The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

تفسير القرآن الكريم_compressed

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Ghada Alnawawy, 2021-11-09 00:37:41

تفسير القرآن الكريم_compressed

تفسير القرآن الكريم_compressed

‫الرحم وتتغذى منه‪ :‬فجعلنا العلق َة ُم�ضغ ًة‪ ،‬أ�ي على هيئة‬ ‫‪ 1‬قد فاز الم ؤ�منون بك ِّل مطلو ٍب ونالوا ك َّل‬
‫ما ُي�ضغ في الفم �شكل ًا لا قدراً‪ ،‬وخلقنا من الـ ُم�ضغة‬ ‫مرغو ٍب‪.‬‬
‫العظا َم ف أ�نبتنا على العظام لحم ًا‪ ،‬ثم أ�ن�ش أ�ناه بنفخ الروح‬
‫فيه خلق ًا جديداً مبا ِين ًا للخلق الأول‪ ،‬فتعالى أ�م ُر الله في‬ ‫‪ 2‬الذين هم في �صلاتهم خا�ضعون بالقلب �ساكنون‬
‫بالجوارح‪.‬‬
‫قدرته الباهرة وعل ِمه ال�شامل‪ ،‬وهو �أح�س ُن الخالقين‪.‬‬
‫‪ 3‬والذين هم ُمعر�ضون ع ّما لا ُيفيد ِمن الفعل‬
‫‪ 15‬ث ّم إ� ّنكم بعد ما ُذكر ِمن تما ِم الخل ِق لم ِّيتون بعد‬ ‫أ�و القول‪ ،‬م�شتغلون في جميع �أوقا ِتهم بما َيعنيهم وما‬
‫انق�ضاء آ�جالكم‪.‬‬
‫يق ِّربهم إ�لى مولاهم‪.‬‬
‫‪ 16‬ث ّم �إ ّنكم يو َم القيامة ُتبعثون ِم ْن قبوركم للح�ساب‬ ‫‪ 4‬والذين هم للزكاة م ؤ�دون‪.‬‬
‫والجزاء‪.‬‬
‫‪ 7 - 5‬والذين يتع َّففون عن الحرام في�صونون‬
‫‪ 17‬ولقد خلقنا فو َقكم �سبع �سماوات بع�ضه ّن فوق‬ ‫فروجهم‪� ،‬إلا عن زوجاتهم و�إمائهم ف إ�نهم غير ملومين‬
‫بع�ض‪ ،‬وما ك ّنا عن حفظهما من الزوال والاختلال‪،‬‬ ‫في �إتيانه ّن‪ ،‬ف َم ْن طلب ق�ضا َء �شهو ٍة من غير هذين‬
‫وحفظ �سائ ِر الخلق والقيا ِم على م�صالحهم غافلين‪ ،‬بل‬
‫ف�أولئك هم المتجاوزون إ�لى ما لا يح ُّل لهم‪.‬‬
‫حافظين لهم و ُمد ِّبرين‪.‬‬
‫‪ 8‬والذين يحفظون ما ي�ؤ َتنون عليه و ُيعا َهدون من‬
‫‪342‬‬ ‫ِجهة الله عز وج ّل‪� ،‬أو ِم ْن جهة الخلق‪.‬‬

‫‪ 9‬والذين هم يواظبون على �صلواتهم المفرو�ضة‬
‫وي ؤ�دونها في �أوقاتها‪.‬‬

‫‪ 11 10‬ه�ؤلاء الم�ؤمنون الجامعون لهذه ال�صفات‬
‫الكريم ِة ال�سابق ِة هم الم�ستح ّقون �أن يكونوا الوارثين‬
‫الذين يرثون خير منازل الجنة و�أعلاها لا يخرجون منها‬

‫ولا يموتون‪.‬‬

‫‪ 12‬ولقد ابتد ْأ�نا خل َق أ��ص ِل الإن�سان من ُخلا�ص ٍة ِم ْن‬
‫طين‪.‬‬

‫‪ 13‬ث ّم جعلنا َن�ْسله ِم ْن ُنطف ٍة مل َّقح ٍة في م�ست َق ٍّر‬
‫ح�صي ٍن‪ ،‬وهو الرحم‪.‬‬

‫‪ 14‬ثم �يَّصنا ال ُّنطف َة المل َّقح َة على هيئة َع َلق ٍة َتن َغر�س في‬

‫�أ�صوافها و أ�وبارها و�أ�شعارها‪ ،‬و ِم ْن لحومها ت�أكلون‪.‬‬ ‫‪ 18‬و أ�نزلنا من ال�سماء مطراً بتقدي ٍر َي�ْسلمون معه ِم ْن‬
‫َ�ضره و َي ِ�صلون إ�لى منفعته‪ ،‬فجعلناه ثابت ًا م�ست ِق ّراً في‬
‫‪ 22‬وعلى الأنعام في الب ِّر ‪ -‬خا�صة الإبل‪ -‬وعلى‬ ‫ا ألر�ض‪ ،‬و إ� ّنا على �إزالته با إلف�ساد والتغوير بحيث يتعذر‬
‫ال�ُّسفن في البحر ُتملون‪.‬‬
‫ا�ستخرا ُجه َلقا ِد ُرو َن؛ كما كنا قادرين على إ�نزاله‪.‬‬
‫‪ 23‬ولقد أ�ر�سلنا نوح ًا �إلى قومه يدعوهم إ�لى الطاعة‬
‫والتوحيد‪ ،‬فقال لهم‪ :‬يا قو ِم و ِّحدوا الله واخ�ضعوا له‬ ‫‪ 19‬ف�أن�ش�أنا لكم بالماء الذي �أنزلناه من ال�سماء ب�ساتين‬
‫بالطاعة‪ ،‬ما لكم معبو ٌد �سواه‪ ،‬أ�فلا تخافون عقوب َته‬ ‫ِم ْن نخي ٍل و�أعنا ٍب‪ ،‬وفواك َه ِم ْن أ�نواع �ش ّتى‪ .‬و ِم ْن زروع‬

‫بعبادتكم غيره؟‬ ‫هذه الب�ساتين وثمارها ت�أكلون �شتا ًء و�صيف ًا‪.‬‬

‫‪ 24‬فقال الذين كفروا ِمن �أ�شرا ِف قوم نو ٍح و�ساد ِتهم‬ ‫‪ 20‬و أ�ن�ش�أنا بذلك الماء �شجر ًة ‪ -‬هي �شجرة‬
‫لقومهم‪ :‬ما هذا �إ ّل ب�شرٌ مث ُلكم يريد أ�ن ي�صير له الف�ضل‬ ‫الزيتون‪ -‬تخرج ِم ْن �أر�ض ُطور �سيناء‪ ،‬ت�ستخل�صون‬
‫عليكم ب أ�ن يكون َم ْتبوع ًا و أ�نتم له َتب ٌع‪ ،‬ولو �شاء الله �أن لا‬
‫ُيعبد �سواه لأر�سل ملائك ًة بذلك‪ ،‬ما �سمعنا بهذا الذي‬ ‫من ثمرها ُدهن ًا و إ�دام ًا‪.‬‬
‫دعا �إليه نو ٌح من التوحيد في الأمم الما�ضية‪ .‬قالوا هذا‬
‫تع ُّجب ًا‪ ،‬و�أم ُرهم أ�عج ُب �إذ ر�ضوا با أللوهية والخ�ضوع‬ ‫‪ 21‬و�إ ّن لكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬في الإبل والبقر والغنم‬
‫لآي ًة تعتبرون بها‪ ،‬فتعرفون ِن َعم الله عليكم وقدر َته على‬
‫لل َح َجر‪ ،‬ولم ير�ضوا بنب َّوة الب�شر!‬ ‫ما ي�شاء‪ُ ،‬ن�سقيكم مما في بطونها لبن ًا خال�ص ًا نق ّي ًا �سائغ ًا‬
‫لل�شاربين‪ ،‬ولكم فيها ِ�سوى ا أللبان مناف ُع كثيرة‪ ،‬في‬
‫‪ 25‬ما نو ٌح �إ ّل رج ٌل به حالة جنو ٍن‪ ،‬انتظروا وا�صبروا‬
‫عليه إ�لى زما ٍن حتى ينجلي �أَ ْم ُر ُه‪ ،‬ف إ� ْن أ�فاق ِم ْن جنونه‬ ‫‪343‬‬

‫و�إلا قتلتموه‪.‬‬

‫‪ 26‬فل ّما ر أ�ى منهم ا إل�صرا َر على الكفر والتكذيب‬
‫و�أَ ِي�س من �إيمانهم قال‪ :‬ر ِّب ان�صرني عليهم و�أهلكهم‬

‫ب�سبب تكذيبهم‪� ‬إ ّياي‪.‬‬

‫‪ 27‬ف أ�وحينا إ�ليه‪� :‬أ ِن ا�صنع ال�سفين َة بحفظنا ورعايتنا‬
‫وب أ�مرنا وتعليمنا‪ ،‬ف إ�ذا حان وق ُت نزول العذاب بهم‬
‫حين يفور الماء من الت ُّنور‪ -‬وهو مو ِق ٌد أ�و ُفر ٌن مع َّي‪ ،‬وقد‬
‫جعل الله ذلك علامة له على ُقرب إ�هلاك قومه‪ -‬ف أ�د ِخ ْل‬
‫معك في ال�سفينة ِم ْن كل ِ�صن ٍف من الحيوان ذكراً و أ�نثى‪،‬‬
‫واح ِم ْل معك أ�هلك و أ�تباعك الم�ؤمنين �إلا َم ْن �سبق من‬
‫الله عليه القول بالهلاك من �أهلك‪ ،‬ولا ت�س�ألني نجا َة‬

‫الذين كفروا ف�إني ُ�أغرقهم جميع ًا‪.‬‬

‫‪ 28‬ف إ�ذا تم َّكن َت أ�نت و َم ْن معك على ال�سفينة‬
‫فقل‪ :‬الحمد لله الذي �أهل َك أ�عداءنا ونـ ّجانا ِم ْن‬

‫ه�ؤلاء القوم الظالمين‪.‬‬

‫‪ 29‬وقل إ�ذا �س ّلمك الله وي�ّس نزولك من الفلك‪ :‬ر ِّب‬
‫أ�نزلني إ�نزال ًا مبارك ًا و�أنت خي ُر َم ْن ُينزل عباده المنازل‪.‬‬

‫‪� 30‬إ ّن فيما َذ َكرنا ِمن أ�مر نوح وال�سفينة و إ�هلا ِك‬
‫الكفار لدلالا ٍت على قدرتنا‪ ،‬وما ك ّنا �إ ّل مخت ِبين العباد‬

‫ب إ�ر�سال الر�سل‪.‬‬

‫‪ 31‬ث ّم �أن�ش�أنا ِم ْن بعد قوم نو ٍح قوم ًا �آخرين هم عا ٌد‬
‫قو ُم هود‪� ،‬أو ثمو ُد قوم �صالح‪.‬‬

‫‪ 32‬ف�أر�سلنا إ�ليهم ر�سولنا يدعوهم �إلى طاعتنا‬
‫و إ�فرا ِدنا بالعبادة‪ ،‬ف أ�ن َذ َرهم قائل ًا‪ :‬أ�فلا تخافون عقا َب‬

‫الله بعبادتكم �شيئ ًا دونه؟‬

‫‪ 38‬وما هو إ�لا ُم ّد ٍع على الله في �إر�ساله إ� ّياه وفيما‬ ‫‪ 33‬وقال الأ�شرا ُف من قوم ذلك الر�سول الذين‬
‫َي ِعدنا من ال َب ْعث‪ ،‬وما نحن له بم�ص ِّدقين‪.‬‬ ‫جحدوا توحي َد الله وك ّذبوا بالـ َمعاد والح�ساب‪ ،‬وقد‬
‫كانوا من َّعمين في �سعة العي�ش‪ :‬ما هذا الر�سول إ�لا �إن�سا ٌن‬
‫‪ 39‬قال نب ُّيهم ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬مت�ض ِّرع ًا �إلى الله‪ ،‬بعد‬ ‫مث ُلكم ي أ�كل مما ت أ�كلون منه وي�شرب مما ت�شربون منه‪،‬‬
‫ما �سلك في دعوتهم ك َّل َم�س َل ٍك‪ :‬ر ِّب ان�صرني عليهم‬
‫وانتق ْم لي منهم ب�سبب تكذيبهم و إ��صرارهم على الكفر‪.‬‬ ‫ف ِم ْن �أين ي ّدعي ر�سال َة الله ِم ْن بينكم وهو مثلكم؟!‬

‫‪ 40‬قال تعالى �إجاب ًة لدعائه‪ :‬ع ّما قلي ٍل من الزمان‬ ‫‪ 34‬وقالوا‪ :‬لئن �أطعتم ب�شراً مثلكم‪ ،‬فاتبعتموه و َق ِبلتم‬
‫ل ُي�ص ِبح َّن نادمين على التكذيب وذلك عند ُمعاينتهم‬ ‫ما يقول و�ص ّدقتموه �إنكم �إ َذ ْن لقو ٌم ُجهلا ُء َم ْغبونون‪.‬‬

‫العذا َب‪.‬‬ ‫‪ 35‬أ�ي ِعدكم �أنكم ُمخ َرجون بالبعث �إذا م ُّتم وكنتم‬
‫تراب ًا وعظام ًا؟‬
‫‪ 41‬فانتقمنا منهم ف أ�ر�سلنا عليهم �صيح َة العذاب‬
‫ف أ�خ َذتهم با�ستحقاقهم للعذاب‪ ،‬فجعلناهم كال�شيء‬ ‫‪َ 36‬بعي ٌد َبعي ٌد هذا الذي تو َعدونه من ا إلخراج من‬
‫البالي الذي لا منفع َة فيه‪ ،‬فهلاك ًا للقوم الظالمين و ُب ْعداً‬ ‫القبور بعد موتكم وفنائكم‪.‬‬

‫لهم من ك ّل رحمة‪.‬‬ ‫‪ 37‬لا حيا َة �إ ّل هذه الحياة‪ ،‬يموت بع ُ�ضنا ويو َلد بع� ٌض‪،‬‬
‫وما نحن بمبعوثين بعد الموت‪.‬‬
‫‪ 42‬ث ّم �أحدثنا ِم ْن بعد هلا ِك ه�ؤلاء �أقوام ًا آ�خرين‪.‬‬

‫‪344‬‬

‫‪ 48‬فك ّذبوهما فكانوا من الـ ُمه َلكين بالغرق‪.‬‬ ‫‪ 43‬ما َتهلك أ� ّم ٌة قبل الوقت الذي ُح ِّدد إلنزال‬
‫العذاب بها‪ ،‬وما تت�أ ّخر عنه‪.‬‬
‫‪ 49‬ولقد �آتينا مو�سى التوراة ليهتدي بها قو ُمه‬
‫بنو �إ�سرائيل ويعملوا ب�شرائعها ومواعظها‪.‬‬ ‫‪ 44‬ث ّم �أر�سلنا ُر�ُسلنا متتاب ِعين‪ ،‬ك َّلما بعثنا ر�سول ًا �إلى‬
‫قومه ك ّذبه قومه و�س ِخروا منه‪ ،‬ف�أهلكنا بع�ضهم في‬
‫‪ 50‬ولقد جعلنا اب َن مريم و�أ َّمه ُح ّج ًة على قدرتنا على‬ ‫�إ ْثر بع�ٍض‪ ،‬وجعلناهم ِق�ص�ص ًا يتح ّدث النا�س بما جرى‬
‫الخلق وا إلن�شاء‪ ،‬و أ��سك ّناهما أ�ر�ض ًا مرتفع ًة ذا َت ثما ٍر‬ ‫عليهم‪ ،‬ف ُ�سحق ًا لقو ٍم لا ي ؤ�منون بالله ولا ي�صدقون ُر�سله‪.‬‬

‫و�أ�شجا ٍر ومياه جاري ٍة على ظهرها‪.‬‬ ‫‪ 45‬ث ّم �أر�سلنا بعد ال ُّر�ُسل الذين ُو ِ�ص َف حا ُلهم‬
‫مو�سى و أ�خاه هارون ب آ�ياتنا الت�سع و ُح ّج ٍة ظاهر ٍة‬
‫‪ 51‬يا �أيها ال ُّر�سل ُكلوا من الحلال الط ّيب‪ ،‬واعملوا‬
‫ب�أمري ونهيي‪� ،‬إني علي ٌم ب�أعمالكم و ُمازيكم بها‪.‬‬ ‫ُمل ِزم ٍة‪ ‬لل َخ�صم‪.‬‬

‫‪ 52‬واعلموا ‪� -‬أيها الر�سل‪� -‬أنكم على اختلاف‬ ‫‪� 46‬إلى فرعون و�أ�شراف قومه فامتنعوا عن قبول‬
‫أ�جنا�سكم و أ�ل�سنتكم وتبا ُي ِن �أزمن ِتكم جماع ٌة واحدة‬ ‫ا إليمان تر ُّفع ًا وكبراً‪ ،‬وكانوا قوم ًا م�ستكبرين قاهرين‬
‫َتدين لربها بدي ٍن واحد هو الإ�سلام‪ ،‬ف أ�طيعوا أ�مري‬
‫غي َرهم بالظلم‪.‬‬
‫وخافوا عقابي‪.‬‬
‫‪ 47‬فقالوا‪ :‬أ�ن�ؤ ِمن لب�ش َرين مث ِلنا فن ّتبعهما وقو ُمهما من‬
‫‪ 53‬فتف ّر َق �أتبا ُع ال ّر�سل وتح َّزبوا �أحزاب ًا وجعلوا‬ ‫بني إ��سرائيل لنا خادمون منقادون‪.‬‬
‫دينهم �أديان ًا‪ ،‬ك ُّل فرق ٍة من ِفرق ه�ؤلاء المختل ِفين بما‬
‫لديهم ِمن الر أ�ي وال ّزع ِم الباطل م�سرورون َيح�سبون‬ ‫‪345‬‬

‫�أنهم على الح ّق‪.‬‬

‫‪ 54‬ف َد ْع ‪ -‬يا محم ُد‪ -‬ه ؤ�لاء المخت ِل ِفين في �ضلالتهم‬
‫وغ ّيهم �إلى ا ألجل الـ ُمع ّي إلنزال العذاب بهم‪.‬‬

‫‪ 56 55‬هل يظ ُّن ه ؤ�لاء المف ِّرقون دي َنهم أ� ّن ما‬
‫نعطيهم من ما ٍل وبنين في الدنيا‪ ،‬ن�سارع به لهم فيما‬
‫فيه خي ُرهم و�إكرا ُمهم؟! بل لا ي�شعرون أ� ّن ذلك �إنما هو‬

‫�إملا ٌء وا�س ِتدرا ٌج لهم‪.‬‬

‫‪ 58 57‬إ� ّن الذين هم ِم ْن َخوف عذاب ربهم‬
‫ح ِذرون‪ ،‬والذين هم ب آ�يات ربهم المن�صوب ِة في الكون‬

‫والمن َّزل ِة‪ ‬م�ص ِّدقون‪.‬‬

‫‪ 59‬والذين ُيخل�صون لربهم عباد َتهم‪ ،‬فلا يجعلون له‬
‫فيها �ِشك ًا‪ ،‬ولا ُيرا ؤ�ون بها �أحداً ِمن خلقه‪.‬‬

‫‪ 60‬والذين ُيع ُطون ما َ�أعطوه من ال�صدقات ويعملون‬
‫ما عملوا من �أعمال البر وقلو ُبهم خائف ٌة أ� ّل يقع إ�نفا ُقهم‬
‫و ِب ُّرهم على ال َو ْج ِه الذي ُيقبل منهم وينجيهم من عذاب‬

‫الله؛ إ�ذ َم ْرجعهم إ�ليه وهو يعلم ما َيخفى عليهم‪.‬‬

‫‪ 61‬ه�ؤلاء الذين هذه �صفاتهم يبادرون في الأعمال‬
‫ال�صالحة ويطلبون ال ُّزلفة عند الله بطاعته‪ ،‬وقد �سب َق ْت‬

‫لهم من الله ال�سعاد ُة في ا ألَ َز ِل‪.‬‬

‫‪ 62‬ولا نك ِّلف نف�س ًا �إلا ما ي�سع قدرتها على العمل‬
‫وي�ص ُلح لها من العبادة‪ ،‬وعندنا كتا ٌب ُيح�صي على‬
‫الخلق أ�عمالهم ويب ِّي ال�صد َق‪ ،‬فهم لا ُيظلمون بنق�ص‬

‫ثوا ٍب �أو زيادة عقا ٍب‪.‬‬

‫أ� ّن‬ ‫َيح�سب ه ؤ�لاء الم�شركون ِم ْن‬ ‫كما‬ ‫الأم ُر‬ ‫‪ 63‬ما‬
‫ِم ّنا‬ ‫وبنين لخي ٍر َن�سوقه �إليهم ر�ض ًا‬ ‫ما ٍل‬ ‫به ِم ْن‬ ‫ما ُندهم‬

‫عنهم‪ ،‬ولكن قلوبهم في غفلة �شديدة عن َفهم ِع َب‬
‫القر�آن و ُحججه‪ ،‬ولهم أ�عما ٌل �سيئ ٌة كثير ٌة دون ما هم‬
‫عليه من الكفر هم م�ستمرون عليها‪ ،‬معتادون ِفعلها‪.‬‬

‫يخالف‪� ‬أهواءهم‪.‬‬ ‫‪ 65 64‬حتى إ�ذا �أخذنا �أه َل النعمة وال َب َطر منهم‬
‫بالعذاب �صرخوا وا�ستغاثوا مما ح ّل بهم‪ .‬يقال لهم‪:‬‬
‫‪ 71‬ولو كان ا ألم ُر على ما تقت�ضيه أ�هوا�ؤهم ِمن ال�شرك‬ ‫ال‪ ‬ت�ستغيثوا ف ُ�صا ُخكم غي ُر ناف ِعكم‪� ،‬إنكم من عذابنا‬
‫بالله واتباع الباطل لف�سدت ال�سماوا ُت والأر�ض‪ ،‬بل‬ ‫الذي ح ّل بكم لا ُت�ستنقذون ولا يخ ِّل�صكم منه �شيء‪.‬‬
‫أ�تيناهم بالكتاب الذي هو ِذ ْك ُرهم ‪� -‬أي و ْع ُظهم أ�و‬
‫‪ 67 66‬قد كانت �آيا ُت كتابي ُتقر�أ عليكم فتك ِّذبون‬
‫�شر ُفهم‪ -‬فهم لا يلتفتون �إليه‪.‬‬ ‫بها‪ ،‬و ُتد ِبرون مولّين عنها كراه َة �سماعها‪ .‬مك ِّذبين‬
‫‪ 73 72‬ل�س َت ت�س أ� ُلهم ‪ -‬يا محمد‪ -‬أ�جراً فيثقل‬ ‫تتحدثون ليل ًا بال�س ّيئ من القول في القر آ�ن‪ ،‬و ُتع ِر�ضون‬
‫عليهم اتبا ُعك‪ ،‬ف إ�ن ِر ْز َق ربك ‪ -‬من النبوة والقر�آن‪-‬‬
‫الذي �آتاك إ�ياه خير من عطاء ه�ؤلاء و أ�موالهم‪ ،‬ف أ�نت في‬ ‫عنه و َت ْهذون فيه‪.‬‬
‫غنى عنهم بما �أعطاك الله‪ ،‬وهو أ�ف�ضل المع ِطين‪ .‬و�إنك‬ ‫‪� 68‬أفل ْم يتد ّبر ه ؤ�لاء الم�شركون كتا َب الله فيتعلموا‬
‫‪ -‬يا محم ُد‪َ -‬لتدعو ه ؤ�لاء الم�شركين من قومك �إلى دين‬ ‫ما فيه من ال ِع َب‪ ،‬أ�م جاءهم أ�م ٌر لم ي�أ ِت �أ�سلا َفهم‬
‫ا إل�سلام‪ ،‬الذي َت�شهد العقو ُل ال�سليمة على ا�ستقامته‪،‬‬
‫لي�س فيه �شائب ُة اعوجا ٍج ُتو ِجب اتها َمهم لك بوج ٍه من‬ ‫ف�أع َر�ضوا‪ ‬عنه؟‬
‫‪َ 69‬أ� ْم لم يعرف ه�ؤلاء المك ِّذبون ر�سولهم محمداً‬
‫الوجوه‪.‬‬ ‫بال�صدق وا ألمانة ف أ�نكروا قو َله؟ ك ّل‪� ،‬إنهم ليعرفون‬

‫‪ 74‬و�إ ّن الذين لا ي�ص ِّدقون بالبعث بعد الممات‪ ،‬وقيا ِم‬ ‫�صد َقه‪ ‬و�أمانته‪.‬‬
‫ال�ساعة ومجازا ِة الله عبا َده في الدار ا آلخرة عن �سبيل‬
‫‪�َ 70‬أ ْم يقولون‪ :‬بمحم ٍد جنو ٌن! فلا ُيبالون بقوله؟‬
‫الح ّق‪ ‬حائدون‪.‬‬ ‫ك ّل‪ ،‬بل جاءهم بالح ّق‪ ،‬و أ�كثرهم له كارهون لأنه‬

‫‪346‬‬

‫ُت�شرون ِم ْن بعد َماتكم‪ ،‬يو َم ُتبعثون ِم ْن قبوركم �إلى‬
‫موقف الح�ساب‪.‬‬

‫‪ 80‬وهو الذي بيده �أم ُر الحياة والموت و�إليه يرجع‬ ‫‪ 75‬ولو ر ِح ْمنا ه�ؤلاء الذين لا ي�ؤمنون بالآخرة‪،‬‬
‫َتعا ُق ُب الليل والنهار وتبا ُينهما ُطول ًا و ِق�صراً ونوراً‬ ‫ورفعنا ما �أ�صابهم من جو ٍع و َقح ٍط وم�صائب َلتمادوا‬
‫وظلمة لا ي�شاركه في ذلك أ�حد‪� ،‬أفلا تعقلون ‪� -‬أيها‬
‫النا�س‪ -‬أ� ّن الذي فعل هذه ا ألفعال ابتدا ًء ِم ْن غير أ��ص ٍل‬ ‫في �ضلالتهم يتر َّددون‪.‬‬

‫لا يمتنع عليه إ�حيا ُء ا ألموات بعد فنائهم؟‬ ‫‪ 77 76‬ولقد �أنزلنا ب ْأ��َسنا و�سخطنا على ه ؤ�لاء‬
‫الم�شركين‪ ،‬و�َأ ْج َدبنا بلا َدهم وابتليناهم با ألمرا�ض‬
‫‪ 83 - 81‬بل قال كفار مكة ِم ْث َل ما قال �آبا�ؤهم‬ ‫والم�صائب‪ ،‬فما خ�ضعوا لربهم وما يتذ ّللون له‪ ،‬حتى إ�ذا‬
‫و َم ْن دان بدينهم‪ .‬قالوا‪ :‬أ��إذا متنا وبلي ْت �أج�سا ُمنا �أ إ�نا‬ ‫فتحنا على ه ؤ�لاء الجاحدين المتعالين في ا آلخرة باب ًا ذا‬
‫لمبعوثون ِم ْن قبورنا �أحيا ًء ك َهيئتنا قبل الممات؟ �إ ّن هذا‬ ‫عذاب �شديد‪ ،‬فحينئ ٍذ يخ�ضعون وي�ست�سلمون ويي�أ�سون‬
‫ل�شي ٌء غي ُر كائن‪ .‬لقد ُوعدنا هذا الذي ت ِعدنا يا محمد‪،‬‬ ‫من ك ّل خير‪ .‬وفي هذا وعي ٌد لهم وتحذير ِم ْن �أن ي�ستمروا‬
‫و ُو ِعده آ�با ؤ�نا ِم ْن قبل‪ .‬ما هذا إ�لا �أكاذي ُب ا ألولين التي‬
‫على ما هم‪ ‬عليه‪.‬‬
‫�َسطروها‪.‬‬
‫‪ 78‬واللهُ الذي خلق لكم ال�سمع وا ألب�صار وا ألفئدة‬
‫‪ 84‬قل ‪ -‬يا محمد‪ -‬له ؤ�لاء المك ِّذبين با آلخرة ِم ْن‬ ‫لت�شاهدوا بها عجائ َب م�صنوعاته‪ ،‬ولتتفكروا بها في‬
‫قومك‪ِ :‬لـ َمن ُملك الأر�ض و َم ْن فيها ِمن الخلق �إ ْن كنتم‬
‫عظيم �آياته‪ ،‬ولك َّن �شكركم على هذه النعم قليل‪.‬‬
‫تعلمون؟‬
‫‪ 79‬وهو الذي خلقكم و َن�َشكم في ا ألر�ض‪ ،‬و إ�ليه‬
‫‪� 85‬سيقولون‪ :‬لله‪ ،‬لأ ّن العقل ال�صري َح قد ا�ضطرهم‬
‫ب�أدنى َنظ ٍر إ�لى ا إلقرار ب�أنه خالقها‪ ،‬قل لهم �إ َذ ْن‪:‬‬
‫�أفلا‪ ‬تذ ّكرون فتعلمون �أ ّن َم ْن َق َدر على خلق ذلك ابتدا ًء‬

‫هو قاد ٌر على �إعادته بعد فنائه؟‬

‫‪ 87 86‬قل لهم ‪ -‬يا محمد‪َ :-‬من ر ُّب ال�سماوات‬
‫ال�سب ِع ور ُّب العر�ش العظيم؟ �سيقولون‪ :‬ذلك كله لله‪،‬‬
‫وهو ر ُّبه‪ ،‬فقل لهم‪� :‬أفلا تتقون عقابه على كفركم به‬

‫وتكذيبكم َخ َبه و َخبر ر�سوله؟‬

‫‪ 88‬قل ‪ -‬يا محمد‪َ :-‬م ْن بيده خزائ ُن ك ِّل �شيء؟ وهو‬
‫َيحمي َم ْن ي�شاء ولي�س ألحد أ� ْن يمنع �أحداً من عذابه‪ ،‬إ� ْن‬

‫كان عندكم ِع ْل ٌم بمن يفعل هذا غير الله ف�أجيبوا‪.‬‬

‫‪� 89‬سيقولون‪ :‬لله ملكو ُت ك ِّل �شيء‪ ،‬قل‪� :‬إ َذ ْن فكيف‬
‫ُتخ َدعون و ُت�ص َرفون عن ال ُّر�شد وعن توحيد الله وطاعته؟‬

‫‪347‬‬

‫فيه‪ .‬ك ّل‪ ،‬لا رجوع �أ�صل ًا‪ ،‬و إ�ن تلك الكلمة التي يقولها‬ ‫‪ 90‬لي�س الأم ُر كما يز ُعم ه�ؤلاء الم�شركون ِم ْن �أ ّن‬
‫كلم ٌة لا فائدة منها‪ ،‬فالمو ُت حائ ٌل بينهم وبين ال َّرجعة‪،‬‬ ‫الملائك َة بنا ُت الله و�أ ّن ا آللهة وا أل�صنام �آله ٌة دون‪ ‬الله‪،‬‬
‫و�سيبقى هذا الحائل مانع ًا لهم من الرجوع �إلى الدنيا إ�لى‬ ‫بل أ�تيناهم بالحق ِمن التوحيد وال َو ْعد بالبعث‪ ،‬و�إنهم‬

‫يوم ُيبعثون من قبورهم يوم القيامة‪.‬‬ ‫لكاذبون فيما ين�ُسبون لله من ال�شركاء‪ ‬وا ألولاد‪.‬‬
‫‪ 101‬ف�إذا ُنفخ في ال ُّ�صور للبعث تنقطع يومئ ٍذ ال�شفق ُة‬ ‫‪ 91‬ما اتخذ الله ِم ْن ول ٍد‪ ،‬وما كان معه في الأَ َزل ولا‬
‫والمودة التي بين ا ألقارب‪ ،‬ولا َي�س أ� ُل بع ُ�ضهم بع�ض ًا‬ ‫حين ابتدع ا أل�شياء َمن َت�ص ُلح عبادته‪ ،‬ولو كان معه �آلهة‬
‫كما يزعمون لانفرد ك ُّل واح ٍد منهم بما خلق ليتميز‬
‫لا�شتغال ك ِّل واح ٍد بنف�سه‪.‬‬ ‫ُم ْل ُكه‪ ،‬ووقع بينهم التغال ُب والتحار ُب‪ ،‬تن ّزه الله ع ّما‬

‫‪ 102‬ف َمن َث ُقلت موازينه بالح�سنات ف أ�ولئك هم‬ ‫ي�صفه به الم�شركون‪.‬‬
‫الفائزون‪.‬‬
‫‪ِ 92‬ع ْلمه تعالى محي ٌط بكل �شيء‪ ،‬يعلم ما‪ ‬يغيب عن‬
‫‪ 104 103‬و َم ْن خ َّفت موازي ُن ح�سناته فر َجح ْت بها‬ ‫خلقه وما يظهر‪ ،‬فتن َّزه الله ع ّما ي�شركون‪.‬‬
‫موازي ُن �سيئاته‪ ،‬ف أ�ولئك الذين َغبنوا أ�نف�سهم وباعوها‬
‫لل�شيطان في نار جهنم خالدون‪َ .‬ي ْلفح وجو َههم ل َه ُب‬ ‫‪ 94 93‬قل ‪ -‬يا محمد‪ :-‬ر ِّب إ� ْن ُت ِرني في ه�ؤلاء‬
‫النار‪ ،‬وهم فيها كالحون‪ ،‬أ�ي ُمتق ِّل�صة �شفاههم لـ ّما‬ ‫الم�شركين ما َت ِعدهم من عذابك فلا ُتهلكني بما تهلكهم‬
‫به‪ ،‬ون ِّجني ِم ْن عذابك و�َس َخطك وال‪ ‬تجعلني في‬
‫احترق ْت حتى ك�شفت ا أل�سنان‪.‬‬
‫القوم‪ ‬الم�شركين‪.‬‬
‫‪348‬‬
‫‪ 95‬و�إ ّنا ‪ -‬يا محم ُد‪ -‬على أ� ْن نريك في ه�ؤلاء‬
‫الم�شركين ما َن ِعدهم من العذاب لقادرون‪ ،‬فلا ُيحزن ّنك‬
‫تكذي ُبهم إ� ّياك بما َنعدهم به‪� ،‬إنما ن�ؤ ِّخر ذلك ليب ُل َغ الكتاب‬

