الرحم وتتغذى منه :فجعلنا العلق َة ُم�ضغ ًة ،أ�ي على هيئة 1قد فاز الم ؤ�منون بك ِّل مطلو ٍب ونالوا ك َّل
ما ُي�ضغ في الفم �شكل ًا لا قدراً ،وخلقنا من الـ ُم�ضغة مرغو ٍب.
العظا َم ف أ�نبتنا على العظام لحم ًا ،ثم أ�ن�ش أ�ناه بنفخ الروح
فيه خلق ًا جديداً مبا ِين ًا للخلق الأول ،فتعالى أ�م ُر الله في 2الذين هم في �صلاتهم خا�ضعون بالقلب �ساكنون
بالجوارح.
قدرته الباهرة وعل ِمه ال�شامل ،وهو �أح�س ُن الخالقين.
3والذين هم ُمعر�ضون ع ّما لا ُيفيد ِمن الفعل
15ث ّم إ� ّنكم بعد ما ُذكر ِمن تما ِم الخل ِق لم ِّيتون بعد أ�و القول ،م�شتغلون في جميع �أوقا ِتهم بما َيعنيهم وما
انق�ضاء آ�جالكم.
يق ِّربهم إ�لى مولاهم.
16ث ّم �إ ّنكم يو َم القيامة ُتبعثون ِم ْن قبوركم للح�ساب 4والذين هم للزكاة م ؤ�دون.
والجزاء.
7 - 5والذين يتع َّففون عن الحرام في�صونون
17ولقد خلقنا فو َقكم �سبع �سماوات بع�ضه ّن فوق فروجهم� ،إلا عن زوجاتهم و�إمائهم ف إ�نهم غير ملومين
بع�ض ،وما ك ّنا عن حفظهما من الزوال والاختلال، في �إتيانه ّن ،ف َم ْن طلب ق�ضا َء �شهو ٍة من غير هذين
وحفظ �سائ ِر الخلق والقيا ِم على م�صالحهم غافلين ،بل
ف�أولئك هم المتجاوزون إ�لى ما لا يح ُّل لهم.
حافظين لهم و ُمد ِّبرين.
8والذين يحفظون ما ي�ؤ َتنون عليه و ُيعا َهدون من
342 ِجهة الله عز وج ّل� ،أو ِم ْن جهة الخلق.
9والذين هم يواظبون على �صلواتهم المفرو�ضة
وي ؤ�دونها في �أوقاتها.
11 10ه�ؤلاء الم�ؤمنون الجامعون لهذه ال�صفات
الكريم ِة ال�سابق ِة هم الم�ستح ّقون �أن يكونوا الوارثين
الذين يرثون خير منازل الجنة و�أعلاها لا يخرجون منها
ولا يموتون.
12ولقد ابتد ْأ�نا خل َق أ��ص ِل الإن�سان من ُخلا�ص ٍة ِم ْن
طين.
13ث ّم جعلنا َن�ْسله ِم ْن ُنطف ٍة مل َّقح ٍة في م�ست َق ٍّر
ح�صي ٍن ،وهو الرحم.
14ثم �يَّصنا ال ُّنطف َة المل َّقح َة على هيئة َع َلق ٍة َتن َغر�س في
�أ�صوافها و أ�وبارها و�أ�شعارها ،و ِم ْن لحومها ت�أكلون. 18و أ�نزلنا من ال�سماء مطراً بتقدي ٍر َي�ْسلمون معه ِم ْن
َ�ضره و َي ِ�صلون إ�لى منفعته ،فجعلناه ثابت ًا م�ست ِق ّراً في
22وعلى الأنعام في الب ِّر -خا�صة الإبل -وعلى ا ألر�ض ،و إ� ّنا على �إزالته با إلف�ساد والتغوير بحيث يتعذر
ال�ُّسفن في البحر ُتملون.
ا�ستخرا ُجه َلقا ِد ُرو َن؛ كما كنا قادرين على إ�نزاله.
23ولقد أ�ر�سلنا نوح ًا �إلى قومه يدعوهم إ�لى الطاعة
والتوحيد ،فقال لهم :يا قو ِم و ِّحدوا الله واخ�ضعوا له 19ف�أن�ش�أنا لكم بالماء الذي �أنزلناه من ال�سماء ب�ساتين
بالطاعة ،ما لكم معبو ٌد �سواه ،أ�فلا تخافون عقوب َته ِم ْن نخي ٍل و�أعنا ٍب ،وفواك َه ِم ْن أ�نواع �ش ّتى .و ِم ْن زروع
بعبادتكم غيره؟ هذه الب�ساتين وثمارها ت�أكلون �شتا ًء و�صيف ًا.
24فقال الذين كفروا ِمن �أ�شرا ِف قوم نو ٍح و�ساد ِتهم 20و أ�ن�ش�أنا بذلك الماء �شجر ًة -هي �شجرة
لقومهم :ما هذا �إ ّل ب�شرٌ مث ُلكم يريد أ�ن ي�صير له الف�ضل الزيتون -تخرج ِم ْن �أر�ض ُطور �سيناء ،ت�ستخل�صون
عليكم ب أ�ن يكون َم ْتبوع ًا و أ�نتم له َتب ٌع ،ولو �شاء الله �أن لا
ُيعبد �سواه لأر�سل ملائك ًة بذلك ،ما �سمعنا بهذا الذي من ثمرها ُدهن ًا و إ�دام ًا.
دعا �إليه نو ٌح من التوحيد في الأمم الما�ضية .قالوا هذا
تع ُّجب ًا ،و�أم ُرهم أ�عج ُب �إذ ر�ضوا با أللوهية والخ�ضوع 21و�إ ّن لكم -أ�يها النا�س -في الإبل والبقر والغنم
لآي ًة تعتبرون بها ،فتعرفون ِن َعم الله عليكم وقدر َته على
لل َح َجر ،ولم ير�ضوا بنب َّوة الب�شر! ما ي�شاءُ ،ن�سقيكم مما في بطونها لبن ًا خال�ص ًا نق ّي ًا �سائغ ًا
لل�شاربين ،ولكم فيها ِ�سوى ا أللبان مناف ُع كثيرة ،في
25ما نو ٌح �إ ّل رج ٌل به حالة جنو ٍن ،انتظروا وا�صبروا
عليه إ�لى زما ٍن حتى ينجلي �أَ ْم ُر ُه ،ف إ� ْن أ�فاق ِم ْن جنونه 343
و�إلا قتلتموه.
26فل ّما ر أ�ى منهم ا إل�صرا َر على الكفر والتكذيب
و�أَ ِي�س من �إيمانهم قال :ر ِّب ان�صرني عليهم و�أهلكهم
ب�سبب تكذيبهم� إ ّياي.
27ف أ�وحينا إ�ليه� :أ ِن ا�صنع ال�سفين َة بحفظنا ورعايتنا
وب أ�مرنا وتعليمنا ،ف إ�ذا حان وق ُت نزول العذاب بهم
حين يفور الماء من الت ُّنور -وهو مو ِق ٌد أ�و ُفر ٌن مع َّي ،وقد
جعل الله ذلك علامة له على ُقرب إ�هلاك قومه -ف أ�د ِخ ْل
معك في ال�سفينة ِم ْن كل ِ�صن ٍف من الحيوان ذكراً و أ�نثى،
واح ِم ْل معك أ�هلك و أ�تباعك الم�ؤمنين �إلا َم ْن �سبق من
الله عليه القول بالهلاك من �أهلك ،ولا ت�س�ألني نجا َة
الذين كفروا ف�إني ُ�أغرقهم جميع ًا.
28ف إ�ذا تم َّكن َت أ�نت و َم ْن معك على ال�سفينة
فقل :الحمد لله الذي �أهل َك أ�عداءنا ونـ ّجانا ِم ْن
ه�ؤلاء القوم الظالمين.
29وقل إ�ذا �س ّلمك الله وي�ّس نزولك من الفلك :ر ِّب
أ�نزلني إ�نزال ًا مبارك ًا و�أنت خي ُر َم ْن ُينزل عباده المنازل.
� 30إ ّن فيما َذ َكرنا ِمن أ�مر نوح وال�سفينة و إ�هلا ِك
الكفار لدلالا ٍت على قدرتنا ،وما ك ّنا �إ ّل مخت ِبين العباد
ب إ�ر�سال الر�سل.
31ث ّم �أن�ش�أنا ِم ْن بعد قوم نو ٍح قوم ًا �آخرين هم عا ٌد
قو ُم هود� ،أو ثمو ُد قوم �صالح.
32ف�أر�سلنا إ�ليهم ر�سولنا يدعوهم �إلى طاعتنا
و إ�فرا ِدنا بالعبادة ،ف أ�ن َذ َرهم قائل ًا :أ�فلا تخافون عقا َب
الله بعبادتكم �شيئ ًا دونه؟
38وما هو إ�لا ُم ّد ٍع على الله في �إر�ساله إ� ّياه وفيما 33وقال الأ�شرا ُف من قوم ذلك الر�سول الذين
َي ِعدنا من ال َب ْعث ،وما نحن له بم�ص ِّدقين. جحدوا توحي َد الله وك ّذبوا بالـ َمعاد والح�ساب ،وقد
كانوا من َّعمين في �سعة العي�ش :ما هذا الر�سول إ�لا �إن�سا ٌن
39قال نب ُّيهم -عليه ال�سلام -مت�ض ِّرع ًا �إلى الله ،بعد مث ُلكم ي أ�كل مما ت أ�كلون منه وي�شرب مما ت�شربون منه،
ما �سلك في دعوتهم ك َّل َم�س َل ٍك :ر ِّب ان�صرني عليهم
وانتق ْم لي منهم ب�سبب تكذيبهم و إ��صرارهم على الكفر. ف ِم ْن �أين ي ّدعي ر�سال َة الله ِم ْن بينكم وهو مثلكم؟!
40قال تعالى �إجاب ًة لدعائه :ع ّما قلي ٍل من الزمان 34وقالوا :لئن �أطعتم ب�شراً مثلكم ،فاتبعتموه و َق ِبلتم
ل ُي�ص ِبح َّن نادمين على التكذيب وذلك عند ُمعاينتهم ما يقول و�ص ّدقتموه �إنكم �إ َذ ْن لقو ٌم ُجهلا ُء َم ْغبونون.
العذا َب. 35أ�ي ِعدكم �أنكم ُمخ َرجون بالبعث �إذا م ُّتم وكنتم
تراب ًا وعظام ًا؟
41فانتقمنا منهم ف أ�ر�سلنا عليهم �صيح َة العذاب
ف أ�خ َذتهم با�ستحقاقهم للعذاب ،فجعلناهم كال�شيء َ 36بعي ٌد َبعي ٌد هذا الذي تو َعدونه من ا إلخراج من
البالي الذي لا منفع َة فيه ،فهلاك ًا للقوم الظالمين و ُب ْعداً القبور بعد موتكم وفنائكم.
لهم من ك ّل رحمة. 37لا حيا َة �إ ّل هذه الحياة ،يموت بع ُ�ضنا ويو َلد بع� ٌض،
وما نحن بمبعوثين بعد الموت.
42ث ّم �أحدثنا ِم ْن بعد هلا ِك ه�ؤلاء �أقوام ًا آ�خرين.
344
48فك ّذبوهما فكانوا من الـ ُمه َلكين بالغرق. 43ما َتهلك أ� ّم ٌة قبل الوقت الذي ُح ِّدد إلنزال
العذاب بها ،وما تت�أ ّخر عنه.
49ولقد �آتينا مو�سى التوراة ليهتدي بها قو ُمه
بنو �إ�سرائيل ويعملوا ب�شرائعها ومواعظها. 44ث ّم �أر�سلنا ُر�ُسلنا متتاب ِعين ،ك َّلما بعثنا ر�سول ًا �إلى
قومه ك ّذبه قومه و�س ِخروا منه ،ف�أهلكنا بع�ضهم في
50ولقد جعلنا اب َن مريم و�أ َّمه ُح ّج ًة على قدرتنا على �إ ْثر بع�ٍض ،وجعلناهم ِق�ص�ص ًا يتح ّدث النا�س بما جرى
الخلق وا إلن�شاء ،و أ��سك ّناهما أ�ر�ض ًا مرتفع ًة ذا َت ثما ٍر عليهم ،ف ُ�سحق ًا لقو ٍم لا ي ؤ�منون بالله ولا ي�صدقون ُر�سله.
و�أ�شجا ٍر ومياه جاري ٍة على ظهرها. 45ث ّم �أر�سلنا بعد ال ُّر�ُسل الذين ُو ِ�ص َف حا ُلهم
مو�سى و أ�خاه هارون ب آ�ياتنا الت�سع و ُح ّج ٍة ظاهر ٍة
51يا �أيها ال ُّر�سل ُكلوا من الحلال الط ّيب ،واعملوا
ب�أمري ونهيي� ،إني علي ٌم ب�أعمالكم و ُمازيكم بها. ُمل ِزم ٍة لل َخ�صم.
52واعلموا � -أيها الر�سل� -أنكم على اختلاف � 46إلى فرعون و�أ�شراف قومه فامتنعوا عن قبول
أ�جنا�سكم و أ�ل�سنتكم وتبا ُي ِن �أزمن ِتكم جماع ٌة واحدة ا إليمان تر ُّفع ًا وكبراً ،وكانوا قوم ًا م�ستكبرين قاهرين
َتدين لربها بدي ٍن واحد هو الإ�سلام ،ف أ�طيعوا أ�مري
غي َرهم بالظلم.
وخافوا عقابي.
47فقالوا :أ�ن�ؤ ِمن لب�ش َرين مث ِلنا فن ّتبعهما وقو ُمهما من
53فتف ّر َق �أتبا ُع ال ّر�سل وتح َّزبوا �أحزاب ًا وجعلوا بني إ��سرائيل لنا خادمون منقادون.
دينهم �أديان ًا ،ك ُّل فرق ٍة من ِفرق ه�ؤلاء المختل ِفين بما
لديهم ِمن الر أ�ي وال ّزع ِم الباطل م�سرورون َيح�سبون 345
�أنهم على الح ّق.
54ف َد ْع -يا محم ُد -ه ؤ�لاء المخت ِل ِفين في �ضلالتهم
وغ ّيهم �إلى ا ألجل الـ ُمع ّي إلنزال العذاب بهم.
56 55هل يظ ُّن ه ؤ�لاء المف ِّرقون دي َنهم أ� ّن ما
نعطيهم من ما ٍل وبنين في الدنيا ،ن�سارع به لهم فيما
فيه خي ُرهم و�إكرا ُمهم؟! بل لا ي�شعرون أ� ّن ذلك �إنما هو
�إملا ٌء وا�س ِتدرا ٌج لهم.
58 57إ� ّن الذين هم ِم ْن َخوف عذاب ربهم
ح ِذرون ،والذين هم ب آ�يات ربهم المن�صوب ِة في الكون
والمن َّزل ِة م�ص ِّدقون.
59والذين ُيخل�صون لربهم عباد َتهم ،فلا يجعلون له
فيها �ِشك ًا ،ولا ُيرا ؤ�ون بها �أحداً ِمن خلقه.
60والذين ُيع ُطون ما َ�أعطوه من ال�صدقات ويعملون
ما عملوا من �أعمال البر وقلو ُبهم خائف ٌة أ� ّل يقع إ�نفا ُقهم
و ِب ُّرهم على ال َو ْج ِه الذي ُيقبل منهم وينجيهم من عذاب
الله؛ إ�ذ َم ْرجعهم إ�ليه وهو يعلم ما َيخفى عليهم.
61ه�ؤلاء الذين هذه �صفاتهم يبادرون في الأعمال
ال�صالحة ويطلبون ال ُّزلفة عند الله بطاعته ،وقد �سب َق ْت
لهم من الله ال�سعاد ُة في ا ألَ َز ِل.
62ولا نك ِّلف نف�س ًا �إلا ما ي�سع قدرتها على العمل
وي�ص ُلح لها من العبادة ،وعندنا كتا ٌب ُيح�صي على
الخلق أ�عمالهم ويب ِّي ال�صد َق ،فهم لا ُيظلمون بنق�ص
ثوا ٍب �أو زيادة عقا ٍب.
أ� ّن َيح�سب ه ؤ�لاء الم�شركون ِم ْن كما الأم ُر 63ما
ِم ّنا وبنين لخي ٍر َن�سوقه �إليهم ر�ض ًا ما ٍل به ِم ْن ما ُندهم
عنهم ،ولكن قلوبهم في غفلة �شديدة عن َفهم ِع َب
القر�آن و ُحججه ،ولهم أ�عما ٌل �سيئ ٌة كثير ٌة دون ما هم
عليه من الكفر هم م�ستمرون عليها ،معتادون ِفعلها.
