٤٣فتم�َّسك -يا محمد -بما ي أ�مرك به هذا القر آ�ن، ٣٥ ٣٤ولو �شئنا َلـ َجعلنا لبيوتهم �أبواب ًا ِمن ف ّ�ضة،
الذي أ�وحاه الله إ�ليك� ،إنك على دي ٍن م�ستقي ٍم ،وهو و�أ�س َّر ًة من ف ّ�ضة كذلك ي�ستندون عليها ،و َلـ َجعلنا لهم
فوق ذلك زين ًة ِمن ذهب ،وما ك ُّل ذلك إ�لا متاع الحياة
ا إل�سلام. الدنيا الفانية ،ونعي ُم الدار الآخرة الباقي خا�ٌّص للمتقين،
٤٤و�إ َّن هذا القر آ�ن ،ل�شر ٌف عظي ٌم لك ولقومك ال ي�شاركهم فيه أ�حد غيرهم.
العرب ،و�سوف ي�س�ألك ربك وي�س أ�لهم ع ّما عملتم فيما
٣٦و َم ْن يتغاف ْل عن ذكر الرحمن و ُيعر�ض عن تد ُّبر
�أمركم به. القر�آن وما فيه ِمن حكمة ،ولم يخ ْف عقا َب الله ،ولم
يهت ِد بهدايته؛ ن�س ِّل ْط عليه �شيطان ًا يغويه جزا ًء له عن
٤٥وا�س أ� ْل -يا ر�سول الله -أ�تباع جمي ِع الر�سل ِمن
قبلك ،هل �أمرناهم بعباد ِة �آله ٍة ِم ْن دون الله؟! �إعرا�ضه ،في�صير ملازم ًا له لا يفارقه.
٤٧ ٤٦ولقد أ�ر�سلنا مو�سى ب ُحججنا الخارق ِة ٣٧و�إ َّن ال ُق َرناء من ال�شياطين َل َي�ص ُّدون قرناءهم عن
للعادة ،إ�لى فرعون و ُكبراء قومه الذين ي�ؤازرونه، �سبيل الح ِّق؛ بتزيين ال�ضلالة لهم ،و َتكريه الإيمان �إليهم،
فقال لهم� :إني ر�سو ُل ر ِّب العالمين �إليكم ،فل ّما حتى يختلط عليهم الح ُّق بالباطل ،ويظ ّنون �أنهم على
جاءهم بحججنا و�أد ّلتنا القاطعة على �صدق قوله فيما
يدعوهم �إليه� ،إذا هم ي�ضحكون كما ي�ضحك قو ُمك الح ِّق وال�صواب.
-يا محمد -مما جئ َتهم ِمن ا آليات والعبر. ٣٨حتى �إذا جاء هذا الـ ُمع ِر�ُض عن القر آ�ن في الآخرة
للح�ساب َو ْحده قال لقرينه ال�شيطان :و ِدد ُت �أ َّن بيني
492 وبي َنك ُب ْع َد ما بين الم�شرق والمغرب ،فبئ�س القري ُن �أن َت.
٣٩ولن يخ ِّفف عنكم � -أيها المعر�ضون عن القر�آن-
يو َم الح�ساب ِم ْن عذاب الله ،ا�شترا ُككم فيه أ�نتم
وقرنا ؤ�كم ،ولك ِّل واحد منكم َن�صيب ُه ِمن العذاب.
٤٠أ�فت�ستطيع -أ�يها الر�سول -أ�ن ُت�ْس ِمع َم ْن قد
َأ� َ�ص ّمه اللهُ فهو لا ينتفع بما ي�سمع ِمن الحق؟! أ�و تهدي
َمن أ�َعمى الله قلبه عن إ�ب�صار طريق الهداية؟! �أو ُتخرج
َم ْن كان في ال�ضلال الوا�ضح �إلى الهدى والر�شاد؟!
لي�س ذلك إ�ليك� ،إنما إ�لى الله ،و�إنما �أنت منذر.
٤٢ ٤١ف�إما نتو َّفي َّنك -يا محمد -قبل أ� ْن ننتقم
من المكذبين المعاندين ِمن قومك ،ف إ� ّنا منهم منتقمون
بالعقوبة بعد موتك� ،أو ُنريك -يا محمد -قبل وفاتك
ما �أوعدناهم من العذاب ،ف إ� ّنا قادرون عليهم؛ فهم في
قب�ضتنا لا يفوتوننا.
٥٢بل أ�نا خير من مو�سى ،الذي لا ُملك ولا مال له،
مع ما في ل�سانه ِمن ال ُع ْقدة حتى لا يكاد ُيبين!
٥٣فه ّل � -إ ْن كان ر�سو َل ر ِّب العالمين كما يزعم-
أ�غناه ر ُّبه ،و أ�لقى �إليه أ��ساور ِمن ذهب مما يتق َّل ُده الملوك؟
أ�و ه ّل جاء معه الملائكة متتابعين ،ي�شهدون ب�صدقه
ويعينونه على �أمره.
٥٤فا�ستخ َّف فرعو ُن عقو َل قومه بهذا الكلام،
ف�أطاعوه وك ّذبوا مو�سى؛ ألنهم كانوا قوم ًا خارجين
عن طاعة الله.
٥٥فل ّما أ�َغ َ�ضبونا بكفرهم وعنادهم؛ انتقمنا منهم
بالعذاب،الذيع َّجلناهلهم،ف أ�غرقناهمجميع ًافيالبحر.
في الومعغ َرظق ًةي،ن ِلـ َومعْنا ِقب َب َتعهدمهم َ ِحم َدنث ًاا بلأامقميً.ا ٥٦فجعلنا ه ؤ�لاء
التاريخ ليكونوا عبر ًة
٥٨ ٥٧ولـ ّما قيل لم�شركي مكة� :إ ّن ك َّل عاب ٍد وما ٤٨وما ُنريهم من �آية ِمن الآيات المعجزات� ،إ ّل هي
ُع ِب َد ِمن دون الله في النار�َ ،ض َب �أحد الم�شركين لك �أعظم ِمن التي َم َ�ضت قبلها ِمن ا آليات ،و�أنزلنا بهم في
-يا محمد -عي�سى ابن مريم مثل ًا آللهتهم يجادلك ِ�ضمن ذلك �أنواع ًا من العذاب؛ ليرجعوا عن كفرهم
به ،قال :إ� َّن عي�سى الذي تعظمه قد ُع ِب َد ِم ْن دون الله،
فهو على َزعمك في النار ،ف إ�ذا قو ُمك لـ ّما �سمعوا ذلك بالله إ�لى توحيده وطاعته.
ترتفع أ��صواتهم بال�ضجيج �سروراً ،ك أ�نهم قد ظفروا
٤٩وقال فرعون وقو ُمه لمو�سى لـ ّما ر�أوا العذاب:
عليك بحجة .وتل َّقفوا هذا المثل يعيدونه قائلين :أ��آلهتنا يا أ�يها ال�ساحر -أ�ي العالـ ُم ،ته ُّكم ًا به أ�و تعظيم ًا له� ،إ ْذ
خير �أم عي�سى؟ أ�ي إ� ِّن عي�سى خير ،ف إ�ذا كان في النار، كانوا ي�س ُّمون العلما َء �سحر ًة -ا ْد ُع ر َّبك ،ب َع ْه ِده الذي
فنحن را�ضون أ�ن تكون أ��صنا ُمنا معه في النار .ما قالوا َع ِهده �إليك ،وما خ ّ�صك ِمن الف�ضائل أ�ن يك�شف ع ّنا
ذلك �إلا جدل ًا و ُمغالب ًة لك في القول ،إ�ذ هم ال يعتقدون العذاب؛ ف�إ ْن ك�ش َف ر ُّبك ع ّنا العذاب ،ف�إننا نتبعك
هوا َن �آلهتهم ولا تف�ضي َل عي�سى ،بل هم قوم �شديدو
ون�صدقك فيما جئتنا به.
الخ�صومة والجدال بالباطل. ٥٠فل ّما دعا مو�سى ر َّبه؛ فرفع عنهم العذاب� ،إذا هم
عبادنا، عوللييه� بسالنبعيوة�سواىلر�إ�لساالةم،خولجوعلقناوو َلع ْبا ٌددته ِمِم ْنْن ٥٩ ين ُق�ضون عهدهم ،ويغدرون ويتمادون في َغ ِّيهم.
غير أ� ٍب أ�نعمنا ٥١ونادى فرعون في قومه مفتخراً بما يملك ،فقال:
�أل�س ُت ملك ًا على م�صر �أم ِلك ما عليها؟! وهذه ا ألنهار
عبر ًة لبني �إ�سرائيل ،لت�صحيح �إيمانهم وتقويم انحراف تجري من بين َي َد َّي في جناتي وب�ساتيني؟ أ�فلا ترون أ�يها
عقيدتهم في ال َخ ْل ِق والبعث. القوم قوتي وغناي و�ضع َف مو�سى وفق َره؟
٦٠ولو ن�شاء أ�هلكناكم جميع ًا ،وجعلنا بدل ًا منكم 493
ملائكة يخلفونكم في الأر�ض يعبدونني ولا ي�شركون
بي �شيئ ًا.
يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ِمن مكروه ،ولا أ�نتم ٦١و إ� َّن نزول عي�سى -عليه ال�سلام -من ال�سماء
تحزنون على فراق الدنيا .وه�ؤلاء هم الذين �ص ّدقوا �آخر الزمان ،علام ٌة ُيعلم بها ُقر ُب مجيء ال�ساعة ،فلا
بكتبي ور�سلي ،وكانوا خا�ضعين وطائعين ومخل�صين ت�ش ُّكوا في مجيئها ،وا َّتبعوني و أ�طيعوني فيما أ�مرتكم به،
لي .يقول لهم :ادخلوا الجنة -أ�يها الم ؤ�منون� -أنتم
فاتباعكم لي طري ٌق وا�ض ٌح جل ٌّي لا اعوجا َج فيه.
و�أزواجكمُ ،ت�س ُّرون بما فيها من نعيم مقيم.
٦٢ولا ي�صرف ّنكم ال�شيطان بو�ساو�سه عن ا ّتباع الحق،
ُ ٧١يطاف على ه�ؤلاء الم�ؤمنين في الجنة بالطعام في إ�نه لكم عد ٌّو ظاهر العداوة ،يدعوكم إ�لى ال�ضلال.
�آني ٍة وا�سعة ِمن ذهب ،و ُيطاف عليهم بال�شراب في
أ�كواب ِم ْن ِج ْن�سها ،ولكم فيها � -أيها الم�ؤمنون -ما ٦٣وحين جاء عي�سى بني إ��سرائيل بالمعجزات
ت�شتهيه نفو�سكم ،ولكم فيها ما َتل ُّذ �أعي ُنكم ،و�أنتم والدلائل الوا�ضحات ،قال لهم :قد جئتكم بالنبوة
ِمن الله؛ ُألب ِّي و أ�ُ�ص ِّحح لكم بع�َض الذي تختلفون
ماكثون في الجنة ،لا تخرجون منها �أبداً. فيه ِمن �أحكام التوراة ،فاتقوا ربكم بطاعته واجتناب
معا�صيه ،و أ�طيعوني فيما آ�مركم به ِم ْن تقوى الله وطاعته.
٧٢ويقال للم ؤ�منين المتقين :هذه الجن ُة التي َأ�ورثكم
الله إ� ّياها؛ ب�سبب ما كنتم تعملون في الدنيا ِمن الخيرات. � ٦٤إ َّن الله وحده هو ر ِّبي ور ُّبكم جميع ًا ،فاعبدوه
دون �سواه ،ولا ُت�شركوا معه في عبادته �شيئ ًا ،هذا الذي
٧٣لكم � -أيها الم�ؤمنون -في هذه الجنة �أي�ض ًا فاكهة �أمرتكم به هو الطريق الم�ستقيم ،وهو دين الله ،الذي
كثيرة ِمن ك ِّل ا ألنواع؛ ت أ�كلون منها ما ا�شتهيتم.
ال يقبل ِم ْن �أحد �سواه.
494
٦٥فاختلف ِت ال ِفر ُق من اليهود والن�صارى في �ش�أن
عي�سى -عليه ال�سلام :-فمنهم َم ْن كفر به وعاداه،
ومنهم َم ْن رفعه وجعله �إله ًا ،فوي ٌل للذين تركوا الح َّق
ِم ْن غير برها ٍن ولا دلي ٍل ،وي ٌل لهم ِم ْن عذا ٍب م ؤ�لم يوم
القيامة.
٦٦هل ينتظر ه ؤ�لاء الكافرون المختلفون في �ش أ�ن
عي�سى -عليه ال�سلام� -إ ّل أ� ْن ت�أتيهم ال�ساع ُة فج أ� ًة ،وهم
لا يعلمون بمجيئها؟
٦٧الأ�صدقاء المت�آلفون في الدنيا على الكفر ومعا�صي
الله ،يتبر�أ بع ُ�ضهم ِم ْن بع�ض يوم القيامة� ،إ ّل الذين تحا ُّبوا
واجتمعوا على تقوى الله ،ف�إ َّن �صداقتهم دائمة في الدنيا
والآخرة.
٧٠ - ٦٨ينادي الله عبا َده المتقين يوم القيامة:
وملائك ُتنا عندهم يكتبون ذلك ك َّله لا ُيهملون منه
�صغيرة أ�و كبيرة.
٨١قل -يا ر�سول الله -للم�شركين ال َّزاعمين �أ َّن
الملائكة بنا ُت الله� :إن كان للرحمن ولد كما تزعمون،
ف أ�نا أ� ّول َم ْن يعبده و ُيق ّر به ،ولك ْن ي�ستحيل أ�ن يكون له
ولد ،ف�أنا �أعبده تعالى ولا أ��شرك به �شيئ ًا.
٨٢تعالى الله مالك ال�سماوات وا ألر�ض والعر� ِش
وتن َّزه ع ّما ي�صفه ه ؤ�لاء الم�شركون ِم ْن ِن�سبة الولد إ�ليه.
٨٣ف َد ْع -يا ر�سول الله -ه�ؤلاء المفترين على الله،
يخو�ضوا في باطلهم ،و�شرورهم ومعا�صيهم؛ حتى يلاقوا
يوم القيامة الذي يو َعدون فيه بالعذاب في نار جهنم.
٨٤والله وحده هو المعبو ُد بح ٍّق في ال�سماء والأر�ض،
لا إ�له غيره ،وهو الحكي ُم في تدبير خلقه ،العلي ُم
بم�صالحهم.
ُمو ْلعنكدهالع�سلمماووقا ِتت ٨٥و َتعاظم اللهُ وتم َّجد ،له �سبحانه
وا ألر�ض ،وما بينهما من ا أل�شياء ك ِّلها،
القيامة ،و إ�ليه ُتر ُّدون بعد مماتكم؛ فيجازي المح�س َن � ٧٧ - ٧٤إ َّن الذين �أج َرموا بكفرهم بالله ،ماكثون
منكم ب�إح�سانه ،والم�سي َء ب�إ�ساءته. في عذاب جهنم أ�بداً ،لا يخرجون منها ولا ُيخ َّفف
عنهم العذاب .وهم في عذاب جهنم� ،آي�سون من
المول�شارك ألوحن ٍد ِم ْمننداولننا�السله، يعبدهم ٨٦ولا يملك الذين النجاة .وما ظل ْمنا ه�ؤلاء المجرمين بتعذيبهم في النار،
عبدوهم ال�شفاع َة عند الله لمن ولك ْن كانوا هم الظالمين ألنف�سهم؛ ب�سبب كفرهم.
ولك ْن َم ْن �َشهد بالتوحيد لله على ب�صير ٍة ويقين كالملائكة ونادوا مالك ًا خاز َن جهنم :يا مال ُك ل ُي ِم ْتنا ر ُّبك؛
وعي�سى ابن مريم ،ف إ�نه تنفع �شفاعته لمن �أذن الله بال�شفاعة لن�ستريح من العذاب ،ف�أجابهم� :إنكم مقيمون في
فيه من الم ؤ�منين. عذاب جهنم.
َم ْن خلقهم ،ليقو ُل َّن: ولئن �س�أل َت الم�شركين: ٨٧ ٧٨لقد جئناكم -أ�يها الكافرون -بالح ِّق على �أل�سنة
عن عبادة الذي خلقهم الله ،فب أ� ِّي وج ٍه ُي�صرفون خلقنا ُر�سلنا ،ولك َّن أ�كثركم للح ِّق الذي جا ؤ�وا به كارهون.
�َ ٧٩أ ْم أَ� ْح َكم م�شركو مكة أ�مراً يكيدون به محمداً؟!
إ�لى عبادة غيره؟ ف إ� ّنا ُمح ِكمون -جزا ًء لهم -كيداً ُيذلهم ويخزيهم.
٨٠أ�َ ْم يظ ُّن ه�ؤلاء الم�شركون �أ ّنا لا ن�سمع ما ُي�سرون
٨٩ ٨٨وقال الر�سول � - -شاكي ًا إ�لى ربه في �أنف�سهم ،وما يتناجون به و ُيخفونه عن غيرهم ،فلا
نعاقبهم عليه لخفائه علينا؟ بلى ،نحن ن�سمع ونعلم،
اقلوذ َيمهنا�أَل َمذ ْيرتننيكب َّذ�إبنوذها:ر يهامرِّ ،وب�أ إ�ر�نسلتهن�ؤيلالءدالمع�وشترهكمي�إنليالمعكا،ن قديو ٌنم ولا يخفى علينا �شيء مما يعملونه في �س ِّرهم وعلانيتهم،
لا ي�ؤمنون ،ف�أجابه الله تعالى بقوله� :أ ْع ِر�ض عن �أذاهم
-يا محمد -و ُقل لهم� :سلا ٌم عليكم ،ف�سيعلمون في 495
�أ ّن ما اَي ْللحق ُّوق،نواللاعيذنافعبهمعيلوىمئ ٍذكفِعرْل ُهممه،م عندما ا آلخرة،
�شيئ ًا. إ�ليه هو تدعوهم
} ١ﭑ{� :سب َق الكلا ُم على هذه الحروف
الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة.
َ� ٣ ٢أق�سم الله تعالى بهذا القر آ�ن الوا�ضح المب ِّ ِي
طري َق الحق� ،أنه أ�نزله من اللوح المحفوظ �إلى ال�سماء
الدنيا في ليلة مباركة ،هي ليلة القدر ،إ� َّن ِم ْن �ش�أ ِننا
إ�نذا َر العباد ب�إنزال الكتب ِل ُيقلعوا ع ّما هم عليه ِمن كف ٍر
ومعا�ٍص.
ب�أمر ِمن ذاللييل ِةح اكلمبماٍةرباكلةغ ٍة ُيفو��شص�أ ُ ٍلن ٥في هذه ٤
عظيم� ،إذ و ُيب َّ ُي ك ُّل أ�مر عند الله
فيها يتلقى الملائك ُة من اللوح المحفوظ ك َّل �أمر ُمح َكم
لا يب َّدل مـ ّما ق َّدر الله تعالى أ�ن يكون في ال�سنة الموالية
ِم َن ا آلجال وا ألرزاق وغيرها� ،إ َّن ِم ْن �ش�أننا إ�ر�سا َل
الر�سل بالكتب إ�لى العباد.
العذاب ،ف إ� ْن ك�شف َت ُه عنا آ�منا بك وحدك لا ن�شرك بك. � ٦أر�س ْلنا الر�س َل و�أنزلنا الكت َب والتي منها هذا
القر آ�ن رحم ًة من ربك ،إ�نه هو ال�سميع العليم ،يعلم
م�صال َح العباد وما يحتاجون إ�ليه لت�ستقيم أ�حوا ُلهم.
له ؤ�لاء الم�شركين ال َّتذ ُّك ُر أ�ين كيف ،و ِم ْن ١٤ ١٣ ٧هذا الر ُّب الرحيم هو خالق ال�سماوات وا ألر�ض
بهم ،وقد جاءهم ما هو البلاء ِم ْن بعد نزول والاتعاظ، وما بينهما ومد ّبر ا ألمر فيها ،ف إ�ن كنتم موقنين أ� ّن
�أعظم منه ،جاءهم محمد ،ر�سول ًا ِم ْن عند الله ظاهر لل�سماوات والأر�ض ر ّب ًا ،فاعلموا �أ ّن هذا القر�آن منزل
ال�صدق م ؤ� ّيداً بالمعجزات؛ ف�أع َر�ضوا عنه ،وقالوا :إ�نما
من عنده رحمة منه.
هو ُمع َّلم ،يعلمه ب�شر ،مجنون بادعائه النبوة؟! ٨لا معبود بح ٍّق لكم -أ�يها النا�س -إ�لا الله ،الذي
ي�شاء، ما ي�شاء ،ويميت يحيي ما الحياة والموت، بيخادِلهُق�أمك ُرم
� ١٥إ ّنا كا�شفو العذاب النازل بكم زمن ًا قليل ًا ،مع فاعبدوه. الأ ّولين؛ وخال ُق �آبائكم
�أنكم عائدون �إلى الكفر والجحود ،وماكنتم عليه قبل
� ٩إ َّن ه�ؤلاء الكفار لي�سوا على يقين ب أ�ن ر َّب
نزول العذاب. ال�سماوات والأر�ض وما بينهما هو الله ،ف�إ ْن قالوا
بربوبيته تعالى ف إ� َّن قولهم هذا غير �صادر عن يقين ،بل
١٦ف إ� ْن نق�ضتم عه َدكم ،انتقم ُت منكم بق ّوة و�ش ّدة
يوم �أبط�ش بكم بط�شتي الكبرى ،وذلك يوم بدر. عن تقليد و�ش ٍّك.
١٨ ١٧ولقد اختب ْرنا وابتلينا قب َل م�شركي قري�ش، ٢و١بلا ٍءفانتت�صظي ْربه-م،يا محتحىم ُيدخَّ -يبله �إ ؤ�للياهءمالم ِم�شنرك�شيند،ة - ١٠
قو َم فرعون ،وجاءهم ر�سول كريم علينا -وهو مو�سى قح ٍط أ�يام
عليه ال�سلام -فقال لهم� :س ِّلموا إ�ليَّ بني إ��سرائيل
�أدعوكم �إليه، إ�ونأ�يطلرق�سووهلم ِمم َننالاللهذ�إليلكوامل،ه�أوماين ٌن،عولا ْقىَبل َووا ْحيماه ال َجهد والجوع ما بينهم وبين ال�سماء كهيئة الدخان
ور�سالته.
يغطيهم ويع ُّمهم ،فيقولون :هذا عذا ٌب م ؤ�لـ ٌم موج ٌع؛
�سائلين الله َر ْف َعه عنهم ،قائلين :ربنا اك�شف عنا هذا
496
غرقهمِ ،من ب�ساتين ،وعيو ٍن جارية ،وزروع قائمة في ٢١ - ١٩و�أ ّل ت�ستكبروا على الله بت ْر ِك طاعته ،إ�ني
مزارعهم ،وق�صو ٍر فخمة ،وعي�ش ٍة كانوا فيها متن ِّعمين �آتيكم ِمن عنده ب ُح ّج ٍة وا�ضح ٍة على �ص َّحة ما �أقول لكم،
فلما قال لهم مو�سى ذلك تو َّعدوه بالقتل ،فلم يبال
مترفين! بهم ،وقال رداً عليهم� :إ ِّن التج�أ ُت �إلى الله واحترزت به
من أ�ن تتمكنوا من قتلي ،و إ� ْن لم ت ؤ�منوا بما جئتكم به،
٢٩ ٢٨هكذا فعلنا بفرعون وقومه ،و أ�ورثنا هذه فاعتزلوني ،ولا تتعر�ضوا لي ب�ش ٍّر �أو أ�ذى ،حتى يق�ضي
النع َم بعد هلاك فرعون وجنده قوم ًا آ�خرين جا�ؤوا
بعدهم .فما بك ْت عليهم ال�سماء والأر�ض لكفرهم، الله بيننا.
وما كانوا ُم َهلين عن العقوبة ،ولكنهم ُعو ِجلوا بها
٢٤ - ٢٢فل ّما طا ل ُمقا مه فيهم و�أ قا م عليهم
لكفرهم و�شدة طغيانهم. الحجج ،وا�ستمروا على الكفر والطغيان و إ�يذائه و إ�يذاء
بني إ��سرائيل ،دعا مو�سى ر َّبه ،فقال� :إ َّن فرعون وقومه
٣٣ - ٣٠ولقد ن ّجينا بني �إ�سرائيل من العذاب المذ ِّل قوم مجرمون ولن ُير�سلوا معي بني �إ�سرائيل كما �أمرتهم،
لهم -وهو قتل أ�بنائهم وا�ستخدام ن�سائهم -نجيناهم ف�أجابه الله أ� ْن �ِ ْس بعبادي الذين �ص ّدقوك واتبعوك ليل ًا
ِم ْن عذاب فرعون� ،إنه كان جباراً م�ستعلي ًا على ربه، قبل ال�صباح ،ألن فرعون وقومه �سيتبعونكم لير ُّدوكم،
م�سرف ًا في التكبر على عباد الله .وف َّ�ضلناهم -على عل ٍم و إ�ذا قطع َت البح َر أ�ن َت و أ��صحابك ،فاتركه كما دخلته
م ّنا بحالهم وا�ستحقاقهم -على �أهل زمانهم .و�آتيناهم ولا ت�ضربه ليلتئم� ،إ َّن فرعون وجنوده �سي�سلكون الطريق
من المعجزات على يد مو�سى ،والكرامات والنعم ما فيه
ال َي َب� َس الذي �سلك َته ،و�إنهم جميع ًا مغرقون.
اختبار لهم ظاه ٌر لا يخفى على َم ْن ت أ�مله. ٢٧ - ٢٥ما �أكث َر ما ترك فرعون وقو ُمه بعد
٣٥ ٣٤إ� َّن م�شركي قومك � -أيها الر�سول-
ليقولون :ما هي �إلا الموتة ا ألولى التي نموتها في الدنيا، 497
وما نحن بمبعوثين بعدها؛ تكذيب ًا منهم بالبعث والثواب
والعقاب.
٣٦وقالوا لر�سول الله - -والم�ؤمنين متح ِّدين
لهم :ائتوا ب آ�بائنا الذين ماتوا قبلنا� ،إ ْن كنتم �صادقين �أ َّن
الله محيينا بعد مماتنا.
� ٣٧أه ؤ�لاء الم�شركون ِمن قومك -يا محمد -خير في
القوة والم َن َعة �أَ ْم قوم ُت َّبع ال ِح ْم َيي ملك اليمن ،والكفار
الذين قبلهم؟ ك ّل ،بل هم �أ�ضعف ،وقد �أهلكناهم
جميع ًا إلجرامهم ،وكفرهم بربهم ،فالم�شركون ِم ْن
قومك لي�سوا بعيدين ِمن الهلاك.
٣٩ ٣٨وما خلقنا ال�سماوات وا ألر�ض ،وما بينهما
ِمن الخلقَ ،ل ِعب ًا وعبث ًا .ما خلقناهما وما بينهما �إلا ل ِح َك ٍم
با ِلغ ٍة ،لولاها كان الخل ُق عبث ًا ،والتي منها أ�ن نختبر في
الدنيا َم ْن ن�شاء ِم ْن عبادنا بما ن�شاء ِم ْن �أوامر ونوا ٍه ،وغير
ذلك ،ثم ُير ُّدون إ�لينا فنثيب الطائ َع ونعاقب العا�صي،
و�أكث ُر ه�ؤلاء الم�شركين لا يدركون ذلك ،ولذلك ينكرون
البعث والجزاء.
والعيون وال ِّلبا�س ،كذلك �أكرمناهم ب أ� ْن ز َّوجناهم بن�ساء � ٤٠إ َّن يوم الف�صل ،الذي َي ْف�صل الله فيه بين خلقه،
نقيا ِت البيا�ض ،وا�سعات الأعين ح�سانها ،يطلبون في هو موع ُد اجتماعهم أ�جمعين.
