The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

تفسير القرآن الكريم_compressed

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Ghada Alnawawy, 2021-11-09 00:37:41

تفسير القرآن الكريم_compressed

تفسير القرآن الكريم_compressed

‫‪ ٤٣‬فتم�َّسك ‪ -‬يا محمد‪ -‬بما ي أ�مرك به هذا القر آ�ن‪،‬‬ ‫‪ ٣٥ ٣٤‬ولو �شئنا َلـ َجعلنا لبيوتهم �أبواب ًا ِمن ف ّ�ضة‪،‬‬
‫الذي أ�وحاه الله إ�ليك‪� ،‬إنك على دي ٍن م�ستقي ٍم‪ ،‬وهو‬ ‫و�أ�س َّر ًة من ف ّ�ضة كذلك ي�ستندون عليها‪ ،‬و َلـ َجعلنا لهم‬
‫فوق ذلك زين ًة ِمن ذهب‪ ،‬وما ك ُّل ذلك إ�لا متاع الحياة‬
‫ا إل�سلام‪.‬‬ ‫الدنيا الفانية‪ ،‬ونعي ُم الدار الآخرة الباقي خا�ٌّص للمتقين‪،‬‬

‫‪ ٤٤‬و�إ َّن هذا القر آ�ن‪ ،‬ل�شر ٌف عظي ٌم لك ولقومك‬ ‫ال‪ ‬ي�شاركهم فيه أ�حد غيرهم‪.‬‬
‫العرب‪ ،‬و�سوف ي�س�ألك ربك وي�س أ�لهم ع ّما عملتم فيما‬
‫‪ ٣٦‬و َم ْن يتغاف ْل عن ذكر الرحمن و ُيعر�ض عن تد ُّبر‬
‫�أمركم به‪.‬‬ ‫القر�آن وما فيه ِمن حكمة‪ ،‬ولم يخ ْف عقا َب الله‪ ،‬ولم‬
‫يهت ِد بهدايته؛ ن�س ِّل ْط عليه �شيطان ًا يغويه جزا ًء له عن‬
‫‪ ٤٥‬وا�س أ� ْل ‪ -‬يا ر�سول الله‪ -‬أ�تباع جمي ِع الر�سل ِمن‬
‫قبلك‪ ،‬هل �أمرناهم بعباد ِة �آله ٍة ِم ْن دون الله؟!‬ ‫�إعرا�ضه‪ ،‬في�صير ملازم ًا له لا يفارقه‪.‬‬

‫‪ ٤٧ ٤٦‬ولقد أ�ر�سلنا مو�سى ب ُحججنا الخارق ِة‬ ‫‪ ٣٧‬و�إ َّن ال ُق َرناء من ال�شياطين َل َي�ص ُّدون قرناءهم عن‬
‫للعادة‪ ،‬إ�لى فرعون و ُكبراء قومه الذين ي�ؤازرونه‪،‬‬ ‫�سبيل الح ِّق؛ بتزيين ال�ضلالة لهم‪ ،‬و َتكريه الإيمان �إليهم‪،‬‬
‫فقال لهم‪� :‬إني ر�سو ُل ر ِّب العالمين �إليكم‪ ،‬فل ّما‬ ‫حتى يختلط عليهم الح ُّق بالباطل‪ ،‬ويظ ّنون �أنهم على‬
‫جاءهم بحججنا و�أد ّلتنا القاطعة على �صدق قوله فيما‬
‫يدعوهم �إليه‪� ،‬إذا هم ي�ضحكون كما ي�ضحك قو ُمك‬ ‫الح ِّق وال�صواب‪.‬‬

‫‪ -‬يا محمد‪ -‬مما جئ َتهم ِمن ا آليات والعبر‪.‬‬ ‫‪ ٣٨‬حتى �إذا جاء هذا الـ ُمع ِر�ُض عن القر آ�ن في الآخرة‬
‫للح�ساب َو ْحده قال لقرينه ال�شيطان‪ :‬و ِدد ُت �أ َّن بيني‬
‫‪492‬‬ ‫وبي َنك ُب ْع َد ما بين الم�شرق والمغرب‪ ،‬فبئ�س القري ُن �أن َت‪.‬‬

‫‪ ٣٩‬ولن يخ ِّفف عنكم ‪� -‬أيها المعر�ضون عن القر�آن‪-‬‬
‫يو َم الح�ساب ِم ْن عذاب الله‪ ،‬ا�شترا ُككم فيه أ�نتم‬

‫وقرنا ؤ�كم‪ ،‬ولك ِّل واحد منكم َن�صيب ُه ِمن العذاب‪.‬‬

‫‪ ٤٠‬أ�فت�ستطيع ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬أ�ن ُت�ْس ِمع َم ْن قد‬
‫َأ� َ�ص ّمه اللهُ فهو لا ينتفع بما ي�سمع ِمن الحق؟! أ�و تهدي‬
‫َمن أ�َعمى‪ ‬الله قلبه عن إ�ب�صار طريق الهداية؟! �أو ُتخرج‬
‫َم ْن كان في ال�ضلال الوا�ضح �إلى الهدى والر�شاد؟!‬

‫لي�س ذلك إ�ليك‪� ،‬إنما إ�لى الله‪ ،‬و�إنما �أنت‪ ‬منذر‪.‬‬

‫‪ ٤٢ ٤١‬ف�إما نتو َّفي َّنك ‪ -‬يا محمد‪ -‬قبل أ� ْن ننتقم‬
‫من المكذبين المعاندين ِمن قومك‪ ،‬ف إ� ّنا منهم منتقمون‬
‫بالعقوبة بعد موتك‪� ،‬أو ُنريك ‪ -‬يا محمد‪ -‬قبل وفاتك‬
‫ما �أوعدناهم من العذاب‪ ،‬ف إ� ّنا قادرون عليهم؛ فهم في‬

‫قب�ضتنا لا يفوتوننا‪.‬‬

‫‪ ٥٢‬بل أ�نا خير من مو�سى‪ ،‬الذي لا ُملك ولا مال له‪،‬‬
‫مع ما في ل�سانه ِمن ال ُع ْقدة حتى لا يكاد ُيبين!‬

‫‪ ٥٣‬فه ّل ‪� -‬إ ْن كان ر�سو َل ر ِّب العالمين كما يزعم‪-‬‬
‫أ�غناه ر ُّبه‪ ،‬و أ�لقى �إليه أ��ساور ِمن ذهب مما يتق َّل ُده الملوك؟‬
‫أ�و ه ّل جاء معه الملائكة متتابعين‪ ،‬ي�شهدون ب�صدقه‬

‫ويعينونه على �أمره‪.‬‬

‫‪ ٥٤‬فا�ستخ َّف فرعو ُن عقو َل قومه بهذا الكلام‪،‬‬
‫ف�أطاعوه وك ّذبوا مو�سى؛ ألنهم كانوا قوم ًا خارجين‬

‫عن طاعة الله‪.‬‬

‫‪ ٥٥‬فل ّما أ�َغ َ�ضبونا بكفرهم وعنادهم؛ انتقمنا منهم‬
‫بالعذاب‪،‬الذيع َّجلناهلهم‪،‬ف أ�غرقناهمجميع ًافيالبحر‪.‬‬

‫في‬ ‫الومعغ َرظق ًةي‪،‬ن ِلـ َومعْنا ِقب َب َتعهدمهم َ ِحم َدنث ًاا بلأامقمي‪ً.‬ا‬ ‫‪ ٥٦‬فجعلنا ه ؤ�لاء‬
‫التاريخ ليكونوا عبر ًة‬

‫‪ ٥٨ ٥٧‬ولـ ّما قيل لم�شركي مكة‪� :‬إ ّن ك َّل عاب ٍد وما‬ ‫‪ ٤٨‬وما ُنريهم من �آية ِمن الآيات المعجزات‪� ،‬إ ّل هي‬
‫ُع ِب َد ِمن دون الله في النار‪�َ ،‬ض َب �أحد الم�شركين لك‬ ‫�أعظم ِمن التي َم َ�ضت قبلها ِمن ا آليات‪ ،‬و�أنزلنا بهم في‬
‫‪ -‬يا محمد‪ -‬عي�سى ابن مريم مثل ًا آللهتهم يجادلك‬ ‫ِ�ضمن ذلك �أنواع ًا من العذاب؛ ليرجعوا عن كفرهم‬
‫به‪ ،‬قال‪ :‬إ� َّن عي�سى الذي تعظمه قد ُع ِب َد ِم ْن دون الله‪،‬‬
‫فهو على َزعمك في النار‪ ،‬ف إ�ذا قو ُمك لـ ّما �سمعوا ذلك‬ ‫بالله إ�لى توحيده وطاعته‪.‬‬
‫ترتفع أ��صواتهم بال�ضجيج �سروراً‪ ،‬ك أ�نهم قد ظفروا‬
‫‪ ٤٩‬وقال فرعون وقو ُمه لمو�سى لـ ّما ر�أوا العذاب‪:‬‬
‫عليك بحجة‪ .‬وتل َّقفوا هذا المثل يعيدونه قائلين‪ :‬أ��آلهتنا‬ ‫يا أ�يها ال�ساحر ‪ -‬أ�ي العالـ ُم‪ ،‬ته ُّكم ًا به أ�و تعظيم ًا له‪� ،‬إ ْذ‬
‫خير �أم عي�سى؟ أ�ي إ� ِّن عي�سى خير‪ ،‬ف إ�ذا كان في النار‪،‬‬ ‫كانوا ي�س ُّمون العلما َء �سحر ًة‪ -‬ا ْد ُع ر َّبك‪ ،‬ب َع ْه ِده الذي‬
‫فنحن را�ضون أ�ن تكون أ��صنا ُمنا معه في النار‪ .‬ما قالوا‬ ‫َع ِهده �إليك‪ ،‬وما خ ّ�صك ِمن الف�ضائل أ�ن يك�شف ع ّنا‬
‫ذلك �إلا جدل ًا و ُمغالب ًة لك في القول‪ ،‬إ�ذ هم ال‪ ‬يعتقدون‬ ‫العذاب؛ ف�إ ْن ك�ش َف ر ُّبك ع ّنا العذاب‪ ،‬ف�إننا نتبعك‬
‫هوا َن �آلهتهم ولا تف�ضي َل عي�سى‪ ،‬بل هم قوم �شديدو‬
‫ون�صدقك فيما‪ ‬جئتنا‪ ‬به‪.‬‬
‫الخ�صومة والجدال بالباطل‪.‬‬ ‫‪ ٥٠‬فل ّما دعا مو�سى ر َّبه؛ فرفع عنهم العذاب‪� ،‬إذا هم‬

‫عبادنا‪،‬‬ ‫عوللييه� بسالنبعيوة�سواىلر�إ�لساالةم‪،‬خولجوعلقناوو َلع ْبا ٌددته ِمِم ْنْن‬ ‫‪٥٩‬‬ ‫ين ُق�ضون عهدهم‪ ،‬ويغدرون ويتمادون في َغ ِّيهم‪.‬‬
‫غير أ� ٍب‬ ‫أ�نعمنا‬ ‫‪ ٥١‬ونادى فرعون في قومه مفتخراً بما يملك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫�أل�س ُت ملك ًا على م�صر �أم ِلك ما عليها؟! وهذه ا ألنهار‬
‫عبر ًة لبني �إ�سرائيل‪ ،‬لت�صحيح �إيمانهم وتقويم انحراف‬ ‫تجري من بين َي َد َّي في جناتي وب�ساتيني؟ أ�فلا ترون أ�يها‬

‫عقيدتهم في ال َخ ْل ِق والبعث‪.‬‬ ‫القوم قوتي وغناي و�ضع َف مو�سى وفق َره؟‬

‫‪ ٦٠‬ولو ن�شاء أ�هلكناكم جميع ًا‪ ،‬وجعلنا بدل ًا منكم‬ ‫‪493‬‬
‫ملائكة يخلفونكم في الأر�ض يعبدونني ولا ي�شركون‬

‫بي �شيئ ًا‪.‬‬

‫يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ِمن مكروه‪ ،‬ولا أ�نتم‬ ‫‪ ٦١‬و إ� َّن نزول عي�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬من ال�سماء‬
‫تحزنون على فراق الدنيا‪ .‬وه�ؤلاء هم الذين �ص ّدقوا‬ ‫�آخر الزمان‪ ،‬علام ٌة ُيعلم بها ُقر ُب مجيء ال�ساعة‪ ،‬فلا‬
‫بكتبي ور�سلي‪ ،‬وكانوا خا�ضعين وطائعين ومخل�صين‬ ‫ت�ش ُّكوا في مجيئها‪ ،‬وا َّتبعوني و أ�طيعوني فيما أ�مرتكم به‪،‬‬
‫لي‪ .‬يقول لهم‪ :‬ادخلوا الجنة ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪� -‬أنتم‬
‫فاتباعكم لي طري ٌق وا�ض ٌح جل ٌّي لا اعوجا َج فيه‪.‬‬
‫و�أزواجكم‪ُ ،‬ت�س ُّرون بما فيها من نعيم مقيم‪.‬‬
‫‪ ٦٢‬ولا ي�صرف ّنكم ال�شيطان بو�ساو�سه عن ا ّتباع الحق‪،‬‬
‫‪ُ ٧١‬يطاف على ه�ؤلاء الم�ؤمنين في الجنة بالطعام في‬ ‫إ�نه لكم عد ٌّو ظاهر العداوة‪ ،‬يدعوكم إ�لى ال�ضلال‪.‬‬
‫�آني ٍة وا�سعة ِمن ذهب‪ ،‬و ُيطاف عليهم بال�شراب في‬
‫أ�كواب ِم ْن ِج ْن�سها‪ ،‬ولكم فيها ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪ -‬ما‬ ‫‪ ٦٣‬وحين جاء عي�سى بني إ��سرائيل بالمعجزات‬
‫ت�شتهيه نفو�سكم‪ ،‬ولكم فيها ما َتل ُّذ �أعي ُنكم‪ ،‬و�أنتم‬ ‫والدلائل الوا�ضحات‪ ،‬قال لهم‪ :‬قد جئتكم بالنبوة‬
‫ِمن‪ ‬الله؛ ُألب ِّي و أ�ُ�ص ِّحح لكم بع�َض الذي تختلفون‬
‫ماكثون في الجنة‪ ،‬لا تخرجون منها �أبداً‪.‬‬ ‫فيه ِمن �أحكام التوراة‪ ،‬فاتقوا ربكم بطاعته واجتناب‬
‫معا�صيه‪ ،‬و أ�طيعوني فيما آ�مركم به ِم ْن تقوى الله وطاعته‪.‬‬
‫‪ ٧٢‬ويقال للم ؤ�منين المتقين‪ :‬هذه الجن ُة التي َأ�ورثكم‬
‫الله إ� ّياها؛ ب�سبب ما كنتم تعملون في الدنيا ِمن الخيرات‪.‬‬ ‫‪� ٦٤‬إ َّن الله وحده هو ر ِّبي ور ُّبكم جميع ًا‪ ،‬فاعبدوه‬
‫دون �سواه‪ ،‬ولا ُت�شركوا معه في عبادته �شيئ ًا‪ ،‬هذا الذي‬
‫‪ ٧٣‬لكم ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪ -‬في هذه الجنة �أي�ض ًا فاكهة‬ ‫�أمرتكم به هو الطريق الم�ستقيم‪ ،‬وهو دين الله‪ ،‬الذي‬
‫كثيرة ِمن ك ِّل ا ألنواع؛ ت أ�كلون منها ما ا�شتهيتم‪.‬‬
‫ال‪ ‬يقبل ِم ْن �أحد �سواه‪.‬‬
‫‪494‬‬
‫‪ ٦٥‬فاختلف ِت ال ِفر ُق من اليهود والن�صارى في �ش�أن‬
‫عي�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ :-‬فمنهم َم ْن كفر به وعاداه‪،‬‬
‫ومنهم َم ْن رفعه وجعله �إله ًا‪ ،‬فوي ٌل للذين تركوا الح َّق‬
‫ِم ْن غير برها ٍن ولا دلي ٍل‪ ،‬وي ٌل لهم ِم ْن عذا ٍب م ؤ�لم يوم‬

‫القيامة‪.‬‬

‫‪ ٦٦‬هل ينتظر ه ؤ�لاء الكافرون المختلفون في �ش أ�ن‬
‫عي�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪� -‬إ ّل أ� ْن ت�أتيهم ال�ساع ُة فج أ� ًة‪ ،‬وهم‬

‫لا يعلمون‪ ‬بمجيئها؟‬

‫‪ ٦٧‬الأ�صدقاء المت�آلفون في الدنيا على الكفر ومعا�صي‬
‫الله‪ ،‬يتبر�أ بع ُ�ضهم ِم ْن بع�ض يوم القيامة‪� ،‬إ ّل الذين تحا ُّبوا‬
‫واجتمعوا على تقوى الله‪ ،‬ف�إ َّن �صداقتهم دائمة في الدنيا‬

‫والآخرة‪.‬‬

‫‪ ٧٠ - ٦٨‬ينادي الله عبا َده المتقين يوم القيامة‪:‬‬

‫وملائك ُتنا عندهم يكتبون ذلك ك َّله لا ُيهملون منه‬
‫�صغيرة أ�و كبيرة‪.‬‬

‫‪ ٨١‬قل ‪ -‬يا ر�سول الله‪ -‬للم�شركين ال َّزاعمين �أ َّن‬
‫الملائكة بنا ُت الله‪� :‬إن كان للرحمن ولد كما تزعمون‪،‬‬
‫ف أ�نا أ� ّول َم ْن يعبده و ُيق ّر به‪ ،‬ولك ْن ي�ستحيل أ�ن يكون له‬

‫ولد‪ ،‬ف�أنا �أعبده تعالى ولا أ��شرك به �شيئ ًا‪.‬‬

‫‪ ٨٢‬تعالى الله مالك ال�سماوات وا ألر�ض والعر� ِش‬
‫وتن َّزه ع ّما ي�صفه ه ؤ�لاء الم�شركون ِم ْن ِن�سبة الولد إ�ليه‪.‬‬

‫‪ ٨٣‬ف َد ْع ‪ -‬يا ر�سول الله‪ -‬ه�ؤلاء المفترين على الله‪،‬‬
‫يخو�ضوا في باطلهم‪ ،‬و�شرورهم ومعا�صيهم؛ حتى يلاقوا‬

‫يوم القيامة الذي يو َعدون فيه بالعذاب في نار جهنم‪.‬‬

‫‪ ٨٤‬والله وحده هو المعبو ُد بح ٍّق في ال�سماء والأر�ض‪،‬‬
‫لا إ�له غيره‪ ،‬وهو الحكي ُم في تدبير خلقه‪ ،‬العلي ُم‬

‫بم�صالحهم‪.‬‬

‫ُمو ْلعنكدهالع�سلمماووقا ِتت‬ ‫‪ ٨٥‬و َتعاظم اللهُ وتم َّجد‪ ،‬له �سبحانه‬
‫وا ألر�ض‪ ،‬وما بينهما من ا أل�شياء ك ِّلها‪،‬‬

‫القيامة‪ ،‬و إ�ليه ُتر ُّدون بعد مماتكم؛ فيجازي المح�س َن‬ ‫‪� ٧٧ - ٧٤‬إ َّن الذين �أج َرموا بكفرهم بالله‪ ،‬ماكثون‬
‫منكم ب�إح�سانه‪ ،‬والم�سي َء ب�إ�ساءته‪.‬‬ ‫في عذاب جهنم أ�بداً‪ ،‬لا يخرجون منها ولا ُيخ َّفف‬
‫عنهم العذاب‪ .‬وهم في عذاب جهنم‪� ،‬آي�سون من‬
‫المول�شارك ألوحن ٍد ِم ْمننداولننا�السله‪،‬‬ ‫يعبدهم‬ ‫‪ ٨٦‬ولا يملك الذين‬ ‫النجاة‪ .‬وما ظل ْمنا ه�ؤلاء المجرمين بتعذيبهم في النار‪،‬‬
‫عبدوهم‬ ‫ال�شفاع َة عند الله لمن‬ ‫ولك ْن كانوا هم الظالمين ألنف�سهم؛ ب�سبب كفرهم‪.‬‬
‫ولك ْن َم ْن �َشهد بالتوحيد لله على ب�صير ٍة ويقين كالملائكة‬ ‫ونادوا مالك ًا خاز َن جهنم‪ :‬يا مال ُك ل ُي ِم ْتنا ر ُّبك؛‬
‫وعي�سى ابن مريم‪ ،‬ف إ�نه تنفع �شفاعته لمن �أذن الله بال�شفاعة‬ ‫لن�ستريح من العذاب‪ ،‬ف�أجابهم‪� :‬إنكم مقيمون في‬

‫فيه من الم ؤ�منين‪.‬‬ ‫عذاب جهنم‪.‬‬

‫َم ْن خلقهم‪ ،‬ليقو ُل َّن‪:‬‬ ‫ولئن �س�أل َت الم�شركين‪:‬‬ ‫‪٨٧‬‬ ‫‪ ٧٨‬لقد جئناكم ‪ -‬أ�يها الكافرون‪ -‬بالح ِّق على �أل�سنة‬
‫عن عبادة الذي خلقهم‬ ‫الله‪ ،‬فب أ� ِّي وج ٍه ُي�صرفون‬ ‫خلقنا‬ ‫ُر�سلنا‪ ،‬ولك َّن أ�كثركم للح ِّق الذي جا ؤ�وا به كارهون‪.‬‬
‫‪�َ ٧٩‬أ ْم أَ� ْح َكم م�شركو مكة أ�مراً يكيدون به محمداً؟!‬
‫إ�لى عبادة غيره؟‬ ‫ف إ� ّنا ُمح ِكمون ‪ -‬جزا ًء لهم‪ -‬كيداً ُيذلهم ويخزيهم‪.‬‬
‫‪ ٨٠‬أ�َ ْم يظ ُّن ه�ؤلاء الم�شركون �أ ّنا لا ن�سمع ما ُي�سرون‬
‫‪ ٨٩ ٨٨‬وقال الر�سول ‪� - -‬شاكي ًا إ�لى ربه‬ ‫في �أنف�سهم‪ ،‬وما يتناجون به و ُيخفونه عن غيرهم‪ ،‬فلا‬
‫نعاقبهم عليه لخفائه علينا؟ بلى‪ ،‬نحن ن�سمع ونعلم‪،‬‬
‫اقلوذ َيمهنا�أَل َمذ ْيرتننيكب َّذ�إبنوذها‪:‬ر يهامر‪ِّ ،‬وب�أ إ�ر�نسلتهن�ؤيلالءدالمع�وشترهكمي�إنليالمعكا‪،‬ن قديو ٌنم‬ ‫ولا يخفى علينا �شيء مما يعملونه في �س ِّرهم وعلانيتهم‪،‬‬
‫لا ي�ؤمنون‪ ،‬ف�أجابه الله تعالى بقوله‪� :‬أ ْع ِر�ض عن �أذاهم‬
‫‪ -‬يا محمد‪ -‬و ُقل لهم‪� :‬سلا ٌم عليكم‪ ،‬ف�سيعلمون في‬ ‫‪495‬‬
‫�أ ّن ما‬ ‫اَي ْللحق ُّوق‪،‬نواللاعيذنافعبهمعيلوىمئ ٍذكفِعرْل ُهممه‪،‬م‬ ‫عندما‬ ‫ا آلخرة‪،‬‬
‫�شيئ ًا‪.‬‬ ‫إ�ليه هو‬ ‫تدعوهم‬

‫‪} ١‬ﭑ{‪� :‬سب َق الكلا ُم على هذه الحروف‬
‫الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة‪.‬‬

‫‪َ� ٣ ٢‬أق�سم الله تعالى بهذا القر آ�ن الوا�ضح المب ِّ ِي‬
‫طري َق الحق‪� ،‬أنه أ�نزله من اللوح المحفوظ �إلى ال�سماء‬
‫الدنيا في ليلة مباركة‪ ،‬هي ليلة القدر‪ ،‬إ� َّن ِم ْن �ش�أ ِننا‬
‫إ�نذا َر العباد ب�إنزال الكتب ِل ُيقلعوا ع ّما هم عليه ِمن كف ٍر‬

‫ومعا�ٍص‪.‬‬

‫ب�أمر ِمن‬ ‫ذاللييل ِةح اكلمبماٍةرباكلةغ ٍة ُيفو��شص�أ ُ ٍلن‬ ‫‪ ٥‬في هذه‬ ‫‪٤‬‬
‫عظيم‪� ،‬إذ‬ ‫و ُيب َّ ُي ك ُّل أ�مر‬ ‫عند‪ ‬الله‬

‫فيها يتلقى الملائك ُة من اللوح المحفوظ ك َّل �أمر ُمح َكم‬
‫لا يب َّدل مـ ّما ق َّدر الله تعالى أ�ن يكون في ال�سنة الموالية‬
‫ِم َن ا آلجال وا ألرزاق وغيرها‪� ،‬إ َّن ِم ْن �ش�أننا إ�ر�سا َل‬
‫الر�سل بالكتب إ�لى العباد‪.‬‬

‫العذاب‪ ،‬ف إ� ْن ك�شف َت ُه عنا آ�منا بك وحدك لا ن�شرك بك‪.‬‬ ‫‪� ٦‬أر�س ْلنا الر�س َل و�أنزلنا الكت َب والتي منها هذا‬
‫القر آ�ن رحم ًة من ربك‪ ،‬إ�نه هو ال�سميع العليم‪ ،‬يعلم‬

‫م�صال َح العباد وما يحتاجون إ�ليه لت�ستقيم أ�حوا ُلهم‪.‬‬

‫له ؤ�لاء الم�شركين ال َّتذ ُّك ُر‬ ‫أ�ين‬ ‫كيف‪ ،‬و ِم ْن‬ ‫‪١٤ ١٣‬‬ ‫‪ ٧‬هذا الر ُّب الرحيم هو خالق ال�سماوات وا ألر�ض‬
‫بهم‪ ،‬وقد جاءهم ما هو‬ ‫البلاء‬ ‫ِم ْن بعد نزول‬ ‫والاتعاظ‪،‬‬ ‫وما بينهما ومد ّبر ا ألمر فيها‪ ،‬ف إ�ن كنتم موقنين أ� ّن‬
‫�أعظم منه‪ ،‬جاءهم محمد‪ ،‬ر�سول ًا ِم ْن عند الله ظاهر‬ ‫لل�سماوات والأر�ض ر ّب ًا‪ ،‬فاعلموا �أ ّن هذا القر�آن منزل‬
‫ال�صدق م ؤ� ّيداً بالمعجزات؛ ف�أع َر�ضوا عنه‪ ،‬وقالوا‪ :‬إ�نما‬
‫من عنده رحمة منه‪.‬‬

‫هو ُمع َّلم‪ ،‬يعلمه ب�شر‪ ،‬مجنون بادعائه النبوة؟!‬ ‫‪ ٨‬لا معبود بح ٍّق لكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬إ�لا الله‪ ،‬الذي‬
‫ي�شاء‪،‬‬ ‫ما‬ ‫ي�شاء‪ ،‬ويميت‬ ‫يحيي ما‬ ‫الحياة والموت‪،‬‬ ‫بيخادِلهُق�أمك ُرم‬
‫‪� ١٥‬إ ّنا كا�شفو العذاب النازل بكم زمن ًا قليل ًا‪ ،‬مع‬ ‫فاعبدوه‪.‬‬ ‫الأ ّولين؛‬ ‫وخال ُق �آبائكم‬
‫�أنكم عائدون �إلى الكفر والجحود‪ ،‬وماكنتم عليه قبل‬
‫‪� ٩‬إ َّن ه�ؤلاء الكفار لي�سوا على يقين ب أ�ن ر َّب‬
‫نزول العذاب‪.‬‬ ‫ال�سماوات والأر�ض وما بينهما هو الله‪ ،‬ف�إ ْن قالوا‬
‫بربوبيته تعالى ف إ� َّن قولهم هذا غير �صادر عن يقين‪ ،‬بل‬
‫‪ ١٦‬ف إ� ْن نق�ضتم عه َدكم‪ ،‬انتقم ُت منكم بق ّوة و�ش ّدة‬
‫يوم �أبط�ش بكم بط�شتي الكبرى‪ ،‬وذلك يوم بدر‪.‬‬ ‫عن تقليد و�ش ٍّك‪.‬‬

‫‪ ١٨ ١٧‬ولقد اختب ْرنا وابتلينا قب َل م�شركي قري�ش‪،‬‬ ‫‪٢‬و‪١‬بلا ٍءفانتت�صظي ْربه‪-‬م‪،‬يا محتحىم ُيدخ‪َّ -‬يبله �إ ؤ�للياهءمالم ِم�شنرك�شيند‪،‬ة‬ ‫‪-‬‬ ‫‪١٠‬‬
‫قو َم فرعون‪ ،‬وجاءهم ر�سول كريم علينا ‪ -‬وهو مو�سى‬ ‫قح ٍط‬ ‫أ�يام‬
‫عليه ال�سلام‪ -‬فقال لهم‪� :‬س ِّلموا إ�ليَّ بني إ��سرائيل‬
‫�أدعوكم �إليه‪،‬‬ ‫إ�ونأ�يطلرق�سووهلم ِمم َننالاللهذ�إليلكوامل‪،‬ه�أوماين ٌن‪،‬عولا ْقىَبل َووا ْحيماه‬ ‫ال َجهد والجوع ما بينهم وبين ال�سماء كهيئة الدخان‬
‫ور�سالته‪.‬‬
‫يغطيهم ويع ُّمهم‪ ،‬فيقولون‪ :‬هذا عذا ٌب م ؤ�لـ ٌم موج ٌع؛‬
‫�سائلين الله َر ْف َعه عنهم‪ ،‬قائلين‪ :‬ربنا اك�شف عنا هذا‬

‫‪496‬‬

‫غرقهم‪ِ ،‬من ب�ساتين‪ ،‬وعيو ٍن جارية‪ ،‬وزروع قائمة في‬ ‫‪ ٢١ - ١٩‬و�أ ّل ت�ستكبروا على الله بت ْر ِك طاعته‪ ،‬إ�ني‬
‫مزارعهم‪ ،‬وق�صو ٍر فخمة‪ ،‬وعي�ش ٍة كانوا فيها متن ِّعمين‬ ‫�آتيكم ِمن عنده ب ُح ّج ٍة وا�ضح ٍة على �ص َّحة ما �أقول لكم‪،‬‬
‫فلما قال لهم مو�سى ذلك تو َّعدوه بالقتل‪ ،‬فلم يبال‬
‫مترفين!‬ ‫بهم‪ ،‬وقال رداً عليهم‪� :‬إ ِّن التج�أ ُت �إلى الله واحترزت به‬
‫من أ�ن تتمكنوا من قتلي‪ ،‬و إ� ْن لم ت ؤ�منوا بما جئتكم به‪،‬‬
‫‪ ٢٩ ٢٨‬هكذا فعلنا بفرعون وقومه‪ ،‬و أ�ورثنا هذه‬ ‫فاعتزلوني‪ ،‬ولا تتعر�ضوا لي ب�ش ٍّر �أو أ�ذى‪ ،‬حتى يق�ضي‬
‫النع َم بعد هلاك فرعون وجنده قوم ًا آ�خرين جا�ؤوا‬
‫بعدهم‪ .‬فما بك ْت عليهم ال�سماء والأر�ض لكفرهم‪،‬‬ ‫الله بيننا‪.‬‬
‫وما كانوا ُم َهلين عن العقوبة‪ ،‬ولكنهم ُعو ِجلوا بها‬
‫‪ ٢٤ - ٢٢‬فل ّما طا ل ُمقا مه فيهم و�أ قا م عليهم‬
‫لكفرهم و�شدة طغيانهم‪.‬‬ ‫الحجج‪ ،‬وا�ستمروا على الكفر والطغيان و إ�يذائه و إ�يذاء‬
‫بني إ��سرائيل‪ ،‬دعا مو�سى ر َّبه‪ ،‬فقال‪� :‬إ َّن فرعون وقومه‬
‫‪ ٣٣ - ٣٠‬ولقد ن ّجينا بني �إ�سرائيل من العذاب المذ ِّل‬ ‫قوم مجرمون ولن ُير�سلوا معي بني �إ�سرائيل كما �أمرتهم‪،‬‬
‫لهم ‪ -‬وهو قتل أ�بنائهم وا�ستخدام ن�سائهم‪ -‬نجيناهم‬ ‫ف�أجابه‪ ‬الله أ� ْن �ِ ْس بعبادي الذين �ص ّدقوك واتبعوك ليل ًا‬
‫ِم ْن عذاب فرعون‪� ،‬إنه كان جباراً م�ستعلي ًا على ربه‪،‬‬ ‫قبل ال�صباح‪ ،‬ألن فرعون وقومه �سيتبعونكم لير ُّدوكم‪،‬‬
‫م�سرف ًا في التكبر على عباد الله‪ .‬وف َّ�ضلناهم ‪ -‬على عل ٍم‬ ‫و إ�ذا قطع َت البح َر أ�ن َت و أ��صحابك‪ ،‬فاتركه كما دخلته‬
‫م ّنا بحالهم وا�ستحقاقهم‪ -‬على �أهل زمانهم‪ .‬و�آتيناهم‬ ‫ولا ت�ضربه ليلتئم‪� ،‬إ َّن فرعون وجنوده �سي�سلكون الطريق‬
‫من المعجزات على يد مو�سى‪ ،‬والكرامات والنعم ما فيه‬
‫ال َي َب� َس الذي �سلك َته‪ ،‬و�إنهم جميع ًا مغرقون‪.‬‬
‫اختبار لهم ظاه ٌر لا يخفى على َم ْن ت أ�مله‪.‬‬ ‫‪ ٢٧ - ٢٥‬ما �أكث َر ما ترك فرعون وقو ُمه بعد‬
‫‪ ٣٥ ٣٤‬إ� َّن م�شركي قومك ‪� -‬أيها الر�سول‪-‬‬
‫ليقولون‪ :‬ما هي �إلا الموتة ا ألولى التي نموتها في الدنيا‪،‬‬ ‫‪497‬‬
‫وما نحن بمبعوثين بعدها؛ تكذيب ًا منهم بالبعث والثواب‬

‫والعقاب‪.‬‬

‫‪ ٣٦‬وقالوا لر�سول الله ‪ - -‬والم�ؤمنين متح ِّدين‬
‫لهم‪ :‬ائتوا ب آ�بائنا الذين ماتوا قبلنا‪� ،‬إ ْن كنتم �صادقين �أ َّن‬

‫الله محيينا بعد مماتنا‪.‬‬

‫‪� ٣٧‬أه ؤ�لاء الم�شركون ِمن قومك ‪ -‬يا محمد‪ -‬خير في‬
‫القوة والم َن َعة �أَ ْم قوم ُت َّبع ال ِح ْم َيي ملك اليمن‪ ،‬والكفار‬
‫الذين قبلهم؟ ك ّل‪ ،‬بل هم �أ�ضعف‪ ،‬وقد �أهلكناهم‬
‫جميع ًا إلجرامهم‪ ،‬وكفرهم بربهم‪ ،‬فالم�شركون ِم ْن‬