‫�أج َله‪.‬‬

‫‪ 96‬ادفع الـ َخ�صل َة ال�سيئ َة بالـ َخ�صلة التي هي �أح�سن؛‬
‫وهو ال�صفح عنها والإح�سان في مقابلتها‪ ،‬نحن �أعلم بما‬
‫ي�صفوننا به من ا ألكاذيب وما يقولون في َك من ال�سوء‪،‬‬

‫ونحن ُمازوهم على جميع ذلك‪.‬‬

‫‪ 98 97‬وقل ‪ -‬يا محم ُد‪ :-‬ر ِّب �أ�ستجير ب َك في‬
‫حال الغ�ضب ِم ْن نزغات ال�شياطين وو�سو�س ِتهم‪،‬‬

‫و�َأ�ستجير بك ر ِّب أ�ن يح ُ�ضوني في �أموري ك ِّلها‪.‬‬

‫‪ 100 99‬حتى �إذا جاء أ�ح َد ه�ؤلاء الم�شركين المو ُت‪،‬‬
‫قال لعظيم ما يرى‪ ،‬ندم ًا على ما فات‪ :‬ر ِّب ُر ّدوني �إلى‬
‫الدنيا َكي �أعمل �صالح ًا فيما �ض َّيع ُت من العمل وف ّرط ُت‬

‫‪ 110‬فاتخذتموهم ُهز ؤ�اً حتى �أن�ساكم الان�شغا ُل‬ ‫‪ 105‬يقال لهم وهم في النار ت أ�نيب ًا لهم‪ :‬أ�لم تكن‬
‫بالا�ستهزاء بهم ِذكري‪ ،‬وكنتم منهم ت�ضحكون‪.‬‬ ‫آ�يا ُت القر آ�ن تتلى عليكم فكنتم بها تك ّذبون‪ ،‬فذوقوا‬

‫‪ 111‬إ�ني جزي ُت ه ؤ�لاء الم ؤ�منين اليوم على طاعتهم‬ ‫و َبا َل‪ ‬تكذي ِبكم‪.‬‬
‫لي و�صب ِرهم على �أذاكم أ�نهم هم الفائزون بكل‬
‫‪ 106‬قالوا‪ :‬ر َّبنا َغ َلب علينا الهوى واتبا ُع ال�شهوات‬
‫مطلو ٍب‪ ‬دونكم‪.‬‬ ‫و�شقينا بما �أتينا ِم ْن قبيح ا ألفعال‪ ،‬وك ّنا قوم ًا حائدين عن‬

‫‪ 113 112‬قال الله له ؤ�لاء ا أل�شقياء وهم في النار‪ :‬ك ْم‬ ‫الحق و�سبيل الر�شاد‪.‬‬
‫َل ِبثتم في الدنيا ِم ْن عدد �سنين؟ قالوا م�ستق�صرين م ّد َة‬
‫ُلبثهم‪ :‬ل ِب ْثنا فيها يوم ًا �أو بع�ض يو ٍم فا�س أ� ْل َم ْن يقدر على‬ ‫‪ 107‬ر َّبنا َ�أخر ْجنا من النار‪ ،‬ف�إ ْن ُعدنا لما تكره م ّنا ِم ْن‬
‫عم ٍل ف�إ ّنا ظالمون‪.‬‬
‫ع ِّد ذلك‪.‬‬
‫‪ 108‬ث ّم ُيجيبهم الح ُّق �سبحانه‪ :‬ا�ْس ُكتوا في النار‬
‫‪ 114‬قال الله لهم‪ :‬ما لبثتم في ا ألر�ض �إلا قليل ًا ي�سيراً‪،‬‬ ‫�سكو َت ذ ٍّل وهوا ٍن‪ ،‬ولا ُتكلموني في ر ْف ِع‪ ‬العذاب‪.‬‬
‫لو كان عندكم �شيء ِم ْن علم ألدركتم �أنكم راجعون‬
‫�إلينا لحيا ٍة �أخرى غير تلك الحياة الق�صيرة‪ ،‬فعمل ُتم لما‬ ‫‪� 109‬إ ّنه كانت جماع ٌة من عبادي ‪ -‬وهم �أهل الإيمان‬
‫ُي�صلحكم فيها‪ ،‬ولك َّنكم �أعر�ضتم عن الهدى والتد ّبر‪،‬‬ ‫بالله‪ -‬يقولون في الدنيا‪ :‬ر ّبنا آ�م ّنا ب َك وب ُر�سلك وما‬
‫جا ؤ�وا به ِمن عندك‪ ،‬فاغف ْر لنا ذنوبنا وارحمنا‪ ،‬و�أنت‬
‫ال‪ ‬تريدون‪ ‬ر�شاداً‪.‬‬
‫خي ُر الراحمين‪.‬‬
‫‪� 115‬أفح�سبتم �أيها ا أل�شقياء أ�نما خلقناكم ل ِعب ًا وباطل ًا‪،‬‬
‫و أ�نكم �إلى ربكم بعد مماتكم لا ُترجعون‪ ،‬ف ُتجزون بما‬ ‫‪349‬‬

‫كنتم تعملون؟!‬

‫‪ 116‬فتعالى اللهُالمل ُك الح ُّق وتق َّد�س ع ّما لا يليق بجلاله‬
‫وكماله‪ ،‬لا معبو َد بح ٍّق �سواه‪ ،‬وهو ر ُّب العر�ش الكريم‪.‬‬

‫‪ 117‬و َم ْن يعب ْد مع الله معبوداً �آخر لا ُح ّج َة له به ولا‬
‫دليل ف إ�نما ح�سا ُب عمله ال�س ِّيئ عند ربه‪ ،‬وهو ُمو ّفيه‬
‫جزا َءه �إذا قدم عليه‪� ،‬إ ّن الكافرين لا فلا َح لهم ولا نجاح‪.‬‬

‫‪ 118‬وقل ‪ -‬يا محم ُد‪ :-‬ر ِّب ا�ستر الذنو َب بعفوك‬
‫عنها‪ ،‬وارحم بقبول التوبة وتر ِك َك العقاب‪ ،‬و أ�ن َت‬
‫يا ر ِّب خي ُر َمن َر ِحم ذا ذن ٍب فق ِبل توبته ولم يعاقبه على‬

‫ذنبه‪.‬‬

‫‪ 7 6‬و�أ ّما الرجال الذين ي ّتهمون زوجاتهم بالزنا‬ ‫‪ 1‬هذه ال�سورة ذا ُت �ش أ� ٍن عظيم أ�نزلناها عليك‬
‫ولي�س لديهم أ�ح ٌد ي�شهد ب�صدقهم �إلا أ�نف�سهم فالواج ُب‬ ‫‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬وفر ْ�ضنا أ�حكا َمها على �ُأ ّمتك ِلـ ِحفظهم‬
‫على الزوج �أن يقول أ�ربع مرات‪ :‬أَ��شه ُد بالله إ�ني ل�صادق‬ ‫من أ��ضرار الأعما ِل المخالف ِة ِلـ َما فيها‪ ،‬و�أنزلنا فيها دلائ َل‬
‫في ا ّدعائي أ�نها قد زنت‪ .‬ويقول بعد الرابعة‪ :‬إ� ّن لعن َة‬ ‫وا�ضحا ٍت على أ�حكامها لتتذ ّكروها وتعملوا بها عند‬
‫الله عليه ‪ -‬يعني الطرد من رحمة‪ ‬الله ‪ -‬إ� ْن كان كاذب ًا‪،‬‬
‫الحاجة إ�ليها‪.‬‬
‫وبذلك يدفع عنه ح َّد القذف‪.‬‬
‫‪َ 2‬م ْن فعلت ال ّزنا و َمن َف َعله إ�ذا لم َي�سب ْق لهما نكا ٌح‬
‫‪ 9 8‬ويدفع عنها عذا َب ال َّر ْجم ‪ -‬بعد �شهادة‬ ‫�صحيح فاجلدوا ك َّل واحد منهما مئة جلدة م�ؤلمة لا‬
‫الزوج‪ -‬أ�ن تقول أ�ربع مرات‪َ� :‬أ�شهد بالله �إنه لمن‬
‫الكاذبين في اتهامي بالزنا‪ .‬وتقول بعد ا ألربع‪ :‬إ� َّن‬ ‫ت�ش ُّق جلداً ولا تقطع لحم ًا‪ ،‬ولا َتغلبكم ال�شفق ُة عليهما‬
‫و َتملكم على أ�ن تتركوا عقوبتهما التي وجب ْت عليهما‬
‫غ�ضب الله عليها إ� ْن كان �صادق ًا في اتهامها‪.‬‬ ‫في دين الله أ�و ُتخ ِّففوا منها إ� ْن كنتم ت�ؤمنون بالله‬
‫و ِحكمته فيما حكم وبيوم القيامة الذي يعاقب فيه َم ْن‬
‫‪ 10‬ولولا أ� ّن الله يمنحكم ف�ض َله ويرحمكم ويتوب‬ ‫�أهمل حك َم الله‪ ،‬وليح�ضر ذلك الـ َجل َد جماع ٌة من �أهل‬
‫عليكم إ�ذا أ�ذنبتم و أ�نه حكي ٌم ي�شرع لكم من ا ألحكام‬
‫ما يحفظكم به ِمن الح َرج وال�شدا ِئد‪ ،‬لولا ذلك لنالتكم‬ ‫الإيمان ليكون الزج ُر ب إ�يلام الج�سم والنف�س مع ًا‪.‬‬
‫الم�صائ ُب والم�ش ّقات التي تفوق طاق َتكم ولم تهتدوا �إلى‬
‫‪َ 3‬م ْن كان �َش�أنه الزنا فهو لا يتزوج إ�لا امر أ� ًة �َش�أنها‬
‫�أ�سباب الخلا�ص منها‪.‬‬ ‫الزنا أ�و م�شرك ًة‪ ،‬و َم ْن كانت كذلك ف�إنه لا ينكحها إ�لا‬
‫الزناة أ�و الم�شركون‪ ،‬فهذا �ش�أنهم القبيح‪ ،‬ك ٌّل ينجذب‬
‫‪350‬‬
‫لمثله‪ ،‬و ُح ِّرم ذلك الزواج على الم�ؤمنين إ�لا إ�ذا ظهر ْت‬
‫توبة الزاني والم�شرك والزانية والم�شركة‪.‬‬

‫‪ 4‬والذين ي َّتهمون العفيفا ِت أ�و العفيفين بالزنا �سواء‬
‫كان َمن اتهمهما رجل ًا أ�و امر أ�ة دون أ�ن ي أ�توا ب�أربعة‬
‫�شهود ُعدول ر أ�َوا الفع َل ِعيان ًا فاجلدوهم ‪ -‬جلداً م�ؤلم ًا‬
‫لا يجرح ولا يقطع‪ -‬ثمانين جلدة‪ ،‬ولا تقبلوا �شهادتهم‬
‫في �شيء ُطول حياتهم زياد ًة في الزجر‪ ،‬و أ�ولئك هم‬

‫الخارجون عن طاعة الله المجاوزون حدوده‪.‬‬

‫‪ 5‬هذا هو ُحكم القذ ِف‪ ،‬والذين تابوا ِم ْن هذه‬
‫الجريمة وظهر �صلا ُحهم بعد ذلك الف�ساد‪ ،‬ف إ� ّن الله‬
‫يغفر لهم بعفوه ووا�س ِع رحمته‪ .‬و ُتقبل ‪ -‬عند جمهور‬

‫العلماء‪� -‬شهادتهم‪.‬‬

‫‪ 14‬ولولا ف�ض ُل الله عليكم ورحمته في الدنيا ب�أنواع‬ ‫‪� 11‬إ ّن الذين جا ؤ�وا بافترا ِء الفاح�ش ِة على زوج نب ِّيكم‬
‫النعم وبالتوبة‪ ،‬وفي الآخرة بالمغفرة والعفو لم�َّستكم‬ ‫جماع ٌة منكم‪ ،‬لا تظ ّنوا ذلك �ش ّراً خال�ص ًا لكم‪ ،‬بل هو‬
‫العقوب ُة العظيمة ب�سبب َخو�ضكم في الإفك الذي ي�ض ُّر‬ ‫مع ما فيه من الأذى خي ٌر لكم ِلـ َما فيه ِمن ا ألجر لمن‬
‫�أُوذي‪ ،‬و ِلـ َما فيه ِم ْن ِرفعة ال َقدر ودفا ِع الله عنهم‪.‬‬
‫�إخوانكم الم�ؤمنين‪.‬‬ ‫�أ ّما الذين افتروه فلك ٍّل منهم من الإثم بق ْدر ن�صيبه في‬
‫الخو�ض والم�شاركة في �إذاعة هذه التهمة ون�شرها‪ ،‬ف�إ ْن‬
‫‪ 16 15‬وذلك ألنكم كنتم تتل َقونه ممن افتراه‬ ‫كان م ؤ�من ًا ُج ِل َد و ُر َّدت �شهادته‪ ،‬والذي �أتى ‪ِ -‬نفاق ًا‪-‬‬
‫ب�أل�سنتكم دون تح ُّقق‪ ،‬وتقولون ب أ�فواهكم كلام ًا لا‬
‫َي ْ�صدر عن ِح ْك َم ٍة و َر ِو َّية‪ ،‬وتظنون أ� ّن ذلك القول لا‬ ‫ب�أكبر ح ٍّظ منه له في ا آلخرة عذا ٌب‪ ‬عظي ٌم‪.‬‬
‫م�ؤاخذ َة فيه‪ ،‬والواق ُع �أنه في ُحكم الله عظيم جداً‪ .‬ه ّل‬
‫قلتم ‪ -‬أ�يها الم ؤ�منون‪ -‬حين �سمعتم هذا الإفك‪ :‬ما ينبغي‬ ‫‪ 12‬ه ّل ِق�ْستم ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪ -‬ا ألم َر على أ�نف�سكم‬
‫لنا أ�ن نتكلم بهذا ا إلفك و ُننزهك يا ربنا عن �أن تق�ضي‬ ‫وظننتم ب�إخوانكم و أ�خواتكم البراء َة ِمن الافتراء و ُقلتم‬

‫بوقوع هذا ِم ْن زوج نب ِّيك‪ ،‬هذا افترا ٌء عظي ٌم جداً‪.‬‬ ‫عند �سماع التهمة‪ :‬هذا افترا ٌء وا�ضح‪.‬‬
‫‪ 17‬والله ُي َذ ّكركم ويح ّذركم من الخو�ض في مثل‬
‫هذا الإفك �سماع ًا أ�و تح ُّدث ًا طول حيا ِتكم إ� ْن كنتم‬ ‫‪ 13‬ه ّل َ�أ ْح َ�ض ه�ؤلاء المفترون �أربع ًة عدول ًا ي�شهدون‬
‫م�ؤمنين؛ إ� ِذ ا أل�ص ُل في الإيمان �أن َي ْحجز عنه ويمن َع من‬ ‫�أنهم ر أ�وا ما ا ّدعوه ب أ�عينهم؟! ف�إن لم ُيح�ضروا ال�شهداء‬
‫الأربع َة ال ُعدو َل ف أ�ولئك هم في حكم الله مفترون لا‬
‫الخو�ض فيه‪.‬‬
‫ُيقاربهم في الافتراء أ�حد‪.‬‬
‫‪ 18‬وين ّزل الله لكم الآيات الدا ّلة على ا ألحكام‬
‫والأخلا ِق ‪ -‬ال�ضامنة للم�صالح الدافعة للمفا�سد‪ -‬دلال ًة‬
‫وا�ضحة جلية‪ ،‬واللهُ علي ٌم بما ي�صلح خلقه ويدفع ال�ض َّر‬
‫عنهم‪ ،‬حكي ٌم في تدبير �ش�ؤونهم فلا يدع ال�سوء َي ْخ ُل�ص‬

‫إ�لى أ�زواج نبيه ‪ - -‬و أ�مثا ِلهن ‪.‬‬

‫‪� 19‬إ ّن الذين يحبون �أن ينت�شر الزنا و�أخبا ُره ويحبون‬
‫َط ْع َن �أهل العفاف في �أعرا�ضهم لهم عذاب �أليم في‬
‫الدنيا بالجلد والتكذيب و�سوء ال�سمعة‪ ،‬وفي الآخرة‬
‫بعذاب النار‪ ،‬والله يعلم ما ُي ِ� ُّسه الذين يحبون �شيو َع‬
‫الفاح�شة كما يعلم كل �شيء ويحا�سب عليه‪ ،‬و�أنتم‬
‫‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬لا تعلمون غير الظاهر فلا ينبغي لكم أ�ن‬

‫تحا ِ�سبوا �إلا عليه‪.‬‬

‫‪ 20‬هذا بيا ٌن ل َهو ِل جريم ِة الإفك ‪ -‬لا�سيما إ�ذا‬
‫تناول ْت �أزوا َج النبي ‪ -‬ولولا َت َف ُّ�ض ُل الل ِه عليكم‬
‫ب َ� ْصف العقوبة ورحم ُته بالعفو وقبول التوبة ور أ�ف ُته‬
‫ب�إظهار براءة المقذوف ورف ِع الظلم عنه لم�ّسكم جميع ًا‬

‫عذا ٌب من الله عظيم‪.‬‬

‫‪351‬‬

‫‪ 26‬الن�سا ُء الخبيثا ُت للرجال الخبيثين‪ ،‬والرجا ُل‬ ‫‪ 21‬يا َم ِن ا ّت�صفتم بالإيمان لا ت�سلكوا طريق ال�شيطان‬
‫الخبيثون للن�ساء الخبيثات‪ ،‬والن�سا ُء الطيبا ُت للرجال‬ ‫فيما ت أ�تون وفيما تتركون‪ ،‬و َمن يتبع خطوا ِت ال�شيطان‬
‫الطيبين‪ ،‬والرجال الطيبون للن�ساء الطيبات‪� ،‬إ ْذ ك ُّل‬ ‫يق ْع في الزنا والقبائح العظيمة وفي ك ِّل ما ينكره ال�شرع‪،‬‬
‫ألن ال�شيطان ي أ�مر بذلك‪ ،‬ولولا ف�ضل الله عليكم ورحم ُته‬
‫إ�ن�سان يتلاءم مع َم ِثيله و َين�ساق �إليه ‪ -‬وهذا يق�ضي ببراءة‬ ‫لكم بالتوفيق إ�لى ا ألعمال ال�صالحة دون المفا�سد ما نجا‬
‫أ�ُ ِّم الم ؤ�منين عائ�شة ر�ضي الله عنها لأنها زوجة �َأطي ِب‬ ‫منكم ِمن إ��ضاع ِة ال�صالحا ِت و ُموا َق َع ِة ال�سيئات أ�ح ٌد أ�بداً‪،‬‬
‫الخلق ‪ -‬أ�ولئك الط ِّيبون من َّزهون عن الفاح�شة‬ ‫ف إ�نما َت ْزكو نفو�سكم بم�شيئته‪ ،‬وهو �سمي ٌع ألقوالكم �س ِّرها‬
‫مب َّر�ؤون مما ا ُّت ِهموا به كذب ًا وافترا ًء‪ ،‬وقد م َّن الله عليهم‬
‫وعلانيتها‪ ،‬علي ٌم بما تقولون وتعملون‪.‬‬
‫بالمغفرة والرز ِق الوا�س ِع الكري ِم في جنات النعيم‪.‬‬
‫‪ 22‬ولا َيحل ْف �أهل الف�ضل في ال ِّدين وال�ّسعة في‬
‫‪ 27‬يا �أيها الذين آ�منوا لا تدخلوا بيوت ًا غير بيوتكم‬ ‫الرزق على َم ْنع نف َق ِتهم عن القريب والم�سكين والمهاجر‬
‫في �سبيل الله‪ .‬وليعفوا عن ز ّلتهم و ْل ُيعر�ضوا عن ذكرها‪،‬‬
‫حتى تعلموا هل فيها �أح ٌد وحتى ت�ست أ�ذنوا َم ْن َيلك‬ ‫و ْليعاملوهم بمثل ما يحبون أ�َ ْن يعاملهم به ر ُّبهم‪� .‬إ ّن الله‬
‫الإذ َن ِمن أ�هلها و ُت�س ِّلموا على َم ْن فيها‪ ،‬فذلك خي ٌر‬
‫لكم من الدخول َب ْغت ًة والاطلا ِع على ما َق ْد ي�سوء‪ ،‬وقد‬ ‫وا�سع المغفرة‪ ،‬عظيم الرحمة مع كثرة ذنوب العباد‪.‬‬

‫ذكرنا ذلك َكي َت ُعوه وتتعظوا به‪.‬‬ ‫‪ 23‬إ� ّن الذين ي ّتهمون بالفاح�ش ِة الن�سا َء العفيفات‬
‫ال�َّسليما ِت ال ُّ�صدور المتح ّققات بالإيمان َل َعنهم الله‬
‫والملائك ُة والنا� ُس �أجمعون في الدنيا وا آلخرة فهم‬
‫مطرودون ِم ْن رحمة الله إ� ْن لم يتوبوا‪ ،‬ولهم عذا ٌب‬

‫ُينا�سب جريمتهم العظيمة‪.‬‬

‫‪ 24‬لهم عذا ٌب عظي ٌم حين َت�شهد عليهم أ�ل�سن ُتهم‬
‫التي نطقوا بها و أ�يديهم التي �أ�شاروا بها و�أر ُجلهم التي‬

‫َم�شوا بها إ�لى ُجرمهم ذاك الذي ارتكبوه‪.‬‬

‫‪ 25‬يو َم ت�شه ُد عليهم �أع�ضا�ؤهم تلك يجازيهم الله‬
‫الجزا َء المنا�س َب لـ ُجرمهم‪ ،‬ويعلمون يومئ ٍذ أ� ّن الله هو‬
‫ا إلله الح ُّق في ذاته و�صفاته و أ�فعاله‪ ،‬الـ ُم ْظ ِه ُر للأ�شياء‬

‫كما هي عليه‪� ،‬سبحانه لا َتخفى عليه خافية‪.‬‬

‫‪352‬‬

‫ك ُّله أ�طهر لهم من َد َن�ِس ا آلثام و�ُسوء الظن‪ ،‬والله يعلم ما‬ ‫‪ 28‬ف إ� ْن لم تجدوا في هذه البيوت َم ْن له ح ُّق الإذن‬
‫يفعلون ِمن طاع ٍة �أو مع�صي ٍة فيجازي ك ّ ًل بعمله ون ّيته‪.‬‬ ‫فلا تدخلوها فقد يقع ب�ص ُركم على ما لا يجوز النظ ُر‬
‫�إليه �أو ما َيكره أ��صحاب البيوت �أن تطلعوا عليه من‬
‫‪ 31‬وقل للم�ؤمنات َي ْك ُففن أ�ب�صارهن ع ّما لا يحل‬ ‫الخ�صو�صيات‪ ،‬و إ� ْن قيل لكم ار ِجعوا فارجعوا؛ ف إ� ّن‬
‫النظر �إليه من الرجال والن�ساء ألن النظر ُيثير ال�شهو َة‬ ‫الرجو َع أ�طيب للنفو�س و أ�طهر‪ ،‬ولا ُت ِل ّحوا في طلب‬
‫و ُيغري بالوقوع في الفتنة‪ ،‬و ُق ْل له ّن أ�ن يحفظن‬ ‫ا إلذن ولا تطيلوا الوقو َف ولا تنظروا من �ُشقوق الباب‬
‫فروجه ّن عما ح ّرم الله‪ ،‬ولا ُيبدين زينتهن أ�و موا�ض َعها‬ ‫أ�و ما ِب َ�سبيله‪ ،‬لأن جميع ذلك ُي ْورث ال ِّريبة والبغ�ضاء‪،‬‬
‫الرو�إع�ؤ ْانودل�ُةسم تهب إ�ونظجهعالد ارلىهزفيتن‪-‬ةح‪ِ،‬ةوواهللوا�صاَلحد َوررججهحتعلويىالهلاكن ُيففارين إ�ى‪-‬ظالهوا�ْلصُير ْلدمقراي َنجخلرِ�ساتف ًاتر‬
‫لعاد ِة كثير من ن�ساء الجاهلية‪ ،‬ولا ُي ْبدين موا�ض َع زينتهن‬ ‫والله يعلم ما تفعلون و�سيحا�سبكم عليه‪.‬‬
‫الخف ّية ‪ -‬وهي ما عدا الوجه والكفين‪ ،‬ك�شعر الر�أ�س‪،‬‬
‫والذراعين وال�ساقين ونحو ذلك‪� -‬إ ّل ألزواجهن‪ ،‬أ�و‬ ‫‪ 29‬لا َح َر َج عليكم في دخولكم دو َن �إذ ٍن بيوت ًا غير‬
‫�آبائهن ‪ -‬ويدخل فيهم ا ألجداد‪ -‬لأنهم لا َتيل �شهو ُتهم‬ ‫ُمه ّي�أة ل ُ�سكنى نا� ٍس مخ�صو�صين ‪ -‬كالفنادق ومناز ِل‬
‫إ�ليهن‪� ،‬أو آ�باء �أزواجه َّن؛ لأنهم �صاروا َمحارم‪ ،‬أ�و‬ ‫ا أل�سفار‪ -‬لحاج ٍة كو�ض ِع متا ٍع وا�ستراح ٍة عابر ٍة‪ ،‬والله يعلم‬
‫أ�بنائهن ‪ -‬ومنهم ا ألحفاد‪� -‬أو �أبناء أ�زواجه َّن؛ ألنهم‬ ‫ما ُتظهرون أ�و تخفون من مقا�صدكم فيجازيكم بن ّياتكم‪.‬‬
‫�صاروا َمحارم‪� ،‬أو إ�خوانهن ا أل�شقاء أ�و لأ ٍب أ�و أل ٍّم‪� ،‬أو‬ ‫‪ 30‬يا ‪ -‬أ�يها النبي‪ -‬قل للم�ؤمنين ي ُك ّفوا النظ َر عما‬
‫بني إ�خوانهن �أو بني أ�خواتهن‪ ،‬والمق�صود ك ُّل محارم‬ ‫ح ّرم الله النظ َر �إليه من الن�ساء والعورات‪ ،‬و ُق ْل لهم �أن‬
‫المر أ�ة وذلك ب�سبب كثر ِة الـ ُمخا َلطة دفع ًا للحرج ول ُندرة‬ ‫يحفظوا فرو َجهم عن غير زوجاتهم و إ�مائهم‪ ،‬فذلك‬
‫ح�صول الفتنة لهم به ّن‪ ،‬ويجوز أ�ن ُيبدين موا�ضع الزينة‬
‫الخفية للن�ساء الم ؤ�منات دون الكافرات؛ لأنه ُيخ�شى‬
‫من الكافرات �أ ْن َي ِ�صفن محا�سنهن ألقاربهن‪ ،‬وكذا‬
‫يجوز للن�ساء �أ ْن ُيبدين زينتهن غي َر الظاهرة إلمائهن‬
‫وللرجال التابعين له ّن أ�و لبيوتهن ممن لا حاجة لهم‬
‫بالن�ساء كالرجال الطاعنين في ال�س ِّن الذين انقطع َميلهم‬
‫إ�لى الن�ساء‪ ،‬وال ُب ْله والمعتوهين ونحوهم الذين يترددون‬
‫على البيوت للطعام ونحوه مم ْن لا يعرفون �شيئ ًا عن‬
‫أ�مور الن�ساء ولا ُتدثهم �أنف ُ�سهم بفاح�شة ولا َي ِ�صفونهن‬
‫ل ألجانب‪ .‬وكذا ل ألطفال الذين لم يبلغوا �س َّن ال�شهوة‪،‬‬
‫ولا يحل للن�ساء �أن ي�ضربن ب أ�رجلهن ل ُي�س َمع �صوت‬
‫ُحل ِّيهن فهو يدعو إ�ليه ّن ويظ ّن النا�س �أن به ّن الرغبة‬
‫في الفجور‪ .‬ثم قال �سبحانه‪ :‬وتوبوا ك ُّلكم إ�لى الله ِم ْن‬
‫وقوع النظر الحرام ومن كل ذنب �أيها الم�ؤمنون؛ فذلك‬

‫�أرجى لكم في النجاة والنجاح في الدنيا‪ ‬وا آلخرة‪.‬‬

‫‪353‬‬

‫زجاجة تزيده إ��ضاء ًة‪ ،‬والزجاج ُة ل�شدة �صفائها ك�أنها‬ ‫‪ 32‬و�أنكحوا ‪ -‬أ�يها ا ألولياء‪َ -‬م ْن لا زو َج له من‬
‫كوكب قوي الإ�ضاءة‪ ،‬وال�سرا ُج يو َقد بزي ِت �شجر ٍة‬ ‫الم ؤ�منين ا ألحرار رجل ًا كان �أو امر�أة‪ ،‬بكراً �أو ثيب ًا‪،‬‬
‫مبارك ٍة هي َزيتونة زي ُتها �شديد ال�صفاء ألنها مع َّر�ضة‬ ‫و�أنكحوا َم ْن كان �صالح ًا ِم ْن عبيدكم و إ�مائكم ‪ -‬وهذا‬
‫�ألن�ضييا�ءضاليء�شومل�وسلم ت�مصب�اس�حسًاه نواعر�‪،‬صفراًفيحتتلى إ�ك َّنالزُيكتَّوهةان َي ْوق ُررالبزيمتن‬ ‫ح�ٌّض للم ؤ�منين على تي�سير أ�مر الزواج‪ -‬ولا يمنعكم‬
‫ونو ُر النار ونور الزجاجة فهو نور على نور‪ ،‬والله‬ ‫‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪ -‬فق ُرهم ِم ْن تزويجهم ف�إ ّن الله يرزقهم‬
‫يهدي ِم ْن عباده َم ْن ي�شاء �إلى نوره‪ ،‬ويبين ا أل�شياء للنا�س‬ ‫من ف�ضله‪ ،‬وهو �سبحانه وا�سع الف�ضل علي ٌم بحال عباده‬
‫ب َ� ْضب ا ألمثلة لها تقريب ًا ألفهامهم‪ ،‬وهو �سبحانه علي ٌم‬
‫بكل ا أل�شياء‪ ،‬لا يخفى عليه أ�هل الهدى و�أهل ال�ضلال‪.‬‬ ‫فيعطيهم ما يكفيهم‪.‬‬

‫‪ 36‬ذلك النور موجو ٌد في بيوت أ�راد الله أ�ن ُت َع َّظم‬ ‫‪ 33‬و ْل َيجتهد في العفاف عن الحرام والك ِّف عما لا‬
‫ببنائها وتطهيرها وتطييبها ‪ -‬وهي الم�ساجد‪ -‬و أ�راد‬ ‫َي ْج ُمل َم ْن لا يملك مال ًا أل ْجل النكاح �إلى َأ� ْن يرزقه الله‬
‫�أن ُيذكر فيها ا�سمه بتلاوة كتابه وال�صلاة والت�سبيح‬ ‫ويـي�سر له ذلك من ف�ضله‪ .‬ثم أ�مر الله تعالى َم ْن يملك‬
‫والتهليل والعلم ونحو ذلك‪َ ،‬يتقرب �إليه فيها ُع ّمارها‬ ‫عبداً �أو �أمة �أن ُيكاتبهم �إذا طلبوا المكاتبة ‪ -‬وهي أ�ن‬
‫بال�صلاة �أ ّول النهار‪ ،‬وهي �صلاة ال�صبح‪ ،‬وبا آل�صال‪،‬‬ ‫ي ّتفق معهم على مبل ٍغ من ما ٍل ي ؤ�دونه إ�ليه‪ ،‬ف إ�ذا أ� ّدوه‬
‫وهي �آخر النهار وما يقرب منه مما َقبله وما بعده‪ ،‬وهي‬ ‫�أ�صبحوا �أحراراً‪ -‬وذلك �إذا علم �أنهم قادرون على‬
‫ا ألداء‪ .‬و َأ� َمر �سبحانه بم�ساعدتهم على المكا َتبة عون ًا‬
‫بقية ال�صلوات الخم�س‪.‬‬ ‫بعطا ٍء �أو خ�صم ًا ِم ْن �أ�صل المبلغ‪ ،‬ثم ذ ّكر‪ ‬الله َم ْن يعينهم‬
‫ب�أ ّن ما يعطيهم هو مما رزقه‪ ‬الله تعالى‪ ،‬و�أ ْت َب َع اللهُتعالى ما‬
‫‪354‬‬ ‫ذكره في العفاف بالنهي عن ت�أجير ا إلماء للزنا كما كان‬
‫�ش�أن بع�ض �أهل الجاهلية‪ .‬و آ� َك ُد ما يكون النه ُي �إن كانت‬
‫الإماء ُيردن ا إلح�صان؛ �إذ واج ُب المال ِك �أن تكون رغبته‬
‫في التح�صين أ�كبر وتر ُّفعه عن الك�سب الخبيث وعن‬
‫الرغبة في الدنيا أ�َ ْعظم‪ .‬وقد وعد الله من أُ�كره من الإماء‬
‫على الزنا بالرحمة والعفو عما �سلف؛ إ�ذ ال ِوزر واق ٌع‬

