‬بتكذيبهم‬
‫لك وعدم ا�ستجابتهم �إلى ما تدعوهم �إليه‪ ،‬و أ� ِل ْن جانبك‬ ‫�صالح ًا لأن في تكذيبه تكذيب ًا لكل المر�سلين‪ .‬و َأ�رينا‬
‫للم�ؤمنين وا ْرفق بهم‪ .‬وقل‪ :‬إ�ني أ�نا المنذر بالآيات الب ِّينة‬ ‫قو َم �صالح �أد ّلتنا و ُحججنا على �صحة ما بع ْثنا به إ�ليهم‬
‫والحجج الوا�ضحة الـ ُمظ ِه ُر للنا�س جميع ًا ما �سي�صيبهم‬ ‫ر�سولنا �صالح ًا ومن ُجملتها الناقة‪ ،‬فكانوا عن �آياتنا التي‬
‫من العذاب إ� ْن هم لم ينتهوا ع ّما هم عليه من الكفر‬
‫آ�تيناهم معر�ضين‪ ،‬لا يعتبرون بها ولا ي ّتعظون‪.‬‬
‫والتكذيب والعناد‪.‬‬
‫‪ ٩٠‬أُ�نذركم يا م�شركي قري�ش أ� ْن ي�صيبكم عذا ٌب‬ ‫‪ ٨٤ - ٨٢‬وكانوا ينحتون من الجبال بيوت ًا َح�صين ًة‬
‫كما نزل بالمتحالفين الذين اتفقوا على مخالفة ا ألنبياء‬ ‫آ�منين أ�ن ينالهم عد ٌّو �أو ي�صيبهم فيها مكروه‪ .‬ف�أخذتهم‬
‫�صيحة الهلا ِك وق َت ال�صباح‪ .‬فما َد َف َع عنهم العذا َب ما‬
‫وتكذيبهم‪ ‬و�أذاهم‪.‬‬
‫كانوا يك�سبون ِم ْن بناء الح�وصن وجمع ا ألموال‪.‬‬
‫‪٢٦٦‬‬
‫‪ ٨٦ ٨٥‬وما خلقنا ال�سماوات وا ألر�ض وما بينهما‬
‫إ�لا بالح ّق‪ ،‬و إ�ن ال�ساعة آلتية لا َمحال َة فيجازى ك ُّل أ�حد‬

‫ال�صدر والحرج بالت�سبيح والتقدي�س ُمتل ِّب�س ًا بحمده‪،‬‬
‫و ُك ْن من الم�صلين؛ َي ْك ِفك ويك�شف الغ َّم عنك‪ .‬و ُد ْم‬
‫على عبادة ربك حتى ي أ�تيك الموت الذي هو أ� ْم ٌر مو َقن‬

‫به‪.‬‬

‫‪� ١‬أتى �أم ُر الله ف َق ُر َب منكم أ�يها النا�س ودنا فلا‬ ‫‪ ٩٣ - ٩١‬الذين جعلوا كتبهم المنزل َة عليهم �أجزاء‪،‬‬
‫ت�ستعجلوا ُوقوعه ‪ -‬وقد كان الكفار ي�ست ِخ ُّفون ب إ�نذار‬ ‫حيث آ�منوا ببع�ض وكفروا ببع�ض‪َ .‬ف َوربك لن�س�أل ّنهم‬
‫النبي ‪ ‬في�ستعجلون قيام ال�ساعة وعقابهم في الدنيا‪-‬‬
‫تن ّزه وتق ّد�س بذاته‪ ،‬وج َّل عن �أن يكون له �شريك مما‬ ‫�أجمعين يوم القيامة عما كانوا يعملون في‪ ‬الدنيا‪.‬‬
‫ي�شركون به‪ ،‬فيدفع ما أ�راد اللهُ بهم بوج ٍه ِمن الوجوه‪.‬‬
‫‪ ٩٤‬فا ْج َه ْر ‪ -‬يا ر�سول الله‪ -‬بما ت�ؤمر ولا تلتف ْت إ�لى‬
‫وهذا تهدي ٌد للكافرين لعلهم يرتدعون‪.‬‬ ‫ما يقول الم�شركون ولا ُتبا ِل بهم‪.‬‬

‫‪ ٢‬ين ِّزل الله جبري َل بالوحي على َمن ا�صطفاه واختاره‬ ‫‪� ٩٥‬إ ّنا كفيناك ‪ -‬يا محمد‪ -‬الم�ستهزئين‪ ،‬الذين‬
‫لر�سالته والتبليغ عنه‪� ،‬أَ ْن خ ِّوفوا الكافرين من العذاب‪،‬‬ ‫ي�ستهزئون ب َك و َي�سخرون منك‪ِ ،‬م ْن ر ؤ��ساء قري�ش‬

‫و�أع ِلموهم �أنه لا �إله �إلا أ�نا‪ ،‬فخافوني و�أطيعوا أ�مري‪.‬‬ ‫وغيرهم‪.‬‬

‫‪ ٣‬هو الذي خلق ال�سماوات وا ألر�ض خلق ًا‬ ‫‪ ٩٦‬الذين يجعلون مع الله إ�له ًا �آخر ف�سوف يعلمون‬
‫بمقت َ�ضى الحكمة‪ ،‬لا عبث ًا ولا باطل ًا‪ ،‬منفرداً ب�إيجادهما‬ ‫عاقب َة َ�أ ْمرهم يوم القيامة‪.‬‬
‫من غير ُمعين ولا �شريك‪ ،‬تق ّد�س وعلا عما ي�شركون به‬
‫‪ ٩٧‬ولقد َع ِلمنا ‪ -‬يا محمد‪ -‬أ� ّنك ي�ضيق �صد ُرك بما‬
‫من ا أل�صنام وغيرها‪ ،‬التي لا َتقدر على خلق �شيء‪.‬‬ ‫يقول ه�ؤلاء الم�شركون ِم ْن قومك‪ِ ،‬م ْن تكذيبهم إ� ّياك‬

‫‪ ٤‬وخ َلق الإن�سان من ماء قلي ٍل م�ستح َقـ ٍر‪ ،‬ف�إذا هو‬ ‫وا�ستهزائهم بك وبما جئتهم به‪.‬‬
‫مجاد ٌل لخ�وصمه ُم ِبي ٌن لحجته‪ ،‬من ِك ٌر على خالقه‪.‬‬
‫‪ ٩٩ ٩٨‬فا ْف َز ْع �إلى الله تعالى فيما َنا َبك من ِ�ضي ِق‬
‫‪ ٥‬و ِم ْن ُحججه عليكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬ما خلق‬
‫لكم من ا ألنعام ‪ -‬وهي ا إلبل والبقر والغنم‪ -‬ف�س ّخرها‬ ‫‪٢٦٧‬‬
‫لكم‪ ،‬وجعل لكم من �وصفها ووبرها و�شعرها ملاب�س‬
‫َت�ستدفئون بها‪ ،‬ومناف َع من أ�لبانها‪ ،‬وتركبون ظهورها‪،‬‬

‫وت أ�كلون من‪ ‬لحومها‪.‬‬

‫‪ ٦‬ولكم فيها زين ٌة وبهج ٌة و�سرو ٌر حين تر ُّدونها‬
‫بالع�ش ِّي من َمراعيها �إلى مراحها الذي ت أ�وي �إليه‪ ،‬وحين‬

‫تخرجونها �صباح ًا ِم ْن حظيرتها �إلى مراعيها‪.‬‬

‫‪ ٧‬و ِمن هذه الأنعام ما يحمل �أثقالكم �إلى بلد �آخر‬
‫لم تكونوا با ِلغيه إ�لا بجهد من �أنف�سكم �شدي ٍد وم�ش ّق ٍة‬

‫عظيمة‪ ،‬إ�ن ربكم لر�ؤوف رحيم بكم حيث خلقها لكم‪.‬‬

‫‪ ٨‬و َخ َل َق الخيل والبغال والحمير لكم �أي�ض ًا‪ ،‬وجعلها‬
‫لكم زين ًة تتزينون بها مع المنافع التي فيها لكم كالركوب‬
‫وغير ذلك‪ ،‬ويخلق من و�سائل الركوب وغيرها ما لا‬

‫علم لكم به‪.‬‬

‫‪ ٩‬وعلى الله بيا ُن الطريق الم�ستقيم‪ ،‬ب إ�ر�سال الر�سل‬
‫و إ�نزال الكتب و َن ْ�ص ِب الدلائل وبيان الـ ُحجج‪ ،‬ومن‬
‫ال�ُّسبل حائ ٌد عن الا�ستقامة وهي ِملل الكفر و ِن َح ُل‬
‫ا ألهواء الـ ُم ِ�ض ّلة‪ ،‬ولو �شاء لهداكم �أجمعين فلا يزيغ‬
‫أ�حد منكم عن ال�صراط الم�ستقيم‪ ،‬لكنه �شاء أ�ن تهتدوا‬

‫إ�ليه باختيا ٍر منكم‪.‬‬

‫في ت�سخير الله ذلك لدلالا ٍت وا�ضحا ٍت لقوم يعقلون‬ ‫‪ ١٠‬والذي أ�نع َم عليكم هذه النعم وخلق لكم الأنعام‬
‫ُح َج َج الله ويفهمون عنه تنبيهه �إيّاهم‪.‬‬ ‫والخيل و�سائر البهائم‪ ،‬هو الر ُّب‪ ،‬الذي �أنزل من ال�سماء‬
‫ما ًء‪ ،‬لكم منه �شراب ت�شربونه‪ ،‬ولكم منه �شجر ونبات‪،‬‬
‫‪ ١٣‬وما َخ َلق لكم في الأر�ض من حيوان ونبات‬
‫مختلف الأ�شكال وا أل�صناف وا أللوان دلي ٌل قاطع‬ ‫َترعى فيه �أنعامكم من غير كلفة أ�و م�ش ّقة‪.‬‬
‫على كمال قدرة الله‪� ،‬إن في ذلك لدلالة وا�ضحة لقو ٍم‬
‫‪ُ ١١‬ينبت الله لكم بالماء الذي أ�نزل من ال�سماء الزرع‬
‫يتعظون‪.‬‬ ‫والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات‪� ،‬إن في‬

‫‪ ١٤‬و�س ّخر لكم البح َر بحيث تتمكنون من الانتفاع‬ ‫هذا ا إلنزال وا إلنبات آلي ًة دال ًة على قدرته ووحدانيته‬
‫به‪ ،‬بركوبه والغو�ص فيه والا�صطياد منه؛ لت أ�كلوا منه‬ ‫تعالى لقوم يتفكرون في ُ�صنعه في�ؤمنون ببالغ حكمته‬
‫لحما طري ًا‪ ،‬من ال�سمك وغيره‪ ،‬وت�ستخرجوا منه ِح ْلية‬
‫كالل�ؤل�ؤ والمرجان تلب�سونها‪ ،‬وترى ال�سفن جواري‬ ‫وعظيم قدرته‪.‬‬
‫فيه؛ لتبتغوا من �سعة رزقه بركوبها للتجارة‪ ،‬ولعلكم‬
‫تعرفون حقوق ِن َعمه الجليلة فتقوموا ب�شكرها بالتوحيد‬ ‫‪ ١٢‬و ِم ْن ِنعمه عليكم ‪� -‬أيها النا�س‪ -‬مع التي ذكرها‬
‫َق ْب ُل أ�ن �س ّخر لكم الليل والنهار يتعاقبان عليكم‪ ،‬هذا‬
‫والطاعة‪.‬‬ ‫ل َت َ� ُّصفكم في َمعا�شكم وذاك ل�سكنكم فيه‪ ،‬و�س ّخر‬
‫ال�شم�س والقمر‪ ،‬بهما تعرفون �أوقات �أزمنتكم‪،‬‬

‫ول�صلاح َمعاي�شكم‪ ،‬والنجو ُم م�سخرا ٌت لكم ب أ�مر الله‬
‫تجري في َف َلكها لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر‪� ،‬إ ّن‬

‫‪٢٦٨‬‬

‫ُت�س ُّرون في أ�نف�سكم فتخفونه عن غيركم‪ ،‬وما تعلنونه‬ ‫‪ ١٥‬و أ�لقى في الأر�ض جبال ًا ثوابت لئلا ت�ضطرب‬
‫ب أ�ل�سنتكم وجوارحكم و أ�فعالكم‪ ،‬وهو ُمح�ٍص ذلك‬ ‫بكم‪ ،‬وجعل فيها أ�نهاراً‪ ،‬و ُطرق ًا لعلكم تهتدون‬

‫كله عليكم حتى يجازيكم به يوم القيامة‪.‬‬ ‫إ�لى مقا�صدكم‪.‬‬

‫‪ ٢٠‬وا أل�صنا ُم التي تعبدون من دون الله وتتو ّجهون‬ ‫‪ ١٦‬و َجعل علامات في ا ألر�ض من جبال و ِفجاج‬
‫�إليها بالدعاء‪ ،‬لا يخلقون �شيئ ًا وهم ُي�صنعون و ُي َ�ص َّورون‬ ‫وغيرها ت�ستدلون بها نهاراً على الطرق في �سيركم‬
‫و�أ�سفاركم‪ .‬وبالنجوم التي �سخرها الله في ال�سماء هم‬
‫من الحجارة‪ ‬وغيرها‪.‬‬
‫يهتدون ليل ًا في ظلمات البر والبحر‪.‬‬
‫‪ ٢١‬هذه ا أل�صنام جمادات �أموات لم تكن لها حياة‬
‫َق ّط ولا تكون‪ ،‬ولا يعلمون متى ولا كيف يكون َب ْع ُث‬ ‫‪� ١٧‬أف َمن يخلق هذه الخلائق العجيبة التي ع ّددناها‬
‫َم ْن يتوجهون إ�ليهم بالعبادة‪ ،‬فكيف ُتعبد من دون‬ ‫عليكم‪ ،‬و ُينعم عليكم هذه ال ِّنعم العظيم َة‪ ،‬ك َم ْن لا‬
‫الله؟! إ�ذ لا يكون إ�له ًا إ�لا الخالق الحي العالم بوقت‬
‫يخلق �شيئ ًا ولا ُينعم عليكم نعم ًة �صغير ًة وال‪ ‬كبير ًة؟‬
‫البعث القادر عليه‪.‬‬
‫‪ ١٨‬و�إ ْن َتعدوا نعمة الله لا ُتطيقوا َح ْ�صها ولا‬
‫‪� ٢٢‬إلهكم الذي ي�ستحق عليكم العباد َة و إ�فرا َد الطاعة‬ ‫الإحاطة بها عدداً وعلم ًا‪ ،‬ف�ضل ًا عن القيام بح ّقها �شكراً‬
‫له دون �سائر ا أل�شياء �إل ٌه واحد‪ ،‬فالذين لا ي�ص ِّدقون بوعد‬ ‫وعمل ًا‪ .‬إ� ّن الله لغفور رحيم؛ حيث ُينعم عليكم مع‬
‫الله ووعيده ولا ُيق ّرون بالـ َمعاد إ�ليه بعد الممات قلو ُبهم‬
‫تق�صيركم وع�صيانكم‪.‬‬
‫جاحد ٌة للوحدانية‪ ،‬وهم متكبرون عن ا إليمان بها‪.‬‬
‫‪ ١٩‬والله ‪ -‬الذي هو إ�لهكم �أيها النا�س‪ -‬يعلم ما‬
‫‪ ٢٣‬ح ّق ًا �إ ّن الله يعلم ما ُي�س ُّر ه�ؤلاء الم�شركون من‬
‫�إنكارهم ما ذكرنا من ا ألنباء في هذه ال�سورة‪ ،‬ويعلم‬
‫ما يعلنون من كفرهم به تعالى وافترائهم عليه‪� ،‬إ ّن الله لا‬

‫يحب الم�ستكبرين عن توحيده والطاعة له‪.‬‬

‫‪ ٢٤‬و�إذا قيل له ؤ�لاء الم�شركين الذين لا ي�ؤمنون‬
‫با آلخرة‪ :‬أ� ّي �شيء أ�نزل ربكم؟ قالوا‪ :‬أ�نزل ما �َس َّط َر ُه‬

‫ا ألولون من ا ألباطيل‪.‬‬

‫‪ ٢٥‬ليحملوا في عاقبة ا ألمر ذنو َبهم؛ لم ُيك َّفر منها‬
‫�شيء يوم القيامة‪ ،‬ويحملوا مع ذلك بع�َض ذنوب الذين‬
‫ُي�ضلونهم بغير علم؛ ألنهم دعوهم إ�لى ال�ضلال فاتبعوهم‬

‫فا�شتركوا في ا إلثم‪ ،‬أ� َل بئ�س ال ِحم ُل الذي يحملون‪.‬‬

‫‪ ٢٦‬قد م َكر الم�شركون الذين كانوا قبل ه ؤ�لاء‪،‬‬
‫ودبروا المكائد لخداع النا�س بالباطل و�ص ِّدهم عن �سواء‬
‫ال�سبيل‪ ،‬فك�شف‪ ‬الله خداعهم و أ�َ ْب َطل تدبيرهم‪ ،‬و َه َد َم‬
‫بنيانهم من �أ�صله‪ ،‬فوقع �سق ُفه عليهم‪ ،‬وجاءهم العذاب‬