الجنة ك َّل ما ي�شتهونه ِم ْن فاكهة وغيرها ،فيل َّبى طلبهم،
٤٢ ٤١يوم لا يدفع قري ٌب عن قريبه ولا �صاح ٌب
وهم آ�منون فيها ِمن انقطا ِع ذلك عنهم ،ونفاد ِه. عن �صاحبه �شيئ ًا ِمن عقوبة الله ،إ� ّل َم ْن َر ِحم الله ِم َن
الم ؤ�منين بالعفو عنه ،أ�و بقبول ال�شفاعة فيه� ،إ َّن الله هو
٥٧ ٥٦لا يذوق ه ؤ�لاء المتقون في الجنة المو َت أ�بداً،
بعد الموتة التي ذاقوها في الدنيا ،ون ّجاهم الله و�س َّلمهم العزيز في انتقامه ِمن �أعدائه ،الرحي ُم بعباده الم�ؤمنين.
ِم ْن عذاب النار؛ تف ُّ�ضل ًا منه عليهم و�إح�سان ًا �إليهم،
وهذا الذي �أعطينا المتقين ِم ْن نعيم في الجنة ،هو الفوز � ٤٤ ٤٣إ َّن �شجرة ال ّز ُّقوم -التي َتنبت في �أ�صل
الجحيم -هي طعام ا آلثم الكافر الفاجر.
العظيم.
٤٦ ٤٥هذا الطعام كالنحا�س الـ ُمذاب في النار،
٥٨ف إ� ّنا �َس َّهلنا قراءة هذا القر�آن ب ُلغتك ،ولغ ِة قومك ي ْغلي في بطون الم�شركين ،كغلي الماء ال�ساخ ِن الذي
العربية؛ لعلهم يفهمونه ،وي ّتعظون وي�ؤمنون.
يتطاير ِم ْن غليانه.
٥٩فانتظر -يا محمدَ -ن ْ� َصنا لك ،على ه ؤ�لاء
الم�شركين ،إ�نهم منت ِظرون مو َتك وما يح ُّل بك ِم َن ٤٨ ٤٧يقال لل َّزبانية :خذوا هذا ا ألثيم ،فادفعوه
ب�ش َّدة ،و�سوقوه �إلى و�سط النار ،ثم �ص ُّبوا على ر�أ�سه الما َء
الم�صائب. ال�شدي َد الغليان الذي ُي�صهر به ما في بطون الم�شركين
498 وجلودهم.
٤٩يقال لهذا المع َّذب -على �سبيل التهكم
والإهانةُ :-ذ ْق هذا العذاب ،الذي تع َّذب به اليوم،
�إنك �أنت العزيز في قومك الكري ُم عليهم!
� ٥٠إ َّن هذا العذاب الذي ُتع َّذب به أ�يها الكافر ،هو
العذاب الذي كنتم ت�ش ُّكون فيه في الدنيا ،فقد لقيتموه
فذوقوه.
� ٥٢ ٥١إ َّن الذين اتقوا الله ،ب ِفعل أ�وامره ،واجتناب
معا�صيه ،في مكا ٍن �آمنين فيه ِم ْن كل خو ٍف وه ٍّم وحز ٍن،
في ب�ساتين وعيو ٍن جارية.
َ ٥٥ ٥٣ي ْل َب�س ه�ؤلاء المتقون في هذه الجنات ثياب ًا
ِم َن الحرير ا ألخ�ضر مما ر ّق منه وما َغ ُلظ ،متقابلين في
مجال�سهمبالوجوه،وكما�أكرمناهم بماو�صفنا ِم َنالجنات
٦هذه آ�يا ُت القر آ�ن ن ُق ُّ�صها عليك -يا محمد- } ١ﭑ{� :سب َق الكلا ُم على هذه الحروف
مت�ض ِّمن ًة الح َّق الذي لا َيحوم حوله باطل ،فب أ� ِّي كلا ٍم
بعد كلام الله و أ�دلته على وحدانيته ،ي�ص ِّدق ه�ؤلاء الـ ُمق َّطعة في �أول �سورة البقرة.
٢هذا القر�آن منزل من عند الله ،العزيز الذي
الم�شركون؟
الُ يغ َلب ،الحكي ِم في �أمره وتدبيره و ُ�صنعه.
٨ ٧هلا ٌك وعذا ٌب �شدي ٌد ،لك ِّل ك ّذاب مفت ٍر
على الله ،ي�سمع �آيات القر�آن ُتقر�أ عليه فيتف َّهمها ثم ٤ ٣إ� َّن في خلق ال�سماوات والأر�ض ،وفي
يبقى م�ص ّراً على كفره و إ�ثمه ،م�ستكبراً عن الإيمان، خلقكم -أ�يها النا�س -و َخل ِقه تعالى ما ينت�شر في ا ألر�ض
ك أ�نه لم ي�سم ْع ما ُتل َي عليه ِمن آ�يات الله ،ف أ�خبره � -أيها ويد ُّب عليها َلـ ُحجج ًا و�أدل ًة على الخلق والبعث ،لمن
الر�سول -بعذا ٍب مو ِج ٍع يوم القيامة في نار جهنم. يطلبون اليقين بدليله.
٩و�إذا َع ِل َم هذا الأ ّفا ُك ا ألثي ُم �شيئ ًا ِمن �آيات الله ٥وفي اختلاف الليل والنهار ،وتعاقبهما عليكم؛
ا�ستهز أ� و�سخر منها ،ه�ؤلاء الذين ي�سخرون من آ�يات الله هذا بظلمته ،وهذا بنوره ،وما �أنزل الله ِم ْن ما ٍء ،ف�أحيا
لهم يوم القيامة عذا ٌب ُيهينهم و ُيذ ُّلهم ،في نار جهنم؛ بهذا الماء الأر�ض الميتة؛ و أ�خرج منها مختلف �أنواع
النبات ،بعد أ�ن كانت جدباء هامدة ،وفي ت�صريفه الرياح
جزا َء ا�ستهزائهم بالقر آ�ن و�إ�صرارهم على الباطل. لكم على اختلاف أ�نواعها ،من جهة �إلى �أخرى لمنافعكم
ِ ١٠م ْن أَ�مام ه�ؤلاء الم�ستهزئين بالقر آ�ن ،نا ُر جهنم �أدل ٌة و ُحج ٌج ،لقوم يعقلون عن الله ُحججه و�أدلته.
تنتظرهم ،ولا َيدفع عنهم �شيئ ًا ِم ْن عذاب جهنم ،ما
ك�سبوه في الدنيا ِم ْن ما ٍل وول ٍد و أ�ن�صا ٍر ،ولا َتدف ُع عنهم 499
�آله ُتهم التي عبدوها ،ولهم يومئ ٍذ عذا ٌب عظي ٌم.
١١هذا القر�آن هدى ِمن ال�ضلالةَ ،يهدي َمن اتبعه
�إلى �صراط م�ستقيم ،والذين جحدوا بما في القر آ�ن من
ا آليات ،ولم ي�ص ِّدقوا بها ،لهم يوم القيامة عذا ٌب ِم ْن
أ��ش ِّد العذاب موج ٌع م�ؤلـ ٌم.
١٢الله وحده الذي �أنعم عليكم � -أيها النا�س-
بجميع النعم ،فقد �س َّخر لكم البحر؛ لتجري فيه ال�سفن
ب أ�مره؛ ولتطلبوا بركوبه والغو�ص فيه ِم ْن ف�ضل الله؛
ولت�شكروا ربكم على ت�سخيره ذلك لكم ،فتعبدوه
وحده.
١٣و�س َّخر الله لكم ما في ال�سماوات ِم ْن �شم�س
و َقمر ،وما في ا ألر�ض ِم ْن دابة و�شجر وجماد لمنافعكم
تف ُّ�ضل ًا و إ�ح�سان ًا .إ� َّن في ت�سخير الله لكم ذلك ،لعلامات
ودلالات على وحدانيته و�صفاته ،لقوم ي�ستخدمون
عقولهم في التفكر ال�سليم والاعتبار.
بع�ض في الدنيا ،على أ�هل ا إليمان ،والله وليُّ َمن ا َّتقاه، ١٤قل -يا محمد -للم ؤ�منين �أن يغفروا وي�صفحوا
ين�صره ويدفع عنه َم ْن أ�راده ب�سوء. عن الم�شركين -الذين لا يخافون عقا َب الله ولا يبالون
ِن َقمه -إ�ذا نالوهم بالأذى والمكروه؛ ف�إنه تعالى �سيجزي
٢٠هذا القر�آن َمعالم للنا�س يتب ُ�صون بها أ�حكام
دينهم و أ�مور �شريعتهم ،وهدى من ال�ضلالة ،ورحمة ك َّل قوم بما كانوا يك�سبون.
من العذاب لمن آ�من به و�أيقن بما فيه. َ ١٥م ْن َع ِم َل بطاعة الله ،فثوا ُب عمله لنف�سه ،و َم ْن
�أ�ساء بعمله ،فعلى نف�سه َجنى ،ثم �إنكم -أ�يها النا�س-
� ٢١أح ِ�س َب الذين اكت�سبوا الكفر والمعا�صي َأ� ْن ترجعون �إلى ربكم للح�ساب والجزاء على أ�عمالكم� ،إ ْن
نجعلهم في ا آلخرة كالم ؤ�منين في الدرجة والثواب ،و أ� ّن
حياتهم ومماتهم ،كحياة الم ؤ�منين وموتهم؟! ك ّل ،فلا خيراً فخير ،و�إ ْن �ش ّراً ف�ش ٌّر.
ي�ساوي الله تعالى بين ا ألبرار والف ّجار ،بئ�س ما يق�ضون
١٦ولقد �أنزلنا على بني إ��سرائيل الكتب ِمن عندنا
به إ�ذ ح�سبوا �أنهم كالم ؤ�منين. هداي ًة لهم ،و�آتيناهم الفه َم والفقه بهذه الكتب ،وجعلنا
منهم أ�نبياء ور�سل ًا �إلى الخلق ،ورزقناهم الحلا َل الم�ست َل َّذ
٢٢خلق الله ال�سماوات والأر�ض بالحق والحكمة؛ ِمن ا ألقوات والثمار وا ألطعمة ،وف َّ�ضلناهم على العالمين
ليثيب كل عامل بما عمل ،المح�س َن بالإح�سان ،والم�سي َء
في �أزمانهم.
بما هو �َأ ْه ُله ،وهم لا يظلمون.
١٧و أ�عطينا بني �إ�سرائيل دلائل وا�ضحات ِم ْن أ�مور
500 ال ِّدين ،بتنزيلنا �إليهم التوراة ،فيها تف�صي ُل ك ِّل �شيء ،فلم
َيقع الاختلا ُف بينهم في الدين �إلا بعد ما جاءهم الوحي
بتعليم مبادئ الدين وتف�صيل �شرائع الحلال والحرام،
تع ِّدي ًا ِم ْن بع ِ�ضهم على بع�ٍض ح�سداً وطلب ًا للريا�سة� ،إ ّن
ربك -يا محمد -يف�ص ُل بينهم يوم القيامة ،فيما كانوا
يختلفون فيه .وهذا تحذير للأمة �أن ت�سلك م�سلكهم.
١٨ث ّم جعلناك -يا محمد -على طريق ٍة ومنها ٍج
وا�ض ٍح ِم ْن أ�مر الدين ،فاتبع تلك ال�شريعة التي جعلناها
لك ،ولا تتبع ا ألهواء التي يدعوك إ�ليها ه ؤ�لاء الم�شركون
الجاهلون ،الذين لا يعرفون الحق.
١٩إ� َّن الم�شركين الذين يدعونك -يا ر�سول الله� -إلى
اتباع أ�هوائهم ،لن يدفعوا عنك -إ� ْن خالف َت �شريعة
ربك� -شيئ ًا ِم ْن عقاب الله ،و�إ َّن الم�شركين بع ُ�ض ُهم �أن�صار
�إلا قولهم� :أعيدوا إ�لينا �آباءنا الذين هلكوا أ�حياء ،إ�ن ٢٣أ�فر�أي َت -يا محمد -جهال ًة �أ�ش َّد ِم ْن جهالة من
كنتم �صادقين؟! ا َّتخذ معبوده هواه ،فيعبد ال�شيء الذي يهواه ،دون إ�لهه
الحق؟ وخذله الله فلم يوفقه إل�صابة الحق ،بعد أ�ن تب ّي
٢٦قل -يا ر�سول الله -له�ؤلاء الم�شركين المك ِّذبين له طريق الإيمان وقامت الحجة عليه ،و�آثر ال�ضلالة على
بالبعث :الله يحييكم ما �شاء في الدنيا ،ثم يميتكم عند الهدى ،و َخ َت َم الله على �سمعه فلا يعتبر ب�آيات القر�آن،
انتهاء آ�جالكم المق َّدرة لموتكم ،ثم يجمعكم جميع ًا و َط َب َع على قلبه ،فلا يعقل به �شيئ ًا يهتدي به ،و َج َع َل على
أ�حياء ليوم القيامة ،الذي لا �ش َّك فيه ،ولك ّن أ�كثر النا�س ب�صره غ�شاوة ،فلا يب�صر به حجج الله!! ف َم ْن ي�ستطيع �أن
يو ِّفقه لإ�صابة الحق والر�شد ،بعد �أن خذله الله؟ لا �أحد،
لا يعلمون ذلك. أ�فلا تذ َّكرون -أ�يها النا�س -فتعلموا أ�ن َم ْن كان هذا
٢٧والله وحده هو المت�ص ّرف في ال�سماوات والأر�ض حاله ،فلن يهتدي �أبداً ،ولن يجد له ول ّي ًا مر�شداً.
وما فيهن لا ي�شاركه في ذلك �أحد ،ويوم تجيء القيامة،
التي ين�شر الله فيها الموتى ِم ْن قبورهم ،يومئ ٍذ يظهر ٢٤وقال الم�شركون :لا حياة إ�لا حياتنا الدنيا ،تكذيب ًا
منهم بالبعث بعد الممات ،وما يهلكنا إ�لا مرو ُر الزمان
خ�سران الكافرين؛ ألنهم ي�صيرون إ�لى النار. علينا ،وهو �أمر دائم لا ينقطع .ولي�س لهم بما يقولون
٢٨وترى يو َم القيامة أ�ه َل كل ِم ّلة ودين جال ِ�سين على يقين علم ،و إ�نما يقولونه ظ ّن ًا وحيرة في اعتقادهم.
ركبهم على هيئة المذنبِ ،م ْن هول ذلك اليوم ،متر ّقبين
لم�صيرهم ،ك ُّل أ�هل م ّل ٍة ُتدعى �إلى �سجل أ�عمالها ،ويقال ٢٥و�إذا ُت ْتلى على الم�شركين �آياتنا وا�ضحا ٍت جل َّيا ٍت،
لهم :اليوم ُتثابون وتعطون �أجو َر ما كنتم في الدنيا على البعث بعد الممات ،لم يكن لهم حجة على ر�سولنا
تعملون ِم ْن خير أ�و �شر.
٢٩هذا الكتاب الذي �َس َّج َلته الحفظة ،ينطق عليكم
بالحق إ� ْن أ�نكرتموه ،فاقر�ؤوه ،إ� ّنا كنا ن أ�مر الح َف َظة �َأ ْن
تكتب أ�عمالكم ،فتثبتها في الكتاب عليكم.
٣٠ف�أ ّما الذين و َّحدوا الله ،ولم ي�شركوا به �شيئ ًا،
وعملوا بما أ�مرهم الله به ،وانتهوا عما نهاهم عنه،
فيدخلهم برحمته الجنة ،ودخولهم الجنة هو الفوز الب ِّي
الوا�ضح ،الذي لا يدانيه فوز.
٣١و أ� ّما الذين كفروا بالله ،فيقال لهم :أ�لم تكن آ�ياتي
تتلى عليكم؟! فا�ستكبرتم عن ا�ستماعها والإيمان بها،
وكنتم قوم ًا مجرمين بالكفر وارتكاب ا آلثام ،وعد ِم
الت�صديق بمعا ٍد ،ولا بثوا ٍب ،ولا بعقا ٍب.
٣٢و إ�ذا قيل لكم � -أيها الكفار� :-إ َّن وعد الله بالبعث
والح�ساب ح ٌّق ،وال�ساعة آ�تية لا �ش َّك في قيامها ،قلتم
منكرين :ما نعلم ما هي ال�ساعة؟ وما نظ ُّن وقوعها إ� ّل
تو ّهم ًا وظن ًا �ضعيف ًا ،وما نحن بمتحققين أ�نها كائنة و آ�تية.
501
القيامة ،والذين جحدوا وحدانية الله ُم ْع ِر�ضون عن ٣٣و َظ َهر في ا آلخرة له ؤ�لاء الذين كانوا يك ِّذبون
�إنذار الله لهم ،لا يتعظون به ولا يتف ّكرون فيعتبرون. ب آ�يات الله �سيئا ُت �أعمالهم في الدنيا ،لـ ّما قر�ؤوا ُك َت َب
�أعمالهم ،التي كتبتها عليهم الح َف َظة ،ونز َل و�أحا َط بهم
٤قل � -أيها الر�سول -له ؤ�لاء الم�شركين :أ�خ ِبوني
عن ا آللهة وا ألوثان التي تعبدونها ِمن دون الله؛ أ�روني ِم ْن عذاب الله ما كانوا به ي�ستهزئون.
أ� َّي �شيء خلقوا من أ�جزاء الأر�ض وما يوجد فيها ،لتكون
�آلهة؟! َأ� ْم آللهتكم م�شارك ٌة مع الله في خلق ال�سماوات؟ ٣٤وقيل له ؤ�لاء الكفرة :اليوم نترككم َت َتقلبون في
ائتوني -أ�يها القوم -بكتا ٍب جاء من عند الله ِمن قبل عذاب جهنم ،كما تركتم الإيما َن بربكم والعم َل للقاء
هذا القر آ�ن ،يخبر ب�صحة ما ت َّدعون آللهتكم� ،أو ائتوني يومكم هذا ،ومنز ُلكم الذي ت�ستق ّرون فيه جه ّن ُم ،وما
ببقي ٍة ِم ْن عل ٍم يو َ�ص ُل بها إ�لى �صحة ما تقولون� ،إن كنتم
لكم ِم ْن ُم�ستن ِق ٍذ ينقذكم اليوم من عذاب الله.
�صادقين في أ� ّن لله �شريك ًا. ٣٥و ُيقال لهم :هذا الذي حا َق بكم ِمن العذاب؛
ب�سبب أ�نكم في الدنيا ا َّتخذتم �آيات الله �ُسخري ًة،
٥لا �أح َد أ��ض ُّل مـ ّمن َع َب َد حجراً أ�و خ�شب ًا وجعلها وخد َعتكم زين ُة الحياة الدنيا؛ ف�آثرتموها على ا آلخرة،
�آلهة ،وهي لا ُتيب دعاءه �أبداً إ�لى يوم القيامة؛ لأنها
فاليو َم لا ُيخرجون من النار ،ولا ُيق َبل منهم عذر.
جمادات لا ت�سمع ،ولا تنطق ،ولا تعقل. ٣٧ ٣٦فل َّله الحمد ك ُّله على نعمه التي لا ُت�صى
على َخ ْلقه ،خال ِق ال�سماوات وا ألر�ض ،ومال ِك جميع
502 ما فيه ّن من �أ�صناف الخلق ،وله وحده �سبحانه العظم ُة
وال�سلطان في ال�سماوات وا ألر�ض ،وهو العزيز في
ِن ْقمته من �أعدائه ،الحكي ُم في تدبيره أ�مو َر َخ ْلقه.
} ١ﮑ{َ� :س َبق الكلا ُم على هذه الحروف
الـ ُمق َّطعة في �أ ّول �سورة البقرة.
٢هذا القر آ�ن من َّز ٌل من عند الله ،القو ِّي الغالب
الذي لا ُيعجزه �شيء ،الحكي ِم في قوله وفعله ،وتدبير
أ�مور خلقه.
٣ما �أوج ْدنا ال�سماوات والأر�ض وما بينهما من
المخلوقات ،إ�لا إلقامة الح ِّق والعدل في الخلق ،وبتقدير
�أج ٍل معلو ٍم عند الله ينتهي إ�ليه جميع الخلق ،هو يوم
أ� َّول ُر�س ِل الله �إلى خلقه ،فقد كان قبلي ُر�سل و�أنبياء 6و�إذا ُج ِم َع النا� ُس يوم القيامة لموقف الح�ساب،
كثيرون ،ولا أ�دري ما ُي�صنع بي وبكم في الدنيا ،ما أ� َّتبع كانت هذه ا آللهة التي كانوا ي ْدعونها في الدنيا أ�عدا ًء لمن
فيما آ�مركم به �إلا وح َي الله الذي يوحيه إ�ليّ ،وما أ�نا لكم عبدوها ،وتتبر أ� ِمن عبادتهم لها ،و ُت ْنك ُر ع ْل َمها بذلك.
إ�لا نذير� ،أُنذركم عقا َب الله على كفركم به. 7و�إذا ُتقر�أ على الم�شركين آ�يا ُت القر آ�ن ب ّينات المعاني
وا�ضحات الحجج ،قالوا :هذا القر�آن ِ�سح ٌر ظاهر.
10قل � -أيها الر�سول -له�ؤلاء الم�شركين :أ�خبروني،
ماذا تقولون �إ ْن كان هذا القر آ� ُن من عند الله ،أ�نزله عل َّي، 8بل يقول ه ؤ�لاء الم�شركون :اخ َت َلق محمد هذا
وك َّذبتم �أنتم به ،و�َش ِهد �شاه ٌد من بني إ��سرائيل من الذين القر�آن و َز َعم أ�نه كلام الله ،قل لهم � -أيها الر�سول:-
تثقون ب�شهادتهم ،على مثل القر�آن -وهو التوراة- �إن اخت َل ْق ُته كذب ًا على الله -على �سبيل الافترا�ض -فلا
ب أ�نها ُت�ص ِّدق ما جاء به القر آ�ن ،وفيها الب�شارة بي ،ف�آمن تر ُّدون ع ّني �إ ْن عاقبني الله على افترائي �شيئ ًا ،الله أ�عل ُم
هذا ال�شاه ُد و�ص َّدق بي ،وا�ستكبرتم -أ�يها الم�شركون- بما تقولونه بينكم وما تن ُ�سبون إ�لى هذا القر�آن من الطعن
عن ذلك؟! إ� َّن الله لا يو ِّفق إ�لى ا إل�سلام و�إ�صاب ِة الح ّق، والتكذيب ،كفى بالله �شاهداً بيني وبينكم ،ي�شه ُد لي
القو َم الكافرين الم�ص ِّرين على الظلم وجحو ِد الح ّق بعد بال�صد ِق والتبلي ِغ ،وي�شه ُد عليكم بالجحو ِد والتكذي ِب،
ما تب ّي لهم. وهو الغفو ُر لمن تاب ،الرحي ُم بعباده الم ؤ�منين.
11وقال الذين كفروا للم ؤ�منين :لو كان ما جاء به ُ 9ق ْل � -أيها الر�سول -لم�شركي قومك :ما كن ُت
محمد ِمن القر�آن خيراً ،ما �سبقتمونا إ�لى الت�صديق به،
و�إ ْذ لم يهتدوا بالقر�آن ،ف�سيقولون :هذا القر�آن �أكاذي ُب 503
قديم ٌة من أَ�خبار الأ ّولين!
12و ِمن َقبل هذا القر آ�ن �أنزلنا على مو�سى كتاب ًا،
إ�مام ًا للنا�س يقتدون به ،ورحمة من الله لهم -وهو
التوراة -وهذا القر�آن ي�ص ِّدق كتاب مو�سى وغيره من
الكتب المنزلة ،وهو بل�سان عرب ٍّي ،ل ُين ِذر به الذين ظلموا
�أنف�سهم بكفرهم بالله ،وهو ب�شرى للم�ؤمنين المح�سنين
بالجنة.
14 13إ� ّن الذين قالوا ب�صد ٍق :ر ُّبنا الله وحده ،ثم
ا�ستقاموا على الإيمان به فلا خوف عليهم من فز ِع يوم
القيامة و�أهواله؛ ألن لهم الأمن بعد موتهم ،ولا هم
يحزنون على ما خ َّلفوا وراءهم بعد َماتهم من متا ِع
الدنيا الفانية ولا أ� ِّي �شيء فاتهم فيها ،أ�ولئك هم أ�هل
الجنة ،يقيمون فيها أ�بداً برحمة من الله تعالى ثواب ًا على
أ�عمالهم ال�صالحة التي كانوا يعملونها في الدنيا.
كانوا خا�سرين أ�كبر خ�سارة؛ ببيعهم الهدى بال�ضلال، 15وو َّ�صينا ا إلن�سان بوالديه� ،أن ُيح�سن �صحبتهما،
والنعيم بالعذاب. و أ�ن يب َّر بهما في حياتهما ،وبعد َماتهما ،ح َم َلته �أ ُّمه
م َّد َة حملها في بطنها بم�شقة ،وو�ضعته بم�شقة ،وم َّد ُة
19ولك ِّل فريق من هذين الفريقين -فريق ا إليمان ح ْمله وفطامه ثلاثون �شهراً ،حتى �إذا بلغ هذا الإن�سان
وفريق الكفر -مناز ُل ومرات ُب عند الله يوم القيامة، -الذي هداه الله -كما َل قوته الج�سدية ،وبلغ تمام
بح�سب أ�عمالهم التي عملوها في الدنيا ،وليوفيهم �أربعين �سنة -وهي ِ�س ُّن اكتمال العقل والر�شد -دعا ربه
جميع ًا �أجو َر أ�عمالهم التي عملوها ،ولا ُيظلمون �شيئ ًا، قائل ًا :ر ِّب أ� ْل ِهمني أ� ْن �أ�شكر نعمتك التي �أنعمت عل َّي
ب أ�ن ُينق�ص ِمن ح�سنات الأ ّولين ،أ�و ُيزاد في �سيئات وعلى والد َّي ،وو ِّفقني أ�ن �أعمل �صالح ًا تتقبله ،واجع ِل
ال�صلا َح �ساري ًا في ذريتي� ،إ ّن تب ُت �إليك من ذنوبي،
الآخرين.
و إ� ّن من الخا�ضعين المنقادين ألمرك ونهيك.
20ويو َم ُيعر�ض الذين كفروا بالله على نار جهنم،
يقال لهم توبيخ ًا :لقد ا�ستو َفيتم ط ِّيباتكم في حياتكم، 16ه�ؤلاء الم�ؤمنون الم�ستقيمون ،ال َ َبر ُة الـ ُمنيبون
وا�ستمتعتم بها ،ولم َي ْب َق لكم �شيء في ا آلخرة ،فاليوم �إلى الله ،هم الذين يتق ّبل الله منهم أ�ح�سن ما عملوا في
� -أيها الكافرونْ ُ -تزون عذاب الخزي وال َهوان؛ بما الدنيا ِم ْن �صالحات ا ألعمال ،فيجازيهم به ،وي�صفح
كنتم تتكبرون على ا ّتباع الح ّق ،وبما كنتم تع�صون أ�مر عن �سيئاتهم فلا يعاقبهم عليها ،وهم في ِعداد �أ�صحاب
الله وتخالفون طاعته. الجنة .هذا الوع ُد الذي وعدهم الله �إياه؛ هو َو ْع ُد
ال�صد ِق الذي لا �ش َّك في ح�صوله.