‫قومك لي�سوا بعيدين ِمن‪ ‬الهلاك‪.‬‬

‫‪ ٣٩ ٣٨‬وما خلقنا ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬وما بينهما‬
‫ِمن الخلق‪َ ،‬ل ِعب ًا وعبث ًا‪ .‬ما خلقناهما وما بينهما �إلا ل ِح َك ٍم‬
‫با ِلغ ٍة‪ ،‬لولاها كان الخل ُق عبث ًا‪ ،‬والتي منها أ�ن نختبر في‬
‫الدنيا َم ْن ن�شاء ِم ْن عبادنا بما ن�شاء ِم ْن �أوامر ونوا ٍه‪ ،‬وغير‬
‫ذلك‪ ،‬ثم ُير ُّدون إ�لينا فنثيب الطائ َع ونعاقب العا�صي‪،‬‬
‫و�أكث ُر ه�ؤلاء الم�شركين لا يدركون ذلك‪ ،‬ولذلك ينكرون‬

‫البعث والجزاء‪.‬‬

‫والعيون وال ِّلبا�س‪ ،‬كذلك �أكرمناهم ب أ� ْن ز َّوجناهم بن�ساء‬ ‫‪� ٤٠‬إ َّن يوم الف�صل‪ ،‬الذي َي ْف�صل الله فيه بين خلقه‪،‬‬
‫نقيا ِت البيا�ض‪ ،‬وا�سعات الأعين ح�سانها‪ ،‬يطلبون في‬ ‫هو موع ُد اجتماعهم أ�جمعين‪.‬‬
‫الجنة ك َّل ما ي�شتهونه ِم ْن فاكهة وغيرها‪ ،‬فيل َّبى طلبهم‪،‬‬
‫‪ ٤٢ ٤١‬يوم لا يدفع قري ٌب عن قريبه ولا �صاح ٌب‬
‫وهم آ�منون فيها ِمن انقطا ِع ذلك عنهم‪ ،‬ونفاد ِه‪.‬‬ ‫عن �صاحبه �شيئ ًا ِمن عقوبة الله‪ ،‬إ� ّل َم ْن َر ِحم‪ ‬الله ِم َن‬
‫الم ؤ�منين بالعفو عنه‪ ،‬أ�و بقبول ال�شفاعة فيه‪� ،‬إ َّن الله هو‬
‫‪ ٥٧ ٥٦‬لا يذوق ه ؤ�لاء المتقون في الجنة المو َت أ�بداً‪،‬‬
‫بعد الموتة التي ذاقوها في الدنيا‪ ،‬ون ّجاهم الله و�س َّلمهم‬ ‫العزيز في انتقامه ِمن �أعدائه‪ ،‬الرحي ُم بعباده الم�ؤمنين‪.‬‬
‫ِم ْن عذاب النار؛ تف ُّ�ضل ًا منه عليهم و�إح�سان ًا �إليهم‪،‬‬
‫وهذا الذي �أعطينا المتقين ِم ْن نعيم في الجنة‪ ،‬هو الفوز‬ ‫‪� ٤٤ ٤٣‬إ َّن �شجرة ال ّز ُّقوم ‪ -‬التي َتنبت في �أ�صل‬
‫الجحيم‪ -‬هي طعام ا آلثم الكافر الفاجر‪.‬‬
‫العظيم‪.‬‬
‫‪ ٤٦ ٤٥‬هذا الطعام كالنحا�س الـ ُمذاب في النار‪،‬‬
‫‪ ٥٨‬ف إ� ّنا �َس َّهلنا قراءة هذا القر�آن ب ُلغتك‪ ،‬ولغ ِة قومك‬ ‫ي ْغلي في بطون الم�شركين‪ ،‬كغلي الماء ال�ساخ ِن الذي‬
‫العربية؛ لعلهم يفهمونه‪ ،‬وي ّتعظون وي�ؤمنون‪.‬‬
‫يتطاير ِم ْن غليانه‪.‬‬
‫‪ ٥٩‬فانتظر ‪ -‬يا محمد‪َ -‬ن ْ� َصنا لك‪ ،‬على ه ؤ�لاء‬
‫الم�شركين‪ ،‬إ�نهم منت ِظرون مو َتك وما يح ُّل بك ِم َن‬ ‫‪ ٤٨ ٤٧‬يقال لل َّزبانية‪ :‬خذوا هذا ا ألثيم‪ ،‬فادفعوه‬
‫ب�ش َّدة‪ ،‬و�سوقوه �إلى و�سط النار‪ ،‬ثم �ص ُّبوا على ر�أ�سه الما َء‬
‫الم�صائب‪.‬‬ ‫ال�شدي َد الغليان الذي ُي�صهر به ما في بطون الم�شركين‬

‫‪498‬‬ ‫وجلودهم‪.‬‬

‫‪ ٤٩‬يقال لهذا المع َّذب ‪ -‬على �سبيل التهكم‬
‫والإهانة‪ُ :-‬ذ ْق هذا العذاب‪ ،‬الذي تع َّذب به اليوم‪،‬‬

‫�إنك �أنت العزيز في قومك الكري ُم عليهم!‬

‫‪� ٥٠‬إ َّن هذا العذاب الذي ُتع َّذب به أ�يها الكافر‪ ،‬هو‬
‫العذاب الذي كنتم ت�ش ُّكون فيه في الدنيا‪ ،‬فقد لقيتموه‬

‫فذوقوه‪.‬‬

‫‪� ٥٢ ٥١‬إ َّن الذين اتقوا الله‪ ،‬ب ِفعل أ�وامره‪ ،‬واجتناب‬
‫معا�صيه‪ ،‬في مكا ٍن �آمنين فيه ِم ْن كل خو ٍف وه ٍّم وحز ٍن‪،‬‬

‫في ب�ساتين وعيو ٍن جارية‪.‬‬

‫‪َ ٥٥ ٥٣‬ي ْل َب�س ه�ؤلاء المتقون في هذه الجنات ثياب ًا‬
‫ِم َن الحرير ا ألخ�ضر مما ر ّق منه وما َغ ُلظ‪ ،‬متقابلين في‬
‫مجال�سهمبالوجوه‪،‬وكما�أكرمناهم بماو�صفنا ِم َنالجنات‬

‫‪ ٦‬هذه آ�يا ُت القر آ�ن ن ُق ُّ�صها عليك ‪ -‬يا محمد‪-‬‬ ‫‪} ١‬ﭑ{‪� :‬سب َق الكلا ُم على هذه الحروف‬
‫مت�ض ِّمن ًة الح َّق الذي لا َيحوم حوله باطل‪ ،‬فب أ� ِّي كلا ٍم‬
‫بعد كلام الله و أ�دلته على وحدانيته‪ ،‬ي�ص ِّدق ه�ؤلاء‬ ‫الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة‪.‬‬
‫‪ ٢‬هذا القر�آن منزل من عند الله‪ ،‬العزيز الذي‬
‫الم�شركون؟‬
‫ال‪ُ  ‬يغ َلب‪ ،‬الحكي ِم في �أمره وتدبيره و ُ�صنعه‪.‬‬
‫‪ ٨ ٧‬هلا ٌك وعذا ٌب �شدي ٌد‪ ،‬لك ِّل ك ّذاب مفت ٍر‬
‫على الله‪ ،‬ي�سمع �آيات القر�آن ُتقر�أ عليه فيتف َّهمها ثم‬ ‫‪ ٤ ٣‬إ� َّن في خلق ال�سماوات والأر�ض‪ ،‬وفي‬
‫يبقى م�ص ّراً على كفره و إ�ثمه‪ ،‬م�ستكبراً عن الإيمان‪،‬‬ ‫خلقكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬و َخل ِقه تعالى ما ينت�شر في ا ألر�ض‬
‫ك أ�نه لم ي�سم ْع ما ُتل َي عليه ِمن آ�يات الله‪ ،‬ف أ�خبره ‪� -‬أيها‬ ‫ويد ُّب عليها َلـ ُحجج ًا و�أدل ًة على الخلق والبعث‪ ،‬لمن‬

‫الر�سول‪ -‬بعذا ٍب مو ِج ٍع يوم القيامة في نار‪ ‬جهنم‪.‬‬ ‫يطلبون اليقين بدليله‪.‬‬

‫‪ ٩‬و�إذا َع ِل َم هذا الأ ّفا ُك ا ألثي ُم �شيئ ًا ِمن �آيات الله‬ ‫‪ ٥‬وفي اختلاف الليل والنهار‪ ،‬وتعاقبهما عليكم؛‬
‫ا�ستهز أ� و�سخر منها‪ ،‬ه�ؤلاء الذين ي�سخرون من آ�يات الله‬ ‫هذا بظلمته‪ ،‬وهذا بنوره‪ ،‬وما �أنزل الله ِم ْن ما ٍء‪ ،‬ف�أحيا‬
‫لهم يوم القيامة عذا ٌب ُيهينهم و ُيذ ُّلهم‪ ،‬في نار جهنم؛‬ ‫بهذا الماء الأر�ض الميتة؛ و أ�خرج منها مختلف �أنواع‬
‫النبات‪ ،‬بعد أ�ن كانت جدباء هامدة‪ ،‬وفي ت�صريفه الرياح‬
‫جزا َء ا�ستهزائهم بالقر آ�ن و�إ�صرارهم على الباطل‪.‬‬ ‫لكم على اختلاف أ�نواعها‪ ،‬من جهة �إلى �أخرى لمنافعكم‬

‫‪ِ ١٠‬م ْن أَ�مام ه�ؤلاء الم�ستهزئين بالقر آ�ن‪ ،‬نا ُر جهنم‬ ‫�أدل ٌة و ُحج ٌج‪ ،‬لقوم يعقلون عن الله ُحججه و�أدلته‪.‬‬
‫تنتظرهم‪ ،‬ولا َيدفع عنهم �شيئ ًا ِم ْن عذاب جهنم‪ ،‬ما‬
‫ك�سبوه في الدنيا ِم ْن ما ٍل وول ٍد و أ�ن�صا ٍر‪ ،‬ولا َتدف ُع عنهم‬ ‫‪499‬‬

‫�آله ُتهم التي عبدوها‪ ،‬ولهم يومئ ٍذ عذا ٌب عظي ٌم‪.‬‬

‫‪ ١١‬هذا القر�آن هدى ِمن ال�ضلالة‪َ ،‬يهدي َمن اتبعه‬
‫�إلى �صراط م�ستقيم‪ ،‬والذين جحدوا بما في القر آ�ن من‬
‫ا آليات‪ ،‬ولم ي�ص ِّدقوا بها‪ ،‬لهم يوم القيامة عذا ٌب ِم ْن‬

‫أ��ش ِّد العذاب موج ٌع م�ؤلـ ٌم‪.‬‬
‫‪ ١٢‬الله وحده الذي �أنعم عليكم ‪� -‬أيها النا�س‪-‬‬
‫بجميع النعم‪ ،‬فقد �س َّخر لكم البحر؛ لتجري فيه ال�سفن‬
‫ب أ�مره؛ ولتطلبوا بركوبه والغو�ص فيه ِم ْن ف�ضل الله؛‬
‫ولت�شكروا ربكم على ت�سخيره ذلك لكم‪ ،‬فتعبدوه‬

‫وحده‪.‬‬

‫‪ ١٣‬و�س َّخر الله لكم ما في ال�سماوات ِم ْن �شم�س‬
‫و َقمر‪ ،‬وما في ا ألر�ض ِم ْن دابة و�شجر وجماد لمنافعكم‬
‫تف ُّ�ضل ًا و إ�ح�سان ًا‪ .‬إ� َّن في ت�سخير الله لكم ذلك‪ ،‬لعلامات‬
‫ودلالات على وحدانيته و�صفاته‪ ،‬لقوم ي�ستخدمون‬

‫عقولهم في التفكر ال�سليم والاعتبار‪.‬‬

‫بع�ض في الدنيا‪ ،‬على أ�هل ا إليمان‪ ،‬والله وليُّ َمن ا َّتقاه‪،‬‬ ‫‪ ١٤‬قل ‪ -‬يا محمد‪ -‬للم ؤ�منين �أن يغفروا وي�صفحوا‬
‫ين�صره ويدفع عنه َم ْن أ�راده ب�سوء‪.‬‬ ‫عن الم�شركين ‪ -‬الذين لا يخافون عقا َب الله ولا يبالون‬
‫ِن َقمه‪ -‬إ�ذا نالوهم بالأذى والمكروه؛ ف�إنه تعالى �سيجزي‬
‫‪ ٢٠‬هذا القر�آن َمعالم للنا�س يتب ُ�صون بها أ�حكام‬
‫دينهم و أ�مور �شريعتهم‪ ،‬وهدى من ال�ضلالة‪ ،‬ورحمة‬ ‫ك َّل قوم بما كانوا يك�سبون‪.‬‬

‫من العذاب لمن آ�من به و�أيقن بما فيه‪.‬‬ ‫‪َ ١٥‬م ْن َع ِم َل بطاعة الله‪ ،‬فثوا ُب عمله لنف�سه‪ ،‬و َم ْن‬
‫�أ�ساء بعمله‪ ،‬فعلى نف�سه َجنى‪ ،‬ثم �إنكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪-‬‬
‫‪� ٢١‬أح ِ�س َب الذين اكت�سبوا الكفر والمعا�صي َأ� ْن‬ ‫ترجعون �إلى ربكم للح�ساب والجزاء على أ�عمالكم‪� ،‬إ ْن‬
‫نجعلهم في ا آلخرة كالم ؤ�منين في الدرجة والثواب‪ ،‬و أ� ّن‬
‫حياتهم ومماتهم‪ ،‬كحياة الم ؤ�منين وموتهم؟! ك ّل‪ ،‬فلا‬ ‫خيراً فخير‪ ،‬و�إ ْن �ش ّراً ف�ش ٌّر‪.‬‬
‫ي�ساوي الله تعالى بين ا ألبرار والف ّجار‪ ،‬بئ�س ما يق�ضون‬
‫‪ ١٦‬ولقد �أنزلنا على بني إ��سرائيل الكتب ِمن عندنا‬
‫به إ�ذ ح�سبوا �أنهم كالم ؤ�منين‪.‬‬ ‫هداي ًة لهم‪ ،‬و�آتيناهم الفه َم والفقه بهذه الكتب‪ ،‬وجعلنا‬
‫منهم أ�نبياء ور�سل ًا �إلى الخلق‪ ،‬ورزقناهم الحلا َل الم�ست َل َّذ‬
‫‪ ٢٢‬خلق الله ال�سماوات والأر�ض بالحق والحكمة؛‬ ‫ِمن ا ألقوات والثمار وا ألطعمة‪ ،‬وف َّ�ضلناهم على العالمين‬
‫ليثيب كل عامل بما عمل‪ ،‬المح�س َن بالإح�سان‪ ،‬والم�سي َء‬
‫في �أزمانهم‪.‬‬
‫بما هو �َأ ْه ُله‪ ،‬وهم لا يظلمون‪.‬‬
‫‪ ١٧‬و أ�عطينا بني �إ�سرائيل دلائل وا�ضحات ِم ْن أ�مور‬
‫‪500‬‬ ‫ال ِّدين‪ ،‬بتنزيلنا �إليهم التوراة‪ ،‬فيها تف�صي ُل ك ِّل �شيء‪ ،‬فلم‬
‫َيقع الاختلا ُف بينهم في الدين �إلا بعد ما جاءهم الوحي‬
‫بتعليم مبادئ الدين وتف�صيل �شرائع الحلال والحرام‪،‬‬
‫تع ِّدي ًا ِم ْن بع ِ�ضهم على بع�ٍض ح�سداً وطلب ًا للريا�سة‪� ،‬إ ّن‬
‫ربك ‪ -‬يا محمد‪ -‬يف�ص ُل بينهم يوم القيامة‪ ،‬فيما كانوا‬

‫يختلفون فيه‪ .‬وهذا تحذير للأمة �أن ت�سلك م�سلكهم‪.‬‬

‫‪ ١٨‬ث ّم جعلناك ‪ -‬يا محمد‪ -‬على طريق ٍة ومنها ٍج‬
‫وا�ض ٍح ِم ْن أ�مر الدين‪ ،‬فاتبع تلك ال�شريعة التي جعلناها‬
‫لك‪ ،‬ولا تتبع ا ألهواء التي يدعوك إ�ليها ه ؤ�لاء الم�شركون‬

‫الجاهلون‪ ،‬الذين لا يعرفون الحق‪.‬‬

‫‪ ١٩‬إ� َّن الم�شركين الذين يدعونك ‪ -‬يا ر�سول الله‪� -‬إلى‬
‫اتباع أ�هوائهم‪ ،‬لن يدفعوا عنك ‪ -‬إ� ْن خالف َت �شريعة‬
‫ربك‪� -‬شيئ ًا ِم ْن عقاب الله‪ ،‬و�إ َّن الم�شركين بع ُ�ض ُهم �أن�صار‬

‫�إلا قولهم‪� :‬أعيدوا إ�لينا �آباءنا الذين هلكوا أ�حياء‪ ،‬إ�ن‬ ‫‪ ٢٣‬أ�فر�أي َت ‪ -‬يا محمد‪ -‬جهال ًة �أ�ش َّد ِم ْن جهالة من‬
‫كنتم �صادقين؟!‬ ‫ا َّتخذ معبوده هواه‪ ،‬فيعبد ال�شيء الذي يهواه‪ ،‬دون إ�لهه‬
‫الحق؟ وخذله الله فلم يوفقه إل�صابة الحق‪ ،‬بعد أ�ن تب ّي‬
‫‪ ٢٦‬قل ‪ -‬يا ر�سول الله‪ -‬له�ؤلاء الم�شركين المك ِّذبين‬ ‫له طريق الإيمان وقامت الحجة عليه‪ ،‬و�آثر ال�ضلالة على‬
‫بالبعث‪ :‬الله يحييكم ما �شاء في الدنيا‪ ،‬ثم يميتكم عند‬ ‫الهدى‪ ،‬و َخ َت َم الله على �سمعه فلا يعتبر ب�آيات القر�آن‪،‬‬
‫انتهاء آ�جالكم المق َّدرة لموتكم‪ ،‬ثم يجمعكم جميع ًا‬ ‫و َط َب َع على قلبه‪ ،‬فلا يعقل به �شيئ ًا يهتدي به‪ ،‬و َج َع َل على‬
‫أ�حياء ليوم القيامة‪ ،‬الذي لا �ش َّك فيه‪ ،‬ولك ّن أ�كثر النا�س‬ ‫ب�صره غ�شاوة‪ ،‬فلا يب�صر به حجج الله!! ف َم ْن ي�ستطيع �أن‬
‫يو ِّفقه لإ�صابة الحق والر�شد‪ ،‬بعد �أن خذله الله؟ لا �أحد‪،‬‬
‫لا يعلمون ذلك‪.‬‬ ‫أ�فلا تذ َّكرون ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬فتعلموا أ�ن َم ْن كان هذا‬

‫‪ ٢٧‬والله وحده هو المت�ص ّرف في ال�سماوات والأر�ض‬ ‫حاله‪ ،‬فلن يهتدي �أبداً‪ ،‬ولن يجد له ول ّي ًا مر�شداً‪.‬‬
‫وما فيهن لا ي�شاركه في ذلك �أحد‪ ،‬ويوم تجيء القيامة‪،‬‬
‫التي ين�شر الله فيها الموتى ِم ْن قبورهم‪ ،‬يومئ ٍذ يظهر‬ ‫‪ ٢٤‬وقال الم�شركون‪ :‬لا حياة إ�لا حياتنا الدنيا‪ ،‬تكذيب ًا‬
‫منهم بالبعث بعد الممات‪ ،‬وما يهلكنا إ�لا مرو ُر الزمان‬
‫خ�سران الكافرين؛ ألنهم ي�صيرون إ�لى النار‪.‬‬ ‫علينا‪ ،‬وهو �أمر دائم لا ينقطع‪ .‬ولي�س لهم بما يقولون‬

‫‪ ٢٨‬وترى يو َم القيامة أ�ه َل كل ِم ّلة ودين جال ِ�سين على‬ ‫يقين علم‪ ،‬و إ�نما يقولونه ظ ّن ًا وحيرة في اعتقادهم‪.‬‬
‫ركبهم على هيئة المذنب‪ِ ،‬م ْن هول ذلك اليوم‪ ،‬متر ّقبين‬
‫لم�صيرهم‪ ،‬ك ُّل أ�هل م ّل ٍة ُتدعى �إلى �سجل أ�عمالها‪ ،‬ويقال‬ ‫‪ ٢٥‬و�إذا ُت ْتلى على الم�شركين �آياتنا وا�ضحا ٍت جل َّيا ٍت‪،‬‬
‫لهم‪ :‬اليوم ُتثابون وتعطون �أجو َر ما كنتم في الدنيا‬ ‫على البعث بعد الممات‪ ،‬لم يكن لهم حجة على ر�سولنا‬

‫تعملون ِم ْن خير أ�و �شر‪.‬‬

‫‪ ٢٩‬هذا الكتاب الذي �َس َّج َلته الحفظة‪ ،‬ينطق عليكم‬
‫بالحق إ� ْن أ�نكرتموه‪ ،‬فاقر�ؤوه‪ ،‬إ� ّنا كنا ن أ�مر الح َف َظة �َأ ْن‬

‫تكتب أ�عمالكم‪ ،‬فتثبتها في الكتاب عليكم‪.‬‬

‫‪ ٣٠‬ف�أ ّما الذين و َّحدوا الله‪ ،‬ولم ي�شركوا به �شيئ ًا‪،‬‬
‫وعملوا بما أ�مرهم الله به‪ ،‬وانتهوا عما نهاهم عنه‪،‬‬
‫فيدخلهم برحمته الجنة‪ ،‬ودخولهم الجنة هو الفوز الب ِّي‬

‫الوا�ضح‪ ،‬الذي لا يدانيه فوز‪.‬‬

‫‪ ٣١‬و أ� ّما الذين كفروا بالله‪ ،‬فيقال لهم‪ :‬أ�لم تكن آ�ياتي‬
‫تتلى عليكم؟! فا�ستكبرتم عن ا�ستماعها والإيمان بها‪،‬‬
‫وكنتم قوم ًا مجرمين بالكفر وارتكاب ا آلثام‪ ،‬وعد ِم‬

‫الت�صديق بمعا ٍد‪ ،‬ولا بثوا ٍب‪ ،‬ولا بعقا ٍب‪.‬‬

‫‪ ٣٢‬و إ�ذا قيل لكم ‪� -‬أيها الكفار‪� :-‬إ َّن وعد الله بالبعث‬
‫والح�ساب ح ٌّق‪ ،‬وال�ساعة آ�تية لا �ش َّك في قيامها‪ ،‬قلتم‬
‫منكرين‪ :‬ما نعلم ما هي ال�ساعة؟ وما نظ ُّن وقوعها إ� ّل‬
‫تو ّهم ًا وظن ًا �ضعيف ًا‪ ،‬وما نحن بمتحققين أ�نها كائنة و آ�تية‪.‬‬

‫‪501‬‬

‫القيامة‪ ،‬والذين جحدوا وحدانية الله ُم ْع ِر�ضون عن‬ ‫‪ ٣٣‬و َظ َهر في ا آلخرة له ؤ�لاء الذين كانوا يك ِّذبون‬
‫�إنذار الله لهم‪ ،‬لا يتعظون به ولا يتف ّكرون فيعتبرون‪.‬‬ ‫ب آ�يات الله �سيئا ُت �أعمالهم في الدنيا‪ ،‬لـ ّما قر�ؤوا ُك َت َب‬
‫�أعمالهم‪ ،‬التي كتبتها عليهم الح َف َظة‪ ،‬ونز َل و�أحا َط بهم‬
‫‪ ٤‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬له ؤ�لاء الم�شركين‪ :‬أ�خ ِبوني‬
‫عن ا آللهة وا ألوثان التي تعبدونها ِمن دون الله؛ أ�روني‬ ‫ِم ْن عذاب الله ما كانوا به ي�ستهزئون‪.‬‬
‫أ� َّي �شيء خلقوا من أ�جزاء الأر�ض وما يوجد فيها‪ ،‬لتكون‬
‫�آلهة؟! َأ� ْم آللهتكم م�شارك ٌة مع الله في خلق ال�سماوات؟‬ ‫‪ ٣٤‬وقيل له ؤ�لاء الكفرة‪ :‬اليوم نترككم َت َتقلبون في‬
‫ائتوني ‪ -‬أ�يها القوم‪ -‬بكتا ٍب جاء من عند الله ِمن قبل‬ ‫عذاب جهنم‪ ،‬كما تركتم الإيما َن بربكم والعم َل للقاء‬
‫هذا القر آ�ن‪ ،‬يخبر ب�صحة ما ت َّدعون آللهتكم‪� ،‬أو ائتوني‬ ‫يومكم هذا‪ ،‬ومنز ُلكم الذي ت�ستق ّرون فيه جه ّن ُم‪ ،‬وما‬
‫ببقي ٍة ِم ْن عل ٍم يو َ�ص ُل بها إ�لى �صحة ما تقولون‪� ،‬إن كنتم‬
‫لكم ِم ْن ُم�ستن ِق ٍذ ينقذكم اليوم من عذاب الله‪.‬‬
‫�صادقين في أ� ّن لله �شريك ًا‪.‬‬ ‫‪ ٣٥‬و ُيقال لهم‪ :‬هذا الذي حا َق بكم ِمن العذاب؛‬
‫ب�سبب أ�نكم في الدنيا ا َّتخذتم �آيات الله �ُسخري ًة‪،‬‬
‫‪ ٥‬لا �أح َد أ��ض ُّل مـ ّمن َع َب َد حجراً أ�و خ�شب ًا وجعلها‬ ‫وخد َعتكم زين ُة الحياة الدنيا؛ ف�آثرتموها على ا آلخرة‪،‬‬
‫�آلهة‪ ،‬وهي لا ُتيب دعاءه �أبداً إ�لى يوم القيامة؛ لأنها‬
‫فاليو َم لا ُيخرجون من النار‪ ،‬ولا ُيق َبل منهم عذر‪.‬‬
‫جمادات لا ت�سمع‪ ،‬ولا تنطق‪ ،‬ولا تعقل‪.‬‬ ‫‪ ٣٧ ٣٦‬فل َّله الحمد ك ُّله على نعمه التي لا ُت�صى‬
‫على َخ ْلقه‪ ،‬خال ِق ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬ومال ِك جميع‬
‫‪502‬‬ ‫ما فيه ّن من �أ�صناف الخلق‪ ،‬وله وحده �سبحانه العظم ُة‬
‫وال�سلطان في ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬وهو العزيز في‬

‫ِن ْقمته من �أعدائه‪ ،‬الحكي ُم في تدبيره أ�مو َر َخ ْلقه‪.‬‬

‫‪} ١‬ﮑ{‪َ� :‬س َبق الكلا ُم على هذه الحروف‬
‫الـ ُمق َّطعة في �أ ّول �سورة البقرة‪.‬‬

‫‪ ٢‬هذا القر آ�ن من َّز ٌل من عند الله‪ ،‬القو ِّي الغالب‬
‫الذي لا ُيعجزه �شيء‪ ،‬الحكي ِم في قوله وفعله‪ ،‬وتدبير‬

‫أ�مور خلقه‪.‬‬

‫‪ ٣‬ما �أوج ْدنا ال�سماوات والأر�ض وما بينهما من‬
‫المخلوقات‪ ،‬إ�لا إلقامة الح ِّق والعدل في الخلق‪ ،‬وبتقدير‬
‫�أج ٍل معلو ٍم عند الله ينتهي إ�ليه جميع الخلق‪ ،‬هو يوم‬

‫أ� َّول ُر�س ِل الله �إلى خلقه‪ ،‬فقد كان قبلي ُر�سل و�أنبياء‬ ‫‪ 6‬و�إذا ُج ِم َع النا� ُس يوم القيامة لموقف الح�ساب‪،‬‬
‫كثيرون‪ ،‬ولا أ�دري ما ُي�صنع بي وبكم في الدنيا‪ ،‬ما أ� َّتبع‬ ‫كانت هذه ا آللهة التي كانوا ي ْدعونها في الدنيا أ�عدا ًء لمن‬
‫فيما آ�مركم به �إلا وح َي الله الذي يوحيه إ�ليّ‪ ،‬وما أ�نا لكم‬ ‫عبدوها‪ ،‬وتتبر أ� ِمن عبادتهم لها‪ ،‬و ُت ْنك ُر ع ْل َمها بذلك‪.‬‬

‫إ�لا نذير‪� ،‬أُنذركم عقا َب الله على كفركم به‪.‬‬ ‫‪ 7‬و�إذا ُتقر�أ على الم�شركين آ�يا ُت القر آ�ن ب ّينات المعاني‬
‫وا�ضحات الحجج‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا القر�آن ِ�سح ٌر ظاهر‪.‬‬
‫‪ 10‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء الم�شركين‪ :‬أ�خبروني‪،‬‬
‫ماذا تقولون �إ ْن كان هذا القر آ� ُن من عند الله‪ ،‬أ�نزله عل َّي‪،‬‬ ‫‪ 8‬بل يقول ه ؤ�لاء الم�شركون‪ :‬اخ َت َلق محمد هذا‬
‫وك َّذبتم �أنتم به‪ ،‬و�َش ِهد �شاه ٌد من بني إ��سرائيل من الذين‬ ‫القر�آن و َز َعم أ�نه كلام الله‪ ،‬قل لهم ‪� -‬أيها الر�سول‪:-‬‬
‫تثقون ب�شهادتهم‪ ،‬على مثل القر�آن ‪ -‬وهو التوراة‪-‬‬ ‫�إن اخت َل ْق ُته كذب ًا على الله ‪ -‬على �سبيل الافترا�ض‪ -‬فلا‬
‫ب أ�نها ُت�ص ِّدق ما جاء به القر آ�ن‪ ،‬وفيها الب�شارة بي‪ ،‬ف�آمن‬ ‫تر ُّدون ع ّني �إ ْن عاقبني الله على افترائي �شيئ ًا‪ ،‬الله أ�عل ُم‬
‫هذا ال�شاه ُد و�ص َّدق بي‪ ،‬وا�ستكبرتم ‪ -‬أ�يها الم�شركون‪-‬‬ ‫بما تقولونه بينكم وما تن ُ�سبون إ�لى هذا القر�آن من الطعن‬
‫عن ذلك؟! إ� َّن الله لا يو ِّفق إ�لى ا إل�سلام و�إ�صاب ِة الح ّق‪،‬‬ ‫والتكذيب‪ ،‬كفى بالله �شاهداً بيني وبينكم‪ ،‬ي�شه ُد لي‬
‫القو َم الكافرين الم�ص ِّرين على الظلم وجحو ِد الح ّق بعد‬ ‫بال�صد ِق والتبلي ِغ‪ ،‬وي�شه ُد عليكم بالجحو ِد والتكذي ِب‪،‬‬

‫ما تب ّي لهم‪.‬‬ ‫وهو الغفو ُر لمن تاب‪ ،‬الرحي ُم بعباده الم ؤ�منين‪.‬‬

‫‪ 11‬وقال الذين كفروا للم ؤ�منين‪ :‬لو كان ما جاء به‬ ‫‪ُ 9‬ق ْل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لم�شركي قومك‪ :‬ما كن ُت‬
‫محمد ِمن القر�آن خيراً‪ ،‬ما �سبقتمونا إ�لى الت�صديق به‪،‬‬
‫و�إ ْذ لم يهتدوا بالقر�آن‪ ،‬ف�سيقولون‪ :‬هذا القر�آن �أكاذي ُب‬ ‫‪503‬‬

‫قديم ٌة من أَ�خبار الأ ّولين!‬

‫‪ 12‬و ِمن َقبل هذا القر آ�ن �أنزلنا على مو�سى كتاب ًا‪،‬‬
‫إ�مام ًا للنا�س يقتدون به‪ ،‬ورحمة من الله لهم ‪ -‬وهو‬
‫التوراة‪ -‬وهذا القر�آن ي�ص ِّدق كتاب مو�سى وغيره من‬
‫الكتب المنزلة‪ ،‬وهو بل�سان عرب ٍّي‪ ،‬ل ُين ِذر به الذين ظلموا‬
‫�أنف�سهم بكفرهم بالله‪ ،‬وهو ب�شرى للم�ؤمنين المح�سنين‬

‫بالجنة‪.‬‬

‫‪ 14 13‬إ� ّن الذين قالوا ب�صد ٍق‪ :‬ر ُّبنا الله وحده‪ ،‬ثم‬
‫ا�ستقاموا على الإيمان به فلا خوف عليهم من فز ِع يوم‬
‫القيامة و�أهواله؛ ألن لهم الأمن بعد موتهم‪ ،‬ولا هم‬
‫يحزنون على ما خ َّلفوا وراءهم بعد َماتهم من متا ِع‬
‫الدنيا الفانية ولا أ� ِّي �شيء فاتهم فيها‪ ،‬أ�ولئك هم أ�هل‬
‫الجنة‪ ،‬يقيمون فيها أ�بداً برحمة من الله تعالى ثواب ًا على‬

‫أ�عمالهم ال�صالحة التي كانوا يعملونها في الدنيا‪.‬‬

‫كانوا خا�سرين أ�كبر خ�سارة؛ ببيعهم الهدى بال�ضلال‪،‬‬ ‫‪ 15‬وو َّ�صينا ا إلن�سان بوالديه‪� ،‬أن ُيح�سن �صحبتهما‪،‬‬
‫والنعيم بالعذاب‪.‬‬ ‫و أ�ن يب َّر بهما في حياتهما‪ ،‬وبعد َماتهما‪ ،‬ح َم َلته �أ ُّمه‬
‫م َّد َة حملها في بطنها بم�شقة‪ ،‬وو�ضعته بم�شقة‪ ،‬وم َّد ُة‬
‫‪ 19‬ولك ِّل فريق من هذين الفريقين ‪ -‬فريق ا إليمان‬ ‫ح ْمله وفطامه ثلاثون �شهراً‪ ،‬حتى �إذا بلغ هذا الإن�سان‬
‫وفريق الكفر‪ -‬مناز ُل ومرات ُب عند الله يوم القيامة‪،‬‬ ‫‪ -‬الذي هداه الله‪ -‬كما َل قوته الج�سدية‪ ،‬وبلغ تمام‬
‫بح�سب أ�عمالهم التي عملوها في الدنيا‪ ،‬وليوفيهم‬ ‫�أربعين �سنة ‪ -‬وهي ِ�س ُّن اكتمال العقل والر�شد‪ -‬دعا ربه‬
‫جميع ًا �أجو َر أ�عمالهم التي عملوها‪ ،‬ولا ُيظلمون �شيئ ًا‪،‬‬ ‫قائل ًا‪ :‬ر ِّب أ� ْل ِهمني أ� ْن �أ�شكر نعمتك التي �أنعمت عل َّي‬
‫ب أ�ن ُينق�ص ِمن ح�سنات الأ ّولين‪ ،‬أ�و ُيزاد في �سيئات‬ ‫وعلى والد َّي‪ ،‬وو ِّفقني أ�ن �أعمل �صالح ًا تتقبله‪ ،‬واجع ِل‬
‫ال�صلا َح �ساري ًا في ذريتي‪� ،‬إ ّن تب ُت �إليك من ذنوبي‪،‬‬
‫الآخرين‪.‬‬
‫و إ� ّن من الخا�ضعين المنقادين ألمرك ونهيك‪.‬‬
‫‪ 20‬ويو َم ُيعر�ض الذين كفروا بالله على نار جهنم‪،‬‬
‫يقال لهم توبيخ ًا‪ :‬لقد ا�ستو َفيتم ط ِّيباتكم في حياتكم‪،‬‬ ‫‪ 16‬ه�ؤلاء الم�ؤمنون الم�ستقيمون‪ ،‬ال َ َبر ُة الـ ُمنيبون‬
‫وا�ستمتعتم بها‪ ،‬ولم َي ْب َق لكم �شيء في ا آلخرة‪ ،‬فاليوم‬ ‫�إلى الله‪ ،‬هم الذين يتق ّبل الله منهم أ�ح�سن ما عملوا في‬
‫‪� -‬أيها الكافرون‪ْ ُ -‬تزون عذاب الخزي وال َهوان؛ بما‬ ‫الدنيا ِم ْن �صالحات ا ألعمال‪ ،‬فيجازيهم به‪ ،‬وي�صفح‬
‫كنتم تتكبرون على ا ّتباع الح ّق‪ ،‬وبما كنتم تع�صون أ�مر‬ ‫عن �سيئاتهم فلا يعاقبهم عليها‪ ،‬وهم في ِعداد �أ�صحاب‬