‫ِم ْن حيث لا يتوقعون‪.‬‬

‫‪٢٦٩‬‬

‫‪ ٢٧‬ثم ب ّي �سبحانه أ�ن عذاب الذين مكروا غير‬
‫مق�وصر على عذاب الدنيا فقط؛ بل يوم القيامة‬

‫يخزيهم ب إ�دخالهم النار ويف�ضحهم بالعذاب و ُي ِذلهم‬
‫به ويهينهم‪ ،‬ويقول الله تعالى مق ِّرع ًا لهم ومو ِّبخ ًا‪:‬‬
‫أ�ين �شركائي من ا آللهة التي عبدتموها ِم ْن دوني وكنتم‬
‫تعاندون و ُتا ّجون الأنبياء والم�ؤمنين في ربوبيتهم؟! قال‬
‫الذين آ�تاهم‪ ‬الله العلم من ا ألنبياء والر�سل وال�صالحين‪ :‬إ� ّن‬

‫ال ِّذلة والف�ضيحة والعذاب على الكافرين في هذا اليوم‪.‬‬

‫‪ ٢٨‬يخبر تعالى عن حال الم�شركين الظالمي �أنف�سهم‬
‫عند احت�ضارهم ومجيء الملائكة �إليهم لقب�ض �أرواحهم‪:‬‬

‫ف�أظ َهروا ال�سم َع والطاعة والانقياد قائلين كذب ًا‪ :‬ما ك ّنا‬
‫نعمل �شيئ ًا من ال�شرك‪ ،‬فتجيبهم الملائكة‪ :‬بلى‪� ،‬إ ّن الله‬
‫عليم بما كنتم تعملون‪ ،‬والله يجازيكم على �سوء عملكم‪.‬‬

‫‪ ٣٢‬يجزي الله هذا الجزا َء للمتقين الذين َت ْق ِب�ض‬ ‫‪ ٢٩‬يقال له�ؤلاء الظلمة أ�نف َ�سهم حين يقولون لربهم‪:‬‬
‫�أروا َحهم ملائك ُة الله‪ ،‬وهم طيبون بتطييب الله �إياهم‪.‬‬ ‫ما ك ّنا نعمل من �سوء‪ :‬ادخلوا أ�بواب جهنم ‪� -‬أي‬
‫تقول الملائكة تطمين ًا لهم‪� :‬سلا ٌم عليكم‪ ،‬أ�ي‪ :‬أ�ما ٌن‬ ‫ِل َي ْدخ ْل ك ُّل ِ�صنف طبق َته في جهنم من الباب الذي �ُأع ّد‬
‫عليكم من كل مكروه‪ ،‬و أ�ب ِ�شوا بدخول الجنة بما كنتم‬ ‫ألمثاله في المع�صية‪ -‬ما ِكثي َن فيها‪ ،‬فلبئ�س َمنزل َم ْن تك ّب‬

‫تعملون من �صالح الأعمال التي و ّفقكم الله �إليها بف�ضله‬ ‫على الله ولم يق ّر بربوبيته‪ ،‬وي�ص ّدق بوحدانيته‪.‬‬

‫وتق َّبلها منكم برحمته‪.‬‬ ‫‪ ٣٠‬وقيل للفريق الآخر‪ ،‬الذين هم �أهل �إيما ٍن وتقوى‬
‫لله‪ :‬ماذا َأ� ْن َز َل ر ُّب ُكم على ر�سو ِل ِه؟ قالوا‪ :‬أ�نزل الله عليه‬
‫‪ ٣٣‬هل ينتظر ه ؤ�لاء الم�شركون �إلا �أن ت�أتيهم الملائكة‬ ‫الخير والهدى‪ ،‬وهو القر آ�ن العظيم‪ ،‬ثم أ�خبر �سبحانه‬
‫ع ّما َو َع َد به عباده المح�سنين من حيا ٍة طيبة في الدنيا‪،‬‬
‫لقب�ض �أرواحهم‪ ،‬أ�و ي أ�تي �أمر ربك بح�شرهم لموقف‬ ‫وجن ٍة في ا آلخرة؛ ولدار ا آلخرة لهم خير و�أف�ضل مما‬

‫القيامة؟! كذلك َف َع َل أ��سلا ُفهم من الكفرة بالله‪ ،‬وما‬ ‫أُ�وتوه في الدنيا؛ و ِن ْع َم دا ُر ا آلخرة دارهم‪.‬‬
‫ظلمهم الله ب إ�حلال �سخطه بهم‪ ،‬ولك ْن كانوا �أنف َ�سهم‬
‫‪ ٣١‬هي جنا ُت �إقامة دائمة يدخلونها‪ ،‬تجري ِم ْن تحت‬
‫يظلمون بمع�صيتهم ر َّبهم وكفرهم به‪.‬‬ ‫ب�ساتينها وق�وصرها ا ألنهار‪ ،‬لهم فيها ما تم ّنوه و�أرادوه‪.‬‬
‫وبم ْث ِل هذا يجزي الله الذين اتقوه ب�أداء فرائ�ضه واجتناب‬
‫‪ ٣٤‬ف أ��صابهم جزا ُء �سيئا ِت ما عملوا‪ ،‬و أ�حاط بهم‬
‫عذا ُب الله الذي كانوا منه ي�سخرون‪.‬‬ ‫نواهيه‪.‬‬

‫‪٢٧٠‬‬

‫‪ 37‬إ� ْن تجتهد ‪ -‬يا محمد‪ -‬غاي َة الاجتها ِد طلب ًا لهداية‬
‫ه ؤ�لاء الم�شركين‪ ،‬لم ينفعهم اجتهادك �شيئ ًا‪� ،‬إذ لا هادي‬

‫لمن �أ�ض ّله‪ ‬الله‪ ،‬ولي�س لهم نا�صرٌ ُينقذهم من عقابه‪.‬‬

‫‪ 38‬و َ�أق�سم ه ؤ�لاء الم�شركون مبالغين في توكيد �أيمانهم‬
‫ب أ� ّن الله لا يبعث َمن يموت‪ ،‬بلى يبعثهم الله‪َ ،‬و َع َد بذلك‬
‫عباده وعداً �صادق ًا ح ّق ًا‪ ،‬ولك ّن �أكثر ال ّنا�س لا يعلمون‬
‫كمال قدرته وبا ِل َغ حكمته �سبحانه‪ ،‬فينكرون البعث‪.‬‬

‫‪ 39‬ليب ّي الله للنا�س‪ -‬يوم البعث‪ -‬ما كانوا يختلفون‬
‫فيه من الحق والباطل؛ وليعلم الذين �أنكروا حقيقة البعث‪،‬‬

‫أ�نهم كانوا كاذبين في قولهم‪ :‬لا َب ْع َث بعد الموت‪.‬‬

‫‪� 40‬إ ّنا إ�ذا أ�ردنا َخ ْل َق �شي ٍء أ�و �إن�شا َءه‪ ،‬ف�إنما نقول له‪:‬‬
‫«كن» فيكون بلا معاناة فيه ولا م�شقة‪.‬‬

‫‪ 41‬والذين تركوا ديارهم و�أوطانهم في �سبيل الله‪،‬‬ ‫‪ 35‬هذا �إخبا ٌر من الله أ� ّن م�شركي مكة قد جادلوا عن‬
‫ِم ْن بعد ما ُع ِّذبوا و�ُأوذوا‪ ،‬ل ُن�ْسكن ّنهم في الدنيا م�سكن ًا‬ ‫�ِشكهم وتحريمهم ما أ�ح َّل الله‪ ،‬بالق�ضاء والقدر‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫�صالح ًا ير�وضنه‪ ،‬و َلثوا ُب الله لهم على هجرتهم في‬
‫ا آلخرة أ�عظم مما �أعطيناهم في الدنيا‪ .‬لو كان الذين‬ ‫لو �شاء الله تعالى لنا عبا َد َته وحده لعبدناه نحن و�آبا�ؤنا‬

‫كفروا يعلمون منزلتهم!‬ ‫الذين هم قدوتنا‪ ،‬وما ح َّرمنا �شيئ ًا لم يح ِّرمه‪ ،‬لك ْن لم‬
‫ي�ش�أ‪ .‬وبم ْث ِل هذه الحجة الباطلة التي تنفي عن الإن�سان‬
‫‪ 42‬ه�ؤلاء المهاجرين في �سبيل الله هم الذين �صبروا‬
‫في الله على ما نالهم في الدنيا‪ ،‬وبالله يثقون في �أمورهم‬ ‫م�س ؤ�وليته وقدرته على الاختيار احت َّج الكفار ال�سابقون‬
‫على ُر�ُسلهم‪ ،‬فلي�س على الر�سل المن ِذرين لهم إ�لا التبلي ُغ‬
‫كلها‪.‬‬
‫الوا�ضح لما ُك ّلفوا‪ ‬به‪.‬‬

‫‪ 36‬ولقد أ�ر�سلنا في ك ّل �أمة من الأمم ال�سابقة ر�سلا ًو‪،‬‬
‫ي�أمرهم ب�أن يعبدوا الله‪ ،‬و�أن يتركوا ك َّل معبود دونه‪ِ :‬م ْن‬
‫�أ�صنا ٍم وغيرها ممن يدعو إ�لى ال�ضلال‪ ،‬ف ِم ْن ه�ؤلاء الأمم‬
‫َم ْن هداه الله‪ ،‬ومنهم َم ْن كفر وك ّذب‪ ،‬ف�سيروا ‪َ -‬معا�شر‬
‫المخاطبين‪ -‬في البلاد ِل َتوا ماذا ح َّل به ؤ�لاء المك ّذبين ِم ْن‬

‫�سخط الله وعقابه‪.‬‬

‫‪٢٧١‬‬

‫‪ 51‬وقال الله لعباده‪ :‬لا تجعلوا لي �شريك ًا‪ ،‬ولا تعبدوا‬ ‫‪ 43‬وما أ�ر�سلنا من قبلك �إلى الُأمم الما�ضية‬
‫معبو َد ْين‪� ،‬إنما �إلهكم معبو ٌد واحد‪ ،‬ف إ� ّياي فاتقوا‪.‬‬ ‫‪ -‬يا‪ ‬محمد‪ -‬إ�لا ب�شراً‪ ،‬ننزل عليهم َو ْحينا‪ ،‬فا�س�ألوا‬
‫وخافوا عقابي إ�ن ع�ص ْيتموني وعبدتم غيري‪ ،‬أ�و �أ�شر ْكتم‬ ‫أ�هل العلم من اليهود والن�صارى إ� ْن كنتم لا تعلمون هل‬

‫في عبادتكم لي �شريك ًا‪.‬‬ ‫كانت الر�سل ب�شراً َ�أم ملائكة!؟‬

‫‪ 52‬ولله ما في ال�سماوات وا ألر�ض َخ ْلق ًا وتدبيراً‪،‬‬ ‫‪ 44‬وما �أر�سلنا من قبلك إ� ّل رجال ًا‪� ،‬أر�سلناهم‬
‫وله الطاعة والإخلا�ص دائم ًا ثابت ًا‪� ،‬أف َغي َر الله‬ ‫بالـ ُحجج ال�شاهدة على نب َّوتهم‪ ،‬وبالكتب الهادية‬
‫المب ّينة‪ ،‬و أ�نزلنا �إليك ‪ -‬يا محمد‪ -‬القر آ�ن لتب ّي ا ألحكام‬
‫َت ْرهبون وتحذرون؟!‬
‫‪ 53‬وما َي ُكن بكم ‪� -‬أيها النا�س‪ -‬من نعمة في‬ ‫وال�شرائع للنا�س‪ ،‬وليتفكروا ويعتبروا‪ ‬بما‪ ‬فيه‪.‬‬
‫دينكم �أو أ�بدانكم �أو �أهليكم أ�و أ�موالكم ‪ ...‬فمن الله‪،‬‬
‫هو الم ْنعم بذلك عليكم‪ ،‬ثم �إذا أ��صابكم بلاء أ�و ِ�ش َّدة‬ ‫‪ 45‬أ�ف َ�أ ِم َن الذين َي�ْس َت�سلون في اقتراف الذنوب‬
‫في �شيء مما تف َّ�ضل الله به عليكم‪ ،‬ف�إلى الله ت�صرخون‬ ‫وتدبير المكائد �أن يخ�سف الله بهم ا ألر�ض ‪ -‬كما ُفعل‬
‫بقارون‪ -‬أ�و ي�صي َبهم العذا ُب وهم على حا ٍل من الغفلة‬
‫بالدعاء؛ ليك�شف ذلك‪ ‬عنكم‪.‬‬
‫وال�شعور با ألمن؟!‬
‫‪ 54‬ثم �إذا َرفع الله عنكم ما أ��صابكم من مر�ض و�ش َّدة‪،‬‬
‫وف َّرج البلاء عنكم‪ ،‬إ�ذا جماع ٌة منكم يجعلون لله �شريك ًا‬ ‫‪ 46‬أ�و ُيهلكهم الله بالعذاب في أ�ثناء �َس ْع ِيهم‬
‫ومتاجرتهم و�أ�سفارهم‪ ،‬ف�إنهم لا ُيعجزونه في ذلك‪� ،‬إن‬
‫في عبادتهم‪� ،‬شكراً لغير َم ْن أ�نعم عليهم بالفرج‪.‬‬
‫أ�راد �أ ْخ َذهم‪.‬‬
‫‪٢٧٢‬‬
‫‪� 47‬أو ي�أخذهم الله وهم على حا ٍل من الخوف وتو ُّق ِع‬
‫نزول العذاب؛ ف�إ ّن ر ّبكم لر�ؤوف رحيم؛ حيث لم‬
‫ي ُعاجلهم بالعقوبة وهو القادر على إ�نزال العذاب بهم‬

‫و إ�هلاكهم بما �شاء ووق َت ما �شاء‪.‬‬

‫‪� 48‬أ َولم ينظر ه ؤ�لاء الكفار نظر َة ت�أ ُّم ٍل واعتبار‬
‫�إلى ما خلق الله من �شيء من الأ�شياء التي لها ظ ٌّل‬
‫كال�شجر والجبال‪ ،‬كيف تمتد ظلالها ثم تتراجع �شيئ ًا‬
‫ف�شيئ ًا عن اليمين وال�شمال‪ ،‬منقاد ًة لله تعالى خا�ضعة‬

‫له تمام الخ�وضع؟‬

‫‪ 49‬ولله يخ�ضع وينقاد كل ما َيد ّب ويتحرك في‬
‫ال�سماوات والأر�ض‪ ،‬اختياراً وطوع ًا أ�و ا�ضطراراً‬
‫و َك ْره ًا‪ .‬وله �سبحانه ت�سجد الملائكة وهم لا ي�ستكبرون‬

‫عن عبادته والخ�وضع له‪.‬‬

‫‪ 50‬وجميع الملائكة يخافون ر َّبهم من فوقهم‪،‬‬
‫ويفعلون ما ي ؤ�مرون به من الت�سبيح والعبادة له وتنفيذ‬

‫�أوامره تعالى في خلقه‪.‬‬

‫‪ 59‬ي�ستخفي هذا الـ ُم َب�َّ ُش بلاودة ا ألنثى عن أ�َ ُعين‬ ‫‪ 55‬ل َي ْجحدوا بذلك نعمة الله‪ ،‬فيما آ�تاهم من َك�ْش ِف‬
‫النا�س؛ ِمن �سوء الذي ب�ّشه النا�س به‪ ،‬أ�يت ُركها وهي‬ ‫ال�ض ِّر عنهم‪ ،‬فتم ّتعوا ‪� -‬أيها الجاحدون‪ -‬في هذه الدنيا‬
‫مهان ٌة عنده ‪ -‬على رغم �أنفه‪� -‬أم يدفنها ح ّي ًة في التراب؟‬ ‫�إلى انتهاء �آجالكم‪ ،‬ف�سوف تعلمون عاقب َة أ�مركم‪ .‬وهذا‬
‫بئ�س الـ ُحكم الذي حكموا به؛ حيث ن�سبوا لخالقهم‬
‫من‪ ‬الله وعي ٌد لهم‪.‬‬
‫البنات اللاتي هي عندهم بهذا المح ِّل‪.‬‬ ‫‪َ 56‬يخ�ُّص ه�ؤلاء الم�شركون أ�وثا َنهم بجز ٍء مما رزقهم‬
‫الله من ا ألموال‪ ،‬والل ِه ‪ -‬أ�يها الم�شركون‪َ -‬ل َي�س أ�ل َّنكم ر ُّبكم‬
‫‪ 60‬له�ؤلاء الم�شركين الذين جعلوا لله البنات‪ ،‬القبي ُح‬ ‫يوم القيامة‪ ،‬ع ّما كنتم َت ْخ ِتل ِقونه من الباطل وا إلفك على‬
‫ِمن الـ َم َثل‪ ،‬الذي ي�سوء �صاح َبه‪ ،‬ولله المثل ا ألعلى‪ ،‬وهو‬
‫ا ألف�ض ُل وا ألطي ُب وا ألح�س ُن وا ألجم ُل ِمن ا ألمثال‬ ‫الله بدعواكم له �شريك ًا‪.‬‬
‫و�صفا ِت الكمال‪ ،‬وهو العزيز في ملكه‪ ،‬الحكيم في‬
‫‪ 57‬ويجعل ه ؤ�لاء الم�شركون �أي�ض ًا البنا ِت لله الذي‬
‫َخلقه‪.‬‬ ‫َخ َلقهم و�أنعم عليهم‪ ،‬ولا ينبغي �أن يكون لله ول ٌد ‪ -‬ذكر‬
‫ولا أ�نثى‪ُ -‬ي َن ِّزه ج َّل جلاله بذلك نف�سه عما ن�سبوا �إليه‬
‫‪ 61‬ولو ي ؤ�اخذ الله بني آ�دم بمعا�صيهم‪ ،‬ما َترك على‬ ‫من البنات‪ ،‬ويجعلون ألنف�سهم ما ي�شتهون من‪ ‬البنين‪.‬‬
‫ا ألر�ض ِمن دا ّبة تد ّب عليها وتتحرك فوقها‪ ،‬ولكنه‬
‫ب ِح ْلمه ي�ؤ ّخر ه ؤ�لاء الظلمة �إلى الوقت الذي ح َّدده‬ ‫‪ 58‬و إ�ذا ُب�ِّش أ�ح ُد ه�ؤلاء الذين جعلوا‪ ‬لله البنات‪،‬‬
‫لهم‪ ،‬ف�إذا جاء وقت هلاكهم فلا ي ؤ� َّخرون ولا يق َّدمون‪.‬‬ ‫بلاودة البنت‪� ،‬صار وجهه م�ْسو ّداً من كراهته لها‪ ،‬وهو‬