504
17و أ� ّما ذلك الكافر العا ُّق لوالديه ،الذي قال لهما
-وهما مجتهدان في ن�صيحتهُ :-قبح ًا لكما�َ ،أ َت ِعدانني
أ�ن أ�ُ ْب َع َث ِمن قبري ح ّي ًا من بعد َفنائي ،كيف وقد
م�ضت الأمم ِمن قبلي فهلكوا ،ولم َن َر أ�حداً ُبعث منهم
بعد موته؟! ووالداه يدعوان الله أ� ْن يو ِّفق ول َدهما �إلى
الإيمان ،وي ُح ّ�ضانه على الإيمان قائ َلين له :ويل َك �ص ِّد ْق
بوعد الله ،و َأ�ق َّر ب�أنك مبعوث من بعد وفاتك ،ف�إ ّن َو ْع َد
الله ليوم الح�ساب لا �ش َّك فيه ،فيقول لهما :ما هذا
الذي ت ْدعوانني �إليه إ�لا ما �س ّطره ا أل ّولون في ُك ُتبهم من
ا ألباطيل والخرافات.
18ه ؤ�لاء العا ُّقون المك ِّذبون بالبعث والجزاء هم
الذين َو َج َب عليهم عذاب الله ،وح َّل بهم �َس َخ ُطه،
وهم في ِعداد أ�م ٍم من الهالكين ،قد م�ضوا قبلهم ِمن الج ِّن
والإن�س ،ك ّذبوا ُر�س َل الله ،و َع َتوا عن �أمر ربهم� ،إنهم
و إ�نما ع ْلمه عند الله ،و�أنا ر�سول �إليكم ِمن الله ،مب ِّل ٌغ ما 21وا ْذ ُكر � -أيها الر�سول -لقومك الذين ك َّذبوك:
�أر�سلني به ،ولك ِّني �أراكم قوم ًا تجهلون ب إ�نكاركم الح َّق أ�خا عاد في الن�سب لا في الدين ،وهو هود عليه ال�سلام،
حين خ َّوف قو َمه �َأ ْن تح َّل بهم ِنقمة الله على كفرهم،
الوا�ض َح ،وطلبكم م ِّني ما لا أ�ملكه. وكانت منازلهم با ألحقاف -وهي مرتفعات رملية
معوجة كهيئة الجبال جنوب �شبه الجزيرة العربية -وقد
24فل ّما جاءهم عذا ُب الله الذي ا�ستعجلوه ،فر َأ�وه َم َ�ضت الر�س ُل ب إ�نذار ُأ�ممهاِ ،م ْن قبل هود و ِم ْن بعده،
�سحاب ًا عار�ض ًا في ال�سماء ،م َّتجه ًا نحو �أوديتهم ،قالوا أ�نذ َر ُهم قائل ًا لهم :إ�ني أ�ُح ِّذركم ِم ْن عبادة �أحد �سوى
م�ستب�شرين :هذا ال�سحاب �س ُي ْمطرنا ،قال لهم هود الله ،إ�ني أ�خاف عليكم عذاب الله ،في يو ٍم َي ْع ُظم هو ُله،
عليه ال�سلام :لي�س ا ألم ُر كذلك؛ بل هو العذاب الذي
ا�ستعجلتم به ،هو ري ٌح فيها عذا ٌب مو ِج ٌع �شدي ُد الإيلام. وهو يوم القيامة.
25تد ِّمر وتهلك هذه الريح ك َّل �شيء ُ�أر�سلت بهلاكه، 22قال قوم هود� :أجئتنا يا هود؛ ِل َت�صر َفنا عن عبادة
ب أ�مر ر ِّبها و إ�رادته ،ف أ��صبح قوم هود وقد هلكوا ،فلا آ�لهتنا التي �َأ ِل ْفنا عبادتها ،إ�لى عبادة ما تدعونا �إليه؟! ف ْأ�تنا
ُيرى �إ ّل �أ َث ُر م�ساكنهم ،و ِم ْث ُل هذا الجزاء نجزي القوم بهذا العذاب الذي تعدنا به� ،إ ْن كن َت من ال�صادقين فيما
المجرمين الكافرين؛ ب�سبب كفرهم وطغيانهم. تنذرنا به.
26ولقد م َّكنا قو َم هود فيما لم نمكنكم فيه يا أ�هل 23قال هود لقومه :لا يعلم �أح ٌد متى ي أ�تيكم العذاب،
مكة ،ب أ� ْن أ�مددناهم بالمال الكثير وقو ِة الأبدان وطول
العمر ،وجعلنا لهم �سمع ًا ي�سمعون به ،و أ�ب�صاراً يب�صرون 505
بها ،و�أفئد ًة يعقلون بها ،فلم ي�ستعملوها فيما ينفعهم
وينجيهم ِمن عقاب الله ،وذلك حين كانوا يك ِّذبون
ب آ�يات الله الداعي ِة �إلى توحيده وت�صدي ِق ر�سوله ،ونزل
و أ�حا َط بهم العذا ُب الذي كانوا ي�ستهز ؤ�ون با�ستعجاله.
وهذا وعي ٌد ِمن الله تعالى ،وتحذي ٌر لمن كان على �شاكلتهم
من الكافرين.
28 27ولقد أ�هلكنا -يا أ�هل مكة -ما حول
قريتكم ِمن القرى الظالمة ،كعاد وثمود وقوم لوط،
ون َّوعنا لهم البراهين والأدل َة ب أ��ساليب مختلفة؛ لعلهم
يرجعون ع ّما كانوا مقيمين عليه من الكفر بالله و آ�ياته،
ف�أ َبوا إ� ّل الا�ستمرا َر على كفرهم ،فه ّل َن َ� َصتهم أ�وثا ُنهم
و آ�له ُتهم التي عبدوها تق ُّرب ًا �إلى الله بزعمهم ،وذلك حين
جاءهم ب أْ��ُسنا؟ ك ّل ،بل ت َر َكتهم آ�له ُتهم التي زعموا ،فلم
ُت ْبهم ،ولم ُتغ ْثهم ،وتلك عاقبة َك ِذبهم؛ حيث كانوا
يقولون :ه ؤ�لاء �آلهتنا ،وهم �شفعا ؤ�نا عند الله.
فيجيب ه ؤ�لاء الكفرة :بلى هو ح ٌّق والل ِه ،فيقال لهم 29وا ْذ ُكر -أ�يها الر�سول -لم�شركي مكة توبيخ ًا
-في هذا الوقت الذي لا ينفعهم فيه اعترا ُفهم :-ذوقوا لهم حين بعثنا �إليك طائفة ِمن الج ِّن ي�ستمعون تلاوتك
للقر�آن ،فل ّما ح�ضروا ،والر�سول - -يقر�أ ،قال
عذاب ال ّنار ب�سبب كفركم وجحودكم به في الدنيا. بع�ضهم لبع�ٍض :ا�سكتوا لن�ستمع �إلى قراءته ،ف�آ َمنوا به،
فل ّما َف َرغ الر�سول ِ - -من تلاوته ،ان�صرفوا إ�لى
35فا ْ�ص ِب -أ�يها الر�سول -على أ�ذى قو ِمك قومهم نا�صحين لهم ينذرونهم عذا َب الله إ� ْن لم ي ؤ�منوا.
المك ِّذبين لك ،كما �صبر أ�ُولو العزم ِمن الر�سل قبلك
30قال الج ُّن لقومهم :يا قومنا �إ ّنا �سمعنا كتاب ًا عظيم ًا
على ال�شدائد والأذى :نوح ،و�إبراهيم ،ومو�سى، من َّزل ًا على ر�سو ٍل ِم ْن بعد مو�سى ،ي�ص ِّدق ما قبله من
وعي�سى -عليهم ال�صلاة وال�سلام -ولا ت�ستعج ْل على كتب الله التي أ�نزلها على ر�سله ،يهدي �إلى الح ّق ،و�إلى
الم�شركين بالعذاب ،ف�إنه ناز ٌل بهم لا َمحال َة ،ك أ�نهم يوم
يرون ما يوعدون من العذاب في الآخرة ،لم يمكثوا في طري ٍق م�ستقي ٍم وا�ض ٍح ،وهو الإ�سلام.
الدنيا -في ظ ِّنهم� -إ ّل مقدا َر �ساع ٍة ِمن نها ٍر ،ل�ش َّدة
ما يقا�سون من ا ألهوال .هذا القر�آن بلا ٌغ ِمن الله لهم 31يا قو َمنا �أجيبوا محمداً �إلى ما يدعوكم إ�ليه ِم ْن
ولغيرهم فيه كفاي ٌة لمن طلب الهدى والر�شاد ،ولا ُيه ِلك طاعة الله ،و�ص ِّدقوه فيما جاءكم به من عند الله ،يغفر الله
اللهُ بعذابه �إلا القو َم الذين خالفوا أ�مره ،وكفروا به، لكم ِمن ذنوبكم التي ارتكبتموها ،وينقذكم ِمن عذا ٍب
وخرجوا عن طاعته. مو ِج ٍع م ؤ�لم في جهنم.
506 32و َم ْن لا ُي ِج ْب ر�سول الله محمداً إ�لى ما دعاه �إليه
ِمن الإيمان ،فلن َيقدر على الإفلات ِم ْن عقاب الله �إ ْن
أ�راد الله عقا َبه؛ ألنه في �سلطانه وقب�ضته حيث كان،
ولي�س له ِم ْن دون الله ُن َ�صاء ين�صرونه ،وه�ؤلاء الذين لم
يجيبوا داعي الله ،في �ضلا ٍل وا�ض ٍح عن الح ّق ،ظاه ٍر لمن
ت�أ ّمله.
َ� 33أ َو َل ينظ ْر ه ؤ�لاء المنكرون للبعث ويتفكروا،
فيعلموا أ�ن الله الذي خلق ال�سماوات وا ألر�ض ،ولم
ُيعجزه خل ُقه ّن ،قادر على �إحياء الموتى و َبعثهم يوم
القيامة؟! بلى ،ذلك �أم ٌر ي�سي ٌر على الله تعالى ،الذي لا
ُيعجزه �شي ٌء �أراده.
34ويوم ُي ْع َر�ض المك ِّذبون بالبعث ،على نار جهنم،
يقال لهم توبيخ ًا :أ�لي�س هذا العذاب حقيق ًة واقع ًة؟
6 - 4ف إ�ذا َل ِقيتم -أ�يها الم ؤ�منون -الذين كفروا 1الذين جحدوا توحي َد الله ،وعبدوا غي َره ،و�ص ُّدوا
في الحرب ،فا�ضربوا رقا َبهم؛ حتى �إذا َأ� ْكثرتم فيهم القتل النا� َس عن دينه�َ ،أ ْبطل الله مكار َم أ�عمالهم -ك ِ ِّب
وال َج ْر َح و أ��ضعفتموهم ،ف َأ�ح ِكموا قي َد ا َأل�سرى منهم الوالدين ،ورعاية ح ِّق الجار ،وال ِّ�صدق في المعاملات-
لئلا يهربوا ،و أ�نتم بعد انتهاء الحرب بين أ�مرين� :إ ّما أ� ْن
َتـ ُم ُّنوا عليهم ب إ�طلاقهم من الأ�سر بغير ِعو�ٍض ،و إ� ّما �أ ْن فلم يقبلها ،فلا ثوا َب لهم عليها في ا آلخرة.
ُيفادوكم ،ب�أ ْن يعطوكم ِعو�ض ًا حتى ُتطلقوهم ،وافعلوا
ذلك مع �أعدائكم إ�لى �أن ُي�ْس ِلموا �أو ُي�سالموا ،ولو أ�راد 2والذين آ�منوا بالله ،وا َّتبعوا �شرعه ،و�ص ّدقوا
الله لانت�ص َر من ه ؤ�لاء الم�شركين بغير قتال ،وكفاكم بالقر�آن الذي أ�نزله الله على ر�سوله محمد - -وهو
ذلك ك َّله ،ولك َّن الله أ�مركم بالقتال ليختبركم بهم. الح ُّق من عند ربهم ،محا الله عنهم �س ِّي َئ ما عملوا من
و أ� ّما ال�شهداء الذين ُقتلوا في �سبيل الله ،فلن ُي�ضيع الله الأعمال ،و�أ�صل َح حالهم وقلوبهم في الدنيا والآخرة.
�أجر أ�عما ِلهم� ،سيو�صلهم �إلى طريق ال�سعادة والفلاح،
وي�صل ُح حالهم ،ويدخلهم الجنة ،وقد ع َّرفهم منازلهم 3وقد أ�َ ْبطلنا �أعما َل الكافرين ،فلم ُن ِث ْبهم عليها؛
ب�سبب أ�نهم ا َّتبعوا ال�شيطان ،وك َّفرنا عن الم ؤ�منين
فيها وب َّينها لهم فلا يخطئونها. �سيئاتهم؛ ب�سبب ا ِّتباعهم الر�سول - -وما جاء به
من الح ِّق والهدى ،كذلك يب ِّي الله للم ؤ�منين والكافرين
7يا �أيها الذين �ص َّدقوا الله ور�سوله� ،إ ْن تن�صروا
دين الله باتباع أ�حكامه وجهاد أ�عدائه ،ين�ص ْركم على م آ� َل �أعمالهم ،وما ي�صيرون إ�ليه في ا آلخرة ليعتبروا.
عدوكم ،ويث ِّب ْت أ�قدامكم عند قتال ا ألعداء ومجاهدتهم.
507
9 8والذين جحدوا توحيد الله ،فهلاك ًا و�شقا ًء
وخيب ًة لهم ،و أ�َ ْذه َب الله ثوا َب �أعمالهم؛ ذلك ب�سبب
أ�نهم كرهوا القر�آ َن الذي �أنزله الله على ر�سوله محمد،
فك ّذبوا به ،ف أ�بطل �أعمالهم.
10أ�فلم َي ِ�س الكفا ُر في ا ألر�ض ،فيروا ِن ْقم َة الله التي
�أح َّلها با ألمم المك ّذبة قبلهم؟ �أهلكهم الله هلاك ًا �شديداً
مع أ�موالهم و أ�هليهم ،وللكافرين الم�ص ِّرين على كفرهم
�أمثا ُل تلك العاقبة التي ح َّلت بتلك ا ألمم .وفي هذا إ�نذار
وتو ُّع ٌد لم�شركي مكة.
11ذلك الذي َف َع ْلنا بفريق ا إليمان وفريق الكفر؛
ب�سبب أ� ّن الله وليُّ الم ؤ�منين ونا�صرهم على أ�عدائهم ،و�أ ّن
الكافرين لا وليَّ لهم ولا نا�صر.
� 12إ َّن الله ُيدخل الذين �آمنوا بالله ور�سوله وعملوا
ال�صالحا ِت جنا ٍت تجري من تحت �أ�شجارها وق�صورها
ا ألنهار ،والذين كفروا يتم َّتعون في الدنيا وي�أكلون
فيها مث َل البهائم التي لا ه ّم لها إ�لا َمل ُء بطونها و إ��شبا ُع
�شهواتها ،ولا يلتفتون �إلى الآخرة ،ونا ُر جهنم م�صيرهم
وم أ�وهم بعد َماتهم.
13وكم � -أيها الر�سول -من أ�هل قرى من قبلك هم
�أ�ش ّد ب�أ�س ًا ،و أ�كث ُر جمع ًا من أ�هل مكة الذين �أخرجوك
منها ،أ�هلكناهم بالعذاب لـ ّما ك ّذبوا ر�سلهم ،فما كان
لهم نا�صر ين�صرهم من عذاب الله.
14هل ي�ستوي الم�ؤمن -الذي هو على برهان
وا�ض ٍح من ر ِّبه يتب َّي له به الح ُّق من الباطل ،فهو يعبده
على يقين وب�صيرة منه -و َم ْن ح�َّسن لهم ال�شيطان قبي َح
عملهم -كال�شرك والمعا�صي -وا ّتبعوا �أهواءهم ،فلي�س
لهم ُح ّجة ولا برهان؟
�ِ 15ص َف ُة الجنة التي أ�ع َّدها الله للمتقين الذين فعلوا
17و�أ َّما الذين �شرح الله �صدو َرهم للإيمان ،ف�إ َّن ما فيها �أنهار معاظ�أيممرةهممناللمها ٍءبهغيورانتمَهتغو ِّايعالّماطعنمهاوهالمرائعنهح:ة
تلو َته عليهم -أ�يها الر�سول -زادهم الله به إ�يمان ًا إ�لى ولا ُم ْنت ٍن،
وفيها أ�نهار من لب ٍن لم يتغير َطعمه ،وفيها أ�نهار من خمر
�إيمانهم ،و�أعطاهم الله العمل بما َيقيهم النا َر. ل ّذ ٍة لل�شاربين ،و أ�نها ٌر من ع�س ٍل خال�ٍص من ال�شوائب،
18فهل ينتظر ه ؤ�لاء المنافقون المك ِّذبون بك وله�ؤلاء المتقين في هذه الجنة ِم ْن مختلف الفواكه
-يا محمد -إ� ّل ال�ساع َة ،التي ُوعدوا بها �أن تجيئهم وغيرها ،ولهم عف ٌو ِمن الله لهم عن ذنوبهم .هل َم ْن هو
فج�أ ًة وهم لا ي�شعرون بمجيئها؟ فقد جاءت علاما ٌت في هذه الجنة خال ٌد فيها ،ك َم ْن هو خال ٌد في نار جهنم،
ِمن علاماتها فلم يرفعوا لها ر أ��س ًا ولم يعتبروا بها ،وماذا
ُيفيدهم تذ ُّك ُرهم و�إيما ُنهم إ�ذا َد َه َم ْتهم ال�ساع ُة ب�أهوالها و�ُس ُقوا ما ًء حا ّراً �شديد الغليان ،فق َّطع أ�معاءهم؟!
ووقفوا للح�ساب؟ 16و ِم ْن ه ؤ�لاء الذين يتم َّتعون وي أ�كلون كما ت�أكل
19فا ْث ُب ْت -أ�يها الر�سول -على ما أ�نت عليه من ا ألنعام جماع ٌة ي�ستمعون �إليك أ�يها الر�سول -وهم
التوحيد ،ف إ�نه لا معبو َد بح ٍّق إ�لا الله ،و�س ْل ر َّبك غفران المنافقون -فلا يعلمون ما تتلو ولا يفهمونه ،تها ُون ًا
ذنبك -مما يع ُّد ذنب ًا بالن�سبة لمكانتك ومنزلتك- منهم بكتاب ر ّبك ،حتى إ�ذا خرجوا ِم ْن عندك،
وذنو َب الم ؤ�منين بك والم�ؤمنات ،ف�إ َّن الله يعل ُم ت�ص ُّرفكم قالوا ِلـ َمن ح�ضر مجل َ�سك ِم ْن أ�هل العلم ِمن �أ�صحابك
في يقظتكم نهاراً ،وم�ستق َّركم في نومكم ليل ًا لا يخفى -م�ستهزئين :-ماذا قال لنا محم ٌد َقبل أ� ْن نفارقه ِم ْن
مجل�سه؟ ه�ؤلاء الذين َق َف ْل ُت قلو َبهم ،فهم لا ينتفعون
عليه �شي ٌء من أ�حوالكم. ب ُن�ص ٍح ولا يهتدون للحق ،وا َّتبعوا أ�هواءهم ف أ�عمتهم
508 عن الح ّق.
23ه�ؤلاء المنافقون المتخ ِّلفون عن الجهادَ ،ل َعنهم 21 20ويقول الم ؤ�منون حر�ص ًا منهم على الجهاد:
الله و أ�بعدهم ِم ْن رحمته ،ف أ��ص َّمهم عن �سماع الح ِّق،
و أ�عمى �أب�صارهم عن ر ؤ�ية الهدى ،فلم يتب َّينوا ُح َجج ه َّل ُن ِّزلت �سورة من الله ،ت�أمرنا بجهاد الكفار؟ ف إ�ذا
نزل ْت �سورة مح َكمة لا خفاء فيها ولا ا�شتباه ،و ُذكر
الله على كثرتها! فيها الجهاد ،ر�أي َت الذين في قلوبهم �ش ٌّك في دين الله
ونفا ٌق ،ينظرون إ�ليك -أ�يها النبي -كنظر َم ْن َح َ�ضه
24أ�فلا يتد َّبر ه ؤ�لاء المنافقون القر�آ َن وما فيه ِمن الموت ف�صار ب�ص ُره �شاخ�ص ًا لا يتحرك من �ش ّدة الخوف
المواعظ والزواجر حتى لا يقعوا فيما وقعوا فيه ِمن والفزع؛ خ�شي َة َأ� ْن ت�أمرهم بالجهاد ،ف أ�َح ُّق به ؤ�لاء
الموبقات؟ أ�َ ْم على قلوبهم أ�قفال ،فلا ينفذ إ�ليها �شيء ِم ْن المنافقين و َ�أ ْولى لهم �أن يطيعوا الله ور�سوله ،و أ�ن يقولوا
قول ًا معروف ًا موافق ًا لل�شرع ،ف إ�ذا ج َّد ا ألمر و َل ِزم القتا ُل،
معانيه؟! والمعنى :بل قلوبهم قا�سية. فلو �صدقوا الله في �إيمانهم وطاعتهم ،لكان خيراً لهم من
25إ� َّن الذين ارت ُّدوا عن الهدى والإيمان ،ورجعوا المع�صية والمخالفة.
على �أعقابهم ،كفاراً بالله ِم ْن بعد ما عرفوا الح َّق بوا�ض ِح
الحجج ،ال�شيطا ُن ز َّين لهم الارتداد على أ�دبارهم، 22فلعلكم � -أيها القوم -إ� ْن أ�عر�ضتم عن ا إليمان،
وع ّما جاءكم به محمد - -أ� ْن تعودوا �إلى ما كنتم
و َخ َدعهم وغ َّرهم بالأمل و ُطول الأجل. عليه في الجاهلية ،فتف�سدوا في الأر�ض ،وت�سفكوا
�َ 26أملى الله له ؤ�لاء المنافقين وت َركهم يتمادون في
ال�ضلال ،ب�سبب �أ ّنهم قالوا لليهود و َم ْن على �شاكلتهم الدماء ،و ُت َق ِّطعوا �أرحامكم.
الذين كرهوا ما ن َّزل الله� :سنطي ُعكم في بع�ض ا ألمر الذي
هو خلا ٌف ألمر الله تعالى و�أمر ر�سوله ،واللهُتعالى يعلم
ما �أ�س ّره بع ُ�ضهم إ�لى بع�ٍض ِم َن القول ،و�سيعاقبهم على
ذلك عقاب ًا �شديداً.
27كيف يكون حا ُل ه ؤ�لاء المنافقين المرت ِّدين عن
الح ِّق إ�ذا جاءتهم الملائكة ِل َق ْب�ض �أرواحهم ،وتع َّ�صت
ا ألروا ُح في أ�ج�سامهم ،وا�ستخرجتها الملائك ُة بالعنف،
وال َقهر ،ي�ضربون وجو َههم وظهو َرهم؟! �إنه �أ�سو ُأ� حا ٍل
و�أخزاه.
28ذلك العذاب للمنافقين؛ ب�سبب أ�نهم ا َّتبعوا ما
�أغ�ض َب اللهَ عليهمِ ،من الكفر والمعا�صي ،وكرهوا ما
ير�ضيه عنهمِ ،من الإيمان والطاعة فلم يقب ِل الله �أعمالهم
و�َأحبطها فلا ثوا َب لهم عليها.
� 29أَ َح ِ�س َب المنافقون أ� ْن ل ْن ُيخرج الله ما في قلوبهم
ِمن الح�سد وال ُبغ�ض والحقد على النب ِّي - -
والم�ؤمنين ،فيظهره لهم؛ حتى يعرفوا نفا َقهم؟!
509
و إ� ْن ت�ؤمنوا بالله ،وتتقوه ب أ�داء فرائ�ضه ،واجتناب 30ولو ن�شاء � -أيها الر�سول -لع َّي ّنا لك ه ؤ�لاء المنافقين
معا�صيه ،ي�ؤتكم ثوا َب �أعمالكم ،واللهُ تعالى لا َي�ش ُّق ب أ��شخا�صهم حتى َت ْعرفهم ،و َل َتعرف َّنهم بعلاماتهم فيما
عليكم في�س�ألكم إ�نفا َق جمي ِع �أموالكم ،إ�ن ُيك ِّلفكم يبدو ِم ْن كلامهم ال ّدا ِّل على مقا�صدهم ،واللهُ يعلم
ر ُّبكم �إخرا َج جميع �أموالكم في �سبيله؛ فيل َّح عليكم
بطلبها منكم ،تبخلوا بها وتمتنعوا عن أ�دائها ،ويظهر ما �أعما َلكم ،لا يخفى عليه منها خافية.
في نفو�سكم ِمن ال�ُّشح وكراهية ا إلنفاق. 31و َل َنمتحن َّنكم -أ�يها الم ؤ�منون -ب أ� ْن ن أ�مركم
بالقتال ،وجهاد �أعداء الله وغيره من التكاليف حتى َي ِبي َن
38ها أ�نتم -أ�يها الم ؤ�منونُ -ت ْدعون لتنفقوا في أ�ه ُل الجهاد منكم وال�صابرون على دينهم ِم ْن غيرهم،
�سبيل الله ،و ُن�صرة دينه ،فمنكم َم ْن يبخل بالنفقة ،و َم ْن
يبخ ْل بالنفقة في �سبيل الله ،ف�إ ّنا يعود �ضر ُر بخله على ونختبر أ�عما َلكم؛ ليتب ّي ال�صاد ُق منكم ِمن الكاذب.
نف�سه؛ لأنه يمنعها الأج َر والثوا َب ،واللهُ تعالى هو الغن ُّي
عنكم و�أنتم الفقراء إ�ليه ،و�إ ْن تتولوا � -أيها الم�ؤمنون- 32إ� ّن الذين جحدوا توحي َد الله ،و�ص ُّدوا النا�س
عن طاعة الله وامتثال �أمرهَ ،ي ْذ َه ْب بكم ،ثم ي أ� ِت بقوم عن دينه ،وخالفوا ر�سوله محمداً - -فحاربوه
�آخرين بدل ًا منكم ،ولا يكونوا مث َلكم ،بل أ�َ ْف�ض َل منكم، و آ�ذوهِ ،م ْن بعد ما علموا �أنه ر�سول ِمن الله ،وعرفوا
الطريق الوا�ضح ،لن ي�ض ُّروا الله �شيئ ًا بكفرهم ،و�س ُيبطل
يعملون ب�شرائعه ،فلا ي�ض ِّيعون �شيئ ًا ِم ْن حدود دينهم. الله أ�عما َلهم التي يكيدون بها ِل ُن�صرة باطلهم ،ومحاربة
الح ِّق ،فلا يجدون منها إ� ّل الخيب َة والخ�سران ،و ُيبطل
510 �أعما َلهم الح�سن َة التي ظ ُّنوها نافع ًة لهم؛ فلا يرون لها
ثواب ًا في ا آلخرةِ ،ل َفقدها �شرط ا إليمان.
33يا أ�يها الذين �آ َمنوا بالله ور�سوله ،أ�طيعوا الله
و أ�طيعوا الر�سول ،ولا ُتبطلوا ثوا َب أ�عمالكم بالكفر
والمعا�صي.
� 34إن الذين كفروا بالله وملائكته و ُكتبه ور�سله
واليوم الآخر ،ومنعوا النا� َس عن الدخول في الإ�سلام،
ثم ماتوا وهم على كفرهم؛ فلن يغفر الله لهم ما �صنعوا؛
بل يعاقبهم بالخلود في النار.
35فلا َت ْ�ض ُعفوا -أ�يها الم ؤ�منون -عن جهاد
الم�شركين ،و َت ُبنوا عن قتالهم ،وت ْدعوهم �إلى ال�صلح
والـ ُم�سالمة ،و�أنتم قد تو َّفر ْت لكم �أ�سبا ُب القوة وال َّن�صر،
واللهُ تعالى معكم بن�صره وت�أييده ،ولن ينق�صكم ثواب
�أعمالكم.
37 36ما �ش�أ ُن الحيا ِة الدنيا إ�لا لع ٌب وله ٌو وغرو ٌر.