‫الله وتخالفون طاعته‪.‬‬ ‫الجنة‪ .‬هذا الوع ُد الذي وعدهم الله �إياه؛ هو َو ْع ُد‬
‫ال�صد ِق الذي لا �ش َّك في ح�صوله‪.‬‬
‫‪504‬‬
‫‪ 17‬و أ� ّما ذلك الكافر العا ُّق لوالديه‪ ،‬الذي قال لهما‬
‫‪ -‬وهما مجتهدان في ن�صيحته‪ُ :-‬قبح ًا لكما‪�َ ،‬أ َت ِعدانني‬
‫أ�ن أ�ُ ْب َع َث ِمن قبري ح ّي ًا من بعد َفنائي‪ ،‬كيف وقد‬
‫م�ضت الأمم ِمن قبلي فهلكوا‪ ،‬ولم َن َر أ�حداً ُبعث منهم‬
‫بعد موته؟! ووالداه يدعوان الله أ� ْن يو ِّفق ول َدهما �إلى‬
‫الإيمان‪ ،‬وي ُح ّ�ضانه على الإيمان قائ َلين له‪ :‬ويل َك �ص ِّد ْق‬
‫بوعد الله‪ ،‬و َأ�ق َّر ب�أنك مبعوث من بعد وفاتك‪ ،‬ف�إ ّن َو ْع َد‬
‫الله ليوم الح�ساب لا �ش َّك فيه‪ ،‬فيقول لهما‪ :‬ما هذا‬
‫الذي ت ْدعوانني �إليه إ�لا ما �س ّطره ا أل ّولون في ُك ُتبهم من‬

‫ا ألباطيل والخرافات‪.‬‬

‫‪ 18‬ه ؤ�لاء العا ُّقون المك ِّذبون بالبعث والجزاء هم‬
‫الذين َو َج َب عليهم عذاب الله‪ ،‬وح َّل بهم �َس َخ ُطه‪،‬‬
‫وهم في ِعداد أ�م ٍم من الهالكين‪ ،‬قد م�ضوا قبلهم ِمن الج ِّن‬
‫والإن�س‪ ،‬ك ّذبوا ُر�س َل الله‪ ،‬و َع َتوا عن �أمر ربهم‪� ،‬إنهم‬

‫و إ�نما ع ْلمه عند الله‪ ،‬و�أنا ر�سول �إليكم ِمن الله‪ ،‬مب ِّل ٌغ ما‬ ‫‪ 21‬وا ْذ ُكر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لقومك الذين ك َّذبوك‪:‬‬
‫�أر�سلني به‪ ،‬ولك ِّني �أراكم قوم ًا تجهلون ب إ�نكاركم الح َّق‬ ‫أ�خا عاد في الن�سب لا في الدين‪ ،‬وهو هود عليه ال�سلام‪،‬‬
‫حين خ َّوف قو َمه �َأ ْن تح َّل بهم ِنقمة الله على كفرهم‪،‬‬
‫الوا�ض َح‪ ،‬وطلبكم م ِّني ما لا أ�ملكه‪.‬‬ ‫وكانت منازلهم با ألحقاف ‪ -‬وهي مرتفعات رملية‬
‫معوجة كهيئة الجبال جنوب �شبه الجزيرة العربية‪ -‬وقد‬
‫‪ 24‬فل ّما جاءهم عذا ُب الله الذي ا�ستعجلوه‪ ،‬فر َأ�وه‬ ‫َم َ�ضت الر�س ُل ب إ�نذار ُأ�ممها‪ِ ،‬م ْن قبل هود و ِم ْن بعده‪،‬‬
‫�سحاب ًا عار�ض ًا في ال�سماء‪ ،‬م َّتجه ًا نحو �أوديتهم‪ ،‬قالوا‬ ‫أ�نذ َر ُهم قائل ًا لهم‪ :‬إ�ني أ�ُح ِّذركم ِم ْن عبادة �أحد �سوى‬
‫م�ستب�شرين‪ :‬هذا ال�سحاب �س ُي ْمطرنا‪ ،‬قال لهم هود‬ ‫الله‪ ،‬إ�ني أ�خاف عليكم عذاب الله‪ ،‬في يو ٍم َي ْع ُظم هو ُله‪،‬‬
‫عليه ال�سلام‪ :‬لي�س ا ألم ُر كذلك؛ بل هو العذاب الذي‬
‫ا�ستعجلتم به‪ ،‬هو ري ٌح فيها عذا ٌب مو ِج ٌع �شدي ُد الإيلام‪.‬‬ ‫وهو يوم القيامة‪.‬‬

‫‪ 25‬تد ِّمر وتهلك هذه الريح ك َّل �شيء ُ�أر�سلت بهلاكه‪،‬‬ ‫‪ 22‬قال قوم هود‪� :‬أجئتنا يا هود؛ ِل َت�صر َفنا عن عبادة‬
‫ب أ�مر ر ِّبها و إ�رادته‪ ،‬ف أ��صبح قوم هود وقد هلكوا‪ ،‬فلا‬ ‫آ�لهتنا التي �َأ ِل ْفنا عبادتها‪ ،‬إ�لى عبادة ما تدعونا �إليه؟! ف ْأ�تنا‬
‫ُيرى �إ ّل �أ َث ُر م�ساكنهم‪ ،‬و ِم ْث ُل هذا الجزاء نجزي القوم‬ ‫بهذا العذاب الذي تعدنا به‪� ،‬إ ْن كن َت من ال�صادقين فيما‬

‫المجرمين الكافرين؛ ب�سبب كفرهم وطغيانهم‪.‬‬ ‫تنذرنا به‪.‬‬

‫‪ 26‬ولقد م َّكنا قو َم هود فيما لم نمكنكم فيه يا أ�هل‬ ‫‪ 23‬قال هود لقومه‪ :‬لا يعلم �أح ٌد متى ي أ�تيكم العذاب‪،‬‬
‫مكة‪ ،‬ب أ� ْن أ�مددناهم بالمال الكثير وقو ِة الأبدان وطول‬
‫العمر‪ ،‬وجعلنا لهم �سمع ًا ي�سمعون به‪ ،‬و أ�ب�صاراً يب�صرون‬ ‫‪505‬‬
‫بها‪ ،‬و�أفئد ًة يعقلون بها‪ ،‬فلم ي�ستعملوها فيما ينفعهم‬
‫وينجيهم ِمن عقاب الله‪ ،‬وذلك حين كانوا يك ِّذبون‬
‫ب آ�يات الله الداعي ِة �إلى توحيده وت�صدي ِق ر�سوله‪ ،‬ونزل‬
‫و أ�حا َط بهم العذا ُب الذي كانوا ي�ستهز ؤ�ون با�ستعجاله‪.‬‬
‫وهذا وعي ٌد ِمن الله تعالى‪ ،‬وتحذي ٌر لمن كان على �شاكلتهم‬

‫من الكافرين‪.‬‬

‫‪ 28 27‬ولقد أ�هلكنا ‪ -‬يا أ�هل مكة‪ -‬ما حول‬
‫قريتكم ِمن القرى الظالمة‪ ،‬كعاد وثمود وقوم لوط‪،‬‬
‫ون َّوعنا لهم البراهين والأدل َة ب أ��ساليب مختلفة؛ لعلهم‬
‫يرجعون ع ّما كانوا مقيمين عليه من الكفر بالله و آ�ياته‪،‬‬
‫ف�أ َبوا إ� ّل الا�ستمرا َر على كفرهم‪ ،‬فه ّل َن َ� َصتهم أ�وثا ُنهم‬
‫و آ�له ُتهم التي عبدوها تق ُّرب ًا �إلى الله بزعمهم‪ ،‬وذلك حين‬
‫جاءهم ب أْ��ُسنا؟ ك ّل‪ ،‬بل ت َر َكتهم آ�له ُتهم التي زعموا‪ ،‬فلم‬
‫ُت ْبهم‪ ،‬ولم ُتغ ْثهم‪ ،‬وتلك عاقبة َك ِذبهم؛ حيث كانوا‬

‫يقولون‪ :‬ه ؤ�لاء �آلهتنا‪ ،‬وهم �شفعا ؤ�نا عند الله‪.‬‬

‫فيجيب ه ؤ�لاء الكفرة‪ :‬بلى هو ح ٌّق والل ِه‪ ،‬فيقال لهم‬ ‫‪ 29‬وا ْذ ُكر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لم�شركي مكة توبيخ ًا‬
‫‪ -‬في هذا الوقت الذي لا ينفعهم فيه اعترا ُفهم‪ :-‬ذوقوا‬ ‫لهم حين بعثنا �إليك طائفة ِمن الج ِّن ي�ستمعون تلاوتك‬
‫للقر�آن‪ ،‬فل ّما ح�ضروا‪ ،‬والر�سول ‪ - -‬يقر�أ‪ ،‬قال‬
‫عذاب ال ّنار ب�سبب كفركم وجحودكم به في الدنيا‪.‬‬ ‫بع�ضهم لبع�ٍض‪ :‬ا�سكتوا لن�ستمع �إلى قراءته‪ ،‬ف�آ َمنوا به‪،‬‬
‫فل ّما َف َرغ الر�سول ‪ِ - -‬من تلاوته‪ ،‬ان�صرفوا إ�لى‬
‫‪ 35‬فا ْ�ص ِب ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬على أ�ذى قو ِمك‬ ‫قومهم نا�صحين لهم ينذرونهم عذا َب الله إ� ْن لم ي ؤ�منوا‪.‬‬
‫المك ِّذبين لك‪ ،‬كما �صبر أ�ُولو العزم ِمن الر�سل قبلك‬
‫‪ 30‬قال الج ُّن لقومهم‪ :‬يا قومنا �إ ّنا �سمعنا كتاب ًا عظيم ًا‬
‫على ال�شدائد والأذى‪ :‬نوح‪ ،‬و�إبراهيم‪ ،‬ومو�سى‪،‬‬ ‫من َّزل ًا على ر�سو ٍل ِم ْن بعد مو�سى‪ ،‬ي�ص ِّدق ما قبله من‬
‫وعي�سى ‪ -‬عليهم ال�صلاة وال�سلام‪ -‬ولا ت�ستعج ْل على‬ ‫كتب الله التي أ�نزلها على ر�سله‪ ،‬يهدي �إلى الح ّق‪ ،‬و�إلى‬
‫الم�شركين بالعذاب‪ ،‬ف�إنه ناز ٌل بهم لا َمحال َة‪ ،‬ك أ�نهم يوم‬
‫يرون ما يوعدون من العذاب في الآخرة‪ ،‬لم يمكثوا في‬ ‫طري ٍق م�ستقي ٍم وا�ض ٍح‪ ،‬وهو الإ�سلام‪.‬‬
‫الدنيا ‪ -‬في ظ ِّنهم‪� -‬إ ّل مقدا َر �ساع ٍة ِمن نها ٍر‪ ،‬ل�ش َّدة‬
‫ما يقا�سون من ا ألهوال‪ .‬هذا القر�آن بلا ٌغ ِمن الله لهم‬ ‫‪ 31‬يا قو َمنا �أجيبوا محمداً �إلى ما يدعوكم إ�ليه ِم ْن‬
‫ولغيرهم فيه كفاي ٌة لمن طلب الهدى والر�شاد‪ ،‬ولا ُيه ِلك‬ ‫طاعة الله‪ ،‬و�ص ِّدقوه فيما جاءكم به من عند الله‪ ،‬يغفر الله‬
‫اللهُ بعذابه �إلا القو َم الذين خالفوا أ�مره‪ ،‬وكفروا به‪،‬‬ ‫لكم ِمن ذنوبكم التي ارتكبتموها‪ ،‬وينقذكم ِمن عذا ٍب‬

‫وخرجوا عن طاعته‪.‬‬ ‫مو ِج ٍع م ؤ�لم في جهنم‪.‬‬

‫‪506‬‬ ‫‪ 32‬و َم ْن لا ُي ِج ْب ر�سول الله محمداً إ�لى ما دعاه �إليه‬
‫ِمن الإيمان‪ ،‬فلن َيقدر على الإفلات ِم ْن عقاب الله �إ ْن‬
‫أ�راد الله عقا َبه؛ ألنه في �سلطانه وقب�ضته حيث كان‪،‬‬
‫ولي�س له ِم ْن دون الله ُن َ�صاء ين�صرونه‪ ،‬وه�ؤلاء الذين لم‬
‫يجيبوا داعي الله‪ ،‬في �ضلا ٍل وا�ض ٍح عن الح ّق‪ ،‬ظاه ٍر لمن‬

‫ت�أ ّمله‪.‬‬

‫‪َ� 33‬أ َو َل ينظ ْر ه ؤ�لاء المنكرون للبعث ويتفكروا‪،‬‬
‫فيعلموا أ�ن الله الذي خلق ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬ولم‬

‫ُيعجزه خل ُقه ّن‪ ،‬قادر على �إحياء الموتى و َبعثهم يوم‬
‫القيامة؟! بلى‪ ،‬ذلك �أم ٌر ي�سي ٌر على الله تعالى‪ ،‬الذي لا‬

‫ُيعجزه �شي ٌء �أراده‪.‬‬

‫‪ 34‬ويوم ُي ْع َر�ض المك ِّذبون بالبعث‪ ،‬على نار جهنم‪،‬‬
‫يقال لهم توبيخ ًا‪ :‬أ�لي�س هذا العذاب حقيق ًة واقع ًة؟‬

‫‪ 6 - 4‬ف إ�ذا َل ِقيتم ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬الذين كفروا‬ ‫‪ 1‬الذين جحدوا توحي َد الله‪ ،‬وعبدوا غي َره‪ ،‬و�ص ُّدوا‬
‫في الحرب‪ ،‬فا�ضربوا رقا َبهم؛ حتى �إذا َأ� ْكثرتم فيهم القتل‬ ‫النا� َس عن دينه‪�َ ،‬أ ْبطل الله مكار َم أ�عمالهم ‪ -‬ك ِ ِّب‬
‫وال َج ْر َح و أ��ضعفتموهم‪ ،‬ف َأ�ح ِكموا قي َد ا َأل�سرى منهم‬ ‫الوالدين‪ ،‬ورعاية ح ِّق الجار‪ ،‬وال ِّ�صدق في المعاملات‪-‬‬
‫لئلا يهربوا‪ ،‬و أ�نتم بعد انتهاء الحرب بين أ�مرين‪� :‬إ ّما أ� ْن‬
‫َتـ ُم ُّنوا عليهم ب إ�طلاقهم من الأ�سر بغير ِعو�ٍض‪ ،‬و إ� ّما �أ ْن‬ ‫فلم يقبلها‪ ،‬فلا ثوا َب لهم عليها في ا آلخرة‪.‬‬
‫ُيفادوكم‪ ،‬ب�أ ْن يعطوكم ِعو�ض ًا حتى ُتطلقوهم‪ ،‬وافعلوا‬
‫ذلك مع �أعدائكم إ�لى �أن ُي�ْس ِلموا �أو ُي�سالموا‪ ،‬ولو أ�راد‬ ‫‪ 2‬والذين آ�منوا بالله‪ ،‬وا َّتبعوا �شرعه‪ ،‬و�ص ّدقوا‬
‫الله لانت�ص َر من ه ؤ�لاء الم�شركين بغير قتال‪ ،‬وكفاكم‬ ‫بالقر�آن الذي أ�نزله الله على ر�سوله محمد ‪ - -‬وهو‬
‫ذلك ك َّله‪ ،‬ولك َّن الله أ�مركم بالقتال ليختبركم بهم‪.‬‬ ‫الح ُّق من عند ربهم‪ ،‬محا الله عنهم �س ِّي َئ ما عملوا من‬
‫و أ� ّما ال�شهداء الذين ُقتلوا في �سبيل الله‪ ،‬فلن ُي�ضيع الله‬ ‫الأعمال‪ ،‬و�أ�صل َح حالهم وقلوبهم في الدنيا والآخرة‪.‬‬
‫�أجر أ�عما ِلهم‪� ،‬سيو�صلهم �إلى طريق ال�سعادة والفلاح‪،‬‬
‫وي�صل ُح حالهم‪ ،‬ويدخلهم الجنة‪ ،‬وقد ع َّرفهم منازلهم‬ ‫‪ 3‬وقد أ�َ ْبطلنا �أعما َل الكافرين‪ ،‬فلم ُن ِث ْبهم عليها؛‬
‫ب�سبب أ�نهم ا َّتبعوا ال�شيطان‪ ،‬وك َّفرنا عن الم ؤ�منين‬
‫فيها وب َّينها لهم فلا يخطئونها‪.‬‬ ‫�سيئاتهم؛ ب�سبب ا ِّتباعهم الر�سول ‪ - -‬وما جاء به‬
‫من الح ِّق والهدى‪ ،‬كذلك يب ِّي الله للم ؤ�منين والكافرين‬
‫‪ 7‬يا �أيها الذين �ص َّدقوا الله ور�سوله‪� ،‬إ ْن تن�صروا‬
‫دين الله باتباع أ�حكامه وجهاد أ�عدائه‪ ،‬ين�ص ْركم على‬ ‫م آ� َل �أعمالهم‪ ،‬وما ي�صيرون إ�ليه في ا آلخرة ليعتبروا‪.‬‬
‫عدوكم‪ ،‬ويث ِّب ْت أ�قدامكم عند قتال ا ألعداء ومجاهدتهم‪.‬‬
‫‪507‬‬
‫‪ 9 8‬والذين جحدوا توحيد الله‪ ،‬فهلاك ًا و�شقا ًء‬
‫وخيب ًة لهم‪ ،‬و أ�َ ْذه َب الله ثوا َب �أعمالهم؛ ذلك ب�سبب‬
‫أ�نهم كرهوا القر�آ َن الذي �أنزله الله على ر�سوله محمد‪،‬‬

‫فك ّذبوا به‪ ،‬ف أ�بطل �أعمالهم‪.‬‬

‫‪ 10‬أ�فلم َي ِ�س الكفا ُر في ا ألر�ض‪ ،‬فيروا ِن ْقم َة الله التي‬
‫�أح َّلها با ألمم المك ّذبة قبلهم؟ �أهلكهم الله هلاك ًا �شديداً‬
‫مع أ�موالهم و أ�هليهم‪ ،‬وللكافرين الم�ص ِّرين على كفرهم‬
‫�أمثا ُل تلك العاقبة التي ح َّلت بتلك ا ألمم‪ .‬وفي هذا إ�نذار‬

‫وتو ُّع ٌد لم�شركي مكة‪.‬‬

‫‪ 11‬ذلك الذي َف َع ْلنا بفريق ا إليمان وفريق الكفر؛‬
‫ب�سبب أ� ّن الله وليُّ الم ؤ�منين ونا�صرهم على أ�عدائهم‪ ،‬و�أ ّن‬

‫الكافرين لا وليَّ لهم ولا نا�صر‪.‬‬

‫‪� 12‬إ َّن الله ُيدخل الذين �آمنوا بالله ور�سوله وعملوا‬
‫ال�صالحا ِت جنا ٍت تجري من تحت �أ�شجارها وق�صورها‬
‫ا ألنهار‪ ،‬والذين كفروا يتم َّتعون في الدنيا وي�أكلون‬
‫فيها مث َل البهائم التي لا ه ّم لها إ�لا َمل ُء بطونها و إ��شبا ُع‬
‫�شهواتها‪ ،‬ولا يلتفتون �إلى الآخرة‪ ،‬ونا ُر جهنم م�صيرهم‬

‫وم أ�وهم بعد َماتهم‪.‬‬

‫‪ 13‬وكم ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬من أ�هل قرى من قبلك هم‬
‫�أ�ش ّد ب�أ�س ًا‪ ،‬و أ�كث ُر جمع ًا من أ�هل مكة الذين �أخرجوك‬
‫منها‪ ،‬أ�هلكناهم بالعذاب لـ ّما ك ّذبوا ر�سلهم‪ ،‬فما كان‬

‫لهم نا�صر ين�صرهم من عذاب الله‪.‬‬

‫‪ 14‬هل ي�ستوي الم�ؤمن ‪ -‬الذي هو على برهان‬
‫وا�ض ٍح من ر ِّبه يتب َّي له به الح ُّق من الباطل‪ ،‬فهو يعبده‬
‫على يقين وب�صيرة منه‪ -‬و َم ْن ح�َّسن لهم ال�شيطان قبي َح‬
‫عملهم ‪ -‬كال�شرك والمعا�صي‪ -‬وا ّتبعوا �أهواءهم‪ ،‬فلي�س‬

‫لهم ُح ّجة ولا برهان؟‬

‫‪�ِ 15‬ص َف ُة الجنة التي أ�ع َّدها الله للمتقين الذين فعلوا‬

‫‪ 17‬و�أ َّما الذين �شرح الله �صدو َرهم للإيمان‪ ،‬ف�إ َّن ما‬ ‫فيها �أنهار‬ ‫معاظ�أيممرةهممناللمها ٍءبهغيورانتمَهتغو ِّايعالّماطعنمهاوهالمرائعنهح‪:‬ة‬
‫تلو َته عليهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬زادهم الله به إ�يمان ًا إ�لى‬ ‫ولا ُم ْنت ٍن‪،‬‬
‫وفيها أ�نهار من لب ٍن لم يتغير َطعمه‪ ،‬وفيها أ�نهار من خمر‬
‫�إيمانهم‪ ،‬و�أعطاهم الله العمل بما َيقيهم النا َر‪.‬‬ ‫ل ّذ ٍة لل�شاربين‪ ،‬و أ�نها ٌر من ع�س ٍل خال�ٍص من ال�شوائب‪،‬‬
‫‪ 18‬فهل ينتظر ه ؤ�لاء المنافقون المك ِّذبون بك‬ ‫وله�ؤلاء المتقين في هذه الجنة ِم ْن مختلف الفواكه‬
‫‪ -‬يا محمد‪ -‬إ� ّل ال�ساع َة‪ ،‬التي ُوعدوا بها �أن تجيئهم‬ ‫وغيرها‪ ،‬ولهم عف ٌو ِمن الله لهم عن ذنوبهم‪ .‬هل َم ْن هو‬
‫فج�أ ًة وهم لا ي�شعرون بمجيئها؟ فقد جاءت علاما ٌت‬ ‫في هذه الجنة خال ٌد فيها‪ ،‬ك َم ْن هو خال ٌد في نار جهنم‪،‬‬
‫ِمن علاماتها فلم يرفعوا لها ر أ��س ًا ولم يعتبروا بها‪ ،‬وماذا‬
‫ُيفيدهم تذ ُّك ُرهم و�إيما ُنهم إ�ذا َد َه َم ْتهم ال�ساع ُة ب�أهوالها‬ ‫و�ُس ُقوا ما ًء حا ّراً �شديد الغليان‪ ،‬فق َّطع أ�معاءهم؟!‬

‫ووقفوا للح�ساب؟‬ ‫‪ 16‬و ِم ْن ه ؤ�لاء الذين يتم َّتعون وي أ�كلون كما ت�أكل‬
‫‪ 19‬فا ْث ُب ْت ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬على ما أ�نت عليه من‬ ‫ا ألنعام جماع ٌة ي�ستمعون �إليك أ�يها الر�سول ‪ -‬وهم‬
‫التوحيد‪ ،‬ف إ�نه لا معبو َد بح ٍّق إ�لا الله‪ ،‬و�س ْل ر َّبك غفران‬ ‫المنافقون‪ -‬فلا يعلمون ما تتلو ولا يفهمونه‪ ،‬تها ُون ًا‬
‫ذنبك ‪ -‬مما يع ُّد ذنب ًا بالن�سبة لمكانتك ومنزلتك‪-‬‬ ‫منهم بكتاب ر ّبك‪ ،‬حتى إ�ذا خرجوا ِم ْن عندك‪،‬‬
‫وذنو َب الم ؤ�منين بك والم�ؤمنات‪ ،‬ف�إ َّن الله يعل ُم ت�ص ُّرفكم‬ ‫قالوا ِلـ َمن ح�ضر مجل َ�سك ِم ْن أ�هل العلم ِمن �أ�صحابك‬
‫في يقظتكم نهاراً‪ ،‬وم�ستق َّركم في نومكم ليل ًا لا يخفى‬ ‫‪ -‬م�ستهزئين‪ :-‬ماذا قال لنا محم ٌد َقبل أ� ْن نفارقه ِم ْن‬
‫مجل�سه؟ ه�ؤلاء الذين َق َف ْل ُت قلو َبهم‪ ،‬فهم لا ينتفعون‬
‫عليه �شي ٌء من أ�حوالكم‪.‬‬ ‫ب ُن�ص ٍح ولا يهتدون للحق‪ ،‬وا َّتبعوا أ�هواءهم ف أ�عمتهم‬

‫‪508‬‬ ‫عن الح ّق‪.‬‬

‫‪ 23‬ه�ؤلاء المنافقون المتخ ِّلفون عن الجهاد‪َ ،‬ل َعنهم‬ ‫‪ 21 20‬ويقول الم ؤ�منون حر�ص ًا منهم على الجهاد‪:‬‬
‫الله و أ�بعدهم ِم ْن رحمته‪ ،‬ف أ��ص َّمهم عن �سماع الح ِّق‪،‬‬
‫و أ�عمى �أب�صارهم عن ر ؤ�ية الهدى‪ ،‬فلم يتب َّينوا ُح َجج‬ ‫ه َّل ُن ِّزلت �سورة من الله‪ ،‬ت�أمرنا بجهاد الكفار؟ ف إ�ذا‬
‫نزل ْت �سورة مح َكمة لا خفاء فيها ولا ا�شتباه‪ ،‬و ُذكر‬
‫الله على كثرتها!‬ ‫فيها الجهاد‪ ،‬ر�أي َت الذين في قلوبهم �ش ٌّك في دين الله‬
‫ونفا ٌق‪ ،‬ينظرون إ�ليك ‪ -‬أ�يها النبي‪ -‬كنظر َم ْن َح َ�ضه‬
‫‪ 24‬أ�فلا يتد َّبر ه ؤ�لاء المنافقون القر�آ َن وما فيه ِمن‬ ‫الموت ف�صار ب�ص ُره �شاخ�ص ًا لا يتحرك من �ش ّدة الخوف‬
‫المواعظ والزواجر حتى لا يقعوا فيما وقعوا فيه ِمن‬ ‫والفزع؛ خ�شي َة َأ� ْن ت�أمرهم بالجهاد‪ ،‬ف أ�َح ُّق به ؤ�لاء‬
‫الموبقات؟ أ�َ ْم على قلوبهم أ�قفال‪ ،‬فلا ينفذ إ�ليها �شيء ِم ْن‬ ‫المنافقين و َ�أ ْولى لهم �أن يطيعوا الله ور�سوله‪ ،‬و أ�ن يقولوا‬
‫قول ًا معروف ًا موافق ًا لل�شرع‪ ،‬ف إ�ذا ج َّد ا ألمر و َل ِزم القتا ُل‪،‬‬
‫معانيه؟! والمعنى‪ :‬بل قلوبهم قا�سية‪.‬‬ ‫فلو �صدقوا الله في �إيمانهم وطاعتهم‪ ،‬لكان خيراً لهم من‬

‫‪ 25‬إ� َّن الذين ارت ُّدوا عن الهدى والإيمان‪ ،‬ورجعوا‬ ‫المع�صية والمخالفة‪.‬‬
‫على �أعقابهم‪ ،‬كفاراً بالله ِم ْن بعد ما عرفوا الح َّق بوا�ض ِح‬
‫الحجج‪ ،‬ال�شيطا ُن ز َّين لهم الارتداد على أ�دبارهم‪،‬‬ ‫‪ 22‬فلعلكم ‪� -‬أيها القوم‪ -‬إ� ْن أ�عر�ضتم عن ا إليمان‪،‬‬
‫وع ّما جاءكم به محمد ‪ - -‬أ� ْن تعودوا �إلى ما كنتم‬
‫و َخ َدعهم وغ َّرهم بالأمل و ُطول الأجل‪.‬‬ ‫عليه في الجاهلية‪ ،‬فتف�سدوا في الأر�ض‪ ،‬وت�سفكوا‬
‫‪�َ 26‬أملى الله له ؤ�لاء المنافقين وت َركهم يتمادون في‬
‫ال�ضلال‪ ،‬ب�سبب �أ ّنهم قالوا لليهود و َم ْن على �شاكلتهم‬ ‫الدماء‪ ،‬و ُت َق ِّطعوا �أرحامكم‪.‬‬
‫الذين كرهوا ما ن َّزل الله‪� :‬سنطي ُعكم في بع�ض ا ألمر الذي‬
‫هو خلا ٌف ألمر الله تعالى و�أمر ر�سوله‪ ،‬واللهُتعالى يعلم‬
‫ما �أ�س ّره بع ُ�ضهم إ�لى بع�ٍض ِم َن القول‪ ،‬و�سيعاقبهم على‬

‫ذلك عقاب ًا �شديداً‪.‬‬

‫‪ 27‬كيف يكون حا ُل ه ؤ�لاء المنافقين المرت ِّدين عن‬
‫الح ِّق إ�ذا جاءتهم الملائكة ِل َق ْب�ض �أرواحهم‪ ،‬وتع َّ�صت‬
‫ا ألروا ُح في أ�ج�سامهم‪ ،‬وا�ستخرجتها الملائك ُة بالعنف‪،‬‬
‫وال َقهر‪ ،‬ي�ضربون وجو َههم وظهو َرهم؟! �إنه �أ�سو ُأ� حا ٍل‬

‫و�أخزاه‪.‬‬

‫‪ 28‬ذلك العذاب للمنافقين؛ ب�سبب أ�نهم ا َّتبعوا ما‬
‫�أغ�ض َب اللهَ عليهم‪ِ ،‬من الكفر والمعا�صي‪ ،‬وكرهوا ما‬
‫ير�ضيه عنهم‪ِ ،‬من الإيمان والطاعة فلم يقب ِل الله �أعمالهم‬

‫و�َأحبطها فلا ثوا َب لهم عليها‪.‬‬

‫‪� 29‬أَ َح ِ�س َب المنافقون أ� ْن ل ْن ُيخرج الله ما في قلوبهم‬
‫ِمن الح�سد وال ُبغ�ض والحقد على النب ِّي ‪- -‬‬

‫والم�ؤمنين‪ ،‬فيظهره لهم؛ حتى يعرفوا نفا َقهم؟!‬

‫‪509‬‬

‫و إ� ْن ت�ؤمنوا بالله‪ ،‬وتتقوه ب أ�داء فرائ�ضه‪ ،‬واجتناب‬ ‫‪ 30‬ولو ن�شاء ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لع َّي ّنا لك ه ؤ�لاء المنافقين‬
‫معا�صيه‪ ،‬ي�ؤتكم ثوا َب �أعمالكم‪ ،‬واللهُ تعالى لا َي�ش ُّق‬ ‫ب أ��شخا�صهم حتى َت ْعرفهم‪ ،‬و َل َتعرف َّنهم بعلاماتهم فيما‬
‫عليكم في�س�ألكم إ�نفا َق جمي ِع �أموالكم‪ ،‬إ�ن ُيك ِّلفكم‬ ‫يبدو ِم ْن كلامهم ال ّدا ِّل على مقا�صدهم‪ ،‬واللهُ يعلم‬
‫ر ُّبكم �إخرا َج جميع �أموالكم في �سبيله؛ فيل َّح عليكم‬
‫بطلبها منكم‪ ،‬تبخلوا بها وتمتنعوا عن أ�دائها‪ ،‬ويظهر ما‬ ‫�أعما َلكم‪ ،‬لا يخفى عليه منها خافية‪.‬‬

‫في نفو�سكم ِمن ال�ُّشح وكراهية ا إلنفاق‪.‬‬ ‫‪ 31‬و َل َنمتحن َّنكم ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬ب أ� ْن ن أ�مركم‬
‫بالقتال‪ ،‬وجهاد �أعداء الله وغيره من التكاليف حتى َي ِبي َن‬
‫‪ 38‬ها أ�نتم ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ُ -‬ت ْدعون لتنفقوا في‬ ‫أ�ه ُل الجهاد منكم وال�صابرون على دينهم ِم ْن غيرهم‪،‬‬
‫�سبيل الله‪ ،‬و ُن�صرة دينه‪ ،‬فمنكم َم ْن يبخل بالنفقة‪ ،‬و َم ْن‬
‫يبخ ْل بالنفقة في �سبيل الله‪ ،‬ف�إ ّنا يعود �ضر ُر بخله على‬ ‫ونختبر أ�عما َلكم؛ ليتب ّي ال�صاد ُق منكم ِمن الكاذب‪.‬‬
‫نف�سه؛ لأنه يمنعها الأج َر والثوا َب‪ ،‬واللهُ تعالى هو الغن ُّي‬
‫عنكم و�أنتم الفقراء إ�ليه‪ ،‬و�إ ْن تتولوا ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪-‬‬ ‫‪ 32‬إ� ّن الذين جحدوا توحي َد الله‪ ،‬و�ص ُّدوا النا�س‬
‫عن طاعة الله وامتثال �أمره‪َ ،‬ي ْذ َه ْب بكم‪ ،‬ثم ي أ� ِت بقوم‬ ‫عن دينه‪ ،‬وخالفوا ر�سوله محمداً ‪ - -‬فحاربوه‬
‫�آخرين بدل ًا منكم‪ ،‬ولا يكونوا مث َلكم‪ ،‬بل أ�َ ْف�ض َل منكم‪،‬‬ ‫و آ�ذوه‪ِ ،‬م ْن بعد ما علموا �أنه ر�سول ِمن الله‪ ،‬وعرفوا‬
‫الطريق الوا�ضح‪ ،‬لن ي�ض ُّروا الله �شيئ ًا بكفرهم‪ ،‬و�س ُيبطل‬
‫يعملون ب�شرائعه‪ ،‬فلا ي�ض ِّيعون �شيئ ًا ِم ْن حدود دينهم‪.‬‬ ‫الله أ�عما َلهم التي يكيدون بها ِل ُن�صرة باطلهم‪ ،‬ومحاربة‬
‫الح ِّق‪ ،‬فلا يجدون منها إ� ّل الخيب َة والخ�سران‪ ،‬و ُيبطل‬
‫‪510‬‬ ‫�أعما َلهم الح�سن َة التي ظ ُّنوها نافع ًة لهم؛ فلا يرون لها‬

‫ثواب ًا في ا آلخرة‪ِ ،‬ل َفقدها �شرط ا إليمان‪.‬‬

‫‪ 33‬يا أ�يها الذين �آ َمنوا بالله ور�سوله‪ ،‬أ�طيعوا الله‬
‫و أ�طيعوا الر�سول‪ ،‬ولا ُتبطلوا ثوا َب أ�عمالكم بالكفر‬