يخالف� أهواءهم. 65 64حتى إ�ذا �أخذنا �أه َل النعمة وال َب َطر منهم
بالعذاب �صرخوا وا�ستغاثوا مما ح ّل بهم .يقال لهم:
71ولو كان ا ألم ُر على ما تقت�ضيه أ�هوا�ؤهم ِمن ال�شرك ال ت�ستغيثوا ف ُ�صا ُخكم غي ُر ناف ِعكم� ،إنكم من عذابنا
بالله واتباع الباطل لف�سدت ال�سماوا ُت والأر�ض ،بل الذي ح ّل بكم لا ُت�ستنقذون ولا يخ ِّل�صكم منه �شيء.
أ�تيناهم بالكتاب الذي هو ِذ ْك ُرهم � -أي و ْع ُظهم أ�و
67 66قد كانت �آيا ُت كتابي ُتقر�أ عليكم فتك ِّذبون
�شر ُفهم -فهم لا يلتفتون �إليه. بها ،و ُتد ِبرون مولّين عنها كراه َة �سماعها .مك ِّذبين
73 72ل�س َت ت�س أ� ُلهم -يا محمد -أ�جراً فيثقل تتحدثون ليل ًا بال�س ّيئ من القول في القر آ�ن ،و ُتع ِر�ضون
عليهم اتبا ُعك ،ف إ�ن ِر ْز َق ربك -من النبوة والقر�آن-
الذي �آتاك إ�ياه خير من عطاء ه�ؤلاء و أ�موالهم ،ف أ�نت في عنه و َت ْهذون فيه.
غنى عنهم بما �أعطاك الله ،وهو أ�ف�ضل المع ِطين .و�إنك � 68أفل ْم يتد ّبر ه ؤ�لاء الم�شركون كتا َب الله فيتعلموا
-يا محم ُدَ -لتدعو ه ؤ�لاء الم�شركين من قومك �إلى دين ما فيه من ال ِع َب ،أ�م جاءهم أ�م ٌر لم ي�أ ِت �أ�سلا َفهم
ا إل�سلام ،الذي َت�شهد العقو ُل ال�سليمة على ا�ستقامته،
لي�س فيه �شائب ُة اعوجا ٍج ُتو ِجب اتها َمهم لك بوج ٍه من ف�أع َر�ضوا عنه؟
َ 69أ� ْم لم يعرف ه�ؤلاء المك ِّذبون ر�سولهم محمداً
الوجوه. بال�صدق وا ألمانة ف أ�نكروا قو َله؟ ك ّل� ،إنهم ليعرفون
74و�إ ّن الذين لا ي�ص ِّدقون بالبعث بعد الممات ،وقيا ِم �صد َقه و�أمانته.
ال�ساعة ومجازا ِة الله عبا َده في الدار ا آلخرة عن �سبيل
�َ 70أ ْم يقولون :بمحم ٍد جنو ٌن! فلا ُيبالون بقوله؟
الح ّق حائدون. ك ّل ،بل جاءهم بالح ّق ،و أ�كثرهم له كارهون لأنه
346
ُت�شرون ِم ْن بعد َماتكم ،يو َم ُتبعثون ِم ْن قبوركم �إلى
موقف الح�ساب.
80وهو الذي بيده �أم ُر الحياة والموت و�إليه يرجع 75ولو ر ِح ْمنا ه�ؤلاء الذين لا ي�ؤمنون بالآخرة،
َتعا ُق ُب الليل والنهار وتبا ُينهما ُطول ًا و ِق�صراً ونوراً ورفعنا ما �أ�صابهم من جو ٍع و َقح ٍط وم�صائب َلتمادوا
وظلمة لا ي�شاركه في ذلك أ�حد� ،أفلا تعقلون � -أيها
النا�س -أ� ّن الذي فعل هذه ا ألفعال ابتدا ًء ِم ْن غير أ��ص ٍل في �ضلالتهم يتر َّددون.
لا يمتنع عليه إ�حيا ُء ا ألموات بعد فنائهم؟ 77 76ولقد �أنزلنا ب ْأ��َسنا و�سخطنا على ه ؤ�لاء
الم�شركين ،و�َأ ْج َدبنا بلا َدهم وابتليناهم با ألمرا�ض
83 - 81بل قال كفار مكة ِم ْث َل ما قال �آبا�ؤهم والم�صائب ،فما خ�ضعوا لربهم وما يتذ ّللون له ،حتى إ�ذا
و َم ْن دان بدينهم .قالوا :أ��إذا متنا وبلي ْت �أج�سا ُمنا �أ إ�نا فتحنا على ه ؤ�لاء الجاحدين المتعالين في ا آلخرة باب ًا ذا
لمبعوثون ِم ْن قبورنا �أحيا ًء ك َهيئتنا قبل الممات؟ �إ ّن هذا عذاب �شديد ،فحينئ ٍذ يخ�ضعون وي�ست�سلمون ويي�أ�سون
ل�شي ٌء غي ُر كائن .لقد ُوعدنا هذا الذي ت ِعدنا يا محمد، من ك ّل خير .وفي هذا وعي ٌد لهم وتحذير ِم ْن �أن ي�ستمروا
و ُو ِعده آ�با ؤ�نا ِم ْن قبل .ما هذا إ�لا �أكاذي ُب ا ألولين التي
على ما هم عليه.
�َسطروها.
78واللهُ الذي خلق لكم ال�سمع وا ألب�صار وا ألفئدة
84قل -يا محمد -له ؤ�لاء المك ِّذبين با آلخرة ِم ْن لت�شاهدوا بها عجائ َب م�صنوعاته ،ولتتفكروا بها في
قومكِ :لـ َمن ُملك الأر�ض و َم ْن فيها ِمن الخلق �إ ْن كنتم
عظيم �آياته ،ولك َّن �شكركم على هذه النعم قليل.
تعلمون؟
79وهو الذي خلقكم و َن�َشكم في ا ألر�ض ،و إ�ليه
� 85سيقولون :لله ،لأ ّن العقل ال�صري َح قد ا�ضطرهم
ب�أدنى َنظ ٍر إ�لى ا إلقرار ب�أنه خالقها ،قل لهم �إ َذ ْن:
�أفلا تذ ّكرون فتعلمون �أ ّن َم ْن َق َدر على خلق ذلك ابتدا ًء
هو قاد ٌر على �إعادته بعد فنائه؟
87 86قل لهم -يا محمدَ :-من ر ُّب ال�سماوات
ال�سب ِع ور ُّب العر�ش العظيم؟ �سيقولون :ذلك كله لله،
وهو ر ُّبه ،فقل لهم� :أفلا تتقون عقابه على كفركم به
وتكذيبكم َخ َبه و َخبر ر�سوله؟
88قل -يا محمدَ :-م ْن بيده خزائ ُن ك ِّل �شيء؟ وهو
َيحمي َم ْن ي�شاء ولي�س ألحد أ� ْن يمنع �أحداً من عذابه ،إ� ْن
كان عندكم ِع ْل ٌم بمن يفعل هذا غير الله ف�أجيبوا.
� 89سيقولون :لله ملكو ُت ك ِّل �شيء ،قل� :إ َذ ْن فكيف
ُتخ َدعون و ُت�ص َرفون عن ال ُّر�شد وعن توحيد الله وطاعته؟
347
فيه .ك ّل ،لا رجوع �أ�صل ًا ،و إ�ن تلك الكلمة التي يقولها 90لي�س الأم ُر كما يز ُعم ه�ؤلاء الم�شركون ِم ْن �أ ّن
كلم ٌة لا فائدة منها ،فالمو ُت حائ ٌل بينهم وبين ال َّرجعة، الملائك َة بنا ُت الله و�أ ّن ا آللهة وا أل�صنام �آله ٌة دون الله،
و�سيبقى هذا الحائل مانع ًا لهم من الرجوع �إلى الدنيا إ�لى بل أ�تيناهم بالحق ِمن التوحيد وال َو ْعد بالبعث ،و�إنهم
يوم ُيبعثون من قبورهم يوم القيامة. لكاذبون فيما ين�ُسبون لله من ال�شركاء وا ألولاد.
101ف�إذا ُنفخ في ال ُّ�صور للبعث تنقطع يومئ ٍذ ال�شفق ُة 91ما اتخذ الله ِم ْن ول ٍد ،وما كان معه في الأَ َزل ولا
والمودة التي بين ا ألقارب ،ولا َي�س أ� ُل بع ُ�ضهم بع�ض ًا حين ابتدع ا أل�شياء َمن َت�ص ُلح عبادته ،ولو كان معه �آلهة
كما يزعمون لانفرد ك ُّل واح ٍد منهم بما خلق ليتميز
لا�شتغال ك ِّل واح ٍد بنف�سه. ُم ْل ُكه ،ووقع بينهم التغال ُب والتحار ُب ،تن ّزه الله ع ّما
102ف َمن َث ُقلت موازينه بالح�سنات ف أ�ولئك هم ي�صفه به الم�شركون.
الفائزون.
ِ 92ع ْلمه تعالى محي ٌط بكل �شيء ،يعلم ما يغيب عن
104 103و َم ْن خ َّفت موازي ُن ح�سناته فر َجح ْت بها خلقه وما يظهر ،فتن َّزه الله ع ّما ي�شركون.
موازي ُن �سيئاته ،ف أ�ولئك الذين َغبنوا أ�نف�سهم وباعوها
لل�شيطان في نار جهنم خالدونَ .ي ْلفح وجو َههم ل َه ُب 94 93قل -يا محمد :-ر ِّب إ� ْن ُت ِرني في ه�ؤلاء
النار ،وهم فيها كالحون ،أ�ي ُمتق ِّل�صة �شفاههم لـ ّما الم�شركين ما َت ِعدهم من عذابك فلا ُتهلكني بما تهلكهم
به ،ون ِّجني ِم ْن عذابك و�َس َخطك وال تجعلني في
احترق ْت حتى ك�شفت ا أل�سنان.
القوم الم�شركين.
348
95و�إ ّنا -يا محم ُد -على أ� ْن نريك في ه�ؤلاء
الم�شركين ما َن ِعدهم من العذاب لقادرون ،فلا ُيحزن ّنك
تكذي ُبهم إ� ّياك بما َنعدهم به� ،إنما ن�ؤ ِّخر ذلك ليب ُل َغ الكتاب
�أج َله.
96ادفع الـ َخ�صل َة ال�سيئ َة بالـ َخ�صلة التي هي �أح�سن؛
وهو ال�صفح عنها والإح�سان في مقابلتها ،نحن �أعلم بما
ي�صفوننا به من ا ألكاذيب وما يقولون في َك من ال�سوء،
ونحن ُمازوهم على جميع ذلك.
98 97وقل -يا محم ُد :-ر ِّب �أ�ستجير ب َك في
حال الغ�ضب ِم ْن نزغات ال�شياطين وو�سو�س ِتهم،
و�َأ�ستجير بك ر ِّب أ�ن يح ُ�ضوني في �أموري ك ِّلها.
100 99حتى �إذا جاء أ�ح َد ه�ؤلاء الم�شركين المو ُت،
قال لعظيم ما يرى ،ندم ًا على ما فات :ر ِّب ُر ّدوني �إلى
الدنيا َكي �أعمل �صالح ًا فيما �ض َّيع ُت من العمل وف ّرط ُت
110فاتخذتموهم ُهز ؤ�اً حتى �أن�ساكم الان�شغا ُل 105يقال لهم وهم في النار ت أ�نيب ًا لهم :أ�لم تكن
بالا�ستهزاء بهم ِذكري ،وكنتم منهم ت�ضحكون. آ�يا ُت القر آ�ن تتلى عليكم فكنتم بها تك ّذبون ،فذوقوا
111إ�ني جزي ُت ه ؤ�لاء الم ؤ�منين اليوم على طاعتهم و َبا َل تكذي ِبكم.
لي و�صب ِرهم على �أذاكم أ�نهم هم الفائزون بكل
106قالوا :ر َّبنا َغ َلب علينا الهوى واتبا ُع ال�شهوات
مطلو ٍب دونكم. و�شقينا بما �أتينا ِم ْن قبيح ا ألفعال ،وك ّنا قوم ًا حائدين عن
113 112قال الله له ؤ�لاء ا أل�شقياء وهم في النار :ك ْم الحق و�سبيل الر�شاد.
َل ِبثتم في الدنيا ِم ْن عدد �سنين؟ قالوا م�ستق�صرين م ّد َة
ُلبثهم :ل ِب ْثنا فيها يوم ًا �أو بع�ض يو ٍم فا�س أ� ْل َم ْن يقدر على 107ر َّبنا َ�أخر ْجنا من النار ،ف�إ ْن ُعدنا لما تكره م ّنا ِم ْن
عم ٍل ف�إ ّنا ظالمون.
ع ِّد ذلك.
108ث ّم ُيجيبهم الح ُّق �سبحانه :ا�ْس ُكتوا في النار
114قال الله لهم :ما لبثتم في ا ألر�ض �إلا قليل ًا ي�سيراً، �سكو َت ذ ٍّل وهوا ٍن ،ولا ُتكلموني في ر ْف ِع العذاب.
لو كان عندكم �شيء ِم ْن علم ألدركتم �أنكم راجعون
�إلينا لحيا ٍة �أخرى غير تلك الحياة الق�صيرة ،فعمل ُتم لما � 109إ ّنه كانت جماع ٌة من عبادي -وهم �أهل الإيمان
ُي�صلحكم فيها ،ولك َّنكم �أعر�ضتم عن الهدى والتد ّبر، بالله -يقولون في الدنيا :ر ّبنا آ�م ّنا ب َك وب ُر�سلك وما
جا ؤ�وا به ِمن عندك ،فاغف ْر لنا ذنوبنا وارحمنا ،و�أنت
ال تريدون ر�شاداً.
خي ُر الراحمين.
� 115أفح�سبتم �أيها ا أل�شقياء أ�نما خلقناكم ل ِعب ًا وباطل ًا،
و أ�نكم �إلى ربكم بعد مماتكم لا ُترجعون ،ف ُتجزون بما 349
كنتم تعملون؟!
116فتعالى اللهُالمل ُك الح ُّق وتق َّد�س ع ّما لا يليق بجلاله
وكماله ،لا معبو َد بح ٍّق �سواه ،وهو ر ُّب العر�ش الكريم.
117و َم ْن يعب ْد مع الله معبوداً �آخر لا ُح ّج َة له به ولا
دليل ف إ�نما ح�سا ُب عمله ال�س ِّيئ عند ربه ،وهو ُمو ّفيه
جزا َءه �إذا قدم عليه� ،إ ّن الكافرين لا فلا َح لهم ولا نجاح.
118وقل -يا محم ُد :-ر ِّب ا�ستر الذنو َب بعفوك
عنها ،وارحم بقبول التوبة وتر ِك َك العقاب ،و أ�ن َت
يا ر ِّب خي ُر َمن َر ِحم ذا ذن ٍب فق ِبل توبته ولم يعاقبه على
ذنبه.
7 6و�أ ّما الرجال الذين ي ّتهمون زوجاتهم بالزنا 1هذه ال�سورة ذا ُت �ش أ� ٍن عظيم أ�نزلناها عليك
ولي�س لديهم أ�ح ٌد ي�شهد ب�صدقهم �إلا أ�نف�سهم فالواج ُب � -أيها الر�سول -وفر ْ�ضنا أ�حكا َمها على �ُأ ّمتك ِلـ ِحفظهم
على الزوج �أن يقول أ�ربع مرات :أَ��شه ُد بالله إ�ني ل�صادق من أ��ضرار الأعما ِل المخالف ِة ِلـ َما فيها ،و�أنزلنا فيها دلائ َل
في ا ّدعائي أ�نها قد زنت .ويقول بعد الرابعة :إ� ّن لعن َة وا�ضحا ٍت على أ�حكامها لتتذ ّكروها وتعملوا بها عند
الله عليه -يعني الطرد من رحمة الله -إ� ْن كان كاذب ًا،
الحاجة إ�ليها.
وبذلك يدفع عنه ح َّد القذف.