اعوجاج فيه ،وين�صرك الله ن�صراً قوي ًا َمنيع ًا لا ُيغالبه � 1إ ّنا َح َكمنا لك -يا محمد -وق�ضينا لك بال ّن�ص ِر
غا ِل ٌب ،ولا يدفعه داف ٌع. وال َظ َف ِر الظاه ِر الب ِّ ِي على كفار قومك .والمراد بالفتح
هنا ُ�صلح الـ ُحديبيةِ ،لـما تر ّتب عليه من ا آلثار العظيمة،
4هو تعالى الذي أ�نزل الثبا َت والطم�أنين َة في قلوب والتي منها انطلا ُق الم�سلمين ِل َن�شر الإ�سلام في أ�مان،
الم ؤ�منين ،فان�شرح ْت �صدورهم لهذا ال�صلح بعد أ� ْن
�ضاق ْت نفو�س بع�ضهم �أ َّول الأمر؛ ليزدادوا بت�صديقهم ودخو ُل كثي ٍر من النا�س فيه.
وطاعتهم لك إ�يمان ًا مع �إيمانهم .ولله وحده جنو ُد
ال�سماوات وا ألر�ض ِم ْن ملائك ٍة وج ٍّن و�إن�س وغيرهم، 3 2ف َتحنا لك -أ�يها النب ُّي -ذلك الفتح؛ ل ُت�س ِّبح
ين�صر بهم عبا َده الم�ؤمنين ،وكان الله ومايزال عليم ًا ر َّبك وت�ستغفره وت�شكره ،فيغفر لك ما َت َق َّدم ِم ْن ذنبك
وما ت�أ ّخر مما لم تعلمه -ولعل المراد بالذنب هناِ :ف ْع ُل
بم�صالح خلقه ،حكيم ًا في تدبيره و�صنعه. ما هو خلا ُف ا َأل ْولى وا ألف�ضل بالن�سبة لمقام ا ألنبياء،
فهو ِم ْن باب ح�سنات ا ألبرار �سيئات المقربين -ول ُيت ّم
6 5وف َتحنا لك -أ�يها الر�سول -هذا الفت َح؛ الله عليك نعمته ب إ�ظهار دينك ،ون�صرك على عد ّوك،
لي�شكر الم�ؤمنون ر ّبهم على �إنعامه عليهم ،فيدخلهم وير�ش َدك بما ي�شرعه لك طريق ًا م�ستقيم ًا ِمن الدين لا
بذلك جنا ٍت تجري ِم ْن تحتها ا ألنهار ،ماكثين فيها
�إلى غير نهاية ،ويمحو عنهم �س ِّي َئ أ�عمالهم ،وكان هذا 511
الجزاء فوزاً عظيم ًا ،حيث َظفروا بما كانوا ي أ�ملون ونجوا
مما كانوا يحذرون .وليع ِّذب الله المنافقين والمنافقات،
والم�شركين والم�شركات ،ال ّظانين بالله ال ّظ َّن ال�س ِّي َئ ب�أ ّن
الله لن ين�صر ر�سو َله والم�ؤمنين معه على أ�عدائهم .عليهم
تدو ُر دائرة العذاب ،ونالهم الله بغ�ضبه ،وطردهم ِم ْن
رحمته ،و�أع ّد لهم جهنم منزل ًا ،ي�صيرون �إليه.
7ولله وح َده جنود ال�سماوات وا ألر�ض ،ي ؤ�يِّد بهم
عباده الم�ؤمنين ،وكان الله غالب ًا على �أمره ،حكيم ًا في
تدبيره.
� 9 8إ ّنا أ�ر�سلناك -يا محمد� -شاهداً على الخلق
يوم القيامة ،ت�شهد أ�نك قد ب َّلغت أ�متك جميع ما أُ�مرت
به ،و أ�ن ا ألنبياء ب َّلغوا أ�ممهم كذلك ،ومب�ِّشاً للم ؤ�منين
بالجنة ،ومنذراً للكافرين من عذاب النار؛ لكي ُت�ص ّدقوا
� -أيها النا�س -بالله ور�سوله ،و ُتع ِّظموا ر�سولكم،
وتج ُّلوه ،وت�س ِّبحوا ر َّبكم �أ َّول النهار و آ�خره.
� 10إ َّن الذين يبايعونك � -أيها الر�سول -بالـ ُحديبية
ِم ْن �أ�صحابك على �أن لا يف ّروا عند لقاء العدو ،إ�نما
يبايعون في الحقيقة اللهَ ،أل َّن َم ْن باي َع الر�سو َل فقد بايع
الله ،واللهُ تعالى معهم يراهم و َي�سمعهم و ُمازيهم على
بيعتهمَ ،ف َمن نق�ض العهد ولم َي ِف بالبيعة ،فلا يعود �ضر ُر
ُن ْكثه �إلا عليه ،و َم ْن و َّفى ف�سوف ي�ؤتيه الله �أجراً عظيم ًا،
وهو الجنة.
فيغفر لمن ي�شاء ،ويعذب َم ْن ي�شاء ،واللهُ وا�سع المغفرة � 11سيقول لك ا ألعرا ُب الذين قعدوا عن الخروج
والرحمة. �إلى العمرة معك �إذا رجع َت من الـ ُحديبية �إلى المدينة،
معتذرينَ :من َعنا من الخروج معك ا�شتغا ُلنا ب�أموالنا
� 15سيقول المخ َّلفون ِمن الأعراب الذين قعدوا وبن�سائنا وذرارينا� ،إذ لي�س لنا َم ْن يقوم على �ش�ؤونهم،
فا�ستغ ِف ْر لنا اللهَ .وهم لي�سوا �صادقين في الاعتذار ولا
عن الخروج �إلى ُع ْمرة الـ ُحديبية ،إ�ذا انطلقتم � -أيها طل ِب الا�ستغفار ،فقل لهم � -أيها الر�سول :-ف َم ْن
الم�سلمون� -إلى مغانم وع َدكم الله �أ ْن َت�صلوا عليها، يمنعكم ِمن الله إ� ْن أ�راد بكم ما ي�ض ُّركم ِمن هلا ِك ا أله ِل
وهي غنائم خيبر :اتركونا ن َّتبعكم ونقات ْل معكم. والما ِل و�ضيا ِعهما� ،أو �أراد بكم ما ينفعكم ِمن حف ِظ
يريدون بذلك أ�ن يغ ِّيوا َو ْعد الله أ� َّن هذه الغنائم لا �أموا ِلكم و أ�هليكم ،فتخ ُّل ُفكم لي�س يدفع عنكم �ض ّراً،
تكون إ� ّل لمن �َش ِهد الحديبية .قل لهم -أ�يها الر�سول:- ولا يجلب لكم نفع ًا ،والله عالم بجميع �أعمالكم ،و ِم ْن
لن تتبعونا ،وبذلك َح َكم الله ِم ْن قبل رجوعنا ِم َن
الـ ُحديبية ،ف�سيقول المخ َّلفون عند �سماع ذلك -اجترا ًء جملتها عل ُمه بتخ ُّل ِفكم وق�ص ِدكم فيه.
و�صفاق ًة :-ما يمنعكم أ�ن ت�سمحوا لنا �إ ّل الح�س ُد؛ لئلا
ن�شارككم في الغنيمة ،ولم ي�أم ْركم الله بذلك .ولي�س 12ول�ستم � -أيها ا ألعراب المعتذرون� -صادقين فيما
الأمر كما زعم ه�ؤلاء المخ َّلفون ،ولك ّنهم قوم لا تقولون ،ولكنكم ظننتم أ�ن لن يرج َع الر�سو ُل و َم ْن معه
يفقهون ِم ْن �أمور الدين �إلا فقه ًا قليل ًا لا َي ْن ُف ُذ إ�لى دقائق إ�لى ديارهم أ�بداً لظ ِّنكم أ� ّن الم�شركين �س َي�ست�أ�صلونهم
بالقتل ،وز َّي َن ال�شيطا ُن ذلك في قلوبكم وقبلتموه،
المعاني والغايات. وظننتم ظ َّن ال�َّسوء بعدم ُن�صرة الله تعالى لر�سوله ،وكنتم
قوم ًا فا�سدين في أ�نف�سكم وقلوبكم ون ّياتكم ،لا خير
فيكم.
13و َم ْن لم ي�ؤمن بالله إ�يمان ًا ح ّق ًا ،وي�ؤم ْن بر�سوله فيق ّر
�أ َّن ما جاء به هو الح ُّق فهو كافر ،و�إ ّنا �أعددنا للكافرين
ناراً �شديد َة ا إليقاد والت َل ُّهب.
14ولله وحده ُملك ال�سماوات وا ألر�ض ،يد ِّبر ا ألمر
فيهما بحكمته ويت�صرف فيهما وفي �أهلهما بما ي�شاء،
512
١٩ ١٨لقد ر ِ�ضي الله عن الم�ؤمنين وق َت مبايعتهم ُ ١٦قل -أ�يها النب ُّي -له�ؤلاء المخ َّلفين عن الـ ُحديبية:
�إياك -أ�يها الر�سول -بالحديبية تحت ال�شجرة على �أن �س ُتدعون �إلى قتا ِل قو ٍم �أُولي ب�أ� ٍس �شديد ،فيكون بينكم
وبينهم أ�مران لا ثال َث لهما :إ� ّما القتال منكم ،و إ� ّما
يقاتلوا قري�ش ًا ولا يف ُّروا -وكان ذلك ب�سبب ما �شاع ا إل�سلام منهم ،ف إ� ْن ت�ستجيبوا وتخرجوا لقتالهم ي ؤْ� ِتكم
ِم ْن َق ْت ِل قري� ٍش لعثمان بن عفان ر�ضي الله عنه عندما
�أر�سله النبي ل ُي ْع ِل َم قري�ش ًا �أنه جاء ومعه الم�سلمون الله أ�جراً ح�سن ًا بالغنيمة في الدنيا ،والجنة في الآخرة،
معتمرين في أ�ذنوا له بدخول مكة -ف َع ِل َم الله ما في قلوب
الم ؤ�منين من أ��صحابك من ا ِإلخلا�ص والوفاء و�إيثار و�إ ْن تتخ َّلفوا كما تخ َّلفتم في الـ ُحديبية ُيع ِّذبكم عذاب ًا
م�ؤلم ًا في نار جهنم.
ا آلخرة على الأولى ،ف�أنزل الطم أ�نين َة وا ألما َن عليهم،
وجازاهم فتح ًا قريب ًا -وهو فتح خيبر َع ِق َب ان�صرافهم ١٧لي�س على ا ألعمى حر ٌج ولا على ا ألعرج حر ٌج
من الـ ُحديبية -ومغان َم كثير ًة ي أ�خذونها ِم ْن خيبر ،وكان ولا على المري�ض حر ٌج في التخ ُّلف عن الغزو مع
الم ؤ�منين ِل َعدم ا�ستطاعتهم ،و َم ْن يط ِع اللهَ ور�سوله فيما
الله غالب ًا على أ�مره ،حكيم ًا في تدبيره �أمو َر خلقه. أ�مراه به ونهياه عنه ،يدخله اللهُ في ا آلخرة جنا ٍت تجري
من تحتها ا ألنهار ،و َمن ُيع ِر�ض عن الطاعة يع ِّذ ْبه الله في
٢٠و َع َدكم الله -أ�يها الم ؤ�منون -مغان َم كثير ًة
ت أ�خذونها ِم ْن الفتوحات ،فع َّجل لكم مغانم خيبر، نار جهنم عذاب ًا �شديد ا إليلام.
وك َّف عنكم �أيد َي حلفاء اليهود الذين جا ؤ�وا ل ُن�صرتهم؛
فلم َي َن ْلكم �أنتم و�أه َلكم منهم �سو ٌء ،ولتكون �سلام ُتكم
وغنيمتكم علاما ٍت للم�ؤمنين على رعاية الله تعالى
لهم و أ�نه �سيفتح عليهم ما وعدهم به ،ويهديكم � -أيها
الم ؤ�منون -طري َق التو ُّكل عليه والتفوي�ض �إليه.
٢١وو َع َدكم الله غنيم ًة أ�خرى عظيمة -هي فتح
مكة ،وقيل :هوازن ،وقيل غير ذلك -لم َت ْقدروا على
فتحها ،قد أ�حاط الله بقدرته بها و َو َهبها لكم لتفتحوها
وت أ�خذوها ،وكان الله على كل �شيء قديراً ،فلا ُيعجزه
�شيء.
٢٣ ٢٢ولو قاتلكم � -أيها الم ؤ�منون -كفا ُر قري�ش
بالـ ُحديبيةَ ،ل ُغلبوا وا ْنه َزموا ،ثم لا يجدون ول ّي ًا يواليهم
على حربكم ،ولا ن�صيراً ين�صرهم عليكم ،وهذه �ُس َّنة
الله وعادته في الأمم ِم ْن قب ُل ،أ�ن ين�صر اللهُ �أوليا َءه ويهزم
أ�عداءه ،ولن تجد ل�ُس َّنة الله تغييراً ،بل هي ثابت ٌة م�ستم ّرة.
513
منامه أ�نه �سيدخل مكة هو و أ��صحابه معتمرين ،فهي ح ٌّق ٢٤و ِم ْن ِمنن الله عليكم � -أيها الم�ؤمنون� -أ َّنه َك َّف
� -أيها الم ؤ�منون -و إ� ْن لم تقع ِم ْن عا ِمكم هذا .لتد ُخ ُل َّن جماع ًة ِم ْن م�شركي مكة عنكم و�أنتم بالـ ُحديبية حين
� -أيها الر�سول -أ�ن َت و�أ�صحا ُبك الم�سجد الحرام في خرجوا مت�س ِّلحين يلتم�سون َغفلتكم فلم يتمكنوا من
الوقت الذي �شاءه الله معتمرين �آمنين ،ف َي ْح ِلق بع ُ�ضكم إ�يذائكم ،وك َّف أ�يد َيكم عنهم أ� ْن َتقتلوهم �أو ت ؤ�ذوهم
ر�أ�سه و ُي َق ِّ�ص بع ُ�ضكم ،لا تخافون �أحداً حا َل دخو ِلكم ِم ْن بعد �أ ْن َأ�مكنكم الله منهم ف أ��سرتموهم ،ثم عفا الر�سو ُل
و�إقام ِتكم وخرو ِجكم ،وقد َع ِلم الله ِمن الم�صلحة في عنهم ،وت َّم ال�صلح الذي فيه خي ٌر كثير لكم ،والله ب�صير
َ� ْصفكم عن دخول مكة هذا العام ما لم تعلموا ،فجعل
قبل هذا الدخول الذي وعدكم به فتح ًا قريب ًا -وهو ب�أعمالكم ،لا يخفى عليه �شيء منها.
فتح خيبر -ب�شار ًة لكم بما يترتب على هذا ال�صلح من
٢٥وه�ؤلاء الكفار و إ� ْن �صا َن اللهُ دما َءهم بالـ ُحديبية
الخير. وحا َل بينكم وبينهم ،فهم م�ستح ُّقون للعذاب ،فقد
كفروا بالله والر�سول ،ومنعوكم -أ�يها الم�ؤمنون -م ٍن
٢٨الله الذي أ�ر�سل ر�سوله محمداً بالدليل الوا�ضح، دخول الم�سجد الحرام ألداء منا�سك العمرة ،وح َب�سوا
وبدين الحق ،وهو دين الإ�سلامِ ،ل ُي ْعليه على �سائر ال َه ْدي الذي ُيهدى �إلى الحرم عن أ�ن ي�صل إ�لى مح ِّل
ا ألديان ،وكفى ب�شهادة الله تعالى �شهاد ًة على �أ َّن هذا َذ ْبحه بمكة ،ولولا �أن ت�صيبوا رجال ًا م�ؤمنين ون�سا ًء
ال ِّدين هو دين الح ّق ،وعلى تح ُّق ِق هذا الإظهار الذي م�ؤمنات ِم َن الم�ست�ضعفين بمكة لم تعرفوهم فتقتلوهم
مع الكفار بغير عل ٍم فت�صيبكم م�شق ٌة وكراهة بتعيير
تك َّفل هو �سبحانه به. الكفار لكم ،وبت أ� ُّلـ ِم نفو�سكمَ ،لـ َما ك َّف اللهُ أ�يديكم
عنهم ،وقد ق َّدر الله ذلك ل ُيد ِخ َل في دينه َم ْن َي�شا ُء ِمن
514 �أهل مكة .ولو َتـم َّيز ه�ؤلاء الم ؤ�منون الم�ست�ضعفون
بمكة من الم�شركين وفارقوهم ل�س ّلطناكم على الم�شركين
فقتلتموهم و�أ�سرتموهم.
٢٦واذكر -يا ر�سول الله -ما جرى ِمن ُلطف الله
عند كتابة ال ُّ�صلح إ�ذ دا َخ َل ِت الكبريا ُء و�أنف ُة الجاهلية
قلو َب الذين كفروا ،فتم�َّسكوا ب�شروطهم الـ ُم ْج ِحفة
و أ�بوا أ�ن يكتبوا« :ب�سم الله الرحمن الرحيم» ،و«هذا ما
قا َ�ضى عليه محم ٌد ر�سو ُل الله» -وذلك لئلا يكون فيه
إ�قرار بر�سالته -ف�أنزل الله عندئ ٍذ ال ّ�صب َر والطم�أنين َة
على ر�سوله وعلى الم ؤ�منين ،و أ�َلز َم الم ؤ�منين كلم َة
ال ّت ْقوى ،وهي :لا إ�له �إلا الله ،فث َّبت الله الم ؤ�منين على
طاعة الله ور�سوله وت َّم ال ُّ�صلح ،وكانوا َأ� َح َّق ِبهذه الكلمة
ِم َن الكفار والم�ست ْ�أ ِهلين لها دونهم ،وكان الله بكل �شيء
عليم ًا ،لا يخفى عليه �شيء.
٢٧لقد َ�ص َدق اللهُ ر�سو َله ر�ؤياه التي �أراها �إياه في
َو َع َد اللهُ ه ؤ�لاء الذين آ�منوا مع الر�سول - -مغفر ًة
لذنوبهم ،وثواب ًا جزيل ًا ،لا يعلم مقدا َره �إلا الله.
١يا أ�يها الذين �آمنوا لا َت�سبقوا الله ور�سوله بالقول
أ�و الحكم في �أم ٍر ِم ْن ا ألمور ،واتقوا الله فيما أ�مركم به،
إ�ن الله �سميع ألقوالكم ،عليم بجميع أ�حوالكم.
٢يا �أيها الذين �آمنوا لا ترفعوا �أ�صواتكم فوق ٢٩محم ٌد ر�سول الله ،والذين معه من الم ؤ�منين ،وهم
�صوت النب ِّي إ�ذا حاورتموه ،ولا تجهروا له بالقول إ�ذا �أ�صحابهِ ،م ْن �صفاتهم أ�نهم �أ ِ�ش ّداء على َم ْن خالف دينهم
ك َّلمتموه وهو �صامت ،على عادتكم من الجهر �إذا ك َّلم
و�أظه َر لهم العداء ،متوا ُّدون متعاطفون فيما بينهم،
بع ُ�ضكم بع�ض ًا ،بل اخف�ضوا �أ�صواتكم دون ذلك ولينوا تراهم راكعين �ساجدين محافظين على ال�صلاة ،يطلبون
له في كلامكم ،توقيراً له وتعظيم ًا ،خ�شي َة أ�ن َيحبط أ�ن يتف َّ�ضل الله عليهم بثوابه ،و أ�ن ُي ِنيلهم ر�ضوا َنه الذي
ثوا ُب �أعمالكم ،و أ�نتم لا ت�شعرون بذلك. هو َأ�كبر ِم ْن ك ِّل �شيء ،وعلام ُة إ�يمانهم وطاعتهم ال�َّسم ُت
الـ َح َ�س ُن والو�ضاء ُة في وجوههم ِم ْن ك ْثة ال�سجود
٣إ� َّن الذين يخف�ضون أ��صواتهم عند مخاطبة ر�سول والتع ُّبد بالليل والنهار ،هذه ِ�ص َفتهم في التوراة.
و ِ�ص َفتهم في ا إلنجيل �أنهم كزرع �أخرج نباته فق َّوى �أ�صله
الله �أو في َح ْ�ضته تعظيم ًا له ،أ�ولئك الذين اختبر الله و أ�عانه ،فا�ستغلظ الزرع ،وقوي ْت �سا ُقه وامت أل ْت ِم ْن غير
قلوبهم ف أ�َ ْخ َل�صها لتقواه ،لهم مغفر ٌة وا�سع ٌة لذنوبهم،
اعوجا ٍجُ ،يعجب ال ُّزراع بق ّوته و ُح�سن منظره -وهذا
و�أج ٌر عظي ٌم لا يعلم قدره �إلا الله. َم َث ٌل لر�سول الله َ ب َعثه الله وق ّواه ب�أ�صحابه ،وج َعلهم
الله كذلك قو ًة ونما ًء وك ْث ًة ليكونوا غيظ ًا للكافرين-
٤إ� َّن الذين ينادونك � -أيها النب ُّيِ -من َخ ْل ِف
حجرات ن�سائك �أو ق ّدامها ،أ�كث ُرهم يغلب عليهم َن ْق�ُص
العقل ،لجفائهم وجهلهم بما ي�ستح ُّقه مقا ُم الن َّبوة من
التوقير� ،إذ العقل يقت�ضي ح�سن الأدب .وقد نزلت هذه
ا آلية في بع�ض ُجفاة الأعراب وفدوا على النبي ،
فوجدوه في بيته ،فلم ي�صبروا حتى يخرج �إليهم ولم
يت أ� َّدبوا ،بل ناداه بع�ضهم :يا محمد ،يا محمد :اخ ُرج
�إلينا.
515
١٠إ� ّنا الم�ؤمنون �إخوة في ال ِّدين ،يجمعهم �أ�ص ٌل ٥ولو انتظر ه ؤ�لاء الذين ينادونك -أ�يها النب ُّي-
واح ٌد وهو ا إليمان ،ولذلك يجب الاجتهاد في الت أ�ليف حتى تخرج إ�ليهم ولم يتع َّجلوا بندائك بتلك ال�صورة
بينهم ،ف أ��صلحوا بين ك ِّل م ؤ�م َنين �أو فري َقين من الم�ؤمنين الخالي ِة من ا ألدب ،لكان لهم في ذلك الخير والم�صلحة
تخا�صما أ�و تقاتلا ،واتقوا الله في ك ِّل �أموركم ،لتنالوا
في الدنيا وا آلخرة ،واللهُ وا�سع المغفرة والرحمة ،فلن
رحمته و َمثوبته. ي�ضيق غفرا ُنه ورحم ُته عن ه�ؤلاء الجفاة إ�ن تابوا و أ�نابوا.
١١يا َم ْن آ�منتم بالله ور�سوله :لا ت�ستهز ْئ جماع ٌة
منكم ِم ْن جماع ٍة أ�خرى ،ع�سى �أن يكون الم�سته َز�أُ به ٦يا �أيها الذين �آمنوا ،إ� ْن �أتاكم فا�س ٌق ب َخبر فتث َّبتوا
خيراً عند الله ِمن الم�ستهزئين ،ولا ن�سا ٌء ِمن ن�سا ٍء ،ع�سى ِم ْن �صحته ،ولا تتع َّجلوا لئلا ت�صيبوا قوم ًا ب أ�ذى و أ�نتم
أ�ن يكون الم�سته َز أ�ُ به ّن خيراً عند الله من الم�سته ِزئات، جاهلون حقيق َة الأمر ،ف َت�صيروا مغت ِّمين على ما فعلتم،
ولا َي ِع ْب أ�و ُي َع ِّي بع ُ�ضكم بع�ض ًا �إذ الم ؤ�منون ك َن ْف� ٍس
واحدة ،ولا يل ِّق ْب أ�و ينا ِد بع ُ�ضكم بع�ض ًا بما يكرهه، متم ِّنين �أنه لم يقع.
ف إ� َّن ذلك ف�س ٌق ،وبئ�س �أن تفعلوا ما ت�ستح ُّقون به ا�س َم
ال ُف�سوق بعد الات�صاف با إليمان ،و َمن لم َي ُتب من ذلك، ٨ ٧واعلموا -أ�يها الم ؤ�منون -أ� َّن فيكم ر�سو َل
الله ،فانقادوا ألمره ،ف�إنه �أَعلم بم�صالحكم و�َأ�شف ُق عليكم
ف�أولئك هم الظالمون ألنف�سهم بما ك�سبوا. منكم ،ور�أ ُيه فيكم �أَت ُّم ِم ْن ر أ�يكم ألنف�سكم ،ولو كان
يطيعكم في كثير مما تختارونه لنالكم َح َر ٌج وم�شق ٌة،
516 ولك َّن اللهَ ح َّبب الإيمان إ�لى نفو�سكم ،وح�َّسنه في
قلوبكم ،حتى جريتم على ما يقت�ضيه من الت�سليم ِلـ َما
ي�أمر به الر�سول ،و َب َّغ�ض �إليكم الكف َر وكبائ َر الذنوب،
وجمي َع المعا�صي .وه�ؤلاء المو�صوفون بهذه ال�صفات
الجليلة ،هم المهتدون الم�ستقيمون على طريق الح ِّق.
وهذا العطاء ت َف ُّ�ض ٌل منه تعالى عليكم و إ�نعا ٌم ،والله عليم
بكل �شيء ،حكي ٌم في ك ِّل ما يق�ضي ويقدر لعباده .وفي
كل هذا تذكي ٌر للم�ؤمنين وتحفي ٌز لنفو�سهم لئلا يقعوا فيما
يخالف هذه ال ِّنعم.
٩و�إ ْن جماعتان ِم ْن أ�هل الإيمان اقتتلوا ،فا�سعوا
�إلى ال�صلح بينهما ،بال ُّن�صح والدعاء �إلى ُحكم الله تعالى
والر�ضا به ،ف إ� ْن تع َّد ْت �إحدى الجماعتين ب أ� ْن رف�ضت
ال�صلح ولم تر�َض بحكم الله ،فقاتلوا التي تع َّد ْت،
حتى ترجع إ�لى طاعة الله وال�صلح الذي أ�مر به ،ف إ� ْن
رجع ْت ،ف أ��ص ِلحوا بينهما بالعدل ،دون َحي ٍف على
إ�حدى الفئتين ،وا ْع ِدلوا في جميع حكمكم بين النا�س،
�إ َّن الله يحب العادلين في أ�حكامهم القائمين بين خلقه
بالق�سط.
�أكث ُركم تقوى له ،إ� َّن الله عليم ب أ�تقاكم عنده ،خبير بكم
وبم�صالحكم ،لا تخفى عليه خافية ،فاتقوه.
١٤قالت طائف ٌة من ا ألعراب للنب ِّي - وقد ١٢يا �أيها الذين �آمنوا ابت ِعدوا عن ا ِّتهام الم ؤ�منين
�أظهروا الإ�سلام ولم يتمكن ا إليما ُن من قلوبهم� :-آمنا ِم ْن غير �سب ٍب أ�و َقرين ٍة تقت�ضي ذلك� ،إ َّن بع�ض الظ ِّن
ب َك و�ص َّدقناك ،فقل لهم -يا ر�سول اللهَ :-لـ ْم ُت�ص ِّدقوا ذنب ي�ستوجب العقوب َة -كظ ِّن ال�سو ِء ب أ�هل الخير من
ت�صديق ًا �صحيح ًا عن اعتقا ِد قل ٍب و ُخ ُلو�ِص ن ّي ٍة ،ولكن الم ؤ�منين -ولا تبحثوا عن عيوبهم الم�ستورة وعوراتهم،
قولواَ :ن َطقنا بكلمة ا إل�سلام وا ْنقدنا له ظاهراً .ولـ ّما ولا َي ْذك ْر بع ُ�ضكم بع�ض ًا في َغيبته بما يكرهه ،ف�إ َّن ال ِغيب َة
ي�ستق ّر ا إليمان بع ُد في قلوبكم أ�يها ا ألعراب ،ولك َّنه ك�أك ِل لحم الميت ،وهل ُيحب �أح ُدكم أ�ن ي�أكل لحم �أخيه
ُي َتوقع منكم ،و إ� ْن تطيعوا الله ور�سو َله ظاهراً وباطن ًا، بعد َماته؟! فكما كرهتم ذلك فاجتنبوا ذكره بال�سوء
ي�ؤتكم الله �أج َر طاعتكم ،ولا ينق�صكم �شيئ ًا� ،إ َّن الله غائب ًا ،واتقوا عقا َب الله ،إ� َّن الله تواب رحيم لمن ا َّتقاه،
وا�سع المغفرة والرحمة .وهذا تعلي ٌم وترغي ٌب لهم
وتاب مما َف َرط منه.