‫على الذي �أكرههن لا عليهن‪.‬‬

‫‪ 34‬لقد �أنزلنا لكم ‪� -‬أيها الم�ؤمنون‪ -‬في القر آ�ن �آيات‬
‫وا�ضحات الأحكام‪ ،‬و َمثل ًا مما وقع في ا ألمم ال�سابقة‬
‫وما ح َّل بهم من العذاب أل ْج ِل المخالف ِة‪ ،‬و أ�نزلنا فيه‬
‫موعظ ًة يعتبر بها َمن اتقى ر َّبه وع ِمل بطاعته وانتهى‬

‫عن مع�صيته‪.‬‬

‫‪ 35‬الله نور ال�سماوات وا ألر�ض‪ِ ،‬ب ُنوره �أ�شرقت‬
‫ا ألر�ض وال�سماوات‪ ،‬وبنوره ا�ستقام ْت أ�حوال �أهلهما‪،‬‬
‫وبنور قر�آنه و َهدي نب ِّيه َيخرج الم�ؤمنون من الظلمات‪،‬‬
‫و َم َث ُل هذا النور في قلب الم ؤ�من ك�ضوء في ُك َّوة غي ِر نافذة‬
‫‪ -‬فهي أ�جمع لل�ضوء‪ -‬فيها �سراج‪ ،‬وهذا ال�سراج في‬

‫بعيد‪ ،‬ف�إذا جاءه َع َر َف أ�نه لي�س �شيئ ًا فظ ّل‬ ‫إ�ذا ر آ�ه ِم ْن‬
‫وكذلك الكافر يظ ّن عم َله نافع ًا يوم القيامة‬ ‫على ظ َم ِئه‪،‬‬
‫ف�إذا جاء يو ُم القيامة لقي ر ّبه فحا�سبه على كفره �أ�ش ّد‬
‫ح�ساب‪ ،‬ولم ينفعه عم ُله ألنه كافر بر ّبه‪ ،‬والله �سريع‬
‫الح�ساب علي ٌم با أل�شياء ك ِّلها‪ ،‬ال‪ ‬يحتاج �إلى ع ٍّد‪ ،‬ولا‬
‫ي�شغله �سبحانه ح�سا ٌب عن ح�ساب‪.‬‬

‫‪ 40‬والذين كفروا يكونون ِم ْن ُظ ْلمة كفرهم‬
‫و أ�عمالهم ك َم ْن هو في بح ٍر عميق يغ�شاه مو ٌج حاج ٌب‪،‬‬
‫ِم ْن فوقه موج آ�خر‪ ،‬وفوق هذا ك ِّله �سحا ٌب كثيف‪،‬‬
‫ظلما ٌت بع�ضها فوق بع�ض‪ ،‬ف إ�ذا �أخرج َم ْن هو هنالك‬
‫يده التي هي جزء منه لم يقا ِر ْب �أن يراها مع �شدة‬
‫قربها؛ و َم ْن لم ي�ستنقذه اللهُ ِم ْن غرقه في ظلمات الجهل‬
‫وال�ضلال‪ ،‬فلن تجد له ولي ًا يعينه على الخروج مما هو فيه‪.‬‬

‫‪ 41‬قد علم َت ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ِ -‬عل َم اليقين أ�ن‬ ‫‪ 37‬والذين ُي�س ِّبحون فيها لله هم الأخيار‪ ،‬وهم رجال‬
‫الله تعالى ين ِّزهه ك ُّل َم ْن في ال�سماوات والأر�ض ِمن‬ ‫لا ت�شغلهم تجار ٌة حا�ضر ٌة ولا بي ٌع عاج ٌل عن ذكر‪ ‬الله‬
‫مخلوقاته العاقل ِة وغير العاقلة ك ٌّل ح�سب ِفطرته وما‬ ‫ب�أل�سنتهم وقلوبهم ولا ت�شغلهم عن إ�عطاء ال�صلاة ح َّقها‬
‫ُج ِبل عليه‪ ،‬و ِم ْن أ�ظه ِر ذلك الطي ُر حين تب�سط �أجن َحتها‬ ‫من الخ�شوع والتعظيم ولا عن أ�داء الزكاة لمن ي�ستحقها‪،‬‬
‫في الجو‪ ،‬وك ُّل مخلوق من المخلوقات قد َع ِلم ما ع ّلمه‬ ‫وهم مع ذلك يخافون لقاء‪ ‬الله في يوم القيامة حيث‬
‫الله و�ألهمه من الدعاء والت�سبيح‪ ،‬والله عليم بكل ما‬
‫تتقلب القلوب وا ألب�صار ِم ْن �شدة الأهوال‪.‬‬
‫يعملون من �صلاة وغيرها‪.‬‬
‫‪ 38‬يعملون تلك ا ألعمال رجا َء �أ ْن ُيثيبهم الله �أح�سن‬
‫‪ 42‬ولله وحده ُمل ُك ال�سماوات وا ألر�ض فهو‬ ‫ثواب َو َع َد به ِم ْن ع�شر ِة �أ�ضعاف �إلى �سبعمائة‪ ،‬ويزيدهم‬
‫خالقهما وخال ُق ما فيهما ومد ّب ُر ذلك ك ّله‪ ،‬و إ�ليه‬ ‫فوقه من ف�ضله مما لا عي ٌن ر�أ ْت ولا �أذ ٌن �سمع ْت ولا َخ َطر‬
‫وحده م�صير ك ّل مخلوق لأنه القاد ُر وحده على َبعثهم‬ ‫على قلب َب�َش‪ .‬والله تعالى َي َهب ما ي�شاء لمن ي�شاء بلا‬

‫و إ�رجاعهم �إليه‪.‬‬ ‫ح ٍّد‪ ،‬فالعطا ُء يح�صل بف�ضله و�إن كان للعمل اعتبار‪.‬‬

‫‪ 43‬أ�لم َت َر �أن الله ي�سوق ال�سحاب �شيئ ًا ف�شيئ ًا‪ ،‬ثم‬ ‫‪ 39‬والذين كفروا لا تنفعهم يو َم القيامة �أعما ُل الخير‬
‫يجمع بع�ضه إ�لى بع�ض بوا�سطة الرياح‪ ،‬ثم يجعله‬ ‫التي عملوها‪ ،‬فهي و�إ ْن رجوا ثوا َبها ك�سرا ٍب ‪ -‬وهو‬
‫اللمعان الذي يظهر ويتماوج على وجه ُبقع ٍة منب ِ�سطة‬
‫متكاثف ًا بع َ�ضه فوق بع�ض فترى المطر يخرج من خلاله‬ ‫مك�شوفة من ا ألر�ض عند الظهيرة‪ -‬يظ ّنه الظم آ� ُن ما ًء‬
‫ف ُينزله حيث �شاء؟ وكذلك ين ِّز ُل من ال�سحاب الذي‬
‫ُي�ش ِبه الجبا َل في طبقات الجو العالية َبـ َرداً‪ ،‬في�صيب به‬ ‫‪355‬‬
‫َم ْن ي�شاء و َي ْ�صفه ع َّمن ي�شاء‪ ،‬وك ٌّل من المطر وال َ َبد قد‬
‫يكون قبله أ�و معه الب ْرق ال�شديد الذي يقا ِرب ِم ْن �شدته‬

‫َ�أ ْن ي�أخذ با ألب�صار‪.‬‬

‫‪� 51‬إ َّن ِم ْن �صفات الم�ؤمنين ال�صادقين في �إيمانهم‬ ‫‪ 44‬يعا ِق ُب اللهُ بين الليل والنهار و ُي َ� ِّصفهما طول ًا‬
‫أ�نهم إ�ذا ُدعوا إ�لى ُحكم الله و إ�لى ُحكم ر�سوله أَ� ْن‬ ‫وق�صراً‪ .‬إ� َّن في �إن�شاء الله ال�سحا َب‪ ،‬و إ�نزا ِله الم َط َر‪،‬‬
‫يقولوا‪� :‬سمعنا و�أطعنا‪ ،‬فلا يترددون ولا يتباط�ؤون في‬ ‫وال َ َبد‪ ،‬وفي تقليبه اللي َل والنهار َلعبر ًة لمن اعتبر بها‪ ،‬لأ َّن‬
‫الا�ستجابة لذلك‪ ،‬و�أولئك هم المفلحون فلاح ًا تام ًا في‬
‫ذلك ُي ْنبئ ويد ُّل على ما وراءه من القدرة والتدبير‪.‬‬
‫الدنيا والآخرة‪.‬‬
‫‪ 45‬واللهُ خلق ك َّل حيوان يد ُّب على ا ألر�ض ِمن‬
‫‪ 52‬و َم ْن يطع الله ور�سوله فيما أ�مراه ونهياه‪ ،‬و َي َخ ْف‬ ‫ُنطفة‪ ،‬فمنهم َم ْن يم�شي على بطنه كالح ّيات وما �أ�شبهها‪،‬‬
‫عاقب َة المع�صية‪ ،‬وي َّت ِق العذا َب ف أ�ولئك هم الفائزون‬ ‫ومنهم َم ْن يم�شي على رجلين كا إلن�س والطير‪ ،‬ومنهم‬
‫َم ْن يم�شي على أ�ربع كالبهائم‪ ،‬يخلق‪ ‬اللهُ ما ي�شا ؤ�ه‬
‫بر�ضا‪ ‬الله عنهم يوم القيامة‪ ،‬وب�أ ْم ِن ِهم من عذابه‪.‬‬
‫و ُيق ّدره‪ ،‬ال‪ُ  ‬يعجزه �شيء في ا ألر�ض ولا في ال�سماء‪.‬‬
‫‪ 53‬و�أَق�سم ه�ؤلاء المعر�ضون عن حكم الله ور�سوله‬
‫أ�غل َظ ا أليمان لئن �أمرتهم ‪ -‬يا محمد‪ -‬بالخروج �إلى‬ ‫‪ 46‬لقد �أنزلنا ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬في القر�آن علاما ٍت‬
‫الجهاد ليخ ُر ُج َّن‪ ،‬قل‪ :‬لا تحلفوا‪ ،‬ف إ� ّن طاعتكم معرو ٌف‬ ‫وا�ضحات‪ ،‬دالا ٍت على طريق الحق و�سبيل الر�شاد‪،‬‬
‫َأ�م ُرها‪ ،‬فهي طاعة بالل�سان فقط‪� ،‬أ ّما الفعل ف ُيك ِّذبها‪،‬‬
‫�إ ّن الله خبير بما تعملون‪ ،‬لا يخفى عليه �شيء مما ُت�س ّرون‬ ‫واللهُ يهدي َم ْن ي�شاء ‪ -‬بالتوفيق للنظر فيها والتد ّبر‬
‫لمعانيها‪ -‬إ�لى الطريق الم�ستقيم المو ِ�صل إ�لى إ�دراك الحق‬
‫وتعلنون‪.‬‬
‫والفو ِز بالجنة‪ ،‬وهو دينه دين ا إل�سلام‪.‬‬
‫‪356‬‬
‫‪ 47‬ويقول المنافقون‪� :‬ص ّدقنا بالله وبالر�سول‪ ،‬و أ�طعنا‬
‫اللهَو أ�طعنا الر�سو َل‪ ،‬ثم َتعمل طائف ٌة منهم من بعد قولهم‬
‫هذا بخلاف ما ت ّدعي فتدعو َخ�ص َمها إ�لى المحاكمة �إلى‬
‫غير ر�سول الله ‪ - -‬ولي�س قائلو هذه المقالة بالم�ؤمنين‪.‬‬

‫‪ 48‬و�إذا ُدعيه�ؤلاءالمنافقون�إلىكتاباللهو�إلىر�سوله‬
‫ليحكم بينهم فيما اخت�صموا فيه �إذا فري ٌق منهم مع ِر�ضون‬

‫عن قبول الحق‪ ،‬والر�ضا بحكم ر�سول الله ‪.- -‬‬

‫‪ 49‬و إ� ْن يكن الح ُّق له ؤ�لاء لا عليهم ي�أتوا إ�لى ر�سول‬
‫الله ‪ - -‬منقادين لحكمه‪ ،‬مق ّرين به‪ ،‬طائعين غير‬

‫مك َرهين‪.‬‬

‫‪� 50‬أ ُهم مر�ضى القلوب منافقون‪ ،‬أ�م مرتابون في أ�مر‬
‫نب ّوته ‪َ - -‬أ� ْم خائفون الظل َم في ق�ضائه؟ بل �أولئك‬

‫هم الظالمون‪ ،‬يريدون أ� ْن َيظلموا َم ْن له الح ّق عليهم‪.‬‬

‫ب إ�ف�ساده وخروجه عن طاعتي ف�أولئك هم العا�صون‬
‫الحائدون عن �سواء ال�سبيل‪.‬‬

‫‪ 56‬و أ�قيموا ‪� -‬أيها النا�س‪ -‬ال�صلا َة بحدودها فلا‬
‫ت�ضيعوها‪ ،‬و آ�توا الزكاة أ�هلها‪ ،‬و أ�طيعوا ر�سو َل ربكم‬

‫فيما �أمركم ونهاكم َكي يرحمكم ر ُّبكم فينجيكم من‬
‫عذابه‪.‬‬

‫‪ 57‬لا تح�سب ّن ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬الذين كفروا يعجزون‬ ‫‪ 54‬قل يا ر�سول الله له�ؤلاء الـ ُمق�سمين وغي ِرهم‪:‬‬
‫�أطيعوا الله و�أطيعوا الر�سول؛ ف إ� ّن طاعته طاع ٌة لله‪ ،‬ف إ� ْن‬
‫الله في الأر�ض إ�ذا �أراد إ�هلاكهم‪ ،‬و َم�سك ُنهم و َمرج ُعهم‬
‫النار‪ ،‬ولبئ�س الم�سك ُن والمر ِجع هي‪.‬‬ ‫ُتعر�ضوا وت�أبوا ف�إنما عليه تبليغ ر�سالة‪ ‬الله إ�ليكم‪ ،‬وعليكم‬

‫‪ 58‬يا �أيها الذين �ص َّدقوا الله ور�سوله‪ِ ،‬لي�ست�أذنكم في‬ ‫�أ ْن تفعلوا ما أ�مركم به‪ ،‬و�إ ْن تطيعوه فيما ي أ�مركم‬

‫الدخول عليكم َعبي ُدكم و إ�ما�ؤكم‪ ،‬والذين هم دون �س ِّن‬ ‫وينهاكم َتر�ُشدوا‪ ،‬وما على الر�سول إ�لا أ�دا ُء ر�سالة الله‬
‫البلوغ ِم ْن أ�حراركم في ثلاثة �أوقات ِم ْن �ساعات ليلكم‬ ‫وبيا ُنها َأ�بلغ‪ ‬بيان‪.‬‬
‫ونهاركم‪ ،‬وهي‪ِ :‬م ْن قبل �صلاة الفجر لأنه وقت القيام‬
‫من الم�ضاجع وتبدي ِل الثياب‪ ،‬وحين َت َ�ضعون ثيابكم‬ ‫‪ 55‬و َع َد اللهُ الذين آ�منوا منكم و أ�طاعوا الله ور�سوله‬
‫َليورث ّنهم �أر�َض الم�شركين من العرب والعجم‪ ،‬فيجعلهم‬
‫من الظهيرة ألنها وقت و ْ�ض ِع الثياب للقيلولة‪ ،‬و ِم ْن‬ ‫�سا َدتها و�سا�ستها كما َفعل قبل ذلك ببني �إ�سرائيل إ�ذ‬
‫بعد �صلاة الع�شاء ألنه وقت التج ّرد من ثياب اليقظة‪،‬‬ ‫�أهلك الجبابرة بال�شام‪ ،‬و َل ُيـث ِّبت َّن لهم الإ�سلام الذي‬
‫والالتحا ِف بثياب النوم‪ .‬في هذه ا ألوقات الثلاثة التي‬ ‫ارت�ضاه لهم دين ًا‪ ،‬و َل ُيغير َّن حا َلهم عما هي عليه من‬
‫الخوف إ�لى الأمن‪ ،‬يخ�ضعون لي بالطاعة لا ي�شركون‬
‫أ�مرناكم ب�أن لا يدخل عليكم فيها َم ْن َذ َك ْرنا �إلا ب�إذ ٍن‪،‬‬
‫قد يظهر منكم ما َي ْق ُبح الاطلا ُع عليه‪ ،‬لأنكم ت�ضعون‬ ‫في عبادتهم �إياي‪ ،‬ف َم ْن كف َر هذه النعمة بعد تح ُّققها‪،‬‬
‫فيها ثيابكم و َت ْخلون ب�أهليكم‪ ،‬ولي�س عليكم ولا عليهم‬
‫َح َر ٌج ولا إ�ث ٌم في غيرها ِلـ َما بكم وبهم من الحاجة‬
‫إ�لى المخالطة والمداخلة‪ :‬يطوفون عليكم للخدمة‪،‬‬

‫وتطوفون عليهم للا�ستخدام‪ .‬كما ب ّي الله لكم أ�حكا َم‬
‫الا�ستئذان في هذه الآية‪ ،‬كذلك يب ّي لكم جميع �أدلته‬

‫و�شرائع دينه‪ ،‬والله ذو عل ٍم بما ُي�صلح عباده‪ ،‬حكي ٌم فيما‬
‫�شرع لهم وف َّ�صل‪.‬‬

‫‪357‬‬

‫بها نف� ُس الم�ستمع‪ ،‬هكذا ُيف ِّ�صل اللهُ لكم معالـ َم دينكم‬ ‫‪ 59‬و�إذا أَ�درك ال�صغا ُر منكم �س َّن البلوغ‪ ،‬فلا‪ ‬يدخلوا‬
‫فيب ّينها لكم‪ ،‬كما ف ّ�صل لكم في هذه ا آلية ما �أح ّل لكم‬ ‫عليكم في وقت ِمن ا ألوقات إ�لا ب إ�ذن‪ ،‬لا في �أوقات‬

‫فيها‪ ،‬لكي َت ْفقهوا عن الله �أم َره ونه َيه و أ�د َبه‪.‬‬ ‫العورات الثلاث ولا في غيرها‪ ،‬و ْل َي�ست أ�ذنوا كما ا�ست�أذن‬
‫الكبا ُر‪ ،‬كذلك يب ّي اللهُ لكم �أحكامه و�شرائع دينه‪ ،‬والله‬
‫علي ٌم بما ي�صلح خلقه‪ ،‬حكي ٌم فيما فر�ض عليهم‪ ‬و�شرع‪.‬‬

‫‪ 60‬وال َّلواتي يئ�سن من الحي�ض وال َول ِد وال‪َ  ‬ي ْطمعن‬
‫في نكا ٍح ولم يب َق للرجال فيه ّن َم ْطم ٌع ل ِك َ ٍب �أو غيره‪،‬‬
‫فلي�س عليهن حر ٌج ولا إ�ثم �أن ي�ضعن ثيابه ّن الظاهر َة‬
‫كالجلباب والرداء الذي يكون فوق الثياب ب َح ْ�ضة‬
‫الرجال الأجانب‪� ،‬إذا لم ُيردن بو�ضع ذلك عنهن‬
‫التك�ّش َف و إ�بداء زينته ّن ومحا�س ِنهن‪ ،‬و أ� ْن َيتح ّفظن عن‬
‫َو ْ�ضع جلابيبهن طلب ًا لل ِع ّفة خي ٌر لهن ِمن �أن َي�ضعنها‪،‬‬
‫والله �سمي ٌع ما تنطقون ب أ�ل�سنتكم‪ ،‬علي ٌم بما ت�ضمره‬

‫�صدو ُركم فاتقوه‪.‬‬

‫‪ 61‬لا َح َر َج على ا ألعمى‪ ،‬ولا على ا ألعرج‪ ،‬ولا على‬
‫المري�ض‪ ،‬ولا عليكم َ�أ ْن ت�أكلوا ِم ْن بيوت �أبنائكم ف�إنها‬
‫في ُحكم بيوتكم‪� ،‬أو ِم ْن بيوت �آبائكم‪� ،‬أو ِم ْن بيوت‬
‫�أمهاتكم‪ ،‬أ�و ِم ْن بيوت إ�خوانكم‪ ،‬أ�و بيوت �أخواتكم‪،‬‬
‫أ�و ِم ْن بيوت �أعمامكم‪ ،‬أ�و ِم ْن بيوت ع ّماتكم‪ ،‬أ�و ِم ْن‬
‫بيوت �أخوالكم‪ ،‬أ�و ِم ْن بيوت خالاتكم‪ ،‬أ�و ِم ْن البيوت‬
‫التي لكم ِإ�ذ ُن الت�ص ُّر ِف فيها‪� ،‬أو ِم ْن بيوت �أ�صدقائكم‪،‬‬
‫إ�ذا َأ� ِذنوا لكم في ذلك �سواء كانوا حا�ضرين أ�و غائبين‪،‬‬

‫ولا ِ�ضي َق عليكم أ�ن ت أ�كلوا مجتمعين إ�ذا �شئتم‪� ،‬أو �أ�شتات ًا‬

‫متفرقين‪ ،‬ف إ�ذا دخلتم بيوت ًا من بيوت الم�سلمين ف ْل ُي�س ّلم‬
‫بع ُ�ضكم على بع�ض‪ُ ،‬ت ّيون �أنف َ�سكم تحي ًة من عند الله‬
‫مباركة ُيرجى بها زياد ُة الخير والثواب‪ ،‬طيب ًة تطي ُب‬

‫‪358‬‬

‫‪ 63‬لا َتقي�سوا دعو َة ر�سول الله �إياكم على دعوة‬ ‫‪ 62‬ما الم�ؤمنون ح َّق ا إليمان إ� ّل الذين �ص َّدقوا‪ ‬الله‬
‫بع ِ�ضكم بع�ض ًا في جوا ِز ا إلعرا�ض‪ ،‬والتر ّدد في ا إلجابة‪،‬‬
‫والرجو ِع بغير �إذن‪ ،‬ف إ� َّن المبادر َة �إلى �إجابته واجب ٌة‪،‬‬ ‫ور�سوله‪ ،‬و إ�ذا كانوا مع ر�سول الله على �أم ٍر يجتمع له‬
‫والان�صرا َف بغير إ�ذنه مح ّر ٌم‪ .‬و إ�نكم �أيها المن�صرفون عن‬ ‫النا�س‪ِ ،‬م ْن حر ٍب ح�ضر ْت‪ ،‬أ�و �صلا ٍة اج ُت ِمع لها‪� ،‬أو‬
‫نب ّيكم بغير �إذنه ِخفي ًة يت�س ّت بع ُ�ضكم ببع�ض و إ� ْن خفي‬ ‫ت�شاو ٍر في أ�مر نزل لم ين�صرفوا عما اجتمعوا له من ا ألمر‬
‫أ�م ُركم عليه‪ ،‬ف�إ ّن الله يعلم ذلك ولا يخفى عليه‪ ،‬فليت ِق‬ ‫حتى ي�ست أ�ذنوا ر�سو َل‪ ‬الله ‪ - -‬إ� ّن الذين لا ين�صرفون‬
‫َم ْن يفعل ذلك منكم أ� ْن ت�صيبهم محن ٌة في الدنيا‪� ،‬أو‬
‫عنك ‪ -‬يا محمد‪� -‬إذا كانوا معك في أ�م ٍر جامع �إ ّل‬
‫ي�صيبهم في ا آلخرة عذا ٌب من الله مو ِجع‪.‬‬
‫ب إ�ذنك لهم‪� ،‬أولئك الذين ي�ص ّدقون‪ ‬الله ور�سوله حق ًا‪،‬‬
‫‪� 64‬أ َل إ� ّن لله ملك جميع ما في ال�سماوات والأر�ض‪،‬‬
‫و إ� ّنه ليعل ُم ما أ�نتم عليه ِمن طاعتكم �إياه فيما �أمركم‬ ‫ف�إذا ا�ست�أذنك ه ؤ�لاء لبع�ض حاجاتهم التي َت ْع ِر�ض لهم‬
‫ونهاكم‪ ،‬ويوم يرجع �إليه الذين يخالفون عن أ�مره‬ ‫ف�أْذ ْن لمن �شئت منهم في ال َّذهاب لق�ضائها‪ ،‬واد ُع الله‬
‫فيخبرهم حينئ ٍذ بما عملوا في الدنيا ثم يجازيهم على‬ ‫لهم �أن يتف�ضل عليهم بالعفو‪ِ ،‬لـ َما ع�سى أ�ن يكون َو َقع‬
‫�أعمالهم‪ .‬والله علي ٌم لا يخفى عليه �شي ٌء َع ِم ْلتموه أ�نتم‬ ‫لهم من تق�صير أ�و تر ٍك ل أَلولى ب�سبب الا�ستئذان‪� ،‬إ َّن‬

‫وغي ُركم‪ ،‬وهو ُم َو ٍّف ك َّل عام ٍل منكم �أج َر عمله‪.‬‬ ‫الله غفو ٌر لذنوب عباده التائبين‪ ،‬رحي ٌم بهم لا يعاقبهم‬
‫عليها بعد توبتهم‪ ‬منها‪.‬‬
‫‪ 1‬تق َّد� َس الذي ن َّزل القر آ�ن فا�صل ًا بين الح ّق والباطل‪،‬‬
‫على عبده محم ٍد ‪ - -‬ليكون لجميع الج ِّن والإن�س‬
‫ُمنذراً ينذرهم عقا َبه‪ ،‬و ُيخ ّوفهم عذابه‪ ،‬إ� ْن لم ي َو ِّحدوه‬

‫ويعبدوه‪.‬‬

‫‪ 2‬الذي له ُملك ال�سماوات وا ألر�ض‪ ،‬حك ُمه فيها‬
‫ما�ٍض وق�ضا ؤ�ه فيها ناف ٌذ �سبحانه‪ ،‬ولي�س له ول ٌد‪ ،‬ولم‬
‫يكن له �شري ٌك في ُملكه و�سلطانه ف َي ْ�ص ُلح أ�ن ُيعبد ِم ْن‬
‫دونه‪ ،‬وخلق ا أل�شيا َء ك َّلها ف�س َّواها وه ّي أ� لها ما ي�ص ُلح لها‬

‫فلا َخل َل وال‪ ‬تفاوت‪.‬‬

‫‪359‬‬

‫وز َعموا أ�نك م�سحو ٌر‪ ،‬ف�ض ّلوا بذلك عن َق ْ�ص ِد ال�سبيل‪،‬‬ ‫‪ 3‬وا َّتخ َذ ه�ؤلاء الم�شركون �أ�صنام ًا �صنعوها ب أ�يديهم‬
‫و أ�خط ؤ�وا الهدى‪ ،‬فلا يجدون طريق ًا إ�لى الح ّق والر�شاد‪.‬‬ ‫يعبدونها‪ ،‬لا َتخلق �شيئ ًا وهي ُتخلق‪ ،‬ولا َتلك ألنف�سها‬
‫نفع ًا تج ّره �إليها‪ ،‬ولا �ض ّراً تدفعه عنها م ّمن أ�رادها ب ُ� ٍّض‪،‬‬
‫‪ 10‬تق ّد� َس الذي �إ ْن �شاء جعل لك خيراً مما اقترحه‬ ‫ولا تملك �إمات َة ح ٍّي‪ ،‬وال‪  ‬إ�حياء م ّيت‪ ،‬ولا َن�ْ َشه من‬
‫ه�ؤلاء الم�شركون‪ :‬ب�ساتين تجري من تحتها ا ألنهار‪،‬‬ ‫بعد مماته‪ ،‬وتركوا عباد َة خالق ك ِّل �شيء‪ ،‬ومال ِك النفع‬
‫وق�صوراً َمبن ّي ًة ُم�ش ّيدة كالتي َو َع َدك �إياها في الجنة‪،‬‬
‫ولك ْن لم ي�ش أ� اللهُ لك �شيئ ًا من زخارف الدنيا‪ ،‬بل �شاء‬ ‫وال ُّ�ض‪ ،‬والذي بيده الموت والحياة والن�شور‪.‬‬
‫�أن يجعل لك ما هو خي ٌر من الجنات والق�صور‪� ،‬شا َء �أ ْن‬
‫تكو َن عبداً ور�سول ًا َتمل دعو َته وتب ّلغ كلامه؛ ولكنهم‬ ‫‪ 4‬وقال ه ؤ�لاء الكافرون بالله الذين اتخذوا ِمن‬
‫دونه آ�له ًة‪ :‬ما هذا القر آ�ن الذي جاءنا به محم ٌد إ� ّل كذ ٌب‬
‫قو ٌم لا يفقهون‪.‬‬ ‫و ُبهتان‪ ،‬اخ َت َلقه وتخ َّر�صه وتق َّوله‪ ،‬و�أعانه على اختلاقه‬
‫‪ 11‬ما ك َّذب ه�ؤلاء الم�شركون و أ�ن َكروا ما جئ َتهم به‬ ‫اليهو ُد؛ ُيلقون �إليه أ�خبار الأمم الدار�سة وهو يع ِّب عنها‬
‫يا محمد ِمن الح ّق ألنك ب�شرٌ مثلهم ت�أكل الطعام وتم�شي‬ ‫بعبارته‪ ،‬فقد �أتى قائلو هذه المقالة ظلم ًا عظيم ًا‪ ،‬وكذب ًا‬
‫في الأ�سواق‪ ،‬وما اقترحوا ما اقترحوه من ا آليـات ِلق ّلة‬
‫دلائل �صدقك عندهم‪ ،‬ولك ْن ِمن أ�جل �أنهم لا ُيوقنون‬ ‫مبين ًا؛ حيث َن�سبوا �إليه ‪ - -‬ما هو بري ٌء منه‪.‬‬
‫بالـ َمعاد‪ ،‬و أ�عددنا ِلـ َمـ ْن كـ ّذب بالـ َمعاد ناراً عظيمة‬
‫‪ 5‬وقال ه ؤ�لاء الم�شركون‪ :‬هذا الذي جاءنا به محم ٌد‬
‫َت َ�س َّعر عليهم وت َّتـقد‪.‬‬ ‫�أحادي ُث الأَ ّولين التي كانوا ي�س ّطرونها في كتبهم‪،‬‬
‫اكتتبها محمد ِم ْن يهود‪ ،‬فهي ُتقر�أ عليه ُغدو ًة‪ ‬وع�ش ّي ًا‪.‬‬
‫‪360‬‬
‫‪ 6‬قل‪ -‬يا محمد‪ -‬له�ؤلاء المك ِّذبين ب آ�يات الله ِم ْن‬
‫م�شركي قومك‪ :‬ما الأم ُر كما تقولون‪ ،‬بل هو الح ُّق‪� ،‬أنزله‬
‫الله الذي َيعلم �س َّر َم ْن في ال�سماوات و َم ْن في الأر�ض‪،‬‬
‫ولا يخفى عليه �شيء‪ ،‬وهو ُمح�ٍص ذلك على َخ ْلقه‪،‬‬
‫ومجازيهم‪ ،‬واللهُ لم يزل َي�صفح عن خلقه ويرحمهم‪،‬‬
‫ولأ َّن ذلك ِمن عاداته في خلقه ف�إنه ُيهلكم �أيها القائلون‬

‫ما قلتم ِمن الإفك‪ ،‬والفاعلون ما َفعلتم من الكفر‪.‬‬

‫‪ 8 7‬وقال الم�شركون‪ :‬ما لهذا الذي يز ُعم أ� َّن الله‬
‫بعثه �إلينا ر�سول ًا ي أ�ك ُل الطعام كما ن أ�كل‪ ،‬ويم�شي في �أ�سواقنا‬
‫كما نم�شي! ه ّل �إ ْن كان �صادق ًا �ُأن ِز َل �إليه م َل ٌك‪ ،‬فيكو َن معه‬
‫منذراً للنا�س‪ ،‬م�ص ِّدق ًا لما يقوله‪ .‬أ�و ُيلقى �إليه كن ٌز من ف�ض ٍة‬
‫�أو ذهب‪ ،‬فلا َيحتاج �إلى َط َلب المعا�ش‪� ،‬أو يكون له ب�ستا ٌن‬
‫ي�أكل منه‪ .‬وقال الم�شركون للم�ؤمنين‪ :‬ما تتبعون أ�يها القوم‬

‫‪ -‬با ّتباعكم مح ّمداً‪� -‬إ ّل رجل ًا م�سحوراً‪.‬‬

‫‪ 9‬انظر ‪ -‬يا محمد‪ -‬إ�لى ه ؤ�لاء الم�شركين الذين �َش َّبهوا‬
‫الت�شبيهات الفا�سد َة واخترعوا ا ألقاوي َل ال�شاذ َة الغريب َة‬