َ 2م ْن فعلت ال ّزنا و َمن َف َعله إ�ذا لم َي�سب ْق لهما نكا ٌح
9 8ويدفع عنها عذا َب ال َّر ْجم -بعد �شهادة �صحيح فاجلدوا ك َّل واحد منهما مئة جلدة م�ؤلمة لا
الزوج -أ�ن تقول أ�ربع مراتَ� :أ�شهد بالله �إنه لمن
الكاذبين في اتهامي بالزنا .وتقول بعد ا ألربع :إ� َّن ت�ش ُّق جلداً ولا تقطع لحم ًا ،ولا َتغلبكم ال�شفق ُة عليهما
و َتملكم على أ�ن تتركوا عقوبتهما التي وجب ْت عليهما
غ�ضب الله عليها إ� ْن كان �صادق ًا في اتهامها. في دين الله أ�و ُتخ ِّففوا منها إ� ْن كنتم ت�ؤمنون بالله
و ِحكمته فيما حكم وبيوم القيامة الذي يعاقب فيه َم ْن
10ولولا أ� ّن الله يمنحكم ف�ض َله ويرحمكم ويتوب �أهمل حك َم الله ،وليح�ضر ذلك الـ َجل َد جماع ٌة من �أهل
عليكم إ�ذا أ�ذنبتم و أ�نه حكي ٌم ي�شرع لكم من ا ألحكام
ما يحفظكم به ِمن الح َرج وال�شدا ِئد ،لولا ذلك لنالتكم الإيمان ليكون الزج ُر ب إ�يلام الج�سم والنف�س مع ًا.
الم�صائ ُب والم�ش ّقات التي تفوق طاق َتكم ولم تهتدوا �إلى
َ 3م ْن كان �َش�أنه الزنا فهو لا يتزوج إ�لا امر أ� ًة �َش�أنها
�أ�سباب الخلا�ص منها. الزنا أ�و م�شرك ًة ،و َم ْن كانت كذلك ف�إنه لا ينكحها إ�لا
الزناة أ�و الم�شركون ،فهذا �ش�أنهم القبيح ،ك ٌّل ينجذب
350
لمثله ،و ُح ِّرم ذلك الزواج على الم�ؤمنين إ�لا إ�ذا ظهر ْت
توبة الزاني والم�شرك والزانية والم�شركة.
4والذين ي َّتهمون العفيفا ِت أ�و العفيفين بالزنا �سواء
كان َمن اتهمهما رجل ًا أ�و امر أ�ة دون أ�ن ي أ�توا ب�أربعة
�شهود ُعدول ر أ�َوا الفع َل ِعيان ًا فاجلدوهم -جلداً م�ؤلم ًا
لا يجرح ولا يقطع -ثمانين جلدة ،ولا تقبلوا �شهادتهم
في �شيء ُطول حياتهم زياد ًة في الزجر ،و أ�ولئك هم
الخارجون عن طاعة الله المجاوزون حدوده.
5هذا هو ُحكم القذ ِف ،والذين تابوا ِم ْن هذه
الجريمة وظهر �صلا ُحهم بعد ذلك الف�ساد ،ف إ� ّن الله
يغفر لهم بعفوه ووا�س ِع رحمته .و ُتقبل -عند جمهور
العلماء� -شهادتهم.
14ولولا ف�ض ُل الله عليكم ورحمته في الدنيا ب�أنواع � 11إ ّن الذين جا ؤ�وا بافترا ِء الفاح�ش ِة على زوج نب ِّيكم
النعم وبالتوبة ،وفي الآخرة بالمغفرة والعفو لم�َّستكم جماع ٌة منكم ،لا تظ ّنوا ذلك �ش ّراً خال�ص ًا لكم ،بل هو
العقوب ُة العظيمة ب�سبب َخو�ضكم في الإفك الذي ي�ض ُّر مع ما فيه من الأذى خي ٌر لكم ِلـ َما فيه ِمن ا ألجر لمن
�أُوذي ،و ِلـ َما فيه ِم ْن ِرفعة ال َقدر ودفا ِع الله عنهم.
�إخوانكم الم�ؤمنين. �أ ّما الذين افتروه فلك ٍّل منهم من الإثم بق ْدر ن�صيبه في
الخو�ض والم�شاركة في �إذاعة هذه التهمة ون�شرها ،ف�إ ْن
16 15وذلك ألنكم كنتم تتل َقونه ممن افتراه كان م ؤ�من ًا ُج ِل َد و ُر َّدت �شهادته ،والذي �أتى ِ -نفاق ًا-
ب�أل�سنتكم دون تح ُّقق ،وتقولون ب أ�فواهكم كلام ًا لا
َي ْ�صدر عن ِح ْك َم ٍة و َر ِو َّية ،وتظنون أ� ّن ذلك القول لا ب�أكبر ح ٍّظ منه له في ا آلخرة عذا ٌب عظي ٌم.
م�ؤاخذ َة فيه ،والواق ُع �أنه في ُحكم الله عظيم جداً .ه ّل
قلتم -أ�يها الم ؤ�منون -حين �سمعتم هذا الإفك :ما ينبغي 12ه ّل ِق�ْستم � -أيها الم�ؤمنون -ا ألم َر على أ�نف�سكم
لنا أ�ن نتكلم بهذا ا إلفك و ُننزهك يا ربنا عن �أن تق�ضي وظننتم ب�إخوانكم و أ�خواتكم البراء َة ِمن الافتراء و ُقلتم
بوقوع هذا ِم ْن زوج نب ِّيك ،هذا افترا ٌء عظي ٌم جداً. عند �سماع التهمة :هذا افترا ٌء وا�ضح.
17والله ُي َذ ّكركم ويح ّذركم من الخو�ض في مثل
هذا الإفك �سماع ًا أ�و تح ُّدث ًا طول حيا ِتكم إ� ْن كنتم 13ه ّل َ�أ ْح َ�ض ه�ؤلاء المفترون �أربع ًة عدول ًا ي�شهدون
م�ؤمنين؛ إ� ِذ ا أل�ص ُل في الإيمان �أن َي ْحجز عنه ويمن َع من �أنهم ر أ�وا ما ا ّدعوه ب أ�عينهم؟! ف�إن لم ُيح�ضروا ال�شهداء
الأربع َة ال ُعدو َل ف أ�ولئك هم في حكم الله مفترون لا
الخو�ض فيه.
ُيقاربهم في الافتراء أ�حد.
18وين ّزل الله لكم الآيات الدا ّلة على ا ألحكام
والأخلا ِق -ال�ضامنة للم�صالح الدافعة للمفا�سد -دلال ًة
وا�ضحة جلية ،واللهُ علي ٌم بما ي�صلح خلقه ويدفع ال�ض َّر
عنهم ،حكي ٌم في تدبير �ش�ؤونهم فلا يدع ال�سوء َي ْخ ُل�ص
إ�لى أ�زواج نبيه - -و أ�مثا ِلهن .
� 19إ ّن الذين يحبون �أن ينت�شر الزنا و�أخبا ُره ويحبون
َط ْع َن �أهل العفاف في �أعرا�ضهم لهم عذاب �أليم في
الدنيا بالجلد والتكذيب و�سوء ال�سمعة ،وفي الآخرة
بعذاب النار ،والله يعلم ما ُي ِ� ُّسه الذين يحبون �شيو َع
الفاح�شة كما يعلم كل �شيء ويحا�سب عليه ،و�أنتم
-أ�يها النا�س -لا تعلمون غير الظاهر فلا ينبغي لكم أ�ن
تحا ِ�سبوا �إلا عليه.
20هذا بيا ٌن ل َهو ِل جريم ِة الإفك -لا�سيما إ�ذا
تناول ْت �أزوا َج النبي -ولولا َت َف ُّ�ض ُل الل ِه عليكم
ب َ� ْصف العقوبة ورحم ُته بالعفو وقبول التوبة ور أ�ف ُته
ب�إظهار براءة المقذوف ورف ِع الظلم عنه لم�ّسكم جميع ًا
عذا ٌب من الله عظيم.
351
26الن�سا ُء الخبيثا ُت للرجال الخبيثين ،والرجا ُل 21يا َم ِن ا ّت�صفتم بالإيمان لا ت�سلكوا طريق ال�شيطان
الخبيثون للن�ساء الخبيثات ،والن�سا ُء الطيبا ُت للرجال فيما ت أ�تون وفيما تتركون ،و َمن يتبع خطوا ِت ال�شيطان
الطيبين ،والرجال الطيبون للن�ساء الطيبات� ،إ ْذ ك ُّل يق ْع في الزنا والقبائح العظيمة وفي ك ِّل ما ينكره ال�شرع،
ألن ال�شيطان ي أ�مر بذلك ،ولولا ف�ضل الله عليكم ورحم ُته
إ�ن�سان يتلاءم مع َم ِثيله و َين�ساق �إليه -وهذا يق�ضي ببراءة لكم بالتوفيق إ�لى ا ألعمال ال�صالحة دون المفا�سد ما نجا
أ�ُ ِّم الم ؤ�منين عائ�شة ر�ضي الله عنها لأنها زوجة �َأطي ِب منكم ِمن إ��ضاع ِة ال�صالحا ِت و ُموا َق َع ِة ال�سيئات أ�ح ٌد أ�بداً،
الخلق -أ�ولئك الط ِّيبون من َّزهون عن الفاح�شة ف إ�نما َت ْزكو نفو�سكم بم�شيئته ،وهو �سمي ٌع ألقوالكم �س ِّرها
مب َّر�ؤون مما ا ُّت ِهموا به كذب ًا وافترا ًء ،وقد م َّن الله عليهم
وعلانيتها ،علي ٌم بما تقولون وتعملون.
بالمغفرة والرز ِق الوا�س ِع الكري ِم في جنات النعيم.
22ولا َيحل ْف �أهل الف�ضل في ال ِّدين وال�ّسعة في
27يا �أيها الذين آ�منوا لا تدخلوا بيوت ًا غير بيوتكم الرزق على َم ْنع نف َق ِتهم عن القريب والم�سكين والمهاجر
في �سبيل الله .وليعفوا عن ز ّلتهم و ْل ُيعر�ضوا عن ذكرها،
حتى تعلموا هل فيها �أح ٌد وحتى ت�ست أ�ذنوا َم ْن َيلك و ْليعاملوهم بمثل ما يحبون أ�َ ْن يعاملهم به ر ُّبهم� .إ ّن الله
الإذ َن ِمن أ�هلها و ُت�س ِّلموا على َم ْن فيها ،فذلك خي ٌر
لكم من الدخول َب ْغت ًة والاطلا ِع على ما َق ْد ي�سوء ،وقد وا�سع المغفرة ،عظيم الرحمة مع كثرة ذنوب العباد.
ذكرنا ذلك َكي َت ُعوه وتتعظوا به. 23إ� ّن الذين ي ّتهمون بالفاح�ش ِة الن�سا َء العفيفات
ال�َّسليما ِت ال ُّ�صدور المتح ّققات بالإيمان َل َعنهم الله
والملائك ُة والنا� ُس �أجمعون في الدنيا وا آلخرة فهم
مطرودون ِم ْن رحمة الله إ� ْن لم يتوبوا ،ولهم عذا ٌب
ُينا�سب جريمتهم العظيمة.
24لهم عذا ٌب عظي ٌم حين َت�شهد عليهم أ�ل�سن ُتهم
التي نطقوا بها و أ�يديهم التي �أ�شاروا بها و�أر ُجلهم التي
َم�شوا بها إ�لى ُجرمهم ذاك الذي ارتكبوه.
25يو َم ت�شه ُد عليهم �أع�ضا�ؤهم تلك يجازيهم الله
الجزا َء المنا�س َب لـ ُجرمهم ،ويعلمون يومئ ٍذ أ� ّن الله هو
ا إلله الح ُّق في ذاته و�صفاته و أ�فعاله ،الـ ُم ْظ ِه ُر للأ�شياء
كما هي عليه� ،سبحانه لا َتخفى عليه خافية.
352
ك ُّله أ�طهر لهم من َد َن�ِس ا آلثام و�ُسوء الظن ،والله يعلم ما 28ف إ� ْن لم تجدوا في هذه البيوت َم ْن له ح ُّق الإذن
يفعلون ِمن طاع ٍة �أو مع�صي ٍة فيجازي ك ّ ًل بعمله ون ّيته. فلا تدخلوها فقد يقع ب�ص ُركم على ما لا يجوز النظ ُر
�إليه �أو ما َيكره أ��صحاب البيوت �أن تطلعوا عليه من
31وقل للم�ؤمنات َي ْك ُففن أ�ب�صارهن ع ّما لا يحل الخ�صو�صيات ،و إ� ْن قيل لكم ار ِجعوا فارجعوا؛ ف إ� ّن
النظر �إليه من الرجال والن�ساء ألن النظر ُيثير ال�شهو َة الرجو َع أ�طيب للنفو�س و أ�طهر ،ولا ُت ِل ّحوا في طلب
و ُيغري بالوقوع في الفتنة ،و ُق ْل له ّن أ�ن يحفظن ا إلذن ولا تطيلوا الوقو َف ولا تنظروا من �ُشقوق الباب
فروجه ّن عما ح ّرم الله ،ولا ُيبدين زينتهن أ�و موا�ض َعها أ�و ما ِب َ�سبيله ،لأن جميع ذلك ُي ْورث ال ِّريبة والبغ�ضاء،
الرو�إع�ؤ ْانودل�ُةسم تهب إ�ونظجهعالد ارلىهزفيتن-ةحِ،ةوواهللوا�صاَلحد َوررججهحتعلويىالهلاكن ُيففارين إ�ى-ظالهوا�ْلصُير ْلدمقراي َنجخلرِ�ساتف ًاتر
لعاد ِة كثير من ن�ساء الجاهلية ،ولا ُي ْبدين موا�ض َع زينتهن والله يعلم ما تفعلون و�سيحا�سبكم عليه.
الخف ّية -وهي ما عدا الوجه والكفين ،ك�شعر الر�أ�س،
والذراعين وال�ساقين ونحو ذلك� -إ ّل ألزواجهن ،أ�و 29لا َح َر َج عليكم في دخولكم دو َن �إذ ٍن بيوت ًا غير
�آبائهن -ويدخل فيهم ا ألجداد -لأنهم لا َتيل �شهو ُتهم ُمه ّي�أة ل ُ�سكنى نا� ٍس مخ�صو�صين -كالفنادق ومناز ِل
إ�ليهن� ،أو آ�باء �أزواجه َّن؛ لأنهم �صاروا َمحارم ،أ�و ا أل�سفار -لحاج ٍة كو�ض ِع متا ٍع وا�ستراح ٍة عابر ٍة ،والله يعلم
أ�بنائهن -ومنهم ا ألحفاد� -أو �أبناء أ�زواجه َّن؛ ألنهم ما ُتظهرون أ�و تخفون من مقا�صدكم فيجازيكم بن ّياتكم.
�صاروا َمحارم� ،أو إ�خوانهن ا أل�شقاء أ�و لأ ٍب أ�و أل ٍّم� ،أو 30يا -أ�يها النبي -قل للم�ؤمنين ي ُك ّفوا النظ َر عما
بني إ�خوانهن �أو بني أ�خواتهن ،والمق�صود ك ُّل محارم ح ّرم الله النظ َر �إليه من الن�ساء والعورات ،و ُق ْل لهم �أن
المر أ�ة وذلك ب�سبب كثر ِة الـ ُمخا َلطة دفع ًا للحرج ول ُندرة يحفظوا فرو َجهم عن غير زوجاتهم و إ�مائهم ،فذلك
ح�صول الفتنة لهم به ّن ،ويجوز أ�ن ُيبدين موا�ضع الزينة
الخفية للن�ساء الم ؤ�منات دون الكافرات؛ لأنه ُيخ�شى
من الكافرات �أ ْن َي ِ�صفن محا�سنهن ألقاربهن ،وكذا
يجوز للن�ساء �أ ْن ُيبدين زينتهن غي َر الظاهرة إلمائهن
وللرجال التابعين له ّن أ�و لبيوتهن ممن لا حاجة لهم
بالن�ساء كالرجال الطاعنين في ال�س ِّن الذين انقطع َميلهم
إ�لى الن�ساء ،وال ُب ْله والمعتوهين ونحوهم الذين يترددون
على البيوت للطعام ونحوه مم ْن لا يعرفون �شيئ ًا عن
أ�مور الن�ساء ولا ُتدثهم �أنف ُ�سهم بفاح�شة ولا َي ِ�صفونهن
ل ألجانب .وكذا ل ألطفال الذين لم يبلغوا �س َّن ال�شهوة،
ولا يحل للن�ساء �أن ي�ضربن ب أ�رجلهن ل ُي�س َمع �صوت
ُحل ِّيهن فهو يدعو إ�ليه ّن ويظ ّن النا�س �أن به ّن الرغبة
في الفجور .ثم قال �سبحانه :وتوبوا ك ُّلكم إ�لى الله ِم ْن
وقوع النظر الحرام ومن كل ذنب �أيها الم�ؤمنون؛ فذلك
�أرجى لكم في النجاة والنجاح في الدنيا وا آلخرة.