‫والمعا�صي‪.‬‬

‫‪� 34‬إن الذين كفروا بالله وملائكته و ُكتبه ور�سله‬
‫واليوم الآخر‪ ،‬ومنعوا النا� َس عن الدخول في الإ�سلام‪،‬‬
‫ثم ماتوا وهم على كفرهم؛ فلن يغفر الله لهم ما �صنعوا؛‬

‫بل يعاقبهم بالخلود في النار‪.‬‬

‫‪ 35‬فلا َت ْ�ض ُعفوا ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬عن جهاد‬
‫الم�شركين‪ ،‬و َت ُبنوا عن قتالهم‪ ،‬وت ْدعوهم �إلى ال�صلح‬
‫والـ ُم�سالمة‪ ،‬و�أنتم قد تو َّفر ْت لكم �أ�سبا ُب القوة وال َّن�صر‪،‬‬
‫واللهُ تعالى معكم بن�صره وت�أييده‪ ،‬ولن ينق�صكم ثواب‬

‫�أعمالكم‪.‬‬

‫‪ 37 36‬ما �ش�أ ُن الحيا ِة الدنيا إ�لا لع ٌب وله ٌو وغرو ٌر‪.‬‬

‫اعوجاج فيه‪ ،‬وين�صرك الله ن�صراً قوي ًا َمنيع ًا لا ُيغالبه‬ ‫‪� 1‬إ ّنا َح َكمنا لك ‪ -‬يا محمد‪ -‬وق�ضينا لك بال ّن�ص ِر‬
‫غا ِل ٌب‪ ،‬ولا يدفعه داف ٌع‪.‬‬ ‫وال َظ َف ِر الظاه ِر الب ِّ ِي على كفار قومك‪ .‬والمراد بالفتح‬
‫هنا ُ�صلح الـ ُحديبية‪ِ ،‬لـما تر ّتب عليه من ا آلثار العظيمة‪،‬‬
‫‪ 4‬هو تعالى الذي أ�نزل الثبا َت والطم�أنين َة في قلوب‬ ‫والتي منها انطلا ُق الم�سلمين ِل َن�شر الإ�سلام في أ�مان‪،‬‬
‫الم ؤ�منين‪ ،‬فان�شرح ْت �صدورهم لهذا ال�صلح بعد أ� ْن‬
‫�ضاق ْت نفو�س بع�ضهم �أ َّول الأمر؛ ليزدادوا بت�صديقهم‬ ‫ودخو ُل كثي ٍر من النا�س فيه‪.‬‬
‫وطاعتهم لك إ�يمان ًا مع �إيمانهم‪ .‬ولله وحده جنو ُد‬
‫ال�سماوات وا ألر�ض ِم ْن ملائك ٍة وج ٍّن و�إن�س وغيرهم‪،‬‬ ‫‪ 3 2‬ف َتحنا لك ‪ -‬أ�يها النب ُّي‪ -‬ذلك الفتح؛ ل ُت�س ِّبح‬
‫ين�صر بهم عبا َده الم�ؤمنين‪ ،‬وكان الله ومايزال عليم ًا‬ ‫ر َّبك وت�ستغفره وت�شكره‪ ،‬فيغفر لك ما َت َق َّدم ِم ْن ذنبك‬
‫وما ت�أ ّخر مما لم تعلمه ‪ -‬ولعل المراد بالذنب هنا‪ِ :‬ف ْع ُل‬
‫بم�صالح خلقه‪ ،‬حكيم ًا في تدبيره و�صنعه‪.‬‬ ‫ما هو خلا ُف ا َأل ْولى وا ألف�ضل بالن�سبة لمقام ا ألنبياء‪،‬‬
‫فهو ِم ْن باب ح�سنات ا ألبرار �سيئات المقربين‪ -‬ول ُيت ّم‬
‫‪ 6 5‬وف َتحنا لك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬هذا الفت َح؛‬ ‫الله عليك نعمته ب إ�ظهار دينك‪ ،‬ون�صرك على عد ّوك‪،‬‬
‫لي�شكر الم�ؤمنون ر ّبهم على �إنعامه عليهم‪ ،‬فيدخلهم‬ ‫وير�ش َدك بما ي�شرعه لك طريق ًا م�ستقيم ًا ِمن الدين لا‬
‫بذلك جنا ٍت تجري ِم ْن تحتها ا ألنهار‪ ،‬ماكثين فيها‬
‫�إلى غير نهاية‪ ،‬ويمحو عنهم �س ِّي َئ أ�عمالهم‪ ،‬وكان هذا‬ ‫‪511‬‬
‫الجزاء فوزاً عظيم ًا‪ ،‬حيث َظفروا بما كانوا ي أ�ملون ونجوا‬
‫مما كانوا يحذرون‪ .‬وليع ِّذب الله المنافقين والمنافقات‪،‬‬
‫والم�شركين والم�شركات‪ ،‬ال ّظانين بالله ال ّظ َّن ال�س ِّي َئ ب�أ ّن‬
‫الله لن ين�صر ر�سو َله والم�ؤمنين معه على أ�عدائهم‪ .‬عليهم‬
‫تدو ُر دائرة العذاب‪ ،‬ونالهم الله بغ�ضبه‪ ،‬وطردهم ِم ْن‬

‫رحمته‪ ،‬و�أع ّد لهم جهنم منزل ًا‪ ،‬ي�صيرون �إليه‪.‬‬

‫‪ 7‬ولله وح َده جنود ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬ي ؤ�يِّد بهم‬
‫عباده الم�ؤمنين‪ ،‬وكان الله غالب ًا على �أمره‪ ،‬حكيم ًا في‬

‫تدبيره‪.‬‬

‫‪� 9 8‬إ ّنا أ�ر�سلناك ‪ -‬يا محمد‪� -‬شاهداً على الخلق‬
‫يوم القيامة‪ ،‬ت�شهد أ�نك قد ب َّلغت أ�متك جميع ما أُ�مرت‬
‫به‪ ،‬و أ�ن ا ألنبياء ب َّلغوا أ�ممهم كذلك‪ ،‬ومب�ِّشاً للم ؤ�منين‬
‫بالجنة‪ ،‬ومنذراً للكافرين من عذاب النار؛ لكي ُت�ص ّدقوا‬
‫‪� -‬أيها النا�س‪ -‬بالله ور�سوله‪ ،‬و ُتع ِّظموا ر�سولكم‪،‬‬

‫وتج ُّلوه‪ ،‬وت�س ِّبحوا ر َّبكم �أ َّول النهار و آ�خره‪.‬‬

‫‪� 10‬إ َّن الذين يبايعونك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬بالـ ُحديبية‬
‫ِم ْن �أ�صحابك على �أن لا يف ّروا عند لقاء العدو‪ ،‬إ�نما‬
‫يبايعون في الحقيقة اللهَ‪ ،‬أل َّن َم ْن باي َع الر�سو َل فقد بايع‬
‫الله‪ ،‬واللهُ تعالى معهم يراهم و َي�سمعهم و ُمازيهم على‬
‫بيعتهم‪َ ،‬ف َمن نق�ض العهد ولم َي ِف بالبيعة‪ ،‬فلا يعود �ضر ُر‬
‫ُن ْكثه �إلا عليه‪ ،‬و َم ْن و َّفى ف�سوف ي�ؤتيه الله �أجراً عظيم ًا‪،‬‬

‫وهو الجنة‪.‬‬

‫فيغفر لمن ي�شاء‪ ،‬ويعذب َم ْن ي�شاء‪ ،‬واللهُ وا�سع المغفرة‬ ‫‪� 11‬سيقول لك ا ألعرا ُب الذين قعدوا عن الخروج‬
‫والرحمة‪.‬‬ ‫�إلى العمرة معك �إذا رجع َت من الـ ُحديبية �إلى المدينة‪،‬‬
‫معتذرين‪َ :‬من َعنا من الخروج معك ا�شتغا ُلنا ب�أموالنا‬
‫‪� 15‬سيقول المخ َّلفون ِمن الأعراب الذين قعدوا‬ ‫وبن�سائنا وذرارينا‪� ،‬إذ لي�س لنا َم ْن يقوم على �ش�ؤونهم‪،‬‬
‫فا�ستغ ِف ْر لنا اللهَ‪ .‬وهم لي�سوا �صادقين في الاعتذار ولا‬
‫عن الخروج �إلى ُع ْمرة الـ ُحديبية‪ ،‬إ�ذا انطلقتم ‪� -‬أيها‬ ‫طل ِب الا�ستغفار‪ ،‬فقل لهم ‪� -‬أيها الر�سول‪ :-‬ف َم ْن‬
‫الم�سلمون‪� -‬إلى مغانم وع َدكم الله �أ ْن َت�صلوا عليها‪،‬‬ ‫يمنعكم ِمن الله إ� ْن أ�راد بكم ما ي�ض ُّركم ِمن هلا ِك ا أله ِل‬
‫وهي غنائم خيبر‪ :‬اتركونا ن َّتبعكم ونقات ْل معكم‪.‬‬ ‫والما ِل و�ضيا ِعهما‪� ،‬أو �أراد بكم ما ينفعكم ِمن حف ِظ‬
‫يريدون بذلك أ�ن يغ ِّيوا َو ْعد الله أ� َّن هذه الغنائم لا‬ ‫�أموا ِلكم و أ�هليكم‪ ،‬فتخ ُّل ُفكم لي�س يدفع عنكم �ض ّراً‪،‬‬
‫تكون إ� ّل لمن �َش ِهد الحديبية‪ .‬قل لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪:-‬‬ ‫ولا يجلب لكم نفع ًا‪ ،‬والله عالم بجميع �أعمالكم‪ ،‬و ِم ْن‬
‫لن تتبعونا‪ ،‬وبذلك َح َكم الله ِم ْن قبل رجوعنا ِم َن‬
‫الـ ُحديبية‪ ،‬ف�سيقول المخ َّلفون عند �سماع ذلك ‪ -‬اجترا ًء‬ ‫جملتها عل ُمه بتخ ُّل ِفكم وق�ص ِدكم فيه‪.‬‬
‫و�صفاق ًة‪ :-‬ما يمنعكم أ�ن ت�سمحوا لنا �إ ّل الح�س ُد؛ لئلا‬
‫ن�شارككم في الغنيمة‪ ،‬ولم ي�أم ْركم الله بذلك‪ .‬ولي�س‬ ‫‪ 12‬ول�ستم ‪� -‬أيها ا ألعراب المعتذرون‪� -‬صادقين فيما‬
‫الأمر كما زعم ه�ؤلاء المخ َّلفون‪ ،‬ولك ّنهم قوم لا‬ ‫تقولون‪ ،‬ولكنكم ظننتم أ�ن لن يرج َع الر�سو ُل و َم ْن معه‬
‫يفقهون ِم ْن �أمور الدين �إلا فقه ًا قليل ًا لا َي ْن ُف ُذ إ�لى دقائق‬ ‫إ�لى ديارهم أ�بداً لظ ِّنكم أ� ّن الم�شركين �س َي�ست�أ�صلونهم‬
‫بالقتل‪ ،‬وز َّي َن ال�شيطا ُن ذلك في قلوبكم وقبلتموه‪،‬‬
‫المعاني والغايات‪.‬‬ ‫وظننتم ظ َّن ال�َّسوء بعدم ُن�صرة الله تعالى لر�سوله‪ ،‬وكنتم‬
‫قوم ًا فا�سدين في أ�نف�سكم وقلوبكم ون ّياتكم‪ ،‬لا خير‬

‫فيكم‪.‬‬

‫‪ 13‬و َم ْن لم ي�ؤمن بالله إ�يمان ًا ح ّق ًا‪ ،‬وي�ؤم ْن بر�سوله فيق ّر‬
‫�أ َّن ما جاء به هو الح ُّق فهو كافر‪ ،‬و�إ ّنا �أعددنا للكافرين‬

‫ناراً �شديد َة ا إليقاد والت َل ُّهب‪.‬‬

‫‪ 14‬ولله وحده ُملك ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬يد ِّبر ا ألمر‬
‫فيهما بحكمته ويت�صرف فيهما وفي �أهلهما بما ي�شاء‪،‬‬

‫‪512‬‬

‫‪ ١٩ ١٨‬لقد ر ِ�ضي الله عن الم�ؤمنين وق َت مبايعتهم‬ ‫‪ُ ١٦‬قل ‪ -‬أ�يها النب ُّي‪ -‬له�ؤلاء المخ َّلفين عن الـ ُحديبية‪:‬‬
‫�إياك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬بالحديبية تحت ال�شجرة على �أن‬ ‫�س ُتدعون �إلى قتا ِل قو ٍم �أُولي ب�أ� ٍس �شديد‪ ،‬فيكون بينكم‬
‫وبينهم أ�مران لا ثال َث لهما‪ :‬إ� ّما القتال منكم‪ ،‬و إ� ّما‬
‫يقاتلوا قري�ش ًا ولا يف ُّروا ‪ -‬وكان ذلك ب�سبب ما �شاع‬ ‫ا إل�سلام منهم‪ ،‬ف إ� ْن ت�ستجيبوا وتخرجوا لقتالهم ي ؤْ� ِتكم‬
‫ِم ْن َق ْت ِل قري� ٍش لعثمان بن عفان ر�ضي الله عنه عندما‬
‫�أر�سله النبي ‪ ‬ل ُي ْع ِل َم قري�ش ًا �أنه جاء ومعه الم�سلمون‬ ‫الله أ�جراً ح�سن ًا بالغنيمة في الدنيا‪ ،‬والجنة في الآخرة‪،‬‬
‫معتمرين في أ�ذنوا له بدخول مكة‪ -‬ف َع ِل َم الله ما في قلوب‬
‫الم ؤ�منين من أ��صحابك من ا ِإلخلا�ص والوفاء و�إيثار‬ ‫و�إ ْن تتخ َّلفوا كما تخ َّلفتم في الـ ُحديبية ُيع ِّذبكم عذاب ًا‬
‫م�ؤلم ًا في نار جهنم‪.‬‬
‫ا آلخرة على الأولى‪ ،‬ف�أنزل الطم أ�نين َة وا ألما َن عليهم‪،‬‬
‫وجازاهم فتح ًا قريب ًا ‪ -‬وهو فتح خيبر َع ِق َب ان�صرافهم‬ ‫‪ ١٧‬لي�س على ا ألعمى حر ٌج ولا على ا ألعرج حر ٌج‬
‫من الـ ُحديبية‪ -‬ومغان َم كثير ًة ي أ�خذونها ِم ْن خيبر‪ ،‬وكان‬ ‫ولا على المري�ض حر ٌج في التخ ُّلف عن الغزو مع‬
‫الم ؤ�منين ِل َعدم ا�ستطاعتهم‪ ،‬و َم ْن يط ِع اللهَ ور�سوله فيما‬
‫الله غالب ًا على أ�مره‪ ،‬حكيم ًا في تدبيره �أمو َر خلقه‪.‬‬ ‫أ�مراه به ونهياه عنه‪ ،‬يدخله اللهُ في ا آلخرة جنا ٍت تجري‬
‫من تحتها ا ألنهار‪ ،‬و َمن ُيع ِر�ض عن الطاعة يع ِّذ ْبه الله في‬
‫‪ ٢٠‬و َع َدكم الله ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬مغان َم كثير ًة‬
‫ت أ�خذونها ِم ْن الفتوحات‪ ،‬فع َّجل لكم مغانم خيبر‪،‬‬ ‫نار جهنم عذاب ًا �شديد ا إليلام‪.‬‬
‫وك َّف عنكم �أيد َي حلفاء اليهود الذين جا ؤ�وا ل ُن�صرتهم؛‬
‫فلم َي َن ْلكم �أنتم و�أه َلكم منهم �سو ٌء‪ ،‬ولتكون �سلام ُتكم‬
‫وغنيمتكم علاما ٍت للم�ؤمنين على رعاية الله تعالى‬

‫لهم و أ�نه �سيفتح عليهم ما وعدهم به‪ ،‬ويهديكم ‪� -‬أيها‬

‫الم ؤ�منون‪ -‬طري َق التو ُّكل عليه والتفوي�ض �إليه‪.‬‬

‫‪ ٢١‬وو َع َدكم الله غنيم ًة أ�خرى عظيمة ‪ -‬هي فتح‬
‫مكة‪ ،‬وقيل‪ :‬هوازن‪ ،‬وقيل غير ذلك‪ -‬لم َت ْقدروا على‬

‫فتحها‪ ،‬قد أ�حاط الله بقدرته بها و َو َهبها لكم لتفتحوها‬
‫وت أ�خذوها‪ ،‬وكان الله على كل �شيء قديراً‪ ،‬فلا ُيعجزه‬

‫�شيء‪.‬‬

‫‪ ٢٣ ٢٢‬ولو قاتلكم ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬كفا ُر قري�ش‬
‫بالـ ُحديبية‪َ ،‬ل ُغلبوا وا ْنه َزموا‪ ،‬ثم لا يجدون ول ّي ًا يواليهم‬
‫على حربكم‪ ،‬ولا ن�صيراً ين�صرهم عليكم‪ ،‬وهذه �ُس َّنة‬
‫الله وعادته في الأمم ِم ْن قب ُل‪ ،‬أ�ن ين�صر اللهُ �أوليا َءه ويهزم‬
‫أ�عداءه‪ ،‬ولن تجد ل�ُس َّنة الله تغييراً‪ ،‬بل هي ثابت ٌة م�ستم ّرة‪.‬‬

‫‪513‬‬

‫منامه أ�نه �سيدخل مكة هو و أ��صحابه معتمرين‪ ،‬فهي ح ٌّق‬ ‫‪ ٢٤‬و ِم ْن ِمنن الله عليكم ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪� -‬أ َّنه َك َّف‬
‫‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬و إ� ْن لم تقع ِم ْن عا ِمكم هذا‪ .‬لتد ُخ ُل َّن‬ ‫جماع ًة ِم ْن م�شركي مكة عنكم و�أنتم بالـ ُحديبية حين‬
‫‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬أ�ن َت و�أ�صحا ُبك الم�سجد الحرام في‬ ‫خرجوا مت�س ِّلحين يلتم�سون َغفلتكم فلم يتمكنوا من‬
‫الوقت الذي �شاءه الله معتمرين �آمنين‪ ،‬ف َي ْح ِلق بع ُ�ضكم‬ ‫إ�يذائكم‪ ،‬وك َّف أ�يد َيكم عنهم أ� ْن َتقتلوهم �أو ت ؤ�ذوهم‬
‫ر�أ�سه و ُي َق ِّ�ص بع ُ�ضكم‪ ،‬لا تخافون �أحداً حا َل دخو ِلكم‬ ‫ِم ْن بعد �أ ْن َأ�مكنكم الله منهم ف أ��سرتموهم‪ ،‬ثم عفا الر�سو ُل‬
‫و�إقام ِتكم وخرو ِجكم‪ ،‬وقد َع ِلم الله ِمن الم�صلحة في‬ ‫عنهم‪ ،‬وت َّم ال�صلح الذي فيه خي ٌر كثير لكم‪ ،‬والله ب�صير‬
‫َ� ْصفكم عن دخول مكة هذا العام ما لم تعلموا‪ ،‬فجعل‬
‫قبل هذا الدخول الذي وعدكم به فتح ًا قريب ًا ‪ -‬وهو‬ ‫ب�أعمالكم‪ ،‬لا يخفى عليه �شيء منها‪.‬‬
‫فتح خيبر‪ -‬ب�شار ًة لكم بما يترتب على هذا ال�صلح من‬
‫‪ ٢٥‬وه�ؤلاء الكفار و إ� ْن �صا َن اللهُ دما َءهم بالـ ُحديبية‬
‫الخير‪.‬‬ ‫وحا َل بينكم وبينهم‪ ،‬فهم م�ستح ُّقون للعذاب‪ ،‬فقد‬
‫كفروا بالله والر�سول‪ ،‬ومنعوكم ‪ -‬أ�يها الم�ؤمنون‪ -‬م ٍن‬
‫‪ ٢٨‬الله الذي أ�ر�سل ر�سوله محمداً بالدليل الوا�ضح‪،‬‬ ‫دخول الم�سجد الحرام ألداء منا�سك العمرة‪ ،‬وح َب�سوا‬
‫وبدين الحق‪ ،‬وهو دين الإ�سلام‪ِ ،‬ل ُي ْعليه على �سائر‬ ‫ال َه ْدي الذي ُيهدى �إلى الحرم عن أ�ن ي�صل إ�لى مح ِّل‬
‫ا ألديان‪ ،‬وكفى ب�شهادة الله تعالى �شهاد ًة على �أ َّن هذا‬ ‫َذ ْبحه بمكة‪ ،‬ولولا �أن ت�صيبوا رجال ًا م�ؤمنين ون�سا ًء‬
‫ال ِّدين هو دين الح ّق‪ ،‬وعلى تح ُّق ِق هذا الإظهار الذي‬ ‫م�ؤمنات ِم َن الم�ست�ضعفين بمكة لم تعرفوهم فتقتلوهم‬
‫مع الكفار بغير عل ٍم فت�صيبكم م�شق ٌة وكراهة بتعيير‬
‫تك َّفل هو �سبحانه به‪.‬‬ ‫الكفار لكم‪ ،‬وبت أ� ُّلـ ِم نفو�سكم‪َ ،‬لـ َما ك َّف اللهُ أ�يديكم‬
‫عنهم‪ ،‬وقد ق َّدر الله ذلك ل ُيد ِخ َل في دينه َم ْن َي�شا ُء ِمن‬
‫‪514‬‬ ‫�أهل مكة‪ .‬ولو َتـم َّيز ه�ؤلاء الم ؤ�منون الم�ست�ضعفون‬
‫بمكة من الم�شركين وفارقوهم ل�س ّلطناكم على الم�شركين‬

‫فقتلتموهم و�أ�سرتموهم‪.‬‬

‫‪ ٢٦‬واذكر ‪ -‬يا ر�سول الله‪ -‬ما جرى ِمن ُلطف الله‬
‫عند كتابة ال ُّ�صلح إ�ذ دا َخ َل ِت الكبريا ُء و�أنف ُة الجاهلية‬
‫قلو َب الذين كفروا‪ ،‬فتم�َّسكوا ب�شروطهم الـ ُم ْج ِحفة‬
‫و أ�بوا أ�ن يكتبوا‪« :‬ب�سم الله الرحمن الرحيم»‪ ،‬و«هذا ما‬
‫قا َ�ضى عليه محم ٌد ر�سو ُل الله»‪ -‬وذلك لئلا يكون فيه‬
‫إ�قرار بر�سالته ‪ -‬ف�أنزل الله عندئ ٍذ ال ّ�صب َر والطم�أنين َة‬
‫على ر�سوله وعلى الم ؤ�منين‪ ،‬و أ�َلز َم الم ؤ�منين كلم َة‬
‫ال ّت ْقوى‪ ،‬وهي‪ :‬لا إ�له �إلا الله‪ ،‬فث َّبت الله الم ؤ�منين على‬
‫طاعة الله ور�سوله وت َّم ال ُّ�صلح‪ ،‬وكانوا َأ� َح َّق ِبهذه الكلمة‬
‫ِم َن الكفار والم�ست ْ�أ ِهلين لها دونهم‪ ،‬وكان الله بكل �شيء‬

‫عليم ًا‪ ،‬لا يخفى عليه �شيء‪.‬‬

‫‪ ٢٧‬لقد َ�ص َدق اللهُ ر�سو َله ر�ؤياه التي �أراها �إياه في‬

‫َو َع َد اللهُ ه ؤ�لاء الذين آ�منوا مع الر�سول ‪ - -‬مغفر ًة‬
‫لذنوبهم‪ ،‬وثواب ًا جزيل ًا‪ ،‬لا يعلم مقدا َره �إلا الله‪.‬‬

‫‪ ١‬يا أ�يها الذين �آمنوا لا َت�سبقوا الله ور�سوله بالقول‬
‫أ�و الحكم في �أم ٍر ِم ْن ا ألمور‪ ،‬واتقوا الله فيما أ�مركم به‪،‬‬

‫إ�ن الله �سميع ألقوالكم‪ ،‬عليم بجميع أ�حوالكم‪.‬‬

‫‪ ٢‬يا �أيها الذين �آمنوا لا ترفعوا �أ�صواتكم فوق‬ ‫‪ ٢٩‬محم ٌد ر�سول الله‪ ،‬والذين معه من الم ؤ�منين‪ ،‬وهم‬

‫�صوت النب ِّي إ�ذا حاورتموه‪ ،‬ولا تجهروا له بالقول إ�ذا‬ ‫�أ�صحابه‪ِ ،‬م ْن �صفاتهم أ�نهم �أ ِ�ش ّداء على َم ْن خالف دينهم‬
‫ك َّلمتموه وهو �صامت‪ ،‬على عادتكم من الجهر �إذا ك َّلم‬
‫و�أظه َر لهم العداء‪ ،‬متوا ُّدون متعاطفون فيما بينهم‪،‬‬
‫بع ُ�ضكم بع�ض ًا‪ ،‬بل اخف�ضوا �أ�صواتكم دون ذلك ولينوا‬ ‫تراهم راكعين �ساجدين محافظين على ال�صلاة‪ ،‬يطلبون‬

‫له في كلامكم‪ ،‬توقيراً له وتعظيم ًا‪ ،‬خ�شي َة أ�ن َيحبط‬ ‫أ�ن يتف َّ�ضل الله عليهم بثوابه‪ ،‬و أ�ن ُي ِنيلهم ر�ضوا َنه الذي‬
‫ثوا ُب �أعمالكم‪ ،‬و أ�نتم لا ت�شعرون بذلك‪.‬‬ ‫هو َأ�كبر ِم ْن ك ِّل �شيء‪ ،‬وعلام ُة إ�يمانهم وطاعتهم ال�َّسم ُت‬
‫الـ َح َ�س ُن والو�ضاء ُة في وجوههم ِم ْن ك ْثة ال�سجود‬
‫‪ ٣‬إ� َّن الذين يخف�ضون أ��صواتهم عند مخاطبة ر�سول‬ ‫والتع ُّبد بالليل والنهار‪ ،‬هذه ِ�ص َفتهم في التوراة‪.‬‬
‫و ِ�ص َفتهم في ا إلنجيل �أنهم كزرع �أخرج نباته فق َّوى �أ�صله‬
‫الله �أو في َح ْ�ضته تعظيم ًا له‪ ،‬أ�ولئك الذين اختبر الله‬ ‫و أ�عانه‪ ،‬فا�ستغلظ الزرع‪ ،‬وقوي ْت �سا ُقه وامت أل ْت ِم ْن غير‬
‫قلوبهم ف أ�َ ْخ َل�صها لتقواه‪ ،‬لهم مغفر ٌة وا�سع ٌة لذنوبهم‪،‬‬
‫اعوجا ٍج‪ُ ،‬يعجب ال ُّزراع بق ّوته و ُح�سن منظره ‪ -‬وهذا‬
‫و�أج ٌر عظي ٌم لا يعلم قدره �إلا الله‪.‬‬ ‫َم َث ٌل لر�سول الله ‪َ ‬ب َعثه الله وق ّواه ب�أ�صحابه‪ ،‬وج َعلهم‬
‫الله كذلك قو ًة ونما ًء وك ْث ًة ليكونوا غيظ ًا للكافرين‪-‬‬
‫‪ ٤‬إ� َّن الذين ينادونك ‪� -‬أيها النب ُّي‪ِ -‬من َخ ْل ِف‬
‫حجرات ن�سائك �أو ق ّدامها‪ ،‬أ�كث ُرهم يغلب عليهم َن ْق�ُص‬
‫العقل‪ ،‬لجفائهم وجهلهم بما ي�ستح ُّقه مقا ُم الن َّبوة من‬
‫التوقير‪� ،‬إذ العقل يقت�ضي ح�سن الأدب‪ .‬وقد نزلت هذه‬
‫ا آلية في بع�ض ُجفاة الأعراب وفدوا على النبي ‪،‬‬
‫فوجدوه في بيته‪ ،‬فلم ي�صبروا حتى يخرج �إليهم ولم‬

‫يت أ� َّدبوا‪ ،‬بل ناداه بع�ضهم‪ :‬يا محمد‪ ،‬يا محمد‪ :‬اخ ُرج‬
‫�إلينا‪.‬‬

‫‪515‬‬

‫‪ ١٠‬إ� ّنا الم�ؤمنون �إخوة في ال ِّدين‪ ،‬يجمعهم �أ�ص ٌل‬ ‫‪ ٥‬ولو انتظر ه ؤ�لاء الذين ينادونك ‪ -‬أ�يها النب ُّي‪-‬‬
‫واح ٌد وهو ا إليمان‪ ،‬ولذلك يجب الاجتهاد في الت أ�ليف‬ ‫حتى تخرج إ�ليهم ولم يتع َّجلوا بندائك بتلك ال�صورة‬
‫بينهم‪ ،‬ف أ��صلحوا بين ك ِّل م ؤ�م َنين �أو فري َقين من الم�ؤمنين‬ ‫الخالي ِة من ا ألدب‪ ،‬لكان لهم في ذلك الخير والم�صلحة‬
‫تخا�صما أ�و تقاتلا‪ ،‬واتقوا الله في ك ِّل �أموركم‪ ،‬لتنالوا‬
‫في الدنيا وا آلخرة‪ ،‬واللهُ وا�سع المغفرة والرحمة‪ ،‬فلن‬
‫رحمته و َمثوبته‪.‬‬ ‫ي�ضيق غفرا ُنه ورحم ُته عن ه�ؤلاء الجفاة إ�ن تابوا و أ�نابوا‪.‬‬
‫‪ ١١‬يا َم ْن آ�منتم بالله ور�سوله‪ :‬لا ت�ستهز ْئ جماع ٌة‬
‫منكم ِم ْن جماع ٍة أ�خرى‪ ،‬ع�سى �أن يكون الم�سته َز�أُ به‬ ‫‪ ٦‬يا �أيها الذين �آمنوا‪ ،‬إ� ْن �أتاكم فا�س ٌق ب َخبر فتث َّبتوا‬
‫خيراً عند الله ِمن الم�ستهزئين‪ ،‬ولا ن�سا ٌء ِمن ن�سا ٍء‪ ،‬ع�سى‬ ‫ِم ْن �صحته‪ ،‬ولا تتع َّجلوا لئلا ت�صيبوا قوم ًا ب أ�ذى و أ�نتم‬
‫أ�ن يكون الم�سته َز أ�ُ به ّن خيراً عند الله من الم�سته ِزئات‪،‬‬ ‫جاهلون حقيق َة الأمر‪ ،‬ف َت�صيروا مغت ِّمين على ما فعلتم‪،‬‬
‫ولا َي ِع ْب أ�و ُي َع ِّي بع ُ�ضكم بع�ض ًا �إذ الم ؤ�منون ك َن ْف� ٍس‬
‫واحدة‪ ،‬ولا يل ِّق ْب أ�و ينا ِد بع ُ�ضكم بع�ض ًا بما يكرهه‪،‬‬ ‫متم ِّنين �أنه لم يقع‪.‬‬
‫ف إ� َّن ذلك ف�س ٌق‪ ،‬وبئ�س �أن تفعلوا ما ت�ستح ُّقون به ا�س َم‬
‫ال ُف�سوق بعد الات�صاف با إليمان‪ ،‬و َمن لم َي ُتب من ذلك‪،‬‬ ‫‪ ٨ ٧‬واعلموا ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬أ� َّن فيكم ر�سو َل‬
‫الله‪ ،‬فانقادوا ألمره‪ ،‬ف�إنه �أَعلم بم�صالحكم و�َأ�شف ُق عليكم‬
‫ف�أولئك هم الظالمون ألنف�سهم بما ك�سبوا‪.‬‬ ‫منكم‪ ،‬ور�أ ُيه فيكم �أَت ُّم ِم ْن ر أ�يكم ألنف�سكم‪ ،‬ولو كان‬
‫يطيعكم في كثير مما تختارونه لنالكم َح َر ٌج وم�شق ٌة‪،‬‬
‫‪516‬‬ ‫ولك َّن اللهَ ح َّبب الإيمان إ�لى نفو�سكم‪ ،‬وح�َّسنه في‬
‫قلوبكم‪ ،‬حتى جريتم على ما يقت�ضيه من الت�سليم ِلـ َما‬
‫ي�أمر به الر�سول‪ ،‬و َب َّغ�ض �إليكم الكف َر وكبائ َر الذنوب‪،‬‬
‫وجمي َع المعا�صي‪ .‬وه�ؤلاء المو�صوفون بهذه ال�صفات‬
‫الجليلة‪ ،‬هم المهتدون الم�ستقيمون على طريق الح ِّق‪.‬‬
‫وهذا العطاء ت َف ُّ�ض ٌل منه تعالى عليكم و إ�نعا ٌم‪ ،‬والله عليم‬
‫بكل �شيء‪ ،‬حكي ٌم في ك ِّل ما يق�ضي ويقدر لعباده‪ .‬وفي‬
‫كل هذا تذكي ٌر للم�ؤمنين وتحفي ٌز لنفو�سهم لئلا يقعوا فيما‬

‫يخالف هذه ال ِّنعم‪.‬‬

‫‪ ٩‬و�إ ْن جماعتان ِم ْن أ�هل الإيمان اقتتلوا‪ ،‬فا�سعوا‬
‫�إلى ال�صلح بينهما‪ ،‬بال ُّن�صح والدعاء �إلى ُحكم الله تعالى‬
‫والر�ضا به‪ ،‬ف إ� ْن تع َّد ْت �إحدى الجماعتين ب أ� ْن رف�ضت‬
‫ال�صلح ولم تر�َض بحكم الله‪ ،‬فقاتلوا التي تع َّد ْت‪،‬‬
‫حتى ترجع إ�لى طاعة الله وال�صلح الذي أ�مر به‪ ،‬ف إ� ْن‬
‫رجع ْت‪ ،‬ف أ��ص ِلحوا بينهما بالعدل‪ ،‬دون َحي ٍف على‬
‫إ�حدى الفئتين‪ ،‬وا ْع ِدلوا في جميع حكمكم بين النا�س‪،‬‬
‫�إ َّن الله يحب العادلين في أ�حكامهم القائمين بين خلقه‬

‫بالق�سط‪.‬‬

‫�أكث ُركم تقوى له‪ ،‬إ� َّن الله عليم ب أ�تقاكم عنده‪ ،‬خبير بكم‬
‫وبم�صالحكم‪ ،‬لا تخفى عليه خافية‪ ،‬فاتقوه‪.‬‬