‫�إليه في ا آلخرة جزا ًء على �إيمانهم و أ�عمالهم ال�صالحة؟!‬ ‫‪� 12‬إذا ر�أ ْت هذه النا ُر �أ�شخا َ�صهم من مكان بعيد‪،‬‬
‫‪ 16‬له�ؤلاء المتقين في جنة الـ ُخلد ما ت�شتهيه ا ألنف� ُس‬ ‫تغيظ ْت عليهم‪ ،‬ف�سمعوا لها �صو َت التغ ُّي ِظ من �شدة‬
‫وتل ُّذ الأعين‪ ،‬ماكثين فيها �أبداً‪ ،‬لا يزولون عنها‪ ،‬ولا‬
‫يزول عنهم نعي ُمها‪ ،‬وكان هذا العطا ُء و ْعداً م ْن ربك‬ ‫التل ُّهب والتو ُّقد‪.‬‬
‫‪ 13‬و�إذا ُ�ألقي ه ؤ�لاء المك ّذبون بال�ساعة من النار‬
‫حا�صل ًا لا َمحال َة‪ ،‬والله لا يخلف الميعاد‪.‬‬ ‫مكان ًا َ�ض ّيق ًا‪ ،‬قد ق ِّرنت �أيديهم إ�لى أ�عناقهم في ا ألغلال‬
‫د َعوا هنالك على �أنف�سهم بالهلاك الذي ُينهي ما هم‬
‫‪ 17‬ويوم َيح�شر اللهُ ه�ؤلاء المكذبين بال�ساعة‪،‬‬
‫العابدين ا ألوثا َن‪ ،‬وما يعبدون من دون الله من الملائكة‬ ‫فيه من العذاب‪.‬‬
‫والإن�س والجن‪ ،‬فيقول للمعبودين‪� :‬أ أ�نتم �أزللتم عبادي‬
‫هحتؤ�لىاءتاعهنواطوريهلقكالواح‪ّ ،‬قَ�أ‪ْ،‬موهدمعالوتذميونه�أمخإ�لطى�ؤاولاغ�ِّسيبيواللال�ضرل�اشلةد‬ ‫‪ 14‬فيقال لهم على ِج َه ِة الت أ�ْيـي�س وا إلقناط من‬
‫النجاة‪ :‬لا تدعوا اليوم على أ�نف�سكم بالهلاك م ّر ًة‬
‫والحق من �أنف�سهم؟‬ ‫واحد ًة‪ ،‬بل م ّرات كثيرة‪ ،‬فما �أنتم فيه من العذاب �أنوا ٌع‬

‫‪ 18‬قالت الملائك ُة وعي�سى عليه ال�سلام‪ :‬تنزيه ًا لك‬ ‫تتقلبون فيها‪ ،‬ولا نجا َة لكم اليوم مهما دعوتم‪.‬‬
‫يا ربنا‪ ،‬وتبرئ ًة مما أ��ضاف �إليك ه ؤ�لاء الم�شركون‪ ،‬ما كان‬
‫ينبغي لنا ‪ -‬ونحن عبادك المطيعون لك‪ -‬أ� ْن نتخذ ِم ْن‬ ‫‪ 15‬قل ‪ -‬يا ر�سول الله‪ -‬له ؤ�لاء المك ِّذبين بال�ساعة‪:‬‬
‫دونك ِم ْن أ�ولياء نوا ِليهم‪ ،‬أ�نت ول ُّينا ِم ْن دونهم‪ ،‬ولكن‬ ‫�أهذه النار ‪ -‬التي َو�صف لكم ر ُّبكم �صف َتها و�صف َة‬
‫م َّت ْعتهم ب�أنواع النعم فا�ستغرقوا في ال�شهوات وغفلوا‬ ‫أ�هلها‪ -‬خي ٌر أ�م جن ُة الـ ُخلد التي يدوم نعي ُمها ولا َيبيد‪،‬‬
‫عن ذكرك ودلائل وحدانيتك و�شكر �آلائك‪ ،‬وكانوا‬ ‫التي َوعد بها َمن اتقاه و�أطاعه ِم ْن عباده‪ ،‬م�صيراً ي�صيرون‬

‫قوم ًا َهلكى‪ ،‬قد َغ َلب عليهم ال�شقاء وال ِخذلان‪.‬‬

‫‪ 19‬يقول تعالى ُمخبراً ع ّما هو قائ ٌل للم�شركين‬
‫عند تب ِّري المعبودين منهم‪ :‬قد ك َّذبكم �أيها الكافرون‬
‫َم ْن زعمتم أ�نهم �أ�ضلوكم ودعوكم إ�لى عبادتهم‪،‬‬
‫فما َتقدرون اليو َم أ� ْن ت�صرفوا العذاب عن �أنف�سكم‬
‫قبل وقوعه ولا �أن تن�صروها �إذا وقع‪ .‬و َم ْن ي�شر ْك‬
‫بالله فيظلم نف َ�سه منكم‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬ك َد ْ�أب ه�ؤلاء‬

‫الكفرة ُنذقه عذاب ًا كبيراً لا ُيق َدر َق ْدره‪.‬‬

‫‪ 20‬وما أ�نكر ه�ؤلاء الكفار ِم ْن �أ ْك ِلك ‪ -‬يا محمد‪-‬‬
‫الطعام‪ ،‬وم�ش ِيك في ا أل�سواق‪ ،‬و�أن َت لله ر�سو ٌل! فقد‬
‫َع ِلموا أ� ّنا ما �أر�سلنا قبلك ِمن المر�سلين �إ ّل َم ْن كان‬
‫كذلك‪ ،‬فلي�س لهم عليك بما قالوا ُح ّج ٌة‪ .‬وقد‬
‫امتح ّنا ‪� -‬أيها النا�س‪ -‬بع َ�ضكم ببع�ض فخالفنا في‬
‫المواهب وا ألُعطيات‪ ،‬لنختبركم‪ ،‬و َنرى ِفع َلكم‪ ،‬ور ُّبك‬

‫‪ -‬يا محمد‪ -‬ب�صي ٌر ِبـ َم ْن ي�صبر‪ ،‬و ِبـ َم ْن يجزع‪.‬‬

‫‪361‬‬

‫وكان ال�شيطان دائم ًا و أ�بداً َخ ُذول ًا ل إلن�سان‪َ ،‬ي ْ�صفه عن‬ ‫‪ 21‬وقال الذين لا يخافون لقاءنا ‪ -‬إلنكارهم البع َث‬
‫الحق ث َّم يتر ُكه ولا ين َف ُعه‪.‬‬ ‫والح�ساب تع ُّنت ًا وعناداً‪ :-‬ه ّل �أُنزل علينا الملائك ُة‬
‫فتخبرنا أ� ّن محمداً �صادق‪ ،‬أ�َو نرى َر َّبنا ِعيان ًا في أ�مرنا‬
‫‪ 30‬وقال الر�سو ُل مت�ض ّرع ًا و�شاكي ًا لر ّبه‪ :‬يا ر ِّب �إ َّن‬ ‫بت�صديقه وا ّتباعه‪ .‬لقد تم ّكن ال ِك ْب من نفو�س ه ؤ�لاء؛‬
‫َق ْومي تركوا هذا القر آ�ن بال ُك ِّلية و�ص ّدوا عنه‪.‬‬ ‫فتجاوزوا الح َّد في الظلم والطغيان‪ ،‬واجتر�ؤوا على‬

‫‪ 31‬وكما جعلنا لك ‪� -‬أيها الر�سول‪� -‬أعدا ًء من‬ ‫طلب ما لي�سوا له ب�أهل‪.‬‬
‫الم�شركين‪ ،‬جعلنا لك ِّل نب ٍّي ِم ْن قبلك عد ّواً ِمن كفار‬
‫قومه‪ ،‬فما �أ�صابك قد أ��صاب ال ُّر�س َل ِم ْن قبلك فا�صبر‬ ‫‪ 22‬يوم يرى ه ؤ�لاء الكافرو ُن الملائك َة ‪ -‬عند الموت‬
‫كما �صبروا‪ ،‬وكفى بربك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬هادي ًا إ�لى‬ ‫أ�و البعث كما طلبوا‪ -‬هو يو ٌم لا خي َر لهم فيه أ�بداً ولا‬
‫خير لهم ِم ْن َوراء ر ؤ�يتهم‪ ،‬ويطلبون ِم ْن َهول ر�ؤيتهم �أن‬
‫الح ّق‪ ،‬ون�صيراً لك عليهم‪.‬‬
‫يكون بينهم وبين الملائكة حاج ٌز عظيم‪.‬‬
‫‪ 32‬وقال كفار قري�ش معتر�ضين بما لا طائ َل تحته‪:‬‬
‫ه ّل ُن ِّز َل على محمد القر آ� ُن ُج ْم َل ًة واحد ًة‪ ،‬كما نزلت‬ ‫‪ 23‬و َع َمدنا إ�لى ما عمل الكافرون ِمن ال ِ ِّب والخير‬
‫الكت ُب ال�سابقة! ف أ�جاب الله مب ّين ًا ِح ْك َمة ذلك فقال‪:‬‬ ‫ف�أحبطناه لعدم إ�يما ِنهم‪ ،‬فهو ي ؤ�مئ ٍذ ك ُغبا ٍر منثو ٍر ال‪ُ  ‬يرى‬
‫ن ّزلناه مف َّرق ًا لنق ّوي به قلبك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬أ�مام ما‬
‫إ�لا في �شعاع ال�شم�س‪.‬‬
‫تلقاه‪ ،‬وف ّ�صلنا �آيات ِه تف�صيل ًا عجيب ًا بديع ًا‪.‬‬
‫‪ 24‬أ�ه ُل الجنة يوم القيامة خي ٌر َم ْن ِزل ًا َي�ستقرون فيه‪،‬‬
‫و�أح�س ُن مكان ًا َي�ستر ِوحون فيه مع �أزواجهم‪ ،‬من‬
‫ه ؤ�لاء الم�شركين‪ .‬وهذا ت ُّهك ٌم به�ؤلاء الذين ا�ستكبروا‬
‫وتجاوزوا الح ّد في الطغيان؛ �إذ لا خي َر الب َّت َة فيما هم فيه‬

‫يومئ ٍذ من العذاب‪.‬‬

‫‪ 25‬واذكر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬يو َم تت�ش ّقق ال�سماء‬
‫ب�سبب طلوع الغمام منها‪ ،‬وتنز ُل ملائك ُة ال�سماوات‬

‫إ�لى ا ألر�ض فتحيط بالخلائق في المح�َش‪.‬‬

‫‪ 26‬الـ ُملك الذي هو الملك ح ّق ًا هو للرحمن يومئ ٍذ؛‬
‫فلا يق�ضي في هذا اليوم �سواه‪ ،‬وكان يوم ًا �صعب ًا �شديداً‬

‫على‪ ‬الكافرين‪.‬‬

‫‪ 29 - 27‬وفي هذا اليوم ي َع�ُّض الظالـ ُم لنف�سه‬
‫الم�شر ُك بر ّبه على يديه ندم ًا وتح�ُّساً‪ ،‬يقول‪ :‬ليتني اتبع ُت‬
‫محمداً واتخذت معه طريق ًا �إلى النجاة‪ .‬ويدعو على‬
‫نف�سه بالهلاك‪ ،‬ويقول متح�ّساً‪ :‬ليتني لم �أتخذ هذا‬
‫الذي َ�أ�ض ّلني عن الحق في الدنيا �صديق ًا وخليل ًا‪ .‬فقد‬
‫�ص َّدني والل ِه عن ا إليمان بعد �إذ جاءني وتم َّكن ُت منه‪،‬‬

‫‪362‬‬

‫في الآخرة للظالمين ‪ -‬ب�سبب ظلمهم وكفرهم بالله‪-‬‬ ‫‪ 33‬فلا ي�أتونك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬ب�س ؤ�ا ٍل عجي ٍب من‬
‫عذاب ًا أ�ليم ًا‪ُ  ‬مو ِجع ًا‪.‬‬ ‫�س ؤ�الاتهم الباطل ِة‪ ،‬واقتراحا ِتهم الفا�سدة‪ ،‬إ� ّل أ�جبناهم بما‬

‫‪ 38‬و�أهكلنا قو َم عا ٍد وقو َم ثمود لـ ّما ك ّذبوا ُر�سلهم‪،‬‬ ‫ير ُّد باطلهم‪ ،‬وبما هو أَ�ح�س ُن بيان ًا وتف�صيل ًا مما ذكروا‪.‬‬
‫و�أهلكنا أ��صحاب ال َّر� ِس بتكذيبهم نب َّيهم ‪ -‬وال ّر� ُّس‬
‫بئ ٌر عظيمة كانوا يجتمعون حولها‪ ،‬وقيل غير ذلك‪-‬‬ ‫‪ 34‬و ِم ْن ُق ْبح حا ِل المعاندين للر�سول الم�ض ِّلين عن‬
‫�سبيله‪� ،‬أنهم ُيح�شرون َم�سحوبين على وجوههم إ�لى‬
‫و�أهلكنا ُ�أمم ًا كثيرة بين ه ؤ�لاء لا يعلمهم �إلا الله‪.‬‬ ‫جهنم �إهان ًة لهم‪ ،‬و أ�ولئك �ش ُّر النا�س َمنزل ًا وم�صيراً‪،‬‬

‫‪ 39‬وك ُّل ه�ؤلاء ال�سابقين ب ّينا لهم الـ ُحج َج وو َّ�ضحنا‬ ‫و�أ�ض ُّلهم طريق ًا عن الر�شاد‪.‬‬
‫لهم الأد ّلة‪ ،‬فل ّما �أ�ص ّروا على الكفر د ّمرناهم تدميراً‪.‬‬
‫‪ 36 35‬ولقد �آتينا مو�سى التورا َة وق ّويناه ب�أخيه‬
‫‪ 40‬ولقد َم َّر قو ُمك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬في رحلات‬ ‫هارون ُمعين ًا‪ .‬فقلنا لهما اذهبا إ�لى فرعون وقو ِمه‬
‫تجارتهم إ�لى ال�شام على قري ِة قو ِم لوط التي ُأ�مطر ْت‬ ‫ب آ�ياتنا التي تر�شدهم �إلى الإيمان و ُتقيم الـ ُح ّجة عليهم‪،‬‬
‫بالحجارة مط َر العذاب ‪ -‬وهي قرية �َس ُدوم‪� -‬أفلم‬ ‫فك ّذبوهما بعدما ر�أوا ا آلي َة ِت ْلو ا ألخرى‪ ،‬فد ّمرناهم إ� ْثر‬
‫يكونوا يرونها في أ��سفارهم فيعتبروا بما ح�صل لهم؟!‬
‫والذي حا َل بينهم وبين الاتعاظ والاعتبار هو �إنكا ُرهم‬ ‫ذلك تدميراً هائل ًا عجيب ًا‪.‬‬

‫للبعث والح�سا ِب وعد ُم َتو ُّقع يو ٍم ُيجازون فيه‪.‬‬ ‫‪ 37‬وكذلك قو ُم نوح ك ّذبوا ر�سو َلهم ف�أغرقناهم‬
‫بالطوفان‪ ،‬وجعلنا إ�غرا َقهم ِعبر ًة لمن بعدهم‪ ،‬و أ�عددنا‬
‫‪ 42 41‬و إ�ذا ر آ�ك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬م�شركو مك َة‬
‫ي�ستهز ُئون بك‪ ،‬ويقولون مته ّكمين وم�ستنكرين‪ :‬أ�هذا‬ ‫‪363‬‬
‫الذي بعثه الله ر�سول ًا ِم ْن بين خلقه؟! ويقولون فيما بينهم‪:‬‬
‫قد كاد محم ٌد �أن َي�صرفنا بقوة ُح ّجته عن عبادة �آلهتنا‪،‬‬
‫ولولا �صب ُرنا وثبا ُتنا على عبادتها ل َ�صف َنا عنها‪ .‬و�س َي ْظهر‬
‫له�ؤلاء الكافرين حين يعاينون عذاب الله َم ْن أ�َ ْبع ُد طريق ًا‬

‫عن الحق‪� ،‬أهم �أم �أنت �أيها الر�سول والم�ؤمنون‪.‬‬

‫‪ 43‬أ�ر أ�يت ‪� -‬أيها الر�سول‪َ -‬م ْن َج َع َل هواه �إله ًا كيف‬
‫يكون حا ُله؟! �أف�أنت تكون عليه حافظ ًا َت َف ُظه من اتباع‬
‫هواه؟! ك ّل فل�س َت م�س�ؤول ًا عن ذلك‪ .‬وفي هذا َت ْيئـي� ٌس‬
‫ِم ْن �إيمان َم ْن هذا حاله‪ ،‬وت�سلي ٌة للنبي ‪ ‬وتخفيف‬

‫عنه‪.‬‬

‫�أفله َلاهُتا‪،‬طعولككفّناا َركمّرمكنةا فكي بماالبيعثدةع �إولنىكجإ�ليميهع ِم أ�نه الل َاك أل ِّرف�عض‪،‬ن‬ ‫‪ 44‬أَ� َت�سب ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬أ� ّن �أكثر ه ؤ�لاء الم�شركين‬
‫�آلهتهم‪ ،‬وجاهدهم بالقر آ�ن جهاداً لا ُفتور فيه‪.‬‬ ‫ي�سمعون ما ُيتلى عليهم �سما َع ت َد ُّب ٍر‪ ،‬أ�و يعقلون ما‬
‫ُيعاينون ِم ْن ُحجج الله فتكون لهم عبرة؟ ك ّل لي�سوا‬
‫‪ 53‬واللهُ الذي �أر�سل البحرين؛ الع ْذ َب ال�شدي َد‬ ‫كذلك‪ ،‬وما هم إ�لا كالأنعام في عدم انتفاعهم بالكلام‪،‬‬
‫ال ُعذوبة ‪ -‬وهو ماء ا ألنهار‪ -‬والمال َح ال�شديد الـ ُمـلـوحـة‬ ‫بل هم �أ�سو�أُ حال ًا منها؛ �إذ ا ألنعا ُم تنقاد ل�صاحبها الذي‬
‫‪ -‬وهو ماء البحر‪ -‬يلتقيان دون أ�ن يبغي ما ُء البحر‬ ‫ُيح�سن إ�ليها‪ ،‬وهم لا يطيعون ر َّبهم الذي �أنعم عليهم‪.‬‬
‫على ماء النهر الذي منه حيا ُة كثير من النا�س والحيوان‬ ‫‪�َ 46 45‬ألَـ ْم َتنظ ْر �إلى عجيب ُ�ص ْنع ر ِّبك‪ ،‬كيف‬
‫ب َ�سط الظ َّل بقدرته وجعله ممدوداً على كل �شيء من‬
‫والنبات‪� ،‬إذ جعل بقدرته حاجزاً يف�صل بينهما‪ ،‬ومانع ًا‬ ‫وقت طلوع الفجر �إلى بزوغ ال�شم�س؟ ولو �شاء أ�ن‬
‫لا �سبي َل �إلى َرفعه يمنع اختلاطهما‪.‬‬ ‫ي�ستم َّر هذا الظ ُّل ثابت ًا لجعله ثابت ًا دائم ًا لا يزول ‪-‬كظل‬
‫الجنة الذي ُو�صف ب�أنه ظ ٌل ممدو ٌد يتن ّعم فيه �أهلها؛ حيث‬
‫�ضعيف ٍة‬ ‫وكهامو �لسبالحِخالنهقةال‪،‬ذفيجعخللهققب�قسدمريتنه‪ِ:‬م ْنذ ُنكوطفراًٍة‬ ‫‪54‬‬ ‫لا �شم�س حارقة ولا ُظلمة حالكة‪ -‬ث ّم َجعلنا ال�شم� َس‬
‫ُي ْن َ�س ُب‬ ‫�إن�سان ًا‬ ‫بعد �شروقها دليل ًا على وجو ِد الظ ِّل‪ ،‬فلولا ال�شم�س لما‬
‫ُعرف الظ ُّل‪ ،‬ث َّم أ�زلناه بعد امتداده تدريجي ًا بظهور‬
‫إ�ليهم‪ ،‬و إ�ناث ًا ُي�صا َهر به ّن‪ ،‬وكان ربك قديراً على خلق‬ ‫�شعاع ال�شم�س �شيئ ًا ف�شيئ ًا‪ .‬والإ�شارة إ�لى َخ ْل ِق الله تعالى‬
‫ما ي�شاء‪.‬‬ ‫اللوماهلْمطذ َلاراِا ُقلدظتنفبِّليي ُهوازلجواك ِلمويه ِعندل‪.‬ايلم ٌلوك َّلعظفلايهىنُرع�إل َاظلىمخ ِنةطعاالمخِةابلالقللظترِّعل�اسلووىقلدوتر ِة�صاُّرلِف‪‬ل‪،‬هه‬

‫‪ 55‬وه�ؤلاء الكافرون لجهلهم و�إنكا ِرهم هذه‬ ‫وجما ِل �صنعه في خلقه‪.‬‬

‫البراهين يتركون عباد َة الله الخال ِق المنعم‪ ،‬ويعبدون من‬ ‫‪ 47‬واللهُ هو الذي َج َع َل لكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬اللي َل‬
‫دونه جمادات لا تنفع ولا ت�ض ُّر‪ ،‬وكان الكافر معاون ًا‬ ‫ِ�ستراً ت�ستترون بظلمته‪ ،‬وجعل لكم النوم �سكون ًا وراح ًة‬

‫لل�شيطان على مع�صية الله وعبادة غيره‪.‬‬ ‫ألبدانكم‪ ،‬وجعل النهار تنت�شرون فيه ابتغا ًء لرزقكم‪.‬‬

‫‪ 49 48‬وهو َو ْحده �سبحانه الذي أ�ر�سل بقدرته‬
‫الرياح فت�سوق ال�ُّس ُح َب تب�ّش ب ُقرب نزول المطر‪ ،‬و�أنزلنا‬
‫لكم من ال�سماء ما ًء طاهراً غاي َة الطهارة‪ ،‬و ُم ِّطهراً لكم‪.‬‬
‫ولنحيي به أ�ر�ض ًا جدباء لا نبات فيها‪ ،‬ون�سقي به ِم ْن‬

‫َخ ْل ِقنا أ�نعام ًا من البهائم‪ ،‬وب�شراً كثيراً‪.‬‬

‫‪ 50‬ولقد ق�َّسمنا هذا المطر بقدرتنا بين عبادنا‪ ،‬فنزيده‬
‫في بع�ض البلاد و َننق�صه �أو َننعه �أخرى‪ ،‬ليتف َّكروا في‬
‫ِن َعمنا فيحمدونا‪ ،‬ف�أ َبى أ�كثرهم إ� ّل جحودها‪ ،‬و ِق ّل َة‬

‫الاك ِتاث ب�ش�أنها‪.‬‬

‫‪ 52 51‬ولو �شئنا لخ ّففنا عنك ‪� -‬أيها الر�سول‪-‬‬
‫�أعبا َء النب ّوة ف أ�ر�سلنا في زمنك في كل قرية ر�سول ًا ُينذر‬

‫‪364‬‬

‫‪ 60‬و�إذا قيل لكفار مكة‪ :‬اجعلوا �سجودكم‬

‫وخ�ضوعكم للرحمن وحده‪ ،‬قالوا على �سبيل التجاهل‬

‫و�سوء ا ألدب والجحود‪ :‬وما هو الرحمن؟! �أن�سجد‬
‫يا محمد ِلـ َما ت�أمرنا بال�سجود له من غير أ�ن نعرفه؟!‬

‫وزادهم الأم ُر بال�سجود للرحمن نفوراً من الإيمان‪.‬‬

‫‪ 61‬تق َّد�س وتعاظم الرحم ُن‪ ،‬الذي جعل في ال�سماء‬
‫مناز َل لكواكبها‪ ،‬وجعل فيها �شم�س ًا‪ ،‬وقمراً ُينير ا ألر�ض‬

‫�إذا طلع‪.‬‬

‫‪ 62‬وهو �سبحانه الذي جعل الليل والنهار متعاق َب ْ ِي‬ ‫‪ 56‬وما �أر�سلناك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬إ� ّل مب�ّشاً بالثواب‬
‫بنظا ٍم دقيق‪ ،‬تذكر ًة لمن �أرا َد �أَ ْن يتذ َّكر فيعل َم �أ ّن الله لم‬ ‫لمن �آمن و�أطاع‪ ،‬ومنذراً بالعقاب لمن كفر‪ ‬وع�صى‪.‬‬
‫يخلقهما كذلك عبث ًا فيعتبر‪� ،‬أو أ�راد �أ ْن َي�شكر الله على‬
‫‪ 57‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لقومك‪ :‬ما �أ�س أ� ُلكم على‬
‫ما �أَودعه فيهما من ال ِّنعم وا أللطاف الكثيرة‪.‬‬ ‫تبليغ الر�سالة أ�جراً‪ ،‬ولكن َم ْن �شاء منكم أ�ن ي ّتخذ �إلى‬

‫‪ 63‬وعبا ُد الرحمن الذين يم�شون على الأر�ض ب َ�سكين ٍة‬ ‫َم ْر�ضاة ربه �سبيل ًا با إليمان و�سائر ما يق ّربه �إليه‪ ‬فليفع ْل‪.‬‬
‫ووقا ٍر دون تك ُّ ٍب �أو اختيا ٍل‪ ،‬و�إذا خاطبهم ال�سفهاء بما‬
‫َيكرهون �أجابوا بالمعروف من ال َقول‪ ،‬الذي لا �إ ْثم فيه‬ ‫‪ 58‬و�ِ ْس ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬في أ�مورك ك ِّلها متوكل ًا‬
‫على الله الح ِّي الذي لا يموت �أبداً‪ ،‬ف�إنه كافي َك‪ ،‬ون ّزهه‬
‫ولا إ�يذاء‪.‬‬ ‫تعالى عما لا يليق به‪ُ ،‬م ْثني ًا عليه ب�صفات الكما ِل‪ ،‬وكفى‬

‫‪ 64‬والذين َيبيتون لربهم في �صلا ٍة ُيرا ِوحون بين‬ ‫بر ّبك ب ُذنوب عباده عليم ًا علم ًا تا ّم ًا فيجازيهم بها‪.‬‬
‫ال�سجود والقيام‪.‬‬
‫‪ 59‬وهو �سبحانه الذي خلق ال�سماوات والأر�َض وما‬
‫‪ 66 65‬وهم مع طاعتهم لله م�شفقون َو ِج ُلون من‬ ‫بينهما في �ستة أ�يام ث ّم ا�ستوى على العر�ش ا�ستوا ًء يليق‬
‫عذابه‪ ،‬يقولون‪ :‬ربنا �أَ ْب ِعد ع ّنا عذا َب جهنم‪� ،‬إ َّن عذابها‬ ‫بجلاله ‪ -‬لا كما يخطر بالأوهام‪ -‬ذاك هو الرحمن‪،‬‬
‫دائ ٌم غي ُر ُمفارق َم ْن ُع ِّذب به من الكفار‪ ،‬ملاز ٌم له‬ ‫فا�س أ� ْل عنه َم ْن هو خبي ٌر به ُيخبرك‪ ،‬والخبي ُر هو ر ُّبك‪،‬‬

‫ملازم َة الغري ِم لغريمه‪ .‬وبئ�ست جهن ُم منـ ِزل ًا و ُمقام ًا‪.‬‬ ‫فهو العليم‪ ‬بذاته‪.‬‬

‫‪ 67‬وهم ‪� -‬أي عباد الرحمن‪� -‬إذا أ�نفقوا أ�موا َلهم‬ ‫‪365‬‬

‫لم يجاوزوا الح َّد الذي أ�باحه الله ف ُي�سرفوا‪ ،‬ولم يبخلوا؛‬
‫فيقتروا و ُي�ض ّيقوا‪ ،‬و�إنما هم َو�َس ٌط بين الإ�سراف وال ّتقتير‪.‬‬

‫طائعين‪ ،‬واجعلنا يا ر ّبنا �أُ�سو ًة وقدوة للمتقين يقتدون‬ ‫‪ 69 68‬والذين هم بخلا ِف �أه ِل الكفر‪ ،‬يجتنبون‬
‫بنا في الخير‪.‬‬ ‫المعا�صي؛ فلا يعبدون مع الله إ�له ًا �آخر‪ ،‬ولكن يو ّحدونه‬
‫ويخل�صون له العبادة و ُي ْفردونه بالطاعة‪ ،‬ولا يقتلون‬
‫‪� 76 75‬أولئك العباد المو�صوفون بال�صفات الكريم ِة‬ ‫النف� َس التي ح ّرم الله قت َلها‪� ،‬إلا ب�سب ٍب ح ٍّق ُيزيل ِع�صم َتها‬
‫ال�سابقة‪َ ،‬يجزيهم الله في ا آلخرة الدرج َة والمنزل َة الرفيع َة‬ ‫و ُحرمتها‪ ،‬ولا يزنون؛ بل يحفظون فروجهم إ�لا على‬
‫في الجنة ب�سبب �صبرهم على م�شا ِّق الطاعات‪ ،‬و ُيتل َّقون‬ ‫َم ْن ح َّل لهم‪ ،‬و َم ْن يفع ْل �شيئ ًا من هذه الكبائر َي ْل َق عقاب ًا‬
‫في الجنة بالتحية وال�سلام‪َ .‬خا ِل ِدي َن في الجنات العالية‪ ،‬لا‬ ‫َنكال ًا‪ُ ،‬ي�ضا َعف له العذا ُب يوم القيامة‪ ،‬و إ� ْن كان ِم ْن �أهل‬
‫يتح ّولون عنها ولا يموتون‪َ ،‬ح ُ�سنت تلك ال ُغرفة والمنزلة‬
‫ال�شرك‪ ،‬ف�إ ّنه يخلد في العذاب الم�ضا َعف ذليل ًا‪ ‬حقيراً‪.‬‬
‫الرفيعة ُم�ستق ّراً لمن ا�ستق َّر بها‪ ،‬و ُمقام ًا لمن �أقام بها‪.‬‬
‫‪ 70‬ولك ْن َم ْن تاب ِمن الذنوب التي َفعلها بالإقلاع‬
‫‪ 77‬قل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬للنا�س م�ؤ ِمنهم وكاف ِرهم‪:‬‬ ‫والندم عليها‪ ،‬و آ�م َن �إيمان ًا �صادق ًا‪ ،‬و أَ�تب َع ذلك الطاعا ِت‬
‫لا ُيبالي بكم ربي‪ ،‬ولا َو ْز َن لكم عنده لولا دعا�ؤكم‬ ‫وا ألعما َل ال�صالح َة‪ ،‬ف أ�ولئك يمحو الله عنهم �سيئاتهم‪،‬‬
‫وعباد ُتكم له‪ .‬فقد ك َّذب ُتم يا �أهل مكة بما دعوتكم �إليه‬ ‫و ُي ْثب ُت لهم مكانها ح�سنا ٍت؛ ِلـما كان منهم ِمن ِ�صدق‬
‫من التوحيد والطاعة‪ ،‬ف�سوف يكون جزا ُء التكذي ِب‬ ‫الإيمان و ُح�سن التوبة‪ ،‬وكان الله وا�س َع المغفرة والرحمة‬

‫ُمقت�ضي ًا لعذابكم وهلا ِككم‪ ،‬لازم ًا لكم لا َمحال َة‪.‬‬ ‫لمن تاب �إليه و�أناب‪.‬‬

‫‪366‬‬ ‫‪ 71‬و َم ْن تاب مما اقترفه من الذنوب‪ ،‬وح َّق َق‬
‫توب َته بالأعمال ال�صالحة‪ ،‬فهذا هو الذي تاب �إلى‬

‫الله ح َّق التوبة‪.‬‬

‫‪ 72‬والذين ‪� -‬أي عباد الرحمن‪ -‬لا ي�شهدون‬
‫ال�شهادة ال ُّزور‪ ،‬ولا يح�ضرون مجال�س الكذب وال َّلهو‬
‫والباطل‪ ،‬و إ�ذا م ّروا ب�أهل ال َّلغو أَ�عر�ضوا‪ ،‬ولم يدخلوا‬

‫معهم تنـزيه ًا ألنف�سهم عن ذلك‪.‬‬

‫‪ 73‬والذين إ�ذا ُذ ِّكروا بالقر آ�ن وبما فيه المواعظ وال ِعبر‪،‬‬
‫لم يتغافلوا عنها ك أ�نهم ُ�ص ٌّم لم ي�سمعوها و ُعم ٌي لم‬
‫يروها؛ بل ي�سمعون ما ُي َذ َّكرون به فيفهمونه‪ ،‬ويرون‬

‫الح َّق فيه فيتبعونه‪.‬‬

‫‪ 74‬والذين ي�س�ألون الله في دعائهم ويت�ض ّرعون �إليه‬
‫قائلين‪َ :‬ر َّبنا َه ْب لنا بف�ضلك و ُجودك من �أزواجنا‬
‫وذرياتنا ما تق ُّر به أ�عي ُننا و ُت�س ّر به نفو�سنا ب�أن نراهم ل َك‬

‫العذاب بهم أ� َّن ما كانوا به ي�ستهز ُئون هو الح ّق‬
‫ِم ْن‪ ‬ربهم‪.‬‬

‫‪� ٨ ٧‬ألم يتن َّبه ه ؤ�لاء المك ِّذبون الم�سته ِز ُئون إ�لى‬
‫عظم ِة الله‪ ،‬فينظروا إ�لى عجائب الأر�ض كيف أ�خرج‬
‫الله منها �أنواع ًا لا ُت�صى من النباتات الكريمة النافعة؟‬
‫إ� ّن فيما أ�نبتنا في الأر�ض آلي ًة عظيم ًة على كما ِل قدر ِة‬
‫ُمنبتها‪ ،‬و�سع ِة رحمته‪ُ ،‬موجب ًة ل إليمان به‪ ،‬وما كان �أكث ُر‬
‫ه�ؤلاء في ِعلمنا م�ؤمنين لان�صرافهم عن التدبر في هذه‬

‫الآيات‪.‬‬

‫‪ ٩‬و�إ َّن ر ّبك لهو الغا ِلب على أ�مره‪ ،‬الرحيم ب َخلقه‪،‬‬
‫ولذلك �أَمهلهم‪ ،‬ولم يعاجلهم بالعقوبة لعلهم يرجعون‬