353
زجاجة تزيده إ��ضاء ًة ،والزجاج ُة ل�شدة �صفائها ك�أنها 32و�أنكحوا -أ�يها ا ألولياءَ -م ْن لا زو َج له من
كوكب قوي الإ�ضاءة ،وال�سرا ُج يو َقد بزي ِت �شجر ٍة الم ؤ�منين ا ألحرار رجل ًا كان �أو امر�أة ،بكراً �أو ثيب ًا،
مبارك ٍة هي َزيتونة زي ُتها �شديد ال�صفاء ألنها مع َّر�ضة و�أنكحوا َم ْن كان �صالح ًا ِم ْن عبيدكم و إ�مائكم -وهذا
�ألن�ضييا�ءضاليء�شومل�وسلم ت�مصب�اس�حسًاه نواعر�،صفراًفيحتتلى إ�ك َّنالزُيكتَّوهةان َي ْوق ُررالبزيمتن ح�ٌّض للم ؤ�منين على تي�سير أ�مر الزواج -ولا يمنعكم
ونو ُر النار ونور الزجاجة فهو نور على نور ،والله � -أيها الم�ؤمنون -فق ُرهم ِم ْن تزويجهم ف�إ ّن الله يرزقهم
يهدي ِم ْن عباده َم ْن ي�شاء �إلى نوره ،ويبين ا أل�شياء للنا�س من ف�ضله ،وهو �سبحانه وا�سع الف�ضل علي ٌم بحال عباده
ب َ� ْضب ا ألمثلة لها تقريب ًا ألفهامهم ،وهو �سبحانه علي ٌم
بكل ا أل�شياء ،لا يخفى عليه أ�هل الهدى و�أهل ال�ضلال. فيعطيهم ما يكفيهم.
36ذلك النور موجو ٌد في بيوت أ�راد الله أ�ن ُت َع َّظم 33و ْل َيجتهد في العفاف عن الحرام والك ِّف عما لا
ببنائها وتطهيرها وتطييبها -وهي الم�ساجد -و أ�راد َي ْج ُمل َم ْن لا يملك مال ًا أل ْجل النكاح �إلى َأ� ْن يرزقه الله
�أن ُيذكر فيها ا�سمه بتلاوة كتابه وال�صلاة والت�سبيح ويـي�سر له ذلك من ف�ضله .ثم أ�مر الله تعالى َم ْن يملك
والتهليل والعلم ونحو ذلكَ ،يتقرب �إليه فيها ُع ّمارها عبداً �أو �أمة �أن ُيكاتبهم �إذا طلبوا المكاتبة -وهي أ�ن
بال�صلاة �أ ّول النهار ،وهي �صلاة ال�صبح ،وبا آل�صال، ي ّتفق معهم على مبل ٍغ من ما ٍل ي ؤ�دونه إ�ليه ،ف إ�ذا أ� ّدوه
وهي �آخر النهار وما يقرب منه مما َقبله وما بعده ،وهي �أ�صبحوا �أحراراً -وذلك �إذا علم �أنهم قادرون على
ا ألداء .و َأ� َمر �سبحانه بم�ساعدتهم على المكا َتبة عون ًا
بقية ال�صلوات الخم�س. بعطا ٍء �أو خ�صم ًا ِم ْن �أ�صل المبلغ ،ثم ذ ّكر الله َم ْن يعينهم
ب�أ ّن ما يعطيهم هو مما رزقه الله تعالى ،و�أ ْت َب َع اللهُتعالى ما
354 ذكره في العفاف بالنهي عن ت�أجير ا إلماء للزنا كما كان
�ش�أن بع�ض �أهل الجاهلية .و آ� َك ُد ما يكون النه ُي �إن كانت
الإماء ُيردن ا إلح�صان؛ �إذ واج ُب المال ِك �أن تكون رغبته
في التح�صين أ�كبر وتر ُّفعه عن الك�سب الخبيث وعن
الرغبة في الدنيا أ�َ ْعظم .وقد وعد الله من أُ�كره من الإماء
على الزنا بالرحمة والعفو عما �سلف؛ إ�ذ ال ِوزر واق ٌع
على الذي �أكرههن لا عليهن.
34لقد �أنزلنا لكم � -أيها الم�ؤمنون -في القر آ�ن �آيات
وا�ضحات الأحكام ،و َمثل ًا مما وقع في ا ألمم ال�سابقة
وما ح َّل بهم من العذاب أل ْج ِل المخالف ِة ،و أ�نزلنا فيه
موعظ ًة يعتبر بها َمن اتقى ر َّبه وع ِمل بطاعته وانتهى
عن مع�صيته.
35الله نور ال�سماوات وا ألر�ضِ ،ب ُنوره �أ�شرقت
ا ألر�ض وال�سماوات ،وبنوره ا�ستقام ْت أ�حوال �أهلهما،
وبنور قر�آنه و َهدي نب ِّيه َيخرج الم�ؤمنون من الظلمات،
و َم َث ُل هذا النور في قلب الم ؤ�من ك�ضوء في ُك َّوة غي ِر نافذة
-فهي أ�جمع لل�ضوء -فيها �سراج ،وهذا ال�سراج في
بعيد ،ف�إذا جاءه َع َر َف أ�نه لي�س �شيئ ًا فظ ّل إ�ذا ر آ�ه ِم ْن
وكذلك الكافر يظ ّن عم َله نافع ًا يوم القيامة على ظ َم ِئه،
ف�إذا جاء يو ُم القيامة لقي ر ّبه فحا�سبه على كفره �أ�ش ّد
ح�ساب ،ولم ينفعه عم ُله ألنه كافر بر ّبه ،والله �سريع
الح�ساب علي ٌم با أل�شياء ك ِّلها ،ال يحتاج �إلى ع ٍّد ،ولا
ي�شغله �سبحانه ح�سا ٌب عن ح�ساب.
40والذين كفروا يكونون ِم ْن ُظ ْلمة كفرهم
و أ�عمالهم ك َم ْن هو في بح ٍر عميق يغ�شاه مو ٌج حاج ٌب،
ِم ْن فوقه موج آ�خر ،وفوق هذا ك ِّله �سحا ٌب كثيف،
ظلما ٌت بع�ضها فوق بع�ض ،ف إ�ذا �أخرج َم ْن هو هنالك
يده التي هي جزء منه لم يقا ِر ْب �أن يراها مع �شدة
قربها؛ و َم ْن لم ي�ستنقذه اللهُ ِم ْن غرقه في ظلمات الجهل
وال�ضلال ،فلن تجد له ولي ًا يعينه على الخروج مما هو فيه.
41قد علم َت -أ�يها الر�سولِ -عل َم اليقين أ�ن 37والذين ُي�س ِّبحون فيها لله هم الأخيار ،وهم رجال
الله تعالى ين ِّزهه ك ُّل َم ْن في ال�سماوات والأر�ض ِمن لا ت�شغلهم تجار ٌة حا�ضر ٌة ولا بي ٌع عاج ٌل عن ذكر الله
مخلوقاته العاقل ِة وغير العاقلة ك ٌّل ح�سب ِفطرته وما ب�أل�سنتهم وقلوبهم ولا ت�شغلهم عن إ�عطاء ال�صلاة ح َّقها
ُج ِبل عليه ،و ِم ْن أ�ظه ِر ذلك الطي ُر حين تب�سط �أجن َحتها من الخ�شوع والتعظيم ولا عن أ�داء الزكاة لمن ي�ستحقها،
في الجو ،وك ُّل مخلوق من المخلوقات قد َع ِلم ما ع ّلمه وهم مع ذلك يخافون لقاء الله في يوم القيامة حيث
الله و�ألهمه من الدعاء والت�سبيح ،والله عليم بكل ما
تتقلب القلوب وا ألب�صار ِم ْن �شدة الأهوال.
يعملون من �صلاة وغيرها.
38يعملون تلك ا ألعمال رجا َء �أ ْن ُيثيبهم الله �أح�سن
42ولله وحده ُمل ُك ال�سماوات وا ألر�ض فهو ثواب َو َع َد به ِم ْن ع�شر ِة �أ�ضعاف �إلى �سبعمائة ،ويزيدهم
خالقهما وخال ُق ما فيهما ومد ّب ُر ذلك ك ّله ،و إ�ليه فوقه من ف�ضله مما لا عي ٌن ر�أ ْت ولا �أذ ٌن �سمع ْت ولا َخ َطر
وحده م�صير ك ّل مخلوق لأنه القاد ُر وحده على َبعثهم على قلب َب�َش .والله تعالى َي َهب ما ي�شاء لمن ي�شاء بلا
و إ�رجاعهم �إليه. ح ٍّد ،فالعطا ُء يح�صل بف�ضله و�إن كان للعمل اعتبار.
43أ�لم َت َر �أن الله ي�سوق ال�سحاب �شيئ ًا ف�شيئ ًا ،ثم 39والذين كفروا لا تنفعهم يو َم القيامة �أعما ُل الخير
يجمع بع�ضه إ�لى بع�ض بوا�سطة الرياح ،ثم يجعله التي عملوها ،فهي و�إ ْن رجوا ثوا َبها ك�سرا ٍب -وهو
اللمعان الذي يظهر ويتماوج على وجه ُبقع ٍة منب ِ�سطة
متكاثف ًا بع َ�ضه فوق بع�ض فترى المطر يخرج من خلاله مك�شوفة من ا ألر�ض عند الظهيرة -يظ ّنه الظم آ� ُن ما ًء
ف ُينزله حيث �شاء؟ وكذلك ين ِّز ُل من ال�سحاب الذي
ُي�ش ِبه الجبا َل في طبقات الجو العالية َبـ َرداً ،في�صيب به 355
َم ْن ي�شاء و َي ْ�صفه ع َّمن ي�شاء ،وك ٌّل من المطر وال َ َبد قد
يكون قبله أ�و معه الب ْرق ال�شديد الذي يقا ِرب ِم ْن �شدته
َ�أ ْن ي�أخذ با ألب�صار.
� 51إ َّن ِم ْن �صفات الم�ؤمنين ال�صادقين في �إيمانهم 44يعا ِق ُب اللهُ بين الليل والنهار و ُي َ� ِّصفهما طول ًا
أ�نهم إ�ذا ُدعوا إ�لى ُحكم الله و إ�لى ُحكم ر�سوله أَ� ْن وق�صراً .إ� َّن في �إن�شاء الله ال�سحا َب ،و إ�نزا ِله الم َط َر،
يقولوا� :سمعنا و�أطعنا ،فلا يترددون ولا يتباط�ؤون في وال َ َبد ،وفي تقليبه اللي َل والنهار َلعبر ًة لمن اعتبر بها ،لأ َّن
الا�ستجابة لذلك ،و�أولئك هم المفلحون فلاح ًا تام ًا في
ذلك ُي ْنبئ ويد ُّل على ما وراءه من القدرة والتدبير.
الدنيا والآخرة.
45واللهُ خلق ك َّل حيوان يد ُّب على ا ألر�ض ِمن
52و َم ْن يطع الله ور�سوله فيما أ�مراه ونهياه ،و َي َخ ْف ُنطفة ،فمنهم َم ْن يم�شي على بطنه كالح ّيات وما �أ�شبهها،
عاقب َة المع�صية ،وي َّت ِق العذا َب ف أ�ولئك هم الفائزون ومنهم َم ْن يم�شي على رجلين كا إلن�س والطير ،ومنهم
َم ْن يم�شي على أ�ربع كالبهائم ،يخلق اللهُ ما ي�شا ؤ�ه
بر�ضا الله عنهم يوم القيامة ،وب�أ ْم ِن ِهم من عذابه.
و ُيق ّدره ،الُ يعجزه �شيء في ا ألر�ض ولا في ال�سماء.
53و�أَق�سم ه�ؤلاء المعر�ضون عن حكم الله ور�سوله
أ�غل َظ ا أليمان لئن �أمرتهم -يا محمد -بالخروج �إلى 46لقد �أنزلنا -أ�يها النا�س -في القر�آن علاما ٍت
الجهاد ليخ ُر ُج َّن ،قل :لا تحلفوا ،ف إ� ّن طاعتكم معرو ٌف وا�ضحات ،دالا ٍت على طريق الحق و�سبيل الر�شاد،
َأ�م ُرها ،فهي طاعة بالل�سان فقط� ،أ ّما الفعل ف ُيك ِّذبها،
�إ ّن الله خبير بما تعملون ،لا يخفى عليه �شيء مما ُت�س ّرون واللهُ يهدي َم ْن ي�شاء -بالتوفيق للنظر فيها والتد ّبر
لمعانيها -إ�لى الطريق الم�ستقيم المو ِ�صل إ�لى إ�دراك الحق
وتعلنون.
والفو ِز بالجنة ،وهو دينه دين ا إل�سلام.
356
47ويقول المنافقون� :ص ّدقنا بالله وبالر�سول ،و أ�طعنا
اللهَو أ�طعنا الر�سو َل ،ثم َتعمل طائف ٌة منهم من بعد قولهم
هذا بخلاف ما ت ّدعي فتدعو َخ�ص َمها إ�لى المحاكمة �إلى
غير ر�سول الله - -ولي�س قائلو هذه المقالة بالم�ؤمنين.
48و�إذا ُدعيه�ؤلاءالمنافقون�إلىكتاباللهو�إلىر�سوله
ليحكم بينهم فيما اخت�صموا فيه �إذا فري ٌق منهم مع ِر�ضون
عن قبول الحق ،والر�ضا بحكم ر�سول الله .- -
49و إ� ْن يكن الح ُّق له ؤ�لاء لا عليهم ي�أتوا إ�لى ر�سول
الله - -منقادين لحكمه ،مق ّرين به ،طائعين غير
مك َرهين.
� 50أ ُهم مر�ضى القلوب منافقون ،أ�م مرتابون في أ�مر
نب ّوته َ - -أ� ْم خائفون الظل َم في ق�ضائه؟ بل �أولئك
هم الظالمون ،يريدون أ� ْن َيظلموا َم ْن له الح ّق عليهم.
ب إ�ف�ساده وخروجه عن طاعتي ف�أولئك هم العا�صون
الحائدون عن �سواء ال�سبيل.
56و أ�قيموا � -أيها النا�س -ال�صلا َة بحدودها فلا
ت�ضيعوها ،و آ�توا الزكاة أ�هلها ،و أ�طيعوا ر�سو َل ربكم
فيما �أمركم ونهاكم َكي يرحمكم ر ُّبكم فينجيكم من
عذابه.
57لا تح�سب ّن -أ�يها الر�سول -الذين كفروا يعجزون 54قل يا ر�سول الله له�ؤلاء الـ ُمق�سمين وغي ِرهم:
�أطيعوا الله و�أطيعوا الر�سول؛ ف إ� ّن طاعته طاع ٌة لله ،ف إ� ْن
الله في الأر�ض إ�ذا �أراد إ�هلاكهم ،و َم�سك ُنهم و َمرج ُعهم
النار ،ولبئ�س الم�سك ُن والمر ِجع هي. ُتعر�ضوا وت�أبوا ف�إنما عليه تبليغ ر�سالة الله إ�ليكم ،وعليكم
58يا �أيها الذين �ص َّدقوا الله ور�سولهِ ،لي�ست�أذنكم في �أ ْن تفعلوا ما أ�مركم به ،و�إ ْن تطيعوه فيما ي أ�مركم
الدخول عليكم َعبي ُدكم و إ�ما�ؤكم ،والذين هم دون �س ِّن وينهاكم َتر�ُشدوا ،وما على الر�سول إ�لا أ�دا ُء ر�سالة الله
البلوغ ِم ْن أ�حراركم في ثلاثة �أوقات ِم ْن �ساعات ليلكم وبيا ُنها َأ�بلغ بيان.
ونهاركم ،وهيِ :م ْن قبل �صلاة الفجر لأنه وقت القيام
من الم�ضاجع وتبدي ِل الثياب ،وحين َت َ�ضعون ثيابكم 55و َع َد اللهُ الذين آ�منوا منكم و أ�طاعوا الله ور�سوله
َليورث ّنهم �أر�َض الم�شركين من العرب والعجم ،فيجعلهم
من الظهيرة ألنها وقت و ْ�ض ِع الثياب للقيلولة ،و ِم ْن �سا َدتها و�سا�ستها كما َفعل قبل ذلك ببني �إ�سرائيل إ�ذ
بعد �صلاة الع�شاء ألنه وقت التج ّرد من ثياب اليقظة، �أهلك الجبابرة بال�شام ،و َل ُيـث ِّبت َّن لهم الإ�سلام الذي
والالتحا ِف بثياب النوم .في هذه ا ألوقات الثلاثة التي ارت�ضاه لهم دين ًا ،و َل ُيغير َّن حا َلهم عما هي عليه من
الخوف إ�لى الأمن ،يخ�ضعون لي بالطاعة لا ي�شركون
أ�مرناكم ب�أن لا يدخل عليكم فيها َم ْن َذ َك ْرنا �إلا ب�إذ ٍن،
قد يظهر منكم ما َي ْق ُبح الاطلا ُع عليه ،لأنكم ت�ضعون في عبادتهم �إياي ،ف َم ْن كف َر هذه النعمة بعد تح ُّققها،
فيها ثيابكم و َت ْخلون ب�أهليكم ،ولي�س عليكم ولا عليهم
َح َر ٌج ولا إ�ث ٌم في غيرها ِلـ َما بكم وبهم من الحاجة
إ�لى المخالطة والمداخلة :يطوفون عليكم للخدمة،
وتطوفون عليهم للا�ستخدام .كما ب ّي الله لكم أ�حكا َم
الا�ستئذان في هذه الآية ،كذلك يب ّي لكم جميع �أدلته
و�شرائع دينه ،والله ذو عل ٍم بما ُي�صلح عباده ،حكي ٌم فيما
�شرع لهم وف َّ�صل.