ِل َي ْ�ص ُدقوا في �إيمانهم.
١٣يا أ�يها النا�س �إ ّنا خلقناكم جميع ًا ِمن أ� ٍب واح ٍد
� ١٥إ ّنا الم�ؤمنون ح َّق ا إليمان :الذين �آمنوا بالله ور�سوله و أ� ٍّم واحدة ،هما �آدم وحواء ،ف�أنتم مت�ساوون في
ثم لم يدخل قلو َبهم �شي ٌء ِمن ال ِّريبة في هذا الإيمان، ا أل�صل ،و�يَّصناكم �شعوب ًا �ش َّتى -وال�شع ُب هو َط َبقة
و َب َذلوا أ�موا َلهم و أ�نف�سهم في طاعة الله ور�ضوانه ،أ�ولئك ال َّن�سب التي ت أ�تي مبا�شر ًة قبل أ�على طبقاته وهي ا ألمة-
هم ال�صادقون في إ�يمانهم ،لا الذين قالوا �آمنا ب أ�ل�سنتهم و�يَّصناكم قبائ َل متعدد ًة لا للتفاخر با ألن�ساب؛ بل
ليع ِر َف بع ُ�ضكم بع�ض ًا ،وينت ِ�سب ك ُّل فرد �إلى �آبائه،
وا�ست�سلموا ظاهراً ولم ُي�سلموا باطن ًا. ولتتوا�صلوا فيما بينكم� ،إ َّن أ�رفعكم منزل ًة عند الله
١٦قل � -أيها الر�سول -له�ؤلاء الأعراب مو ِّبخ ًا لهم:
�أت ْخبرون الله ب ِ�ص ْدق إ�يمانكم و إ�خلا ِ�صكم في دينكم،
واللهُيعلم ما في ال�سماوات وما في الأر�ض؟! والله بك ِّل
�شيء عليم ،فلا يخفى عليه �شيء.
َ ١٧يـ ُم ُّن ه�ؤلاء الأعرا ُب عليك -يا ر�سول الله-
�إ�سلا َمهم ،وعد َم مقاتل ِتهم لك كما فعل غي ُرهمُ ،ق ْل
بل الهعلمم:ولاا َت-ـ�إ ُمْنّنواكنتعلم َّي��إص�اسدلقايمنكفيمماولتا َّدتتعفوانخر-و أ�ا َّنب اذللـ ِمكَّن،ة
لله
عليكم بهدايتكم للإيمان.
١٨إ� َّن الله يعلم ك َّل ما غاب وخفي في ال�سماوات
وا ألر�ض ،لا يخفى عليه �شيء ِم ْن ذلك ،وهو م َّطلع
على أ�عمالكم ،ظاه ِرها وباط ِنها ،و�سيجازيكم عليها،
فاتقوه.
517
} ١ﭑﭒ{َ� :س َبق الكلا ُم على هذه الحروف
الـ ُمق َّطعة �أ ّول �سورة البقرةُ� .أق�سم بالقر آ�ن ذي المجد
وال�شرف :إ� ّنك يا محمد لر�سو ُل الله مر�َس ٌل بالح ِّق.
يا محمد -إ�لا تع ُّجب ًا ما �أنكر كفا ُر مك َة نب ّو َتك - �أ ْن ٢
ينذرهم عقاب الله، ُير�سل الله �إليهم ب�شراً مث َلهم ِم ْن
منه. ُيتع ّجب إ� َّن هذا �أم ٌر و أ�ف َ�صحوا عن ذلك فقالوا:
غير ُح ّجة. وهذا إ�نكار لردهم النبوة ِم ْن
على ِمن الوعيد أ�ُنذروا به مكة ما وا�ستب َع َد كفار ٣
ِمتنا أ� ُنبعث إ�ذا منكرين: فقالوا نبوة محمد، �إنكار
و�صرنا تراب ًا؟ ذلك أ�م ٌر بعي ٌد عن ت�ص ُّور العقل ،م�ستحي ُل
الوقوع.
٤قد �أحاط علمنا بك ِّل �شيء ،ف َع ِلمنا ما ت أ�كل
الأر�ُض من أ�ج�سادهم بعد َماتهم ،و َم ْن �أحاط عل ُمه
ُوكلتا ُيب�سفتيبهعدم مننه ِعَّ ،دتومهعم عليه البع ُث بذلك ،فلا َي�صعب
حاف ٌظ ِلـ َما ذلك فعندنا كتا ٌب
و�أ�سمائهم و�أعمالهم ،و�سائ ِر ما �أُمر الملائك ُة ب إ�ح�صائه
نخل ًا ِطوال ًا ،لها َط ْل ٌع متراك ٌب بتنظيم بديع داخل أ�وعيته فيه ،محفو ٌظ من الـ َمحو والتغيير.
-وهي ا ألكمام-؟! وقد �أنبتنا ك َّل ذلك رزق ًا للعباد
َي َتق ّوتون منه ويتف ّكهون ،وكيف أ�حيينا بهذا الماء المبارك ٥بل با َد َر قو ُمك بتكذيب الح ِّق الب ِّي -وهو
بلد ًة ُمدبة لا ثمار فيها ولا زرع؟! فكما �أحيينا بهذا القر آ�ن -لـ ّما جاءهم ،دون تد ُّبر ،ف�أتوا ب أ��شن َع ِم ْن
الماء هذه الأر�َض الميتة ف�أخرجنا نباتها وزروعها ،كذلك �إنكارهم البعث ،فهم في ا�ضطراب واختلاط في
ق ِ�سو ُلح ٌ�رشامعبري،ن�إ،لىو�آمرخ ًةر:ماأ��قساالطواي ُ.ر
ُنخرجكم �أحياء ِم ْن قبوركم يوم القيامة. تكذيبهم ،يقولون َم ّر ًة:
١٤ - ١٢ك َّذبت َقب َل م�شركي مكة -الذين و�أكاذي ُب ا أل َّولين ،ومر ًة:
يك ِّذبونك يا محمد -قو ُم نوح ،و أ��صحا ُب البئر التي
كانوا يعبدون حولها الأ�صنام ،وثمو ُد ،وعا ٌد ،وفرعو ُن ٨ - ٦وكيف َغفل ه ؤ�لاء المك ِّذبون بالبعث
و�أه ُل �َس ُدوم أ��صها ُر لوط ،وقو ُم �شعيب �أ�صحاب عن النظر إ�لى ال�سماء ،كيف �س ّويناها �سقف ًا فوقهم بغير
ا أليكة ،وقو ُم ُت ّب ٍع اليماني ،ك ُّل واحد ِم ْن ه ؤ�لاء ك َّذب َع َمد ،وزيّـ ّناها بالنجوم ،وجعلناها �سليم ًة لا َف ْتق فيها
ولا َ�ص ْدع ولا َخلل يعيبها؟! وكيف ب�سطنا الأر�ض،
ر�سوله ،فح َّق عليهم ما َتو َّعدهم الله به. �أنواع فمياهُياب ِهججبال ًحا�سر ُنوهاا�لسنايظتثر ِّبيتنها؟،وقو أ�دنبتنجاعلفنياهاذلمكن و أ�لقينا
١٥وهل َع َجزنا عن الخلق الأ ّول حين خلقناه ولم تب�صر ًة النبات
يكن �شيئ ًا ،فكيف َن ْع َجز عن �إعادتهم بعد موتهم؟! �إنهم
لا ينكرون الخلق الأول ،ولكنهم في َح ْية و�ش ٍّك من وتذكر ًة لك ِّل عبد ر َّجا ٍع �إلى الله بالتد ُّبر في بدائع
َ�صنعته.
�إعادتهم خلق ًا جديداً بعد موتهم.
� ١١ - ٩أفلم يتفكر المنكرون للبعث كيف ن َّزلنا
518 من ال�سحاب مطراً كثير المنافع ،ف�أنبتنا به ب�ساتين ذات
�أ�شجار وثمار ،و�أنبتنا به ح ّب ًا تح�صدونه ،وكيف أ�نبتنا به
أ�و عليها بما عمل ْت ،لقد كنت -أ�يها الكافر -في غفل ٍة ١٦ولقد خلقنا الإن�سا َن و َنعلم ما ُت ِّدث به نف ُ�سه،
تام ٍة مما ترى اليوم ِمن ا ألهوال وال�شدائد ،ف أ� َزلنا عنك ويجول بخاطره ،ونحن �أَقرب ِم ْن �أقر ِب �شي ٍء �إليه،
غفلتك بما ترى ،فب�ص ُرك اليوم حا ٌّد ُتب�صر به ما كن َت كحبل وريده ،وهو ِع ْر ٌق كبي ٌر في العنق م ّت�صل بالقلب.
١٨ ١٧ونحن أَ�قرب إ�لى ا إلن�سان حين يتل َّقى
تنكره في الدنيا. الم َلكان الملازمان له عن يمينه و�شماله ما َي�صدر منه،
فما يتكلم ب�أ ِّي قول إ�لا ويكتبه م َل ٌك حا�ضرٌ عنده مه ّي�أٌ
٢٦ - ٢٣وقال الم َل ُك المو َّك ُل بكتابة ما ي�صدر عن لذلك .فهو �سبحانه غير محتاج �إلى ال َح َفظة المو َّكلين،
ا إلن�سان عند العر�ض يوم القيامة :هذا ما عندي ِم ْن و إ�نما جعل ذلك ِلـ ِحك ٍم ،زجراً وترغيب ًا و�إلزام ًا للحجة.
كتاب َع َم ِله حا�ضرٌ محفوظ بلا زيادة ولا نق�صان ،ثم
يقول الله تعالى للم َلكين -ال�سائق وال�شهيد� ،أو ملكين ١٩وجاء ْت ِ�ش َّدة الموت -التي تغ�شى الإن�سا َن
ِم ْن َخ َزنة ال ّنار :-أَ� ْل ِقيا ِف جه َّن َم ك َّل ك ّفا ٍر بالنعم والمنعم، ف َتغلب على عقله -بالح ّق فك�شف ْت للكافر عن اليقين
معان ٍد للح ّق ،كثي ِر الـ َمنع لك ّل خير َيج ُب ِف ْعله في المال الذي كان َيـ ْمتري فيه ،ذلك هو الموت الذي كن َت َتي ُل
وغيره ،ظال ٍم ،لا ُيق ُّر بتوحيد الله� ،شا ٍّك في دين الحق،
الذي أ��شرك بالله ف َع َب َد معه معبوداً آ�خر ،ف�أل ِقياه في عذاب عنه وتنف ُر منه.
٢٢ - ٢٠و ُن ِف َخ في ال ُّ�صور نفخة البعث ،ذلك اليو ُم
جه ّنم ال�شديد. هو يو ُم �إنجا ِز الوعد ووقو ِع الوعيد ،وجاء ْت ك ُّل َن ْف� ٍس
ومعها َم َل ٌك ي�سوقها إ�لى الـ َمح�شر ،و�شهي ٌد ي�شهد لها
٢٩ - ٢٧وقال ال�شيطان المقا ِرن للكافر في الدنيا:
ر َّبنا ما أ��ضلل ُته ،ولك ّنه كان في نف�سه �ضال ًا ،فدعو ُته
فا�ستجاب لي ،فقال الله للكافرين وقرنائهم :لا تتنازعوا،
فما ينفع الاخت�صا ُم في هذه الدار ،وقد أ�َعذرتكم بما
ق ّدم ُت �إليكم في الدنيا ِم َن الوعيد بالعذاب ِلـ َمن كفر
بي وع�صاني في كتبي وعلى �أل�سنة ر�سلي ،ما ُيغ َّ ُي القو ُل
لد ّي في ذلك ،وما �أنا بظ َّل ٍم للعبيد ف أ�عذبهم بغير ذنب.
٣٠و أ�َن ِذرهم � -أيها الر�سول -ذلك اليو َم الرهي َب،
يوم نقول لجهنم :هل امتلأ ِت؟ فتطلب المزيد.
٣٥ - ٣١و ُق ِّربت الجن ُة للمتقين بحيث يرونها وهم
في الموقف يوم القيامة ،ويقال لهم :هذا الذي ترونه ِمن
النعيم ،هو ما َو َع َد الله ك َّل عب ٍد ر َّجا ٍع �إلى الله بالتوبة،
حاف ٍظ ل َع ْهد الله و�أوامره ونواهيه لا يتجاوزها ،الذي
َخ ِ�ش َي الرحمن ف أ�طاعه دون �أن يراه ،وجاء ر َّبه بقل ٍب
ُمنيب إ�ليه ُم ْق ِب ٍل عليه .ويقال للمتقين :ادخلوا الجنة
آ�منين ،ذلك يوم الخلود الذي لا انقطاع له .لهم في الجنة
ما ي�شتهونه ويريدونه ،ولدينا فيها َمزي ٌد ِم َن ال ِّنعم التي لم
تخطر ببالهم ،و�أع َظ ُمها النظ ُر �إلى وجهه تعالى.
519
تجبرهم على ا إليمان ،و إ�نما أ�نت م َذ ِّك ٌر ،ف َذ ِّكر بالقر آ�ن َمن ٣٦وقد أ�هلكنا � -أيها الر�سول -قب َل أ�هل مكة �أمم ًا
يخاف وعيدي للعا�صين .فذلك الذي ينتفع بالذكرى. كثيرة ،هم �أ�ش ُّد منهم قو ًة و�سطو ًة ،ف�ساروا في البلاد
و َط َّوفوا ،و َت َ� َّصفوا فيها ب أ�عمالهم ،فهل كان لهم ِم ْن
ُ ٦ - ١ي ْق ِ�س ُم الله تعالى بالرياح التي ُتثير الترا َب َم ْه َر ٍب عند نزول العذاب بهم؟ وهذا تهديد و إ�نذار
وغي َره فتف ِّرقه وتحركه ِمن مكان إ�لى �آخر �سريع ًا،
تجري وبَجالري�ُّ ًاسفبن�سهالتول ٍةي با ألمطار، الم ْثقلة وبال�ُّسحب لكفار مكة.
وي�س ٍر، لمنافع النا�س البحر بالرياح في
� ٣٧إ ّن فيما ُذ ِكر ِمن �إهلاك ا ألمم التي ك َّذب ْت ر�س َلها
وبالملائكة التي َت ْق�سم بين العباد �أ ْم َر الله ِمن الأرزاق لتذكر ًة وعظة لمن كان له قل ٌب �سليم َيعي و ُيدرك به ما
والأمطار وغيرها� :إ َّن الذي ُتو َع ُدونه -أ�يها النا�س- ينبغي �إدرا ُكه� ،أو أ��صغى لما ُيتلى عليه ِمن القر�آن وهو
ِمن قيام ال�ساعة والبعث بعد الموت َل َوع ٌد �صاد ٌق ،و�إ َّن
الح�ساب والجزاء لواقع لا َمحالة .وقد أ�ق�سم الله بهذه حا�ضرٌ ب َفهمه غير من�شغل عنه.
ا أل�شياء ِل�َشفها و ِلـ َما فيها ِمن الدلالة على عجيب َ�صنعته
تعالى وقدرته ،وا�ستدلال ًا بها على إ�مكان البعث؛ �إذ ٣٨ولقد خلقنا بقدرتنا ال�سماوات والأر�ض وما
بينهما من المخلوقات في ِ�س َّتة �أيام وما �أ�صابنا �أ ُّي تعب.
القاد ُر عليها قاد ٌر على البعث الموعود به. وهذا رد على ما زعمته اليهود ِمن أ�ن الله ا�ستراح في
اليوم ال�سابع بعد الخلق.
٤٠ ٣٩فه ِّون عليك � -أيها النب ُّي -ولا تحز ْن وتل َّق
تكذي َب الم�شركين بما �أخبر َتهم ِمن البعث وبالر�سالة
بال�صبر ،و�ص ِّل حامداً لر ِّبك �صلا َة ال�صبح قبل طلوع
ال�شم�س ،و�صلا َة الع�صر قبل الغروب ،و�ص ِّل لر ِّبك
بع�ض ًا من الليل ،و�س ِّبحه واحمده �أعقاب ال�صلوات.
٤٢ ٤١وا�س َت ِم ْع -أ�يها النب ُّي -ما يو َحى �إليك من
�أحوال يوم القيامة ،ففي هذا اليوم ينادي الـ َم َلك ِم ْن
مو�ضع قريب في�ص ُل ندا�ؤه �إلى الك ِّل على �سواء ،يو َم
ي�سمع الخلائ ُق �صيح َة البعث بالح ِّق الذي لا �ش َّك فيه،
وهو الح�شر للح�ساب ،ذلك هو يوم الخروج من القبور.
٤٣إ� ّنا نحن نحيي ونميت لا ي�شاركنا في ذلك �أحد،
و�إلينا الم�صير فنجازي ك ّ ًل بما عمل.
٤٤يوم ينادي المنادي تن�ش ُّق ا ألر�ض عن الخلائق،
فيخرجون م�سرعين ا�ستجاب ًة للنداء ،ذلك َب ْع ٌث و َج ْم ٌع
ي�سي ٌر علينا.
٤٥نحن �أعلم -أ�يها الر�سول -بما يقول ك ّفا ُر قري�ش
ِمن الباطل والتكذيب بما جئ َت به ،ول�س َت بج ّبار
520
جاري ٍة ،را�ضين بما �أعطاهم ر ُّبهم ِمن ف�ضله� ،إنهم كانوا ُ ٩ - ٧يق�سم تعالى بال�سماء الم ْح َكمة البديعة
في الدنيا مطيعين لله مح�سنين في طاعتهم .كانوا ينامون ذا ِت ال ُّطرق التي ت�سير فيها النجوم والكواكب :إ�نكم
ِمن الليل قليل ًا و ُيـ ْح ُيون أ�كث َره في العبادة والطاعة،
ويت�ض َّرعون إ�لى الله في الجزء الأخير منه �أ ْن يغفر لهم � -أيها الم�شركون -لفي قو ٍل م�ضطرب في �ش�أن الر�سول،
تق�صيرهم وذنوبهم .وكان في أ�موالهم ن�صيب ُيو ِجبونه
على أ�نف�سهم تق ُّرب ًا إ�لى الله تعالى ،يجعلونه لل�سائل يد ُّل على حيرتكم و�أنكم على باطل -إ�ذ يقولون فيه
المحتاج ،وللمتع ِّفف الذي لا َي�س أ�ل. ولا ُي ْ� َص ُف تار ًة� :ساح ٌر ،وتار ًة� :شاع ٌر ،وتار ًة :مجنون-
وا�ستح َكم عن هذا الح ِّق الوا�ضح إ�لا َم ْن َ� َصفه ج ْه ُله
٢٢ - ٢٠وفي ا ألر�ض دلائل وا�ضحات تد ُّل على
وحدانية الله وقدرته وحكمته ،ينتفع بها الموقنون بالله فيه هواه.
ور�سوله فتزيدهم إ�يمان ًا .وفي �أنف�سكم و َخ ْلقكم الدقيق
العجيب �أي�ض ًا دلائل ،أ�فلا تنظرون -أ�يها الم�شركون- ُ ١١ ١٠ل ِع َن الك ّذابون القائلون فيك � -أيها
َن َظ َر َم ْن ي�ستد ّل ويعتبر؟! وفي ال�سماء المط ُر الذي الر�سول -ما لي�س بح ٍّق ،الذين هم في جهالة تغمرهم،
ُتخ ِر ُج به ا ألر�ض رز َقكم ،وفيها ما توعدون من ثوا ٍب
فهم غافلون غفل ًة تا ّم ًة ع ّما ينفعهم.
وعقا ٍب ،وخي ٍر و�ش ٍّر ،مكتو ٌب في اللوح المحفوظ.
١٤ - ١٢ي�س�ألك الم�شركون � -أيها الر�سول-
افليقه٣ي٢،امفةل ُياقوات�لسب�شعم ُّكتثوعاالوا-ىلجأ�بينزاهفءا�ساكلهائاكلٌانفكلراريو َممةنح�أ-ا َّلنفةي،مهاوكوهمعوا َدلحبا ٌّهقت ِ�لمشا ْنُِّكم أ� ْروْمي َةرن ا�ستعجال ًا منهم وا�ستهزا ًء :متى يو ُم الجزاء الذي تخبرنا
في ُن َطقكم حين َتنطقون. به؟ ف�أخ ِبهم أ� ّن يوم ال ِّدين �آ ٍت ،يوم ُيع َّذبون في
النار ،ويقال لهم :ذوقوا عقوبتكم ،هذا الذي كنتم
٢٥ ٢٤هل �أتاك -أ�يها الر�سول -حدي ُث َ�ضيف
إ�براهيم من الملائكة المك َرمين؟! إ�ذ دخلوا عليه بي َته في ت�ستعجلونه.
�صورة َب�َش فح َّيوه قائلين� :سلام ًا ،فقال إ�براهيم� :سلا ٌم،
�أ ْي َعليكم �سلا ٌم ،وقال في نف�سه :ه�ؤلاء قوم لا نعرفهم. ١٩ - ١٥إ� ّن المتقين في جنا ٍت عظيم ٍة وعيو ٍن
٢٨ - ٢٦فذهب إ�لى �أهله �سريع ًا و ِخ ْفي ًة لئلا َي ْلحظه
�ضيوفه ،فجاءهم بعج ٍل �َسمين قد �شواه لهم إ�كرام ًا
لهم ،فو�ضعه أ�مامهم ،ودعاهم إ�ليه في َت َل ُّط ٍف قائل ًا:
أ� َل ت�أكلون؟ فل ّما لم ي أ�كلوا أ��ضمر في نف�سه ِخيف ًة منهم،
فقالوا عند ذلك له :لا ت َخ ْف ،و أ�ع َلموه أ�نهم ملائكة
�أر�سلهم الله �إليه ،وب�َّشوه بول ٍد له ِم ْن زوجته �سار َة َيبلغ
ويكون كثي َر العلم ،وهو �إ�سحاق عليه ال�سلام.
٣٠ ٢٩ف أ�قبل ْت زوج ُته وهي َت�صيح ِم َن التع ُّجب
والا�ستغراب ،ف�ضرب ْت بيدها على وجهها وقالت:
كيف �ألد و�أنا عجو ٌز ،عقي ٌم لم �ألد ِمن قب ُل؟! فقالت
الملائكة لها :ما ب�ّشناكم به هو الذي قاله ر ُّب ِك ،إ�نه هو
الحكيم العليم.
521
وهم يرون عيان ًا هلاكهم ونزول العذاب بهم ،فما قاموا ٣٤ - ٣١قال �إبراهيم للملائكة :ما �ش أ� ُنكم ولأ ِّي
من تلك ال َّ�صعة ،وما كانوا ممتنعين من عذاب الله. أ�مر ُأ�ر�سلتم؟ قالوا :إ�نا �أُر�سلنا �إلى قوم كفار فج َرة ،وهم
قوم لوط ،لنر�سل عليهم حجار ًة من طي ٍن ُ�صل ٍب ،مع َّلم ًة
٤٦و�أهلكنا قو َم نوح من قبل هذه الأمم ،إ�نهم كانوا عند ربك ،على كل واحد ٍة منها ا�سم َم ْن تهلكه ِم ْن
قوم ًا خارجين عن طاعة الله.
ه�ؤلاء المتجاوزين الح َّد في ال�ضلالة والفجور.
٤٩ - ٤٧وال�سما َء َ�أ ْح َكمنا بناءها بقوة ،و�إنا
لمو�سعون ألقطارها و�أرجائها ،و َب َ�س ْطنا الأر�ض بقدرتنا ٣٦ ٣٥قال الله تعالى :ف�أخرجنا من قرية لوط َمن
كال ِفرا�ش ،ف ِن ْع َم الماهدون نحن ،ومن ك ِّل �شيء من كان فيها من الم ؤ�منين ،قبل �إهلاك أ�هلها ،فما وجدنا فيها
الحيوان والنبات وغير ذلك خلقنا زوجين الذكر إ�لا بيت ًا واحداً من الم�سلمين ،قد انقادوا لله بجوارحهم
وا ألنثى ،لتعرفوا عظي َم قدرة الله وعجي َب �صنعته؛
بعد �أن آ�من ْت قلو ُبهم ،وهو بيت لوط عليه ال�سلام.
فتوحدوه وتعبدوه.
٣٧وتركنا في قرية قوم لوط بعد إ�هلاكهم علام ًة
٥١ ٥٠فقل -أ�يها الر�سول -للم�شركين الذين وعبرةَ ،يعتبر وي َّتعظ بها ك ُّل َمن يخاف عذا َب الله ا أللي َم
ك ّذبوك :اهربوا من عذاب الله �إلى ثوابه با إليمان
والطاعة ،إ�ني لكم منه منذر ب ِّ ُي ا إلنذار ،ولا تجعلوا مع من �أهل هذا الزمان و َمن بعدهم.
الله �إله ًا �آخر ،فلا ي�ستح ُّق ا أللوهي َة غي ُره ،إ�ني لكم منه
٤٠ - ٣٨وجعلنا في ق�صة مو�سى عظ ًة وعبر ًة،
نذير ب ِّ ُي ا إلنذار. إ�ذ �أر�سلناه �إلى فرعون م�ؤ َّيداً بالمعجزات الوا�ضحة
الظاهرة ،كالع�صا وغيرها ،ف أ�عر�ض فرعون عن ا إليمان
522 بما دعاه إ�ليه مو�سى -مغت ّراً بملكه وجنده -وقال في ح ِّق
مو�سى :إ�نه �ساحر �أو مجنون ،ف�أخ ْذنا فرعو َن وجنوده
فطرحناهم في البحر ف أ�غرقناهم ،وهو -أ�ي فرعون -
َملو ٌم على ما �أتى به ،مما ي�ستوجب العقوبة ،من الكفر
والطغيان.
٤٢ ٤١وفي عاد وما فعلنا بهم �آي ٌة ،إ�ذ أ�ر�سلنا عليهم
لـ ّما ك ّذبوا ر�سولهم هوداً ،الري َح التي لا خير فيها ،فلا
ُتل ِّق ُح �شجراً ولا ُتن�شئ مطراً ،و�إنما ري ُح هلاك ،ما تذر
من �شيء أ� َت ْت عليه مما �أراد الله تدمي َره من النا�س والأنعام
وال�شجر وال ُّدور وغير ذلك ،إ�لا جعلته كال�شيء البالي
المف َّتت.
٤٥ - ٤٣وفي ثمود أ�ي�ض ًا وما فعلنا بهم �آية وعبرة،
إ�ذ قلنا لهم ،بعد أ�ن ك َّذبوا ر�سولهم وعقروا الناقة:
تم ّتعوا بما أ�نتم فيه �إلى أ�ن ي أ�تيكم هلا ُككم بعد ثلاثة
�أيام ،فا�ستكبروا عن امتثال أ�مر الله ،ف�أهل َك ْتهم �صاعق ُة
العذاب -حيث �صا َح فيهم جبري ُل �صيح ًة أ�ماتتهم-
من َعبيدهم ،ولا أ�ريد منهم رزق ًا لي ولا لغيري ،ولا �أ ْن
يطعموني �أو يطعموا غيري ،إ� َّن الله هو الرزاق ،ذو القوة
ال�شديد ،فلا َي ْطر أ� عليه عج ٌز ولا َ�ضع ٌف.