‫‪ ١٤‬قالت طائف ٌة من ا ألعراب للنب ِّي ‪ - ‬وقد‬ ‫‪ ١٢‬يا �أيها الذين �آمنوا ابت ِعدوا عن ا ِّتهام الم ؤ�منين‬
‫�أظهروا الإ�سلام ولم يتمكن ا إليما ُن من قلوبهم‪� :-‬آمنا‬ ‫ِم ْن غير �سب ٍب أ�و َقرين ٍة تقت�ضي ذلك‪� ،‬إ َّن بع�ض الظ ِّن‬
‫ب َك و�ص َّدقناك‪ ،‬فقل لهم ‪ -‬يا ر�سول الله‪َ :-‬لـ ْم ُت�ص ِّدقوا‬ ‫ذنب ي�ستوجب العقوب َة ‪ -‬كظ ِّن ال�سو ِء ب أ�هل الخير من‬
‫ت�صديق ًا �صحيح ًا عن اعتقا ِد قل ٍب و ُخ ُلو�ِص ن ّي ٍة‪ ،‬ولكن‬ ‫الم ؤ�منين‪ -‬ولا تبحثوا عن عيوبهم الم�ستورة وعوراتهم‪،‬‬
‫قولوا‪َ :‬ن َطقنا بكلمة ا إل�سلام وا ْنقدنا له ظاهراً‪ .‬ولـ ّما‬ ‫ولا َي ْذك ْر بع ُ�ضكم بع�ض ًا في َغيبته بما يكرهه‪ ،‬ف�إ َّن ال ِغيب َة‬
‫ي�ستق ّر ا إليمان بع ُد في قلوبكم أ�يها ا ألعراب‪ ،‬ولك َّنه‬ ‫ك�أك ِل لحم الميت‪ ،‬وهل ُيحب �أح ُدكم أ�ن ي�أكل لحم �أخيه‬
‫ُي َتوقع منكم‪ ،‬و إ� ْن تطيعوا الله ور�سو َله ظاهراً وباطن ًا‪،‬‬ ‫بعد َماته؟! فكما كرهتم ذلك فاجتنبوا ذكره بال�سوء‬
‫ي�ؤتكم الله �أج َر طاعتكم‪ ،‬ولا ينق�صكم �شيئ ًا‪� ،‬إ َّن الله‬ ‫غائب ًا‪ ،‬واتقوا عقا َب الله‪ ،‬إ� َّن الله تواب رحيم لمن ا َّتقاه‪،‬‬
‫وا�سع المغفرة والرحمة‪ .‬وهذا تعلي ٌم وترغي ٌب لهم‬
‫وتاب مما َف َرط منه‪.‬‬
‫ِل َي ْ�ص ُدقوا في �إيمانهم‪.‬‬
‫‪ ١٣‬يا أ�يها النا�س �إ ّنا خلقناكم جميع ًا ِمن أ� ٍب واح ٍد‬
‫‪� ١٥‬إ ّنا الم�ؤمنون ح َّق ا إليمان‪ :‬الذين �آمنوا بالله ور�سوله‬ ‫و أ� ٍّم واحدة‪ ،‬هما �آدم وحواء‪ ،‬ف�أنتم مت�ساوون في‬
‫ثم لم يدخل قلو َبهم �شي ٌء ِمن ال ِّريبة في هذا الإيمان‪،‬‬ ‫ا أل�صل‪ ،‬و�يَّصناكم �شعوب ًا �ش َّتى ‪ -‬وال�شع ُب هو َط َبقة‬
‫و َب َذلوا أ�موا َلهم و أ�نف�سهم في طاعة الله ور�ضوانه‪ ،‬أ�ولئك‬ ‫ال َّن�سب التي ت أ�تي مبا�شر ًة قبل أ�على طبقاته وهي ا ألمة‪-‬‬
‫هم ال�صادقون في إ�يمانهم‪ ،‬لا الذين قالوا �آمنا ب أ�ل�سنتهم‬ ‫و�يَّصناكم قبائ َل متعدد ًة لا للتفاخر با ألن�ساب؛ بل‬
‫ليع ِر َف بع ُ�ضكم بع�ض ًا‪ ،‬وينت ِ�سب ك ُّل فرد �إلى �آبائه‪،‬‬
‫وا�ست�سلموا ظاهراً ولم ُي�سلموا باطن ًا‪.‬‬ ‫ولتتوا�صلوا فيما بينكم‪� ،‬إ َّن أ�رفعكم منزل ًة عند الله‬

‫‪ ١٦‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬له�ؤلاء الأعراب مو ِّبخ ًا لهم‪:‬‬
‫�أت ْخبرون الله ب ِ�ص ْدق إ�يمانكم و إ�خلا ِ�صكم في دينكم‪،‬‬
‫واللهُيعلم ما في ال�سماوات وما في الأر�ض؟! والله بك ِّل‬

‫�شيء عليم‪ ،‬فلا يخفى عليه �شيء‪.‬‬

‫‪َ ١٧‬يـ ُم ُّن ه�ؤلاء الأعرا ُب عليك ‪ -‬يا ر�سول الله‪-‬‬
‫�إ�سلا َمهم‪ ،‬وعد َم مقاتل ِتهم لك كما فعل غي ُرهم‪ُ ،‬ق ْل‬
‫بل‬ ‫الهعلمم‪:‬ولاا َت‪-‬ـ�إ ُمْنّنواكنتعلم َّي��إص�اسدلقايمنكفيمماولتا َّدتتعفوانخر‪-‬و أ�ا َّنب اذللـ ِمكَّن‪،‬ة‬
‫لله‬

‫عليكم بهدايتكم للإيمان‪.‬‬

‫‪ ١٨‬إ� َّن الله يعلم ك َّل ما غاب وخفي في ال�سماوات‬
‫وا ألر�ض‪ ،‬لا يخفى عليه �شيء ِم ْن ذلك‪ ،‬وهو م َّطلع‬
‫على أ�عمالكم‪ ،‬ظاه ِرها وباط ِنها‪ ،‬و�سيجازيكم عليها‪،‬‬

‫فاتقوه‪.‬‬

‫‪517‬‬

‫‪} ١‬ﭑﭒ{‪َ� :‬س َبق الكلا ُم على هذه الحروف‬
‫الـ ُمق َّطعة �أ ّول �سورة البقرة‪ُ� .‬أق�سم بالقر آ�ن ذي المجد‬

‫وال�شرف‪ :‬إ� ّنك يا محمد لر�سو ُل الله مر�َس ٌل بالح ِّق‪.‬‬

‫يا محمد‪ -‬إ�لا تع ُّجب ًا‬ ‫ما �أنكر كفا ُر مك َة نب ّو َتك ‪-‬‬ ‫�أ ْن‬ ‫‪٢‬‬
‫ينذرهم عقاب الله‪،‬‬ ‫ُير�سل الله �إليهم ب�شراً مث َلهم‬ ‫ِم ْن‬

‫منه‪.‬‬ ‫ُيتع ّجب‬ ‫إ� َّن هذا �أم ٌر‬ ‫و أ�ف َ�صحوا عن ذلك فقالوا‪:‬‬
‫غير ُح ّجة‪.‬‬ ‫وهذا إ�نكار لردهم النبوة ِم ْن‬

‫على‬ ‫ِمن الوعيد‬ ‫أ�ُنذروا به‬ ‫مكة ما‬ ‫وا�ستب َع َد كفار‬ ‫‪٣‬‬
‫ِمتنا‬ ‫أ� ُنبعث إ�ذا‬ ‫منكرين‪:‬‬ ‫فقالوا‬ ‫نبوة محمد‪،‬‬ ‫�إنكار‬

‫و�صرنا تراب ًا؟ ذلك أ�م ٌر بعي ٌد عن ت�ص ُّور العقل‪ ،‬م�ستحي ُل‬
‫الوقوع‪.‬‬

‫‪ ٤‬قد �أحاط علمنا بك ِّل �شيء‪ ،‬ف َع ِلمنا ما ت أ�كل‬
‫الأر�ُض من أ�ج�سادهم بعد َماتهم‪ ،‬و َم ْن �أحاط عل ُمه‬
‫ُوكلتا ُيب�سفتيبهعدم مننه ِع‪َّ ،‬دتومهعم‬ ‫عليه البع ُث‬ ‫بذلك‪ ،‬فلا َي�صعب‬
‫حاف ٌظ ِلـ َما‬ ‫ذلك فعندنا كتا ٌب‬
‫و�أ�سمائهم و�أعمالهم‪ ،‬و�سائ ِر ما �أُمر الملائك ُة ب إ�ح�صائه‬
‫نخل ًا ِطوال ًا‪ ،‬لها َط ْل ٌع متراك ٌب بتنظيم بديع داخل أ�وعيته‬ ‫فيه‪ ،‬محفو ٌظ من الـ َمحو والتغيير‪.‬‬
‫‪-‬وهي ا ألكمام‪-‬؟! وقد �أنبتنا ك َّل ذلك رزق ًا للعباد‬
‫َي َتق ّوتون منه ويتف ّكهون‪ ،‬وكيف أ�حيينا بهذا الماء المبارك‬ ‫‪ ٥‬بل با َد َر قو ُمك بتكذيب الح ِّق الب ِّي ‪ -‬وهو‬
‫بلد ًة ُمدبة لا ثمار فيها ولا زرع؟! فكما �أحيينا بهذا‬ ‫القر آ�ن‪ -‬لـ ّما جاءهم‪ ،‬دون تد ُّبر‪ ،‬ف�أتوا ب أ��شن َع ِم ْن‬
‫الماء هذه الأر�َض الميتة ف�أخرجنا نباتها وزروعها‪ ،‬كذلك‬ ‫�إنكارهم البعث‪ ،‬فهم في ا�ضطراب واختلاط في‬
‫ق ِ�سو ُلح ٌ�رشامعبري‪،‬ن�إ‪،‬لىو�آمرخ ًةر‪:‬ماأ��قساالطواي ُ‪.‬ر‬
‫ُنخرجكم �أحياء ِم ْن قبوركم يوم القيامة‪.‬‬ ‫تكذيبهم‪ ،‬يقولون َم ّر ًة‪:‬‬
‫‪ ١٤ - ١٢‬ك َّذبت َقب َل م�شركي مكة ‪ -‬الذين‬ ‫و�أكاذي ُب ا أل َّولين‪ ،‬ومر ًة‪:‬‬
‫يك ِّذبونك يا محمد‪ -‬قو ُم نوح‪ ،‬و أ��صحا ُب البئر التي‬
‫كانوا يعبدون حولها الأ�صنام‪ ،‬وثمو ُد‪ ،‬وعا ٌد‪ ،‬وفرعو ُن‬ ‫‪ ٨ - ٦‬وكيف َغفل ه ؤ�لاء المك ِّذبون بالبعث‬
‫و�أه ُل �َس ُدوم أ��صها ُر لوط‪ ،‬وقو ُم �شعيب �أ�صحاب‬ ‫عن النظر إ�لى ال�سماء‪ ،‬كيف �س ّويناها �سقف ًا فوقهم بغير‬
‫ا أليكة‪ ،‬وقو ُم ُت ّب ٍع اليماني‪ ،‬ك ُّل واحد ِم ْن ه ؤ�لاء ك َّذب‬ ‫َع َمد‪ ،‬وزيّـ ّناها بالنجوم‪ ،‬وجعلناها �سليم ًة لا َف ْتق فيها‬
‫ولا َ�ص ْدع ولا َخلل يعيبها؟! وكيف ب�سطنا الأر�ض‪،‬‬
‫ر�سوله‪ ،‬فح َّق عليهم ما َتو َّعدهم الله به‪.‬‬ ‫�أنواع‬ ‫فمياهُياب ِهججبال ًحا�سر ُنوهاا�لسنايظتثر ِّبيتنها؟‪،‬وقو أ�دنبتنجاعلفنياهاذلمكن‬ ‫و أ�لقينا‬
‫‪ ١٥‬وهل َع َجزنا عن الخلق الأ ّول حين خلقناه ولم‬ ‫تب�صر ًة‬ ‫النبات‬
‫يكن �شيئ ًا‪ ،‬فكيف َن ْع َجز عن �إعادتهم بعد موتهم؟! �إنهم‬
‫لا ينكرون الخلق الأول‪ ،‬ولكنهم في َح ْية و�ش ٍّك من‬ ‫وتذكر ًة لك ِّل عبد ر َّجا ٍع �إلى الله بالتد ُّبر في بدائع‬
‫َ�صنعته‪.‬‬
‫�إعادتهم خلق ًا جديداً بعد موتهم‪.‬‬
‫‪� ١١ - ٩‬أفلم يتفكر المنكرون للبعث كيف ن َّزلنا‬
‫‪518‬‬ ‫من ال�سحاب مطراً كثير المنافع‪ ،‬ف�أنبتنا به ب�ساتين ذات‬
‫�أ�شجار وثمار‪ ،‬و�أنبتنا به ح ّب ًا تح�صدونه‪ ،‬وكيف أ�نبتنا به‬

‫أ�و عليها بما عمل ْت‪ ،‬لقد كنت ‪ -‬أ�يها الكافر‪ -‬في غفل ٍة‬ ‫‪ ١٦‬ولقد خلقنا الإن�سا َن و َنعلم ما ُت ِّدث به نف ُ�سه‪،‬‬
‫تام ٍة مما ترى اليوم ِمن ا ألهوال وال�شدائد‪ ،‬ف أ� َزلنا عنك‬ ‫ويجول بخاطره‪ ،‬ونحن �أَقرب ِم ْن �أقر ِب �شي ٍء �إليه‪،‬‬
‫غفلتك بما ترى‪ ،‬فب�ص ُرك اليوم حا ٌّد ُتب�صر به ما كن َت‬ ‫كحبل وريده‪ ،‬وهو ِع ْر ٌق كبي ٌر في العنق م ّت�صل بالقلب‪.‬‬
‫‪ ١٨ ١٧‬ونحن أَ�قرب إ�لى ا إلن�سان حين يتل َّقى‬
‫تنكره في الدنيا‪.‬‬ ‫الم َلكان الملازمان له عن يمينه و�شماله ما َي�صدر منه‪،‬‬
‫فما يتكلم ب�أ ِّي قول إ�لا ويكتبه م َل ٌك حا�ضرٌ عنده مه ّي�أٌ‬
‫‪ ٢٦ - ٢٣‬وقال الم َل ُك المو َّك ُل بكتابة ما ي�صدر عن‬ ‫لذلك‪ .‬فهو �سبحانه غير محتاج �إلى ال َح َفظة المو َّكلين‪،‬‬
‫ا إلن�سان عند العر�ض يوم القيامة‪ :‬هذا ما عندي ِم ْن‬ ‫و إ�نما جعل ذلك ِلـ ِحك ٍم‪ ،‬زجراً وترغيب ًا و�إلزام ًا للحجة‪.‬‬
‫كتاب َع َم ِله حا�ضرٌ محفوظ بلا زيادة ولا نق�صان‪ ،‬ثم‬
‫يقول الله تعالى للم َلكين ‪ -‬ال�سائق وال�شهيد‪� ،‬أو ملكين‬ ‫‪ ١٩‬وجاء ْت ِ�ش َّدة الموت ‪ -‬التي تغ�شى الإن�سا َن‬
‫ِم ْن َخ َزنة ال ّنار‪ :-‬أَ� ْل ِقيا ِف جه َّن َم ك َّل ك ّفا ٍر بالنعم والمنعم‪،‬‬ ‫ف َتغلب على عقله‪ -‬بالح ّق فك�شف ْت للكافر عن اليقين‬
‫معان ٍد للح ّق‪ ،‬كثي ِر الـ َمنع لك ّل خير َيج ُب ِف ْعله في المال‬ ‫الذي كان َيـ ْمتري فيه‪ ،‬ذلك هو الموت الذي كن َت َتي ُل‬
‫وغيره‪ ،‬ظال ٍم‪ ،‬لا ُيق ُّر بتوحيد الله‪� ،‬شا ٍّك في دين الحق‪،‬‬
‫الذي أ��شرك بالله ف َع َب َد معه معبوداً آ�خر‪ ،‬ف�أل ِقياه في عذاب‬ ‫عنه وتنف ُر منه‪.‬‬
‫‪ ٢٢ - ٢٠‬و ُن ِف َخ في ال ُّ�صور نفخة البعث‪ ،‬ذلك اليو ُم‬
‫جه ّنم ال�شديد‪.‬‬ ‫هو يو ُم �إنجا ِز الوعد ووقو ِع الوعيد‪ ،‬وجاء ْت ك ُّل َن ْف� ٍس‬
‫ومعها َم َل ٌك ي�سوقها إ�لى الـ َمح�شر‪ ،‬و�شهي ٌد ي�شهد لها‬
‫‪ ٢٩ - ٢٧‬وقال ال�شيطان المقا ِرن للكافر في الدنيا‪:‬‬
‫ر َّبنا ما أ��ضلل ُته‪ ،‬ولك ّنه كان في نف�سه �ضال ًا‪ ،‬فدعو ُته‬
‫فا�ستجاب لي‪ ،‬فقال الله للكافرين وقرنائهم‪ :‬لا تتنازعوا‪،‬‬
‫فما ينفع الاخت�صا ُم في هذه الدار‪ ،‬وقد أ�َعذرتكم بما‬
‫ق ّدم ُت �إليكم في الدنيا ِم َن الوعيد بالعذاب ِلـ َمن كفر‬
‫بي وع�صاني في كتبي وعلى �أل�سنة ر�سلي‪ ،‬ما ُيغ َّ ُي القو ُل‬
‫لد ّي في ذلك‪ ،‬وما �أنا بظ َّل ٍم للعبيد ف أ�عذبهم بغير ذنب‪.‬‬

‫‪ ٣٠‬و أ�َن ِذرهم ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬ذلك اليو َم الرهي َب‪،‬‬
‫يوم نقول لجهنم‪ :‬هل امتلأ ِت؟ فتطلب المزيد‪.‬‬

‫‪ ٣٥ - ٣١‬و ُق ِّربت الجن ُة للمتقين بحيث يرونها وهم‬
‫في الموقف يوم القيامة‪ ،‬ويقال لهم‪ :‬هذا الذي ترونه ِمن‬
‫النعيم‪ ،‬هو ما َو َع َد الله ك َّل عب ٍد ر َّجا ٍع �إلى الله بالتوبة‪،‬‬
‫حاف ٍظ ل َع ْهد الله و�أوامره ونواهيه لا يتجاوزها‪ ،‬الذي‬
‫َخ ِ�ش َي الرحمن ف أ�طاعه دون �أن يراه‪ ،‬وجاء ر َّبه بقل ٍب‬
‫ُمنيب إ�ليه ُم ْق ِب ٍل عليه‪ .‬ويقال للمتقين‪ :‬ادخلوا الجنة‬
‫آ�منين‪ ،‬ذلك يوم الخلود الذي لا انقطاع له‪ .‬لهم في الجنة‬
‫ما ي�شتهونه ويريدونه‪ ،‬ولدينا فيها َمزي ٌد ِم َن ال ِّنعم التي لم‬

‫تخطر ببالهم‪ ،‬و�أع َظ ُمها النظ ُر �إلى وجهه تعالى‪.‬‬

‫‪519‬‬

‫تجبرهم على ا إليمان‪ ،‬و إ�نما أ�نت م َذ ِّك ٌر‪ ،‬ف َذ ِّكر بالقر آ�ن َمن‬ ‫‪ ٣٦‬وقد أ�هلكنا ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬قب َل أ�هل مكة �أمم ًا‬
‫يخاف وعيدي للعا�صين‪ .‬فذلك الذي ينتفع بالذكرى‪.‬‬ ‫كثيرة‪ ،‬هم �أ�ش ُّد منهم قو ًة و�سطو ًة‪ ،‬ف�ساروا في البلاد‬
‫و َط َّوفوا‪ ،‬و َت َ� َّصفوا فيها ب أ�عمالهم‪ ،‬فهل كان لهم ِم ْن‬
‫‪ُ ٦ - ١‬ي ْق ِ�س ُم الله تعالى بالرياح التي ُتثير الترا َب‬ ‫َم ْه َر ٍب عند نزول العذاب بهم؟ وهذا تهديد و إ�نذار‬
‫وغي َره فتف ِّرقه وتحركه ِمن مكان إ�لى �آخر �سريع ًا‪،‬‬
‫تجري‬ ‫وبَجالري�ُّ ًاسفبن�سهالتول ٍةي‬ ‫با ألمطار‪،‬‬ ‫الم ْثقلة‬ ‫وبال�ُّسحب‬ ‫لكفار مكة‪.‬‬
‫وي�س ٍر‪،‬‬ ‫لمنافع النا�س‬ ‫البحر‬ ‫بالرياح في‬
‫‪� ٣٧‬إ ّن فيما ُذ ِكر ِمن �إهلاك ا ألمم التي ك َّذب ْت ر�س َلها‬
‫وبالملائكة التي َت ْق�سم بين العباد �أ ْم َر الله ِمن الأرزاق‬ ‫لتذكر ًة وعظة لمن كان له قل ٌب �سليم َيعي و ُيدرك به ما‬
‫والأمطار وغيرها‪� :‬إ َّن الذي ُتو َع ُدونه ‪ -‬أ�يها النا�س‪-‬‬ ‫ينبغي �إدرا ُكه‪� ،‬أو أ��صغى لما ُيتلى عليه ِمن القر�آن وهو‬
‫ِمن قيام ال�ساعة والبعث بعد الموت َل َوع ٌد �صاد ٌق‪ ،‬و�إ َّن‬
‫الح�ساب والجزاء لواقع لا َمحالة‪ .‬وقد أ�ق�سم الله بهذه‬ ‫حا�ضرٌ ب َفهمه غير من�شغل عنه‪.‬‬
‫ا أل�شياء ِل�َشفها و ِلـ َما فيها ِمن الدلالة على عجيب َ�صنعته‬
‫تعالى وقدرته‪ ،‬وا�ستدلال ًا بها على إ�مكان البعث؛ �إذ‬ ‫‪ ٣٨‬ولقد خلقنا بقدرتنا ال�سماوات والأر�ض وما‬
‫بينهما من المخلوقات في ِ�س َّتة �أيام وما �أ�صابنا �أ ُّي تعب‪.‬‬
‫القاد ُر عليها قاد ٌر على البعث الموعود به‪.‬‬ ‫وهذا رد على ما زعمته اليهود ِمن أ�ن الله ا�ستراح في‬

‫اليوم ال�سابع بعد الخلق‪.‬‬

‫‪ ٤٠ ٣٩‬فه ِّون عليك ‪� -‬أيها النب ُّي‪ -‬ولا تحز ْن وتل َّق‬
‫تكذي َب الم�شركين بما �أخبر َتهم ِمن البعث وبالر�سالة‬
‫بال�صبر‪ ،‬و�ص ِّل حامداً لر ِّبك �صلا َة ال�صبح قبل طلوع‬
‫ال�شم�س‪ ،‬و�صلا َة الع�صر قبل الغروب‪ ،‬و�ص ِّل لر ِّبك‬

‫بع�ض ًا من الليل‪ ،‬و�س ِّبحه واحمده �أعقاب ال�صلوات‪.‬‬
‫‪ ٤٢ ٤١‬وا�س َت ِم ْع ‪ -‬أ�يها النب ُّي‪ -‬ما يو َحى �إليك من‬
‫�أحوال يوم القيامة‪ ،‬ففي هذا اليوم ينادي الـ َم َلك ِم ْن‬
‫مو�ضع قريب في�ص ُل ندا�ؤه �إلى الك ِّل على �سواء‪ ،‬يو َم‬
‫ي�سمع الخلائ ُق �صيح َة البعث بالح ِّق الذي لا �ش َّك فيه‪،‬‬
‫وهو الح�شر للح�ساب‪ ،‬ذلك هو يوم الخروج من القبور‪.‬‬

‫‪ ٤٣‬إ� ّنا نحن نحيي ونميت لا ي�شاركنا في ذلك �أحد‪،‬‬
‫و�إلينا الم�صير فنجازي ك ّ ًل بما عمل‪.‬‬

‫‪ ٤٤‬يوم ينادي المنادي تن�ش ُّق ا ألر�ض عن الخلائق‪،‬‬
‫فيخرجون م�سرعين ا�ستجاب ًة للنداء‪ ،‬ذلك َب ْع ٌث و َج ْم ٌع‬

‫ي�سي ٌر علينا‪.‬‬
‫‪ ٤٥‬نحن �أعلم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬بما يقول ك ّفا ُر قري�ش‬
‫ِمن الباطل والتكذيب بما جئ َت به‪ ،‬ول�س َت بج ّبار‬

‫‪520‬‬

‫جاري ٍة‪ ،‬را�ضين بما �أعطاهم ر ُّبهم ِمن ف�ضله‪� ،‬إنهم كانوا‬ ‫‪ُ ٩ - ٧‬يق�سم تعالى بال�سماء الم ْح َكمة البديعة‬
‫في الدنيا مطيعين لله مح�سنين في طاعتهم‪ .‬كانوا ينامون‬ ‫ذا ِت ال ُّطرق التي ت�سير فيها النجوم والكواكب‪ :‬إ�نكم‬
‫ِمن الليل قليل ًا و ُيـ ْح ُيون أ�كث َره في العبادة والطاعة‪،‬‬
‫ويت�ض َّرعون إ�لى الله في الجزء الأخير منه �أ ْن يغفر لهم‬ ‫‪� -‬أيها الم�شركون‪ -‬لفي قو ٍل م�ضطرب في �ش�أن الر�سول‪،‬‬
‫تق�صيرهم وذنوبهم‪ .‬وكان في أ�موالهم ن�صيب ُيو ِجبونه‬
‫على أ�نف�سهم تق ُّرب ًا إ�لى الله تعالى‪ ،‬يجعلونه لل�سائل‬ ‫يد ُّل على حيرتكم و�أنكم على باطل ‪ -‬إ�ذ يقولون فيه‬

‫المحتاج‪ ،‬وللمتع ِّفف الذي لا َي�س أ�ل‪.‬‬ ‫ولا ُي ْ� َص ُف‬ ‫تار ًة‪� :‬ساح ٌر‪ ،‬وتار ًة‪� :‬شاع ٌر‪ ،‬وتار ًة‪ :‬مجنون‪-‬‬
‫وا�ستح َكم‬ ‫عن هذا الح ِّق الوا�ضح إ�لا َم ْن َ� َصفه ج ْه ُله‬
‫‪ ٢٢ - ٢٠‬وفي ا ألر�ض دلائل وا�ضحات تد ُّل على‬
‫وحدانية الله وقدرته وحكمته‪ ،‬ينتفع بها الموقنون بالله‬ ‫فيه هواه‪.‬‬
‫ور�سوله فتزيدهم إ�يمان ًا‪ .‬وفي �أنف�سكم و َخ ْلقكم الدقيق‬
‫العجيب �أي�ض ًا دلائل‪ ،‬أ�فلا تنظرون ‪ -‬أ�يها الم�شركون‪-‬‬ ‫‪ُ ١١ ١٠‬ل ِع َن الك ّذابون القائلون فيك ‪� -‬أيها‬
‫َن َظ َر َم ْن ي�ستد ّل ويعتبر؟! وفي ال�سماء المط ُر الذي‬ ‫الر�سول‪ -‬ما لي�س بح ٍّق‪ ،‬الذين هم في جهالة تغمرهم‪،‬‬
‫ُتخ ِر ُج به ا ألر�ض رز َقكم‪ ،‬وفيها ما توعدون من ثوا ٍب‬
‫فهم غافلون غفل ًة تا ّم ًة ع ّما ينفعهم‪.‬‬
‫وعقا ٍب‪ ،‬وخي ٍر و�ش ٍّر‪ ،‬مكتو ٌب في اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫‪ ١٤ - ١٢‬ي�س�ألك الم�شركون ‪� -‬أيها الر�سول‪-‬‬
‫افليقه‪٣‬ي‪٢،‬امفةل ُياقوات�لسب�شعم ُّكتثوعاالوا‪-‬ىلجأ�بينزاهفءا�ساكلهائاكلٌانفكلراريو َممةنح�أ‪-‬ا َّلنفةي‪،‬مهاوكوهمعوا َدلحبا ٌّهقت ِ�لمشا ْنُِّكم أ� ْروْمي َةرن‬ ‫ا�ستعجال ًا منهم وا�ستهزا ًء‪ :‬متى يو ُم الجزاء الذي تخبرنا‬
‫في ُن َطقكم حين َتنطقون‪.‬‬ ‫به؟ ف�أخ ِبهم أ� ّن يوم ال ِّدين �آ ٍت‪ ،‬يوم ُيع َّذبون في‬
‫النار‪ ،‬ويقال لهم‪ :‬ذوقوا عقوبتكم‪ ،‬هذا الذي كنتم‬
‫‪ ٢٥ ٢٤‬هل �أتاك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬حدي ُث َ�ضيف‬
‫إ�براهيم من الملائكة المك َرمين؟! إ�ذ دخلوا عليه بي َته في‬ ‫ت�ستعجلونه‪.‬‬
‫�صورة َب�َش فح َّيوه قائلين‪� :‬سلام ًا‪ ،‬فقال إ�براهيم‪� :‬سلا ٌم‪،‬‬
‫�أ ْي َعليكم �سلا ٌم‪ ،‬وقال في نف�سه‪ :‬ه�ؤلاء قوم لا نعرفهم‪.‬‬ ‫‪ ١٩ - ١٥‬إ� ّن المتقين في جنا ٍت عظيم ٍة وعيو ٍن‬

‫‪ ٢٨ - ٢٦‬فذهب إ�لى �أهله �سريع ًا و ِخ ْفي ًة لئلا َي ْلحظه‬
‫�ضيوفه‪ ،‬فجاءهم بعج ٍل �َسمين قد �شواه لهم إ�كرام ًا‬
‫لهم‪ ،‬فو�ضعه أ�مامهم‪ ،‬ودعاهم إ�ليه في َت َل ُّط ٍف قائل ًا‪:‬‬
‫أ� َل ت�أكلون؟ فل ّما لم ي أ�كلوا أ��ضمر في نف�سه ِخيف ًة منهم‪،‬‬
‫فقالوا عند ذلك له‪ :‬لا ت َخ ْف‪ ،‬و أ�ع َلموه أ�نهم ملائكة‬
‫�أر�سلهم الله �إليه‪ ،‬وب�َّشوه بول ٍد له ِم ْن زوجته �سار َة َيبلغ‬

‫ويكون كثي َر العلم‪ ،‬وهو �إ�سحاق عليه ال�سلام‪.‬‬

‫‪ ٣٠ ٢٩‬ف أ�قبل ْت زوج ُته وهي َت�صيح ِم َن التع ُّجب‬
‫والا�ستغراب‪ ،‬ف�ضرب ْت بيدها على وجهها وقالت‪:‬‬
‫كيف �ألد و�أنا عجو ٌز‪ ،‬عقي ٌم لم �ألد ِمن قب ُل؟! فقالت‬
‫الملائكة لها‪ :‬ما ب�ّشناكم به هو الذي قاله ر ُّب ِك‪ ،‬إ�نه هو‬

‫الحكيم العليم‪.‬‬

‫‪521‬‬

‫وهم يرون عيان ًا هلاكهم ونزول العذاب بهم‪ ،‬فما قاموا‬ ‫‪ ٣٤ - ٣١‬قال �إبراهيم للملائكة‪ :‬ما �ش أ� ُنكم ولأ ِّي‬
‫من تلك ال َّ�صعة‪ ،‬وما كانوا ممتنعين من عذاب الله‪.‬‬ ‫أ�مر ُأ�ر�سلتم؟ قالوا‪ :‬إ�نا �أُر�سلنا �إلى قوم كفار فج َرة‪ ،‬وهم‬
‫قوم لوط‪ ،‬لنر�سل عليهم حجار ًة من طي ٍن ُ�صل ٍب‪ ،‬مع َّلم ًة‬
‫‪ ٤٦‬و�أهلكنا قو َم نوح من قبل هذه الأمم‪ ،‬إ�نهم كانوا‬ ‫عند ربك‪ ،‬على كل واحد ٍة منها ا�سم َم ْن تهلكه ِم ْن‬
‫قوم ًا خارجين عن طاعة الله‪.‬‬
‫ه�ؤلاء المتجاوزين الح َّد في ال�ضلالة والفجور‪.‬‬
‫‪ ٤٩ - ٤٧‬وال�سما َء َ�أ ْح َكمنا بناءها بقوة‪ ،‬و�إنا‬
‫لمو�سعون ألقطارها و�أرجائها‪ ،‬و َب َ�س ْطنا الأر�ض بقدرتنا‬ ‫‪ ٣٦ ٣٥‬قال الله تعالى‪ :‬ف�أخرجنا من قرية لوط َمن‬
‫كال ِفرا�ش‪ ،‬ف ِن ْع َم الماهدون نحن‪ ،‬ومن ك ِّل �شيء من‬ ‫كان فيها من الم ؤ�منين‪ ،‬قبل �إهلاك أ�هلها‪ ،‬فما وجدنا فيها‬
‫الحيوان والنبات وغير ذلك خلقنا زوجين الذكر‬ ‫إ�لا بيت ًا واحداً من الم�سلمين‪ ،‬قد انقادوا لله بجوارحهم‬
‫وا ألنثى‪ ،‬لتعرفوا عظي َم قدرة الله وعجي َب �صنعته؛‬
‫بعد �أن آ�من ْت قلو ُبهم‪ ،‬وهو بيت لوط عليه ال�سلام‪.‬‬
‫فتوحدوه وتعبدوه‪.‬‬
‫‪ ٣٧‬وتركنا في قرية قوم لوط بعد إ�هلاكهم علام ًة‬
‫‪ ٥١ ٥٠‬فقل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬للم�شركين الذين‬ ‫وعبرة‪َ ،‬يعتبر وي َّتعظ بها ك ُّل َمن يخاف عذا َب الله ا أللي َم‬
‫ك ّذبوك‪ :‬اهربوا من عذاب الله �إلى ثوابه با إليمان‬
‫والطاعة‪ ،‬إ�ني لكم منه منذر ب ِّ ُي ا إلنذار‪ ،‬ولا تجعلوا مع‬ ‫من �أهل هذا الزمان و َمن بعدهم‪.‬‬
‫الله �إله ًا �آخر‪ ،‬فلا ي�ستح ُّق ا أللوهي َة غي ُره‪ ،‬إ�ني لكم منه‬
‫‪ ٤٠ - ٣٨‬وجعلنا في ق�صة مو�سى عظ ًة وعبر ًة‪،‬‬
‫نذير ب ِّ ُي ا إلنذار‪.‬‬ ‫إ�ذ �أر�سلناه �إلى فرعون م�ؤ َّيداً بالمعجزات الوا�ضحة‬
‫الظاهرة‪ ،‬كالع�صا وغيرها‪ ،‬ف أ�عر�ض فرعون عن ا إليمان‬
‫‪522‬‬ ‫بما دعاه إ�ليه مو�سى ‪ -‬مغت ّراً بملكه وجنده‪ -‬وقال في ح ِّق‬
‫مو�سى‪ :‬إ�نه �ساحر �أو مجنون‪ ،‬ف�أخ ْذنا فرعو َن وجنوده‬
‫فطرحناهم في البحر ف أ�غرقناهم‪ ،‬وهو ‪ -‬أ�ي فرعون ‪-‬‬
‫َملو ٌم على ما �أتى به‪ ،‬مما ي�ستوجب العقوبة‪ ،‬من الكفر‬

‫والطغيان‪.‬‬

‫‪ ٤٢ ٤١‬وفي عاد وما فعلنا بهم �آي ٌة‪ ،‬إ�ذ أ�ر�سلنا عليهم‬
‫لـ ّما ك ّذبوا ر�سولهم هوداً‪ ،‬الري َح التي لا خير فيها‪ ،‬فلا‬
‫ُتل ِّق ُح �شجراً ولا ُتن�شئ مطراً‪ ،‬و�إنما ري ُح هلاك‪ ،‬ما تذر‬
‫من �شيء أ� َت ْت عليه مما �أراد الله تدمي َره من النا�س والأنعام‬
‫وال�شجر وال ُّدور وغير ذلك‪ ،‬إ�لا جعلته كال�شيء البالي‬

‫المف َّتت‪.‬‬

‫‪ ٤٥ - ٤٣‬وفي ثمود أ�ي�ض ًا وما فعلنا بهم �آية وعبرة‪،‬‬
‫إ�ذ قلنا لهم‪ ،‬بعد أ�ن ك َّذبوا ر�سولهم وعقروا الناقة‪:‬‬
‫تم ّتعوا بما أ�نتم فيه �إلى أ�ن ي أ�تيكم هلا ُككم بعد ثلاثة‬
‫�أيام‪ ،‬فا�ستكبروا عن امتثال أ�مر الله‪ ،‬ف�أهل َك ْتهم �صاعق ُة‬
‫العذاب ‪ -‬حيث �صا َح فيهم جبري ُل �صيح ًة أ�ماتتهم‪-‬‬