‫‪ 62‬ويجعل ه�ؤلاء الم�شركون ما يكرهونه ألنف�سهم‬ ‫ممتلئ غ ّم ًا وحزن ًا وغ�ضب ًا‪.‬‬
‫من البنات لله تعالى‪ ،‬وتقول أ�ل�سن ُتهم الكذب‪ :‬لنا‬
‫الذكو ُر ولله البنا ُت‪ ،‬ح ّق ًا واجب ًا �أ ّن له�ؤلاء القائلين النا َر‬ ‫‪٢٧٣‬‬

‫يوم القيامة‪ ،‬و�أنهم ُمع َّجلون �سابقون �إليها‪.‬‬

‫‪ 63‬والله ‪ -‬يا محمد‪ -‬لقد أ�ر�سلنا ر�سل ًا ِمن قبلك‬
‫إ�لى �ُأممهم‪ِ ،‬بثل ما أ�ر�سلناك إ�لى أ� ّمتك‪ ،‬فك ّذبوهم؛‬
‫فح�َّسن لهم ال�شيطان �أعمالهم القبيحة‪ ،‬فهو ول ُّيهم في‬
‫الدينا ُيعينهم على الكفر والمعا�صي‪ ،‬ولهم في الآخرة‬
‫عذا ٌب �شديد الإيلام‪ .‬وهذه ت�سلي ٌة للنبي ‪ ‬ب أ� ّنه ُك ِّذب‬
‫كما ُك ِّذب ْت ر�س ٌل من قبله‪ ،‬و أ��صابه من الأذى كالذي‬

‫أ��صابهم‪.‬‬

‫‪ 64‬وما �أنزلنا ‪ -‬يا محمد‪ -‬عليك القر آ�ن إ�لا ل ُتب ِّي‬
‫لل ّنا�س ما اختلفوا فيه من أ�مور ال ِّدين‪ ،‬فتم ّيز لهم الحق‬
‫من الباطل‪ ،‬فتقوم الحجة عليهم ببيانك‪ ،‬وهذا القر آ�ن‬
‫هداية لل ّنا�س ورحمة لقوم ي ؤ�منون به‪ ،‬وي�ص ِّدقون بما فيه‪.‬‬

‫‪ 71‬واللهُ ف َّ�ضل بع َ�ضكم على بع�ض في الرزق الذي‬ ‫‪ 65‬واللهُ هو الذي أ�نزل من ال�سماء ما ًء ف أ�حيا به‬
‫رزقكم‪ ،‬فما الذين ف َّ�ضلهم الله على غيرهم بم�شركي‬ ‫ا ألر�َض و أ�نبت فيها �أنواع ًا �ش ّتى من النبات بعد أ�ن كانت‬
‫مماليكهم فيما رزقهم اللهُ‪ ،‬حتى ي�ستووا فيه جميع ًا‪� ،‬إذ‬ ‫لا زر َع فيها ولا ُع�شب‪� ،‬إ ّن في ذلك لدليل ًا وا�ضح ًا على‬
‫هم لا ير�وضن ب أ�ن يكونوا هم وممالي ُكهم فيما رزق ُتهم‬ ‫قدرة الله على البعث‪ ،‬وا�ستحقا ِقه للعبا َدة دون غيره‪،‬‬
‫�سواء‪ ،‬فكيف ير�ضى هو تعالى بم�ساواة عبي ٍد له في‬
‫الإلهية والتعظيم؟ أ� َف ِبنعمة الله التي �أنعمها على ه�ؤلاء‬ ‫لقو ٍم ي�سمعون هذا القول فيتدبرونه ويعقلونه‪.‬‬
‫الم�شركين يجحدون فيجعلون لله في �سلطانه و ُملكه‬
‫‪ 66‬و إ� ّن لكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪َ -‬ل ِعظ ًة في ا إلبل والبقر‬
‫�شريك ًا ِم ْن َعبيده وخلقه؟!‬ ‫والغنم ن�سقيكم مما في بطونها لبن ًا نخرجه لكم من بين‬
‫‪ 72‬واللهُ هو الذي َخ َل َق �آدم‪ ،‬ثم خلق زوجته منه‪،‬‬ ‫َفر ٍث ‪ -‬وهو ما في ال َك ِر� ِش ِم ْن َف َ�ضلا ٍت‪ -‬ودم خال�ص ًا‬
‫وجعل لكم من ِج ْن�سكم أ�زواج ًا‪ ،‬ثم جعل لكم من‬ ‫من مخالطتهما‪� ،‬سائغ ًا لل�شاربين ال‪ُ  ‬يغ�ّص به للذته‬
‫�أزواجكم بني َن و�أبنا َء بنين‪ ،‬ورزقكم ِم ْن حلا ِل المعا�ش‬
‫وا ألقوات‪� ،‬أفبالباطل ِمن ا أل�صنام وما ُيعبد ِمن دون الله‬ ‫وطيب طعمه‪.‬‬
‫ي ؤ�منون‪ ،‬وب ِنعم‪ ‬الله الوا�ضح ِة الجل ّي ِة هم يكفرون؟! وهي‬
‫التي ت�ستح ُّق منهم �شكره تعالى‪ ،‬و إ�خلا�َص العبادة له‪.‬‬ ‫‪ 67‬ولكم �أي�ض ًا ‪� -‬أيها النا�س‪ -‬عبرة في ثمرات‬

‫‪٢٧٤‬‬ ‫النخيل والأعناب‪ ،‬تتخذون منه �شراب ًا ُم�ْسكراً ورزق ًا‬
‫ح�سن ًا ‪ -‬وفي هذا تمهيد لتحريم ك ِّل م�سكر بالتنبيه على‬

‫ُمغايرته للرزق الح�سن‪ -‬إ� ّن في ذلك لدلال ًة وا�ضح ًة‬
‫على قدرة الله وا�ستحقاقه و ْح َده للعبودية لقو ٍم يعقلون‬

‫عن‪ ‬الله تعالى ُحججه‪.‬‬

‫‪ 69 68‬و َ�أ ْل َه َم ر ُّبك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬النح َل أ� ِن‬
‫اتخذي من الجبال بيوت ًا‪ ،‬ومن ال�شجر‪ ،‬ومما َيبني النا� ُس‬
‫من ا ألغ�صان ونحوها على هيئة ال�سقوف‪ .‬ثم ُكلي من‬

‫كل الثمرات فا�سلكي ُط ُر َق ربك ُم َذ َّلل ًة وم�سخرة ل ِك‪،‬‬
‫َيخر ُج من بطونها ع�س ٌل مختلف أ�لوانه‪ ،‬فيه �شفاء من‬
‫ا ألمرا�ض التي �شفا ؤ�ها فيه‪� ،‬إ ّن في ذلك لدلال ًة و ُح ّج ًة‬
‫وا�ضح ًة �أ ّنه الواحد الذي لي�س كمثله �شيء‪ ،‬و�أ ّنه‬
‫ال‪ ‬ينبغي �أن يكون له �شريك‪ ،‬ولا َت�ص ُّح الأُلوهية �إ ّل له‪.‬‬

‫‪ 70‬واللهُ خلقكم ‪� -‬أيها النا�س‪ -‬و أ�َ ْوجدكم ولم‬
‫تكونوا �شيئ ًا‪ ،‬ثم يقب�ضكم‪ ،‬ومنكم َم ْن َي ْهرم في�صير �إلى‬
‫َأ� ْرد ِ�إ مراحل العمر و أ��سوئها‪ ،‬لئلا َيعلم �شيئ ًا بعد عل ٍم كان‬
‫يعلمه في �شبابه‪ ،‬إ� ّن الله علي ٌم بك ِّل ما كان ويكون‪ ،‬قدي ٌر‬

‫على ما �شاء‪ ،‬ال‪ ‬يجهل �شيئ ًا‪ ،‬ولا ُيعجزه �شي ٌء �أراده‪.‬‬

‫بل �أكثرهم لا يعلمون ما ُذ ِكر فيتوجهون بالعبادة إ�لى‬

‫غيره و ُي�ضيفون ِن َعمه �سبحانه إ�لى َمن لا يملك لهم �ضراً‬
‫ولا نفع ًا‪.‬‬

‫‪ 76‬و�ضرب اللهُ مثل ًا �آخر يد ُّل على ما د َّل عليه‬
‫المث ُل ال�سابق على وج ٍه يزيده و�وضح ًا وبيان ًا‪ :‬رجلين‪،‬‬

‫�أح ُدهما أ�خر�س ال‪ ‬ي�ستطيع القيا َم ب�شيء من ا أل�شياء‬
‫المتعلقة بنف�سه أ�و بغيره‪ ،‬وهو ثقي ٌل على َم ْن يعوله ويلي‬
‫�أمره‪ ،‬لا ينجح في أ�ي �أمر ُو ِك َل �إليه‪ ،‬و�آخر ِم ْنطي ٌق ذو‬
‫ر�أ ٍي وكفاي ٍة و ُر�ش ٍد وا�ستقام ٍة وهد ًى‪ ،‬ينفع النا�س ِبح ِّثهم‬
‫على العدل الجام ِع لمجام ِع الف�ضائل‪ ،‬فكما لا يت�ساوى‬
‫هذان فلا يمكن �أن ت�ساووا ‪ -‬أ�يها الم�شركون‪ -‬بين الله‬

‫والأوثان‪.‬‬

‫‪ 77‬ولله وحده عل ُم ا ألمور الغائبة عن المخلوقين‪ ،‬وما‬ ‫‪ 73‬ويعب ُد ه�ؤلاء الم�شركون من دون الله �أوثان ًا لي�س لها‬
‫�أم ُر ال�ساعة ‪ -‬التي هي َأ�عظ ُم ما وقع فيه الجدل وال�ش ّك‬ ‫من الَأ ْمر �شيء‪ ،‬لا َتقدر على �إنزال َق ْط ٍر من ال�سماوات‪،‬‬
‫من الغيوب‪� -‬إلا كنظر ٍة خاطف ٍة بالب�صر؛ بل هو أَ��سرع‬ ‫ولا على إ�خراج �شيء من نبات ا ألر�ض وثما ِرها لهم‪.‬‬

‫من ذلك‪ ،‬إ� ّن الله عظيم القدرة لا يعجزه �شيء أ�راده‪.‬‬ ‫‪ 74‬فلا ُت�ش ِّبهوا الخالق بالمخلوق‪ ،‬ولا ُت ْث ِبتوا للأ�صنام‬
‫�صف ًة من �صفات ا إلله‪ ،‬ف إ�نه لا ِم ْثل له وال‪�ِ  ‬ش ْبه‪ ،‬واللهُ‬
‫‪ 78‬واللهُ �أخرجكم من �أرحام أ�مهاتكم لا تعلمون‬ ‫يعلم خط�أ أ�مثا ِلكم وف�سا َد �أقي�ستكم‪ ،‬و أ�نتم ال‪ ‬تعلمون‬
‫�شيئ ًا‪ ،‬ولكنه َر َّكب فيكم و�سائ َل الإدرا ِك وتح�صي ِل‬
‫المعرفة‪ ،‬فجعل لكم ال�سمع وا ألب�صار والأفئدة لت�سمعوا‬ ‫�وصاب ذلك من خ َطئه‪.‬‬
‫وتروا وتعقلوا‪ ،‬لعلكم ت�شكرونه با إليمان به وتوحيده‪،‬‬
‫‪� 75‬ضرب الله مثل ًا ُي�ستدل به على مخا َلفته لك ّل‬
‫ولزو ِم أ�مره‪ ‬ونهيه‪.‬‬ ‫ما ي�شركون به بحيث يظهر ف�ساد ما ارتكبوه ظهوراً‬
‫جلي ًا‪� :‬إ ّن م َثلهم في الت�سوية بين الله وا ألوثان ك َمن‬
‫‪ 79‬أ�لم ينظر ه ؤ�لاء المعر�وضن عن ا إليمان إ�لى ال َّطير‬ ‫�س ّوى بين عب ٍد مملوك لا ي�ستطيع القيام ب�شيء‪ ،‬و�إن�سا ٍن‬
‫م�سخرا ٍت للطيران في الهواء المتباعد من الأر�ض‪ ،‬ما‬ ‫غن ٍّي يت�صرف في ماله كيف ي�شاء‪ ،‬فكما ال‪ ‬يت�ساوى‬
‫ُي�سكه َّن عن ال�سقوط إ�لى ا ألر�ض إ� ّل الله ع ّز وج ّل بما‬ ‫هذان فكذلك ال‪ ‬تجوز الت�سوي ُة بين ا إلله الغن ّي القاد ِر‪،‬‬
‫َخ َلق لها من ا ألع�ضاء والحوا�س‪ ،‬وما �َأودع فيها من‬ ‫وا ألوثان المخلوقة العاجزة‪ .‬الحمد لله الخال ِق الرازق‪،‬‬
‫الخ�صائ�ص والمميزات‪ ،‬وبما هي�َأ لها من أ��سباب الطبيعة‬
‫وال�سنن الكونية؟ �إ َّن في َخ ْلق الطير وتحلي ِقه في ج ِّو‬
‫ال�سماء لآيا ٍت لقو ٍم ي�ؤمنون في�ستدلون بما ي�شاهدون‬
‫على وا�سعِ علم الله �سبحانه وعظي ِم قدرته وبديعِ خلقه‪.‬‬

‫‪٢٧٥‬‬

‫‪ 85‬و�إذا ر�أى الذين ظلموا �أنف�سهم بال�شرك ما‬ ‫‪ 80‬واللهُ جعل لكم من بيوتكم الـ َم ْعهود ِة التي‬
‫ا�ستو َجبوه ب ُظلمهم ‪ -‬وهو عذاب جهنم‪ -‬فلا ُيخ َّفف‬ ‫َتبنونها من الحجر ونحوه مح ّ ًل للا�ستقرار والراحة‬
‫والطم�أنينة‪ ،‬وجعل لكم بيوت ًا أُ�خر ُمغاير ًة لبيوتكم‬
‫عنهم ذلك ولا هم ُيهلون عن �إلقائهم فيه‪.‬‬ ‫المعهودة‪ ،‬كالخيام ونحوها‪ ،‬تتخذونها ِمن جلود الإبل‬
‫والبقر والغنم تجدونها خفيف ًة �سهل َة الم�ْأ َخ ِذ و ْق َت �سفركم‬
‫‪ 86‬و�إذا ر أ�ى الذين أ��شركوا ما كانوا يعبدون من دون‬ ‫ووقت نزولكم و إ�قامتكم‪ ،‬وجعل لكم من أ��وصاف‬
‫الله في الدنيا قالوا على ِجه ِة �إلقا ِء ال َّت ِبع ِة على �شركائهم‬
‫وطل ِب م�ضاعف ِة العذاب لهم‪ :‬ر ّبنا ه�ؤلاء الذين كنا‬ ‫ال�ض�أن و�أوبا ِر الإبل و�أ�شعا ِر المعز أ�ثاث ًا تتمتعون به مد ًة‬
‫َنعبدهم و ُنطيعهم وهم الذين أ��ضلونا‪ .‬فقال ال�شركاء‬ ‫مق َّدر ًة من الزمن ك ٌّل ب َح َ�سبه‪.‬‬
‫را ِّدين عليهم‪� :‬إنكم لكاذبون‪ ،‬ما كنا �شركاء لله‪ ،‬وما‬
‫َق�َ ْسناكم على ال�ضلال‪ ،‬ولا ح َملناكم قهراً على الكفر‪.‬‬ ‫‪ 81‬واللهُ َج َع َل لكم مما خلق �أ�شيا َء كثيرة َت�ستظ ُّلون‬
‫‪ 87‬و أَ�علن الم�شركون يومئ ٍذ الا�ست�سلا َم والانقياد‬ ‫بها من ح ِّر ال�شم�س‪ ،‬وجعل لكم من الجبال موا�ض َع‬
‫لحكم الله العزيز الغالب بعد الا�ستكبار عنه في الدنيا‪،‬‬ ‫تلج�ؤون �إليها عند الحاجة ِمن الكهوف وغيرها‪ ،‬وجعل‬
‫و�ضاع و َب َط َل ما كانوا ي َّدعون ِمن أ� َّن لله �شركا َء‪ ،‬و أ�نهم‬
‫لكم ثياب ًا من القطن وغيره تحفظكم من الح ِّر‪ ،‬ودروع ًا‬
‫ين�صرونهم وي�شفعون لهم‪.‬‬ ‫تحفظكم في الحرب ِمن ال َّ� ْض ِب والطعن‪ ،‬و ِم ْثل ذلك‬
‫الإتما ِم البال ِغ يت ُّم نعمته عليكم لعلكم تعرفون ح ّقه‬
‫‪٢٧٦‬‬
‫فتوحدوه وتنقادوا ألمره‪ ،‬وتذروا ما كنتم ت�شركون‪.‬‬