59ف�إ َّن للذين ظلموا أ�نف َ�سهم بالكفر من كفار مكة
وغيرهم ،ن�صيب ًا من العذاب مث َل ن�صيب نظائرهم من
الأمم ال�سابقة التي �ُأهلكت ،فلا ي�ستعجلوا عذابي ،ف�إنه
ناز ٌل بهم في الوقت الذي أ�ريد.
60فال َخ�سا ُر والهلا ُك له ؤ�لاء الكفار ِم ْن يوم القيامة
الذي ُيو ِعدهم الله به.
ُ 6 - 1يق�سم الله �سبحانه بجبل الطور الذي ك ّلم 52كما ك َّذبك كفا ُر مكة � -أيها الر�سول -بقولهم
عليه مو�سى عليه ال�سلام -وهو َق َ�س ُم ت�شريف وتكريم- �إنك �ساحر �أو مجنون ،ك َّذبت ا ألم ُم ال�سابقة ر�س َلهم
و ُيق�سم بكتاب �ُس ِّطر ْت حرو ُفه وكلماته ت�سطيراً جميل ًا
ح�سن ًا ،في �صحائف مب�سوطة ،وهو القر�آن الكريم ورموهم بال�سحر �أو الجنون.
-وقيل :الكتب المنزلة ،وقيل :اللوح المحفوظ -و ُيق�سم
بالبيت المعمور ،وهو الكعبة �أو بيت في ال�سماء ال�سابعة 53هل �أو�صى ا أل ّولون َم ْن َب ْع َدهم بتكذيب الر�سل
محاذي ًا للكعبة تطوف به الملائكة .و ُيق�سم بال�سماء بهذا القول؟! إ�نهم لم يتوا�صوا؛ ألنهم لم يلتقوا في زمن
الدنيا التي جعلها �سبحانه كال�سقف ل ألر�ض ،وبالبحر واحد ،ولكن َج َم َعهم الكف ُر والف�سوق والع�صيان،
العظيم المملوء بالماء ،أ�و المو َقد ناراً. فت�شابه ْت أ�قوا ُلهم كما ت�شابه ْت قلو ُبهم.
10 - 7إ� َّن عذا َب ربك -يا محمد -لكائ ٌن يو َم 55 54ف�أ ْع ِر�ض � -أيها الر�سول -عن ه ؤ�لاء
القيامة للكافرين ،ما له من دافع يدفعه عنهم ،في هذا الم�شركين وعن مجادلتهم بعدما ك َّرر َت عليهم الدعوة،
اليوم المليء بالأهوال الذي تدور فيه ال�سماء كما تدور فلم يجيبوا عناداً منهم ،فلا لوم عليك ،فقد �أديت
ال َّر َحى م�ضطرب ًة ،وتزول الجبا ُل عن �أماكنها ،وتتطاير الر�سالة وما ق ّ�ص َت فيما ُأ�مرت به .ولا تترك التذكير
والوعظ ،ف�إ َّن الذكرى تنفع الم ؤ�منين الذين �آمنوا بك،
كال�سحاب ،وتتف َّتت حتى ت�صير هبا ًء منثوراً.
و َم ْن َع ِلم الله �أنه �سي�ؤمن.
14 - 11فالهلا ُك يوم القيامة للكافرين المك ِّذبين
بالحق ،الذين عا�شوا يخو�ضون في الباطل من�شغلين 58 - 56وما خلق ُت الج َّن وا إلن�س �إلا لتوحيدي
به لا يذكرون ح�ساب ًا ولا يخافون عقاب ًا .وفي هذا وعبادتي ،و�إني لغن ٌّي عنهم ،لا أ�ريد منهم ما يريد ال�سادة
اليوم ُي ْدفعون إ�لى النار َد ْفع ًا �شديداً ،ويقال لهم تبكيت ًا
523
وتقريع ًا :انظروا ،هذه النار التي كنتم تك ِّذبون بها.
ا�ستحقوا به ني َل ما عند الله ،فقالوا� :إنا كنا في الدنيا 15ويقال له�ؤلاء المك ِّذبين الذين زعموا �أن ال ُّر�سل
�َس َحرة ،تقريع ًا وتوبيخ ًا� :أهذه النا ُر التي ترونها �أي�ض ًا
خائفين من عذاب الله ُم ْعتنين بطاعته ،فم َّن الله علينا ِ�س ْحر؟! �أم أ�نتم ُع ْم ٌي لا ترون كما كنتم ُعمي ًا عن الحق
بالمغفرة والرحمة ،ووقانا عذا َب النار التي ِمن ح ِّرها
َتنفذ ري ُحها في الـ َم�سام� .إ ّنا كنا من َق ْب ُل نو ِّحده ونخل�ص في الدنيا؟!
له في دعائنا وتوجهنا له� .إنه هو المح�سن ال�صادق في 16فادخلوا -أ�يها المك ِّذبون -النا َر وقا�سوا ِ�ش َّدتها،
فا�صبروا على العذاب �أو لا ت�صبروا ،الأمران �سوا ٌء في
َو ْعده ،العظي ُم الرحمة بعباده. عدم َن ْفعكم� ،إنما تجزون ذلك ب�سبب كفركم وتكذيبكم.
29فا ْث ُب ْت -أ�يها الر�سول -على ما أ�نت عليه من 20 - 17و أ� ّما حا ُل المتقين الذين و َّحدوا ر َّبهم
تذكير النا�س ووع ِظهم بالقر آ�ن ،فما أ�نت -وقد �أنعم و�أطاعوه ،ف�إنهم في جنات عظيمة ،ونعيم ما �أكمله!
الله عليك برجاحة العقل والنب ّوة -بكاه ٍن ولا مجنو ٍن
طابت نفو�ُسهم بف�ضل ما آ�تاهم ر ُّبهم من الخيرات ،وقد
كما يقول الكفار. �صرف الله عنهم بف�ضله عذا َب النار ال�شديدة التو ُّقد.
ويقال لهم تكريم ًا لهم :كلوا وا�شربوا� ،أكل ًا و�شرب ًا م أ�ْمون
31 30بل �أيقول ه�ؤلاء الكفار �أي�ض ًا :إ�نك �شاعر،
ننتظر أ�ن ُتهلكه ُنوائب الدهر ،فيموت ويهلك كما العا ِقب ِة ،لا تنغي�ص فيه ولا َك َدر ،ب�سبب ما كنتم َت ْع َم ُلو َن
هلك ال�شعرا ُء َقبله .قل لهم � -أيها الر�سول -تهديداً في الدنيا من �صالح ا ألعمال .ت أ�كلون وت�شربون مر َّفهين
لهم :انتظروا ،ف�إني منتظ ٌر هلا َككم كما تنتظرون متكئين على َ�أ�س َّر ٍة م�صفوفة على أ�ح�سن نظام و أ�بد ِعه،
وز ّوجناهم ب ِن�سا ٍء غاي ًة في الجمال نقيا ِت البيا�ض،
هلاكي.
وا ِ�سعات ا ألعين ِح�سانها.
21و أ�ك َر ْمنا الذين آ�منوا وا َّتبعتهم ذري ُتهم ب إ�يمان في
الدنيا ب�أن �ألحقنا بهم ذريتهم في الجنة ،فيكونون في
درجتهم ،و�إ ْن لم يبلغوا َم ْب َل َغ أ�عمال �آبائهم ،وما َن َق ْ�صنا
الآبا َء بذلك �شيئ ًا من ثوابهم .ولا ي ؤ�ا َخذ أ�ح ٌد بذنب
�أحد ،ألن كل �إن�سان مر َت َه ٌن بعمله.
24 - 22وز َّودنا ه�ؤلاء الم�ؤمنين في الجنة وقت ًا بعد
وقت بفاكهة ولحم مما ت�شتهيه أ�نف�سهم ،دون طل ٍب
منهم ،ويتجاذبون مع جل�سائهم -أ�خذاً و إ�عطا ًء-
ك�أ�س ًا من خمر ،لا يتكلمون أ�ثناء �شربها ب َل ْغ ِو الحديث،
ولا يفعلون ما ُيو ِجب إ�ثم ًا لفاعلهَ .و َي ُطو ُف عليهم
بالك ؤ�و�س ِغ ْلما ٌن لهم مخ�صو�صون بهم ،ك أ�نهم ِمن
ُح�سنهم ل ؤ�ل ؤ� َم�صون في �صدفه لم تم�ّسه ا أليدي.
28 - 25و�أَقبل �أه ُل الجنة بع ُ�ضهم على بع�ض
يت�ساءلون عن أ�حوالهم و أ�عمالهم في الدنيا ،وما
524
َ 37أ� ْم عند كفار قومك � -أيها الر�سول -خزائ ُن 32بل أ�ت أ�مرهم عقو ُلهم بهذا الافتراء والتناق�ض :من
ربك ِمن النبوة والرزق وغيرهما ،في ُخ ّ�صوا َمن �شا ؤ�وا قولهم فيك � -أيها الر�سول :-كاه ٌن و�شاع ٌر ،مع قولهم
بما �شا�ؤوا؟! �أَ ْم هم ا ألربا ُب القاهرون الذين يد ِّبرون مجنون؟! كلا ،ولكنهم قوم مجاوزو َن الحدو َد في المكابرة
ا ألمور بم�شيئتم؟! ك ّل. والعناد.
َ� 38أ ْم لهم �ُس َّلم يرتقون به �إلى الملأ ا ألعلى في�ستمعون َ� 34 33أ ْم يقولون :اخت َلق محمد القر�آن من عند
كلام الملائكة والوحي إ�ليهم فيعلموا �أنهم على ح ٍّق، ن ْف�سه؟! لي�س ا ألمر كما زعموا ،ولكنهم لا ي ؤ�منون
فهم به م�ستم�سكون؟! فلي أ�ت م�ستم ُعهم -إ�ن ا ّدعوا ا�ستكباراً ،ولذلك يقولون ما يقولون ،فلي�أتوا -وهم
ذلك -ب ُح َّجة ظاهرة ُت�ص ِّدقهم. الف�صحاء -بمثله إ� ْن كانوا �صادقين في هذا الا ّدعاء.
39أ�تقولون -أ�يها الم�شركون� -إن الملائكة بنا ُت لله �َ 36 35أ ْم ُخ ِلقوا من غير خالق؟! أ�َم َخ َلقوا أ�نف�سهم
فت ِ�ضيفون له ما تكرهون وت ُخ ُّ�صون �أنف�سكم بالذكور؟! فلذا لا يعترفون بخال ٍق يعبدونه؟! �َأم َخلقوا ال�سماوات
والأر�ض؟! �إ َّن ذلك في غير َمقدورهم -وهم مق ُّرون
�َ 43 - 40أم ت�س أ�لهم -أ�يها الر�سول -أ�جراً على ما ب�أن الله خالقهم وخالق ال�سماوات وا ألر�ض -ولكنهم
جئ َتهم به من ال ِّدين ،ف�أ ْث َقلهم ذلك فمنعهم عن اتباعك؟ غير موقنين بالله ولا بما أ�قروا به ،و�إلا َلـ َما �أعر ُ�ضوا عن
أ�َم عندهم ِعل ُم ما غاب عن النا�س فهم يكتبون منه
للنا�س ما ي�شا ؤ�ون؟! كلا لا علم لهم به؛ فلا ِق َبل لهم عباد ِته ،و َلـ َما كفروا بنب ِّيه الذي جاءهم بالحجج.
�إ َذ ْن ب إ�نكار ما جحدوه ولا ب�إثبات ما أ�ثبتوه� .أَم يريدون
�أن يكيدوا لك؟! فالذين كفروا هم الذين يعود عليهم
و َبا ُل كيدهمَ� .أم لهم معبود غير الله ي�ستح ُّق العبادة؟!
تن َّزه الله عن �شركهم وكفرهم.
46 - 44و إ� ْن يروا ِقطع ًا من ال�سماء �ساقط ًة لعذابهم
-كما �س�ألوا -لم ينتهوا عن كفرهم ل َفرط عنادهم،
ويقولوا� :سحاب متراكم بع ُ�ضه فوق بع�ض ي�سقينا،
ف َد ْعهم -أ�يها الر�سول -حتى ي أ�تيهم الموت ،وفي هذا
اليوم لا ينفعهم كي ُدهم ولا يمنعهم من العذاب مانع.
47و�إ َّن له�ؤلاء الم�شركين عذاب ًا في الدنيا قبل ا آلخرة،
ولك َّن أ�كثرهم لا يعلمون ذلك.
49 48وا�صبر -أ�يها الر�سول -لق�ضاء ربك فيما
ح َّمل َك من ر�سالته ،ف إ� ّنا نراك ونحفظك ،و�س ِّب ْح ر ِّبك
حامداً له على �إنعامه عليك حين تقوم من مجل�سك ومن
َمنامك ،واذكره واعبده بالتلاوة وال�صلاة �أوقات ًا من
الليل ،ووقت َمغيب النجوم �آخ َر الليل.
525
11 - 1أَ� ْق َ�سم الله ب َخلق من مخلوقاته العظيمة،
وهو نجم ال ُّثيا �إذا غرب مع الفجر :ما �ض َّل محمد
- -يا َمع�شر قري�ش عن طريق الهدى ،وما �صار
غاوي ًا َي ْعدل عن الحق بعد �أن َعلمه .وما ينطق محمد
إ�ليه، يوحيه الله بعا َّللقمره�آ إ�يناهم َمنَل ٌعكنذدون ِ�فش�َّسدهة،و َوحلزكمنهوقودرحة ٌ،ي
عليه وهو جبري ُل
ال�سلام ،فظهر لمحمد ب�صورته الحقيقية ،وهو بالجهة
العليا من ال�سماء المقابلة للناظر ،ثم اقترب جبري ُل منه
وزاد في القرب ،فكان في �ش َّدة ُقربه منه بمقدار قو�سين
�أو أ�قرب ،ف أ�وحى جبري ُل �إلى عبد الله ور�سوله هذا
القر آ�ن العظيم .لقد �صدق قل ُب محمد فيما ر آ�ه عيان ًا،
وما �شك فيه ولا ظنه تخيل ًا.
23ما هذه ا أل�صنام التي عبدتموها -أ�يها الم�شركون- 18 - 12أ� ُتك ّذبون -أ�يها الم�شركون -محمداً
وتو َّهمتم أ�نها ت�شفع لكم إ�لا مجرد أ��سماء لا حقائق لها فتجادلونه على ما ر آ�ه عيان ًا ،و أ�نتم تعلمون أ�نه �صادق
فيما ا َّدعيتم لها من الألوهية� ،أنتم و آ�با ؤ�كم الذين ابتدعتم �أمين ،ولقد ر أ�ى جبري َل على �صورته الحقيقية مر ًة
ت�سمي َتها ،ما َ�أ ْن َز َل اللهُ بعبادتها من ُح ّجة تتعلقون بها. �أخرى ،لـ ّما ُأ��ْ ِسي به �إلى ال�سماوات عند ِ�سدرة المنتهى
وما يتبع ه�ؤلاء �إلا ا ألوهام ،وما ت�شتهيه �أنف ُ�سهم ،ولقد -وهي �شجرة في ال�سماء ال�سابعة لا تتجاوزها الملائكة،
أ�َر�سل الله �إليهم الر�سول بالحق والحجة القاطعة ،ومع
و�إليها ينتهي عل ُم الخلائق -عندها جنة الم�أوى ،ر�آه
هذا تركوه ولم ينقادوا له. وال�ِّسدرة يغ�شاها من النور وا أل�سرار الإلهية ما لا يعلمه
على الحقيقة �إلا الله ،فما ما َل ب�ص ُره ،وما جاوز الح َّد
� 25 24إ َّن ما عليه الم�شركون من الوهم لا ي ُـجدي الذي ُح ِّد َد له -وهذا من كمال �أدبه -ولقد ر�أى
نفع ًا -ومنه َط َمعهم في �شفاعة آ�لهتهم -فلا ُيعطى محم ٌد ليلة ُع ِرج به إ�لى ال�سماء من �آيات ربه العظام ما
الإن�سان ح�س َب تمنيه ،فا ألمور لا َتري على �إرادته،
يقف عنده العقل ولا يدركه الح� ُّس.
و إ�نما لله �أمر الدنيا وا آلخرة.
� 20 19أر أ�يتم -أ�يها الم�شركون -هذه ا أل�صنام التي
26وكثي ٌر من الملائكة المق َّربين لدينا في ال�سماوات، تعبدونها كاللات وال ُع َّزى ،و َمنا َة الثالثة الأخرى �أ َلها
لو �أرادوا أ�ن ي�شفعوا ألحد لا ُتغني �شفاعتهم �شيئ ًا حتى
يكون الله قد �أَ ِذن لهم ،و َير�ضى بال�شفاعة للم�شفوع له. قدر ٌة على �شيء� ،أم هي جمادات لا ت�ضر ولا تنفع؟!
22 21كيف تجعلون لله ما تكرهون من ا إلناث،
وتجعلون ألنف�سكم ما تحبون من الذكور؟! وذلك أ�نهم
قالوا� :إن الملائكة بنات الله .تلك إ�ذ ْن ِق�سم ٌة ظالم ٌة ،مائل ٌة
عن الحق.
526
وملك ًا ،فلا ي�شاركه في تدبير ا ألمر فيهما أ�حد ،فهو 28 27إ� ّن ه ؤ�لاء الكفار الذين لا ي ؤ�منون بيوم
القيامة ،وما فيه من ثواب وعقابَ ،لي ُ�ض ُّمون إ�لى كفرهم
عالم ب َخ ْلقه ،قادر عليهم ،خلق ا إلن�سان و أ�ر�سل الر�سل، َمقال ًة �َش ْنعا َء ،وهي �أنهم ُي�سمون الملائكة ت�سمي َة الإناث،
ليجزي الذين َع�صوه من َخ ْلقه بعقابهم على ما عملوا ويقولون :هم بنات الله ،وما لهم بما يقولون ِمن ِعلم،
من ال�سوء ،ويجزي الذين أ�ح�سنوا في الدنيا ف�آمنوا به بل قالوه جهل ًا وجر�أة و�ضلالة ،وما ي َّتبعون في ذلك
إ�لا الظ َّن والتو ُّهم ،و�إ َّن الظن لا يقوم َمقام العلم� ،إذ لا
و أ�طاعوه بالـ َمثوبة الح�سنى ،وهي الجنة ،وهم الذين ُتعرف الحقائق بالظن و إ�نما با ألدلة المو�صلة إ�لى اليقين.
يجتنبون كبائر الذنوب والفواح�ش كالزنا وما ُي�ْشبهه
في ال ُفح�ش ،إ�لا �صغائ َر الذنوب التي ي أ�تونها الـ َم ّرة بعد 30 29فد ْع -أ�يها الر�سول بعد �أن ب َّلغت وب َّينت-
الـ َم ّرة دون إ��صرار ،ف إ�نها ُتغفر لهم باجتنابهم الكبائر مجادل َة َمن َ�أعر�ض عن القر�آن الذي �أنزلناه تذكر ًة ب ّين ًة،
وبلزومهم الطاعات وبرحمة الله بهم� .إ َّن ر َّبك وا�سع و َق َ� َص َمط َلبه على الحياة الدنيا ،فلن ُتفيد دعوته إ�لا
المغفرة ،فهو لا ي�ؤاخذهم بها ،و َيقبل توبتهم �إ ْن تابوا، عناداً ،ف َط َل ُب الدنيا هو نهاي ُة علمهم و إ�دراكهم ،إ� َّن
وهو تعالى �أعلم ب أ�حوالكم -بالم ؤ�من والكافر ،والمطيع ر َّب َك -أ�يها الر�سول -هو �أعلم -ب�سابق علمه -بمن
والعا�صي -حين َخ َلقكم من ا ألر�ض ،وحين كنتم �َأج َّنة حا َد عن الح ِّق و�أ�ص َّر على ال�ضلالة فلا ي ؤ�من ،وهو أ�علم
في بطون أ�مهاتهم ،فلا تمدحوا �أنف َ�سكم على �سبيل
الإعجاب ،ولا ُتب ِّر ؤ�وها عن الآثام ،فهو تعالى أ�علم بمن بمن اهتدى.
اتقى عقوبة الله ،و�أَخل�ص العمل له. 32 31ولله ما في ال�سماوات وما في ا ألر�ض ،علم ًا
� 44 - 33أفر أ�ي َت -أ�يها الر�سولُ -ق ْب َح حال الذي
َأ�عر�ض عن الإيمان بعد أ�ن اقترب منه ،و�أعطى قليل ًا
من المال ،ثم امتنع عن العطاء� ،أعند هذا المان ِع عل ُم
الغيب أ�نه �س َينفد ما في يده إ�ن ا�ستم َّر في النفقة ،فهو
يرى ذلك عيان ًا؟ كلا ،لي�س ا ألمر كذلك ،و إ�نما أ�م�سك
عن ال�صدقة والمعروف ُبخل ًا و�ش ّح ًا -وقد نزلت هذه
الآيات في �شخ�ص بعينه من م�شركي مكة� -ألم ُيـ ْخـ َبـ ْر
بما في التوراة ،و ُ�صحف إ�براهيم الذي أ�ت َّم ما أ�مره الله
به� ،أنه لا ت ؤ�ا َخذ نف� ٌس ب إ�ثم غيرها؟! و�أنه لي�س للإن�سان
�إلا �أج ُر عمله ،و�أ َّن �َسعيه �سوف ُيعر�ض يوم القيامة ،ثم
ي ُـجزاه الجزاء الأكمل ،و أ� َّن َمرجع العباد و َم�صيرهم إ�لى
الله ،و أ�نه تعالى هو �أف َر َح َم ْن �شاء من عباده ،و َ�أحزن َم ْن
�شاء ،و�أنه المالك وحده ألمر الموت والحياة� ،أمات َمن
أ�مات ِم ْن خلقه ،و أ�حيا َمن �أحيا منهم� ،سبحانه هو الذي
أ�وجد هذه المتقا ِبلات ،وا ألمر فيها كلها إ�ليه ،ولا َيقدر
على ذلك غيره.
527
معجز ًة لمحمد - -و�إ ْن َي َر الكفا ُر من قري�ش معجز ًة � 49 - 45ألم يعلم الـ ُم ْع ِر�ُض عن الإيمان �أن الله هو
تد ُّل على �صدق الر�سول كان�شقاق القمرُ ،ي ْع ِر ُ�ضوا عن الخالق بقدرته ال ِّ�صنفين :الذكر والأنثى ،من نطفة ُت ْد َفق
ت أ� ُّملها وا إلِيمان بها ،ويقولوا :هو ِ�سحر قو ٌّي م�ستح ِكم. في الرحم؟ و أ� َّن عليه تعالى الإحياء بعد ا إلماتة للح�ساب
وك َّذبوا النب َّي ،وما عاينوا من دلائل قدرة الله ،واتبعوا يوم القيامة ،و�أنه هو الذي كفى عباده حاجات
ما ز ّين لهم ال�شيطان ِمن ر ِّد الحق بعد ظهوره .وك ُّل أ�مر َمعا�شهم ،وزادهم ما يقتنونه وي ّدخرونه .و أ�نه تعالى
وهو ما جاء به له منَ -يغايظةه ير�سوتَيثقب ُّرتعليواهلباا،طفاُلليحزُّقول- لاب َّد هو ر ُّب ال�ِّشعرى ،وهو نج ٌم كانت تعبده بع�ض قبائل
ويذهب .ولقد النبي
العرب.
جاء كفا َر مكة في القر�آن من أ�خبار ا ألمم الما�ضية المك ِّذبة
ما فيه عبر ٌة لهم ومن ٌع عن التمادي في الباطل. 52 - 50و�أنه تعالى هو أ�هلك عاداً ا ألولى الذين
كانوا قبل ثمود ،وهم قو ُم هود عليه ال�سلام ،و�أهلك
6 5والقر آ�ن ِحكم ٌة تا َّمة ،قد بلغت الغاية، ثمو َد ،وهم قوم �صالح عليه ال�سلامَ ،فما أ�بقى أ�حداً من
ولكن �أ ّي �شيء تفيده ال ُّن ُذر أ�قوام ًا �أ�صروا على الكفر؟! الفريقي ِن .و�أنه تعالى �أهلك قوم نوح ِمن قب ِل �إهلا ِك عا ٍد
ف أ�عر�ْض عنهم � -أيها الر�سول -بعد أ�ن ب ّين َت وب َّلغ َت،
وانت ِظر اليوم الذي ي ْدعوهم فيه الداعي �إلى �أمر فظيع وثمو َد ،الذين كانوا هم �أظلم و أ�طغى منهما.
هائل. 54 53و أ�هلك الله القرى التي انقلب ْت ب�أهلها،
حيث رفعها جبريل ب َجناحه إ�لى ال�سماء ،ثم �أهواها �إلى
ا ألر�ض ،وهم قوم لوط ،فغ�ّشاها الله من �أنواع العذاب
ما َغ�َّشى ،ب�أن َ�أ ْمطرها بحجارة من نار.
55فب�أ ِّي ِن َعم الله العظيمة ال ّدال ِة على وحدانيته
وقدرته تت�شكك �أو تكذ ُب �أيها ا إلن�سان؟!
56إ� َّن محمداً - -ر�سو ٌل ح ٌّق من ِج ْن�س الر�سل
المن ِذرين ال�سابقينُ ،أ�ر�سل كما �أر�سلوا.
َ 58 57ق ُربت ال�ساعة و َد َن ْت .لا ُقدر َة ألحد على
َك�ْشف �أهوالها إ�ذا وقعت إ�لا الله.
َ 62 - 59أ� َف ِمن هذا القر آ�ن العظيم َتعجبون َع َج َب
تكذيب � -أيها الم�شركون المكذبون بالبعث-
وت�ضحكون ا�ستهزا ًء به ،ولا تبكون مما فيه من الوعيد،
و أ�نتم لا ُهون ُمع ِر�ضون عن تدبره؟! فاتركوا ما �أنتم
عليه ،واخ�ضعوا لله و�أخل�صوا له العبادة.
4 - 1اقتربت القيامة ،وان�ش َّق القم ُر ِفلقتين
528
الألواح ،ت�سير على وجه الماء بحفظنا ورعايتناَ ،ف َع ْلنا به 8 7يخرج الكافرون من القبور للح�شر خا�ضع ًة
وبهم ما فعلنا من إ�نجائه و إ�غراقهم؛ انت�صاراً لنوح الذي أ�ب�صا ُرهم ذليلة من الهول ،ك أ�نهم في ال َك ْثة والانت�شار
في ا ألمكنة كالجراد المنت ِ�ش ،يخرجون م�ْسعين ما ّدين
ُك ِف َر به. �أعنا َقهم �إلى الداعي ،وهو إ��سرافيل ،لا يتل َّك�ؤون ولا
17 - 15ولقد �أبقينا ِذ ْك َر َغر ِق َقو ِم نو ٍح عبر ًة يت�أ َّخرون ،يقول الكافرون يومئذ :هذا يو ٌم �صع ٌب
وعظ ًة ،فهل من م َّتعظ ومعتبر بذلك؟ فكيف كان عذابي
و�إنذاري إ�ياهم؟! لقد كانا على كيف ّي ٍة هائل ٍة لا يحيط بها �شديد.