357
بها نف� ُس الم�ستمع ،هكذا ُيف ِّ�صل اللهُ لكم معالـ َم دينكم 59و�إذا أَ�درك ال�صغا ُر منكم �س َّن البلوغ ،فلا يدخلوا
فيب ّينها لكم ،كما ف ّ�صل لكم في هذه ا آلية ما �أح ّل لكم عليكم في وقت ِمن ا ألوقات إ�لا ب إ�ذن ،لا في �أوقات
فيها ،لكي َت ْفقهوا عن الله �أم َره ونه َيه و أ�د َبه. العورات الثلاث ولا في غيرها ،و ْل َي�ست أ�ذنوا كما ا�ست�أذن
الكبا ُر ،كذلك يب ّي اللهُ لكم �أحكامه و�شرائع دينه ،والله
علي ٌم بما ي�صلح خلقه ،حكي ٌم فيما فر�ض عليهم و�شرع.
60وال َّلواتي يئ�سن من الحي�ض وال َول ِد والَ ي ْطمعن
في نكا ٍح ولم يب َق للرجال فيه ّن َم ْطم ٌع ل ِك َ ٍب �أو غيره،
فلي�س عليهن حر ٌج ولا إ�ثم �أن ي�ضعن ثيابه ّن الظاهر َة
كالجلباب والرداء الذي يكون فوق الثياب ب َح ْ�ضة
الرجال الأجانب� ،إذا لم ُيردن بو�ضع ذلك عنهن
التك�ّش َف و إ�بداء زينته ّن ومحا�س ِنهن ،و أ� ْن َيتح ّفظن عن
َو ْ�ضع جلابيبهن طلب ًا لل ِع ّفة خي ٌر لهن ِمن �أن َي�ضعنها،
والله �سمي ٌع ما تنطقون ب أ�ل�سنتكم ،علي ٌم بما ت�ضمره
�صدو ُركم فاتقوه.
61لا َح َر َج على ا ألعمى ،ولا على ا ألعرج ،ولا على
المري�ض ،ولا عليكم َ�أ ْن ت�أكلوا ِم ْن بيوت �أبنائكم ف�إنها
في ُحكم بيوتكم� ،أو ِم ْن بيوت �آبائكم� ،أو ِم ْن بيوت
�أمهاتكم ،أ�و ِم ْن بيوت إ�خوانكم ،أ�و بيوت �أخواتكم،
أ�و ِم ْن بيوت �أعمامكم ،أ�و ِم ْن بيوت ع ّماتكم ،أ�و ِم ْن
بيوت �أخوالكم ،أ�و ِم ْن بيوت خالاتكم ،أ�و ِم ْن البيوت
التي لكم ِإ�ذ ُن الت�ص ُّر ِف فيها� ،أو ِم ْن بيوت �أ�صدقائكم،
إ�ذا َأ� ِذنوا لكم في ذلك �سواء كانوا حا�ضرين أ�و غائبين،
ولا ِ�ضي َق عليكم أ�ن ت أ�كلوا مجتمعين إ�ذا �شئتم� ،أو �أ�شتات ًا
متفرقين ،ف إ�ذا دخلتم بيوت ًا من بيوت الم�سلمين ف ْل ُي�س ّلم
بع ُ�ضكم على بع�ضُ ،ت ّيون �أنف َ�سكم تحي ًة من عند الله
مباركة ُيرجى بها زياد ُة الخير والثواب ،طيب ًة تطي ُب
358
63لا َتقي�سوا دعو َة ر�سول الله �إياكم على دعوة 62ما الم�ؤمنون ح َّق ا إليمان إ� ّل الذين �ص َّدقوا الله
بع ِ�ضكم بع�ض ًا في جوا ِز ا إلعرا�ض ،والتر ّدد في ا إلجابة،
والرجو ِع بغير �إذن ،ف إ� َّن المبادر َة �إلى �إجابته واجب ٌة، ور�سوله ،و إ�ذا كانوا مع ر�سول الله على �أم ٍر يجتمع له
والان�صرا َف بغير إ�ذنه مح ّر ٌم .و إ�نكم �أيها المن�صرفون عن النا�سِ ،م ْن حر ٍب ح�ضر ْت ،أ�و �صلا ٍة اج ُت ِمع لها� ،أو
نب ّيكم بغير �إذنه ِخفي ًة يت�س ّت بع ُ�ضكم ببع�ض و إ� ْن خفي ت�شاو ٍر في أ�مر نزل لم ين�صرفوا عما اجتمعوا له من ا ألمر
أ�م ُركم عليه ،ف�إ ّن الله يعلم ذلك ولا يخفى عليه ،فليت ِق حتى ي�ست أ�ذنوا ر�سو َل الله - -إ� ّن الذين لا ين�صرفون
َم ْن يفعل ذلك منكم أ� ْن ت�صيبهم محن ٌة في الدنيا� ،أو
عنك -يا محمد� -إذا كانوا معك في أ�م ٍر جامع �إ ّل
ي�صيبهم في ا آلخرة عذا ٌب من الله مو ِجع.
ب إ�ذنك لهم� ،أولئك الذين ي�ص ّدقون الله ور�سوله حق ًا،
� 64أ َل إ� ّن لله ملك جميع ما في ال�سماوات والأر�ض،
و إ� ّنه ليعل ُم ما أ�نتم عليه ِمن طاعتكم �إياه فيما �أمركم ف�إذا ا�ست�أذنك ه ؤ�لاء لبع�ض حاجاتهم التي َت ْع ِر�ض لهم
ونهاكم ،ويوم يرجع �إليه الذين يخالفون عن أ�مره ف�أْذ ْن لمن �شئت منهم في ال َّذهاب لق�ضائها ،واد ُع الله
فيخبرهم حينئ ٍذ بما عملوا في الدنيا ثم يجازيهم على لهم �أن يتف�ضل عليهم بالعفوِ ،لـ َما ع�سى أ�ن يكون َو َقع
�أعمالهم .والله علي ٌم لا يخفى عليه �شي ٌء َع ِم ْلتموه أ�نتم لهم من تق�صير أ�و تر ٍك ل أَلولى ب�سبب الا�ستئذان� ،إ َّن
وغي ُركم ،وهو ُم َو ٍّف ك َّل عام ٍل منكم �أج َر عمله. الله غفو ٌر لذنوب عباده التائبين ،رحي ٌم بهم لا يعاقبهم
عليها بعد توبتهم منها.
1تق َّد� َس الذي ن َّزل القر آ�ن فا�صل ًا بين الح ّق والباطل،
على عبده محم ٍد - -ليكون لجميع الج ِّن والإن�س
ُمنذراً ينذرهم عقا َبه ،و ُيخ ّوفهم عذابه ،إ� ْن لم ي َو ِّحدوه
ويعبدوه.
2الذي له ُملك ال�سماوات وا ألر�ض ،حك ُمه فيها
ما�ٍض وق�ضا ؤ�ه فيها ناف ٌذ �سبحانه ،ولي�س له ول ٌد ،ولم
يكن له �شري ٌك في ُملكه و�سلطانه ف َي ْ�ص ُلح أ�ن ُيعبد ِم ْن
دونه ،وخلق ا أل�شيا َء ك َّلها ف�س َّواها وه ّي أ� لها ما ي�ص ُلح لها
فلا َخل َل وال تفاوت.
359
وز َعموا أ�نك م�سحو ٌر ،ف�ض ّلوا بذلك عن َق ْ�ص ِد ال�سبيل، 3وا َّتخ َذ ه�ؤلاء الم�شركون �أ�صنام ًا �صنعوها ب أ�يديهم
و أ�خط ؤ�وا الهدى ،فلا يجدون طريق ًا إ�لى الح ّق والر�شاد. يعبدونها ،لا َتخلق �شيئ ًا وهي ُتخلق ،ولا َتلك ألنف�سها
نفع ًا تج ّره �إليها ،ولا �ض ّراً تدفعه عنها م ّمن أ�رادها ب ُ� ٍّض،
10تق ّد� َس الذي �إ ْن �شاء جعل لك خيراً مما اقترحه ولا تملك �إمات َة ح ٍّي ،وال إ�حياء م ّيت ،ولا َن�ْ َشه من
ه�ؤلاء الم�شركون :ب�ساتين تجري من تحتها ا ألنهار، بعد مماته ،وتركوا عباد َة خالق ك ِّل �شيء ،ومال ِك النفع
وق�صوراً َمبن ّي ًة ُم�ش ّيدة كالتي َو َع َدك �إياها في الجنة،
ولك ْن لم ي�ش أ� اللهُ لك �شيئ ًا من زخارف الدنيا ،بل �شاء وال ُّ�ض ،والذي بيده الموت والحياة والن�شور.
�أن يجعل لك ما هو خي ٌر من الجنات والق�صور� ،شا َء �أ ْن
تكو َن عبداً ور�سول ًا َتمل دعو َته وتب ّلغ كلامه؛ ولكنهم 4وقال ه ؤ�لاء الكافرون بالله الذين اتخذوا ِمن
دونه آ�له ًة :ما هذا القر آ�ن الذي جاءنا به محم ٌد إ� ّل كذ ٌب
قو ٌم لا يفقهون. و ُبهتان ،اخ َت َلقه وتخ َّر�صه وتق َّوله ،و�أعانه على اختلاقه
11ما ك َّذب ه�ؤلاء الم�شركون و أ�ن َكروا ما جئ َتهم به اليهو ُد؛ ُيلقون �إليه أ�خبار الأمم الدار�سة وهو يع ِّب عنها
يا محمد ِمن الح ّق ألنك ب�شرٌ مثلهم ت�أكل الطعام وتم�شي بعبارته ،فقد �أتى قائلو هذه المقالة ظلم ًا عظيم ًا ،وكذب ًا
في الأ�سواق ،وما اقترحوا ما اقترحوه من ا آليـات ِلق ّلة
دلائل �صدقك عندهم ،ولك ْن ِمن أ�جل �أنهم لا ُيوقنون مبين ًا؛ حيث َن�سبوا �إليه - -ما هو بري ٌء منه.
بالـ َمعاد ،و أ�عددنا ِلـ َمـ ْن كـ ّذب بالـ َمعاد ناراً عظيمة
5وقال ه ؤ�لاء الم�شركون :هذا الذي جاءنا به محم ٌد
َت َ�س َّعر عليهم وت َّتـقد. �أحادي ُث الأَ ّولين التي كانوا ي�س ّطرونها في كتبهم،
اكتتبها محمد ِم ْن يهود ،فهي ُتقر�أ عليه ُغدو ًة وع�ش ّي ًا.
360
6قل -يا محمد -له�ؤلاء المك ِّذبين ب آ�يات الله ِم ْن
م�شركي قومك :ما الأم ُر كما تقولون ،بل هو الح ُّق� ،أنزله
الله الذي َيعلم �س َّر َم ْن في ال�سماوات و َم ْن في الأر�ض،
ولا يخفى عليه �شيء ،وهو ُمح�ٍص ذلك على َخ ْلقه،
ومجازيهم ،واللهُ لم يزل َي�صفح عن خلقه ويرحمهم،
ولأ َّن ذلك ِمن عاداته في خلقه ف�إنه ُيهلكم �أيها القائلون
ما قلتم ِمن الإفك ،والفاعلون ما َفعلتم من الكفر.
8 7وقال الم�شركون :ما لهذا الذي يز ُعم أ� َّن الله
بعثه �إلينا ر�سول ًا ي أ�ك ُل الطعام كما ن أ�كل ،ويم�شي في �أ�سواقنا
كما نم�شي! ه ّل �إ ْن كان �صادق ًا �ُأن ِز َل �إليه م َل ٌك ،فيكو َن معه
منذراً للنا�س ،م�ص ِّدق ًا لما يقوله .أ�و ُيلقى �إليه كن ٌز من ف�ض ٍة
�أو ذهب ،فلا َيحتاج �إلى َط َلب المعا�ش� ،أو يكون له ب�ستا ٌن
ي�أكل منه .وقال الم�شركون للم�ؤمنين :ما تتبعون أ�يها القوم
-با ّتباعكم مح ّمداً� -إ ّل رجل ًا م�سحوراً.
9انظر -يا محمد -إ�لى ه ؤ�لاء الم�شركين الذين �َش َّبهوا
الت�شبيهات الفا�سد َة واخترعوا ا ألقاوي َل ال�شاذ َة الغريب َة
�إليه في ا آلخرة جزا ًء على �إيمانهم و أ�عمالهم ال�صالحة؟! � 12إذا ر�أ ْت هذه النا ُر �أ�شخا َ�صهم من مكان بعيد،
16له�ؤلاء المتقين في جنة الـ ُخلد ما ت�شتهيه ا ألنف� ُس تغيظ ْت عليهم ،ف�سمعوا لها �صو َت التغ ُّي ِظ من �شدة
وتل ُّذ الأعين ،ماكثين فيها �أبداً ،لا يزولون عنها ،ولا
يزول عنهم نعي ُمها ،وكان هذا العطا ُء و ْعداً م ْن ربك التل ُّهب والتو ُّقد.
13و�إذا ُ�ألقي ه ؤ�لاء المك ّذبون بال�ساعة من النار
حا�صل ًا لا َمحال َة ،والله لا يخلف الميعاد. مكان ًا َ�ض ّيق ًا ،قد ق ِّرنت �أيديهم إ�لى أ�عناقهم في ا ألغلال
د َعوا هنالك على �أنف�سهم بالهلاك الذي ُينهي ما هم
17ويوم َيح�شر اللهُ ه�ؤلاء المكذبين بال�ساعة،
العابدين ا ألوثا َن ،وما يعبدون من دون الله من الملائكة فيه من العذاب.
والإن�س والجن ،فيقول للمعبودين� :أ أ�نتم �أزللتم عبادي
هحتؤ�لىاءتاعهنواطوريهلقكالواحّ ،قَ�أْ،موهدمعالوتذميونه�أمخإ�لطى�ؤاولاغ�ِّسيبيواللال�ضرل�اشلةد 14فيقال لهم على ِج َه ِة الت أ�ْيـي�س وا إلقناط من
النجاة :لا تدعوا اليوم على أ�نف�سكم بالهلاك م ّر ًة
والحق من �أنف�سهم؟ واحد ًة ،بل م ّرات كثيرة ،فما �أنتم فيه من العذاب �أنوا ٌع
18قالت الملائك ُة وعي�سى عليه ال�سلام :تنزيه ًا لك تتقلبون فيها ،ولا نجا َة لكم اليوم مهما دعوتم.
يا ربنا ،وتبرئ ًة مما أ��ضاف �إليك ه ؤ�لاء الم�شركون ،ما كان
ينبغي لنا -ونحن عبادك المطيعون لك -أ� ْن نتخذ ِم ْن 15قل -يا ر�سول الله -له ؤ�لاء المك ِّذبين بال�ساعة:
دونك ِم ْن أ�ولياء نوا ِليهم ،أ�نت ول ُّينا ِم ْن دونهم ،ولكن �أهذه النار -التي َو�صف لكم ر ُّبكم �صف َتها و�صف َة
م َّت ْعتهم ب�أنواع النعم فا�ستغرقوا في ال�شهوات وغفلوا أ�هلها -خي ٌر أ�م جن ُة الـ ُخلد التي يدوم نعي ُمها ولا َيبيد،
عن ذكرك ودلائل وحدانيتك و�شكر �آلائك ،وكانوا التي َوعد بها َمن اتقاه و�أطاعه ِم ْن عباده ،م�صيراً ي�صيرون
قوم ًا َهلكى ،قد َغ َلب عليهم ال�شقاء وال ِخذلان.