‫‪ 82‬ف إ� ْن �أع َر�وضا عن ا إل�سلام ولم يقبلوا منك ‪� -‬أيها‬
‫الر�سول‪ -‬ما �أُلقي �إليهم من البينات والعبر والعظات فلا‬

‫ُق ُ�صو َر من جهتك‪ ،‬ألن مهمتك هي البلاغ الوا�ضح‪،‬‬
‫وقد قمت به تمام القيام‪.‬‬

‫‪ 83‬يعر ُف ه�ؤلاء الم�شركون ِن َع َم الله‪ ،‬ويعترفون �أنها‬
‫منه ثم ينكرونها ب�أفعالهم حيث يعبدون غير ُم ْن ِعمها‪،‬‬
‫و أ�كث ُرهم المنكرون بقلوبهم غير المعترفين بنعم الله عليهم‪.‬‬

‫‪ 84‬وا ْذ ُكر لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬يو َم القيامة حين‬
‫نبعث من كل �أم ٍة نب َّيها ي�شهد لمن اتبعه بالطاعة والإيمان‪،‬‬
‫وي�شهد على َم ْن ك ّذبه بالكفر والع�صيان‪ ،‬ويومئ ٍذ‬
‫لا ُي ْ�ؤذن للكافرين في الاعتذار‪ ،‬ولا ُيطلب منهم أ�ن‬
‫ي�ستر�وضا ر َّبهم بقو ٍل أ�و عم ٍل‪ِ ،‬ل َفوات �أ َوا ِن التوبة‬

‫وحلو ِل �أوا ِن الح�ساب والعقاب‪.‬‬

‫فقال‪ :‬إ� ّن الله ي أ�مر بالعدل ‪ -‬والعد ُل مع الله توحيده‪،‬‬

‫ومع النف�س فع ُل الفرائ�ض‪ ،‬ومع الآخرين ا إلن�صا ُف‪-‬‬

‫وي أ�مر بالإح�سان في كل أ�مر تقوم به مفرو�ض ًا أ�و م�سنون ًا‬

‫أ�و مندوب ًا‪ ،‬فتح�سن عبادتك‪ ،‬وتح�سن معاملتك‪ ،‬وتح�سن‬

‫الله ُ‬ ‫وي أ�م ُر‬ ‫علاقاتك مع الإن�سان والحيوان والجماد‪،‬‬
‫عن‬ ‫وينهى‬ ‫ب إ�كرام ذوي القرابة و ِ�ص َلتهم والتو ُّدد إ�ليهم‪.‬‬

‫�أ�وصل ال�سيئات وهي ِف ْع ُل ما َيفح�ش ِذ ْك ُره وَأ� َثره من‬
‫التع ِّدي في الفروج‪ ،‬وعن �إتيان ما أ�نكره ال�شرع وح ّرمه‪،‬‬
‫والا�ستطال ِة على النا�س‪ ،‬يعظكم الله ويذ ِّكركم العواقب‬

‫لعلكم ُت�سنون َت َذ ُّكر ما ينفعكم فتعملوا بمقت�ضاه‪.‬‬

‫‪ 91‬و ِم ْن �آك ِد الخ�صا ِل الـ ُخ ُلقية و أ�عظ ِم الواجبات‬
‫ال�شرعية الداخل ِة تحت العدل‪ :‬الوفا ُء بالعهد‪ ،‬وقد أ�مر الله‬
‫به فقال‪ :‬و�أوفوا بعهد الله؛ كالبيعة للر�سول ‪- -‬‬
‫وللأمراء‪ ،‬وا َأليمان‪ ،‬والنذور وغيرها‪ ،‬ولا َتنكثوا‬
‫َح ِلفكم الم ؤ� َّكد بذكر‪ ‬الله �أو �صفته �أو أ��سمائه‪ ،‬وقد‬
‫جعلتم الله عليكم �شاهداً ورقيب ًا‪ ،‬إ� ّن الله يعلم ما تفعلون‪.‬‬

‫‪ 92‬ولا َتنق�وضا عهودكم‪ ،‬فيكون حا ُلكم كحا ِل‬ ‫‪ 88‬الذين كفروا‪ ،‬و�ص ُّدوا غي َرهم عن الإ�سلام‪،‬‬
‫و َح َملوهم على الكفر زدناهم عذاب ًا فوق العذاب‬
‫تلك المر أ�ة الحمقاء التي ح ّلت َغ ْزلها و أ�ف�سدته من بعد‬ ‫الم�ست َح ِّق بكفرهم‪ ،‬بما كانوا يف�سدون في الأر�ض‬
‫�أن �أبرمته و أ�حكمته‪ ،‬فلي�س هذا من �شيم العقلاء ولا‬
‫وي�ص ُّدون النا�س عما فيه �صلاحهم وخيرهم‪.‬‬
‫َعمل النبهاء‪ُ ،‬م ّتخذين أ�يمانكم التي تتعاهدون بها و�سيل ًة‬
‫للخداع والمكر‪ ،‬وتنق�وضن عه َدكم ألجل ُو ْجدانكم‬ ‫‪ 89‬واذكر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬يو َم القيامة حين نبع ُث‬
‫من الذين عاهدتموهم‬ ‫جماع ًة أ�كث َر عدداً و أ�وف َر مال ًا‬ ‫في كل �أم ٍة من الأمم الما�ضية نب َّيها‪ ،‬ي�شهد عليها بما كان‬
‫كانوا حينئ ٍذ أ�كثر ِم ْن‬ ‫‪ -‬والمراد بهم هنا قري�ش إ�ذ‬ ‫منها من كفر �أو إ�يمان‪� ،‬أو طاعة أ�و ع�صيان‪ ،‬وجئنا بك‬
‫‪� -‬أيها الر�سول‪� -‬شهيداً على �أمتك ‪� -‬أو على ه�ؤلاء‬
‫الم�سلمين‪ ،‬فح َّذر اللهُ َم ْن دخل في الإ�سلام من �ضعفاء‬ ‫ال�شهداء‪ -‬ولقد ن َّزلنا عليك القر�آن بيان ًا بليغ ًا لكل �شيء‬
‫ا إليمان أ�ن ينق�ض عه َده مع الله ور�سوله والم�ؤمنين ِلـ َما‬ ‫من �أمور الدين على التف�صيل‪� ،‬أو الإجمال‪ ،‬وهداي ًة من‬
‫ُيرى من قوة أ�هل الكفر و�سلطانهم‪ -‬وهذا ابتلا ٌء من الله‬ ‫ال�ضلالة‪ ،‬ورحم ًة بنور الهداية لجميع الخلق‪ ،‬و ُب�شرى‬
‫يختبركم به‪ ،‬وليب ِّي لكم يوم القيامة ما كنتم تختلفون‬ ‫بالجنة للم�سلمين المو ِّحدين‪ ،‬فلا ُعذ َر لأح ٍد بعد هذا‬

‫فيه في الدنيا ب أ�ن يجازي ك ّ ًل بح�سب عمله‪.‬‬ ‫البيان البليغ‪.‬‬

‫‪ 93‬ولو �شاء الله لجعلكم أ�مة واحدة م َّت ِفق ًة على‬ ‫‪ 90‬لـ ّما َذ َكر اللهُ أ�ن القر آ�ن فيه تبيا ٌن لكل �شيء‪َ ،‬ذ َكر آ�ي ًة‬
‫ا إل�سلام‪ ،‬ولك ْن ُي�ضل َمن ي�شاء بعدله‪ ،‬ويهدي من ي�شاء‬ ‫ت�ض َّمنت أ��وصل الأحكام‪ ،‬فيها تبيان ك ّل �شيء إ�جمال ًا‪،‬‬
‫بف�ضله‪ ،‬ول ُت�س أ� ُل َّن يوم القيامة ع ّما كنتم تعملون في الدنيا‬

‫ف أ�ع ُّدوا الجواب لذلك‪.‬‬

‫‪٢٧٧‬‬

‫‪ 100 99‬إ� ّن ال�شيطان لي�س له ت�س ُّلط ولا ولاي ٌة على‬ ‫‪ 94‬ولا تتخذوا في معاملاتكم و�سائ ِر ت�صرفاتكم‬
‫�أولياء الله الم�ؤمنين به‪ ،‬المتوكلين عليه‪ ،‬إ�نما ت�س ُّلطه على‬ ‫الأيما َن التي َتع ِقدونها ذريع ًة للإف�ساد‪ ،‬فت ِز َّل قد ٌم بعد‬
‫ثبوتها وتقعوا في ال َّزيغ بعد الا�ستقامة‪ ،‬وتذوقوا ما‬
‫الذين يحبونه ويطيعونه‪ ،‬والذين هم ب�سببه م�شركون‪،‬‬ ‫ي�سو ؤ�كم في الدنيا لغدركم و�ص ّدكم َغي َركم عن‬
‫الثقة بدين الله والوفا ِء بعهد الله‪ ،‬ولكم في ا آلخرة‬
‫دعاهم إ�لى ال�شرك وزيّنه لهم ف أ�طاعوه‪.‬‬
‫عذا ٌب‪ ‬عظي ٌم‪.‬‬
‫‪ 101‬و إ�ذا ب َّدلنا آ�ي ًة مكان �آي ٍة ب أ�ن ن�سخنا ا ألولى‪ ،‬وجعلنا‬
‫الثانية مكانها ‪ -‬واللهُ أ�علم بما ينزل من الم�صالح‪ -‬قال‬ ‫‪ 95‬ولا ت�ستبدلوا بعه ِدكم مع الله ور�سوله َع َر�ض ًا‬
‫الكفر ُة لك‪ :‬إ�نما أ�ن َت ُمتق ِّو ٌل على الله‪ .‬بل �أكثر ه ؤ�لاء لا‬ ‫ي�سيراً من الدنيا‪ ،‬ب أ� ْن تنق�وضا عه َدكم طمع ًا في هذا‬
‫يعلمون حكم َة الن�سخ‪ ،‬ولا حقيق َة القر آ�ن‪ ،‬ولا يم ّيزون‬ ‫الع َر�ِض ‪ -‬وهو ما كانت َت ِع ُد به قري�ش َم ْن يرجع عن‬
‫ا إل�سلام‪ -‬ولك ْن أ�وفوا بعهد الله‪ ،‬إ� ّن الذي عند الله من‬
‫الخط�أ من ال�وصاب‪.‬‬ ‫الن�صر والع ِّز والثواب في الدنيا والآخرة هو خير لكم مما‬

‫‪ 102‬قل لهم ‪� -‬أيها الر�سول‪� :-‬إ َّن هذا القر�آن ن ّزله‬ ‫ي ِعدونكم �إ ْن كنتم من �أهل العلم والتمييز‪.‬‬
‫جبريل من الله ح ّق ًا لا َري َب فيه؛ ل ُيث ِّبت الذين آ�منوا على‬
‫الإيمان‪ ،‬و أ�نزله هداي ًة دائمة‪ ،‬وب�شرى �صادقة للم�سلمين‬ ‫‪ 96‬ما عندكم ِم ْن �أعرا�ِض الدنيا ينق�ضي ويفنى وما‬
‫عند الله من خزائن رحمته و َجزي ِل نعمته لا يفنى‪ -‬وفي‬
‫المنقادين لأحكامه‪.‬‬ ‫هذا ترغي ٌب في لزوم دين الله والوفاء بعهده وعدم الطمع‬
‫في ال َع َر�ض الفاني‪ -‬و َل َيجزي َّن اللهُ الذين �صبروا على‬
‫الوفاء بالعهود وعلى �أذى الكفار وم�شا ِّق التكاليف‪،‬‬

‫جزا ًء رفيع ًا على َق ْدر �أح�سن أ�عمالهم‪.‬‬

‫‪ 97‬ولي�س هذا في الآخرة ف َح�ْسب بل َمن َعمل عمل ًا‬
‫�صالح ًا َمر�ضي ًا مقبلا ًو من الم�ؤمنين والم�ؤمنات ف إ�ن الله‬
‫َي ِع ُده أ� ْن ُيحييه حياة طيبة في الدنيا‪ ،‬يج ُد �سعادتها في‬
‫قلبه‪ ،‬ويعي� ُش على َأ� َمل �أن ُيجزى في دار الجزاء والق�ضاء‪،‬‬
‫ب�أرفع ما عمل في دار التكليف والفناء‪ .‬وفي تكرير‬

‫الوعد الرباني في الآخرة ح�ٌّض على الثبات على طاعة‬
‫الله‪ ،‬وتف�ضيل الباقي على الفاني‪.‬‬

‫‪ 98‬ف إ�ذا �أرد َت قراءة القر آ�ن َف َ�س ِل اللهَ أ�ن ُيعيذك من‬
‫و�سوا�س ال�شيطان المطرود من رحمة الله‪.‬‬

‫‪٢٧٨‬‬

‫عن الح ِّق والحقيقة هم الكاذبون‪ .‬وحا�شا محمداً ‪‬‬
‫أ�ن يكون‪ ‬كذلك‪.‬‬

‫‪َ 106‬من َن َطق بالكفر مختاراً‪ ،‬وارت َّد عن الإ�سلام‬ ‫‪ 103‬نحن نعل ُم ما يقوله م�شركو قري�ش‪ ،‬إ�نهم يقولون‪:‬‬
‫طائع ًا‪ ،‬وان�شر َح لذلك �صد ُره ف أ�ولئك عليهم من الله‬ ‫إ�نما يع ِّلم محمداً القر�آ َن ب�شرٌ من بني آ�دم؛ ي�شيرون �إلى‬
‫غ�ض ٌب‪ ،‬ولهم عذا ٌب عظي ٌم‪� ،‬أ ّما َمن أ�ُرغم على النطق‬ ‫رجل ٍ ِب َعينه أ�عجم ٍّي‪ ،‬وفا َتهم ‪ -‬جهل ًا �أو تجاهل ًا‪ -‬أ� َّن‬
‫بكلمة الكفر تح َت َو ْط أ�ة التعذيب والترهي ِب وهو كار ٌه‬ ‫الذي يميلون �إليه بقولهم هذا ذو ل�سا ٍن �أعجم ّي‪ ،‬وهذا‬
‫القر�آن نزل بل�سا ٍن عرب ٍّي هو الغاي ُة في البيان‪ ،‬فكيف‬
‫لذلك‪ ،‬مطمئ ُن القلب ب إ�يمانه‪ ،‬فلا َح َرج عليه ولا إ�ثم‪.‬‬
‫ي�ستقيم هذا؟!‬
‫‪ 107‬ارت َّد ه ؤ�لاء عن ال ِّدين الح ِّق ألنهم آ�ثروا الحياة‬
‫الدنيا‪ ،‬وطمعوا ب�شي ٍء من ُفتاتها‪ ،‬و�آثروها على نعيم‬ ‫‪� 104‬إ َّن الذين لا ي�ص ِّدقون بهذه ا آليات أ�نها منزل ٌة‬
‫ا آلخرة الدائم‪ ،‬والله لا يهدي َمن يفع ُل ِفع َلهم و َي ْكف ُر‬
‫من عند الله‪ ،‬و ُي�ص ُّرون على باطلهم ال‪ ‬يو ِّفقهم‪ ‬الله إ�لى‬
‫كف َرهم‪.‬‬ ‫الهداية‪ ،‬ولهم بعد ذلك عذا ٌب م ؤ�لم‪ ‬مو ِجع‪.‬‬

‫‪ 108‬أ�ولئك المب َعدون عن رحمة الله هم الذين ختم‬ ‫‪ 105‬لا يجر ؤ� على افتراء الكذب على الله و ِن�سبة‬
‫الله على قلوبهم و�سمعهم و َج َعل على ب�صرهم غ�شاوة‪،‬‬
‫فتع َّطلت حوا�ُّسهم عن إ�دراك الح ّق‪ ،‬وغفلوا ع ّما �أُ ِع َّد‬ ‫�شيء إ�ليه لم ُينزله ولم َيقله إ�لا الذين لا ُي�ؤمنون ب�آياته ولا‬
‫ُي�ص ِّدقون بلقائه ولا َيخ�وشن عذابه‪� ،‬أولئك البعيدون‬
‫لهم من العذاب‪.‬‬

‫‪ 109‬لا َمحال َة أ� َّن ه�ؤلاء هم الخا�سرون‪ ،‬الذين خ�سروا‬
‫في ا آلخرة النعيم المقيم‪ ،‬والفوز العظيم‪.‬‬