الو�صف .ولقد �س ّهلنا القر آ�ن للحفظ والتذ ُّكر ،فهل من
14 - 9ك َّذب قبل قومك � -أيها الر�سول -قو ُم
متذ ِّكر م ّتعظ يعتبر وي ّتعظ بمواعظه و�آياته؟ نوح ،فكذبوا ر�سولنا نوح ًا ون�سبوه إ�لى الجنون،
و�أوذي �إيذا ًء �شديداً لينتهي ع ّما يدعو �إليه ،فدعا نو ٌح
22 - 18كذبت قبيلة عاد ر�سو َلهم هوداً ،فا�ْس َمعوا ر َّبه أ�ني مغلوب من قومي فانتق ْم لي -وذلك بعد �أ ْن
كيف كان هول عذابي ووقوع ما �أُنذروا به� ،أر�سل َ�ص َب على تمردهم و إ�يذائهم زمن ًا طويل ًا ،و�أعلمه الله �أنه
الله عليهم ريح ًا �شديدة البرودة ،في يوم �ش�ؤ ٍم عليهم، لن ي�ؤمن منهم �إلا َم ْن قد آ�من -فا�ستجاب الله لنوح،
م�ستم ٍر �ش�ؤمه ودمارهَ ،تقلعهم من ا ألر�ض ،فترمي بهم ف أ�ر�سل المطر من�ص ّب ًا بقوة وغزارة ،وجعل ا ألر�ض عيون ًا
على ر ؤ�و�سهم ،ف َتف�صلها عن �أج�سادهم ،ك�أنهم �أعجاز متفجر ًة بالماء ،فالتقى ماء ال�سماء وماء ا ألر�ض ،على �أمر
� -أي �أ�صول -نخل بلا ر ؤ�و�س ،قد ُقلع من ا ألر�ض قد ُق�ضي عليهم به ،وهو الغرق ،ونجينا نوح ًا ب أ� ْن حملناه
ف�سقط هامداً .فكيف كان عذابي و إ�نذاري إ�ياهم؟! على �سفينة ذات أ�لواح من خ�شب وم�سامير ُت َ�ش ُّد بها
كان هائل ًا عظيم ًا .ولقد ي�ّسنا القر آ�ن للحفظ والتذ ُّكر،
فهل من م َّتعظ متذ ِّكر به؟
25 - 23كذبت ثمو ُد بما أ�نذرهم به نب ُّيهم �صالح،
فقالوا :أ�ن َّتبع ب�شراً مثلنا ،واحداً ونحن الجماعة الكبيرة؟!
إ� ّنا لو ا ّتبعناه لك ّنا في خط�أ و ُب ْع ٍد عن الحق وجنون.
أ� ُي َخ�ُّص من بيننا بالنبوة والوحي ،وفينا َمن هو أ�ح�سن
حال ًا و أ�ح ُّق منه بذلك؟! بل هو كذا ٌب متكب ٌر مع َج ٌب
بنف�سهَ ،ح َمله على ا ّدعاء ذلك ب َط ُره هذا ،وطل ُبه التع ُّظم
علينا.
� 26سيعلم قو ُم �صالح قريب ًا ،عند نزو ِل العذا ِب بهم
َمن الك َّذا ُب المتب ِّطر ،أ�هم �أم �صالح؟!
27إ� ّنا مخرجو الناقة من ال�صخرة ،كما طلبوا
� -آي ًة لهم على �صدق نبينا �صالح -اختباراً لهم ،فانتظ ْر
يا �صالح ما هم �صانعون ،وا�صبر �صبراً �شديداً على ما
ي�صيبك من ا ألذى منهم.
529
45 - 43هل كفاركم -يا �أهل مكة -أ��ش ُّد و�أقوى 30 - 28و�أخب ْر قو َمك يا �صالح �أن الماء الذي
ممن َتق َّدمكم من الأمم التي أ�هلكناها ب�سبب كفرهم؟ �أَم َت ِردون عليه لل�شربِ ،ق�ْس َم ٌة بينهم وبين الناقة ،لها يوم
لكم براءة من عذاب الله هي في الكتب المن َّزل ِة على الر�سل ت�شرب فيه ولكم يوم ،يح�ضر ك ُّل �صاحب يوم في يومه.
من قبل؛ ف أ�نتم في أ�مان بهذه البراءة؟ أَ�م يقول كفار مكة: فا�ست َمروا على ذلك ثم َم ُّلوا ،فنا َدوا عاق َر الناقة ،فتناول
نحن جميع َي ٌد واحد ٌة على َمن خالفنا فننت�صر منهم ،فقل ال�سيف فقتلها بعد �أن أ��صابها في �ساقها .فكيف كان
لهم � -أيها الر�سول� :-س ُيهزم جم ُعكم ويولون هاربين. عذابي قوم �صالح و�إنذاري �إياهم لما عقروا الناقة؟! كان
وقد ُهزموا يوم بدر وف ّروا بلي ٍل في غزوة الأحزاب. هائل ًا عظيم ًا.
َ 46بل �ساع ُة القيامة موعدكم يا كفار مكة ،وهي 32 31إ� ّنا �أر�سلنا على ثمود جبري َل ف�صا َح بهم
�أفظع و أ��ش ُّد َمرار ًة من القتل والهزيمة والفرار. �صيح ًة واحد ًة ،ف أ�هلكتهم ود َّمرتهم ،فكانوا كحطام
ال�شجر و أ�عواده وكالك أل الياب�س الذي يجمعه �صاح ُب
� 48 47إ َّن الذين �أجرموا بكفرهم في ُب ْع ٍد عن الغنم لي�صنع منه حظيرته .ولقد ي�َّسنا القر آ�ن للحفظ
الحق في الدنيا ،وهم في نيران ُم�س َّعرة يوم القيامة ،يوم
ُي�سحبون في النار على وجوههم ،ويقال لهم :قا�سوا والتذ ُّكر ،فهل من م َّتعظ متذ ِّكر به؟
عذاب جهنم و�ش َّد َة ح ِّرها. 35 - 33كذبت قو ُم لوط بما �أنذرهم به ر�سو ُلنا
� 49إ ّنا خلقنا ك َّل �شي ٍء بتقدي ٍر مح َك ٍم �ساب ٍق في ِعلمنا، لوط .إ�نا �أر�سلنا عليهم ريح ًا َترميهم بحجارة من طين
متح ِّجر توال ْت عليهم حتى أ�هلكتهم� ،إلا لوط ًا وابنتيه
توجد ا أل�شياء طبق ًا له. و َمن �آمن معه نجيناهم ب�أن �أخرجناهم من بيوتهم �آخر
الليل قبل نزول العذاب إ�نعام ًا م ّنا .وكما جزينا لوط ًا
و َم ْن معه فنجيناهم من عذابنا نجزي َم ْن �شكر نعمة الله
ب إ�يمانه وطاعته.
40 - 36ولقد �أنذر لو ٌط قو َمه بط�ش َة الله وعذا َبه
ال�شديد ،ف َ�ش ُّكوا في الإنذار ،ولم ي�صدقوه .ومن
فجورهم �أنهم طلبوا من لوط �أن يخ ِّلي بينهم وبين
�ضيوفه و أ�ل ّحوا في الطلب ومحاولة الو�صول �إليهم ،غير
عالمين أ�نهم ُر�سل من الملائكة ،ف�أع َمينا أ�عينهم ،وقلنا
لهم :ذوقوا عذابي وعاقبة تكذيبكم .ولقد نزل بهم �أو َل
النهار عذا ٌب ثاب ٌت م�ستق ٌّر بهم ،ما انفك عنهم و�أف�ضى
بهم جميع ًا �إلى الهلاك ،وقلنا لهم تبكيت ًا :ذوقوا عذابي
وعاقبة تكذيب �إنذاري .ولقد ي�سرنا القر آ�ن للحفظ
والتذكر ،فهل ِم ْن م ّتعظ متذ ِّكر به؟
42 41ولقد جاء آ� َل فرعون ال ُّن ُذر المتكررة على
ل�سان مو�سى -عليه ال�سلام -الم ؤ� َّيدة بالمعجزات
والدلائل الباهرات ،فكذبوا بها ك ِّلها فعاقبناهم عقوب َة
�شدي ٍد لا ُيغا َل ُب ،مقتد ٍر لا يعجزه �شيء.
530
4 - 1الرحم ُن برحمته وم َّنته ع َّلم نب َّيه وعبا َده 50وما �أَم ُرنا ل�شيء �إذا أ�ردنا تكوينه إ�لا كلم ًة واحد ًة
القر آ� َن ،الذي هو �أج ُّل النعم و أ�كثرها نفع ًا ،و أ�عظم -وهي ُك ْن -فيكون �سريع ًا ،ك�سرعة ل َـ ْمح الب�صر .وهذا
معجزة آ�تاها نبيه .وبرحمته خلق ا إلن�سان في إ�علام بكمال القدرة ،وتحذي ٌر للظالمين من عذاب الله.
�أح�سن تقويم� ،أوجد فيه الا�ستعدا َد لتع ُّلم النطق ،و آ�تاه
القدرة على الإعراب ع ّما في نف�سه من المعاني والمقا�صد، 53 - 51ولقد �أهلكنا -أ�يها الم�شركون� -أ�شبا َهكم
في الكفر وتكذيب الر�سل من ا ألمم ال�سابقة ،فهل من
وم ّيزه بذلك عن �سائر الحيوان. م َّتع ٍظ بذلك؟! وك ُّل �شيء فعله ه ؤ�لاء الكفار قب َلكم
مد َّو ٌن في الكتب التي كتبها الح َف َظة ،وك ُّل �صغي ٍر وكبي ٍر
9 - 5ال�شم� ُس والقمر يجريان بتقدير الرحمن من أ�فعال الخلق و أ�قوالهم مكتو ٌب عندنا م�س ّجل على
-تعالى -في بروجهما متعاق َبين بح�سا ٍب دقي ٍق لم�صالح
العباد .والنج ُم -وهو النبات الذي لا �ساق له -وكذا �صاحبه.
ال�شجر ينقادان لله تعالى فيما ُخ ِل َقا له .وجعل الله
ال�سماء بقدرته مرفوع ًة عن الأر�ض ،و�شر َع العد َل و أ�مر 55 54إ� َّن الذين اتقوا عقاب الله بطاعته ،يقيمون
به؛ لت�ستقيم حياتكم وتنتظم م�صالحكم؛ فلا تجوروا في ا آلخرة في ب�ساتين عظيمة متنوعة ،و�أنها ٍر ينعمون
وتظلموا ،و�أقيموا الوزن بالعدل في كل �ش�أن من بها ،في مجل�س ح ٍّق َم ْر�ض ٍّي ،لا َل ْغو فيه ولا ت�أثيم ،وهو
�ش ؤ�ونكم ،ولا تنق�صوا الميزان ولا تف�سدوه بمخالفتكم الجنة ،مق َّربين عند ملك عظيم وا�س ِع الملك ،قاد ٍر على
ألمر الله و�شرعه. كل �شيء ،فهم في غاية ال�شرف والكرامة.
13 - 10والأر�َض ب�سطها الله وم َّهدها لمنافع َم ْن
على ظهرها ،فيها ما تحتاجون إ�ليه وتتنعمون به :فيها
أ��صنا ٌف من الفاكهة ،وفيها النخل ذا ُت الأوعية البديعة
التي يكون فيها الثمر ،غذا ًء لكم و َت َف ُّكه ًا ،وفي الأر�ض
الـ َح ُّب الذي تتق ّوتون به ،ذو الق�شر الذي َت ْع�صف به
الرياح ،ويكون علف ًا ل ألنعام ،وفيها النباتات ذات
الروائح الطيبة التي تريح النفو�س و ُتبهجها .فب أ� ِّي
�شيء ِم ْن نعم الله ودلائل قدرة الله تعالى ال�سابقة التي
َت�ستوجب عليكم توحيده وطاعته و�شكره تجحدون
وتنكرون ،يا مع�شر الجن والإن�س؟!
16 - 14خلق الله �آدم -وهو �أ�صل الإن�سان -من
طي ٍن ياب� ٍس ُي�سمع له �صو ٌت إ�ذا ُنقر عليه ،كال َف ّخار في
ُيب�سه ،و َخل َق الجا َّن ِمن خليط ِمن لهب النار ،فب أ� ِّي ِن َعم
الله يا مع�شر ال َّث َق َلين ُتك ِّذبان؟!
531
36 - 33يا مع�شر الجن وا إلن�س �إن َق َد ْرتم �أن 18 17وهو تعالى ر ُّب م�شرق ال�شم�س في ال�صيف،
تخرجوا من �أرجاء ال�سماوات وا ألر�ض ونواحيها هرب ًا وم�شرقها في ال�شتاء ،ور ُّب َمغربيها كذلك ،والمت�ص ِّرف
من ح�ساب ربكم فافعلوا ،لا َت ْنفذون إ�لا بقدرة و َغ َلبة،
و�أ َّنى لكم ذلك ،فب أ� ِّي ِن َعم الله -والتي منها �إنذا ُركم فيهما بقدرته وحكمته ،فب أ� ِّي ِن َعم الله ُتك ِّذبان؟!
وتحذيركم لئلا تتمادوا في كفركم وف�سقكم -تك ِّذبان؟!
ولو ذهبتم هاربين أُلر�سل عليكم له ٌب من نار ،ونحا� ٌس 23 - 19وهو الذي جعل البحرين المال َح والع ْذ َب
مذاب لترجعوا ،فلا ُم َخ ِّل�ص لكم ولا نا�صر ،فب أ� ِّي ِن َعم يلتقيان ،وجعل بينهما حاجزاً بقدرته ،فلا يختلطان
الله -والتي منها إ�نذا ُركم وتحذيركم -تك ِّذبان يا مع�شر فيغ ِّي �أح ُدهما خ�صائ�ص ا آلخر ويعطل منافعه ،فب�أ ِّي
ِنعم الله يا مع�شر ا ِإلن�س والجن ُتك ِّذبان؟! ي َـخ ُرج
الجن وا إلن�س؟! منهما � -أي من المالح منهما؛ ألنهما لـ ّما التقيا �صارا
كال�شيء الواحد -ح ُّب الل ؤ�ل ؤ� ،والـ َمرجان ،فب أ� ِّي ِن َعم
40 - 37ف إ�ذا قامت القيام ُة وان�شقت ال�سما ُء لتنزل
الملائكة منها ،فكانت ُم ْحم ّر ًة من ح ِّر النار كالورد، الله ُتك ِّذبان؟!
مائع ًة كال ُّدهن ،فب�أ ِّي ِنعم الله -والتي منها إ�نذا ُركم
لتنزجروا -تك ِّذبان؟! ففي هذا اليوم لا ُي�س�أل المجرمون 25 24وله تعالى ال�سف ُن الجارية في البحر كالجبال،
من �إن� ٍس وج ٍّن عن ذنوبهم ل ُيعلم حا ُلهم؛ ألنه معلو ٌم عند �أ ْل َه َم الله النا� َس ُ�صنعها ،تجري م�س َّخر ًة ب�إذنه وحده
وتحت ت�ص ُّرفه ،ولو �شاء لجعلها راكدة ،فب�أ ِّي تلك ال ِّنعم
ربهم ،فب أ� ِّي ِن َعم الله ُتك ِّذبان؟!
يا مع�شر الجن والإن�س ُتك ِّذبان؟!
532
28 - 26ك ُّل َم ْن على ا ألر�ض من إ�ن� ٍس وج ٍّن
وحيوا ٍن �صائ ٌر �إلى الموت والفناء ،ولا يبقى � -أيها
النبي� -إ ّل ر ُّبك ذو العظمة والإنعام ،والذي يعامل
خلقه بمقت�ضى عظمته وكرمه ،فب�أ ِّي ِن َعم الله يا مع�شر
الجن وا إلن�س ُتك ِّذبان؟!
30 29وك ُّل الخلق مفتقرون إ�لى الله لا ي�ستغنون
عنه ،ي�س�أله ك ُّل َم ْن في ال�سماوات وا ألر�ض حاجاتهم،
�سواء بل�سان الـ َمقال �أو بل�سان الحال ،وهو في كل وقت
من ا ألوقات في �ش�أ ٍن عظيمُ ،يج ِري أ�قداره وي�ص ِّرف
�ش ؤ�ون خلقه ،ف ُيحيي ويميت ،و ُيع ُّز ويذ ُّل ،ويعطي
ويمنع ،ويعاقب ويغفر� ،إلى غير ذلك مما لا ُيح�صى،
فب أ� ِّي نعمة من تلك النعم تك ِّذبان؟!
� 32 31سنحا�سبكم يا مع�شر الجن وا إلن�س ح�ساب ًا
مح َّقق ًا ،فنثيب أ�ه َل الطاعات ،ونعاقب �أه َل الكفر
والمعا�صي ،فب أ� ِّي ِن َعم الله ُتك ِّذبان؟!
يا مع�شر الجن والإن�س ُتك ِّذبان؟!
49 48وهاتان الجنتان اللتان ُي�ؤتاهما الخائفون
مقا َم ربهم ،مو�صوفتان ب�صفات عظيمة :فهما ذواتا
أ�غ�صا ٍن عظيمة بديعة كثيرة الورق والثمار ،فب�أ ِّي نعمة
من ِنعم الله ُتك ِّذبان؟!
55 - 50وفي ك ِّل َج ّنة من الجنتين عي ٌن تجري بالماء
ال َعذب ،فب أ� ِّي ِنعم الله تك ِّذبان؟! وفيهما كذلك من ك ِّل
نو ٍع من أ�نواع الفاكهة ِ�صنفان يتل ّذذ بها المخ َّلدون فيها،
فب أ� ِّي ِنعم الله المتعددة تك ِّذبان؟! و أ� ّما َمل�سهم :فهم على
حال أ�هل التر ُّف ِه والنعيم؛ متكئين في جل�ستهم على ُب�ُسط
بطائنها الداخلية ِمن حري ٍر �سمي ٍك ،ف إ�ذا كان هذا َو ْ�ص ُف
بطائنها فظواهرها أ�جمل و أ�نف�س ،وثما ُر الجنتين متدلي ٌة
قريبة منهم ،متى �شا ؤ�وا اقتطفوا منها دون َعنا ٍء ،فب أ� ِّي
ِنعم الله ُتك ِّذبان؟!
59 - 56وفي هاتين الجنتين وما ا�شتملتا عليه من ُ 42 41ي ْع َر ُف يوم القيامة المجرمون من الإن�س
الق�صور وال ُغ َرف ن�سا ٌء �أع َّده َّن الله ألهلهاَ ،ي ْق�صرن والجن ب�سواد وجوههم و ُزرقة �أعينهم ،في�ؤخذ بمق َّدم
أ�ب�صارهن على أ�زواجهن ،فلا يلتفتن �إلى غيرهم ،ه َّن ر ؤ�و�سهم و ُتمع �إلى أ�قدامهم فيلقون في النار ،والعياذ
�أبكا ٌر لم يط�أهن َقبل أ�زواجهن �أح ٌد من إ�ن� ٍس �أو ج ٍّن، بالله .فب�أ ِّي نعم الله -ومنها تخويفكم عذابهُ -تك ِّذبان؟!
فب�أ ِّي ِن َعم الله تك ِّذبان؟! ك أ�نه َّن في �صفائهن وجمالهن
و ُحمرة خدودهن الياقو ُت والمرجان ،فب أ� ِّي ِنعم الله ُ 45 - 43يقال للمجرمين الم�شركين بالله يوم القيامة
توبيخ ًا وتقريع ًا لهم :هذه النار التي كنتم تك ّذبون بها،
ُتك ِّذبان؟! ها هي حا�ضرة ت�شاهدونها ِعيان ًا .وعذا ُب المجرمين فيها
لا ينقطع ،فهم ي�سعون فيها متر ِّددين بين نار تحرقهم،
61 60لي�س جزا ُء َمن �أح�سن في الدنيا بطاعة ربه وما ٍء حا ٍّر بلغ منتهاه في الحرارة ُي�ْس َقونه �أو ُي َ�صب عليهم،
إ� ّل أ�ن ُي ْح ِ�سن الله إ�ليه بالنعيم في ا آلخرة ،فب�أ ِّي ِنعم الله فب�أ ِّي نعم الله المقت�ضية �شكر المنعم وطاعته -والتي من
جملتها تخوي ُفكم ،لترغبوا في الخير ،وتبتعدوا عن
ُتك ِّذبان؟!
ال�شرُ -تك ِّذبان؟!
67 - 62و أ�َ ْدنى في المنزلة من هاتين الجنتين المع َّدتين
لم ْن خاف َمقام ربه :جنتا ِن �أخريان ،فيهما �ألوا ٌن عظيمة 47 46و�أ ّما ثواب المتقين ،ف�إ َّن لكل َمن خاف
من �ألوان النعيم ،فب أ� ِّي ِنعم الله ُتك ِّذبان؟! َخ ْ�ضاوتان، وقو َفه بين يدي ربه للح�ساب ،ومراقب َته له ف�أطاعه
َت�ضرب ُخ ْ�ض ُتهما من �شدتها �إلى ال�سواد ،فب�أ ِّي ِنعم الله وانتهى عن مع�صيته جنتين يتن َّعم فيهما ،فب�أ ِّي ِنعم الله
ُتك ِّذبان؟! فيهما عينان تفوران بالماء فوران ًا لا ينقطع،
فب�أ ِّي ِنعم الله ُتك ِّذبان؟!
533
10 - 7و ُق�ِّسمتم � -أيها النا� ُس -يوم القيامة ثلاث َة 69 68في هاتين الجنتين فاكه ٌة كثيرة ،وفيهما نخ ٌل
�أ�صناف بح�سب أ�عمالكم الح�سنة وال�سيئة؛ ف أ��صحا ُب ور ّمان -وقد ُخ ّ�صا بالذكر بيان ًا لف�ضلهما ،فثمرة النخل
اليمين ،الذين ُي ؤ�تون كتابهم بيمينهم ِ�صن ٌف ،ما �أعظ َم فاكهة وغذاء ،والرمان فاكهة ودواء -فب�أ ِّي ِنعم الله
و�أفخ َم �ش أ�نهم! و أ��صحا ُب ال�شمال ،الذين ُي ؤ�تون كتابهم
ب�شمالهم ِ�صن ٌف ،ما �أفظ َع و أ��سو َأ� حالهم! وال�سابقون يا مع�شر الجن والإن�س ُتك ِّذبان؟!
وهم الذين �سبقوا إ�لى ا إليمان بالر�سل و أ�طاعوهم ِ�صن ٌف
ثالث يوم القيامة ،بلغوا منتهى الف�ضل وال ِّرفعة ،فلا �أد َّل 75 - 70وفي هاتين الجنتين وما ا�شتملتا عليه من
ق�صور و ُغ َرف ن�سا ٌء فا�ضلا ُت النف�ِس كريما ُت ال ُخلق،
على حالهم ومرتبتهم من َو ْ�صفهم ب�صفة ال�سبق. ح�سا ُن الـ َخلق والهيئة ،فب�أ ِّي ِنعم الله الحا�صلة َقطع ًا
ُتك ِّذبان؟! ومن �ش َّدة ح�سنه َّن �أنه َّن نقيات البيا�ض،
16 - 11ه�ؤلاء ال�سابقون هم الم�ص َطفون الذين وحالـ ُهن أ�نه َّن ملازمات لبيوته ّن م�صونات ،قد ق�صرن
ع َل ْت درجاتهم عند الله ،في جنات النعيم ،وهم جماع ٌة أ�نف�سهن على أ�زواجهن ،فب�أ ِّي ِنعم الله ُتك ِّذبان؟! وه َّن
كثير ٌة من ا ألمم الكثيرة الما�ضية ،وطائف ٌة قليل ٌة من أ�مة أ�بكا ٌر لم يط�أهن َقبل أ�زواجهن من الإن�س �أو الج ّن أ�ح ٌد،
محمد -بالن�سبة �إلى مجموع ال�سابقين قبلهم-
فب�أ ِّي ِنعم الله ُتك ِّذبان؟!
م�ستق ِّرين على �ُسر من�سوجة بالذهب ،مطمئنين،
ي أ�ن�سون بمقابلة و ُمحادثة بع�ضهم بع�ض ًا. 77 76و�أ ّما مجل�س أ�هل هاتين الجنتين فمجل�س تر ُّف ٍه
ونعيم ،حيث يتكئون في جل�ستهم على و�سائد و ُب ُ�سط
ُخ ْ�ض ،و أ�ثواب مو�شاة بالذهب فائقة الح�سن وا إلتقان،
فب أ� ِّي ِنعم الله ُتك ِّذبان ،وهو أ�عظم ِم ْن �أن ُت َحد نع ُمه؟!
78تكاثر ْت ودام ْت بركات ا�سم ر ِّبك ،ذي العظمة
والكبرياء ،والف�ض ِل التا ِّم ،والإح�سان الذي لا يقاربه
إ�ح�سان.
� 3 - 1إذا قامت القيامة ب�أ ْن ُن ِف َخ في ال�صور
النفخة الأخيرة ،تح َّقق منكرو القيامة منها ،فلا يكون
عند وقوعها نف� ٌس ُتك ِّذب بها ،وهي خاف�ض ٌة ألعداء الله
في النار و�إ ْن كانوا في الدنيا أ�ع ّزاء ،رافع ٌة ألوليائه في
الجنة و�إن كانوا في الدنيا ُو َ�ضعاء.
6 - 4إ�ذا ُزلزلت ا ألر�ض يوم القيامة و ُح ِّرك ْت
تحريك ًا �شديداً ،و ُف ِّتتت الجبا ُل تفتيت ًا ،ف�صارت ب�سبب
ذلك غباراً متفرق ًا في الهواء.
534
33 - 27و أ��صحاب اليمين ،ما �أعظ َم و أ�فخ َم 21 - 17ويدور للخدمة على ه ؤ�لاء ال�سابقين في
�ش�أنهم! يتنعمون في الجنة بظلال وثمار ،فهم في �شج ِر الجنة غلمان لا َي ْهرمون ولا يتغ َّيون ،ب أ�كواب و�أباريق
نب ٍق َط ِّي ٍب ،مقطوع �شوكه -وهو �شجر �صغي ٌر ورقه تبرق من �صفائها ،وك�أ� ِس خم ٍر جا ٍر من عين لا تنقطع
واف ٌر ظ ُّله ،ثمرته طيبة رائحتها -وهم في �شجر موز أ�بداً ،لا ُت َ�ص َّدع ر ؤ�و�سهم من �شربها ،ولا ي�سكرون
كبير ورقه متراكب ثمره تراكب ًا بديع ًا ،وفي ظ ٍّل دائم لا فتذهب عقولهم ،ويطوف الغلمان عليهم بفاكهة
يتق َّل�ص كما هو حال ظ ِّل الدنيا ،وماء جا ٍر ،ي�سكب لهم ي أ�خذون منها ما يختارونه ،وبلحم طير مما ت�شتهيه
�أينما �شا ؤ�وا وكيفما أ�رادوا بلا تعب ،ويتل َّذذون بفواكه
كثيرة متنوعة ،دائم ٍة ،فلا تنقطع في بع�ض الأوقات �أنف�سهم.
كفواكه الدنيا ،ولا ُتـمنع من �أحد أ�راد أ�خذها. 24 - 22ولل�سابقين في الجنة ن�سا ٌء فائقات الح�سن،
نقيات البيا�ض ،وا�سعات الأعين ح�سا ُنها ،وه َّن في
40 - 34ويتن ّعم �أ�صحاب اليمين في الجنة على �ش َّدة �صفائهن وبيا�ضهن و َنفا�ستهن كالل�ؤل�ؤ الم�صون
ُفـ ُر� ٍش عالية القدر مرفوعة على الأَ�س َّرةُ ،يرافقهن َمن في �صدفه� ،أعطيناهم ذلك العطاء مجازا ًة لهم على ما
َ�ص َل َح ِمن ن�سائهم في الدنيا والحور ال ِعين ،خلقناهن
خلق ًا بديع ًا ،فجعلناهن �أبكاراً ،لم ُي َ�س�ْس َن ،متحببات �أح�سنوا من العمل.
متو ِّددات �إلى �أزواجهن ،وه َّن في ِ�س ٍّن مت�ساوية من ِ�س ِّن
ال�شباب ،أ�ن�ش أ�هن ربك لأ�صحاب اليمين خا�صة ،الذين 26 25لا ي�سمعون في الجنة كلام ًا غ ّث ًا ،لا فائدة
هم جماعة كثيرة من ا ألمم الما�ضية ،ومن ُأ�مة محمد . منه ،ولا كلام ًا فيه ُقبح ،ولكن ي�سمعون �سلام ًا َبعد
44 - 41و�أ�صحاب ال�شمال ،ما أ��سو َ�أ حالهم! �سلامُ ،ت ِّييهم به الملائكة ،و ُيح ّيون به بع ُ�ضهم بع�ض ًا.