19يقول تعالى ُمخبراً ع ّما هو قائ ٌل للم�شركين
عند تب ِّري المعبودين منهم :قد ك َّذبكم �أيها الكافرون
َم ْن زعمتم أ�نهم �أ�ضلوكم ودعوكم إ�لى عبادتهم،
فما َتقدرون اليو َم أ� ْن ت�صرفوا العذاب عن �أنف�سكم
قبل وقوعه ولا �أن تن�صروها �إذا وقع .و َم ْن ي�شر ْك
بالله فيظلم نف َ�سه منكم -أ�يها النا�س -ك َد ْ�أب ه�ؤلاء
الكفرة ُنذقه عذاب ًا كبيراً لا ُيق َدر َق ْدره.
20وما أ�نكر ه�ؤلاء الكفار ِم ْن �أ ْك ِلك -يا محمد-
الطعام ،وم�ش ِيك في ا أل�سواق ،و�أن َت لله ر�سو ٌل! فقد
َع ِلموا أ� ّنا ما �أر�سلنا قبلك ِمن المر�سلين �إ ّل َم ْن كان
كذلك ،فلي�س لهم عليك بما قالوا ُح ّج ٌة .وقد
امتح ّنا � -أيها النا�س -بع َ�ضكم ببع�ض فخالفنا في
المواهب وا ألُعطيات ،لنختبركم ،و َنرى ِفع َلكم ،ور ُّبك
-يا محمد -ب�صي ٌر ِبـ َم ْن ي�صبر ،و ِبـ َم ْن يجزع.
361
وكان ال�شيطان دائم ًا و أ�بداً َخ ُذول ًا ل إلن�سانَ ،ي ْ�صفه عن 21وقال الذين لا يخافون لقاءنا -إلنكارهم البع َث
الحق ث َّم يتر ُكه ولا ين َف ُعه. والح�ساب تع ُّنت ًا وعناداً :-ه ّل �أُنزل علينا الملائك ُة
فتخبرنا أ� ّن محمداً �صادق ،أ�َو نرى َر َّبنا ِعيان ًا في أ�مرنا
30وقال الر�سو ُل مت�ض ّرع ًا و�شاكي ًا لر ّبه :يا ر ِّب �إ َّن بت�صديقه وا ّتباعه .لقد تم ّكن ال ِك ْب من نفو�س ه ؤ�لاء؛
َق ْومي تركوا هذا القر آ�ن بال ُك ِّلية و�ص ّدوا عنه. فتجاوزوا الح َّد في الظلم والطغيان ،واجتر�ؤوا على
31وكما جعلنا لك � -أيها الر�سول� -أعدا ًء من طلب ما لي�سوا له ب�أهل.
الم�شركين ،جعلنا لك ِّل نب ٍّي ِم ْن قبلك عد ّواً ِمن كفار
قومه ،فما �أ�صابك قد أ��صاب ال ُّر�س َل ِم ْن قبلك فا�صبر 22يوم يرى ه ؤ�لاء الكافرو ُن الملائك َة -عند الموت
كما �صبروا ،وكفى بربك -أ�يها الر�سول -هادي ًا إ�لى أ�و البعث كما طلبوا -هو يو ٌم لا خي َر لهم فيه أ�بداً ولا
خير لهم ِم ْن َوراء ر ؤ�يتهم ،ويطلبون ِم ْن َهول ر�ؤيتهم �أن
الح ّق ،ون�صيراً لك عليهم.
يكون بينهم وبين الملائكة حاج ٌز عظيم.
32وقال كفار قري�ش معتر�ضين بما لا طائ َل تحته:
ه ّل ُن ِّز َل على محمد القر آ� ُن ُج ْم َل ًة واحد ًة ،كما نزلت 23و َع َمدنا إ�لى ما عمل الكافرون ِمن ال ِ ِّب والخير
الكت ُب ال�سابقة! ف أ�جاب الله مب ّين ًا ِح ْك َمة ذلك فقال: ف�أحبطناه لعدم إ�يما ِنهم ،فهو ي ؤ�مئ ٍذ ك ُغبا ٍر منثو ٍر الُ يرى
ن ّزلناه مف َّرق ًا لنق ّوي به قلبك � -أيها الر�سول -أ�مام ما
إ�لا في �شعاع ال�شم�س.
تلقاه ،وف ّ�صلنا �آيات ِه تف�صيل ًا عجيب ًا بديع ًا.
24أ�ه ُل الجنة يوم القيامة خي ٌر َم ْن ِزل ًا َي�ستقرون فيه،
و�أح�س ُن مكان ًا َي�ستر ِوحون فيه مع �أزواجهم ،من
ه ؤ�لاء الم�شركين .وهذا ت ُّهك ٌم به�ؤلاء الذين ا�ستكبروا
وتجاوزوا الح ّد في الطغيان؛ �إذ لا خي َر الب َّت َة فيما هم فيه
يومئ ٍذ من العذاب.
25واذكر -أ�يها الر�سول -يو َم تت�ش ّقق ال�سماء
ب�سبب طلوع الغمام منها ،وتنز ُل ملائك ُة ال�سماوات
إ�لى ا ألر�ض فتحيط بالخلائق في المح�َش.
26الـ ُملك الذي هو الملك ح ّق ًا هو للرحمن يومئ ٍذ؛
فلا يق�ضي في هذا اليوم �سواه ،وكان يوم ًا �صعب ًا �شديداً
على الكافرين.
29 - 27وفي هذا اليوم ي َع�ُّض الظالـ ُم لنف�سه
الم�شر ُك بر ّبه على يديه ندم ًا وتح�ُّساً ،يقول :ليتني اتبع ُت
محمداً واتخذت معه طريق ًا �إلى النجاة .ويدعو على
نف�سه بالهلاك ،ويقول متح�ّساً :ليتني لم �أتخذ هذا
الذي َ�أ�ض ّلني عن الحق في الدنيا �صديق ًا وخليل ًا .فقد
�ص َّدني والل ِه عن ا إليمان بعد �إذ جاءني وتم َّكن ُت منه،
362
في الآخرة للظالمين -ب�سبب ظلمهم وكفرهم بالله- 33فلا ي�أتونك -أ�يها الر�سول -ب�س ؤ�ا ٍل عجي ٍب من
عذاب ًا أ�ليم ًاُ مو ِجع ًا. �س ؤ�الاتهم الباطل ِة ،واقتراحا ِتهم الفا�سدة ،إ� ّل أ�جبناهم بما
38و�أهكلنا قو َم عا ٍد وقو َم ثمود لـ ّما ك ّذبوا ُر�سلهم، ير ُّد باطلهم ،وبما هو أَ�ح�س ُن بيان ًا وتف�صيل ًا مما ذكروا.
و�أهلكنا أ��صحاب ال َّر� ِس بتكذيبهم نب َّيهم -وال ّر� ُّس
بئ ٌر عظيمة كانوا يجتمعون حولها ،وقيل غير ذلك- 34و ِم ْن ُق ْبح حا ِل المعاندين للر�سول الم�ض ِّلين عن
�سبيله� ،أنهم ُيح�شرون َم�سحوبين على وجوههم إ�لى
و�أهلكنا ُ�أمم ًا كثيرة بين ه ؤ�لاء لا يعلمهم �إلا الله. جهنم �إهان ًة لهم ،و أ�ولئك �ش ُّر النا�س َمنزل ًا وم�صيراً،
39وك ُّل ه�ؤلاء ال�سابقين ب ّينا لهم الـ ُحج َج وو َّ�ضحنا و�أ�ض ُّلهم طريق ًا عن الر�شاد.
لهم الأد ّلة ،فل ّما �أ�ص ّروا على الكفر د ّمرناهم تدميراً.
36 35ولقد �آتينا مو�سى التورا َة وق ّويناه ب�أخيه
40ولقد َم َّر قو ُمك � -أيها الر�سول -في رحلات هارون ُمعين ًا .فقلنا لهما اذهبا إ�لى فرعون وقو ِمه
تجارتهم إ�لى ال�شام على قري ِة قو ِم لوط التي ُأ�مطر ْت ب آ�ياتنا التي تر�شدهم �إلى الإيمان و ُتقيم الـ ُح ّجة عليهم،
بالحجارة مط َر العذاب -وهي قرية �َس ُدوم� -أفلم فك ّذبوهما بعدما ر�أوا ا آلي َة ِت ْلو ا ألخرى ،فد ّمرناهم إ� ْثر
يكونوا يرونها في أ��سفارهم فيعتبروا بما ح�صل لهم؟!
والذي حا َل بينهم وبين الاتعاظ والاعتبار هو �إنكا ُرهم ذلك تدميراً هائل ًا عجيب ًا.
للبعث والح�سا ِب وعد ُم َتو ُّقع يو ٍم ُيجازون فيه. 37وكذلك قو ُم نوح ك ّذبوا ر�سو َلهم ف�أغرقناهم
بالطوفان ،وجعلنا إ�غرا َقهم ِعبر ًة لمن بعدهم ،و أ�عددنا
42 41و إ�ذا ر آ�ك -أ�يها الر�سول -م�شركو مك َة
ي�ستهز ُئون بك ،ويقولون مته ّكمين وم�ستنكرين :أ�هذا 363
الذي بعثه الله ر�سول ًا ِم ْن بين خلقه؟! ويقولون فيما بينهم:
قد كاد محم ٌد �أن َي�صرفنا بقوة ُح ّجته عن عبادة �آلهتنا،
ولولا �صب ُرنا وثبا ُتنا على عبادتها ل َ�صف َنا عنها .و�س َي ْظهر
له�ؤلاء الكافرين حين يعاينون عذاب الله َم ْن أ�َ ْبع ُد طريق ًا
عن الحق� ،أهم �أم �أنت �أيها الر�سول والم�ؤمنون.
43أ�ر أ�يت � -أيها الر�سولَ -م ْن َج َع َل هواه �إله ًا كيف
يكون حا ُله؟! �أف�أنت تكون عليه حافظ ًا َت َف ُظه من اتباع
هواه؟! ك ّل فل�س َت م�س�ؤول ًا عن ذلك .وفي هذا َت ْيئـي� ٌس
ِم ْن �إيمان َم ْن هذا حاله ،وت�سلي ٌة للنبي وتخفيف
عنه.
�أفله َلاهُتا،طعولككفّناا َركمّرمكنةا فكي بماالبيعثدةع �إولنىكجإ�ليميهع ِم أ�نه الل َاك أل ِّرف�عض،ن 44أَ� َت�سب -أ�يها الر�سول -أ� ّن �أكثر ه ؤ�لاء الم�شركين
�آلهتهم ،وجاهدهم بالقر آ�ن جهاداً لا ُفتور فيه. ي�سمعون ما ُيتلى عليهم �سما َع ت َد ُّب ٍر ،أ�و يعقلون ما
ُيعاينون ِم ْن ُحجج الله فتكون لهم عبرة؟ ك ّل لي�سوا
53واللهُ الذي �أر�سل البحرين؛ الع ْذ َب ال�شدي َد كذلك ،وما هم إ�لا كالأنعام في عدم انتفاعهم بالكلام،
ال ُعذوبة -وهو ماء ا ألنهار -والمال َح ال�شديد الـ ُمـلـوحـة بل هم �أ�سو�أُ حال ًا منها؛ �إذ ا ألنعا ُم تنقاد ل�صاحبها الذي
-وهو ماء البحر -يلتقيان دون أ�ن يبغي ما ُء البحر ُيح�سن إ�ليها ،وهم لا يطيعون ر َّبهم الذي �أنعم عليهم.
على ماء النهر الذي منه حيا ُة كثير من النا�س والحيوان �َ 46 45ألَـ ْم َتنظ ْر �إلى عجيب ُ�ص ْنع ر ِّبك ،كيف
ب َ�سط الظ َّل بقدرته وجعله ممدوداً على كل �شيء من
والنبات� ،إذ جعل بقدرته حاجزاً يف�صل بينهما ،ومانع ًا وقت طلوع الفجر �إلى بزوغ ال�شم�س؟ ولو �شاء أ�ن
لا �سبي َل �إلى َرفعه يمنع اختلاطهما. ي�ستم َّر هذا الظ ُّل ثابت ًا لجعله ثابت ًا دائم ًا لا يزول -كظل
الجنة الذي ُو�صف ب�أنه ظ ٌل ممدو ٌد يتن ّعم فيه �أهلها؛ حيث
�ضعيف ٍة وكهامو �لسبالحِخالنهقةال،ذفيجعخللهققب�قسدمريتنهِ:م ْنذ ُنكوطفراًٍة 54 لا �شم�س حارقة ولا ُظلمة حالكة -ث ّم َجعلنا ال�شم� َس
ُي ْن َ�س ُب �إن�سان ًا بعد �شروقها دليل ًا على وجو ِد الظ ِّل ،فلولا ال�شم�س لما
ُعرف الظ ُّل ،ث َّم أ�زلناه بعد امتداده تدريجي ًا بظهور
إ�ليهم ،و إ�ناث ًا ُي�صا َهر به ّن ،وكان ربك قديراً على خلق �شعاع ال�شم�س �شيئ ًا ف�شيئ ًا .والإ�شارة إ�لى َخ ْل ِق الله تعالى
ما ي�شاء. اللوماهلْمطذ َلاراِا ُقلدظتنفبِّليي ُهوازلجواك ِلمويه ِعندل.ايلم ٌلوك َّلعظفلايهىنُرع�إل َاظلىمخ ِنةطعاالمخِةابلالقللظترِّعل�اسلووىقلدوتر ِة�صاُّرلِفل،هه
55وه�ؤلاء الكافرون لجهلهم و�إنكا ِرهم هذه وجما ِل �صنعه في خلقه.
البراهين يتركون عباد َة الله الخال ِق المنعم ،ويعبدون من 47واللهُ هو الذي َج َع َل لكم -أ�يها النا�س -اللي َل
دونه جمادات لا تنفع ولا ت�ض ُّر ،وكان الكافر معاون ًا ِ�ستراً ت�ستترون بظلمته ،وجعل لكم النوم �سكون ًا وراح ًة
لل�شيطان على مع�صية الله وعبادة غيره. ألبدانكم ،وجعل النهار تنت�شرون فيه ابتغا ًء لرزقكم.
49 48وهو َو ْحده �سبحانه الذي أ�ر�سل بقدرته
الرياح فت�سوق ال�ُّس ُح َب تب�ّش ب ُقرب نزول المطر ،و�أنزلنا
لكم من ال�سماء ما ًء طاهراً غاي َة الطهارة ،و ُم ِّطهراً لكم.
ولنحيي به أ�ر�ض ًا جدباء لا نبات فيها ،ون�سقي به ِم ْن
َخ ْل ِقنا أ�نعام ًا من البهائم ،وب�شراً كثيراً.
50ولقد ق�َّسمنا هذا المطر بقدرتنا بين عبادنا ،فنزيده
في بع�ض البلاد و َننق�صه �أو َننعه �أخرى ،ليتف َّكروا في
ِن َعمنا فيحمدونا ،ف�أ َبى أ�كثرهم إ� ّل جحودها ،و ِق ّل َة
الاك ِتاث ب�ش�أنها.
52 51ولو �شئنا لخ ّففنا عنك � -أيها الر�سول-
�أعبا َء النب ّوة ف أ�ر�سلنا في زمنك في كل قرية ر�سول ًا ُينذر
364
60و�إذا قيل لكفار مكة :اجعلوا �سجودكم
وخ�ضوعكم للرحمن وحده ،قالوا على �سبيل التجاهل
و�سوء ا ألدب والجحود :وما هو الرحمن؟! �أن�سجد
يا محمد ِلـ َما ت�أمرنا بال�سجود له من غير أ�ن نعرفه؟!
وزادهم الأم ُر بال�سجود للرحمن نفوراً من الإيمان.
61تق َّد�س وتعاظم الرحم ُن ،الذي جعل في ال�سماء
مناز َل لكواكبها ،وجعل فيها �شم�س ًا ،وقمراً ُينير ا ألر�ض
�إذا طلع.
62وهو �سبحانه الذي جعل الليل والنهار متعاق َب ْ ِي 56وما �أر�سلناك � -أيها الر�سول -إ� ّل مب�ّشاً بالثواب
بنظا ٍم دقيق ،تذكر ًة لمن �أرا َد �أَ ْن يتذ َّكر فيعل َم �أ ّن الله لم لمن �آمن و�أطاع ،ومنذراً بالعقاب لمن كفر وع�صى.
يخلقهما كذلك عبث ًا فيعتبر� ،أو أ�راد �أ ْن َي�شكر الله على
57قل -أ�يها الر�سول -لقومك :ما �أ�س أ� ُلكم على
ما �أَودعه فيهما من ال ِّنعم وا أللطاف الكثيرة. تبليغ الر�سالة أ�جراً ،ولكن َم ْن �شاء منكم أ�ن ي ّتخذ �إلى
63وعبا ُد الرحمن الذين يم�شون على الأر�ض ب َ�سكين ٍة َم ْر�ضاة ربه �سبيل ًا با إليمان و�سائر ما يق ّربه �إليه فليفع ْل.