‫ع ّما هم فيه من ال�ضلال والكفر‪.‬‬

‫‪ ١١ ١٠‬واذكر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬ألولئك الم ْع ِر�ضين‬
‫حين نادى ر ُّبك مو�سى‪ ،‬ب�أن ي�أتي قو َم فرعون الذين‬
‫ظلموا �أنف�سهم بالكفر والمعا�صي‪ ،‬ويقول لهم‪ :‬أ�لا‬

‫تتقون عقاب الله‪.‬‬

‫‪ ١٤ - ١٢‬فقال مو�سى لحر�صه على َناح ر�سالته‪،‬‬

‫و إ��شفاقه مما َيتوقعه‪ :‬يا ر ّب إ�ني �أخاف �أن ُيك ِّذبوني‪،‬‬ ‫‪} ١‬ﭑ{‪� :‬سب َق الكلا ُم على هذه الحروف‬
‫و�أخاف أ�ن ي�ضيق �صدري بتكذيبهم لي‪ ،‬ولا ينطلق‬ ‫الـ ُم َق َّطعة في �أول �سورة البقرة‪.‬‬
‫ل�ساني عند ُمحا َّجتهم‪ ،‬ف أ�ر ِ�س ْل بوحيك �إلى أ�خي هارون‬
‫ليكون معي ر�سول ًا م�ؤازراً‪ .‬ولهم عل َّي ذن ٌب ‪ -‬وهو‬ ‫‪ ٢‬هذه الآيات المذكورة في ال�سورة هي آ�يات‬
‫القر�آن‪ ،‬الوا�ض ِح معناه‪ ،‬الفا�ص ِل بين الحق والباطل‪.‬‬
‫َقـ ْتـ ُل القبط ِّي خط أ�ً‪ -‬ف�أخاف أ�ن يقتلوني به‪.‬‬
‫‪ ٣‬لعلك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ُ -‬مهل ٌك نف َ�س َك تح�ُّساً على‬
‫‪ ١٧ - ١٥‬قال الله لمو�سى‪ :‬قد ا�ستجبنا لك فلا‬ ‫عدم إ�يمان َم ْن لم ي ؤ�من ِم ْن قومك‪ ،‬ف�أ�ش ِف ْق على‪ ‬نف�سك‪.‬‬
‫‪ ٤‬لو �شئنا ألنزلنا ما ي�ضطرهم إ�لى الإيمان ق ْهراً‪،‬‬
‫َتـ َخـ ْف‪ ،‬واذه ْب �أنت وهارون م�ؤ َّي َدين بمعجزاتنا‪ ،‬إ� ّنا‬
‫معكما م�ستمعون؛ ف أ�نتما في رعايتنا و ِحفظنا‪ .‬ف أْ�تيا‬ ‫ولك َّنا لم ن�ش�أ ذلك‪.‬‬
‫‪ ٥‬و ِم ْن �ُسوء ِفعل ه ؤ�لاء الكفار �أنه ما ي أ�تيهم من‬
‫فرعون فقولا له‪ :‬إ�نا ُمر�َسلان إ�ليك ِم ْن ر ّب العالمين‪،‬‬ ‫الرحمن ذك ٌر ي ّجدد لهم الله به موعظ ًة‪ ،‬إ� ّل ج َّددوا‬
‫نب ِّلغك �أ ْم َره أ�ن ُتخلي بني إ��سرائيل ليذهبوا‪ ‬معنا‪.‬‬
‫�إعرا َ�ضهم وتكذيبهم‪.‬‬
‫فرعون لمو�سى مق ِّرراً له وممت ّن ًا عليه‪:‬‬ ‫قال‬ ‫‪١٩ ١٨‬‬
‫ب أ�ن ر َّبيناك في منزلنا طفل ًا؟ ولبث َت في‬ ‫عليك‬ ‫أ�لم ُنـ ْنـ ِعـم‬ ‫‪ ٦‬فقد ك ّذب قو ُمك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬بالقر آ�ن‬
‫َكنفنا �سنين ِع ّدة؟ وفعل َت َف ْع َلتك وهي قتلك رجل ًا قبطي ًا‬ ‫وا�ستهز ؤ�وا بما فيه من الوعيد‪ ،‬ف�سيعلمون عند نزول‬
‫ِم ْن خا ّ�صتي‪ ،‬و أ�ن َت بذلك من الجاحدين لنعمتي‪.‬‬
‫‪367‬‬

‫‪ ٢٢ - ٢٠‬قال مو�سى لفرعون‪ :‬فعل ُت ذلك و أ�نا‬
‫من الـمخط ِئين لأ ّن لم َ�أ َتعمد َق ْتله‪ ،‬فخرج ُت ِم ْن بينكم‬
‫لـ ّما ِخفتكم �أن تقتلوني‪ ،‬فوه َب لي ربي ُنب ّو ًة‪ ،‬وجعلني‬
‫من المر�سلين‪ .‬وكيف تـ ُمـ ُّن عل َّي يا فرعون تربي َت َك‬
‫ف�أ ّي ُة‬ ‫وتقتيلهم‪،‬‬ ‫قومي‬ ‫ا�ستعبا ُدك‬ ‫�س َب َبها‬ ‫كان‬ ‫إ�ياي‪ ،‬وقد‬
‫ِم َّن ٍة هذه؟!‬

‫‪ ٢٣‬قال فرعون م�ستفهم ًا ا�ستفها َم �إنكا ٍر‪ :‬و َم ْن هو‬
‫هذا الذي تزعم �أنه ر ُّب العالمين؟!‬

‫‪ ٢٤‬قال مو�سى‪ :‬ر ُّب العالمين هو مالك ال�سماوات‬
‫وا ألر�ض وما بينهما‪ ،‬ف�إن كنتم موقنين ب�شيء ِمن‬

‫ا أل�شياء‪ ،‬ف إ�يما ُنكم بهذا الخالق العظيم �أَ ْولى‪ ‬بالإيقان‪.‬‬

‫‪ ٢٥‬لـ ّما لم يجد فرعو ُن جواب ًا قال للم أل حوله مه ِّيج ًا‬
‫لنفو�سهم‪� :‬أ َل ت�سمعون فتعجبون مما يقول مو�سى من‬

‫توحي ِده للآلهة و�أ ّن لكم �إله ًا غيري؟!‬

‫‪ ٣٣ ٣٢‬ف�ألقى مو�سى ع�صاه فتح ّول ْت ثعبان ًا‬ ‫‪ ٢٦‬قال مو�سى ر ّداً على تع ُّج ِب فرعون وزياد ًة في‬
‫ظاهراً‪ ،‬و�أخ َرج يده ِم ْن فتحة قمي�صه‪ ،‬ف�إذا هي بي�ضاء‬ ‫البيان‪ :‬ر ُّب العالمين هو الذي خلقكم‪ ،‬وخلق �آباءكم‬
‫الأ ّولين‪� ،‬أي‪ :‬فكيف َتتركونه و َتعبدون مخلوق ًا مث َلكم؟!‬
‫تتلأ ُأل‪ ‬للحا�ضرين‪.‬‬
‫‪ ٣٥ ٣٤‬قال فرعون أل�شراف قومه الذين كانوا‬ ‫‪ ٢٧‬فقال فرعون لقومه م�ش ِّكك ًا‪� :‬إ ّن مو�سى لمجنون‪،‬‬
‫حوله‪� :‬إ ّن مو�سى ل�ساح ٌر بار ٌع‪ ،‬يريد أ�ن َيغلبكم على‬ ‫يقول ما لا يقوله العقلاء‪.‬‬
‫�أر�ضكم‪ ،‬في أ�خ َذ البلاد منكم‪ ،‬ف أ��شيروا عل َّي فيه‪ ،‬ماذا‬
‫‪ ٢٨‬قال مو�سى مك ِّمل ًا لجوابه غي َر حاف ٍل باتهام‬
‫�أ�صنع به؟‬ ‫فرعون له‪ :‬ر ُّب العالمين هو الخالق والمت�ص ِّرف في �شروق‬
‫‪ ٣٧ ٣٦‬قال الم ُأل لفرعون‪َ :‬أ� ِّخر �أم َر مو�سى و أ�خيه‪،‬‬ ‫ال�شم�س وغروبها‪ ،‬وفيما يقع بينهما من ا ألحوال‪ ،‬ف�إ ْن‬
‫وا ْبعث �ُ َش َطك و أ�عوانك في مدائن مملكتك و�أقاليم‬ ‫كنتم من �أهل العقل َع ِلمتم َم ْن هو ر ُّب العالمين الذي‬

‫دولتك يجمعون لك ك َّل ُمي ٍد لفنون ال�سحر علي ٍم به‪.‬‬ ‫�أدعوكم لتوحيده‪ ‬وعبادته‪.‬‬
‫‪ ٣٨‬ف ُج ِمع ال�سحر ُة لـ ُمـنـا َزلـ ِة مو�سى في وقت‬
‫ال�ضحى ِمن يوم ال ِّزينة الذي يتف َّرغ فيه النا�س من‬ ‫‪ ٢٩‬قال فرعون لمو�سى مه ّدداً له‪ :‬لئن �أقرر َت بمعبو ٍد‬
‫�سواي لأجعل ّنك واحداً ممن عرف َت حا َلهم في �سجوني‪.‬‬
‫أ��شغالهم‪.‬‬
‫‪ ٣٩‬وقيل للنا�س‪ :‬با ِدروا إ�لى الاجتماع‪.‬‬ ‫‪ ٣٠‬قال مو�سى لفرعون‪� :‬أتجعلني من الم�سجونين‪،‬‬
‫ولو جئتك بب ِّين ٍة عظيم ٍة ت�شهد ل�صدقي؟‬
‫‪368‬‬
‫‪ ٣١‬قال فرعون لمو�سى‪ :‬ف أ� ِت بهذا البرهان الوا�ضح‬
‫إ� ْن كنت من ال�صادقين في َد ْعواك‪.‬‬

‫‪ ٤٨ ٤٧‬وقال ال�سحرة عند �سجودهم‪ :‬آ�م َّنا بر ِّب‬
‫العالمين‪ ،‬الذي هو ر ُّب مو�سى وهارون‪.‬‬

‫‪ ٤٩‬قال فرعون لل�سحرة في غرور منكراً عليهم‪:‬‬

‫�أ�ص ّدقتم بمو�سى و أ�قررتم له قبل أ�ن آ� َذ َن لكم بذلك؟ وقال‬

‫لل�سحرة م�ش ّكك ًا النا� َس في �صدق �إيمانهم‪ :‬إ� ّن مو�سى‬
‫هو رئي�ُسكم في ال�سحر‪ ،‬ف�أنتم ُم َتواط ُئون معه‪ ،‬فل�سوف‬
‫تعلمون و َبا َل ما َف َعلتم‪ ،‬ألق ِّطع َّن �أيد َيكم و�أرجلكم‬
‫ألُاليَ�صَدِّلب ّنالكيممن أ�ىجممععين ا‪.‬ل ِّرجل‬ ‫َق ْطعها‪ ،‬ف أ�قط ُع‬ ‫ُمخالف ًا في‬
‫عك�س ذلك‪ ،‬ثم‬ ‫الي�سرى‪� ،‬أو‬

‫‪ ٥١ ٥٠‬فقال ال�سحرة لفرعون‪ :‬لا ُنبالي بما َتو ّعدتنا‬
‫به َف َ�سنتح ّمله �صابرين‪ ،‬ف�إ ّنا �إلى ربنا راجعون وهو مجازينا‬
‫على إ�يماننا و َ�ص ْبنا‪� .‬إ ّنا َنطمع �أن يغفر لنا ر ُّبنا خطايانا‬
‫التي كنا عليها قب َل ا إليمان به‪ِ ،‬لكوننا �أ َّول الم�ؤمنين ِم ْن‬

‫قومنا بالحق الذي جاءنا‪ ‬به‪ ‬مو�سى‪.‬‬

‫�أن‬ ‫في َغ ِّيه‬ ‫َتادى فرعون‬ ‫�ِ ْس‪٥٢‬ببنيو�أ�إ َم�سْررناائيملولي�سل ًاى�إلبعىد ِجأَ� ْهنة‬
‫ِم ْن‬ ‫م َّت َبعون‬ ‫البحر؛ لأنكم‬

‫فرعون وجنوده ِلير ُّدوكم‪ ،‬و�س أ�ق�ضي فيهم ق�ضائي‪.‬‬ ‫‪ ٤٠‬رجا َء أ�ن ن َّتبع ما ي�ؤيده ِ�سح ُر ال�َّسحرة ِمن �إبطا ِل‬
‫دي ِن مو�سى �إن كانوا هم الغالبين‪.‬‬
‫‪ ٥٣‬ف أ�ر�سل فرعو ُن حين أُ�خبر بم�سير بني �إ�سرائيل في‬
‫َمدائن م�صر رجال ًا يجمعون جن َده‪.‬‬ ‫‪ ٤١‬فل ّما جاء ال�َّسحر ُة فرعو َن قالوا‪ :‬أ� إ� َّن لنا لجزا ًء‬
‫وا ِفراً إ� ْن كنا نحن الغالبين؟‬
‫‪ ٥٦ - ٥٤‬وقال فرعون لجنده بعد اجتماعهم لديه‪:‬‬
‫‪ ٤٢‬قال فرعون لل�َّسحرة‪ :‬لكم ذلك إ�ن َغلبتم‪،‬‬
‫إ� ّن بني إ��سرائيل طائف ٌة قليل ٌة‪ ،‬وهم مع ِقلتهم يفعلون ما‬ ‫و�ستكونون من المق َّربين لد ّي‪.‬‬
‫يغيظنا‪ ،‬ونحن قوم عاد ُتنا ال َّتيق ُظ والحذ ُر وا�ستعما ُل‬
‫‪ ٤٣‬قال مو�سى لل�َّسحرة بعد أ�ن خ ّيوه أ�يّهما يبد�أ‪:‬‬
‫الـ َح ْزم‪.‬‬ ‫ابد�ؤوا ف أ�ل ُقوا ما ت�ستطيعون إ�لقا َءه ِمن و�سائ ِل‪� ‬سحركم‪.‬‬
‫‪ ٤٤‬ف�ألقى ال�َّسحر ُة حبا َلهم و ِع�ص َّيهم‪ ،‬وقالوا واثقين‬
‫م ‪٧‬ن‪٥‬حد‪-‬ائ َق‪٥٩‬وب�فس َأ�ات ْخي ََرنجوناعيفور ٍنعوتجَنروقيوب َاملمهابءقودرختنزاائونَم أ��مشيوَئ ِاتنٍلا‬
‫كانوا َينعمون بها‪ ،‬وم�ساك َن ح�سن ٍة و ِعي�ش ٍة َرغيد ٍة‪.‬‬ ‫ُم ْق�سمين بعظمة فرعون‪� :‬إ ّنا لنحن الغالبون‪.‬‬
‫وكما �أخرجناهم أ�ورثنا بني �إ�سرائيل خيرات مثلها‬ ‫‪ ٤٥‬ف�ألقى مو�سى ع�صاه فتح ّول ْت ح ّي ًة حقيقي ًة تبتلع‬

‫بال�شام‪.‬‬ ‫ب�سرع ٍة ما �أتى به ال�سحر ُة ِمن الخداع‪ ‬وال ّتخييل‪.‬‬
‫‪ ٤٦‬ف َخ َّر ال�سحر ُة �ساجدين لله لـ ّما تب َّي أ�ن ما جاءهم‬
‫‪ ٦٠‬فل ّما خرج مو�سى و َم ْن معه ليل ًا‪� ،‬سار فرعو ُن‬
‫وجنوده َخ ْلفهم م�سرعين ف َل ِحقوا بهم في وق ِت‬ ‫به مو�سى ح ٌّق لا َيقدر عليه �إلا الله‪.‬‬

‫إ��شرا ِق‪ ‬ال�شم�س‪.‬‬ ‫‪369‬‬

‫‪ ٧٧ - ٧٥‬قال إ�براهيم لهم‪� :‬أف�أ َب ْ�صتم ما كنتم‬ ‫‪ ٦١‬فل ّما َت َقارب الجمعان ور�أى ك ُّل واحد منهما‬
‫تعبدونه أ�نتم و�آبا ؤ�كم ا ألقدمون ح َّق الِإب�صار؟ ف إ�ني‬ ‫ا آلخر‪ ،‬قال �أ�صحا ُب مو�سى‪َ� :‬س ُيدركنا َج ْم ُع فرعون‪،‬‬
‫بري ٌء منهم ألنهم عد ٌّو لي يوم القيامة �إ ْن عبد ُتهم‪ ،‬ولك َّن‬
‫ولا طا َقة لنا بهم‪.‬‬
‫ر َّب العالمين الذي أ�عبده هو و ِل ِّيي في الدنيا والآخرة‪.‬‬
‫‪ ٨١ - ٧٨‬ر ُّب العالمين هو الذي خلقني‪ ،‬والخال ُق‬ ‫‪ ٦٢‬قال مو�سى لقومه‪ :‬ك ّل‪ ،‬لن يدر َككم َج ْم ُع‬
‫هو الذي يد ّبر �أمر خلقه؛ بيده َو ْح َده الهداي ُة فيهديني‬ ‫فرعون أ�بداً‪ ،‬و إ� َّن معي ربي �سيهديني إ�لى �سبيل‪ ‬النجاة‪.‬‬
‫إ�لى ال ُّر�شد وبيده الرز ُق فهو ُيطعمني و َي�سقيني‪ ،‬وبيده‬
‫َج ْل ُب ال�شفاء ف�إذا مر�ض ُت فهو الذي ي�شفيني‪ ،‬وبيده‬ ‫‪ ٦٣‬ف�أوحينا �إلى مو�سى أ� ْن ي�ضرب بع�صاه البح َر؛‬
‫الإمات ُة وا إلحياء‪ ،‬فهو الذي يميتني ثم ُيحييني مرة أ�خرى‬ ‫ف�ضربه؛ فان�ش َّق ووقف ما ُء ك ِّل ِ�ش ٍّق �ساكن ًا كالجبل العظيم‬
‫يوم البعث والح�ساب‪ ،‬وهو َو ْحده الذي أ�طمع َأ� ْن يغفر‬
‫لي ذنوبي يوم أ�لقاه‪ ،‬فلذلك كان وحده الم�ست ِح ُّق‪ ‬للعبادة‪.‬‬ ‫عن يمي ِن وي�سا ِر طري ٍق ياب� ٍس ال‪ ‬ماء‪ ‬فيه‪.‬‬
‫‪ ٨٣ ٨٢‬قال إ�براهيم داعي ًا ربه‪ :‬ر ِّب َه ْب لي علم ًا‬
‫وا�سع ًا م�صحوب ًا بعم ٍل �صالح‪ ،‬و أ�ل ِحقني في جنت َك‬ ‫‪ ٦٤‬و َق َّر ْب َنا هنالك فرعو َن وقو َمه �إلى البحر وج َّر ْ�أناهم‬
‫حتى اقتحموه َخ ْلف مو�سى وقومه‪.‬‬
‫بعبادك ال�صالحين الذين ر�ضي َت عنهم ور�ضوا عنك‪.‬‬
‫‪ ٦٦ ٦٥‬و أ�نجينا مو�سى و َم ْن معه ِم ْن فرعون وقو ِم ِه‬
‫‪370‬‬ ‫و ِمن الغرق ب ِح ْف ِظ البح ِر على تلك الهيئة ‪ُ  -‬م ْنح ِ�ساً عن‬
‫طري ٍق ياب� ٍس‪ -‬إ�لى �أن َع َبوا‪ ،‬و�أغرقنا ا آلخرين ب إ�طباق‬

‫البح ِر عليهم‪.‬‬

‫‪ ٦٨ ٦٧‬إ� َّن فيما َق َ�ص�صنا عليك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪-‬‬
‫من أ�مر مو�سى وفرعون لآي ًة عظيمة تد ُّل على قدرة الله‬
‫وتدعو �إلى إ�خلا�ص العبادة والطاعة له‪ ،‬ومع ذلك فلم‬
‫ي�ؤمن بما جاء به مو�سى إ�لا عدد قلي ٌل‪ ،‬و�إ َّن ر َّبك لهو‬
‫العزيز المنتقم من �أعدائه الرحي ُم ب�أوليائه‪ .‬وفي هذا َت�سلي ٌة‬

‫للر�سول ‪ ‬ووعي ٌد لمن ع�صاه‪.‬‬

‫‪ ٧١ - ٦٩‬وا ْت ُل ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬على قومك َخ َ َب‬
‫�إبراهي َم و�ش أ�نه العظيم‪ ،‬حين قال ألبيه وقومه وهو ُيب ِّي‬
‫�أ َّن ما يعبدونه لا ي�ستحق العبادة‪� :‬أ ّي �شيء تعبدون؟‬
‫ف�أجابوه‪ :‬نعبد أ��صنام ًا ف ُن ِقيم على عبادتها ُطول النهار‪.‬‬
‫‪ ٧٣ ٧٢‬ف�س أَ� َل إ�براهي ُم قو َمه فقال‪ :‬هل ت�سمعكم‬
‫هذه الأ�صنام عندما تدعونها‪� ،‬أو ينفعونكم ب�شيء‪� ،‬أو‬
‫ي�ض ّرون؟ ف إ�ذا كانوا عاجزين عن َج ْل ِب نف ٍع �أو دفع ُ� ٍّض؛‬

‫فلا َو ْج َه لعبادتكم لها‪.‬‬
‫‪ ٧٤‬قالوا‪ :‬هذه الآلهة لا َت�سم ُعنا ولا تنف ُعنا ولا َت�ض ُّرنا‪،‬‬

‫و إ�نما عبدناها تقليداً آلبائنا‪.‬‬

‫ينقذونكم من العذاب؟ �أو ينت�صرون‪  ‬ألنف�سهم؟‬

‫‪ ٩٥ ٩٤‬ف ُج ِمعت الأندا ُد المعبود ُة من دون الله‪،‬‬
‫ووجأُ�َمله ْقّننوماكفاينجهومااا يهععًةمب ِدتوْلاولَنوه�ضماجل‪،‬ومافن ُعط‪،‬ةِر‪،‬و َمح ُمعنبهعكمِّب ُ�يضنجهمميع ُلععل�أىعىوواب ِعجنو��إبهضليه�فمي‪،‬س‬

‫من الج ّن والإن�س‪.‬‬

‫‪ ٩٨ - ٩٦‬فل ّما ُف ِعل بهم ذلك‪ ،‬قال الغاوون‬
‫متح�ّسين‪:‬‬ ‫وهم َيخت�صمون جميع ًا في جهنم‬ ‫آللهتهم‬
‫إ� ّياكم بر ِّب‬ ‫كنا في �ضلا ٍل وا�ضح وق َت ت�سويتنا‬ ‫تالل ِه إ�ننا‬

‫العالمين في ا�ستحقاق العبادة‪.‬‬

‫‪ ١٠٢ - ٩٩‬وقال الغاوون وهم في جهنم‪ :‬ما �أ�ض ّلنا‬
‫عن اتباع ال ُهدى إ� ّل المجرمون من ال�شياطين وال ُك َباء‬
‫والر ؤ��ساء‪ .‬ولي�س لنا اليوم ِم ْن �شفيع ي�شفع لنا‪ ،‬ولا‬
‫�صدي ٍق و ُدو ٍد قري ٍب يهمه �أم ُرنا‪ ،‬فلي َت لنا َر ْج َع ًة �إلى‬

‫الدنيا فنكون من الم ؤ�منين‪.‬‬

‫‪� ١٠٤ ١٠٣‬إ ّن فيما ق�ص�صنا عليك ‪� -‬أيها الر�سول‪ِ -‬م ْن‬ ‫‪ ٨٤‬وا ْج َعل لي يا ر ّب ِذكراً َجميل ًا و أ�ثراً كريم ًا في ا ألمم‬
‫نب�ِإ إ�براهيم‪ ،‬وما ي�ؤول إ�ليه ُع ّبا ُد ا أل�صنام لحج ًة وعظ ًة لمن‬ ‫التي تجيء بعدي‪.‬‬
‫�أراد أ� ْن ي�ستب�صر ويعتبر‪ ،‬وما كان �أكثر م�شركي مكة بعد‬
‫�سماع ما َق�ص ْ�صنا عليك بم ؤ�منين‪ ،‬و إ� ّن ربك لهو القادر‬ ‫‪ ٨٥‬و َ�أ ْن ِع ْم عل َّي في الآخرة ب�أن تجعلني من عبادك‬
‫الذين ُتورثهم بف�ضلك جن َة النعيم‪.‬‬
‫على تعجيل الانتقام‪ ،‬الرحي ُم بالإمهال‪.‬‬
‫‪ ٨٦‬وام ُن ْن على �أبي ب�إيما ٍن وتوب ٍة تغفر له بهما‪ ،‬ف�إنه‬
‫‪ ١٠٨ - ١٠٥‬ك ّذب ْت قو م نو ح جمي َع ر �سل ا لله ‪،‬‬ ‫مم ْن �ض َّل عن طريق الحق‪.‬‬
‫بتكذيبهم أ�خاهم نوح ًا‪ ،‬لـ ّما قال لهم‪� :‬أ َل تتقون عقاب‬
‫الله بتر ِك عبادة غيره‪ ،‬إ�ني لكم منه ر�سول‪ ،‬و أ�نا م ؤ� َتـ َمن‬ ‫‪ ٨٩ ٨٧‬ولا ُت ْل ِحق بي أ� َّي ِخز ٍي و َه َوا ٍن يو َم ُيبعث‬
‫عندكم‪َ ،‬فا َّت ُقوا اللهَ و�أ ِطي ُعوني فيما آ�مركم به و أ�دعوكم‬ ‫الخلائ ُق للح�ساب‪ ،‬يوم لا ينفع النا� َس فيه ما ٌل ف ُي ْف َدو َن‬
‫به‪ ،‬ولا بنون ف َيدفعون عنهم‪ ،‬ولك ّنهم ينتفعون ب�إخلا�ص‬
‫إ�ليه من ا إليمان‪.‬‬
‫قلوبهم لعبادتك‪ ،‬و�سلام ِتها ِمن ال�شرك والنفاق‪.‬‬
‫‪ ١١٠ ١٠٩‬وما أ�طل ُب منكم نفع ًا لنف�سي على دعوتي‬ ‫‪ ٩١ ٩٠‬و ُقـ ِّربت الجن ُة يـوم القيامة للطائعين بحيث‬
‫لكم للإيمان‪ ،‬وما َأ� ْجري إ� ّل على ر ِّب العالمين‪ ،‬ف�إذا‬ ‫يرونها ل ُي�َ ُّسوا‪ ،‬و�أُظهرت الجحي ُم للكافرين ال�ضالين عن‬

‫َع َرفتم ذلك‪ ،‬فاتقوا الله و�أطيعوني‪.‬‬ ‫�َسواء ال�سبيل‪.‬‬
‫‪ ١١١‬قال قو ُم نوح له‪� :‬أ ُن َ�ص ِّدقك يا نوح فيما تقول‬ ‫‪ ٩٢‬وقيل للكافرين الغاوين َت ْقريع ًا وتوبيخ ًا‪ :‬أ�ين ما‬
‫ون ّتبعك والحا ُل أ�ن أ�تبا َع َك ِمن فقراء النا�س و�أق ِّلهم‬ ‫كنتم تعبدون ِم ْن دون الله ِمن الأ�صنام وا ألنداد؟ هل‬

‫جاه ًا‪ ‬و َقدراً؟!‬ ‫‪371‬‬

‫ِلـ َما لا تحتاجونه ولا ينفعكم‪ ،‬وتبنون مجام َع عظيم ًة‬ ‫‪ ١١٣ ١١٢‬ف�أجاب نو ٌح قو َمه قائل ًا‪ :‬وما ِقيمة علمي‬
‫للمياه م�ؤ ِّملين الخلو َد في هذه الدنيا ك�أنكم لا تموتون‪،‬‬ ‫ب�أحوالهم ومراتبهم وبما كانوا يعملونه‪ ،‬حتى �أهت َّم‬
‫و إ�ذا �ضربتم �أحداً في حالة الغ�ضب �أفرطتم وبا َلغتم في‬ ‫بمعرفته‪� ،‬إ ّنا عل َّي أ�ن �أدعوهم و أَ�قبل منهم �إيما َنهم‪ ،‬ولي�س‬
‫ا ألذى والظل ِم و َف َعلتم في ذلك ِفع َل الج ّبارين‪ .‬فاتقوا الله‬ ‫ح�سا ُبهم وجزا ؤ�هم �إ ّل على ربي وحده‪ ،‬لو كنتم ِم ْن‬

‫في ذلك‪ ،‬و�أطيعوني فيما �أدعوكم �إليه ف إ�نه �أنفع لكم‪.‬‬ ‫�أهل ال�شعور والفهم‪.‬‬
‫‪ ١٣٤ - ١٣٢‬واحذروا �َس َخ َط الله الذي �أعطاكم ما‬
‫َتعلمون من أ�نواع ال ِّنعم‪ ،‬فقد �أم ّدكم با ألنعام ‪ -‬وهي‬ ‫‪ ١١٥ ١١٤‬وما أ�نا بطارد َم ْن آ�من ِبي وا ّتبعني إ�ر�ضا ًء‬
‫ا إلبل والبقر والغنم‪ -‬التي هي أ�ع ُّز أ�موالكم‪ ،‬وبالأولاد‬ ‫لكم وطمع ًا في �إيمانكم‪ ،‬فما �أنا إ� ّل نذي ٌر مو ِّ�ض ٌح ما أ�مرني‬
‫ليكونوا ق ّو ًة لكم‪ ،‬وبالب�ساتين العامر ِة‪ ،‬وبالعيون ال َع ْذبة‬
‫الله تعالى ب�إبلاغه �إليكم‪.‬‬
‫التي تنتفعون بمائها العذب‪.‬‬
‫‪ ١١٦‬قالوا مه ِّددين بعد انقطاع ُح ّجتهم‪ :‬يا نوح لئن‬
‫‪ ١٣٥‬إ� ّن أ�خاف عليكم �إ ْن تماديتم في المع�صية‪ ،‬عذا َب‬ ‫لم َتنت ِه ع ّما تقول لتكون َّن من المقتولين رمي ًا بالحجارة‪.‬‬
‫يو ٍم عظي ٍم‪.‬‬ ‫‪ ١١٨ ١١٧‬قال نوح‪ :‬يا ر ِّب إ� ّن قومي أ��ص ّروا على‬
‫تكذيبي‪ ،‬ولم ُيجيبوا دعائي‪ ،‬فاحك ْم بيني وبينهم‬
‫‪ ١٣٦‬قالت عا ٌد لر�سولهم‪ :‬ي�ستوي عندنا وع ُظ َك‬ ‫حكم ًا َف ْ�صل ًا‪ُ ،‬تهلك به الـ ُمب ِط َل وتنتقم به ممن كفر بك‪،‬‬
‫وعد ُمه‪ ،‬فنحن لا ُنبالي بما تقول‪.‬‬
‫ونـ ِّجني و َم ْن معي من الم�ؤمنين من ذلك‪ ‬العذاب‪.‬‬
‫‪372‬‬ ‫‪ ١٢٠ ١١٩‬فا�ستجبنا لنوح ف أ�نجيناه و َم ْن معه من الم�ؤمنين‬
‫في ال ُفلك المملو َء ِة ب�أنواع المخلوقات التي َح َملها معه‪،‬‬

‫ثم �أغرقنا الباقين ِم ْن قومه‪.‬‬
‫‪ ١٢٢ ١٢١‬إ� ّن في ق�صة نوح َلدلال ًة على أ�ن الله لا‬
‫يق ُّر المكذبين لر�سله‪ ،‬وما كان �أكث ُر م�شركي مكة بعد‬
‫ما ُذ ِّكروا بها بم�ؤمنين‪ ،‬و�إ ّن ر ّبك لهو القاهر لأعدائه‬

‫الرحيم ب�أوليائه‪.‬‬

‫‪ ١٢٦ - ١٢٣‬ك ّذبت قبيلة عاد المر�سلين بتكذيبهم‬
‫�أخاهم في ال َّن�سب هوداً‪ ،‬لـ ّما قال لهم‪� :‬ألا تتقون عقا َب‬
‫الله بتر ِك عباد ِة غيره و إ�جاب ِة ر�سوله‪ ،‬إ�ني لكم منه ر�سول‪،‬‬
‫و أ�نا م�ؤ َتـ َمن عندكم‪َ ،‬فا َّت ُقوا الله و أ� ِطي ُعوني فيما آ�مركم به‬

‫و�أدعوكم إ�ليه من الإيمان‪.‬‬

‫‪ ١٢٧‬وما �أطلب منكم على تبليغ الدعوة جزا ًء ولا ثواب ًا‪،‬‬
‫وما جزائي وثوابي الذي �أطلبه �إلا على ر ِّب العالمين‪.‬‬

‫‪� ١٣١ - ١٢٨‬أ ُت َ�ش ِّيدون بكل مكا ٍن مرتفع بنا ًء عجيب ًا‬
‫عبث ًا ل َّلهو وال َّلعب والتفاخر‪ ،‬ف َت�ص ِرفون ق َّوتكم و ِه ّمتكم‬

‫‪ ١٤٥‬وما �أطل ُب منكم على �أمري �إياكم باتقاء‪ ‬الل ِه جزا ًء‬ ‫‪ ١٣٨ ١٣٧‬وقالوا‪� :‬إ َّن ديننا وما ِع ْب َته علينا ما هو �إ ّل‬
‫ولا ثواب ًا‪ ،‬وما جزائي وثوابي الذي أ�طلبه �إلا على ر ّب‬ ‫عاد ُة ا أل َّولين‪ ،‬ونحن بهم مقتدون‪ ،‬وما نحن بمع َّذبين‬