‫‪ 110‬ثم �إ َّن ر َّبك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬للذين هاجروا من‬
‫ديارهم وتركوا �أه َلهم وع�شائرهم فا ِّرين بدينهم بعدما‬
‫ُأ�كرهوا على النطق بما لم يريدوا‪ ،‬و ُع ِّذبوا ليرتدوا عن‬
‫دينهم‪ ،‬ثم جاهدوا أ�نف َ�سهم و�صبروا على ما واجهوه‪،‬‬
‫�إ َّن ربك من بعد ذلك لغفو ٌر لهم ما كان منهم‪ ،‬رحي ٌم‬
‫بهم غي ُر ُمعاق ٍب لهم‪ .‬وقد نزلت هذه ا آلية فيمن هاجر‬

‫من الم�سلمين �إلى الحب�شة‪.‬‬

‫‪٢٧٩‬‬

‫فيكون هذا منكم افترا ًء على الله‪ ،‬إ� َّن الذين َيكذبون على‬ ‫‪ 111‬واذكر يو َم ي أ�تي ك ُّل �إن�سان يدافع عن ذاته‪ ،‬ولا‬
‫الله لا ينجون من العذاب ولا يفوزون بخير‪.‬‬ ‫يه ُّمه غي ُره‪ ،‬ك أ� ْن يقول‪ :‬والل ِه ر ِّبي ما كن ُت �ضا ّ ًل �أو‬
‫م�شرك ًا‪ .‬وهناك ُتزى ك ُّل نف� ٍس بما عمل ْت في الدنيا من‬
‫‪َ 117‬م ْنفع ُة ه ؤ�لاء الكفار فيما ُهم عليه من أ�فعال‬
‫الجاهلية منفع ٌة قليل ٌة‪ ،‬ولهم يو َم القيامة عذا ٌب م ؤ�لـ ٌم‬ ‫خي ٍر �أو �ش ٍّر‪ ،‬ولا ُينق�ص �أح ٌد من جزاء �أعماله �شيئ ًا‪.‬‬

‫�شدي ُد‪ ‬ا إليلام‪.‬‬ ‫‪ 112‬يذك ُر اللهُع ّز وج ّل على ِج َه ِة المثال قري ًة من القرى‬
‫‪ 118‬وعلى اليهود ح َّرمنا ما أ�خبرناك به ‪ -‬يا محم ُد‪-‬‬ ‫كانت تعي�ش في أ�م ٍن واطمئنا ٍن‪ ،‬و ُي َد ُّر عليها الرزق من‬
‫من قب ُل ‪ -‬يعني ك َّل بهيم ٍة وطي ٍر غي ِر منفر ِج ا أل�صابع‬ ‫كل مكان‪ ،‬فجحد ْت ح َّق الله عليها‪ ،‬فلم ُت ؤ�من ولم‬
‫كا إلبل والنعام‪ ،‬و�شحو َم البقر والغنم إ� ّل �َش ْحم ال َّظهر أ�و‬ ‫َت�شكر‪ ،‬فعاقبها اللهُ عقاب ًا بالجوع والخوف ُيحيط بها‬
‫الملت ِف با ألمعاء �أو ما اختلط منها ب َع ْظم‪ -‬وما ظلمناهم‬ ‫إ�حاط َة اللبا�س ب�صاحبه‪ ،‬جزا َء كفرها وجحودها‪ .‬وفي‬
‫هذا تذكي ٌر وتحذي ٌر ألهل مكة ا آلمنين المرزوقين من‬
‫بهذا التحريم‪ ،‬ولك َّنهم فعلوا ما ا�ستح ّقوا به العقاب‪.‬‬
‫م�صي ٍر كذلك الم�صير‪� ،‬إ ْن لم ي ؤ�منوا بالله ور�سوله‪.‬‬
‫‪٢٨٠‬‬
‫‪ 113‬تلك القري ُة جاء �أه َلها ر�سو ٌل منهم يعرفونه‪،‬‬

‫فك َّذبوه و أ�عر�وضا عن ر�سالته‪ ،‬ف�أخذهم العذا ُب وهم‬
‫ُم�ص ُّرون على ظلمهم �أنف َ�سهم بالتكذيب وعدم الإيمان‪،‬‬

‫وجحودهم ِنعم الله عليهم‪.‬‬

‫‪ 114‬أ� َّما �أنتم ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬ف ُكلوا مما رزقكم الله‬
‫رزق ًا حلال ًا طيب ًا‪ ،‬وا�شكروا اللهَ على ِنعمه المتلاحقة ولا‬

‫تكفروها‪ ،‬إ�ن كنتم ت�ؤمنون به ولا ت�شركون به �أحداً‪.‬‬

‫‪ 115‬أ�باح اللهُ لكم الطيبات ولم يح ِّرم عليكم ‪ -‬من‬
‫اللحوم التي ت�أكلون منها‪� -‬إلا ما فارقته رو ُحه من غير‬
‫ذب ٍح‪ ،‬والدم الم�سفوح الجاري‪ ،‬والخنزير‪ ،‬وما ُق ِ�ص َد‬
‫بذبحه التق ُّرب �إلى غير الله‪ ،‬ف َمن �ألج أ�ته ال�ضرور ُة �إلى‬
‫�شيء مما ُذكر ف�أكل منه غي َر م�ستبي ٍح �أ�ص َل حرمته ولا‬
‫متجاو ٍز فيه ح َّد ال�ضرورة؛ ف�إ َّن الله غفور لا ي ؤ�اخذه بما‬

‫ا�ضطر �إليه‪ ،‬رحيم �إذ �شرع له‪ ‬ال ُّرخ�صة‪.‬‬

‫‪ 116‬التحري ُم والتحليل لله تعالى‪ ،‬فلا تقولوا ‪� -‬أيها‬
‫الم�شركون‪ -‬افترا ًء منكم وا ّدعاء‪ :‬هذا حلا ٌل وهذا حرا ٌم‪،‬‬

‫‪ 123‬ث ّم أ�وحينا �إليك ‪� -‬أيها الر�سول‪� -‬أ ِن اتبع ال ِّدي َن‬ ‫‪� 119‬إ ّن ر َّبك ‪� -‬أيها النبي‪ -‬للذين عملوا ال�سيئات‬
‫الق ِّي َم الذي كان عليه إ�براهيم‪ ،‬مائل ًا عن ك ِّل ا ِللل الباطلة‪،‬‬ ‫جاهلين ب�ُسوئها و�آثارها وعواقبها‪ ،‬ث ّم تابوا بعدما‬
‫م�ستقيم ًا على الهدى‪ ،‬وما كان إ�براهيم من الم�شركين‪.‬‬ ‫عملوا تلك ال�سيئات‪ ،‬و�أ�ص َلحوا أ�عمالهم و�أحوالهم‪،‬‬
‫إ� ّن ربك من بعد توبتهم و�إ�صلاحهم �أحوا َلهم لغفو ٌر‬
‫‪ 124‬إ� ّنا ُف ِر َ�ض ْت �أحكا ُم يوم ال�سبت وما يتعلق به من‬
‫التعظيم والتخ�صي�ص بالعبادة‪ ،‬تغليظ ًا على بني إ��سرائيل‬ ‫كثي ُر المغفرة‪ ،‬رحي ٌم عظي ُم الرحمة بهم‪.‬‬
‫الذين اختلفوا على نب ِّيهم لـ ّما �أمرهم أ�ن يجعلوا يوم‬
‫الجمعة مخت ّ�ص ًا للعبادة‪ ،‬فر�ضي به بع ُ�ضهم‪ ،‬وف ّ�ضل‬ ‫‪ 120‬إ� ّن إ�براهيم كان بمثابة �أم ٍة لوحده‪ ،‬بما كان عليه من‬
‫أ�كث ُرهم يوم ال�سبت‪ ،‬ف أ�لزمهم ال�سب َت وما يتعلق به من‬ ‫�صفات الخير و ِخلال الهدى‪ ،‬وكان خا�ضع ًا لله مطيع ًا‬
‫ا ألحكام‪ ،‬إ� ّن ر ّبك ليق�ضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا‬
‫له‪ ،‬مائل ًا إ�لى الحق دائم ًا‪ ،‬مو ِّحداً لله‪.‬‬
‫فيه يختلفون‪.‬‬
‫‪ 121‬وكان �شاكراً لله على َأ� ْن ُع ِمه‪ ،‬بذ ْكرها ومعرفة‬
‫‪ 125‬ا ْد ُع ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬النا� َس �إلى الطريق الـ ُمو ِ�صل‬ ‫َق ْدرها وح ِّب ُمنعمها‪ ،‬وقد ا�صطفاه اللهُ لنبوته‪ ،‬و�أكرمه‬
‫إ�لى الفوز وني ِل ر�ضا ربك ‪ -‬وهو الإ�سلام‪ -‬بالـ ُح ّجة‬
‫البالغة والمقال ِة المح َكمة‪ ،‬وبما ُيلين القلوب وي�ؤثر في‬ ‫ب ُخ ّلته‪ ،‬وهداه إ�لى الدين الم�ستقيم‪.‬‬
‫النفو�س من ا ألمثال والق�ص�ص وال َو ْعد والوعيد‪ ،‬وجا ِد ْل‬
‫َم ْن يحتاج إ�لى المجادلة بالرفق وال ّلين‪ ،‬من غير غلظة‬ ‫‪ 122‬و�آتيناه في الدنيا الحكمة والذ ّري َة الط ّيب َة والثنا َء‬
‫أ�و تعنيف‪ ،‬إ�نما عليك البلاغ والدعوة‪ ،‬و أ� ّما ح�وصل‬ ‫الح�سن‪ ،‬و إ� ّنه في ا آلخرة من ال�صالحين الذين لهم‬
‫الهداية وال�ضلال والجزاء على النوايا وا ألعمال فا ألم ُر‬
‫فيه إ�لى الله �سبحانه‪ ،‬إ� ّنه َو ْحده هو أ�علم بمن �ض َّل عن‬ ‫الدرجات ال ُعلا‪.‬‬

‫�سبيله وبمن اهتدى فيجازي ك َّل واح ٍد بعمله‪.‬‬

‫‪ 126‬و�إ ْن َ�ص َنع بكم �أح ٌد َ�صني َع �سو ٍء فيجوز لكم مقابل ُة‬
‫ِفعله بالمثل‪ ،‬ولا تزيدوا عليه ِلـ َما في الزيادة من العدوان‪،‬‬
‫ولئن �صبرتم ولم تعاقبوا َم ْن أ��ساء إ�ليكم فال�صبر خي ٌر لكم‪.‬‬
‫‪ 127‬ث ّم َأ� َمر الله تعالى ر�سو َله بالمداومة على ال�صبر على‬
‫ما يلقاه من الأذى في �سبيل دعوته وعلى �سائر ما يقت�ضيه‬
‫َمقا ُم النبوة‪ ،‬فقال‪ :‬وا�صبر وما �صبرك إ�لا بتوفيق الله‬
‫وتثبيته‪ ،‬ولا تحزن على َمن خالفك ولم يتب ْعك من قومك‬
‫حر�ص ًا على هداهم‪ ،‬ولا ي ِ�ض ْق �صد ُرك بمكر الم�شركين‪،‬‬

‫ف أ�نا متولِّيك ونا�ص ُرك عليهم‪.‬‬

‫‪ 128‬إ� َّن الله مع الذين اتقوا الكفر والمعا�صي‪ ،‬والذين‬
‫هم مح�سنون في أ�عمالهم‪ ،‬فهو معهم باللاوية والن�ص ِر‬

‫وال ِّرعاية‪ ‬والحفظ‪.‬‬

‫‪٢٨١‬‬

‫‪ 1‬تنزيه ًا لله عن كل نق�ٍص‪ ،‬وتمجيداً لعظيم �ش�أنه‬
‫وعجي ِب قدرته‪ ،‬الذي أ��سرى بعبده محمد ‪ - -‬في‬

‫جز ٍء ي�سي ٍر من الليل من الم�سجد الحرام بمكة �إلى الم�سجد‬

‫ا ألق�صى ببيت المقد�س‪ ،‬الذي باركنا حوله ببركا ِت‬

‫ال ِّدي ِن والدنيا؛ ف إ�نه َم ْه ِب ُط الوحي و ُم َتع َّب ُد ا ألنبياء‪ ،‬وهو‬
‫محفو ٌف بالعيون وا أل�شجار والثمار‪�َ ،‬أ�ْسينا به ِل ُنيه من‬
‫آ�ياتنا الدا َّل ِة على عظيم قدرتنا‪ ،‬إ� ّن الله هو ال�سمي ُع لأقوال‬
‫عباده‪ ،‬الب�صي ُر ب أ�حوالهم ما ُي�س ُّرون منها وما يعلنون‪،‬‬

‫فيعطي ك ّ ًل ما ي�ستح ُّقه في الدنيا وا آلخرة‪.‬‬

‫و أ�مددناكم ب�أموال و ِفير ٍة‪ ،‬وبني َن كثيرين‪ ،‬وجعلناكم‬ ‫‪ 2‬و ِم ْن قب ُل �آتينا مو�سى التوراة وجعلناها هداي ًة‬
‫�أكثر عدداً‪.‬‬ ‫ونوراً لبني �إ�سرائيل‪ ،‬وقلنا لهم‪ :‬لا تتخذوا من دوني‬

‫‪ 7‬إ� ْن أ�ح�سنتم بفعل الطاع ِة والعم ِل ال�صال ِح‬ ‫كفيل ًا تعتمدون عليه و َت ِك ُلون إ�ليه أ�موركم‪.‬‬
‫عاد ذلك ا إلح�سا ُن لكم‪ ،‬و�إ ْن أ��س�أتم عادت الإ�ساء ُة‬
‫بالوبال عليكم‪ ،‬ف إ�ذا جاء وع ُد عقوب ِة الإف�ساد ِة الثاني ِة‪،‬‬ ‫‪ 3‬يا �ُسلال َة َم ْن حملنا مع نوح في ال�سفينة‪ ،‬آ� ِمنوا‬
‫بع ْثنا عليكم يا بني إ��سرائيل عباداً لنا آ�خرين ُأ�ولي ب�أ� ٍس‬ ‫بر ّبكم ولا ت�شركوا به واجعلوا نوح ًا �ُأ�سو َتكم إ� َّنه كان‬
‫�شدي ٍد‪ِ ،‬ل َيجعلوا آ�ثا َر ال�ُّسوء كالك آ�بة والحزن بادي ًة على‬
‫وجوهكم‪ ،‬وليدخلوا بيت المقد�س بالقهر وال َغ َلبة كما‬ ‫عبداً كثي َر ال�شكر لربه‪.‬‬
‫دخله العبا ُد الذين بعثناهم عليكم أ�ول مرة‪ ،‬و ِليد ّمروا ما‬
‫‪ 4‬و�أع َل ْمنا بني إ��سرائيل فيما آ�تيناهم من الكتاب‪،‬‬
‫تم ّكنوا منه تدميراً‪.‬‬ ‫�أنكم �ستف�سدون في ا ألر�ض بالمعا�صي مرتين‪،‬‬
‫و َل َت�ستكب ُر َّن ا�ستكباراً كبيراً‪ ،‬و َل َتظل ُم َّن النا�س ظلم ًا كثيراً‪.‬‬

‫‪ 5‬ف إ�ذا جاء وع ُد عقا ِب الإف�ساد ِة ا ألولى �س َّلطنا‬
‫عليكم عباداً لنا أ��ش ّداء في القتال فطافوا بين الديار‬
‫وو�سطها يطلبونكم ليقتلوكم‪ ،‬وكان ذلك ق�ضا ًء كائن ًا‬

‫لازم ًا لا ُخ ْلف فيه‪.‬‬

‫‪ 6‬ثم ر َد َدنا لكم الدول َة وال َغ َلبة على الذين ُبعثوا‬
‫عليكم‪ ،‬حين تبتم من ذنوبكم‪ ،‬ورجعتم عن الف�ساد‪،‬‬

‫‪٢٨٢‬‬

‫‪ 11‬ويدعو ا إلن�سا ُن بال�شر على نف�سه وماله حال َة ُقنو ِطه‬
‫وغ�ضبه كما يدعو بالخير حا َل رجائه وتث ُّبته‪� ،‬إ َّن الإن�سان‬

‫َعجو ٌل يت�سر ُع في �أموره ومواقفه دون تد ُّبر للعواقب‪.‬‬

‫‪ 12‬جعل اللهُ اللي َل والنهار من العلامات الدا ّلة على‬
‫وا�سع علمه وعظيم قدرته‪ ،‬فجعل الليل مظلم ًا لل�سكن‬

‫والراحة‪ ،‬والنها َر م�ضيئ ًا لل�سعي وطل ِب الرزق‪ .‬وقد‬
‫جعل الله الليل والنهار متعاق َبين و ْف َق نظا ٍم دقي ٍق لا‬
‫يتخ ّلف‪ِ ،‬ل َيعلم النا� ُس عدد ال�سنين وح�سا َب ا أليام‬
‫والأوقات‪ .‬وما ِم ْن �شيء يحتاج النا�س إ�لى بيانه �إلا ب َّينه‬