‫من َعبيدهم‪ ،‬ولا أ�ريد منهم رزق ًا لي ولا لغيري‪ ،‬ولا �أ ْن‬
‫يطعموني �أو يطعموا غيري‪ ،‬إ� َّن الله هو الرزاق‪ ،‬ذو القوة‬

‫ال�شديد‪ ،‬فلا َي ْطر أ� عليه عج ٌز ولا َ�ضع ٌف‪.‬‬

‫‪ 59‬ف�إ َّن للذين ظلموا أ�نف َ�سهم بالكفر من كفار مكة‬
‫وغيرهم‪ ،‬ن�صيب ًا من العذاب مث َل ن�صيب نظائرهم من‬
‫الأمم ال�سابقة التي �ُأهلكت‪ ،‬فلا ي�ستعجلوا عذابي‪ ،‬ف�إنه‬

‫ناز ٌل بهم في الوقت الذي أ�ريد‪.‬‬

‫‪ 60‬فال َخ�سا ُر والهلا ُك له ؤ�لاء الكفار ِم ْن يوم القيامة‬
‫الذي ُيو ِعدهم الله به‪.‬‬

‫‪ُ 6 - 1‬يق�سم الله �سبحانه بجبل الطور الذي ك ّلم‬ ‫‪ 52‬كما ك َّذبك كفا ُر مكة ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬بقولهم‬
‫عليه مو�سى عليه ال�سلام ‪ -‬وهو َق َ�س ُم ت�شريف وتكريم‪-‬‬ ‫�إنك �ساحر �أو مجنون‪ ،‬ك َّذبت ا ألم ُم ال�سابقة ر�س َلهم‬
‫و ُيق�سم بكتاب �ُس ِّطر ْت حرو ُفه وكلماته ت�سطيراً جميل ًا‬
‫ح�سن ًا‪ ،‬في �صحائف مب�سوطة‪ ،‬وهو القر�آن الكريم‬ ‫ورموهم بال�سحر �أو الجنون‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل‪ :‬الكتب المنزلة‪ ،‬وقيل‪ :‬اللوح المحفوظ‪ -‬و ُيق�سم‬
‫بالبيت المعمور‪ ،‬وهو الكعبة �أو بيت في ال�سماء ال�سابعة‬ ‫‪ 53‬هل �أو�صى ا أل ّولون َم ْن َب ْع َدهم بتكذيب الر�سل‬
‫محاذي ًا للكعبة تطوف به الملائكة‪ .‬و ُيق�سم بال�سماء‬ ‫بهذا القول؟! إ�نهم لم يتوا�صوا؛ ألنهم لم يلتقوا في زمن‬
‫الدنيا التي جعلها �سبحانه كال�سقف ل ألر�ض‪ ،‬وبالبحر‬ ‫واحد‪ ،‬ولكن َج َم َعهم الكف ُر والف�سوق والع�صيان‪،‬‬

‫العظيم المملوء بالماء‪ ،‬أ�و المو َقد ناراً‪.‬‬ ‫فت�شابه ْت أ�قوا ُلهم كما ت�شابه ْت قلو ُبهم‪.‬‬

‫‪ 10 - 7‬إ� َّن عذا َب ربك ‪ -‬يا محمد‪ -‬لكائ ٌن يو َم‬ ‫‪ 55 54‬ف�أ ْع ِر�ض ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬عن ه ؤ�لاء‬
‫القيامة للكافرين‪ ،‬ما له من دافع يدفعه عنهم‪ ،‬في هذا‬ ‫الم�شركين وعن مجادلتهم بعدما ك َّرر َت عليهم الدعوة‪،‬‬
‫اليوم المليء بالأهوال الذي تدور فيه ال�سماء كما تدور‬ ‫فلم يجيبوا عناداً منهم‪ ،‬فلا لوم عليك‪ ،‬فقد �أديت‬
‫ال َّر َحى م�ضطرب ًة‪ ،‬وتزول الجبا ُل عن �أماكنها‪ ،‬وتتطاير‬ ‫الر�سالة وما ق ّ�ص َت فيما ُأ�مرت به‪ .‬ولا تترك التذكير‬
‫والوعظ‪ ،‬ف�إ َّن الذكرى تنفع الم ؤ�منين الذين �آمنوا بك‪،‬‬
‫كال�سحاب‪ ،‬وتتف َّتت حتى ت�صير هبا ًء منثوراً‪.‬‬
‫و َم ْن َع ِلم الله �أنه �سي�ؤمن‪.‬‬
‫‪ 14 - 11‬فالهلا ُك يوم القيامة للكافرين المك ِّذبين‬
‫بالحق‪ ،‬الذين عا�شوا يخو�ضون في الباطل من�شغلين‬ ‫‪ 58 - 56‬وما خلق ُت الج َّن وا إلن�س �إلا لتوحيدي‬
‫به لا يذكرون ح�ساب ًا ولا يخافون عقاب ًا‪ .‬وفي هذا‬ ‫وعبادتي‪ ،‬و�إني لغن ٌّي عنهم‪ ،‬لا أ�ريد منهم ما يريد ال�سادة‬
‫اليوم ُي ْدفعون إ�لى النار َد ْفع ًا �شديداً‪ ،‬ويقال لهم تبكيت ًا‬
‫‪523‬‬
‫وتقريع ًا‪ :‬انظروا‪ ،‬هذه النار التي كنتم تك ِّذبون بها‪.‬‬

‫ا�ستحقوا به ني َل ما عند الله‪ ،‬فقالوا‪� :‬إنا كنا في الدنيا‬ ‫‪ 15‬ويقال له�ؤلاء المك ِّذبين الذين زعموا �أن ال ُّر�سل‬
‫�َس َحرة‪ ،‬تقريع ًا وتوبيخ ًا‪� :‬أهذه النا ُر التي ترونها �أي�ض ًا‬
‫خائفين من عذاب الله ُم ْعتنين بطاعته‪ ،‬فم َّن الله علينا‬ ‫ِ�س ْحر؟! �أم أ�نتم ُع ْم ٌي لا ترون كما كنتم ُعمي ًا عن الحق‬
‫بالمغفرة والرحمة‪ ،‬ووقانا عذا َب النار التي ِمن ح ِّرها‬
‫َتنفذ ري ُحها في الـ َم�سام‪� .‬إ ّنا كنا من َق ْب ُل نو ِّحده ونخل�ص‬ ‫في الدنيا؟!‬
‫له في دعائنا وتوجهنا له‪� .‬إنه هو المح�سن ال�صادق في‬ ‫‪ 16‬فادخلوا ‪ -‬أ�يها المك ِّذبون‪ -‬النا َر وقا�سوا ِ�ش َّدتها‪،‬‬
‫فا�صبروا على العذاب �أو لا ت�صبروا‪ ،‬الأمران �سوا ٌء في‬
‫َو ْعده‪ ،‬العظي ُم الرحمة بعباده‪.‬‬ ‫عدم َن ْفعكم‪� ،‬إنما تجزون ذلك ب�سبب كفركم وتكذيبكم‪.‬‬
‫‪ 29‬فا ْث ُب ْت ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬على ما أ�نت عليه من‬ ‫‪ 20 - 17‬و أ� ّما حا ُل المتقين الذين و َّحدوا ر َّبهم‬
‫تذكير النا�س ووع ِظهم بالقر آ�ن‪ ،‬فما أ�نت ‪ -‬وقد �أنعم‬ ‫و�أطاعوه‪ ،‬ف�إنهم في جنات عظيمة‪ ،‬ونعيم ما �أكمله!‬
‫الله عليك برجاحة العقل والنب ّوة‪ -‬بكاه ٍن ولا مجنو ٍن‬
‫طابت نفو�ُسهم بف�ضل ما آ�تاهم ر ُّبهم من الخيرات‪ ،‬وقد‬
‫كما يقول الكفار‪.‬‬ ‫�صرف الله عنهم بف�ضله عذا َب النار ال�شديدة التو ُّقد‪.‬‬
‫ويقال لهم تكريم ًا لهم‪ :‬كلوا وا�شربوا‪� ،‬أكل ًا و�شرب ًا م أ�ْمون‬
‫‪ 31 30‬بل �أيقول ه�ؤلاء الكفار �أي�ض ًا‪ :‬إ�نك �شاعر‪،‬‬
‫ننتظر أ�ن ُتهلكه ُنوائب الدهر‪ ،‬فيموت ويهلك كما‬ ‫العا ِقب ِة‪ ،‬لا تنغي�ص فيه ولا َك َدر‪ ،‬ب�سبب ما كنتم َت ْع َم ُلو َن‬
‫هلك ال�شعرا ُء َقبله‪ .‬قل لهم ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬تهديداً‬ ‫في الدنيا من �صالح ا ألعمال‪ .‬ت أ�كلون وت�شربون مر َّفهين‬
‫لهم‪ :‬انتظروا‪ ،‬ف�إني منتظ ٌر هلا َككم كما تنتظرون‬ ‫متكئين على َ�أ�س َّر ٍة م�صفوفة على أ�ح�سن نظام و أ�بد ِعه‪،‬‬
‫وز ّوجناهم ب ِن�سا ٍء غاي ًة في الجمال نقيا ِت البيا�ض‪،‬‬
‫هلاكي‪.‬‬
‫وا ِ�سعات ا ألعين ِح�سانها‪.‬‬

‫‪ 21‬و أ�ك َر ْمنا الذين آ�منوا وا َّتبعتهم ذري ُتهم ب إ�يمان في‬
‫الدنيا ب�أن �ألحقنا بهم ذريتهم في الجنة‪ ،‬فيكونون في‬

‫درجتهم‪ ،‬و�إ ْن لم يبلغوا َم ْب َل َغ أ�عمال �آبائهم‪ ،‬وما َن َق ْ�صنا‬
‫الآبا َء بذلك �شيئ ًا من ثوابهم‪ .‬ولا ي ؤ�ا َخذ أ�ح ٌد بذنب‬

‫�أحد‪ ،‬ألن كل �إن�سان مر َت َه ٌن بعمله‪.‬‬
‫‪ 24 - 22‬وز َّودنا ه�ؤلاء الم�ؤمنين في الجنة وقت ًا بعد‬
‫وقت بفاكهة ولحم مما ت�شتهيه أ�نف�سهم‪ ،‬دون طل ٍب‬

‫منهم‪ ،‬ويتجاذبون مع جل�سائهم ‪ -‬أ�خذاً و إ�عطا ًء‪-‬‬
‫ك�أ�س ًا من خمر‪ ،‬لا يتكلمون أ�ثناء �شربها ب َل ْغ ِو الحديث‪،‬‬
‫ولا يفعلون ما ُيو ِجب إ�ثم ًا لفاعله‪َ .‬و َي ُطو ُف عليهم‬
‫بالك ؤ�و�س ِغ ْلما ٌن لهم مخ�صو�صون بهم‪ ،‬ك أ�نهم ِمن‬

‫ُح�سنهم ل ؤ�ل ؤ� َم�صون في �صدفه لم تم�ّسه ا أليدي‪.‬‬
‫‪ 28 - 25‬و�أَقبل �أه ُل الجنة بع ُ�ضهم على بع�ض‬

‫يت�ساءلون عن أ�حوالهم و أ�عمالهم في الدنيا‪ ،‬وما‬

‫‪524‬‬

‫‪َ 37‬أ� ْم عند كفار قومك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬خزائ ُن‬ ‫‪ 32‬بل أ�ت أ�مرهم عقو ُلهم بهذا الافتراء والتناق�ض‪ :‬من‬
‫ربك ِمن النبوة والرزق وغيرهما‪ ،‬في ُخ ّ�صوا َمن �شا ؤ�وا‬ ‫قولهم فيك ‪� -‬أيها الر�سول‪ :-‬كاه ٌن و�شاع ٌر‪ ،‬مع قولهم‬
‫بما �شا�ؤوا؟! �أَ ْم هم ا ألربا ُب القاهرون الذين يد ِّبرون‬ ‫مجنون؟! كلا‪ ،‬ولكنهم قوم مجاوزو َن الحدو َد في المكابرة‬

‫ا ألمور بم�شيئتم؟! ك ّل‪.‬‬ ‫والعناد‪.‬‬

‫‪َ� 38‬أ ْم لهم �ُس َّلم يرتقون به �إلى الملأ ا ألعلى في�ستمعون‬ ‫‪َ� 34 33‬أ ْم يقولون‪ :‬اخت َلق محمد القر�آن من عند‬
‫كلام الملائكة والوحي إ�ليهم فيعلموا �أنهم على ح ٍّق‪،‬‬ ‫ن ْف�سه؟! لي�س ا ألمر كما زعموا‪ ،‬ولكنهم لا ي ؤ�منون‬
‫فهم به م�ستم�سكون؟! فلي أ�ت م�ستم ُعهم ‪ -‬إ�ن ا ّدعوا‬ ‫ا�ستكباراً‪ ،‬ولذلك يقولون ما يقولون‪ ،‬فلي�أتوا ‪ -‬وهم‬

‫ذلك ‪ -‬ب ُح َّجة ظاهرة ُت�ص ِّدقهم‪.‬‬ ‫الف�صحاء‪ -‬بمثله إ� ْن كانوا �صادقين في هذا الا ّدعاء‪.‬‬

‫‪ 39‬أ�تقولون ‪ -‬أ�يها الم�شركون‪� -‬إن الملائكة بنا ُت لله‬ ‫‪�َ 36 35‬أ ْم ُخ ِلقوا من غير خالق؟! أ�َم َخ َلقوا أ�نف�سهم‬
‫فت ِ�ضيفون له ما تكرهون وت ُخ ُّ�صون �أنف�سكم بالذكور؟!‬ ‫فلذا لا يعترفون بخال ٍق يعبدونه؟! �َأم َخلقوا ال�سماوات‬
‫والأر�ض؟! �إ َّن ذلك في غير َمقدورهم ‪ -‬وهم مق ُّرون‬
‫‪�َ 43 - 40‬أم ت�س أ�لهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬أ�جراً على ما‬ ‫ب�أن الله خالقهم وخالق ال�سماوات وا ألر�ض‪ -‬ولكنهم‬
‫جئ َتهم به من ال ِّدين‪ ،‬ف�أ ْث َقلهم ذلك فمنعهم عن اتباعك؟‬ ‫غير موقنين بالله ولا بما أ�قروا به‪ ،‬و�إلا َلـ َما �أعر ُ�ضوا عن‬
‫أ�َم عندهم ِعل ُم ما غاب عن النا�س فهم يكتبون منه‬
‫للنا�س ما ي�شا ؤ�ون؟! كلا لا علم لهم به؛ فلا ِق َبل لهم‬ ‫عباد ِته‪ ،‬و َلـ َما كفروا بنب ِّيه الذي جاءهم بالحجج‪.‬‬
‫�إ َذ ْن ب إ�نكار ما جحدوه ولا ب�إثبات ما أ�ثبتوه‪� .‬أَم يريدون‬
‫�أن يكيدوا لك؟! فالذين كفروا هم الذين يعود عليهم‬
‫و َبا ُل كيدهم‪َ� .‬أم لهم معبود غير الله ي�ستح ُّق العبادة؟!‬

‫تن َّزه الله عن �شركهم وكفرهم‪.‬‬

‫‪ 46 - 44‬و إ� ْن يروا ِقطع ًا من ال�سماء �ساقط ًة لعذابهم‬
‫‪ -‬كما �س�ألوا‪ -‬لم ينتهوا عن كفرهم ل َفرط عنادهم‪،‬‬
‫ويقولوا‪� :‬سحاب متراكم بع ُ�ضه فوق بع�ض ي�سقينا‪،‬‬
‫ف َد ْعهم ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬حتى ي أ�تيهم الموت‪ ،‬وفي هذا‬

‫اليوم لا ينفعهم كي ُدهم ولا يمنعهم من العذاب مانع‪.‬‬

‫‪ 47‬و�إ َّن له�ؤلاء الم�شركين عذاب ًا في الدنيا قبل ا آلخرة‪،‬‬
‫ولك َّن أ�كثرهم لا يعلمون ذلك‪.‬‬

‫‪ 49 48‬وا�صبر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لق�ضاء ربك فيما‬
‫ح َّمل َك من ر�سالته‪ ،‬ف إ� ّنا نراك ونحفظك‪ ،‬و�س ِّب ْح ر ِّبك‬
‫حامداً له على �إنعامه عليك حين تقوم من مجل�سك ومن‬
‫َمنامك‪ ،‬واذكره واعبده بالتلاوة وال�صلاة �أوقات ًا من‬

‫الليل‪ ،‬ووقت َمغيب النجوم �آخ َر الليل‪.‬‬

‫‪525‬‬

‫‪ 11 - 1‬أَ� ْق َ�سم الله ب َخلق من مخلوقاته العظيمة‪،‬‬
‫وهو نجم ال ُّثيا �إذا غرب مع الفجر‪ :‬ما �ض َّل محمد‬

‫‪ - -‬يا َمع�شر قري�ش عن طريق الهدى‪ ،‬وما �صار‬
‫غاوي ًا َي ْعدل عن الحق بعد �أن َعلمه‪ .‬وما ينطق محمد‬
‫إ�ليه‪،‬‬ ‫يوحيه الله‬ ‫بعا َّللقمره�آ إ�يناهم َمنَل ٌعكنذدون ِ�فش�َّسدهة‪،‬و َوحلزكمنهوقودرحة ٌ‪،‬ي‬
‫عليه‬ ‫وهو جبري ُل‬

‫ال�سلام‪ ،‬فظهر لمحمد ب�صورته الحقيقية‪ ،‬وهو بالجهة‬

‫العليا من ال�سماء المقابلة للناظر‪ ،‬ثم اقترب جبري ُل منه‬

‫وزاد في القرب‪ ،‬فكان في �ش َّدة ُقربه منه بمقدار قو�سين‬

‫�أو أ�قرب‪ ،‬ف أ�وحى جبري ُل �إلى عبد الله ور�سوله هذا‬

‫القر آ�ن العظيم‪ .‬لقد �صدق قل ُب محمد فيما ر آ�ه عيان ًا‪،‬‬
‫وما �شك فيه ولا ظنه تخيل ًا‪.‬‬

‫‪ 23‬ما هذه ا أل�صنام التي عبدتموها ‪ -‬أ�يها الم�شركون‪-‬‬ ‫‪ 18 - 12‬أ� ُتك ّذبون ‪ -‬أ�يها الم�شركون‪ -‬محمداً‬
‫وتو َّهمتم أ�نها ت�شفع لكم إ�لا مجرد أ��سماء لا حقائق لها‬ ‫فتجادلونه على ما ر آ�ه عيان ًا‪ ،‬و أ�نتم تعلمون أ�نه �صادق‬
‫فيما ا َّدعيتم لها من الألوهية‪� ،‬أنتم و آ�با ؤ�كم الذين ابتدعتم‬ ‫�أمين‪ ،‬ولقد ر أ�ى جبري َل على �صورته الحقيقية مر ًة‬
‫ت�سمي َتها‪ ،‬ما َ�أ ْن َز َل اللهُ بعبادتها من ُح ّجة تتعلقون بها‪.‬‬ ‫�أخرى‪ ،‬لـ ّما ُأ��ْ ِسي به �إلى ال�سماوات عند ِ�سدرة المنتهى‬
‫وما يتبع ه�ؤلاء �إلا ا ألوهام‪ ،‬وما ت�شتهيه �أنف ُ�سهم‪ ،‬ولقد‬ ‫‪ -‬وهي �شجرة في ال�سماء ال�سابعة لا تتجاوزها الملائكة‪،‬‬
‫أ�َر�سل الله �إليهم الر�سول بالحق والحجة القاطعة‪ ،‬ومع‬
‫و�إليها ينتهي عل ُم الخلائق‪ -‬عندها جنة الم�أوى‪ ،‬ر�آه‬
‫هذا تركوه ولم ينقادوا له‪.‬‬ ‫وال�ِّسدرة يغ�شاها من النور وا أل�سرار الإلهية ما لا يعلمه‬
‫على الحقيقة �إلا الله‪ ،‬فما ما َل ب�ص ُره‪ ،‬وما جاوز الح َّد‬
‫‪� 25 24‬إ َّن ما عليه الم�شركون من الوهم لا ي ُـجدي‬ ‫الذي ُح ِّد َد له ‪ -‬وهذا من كمال �أدبه ‪ -‬ولقد ر�أى‬
‫نفع ًا ‪ -‬ومنه َط َمعهم في �شفاعة آ�لهتهم‪ -‬فلا ُيعطى‬ ‫محم ٌد ليلة ُع ِرج به إ�لى ال�سماء من �آيات ربه العظام ما‬
‫الإن�سان ح�س َب تمنيه‪ ،‬فا ألمور لا َتري على �إرادته‪،‬‬
‫يقف عنده العقل ولا يدركه الح� ُّس‪.‬‬
‫و إ�نما لله �أمر الدنيا وا آلخرة‪.‬‬
‫‪� 20 19‬أر أ�يتم ‪ -‬أ�يها الم�شركون‪ -‬هذه ا أل�صنام التي‬
‫‪ 26‬وكثي ٌر من الملائكة المق َّربين لدينا في ال�سماوات‪،‬‬ ‫تعبدونها كاللات وال ُع َّزى‪ ،‬و َمنا َة الثالثة الأخرى �أ َلها‬
‫لو �أرادوا أ�ن ي�شفعوا ألحد لا ُتغني �شفاعتهم �شيئ ًا حتى‬
‫يكون الله قد �أَ ِذن لهم‪ ،‬و َير�ضى بال�شفاعة للم�شفوع له‪.‬‬ ‫قدر ٌة على �شيء‪� ،‬أم هي جمادات لا ت�ضر ولا تنفع؟!‬

‫‪ 22 21‬كيف تجعلون لله ما تكرهون من ا إلناث‪،‬‬

‫وتجعلون ألنف�سكم ما تحبون من الذكور؟! وذلك أ�نهم‬
‫قالوا‪� :‬إن الملائكة بنات الله‪ .‬تلك إ�ذ ْن ِق�سم ٌة ظالم ٌة‪ ،‬مائل ٌة‬

‫عن الحق‪.‬‬

‫‪526‬‬

‫وملك ًا‪ ،‬فلا ي�شاركه في تدبير ا ألمر فيهما أ�حد‪ ،‬فهو‬ ‫‪ 28 27‬إ� ّن ه ؤ�لاء الكفار الذين لا ي ؤ�منون بيوم‬
‫القيامة‪ ،‬وما فيه من ثواب وعقاب‪َ ،‬لي ُ�ض ُّمون إ�لى كفرهم‬
‫عالم ب َخ ْلقه‪ ،‬قادر عليهم‪ ،‬خلق ا إلن�سان و أ�ر�سل الر�سل‪،‬‬ ‫َمقال ًة �َش ْنعا َء‪ ،‬وهي �أنهم ُي�سمون الملائكة ت�سمي َة الإناث‪،‬‬
‫ليجزي الذين َع�صوه من َخ ْلقه بعقابهم على ما عملوا‬ ‫ويقولون‪ :‬هم بنات الله‪ ،‬وما لهم بما يقولون ِمن ِعلم‪،‬‬
‫من ال�سوء‪ ،‬ويجزي الذين أ�ح�سنوا في الدنيا ف�آمنوا به‬ ‫بل قالوه جهل ًا وجر�أة و�ضلالة‪ ،‬وما ي َّتبعون في ذلك‬
‫إ�لا الظ َّن والتو ُّهم‪ ،‬و�إ َّن الظن لا يقوم َمقام العلم‪� ،‬إذ لا‬
‫و أ�طاعوه بالـ َمثوبة الح�سنى‪ ،‬وهي الجنة‪ ،‬وهم الذين‬ ‫ُتعرف الحقائق بالظن و إ�نما با ألدلة المو�صلة إ�لى اليقين‪.‬‬
‫يجتنبون كبائر الذنوب والفواح�ش كالزنا وما ُي�ْشبهه‬
‫في ال ُفح�ش‪ ،‬إ�لا �صغائ َر الذنوب التي ي أ�تونها الـ َم ّرة بعد‬ ‫‪ 30 29‬فد ْع ‪ -‬أ�يها الر�سول بعد �أن ب َّلغت وب َّينت‪-‬‬
‫الـ َم ّرة دون إ��صرار‪ ،‬ف إ�نها ُتغفر لهم باجتنابهم الكبائر‬ ‫مجادل َة َمن َ�أعر�ض عن القر�آن الذي �أنزلناه تذكر ًة ب ّين ًة‪،‬‬
‫وبلزومهم الطاعات وبرحمة الله بهم‪� .‬إ َّن ر َّبك وا�سع‬ ‫و َق َ� َص َمط َلبه على الحياة الدنيا‪ ،‬فلن ُتفيد دعوته إ�لا‬
‫المغفرة‪ ،‬فهو لا ي�ؤاخذهم بها‪ ،‬و َيقبل توبتهم �إ ْن تابوا‪،‬‬ ‫عناداً‪ ،‬ف َط َل ُب الدنيا هو نهاي ُة علمهم و إ�دراكهم‪ ،‬إ� َّن‬
‫وهو تعالى �أعلم ب أ�حوالكم ‪ -‬بالم ؤ�من والكافر‪ ،‬والمطيع‬ ‫ر َّب َك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬هو �أعلم ‪ -‬ب�سابق علمه‪ -‬بمن‬
‫والعا�صي‪ -‬حين َخ َلقكم من ا ألر�ض‪ ،‬وحين كنتم �َأج َّنة‬ ‫حا َد عن الح ِّق و�أ�ص َّر على ال�ضلالة فلا ي ؤ�من‪ ،‬وهو أ�علم‬
‫في بطون أ�مهاتهم‪ ،‬فلا تمدحوا �أنف َ�سكم على �سبيل‬
‫الإعجاب‪ ،‬ولا ُتب ِّر ؤ�وها عن الآثام‪ ،‬فهو تعالى أ�علم بمن‬ ‫بمن اهتدى‪.‬‬

‫اتقى عقوبة الله‪ ،‬و�أَخل�ص العمل له‪.‬‬ ‫‪ 32 31‬ولله ما في ال�سماوات وما في ا ألر�ض‪ ،‬علم ًا‬

‫‪� 44 - 33‬أفر أ�ي َت ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ُ -‬ق ْب َح حال الذي‬
‫َأ�عر�ض عن الإيمان بعد أ�ن اقترب منه‪ ،‬و�أعطى قليل ًا‬

‫من المال‪ ،‬ثم امتنع عن العطاء‪� ،‬أعند هذا المان ِع عل ُم‬
‫الغيب أ�نه �س َينفد ما في يده إ�ن ا�ستم َّر في النفقة‪ ،‬فهو‬
‫يرى ذلك عيان ًا؟ كلا‪ ،‬لي�س ا ألمر كذلك‪ ،‬و إ�نما أ�م�سك‬

‫عن ال�صدقة والمعروف ُبخل ًا و�ش ّح ًا ‪ -‬وقد نزلت هذه‬
‫الآيات في �شخ�ص بعينه من م�شركي مكة‪� -‬ألم ُيـ ْخـ َبـ ْر‬
‫بما في التوراة‪ ،‬و ُ�صحف إ�براهيم الذي أ�ت َّم ما أ�مره الله‬
‫به‪� ،‬أنه لا ت ؤ�ا َخذ نف� ٌس ب إ�ثم غيرها؟! و�أنه لي�س للإن�سان‬
‫�إلا �أج ُر عمله‪ ،‬و�أ َّن �َسعيه �سوف ُيعر�ض يوم القيامة‪ ،‬ثم‬
‫ي ُـجزاه الجزاء الأكمل‪ ،‬و أ� َّن َمرجع العباد و َم�صيرهم إ�لى‬
‫الله‪ ،‬و أ�نه تعالى هو �أف َر َح َم ْن �شاء من عباده‪ ،‬و َ�أحزن َم ْن‬
‫�شاء‪ ،‬و�أنه المالك وحده ألمر الموت والحياة‪� ،‬أمات َمن‬
‫أ�مات ِم ْن خلقه‪ ،‬و أ�حيا َمن �أحيا منهم‪� ،‬سبحانه هو الذي‬
‫أ�وجد هذه المتقا ِبلات‪ ،‬وا ألمر فيها كلها إ�ليه‪ ،‬ولا َيقدر‬

‫على ذلك غيره‪.‬‬

‫‪527‬‬

‫معجز ًة لمحمد ‪ - -‬و�إ ْن َي َر الكفا ُر من قري�ش معجز ًة‬ ‫‪� 49 - 45‬ألم يعلم الـ ُم ْع ِر�ُض عن الإيمان �أن الله هو‬
‫تد ُّل على �صدق الر�سول كان�شقاق القمر‪ُ ،‬ي ْع ِر ُ�ضوا عن‬ ‫الخالق بقدرته ال ِّ�صنفين‪ :‬الذكر والأنثى‪ ،‬من نطفة ُت ْد َفق‬
‫ت أ� ُّملها وا إلِيمان بها‪ ،‬ويقولوا‪ :‬هو ِ�سحر قو ٌّي م�ستح ِكم‪.‬‬ ‫في الرحم؟ و أ� َّن عليه تعالى الإحياء بعد ا إلماتة للح�ساب‬
‫وك َّذبوا النب َّي‪ ،‬وما عاينوا من دلائل قدرة الله‪ ،‬واتبعوا‬ ‫يوم القيامة‪ ،‬و�أنه هو الذي كفى عباده حاجات‬
‫ما ز ّين لهم ال�شيطان ِمن ر ِّد الحق بعد ظهوره‪ .‬وك ُّل أ�مر‬ ‫َمعا�شهم‪ ،‬وزادهم ما يقتنونه وي ّدخرونه‪ .‬و أ�نه تعالى‬
‫وهو ما جاء به‬ ‫له م‪‬ن‪َ -‬يغايظةه ير�سوتَيثقب ُّرتعليواهلباا‪،‬طفاُلليحزُّقول‪-‬‬ ‫لاب َّد‬ ‫هو ر ُّب ال�ِّشعرى‪ ،‬وهو نج ٌم كانت تعبده بع�ض قبائل‬
‫ويذهب‪ .‬ولقد‬ ‫النبي‬
‫العرب‪.‬‬
‫جاء كفا َر مكة في القر�آن من أ�خبار ا ألمم الما�ضية المك ِّذبة‬
‫ما فيه عبر ٌة لهم ومن ٌع عن التمادي في الباطل‪.‬‬ ‫‪ 52 - 50‬و�أنه تعالى هو أ�هلك عاداً ا ألولى الذين‬
‫كانوا قبل ثمود‪ ،‬وهم قو ُم هود عليه ال�سلام‪ ،‬و�أهلك‬
‫‪ 6 5‬والقر آ�ن ِحكم ٌة تا َّمة‪ ،‬قد بلغت الغاية‪،‬‬ ‫ثمو َد‪ ،‬وهم قوم �صالح عليه ال�سلام‪َ ،‬فما أ�بقى أ�حداً من‬
‫ولكن �أ ّي �شيء تفيده ال ُّن ُذر أ�قوام ًا �أ�صروا على الكفر؟!‬ ‫الفريقي ِن‪ .‬و�أنه تعالى �أهلك قوم نوح ِمن قب ِل �إهلا ِك عا ٍد‬
‫ف أ�عر�ْض عنهم ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬بعد أ�ن ب ّين َت وب َّلغ َت‪،‬‬
‫وانت ِظر اليوم الذي ي ْدعوهم فيه الداعي �إلى �أمر فظيع‬ ‫وثمو َد‪ ،‬الذين كانوا هم �أظلم و أ�طغى منهما‪.‬‬

‫هائل‪.‬‬ ‫‪ 54 53‬و أ�هلك الله القرى التي انقلب ْت ب�أهلها‪،‬‬
‫حيث رفعها جبريل ب َجناحه إ�لى ال�سماء‪ ،‬ثم �أهواها �إلى‬
‫ا ألر�ض‪ ،‬وهم قوم لوط‪ ،‬فغ�ّشاها الله من �أنواع العذاب‬

‫ما َغ�َّشى‪ ،‬ب�أن َ�أ ْمطرها بحجارة من نار‪.‬‬
‫‪ 55‬فب�أ ِّي ِن َعم الله العظيمة ال ّدال ِة على وحدانيته‬

‫وقدرته تت�شكك �أو تكذ ُب �أيها ا إلن�سان؟!‬
‫‪ 56‬إ� َّن محمداً ‪ - -‬ر�سو ٌل ح ٌّق من ِج ْن�س الر�سل‬

‫المن ِذرين ال�سابقين‪ُ ،‬أ�ر�سل كما �أر�سلوا‪.‬‬

‫‪َ 58 57‬ق ُربت ال�ساعة و َد َن ْت‪ .‬لا ُقدر َة ألحد على‬
‫َك�ْشف �أهوالها إ�ذا وقعت إ�لا الله‪.‬‬

‫‪َ 62 - 59‬أ� َف ِمن هذا القر آ�ن العظيم َتعجبون َع َج َب‬
‫تكذيب ‪� -‬أيها الم�شركون المكذبون بالبعث‪-‬‬
‫وت�ضحكون ا�ستهزا ًء به‪ ،‬ولا تبكون مما فيه من الوعيد‪،‬‬
‫و أ�نتم لا ُهون ُمع ِر�ضون عن تدبره؟! فاتركوا ما �أنتم‬