هم في النار في ري ٍح وما ٍء �شديدي الحرارة ،و�إن ا�ستظلوا
ففي ظ ٍّل من دخان أ��سود كثيف ،لا بار ٍد ك�سائر الظلال، 535
بل حا ٌّر لأنه من لهب النار ،ولي�س فيه ُح�سن منظ ٍر� ،أو
�أ ُّي خير لمن ي أ�وي إ�ليه.
50 - 45إ� َّن أ��صحاب ال�شمال كانوا في الدنيا
مغرورين بالنعم ،متل ِّهين بها عن عبادتنا ،وكانوا
ُي�ص ُّرون على ال�شرك بالله ،فا�ستحقوا العذاب ،وينكرون
البعث فيقولون م�ستبعدين له :أ� ُنبعث إ�ذا متنا وكنا تراب ًا
وعظام ًا؟! وقالوا ت�أكيداً لا�ستبعادهم و�إنكارهم� :أيبعث
�آبا�ؤنا الأولون الذين تق َّدم موتهم �أي�ض ًا؟! قل لهم � -أيها
الر�سول :-إ� َّن ا أل ّولين من الأمم والآخرين الذين أ�نتم من
جملتهم ،لمبعوثون ومح�شورون في وق ٍت واحد مح َّد ٍد
في علم الله ،وهو يوم القيامة لا يتخ َّلف منهم أ�حد.
73 - 68أ�خبروني -أ�يها المك ِّذبون -عن الماء الذي 55 - 51وقل لهم � -أيها الر�سول :-ثم إ�نكم �أيها
ت�شربونه ،هل �أنتم الذين �أنزلتموه من ال�سحاب ،أ�م نحن ال�ضالون عن الهدى المك ِّذبون بالبعث لآكلون -بعد �أن
المنزلون له بقدرتنا؟ لو ن�شاء جعلناه �شدي َد الملوحة لا ُتبعثوا وتحا�سبوا وتدخلوا جهنم -من �شجرة من َز ُّقوم،
يمكن �شربه ،فه ّل ت�شكرون الله على نعمه؟ و أ�خ ِبوني هي من �أخبث أ�نواع ال�شجر ،كريهة المنظر والطعم
عن النار التي توقدون ،أ� أ�نتم خلقتم ال�شجر الذي ُمهلكة ،فمالئون من �شدة جوعكم منها بطونكم،
توقدون به� ،أم نحن الخالقون له دونكم؟ نحن جعلناها ف�شاربون على هذا ال َّزقوم من ما ٍء �شدي ِد الحرار ِة �ُشب ًا
تذكر ًة لنار جهنم ،ومنفع ًة ينتفع بها الم�سافرون الذين كثيراً لا تروون به ،كما ت�شرب ا إلبل ال ِعطا�ش التي لا
ينزلون ا ألر�ض الخالية الـ ُمق ِفرة. َتروى من الماء مهما �شربت لداء ي�صيبها.
74ف إ�ذا عرفت � -أيها الر�سول -بدائ َع �صنع الله
ونعمه و ُحججه التي ب ّيناها ،فاذكر الله العظيم ونزهه 56هذا �أ ّول ما ُي َع ُّد له ؤ�لاء الكافرين يوم الجزاء على
ا ألعمال ،فما الظ ُّن بما بعده؟!
عما ي�صفه الكافرون.
57نحن خلقناكم � -أيها الكافرون المك ِّذبون
ُ 76 75يق�سم الله بمنازل النجوم وموا�ضعها المتغيرة بالبعث -ولم تكونوا �شيئ ًا ،و أ�نتم تعلمون ذلك ،فه ّل
في ال�سماء ،إ�ذ هي دا ّل ٌة على خال ٍق عليم قادر حكيم،
دائ ٍم لا يزول ،و�إنه َل َق�سم لو كنتم من ذوي العلم لعلمتم ت�ص ِّدقون بالبعث بعد الموت؟
�أنه َق َ�سم عظيم. 59 58يقول الله للمك ِّذبين بقدرته على �إحيائهم
بعد َماتهم� :أخبروني ع ّما ُتنون في ا ألرحام ،هل أ�نتم
536 ُتق ِّدرونه و ُت َ�ص ِّورونه ب�شراً �سوي ًا َ�أم نحن المق ِّدرون
الم�ص ِّورون له؟!
61 60نحن ق�ضينا عليكم بالموت وو ّقتناه لك ِّل
واحد منكم ح�سب م�شيئتنا ،وما نحن بعاجزين أ�ن
َنذهب بكم ،ون أ�تي بخلق مثلكم بدل ًا منكم ،ونخلقكم
كيف �شئنا على هيئا ٍت و�صو ٍر لا تعلمونها.
62ولقد علمتم � -أيها المك ِّذبون بالبعث -أ� ّنا
خلقناكم من نطفة ولم تكونوا قبل ذلك �شيئ ًا ،فه ّل
تعتبرون وتتذكرون أ� َّن َمن َق َّدر ذلك قادر على �أن
ين�شئكم بعد َماتكم ن�ش�أة �أخرى؟
67 - 63و أ�خبروني -أ�يها المك ِّذبون بقدرة الله
على إ�حيائكم بعد َماتكم -ع ّما َتب ُذرونه في ا ألر�ض من
الـ َح ِّب ،هل أ�نتم الذين ُتنبتونه وتجعلونه زرع ًا� ،أم الله
الذي يحييه وينبته؟ لو ن�شاء لجعلنا هذا الزرع ُحطام ًا
ياب�س ًا لا َح َّب فيه ولا َن ْفع ،ف�صرتم تتعجبون مما نزل به
وتتح�سرون ،قائلين :إ� ّنا لـ ُمه َلكون ب�سبب هلاك �أقواتنا،
بل قد ُح ِرمنا رزقنا.
في ذلك؟ وحيث �إنكم لا تقدرون على ذلك ثب َت �أنكم � 80 - 77إ َّن هذا الوحي المنزل على محمد - -
مقهورون ،و َم ْن َق َهركم على هذا يقهركم على البعث لقر آ� ٌن كري ٌم عظي ٌم �أع َّزه الله ورفع قدره ،في كتا ٍب
َم�صو ٍن لا َيلحقه تبديل -وهو اللوح المحفوظ -لا يم� ُّس
بعد الموت وعلى الح�ساب. هذا الكتا َب الم�صو َن �إلا الملائكة المق َّربون ،وهو منزل
94 - 88ف�أ ّما �إن كان المتو َّفى من المق َّربين ال�سابقين من عند ر ِّب العالمين ،لا ِم ْن عند �أحد �سواه ،كما زعم
إ�لى الخيرات ،فله راحة ورحمة ،ورز ٌق ط ِّيب ،وجن ٌة
يتنعم فيها .و�أ ّما إ�ن كان المتو َّفى من �أ�صحاب اليمين، الجاهلون.
فل�ست ترى فيهم -أ�يها النب ُّي -إ�لا ما تح ُّب من ال�سلامة،
فلا تهتم بهم ،ف�إنهم َي�س َلمون من عذاب الله .و�أ ّما �إن � 82 81أتتهاونون -أ�يها الكافرون -بهذا القر�آن،
كان المتو َّفى من الكافرين المكذبين بالبعث ال�ضالين عن الذي ذ َّكركم بما �سبق التذكير به ،ولا ت أ�خذونه م�أ َخ َذ
الهدى ،وهم �أ�صحاب ال�شمال ،ف أ� ّول ما ُي َق َّدم له �شرا ٌب الج ِّد ،وتجعلون �شكر الله تعالى على نعمة �إنزاله القر�آ َن
من ماء تناهت حرارته في ال�شدة ،ويدخل ناراً عظيم ًة
�إليكم أ� ْن ُتك ّذبوا به؟!
يقا�سي عذا َبها.
� 96 95إ َّن هذا الذي ذكرناه وب ّيناه في هذه 87 - 83فه ّل إ�ذا بلغت رو ُح المح َت َ�ض الحلقو َم،
ال�سورة ،لهو َمـ ْح�ُض اليقين الذي لا يداخله �أ ُّي �شك، و�أنتم أ�يها الحا�ضرون تنظرون ،ونحن �أقر ُب إ�ليه منكم
ف�س ِّبح � -أيها الر�سول -بذكر ا�سم ربك العظيم ،تنزيه ًا بعلمنا وقدرتنا وت�ص ُّرفنا ،ولكنكم لا تدركون ذلك،
فه ّل �إن كنتم غير مملوكين لله خا�ضعين ل�سلطانه،
له و�شكراً على آ�لائه. ترجعون الرو َح �إلى ج�سد المحت َ�ض ،إ� ْن كنتم �صادقين
1ن َّزه اللهَ تعالى وع َّظ َمه و أ�ذع َن له ك ُّل ما في 537
ال�سماوات وما في الأر�ض بل�سان الـ َمقال �أو الحال،
وهو الغال ُب على �أمره لا يغلبه �شيء ،الحكي ُم في أ�مره
وفعله.
3 2الله وحده ملك ال�سماوات والأر�ض ،يد ّبر
ا ألمر فيهما كيف ي�شاء ،خال ُق الموت والحياة ،ومالك
أ�مرهما ،وهو القادر الذي لا ُيعجزه �شيء .والله هو
الموجود قبل ك ِّل �شيء وجوداً بلا بداية ،وهو الباقي بلا
نهاية ،والظاهر با ألدلة الدالة عليه ،والمحتج ُب بذاته
عن أ�ن تدركه الحوا� ُّس �أو أ� ْن تحيط العقول بحقيقة ذاته،
ولا َيغيب عن علمه �شيء.
من ظلمات الكفر إ�لى نور ا إليمان� ،إ َّن الله بكم -أ�يها 4وهو �سبحانه الذي خلق بقدرته ال�سماوات
النا�س -لكثير الر أ�فة والرحمة. وا ألر�ض وما بينهما في مقدار �ستة أ�يام ،ثم ا�ستوى على
العر�ش -ا�ستوا ًء يليق بجلاله لا بما يخطر ببال ا إلن�سان-
10و�أ ُّي مان ٍع يمنعكم بعد إ�يمانكم من �أ ْن ُتنفقوا طاع ًة يع َل ُم ك َّل ما َيدخل في ا ألر�ض ،وك َّل ما يخرج منها،
لله وجهاداً في �سبيله ،والحا ُل �أن �أموا َلكم �صائرة بعدكم ويعلم �سبحانه ك َّل ما ينزل من ال�سماء ،وك َّل ما ي�صعد
إ�لى الله ،لأنه يرث ك َّل ما في ال�سماوات وا ألر�ض .لا فيها ،وهو معكم بعلمه وقدرته �أينما كنتم ،لا َيخفى
ي�ستوي منكم -أ�يها الم ؤ�منونَ -من �أنف َق وقات َل في �سبيل
الله َقبل فتح مكة ،و َمن أ�نف َق وقات َل بعده ،فالذين أ�نفقوا عليه �شيء من أ�عمالكم.
وقاتلوا في �سبيل الله قبل الفتح َ�أعظ ُم في الأجر والمنزلة
درج ًة عند الله ،وك ُّل واح ٍد من الفريقين و َع َده الله الجنة، 5ولله وحده ُملك ال�سماوات وا ألر�ض وما فيهما
مع تفاوت الدرجات ،والله خبير ب أ�عمالكم ،ف أ�خ ِل�صوا �إيجاداً و إ�عدام ًا وتدبيراً ،و َم َر ُّد ك ِّل �شيء �إلى الله خا ِلقه
ومد ِّبره لا إ�لى �أحد �سواه ،يحكم فيه بما ي�شاء في الدنيا
له.
وا آلخرة.
َ 11م ْن ذا الذي ينفق في �سبيل الله بطي ِب نف� ٍس
واحت�سا ٍب للأجر ،فيعطيه الله أ�ج َره م�ضاعف ًا ،وله يوم ُ 6ي�ص ِّرف الله اللي َل والنها َر و ُيق ِّدرهما بحكمته،
القيامة �أج ٌر عظي ٌم لا َك َدر فيه ولا انقطاع ،وهو الجنة؟ ف ُي ْد ِخ ُل ما َي ْن ُق�ُص من وقت الليل في النهار ،فيطول
النهار ،ويدخل ما َي ْن ُق�ُص من وقت النهار في الليل،
فيطول الليل ،وهو عليم علم ًا تام ًا بما ت�ضمره ال�صدور.
7آ� ِمنوا � -أيها النا�س -بالله؛ با إلقرار بتوحيده
وت�صديق ر�سوله ،وداوموا � -أيها الم�ؤمنون -على ذلك،
و أ�ن ِفقوا في وجوه الخير التي �أمركم الله بها ،من ا ألموال
التي جعلكم خلفا َء في الت�ص ُّرف فيها ،فالذين آ�منوا منكم
بالله ور�سوله و أ�نفقوا َح َ�س َب ما أُ�مروا به لهم ثوا ٌب كبي ٌر
من الله.
8و�أ ُّي عذ ٍر لكم أ�و مانع يمنعكم من ا إليمان بالله،
والر�سو ُل يدعوكم إ�ليه و ُيب ِّينه لكم بالحجج الباهرة ،وقد
أ�خذ الله منكم العه َد بالإيمان به -وذلك حين أ�خرجكم
من َظهر أ�بيكم آ�دم كالذ ِّر ،ف أ��ش َهدكم على �أنف�سكم
بقوله} :ﭲﭳﭴ{ ؟ ف�أقررتم �أنه ربكم -ف إ� ْن
كنتم تريدون ُمو ِجب ًا ل إليمان و�سبب ًا �إليه ،فوجود الر�سول
بينكم ،وبيا ُنه لكم ،وتذكيره بما �ُأخذ عليكم من �أعظم
�أ�سبابه و�أو�ضح ُمو ِجباته.
9وهو �سبحانه الذي ينزل على عبده محم ٍد
� - -آيات القر�آن وا�ضحا ٍت بالحق ،لكي يخرجكم
538
15 14عندئ ٍذ ينادي المنافقون الم ؤ�مني َن وهم في ُ 12يعطى الم�ؤمنون هذا الجزاء والأجر الكريم يوم
ُظلمتهم :أ�لم َنكن معكم في الدنيا نطيع كما تطيعون؟ القيامة ،يوم ترى -والخطاب لر�سول الله ول�سائر
قالواَ :بلى كنتم معنا ظاهراً بجوارحكم لا بقلوبكم، َم ْن ي�صلح له الخطاب -الم ؤ�منين والم ؤ�منات في الـ َمح�شر
ولكنكم أ�هلكتم �أنف َ�سكم بالنفاق والمعا�صي ،وانتظرتم يحيط بهم نو ُر إ�يمانهم و أ�عمالهم ال�صالحة ،وب�شار ُتكم
وقو َع الم�صائب بالم ؤ�منين ،و�ش َككتم في �أمر الدين ولم اليوم � -أيها الم ؤ�منون -التي تب�َّشون بها جنا ٌت
ت�صدقوا به ،وخدعتكم ا آلما ُل ،وظللتم على ذلك تدخلونها تجري من تحت �أ�شجارها وم�ساكنها ا ألنهار،
حتى جاءكم الموت ،وخدعكم ال�شيطان ب�سعة عفو الله تب�ِّشكم بها الملائكة ،ماكثين فيها �أبداً ،وذلك الجزاء هو
ورحمته ،ف أ�طمعكم بالنجاة من عذابه ،فاليوم لا ُتقبل
منكم -أ�يها المنافقون -فدية تفتدون بها �أنف�سكم من الفوز العظيم ،الذي لا يعادله فوز.
عذاب الله ،ولا ُتقبل من الذين كفروا ظاهراً وباطن ًا،
م�أواكم الذي ت�سكنونه النار ،هي �َأ ْولى بكم تتولاكم 13يوم يقو ُل المنافقون والمنافقات للم ؤ�منين حين
يرونهم ُي�ْ َس ُع بهم �إلى الجنة :انتظرونا ُن ِ�ص ْب �شيئ ًا
وتلازمكم ،وبئ�س الم�صير هي. من نوركم ن�ست�ضيء به مما نحن فيه من ال ُّظلمة ،فيقال
لهم �إبعاداً لهم وته ُّكم ًا بهم :ا ْرج ُعوا من حي ُث جئتم
� 16ألم َي ِحن الوق ُت للذين �آمنوا بالله ور�سوله �أن تلين فا ْط ُل ُبوا نوراً ،فرجعوا ،ف ُ� ِض َب بين الفريقين ب�سور له
قلوبهم لذكر الله ،فتخ�ضع وت�سكن له ،وللقر آ�ن الذي باب ،جانبه الذي يلي الجنة فيه الرحمة ،وجانبه الذي
َن َّزله الله على ر�سوله ،في�سارعوا في الطاعة والانقياد
له ،ولا ي�سلكوا �ُس ُب َل اليهود والن�صارى ،الذين ُأ�وتوا يلي النار ي�أتي ِمن جهته العذاب.
التوراة والإنجيل من قبلهم ،فطال عليهم الزمان بينهم
وبين أ�نبيائهم ،فغفلوا وانغم�سوا في ال�شهوات ،ف َق َ�س ْت 539
قلوبهم ،وكثير منهم خارجون عن حدود الله؟ وهذا
عتا ٌب لبع�ض الم ؤ�منين من فتو ٍر وتكا�س ٍل أ��صابهم في
بع�ض ما ُدعوا �إليه ،وتحذي ٌر لهم من الو�صول �إلى ما
و�صل إ�ليه َمن كان قبلهم.
17اعلموا � -أيها الم�ؤمنون� -أ ّن الله ُيحيي ا ألر�َض
بالغيث فيخرج النبات منها بعد أ�ن كانت ياب�سة ،فكما
�أحياها ُيحيي القلو َب القا�سية بالذكر والتلاوة والتد ُّبر،
قد ب َّي ّنا لكم ا آليات كي تعقلوا ما فيها وتعملوا بـ ُمو ِجبها
فتفوزوا ب�سعادة الدارين.
� 18إ َّن المت�ص ِّدقين والمت�ص ِّدقات ،والذين أ�نفقوا في
�سبيل الله ب ِطيب نف�س واحت�سا ٍب ل ألجرُ ،ي�ضا َعف لهم
ثوابهم ،ولهم ف�ضل ًا عن ذلك �أج ٌر كري ٌم يوم القيامة لا
يعلم مقدا َره �إلا الله.
نق�ِص ثما ٍر ،أ�و كوار َث ،أ�و أ��صابكم في أ�نف�سكم من 19والذين �أق ُّروا بوحدانية الله ،و آ�منوا بجميع ر�سله
مر�ض �أو َف ْقد ول ٍد ونحوهما� ،إلا هو مكتوب وم�س َّج ٌل �إيمان ًا كامل ًا را�سخ ًا� ،أولئك هم ال ِّ�ص ِّديقون المعروفون
في كتاب -وهو اللوح المحفوظ ِ -من قبل �أن يخلق الله بعل ِّو ال ُّرتبة عند الله والمبالغة في الت�صديق .وال�شهدا ُء
هذه الم�صيبة ،و�إ َّن الإحاطة بذلك علم ًا و إ�ثبات ًا و�إخراج ًا الذين ُقتلوا أ�و ماتوا في �سبيل الله لهم أ�جرهم العظيم يوم
القيامة ،ولهم نو ُرهم اللائق بهم .والذين كفروا بالله
�إلى الوجود على كثرته ه ِّ ٌي على الله تعالى. و ُر�سله ،وك َّذبوا ب آ�ياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا
24 23و�أَ ْعلمناكم ب�أن ا ألمور بتقدير الله كي
لا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا حزن ًا يتنافى مع يدخلون ناراً عظيم ًة لا يفارقونها �أبداً.
الت�سليم ألمره ،وكي لا تفرحوا بما �آتاكم الله منها،
فرح ًا َي ْحملكم على ال َب َطر والكبر ،والله لا يح ُّب ك َّل 20اعلموا � -أيها النا�س -أ� َّن هذه الحياة الدنيا التي
متكب ٍر بما �أوتي من الدنيا ،فخو ٍر به على النا�س .وه ؤ�لاء َر َك َن إ�ليها الكافرون واطم أ�نوا بها ،والتي دعا الحر�ُص
المتكبرون الفخورون َيبخلون عن ا إلنفاق في مر�ضاة على ا�ستبقاء ل ّذاتها بع�َض الم ؤ�منين �إلى ال�ُّش ِّح ب أ�موالهم
الله ،وي أ�مرون غيرهم بالبخل -وكانت هذه من أ�ظهر وعد ِم ا إلنفاق منها في �سبيل الله ،ما هي �إلا َل ِع ٌب ك َل ِع ِب
�صفات المنافقين -و َم ْن ُيعر�ض عن طاعة الله ،فلن ي�ض َّر ال�صبيانُ ،يب َته ُج به �ساع ًة ثم ينق�ضي ،ول ّذا ٌت ُيتل َّهى بها
�إلا نف�سه ،ف إ� َّن الله هو الغن ُّي عن خلقه ،المحمو ُد بما �َأنعم ثم تذهب ،وزين ٌة وتفاخ ٌر بينكم بما أ�ُوتيتم من النعيم،
ومغالب ٌة ل آلخرين في تكثير المال وا ألولاد ،وهذه �أغلب
عليهم. �أحوالها� ،أمو ٌر مح َّقرة قليلة الجدوى .و َم َث ُلها كمثل
مطر �َأعجب ال ُّز ّرا َع خ�ضر ُة نباته ون�ضار ُته ،ثم ي أ�خذ
540 في الذبول فتراه م ْ�صفراً بعد ن�ضرته ،ثم ييب�س فيتك�َّس
ويته�شم ،فهذا �ش أ�ن الدنيا زوا ٌل �سريع وانق�ضاء ،ولي�س
في ا آلخرة �إلا عظائم ا ألمور الدائمة :عذا ٌب �شديد
ألعداء الله ،ومغفر ٌة من الله ور�ضوان ألوليائه و�أهل
طاعته .وما الحياة الدنيا �إلا متاع فا ٍن َي ُغ ُّر َم ْن َر َك َن إ�ليه،
فيترك العمل للآخرة ،و�أما َم ْن عمل للآخرة فالدنيا له
و�سيلة وطريق.
� 21سارعوا � -أيها الم ؤ�منون -م�سارع َة المت�سابقين،
�إلى التوبة وا ألعمال ال�صالحة التي تكون �سبب ًا في �أن تنالوا
مغفر ًة من ربكم ،وجن ًة وا�سع ًة عظيم ًةَ ،ع ْر�ضها كعر�ض
ال�سماء وا ألر�ض لو ُو�صلت إ�حداهما بالأخرى؛ �ُأع َّد ْت
و ُج ِّهزت للم ؤ�منين الذين و َّحدوا الله و�ص َّدقوا ُر�َسله،
وهذا الذي وعد الله به من المغفرة والجنة؛ هو عطا ؤ�ه
ي�ؤتيه تف ُّ�ضل ًا و�إح�سان ًا َمن ي�شاء من عباده ،والله وا�سع
الف�ضل ،عظيم ا إلح�سان على عباده.
22ما أ��صاب في ا ألر�ض من م�صائ َب كجد ٍب� ،أو
٢٦ولقد �أر�سلنا نوح ًا و�إبراهيم ر�سولين بر�سالاتنا إ�لى ٢٥ولقد �أر�سلنا ر�س َلنا إ�لى ا ألمم م ؤ� َّيدين بالحجج
النا�س ،وجعلنا النبو َة في ذريتهما ،ب أ�ن اخترنا بع َ�ضهم والمعجزات ،و�أنزلنا معهم كتب ًا م�شتملة على ا ألحكام
�أنبياء ،وجعلنا فيهم كتبنا المنزلة على ا ألنبياء منهم ،ف ِمن
ذريتهما مهت ٍد بهذا الهدى إ�لى الدين الحق ،وكثير منهم وال�شرائع ،آ�مر ًة بالعدل ومبين ًة لهِ ،ل َيعم َل النا� ُس في
أ�نف�سهم وفيما بينهم بالح ّق والعدل ،فت�صلح أ�حوالهم
خارجون عن الهدى كافرون.
وت�ستقيم ،و أ�نزلنا الحديد ،فيه ق ّو ٌة �شديد ٌة ،يتخذون منه
٢٧ثم َ�أ ْتبعنا بعد نوح و�إبراهيم و َمن �أُر�سلا إ�ليهم �آلات الحرب التي ُيدافعون بها عن أ�نف�سهم ،و َي ْردعون
ر�سل ًا إ�لى الأمم ،ر�سول ًا بعد ر�سول ،ثم أ�ر�سلنا بعد زم ٍن بها عد َّوهم ،وينتفعون به في كثير مما يحتاجون إ�ليه في
عي�سى ابن مريم ،و آ�تيناه الإنجيل ،وجعلنا في قلوب حياتهم .ولقد �أنزلنا الحديد و أ�ر�سلنا ر�س َلنا ب�شرائعنا
الذين اتبعوه ر ّق ًة �شديد ًة ،ورحم ًة يتراحمون بها،
وابت َدعوا رهبانية -وهي انقطاع للعبادة في ال�صوامع ليعلم الله علم ًا ظاهراً لل َخ ْلق َمن ين�ص ُر دينه ور�س َله ويقات ُل
والجبال وت ْرك للدنيا -ا�ستحدثوها من عند أ�نف�سهم، أ�عداءه؛ �إيمان ًا وت�صديق ًا بوعده من غير أ�ن يراه -وفي
ما فر�ضناها عليهم ،لكنهم ابتغوا ر�ضوا َن الله بتلك
الرهبانية ،فما قام كثير منهم بمرور الزمن بح ّقها ح َّق ذلك ح ٌّث للم ؤ�منين و�إلها ٌب لعزيمتهم ل ُن�صرة دين الله
القيام ،ف�آتينا الذين �آمنوا من الن�صارى �إيمان ًا �صحيح ًا وطاعته تعالى؛ إ�ذ الله عالم �أزل ًا بما كان وبما يكون -إ� َّن
و�أطاعوا ثوا َبهم ،وكثير منهم خارجون ع ّما يقت�ضيه
الله غن ٌّي بقدرته وع ّزته عن ُن�صرة عباده ،و�إنما ك ّلفهم
ا إليما ُن بنا والطاعة لنا. بذلك لينتفعوا به إ�ذا امتثلوا ،و َيح�صل لهم ما وعد الله
٢٨يا �أيها الذين �آمنوا بالله وبر�سوله محمد - - به عباده المطيعين.
اتقوا الله ب�أداء طاعته واجتناب معا�صيه ،واثبتوا على
الإيمان بر�سوله محمد - -ي�ؤتكم ن�صيبين عظيمين
من ا ألجر؛ ب�سبب �إيمانكم بمحمد وبال ُّر�سل ِم ْن قبله،
ويجع ْل لكم يوم القيامة نوراً تم�شون به ،ويغفر لكم ما
�أ�سلفتم من المعا�صي ،والله وا�سع المغفرة والرحمة بمن
�آمن به و أ�طاعه.
٢٩و َأ� ْعلمناكم � -أيها الم�ؤمنون -أ� َّن لكم ِ�ضعفين من
ا ألجر؛ ليعلم الذين لم ُي�ْسلموا من �أهل الكتاب أ�نهم لا
َيقدرون أ�ن ينالوا �شيئ ًا من ف�ضل الله الذي تف َّ�ضل به على
َمن �آمن بمحمد - -ولا َيقدرون �أن يمنعوه عنهم،
و أ�ن الف�ضل والثواب إ�نما هو بيد الله وحده ،ي�ؤتيه َمن
ي�شاء ،والله ذو الف�ضل العظيم يخ�ُّص َم ْن �شاء بما �شاء ولا
را َّد لف�ضله �سبحانه.
541