‫العالمين‪.‬‬ ‫على ما نحن عليه من الأعمال‪.‬‬

‫‪ ١٤٩ - ١٤٦‬أ�تظ ُّنون �أنكم َم ْتوكون فيما أ�نتم فيه من‬ ‫‪ ١٤٠ ١٣٩‬ف أَ��ص َّر بذلك قو ُم هود على تكذيبه‪،‬‬
‫خيرات‪� ،‬آمني َن من عقاب الله وعذابه و�أنتم على ُكفركم‬ ‫ف أ�هلكناهم بري ٍح بارد ٍة عاتي ٍة‪� ،‬إ ّن في ذلك لعبر ًة وعظ ًة‬
‫و�شرككم متن ِّعمين في ب�ساتين‪ ،‬وعيو ٍن َع ْذبة الماء‪،‬‬ ‫لقومك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬وما كان �أكث ُرهم بعد ما ُذ ِّكروا‬
‫وزرو ٍع كثيرة متنوعة‪ ،‬ونخ ٍل َطل ُعها دقي ٌق ل ّ ٌي ُتخرج‬ ‫بها بم�ؤمنين‪ ،‬و إ� ّن ر ّبك لهو القاهر ألعدائه الرحيم‬
‫�أجو َد التمر و أ�طيبه‪ ،‬وتن ِحتون في قوة ون�شا ٍط من الجبال‬
‫ب�أوليائه‪.‬‬
‫بيوت ًا حاذقين متقنين لها؟! ك ّل‪.‬‬
‫‪َ ١٤٤ - ١٤١‬ك ّذب ْت قبيلة ثمود المر�سلين بتكذيبهم‬
‫‪ ١٥٢ - ١٥٠‬فاتقوا عقاب الله يا قومي بطاعتي فيما‬ ‫أ�خاهم في ال َّن�سب �صالح ًا‪ ،‬إ�ذ قال لهم‪� :‬أ َل ت ّتقون عقاب‬
‫أ�دعوكم �إليه‪ ،‬ولا تطيعوا أ�مر ُكبرائكم الم�سرفين في‬ ‫الله بتر ِك عباد ِة غيره و�إجاب ِة ر�سوله‪ ،‬إ�ني لكم ر�سول‬
‫الكفر والطغيان‪ ،‬الذين َت َّح�ضوا للف�ساد‪ ،‬فهم يف�سدون‬ ‫من الله �أر�سلني �إليكم‪ ،‬و�أنا �أمين عندكم م ؤ�تـ َم ٌن على‬
‫ر�سالة ربي‪ ،‬فاتقوا عقاب الله و أ�طيعوني فيما آ�مركم به‬
‫في ا ألر�ض ولا ي�صلحون‪.‬‬
‫و أ�دعوكم إ�ليه ِمن الإيمان بالله‪ ،‬وطاعة‪� ‬أمره‪.‬‬
‫‪� ١٥٤ ١٥٣‬أجاب قو ُم �صالح ر�سو َلهم فقالوا‪ :‬ما �أنت‬
‫إ� َل ممن �ُس ِحروا‪ ،‬حتى َغ َل َب ال�سح ُر على عقلهم ففقدوا‬ ‫‪373‬‬
‫ُر�ش َدهم‪ .‬ما أ�نت يا �صالح إ� ّل َب�شر مثلنا ول�س َت بر�سول‪،‬‬
‫ف أ� ِت ب ُح ّجة وعلامة تد ُّل على �صدقك في دعوى‬

‫الر�سالة إ� ْن كنت من ال�صادقين‪.‬‬

‫‪ ١٥٦ ١٥٥‬فدعا �صالح ر َّبه ف�أخرج لهم ناق ًة من‬
‫�صخرة كما اقترحوا‪ ،‬وقال‪ :‬هذه ناق ٌة �آي ٌة لكم‪ ،‬لها َن ْوبة‬
‫من الماء في يوم‪ ،‬ولكم َن ْوبة‪ ،‬لي�س لكم �أن ت�شربوا في‬
‫يومها‪ ،‬وهي لا ت�شرب في يومكم‪ ،‬ولا ت َم�ُّسوها ب�سوء‬

‫فيح ّل عليكم عذا ٌب في يوم عظيم َهوله‪.‬‬

‫‪ ١٥٧‬فنحروا الناقة‪ ،‬ف أ��صبحوا نادمين على ذلك لـ ّما‬
‫ر�أوا �أ َمارات العذاب‪.‬‬

‫‪ ١٥٩ ١٥٨‬فنزل بهم العذاب الذي ت َو ّعدهم به نب ُّيهم‪،‬‬
‫�إ َّن في ذلك لعبر ًة لقومك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬وما كان‬
‫�أكث ُرهم بعد ما ُذ ِّكروا بها بم�ؤمنين‪ ،‬و إ� َّن ربك لهو المنتقم‬

‫من �أعدائه‪ ،‬الرحيم بمن آ�من به واتقاه‪.‬‬

‫أ�كث ُرهم بعد ما ُذ ِّكروا بها بم ؤ�منين‪ ،‬و إ� ّن ربك ‪ -‬أ�يها‬ ‫‪ ١٦٣ - ١٦٠‬ك َّذبت قو ُم لو ٍط المر�سلين حين ك ّذبوا‬
‫الر�سول‪ -‬لهو العزيز الغالب على َ�أ ْمره الرحيم بعباده‪.‬‬ ‫نب َّيهم لوط ًا الذي ا�ستوطن بلا َدهم‪ ،‬إ�ذ قال لهم‪� :‬ألا‬
‫تخافون عذاب الله‪ ،‬إ� ّن لكم منه ر�سول‪ ،‬و�أنا �أمين‬
‫‪ ١٧٩ - ١٧٦‬ك َّذب �أ�صحاب الأر�ض الـ ُم ْل َت َّف ِة �أ�شجا ُرها‬ ‫على ر�سالته‪ ،‬فاتقوا عقابه بطاعتكم لي‪ ،‬واتبعوني فيما‬
‫المر�سلين ‪ -‬وكانت ب�ستان ًا قرب مدين ذا �شج ٍر كثيف‪-‬‬
‫حين قال لهم نب ُّيهم �ُشعيب‪ :‬أ� َل تتقون الله فتو ِّحدوه‬ ‫أ�دعوكم �إليه ِمن توحيده و َت ْر ِك الظلم‪ ‬والفواح�ش‪.‬‬
‫وتطيعوه‪� ،‬إني لكم ر�سو ٌل منه �أمي ٌن على َو ْحيه‪ ،‬فاتقوا‬
‫‪ ١٦٤‬وما �أطل ُب منكم على تبليغ ر�سالة ربي جزا ًء‬
‫عقاب الله و أ�طيعوني َتر�ُشدوا‪.‬‬ ‫ولا ثواب ًا‪ ،‬وما جزائي وثوابي الذي أ�طلبه �إلا على ر ّب‬

‫‪ ١٨٠‬وما أ�طلب منكم على تبليغ ر�سال ِة ر ّبي أ�جراً‪ ،‬وما‬ ‫العالمين‪ ،‬ف�إذا َع َرفتم ذلك فاتقوا‪ ‬الله‪ ‬و�أطيعوني‪.‬‬
‫�أجري �إ ّل على ر ِّب العالمين‪.‬‬
‫‪َ ١٦٦ ١٦٥‬أ� َت َط ؤ�ون ال ُّذكو َر من بني آ�دم‪ ،‬و َتتركون ما‬
‫‪ ١٨٣ - ١٨١‬أَ�وفوا النا� َس حقو َقهم في الكيل‪ ،‬ولا‬ ‫خلق الله لكم ِمن الن�ساء لا�ْس ِتمتا ِعكم وتنا�ُس ِلكم!؟ ف أ�نتم‬
‫تكونوا من الـ ُم ْن ِق ِ�صي َن له‪ ،‬و ِزنوا إ�ذا وزنتم بالميزان‬
‫العدل‪ ،‬وال‪ ‬تنق�صوا النا�س �شيئ ًا من حقوقهم‪ ،‬ولا تطغوا‬ ‫قو ٌم متجاوزون الح َّد في المع�صية‪ ‬وال ُعدوان‪.‬‬
‫في الأر�ض مف�سدين بالقتل و َق ْطع الطريق وارتكا ِب‬
‫‪ ١٦٧‬قال قوم لوط‪ :‬لئن لم َت ْنت ِه يا لوط عن َل ْو ِمنا و َن ْه ِينا‬
‫الموبقات‪.‬‬ ‫عما نفعل‪ ،‬لتكـون ّن من الـ ُمـخـ َرجـين المطـرودين ِم ْن‬

‫‪374‬‬ ‫قريتنا‪.‬‬

‫‪ ١٦٨‬فل ّما ر أ�ى لوط �أنهم لا يرتدعون ع ّما هم فيه تب ّر�أَ‬
‫منهم‪ ،‬وقال‪ :‬إ�ني ِل َعملكم من الـ ُم ْب ِغ�ضين غاي َة ال ُبغ�ض‪.‬‬

‫‪ ١٧٢ - ١٦٩‬فدعا لوط ربه قائل ًا‪ :‬ر ِّب نـ ِّجني و�أهلي‬
‫من عقوب ِة ما يعملونه‪ ،‬فن َّجيناه و�أه َل بيته و َم ْن تا َبعه على‬
‫دينه �أجمعين ب�أن �أخرجناهم ِم ْن بينهم عند ُم�شا َرف ِة حلو ِل‬
‫العذا ِب‪� ،‬إ ّل امر أ� ًة عجوزاً هي زوج لوط ‪ -‬وكانت كافرة‬

‫را�ضية بفعلهم‪ -‬ق َّدرنا �أن تكون مع الباقين في العذاب‪،‬‬
‫ثم �أهلكنا ا آلخرين ِم ْن قوم لوط �أ�ش َّد الإهلا ِك‪ ،‬وذلك‬

‫ب أ�ن َق َل ْبنا بهم قريتهم فجعلنا عا ِل َيها �ساف َلها‪.‬‬

‫‪ ١٧٣‬و�أَمطرنا عليهم مطراًغي َر َم ْعهو ٍد‪ ،‬وهو حجارة من‬
‫نار‪ ،‬فما أ�َ�ْسو أ�َ مطر الذين َ�أنذرهم لوط فلم ي�ستجيبوا‪ ‬له‪.‬‬

‫‪ ١٧٥ ١٧٤‬إ� ّن في ذلك العذاب وما ق�ص�صناه ِمن ق�ص ِة‬
‫قوم لوط َل ِعظ ًة وعبر ًة لقومك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬وما كان‬

‫و ُب ُرودتها‪ ،‬ف أَ� ْل َه َبها الله عليهم ناراً ف�أحرقتهم جميع ًا‪.‬‬ ‫‪ ١٨٤‬وا ّتقوا عقا َب ر ِّبكم الذي َخ َلقكم و َخ َلق الأمم‬
‫‪� ١٩٠‬إ ّن فيما ق�ص�صنا عليك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪َ -‬ل ِعظ ًة‬ ‫قبلكم‪.‬‬
‫و ِعبرة لقومك‪ ،‬وما كان أ�كثرُهم م ؤ�منين‪ ،‬و إ� َّن ربك لهو‬
‫‪ ١٨٥‬ف�أجاب القوم �شعيب ًا في �سفاه ٍة وغرور‪� :‬إنما �أنت‬
‫العزيز المنتقم من �أعدائه‪ ،‬الرحيم بعباده الم ؤ�منين‪.‬‬ ‫من الذين �ُس ِحروا حتى َغلب ال�سح ُر على عقولهم‪ ،‬فلا‬

‫‪� ١٩٥ - ١٩٢‬إ ّن هذا القر�آن لهو تنزيل ر ِّب العالمين‪،‬‬ ‫يدرون ما يقولون‪.‬‬
‫نزل به الروح الأمين جبريل ب�أمر الله على قلب َك ‪� -‬أيها‬
‫النب ُّي‪ -‬لتكون ِم َن المر�َسلين الذين ُينذرون أ�قوامهم‪ ،‬ن ّزلناه‬ ‫‪ ١٨٧ ١٨٦‬وما �أنت إ� ّل ب�شرٌ مثلنا‪ ،‬و َم ْن كان كذلك‬
‫عليك بل�سا ٍن عرب ٍّي ف�صي ٍح وا�ض ِح المعنى يفهمه قومك‪.‬‬ ‫ت ّدعيه‪ ،‬ف إ�ن‬ ‫أ�نك كاذ ٌب فيما‬ ‫ظ ّننا‬ ‫و أَ� ْغل ُب‬ ‫بنب ٍّي‪،‬‬ ‫فلي�س‬
‫‪ ١٩٦‬و�إ َّن ِذ ْك َر هذا القر آ� ِن و َت ْ�ص ِدي َقه َلفي الكت ِب‬ ‫من العذاب‬ ‫من ال�سماء ِقطع ًا‬ ‫علينا‬ ‫ف َ�أ�س ِق ْط‬ ‫�صادق ًا‬ ‫كنت‬

‫المتق ِّدمة كالتوراة والإنجيل وال َّزبور‪.‬‬ ‫ُتهلكنا بها‪.‬‬

‫‪ ١٩٧‬أ� َولي�س يكفي قوم َك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪� -‬شاهداً‬ ‫‪ ١٨٨‬قال لهم �شعيب‪ :‬ربي أ�علم بما تعملون ِمن الكفر‬
‫على أ�ن القر آ�ن ح ٌّق و أ�نه تنزيل ر ِّب العالمين‪َ� ،‬أ ْن َيعل َم‬ ‫والمعا�صي‪ ،‬ولي�س �أ ْم ُر العذاب إ�ليَّ‪.‬‬
‫ال�صادقون ِم ْن علماء بني إ��سرائيل �أنه َم ْذكور في كتبهم‪،‬‬
‫‪ ١٨٩‬فتما َدوا و أ��ص ُّروا على تكذيب �شعيب‪ ،‬ف�أخذهم‬
‫و�أنه م�ص ِّد ٌق ِلـ َما معهم؟‬ ‫عذا ٌب ب�سحاب ٍة �أظ َّلتهم‪ ،‬بعد �أن �س ِّلط الله عليهم الح َّر‬
‫أ�يام ًا‪ ،‬فل ّما ر أ�وا ال�سحابة تج َّمعوا تحتها َي�ستر ِوحون بظ ِّلها‬
‫‪ ١٩٨‬ولو ن َّزلنا هذا القر�آن ب ُح َج ِجه و َن ْظمه الرائق‬
‫المع ِجز على بع�ض ا ألعاجم الذي َيجهل لغ َة العرب‪،‬‬
‫ف�ضل ًا �أن َي ْقدر على َن ْظم مثله فقر أ�ه على ك ّفار قري�ش‬
‫قراء ًة �صحيح ًة وا�ضح ًة‪َ ،‬لـ َجحدوه وما كانوا به‬

‫م ؤ�منين‪ ،‬وذلك ل َفرط عنادهم‪.‬‬

‫‪ ٢٠٣ - ١٩٩‬كذلك َأ� ْدخلنا القر آ�ن في قلوب المجرمين‬
‫من أ�هل ال�شرك‪ ،‬ففهموه وعرفوا إ�عجازه‪ ،‬لا ي�ؤمنون‬
‫به ‪ -‬ب�سبب جحودهم وعنادهم‪ -‬رغم �إيقانهم‬
‫ب إ�عجازه حتى يروا العذا َب الأليم‪ ،‬في أ�تيهم العذاب‬

‫فج أ� ًة‪ ،‬فيقولون‪ :‬هل ُن َهل لن ؤ�من ونطيع؟‬

‫‪ ٢٠٤‬أ�َ َب َل َغ به�ؤلاء المجرمين الغرو ُر والحم ُق أ�ن‬
‫ي�ستعجلوا بعذابنا؟!‬

‫‪َ ٢٠٦ ٢٠٥‬و َه ْب ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬أ� ّنا م ّتعناهم في‬
‫الدنيا �سني َن بت�أخير آ�جالهم‪ ،‬ثم أ�تاهم العذاب الذي‬

‫كانوا‪ ‬يوعدونه‪.‬‬

‫‪375‬‬

‫التي يلقونها �إلى الكهنة كذ ٌب‪ ،‬حيث ي�ض ّمون إ�لى ما‬ ‫‪� ٢٠٧‬أ ّي �شيء أ�َ َغنى عنهم طو ُل تمتعهم في دف ِع العذا ِب‬
‫ي�سمعون في ال�سماء كذب ًا كثيراً‪.‬‬ ‫أ�و تخفيف ِه!! لم ُي ْغن عنهم �شيئ ًا‪.‬‬

‫‪ ٢٢٧ - ٢٢٤‬وال�شعرا ُء يتبعهم في باطلهم و َي�ستح ِ�سنه‬ ‫‪ ٢٠٨‬وما �أهلكنا أ�ه َل قري ٍة من القرى التي ق�ص�صنا‬
‫منهمال�سفها ُءوال�ضالونلموافقته َهواهم‪،‬فهم َو َم ْنيتبعهم‬
‫مذمومون‪ ،‬أ�لم َت َر أ�نهم يخو�ضون في ك ِّل وا ٍد من أ�ودية‬ ‫عليك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪� -‬إلا بعد �إنذارهم وا إلعذا ِر إ�ليهم‬
‫الكلا ِم و ُفنونه وغيرها‪َ ،‬م ْدح ًا وذم ًا ورثاء بح ٍّق وبغير‬ ‫ب إ�ر�سال الر�سل وتكذي ِبهم لهم‪.‬‬
‫ح ّق‪ ،‬متق ِّلبين ح�سب أ�هوائهم‪ ،‬و أ�نهم يقولون َف َعلنا‪،‬‬
‫و َف َعلنا وهم َك َذب ٌة في ذلك‪ ،‬و ُي�ستثنى منهم فئة ِمن ال�شعراء‬ ‫‪ ٢٠٩‬هذه ِذكرى لكم يا َمع�شر قري�ش‪ ،‬وما ُك َّنا ظالمي َن‬
‫هم �صادقون‪ ،‬وهم الذين آ�منوا وعملوا ال�صالحات‪ ،‬ولم‬ ‫�أحداً ممن أ�هلكناهم‪.‬‬
‫َي�شغلهم ال�ِّشع ُر عن ذكر الله‪ ،‬وانت�صروا ب ِ�شعرهم للح ّق‬
‫بعد ما ُظ ِلموا‪ ،‬و�َس َيعلم الذين ظلموا أ�نف َ�سهم بالكفر‬ ‫‪ ٢١٣ - ٢١٠‬وما تنزل ْت بالقر�آن على ر�سولنا محم ٍد‬
‫والتكذيب‪ ،‬وظلموا غي َرهم بالاعتداء عليهم واتهامهم‬ ‫ال�شياطي ُن كما تزعمون‪ ،‬وما ي�ص ُّح وما ُيت�صور ِمن‬
‫بالباطل �أ َّي َمرج ٍع من َمراجع ال�سوء يرجعون إ�ليه‪ ،‬إ�نه‬ ‫�أ�صحاب هذه النفو�س الخبيث ِة ذلك وما ي�ستطيعونه‬
‫أَ� ْ�صل ًا‪ ،‬إ�نهم عن الا�ستماع له في ال�سماوات لمحجوبون‬
‫النا ُر التي ال‪ ‬انفلا َت لهم عنها‪ ،‬وبئ�س القرار!‬ ‫بال�ُّشهب‪َ .‬فلا َتعب ْد ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬مع الله معبوداً‬
‫آ�خر َف َت ُكو َن ِم َن المع َّذبين‪ .‬وفي هذا ر ٌّد لقول الم�شركين‬

‫للنبي‪ : ‬اعبد �إل َهنا �سن ًة ونعبد إ�لهك �سنة‪.‬‬

‫‪ ٢١٦ - ٢١٤‬وابد ْأ� ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬بتحذير قرابتك‬
‫الأقربين‪ ،‬أ� ْن ينز َل بهم العذا ُب ب�سبب كفرهم‪ .‬و�َأ ِل ْن‬
‫جان َب َك وتل ّط ْف بمن اتبعك من الم�ؤمنين‪ ،‬ف إ�ن َع َ�صتك‬
‫قراب ُتك فلم يتبعوك بعد أ�ن أ�نذرتهم‪ ،‬فقل‪� :‬إني بريء مما‬

‫تعملون ِم ْن عبادة غير الله‪.‬‬

‫‪ ٢٢٠ - ٢١٧‬وتث َّب ْت ‪� -‬أيها الر�سول‪� -‬أمام ما �ستلاقيه‬
‫منهم بتو ُّك ِلك وتفوي�ِض �أمرك إ�لى الله العزيز الرحيم‪،‬‬
‫الذي يراك حين تقوم إ�لى ال�صلاة َو ْح َد َك‪ ،‬ويرى تق ُّل َبك‬
‫مع ال�ساجدين في �صلاتهم معك راكع ًا و�ساجداً وقائم ًا‪،‬‬

‫إ�نه هو ال�سميع لتلاوتك وذك ِرك العلي ُم بن ّيتك وما ُتخفيه‪.‬‬

‫‪ ٢٢٣ - ٢٢١‬هل �أُن ِّبـ ُئكم ‪ -‬أ�يها النا�س‪ -‬إ�نبا ًء مح ّقق ًا‬
‫على َم ْن تتنزل ال�شياطين؟ تتنزل على كل ك ّذاب‪ ،‬كثير‬
‫الإثم ِمن ال ُكهان و أ��شباههم‪ُ ،‬يلقون على آ�ذانهم ما‬
‫يت�سمعونه من ملائك ِة ال�سماء‪ ،‬و أ�كث ُر أ�قوال ال�شياطين‬

‫‪376‬‬

‫ُيذ ُّلهم وي ؤ�لمهم‪ ،‬وهم �أ�ش ُّد النا�س خ�سران ًا في‪ ‬الآخرة‪.‬‬ ‫‪ } ١‬ﭒﭑ{‪� :‬سب َق الكلا ُم على هذه الحروف‬
‫الـ ُمق َّطعة في أ�ول �سورة البقرة‪ .‬هذه الآيات العظيمات‬
‫‪ ٦‬و�إنك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لت�ؤ َتى القر�آ َن و ُت َل ّقاه وحي ًا‬ ‫المنزلة في هذه ال�سورة هي آ�يات القر�آن العظيم ال�ش�أن‪،‬‬
‫من عند حكي ٍم بتدبير َخ ْلقه‪ ،‬علي ٍم بكل �شيء‪.‬‬ ‫و�آيا ُت كتا ٍب مبي ٍن لا َتخفى دلالته على ما ُ�أودع فيه من‬

‫‪ ٧‬واذكر ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬ق َّ�صة مو�سى حين قال‬ ‫ال ِحكم وا ألحكام‪.‬‬
‫لزوجته في َم�سيره ِم ْن َم ْدي َن إ�لى م�صر‪ :‬إ�ني أ�ب�صر ُت ناراً‬
‫من بعيد �س آ�تيكم منها بخبر يد ّلنا على ال َّطريق‪ ،‬أ�و �آتيكم‬ ‫‪ ٢‬وهي �آيا ٌت تهدي �إلى �صرا ٍط م�ستقيم و ُت َب�ّش‬
‫ب ُح�سن الجزاء للم�ؤمنين بها‪ ،‬المو�صوفين ب أ�نهم ي ؤ�دون‬
‫ب�ُشعلة نا ٍر َ�أقتب�سها ِلت�ستدف ُئوا بها من البرد‪.‬‬ ‫ال�صلا َة على َو ْجهها ا ألكمل‪ ،‬وي ؤ�تون الزكاة التي ُك ِّلفوا‬
‫بها‪ ،‬وهم يوقنون بالدار ا آلخرة‪ ،‬وما فيها من ح�سا ٍب‬
‫‪ ٨‬فل ّما و�صل مو�سى إ�لى النار‪ ،‬ابتد أ� اللهُ و ْح َيه �إليه‬
‫بالتح َّية‪ ،‬فنودي ب�أ ّن الله بارك َم ْن في مكان النار و َم ْن‬ ‫وجزا ٍء ح َّق ا إليقان‪.‬‬
‫حولها‪ ،‬يعني مو�سى عليه ال�سلام والملائكة الحا�ضرين‪،‬‬
‫و�سبحان الله ر ِّب العالمين الذي يفعل ما ي�شاء‪ ،‬المن َّزه ع ّما‬ ‫‪� ٥ - ٣‬إ ّن الذين لا ي ؤ�منون با آلخرة‪ ،‬و آ�ثروا‬
‫ال�ضلال َة على ال ُّر�شد‪ ،‬ز ّينا لهم �أعما َل �شر ِكهم الظاهر َة‬
‫لا يليق به‪.‬‬ ‫والباطن َة فر�أوها ح�سن ًة‪ ،‬فهم يترددون في �ضلالهم‬
‫متحيرين‪� ،‬أولئك لهم في الدنيا �أ�ش ُّد أ�نواع العذاب الذي‬
‫‪ ١١ - ٩‬يا مو�سى‪� :‬إ ّن الذي يك ِّل ُمك هو الله‪،‬‬
‫العزيز‪ ،‬الذي ك ُّل �شيء تح َت قدرته و َقهره‪ ،‬الحكي ُم في‬ ‫‪377‬‬
‫جميع أ�مره‪ .‬و أ�ل ِق يا مو�سى ع�صاك‪ُ ،‬لأر َيك من آ�يات‬
‫قدرتي وت�أييدي لك‪ ،‬فلما أ�لقاها ور آ�ها تح ّول ْت حي ًة‬
‫عظيم ًة تتحرك بخ ّفة كحركة الحية التي ُت ْعرف بالجا ّن‪،‬‬
‫و ّلى ُم ْدبراً ِمن الخوف ولم يلتفت‪ ،‬فناداه الله‪ :‬يا مو�سى‬
‫لا تخ ْف مما ترى ولا ِم ْن غيره‪ ،‬ف أ�نت ر�سولي‪ ،‬و�إني لا‬
‫يخاف لد َّي المر�سلون ألني أ�حفظهم و أ�َع ِ�صمهم‪ ،‬ولكن‬
‫َمن َظ َل َم ِمن عبادي ثم تاب بعد ُظلمه‪ ،‬ف�إني غفور �أغفر‬
‫له و�أرحمه‪ .‬وهذه طم�أن ٌة ِمن الله لمو�سى بتب�شيره بقبول‬

‫توبته مما وقع منه ِم ْن َق ْتل القبط ِّي خط أً�‪.‬‬
‫‪ ١٢‬و أ�د ِخ ْل يا مو�سى ي َدك في فتحة قمي�صك‪ ،‬تخرج‬
‫بي�ضاء منير ًة‪ِ ،‬م ْن غير �سوء كب َر�ٍص ونحوه‪ ،‬وهاتان‬
‫المعجزتان هما في �ضمن ت�س ِع معجزات ن�ؤيدك بها‪ ،‬في‬
‫إ�ر�سالك إ�لى فرعون وقو ِمه‪ ،‬إ�نهم كانوا قوم ًا خارجين‬

‫عن الحدود كفراً و ُعدوان ًا‪.‬‬

‫‪ ١٣‬فل ّما جاءت فرعو َن وقو َمه ُح َج ُجنا و�أد ّل ُتنا على‬
‫�ص ّحة ما دعاهم إ�ليه مو�سى وا�ضح ًة ب ِّين ًة‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا‬

‫�سح ٌر‪ ‬وا�ض ٌح‪.‬‬

‫‪ ١٤‬وك َّذ َب فرعو ُن وقو ُمه بهذه الآيات‪ ،‬وقد عل َم ْت‬
‫أ�ن ُف�ُسهم علم ًا يقيني ًا أ�نها ح ٌّق ولي�ست �سحراً‪ ،‬ظلم ًا من‬
‫�أنف�سهم‪ ،‬وتر ُّفع ًا وا�ستكباراً عن ا ّتباع الح ّق‪ ،‬فانظر‬

‫‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬كيف كان عاقب ُة أ�م ِر ه�ؤلاء المف�سدين‬
‫من الإغراق في البحر‪ ،‬الذي هو ِعبر ٌة لمن يعتبر‪.‬‬

‫وعلى والد َّي‪ ،‬و�ألهمني أ�ن �أعمل في بق ّية عمري �صالح ًا‬ ‫‪ ١٥‬ولقد �آتينا داو َد و�سليمان علم ًا عظيم ًا من عندنا‪،‬‬
‫تر�ضاه‪ ،‬و�أدخلني برحمتك في جملة عبادك ال�صالحين‬ ‫فقد ع َّلمناهما �شرائ َع الدين و أ��صول الـ ُحكم‪ ،‬وغي َر ذلك‬
‫مما ُخ�َّص به ك ُّل واحد منهما‪ ،‬وكانا بما ع ّلمناهما من‬
‫الذين كتب َت لهم تمام النعمة والفوز‪ ‬بالجنة‪.‬‬ ‫العاملين‪،‬وقالااعتراف ًابوا�سعف�ضلناوعظيمنعمتنا‪:‬الحمد‬

‫‪ ٢٢ - ٢٠‬و َتف َّقد �سليما ُن �أحوال الطير فلم َي َر ال ُهده َد‬ ‫لله الذي ف ّ�ضلنا بما �آتانا على كثير ِم ْن عباده الم�ؤمنين‪.‬‬
‫فيما بينها‪ ،‬فقال‪ :‬ما ليَ لا أ�رى ال ُهدهد؟ أ�يحجبه ع ّني‬
‫�شي ٌء يمنعني ِم ْن ر ؤ�يته‪� ،‬أم هو غائب؟ فل ّما تح ّقق �أنه‬ ‫‪ ١٦‬واخترنا �سليما َن للملك والنب ّو ِة بعد �أبيه داود‬
‫غائب‪ ،‬قال‪ :‬ألعذب ّنه عذاب ًا �شديداً أ�و ألذبح ّنه ليكون‬ ‫دون �سائر �أبناء داود‪ ،‬وقال �سليمان لبني إ��سرائيل‪� :‬إ ّن‬
‫ِعبر ًة ألمثاله‪� ،‬أو لي�أتي ّني ب ُح ّج ٍة تب ّي ُعذره‪ .‬فمك َث‬
‫الهده ُد بعد َت َف ُّق ِد �سليمان وتو ُّع ِده زمن ًا غير طويل‪ ،‬ثم‬ ‫الله تف ّ�ضل علينا بف�ضائل غير ما �أورثنا من الملك والنب ّوة‬
‫جاء ف ُعو ِت َب فاعتذر ل�سليمان بان�شغاله بمعرفة �أم ٍر مهم‪،‬‬ ‫ب�أ ْن ع َّل َمنا َف ْه َم المراد ِم ْن �أ�صوات الطير‪ ،‬و آ�تانا ِم ْن ك ِّل‬
‫قائل ًا‪ :‬لقد أ� َحط ُت بما لم ُتط به علم ًا‪ ،‬وجئتك ِم ْن مدينة‬ ‫�شي ٍء نحتا ُج إ�ليه في ديننا ودنيانا‪� ،‬إ ّن هذا لهو الف�ضل‬

‫�سب أٍ� بخب ٍر عظي ِم ال�ش�أ ِن َع ِل ُمته يقين ًا‪.‬‬ ‫وا إلح�سان الوا�ضح من الله‪.‬‬

‫‪ ١٨ ١٧‬و ُجمع ل�سليما َن في َم�سي ٍر له ِم ْن ك ِّل مكان‬
‫جنو ُده من الجن وا إلن�س والطير الذين �س ّخرهم الله له‪،‬‬
‫فهم لكثرتهم ُي َك ُّفون و ُي ْدفعون عن التق ُّد ِم والتفرق ِة بين‬
‫يديه‪ ،‬لي�سيروا بانتظام‪ ،‬حتى �إذا أ�توا على وا ٍد كثي ِر النمل‪،‬‬

‫قالت نملة‪ :‬يا أ�يها النمل ادخلوا بيو َتكم لئلا يهلك ّنكم‬
‫�سليما ُن وجيو�شه ب أ�قدامهم َو ُهم لا ي�ْشعرون بكم‪.‬‬

‫‪ ١٩‬ف َ�س ِمع �سليما ُن قول النمل ِة فتب�َّس َم �ضاحك ًا متع ّجب ًا‬
‫ِم ْن َح َذرها واهتدائها لم�صالحها ون�صيحتها للنمل‪،‬‬
‫و َفرح ًا بظهور َع ْد ِله‪ ،‬وقال‪ :‬ر ِّب أ�لهمني �أن �أ�شكر‬
‫نعمتك التي أ�نعم َت عل َّي من النب ّوة والملك والعلم‪،‬‬