‫عليه‪ ،‬واخ�ضعوا لله و�أخل�صوا له العبادة‪.‬‬

‫‪ 4 - 1‬اقتربت القيامة‪ ،‬وان�ش َّق القم ُر ِفلقتين‬

‫‪528‬‬

‫الألواح‪ ،‬ت�سير على وجه الماء بحفظنا ورعايتنا‪َ ،‬ف َع ْلنا به‬ ‫‪ 8 7‬يخرج الكافرون من القبور للح�شر خا�ضع ًة‬
‫وبهم ما فعلنا من إ�نجائه و إ�غراقهم؛ انت�صاراً لنوح الذي‬ ‫أ�ب�صا ُرهم ذليلة من الهول‪ ،‬ك أ�نهم في ال َك ْثة والانت�شار‬
‫في ا ألمكنة كالجراد المنت ِ�ش‪ ،‬يخرجون م�ْسعين ما ّدين‬
‫ُك ِف َر به‪.‬‬ ‫�أعنا َقهم �إلى الداعي‪ ،‬وهو إ��سرافيل‪ ،‬لا يتل َّك�ؤون ولا‬
‫‪ 17 - 15‬ولقد �أبقينا ِذ ْك َر َغر ِق َقو ِم نو ٍح عبر ًة‬ ‫يت�أ َّخرون‪ ،‬يقول الكافرون يومئذ‪ :‬هذا يو ٌم �صع ٌب‬
‫وعظ ًة‪ ،‬فهل من م َّتعظ ومعتبر بذلك؟ فكيف كان عذابي‬
‫و�إنذاري إ�ياهم؟! لقد كانا على كيف ّي ٍة هائل ٍة لا يحيط بها‬ ‫�شديد‪.‬‬
‫الو�صف‪ .‬ولقد �س ّهلنا القر آ�ن للحفظ والتذ ُّكر‪ ،‬فهل من‬
‫‪ 14 - 9‬ك َّذب قبل قومك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬قو ُم‬
‫متذ ِّكر م ّتعظ يعتبر وي ّتعظ بمواعظه و�آياته؟‬ ‫نوح‪ ،‬فكذبوا ر�سولنا نوح ًا ون�سبوه إ�لى الجنون‪،‬‬
‫و�أوذي �إيذا ًء �شديداً لينتهي ع ّما يدعو �إليه‪ ،‬فدعا نو ٌح‬
‫‪ 22 - 18‬كذبت قبيلة عاد ر�سو َلهم هوداً‪ ،‬فا�ْس َمعوا‬ ‫ر َّبه أ�ني مغلوب من قومي فانتق ْم لي ‪ -‬وذلك بعد �أ ْن‬
‫كيف كان هول عذابي ووقوع ما �أُنذروا به‪� ،‬أر�سل‬ ‫َ�ص َب على تمردهم و إ�يذائهم زمن ًا طويل ًا‪ ،‬و�أعلمه الله �أنه‬
‫الله عليهم ريح ًا �شديدة البرودة‪ ،‬في يوم �ش�ؤ ٍم عليهم‪،‬‬ ‫لن ي�ؤمن منهم �إلا َم ْن قد آ�من‪ -‬فا�ستجاب الله لنوح‪،‬‬
‫م�ستم ٍر �ش�ؤمه ودماره‪َ ،‬تقلعهم من ا ألر�ض‪ ،‬فترمي بهم‬ ‫ف أ�ر�سل المطر من�ص ّب ًا بقوة وغزارة‪ ،‬وجعل ا ألر�ض عيون ًا‬
‫على ر ؤ�و�سهم‪ ،‬ف َتف�صلها عن �أج�سادهم‪ ،‬ك�أنهم �أعجاز‬ ‫متفجر ًة بالماء‪ ،‬فالتقى ماء ال�سماء وماء ا ألر�ض‪ ،‬على �أمر‬
‫‪� -‬أي �أ�صول‪ -‬نخل بلا ر ؤ�و�س‪ ،‬قد ُقلع من ا ألر�ض‬ ‫قد ُق�ضي عليهم به‪ ،‬وهو الغرق‪ ،‬ونجينا نوح ًا ب أ� ْن حملناه‬
‫ف�سقط هامداً‪ .‬فكيف كان عذابي و إ�نذاري إ�ياهم؟!‬ ‫على �سفينة ذات أ�لواح من خ�شب وم�سامير ُت َ�ش ُّد بها‬
‫كان هائل ًا عظيم ًا‪ .‬ولقد ي�ّسنا القر آ�ن للحفظ والتذ ُّكر‪،‬‬

‫فهل من م َّتعظ متذ ِّكر به؟‬

‫‪ 25 - 23‬كذبت ثمو ُد بما أ�نذرهم به نب ُّيهم �صالح‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬أ�ن َّتبع ب�شراً مثلنا‪ ،‬واحداً ونحن الجماعة الكبيرة؟!‬
‫إ� ّنا لو ا ّتبعناه لك ّنا في خط�أ و ُب ْع ٍد عن الحق وجنون‪.‬‬
‫أ� ُي َخ�ُّص من بيننا بالنبوة والوحي‪ ،‬وفينا َمن هو أ�ح�سن‬
‫حال ًا و أ�ح ُّق منه بذلك؟! بل هو كذا ٌب متكب ٌر مع َج ٌب‬
‫بنف�سه‪َ ،‬ح َمله على ا ّدعاء ذلك ب َط ُره هذا‪ ،‬وطل ُبه التع ُّظم‬

‫علينا‪.‬‬

‫‪� 26‬سيعلم قو ُم �صالح قريب ًا‪ ،‬عند نزو ِل العذا ِب بهم‬
‫َمن الك َّذا ُب المتب ِّطر‪ ،‬أ�هم �أم �صالح؟!‬

‫‪ 27‬إ� ّنا مخرجو الناقة من ال�صخرة‪ ،‬كما طلبوا‬
‫‪� -‬آي ًة لهم على �صدق نبينا �صالح‪ -‬اختباراً لهم‪ ،‬فانتظ ْر‬
‫يا �صالح ما هم �صانعون‪ ،‬وا�صبر �صبراً �شديداً على ما‬

‫ي�صيبك من ا ألذى منهم‪.‬‬

‫‪529‬‬

‫‪ 45 - 43‬هل كفاركم ‪ -‬يا �أهل مكة‪ -‬أ��ش ُّد و�أقوى‬ ‫‪ 30 - 28‬و�أخب ْر قو َمك يا �صالح �أن الماء الذي‬
‫ممن َتق َّدمكم من الأمم التي أ�هلكناها ب�سبب كفرهم؟ �أَم‬ ‫َت ِردون عليه لل�شرب‪ِ ،‬ق�ْس َم ٌة بينهم وبين الناقة‪ ،‬لها يوم‬
‫لكم براءة من عذاب الله هي في الكتب المن َّزل ِة على الر�سل‬ ‫ت�شرب فيه ولكم يوم‪ ،‬يح�ضر ك ُّل �صاحب يوم في يومه‪.‬‬
‫من قبل؛ ف أ�نتم في أ�مان بهذه البراءة؟ أَ�م يقول كفار مكة‪:‬‬ ‫فا�ست َمروا على ذلك ثم َم ُّلوا‪ ،‬فنا َدوا عاق َر الناقة‪ ،‬فتناول‬
‫نحن جميع َي ٌد واحد ٌة على َمن خالفنا فننت�صر منهم‪ ،‬فقل‬ ‫ال�سيف فقتلها بعد �أن أ��صابها في �ساقها‪ .‬فكيف كان‬
‫لهم ‪� -‬أيها الر�سول‪� :-‬س ُيهزم جم ُعكم ويولون هاربين‪.‬‬ ‫عذابي قوم �صالح و�إنذاري �إياهم لما عقروا الناقة؟! كان‬

‫وقد ُهزموا يوم بدر وف ّروا بلي ٍل في غزوة الأحزاب‪.‬‬ ‫هائل ًا عظيم ًا‪.‬‬

‫‪َ 46‬بل �ساع ُة القيامة موعدكم يا كفار مكة‪ ،‬وهي‬ ‫‪ 32 31‬إ� ّنا �أر�سلنا على ثمود جبري َل ف�صا َح بهم‬
‫�أفظع و أ��ش ُّد َمرار ًة من القتل والهزيمة والفرار‪.‬‬ ‫�صيح ًة واحد ًة‪ ،‬ف أ�هلكتهم ود َّمرتهم‪ ،‬فكانوا كحطام‬
‫ال�شجر و أ�عواده وكالك أل الياب�س الذي يجمعه �صاح ُب‬
‫‪� 48 47‬إ َّن الذين �أجرموا بكفرهم في ُب ْع ٍد عن‬ ‫الغنم لي�صنع منه حظيرته‪ .‬ولقد ي�َّسنا القر آ�ن للحفظ‬
‫الحق في الدنيا‪ ،‬وهم في نيران ُم�س َّعرة يوم القيامة‪ ،‬يوم‬
‫ُي�سحبون في النار على وجوههم‪ ،‬ويقال لهم‪ :‬قا�سوا‬ ‫والتذ ُّكر‪ ،‬فهل من م َّتعظ متذ ِّكر به؟‬

‫عذاب جهنم و�ش َّد َة ح ِّرها‪.‬‬ ‫‪ 35 - 33‬كذبت قو ُم لوط بما �أنذرهم به ر�سو ُلنا‬
‫‪� 49‬إ ّنا خلقنا ك َّل �شي ٍء بتقدي ٍر مح َك ٍم �ساب ٍق في ِعلمنا‪،‬‬ ‫لوط‪ .‬إ�نا �أر�سلنا عليهم ريح ًا َترميهم بحجارة من طين‬
‫متح ِّجر توال ْت عليهم حتى أ�هلكتهم‪� ،‬إلا لوط ًا وابنتيه‬
‫توجد ا أل�شياء طبق ًا له‪.‬‬ ‫و َمن �آمن معه نجيناهم ب�أن �أخرجناهم من بيوتهم �آخر‬
‫الليل قبل نزول العذاب إ�نعام ًا م ّنا‪ .‬وكما جزينا لوط ًا‬
‫و َم ْن معه فنجيناهم من عذابنا نجزي َم ْن �شكر نعمة الله‬

‫ب إ�يمانه وطاعته‪.‬‬

‫‪ 40 - 36‬ولقد �أنذر لو ٌط قو َمه بط�ش َة الله وعذا َبه‬
‫ال�شديد‪ ،‬ف َ�ش ُّكوا في الإنذار‪ ،‬ولم ي�صدقوه‪ .‬ومن‬
‫فجورهم �أنهم طلبوا من لوط �أن يخ ِّلي بينهم وبين‬
‫�ضيوفه و أ�ل ّحوا في الطلب ومحاولة الو�صول �إليهم‪ ،‬غير‬
‫عالمين أ�نهم ُر�سل من الملائكة‪ ،‬ف�أع َمينا أ�عينهم‪ ،‬وقلنا‬
‫لهم‪ :‬ذوقوا عذابي وعاقبة تكذيبكم‪ .‬ولقد نزل بهم �أو َل‬
‫النهار عذا ٌب ثاب ٌت م�ستق ٌّر بهم‪ ،‬ما انفك عنهم و�أف�ضى‬
‫بهم جميع ًا �إلى الهلاك‪ ،‬وقلنا لهم تبكيت ًا‪ :‬ذوقوا عذابي‬
‫وعاقبة تكذيب �إنذاري‪ .‬ولقد ي�سرنا القر آ�ن للحفظ‬

‫والتذكر‪ ،‬فهل ِم ْن م ّتعظ متذ ِّكر به؟‬

‫‪ 42 41‬ولقد جاء آ� َل فرعون ال ُّن ُذر المتكررة على‬
‫ل�سان مو�سى ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬الم ؤ� َّيدة بالمعجزات‬
‫والدلائل الباهرات‪ ،‬فكذبوا بها ك ِّلها فعاقبناهم عقوب َة‬

‫�شدي ٍد لا ُيغا َل ُب‪ ،‬مقتد ٍر لا يعجزه �شيء‪.‬‬

‫‪530‬‬

‫‪ 4 - 1‬الرحم ُن برحمته وم َّنته ع َّلم نب َّيه وعبا َده‬ ‫‪ 50‬وما �أَم ُرنا ل�شيء �إذا أ�ردنا تكوينه إ�لا كلم ًة واحد ًة‬
‫القر آ� َن‪ ،‬الذي هو �أج ُّل النعم و أ�كثرها نفع ًا‪ ،‬و أ�عظم‬ ‫‪ -‬وهي ُك ْن ‪ -‬فيكون �سريع ًا‪ ،‬ك�سرعة ل َـ ْمح الب�صر‪ .‬وهذا‬
‫معجزة آ�تاها نبيه ‪ .‬وبرحمته خلق ا إلن�سان في‬ ‫إ�علام بكمال القدرة‪ ،‬وتحذي ٌر للظالمين من عذاب الله‪.‬‬
‫�أح�سن تقويم‪� ،‬أوجد فيه الا�ستعدا َد لتع ُّلم النطق‪ ،‬و آ�تاه‬
‫القدرة على الإعراب ع ّما في نف�سه من المعاني والمقا�صد‪،‬‬ ‫‪ 53 - 51‬ولقد �أهلكنا ‪ -‬أ�يها الم�شركون‪� -‬أ�شبا َهكم‬
‫في الكفر وتكذيب الر�سل من ا ألمم ال�سابقة‪ ،‬فهل من‬
‫وم ّيزه بذلك عن �سائر الحيوان‪.‬‬ ‫م َّتع ٍظ بذلك؟! وك ُّل �شيء فعله ه ؤ�لاء الكفار قب َلكم‬
‫مد َّو ٌن في الكتب التي كتبها الح َف َظة‪ ،‬وك ُّل �صغي ٍر وكبي ٍر‬
‫‪ 9 - 5‬ال�شم� ُس والقمر يجريان بتقدير الرحمن‬ ‫من أ�فعال الخلق و أ�قوالهم مكتو ٌب عندنا م�س ّجل على‬
‫‪ -‬تعالى‪ -‬في بروجهما متعاق َبين بح�سا ٍب دقي ٍق لم�صالح‬
‫العباد‪ .‬والنج ُم ‪ -‬وهو النبات الذي لا �ساق له‪ -‬وكذا‬ ‫�صاحبه‪.‬‬
‫ال�شجر ينقادان لله تعالى فيما ُخ ِل َقا له‪ .‬وجعل الله‬
‫ال�سماء بقدرته مرفوع ًة عن الأر�ض‪ ،‬و�شر َع العد َل و أ�مر‬ ‫‪ 55 54‬إ� َّن الذين اتقوا عقاب الله بطاعته‪ ،‬يقيمون‬
‫به؛ لت�ستقيم حياتكم وتنتظم م�صالحكم؛ فلا تجوروا‬ ‫في ا آلخرة في ب�ساتين عظيمة متنوعة‪ ،‬و�أنها ٍر ينعمون‬
‫وتظلموا‪ ،‬و�أقيموا الوزن بالعدل في كل �ش�أن من‬ ‫بها‪ ،‬في مجل�س ح ٍّق َم ْر�ض ٍّي‪ ،‬لا َل ْغو فيه ولا ت�أثيم‪ ،‬وهو‬
‫�ش ؤ�ونكم‪ ،‬ولا تنق�صوا الميزان ولا تف�سدوه بمخالفتكم‬ ‫الجنة‪ ،‬مق َّربين عند ملك عظيم وا�س ِع الملك‪ ،‬قاد ٍر على‬

‫ألمر الله و�شرعه‪.‬‬ ‫كل �شيء‪ ،‬فهم في غاية ال�شرف والكرامة‪.‬‬

‫‪ 13 - 10‬والأر�َض ب�سطها الله وم َّهدها لمنافع َم ْن‬
‫على ظهرها‪ ،‬فيها ما تحتاجون إ�ليه وتتنعمون به‪ :‬فيها‬
‫أ��صنا ٌف من الفاكهة‪ ،‬وفيها النخل ذا ُت الأوعية البديعة‬
‫التي يكون فيها الثمر‪ ،‬غذا ًء لكم و َت َف ُّكه ًا‪ ،‬وفي الأر�ض‬
‫الـ َح ُّب الذي تتق ّوتون به‪ ،‬ذو الق�شر الذي َت ْع�صف به‬
‫الرياح‪ ،‬ويكون علف ًا ل ألنعام‪ ،‬وفيها النباتات ذات‬
‫الروائح الطيبة التي تريح النفو�س و ُتبهجها‪ .‬فب أ� ِّي‬
‫�شيء ِم ْن نعم الله ودلائل قدرة الله تعالى ال�سابقة التي‬
‫َت�ستوجب عليكم توحيده وطاعته و�شكره تجحدون‬

‫وتنكرون‪ ،‬يا مع�شر الجن والإن�س؟!‬

‫‪ 16 - 14‬خلق الله �آدم ‪ -‬وهو �أ�صل الإن�سان‪ -‬من‬
‫طي ٍن ياب� ٍس ُي�سمع له �صو ٌت إ�ذا ُنقر عليه‪ ،‬كال َف ّخار في‬
‫ُيب�سه‪ ،‬و َخل َق الجا َّن ِمن خليط ِمن لهب النار‪ ،‬فب أ� ِّي ِن َعم‬

‫الله يا مع�شر ال َّث َق َلين ُتك ِّذبان؟!‬

‫‪531‬‬

‫‪ 36 - 33‬يا مع�شر الجن وا إلن�س �إن َق َد ْرتم �أن‬ ‫‪ 18 17‬وهو تعالى ر ُّب م�شرق ال�شم�س في ال�صيف‪،‬‬
‫تخرجوا من �أرجاء ال�سماوات وا ألر�ض ونواحيها هرب ًا‬ ‫وم�شرقها في ال�شتاء‪ ،‬ور ُّب َمغربيها كذلك‪ ،‬والمت�ص ِّرف‬
‫من ح�ساب ربكم فافعلوا‪ ،‬لا َت ْنفذون إ�لا بقدرة و َغ َلبة‪،‬‬
‫و�أ َّنى لكم ذلك‪ ،‬فب أ� ِّي ِن َعم الله ‪ -‬والتي منها �إنذا ُركم‬ ‫فيهما بقدرته وحكمته‪ ،‬فب أ� ِّي ِن َعم الله ُتك ِّذبان؟!‬
‫وتحذيركم لئلا تتمادوا في كفركم وف�سقكم‪ -‬تك ِّذبان؟!‬
‫ولو ذهبتم هاربين أُلر�سل عليكم له ٌب من نار‪ ،‬ونحا� ٌس‬ ‫‪ 23 - 19‬وهو الذي جعل البحرين المال َح والع ْذ َب‬
‫مذاب لترجعوا‪ ،‬فلا ُم َخ ِّل�ص لكم ولا نا�صر‪ ،‬فب أ� ِّي ِن َعم‬ ‫يلتقيان‪ ،‬وجعل بينهما حاجزاً بقدرته‪ ،‬فلا يختلطان‬
‫الله ‪ -‬والتي منها إ�نذا ُركم وتحذيركم‪ -‬تك ِّذبان يا مع�شر‬ ‫فيغ ِّي �أح ُدهما خ�صائ�ص ا آلخر ويعطل منافعه‪ ،‬فب�أ ِّي‬
‫ِنعم الله يا مع�شر ا ِإلن�س والجن ُتك ِّذبان؟! ي َـخ ُرج‬
‫الجن وا إلن�س؟!‬ ‫منهما ‪� -‬أي من المالح منهما؛ ألنهما لـ ّما التقيا �صارا‬
‫كال�شيء الواحد‪ -‬ح ُّب الل ؤ�ل ؤ�‪ ،‬والـ َمرجان‪ ،‬فب أ� ِّي ِن َعم‬
‫‪ 40 - 37‬ف إ�ذا قامت القيام ُة وان�شقت ال�سما ُء لتنزل‬
‫الملائكة منها‪ ،‬فكانت ُم ْحم ّر ًة من ح ِّر النار كالورد‪،‬‬ ‫الله ُتك ِّذبان؟!‬
‫مائع ًة كال ُّدهن‪ ،‬فب�أ ِّي ِنعم الله ‪ -‬والتي منها إ�نذا ُركم‬
‫لتنزجروا‪ -‬تك ِّذبان؟! ففي هذا اليوم لا ُي�س�أل المجرمون‬ ‫‪ 25 24‬وله تعالى ال�سف ُن الجارية في البحر كالجبال‪،‬‬
‫من �إن� ٍس وج ٍّن عن ذنوبهم ل ُيعلم حا ُلهم؛ ألنه معلو ٌم عند‬ ‫�أ ْل َه َم الله النا� َس ُ�صنعها‪ ،‬تجري م�س َّخر ًة ب�إذنه وحده‬
‫وتحت ت�ص ُّرفه‪ ،‬ولو �شاء لجعلها راكدة‪ ،‬فب�أ ِّي تلك ال ِّنعم‬
‫ربهم‪ ،‬فب أ� ِّي ِن َعم الله ُتك ِّذبان؟!‬
‫يا مع�شر الجن والإن�س ُتك ِّذبان؟!‬
‫‪532‬‬
‫‪ 28 - 26‬ك ُّل َم ْن على ا ألر�ض من إ�ن� ٍس وج ٍّن‬
‫وحيوا ٍن �صائ ٌر �إلى الموت والفناء‪ ،‬ولا يبقى ‪� -‬أيها‬
‫النبي‪� -‬إ ّل ر ُّبك ذو العظمة والإنعام‪ ،‬والذي يعامل‬
‫خلقه بمقت�ضى عظمته وكرمه‪ ،‬فب�أ ِّي ِن َعم الله يا مع�شر‬

‫الجن وا إلن�س ُتك ِّذبان؟!‬

‫‪ 30 29‬وك ُّل الخلق مفتقرون إ�لى الله لا ي�ستغنون‬
‫عنه‪ ،‬ي�س�أله ك ُّل َم ْن في ال�سماوات وا ألر�ض حاجاتهم‪،‬‬
‫�سواء بل�سان الـ َمقال �أو بل�سان الحال‪ ،‬وهو في كل وقت‬
‫من ا ألوقات في �ش�أ ٍن عظيم‪ُ ،‬يج ِري أ�قداره وي�ص ِّرف‬
‫�ش ؤ�ون خلقه‪ ،‬ف ُيحيي ويميت‪ ،‬و ُيع ُّز ويذ ُّل‪ ،‬ويعطي‬
‫ويمنع‪ ،‬ويعاقب ويغفر‪� ،‬إلى غير ذلك مما لا ُيح�صى‪،‬‬

‫فب أ� ِّي نعمة من تلك النعم تك ِّذبان؟!‬

‫‪� 32 31‬سنحا�سبكم يا مع�شر الجن وا إلن�س ح�ساب ًا‬
‫مح َّقق ًا‪ ،‬فنثيب أ�ه َل الطاعات‪ ،‬ونعاقب �أه َل الكفر‬

‫والمعا�صي‪ ،‬فب أ� ِّي ِن َعم الله ُتك ِّذبان؟!‬

‫يا مع�شر الجن والإن�س ُتك ِّذبان؟!‬

‫‪ 49 48‬وهاتان الجنتان اللتان ُي�ؤتاهما الخائفون‬
‫مقا َم ربهم‪ ،‬مو�صوفتان ب�صفات عظيمة‪ :‬فهما ذواتا‬
‫أ�غ�صا ٍن عظيمة بديعة كثيرة الورق والثمار‪ ،‬فب�أ ِّي نعمة‬

‫من ِنعم الله ُتك ِّذبان؟!‬

‫‪ 55 - 50‬وفي ك ِّل َج ّنة من الجنتين عي ٌن تجري بالماء‬
‫ال َعذب‪ ،‬فب أ� ِّي ِنعم الله تك ِّذبان؟! وفيهما كذلك من ك ِّل‬
‫نو ٍع من أ�نواع الفاكهة ِ�صنفان يتل ّذذ بها المخ َّلدون فيها‪،‬‬
‫فب أ� ِّي ِنعم الله المتعددة تك ِّذبان؟! و أ� ّما َمل�سهم‪ :‬فهم على‬
‫حال أ�هل التر ُّف ِه والنعيم؛ متكئين في جل�ستهم على ُب�ُسط‬
‫بطائنها الداخلية ِمن حري ٍر �سمي ٍك‪ ،‬ف إ�ذا كان هذا َو ْ�ص ُف‬
‫بطائنها فظواهرها أ�جمل و أ�نف�س‪ ،‬وثما ُر الجنتين متدلي ٌة‬
‫قريبة منهم‪ ،‬متى �شا ؤ�وا اقتطفوا منها دون َعنا ٍء‪ ،‬فب أ� ِّي‬

‫ِنعم الله ُتك ِّذبان؟!‬

‫‪ 59 - 56‬وفي هاتين الجنتين وما ا�شتملتا عليه من‬ ‫‪ُ 42 41‬ي ْع َر ُف يوم القيامة المجرمون من الإن�س‬
‫الق�صور وال ُغ َرف ن�سا ٌء �أع َّده َّن الله ألهلها‪َ ،‬ي ْق�صرن‬ ‫والجن ب�سواد وجوههم و ُزرقة �أعينهم‪ ،‬في�ؤخذ بمق َّدم‬
‫أ�ب�صارهن على أ�زواجهن‪ ،‬فلا يلتفتن �إلى غيرهم‪ ،‬ه َّن‬ ‫ر ؤ�و�سهم و ُتمع �إلى أ�قدامهم فيلقون في النار‪ ،‬والعياذ‬
‫�أبكا ٌر لم يط�أهن َقبل أ�زواجهن �أح ٌد من إ�ن� ٍس �أو ج ٍّن‪،‬‬ ‫بالله‪ .‬فب�أ ِّي نعم الله ‪ -‬ومنها تخويفكم عذابه‪ُ -‬تك ِّذبان؟!‬
‫فب�أ ِّي ِن َعم الله تك ِّذبان؟! ك أ�نه َّن في �صفائهن وجمالهن‬
‫و ُحمرة خدودهن الياقو ُت والمرجان‪ ،‬فب أ� ِّي ِنعم الله‬ ‫‪ُ 45 - 43‬يقال للمجرمين الم�شركين بالله يوم القيامة‬
‫توبيخ ًا وتقريع ًا لهم‪ :‬هذه النار التي كنتم تك ّذبون بها‪،‬‬
‫ُتك ِّذبان؟!‬ ‫ها هي حا�ضرة ت�شاهدونها ِعيان ًا‪ .‬وعذا ُب المجرمين فيها‬
‫لا ينقطع‪ ،‬فهم ي�سعون فيها متر ِّددين بين نار تحرقهم‪،‬‬
‫‪ 61 60‬لي�س جزا ُء َمن �أح�سن في الدنيا بطاعة ربه‬ ‫وما ٍء حا ٍّر بلغ منتهاه في الحرارة ُي�ْس َقونه �أو ُي َ�صب عليهم‪،‬‬
‫إ� ّل أ�ن ُي ْح ِ�سن الله إ�ليه بالنعيم في ا آلخرة‪ ،‬فب�أ ِّي ِنعم الله‬ ‫فب�أ ِّي نعم الله المقت�ضية �شكر المنعم وطاعته ‪ -‬والتي من‬
‫جملتها تخوي ُفكم‪ ،‬لترغبوا في الخير‪ ،‬وتبتعدوا عن‬
‫ُتك ِّذبان؟!‬
‫ال�شر‪ُ -‬تك ِّذبان؟!‬
‫‪ 67 - 62‬و أ�َ ْدنى في المنزلة من هاتين الجنتين المع َّدتين‬
‫لم ْن خاف َمقام ربه‪ :‬جنتا ِن �أخريان‪ ،‬فيهما �ألوا ٌن عظيمة‬ ‫‪ 47 46‬و�أ ّما ثواب المتقين‪ ،‬ف�إ َّن لكل َمن خاف‬
‫من �ألوان النعيم‪ ،‬فب أ� ِّي ِنعم الله ُتك ِّذبان؟! َخ ْ�ضاوتان‪،‬‬ ‫وقو َفه بين يدي ربه للح�ساب‪ ،‬ومراقب َته له ف�أطاعه‬
‫َت�ضرب ُخ ْ�ض ُتهما من �شدتها �إلى ال�سواد‪ ،‬فب�أ ِّي ِنعم الله‬ ‫وانتهى عن مع�صيته جنتين يتن َّعم فيهما‪ ،‬فب�أ ِّي ِنعم الله‬
‫ُتك ِّذبان؟! فيهما عينان تفوران بالماء فوران ًا لا ينقطع‪،‬‬

‫فب�أ ِّي ِنعم الله ُتك ِّذبان؟!‬

‫‪533‬‬

‫‪ 10 - 7‬و ُق�ِّسمتم ‪� -‬أيها النا� ُس‪ -‬يوم القيامة ثلاث َة‬ ‫‪ 69 68‬في هاتين الجنتين فاكه ٌة كثيرة‪ ،‬وفيهما نخ ٌل‬
‫�أ�صناف بح�سب أ�عمالكم الح�سنة وال�سيئة؛ ف أ��صحا ُب‬ ‫ور ّمان ‪ -‬وقد ُخ ّ�صا بالذكر بيان ًا لف�ضلهما‪ ،‬فثمرة النخل‬
‫اليمين‪ ،‬الذين ُي ؤ�تون كتابهم بيمينهم ِ�صن ٌف‪ ،‬ما �أعظ َم‬ ‫فاكهة وغذاء‪ ،‬والرمان فاكهة ودواء‪ -‬فب�أ ِّي ِنعم الله‬
‫و�أفخ َم �ش أ�نهم! و أ��صحا ُب ال�شمال‪ ،‬الذين ُي ؤ�تون كتابهم‬
‫ب�شمالهم ِ�صن ٌف‪ ،‬ما �أفظ َع و أ��سو َأ� حالهم! وال�سابقون‬ ‫يا مع�شر الجن والإن�س ُتك ِّذبان؟!‬
‫وهم الذين �سبقوا إ�لى ا إليمان بالر�سل و أ�طاعوهم ِ�صن ٌف‬
‫ثالث يوم القيامة‪ ،‬بلغوا منتهى الف�ضل وال ِّرفعة‪ ،‬فلا �أد َّل‬ ‫‪ 75 - 70‬وفي هاتين الجنتين وما ا�شتملتا عليه من‬
‫ق�صور و ُغ َرف ن�سا ٌء فا�ضلا ُت النف�ِس كريما ُت ال ُخلق‪،‬‬
‫على حالهم ومرتبتهم من َو ْ�صفهم ب�صفة ال�سبق‪.‬‬ ‫ح�سا ُن الـ َخلق والهيئة‪ ،‬فب�أ ِّي ِنعم الله الحا�صلة َقطع ًا‬
‫ُتك ِّذبان؟! ومن �ش َّدة ح�سنه َّن �أنه َّن نقيات البيا�ض‪،‬‬
‫‪ 16 - 11‬ه�ؤلاء ال�سابقون هم الم�ص َطفون الذين‬ ‫وحالـ ُهن أ�نه َّن ملازمات لبيوته ّن م�صونات‪ ،‬قد ق�صرن‬
‫ع َل ْت درجاتهم عند الله‪ ،‬في جنات النعيم‪ ،‬وهم جماع ٌة‬ ‫أ�نف�سهن على أ�زواجهن‪ ،‬فب�أ ِّي ِنعم الله ُتك ِّذبان؟! وه َّن‬
‫كثير ٌة من ا ألمم الكثيرة الما�ضية‪ ،‬وطائف ٌة قليل ٌة من أ�مة‬ ‫أ�بكا ٌر لم يط�أهن َقبل أ�زواجهن من الإن�س �أو الج ّن أ�ح ٌد‪،‬‬
‫محمد ‪ -‬بالن�سبة �إلى مجموع ال�سابقين قبلهم‪-‬‬
‫فب�أ ِّي ِنعم الله ُتك ِّذبان؟!‬
‫م�ستق ِّرين على �ُسر من�سوجة بالذهب‪ ،‬مطمئنين‪،‬‬
‫ي أ�ن�سون بمقابلة و ُمحادثة بع�ضهم بع�ض ًا‪.‬‬ ‫‪ 77 76‬و�أ ّما مجل�س أ�هل هاتين الجنتين فمجل�س تر ُّف ٍه‬
‫ونعيم‪ ،‬حيث يتكئون في جل�ستهم على و�سائد و ُب ُ�سط‬
‫ُخ ْ�ض‪ ،‬و أ�ثواب مو�شاة بالذهب فائقة الح�سن وا إلتقان‪،‬‬
‫فب أ� ِّي ِنعم الله ُتك ِّذبان‪ ،‬وهو أ�عظم ِم ْن �أن ُت َحد نع ُمه؟!‬
‫‪ 78‬تكاثر ْت ودام ْت بركات ا�سم ر ِّبك‪ ،‬ذي العظمة‬
‫والكبرياء‪ ،‬والف�ض ِل التا ِّم‪ ،‬والإح�سان الذي لا يقاربه‬

‫إ�ح�سان‪.‬‬

‫‪� 3 - 1‬إذا قامت القيامة ب�أ ْن ُن ِف َخ في ال�صور‬
‫النفخة الأخيرة‪ ،‬تح َّقق منكرو القيامة منها‪ ،‬فلا يكون‬
‫عند وقوعها نف� ٌس ُتك ِّذب بها‪ ،‬وهي خاف�ض ٌة ألعداء الله‬
‫في النار و�إ ْن كانوا في الدنيا أ�ع ّزاء‪ ،‬رافع ٌة ألوليائه في‬

‫الجنة و�إن كانوا في الدنيا ُو َ�ضعاء‪.‬‬
‫‪ 6 - 4‬إ�ذا ُزلزلت ا ألر�ض يوم القيامة و ُح ِّرك ْت‬
‫تحريك ًا �شديداً‪ ،‬و ُف ِّتتت الجبا ُل تفتيت ًا‪ ،‬ف�صارت ب�سبب‬

‫ذلك غباراً متفرق ًا في الهواء‪.‬‬

‫‪534‬‬

‫‪ 33 - 27‬و أ��صحاب اليمين‪ ،‬ما �أعظ َم و أ�فخ َم‬ ‫‪ 21 - 17‬ويدور للخدمة على ه ؤ�لاء ال�سابقين في‬
‫�ش�أنهم! يتنعمون في الجنة بظلال وثمار‪ ،‬فهم في �شج ِر‬ ‫الجنة غلمان لا َي ْهرمون ولا يتغ َّيون‪ ،‬ب أ�كواب و�أباريق‬
‫نب ٍق َط ِّي ٍب‪ ،‬مقطوع �شوكه ‪ -‬وهو �شجر �صغي ٌر ورقه‬ ‫تبرق من �صفائها‪ ،‬وك�أ� ِس خم ٍر جا ٍر من عين لا تنقطع‬
‫واف ٌر ظ ُّله‪ ،‬ثمرته طيبة رائحتها‪ -‬وهم في �شجر موز‬ ‫أ�بداً‪ ،‬لا ُت َ�ص َّدع ر ؤ�و�سهم من �شربها‪ ،‬ولا ي�سكرون‬
‫كبير ورقه متراكب ثمره تراكب ًا بديع ًا‪ ،‬وفي ظ ٍّل دائم لا‬ ‫فتذهب عقولهم‪ ،‬ويطوف الغلمان عليهم بفاكهة‬
‫يتق َّل�ص كما هو حال ظ ِّل الدنيا‪ ،‬وماء جا ٍر‪ ،‬ي�سكب لهم‬ ‫ي أ�خذون منها ما يختارونه‪ ،‬وبلحم طير مما ت�شتهيه‬
‫�أينما �شا ؤ�وا وكيفما أ�رادوا بلا تعب‪ ،‬ويتل َّذذون بفواكه‬
‫كثيرة متنوعة‪ ،‬دائم ٍة‪ ،‬فلا تنقطع في بع�ض الأوقات‬ ‫�أنف�سهم‪.‬‬

‫كفواكه الدنيا‪ ،‬ولا ُتـمنع من �أحد أ�راد أ�خذها‪.‬‬ ‫‪ 24 - 22‬ولل�سابقين في الجنة ن�سا ٌء فائقات الح�سن‪،‬‬
‫نقيات البيا�ض‪ ،‬وا�سعات الأعين ح�سا ُنها‪ ،‬وه َّن في‬
‫‪ 40 - 34‬ويتن ّعم �أ�صحاب اليمين في الجنة على‬ ‫�ش َّدة �صفائهن وبيا�ضهن و َنفا�ستهن كالل�ؤل�ؤ الم�صون‬
‫ُفـ ُر� ٍش عالية القدر مرفوعة على الأَ�س َّرة‪ُ ،‬يرافقهن َمن‬ ‫في �صدفه‪� ،‬أعطيناهم ذلك العطاء مجازا ًة لهم على ما‬
‫َ�ص َل َح ِمن ن�سائهم في الدنيا والحور ال ِعين‪ ،‬خلقناهن‬
‫خلق ًا بديع ًا‪ ،‬فجعلناهن �أبكاراً‪ ،‬لم ُي َ�س�ْس َن‪ ،‬متحببات‬ ‫�أح�سنوا من العمل‪.‬‬
‫متو ِّددات �إلى �أزواجهن‪ ،‬وه َّن في ِ�س ٍّن مت�ساوية من ِ�س ِّن‬
‫ال�شباب‪ ،‬أ�ن�ش أ�هن ربك لأ�صحاب اليمين خا�صة‪ ،‬الذين‬ ‫‪ 26 25‬لا ي�سمعون في الجنة كلام ًا غ ّث ًا‪ ،‬لا فائدة‬
‫هم جماعة كثيرة من ا ألمم الما�ضية‪ ،‬ومن ُأ�مة محمد ‪.‬‬ ‫منه‪ ،‬ولا كلام ًا فيه ُقبح‪ ،‬ولكن ي�سمعون �سلام ًا َبعد‬