‫الله في كتابه ليدركوا حكمته البالغة وقدرته ال�شاملة‪.‬‬

‫‪� 14 13‬إ ّن ك ّل �إن�سان في الدنيا ُي َ�س َّجل عليه عم ُله‪،‬‬ ‫‪ 8‬ع�سى ر ُّبكم أ� ْن يرحمكم يا بني �إ�سرائيل بعد‬
‫وعليه َت ِبعت ُه إ� ْن خيراً فخي ٌر‪ ،‬و�إِ ْن �ش ّراً ف�ش ٌّر‪ ،‬و إ� َّن الله‬ ‫انتقامه منكم‪� ،‬إن انزجرتم عن المعا�صي و ُتبتم �إلى الله‬
‫�س ُيخرج له في الآخرة كتاب �أعماله مفتوح ًا‪ ،‬ويقول‬ ‫من جدي ٍد‪ ،‬فير ُّد ال َّدولة �إليكم‪ ،‬و�إ ْن ُعدتم مر ًة �أخرى إ�لى‬
‫الف�ساد وا إلف�ساد ُع ْدنا �إلى عقوبتكم في الدنيا‪ ،‬وج َعلنا‬
‫له‪ :‬اقر أ� كتابك وحا ِ�س ْب نف�سك على ما فيه‪.‬‬
‫جهنم في ا آلخرة للكافرين �سجن ًا ومحب�س ًا‪.‬‬
‫‪َ 15‬من اهتدى ف�إنما ينفع نف َ�سه باهتدائه‪ ،‬و َمن �ض َّل‬
‫ف�إنما ي�ض ُّر نف�سه ب�ضلاله‪ ،‬ولا يحم ُل أ�ح ٌد َت ِب َع َة عمل ِ �أحد‬ ‫‪� 9‬إ ّن هذا القر�آن بما يت�ض ّمنه من المبادئ وا ألحكام‬
‫وال‪ ‬م�س ؤ�وليته‪ ،‬و ِم ْن تمام حكمة الله وعدله أ� ّل يع ّذب‬ ‫والق�ص�ص والدلائل والعبر‪ ،...‬يهدي ُم َّتبعيه �إلى �أقوم‬
‫قوم ًا حتى يبعث فيهم ر�سلا ًو يب ّي لهم طريق الهدى‬ ‫ال�ُّسبل و أ�و�ضحها‪ ،‬ويب�ّش الم ؤ�منين الذين يعملون‬
‫وطريق ال�ضلال‪ ،‬فتقوم الـ ُحجة على الكافرين‪ ،‬ويظهر‬ ‫ال�صالحات ب�أ ّن لهم عند ربهم �أجراً كبيراً؛ إ�ذ يتجاوز عن‬

‫�أثر الم ّنة على الم�ؤمنين‪.‬‬ ‫�سيئاتهم بعفوه‪ ،‬وي�ضاعف ح�سناتهم بف�ضله‪ ،‬و ُيدخلهم‬
‫الجنة التي هي مح ُّل كرامته ور�وضانه برحمته‪.‬‬
‫‪� 17 16‬إ ّن الله لا ُيهلك �أهل مدينة �أو بلدة إ�لا‬
‫إ�ذا �أمرهم بالحق فتمرد عليه زعما ؤ�هم ووجها ؤ�هم‬ ‫‪ 10‬ويب�ِّش القر آ� ُن ‪ -‬على �سبيل الا�ستهزاء والتبكيت‪-‬‬
‫و أ�ثريا�ؤهم اغتراراً بما �صار لهم من ما ٍل وجا ٍه‪ ،‬وانحرفوا‬ ‫الذين لا ي�ؤمنون بالح�ساب والثواب والعقاب‪� :‬أَ ّنا‬

‫عن طريق الحق والا�ستقامة‪ .‬وهذه �س ّنة الله التي لا‬ ‫أ�عددنا لهم عذاب ًا م�ؤلم ًا مو ِجع ًا في جهنم‪.‬‬
‫تتخ ّلف في إ�هلاك الُأمم وا�ستئ�صالها‪ .‬ولقد �أهلك الله‬
‫كثيراً من ا ُألمم من بعد نوح‪ ،‬وهو ‪ -‬ع ّز �ش�أ ُنه‪ -‬خبي ٌر‬
‫بذنو ِب عباده فلا يعاقبهم إ� ّل بما ي�ستح ّقون‪ ،‬ب�صي ٌر فلا‬

‫يخفى عليه �شيء مما يعملون‪.‬‬

‫‪٢٨٣‬‬

‫‪َ 18‬م ْن كان ُيريد متاع الحياة الدنيا ومل ّذاتها ولا‬
‫يطلب الآخرة ع ّجل الله له فيها ما ي�شاء من ُم َتعها وزينتها‪،‬‬
‫ولكن ِلـ َم ْن ي�شا ُء عطا َء ُه منهم‪ ،‬ثم جعل م�صي َرهم جميع ًا‬

‫إ�لى جهنم يدخلونها مذمومين مطرودين من‪ ‬رحمته‪.‬‬

‫التوقير وعد ِم العقوق‪ .‬ف َمن َب َدر ْت منه ف ْلت ٌة �أو كان منه‬ ‫‪ 19‬و َم ْن �أراد ا آلخرة و�آثر نعيمها الدائم‪ ،‬و�سعى لها‬
‫تق�صير في حقهما وهو لا ُي�ضمر عقوق ًا ولا ق�صداً إ�لى‬ ‫ح ّق ال�سعي بلزوم طاعة الله واجتناب مع�صيته‪ ،‬وهو‬
‫إ��ساءة‪ ،‬ف�إ ّن الله كان للت ّوابين الم�ستغفرين النادمين على ما‬ ‫م ؤ�من بر ّبه وبما �أع َّد له‪ ،‬ف إ� ّن الله يتق ّبل منه وي�ضا ِعف له‬

‫َب َد َر منهم غفوراً‪.‬‬ ‫ا ألجر والثواب‪.‬‬
‫‪َ 26‬ب ْع َد الو�ص ّية بالوالدين و َّ�صى الله ع ّز وج ّل بالقرابة‬
‫أ�ن ُي ؤ� َتوا ح َّقهم ِم ْن �صلة الرحم والمو ّدة والزيارة و ُح�سن‬ ‫‪ُ 20‬ك ّ ًل نرزق في الدنيا ب َم ْح�ِض التف ُّ�ضل‪ ،‬الم�ؤمنين‬
‫المعا�شرة‪ ،‬والم�ؤالفة على ال�س ّراء وال�ض ّراء والـ ُمعا�ضدة‬ ‫الذين يعملون آلخرتهم‪ ،‬والكافرين الذين لا ه َّم لهم �إلا‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬كذلك و َّ�صى بالم�سكين والغريب الذي‬ ‫دنياهم‪ .‬وما كان رز ُق ر ِّبك ممنوع ًا عن م ؤ�من ولا كافر‪.‬‬
‫ُقطع ْت به ال�سبيل‪ ،‬وو َّ�صى أ�ن يكون ا إلنفا ُق باعتدا ٍل‪،‬‬ ‫‪ 21‬انظر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬كيف ف َّ�ضلنا بع�َض النا�س‬
‫على بع�ض في المال والجاه وال�ّسعة‪ ،‬و إ� ّن التفا�ضل في‬
‫و�أن لا ُي�سرف ا إلن�سا ُن �أو ينفق ماله في غير ح ٍّق‪.‬‬ ‫الآخرة بالجنة ودرجاتها والنار و َد َركاتها أ�كب ُر و�أعظم‪.‬‬
‫‪ 27‬إ� َّن الذين يتجاوزون الح ّد الم�شروع في ا إلنفاق‪،‬‬ ‫ف َمن �أراد الفوز ب�أف�ضل الدرجات فينبغي أ�ن تكون‬
‫وي�صرفون أ�موالهم في المعا�صي هم أ�ولياء لل�شياطين‪،‬‬
‫ألنهم يطيعونهم فيما ي أ�مرونهم به‪ ،‬والما ُل نعم ٌة‪ ،‬وو�ض ُع‬ ‫رغب ُته في ا آلخرة أ��ش َّد و�سعيه لها �أكثر‪.‬‬
‫النعمة في غير مح ِّلها ُجحو ٌد لها‪ ،‬وكان ال�شيطان‬
‫‪ 22‬لا تجع ْل ‪ -‬أ�يها الإن�سان‪ -‬مع الله �شريك ًا في‬
‫َج ُحوداً للنعمة فلا ينبغي �أن ُيطاع أ�و يقتدى به‪.‬‬ ‫ربوبيته وعبادته‪ ،‬فت�صبح حينئ ٍذ جامع ًا على نف�سك الذ َّم‬

‫‪٢٨٤‬‬ ‫وفقدان‪ ‬الن�صير‪.‬‬

‫‪ 23‬أ�م َر ر ُّبك أ�مراً جازم ًا مقطوع ًا به بعدم التوجه‬
‫بالعبادة إ�لى غيره‪ ،‬وبب ِّر الوالدين والعطف عليهما‬
‫والإح�سان إ�ليهما‪ ،‬و�إذا �صار عندك أ�ح ُدهما �أو كلاهما‬
‫إ�لى حال ٍة ِمن ال�ضعف والعجز ب�سبب الكبر‪ ،‬فلا تقل‬
‫لهما كلم ًة تد ُّل على ت َ�ض ُّجرك من حالهما أ�و ا�ستثقال‬
‫القيام بحقهما‪ ،‬ولا تزجرهما ع َّما يقومان به مـ ّما لا‬

‫ُيعجبك‪ ،‬وقل لهما قلا ًو ح�سن ًا جميل ًا ل ّين ًا‪.‬‬

‫وتوا�ض ْع لهما تذ ُّلل ًا لهما‬ ‫‪ 24‬و أ� ِل ْن لهما جانبك‪،‬‬
‫معتنج �دشد ٍةي ٍءك�أماح َّباره َّب‪،‬ياوكادبرُعحالمل ٍهة‬ ‫و�شفق ًة عليهما‪ ،‬ولا تمتنع‬
‫�أن يرحمهما برحمة باقي ٍة‬

‫و�شفق ٍة و�أن َت �صغير‪.‬‬

‫‪ 25‬ر ُّبكم ‪� -‬أيها النا�س‪� -‬أ ْعلم منكم بما في نفو�سكم‬
‫ِمن ال َق ْ�صد إ�لى ب ِّر الوالدين‪ ،‬واعتقا ِد ما يجب لهما من‬

‫أ�ولادكم خوف ًا من الفقر‪ ،‬واللهُ�ضام ٌن لرزقهم ورزقكم‪،‬‬
‫فدعوا الأوهام‪ ،‬وتح ّلوا باليقين بما عند الله‪� ،‬إ ّن قت َل‬

‫الأولاد إ�ث ٌم عظيم‪.‬‬
‫‪ 32‬ولا تقربوا دواعي الزنا كالم� ِّس وال ُقبلة ونحوهما‪،‬‬
‫خ�شي َة الوقوع فيه‪ ،‬إ� َّن الزنا فاح�ش ٌة قبيح ٌة ُم�ْستب َ�شعة‪،‬‬

‫وبئ�س الطري ُق‪ ‬طريقه‪.‬‬

‫بم�إ ؤ�‪3‬حم‪ٍ 3‬دنىعولثمالداتاًقتعثل‪:‬دواوكاانلف ًانٌر‪.‬فب�وع َمسد ْانإ�ليتُقم ِتايلن‪،‬حظ َّلرومزمنًاا ًالفلبهقع�إد ّدل إ�جبعاحللن�حاص ّالقو‪،‬نل‪،‬يو �أذولقمتر ُكله‬
‫حجة وحق ًا في متابعة الجاني ق�ضا ًء‪ ،‬والمطالبة بال ِّدية أ�و‬
‫ابلققتالتهلق‪��،‬أصاو ا�صثنًا‪،‬ينفلباواُي�حس ٍرد‪،‬فف�إفنياالللهقت َنلَ� َصك�أهنوي�ش َرطلع ابل َقق ْت�َصلاغ�ي ِصر‬

‫�أو الدية‪ ،‬فلا يجوز �أن يتع ّدى حدود ال�شرع‪.‬‬

‫‪ 34‬ولا َتقربوا مال اليتيم ف�ضل ًا عن �أن تت�صرفوا فيه‪،‬‬ ‫‪ 28‬و إ� ْن �أعر�ض َت عن ذي ال ُقربى والم�سكين وابن‬
‫�إلا بالطريقة التي هي أ�ح�سن له‪ ،‬حتى يبلغ ُر�شده ويكون‬ ‫ال�سبيل لعدم تم ُّكنك من التو�سعة عليهم وم�ساعدتهم‪،‬‬
‫قادراً على القيام بم�صالحه‪ ،‬وعندئذ ُي ْد َفع إ�ليه ما ُله كامل ًا‬
‫غير منقو�ص‪ .‬وقوموا بمقت�ضى عهودكم ف�إنكم �س ُت�س أ�لون‬

‫عنها يوم القيامة‪.‬‬

‫‪ 35‬و�إذا تبايعتم ف�أوفوا الكيل للم�شتري ولا تبخ�سوا‬
‫فيه‪ ،‬و ِزنوا بالميزان ال�سو ِّي‪ ،‬ذلك أ�ح�س ُن عاقب ًة وم آ�ل ًا‬
‫الدنيا‪،‬‬ ‫في‬ ‫ا أل�سواق‬ ‫عليه ِمن الربح وا�ستقام ِة‬ ‫ِلـو َِممانياتر ألتجبر‬ ‫ل ّين ًا‬ ‫ف ُقل لهم قلا ًو‬ ‫وج�أنميَلت ًا‪،‬منبت أ�ظن ٌرت ِعر َدزقه ًاموتووع�سداًعةط ّيمب ًان ُترطبِّيكب‬
‫والثواب في ا آلخرة‪.‬‬ ‫به قلو َبهم‪.‬‬

‫‪ 36‬ولا تتبع ما لي�س لك به علم‪ ،‬فلا تقل‪ :‬ر�أي ُت‬ ‫‪ 29‬ي�ض ُع الح ُّق �سبحانه لعباده قانون ًا و�َسط ًا في أ�مر‬
‫لوما ّدَت َرعا‪،‬ءوب�اسلبماعط ُلت‪،‬و أ�نوا َ�ستتلعممات ٌ�لسمللع‪،‬ح فواذ�لسكف َمي ْحغ�ُيرض‬ ‫و�أن َت‬ ‫الإنفاق فيقول‪ :‬لا ُت�سك يدك عن النفقة في الحق‬
‫افتراء‬ ‫والخير ك َمن ُغ َّلت ي ُده فلا يقدر على م ِّدها‪ ،‬ولا تب�سطها‬
‫بالعطاء ك َّل الب�سط فتعطي و ُتخرج جمي َع ما عندك‪،‬‬
‫ما �أمر اللهُ‪� .‬إ ّن ال�سمع والب�صر والف�ؤاد مما ُي�س�أل عنه‬ ‫فت�صبح ملوم ًا على ت�ضييع المال بالكلية‪ ،‬منقطع ًا لا �شيء‬
‫الإن�سان يوم القيامة‪.‬‬
‫عندك تنفقه‪.‬‬

‫‪ 37‬ولا تم�ِش في ا ألر�ض ُمختال ًا‪� ،‬إنك لن ت�ش َّق‬ ‫‪� 30‬إ ّن الرزق موكو ٌل �إلى الله‪ ،‬يدبر أ�مره بحكمته‪،‬‬
‫ا ألر�ض بكبرك و َزهوك‪ ،‬ولن َتقدر �أن تبلغ طول الجبال‬ ‫فلا ُت�سرف ثق ًة بما عندك‪ ،‬ولا تدفعك ال ِق ّل ُة وخو ُف‬
‫الم�ستقبل إ�لى �أن َت�ش ّح‪ ،‬وا ْعلم أ� ّن ربك يو�ّسع الرزق‬
‫باختيالك‪ ‬وتعاليك‪.‬‬ ‫لمن ي�شاء وي�ض ّيقه على من ي�شاء‪� ،‬إنه كان بعباده خبيراً‬
‫‪ 38‬ك ُّل ما ُذ ِك َر من ا ألمور التي نهى اللهُ عنها كان‬ ‫ب�س ِّرهم وعلانيتهم وما ي�صلحهم‪ ،‬لا يخفى عليه �شيء‬
‫مكروه ًا عند ربك‪ ،‬وما كرهه الله فواج ٌب على الم�سلم‬
‫من �أحوالهم وحاجاتهم‪.‬‬
‫أ�ن يتج ّنبه‪.‬‬

‫‪ 31‬و�إذا كان الأمر كذلك فلا ُت ْقدموا على َق ْت ِل‬

‫‪٢٨٥‬‬

‫‪ 46‬و َجع ْلنا على قلوبهم أ�غطي ًة لئلا يفهموه‪ ،‬وفي‬ ‫‪ 39‬ذلك الذي أَ� َم ْرنا به ونهينا عنه هو م ّما �أوحيناه‬
‫�آذانهم ِثقل ًا لئلا ي�سمعوه‪� ،‬إذ ُه ْم م�ص ِّممون �أ�صل ًا على‬ ‫إ�ليك من القر�آن الذي نزل هادي ًا للنا�س �إلى �أح�سن‬
‫عدم ال�سماع الم ؤ�دي �إلى الفهم‪ ،‬و�إذا ذكر َت اللهَ وحده‬ ‫ا ألمور‪ .‬ولا تجع ْل ‪� -‬أيها الإن�سان‪ -‬لله �شريك ًا‪ ،‬تعبده‬
‫و�أن َت تتلو القر آ�ن �أعر�وضا ون َفروا ِلـ َما ا�ستح َكم في‬ ‫وتخافه وترجوه‪ ،‬ف إ�نك �إذا فعل َت ُتلقى في جهنم ملوم ًا‬