‫‪378‬‬

‫‪ ٢٨ ٢٧‬قال �سليمان للهدهد‪� :‬سننظر ونختبر‬ ‫‪� ٢٣‬إ ّن وجد ُت امر�أ ًة تحكم �أهل �سب�أ‪ ،‬وهي ِب ْل ِقي�س‪،‬‬
‫و�أو ِت َي ْت من كل �شيء يحتاج إ�ليه الملوك للتمكين‪ ،‬من‬
‫لنعر َف �أ�صدق َت في �إخبارك هذا �أم أ�نت من الكاذبين‪.‬‬ ‫ثرا ٍء و ُع ّد ٍة وعتا ٍد وغيرها‪ ،‬ولها عر� ٌش كبير عظيم‪ ‬القدر‪.‬‬
‫اذه ْب ‪� -‬أيها الهدهد‪ -‬بكتابي هذا ف أ�لقه إ�لى ِب ْل ِقي�س‬
‫وقومها ثم تن َّح عنهم �إلى مكان قري ٍب تتوارى فيه‬ ‫‪ ٢٤‬وجد ُت هذه الملكة وقو َمها‪ ،‬ي�سجدون لل�شم�س‬
‫ليكون تحاو ُرهم ب َم�ْس َم ٍع منك‪ ،‬فانظ ْر ما الذي ي ُر ّدونه‬ ‫فيعبدونها ِم ْن دون الله‪ ،‬وزيّن لهم ال�شيطا ُن أ�عمال‬
‫كفرهم‪ ،‬ف�ص ّدهم هذا التزيي ُن عن ال�سبيل الحق‪ ،‬فهم لا‬
‫من الجواب‪.‬‬
‫يهتدون �إليه‪.‬‬
‫‪ ٣١ - ٢٩‬قال ْت ِب ْل ِقي�س بعد ما ُ�ألقي إ�ليها الكتاب‬
‫ل ُكبراء مملكتها و�أهل م�شورتها‪ :‬يا أ�يها الم أل إ�ني �أُلق َي‬ ‫‪ ٢٥‬وهذا التزيي ُن من ال�شيطان أل ْج ِل �أ ّل ي�سجدوا لله‬
‫إ�ليَّ كتا ٌب كريم من �سليمان‪ ،‬و�إ ّن م�ضمونه‪ :‬ب�سم الله‬ ‫الذي ُيخرج المخبو َء في ال�سماء والأر�ض ِم ْن مط ٍر ونبا ٍت‬
‫الرحمن الرحيم‪� ،‬أ ّل تتكبروا عل َّي كما تفعل جبابرة‬ ‫وغيرهما رزق ًا لعباده‪ ،‬ويعلم ما تخفون في أ�نف�سكم‪،‬‬
‫الملوك‪ ،‬و�أق ِبلوا إ�ليَّ منقادين لدين الله م ؤ�منين بما جئت‬
‫وما تعلنون ب�أل�سنتكم‪ ،‬فلا يغيب عن علمه‪� ‬شيء‪.‬‬
‫به‪.‬‬
‫‪ ٢٦‬الله الذي لا معبود بح ٍّق غيره هو الم�ست ِح ُّق وحده‬
‫‪ ٣٢‬قال ْت ِب ْل ِقي�س طالب ًة الم�شورة‪ :‬يا �أيها الم ألُ أ�جيبوني‬ ‫للعبادة وال�سجود‪ ،‬وهو ر ُّب العر�ش العظيم الذي لا‬
‫في هذا الأمر العظيم الذي �أه ّمني‪ ،‬فما كن ُت ألق�ضي‬
‫ُيداني عر�َشه �أ ُّي عر�ش و�إ ْن َع ُظم‪.‬‬
‫�أمراً إ�لا ب َمح َ� ِضكم وم�شورتكم‪.‬‬
‫‪379‬‬
‫‪� ٣٣‬أجاب الملأ ِب ْل ِقي�س فقالوا‪ :‬نحن �أهل َعدد و ُع ّدة‪،‬‬
‫و�أهل ب أ�� ٍس �شديد في الحرب‪ ،‬وا ألم ُر مو َك ٌل إ�لي ِك‬
‫فانظري ماذا ت أ�مريننا به من القتال أ�و الم�صالحة‪ُ ،‬نطع ِك‬

‫ولا نخالف ر أ�يك‪.‬‬

‫‪ ٣٥ ٣٤‬قالت ُم ؤ�ْ ِثر ًة لل�ِّسلم مح ّذر ًة ِم ْن عاقبة‬
‫مواجهة �سليمان بالقتال‪� :‬إ ّن �ش�أن الملوك �إذا دخلوا‬

‫قري ًة معمور ًة ُعنو ًة وقهراً خ َّربوها‪ ،‬و أ�هانوا �أ�شرافها‬
‫ور ؤ��ساءها‪ ،‬فجعلوهم �أذل ًة‪ ،‬وهذه عادتهم التي لا تتغير‪،‬‬
‫و إ�ني �س�أبعث إ�لى �سليمان بهد ّي ٍة نفي�سة‪ ،‬ف إ� ْن كان ملك ًا‬
‫�أر�ضيناه بذلك و ُكفيناه‪ ،‬و�إ ْن كان نب ّي ًا لم ير�َض �إ ّل �أَ ْن‬

‫نتبعه‪ ،‬و�إ ّن منتظرة الر َّد الذي يرجع به ُر�سلي‪.‬‬

‫ك�أنه عر�شي‪ ،‬فلم َتزم ب أ�نه عر�ُشها لاحتمال أ�ن يكون‬ ‫‪ ٣٦‬فل ّما جاء ر�سو ُل ِب ْلقي�س �إلى �سليما َن بهديتها‪ ،‬قال‬
‫مثله‪ ،‬ف�أنب�أ ْت بذلك عن ُو ُفور عقلها‪ ،‬ف َع ِل َم �سليما ُن ب أ�نها‬ ‫له �سليمان منكراً ومو ّبخ ًا‪ :‬أ�تمدنونني بما ٍل ل َت ْ�صفوني عن‬
‫�أوتي ْت علم ًا‪ ،‬وقال تح ُّدث ًا بنعم الله عليه وعلى آ�بائه‪:‬‬ ‫دعوتي لكم �إلى طاعة الله؟! ك ّل‪ ،‬فما �آتاني الله من النب ّوة‬
‫و أ�وتينا العل َم ا ألو�س َع وا ألنف َع ِم ْن قبلها‪ ،‬وك ّنا م�سلمين‬ ‫والملك العظيم خي ٌر و أ�و�سع مما �آتاكم الله من المال‪ ،‬ولا‬
‫لله وحده‪ ،‬و�ص َّدها عن الم�سارعة �إلى الإ�سلام العاد ُة التي‬ ‫أ�فرح بهديتكم‪ ،‬و إ�نما أ�نتم تفرحون بما ُيهدى �إليكم؛‬
‫كانت عليها‪ ،‬وهي عباد ُة غير الله‪ ،‬و ألنها ن�ش�أ ْت في قو ٍم‬
‫ألنكم �أهل ُمفاخرة بالدنيا و ُمكاثرة بها‪.‬‬
‫كافرين وا�ستمر ْت على دينهم‪.‬‬
‫‪ ٣٧‬وقال �سليمان لر�سول الملكة‪ :‬ارج ْع �إليهم بما‬
‫‪ ٤٤‬وقيل ل ِب ْلقي�س لترى �آي ًة أ�خرى‪ :‬ادخلي الق�ص َر‪،‬‬ ‫أ�تي َت من الهدية‪ ،‬فلن أ�تي ّنهم بجنو ٍد لا طاق َة لهم بها‪،‬‬
‫فل ّما أ�رادت الدخول ر�أ ْت أ�ر َ�ضه ما ًء يتم ّوج‪ ،‬فك�شف ْت‬ ‫ولنخرج ّنهم من بلدتهم أ�ذ ّل ًة وهم مهزومون مهانون‪،‬‬
‫عن �ساقيها لتخو�ض فيه‪ ،‬فقال لها �سليمان‪� :‬إنه َ� ْص ٌح‬
‫ِم ْن زجا ٍج أ�مل�س �صا ٍف تحته ماء‪ ،‬ف َبهرها ذلك‪ ،‬وقالت‪:‬‬ ‫�إ ْن لم ي�أتوني م�سلمين‪.‬‬
‫ر ِّب إ�ني ظلمت نف�سي بما كنت عليه من الكفر‪ ،‬ودخل ُت‬
‫‪ ٤٠ - ٣٨‬فل ّما َع ِلم �سليما ُن أ�نها �س َتح ُ�ض عنده هي‬
‫في دين �سليمان‪ ،‬م�سلم ًة لله ر ِّب العالمين‪.‬‬ ‫وقومها‪� ،‬أراد �َأ ْن يريها بع�ض ما خ ّ�صه الله به‪ ،‬مما ي�شهد‬
‫ل�صحة نب ّوته‪ ،‬فقال للحا�ضرين ِم ْن ُكبراء جنده من الج ِّن‬
‫‪380‬‬ ‫والإن�س‪� :‬أيُّكم ي أ�تيني بعر�شها قبل �أن ي�أتوني طائعين؟‬
‫قال مار ٌد من الجن‪� :‬أنا �آتيك بعر�شها قبل �أن تقوم ِم ْن‬
‫مجل�سك هذا‪ ،‬و�إ ّن على الإتيان به لقو ٌّي‪� ،‬أمي ٌن عليه‪.‬‬
‫قال الذي عنده عل ٌم من الكتاب‪� :‬أنا �آتيك بعر�شها قبل‬
‫َأ� ْن يرت ّد �إليك َج ْف ٌن عينك‪ ،‬فل ّما ر أ�ى �سليما ُن العر� َش‬
‫م�ستق ّراً عنده بهذه ال�سرعة‪ ،‬قال‪ :‬هذا ِم ْن ف�ضل ربي‬
‫ليمتح َن ِني �أ�أ�شكره على نعمه اعتراف ًا ب أ�نها مح�ُض ف�ض ٍل‬
‫منه‪ ،‬أ�م أ�جحد ف�ض َله‪ ،‬و َم ْن ي�شك ْر ف إ�نما يرجع نف ُع �شك ِره‬
‫لنف�سه‪ ،‬و َم ْن كف َر النعمة بترك �شكرها ف�إ ّن ربي غن ٌّي عن‬
‫�ُشكره‪ ،‬كري ٌم ينعم على عباده مع جحودهم وكفرهم‪.‬‬

‫‪ ٤١‬قال �سليما ُن لبع�ض جنده‪َ :‬غ ِّيوا لها هيئ َة عر ِ�شها‪،‬‬
‫لنرى �أتهتدي إ�لى معرفته �أَ ْم لا‪ .‬و إ�نما �أراد �سليمان ‪ -‬عليه‬

‫ال�سلام‪ -‬بذلك �أن يختبر عق َلها و ِد ّقة ملاحظتها‪.‬‬

‫‪ ٤٣ ٤٢‬فل ّما جاء ْت ِب ْلقي�س �إلى �سليمان‪ ،‬وعر�ض‬
‫عليها العر�ش‪ ،‬قيل لها‪ :‬هل عر�شك مثل هذا؟ قالت‪:‬‬

‫‪ ٤٩ ٤٨‬وكان في مدينة �صالح عليه ال�سلام ‪ -‬وهي‬ ‫‪ ٤٥‬ولقد �أر�سلنا �إلى ثمود أ�خاهم في الن�سب �صالح ًا‪،‬‬
‫مدينة ال ِح ْجر‪ -‬ت�سع ُة رجا ٍل من ُعتاة القوم ور ؤ��سائهم‪،‬‬ ‫داعي ًا إ�ياهم �إلى عبادة الله وحده‪ ،‬فل ّما أ�تاهم افترقوا �إلى‬
‫تم َّح�ضوا للإف�ساد في هذه المدينة‪ ،‬فلا ُيخالط عم َلهم‬ ‫فريقين‪ ،‬م�ؤمن به وكافر‪ ،‬ك ُّل فري ٍق منهم يجادل عن‬
‫�صلا ٌح‪ ،‬قال بع ُ�ضهم لبع�ض‪ :‬احلفوا بالله فيما بينكم‪،‬‬
‫َل ُنبا ِغت َّن �صالح ًا و�أهله ليل ًا فنقتلهم‪ ،‬ثم لنقول َّن لوليِّ َد ِمه‬ ‫نف�سه م ّدعي ًا �أنه على الح ِّق دون الفريق‪ ‬ا آلخر‪.‬‬
‫ِم ْن قرابته إ�ذا ا ّتهمنا �أ ّنا قتلناه‪ :‬ما َح َ� ْضنا قتلهم‪ ،‬ف�ضل ًا‬
‫عن تولِّينا ذلك‪ ،‬ونحل ُف �إ ّنا ل�صادقون‪ .‬وكان ذلك‬ ‫‪ ٤٦‬قال �صالح للفريق المك ِّذ ِب به متل ّطف ًا ومتر ّفق ًا‪:‬‬
‫بعد عقرهم الناقة‪ ،‬و إ�نذار �صالح ‪ -‬عليه ال�سلام‪ -‬لهم‬ ‫يا قوم ِلـ َم كلما دعوتكم �إلى الإيمان تبادرون �إلى �س ؤ�ال‬
‫العذاب وا�ستعجال العقوبة التي ت�سو ؤ�كم‪ ،‬وت�ؤ ِّخرون‬
‫بالعذاب‪.‬‬ ‫التوبة التي تجلب لكم ال�سلامة والنجاة؟! ه ّل ت�ستغفرون‬
‫الله وتتوبون �إليه من ال�شرك‪ ،‬كي ُترحموا فلا تع َّذبوا !‬
‫‪ ٥٠‬ود ّبروا �إهلا َك �صال ٍح و�أهله تدبيراً خف ّي ًا مح َكم ًا‪،‬‬
‫وجازيناهم بمكرهم ف أ�هلكناهم فج�أ ًة‪ ،‬وهم لا ي�شعرون‬ ‫‪ ٤٧‬قال المك ِّذبون ل�صالح ‪ -‬عليه ال�سلام‪ :-‬إ� ّنا‬
‫ت�شاءمنا بك وبمن �آمن معك‪ -‬وذلك �أنه �أ�صابهم َق ْح ٌط‬
‫بما د َّبرنا‪.‬‬ ‫فت�شاءموا بهم‪ -‬فقال �صالح لهم‪� :‬إ ّن الذي أ��صابكم هو‬
‫ِم ْن عند الله ب�سبب �سوء عملكم ولي�س ب�سببي و�سبب‬
‫‪ ٥٣ - ٥١‬فانظر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬وت�أ ّم ْل فيما انتهى‬ ‫�أتباعي‪ ،‬والحقيق ُة �أنكم قو ٌم يفتنكم ال�شيطان بو�سو�ست ِه‬
‫�إليه أ�م ُر ه ؤ�لاء المف�سدين‪ ،‬لقد أ�هلكناهم إ�هلاك ًا �شديداً‪،‬‬
‫ود ّمرنا جمي َع قومهم الذين كفروا بنب ِّينا �صالح‪ ،‬فتلك‬ ‫و إِ�غوائ ِه لي�ص ّدكم عن ا إليمان‪.‬‬
‫بيوتهم خالية‪ ،‬مته ّدمة ب�سبب ظلمهم‪� ،‬إ ّن في ذلك لعبر ًة‬
‫عظيمة وعظ ًة �سقناها لقوم يعلمون‪ .‬و أ�نجينا مع نبينا‬ ‫‪381‬‬
‫�صالح الذين آ�منوا به وكانوا ي ّتقون اللهَويخافون عذابه‪.‬‬

‫‪ ٥٤‬واذك ْر نب ّينا لوط ًا‪ ،‬إ�ذ قال لقومه ‪ -‬وهم �أهل �َسدوم‬
‫بال�شام‪ -‬مو ِّبخ ًا لهم ومن ِكراً عليهم‪� :‬أت أ�تون هذه ال ِفعل َة‬
‫المتناهي َة في ال ُف ْح�ِش ‪ -‬وهي إ�تيان الذكور في �أدبارهم‪-‬‬
‫وتفعلون ذلك َع َلن ًا في ناديكم‪ ،‬و أ�نتم تعلمون علم ًا‬

‫يقين ّي ًا أ� ّن ما تفعلون يخالف مقت َ�ضى العقل والفطرة؟!‬

‫‪ ٥٥‬وقال لو ٌط لهم م�ؤ ِّكداً �إنكاره وم ِّكرراً توبيخه‪:‬‬
‫أ� إ�نكم لت أ�تون الرجال لا�شتهائكم لهم وهم لي�سوا‬
‫مح ّ ًل للفعل ولا للا�شتهاء‪ ،‬وتتركون الن�ساء اللاتي‬
‫هن مح ُّل ذلك؟! بل �أنتم �سفهاء ماجنون‪ ،‬قد ف�سد ْت‬
‫عقولكم وانحرف ْت فطرتكم ف�صرتم ت�ستطيبون الخبائث‬

‫و ُت�ْؤ ِثرونها على ال ّطيبات‪.‬‬

‫ال َع ْذب والما ِلح فا�صل ًا مانع ًا من اختلا ِط ما ِء أ�ح ِدهما‬ ‫‪ ٥٦‬فما كان جوا َب قومه حين نهاهم عن تلك‬
‫بالآخر؟ �أهناك �شري ٌك مع الله في إ�بداع ذلك في�ستح ّق‬ ‫الفاح�شة ودعاهم إ�لى الله �إلا �أن قالوا‪ :‬أَ�خ ِرجوا‬
‫العباد َة معه؟ ك ّل‪ ،‬بل أ�كثرهم لا يدركون ُبطلان ما هم‬ ‫لوط ًا و أ�تباعه ِم ْن قريتكم إ�نهم أ�نا�س يتن َّزهون عن‬

‫عليه من ال�شرك مع تمام ظهوره‪.‬‬ ‫�أفعالنا‪ ‬الفاح�شة‪.‬‬

‫‪َ ٦٢‬بل ا�س أ�لهم‪َ :‬م ْن الذي ُيجيب دعاء َم ْن نزلت به‬ ‫‪ ٥٧‬ف أ�نجينا لوط ًا و�أه َله ِمن العذاب الواق ِع بالقوم �إ ّل‬
‫ِ�ش ّدة ِمن �شدائد الزمان أ�لج أ� ْته �إلى الدعاء والت�ض ّرع‪،‬‬ ‫امر أ�ته حكمنا عليها �أنها هالكة مع الهالكين الباقين في‬
‫ويك�شف ما َيعتري ا إلن�سا َن مما ي�سو�ؤه من المر�ِض والفق ِر‬ ‫العذاب؛ ألنها كانت َعون ًا لهم على �أفعالهم ال�شنيعة‬
‫والـ َجو ِر وغير ذلك‪ ،‬ويجع ُلكم خلفاء في الأر�ض جيل ًا‬
‫بعد جيل؟ أ��إل ٌه مع‪ ‬الله الذي ُيفي�ض على الخلق هذه‬ ‫را�ضي ًة بها‪.‬‬
‫النعم ال ِج َ�سام يمكن �أن يعطيكم مث َلها؟ ك ّل‪ ،‬ولكنكم لا‬
‫‪ ٥٨‬و�أمطرنا عليهم حجار ًة من طين ُمتح ِّجر ُم ْهل ٍك‪،‬‬
‫تتذكرون �إلا قليل ًا‪.‬‬ ‫فبئ�س مط ُر الذين لم َيقبلوا الإنذار‪.‬‬
‫‪� ٦٣‬أَ ْم َم ْن يهديكم بالنجوم في ظلمات الب ِّر والبحر‬
‫ليل ًا‪ ،‬وبعلاما ٍت في ا ألر�ض نهاراً؟ و َم ْن ير�سل الرياح‬ ‫‪ ٥٩‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ :-‬الحم ُد لله على ما أ�َ ْنعم به‬
‫علام ًة مب�ّش ًة بالمطر الذي هو ِم ْن رحمته؟ �أمعبو ٌد مع الله‬ ‫عليك من أ�نواع النعم‪ ،‬و�سلا ٌم على الر�سل وا ألنبياء‬
‫يفعل ذلك؟ تعالى الله وتن َّزه بذاته المنفر ِدة با أللوهية عن‬ ‫وال�صالحين ِمن عباده ‪ -‬ومنهم أ��صحاب محمد ‪‬‬
‫ا�صطفاهم ب�صحبته‪ -‬ثم قل لم�شركي قومك ته ُّكم ًا‬
‫وجود‪� ‬شري ٍك‪ ‬له‪.‬‬ ‫و َت�سفيه ًا لر أ�يهم و إ�لزام ًا لهم بالـ ُح ّجة‪ :‬آ�لله الم�ست ِح ُّق‬
‫وحده للعبادة خي ٌر أ�م ما ت�شركون معه من ا أل�صنام التي‬
‫‪382‬‬
‫لا َتلك نفع ًا ولا �ض ّراً؟‬

‫‪ ٦٠‬ثم ب ّي الله تعالى بطلا َن أ�ن يكون مع الله �إل ٌه ُيعبد‪،‬‬
‫و�أنه تعالى الم�ست ِح ُّق للعبادة وحده إ�ذ هو وحده الخال ُق‬
‫الراز ُق المن ِع ُم‪ ،‬فقال تعالى لر�سوله‪َ :‬بل ا�س�أ ْلهم‪َ :‬م ْن خلق‬
‫ال�سماوات وا ألر�ض وما فيهما؟ و َمن َ�أنزل لكم من‬
‫ال�سماء ما ًء ف�أنب َت به ب�ساتين ذات ُح�ْس ٍن و َر ْونق َيبته ُج‬
‫به الناظرون؟ لي�س في ملككم ولا َم ْقدوركم أ�ن ُتنبتوا‬
‫أ��شجارها الوا ِرفة ال ِّظلال المختلف َة ا ألنواع والثمار‪� ،‬أ�إل ٌه‬
‫مع الله يفعل ذلك في�ستح ّق �أن ُيعبد؟ ك ّل‪ ،‬بل هم‬
‫قوم َيحيدون عن الحق والا�ستقامة‪ ،‬بت�سويتهم بين الله‬

‫ع ّز وج ّل وبين خلقه في العبادة‪.‬‬

‫‪َ ٦١‬بل ا�س أ� ْلهم‪َ :‬من الذي َج َع َل الأر�ض مه ّي�أ ًة لي�ستق َّر‬
‫عليها الإن�سا ُن والدوا ُّب و�سا ُئر ا ألحياء‪ ،‬وجعل خلالها‬
‫�أنهاراً جارية ينتفعون بها‪ ،‬وجعل لها جبال ًا ثواب َت‬
‫تمنعها ِم َن الا�ضطرا ِب ب أ�هلها‪ ،‬وجعل بين البحرين‬

‫و ِ�صنا تراب ًا مختلط ًا بتراب ا ألر�ض‪ ،‬و�صار آ�با ؤ�نا تراب ًا‬ ‫‪َ� 64‬أ ْم َم ْن ُين�شئ الخل َق ثم ُيعيده بعد الموت بالبعث‪،‬‬
‫كذلك‪� ،‬أ إ�نا لمبعوثون ِم ْن قبورنا �أحياء؟!‬ ‫و َم ْن يرزقكم من ال�سماء بالماء‪ ،‬ومن الأر�ض بالنبات؟‬
‫�أ إ�ل ٌه مع الله يفعل ذلك؟ قل‪ :‬هاتوا ُح ّج َتكم �إ ْن كنتم‬
‫‪ 68‬وقالوا‪ :‬لقد ُو ِعدنا �أننا �س ُنبعث بعد الموت‬
‫للح�ساب والجزاء‪ ،‬و ُوعد �آبا�ؤنا هذا الوعد نف َ�سه من َق ْب ِل‬ ‫�صادقين في دعواكم أ� َّن مع الله �إله ًا �آخر‪.‬‬
‫محمد‪ ،‬ولم َنـ َر له حقيق ًة‪ ،‬وما هذا الذي ُينب ُئنا به محمد‬
‫من البعث بعد الموت والح�ساب إ�لا م ْأ�خوذ من �أحاديث‬ ‫‪ 65‬قل ‪ -‬يا ر�سول الله‪ -‬لمن ي�س�ألك من الم�شركين‬
‫عن ال�ساعة متى هي‪ :‬لا َيعلم أ�ح ٌد ممن في ال�سماوات‬
‫الأ ّولين و�أكاذيبهم‪.‬‬ ‫وا ألر�ض الغي َب ‪ -‬وهو ما �أخفى الله علمه عن العباد‪-‬‬
‫‪ 69‬قل يا ر�سول الله له�ؤلاء المك ِّذبين‪� :‬سيروا في‬ ‫ولكن الله هو المتف ِّرد ِب ِعلم ذلك‪ ،‬وما ي�شعرون متى‬
‫الأر�ض؛ فانظروا ب أ�ب�صاركم‪ ،‬وتف ّكروا بعقولكم‪ ،‬على‬
‫أ� َّي ِة حا ٍل كانت عاقب ُة الكافرين الأ ّولين‪ ،‬وما ح َّل بهم من‬ ‫ُيبعثون من القبور‪.‬‬
‫عقوبات ر ّبانية؟ ف إ� ّن في م�شاهدة عاقبتهم ما فيه كفاي ٌة‬ ‫‪ 66‬بل َتلا َح َق وتتاب َع عل ُم م�شركي مكة ب�أمر ا آلخرة‪،‬‬
‫فقد تل ّقاه بع ُ�ضهم عن بع�ض من �أخبار ال�سابقين‪ ،‬ولك ّنهم‬
‫لأُولي الب�صائر‪.‬‬ ‫على ال ّرغم ِم ْن تتابع هذا العلم في �ش ٍّك منها‪ ،‬بل هم‬
‫ِل ُنفورهم من ا آلخرة ‪ -‬لتع ُّلقهم ب�شهواتهم و�أهوائهم‪-‬‬
‫‪ 70‬ولا تحز ْن عليهم أل ْجل �أنهم لم يتبعوك ولم ُي�س ِلموا‬
‫ف َي�س َلموا‪ ،‬ولا تكن في �ضي ِق �صد ٍر و أ�ل ِم نف� ٍس من َمكرهم‬ ‫لا يب�صرون دلائ َلها‪ ،‬ولا يلتفتون إ�لى العمل لها‪.‬‬
‫‪ 67‬وقال م�شركو مكة‪� :‬أ إ�ذا ِمتنا وفني ْت �أج�سا ُدنا‬
‫وكيدهم‪ ،‬ف�إ ّن الله عا�ص ُمك وحافظك منهم‪.‬‬
‫‪383‬‬
‫‪ 71‬ويقول كفا ُر مكة‪ :‬متى َيحي ُن موع ُد العذاب‬
‫الذي تع ُدنا به �أنت و أ�تبا ُعك �إ ْن كنتم من ال�صادقين فيما‬

‫تخبروننا‪ ‬به؟‬

‫‪ 72‬قل لهم يا ر�سول الله‪ :‬ع�سى أ�ن يكون قد اقترب‬
‫لكم بع�ُض الذي ت�ستعجلون ِم ْن عذاب الله‪ .‬وقد‬

‫ُأ��صيبوا‪ ‬ببع�ضه‪.‬‬

‫‪ 73‬و إ� ّن ر ّبك لذو ف�ض ٍل على النا�س ب َ ْتكه معاجلتهم‬
‫بالعقوبة على مع�صيتهم إ�ياه وكفرهم به‪ ،‬ولك ّن �أكثرهم‬

‫لا يعرفون ح َّق النعمة ولا ي�شكرونها‪.‬‬

‫‪ 74‬و�إ ّن ربك ‪ -‬يا محمد‪ -‬ليعلم ما تخفي �صدو ُرهم‬
‫وما يظهرونه ِم ْن عداوتك و َمكايدهم لك‪.‬‬

‫‪ 75‬وما ِم ْن �شيء غائ ٍب في ال�سماء أ�و في ا ألر�ض عن‬
‫ِعلم الخلق إ�لا وهو مد َّون عنده في اللوح المحفوظ‪.‬‬

‫‪ 76‬إ� ّن هذا القر�آن يب ّي لبني �إ�سرائيل أ�كث َر ا أل�شياء التي‬
‫ا�شتبه ْت عليهم فاختلفوا فيها ِم ْن أ�مور الدين وغيرها‪.‬‬

‫‪� 86‬ألم يروا �أ ّنا جعلنا الليل لي�ستريحوا فيه بالنوم‬ ‫‪ 77‬و إ� ّن هذا القر آ�ن لهداي ٌة من ال�ضلال‪ ،‬ورحم ٌة من‬
‫وال َقرار‪ ،‬وجعلنا النهار م�ضيئ ًا يب�صرون فيه ا أل�شياء‬ ‫الله ع ّز وج ّل لجميع َمن �آمن به‪.‬‬

‫فينت�شرون فيه لق�ضاء حاجاتهم و َمعاي�شهم‪� ،‬أفلا‬ ‫‪ 79 78‬إ� ّن ربك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪َ -‬يف�صل ويحكم‬
‫يتفكرون في ذلك فيعلمون �أ ّن المد ِّبر له لا ُيعجزه �شيء؟‬ ‫بين المختل ِفين في الدين يوم القيامة ب َع ْدله‪ ،‬وهو الغالب‬
‫إ� َّن في ذلك لدلائل على قدرة الله على البعث‪َ ،‬يعتبر بها‬ ‫الذي لا ُير ُّد حك ُمه وق�ضا ؤ�ه‪ ،‬العليم ب�أحوال خلقه‪ .‬ف ِث ْق‬
‫بالله �سبحانه‪ ،‬وف ّو�ْض تدبير ا ألمور �إليه‪� ،‬إنك على الدين‬
‫الم�ؤمنون‪.‬‬
‫الوا�ضح الذي لا يتطرق �إليه �ش ٌّك ولا َريب‪.‬‬
‫‪ 87‬واذكر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لهم يوم َينفخ إ��سرافي ُل‬
‫�فشايءااللُبلهو ِقح؛ْف َفظيه�صمعنقال َمخ ْون ففيواالل�فسزماعو‪،‬اوتك ُّلواه أل ؤ�رلا�ءضال�إفل ِزا ِع َمي ْنن‬ ‫‪� 81 80‬إ ّنك ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لا ُت�سمع الكفا َر‬
‫جا ؤ�وا ر ّبهم للح�ساب أ� ِذ ّل َء مطيعين‪ ،‬لا يتخ ّلف منهم‬ ‫موتى القلوب‪ ،‬ولا ت�سمع ال ُّ�ص ّم‪ ،‬و إ� ّن �سماع ه ؤ�لاء‬
‫الكفار دعوتك �إياهم �إلى ا إليمان ك�سماع ال ُّ�ص ِّم الم ْدبرين‬
‫أ�حد‪.‬‬ ‫المع ِر�ضين‪ ،‬ولذا لا ينتفعون ولا يت أ�ثرون بما تلقيه إ�ليهم‪،‬‬
‫ولي�س في َم ْقدورك أ�ن تهدي قلوب َم ْن عمي ْت قلوبهم‪،‬‬
‫‪ 88‬وترى الجبال في الدنيا َت�سبها واقف ًة مم ِ�سك ًة عن‬ ‫فتخرجهم من الكفر �إلى الإيمان‪ ،‬فه ِّون على نف�سك‪.‬‬
‫ما ُت�س ِمع �سما َع هد ًى وقبو ٍل �إلا َم ْن هديناهم ل إليمان‬
‫الحركة‪ ،‬وهي تم ُّر مثل َم ِّر ال�سحاب التي ت�س ّيها الريا ُح‬ ‫ب�آياتنا‪ ،‬فهم ب�سبب ذلك منقادون للحق طائعون لك‪.‬‬
‫المبن ّية على أ��سا�س‬ ‫ُ�صنع الله‬ ‫ِم ْن بدائع‬ ‫�َسيراً َح ِثيث ًا‪ ،‬إ� ّن هذا‬
‫�إ ّنه �سبحانه علي ٌم‬ ‫الجليلة‪،‬‬ ‫للغايات‬ ‫الحكمة الـ ُم�ستت ِب َع ِة‬ ‫‪ 82‬و إ�ذا َق ُر َب قيا ُم ال�ساعة التي يو َعدون ب أ� ْن ظهر ْت‬
‫أ��شرا ُطها‪� ،‬أخرجنا لهم داب ًة من ا ألر�ض ُتكلم النا�س أ�نهم‬
‫بظواهر أ�فعال المك َّلفين وبواطنها‪.‬‬
‫كانوا ي�ش ّكون في �آياتنا ولا ي�ؤمنون بها‪.‬‬

‫‪ 84 83‬واذك ْر ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬لهم يوم نجمع‬
‫من ك ِّل �أمة ِمن �أمم ا ألنبياء جماع ًة كثيرة من زعماء‬
‫المك ّذبين ب�آياتنا المنزلة على �أنبيائنا؛ فهم ُيح َب�سون �أ ّولهم‬
‫على آ�خرهم حتى يجتمعوا‪ ،‬ثم ُيد َفعون �صاغرين �إلى‬
‫َمو�ضع الح�ساب‪ .‬حتى إ�ذا جا ؤ�وا �إلى موقف الح�ساب‬
‫قال الله عز وجل مو ِّبخ ًا لهم‪ :‬أ�كذبتم ب آ�ياتي المنزلة على‬
‫ر�سلي الناطق ِة بلقاء يومكم هذا‪ ،‬من غير فك ٍر ولا َن َظر‬
‫ي ؤ�دي إ�لى �إحاطة العلم ب ُكنهها‪ ،‬و أ�نها حقيق ٌة بالت�صديق‬
‫َحتم ًا؟! و�إذا لم تكونوا فعلتم ذلك فقولوا ماذا كنتم‬

‫تعملون؟‬

‫‪ 85‬وح َّل العذا ُب بالمك ِّذبين ب�آيات الله‪ ،‬ب�سبب‬
‫�ضلالهم وظلمهم‪ ،‬فهم لا ينطقون ب ُح ّجة َيدفعون بها‬

‫عن �أنف�سهم ما ح ّل‪ ‬بهم‪.‬‬

‫‪384‬‬

‫بالعمل بما فيه من ال�شرائع وا ألحكام‪ ،‬ف إ�نما مناف ُع هدايته‬
‫عائد ٌة �إليه لا �إلى غيره‪ ،‬و َم ْن َ�ض َّل بالكفر به والإعرا�ض‬
‫عن العمل بما فيه‪ ،‬ف�إنما أ�نا ر�سو ٌل ُمن ِذر‪ ،‬وقد ب ّلغ ُت‬