ووقا ٍر دون تك ُّ ٍب �أو اختيا ٍل ،و�إذا خاطبهم ال�سفهاء بما
َيكرهون �أجابوا بالمعروف من ال َقول ،الذي لا �إ ْثم فيه 58و�ِ ْس -أ�يها الر�سول -في أ�مورك ك ِّلها متوكل ًا
على الله الح ِّي الذي لا يموت �أبداً ،ف�إنه كافي َك ،ون ّزهه
ولا إ�يذاء. تعالى عما لا يليق بهُ ،م ْثني ًا عليه ب�صفات الكما ِل ،وكفى
64والذين َيبيتون لربهم في �صلا ٍة ُيرا ِوحون بين بر ّبك ب ُذنوب عباده عليم ًا علم ًا تا ّم ًا فيجازيهم بها.
ال�سجود والقيام.
59وهو �سبحانه الذي خلق ال�سماوات والأر�َض وما
66 65وهم مع طاعتهم لله م�شفقون َو ِج ُلون من بينهما في �ستة أ�يام ث ّم ا�ستوى على العر�ش ا�ستوا ًء يليق
عذابه ،يقولون :ربنا �أَ ْب ِعد ع ّنا عذا َب جهنم� ،إ َّن عذابها بجلاله -لا كما يخطر بالأوهام -ذاك هو الرحمن،
دائ ٌم غي ُر ُمفارق َم ْن ُع ِّذب به من الكفار ،ملاز ٌم له فا�س أ� ْل عنه َم ْن هو خبي ٌر به ُيخبرك ،والخبي ُر هو ر ُّبك،
ملازم َة الغري ِم لغريمه .وبئ�ست جهن ُم منـ ِزل ًا و ُمقام ًا. فهو العليم بذاته.
67وهم � -أي عباد الرحمن� -إذا أ�نفقوا أ�موا َلهم 365
لم يجاوزوا الح َّد الذي أ�باحه الله ف ُي�سرفوا ،ولم يبخلوا؛
فيقتروا و ُي�ض ّيقوا ،و�إنما هم َو�َس ٌط بين الإ�سراف وال ّتقتير.
طائعين ،واجعلنا يا ر ّبنا �أُ�سو ًة وقدوة للمتقين يقتدون 69 68والذين هم بخلا ِف �أه ِل الكفر ،يجتنبون
بنا في الخير. المعا�صي؛ فلا يعبدون مع الله إ�له ًا �آخر ،ولكن يو ّحدونه
ويخل�صون له العبادة و ُي ْفردونه بالطاعة ،ولا يقتلون
� 76 75أولئك العباد المو�صوفون بال�صفات الكريم ِة النف� َس التي ح ّرم الله قت َلها� ،إلا ب�سب ٍب ح ٍّق ُيزيل ِع�صم َتها
ال�سابقةَ ،يجزيهم الله في ا آلخرة الدرج َة والمنزل َة الرفيع َة و ُحرمتها ،ولا يزنون؛ بل يحفظون فروجهم إ�لا على
في الجنة ب�سبب �صبرهم على م�شا ِّق الطاعات ،و ُيتل َّقون َم ْن ح َّل لهم ،و َم ْن يفع ْل �شيئ ًا من هذه الكبائر َي ْل َق عقاب ًا
في الجنة بالتحية وال�سلامَ .خا ِل ِدي َن في الجنات العالية ،لا َنكال ًاُ ،ي�ضا َعف له العذا ُب يوم القيامة ،و إ� ْن كان ِم ْن �أهل
يتح ّولون عنها ولا يموتونَ ،ح ُ�سنت تلك ال ُغرفة والمنزلة
ال�شرك ،ف�إ ّنه يخلد في العذاب الم�ضا َعف ذليل ًا حقيراً.
الرفيعة ُم�ستق ّراً لمن ا�ستق َّر بها ،و ُمقام ًا لمن �أقام بها.
70ولك ْن َم ْن تاب ِمن الذنوب التي َفعلها بالإقلاع
77قل -أ�يها الر�سول -للنا�س م�ؤ ِمنهم وكاف ِرهم: والندم عليها ،و آ�م َن �إيمان ًا �صادق ًا ،و أَ�تب َع ذلك الطاعا ِت
لا ُيبالي بكم ربي ،ولا َو ْز َن لكم عنده لولا دعا�ؤكم وا ألعما َل ال�صالح َة ،ف أ�ولئك يمحو الله عنهم �سيئاتهم،
وعباد ُتكم له .فقد ك َّذب ُتم يا �أهل مكة بما دعوتكم �إليه و ُي ْثب ُت لهم مكانها ح�سنا ٍت؛ ِلـما كان منهم ِمن ِ�صدق
من التوحيد والطاعة ،ف�سوف يكون جزا ُء التكذي ِب الإيمان و ُح�سن التوبة ،وكان الله وا�س َع المغفرة والرحمة
ُمقت�ضي ًا لعذابكم وهلا ِككم ،لازم ًا لكم لا َمحال َة. لمن تاب �إليه و�أناب.
366 71و َم ْن تاب مما اقترفه من الذنوب ،وح َّق َق
توب َته بالأعمال ال�صالحة ،فهذا هو الذي تاب �إلى
الله ح َّق التوبة.
72والذين � -أي عباد الرحمن -لا ي�شهدون
ال�شهادة ال ُّزور ،ولا يح�ضرون مجال�س الكذب وال َّلهو
والباطل ،و إ�ذا م ّروا ب�أهل ال َّلغو أَ�عر�ضوا ،ولم يدخلوا
معهم تنـزيه ًا ألنف�سهم عن ذلك.
73والذين إ�ذا ُذ ِّكروا بالقر آ�ن وبما فيه المواعظ وال ِعبر،
لم يتغافلوا عنها ك أ�نهم ُ�ص ٌّم لم ي�سمعوها و ُعم ٌي لم
يروها؛ بل ي�سمعون ما ُي َذ َّكرون به فيفهمونه ،ويرون
الح َّق فيه فيتبعونه.
74والذين ي�س�ألون الله في دعائهم ويت�ض ّرعون �إليه
قائلينَ :ر َّبنا َه ْب لنا بف�ضلك و ُجودك من �أزواجنا
وذرياتنا ما تق ُّر به أ�عي ُننا و ُت�س ّر به نفو�سنا ب�أن نراهم ل َك
العذاب بهم أ� َّن ما كانوا به ي�ستهز ُئون هو الح ّق
ِم ْن ربهم.
� ٨ ٧ألم يتن َّبه ه ؤ�لاء المك ِّذبون الم�سته ِز ُئون إ�لى
عظم ِة الله ،فينظروا إ�لى عجائب الأر�ض كيف أ�خرج
الله منها �أنواع ًا لا ُت�صى من النباتات الكريمة النافعة؟
إ� ّن فيما أ�نبتنا في الأر�ض آلي ًة عظيم ًة على كما ِل قدر ِة
ُمنبتها ،و�سع ِة رحمتهُ ،موجب ًة ل إليمان به ،وما كان �أكث ُر
ه�ؤلاء في ِعلمنا م�ؤمنين لان�صرافهم عن التدبر في هذه
الآيات.
٩و�إ َّن ر ّبك لهو الغا ِلب على أ�مره ،الرحيم ب َخلقه،
ولذلك �أَمهلهم ،ولم يعاجلهم بالعقوبة لعلهم يرجعون
ع ّما هم فيه من ال�ضلال والكفر.
١١ ١٠واذكر -أ�يها الر�سول -ألولئك الم ْع ِر�ضين
حين نادى ر ُّبك مو�سى ،ب�أن ي�أتي قو َم فرعون الذين
ظلموا �أنف�سهم بالكفر والمعا�صي ،ويقول لهم :أ�لا
تتقون عقاب الله.
١٤ - ١٢فقال مو�سى لحر�صه على َناح ر�سالته،
و إ��شفاقه مما َيتوقعه :يا ر ّب إ�ني �أخاف �أن ُيك ِّذبوني، } ١ﭑ{� :سب َق الكلا ُم على هذه الحروف
و�أخاف أ�ن ي�ضيق �صدري بتكذيبهم لي ،ولا ينطلق الـ ُم َق َّطعة في �أول �سورة البقرة.
ل�ساني عند ُمحا َّجتهم ،ف أ�ر ِ�س ْل بوحيك �إلى أ�خي هارون
ليكون معي ر�سول ًا م�ؤازراً .ولهم عل َّي ذن ٌب -وهو ٢هذه الآيات المذكورة في ال�سورة هي آ�يات
القر�آن ،الوا�ض ِح معناه ،الفا�ص ِل بين الحق والباطل.
َقـ ْتـ ُل القبط ِّي خط أ�ً -ف�أخاف أ�ن يقتلوني به.
٣لعلك -أ�يها الر�سولُ -مهل ٌك نف َ�س َك تح�ُّساً على
١٧ - ١٥قال الله لمو�سى :قد ا�ستجبنا لك فلا عدم إ�يمان َم ْن لم ي ؤ�من ِم ْن قومك ،ف�أ�ش ِف ْق على نف�سك.
٤لو �شئنا ألنزلنا ما ي�ضطرهم إ�لى الإيمان ق ْهراً،
َتـ َخـ ْف ،واذه ْب �أنت وهارون م�ؤ َّي َدين بمعجزاتنا ،إ� ّنا
معكما م�ستمعون؛ ف أ�نتما في رعايتنا و ِحفظنا .ف أْ�تيا ولك َّنا لم ن�ش�أ ذلك.
٥و ِم ْن �ُسوء ِفعل ه ؤ�لاء الكفار �أنه ما ي أ�تيهم من
فرعون فقولا له :إ�نا ُمر�َسلان إ�ليك ِم ْن ر ّب العالمين، الرحمن ذك ٌر ي ّجدد لهم الله به موعظ ًة ،إ� ّل ج َّددوا
نب ِّلغك �أ ْم َره أ�ن ُتخلي بني إ��سرائيل ليذهبوا معنا.
�إعرا َ�ضهم وتكذيبهم.
فرعون لمو�سى مق ِّرراً له وممت ّن ًا عليه: قال ١٩ ١٨
ب أ�ن ر َّبيناك في منزلنا طفل ًا؟ ولبث َت في عليك أ�لم ُنـ ْنـ ِعـم ٦فقد ك ّذب قو ُمك � -أيها الر�سول -بالقر آ�ن
َكنفنا �سنين ِع ّدة؟ وفعل َت َف ْع َلتك وهي قتلك رجل ًا قبطي ًا وا�ستهز ؤ�وا بما فيه من الوعيد ،ف�سيعلمون عند نزول
ِم ْن خا ّ�صتي ،و أ�ن َت بذلك من الجاحدين لنعمتي.
367
٢٢ - ٢٠قال مو�سى لفرعون :فعل ُت ذلك و أ�نا
من الـمخط ِئين لأ ّن لم َ�أ َتعمد َق ْتله ،فخرج ُت ِم ْن بينكم
لـ ّما ِخفتكم �أن تقتلوني ،فوه َب لي ربي ُنب ّو ًة ،وجعلني
من المر�سلين .وكيف تـ ُمـ ُّن عل َّي يا فرعون تربي َت َك
ف�أ ّي ُة وتقتيلهم، قومي ا�ستعبا ُدك �س َب َبها كان إ�ياي ،وقد
ِم َّن ٍة هذه؟!
٢٣قال فرعون م�ستفهم ًا ا�ستفها َم �إنكا ٍر :و َم ْن هو
هذا الذي تزعم �أنه ر ُّب العالمين؟!
٢٤قال مو�سى :ر ُّب العالمين هو مالك ال�سماوات
وا ألر�ض وما بينهما ،ف�إن كنتم موقنين ب�شيء ِمن
ا أل�شياء ،ف إ�يما ُنكم بهذا الخالق العظيم �أَ ْولى بالإيقان.
٢٥لـ ّما لم يجد فرعو ُن جواب ًا قال للم أل حوله مه ِّيج ًا
لنفو�سهم� :أ َل ت�سمعون فتعجبون مما يقول مو�سى من
توحي ِده للآلهة و�أ ّن لكم �إله ًا غيري؟!
٣٣ ٣٢ف�ألقى مو�سى ع�صاه فتح ّول ْت ثعبان ًا ٢٦قال مو�سى ر ّداً على تع ُّج ِب فرعون وزياد ًة في
ظاهراً ،و�أخ َرج يده ِم ْن فتحة قمي�صه ،ف�إذا هي بي�ضاء البيان :ر ُّب العالمين هو الذي خلقكم ،وخلق �آباءكم
الأ ّولين� ،أي :فكيف َتتركونه و َتعبدون مخلوق ًا مث َلكم؟!
تتلأ ُأل للحا�ضرين.
٣٥ ٣٤قال فرعون أل�شراف قومه الذين كانوا ٢٧فقال فرعون لقومه م�ش ِّكك ًا� :إ ّن مو�سى لمجنون،
حوله� :إ ّن مو�سى ل�ساح ٌر بار ٌع ،يريد أ�ن َيغلبكم على يقول ما لا يقوله العقلاء.
�أر�ضكم ،في أ�خ َذ البلاد منكم ،ف أ��شيروا عل َّي فيه ،ماذا
٢٨قال مو�سى مك ِّمل ًا لجوابه غي َر حاف ٍل باتهام
�أ�صنع به؟ فرعون له :ر ُّب العالمين هو الخالق والمت�ص ِّرف في �شروق
٣٧ ٣٦قال الم ُأل لفرعونَ :أ� ِّخر �أم َر مو�سى و أ�خيه، ال�شم�س وغروبها ،وفيما يقع بينهما من ا ألحوال ،ف�إ ْن
وا ْبعث �ُ َش َطك و أ�عوانك في مدائن مملكتك و�أقاليم كنتم من �أهل العقل َع ِلمتم َم ْن هو ر ُّب العالمين الذي
دولتك يجمعون لك ك َّل ُمي ٍد لفنون ال�سحر علي ٍم به. �أدعوكم لتوحيده وعبادته.
٣٨ف ُج ِمع ال�سحر ُة لـ ُمـنـا َزلـ ِة مو�سى في وقت
ال�ضحى ِمن يوم ال ِّزينة الذي يتف َّرغ فيه النا�س من ٢٩قال فرعون لمو�سى مه ّدداً له :لئن �أقرر َت بمعبو ٍد
�سواي لأجعل ّنك واحداً ممن عرف َت حا َلهم في �سجوني.
أ��شغالهم.
٣٩وقيل للنا�س :با ِدروا إ�لى الاجتماع. ٣٠قال مو�سى لفرعون� :أتجعلني من الم�سجونين،
ولو جئتك بب ِّين ٍة عظيم ٍة ت�شهد ل�صدقي؟
368
٣١قال فرعون لمو�سى :ف أ� ِت بهذا البرهان الوا�ضح
إ� ْن كنت من ال�صادقين في َد ْعواك.
٤٨ ٤٧وقال ال�سحرة عند �سجودهم :آ�م َّنا بر ِّب
العالمين ،الذي هو ر ُّب مو�سى وهارون.
٤٩قال فرعون لل�سحرة في غرور منكراً عليهم:
�أ�ص ّدقتم بمو�سى و أ�قررتم له قبل أ�ن آ� َذ َن لكم بذلك؟ وقال
لل�سحرة م�ش ّكك ًا النا� َس في �صدق �إيمانهم :إ� ّن مو�سى
هو رئي�ُسكم في ال�سحر ،ف�أنتم ُم َتواط ُئون معه ،فل�سوف
تعلمون و َبا َل ما َف َعلتم ،ألق ِّطع َّن �أيد َيكم و�أرجلكم
ألُاليَ�صَدِّلب ّنالكيممن أ�ىجممععين ا.ل ِّرجل َق ْطعها ،ف أ�قط ُع ُمخالف ًا في
عك�س ذلك ،ثم الي�سرى� ،أو
٥١ ٥٠فقال ال�سحرة لفرعون :لا ُنبالي بما َتو ّعدتنا
به َف َ�سنتح ّمله �صابرين ،ف�إ ّنا �إلى ربنا راجعون وهو مجازينا
على إ�يماننا و َ�ص ْبنا� .إ ّنا َنطمع �أن يغفر لنا ر ُّبنا خطايانا
التي كنا عليها قب َل ا إليمان بهِ ،لكوننا �أ َّول الم�ؤمنين ِم ْن
قومنا بالحق الذي جاءنا به مو�سى.