‫�أنف�سهم من ال�شرك والتعظيم آللهتهم‪.‬‬ ‫على فعلك ال�س ِّيئ‪ ،‬مطروداً من رحمة‪ ‬الله الواحد‪.‬‬

‫‪ 47‬نح ُن أ�عل ُم بما ُيلاب�سهم من الا�ستهزاء وال�سخرية‬ ‫‪َ 40‬أ� َفا ْختاركم ربكم ‪� -‬أيها الم�شركون‪ -‬ف َخ ّ�صكم‬
‫حين يكونون عندك و�أنت تقر�أ القر آ�ن‪ ،‬وبما يتناجون به‬ ‫بما تحبون من الأولاد ‪ -‬وهم البنون‪ -‬وجعل لنف�سه ما‬
‫في �أمرك �إذا خلا بع ُ�ضهم �إلى بع�ض فيقولون‪� :‬إ ْن ت َّتبعون‬ ‫تكرهون من البنات؟! إ�نكم لتقولون قلا ًو عظي َم ال ُّن ْكر‬
‫�إلا رجل ًا م�سحوراً‪ ،‬يقو ُل ما لا يقبله العق ُل ِمن البعث‬
‫وال�شناعة‪.‬‬
‫بعد الموت والجنة والنار‪ ‬وغيره‪.‬‬
‫‪ 41‬ولقد َذ َكرنا وب ّينا و أ�و�ضحنا في هذا الكتاب‬
‫‪ 48‬انظر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬وتع َّج ْب له�ؤلاء كيف‬ ‫المنزل عليكم من ال ِعبر وال ِحكم والأمثال وا ألحكام‬
‫�ش َّبهوك بالم�سحور ف أ�خط ؤ�وا‪ ،‬فلا يملكون ‪ -‬وحال ُهم‬ ‫والحجج ما فيه الكفاية ليتعظوا ويعتبروا‪ ،‬وما يزدادون‬

‫هذا‪ -‬إ�لى الحق‪ ‬طريق ًا‪.‬‬ ‫مع ت�صريفنا وتذكيرنا �إلا ُبعداً عن الحق‪.‬‬

‫‪ 49‬وقال الم�شركون‪� :‬أئذا ِ�صنا عظام ًا و ُفتات ًا أ� ُنخل ُق‬ ‫‪ 42‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء الم�شركين‪ :‬لو كان مع‬
‫ثاني ًة‪ ،‬ونبعث ِم ْن جديد؟!‬ ‫الله آ�له ٌة �أخرى كما ت َّدعون‪ ،‬ل َط َلب ه�ؤلاء ا آللهة طريق ًا‬
‫�إلى ذي العر�ش لينازعوه في ملكه‪ ،‬وي�ستلبوا عر�شه‪،‬‬
‫‪٢٨٦‬‬ ‫كفعل ملوك الدنيا بع�ضهم ببع�ض‪ .‬وهم لم يفعلوا‪ ،‬ولا‬

‫ي�ستطيعون‪ ،‬ف�أ َّنى لهم با أللوهية‪ ‬الم َّدعاة؟!‬

‫‪ 43‬تن َّزه الخال ُق الواح ُد وتق َّد�س وتعالى ع ّما يزع ُم‬
‫ه�ؤلاء من ال�شركاء ُع ُل ّواً كبيراً؛ ف إ� ّنه لا َمثي َل له ولا نظير‪.‬‬

‫‪ُ 44‬ت َن ِّز ُه اللهَ ال�سماوا ُت ال�سب ُع والأر�ُض و َم ْن فيهن‬
‫من المخلوقات‪ ،‬وما من �شي ٍء حيوان ًا كان �أو نبات ًا �أو‬
‫جماداً إ�لا ُين ِّزه الله بل�سان الحال أ�و بل�سان المقال عن كل‬
‫ما لا يليق به‪ ،‬ولكن لا تدركون ولا تفهمون ت�سبيحهم‪،‬‬
‫�إ ّن الله كان حليم ًا غفوراً حيث لم ُيعاجلكم بالعقوبة‬

‫على ما ت َّدعون له وتزعمون‪.‬‬

‫‪ 45‬و�إذا قر أ� َت ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬القر آ�ن على ه ؤ�لاء‬
‫الم�شركين الذين لا ي ؤ�منون بالبعث‪ ،‬و َد َع ْوتهم �إلى الإيمان‬
‫به والعمل بما فيه‪َ ،‬جع ْلنا بينك وبينهم حجاب ًا �ساتراً يمنع‬

‫نو َر القر�آن وهداي َته من الو�وصل �إلى قلوبهم‪.‬‬

‫‪ 54‬ر ُّبكم ‪� -‬أيها النا�س‪� -‬أعلم بكم‪� ،‬إ ْن ي�ش�أ يرحمكم‬ ‫‪ 51 50‬قل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬لو كنتم حجار ًة‬
‫تف ُّ�ضل ًا فيوفقكم لاتباع ِدينه والعمل بطاعته‪ ،‬و�إ ْن ي�ش�أ‬ ‫أ�و حديداً �أو �أ َّي �شيء آ�خر َت�ستبعدون إ�حياءه‪ ،‬ل ُبعثتم بعد‬
‫يعذبكم َعدل ًا بكفركم ومع�صيتكم؛ فهو الذي يعلم‬ ‫الموت �أحيا ًء للح�ساب والجزاء‪ ،‬ف�سيقولون‪َ :‬م ْن ُيحيينا‬
‫َمن هو �أ ْه ٌل للهداية‪ .‬ولي�س لأح ٍد عل ٌم ب�سابق علم الله‬ ‫و َي ْبعثنا؟ قل الذي خلقكم أ� ّول مرة‪َ ،‬ف َم ْن َق َدر على‬
‫في �ش�أنه‪ .‬وما أ�ر�سلناك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪� -‬إ ّل ِمن أ�جل‬ ‫الإن�شاء قدر على ا إلعادة‪ ،‬ولكنهم ِلـ َما تم َّكن في نفو�سهم‬
‫البيان والدعوة والتبليغ‪ .‬ولي�س أ�َ ْم ُر هداي ِة �أح ٍد من النا�س‬ ‫من التكذيب والعناد �سيح ِّركون ر ؤ�و�سهم م�ستهزئين بما‬
‫تقول‪ ،‬وي�س أ�لونك على ِج َه ِة الته ُّكم‪ :‬متى يكون هذا‬
‫وجزائه موكلا ًو‪� ‬إليك‪.‬‬
‫البعث الذي ت ّدعيه؟ قل‪ :‬لا يب ُع ُد أ�ن يكون قريب ًا‪.‬‬
‫‪ 55‬ور ُّبك ‪� -‬أيها الر�سول‪� -‬أعلم بك ِّل َم ْن في‬
‫ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬وب أ�حوالهم‪ ،‬فيختار منهم لنب َّوته‬ ‫‪ 52‬يو َم يدعوكم ر ُّبكم �إلى موقف القيامة ف�ستجيبون‬
‫َمن ي�شاء‪ .‬وهذا َر ٌّد على قري�ش لا�ستبعادها أ�ن يكون يتي ُم‬ ‫م�سرعين‪ .‬وله الحم ُد على البعث للح�ساب والجزاء‪.‬‬
‫أ�بي طالب ‪ --‬نبي ًا‪ ،‬و�أن يكون أ��صحابه من �ضعفاء‬
‫النا�س وفقرائهم‪ .‬ولقد ف ّ�ضل الله بع�َض النب ِّيين على بع�ض‬ ‫وتظنون �أنكم لم تلبثوا في الدنيا إ�لا قليل ًا‪.‬‬
‫بالمعجزات و َك ْثة التابعين‪ ،‬لا بالملك‪ ،‬ف َف�ض ُل داود أ�نه‬
‫ُ�أوتي الزبور‪ ،‬لا ألنه ُأ�وتي الملك؛ فلا َع َج َب أ�ن َتنال‬ ‫‪ 53‬وقل ‪� -‬أيها النبي‪ -‬للم ؤ�منين �أن يقولوا �أح�س َن‬
‫الكلام و أ�طي َبه في مخاطباتهم ومحاوراتهم‪ ،‬و ْل َيحذروا‬
‫الف�ضل العظيم بما �أُوتي َت من القر آ�ن‪.‬‬ ‫ال�شيطان ف�إنه ي�سعى للإف�ساد بين النا�س و إ�ثارة العداوة‬
‫والمخا�صمة بينهم‪� ،‬إنه كان ل إلن�سان عد ّواً ب ِّ َي العداوة‪.‬‬
‫‪ 56‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬للذين يزعمون �أ ّن مع الله‬
‫آ�لهة من الملائكة �أو الجن �أو غير ذلك أ� ْن يدعوهم �إذا‬ ‫‪٢٨٧‬‬
‫نزل ْت بهم �ش ّد ٌة‪� ،‬أو أ�حاط بهم بلا ٌء‪ ،‬و�َس َيون �أنهم لا‬
‫ي�ستطيعون رف َع ما أ��صابهم من �سوء ولا َن ْق َلهم من حال‬

‫الع�سر وال�ش ّدة �إلى حال الي�سر والرخاء‪.‬‬

‫‪ 57‬ه�ؤلاء الذين اتخذهم الم�شركون �أرباب ًا يعبدونهم‬
‫ويدعونهم من ا ألنبياء والملائكة وال�صالحين ُه ْم في غاية‬
‫الافتقار �إلى‪ ‬الله‪ ،‬وك ُّلهم يتقربون �إلى ربهم بالطاعة‪،‬‬
‫ويتناف�سون أ� ُّيهم يكون �أقرب �إليه‪ ،‬وهم جميع ًا يرجون‬
‫رحمته ويخافون عذابه ك�سائر العباد‪ .‬إ� َّن عذاب ربك‬

‫كان َمـ ُخوفـ ًا‪ ،‬حقيق ًا ب أ�ن يحذره ك ُّل أ�حد‪.‬‬

‫‪ 58‬وما ِمن �أهل قرية كفروا وع َ�صوا إ� ّل نحن‬
‫مهلكوهم بالتدمير والا�ستئ�صال قبل يوم القيامة‪ ،‬أ�و‬
‫معذبوهم عذاب ًا �شديداً بالجوع والقحط والوباء وغير‬
‫ذلك‪ ،‬فح ِّذر �أه َل مكة من هذه ال�ُّس ّنة ا إلله ّية الما�ضية‪.‬‬

‫كان ذلك في اللوح المحفوظ مكتوب ًا‪.‬‬

‫‪ 59‬وما َ� َص َفنا عن إ�ر�سال الآيات التي اقترح ْتها‬
‫قري�ش �إلا تكذي ُب الأ ّولين بها‪ ،‬فهلكوا‪ ،‬و ُهم أ�مثا ُلهم‪،‬‬
‫فلو �ُأر�سلت لك َّذبوها‪ ،‬فيهلكوا‪ ،‬كما م�ض ْت به �ُس ّن ُتنا‪،‬‬
‫وقد ق�ضينا في أَ� َزلنا أ� ّل ن�ست أ��صلهم؛ لأ َّن فيهم َم ْن ي�ؤمن‪،‬‬
‫أ�و يل ُد َم ْن ي�ؤمن‪ .‬ثم ذك َر اللهُ بع�َض َم ْن أ�هلك بتكذيب‬
‫ا آليات المقترحة فقال‪ :‬و�آتينا ثمود ب�سبب �س�ؤالهم‬

‫الناق َة �آية ب ِّين ًة وا�ضح ًة ُيدر ُكها ك ُّل َم ْن ُيب�صرها‪ ،‬فظلموا‬
‫ُنر�سل بالآيات‬ ‫فهلكوا‪ ،‬وما‬ ‫ب�سبب عقرها‬ ‫�أنف َ�سهم‬
‫الم�ست�أ ِ�صل‪ ،‬ف�إ ْن‬ ‫نزول العذاب‬ ‫إ�لا تخويف ًا ِم ْن‬ ‫المقت َرحة‬

‫لم يخافوا َن َز َل‪ ‬بهم‪.‬‬

‫‪ 60‬و إ�ذ قلنا ل َك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬فيما �أوحينا إ�ليك‪:‬‬
‫�إ َّن ربك أ�حاط بالنا�س علم ًا وقدر ًة‪ ،‬فلا َم ْهر َب لهم‬
‫ولا َمنجى‪ ،‬وما جعلنا ما �أريناك ليل َة الإ�سراء �إلا اختباراً‬
‫للنا�س‪ .‬لنرى َم ْن ي�ؤم ُن بذلك و َم ْن يك ّذب‪ ،‬وما جعلنا‬
‫�شجر َة الز ُّقوم الملعون َة �إ ّل عذاب ًا ُمر َ�صداً للكافرين‪،‬‬
‫ونخ ِّوفهم ب�أنواع التخويف‪ ،‬فما يزيدهم �إلا عت ّواً‬

‫مجاو ِزاً‪ ‬للح ِّد‪.‬‬

‫ب َح ْملهم على َك�ْسبها و َج ْمعها من الحرام والت�ص ُّرف‬ ‫أ�يها الر�سول‪ -‬إ�ذ قلنا للملائكة‪ :‬ا�سجدوا‬ ‫واذك ْر ‪-‬‬ ‫‪61‬‬
‫فيها على ما لا ينبغي‪ ،‬ك إ�نفاقها في المعا�صي‪ ،‬و�شاركهم‬ ‫�إلا �إبلي�س امتنع وقال‪� :‬أنا �َأ ْ�صلي من النار‬ ‫ف�سجدوا‬ ‫لآدم‪،‬‬
‫في الأولاد بح ِّثهم على التو�صل إ�ليهم من غير نكاح‬
‫م�شروع وعلى ن�سبتهم �إلى غير �آبائهم والإ�ساءة في‬ ‫فكيف �أ�سجد لمن خلقته من طين؟!‬
‫تربيتهم‪ ،‬و ِع ْدهم المواع َد الباطلة كطول الأمل وت�أخير‬
‫التوبة‪ ،‬وما يع ُدهم ال�شيطان إ�لا باطل ًا‪ ،‬يز ُّين لهم الخط�أ‬ ‫أ�عمل‪2‬هَّ‪6‬ليتنب�أقيما إ�رلل �إيىبليبياو�لم�سس‪:‬ال َ�أجقيوخا ِدمبةلنهي‪،‬أُليال�ِـضرَلم َّ ّنبك ّذرعِّرم َّيَتنت ُهههعوذلا َّلأايقل؟وذد َّنوياهلل ِهكم ّر�إللمئ َت ُهنى‬
‫ع�صيانك‪ ،‬كما ُتقاد الدابة‪ ،‬إ�لا قليل ًا‪ ،‬وهم عبادك‬
‫بما يوهم �أنه �وصاب‪.‬‬ ‫المعت ِ�صمون بك المخل�وصن في طاعتك‪ ،‬فه ؤ�لاء لا‬

‫‪ 65‬ومع ك ِّل هذا ف إ� َّن عبادي المخل�صين الذين‬ ‫�سلطان لي عليهم‪.‬‬

‫في جميع أ�مورهم وي�ستعينون بي في ك ِّل‬ ‫عل َّي‬ ‫يتوكلون‬ ‫‪ 63‬قال اللهُ‪ :‬ام�ِض ل�ش�أنك الذي اختر َته‪ ،‬ولك‬
‫لك عليهم ت�س ُّل ٌط ولا َتقدر على إ�غوائهم؛‬ ‫لي�س‬ ‫�أحوالهم‬ ‫ما أ�رد َت من الإمهال‪ ،‬و�س�أح ِّذر عبادي منك ومن‬
‫و�ساو�سك و إ��ضلالك و�إغوائك‪ ،‬ف َمن تبعك منهم بعد‬
‫بربك‬ ‫وكفى‬ ‫وات َخذوني وكيل ًا‪.‬‬ ‫التج ؤ�وا إ�ليَّ‪،‬‬ ‫حيث‬ ‫ذلك ف إ� ّن جهنم جزا ُ�ؤك وجزاء �أتباعك جزا ًء كامل ًا لا‬
‫لمن تو َّكل‪ ‬عليه‪.‬‬ ‫النبي‪ -‬حافظ ًا‬ ‫‪� -‬أيها‬
‫ُيخ ّفف عنكم وال‪ُ  ‬ينق�ص لكم منه‪.‬‬
‫‪ 66‬ر ُّبكم الذي ُيجري لكم ال�سف َن و ُي�س ِّيها في البحر‬ ‫‪ 64‬وا�ست ِخ َّف وا�ست ِز َّل َم ْن ا�ستطع َت ِم ْن ذ ِّر َّية آ�دم‬
‫لتبتغوا من ف�ضله بالتجارة وال�صيد وغير ذلك‪ ،‬إ�نه كان‬ ‫بدعوتك إ�ياهم للمع�صية‪ ،‬واجم ْع عليهم مكايدك‬
‫بكم رحيم ًا في ت�سخيرها لكم‪ ،‬فا�س أ�لوه من ف�ضله‪ ،‬وثقوا‬ ‫و َحبائلك‪ ،‬وح ّثهم على الغواية‪ ،‬و�شا ِركهم في الأموال‬
‫بوعده‪،‬وا�شكروهعلىما�س َّخرلكممن�أ�سبابالك�سب‪.‬‬