‫و أ�نذرت‪ ،‬فلي�س عل َّي ِم ْن َو َبال �ضلا ِل َم ْن �ض َّل �شي ٌء‪.‬‬

‫‪ ٩٣‬وقل ‪� -‬أيها الر�سول‪ :-‬الحم ُد لله على ما أ�فا�ض‬
‫عل ّي من َنعمائه‪ ،‬التي �َأ َج ُّلها نعمة النبوة‪ ،‬وقل لهم‪:‬‬
‫�سيريكم �آياته َق ْطع ًا في الدنيا التي وعدكم بها ‪ -‬كالدخان‬
‫وان�شقاق القمر و إ�هلاك طغاة الكفار يوم بدر‪ ،‬و أ��شراط‬
‫ال�ساعة كخروج الدابة و�سائر ا أل�شراط‪ -‬ف َت ْعرفونها حين‬
‫ترونها‪ ،‬وتوقنون ب�صدق ما ُو ِعدتم به‪ ،‬واللهُمحي ٌط بعمل‬
‫المهتدي وال�ضال غي ُر غاف ِل؛ فيجازي ك ّ ًل بما ي�ستحقه‪.‬‬

‫‪} ١‬ﮝ{‪� :‬سب َق الكلا ُم على هذه الحروف‬ ‫‪َ ٨٩‬م ْن جاء ر َّبه م ؤ�من ًا قد عمل ال�صالحات؛ فله‬
‫الـ ُم َق َّطعة في أ�ول �سورة البقرة‪.‬‬ ‫بالح�سنة جزا ٌء خير منها‪ ،‬و�أ�صحا ُب هذه الح�سنات‬

‫‪ ٢‬تلك آ�يات الكتاب الر ّباني الوا�ض ِح الدلالات لمن‬ ‫�آمنون من الخوف وال ُّذعر يوم القيامة‪.‬‬
‫�أح�س َن تد ُّبره‪ ،‬مبي ٌن للحلال والحرام والحدود وا ألحكام‪.‬‬
‫‪ ٩٠‬و َم ْن جاء بال�شرك ف ُك ّبوا في النار على وجوههم‬
‫‪ ٣‬نق�ُّص عليك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ِ -‬م ْن َخبر مو�سى‬ ‫منكو�سين‪ ،‬ويقال لهم على �َسبيل الزجر والت أ�نيب‪ :‬ما‬
‫وفرعون َق َ�ص�َص �صد ٍق وح ٍّق‪ ،‬ألجل قوم ي ؤ�منون ب�أن‬
‫القر�آن ِم ْن عند الله‪ ،‬ليزدادوا إ�يمان ًا مع إ�يمانهم‪ ،‬ويوقنوا‬ ‫ح ّل بكم ِم ْن عذاب هو ب�سبب أ�عما ِلكم‪ ‬و�ِشككم‪.‬‬

‫بالن�صر‪ ،‬و ُح�سن العاقبة‪.‬‬ ‫‪ ٩١‬قل ‪� -‬أيها الر�سول‪ -‬لكفار قري�ش بعد تبيين‬
‫�أحوا ِل الـ َم ْبع ِث و�شرح أ�حوال القيامة‪� :‬إنما أ�مرني ربي‬
‫‪ ٤‬إ� ّن فرعون تج ّب وطغى في �أر�ض م�صر وجاوز‬ ‫أ�ن �أعبد ر َّب هذه البلدة «مكة» �أح ُّب البلاد و�أكرمها‬
‫الح َّد في الظلم والعدوان‪ ،‬وجعل أ�هلها ِف َرق ًا و أ�حزاب ًا‬ ‫عليه التي َج َعلها حرم ًا آ�من ًا؛ َي�أمن الملتج ُئ إ�ليها‪ ،‬و ُي َنع‬
‫وب ّث بينهم العداوة‪ ،‬ي�ست�ضعف فريق ًا منهم‪ ،‬وهم‬ ‫َ�صي ُدها‪ ،‬ولا ُيقطع �شج ُرها‪ ،‬وله �سبحانه ك ُّل �شي ٍء َخ ْلق ًا‬
‫بنو إ��سرائيل‪ُ ،‬يذ ِّبح أ�بناءهم‪ ،‬وي�ستبقي ن�ساءهم للخدمة‪،‬‬ ‫وم ْلك ًا وت�صرف ًا‪ ،‬و أ�ُمر ُت �أن أ�كون من الم�سلمين المنقادين‬

‫�إنه كان من المبالغين في الإف�ساد‪.‬‬ ‫ألمره المو ّحدين له‪.‬‬

‫‪ ٥‬ونريد أ� ْن نتف�ضل على بني إ��سرائيل الذين‬ ‫‪ ٩٢‬و ُ�أمر ُت أ�ن أ�تلو عليكم القر�آن تلاو َة إ�نذا ٍر وتعليم‬
‫ا�س ُت�ض ِعفوا في ا ألر�ض بالقتل والت�سخير‪ ،‬ونجع َلهم قاد ًة‬ ‫و َت َع ُّب ٍد لله‪ ،‬ف َمن اهتدى بالإيمان به بعد أ�ن ب َّلغته واهتدى‬
‫في الخير ودعاة �إليه‪ ،‬ونجعلهم الوارثين للأر�ض المبا َرك ِة‬

‫بال�شام إ�ذا �آمنوا و أ��صلحوا‪.‬‬

‫‪385‬‬

‫‪ ٦‬ونريد �أن نم ِّكن لهم في الأر�ض‪ ،‬ب�أن نجعل لهم‬

‫�سلطان ًا ونفوذاً فيها ‪ -‬كما حدث في َعهد داود و�سليمان‬

‫عليهما ال�ّسلام‪ -‬و ُن ِر َي فرعو َن وهامان وجنودهما ما‬
‫كانوا يخافون ِمن َذهاب ُم ْلكهم وهلاكهم على يد‬

‫مولو ٍد من بني �إ�سرائيل‪.‬‬

‫‪ ٧‬و�أَل َه ْمنا �أ َّم مو�سى �أن �أر�ضعي مو�سى ما أَ� ْم َكنك‬
‫�إخفا�ؤه والتك ُّت ُم عليه‪ ،‬ف إ�ذا ِخف ِت عليه من القتل ف أ�لقيه‬
‫في ِن ْي ِل م�صر‪ ،‬ولا تخافي عليه من الغرق وال�ضياع‪ ،‬ولا‬
‫تحزني ل ِفراقه‪� ،‬إنا را ّدوه �إليك‪ ،‬وجاعلوه م�ستق َبل ًا ر�سول ًا‬

‫من المر�سلين‪.‬‬

‫ال‪ ‬يعلمون أ�نها أ�خته‪ ،‬و أ�نها تتتبع َخبره‪ ،‬وذلك ِمن نباهة‬ ‫‪ ٨‬فوجد بع�ُض �آل فرعون مو�سى ِم ْن غير ق�ص ٍد‬
‫�أخته وهي َتر�صد أ�ثره‪.‬‬ ‫أ�و طل ٍب ف�أخذوه‪ ،‬ليتح ّقق �أم ُر الله ب�أن ي�صير لهم فيما‬
‫َب ْع ُد عد ّواً و َح َزن ًا‪ ،‬إ� ّن فرعون وهامان وجنودهما كانوا‬
‫‪ ١٢‬و َم َنعناه �أن َير�ضع ثدي ًا غير ثدي �أُ ّمه ِم ْن قبل أ�ن‬ ‫مذنبين �آثمين‪ ،‬فعاقبهم الله تعالى ب�أن ر َّبى فرعو ُن‬
‫نرجعه إ�ليها؛ فقالت أ�خته لهم‪ :‬هل أُ�ر�شدكم إ�لى أ�هل‬
‫بي ٍت يحفظون مو�سى لكم‪ ،‬ولا ُيق ِّ�صون في �إر�ضاعه‬ ‫عد َّوهم و َم ْن هو �سب ُب هلاكهم‪.‬‬

‫وتربيته؟ ف�أجابوها إ�لى ذلك‪.‬‬ ‫‪ ٩‬وقالت امر أ�ة فرعون لما ه َّم فرعو ُن بقتله‪ :‬هذا‬
‫الطفل �سيكون َم ْبع َث �سرور لي ولك‪ ،‬لا تقتلوه؛ رجا َء‬
‫‪ ١٣‬ف َأ� ْر َجعنا مو�سى �إلى أ�مه كي تطي َب نف ُ�سها‬ ‫أ�ن ينفعنا؛ ف�إ ّن فيه َمخاي َل ال ُيمن ودلائ َل النفع‪� ،‬أو نتب ّناه‪.‬‬
‫وتفرح برجوع ولدها الر�ضي ِع �إليها‪ ،‬ولا تحزن ب�سبب‬
‫ِفراقه لها‪ ،‬و ِل َت ْع َل َم ب أ�ن َو ْعد الله بر ِّده إ�ليها ح ٌّق‪ ،‬ولك ّن‬ ‫وهم لا يدركون أ�ق ّل �إدرا ٍك ما يكون ِم ْن أ�َ ْم ِره معهم‪.‬‬
‫أ�كثر النا�س لا يعلمون �أن ما َو َعد الله لاب َّد من �إنجازه‬
‫‪ ١٠‬و�صار ف�ؤا ُد أ� ِّم مو�سى خالي ًا ِم ْن ك ِّل �شيء ِم ْن أ�مور‬
‫ولو َبعد حين‪.‬‬ ‫ال ُّدنيا �إلا ِم ْن ِذكر مو�سى و َم�صي ِره‪ ،‬وقد كادت أ�ن تبوح‬
‫به وتظهر �ش�أ َنه و�أنه ولدها‪ ،‬لولا أ�ن أ� ْله َمها الله ال�صب َر‬
‫والتثبيت لتكون من الم�ص ّدقين بوعد الله �إياها بحفظ‬

‫مو�سى ور ِّده‪� ‬إليها‪.‬‬

‫‪ ١١‬وقال ْت أ� ُّم مو�سى ألخته حين �ألقته في الي ِّم‪:‬‬
‫اتبعي �أث َر مو�سى ل َتعلمي َخبره‪ ،‬ف َأ�ب�ص َر ْته عن ُب ْع ٍد‪ ،‬وهم‬

‫‪386‬‬

‫‪ ١٦‬قال‪ :‬يا ر ّب �إني ظلمت نف�سي ب ِفع ٍل �صار قتل ًا‪،‬‬
‫فاغفر لي ز َّلتي‪ ،‬فغفر له ز ّلته‪� ،‬إنه هو الذي يغفر الذنوب‬

‫جميع ًا برحمته الوا�سعة لعباده التوابين‪.‬‬

‫‪ ١٧‬قال‪ :‬يا ر ّب بح ِّق �إنعامك عل َّي بالمغفرة والنعم‬
‫الكثيرة؛ فلن أ�كون معين ًا لأح ٍد على خطيئة‪.‬‬

‫‪ ١٨‬ف أ��صبح مو�سى في المدينة خائف ًا على نف�سه ِم ْن‬ ‫‪ ١٤‬ولـ ّما بلغ مو�سى منتهى ق ّوته و ِ�ش ّدته وكما ِل‬
‫�أن ُيطا َلب بدم ال ِق ْبط ّي‪ ،‬ينتظر ا ألخبا َر عنه‪ ،‬ف�إذا الذي‬ ‫عقله‪ ،‬آ�تيناه حكم ًة يف�صل بها في الأمور وعلم ًا بنا‪،‬‬
‫طلب ُن�صر َته با ألم�س ي�ستغيثه ِمن قبط ٍّي �آخر‪ ،‬فقال له‬ ‫و ِمثل ذلك الإح�سان الذي �أح�س ّنا به �إلى مو�سى‪ ،‬نكافئ‬

‫مو�سى‪ :‬إ�نك ل�شديد الغواية ظاه ُر ال�شطط‪.‬‬ ‫ك َّل المح�سنين على إ�ح�سانهم‪.‬‬

‫‪ ١٩‬فل ّما َ�أ ْن �أراد مو�سى أ�ن يبط�ش بالقبط ِّي الذي هو‬ ‫‪ ١٥‬ودخل مو�سى المدينة و ْق َت غفل ِة �أهلها‪ ،‬كوق ِت‬
‫عد ٌّو له ول إل�سرائيلي‪ ،‬قال الإ�سرائيل ُّي ظا ّن ًا �أن مو�سى‬ ‫ال َقيلولة والراحة ونحو ذلك من الأوقات التي َيغفل‬
‫�س َيبط�ش به‪ :‬يا مو�سى �أتريد �أن تقتلني كما قتل َت القبط َّي‬ ‫فيها النا�س ع ّما يحد ُث في مدينتهم‪ ،‬فوجد فيها رجلين‬
‫با ألم�س؟ ما تريد �إلا أ�ن تكون طاغي ًة مت�س ِّلط ًا بالقوة في‬ ‫يت�ضاربان‪ ،‬أ�حدهما ِم ْن بني �إ�سرائيل‪ ،‬وا آلخر ِم ْن‬
‫مخالفيه ِمن ال ِق ْبط قو ِم فرعون‪ ،‬فا�ستن�صره ا إل�سرائيل ُّي‬
‫أ�ر�ض م�صر‪ ،‬وما تريد أَ� ْن تكون من الم�صلحين‪.‬‬ ‫على القبط ِّي‪ ،‬فدفعه مو�سى ب َك ِّفه ك ِّلها م�ضموم َة‬
‫الأ�صابع‪ ،‬فقتله ولم يتعمد قت َله‪ ،‬فندم مو�سى على ذلك‬
‫‪ ٢٠‬وجاء رجل من آ�خر المدينة ُي�سرع في َم�شيه‪ ،‬قال‬
‫يا مو�سى‪ :‬إ� ّن وجو َه القوم وكبراءهم يت�شاورون في‬ ‫وقال‪ :‬إ� ّن هذا العمل الذي ج ّرني �إليه الإ�سرائيل ُّي هو ِم ْن‬
‫�ش�أنك ليقتلوك بالقبط ِّي الذي قتل َته با ألم�س‪ ،‬فاخرج‬ ‫عمل ال�شيطان‪ ،‬إ�نه عد ٌّو م�ض ٌّل ظاه ُر‪ ‬العداوة‪ .‬وهذا‬

‫من المدينة‪� ،‬إني لك من النا�صحين الم�شفقين عليك‪.‬‬ ‫العمل من مو�سى عليه ال�سلام قبل النبوة‬

‫‪ ٢١‬فخرج مو�سى من المدينة خائف ًا يتو َّقع �أن يتع ّر�ض‬ ‫‪387‬‬
‫له رجال فرعون‪ ،‬ودعا الله أ�ن يخ ّل�صه من فرعون‬

‫وجنوده‪ ‬الظالمين‪.‬‬

‫‪ ٢٢‬ولـ ّما تو ّجه مو�سى م�ستق ِبل ًا بلاد َم ْدين‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ع�سى ربي أ�ن ير�شدني �إلى الطريق ا ألَ ْقوم �إليها و�إلى‬

‫النجاة من ه�ؤلاء الظالمين‪.‬‬

‫لي في رعي ما�شيتي ثمان َي �سنين‪ ،‬ف إ�ن �أكمل َت ع�شر �سنين‬ ‫‪ ٢٣‬ولـ ّما و�صل مو�سى ما َء َم ْدين وجد عليه جماع ًة‬
‫فذلك تف�ض ٌّل منك‪ ،‬لي�س بواج ٍب عليك‪ ،‬وما �أريد �أن‬ ‫كثير ًة من النا�س ي�سقون‪ ،‬ووجد قريب ًا منهم امر�أتين‬

‫�أ�ش َّق عليك ب�إلزا ِم َأ�ت ِّم الأجلين‪� ،‬ستجدني �إ ْن �شاء الله من‬ ‫ُتبعدان ما�شي َتهما عن الماء حتى يرجع ال ُّرعا ُة بموا�شيهم‪،‬‬
‫ثم َت�سقيان‪ ،‬قال لهما مو�سى‪ :‬ما �ش أ�نكما معتزل َتين لا‬
‫ال�صالحين في ُح�سن المعاملة والوفاء بالعهد‪.‬‬ ‫َت�سقيان مع النا�س؟ قالتا‪ :‬ال‪ ‬ن�ستطيع مزاحمة الرجال‪،‬‬

‫‪ ٢٨‬قال مو�سى‪ :‬ذلك الذي قل َته و�شا َرطتني عليه‬ ‫ف�إذا َ�صفوا موا�شيهم �سقينا‪ ،‬و أ�بونا �شي ٌخ كبير ال�س ِّن ي�ُش ُّق‬
‫قائ ٌم بيني وبينك‪ ،‬لا َيخرج واحد م ّنا عنه‪ ،‬و أ� َّي المدتين‬ ‫عليه الخرو ُج‪ ‬لل�سقي‪.‬‬
‫�أتمم ُت وفرغ ُت منه‪ :‬الثمانية أ�و الع�شرة؛ أ� ُك ْن قد و َّفيتك؛‬
‫فلا ُيتعدى عل َّي في طل ِب الزياد ِة عليها‪ ،‬والله رقي ٌب على‬ ‫‪ ٢٤‬ف�سقى مو�سى للمر أ�تين ما�شي َتهما؛ رغب ًة في‬
‫المعروف و إ�عان ًة لل�ضعيف‪ ،‬ثم تولّى إ�لى ظ ِّل �شجرة‬
‫ما تعاقدنا‪ ‬عليه‪.‬‬ ‫فا�ستظ ّل به‪ ،‬ثم ب َّث �شكواه لمولاه فقال‪ :‬ر ِّب �إني محتا ٌج‬

‫ِلـ َما أ�نزل َت �إليّ ِمن خي ٍر قلي ٍل �أو كثي ٍر‪.‬‬

‫‪ ٢٥‬و َع ِق َب دعا ِء مو�سى ر َّبه مبا�شر ًة جاءت إ�حدى‬
‫الفتاتين اللتين �َسقى لهما ت�سير إ�ليه في حياء‪ ،‬قالت‪� :‬إ ّن‬
‫أ�بي يطلب منك �أن ت�أتي �إليه؛ ليعطيك أ�ج َر �َسقيك لنا؛‬
‫فلما جاء مو�سى �أباهما ال�شي َخ الكبي َر‪ ،‬و�أخبره بق�صته‬
‫و�أحواله مع فرعون وكيف أ�راد قت َله‪ ،‬قال له‪ :‬لا تخ ْف‬
‫نجوت من فرعون وقو ِمه الظالمين؛ �إذ لا �سلطا َن له على‬

‫�أر�ضنا‪َ ( :‬م ْدين)‪.‬‬

‫‪ ٢٦‬قال ْت �إحداهما‪ :‬يا �أب ِت ا ّت ِخذه �أجيراً؛ �إ ّن خي َر‬
‫َم ْن ا�ستعمل َت َم ْن َق ِو َي على العمل و�أ ّدى الأمانة‪ ،‬وهو‬

‫كذلك‪.‬‬

‫‪ ٢٧‬قال والد المر�أ َتين لمو�سى‪ :‬إ�ني أ�ريد �أن أ�ز ّوجك‬
‫�إحدى ابنت ّي هاتين‪ ،‬على �أن تكون ُمقا ِبل ذلك �أجيراً‬

‫‪388‬‬

‫فناداه ر ُّبه‪ :‬يا مو�سى َ�أ ْق ِبل ولا َتخ ْف‪ ،‬إ�نك من الآمنين‬
‫ِمن �أن ينا َلك مكروه ِمن الح ّية �أو ِمن‪ ‬غيرها‪.‬‬

‫‪َ ٣٢‬أ� ْد ِخ ْل يدك في فتحة قمي�صك ِمن جهة ال�صدر‬
‫َتخرج بي�ضاء لها �شعاع ك�شعاع ال�شم�س ِمن غير مر�ٍض‬
‫�أو ع ّل ٍة‪ ،‬وا�ض ُمم يديك �إلى �صدرك؛ يذه ْب ما َلـ ِحق َك‬
‫من الخوف لأ ْجل الح ّية‪ ،‬فهاتان المعجزتان ‪ -‬اليد‬
‫والع�صا‪ -‬ح ّجتان َن ِّيتان �إلى فرعون وقومه‪ ،‬إ�نهم كانوا‬

‫خارجين عن طاعة الله كافرين‪.‬‬

‫‪ ٣٣‬قال مو�سى لـ ّما أ�مره ر ُّبه بتبليغ الر�سالة �إلى‬
‫فرعون‪ :‬ر ِّب �إني قتلت ِمن قوم فرعون نف�س ًا ف أ�خاف‬

‫أ�ن يقتلوني‪ ‬به‪.‬‬

‫‪ ٣٤‬و�أخي هارون هو �أف�ص ُح مني ل�سان ًا‪ ،‬ف َ�أر ِ�سله معي‬ ‫‪ ٢٩‬فل ّما �أت َّم مو�سى ا ألج َل ‪ -‬وهو ع�شر �سنين‪ -‬وفرغ‬
‫عون ًا ونا�صراً‪ ،‬يكون �سبب ًا في ت�صديقهم لي ‪ -‬وذلك ب�أن‬ ‫منه و�سار بامر أ�ته نحو م�صر‪ ،‬أ�َب�صر من الجهة التي تلي‬

‫يو�ضح بف�صاحته ما يقوله مو�سى لهم‪ ،‬ويبين الحجج‬ ‫جبل ال ُّطور ناراً‪ ،‬قال مو�سى ألهله‪َ َ :‬ت ّهلوا وانتظروا �إني‬
‫أ�ب�صر ُت ناراً لعلي �آتيكم ِم ْن �أهلها بخب ٍر عن الطريق‬
‫بعده‪ ،‬ويجيب عن ال�ُّشبهات عند الجدال‪� -‬إني أ�خاف‬ ‫‪ -‬ألنه كان �ض ّل عنها‪� -‬أو �آتيكم ب ُ�شعل ٍة من النار لعلكم‬

‫أ�ن ُيك ّذبوني في َدعوى الر�سالة‪.‬‬ ‫ت�ستدف ُئون بها‪.‬‬

‫‪ ٣٥‬قال الله لمو�سى‪� :‬سنق ّويك ب أ�خيك‪ ،‬ونجعل لكما‬ ‫‪ ٣٠‬فل ّما �أتى مو�سى النا َر ناداه اللهُ ِم ْن جانب الوادي‬
‫َغ َلب ًة بالـ ُح ّجة‪ ،‬و َت�س ُّلط ًا و َهيبة في قلوب ا ألعداء فلا‬ ‫الأيمن بالن�سبة إ�لى مو�سى في البقعة المباركة ‪ -‬بتكليم الله‬
‫ي�صلون �إليكما ب�ُسو ٍء‪ ،‬ب�سبب آ�ياتنا المانع ِة لهم من‬ ‫تعالى فيها‪ِ -‬من ناحية ال�شجرة‪ :‬يا مو�سى‪ :‬إ�ني أ�نا الله‬
‫ال ّت َ�س ُّلط عليكما‪ ،‬أ�نتما يا مو�سى وهارون و َم ْن آ�من بكما‬
‫ر ّب العالمين‪.‬‬
‫المن�صورون‪.‬‬
‫‪ ٣١‬و�َأ َم َره ر ُّبه �أن يلقي ع�صاه ف أ�لقاها‪ ،‬فل ّما ر�آها‬
‫مو�سى تح ّولت ح ّي ًة تتحرك ب ّخفة كحركة الح ّية التي‬
‫ُتعرف بالجا ّن‪ ،‬و َّلى هارب ًا منها‪ ،‬ولم َيلتفت من الخوف‪،‬‬

‫‪389‬‬

‫‪ ٣٦‬فل ّما جاء مو�سى فرعو َن وم َأله بمعجزاتنا‬
‫الوا�ضحات قالوا‪ :‬ما هذا �إلا �سح ٌر َت ْخت ِل ُقه لت�ستد َّل على‬
‫دعواك‪ ،‬وما �سمعنا بهذا الذي تدعونا إ�ليه كائن ًا في �آبائنا‬

‫الذين َم�ضوا قبلنا‪.‬‬

‫‪ ٣٧‬وقال مو�سى‪ :‬ربي أ�علم بمن جاء بالهدى ِم ْن‬
‫عنده‪ ،‬فيعلم أ�ني ُم ِح ٌّق و أ�نتم ُم ْب ِطلون‪ ،‬و أ�علم ب َم ْن تكون‬
‫له العاقبة المحمود ُة بعد اجتياز َم ْعبر الدنيا إ�لى ا آلخرة‪،‬‬
‫إ� ّن الظالمين لا يفوزون بالهدى في الدنيا و ُح�ْسن العاقبة‬

‫في الآخرة‪.‬‬

‫‪ ٤٢‬و�ألزمناهم في هذه الدنيا ط ْرداً و إ�بعاداً عن‬ ‫‪ ٣٨‬وقال فرعون أل�شراف قومه تج ُّباً ومكابرة‪:‬‬
‫الرحمة‪ ،‬ويوم القيامة هم من المطرودين المع َّذبين‪.‬‬ ‫يا أ�يها الم ُأل ما لكم إ�ل ٌه غيري‪ ،‬فا�صن ْع لي أ�يها الوزير‬
‫هامان �آ ُجـراً ‪� -‬أي‪ :‬طين ًا محم ّي ًا في النار‪ -‬و�َش ِّي ْد لي بنا ًء‬
‫‪ ٤٣‬ولقد �آتينا مو�سى التوراة ِم ْن بعد ما أ�هلكنا الُأمم‬ ‫عالي ًا ممتداً في ال�سماء‪َ ،‬لع ِّلي أ��صعد إ�لى َم ْعبود مو�سى‬
‫التي كانت ِم ْن قبله كقوم نوح وهود و�صالح ولوط‬ ‫الذي يعبده ويدعو �إلى عبادته ‪َ -‬ح ِ�س َب فرعو ُن بجهله‬
‫عليهم ال�سلام؛ نوراً لقلوب َمن اهتدى بها‪ ،‬و إ�ر�شاداً‬ ‫أ�نه تعالى في مكا ٍن مخ�صو�ص كما كان هو في مكا ٍن‪-‬‬
‫�إلى ال�شرائع لمن عمل بها‪ ،‬ورحم ًة لمن اتبعها؛ ليكونوا‬
‫و إ�ني ألظن مو�سى كاذب ًا في دعواه أ� ّن له �إله ًا‪ ،‬و�أ ّنه �أر�سله‬
‫على حا ٍل ُير َجى منهم ال َّت َذ ُّكر والاتعاظ‪.‬‬ ‫�إلينا ر�سول ًا‪.‬‬

‫‪ ٣٩‬وا�ستكبر فرعو ُن وجنو ُده في ا ألر�ض بالباطل‪،‬‬
‫ولم يقبلوا الح َّق الذي جاءهم به مو�سى م�ص ِّرين على ما‬
‫هم عليه من الظلم وال ُّطغيان‪ ،‬وح�سبوا �أنهم لا يرجعون‬

‫�إلينا للح�ساب والجزاء‪.‬‬

‫‪ ٤٠‬ف أ�خذنا فرعو َن وجنوده فطرحناهم في البحر‪،‬‬

‫فا ْنظ ْر ‪ -‬يا محمد‪ -‬كيف كان عاقبة الظالمين حين‬
‫�صاروا إ�لى الهلاك بكفرهم و�شركهم‪.‬‬

‫‪ ٤١‬وجعلنا فرعو َن وجنوده في الدنيا قاد ًة َم ْتبوعين‬
‫ُمطاعين يدعون إ�لى َعمل أ�هل النار ِمن الكفر والمعا�صي‪،‬‬

‫ويوم القيامة لا ُين�صرون بدفع العذاب عنهم‪.‬‬

‫‪390‬‬

‫المناجاة والتكليم �إذ نادينا مو�سى في تلك البقعة المباركة‪،‬‬ ‫‪ ٤٤‬وما كن َت ‪ -‬يا محمد‪ -‬حا�ضراً بجانب المكان‬
‫ولكن نحن الذين أَ� ْعلمناك بذلك وق َ�ص ْ�صنا عليك تلك‬ ‫الغربي ِم ْن جبل ال ُّطور (وادي ُطوى) �إذ ك ّلمنا مو�سى‬
‫ا ألنباء ال َّدال َة على �صدقك؛ رحم ًة م ّنا بك وبقومك‪.‬‬ ‫وجعلناه نب ّي ًا‪ ،‬و أ�مرناه بتبليغ الر�سالة إ�لى فرعون وقومه‪،‬‬
‫و أ�ر�سلناك لتنذر قوم ًا لم ي أ�تهم نذير ِم ْن قبلك؛ لعلهم‬ ‫وما كن َت من ال�شاهدين لهذا الأمر ول�سائر ما ق�ص�صنا‬
‫عليك من �أخبار الغيب في �ش�أن مو�سى؛ فت ْذك َر ذلك من‬
‫ي ّتعظون ويرجعون عما هم فيه من ال�ضلال‪.‬‬ ‫ذا ِت َن ْف ِ�سك و ُت ّدث به قومك‪ ،‬ولك ّن‪ ‬الله �أوحاه إ�ليك‪،‬‬

‫‪ ٤٧‬ولولا �أن ُت�صيب قو َمك ‪ -‬يا محمد‪ -‬عقوب ٌة‬ ‫فهو من دلائل‪ ‬نب ّوتك‪.‬‬
‫في الدنيا وا آلخرة ب�سبب ما ق ّدم ْت أ�يديهم من الكفر‬
‫والظلم‪ ،‬فيقولوا عند نزول العذاب‪ :‬ربنا ه ّل �أر�سلت‬ ‫‪ ٤٥‬وقد خلقنا ِم ْن بع ِد مو�سى �أُمم ًا فطالت عليهم‬
‫إ�لينا ر�سول ًا ُينذرنا‪ ،‬فن ّتبع آ�ياتك المن َزلة في كتابك ونكون‬ ‫الم َّد ُة فن�سوا َع ْه َد الله وتركوا �أمره‪ ،‬ف�أر�سلناك ُم ّدداً لهذا‬
‫من الم�ؤمنين بك؛ لعاجلناهم بالعقوبة و َلـ َما �أر�سلناك‬ ‫العهد‪ ،‬وما كنت ‪-‬يا ر�سول الله‪ -‬مقيم ًا في أ�هل َم ْدين‬
‫�إليهم ر�سول ًا‪ .‬لقد �أر�سلناك ‪ -‬أ�يها الر�سول‪ -‬قطع ًا‬ ‫فتع َل َم ق�ص َة مو�سى بها فتنقلها إ�لى أ�هل مكة‪ ،‬ولك ّنا‬
‫لل ُعذر و إ�لزام ًا بالـ ُح ّجة وتحذيراً لهم من الا�ستمرار على‬ ‫�أر�سلناك ر�سول ًا‪ ،‬و�أنزلنا �إليك كتاب ًا فيه هذه ا ألخبار‬
‫لتتلوها عليهم‪ ،‬ولولا ذلك َلـ َما َع ِل ْم َتها �أنت ولم‬
‫الكفر المو ِج ِب إلنزال العذاب‪.‬‬
‫ُتخبرهم بها‪.‬‬
‫‪ ٤٨‬فل ّما جاء محم ٌد ‪ - -‬كفا َر مك َة نذيراً لهم‬
‫قالوا ‪ -‬تع ُّنت ًا وجحوداً ‪ :-‬ه ّل أ�ُعطي من المعجزات مثل‬ ‫‪ ٤٦‬وما كن َت ‪ -‬يا محمد‪ -‬بجانب ال ُّطور ليلة‬
‫ما �ُأعطي مو�سى ِمن اليد والع�صا و ِمن الكتاب المنزل‬
‫ُجملة واحد ًة؛ فر َّد الله تعالى عليهم بقوله‪ :‬أَ� َو َلـم َيكفر‬ ‫‪391‬‬
‫م�شركو مكة بما �أوتي مو�سى ِم ْن قبل؟ وذلك بعد أَ� ْن َبعثوا‬
‫�إلى ر�ؤ�ساء اليهود بالمدينة لي�س أ�لوهم عن �ش�أن محمد‬
‫‪ ‬فقالوا‪� :‬إنا نجده في التوراة ب�صفته‪ ،‬فل ّما رجعوا‬
‫إ�لى قومهم‪� ،‬أخبروهم بما قالت اليهود فيه‪ ،‬فقالوا عندئ ٍذ‬
‫في التوراة والقر�آن مع ًا‪�ِ :‬سحران تعاونا في �سحرهما‪،‬‬

‫وقالوا‪ :‬نحن بك ِّل واحد منهما كافرون‪.‬‬

‫‪ ٤٩‬قل لهم ‪� -‬أيها الر�سول‪ :-‬ف ْ�أتوا بكتا ٍب ِم ْن عند‬
‫الله هو أَ� ْقو ُم و�أكثر هداي ًة من التوراة والقر�آن أ�تبعه؛ �إن‬

‫كنتم �صادقين في‪َ  ‬ز ْعمكم‪.‬‬

‫‪ ٥٠‬ف إ� ْن لم ي�ستجيبوا لطلبك منهم أ�ن ي أ�توا بالكتاب‬
‫الَأهدى‪ ،‬فا ْعل ْم أ�نهم لم َت ْب َق لهم ُح ّجة �إلا اتباع الهوى‪،‬‬
‫وال‪� ‬أحد أ��ضل ممن ا ّتبع في الدين هواه بغير ر�شا ٍد ِم ْن‬
‫�شرع الله‪� ،‬إ ّن الله لا يو ِّفق لاتباع الح ِّق من كان ظالم ًا‬

‫معانداً‪.‬‬


Click to View FlipBook Version