‫‪ 44 - 41‬و�أ�صحاب ال�شمال‪ ،‬ما أ��سو َ�أ حالهم!‬ ‫�سلام‪ُ ،‬ت ِّييهم به الملائكة‪ ،‬و ُيح ّيون به بع ُ�ضهم بع�ض ًا‪.‬‬
‫هم في النار في ري ٍح وما ٍء �شديدي الحرارة‪ ،‬و�إن ا�ستظلوا‬
‫ففي ظ ٍّل من دخان أ��سود كثيف‪ ،‬لا بار ٍد ك�سائر الظلال‪،‬‬ ‫‪535‬‬
‫بل حا ٌّر لأنه من لهب النار‪ ،‬ولي�س فيه ُح�سن منظ ٍر‪� ،‬أو‬

‫�أ ُّي خير لمن ي أ�وي إ�ليه‪.‬‬

‫‪ 50 - 45‬إ� َّن أ��صحاب ال�شمال كانوا في الدنيا‬
‫مغرورين بالنعم‪ ،‬متل ِّهين بها عن عبادتنا‪ ،‬وكانوا‬
‫ُي�ص ُّرون على ال�شرك بالله‪ ،‬فا�ستحقوا العذاب‪ ،‬وينكرون‬
‫البعث فيقولون م�ستبعدين له‪ :‬أ� ُنبعث إ�ذا متنا وكنا تراب ًا‬
‫وعظام ًا؟! وقالوا ت�أكيداً لا�ستبعادهم و�إنكارهم‪� :‬أيبعث‬
‫�آبا�ؤنا الأولون الذين تق َّدم موتهم �أي�ض ًا؟! قل لهم ‪� -‬أيها‬
‫الر�سول‪ :-‬إ� َّن ا أل ّولين من الأمم والآخرين الذين أ�نتم من‬
‫جملتهم‪ ،‬لمبعوثون ومح�شورون في وق ٍت واحد مح َّد ٍد‬

‫في علم الله‪ ،‬وهو يوم القيامة لا يتخ َّلف منهم أ�حد‪.‬‬

‫‪ 73 - 68‬أ�خبروني ‪ -‬أ�يها المك ِّذبون‪ -‬عن الماء الذي‬ ‫‪ 55 - 51‬وقل لهم ‪� -‬أيها الر�سول‪ :-‬ثم إ�نكم �أيها‬
‫ت�شربونه‪ ،‬هل �أنتم الذين �أنزلتموه من ال�سحاب‪ ،‬أ�م نحن‬ ‫ال�ضالون عن الهدى المك ِّذبون بالبعث لآكلون ‪ -‬بعد �أن‬
‫المنزلون له بقدرتنا؟ لو ن�شاء جعلناه �شدي َد الملوحة لا‬ ‫ُتبعثوا وتحا�سبوا وتدخلوا جهنم‪ -‬من �شجرة من َز ُّقوم‪،‬‬
‫يمكن �شربه‪ ،‬فه ّل ت�شكرون الله على نعمه؟ و أ�خ ِبوني‬ ‫هي من �أخبث أ�نواع ال�شجر‪ ،‬كريهة المنظر والطعم‬
‫عن النار التي توقدون‪ ،‬أ� أ�نتم خلقتم ال�شجر الذي‬ ‫ُمهلكة‪ ،‬فمالئون من �شدة جوعكم منها بطونكم‪،‬‬
‫توقدون به‪� ،‬أم نحن الخالقون له دونكم؟ نحن جعلناها‬ ‫ف�شاربون على هذا ال َّزقوم من ما ٍء �شدي ِد الحرار ِة �ُشب ًا‬
‫تذكر ًة لنار جهنم‪ ،‬ومنفع ًة ينتفع بها الم�سافرون الذين‬ ‫كثيراً لا تروون به‪ ،‬كما ت�شرب ا إلبل ال ِعطا�ش التي لا‬

‫ينزلون ا ألر�ض الخالية الـ ُمق ِفرة‪.‬‬ ‫َتروى من الماء مهما �شربت لداء ي�صيبها‪.‬‬
‫‪ 74‬ف إ�ذا عرفت ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬بدائ َع �صنع الله‬
‫ونعمه و ُحججه التي ب ّيناها‪ ،‬فاذكر الله العظيم ونزهه‬ ‫‪ 56‬هذا �أ ّول ما ُي َع ُّد له ؤ�لاء الكافرين يوم الجزاء على‬
‫ا ألعمال‪ ،‬فما الظ ُّن بما بعده؟!‬
‫عما ي�صفه الكافرون‪.‬‬
‫‪ 57‬نحن خلقناكم ‪� -‬أيها الكافرون المك ِّذبون‬
‫‪ُ 76 75‬يق�سم الله بمنازل النجوم وموا�ضعها المتغيرة‬ ‫بالبعث‪ -‬ولم تكونوا �شيئ ًا‪ ،‬و أ�نتم تعلمون ذلك‪ ،‬فه ّل‬
‫في ال�سماء‪ ،‬إ�ذ هي دا ّل ٌة على خال ٍق عليم قادر حكيم‪،‬‬
‫دائ ٍم لا يزول‪ ،‬و�إنه َل َق�سم لو كنتم من ذوي العلم لعلمتم‬ ‫ت�ص ِّدقون بالبعث بعد الموت؟‬

‫�أنه َق َ�سم عظيم‪.‬‬ ‫‪ 59 58‬يقول الله للمك ِّذبين بقدرته على �إحيائهم‬
‫بعد َماتهم‪� :‬أخبروني ع ّما ُتنون في ا ألرحام‪ ،‬هل أ�نتم‬
‫‪536‬‬ ‫ُتق ِّدرونه و ُت َ�ص ِّورونه ب�شراً �سوي ًا َ�أم نحن المق ِّدرون‬

‫الم�ص ِّورون له؟!‬

‫‪ 61 60‬نحن ق�ضينا عليكم بالموت وو ّقتناه لك ِّل‬
‫واحد منكم ح�سب م�شيئتنا‪ ،‬وما نحن بعاجزين أ�ن‬
‫َنذهب بكم‪ ،‬ون أ�تي بخلق مثلكم بدل ًا منكم‪ ،‬ونخلقكم‬

‫كيف �شئنا على هيئا ٍت و�صو ٍر لا تعلمونها‪.‬‬

‫‪ 62‬ولقد علمتم ‪� -‬أيها المك ِّذبون بالبعث‪ -‬أ� ّنا‬
‫خلقناكم من نطفة ولم تكونوا قبل ذلك �شيئ ًا‪ ،‬فه ّل‬
‫تعتبرون وتتذكرون أ� َّن َمن َق َّدر ذلك قادر على �أن‬

‫ين�شئكم بعد َماتكم ن�ش�أة �أخرى؟‬

‫‪ 67 - 63‬و أ�خبروني ‪ -‬أ�يها المك ِّذبون بقدرة الله‬
‫على إ�حيائكم بعد َماتكم‪ -‬ع ّما َتب ُذرونه في ا ألر�ض من‬
‫الـ َح ِّب‪ ،‬هل أ�نتم الذين ُتنبتونه وتجعلونه زرع ًا‪� ،‬أم الله‬
‫الذي يحييه وينبته؟ لو ن�شاء لجعلنا هذا الزرع ُحطام ًا‬
‫ياب�س ًا لا َح َّب فيه ولا َن ْفع‪ ،‬ف�صرتم تتعجبون مما نزل به‬
‫وتتح�سرون‪ ،‬قائلين‪ :‬إ� ّنا لـ ُمه َلكون ب�سبب هلاك �أقواتنا‪،‬‬

‫بل قد ُح ِرمنا رزقنا‪.‬‬

‫في ذلك؟ وحيث �إنكم لا تقدرون على ذلك ثب َت �أنكم‬ ‫‪� 80 - 77‬إ َّن هذا الوحي المنزل على محمد ‪- -‬‬
‫مقهورون‪ ،‬و َم ْن َق َهركم على هذا يقهركم على البعث‬ ‫لقر آ� ٌن كري ٌم عظي ٌم �أع َّزه الله ورفع قدره‪ ،‬في كتا ٍب‬
‫َم�صو ٍن لا َيلحقه تبديل ‪ -‬وهو اللوح المحفوظ‪ -‬لا يم� ُّس‬
‫بعد الموت وعلى الح�ساب‪.‬‬ ‫هذا الكتا َب الم�صو َن �إلا الملائكة المق َّربون‪ ،‬وهو منزل‬
‫‪ 94 - 88‬ف�أ ّما �إن كان المتو َّفى من المق َّربين ال�سابقين‬ ‫من عند ر ِّب العالمين‪ ،‬لا ِم ْن عند �أحد �سواه‪ ،‬كما زعم‬
‫إ�لى الخيرات‪ ،‬فله راحة ورحمة‪ ،‬ورز ٌق ط ِّيب‪ ،‬وجن ٌة‬
‫يتنعم فيها‪ .‬و�أ ّما إ�ن كان المتو َّفى من �أ�صحاب اليمين‪،‬‬ ‫الجاهلون‪.‬‬
‫فل�ست ترى فيهم ‪ -‬أ�يها النب ُّي‪ -‬إ�لا ما تح ُّب من ال�سلامة‪،‬‬
‫فلا تهتم بهم‪ ،‬ف�إنهم َي�س َلمون من عذاب الله‪ .‬و�أ ّما �إن‬ ‫‪� 82 81‬أتتهاونون ‪ -‬أ�يها الكافرون‪ -‬بهذا القر�آن‪،‬‬
‫كان المتو َّفى من الكافرين المكذبين بالبعث ال�ضالين عن‬ ‫الذي ذ َّكركم بما �سبق التذكير به‪ ،‬ولا ت أ�خذونه م�أ َخ َذ‬
‫الهدى‪ ،‬وهم �أ�صحاب ال�شمال‪ ،‬ف أ� ّول ما ُي َق َّدم له �شرا ٌب‬ ‫الج ِّد‪ ،‬وتجعلون �شكر الله تعالى على نعمة �إنزاله القر�آ َن‬
‫من ماء تناهت حرارته في ال�شدة‪ ،‬ويدخل ناراً عظيم ًة‬
‫�إليكم أ� ْن ُتك ّذبوا به؟!‬
‫يقا�سي عذا َبها‪.‬‬
‫‪� 96 95‬إ َّن هذا الذي ذكرناه وب ّيناه في هذه‬ ‫‪ 87 - 83‬فه ّل إ�ذا بلغت رو ُح المح َت َ�ض الحلقو َم‪،‬‬
‫ال�سورة‪ ،‬لهو َمـ ْح�ُض اليقين الذي لا يداخله �أ ُّي �شك‪،‬‬ ‫و�أنتم أ�يها الحا�ضرون تنظرون‪ ،‬ونحن �أقر ُب إ�ليه منكم‬
‫ف�س ِّبح ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬بذكر ا�سم ربك العظيم‪ ،‬تنزيه ًا‬ ‫بعلمنا وقدرتنا وت�ص ُّرفنا‪ ،‬ولكنكم لا تدركون ذلك‪،‬‬
‫فه ّل �إن كنتم غير مملوكين لله خا�ضعين ل�سلطانه‪،‬‬
‫له و�شكراً على آ�لائه‪.‬‬ ‫ترجعون الرو َح �إلى ج�سد المحت َ�ض‪ ،‬إ� ْن كنتم �صادقين‬

‫‪ 1‬ن َّزه اللهَ تعالى وع َّظ َمه و أ�ذع َن له ك ُّل ما في‬ ‫‪537‬‬
‫ال�سماوات وما في الأر�ض بل�سان الـ َمقال �أو الحال‪،‬‬
‫وهو الغال ُب على �أمره لا يغلبه �شيء‪ ،‬الحكي ُم في أ�مره‬

‫وفعله‪.‬‬
‫‪ 3 2‬الله وحده ملك ال�سماوات والأر�ض‪ ،‬يد ّبر‬
‫ا ألمر فيهما كيف ي�شاء‪ ،‬خال ُق الموت والحياة‪ ،‬ومالك‬
‫أ�مرهما‪ ،‬وهو القادر الذي لا ُيعجزه �شيء‪ .‬والله هو‬
‫الموجود قبل ك ِّل �شيء وجوداً بلا بداية‪ ،‬وهو الباقي بلا‬
‫نهاية‪ ،‬والظاهر با ألدلة الدالة عليه‪ ،‬والمحتج ُب بذاته‬
‫عن أ�ن تدركه الحوا� ُّس �أو أ� ْن تحيط العقول بحقيقة ذاته‪،‬‬

‫ولا َيغيب عن علمه �شيء‪.‬‬

‫من ظلمات الكفر إ�لى نور ا إليمان‪� ،‬إ َّن الله بكم ‪ -‬أ�يها‬ ‫‪ 4‬وهو �سبحانه الذي خلق بقدرته ال�سماوات‬
‫النا�س‪ -‬لكثير الر أ�فة والرحمة‪.‬‬ ‫وا ألر�ض وما بينهما في مقدار �ستة أ�يام‪ ،‬ثم ا�ستوى على‬
‫العر�ش ‪ -‬ا�ستوا ًء يليق بجلاله لا بما يخطر ببال ا إلن�سان‪-‬‬
‫‪ 10‬و�أ ُّي مان ٍع يمنعكم بعد إ�يمانكم من �أ ْن ُتنفقوا طاع ًة‬ ‫يع َل ُم ك َّل ما َيدخل في ا ألر�ض‪ ،‬وك َّل ما يخرج منها‪،‬‬
‫لله وجهاداً في �سبيله‪ ،‬والحا ُل �أن �أموا َلكم �صائرة بعدكم‬ ‫ويعلم �سبحانه ك َّل ما ينزل من ال�سماء‪ ،‬وك َّل ما ي�صعد‬
‫إ�لى الله‪ ،‬لأنه يرث ك َّل ما في ال�سماوات وا ألر�ض‪ .‬لا‬ ‫فيها‪ ،‬وهو معكم بعلمه وقدرته �أينما كنتم‪ ،‬لا َيخفى‬
‫ي�ستوي منكم ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪َ -‬من �أنف َق وقات َل في �سبيل‬
‫الله َقبل فتح مكة‪ ،‬و َمن أ�نف َق وقات َل بعده‪ ،‬فالذين أ�نفقوا‬ ‫عليه �شيء من أ�عمالكم‪.‬‬
‫وقاتلوا في �سبيل الله قبل الفتح َ�أعظ ُم في الأجر والمنزلة‬
‫درج ًة عند الله‪ ،‬وك ُّل واح ٍد من الفريقين و َع َده الله الجنة‪،‬‬ ‫‪ 5‬ولله وحده ُملك ال�سماوات وا ألر�ض وما فيهما‬
‫مع تفاوت الدرجات‪ ،‬والله خبير ب أ�عمالكم‪ ،‬ف أ�خ ِل�صوا‬ ‫�إيجاداً و إ�عدام ًا وتدبيراً‪ ،‬و َم َر ُّد ك ِّل �شيء �إلى الله خا ِلقه‬
‫ومد ِّبره لا إ�لى �أحد �سواه‪ ،‬يحكم فيه بما ي�شاء في الدنيا‬
‫له‪.‬‬
‫وا آلخرة‪.‬‬
‫‪َ 11‬م ْن ذا الذي ينفق في �سبيل الله بطي ِب نف� ٍس‬
‫واحت�سا ٍب للأجر‪ ،‬فيعطيه الله أ�ج َره م�ضاعف ًا‪ ،‬وله يوم‬ ‫‪ُ 6‬ي�ص ِّرف الله اللي َل والنها َر و ُيق ِّدرهما بحكمته‪،‬‬
‫القيامة �أج ٌر عظي ٌم لا َك َدر فيه ولا انقطاع‪ ،‬وهو الجنة؟‬ ‫ف ُي ْد ِخ ُل ما َي ْن ُق�ُص من وقت الليل في النهار‪ ،‬فيطول‬
‫النهار‪ ،‬ويدخل ما َي ْن ُق�ُص من وقت النهار في الليل‪،‬‬
‫فيطول الليل‪ ،‬وهو عليم علم ًا تام ًا بما ت�ضمره ال�صدور‪.‬‬

‫‪ 7‬آ� ِمنوا ‪� -‬أيها النا�س‪ -‬بالله؛ با إلقرار بتوحيده‬
‫وت�صديق ر�سوله‪ ،‬وداوموا ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪ -‬على ذلك‪،‬‬
‫و أ�ن ِفقوا في وجوه الخير التي �أمركم الله بها‪ ،‬من ا ألموال‬
‫التي جعلكم خلفا َء في الت�ص ُّرف فيها‪ ،‬فالذين آ�منوا منكم‬
‫بالله ور�سوله و أ�نفقوا َح َ�س َب ما أُ�مروا به لهم ثوا ٌب كبي ٌر‬

‫من الله‪.‬‬

‫‪ 8‬و�أ ُّي عذ ٍر لكم أ�و مانع يمنعكم من ا إليمان بالله‪،‬‬
‫والر�سو ُل يدعوكم إ�ليه و ُيب ِّينه لكم بالحجج الباهرة‪ ،‬وقد‬
‫أ�خذ الله منكم العه َد بالإيمان به ‪ -‬وذلك حين أ�خرجكم‬
‫من َظهر أ�بيكم آ�دم كالذ ِّر‪ ،‬ف أ��ش َهدكم على �أنف�سكم‬
‫بقوله‪} :‬ﭲﭳﭴ{ ؟ ف�أقررتم �أنه ربكم‪ -‬ف إ� ْن‬
‫كنتم تريدون ُمو ِجب ًا ل إليمان و�سبب ًا �إليه‪ ،‬فوجود الر�سول‬
‫بينكم‪ ،‬وبيا ُنه لكم‪ ،‬وتذكيره بما �ُأخذ عليكم من �أعظم‬

‫�أ�سبابه و�أو�ضح ُمو ِجباته‪.‬‬

‫‪ 9‬وهو �سبحانه الذي ينزل على عبده محم ٍد‬
‫‪� - -‬آيات القر�آن وا�ضحا ٍت بالحق‪ ،‬لكي يخرجكم‬

‫‪538‬‬

‫‪ 15 14‬عندئ ٍذ ينادي المنافقون الم ؤ�مني َن وهم في‬ ‫‪ُ 12‬يعطى الم�ؤمنون هذا الجزاء والأجر الكريم يوم‬
‫ُظلمتهم‪ :‬أ�لم َنكن معكم في الدنيا نطيع كما تطيعون؟‬ ‫القيامة‪ ،‬يوم ترى ‪ -‬والخطاب لر�سول الله ‪ ‬ول�سائر‬
‫قالوا‪َ :‬بلى كنتم معنا ظاهراً بجوارحكم لا بقلوبكم‪،‬‬ ‫َم ْن ي�صلح له الخطاب‪ -‬الم ؤ�منين والم ؤ�منات في الـ َمح�شر‬
‫ولكنكم أ�هلكتم �أنف َ�سكم بالنفاق والمعا�صي‪ ،‬وانتظرتم‬ ‫يحيط بهم نو ُر إ�يمانهم و أ�عمالهم ال�صالحة‪ ،‬وب�شار ُتكم‬
‫وقو َع الم�صائب بالم ؤ�منين‪ ،‬و�ش َككتم في �أمر الدين ولم‬ ‫اليوم ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬التي تب�َّشون بها جنا ٌت‬
‫ت�صدقوا به‪ ،‬وخدعتكم ا آلما ُل‪ ،‬وظللتم على ذلك‬ ‫تدخلونها تجري من تحت �أ�شجارها وم�ساكنها ا ألنهار‪،‬‬
‫حتى جاءكم الموت‪ ،‬وخدعكم ال�شيطان ب�سعة عفو الله‬ ‫تب�ِّشكم بها الملائكة‪ ،‬ماكثين فيها �أبداً‪ ،‬وذلك الجزاء هو‬
‫ورحمته‪ ،‬ف أ�طمعكم بالنجاة من عذابه‪ ،‬فاليوم لا ُتقبل‬
‫منكم ‪ -‬أ�يها المنافقون‪ -‬فدية تفتدون بها �أنف�سكم من‬ ‫الفوز العظيم‪ ،‬الذي لا يعادله فوز‪.‬‬
‫عذاب الله‪ ،‬ولا ُتقبل من الذين كفروا ظاهراً وباطن ًا‪،‬‬
‫م�أواكم الذي ت�سكنونه النار‪ ،‬هي �َأ ْولى بكم تتولاكم‬ ‫‪ 13‬يوم يقو ُل المنافقون والمنافقات للم ؤ�منين حين‬
‫يرونهم ُي�ْ َس ُع بهم �إلى الجنة‪ :‬انتظرونا ُن ِ�ص ْب �شيئ ًا‬
‫وتلازمكم‪ ،‬وبئ�س الم�صير هي‪.‬‬ ‫من نوركم ن�ست�ضيء به مما نحن فيه من ال ُّظلمة‪ ،‬فيقال‬
‫لهم �إبعاداً لهم وته ُّكم ًا بهم‪ :‬ا ْرج ُعوا من حي ُث جئتم‬
‫‪� 16‬ألم َي ِحن الوق ُت للذين �آمنوا بالله ور�سوله �أن تلين‬ ‫فا ْط ُل ُبوا نوراً‪ ،‬فرجعوا‪ ،‬ف ُ� ِض َب بين الفريقين ب�سور له‬
‫قلوبهم لذكر الله‪ ،‬فتخ�ضع وت�سكن له‪ ،‬وللقر آ�ن الذي‬ ‫باب‪ ،‬جانبه الذي يلي الجنة فيه الرحمة‪ ،‬وجانبه الذي‬
‫َن َّزله الله على ر�سوله‪ ،‬في�سارعوا في الطاعة والانقياد‬
‫له‪ ،‬ولا ي�سلكوا �ُس ُب َل اليهود والن�صارى‪ ،‬الذين ُأ�وتوا‬ ‫يلي النار ي�أتي ِمن جهته العذاب‪.‬‬
‫التوراة والإنجيل من قبلهم‪ ،‬فطال عليهم الزمان بينهم‬
‫وبين أ�نبيائهم‪ ،‬فغفلوا وانغم�سوا في ال�شهوات‪ ،‬ف َق َ�س ْت‬ ‫‪539‬‬
‫قلوبهم‪ ،‬وكثير منهم خارجون عن حدود الله؟ وهذا‬
‫عتا ٌب لبع�ض الم ؤ�منين من فتو ٍر وتكا�س ٍل أ��صابهم في‬
‫بع�ض ما ُدعوا �إليه‪ ،‬وتحذي ٌر لهم من الو�صول �إلى ما‬

‫و�صل إ�ليه َمن كان قبلهم‪.‬‬

‫‪ 17‬اعلموا ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪� -‬أ ّن الله ُيحيي ا ألر�َض‬
‫بالغيث فيخرج النبات منها بعد أ�ن كانت ياب�سة‪ ،‬فكما‬
‫�أحياها ُيحيي القلو َب القا�سية بالذكر والتلاوة والتد ُّبر‪،‬‬
‫قد ب َّي ّنا لكم ا آليات كي تعقلوا ما فيها وتعملوا بـ ُمو ِجبها‬

‫فتفوزوا ب�سعادة الدارين‪.‬‬

‫‪� 18‬إ َّن المت�ص ِّدقين والمت�ص ِّدقات‪ ،‬والذين أ�نفقوا في‬
‫�سبيل الله ب ِطيب نف�س واحت�سا ٍب ل ألجر‪ُ ،‬ي�ضا َعف لهم‬
‫ثوابهم‪ ،‬ولهم ف�ضل ًا عن ذلك �أج ٌر كري ٌم يوم القيامة لا‬

‫يعلم مقدا َره �إلا الله‪.‬‬

‫نق�ِص ثما ٍر‪ ،‬أ�و كوار َث‪ ،‬أ�و أ��صابكم في أ�نف�سكم من‬ ‫‪ 19‬والذين �أق ُّروا بوحدانية الله‪ ،‬و آ�منوا بجميع ر�سله‬
‫مر�ض �أو َف ْقد ول ٍد ونحوهما‪� ،‬إلا هو مكتوب وم�س َّج ٌل‬ ‫�إيمان ًا كامل ًا را�سخ ًا‪� ،‬أولئك هم ال ِّ�ص ِّديقون المعروفون‬
‫في كتاب ‪ -‬وهو اللوح المحفوظ ‪ِ -‬من قبل �أن يخلق الله‬ ‫بعل ِّو ال ُّرتبة عند الله والمبالغة في الت�صديق‪ .‬وال�شهدا ُء‬
‫هذه الم�صيبة‪ ،‬و�إ َّن الإحاطة بذلك علم ًا و إ�ثبات ًا و�إخراج ًا‬ ‫الذين ُقتلوا أ�و ماتوا في �سبيل الله لهم أ�جرهم العظيم يوم‬
‫القيامة‪ ،‬ولهم نو ُرهم اللائق بهم‪ .‬والذين كفروا بالله‬
‫�إلى الوجود على كثرته ه ِّ ٌي على الله تعالى‪.‬‬ ‫و ُر�سله‪ ،‬وك َّذبوا ب آ�ياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا‬
‫‪ 24 23‬و�أَ ْعلمناكم ب�أن ا ألمور بتقدير الله كي‬
‫لا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا حزن ًا يتنافى مع‬ ‫يدخلون ناراً عظيم ًة لا يفارقونها �أبداً‪.‬‬
‫الت�سليم ألمره‪ ،‬وكي لا تفرحوا بما �آتاكم الله منها‪،‬‬
‫فرح ًا َي ْحملكم على ال َب َطر والكبر‪ ،‬والله لا يح ُّب ك َّل‬ ‫‪ 20‬اعلموا ‪� -‬أيها النا�س‪ -‬أ� َّن هذه الحياة الدنيا التي‬
‫متكب ٍر بما �أوتي من الدنيا‪ ،‬فخو ٍر به على النا�س‪ .‬وه ؤ�لاء‬ ‫َر َك َن إ�ليها الكافرون واطم أ�نوا بها‪ ،‬والتي دعا الحر�ُص‬
‫المتكبرون الفخورون َيبخلون عن ا إلنفاق في مر�ضاة‬ ‫على ا�ستبقاء ل ّذاتها بع�َض الم ؤ�منين �إلى ال�ُّش ِّح ب أ�موالهم‬
‫الله‪ ،‬وي أ�مرون غيرهم بالبخل ‪ -‬وكانت هذه من أ�ظهر‬ ‫وعد ِم ا إلنفاق منها في �سبيل الله‪ ،‬ما هي �إلا َل ِع ٌب ك َل ِع ِب‬
‫�صفات المنافقين‪ -‬و َم ْن ُيعر�ض عن طاعة الله‪ ،‬فلن ي�ض َّر‬ ‫ال�صبيان‪ُ ،‬يب َته ُج به �ساع ًة ثم ينق�ضي‪ ،‬ول ّذا ٌت ُيتل َّهى بها‬
‫�إلا نف�سه‪ ،‬ف إ� َّن الله هو الغن ُّي عن خلقه‪ ،‬المحمو ُد بما �َأنعم‬ ‫ثم تذهب‪ ،‬وزين ٌة وتفاخ ٌر بينكم بما أ�ُوتيتم من النعيم‪،‬‬
‫ومغالب ٌة ل آلخرين في تكثير المال وا ألولاد‪ ،‬وهذه �أغلب‬
‫عليهم‪.‬‬ ‫�أحوالها‪� ،‬أمو ٌر مح َّقرة قليلة الجدوى‪ .‬و َم َث ُلها كمثل‬
‫مطر �َأعجب ال ُّز ّرا َع خ�ضر ُة نباته ون�ضار ُته‪ ،‬ثم ي أ�خذ‬
‫‪540‬‬ ‫في الذبول فتراه م ْ�صفراً بعد ن�ضرته‪ ،‬ثم ييب�س فيتك�َّس‬
‫ويته�شم‪ ،‬فهذا �ش أ�ن الدنيا زوا ٌل �سريع وانق�ضاء‪ ،‬ولي�س‬
‫في ا آلخرة �إلا عظائم ا ألمور الدائمة‪ :‬عذا ٌب �شديد‬
‫ألعداء الله‪ ،‬ومغفر ٌة من الله ور�ضوان ألوليائه و�أهل‬
‫طاعته‪ .‬وما الحياة الدنيا �إلا متاع فا ٍن َي ُغ ُّر َم ْن َر َك َن إ�ليه‪،‬‬
‫فيترك العمل للآخرة‪ ،‬و�أما َم ْن عمل للآخرة فالدنيا له‬

‫و�سيلة وطريق‪.‬‬

‫‪� 21‬سارعوا ‪� -‬أيها الم ؤ�منون‪ -‬م�سارع َة المت�سابقين‪،‬‬
‫�إلى التوبة وا ألعمال ال�صالحة التي تكون �سبب ًا في �أن تنالوا‬
‫مغفر ًة من ربكم‪ ،‬وجن ًة وا�سع ًة عظيم ًة‪َ ،‬ع ْر�ضها كعر�ض‬
‫ال�سماء وا ألر�ض لو ُو�صلت إ�حداهما بالأخرى؛ �ُأع َّد ْت‬
‫و ُج ِّهزت للم ؤ�منين الذين و َّحدوا الله و�ص َّدقوا ُر�َسله‪،‬‬
‫وهذا الذي وعد الله به من المغفرة والجنة؛ هو عطا ؤ�ه‬
‫ي�ؤتيه تف ُّ�ضل ًا و�إح�سان ًا َمن ي�شاء من عباده‪ ،‬والله وا�سع‬

‫الف�ضل‪ ،‬عظيم ا إلح�سان على عباده‪.‬‬

‫‪ 22‬ما أ��صاب في ا ألر�ض من م�صائ َب كجد ٍب‪� ،‬أو‬

‫‪ ٢٦‬ولقد �أر�سلنا نوح ًا و�إبراهيم ر�سولين بر�سالاتنا إ�لى‬ ‫‪ ٢٥‬ولقد �أر�سلنا ر�س َلنا إ�لى ا ألمم م ؤ� َّيدين بالحجج‬
‫النا�س‪ ،‬وجعلنا النبو َة في ذريتهما‪ ،‬ب أ�ن اخترنا بع َ�ضهم‬ ‫والمعجزات‪ ،‬و�أنزلنا معهم كتب ًا م�شتملة على ا ألحكام‬
‫�أنبياء‪ ،‬وجعلنا فيهم كتبنا المنزلة على ا ألنبياء منهم‪ ،‬ف ِمن‬
‫ذريتهما مهت ٍد بهذا الهدى إ�لى الدين الحق‪ ،‬وكثير منهم‬ ‫وال�شرائع‪ ،‬آ�مر ًة بالعدل ومبين ًة له‪ِ ،‬ل َيعم َل النا� ُس في‬
‫أ�نف�سهم وفيما بينهم بالح ّق والعدل‪ ،‬فت�صلح أ�حوالهم‬
‫خارجون عن الهدى كافرون‪.‬‬
‫وت�ستقيم‪ ،‬و أ�نزلنا الحديد‪ ،‬فيه ق ّو ٌة �شديد ٌة‪ ،‬يتخذون منه‬
‫‪ ٢٧‬ثم َ�أ ْتبعنا بعد نوح و�إبراهيم و َمن �أُر�سلا إ�ليهم‬ ‫�آلات الحرب التي ُيدافعون بها عن أ�نف�سهم‪ ،‬و َي ْردعون‬
‫ر�سل ًا إ�لى الأمم‪ ،‬ر�سول ًا بعد ر�سول‪ ،‬ثم أ�ر�سلنا بعد زم ٍن‬ ‫بها عد َّوهم‪ ،‬وينتفعون به في كثير مما يحتاجون إ�ليه في‬
‫عي�سى ابن مريم‪ ،‬و آ�تيناه الإنجيل‪ ،‬وجعلنا في قلوب‬ ‫حياتهم‪ .‬ولقد �أنزلنا الحديد و أ�ر�سلنا ر�س َلنا ب�شرائعنا‬
‫الذين اتبعوه ر ّق ًة �شديد ًة‪ ،‬ورحم ًة يتراحمون بها‪،‬‬
‫وابت َدعوا رهبانية ‪ -‬وهي انقطاع للعبادة في ال�صوامع‬ ‫ليعلم الله علم ًا ظاهراً لل َخ ْلق َمن ين�ص ُر دينه ور�س َله ويقات ُل‬
‫والجبال وت ْرك للدنيا‪ -‬ا�ستحدثوها من عند أ�نف�سهم‪،‬‬ ‫أ�عداءه؛ �إيمان ًا وت�صديق ًا بوعده من غير أ�ن يراه ‪ -‬وفي‬
‫ما فر�ضناها عليهم‪ ،‬لكنهم ابتغوا ر�ضوا َن الله بتلك‬
‫الرهبانية‪ ،‬فما قام كثير منهم بمرور الزمن بح ّقها ح َّق‬ ‫ذلك ح ٌّث للم ؤ�منين و�إلها ٌب لعزيمتهم ل ُن�صرة دين الله‬
‫القيام‪ ،‬ف�آتينا الذين �آمنوا من الن�صارى �إيمان ًا �صحيح ًا‬ ‫وطاعته تعالى؛ إ�ذ الله عالم �أزل ًا بما كان وبما يكون‪ -‬إ� َّن‬
‫و�أطاعوا ثوا َبهم‪ ،‬وكثير منهم خارجون ع ّما يقت�ضيه‬
‫الله غن ٌّي بقدرته وع ّزته عن ُن�صرة عباده‪ ،‬و�إنما ك ّلفهم‬
‫ا إليما ُن بنا والطاعة لنا‪.‬‬ ‫بذلك لينتفعوا به إ�ذا امتثلوا‪ ،‬و َيح�صل لهم ما وعد الله‬

‫‪ ٢٨‬يا �أيها الذين �آمنوا بالله وبر�سوله محمد ‪- -‬‬ ‫به عباده المطيعين‪.‬‬
‫اتقوا الله ب�أداء طاعته واجتناب معا�صيه‪ ،‬واثبتوا على‬
‫الإيمان بر�سوله محمد ‪ - -‬ي�ؤتكم ن�صيبين عظيمين‬
‫من ا ألجر؛ ب�سبب �إيمانكم بمحمد وبال ُّر�سل ِم ْن قبله‪،‬‬
‫ويجع ْل لكم يوم القيامة نوراً تم�شون به‪ ،‬ويغفر لكم ما‬
‫�أ�سلفتم من المعا�صي‪ ،‬والله وا�سع المغفرة والرحمة بمن‬

‫�آمن به و أ�طاعه‪.‬‬

‫‪ ٢٩‬و َأ� ْعلمناكم ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪ -‬أ� َّن لكم ِ�ضعفين من‬
‫ا ألجر؛ ليعلم الذين لم ُي�ْسلموا من �أهل الكتاب أ�نهم لا‬
‫َيقدرون أ�ن ينالوا �شيئ ًا من ف�ضل الله الذي تف َّ�ضل به على‬
‫َمن �آمن بمحمد ‪ - -‬ولا َيقدرون �أن يمنعوه عنهم‪،‬‬
‫و أ�ن الف�ضل والثواب إ�نما هو بيد الله وحده‪ ،‬ي�ؤتيه َمن‬
‫ي�شاء‪ ،‬والله ذو الف�ضل العظيم يخ�ُّص َم ْن �شاء بما �شاء ولا‬

‫را َّد لف�ضله �سبحانه‪.‬‬

‫‪541‬‬


Click to View FlipBook Version