‫‪٢٨٨‬‬

‫�إهلا ِككم و إ�غراقكم انت�صاراً لكم؟‬

‫‪ 70‬ولقد ك ّرمنا أ�ولا َد آ�دم تكريم ًا كبيراً‪ ،‬ف أ�ح�س ّنا‬
‫�وصرهم‪ ،‬وميزناهم بالعقل وبالقدرة على الاختيار‪،‬‬

‫وهديناهم إ�لى ما فيه �أ�سبا ُب معا�شهم‪ ،‬وحملناهم في الب ِّر‬
‫على الدوا ّب وغي ِرها‪ ،‬وفي البحر على ال�سفن‪ ،‬ورزقناهم‬
‫من طيبات المطاعم والم�شارب‪ ،‬وف َّ�ضلناهم بالعلوم‬
‫والإدراكات مما ر َّكبنا فيهم على كثي ٍر ممن خلقنا تف�ضيل ًا‪،‬‬

‫فح ّق عليهم أ�ن ي�شكروا هذه النعم ولا يكفروها‪.‬‬

‫ندعو ك َّل‬ ‫�أيها النب ُّي‪ -‬لقومك يو َم‬ ‫ج‪1‬م‪7‬اع ٍةوامذنكا ْلرنا�‪-‬س‬
‫في الخير أ�و‬ ‫بنب ِّيهم‪� ،‬أو بمن كانوا يتبعونه‬

‫ال�ش ِّر‪ ،‬فيقال مثل ًا‪ :‬يا‪  ‬أ�تباع مو�سى أ�و يا أ�هل التوراة‪،...‬‬
‫ندعوهم ليت�س َّلموا كت َب أ�عمالهم‪ ،‬ف َم ْن ُأ�عطي �صحيفة‬
‫�أعماله بيمينه‪ :‬ف�أولئك يقر ؤ�ون كت َبهم فرحين م�سرورين‪،‬‬
‫ولا ُين َق ُ�صون ِم ْن �أجور أ�عمالهم المكتوب ِة في �صحيفتهم‬
‫َ�أ ْدنى �شيء‪ ،‬ولو كان ي�سيراً كالخيط الذي في �ش ِّق النواة‪.‬‬

‫‪ 72‬و َم ْن كان في هذه الدنيا فاق َد الب�صيرة‪ ،‬لا يهتدي‬ ‫‪ 67‬و�إذا كنتم في البحر و ِخفتم الغر َق غا َب عنكم‬
‫إ�لى ُر�شده‪ ،‬ولا يعرف ما َ�أ ْو َليناه ِم ْن نعمة التكريم‬ ‫في تلك ال�شدائد َم ْن ت�ستغيثون به في حوادثكم إ�لا الله‪،‬‬
‫والتف�ضيل فهو في الآخرة أ�عمى كذلك‪ ،‬وفي َحير ٍة‬ ‫فل َّما دعوتموه وا�ستجاب لكم فن َّجاكم إ�لى البر و�س َّلمكم‬
‫من تلك المخاوف‪� ،‬أعر�ضتم عن توحيده‪ ،‬وكفرتم به‪،‬‬
‫وذهو ٍل‪ ،‬وهو هناك أ�بع ُد عن طريق النجاة‪.‬‬ ‫و ُع ْدتم �إلى أ�وثانكم‪ ،‬ولم ت�شكروا نعمته عليكم‪ ،‬إ� َّن‬

‫‪ 73‬وقد قار َب كفا ُر قري�ش ‪ -‬في ظ ِّنهم الباط ِل‬ ‫الإن�سا َن جحو ٌد للنعم‪.‬‬
‫و َز ْع ِمهم الكاذب‪ -‬أ�ن يخدعوك وي�صرفوك ‪ -‬أ�يها‬
‫الر�سول‪ -‬عن بع�ض ما أ�وحينا إ�ليك في هذا القر آ�ن؛‬ ‫‪� 68‬أتظ ُّنون حين َنوتم من البحر و أ�هوا ِله أ�نكم أ� ِم ْن ُتم‬
‫لتقول علينا ما لم َن ُقل لك‪ ،‬ولو فعل َت ما �أرادوا منك‬ ‫�أن َيخ�سف الله بكم جانب ال َ ِّب ب�أن يجعل �أ�سفله �أعلاه‬
‫فتهلكوا تحته‪� ،‬أو أ� ِمنتم أ�ن ُير�سل عليكم ريح ًا �شديد ًة‬
‫ل�صر َت لهم ول ّي ًا قريب ًا و�صديق ًا‪� ‬ص ِف ّي ًا‪.‬‬ ‫و َيرميكم بالح�صى والحجارة‪ ،‬ثم لا تجدوا حافظ ًا‬

‫‪ 75 74‬وللاو أ�ن َع َ�ص ْمناك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لقارب َت‬ ‫يحفظكم من عذابه‪ ،‬ويمنعكم من‪ ‬عقابه؟‬
‫‪ -‬لق ّوة خداعهم واحتيالهم وحر�صك على هدايتهم‪ -‬أ�ن‬
‫تميل إ�ليهم �شيئ ًا قليل ًا فيما اقترحوه عليك‪ ،‬لك ْن تثبي ُتنا لك‬ ‫‪� 69‬أَ ْم �أ ِمنتم ِم ْن أ�ن يخلق فيكم َدواعي َ ْت ِملكم على‬
‫حا َل دون أ�ن ُتقارب الميل‪ .‬ولو َر َكن َت إ�ليهم لع ّذبناك ِمث َلي‬ ‫�أن ترجعوا �إلى البحر وتركبوا فيه ثاني ًة‪ ،‬ف�إذا �صرتم في‬
‫ما ُع ِّذب غي ُرك في الدنيا والآخرة‪ ،‬ث ّم لا تجد لك ن�صيراً‬ ‫ُعبابه ُير ِ�س ُل عليكم ريح ًا �شديدة لا تم ُّر ب�شي ٍء إ�لا ك�سرته‪،‬‬
‫يدفع عنك العذاب‪ .‬ولكن هذا لا يكون أ�بداً لا�ستحالة‬ ‫فيغرقكم بكفركم‪ ،‬ثم لا تجدوا �أحداً يطالبنا ب َت ِب َعة‬

‫مخالفته ر َّبه‪ ،‬و�إنما هو بيا ٌن ِل ِعظم ِن ْعمة ال ِع�صمة‪.‬‬ ‫‪٢٨٩‬‬

‫‪ 76‬ولقد قار َب أ�ه ُل مكة أ�ن يزعجوك بعداوتهم‬
‫و َمكرهم لإخراجك منها‪ ،‬ولك َّن اللهَ ث ّبتك و�أعانك‪،‬‬
‫ولو خرج َت منها لا يبقون بعد خروجك إ� ّل زمان ًا قليل ًا‬

‫حتى تنز َل بهم العقوب ُة‪.‬‬

‫‪ 77‬عاد ُة الله تعالى أ�ن يهلك ك َّل �أهل قرية �أخرجوا‬
‫ر�ُسولهم ِمن بين أ� ْظ ُهرهم‪ ،‬هذه �س َّنة الله في الأمم الخالية‪،‬‬

‫ولا تج ُد لهذه ال�ُّس ّنة تغييراً‪.‬‬

‫‪� 78‬أ ِقم ال�صلا َة ابتدا ًء من وقت ال َّظهيرة‪ ،‬وهو وقت‬
‫ب ْدء زوال ال�شم�س وميلانها نحو المغرب‪� ،‬إلى وقت‬
‫اجتماع ظلمة الليل‪ .‬والإ�شارة بدلوك ال�شم�س إ�لى وقت‬
‫الظهر والع�صر‪ ،‬وب َغ َ�سق الليل إ�لى المغرب والع�شاء‪ .‬و�أ ِقم‬
‫�صلاة ال�صبح عند الفجر قبل طلوع ال�شم�س‪ ،‬وهي‬

‫�صلاة م�شهودة تح�ضرها ملائك ُة الليل وملائك ُة النهار‪.‬‬

‫و�ص ِّل‪ ‬لله‬ ‫نومك في الليل‪،‬‬ ‫و ُق ْم ‪ -‬يا محمد‪ -‬من‬ ‫‪79‬‬
‫درجا ٍت‬ ‫المفرو�ضة‪َ ،‬ت ِز ْدك‬ ‫غير ال�صلوات الخم�س‬ ‫�صلا ًة‬

‫فوق درجاتك‪ ،‬وا ْر ُج أ�ن ي ؤ�تيك ر ُّبك يوم القيامة مقام‬
‫ال�شفاعة عنده‪ ،‬وهو مقام جليل َيحمدك عليه ا أل ّولون‬
‫ُ�ضوب النعم‪� ،‬أعر�ض عن ِذكرنا و�ُشكرنا‪ ،‬و َتباعد‬ ‫والآخرون‪.‬‬
‫بنف�سه غافل ًا عن القيام بح ّق المنعم من الطاعة و إ�خلا�ص‬
‫العبادة‪ ،‬و إ�ذا م�َّسه ال�ش ُّر من فق ٍر �أو مر�ٍض �أو نازل ٍة كان‬ ‫‪ 80‬و ُقل‪ :‬ر ّب �أدخلني ُمدخل ًا �صادق ًا كريم ًا َمر�ضي ًا‬
‫في �أموري كلها‪ ،‬في َح ِّلي و َترحالي‪ ،‬وديني ودنياي‪،‬‬
‫�شدي َد ال ُقنوط ِمن َر ْوحنا و َف َرجنا!‬ ‫و أ�خرجني كذلك ُمخرج �صد ٍق وعناي ٍة في كل �أم ٍر‬
‫‪ 84‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ :-‬ك ُّل واح ٍد �سواء من الم�ؤمنين‬ ‫فرغ ُت منه‪ ،‬أ�و مكا ٍن انتقل ُت عنه‪ ،‬واجع ْل لي منك‬
‫�أو الكافرين َيعمل على طريقته‪ ،‬فر ُّبكم الذي يراكم ولا‬
‫تخفى عليه �أحوا ُلكم هو أ�عل ُم بمن هو �أ�س ُّد طريق ًا و أ� ْقوم‬ ‫ُح ّج ًة ظاهر ًة فيما أ�َ َد ُع و�أفع ُل‪.‬‬

‫�سبيل ًا‪.‬‬ ‫‪ 81‬و ُقل منذراً وم�ستب�شراً بن�صر الله‪ :‬جاء الدي ُن الح ُّق‬
‫وو ّلى ال�شرك وما ينطوي عليه من الباطل‪� ،‬إ ّن الباطل‬
‫‪ 85‬وي�س�ألك الم�شركون ب�إيعا ٍز من اليهود عن حقيقة‬
‫ال ُّروح الذي هو م َد ِّبر البد ِن الإن�ساني و َمبد�ُأ حياته‪،‬‬ ‫ُم ْ�ض َمح ٌّل زائ ٌل‪.‬‬
‫فقل لهم‪� :‬إ ّن الروح من علم ربي الذي ا�ست�أثر به‪ .‬وما‬
‫ُ�أوتيتم من العلم إ�لا �شيئ ًا قليل ًا لا ُيذكر أ�مام �سعة علم الله‬ ‫‪ 82‬ونن ِّزل ِم ْن �آيات القر آ�ن ما هو �شفا ٌء لما في ال�صدور‬
‫ِمن ال َّريب والجهل وال َّزيغ والك ْب و�سائر أ�مرا�ض القلوب‪،‬‬
‫و إ�حاطته‪.‬‬ ‫ورحم ٌة للم ؤ�منين الذين ينتفعون بتلاوته والعمل به‪ ،‬ولا‬
‫يزي ُد هذا القر�آ ُن الكفا َر إ� ّل هلاك ًا لكفرهم وتكذيبهم‬
‫‪ 86‬ولئن �أردنا �أن َن ْذهب بالقر�آن الذي أ�وحيناه‬
‫ونمحوه من �صدرك‪َ ،‬ل َفعلنا‪ ،‬ث ّم لا تجد َم ْن يتو ّكل بر ّده‪.‬‬ ‫به‪.‬‬

‫‪٢٩٠‬‬ ‫‪ 83‬و إ�ذا �أنعمنا على ا إلن�سان بال�صحة والعافية و�سائر‬

‫المعاندة والمحا َد َدة وقالوا‪ :‬لن ن ؤ�من بك يا محمد‬ ‫‪ 87‬لك ّن الله ر ِحم َك ف�أثب َت القر آ�ن في قلبك وقلوب‬
‫ون�ص ِّدق بما تقول حتى ُتخرج لنا من أ�ر�ض مكة عين ًا‬ ‫الم ؤ�منين‪ ،‬إ� َّن ف�ضل الله كان عليك كبيراً فقد اختارك‬

‫ف ّيا�ض ًة‪.‬‬ ‫و�أر�سلك و�أنزل عليك �آخر كتبه‪ ،‬و�أتم عليك نعمته‪.‬‬

‫‪� 91‬أو تكون لك حديق ٌة عامرة بالنخيل وا ألعناب‪،‬‬ ‫‪ 88‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لهم متح ّدي ًا‪ :‬لئن اجتمع ِت‬
‫ا إلن� ُس والجن واتفقوا وتظاهروا وتعاونوا على �أن‬
‫َف ُتف ِّجر في و�سطها المياه الغزيرة تفجيراً‪.‬‬ ‫ي�أتوا بقر آ�ن ِمث ِل هذا القر آ�ن المع ِجز في معناه و َم ْبناه‪،‬‬
‫لا ي�ستطيعون ولا يتمكنون‪ِ ،‬لـ َما ت�ض َّمنه من العلوم‬
‫‪� 92‬أو ُت َع ِّجل لنا العقوب َة التي تتوعدنا بها فتوقع‬ ‫الإلهية‪ ،‬والبراهين الوا�ضحة‪ ،‬والمعاني التي لم يكن ألح ٍد‬
‫ال�سما َء علينا ِقطع ًا متعدد ًة‪ ،‬أ�و ت أ�تي لنا بالله والملائكة‬
‫بها عل ٌم‪.‬‬
‫ل ُنعاينهم جهراً‪ ،‬في�شهدوا لك بما تقول‪.‬‬
‫‪ 89‬ولقد و َّجهنا القو َل للنا�س في هذا القر آ�ن بكل ما‬
‫‪� 93‬أو يكون لك بي ٌت من ذهب‪� ،‬أو تعرج في ال�سماء‬ ‫ِم ْن �ش أ�نه أ�ن يب ِّي لهم الحجة ويهديهم ال�سبيل‪ ،‬فرف�َض‬
‫أ�مامنا‪ ،‬ولن ن�ؤمن ل ُعروجك حتى تن ِّزل علينا كتاب ًا فيه‬
‫ت�صدي ُقك نقر�ؤه نحن‪ ،‬من غير أ�ن ُيتل َّقى من ِق َبلك‪ُ .‬ق ْل‬ ‫�أكث ُر النا�س قبو َله و أ� َبوا �إلا الكف َر والجحود!‬
‫لهم ‪ -‬يا محمد‪ -‬وتع َّج ْب من �شدة َج َدلهم و�إ�صرارهم‬
‫على باطلهم‪ُ� :‬أن ِّز ُه الله عن �أن يتح ّكم في إ�رادته وقدرته‬ ‫‪ 90‬ولـ َّما عجزوا عن معار�ضة القر�آن لج�ؤوا إ�لى‬
‫أ�ح ٌد‪ ،‬وما �أنا �إلا ب�شرٌ �أُر�سلت إ�ليكم أُلبلغكم‪ ،‬وا ألم ُر في‬
‫‪٢٩١‬‬
‫ذلك لله وحده‪.‬‬

‫‪ 94‬وما منع ه ؤ�لاء الم�شركين من الإيمان والت�صديق‬
‫والإذعان ِلـ َما جاءهم ِمن الهدى ِم ْن عند ربهم إ�لا‬

‫جه ُلهم وا�ستبعا ُدهم �أن يبعث اللهُ ب�شراً يب ِّلغ عنه‪.‬‬

‫‪ 95‬قل لهم ‪ -‬يا محمد‪ :-‬لو كان في الأر�ض ملائك ٌة‬
‫م�ستخ َلفون‪ ،‬يعي�وشن فيها و َي ْعمرونها ألر�سلنا �إليهم‬
‫م َلك ًا ِم ْن ِجن�سهم‪ ،‬ولك َّنكم ب�شرٌ ف أ�ر�سلنا إ�ليكم ب�شراً‬

‫مث َلكم‪ ،‬تعرفون ل�سانه وتفهمون عنه‪.‬‬

‫‪ 96‬قل‪� :‬إ ْن أ��صررتم على مواقفكم الجاحدة فكفى‬
‫بالله حاكم ًا َيف�صل بيني وبينكم‪ ،‬ف ُيع ُّز الـ ُم ِح َّق‪ ،‬و ُيذل‬
‫الـ ُم ْب ِط َل‪ ،‬و ُيعلي كلمته‪ ،‬ويخف�ُض كلمتكم‪ ،‬إ� ّنه كان‬

‫بعباده ِمن ال ُّر�ُس ِل والم ْر�َس ِل �إليهم عليم ًا محيط ًا‪.‬‬


Click to View FlipBook Version