�أن في َغ ِّيه َتادى فرعون �ِ ْس٥٢ببنيو�أ�إ َم�سْررناائيملولي�سل ًاى�إلبعىد ِجأَ� ْهنة
ِم ْن م َّت َبعون البحر؛ لأنكم
فرعون وجنوده ِلير ُّدوكم ،و�س أ�ق�ضي فيهم ق�ضائي. ٤٠رجا َء أ�ن ن َّتبع ما ي�ؤيده ِ�سح ُر ال�َّسحرة ِمن �إبطا ِل
دي ِن مو�سى �إن كانوا هم الغالبين.
٥٣ف أ�ر�سل فرعو ُن حين أُ�خبر بم�سير بني �إ�سرائيل في
َمدائن م�صر رجال ًا يجمعون جن َده. ٤١فل ّما جاء ال�َّسحر ُة فرعو َن قالوا :أ� إ� َّن لنا لجزا ًء
وا ِفراً إ� ْن كنا نحن الغالبين؟
٥٦ - ٥٤وقال فرعون لجنده بعد اجتماعهم لديه:
٤٢قال فرعون لل�َّسحرة :لكم ذلك إ�ن َغلبتم،
إ� ّن بني إ��سرائيل طائف ٌة قليل ٌة ،وهم مع ِقلتهم يفعلون ما و�ستكونون من المق َّربين لد ّي.
يغيظنا ،ونحن قوم عاد ُتنا ال َّتيق ُظ والحذ ُر وا�ستعما ُل
٤٣قال مو�سى لل�َّسحرة بعد أ�ن خ ّيوه أ�يّهما يبد�أ:
الـ َح ْزم. ابد�ؤوا ف أ�ل ُقوا ما ت�ستطيعون إ�لقا َءه ِمن و�سائ ِل� سحركم.
٤٤ف�ألقى ال�َّسحر ُة حبا َلهم و ِع�ص َّيهم ،وقالوا واثقين
م ٧ن٥حد-ائ َق٥٩وب�فس َأ�ات ْخي ََرنجوناعيفور ٍنعوتجَنروقيوب َاملمهابءقودرختنزاائونَم أ��مشيوَئ ِاتنٍلا
كانوا َينعمون بها ،وم�ساك َن ح�سن ٍة و ِعي�ش ٍة َرغيد ٍة. ُم ْق�سمين بعظمة فرعون� :إ ّنا لنحن الغالبون.
وكما �أخرجناهم أ�ورثنا بني �إ�سرائيل خيرات مثلها ٤٥ف�ألقى مو�سى ع�صاه فتح ّول ْت ح ّي ًة حقيقي ًة تبتلع
بال�شام. ب�سرع ٍة ما �أتى به ال�سحر ُة ِمن الخداع وال ّتخييل.
٤٦ف َخ َّر ال�سحر ُة �ساجدين لله لـ ّما تب َّي أ�ن ما جاءهم
٦٠فل ّما خرج مو�سى و َم ْن معه ليل ًا� ،سار فرعو ُن
وجنوده َخ ْلفهم م�سرعين ف َل ِحقوا بهم في وق ِت به مو�سى ح ٌّق لا َيقدر عليه �إلا الله.
إ��شرا ِق ال�شم�س. 369
٧٧ - ٧٥قال إ�براهيم لهم� :أف�أ َب ْ�صتم ما كنتم ٦١فل ّما َت َقارب الجمعان ور�أى ك ُّل واحد منهما
تعبدونه أ�نتم و�آبا ؤ�كم ا ألقدمون ح َّق الِإب�صار؟ ف إ�ني ا آلخر ،قال �أ�صحا ُب مو�سىَ� :س ُيدركنا َج ْم ُع فرعون،
بري ٌء منهم ألنهم عد ٌّو لي يوم القيامة �إ ْن عبد ُتهم ،ولك َّن
ولا طا َقة لنا بهم.
ر َّب العالمين الذي أ�عبده هو و ِل ِّيي في الدنيا والآخرة.
٨١ - ٧٨ر ُّب العالمين هو الذي خلقني ،والخال ُق ٦٢قال مو�سى لقومه :ك ّل ،لن يدر َككم َج ْم ُع
هو الذي يد ّبر �أمر خلقه؛ بيده َو ْح َده الهداي ُة فيهديني فرعون أ�بداً ،و إ� َّن معي ربي �سيهديني إ�لى �سبيل النجاة.
إ�لى ال ُّر�شد وبيده الرز ُق فهو ُيطعمني و َي�سقيني ،وبيده
َج ْل ُب ال�شفاء ف�إذا مر�ض ُت فهو الذي ي�شفيني ،وبيده ٦٣ف�أوحينا �إلى مو�سى أ� ْن ي�ضرب بع�صاه البح َر؛
الإمات ُة وا إلحياء ،فهو الذي يميتني ثم ُيحييني مرة أ�خرى ف�ضربه؛ فان�ش َّق ووقف ما ُء ك ِّل ِ�ش ٍّق �ساكن ًا كالجبل العظيم
يوم البعث والح�ساب ،وهو َو ْحده الذي أ�طمع َأ� ْن يغفر
لي ذنوبي يوم أ�لقاه ،فلذلك كان وحده الم�ست ِح ُّق للعبادة. عن يمي ِن وي�سا ِر طري ٍق ياب� ٍس ال ماء فيه.
٨٣ ٨٢قال إ�براهيم داعي ًا ربه :ر ِّب َه ْب لي علم ًا
وا�سع ًا م�صحوب ًا بعم ٍل �صالح ،و أ�ل ِحقني في جنت َك ٦٤و َق َّر ْب َنا هنالك فرعو َن وقو َمه �إلى البحر وج َّر ْ�أناهم
حتى اقتحموه َخ ْلف مو�سى وقومه.
بعبادك ال�صالحين الذين ر�ضي َت عنهم ور�ضوا عنك.
٦٦ ٦٥و أ�نجينا مو�سى و َم ْن معه ِم ْن فرعون وقو ِم ِه
370 و ِمن الغرق ب ِح ْف ِظ البح ِر على تلك الهيئة ُ -م ْنح ِ�ساً عن
طري ٍق ياب� ٍس -إ�لى �أن َع َبوا ،و�أغرقنا ا آلخرين ب إ�طباق
البح ِر عليهم.
٦٨ ٦٧إ� َّن فيما َق َ�ص�صنا عليك -أ�يها الر�سول-
من أ�مر مو�سى وفرعون لآي ًة عظيمة تد ُّل على قدرة الله
وتدعو �إلى إ�خلا�ص العبادة والطاعة له ،ومع ذلك فلم
ي�ؤمن بما جاء به مو�سى إ�لا عدد قلي ٌل ،و�إ َّن ر َّبك لهو
العزيز المنتقم من �أعدائه الرحي ُم ب�أوليائه .وفي هذا َت�سلي ٌة
للر�سول ووعي ٌد لمن ع�صاه.
٧١ - ٦٩وا ْت ُل -أ�يها الر�سول -على قومك َخ َ َب
�إبراهي َم و�ش أ�نه العظيم ،حين قال ألبيه وقومه وهو ُيب ِّي
�أ َّن ما يعبدونه لا ي�ستحق العبادة� :أ ّي �شيء تعبدون؟
ف�أجابوه :نعبد أ��صنام ًا ف ُن ِقيم على عبادتها ُطول النهار.
٧٣ ٧٢ف�س أَ� َل إ�براهي ُم قو َمه فقال :هل ت�سمعكم
هذه الأ�صنام عندما تدعونها� ،أو ينفعونكم ب�شيء� ،أو
ي�ض ّرون؟ ف إ�ذا كانوا عاجزين عن َج ْل ِب نف ٍع �أو دفع ُ� ٍّض؛
فلا َو ْج َه لعبادتكم لها.
٧٤قالوا :هذه الآلهة لا َت�سم ُعنا ولا تنف ُعنا ولا َت�ض ُّرنا،
و إ�نما عبدناها تقليداً آلبائنا.
ينقذونكم من العذاب؟ �أو ينت�صرون ألنف�سهم؟
٩٥ ٩٤ف ُج ِمعت الأندا ُد المعبود ُة من دون الله،
ووجأُ�َمله ْقّننوماكفاينجهومااا يهععًةمب ِدتوْلاولَنوه�ضماجل،ومافن ُعط،ةِر،و َمح ُمعنبهعكمِّب ُ�يضنجهمميع ُلععل�أىعىوواب ِعجنو��إبهضليه�فمي،س
من الج ّن والإن�س.
٩٨ - ٩٦فل ّما ُف ِعل بهم ذلك ،قال الغاوون
متح�ّسين: وهم َيخت�صمون جميع ًا في جهنم آللهتهم
إ� ّياكم بر ِّب كنا في �ضلا ٍل وا�ضح وق َت ت�سويتنا تالل ِه إ�ننا
العالمين في ا�ستحقاق العبادة.
١٠٢ - ٩٩وقال الغاوون وهم في جهنم :ما �أ�ض ّلنا
عن اتباع ال ُهدى إ� ّل المجرمون من ال�شياطين وال ُك َباء
والر ؤ��ساء .ولي�س لنا اليوم ِم ْن �شفيع ي�شفع لنا ،ولا
�صدي ٍق و ُدو ٍد قري ٍب يهمه �أم ُرنا ،فلي َت لنا َر ْج َع ًة �إلى
الدنيا فنكون من الم ؤ�منين.
� ١٠٤ ١٠٣إ ّن فيما ق�ص�صنا عليك � -أيها الر�سولِ -م ْن ٨٤وا ْج َعل لي يا ر ّب ِذكراً َجميل ًا و أ�ثراً كريم ًا في ا ألمم
نب�ِإ إ�براهيم ،وما ي�ؤول إ�ليه ُع ّبا ُد ا أل�صنام لحج ًة وعظ ًة لمن التي تجيء بعدي.
�أراد أ� ْن ي�ستب�صر ويعتبر ،وما كان �أكثر م�شركي مكة بعد
�سماع ما َق�ص ْ�صنا عليك بم ؤ�منين ،و إ� ّن ربك لهو القادر ٨٥و َ�أ ْن ِع ْم عل َّي في الآخرة ب�أن تجعلني من عبادك
الذين ُتورثهم بف�ضلك جن َة النعيم.
على تعجيل الانتقام ،الرحي ُم بالإمهال.
٨٦وام ُن ْن على �أبي ب�إيما ٍن وتوب ٍة تغفر له بهما ،ف�إنه
١٠٨ - ١٠٥ك ّذب ْت قو م نو ح جمي َع ر �سل ا لله ، مم ْن �ض َّل عن طريق الحق.
بتكذيبهم أ�خاهم نوح ًا ،لـ ّما قال لهم� :أ َل تتقون عقاب
الله بتر ِك عبادة غيره ،إ�ني لكم منه ر�سول ،و أ�نا م ؤ� َتـ َمن ٨٩ ٨٧ولا ُت ْل ِحق بي أ� َّي ِخز ٍي و َه َوا ٍن يو َم ُيبعث
عندكمَ ،فا َّت ُقوا اللهَ و�أ ِطي ُعوني فيما آ�مركم به و أ�دعوكم الخلائ ُق للح�ساب ،يوم لا ينفع النا� َس فيه ما ٌل ف ُي ْف َدو َن
به ،ولا بنون ف َيدفعون عنهم ،ولك ّنهم ينتفعون ب�إخلا�ص
إ�ليه من ا إليمان.
قلوبهم لعبادتك ،و�سلام ِتها ِمن ال�شرك والنفاق.
١١٠ ١٠٩وما أ�طل ُب منكم نفع ًا لنف�سي على دعوتي ٩١ ٩٠و ُقـ ِّربت الجن ُة يـوم القيامة للطائعين بحيث
لكم للإيمان ،وما َأ� ْجري إ� ّل على ر ِّب العالمين ،ف�إذا يرونها ل ُي�َ ُّسوا ،و�أُظهرت الجحي ُم للكافرين ال�ضالين عن
َع َرفتم ذلك ،فاتقوا الله و�أطيعوني. �َسواء ال�سبيل.
١١١قال قو ُم نوح له� :أ ُن َ�ص ِّدقك يا نوح فيما تقول ٩٢وقيل للكافرين الغاوين َت ْقريع ًا وتوبيخ ًا :أ�ين ما
ون ّتبعك والحا ُل أ�ن أ�تبا َع َك ِمن فقراء النا�س و�أق ِّلهم كنتم تعبدون ِم ْن دون الله ِمن الأ�صنام وا ألنداد؟ هل
جاه ًا و َقدراً؟! 371
ِلـ َما لا تحتاجونه ولا ينفعكم ،وتبنون مجام َع عظيم ًة ١١٣ ١١٢ف�أجاب نو ٌح قو َمه قائل ًا :وما ِقيمة علمي
للمياه م�ؤ ِّملين الخلو َد في هذه الدنيا ك�أنكم لا تموتون، ب�أحوالهم ومراتبهم وبما كانوا يعملونه ،حتى �أهت َّم
و إ�ذا �ضربتم �أحداً في حالة الغ�ضب �أفرطتم وبا َلغتم في بمعرفته� ،إ ّنا عل َّي أ�ن �أدعوهم و أَ�قبل منهم �إيما َنهم ،ولي�س
ا ألذى والظل ِم و َف َعلتم في ذلك ِفع َل الج ّبارين .فاتقوا الله ح�سا ُبهم وجزا ؤ�هم �إ ّل على ربي وحده ،لو كنتم ِم ْن
في ذلك ،و�أطيعوني فيما �أدعوكم �إليه ف إ�نه �أنفع لكم. �أهل ال�شعور والفهم.
١٣٤ - ١٣٢واحذروا �َس َخ َط الله الذي �أعطاكم ما
َتعلمون من أ�نواع ال ِّنعم ،فقد �أم ّدكم با ألنعام -وهي ١١٥ ١١٤وما أ�نا بطارد َم ْن آ�من ِبي وا ّتبعني إ�ر�ضا ًء
ا إلبل والبقر والغنم -التي هي أ�ع ُّز أ�موالكم ،وبالأولاد لكم وطمع ًا في �إيمانكم ،فما �أنا إ� ّل نذي ٌر مو ِّ�ض ٌح ما أ�مرني
ليكونوا ق ّو ًة لكم ،وبالب�ساتين العامر ِة ،وبالعيون ال َع ْذبة
الله تعالى ب�إبلاغه �إليكم.
التي تنتفعون بمائها العذب.
١١٦قالوا مه ِّددين بعد انقطاع ُح ّجتهم :يا نوح لئن
١٣٥إ� ّن أ�خاف عليكم �إ ْن تماديتم في المع�صية ،عذا َب لم َتنت ِه ع ّما تقول لتكون َّن من المقتولين رمي ًا بالحجارة.
يو ٍم عظي ٍم. ١١٨ ١١٧قال نوح :يا ر ِّب إ� ّن قومي أ��ص ّروا على
تكذيبي ،ولم ُيجيبوا دعائي ،فاحك ْم بيني وبينهم
١٣٦قالت عا ٌد لر�سولهم :ي�ستوي عندنا وع ُظ َك حكم ًا َف ْ�صل ًاُ ،تهلك به الـ ُمب ِط َل وتنتقم به ممن كفر بك،
وعد ُمه ،فنحن لا ُنبالي بما تقول.
ونـ ِّجني و َم ْن معي من الم�ؤمنين من ذلك العذاب.
372 ١٢٠ ١١٩فا�ستجبنا لنوح ف أ�نجيناه و َم ْن معه من الم�ؤمنين
في ال ُفلك المملو َء ِة ب�أنواع المخلوقات التي َح َملها معه،
ثم �أغرقنا الباقين ِم ْن قومه.
١٢٢ ١٢١إ� ّن في ق�صة نوح َلدلال ًة على أ�ن الله لا
يق ُّر المكذبين لر�سله ،وما كان �أكث ُر م�شركي مكة بعد
ما ُذ ِّكروا بها بم�ؤمنين ،و�إ ّن ر ّبك لهو القاهر لأعدائه
الرحيم ب�أوليائه.
١٢٦ - ١٢٣ك ّذبت قبيلة عاد المر�سلين بتكذيبهم
�أخاهم في ال َّن�سب هوداً ،لـ ّما قال لهم� :ألا تتقون عقا َب
الله بتر ِك عباد ِة غيره و إ�جاب ِة ر�سوله ،إ�ني لكم منه ر�سول،
و أ�نا م�ؤ َتـ َمن عندكمَ ،فا َّت ُقوا الله و أ� ِطي ُعوني فيما آ�مركم به
و�أدعوكم إ�ليه من الإيمان.
١٢٧وما �أطلب منكم على تبليغ الدعوة جزا ًء ولا ثواب ًا،
وما جزائي وثوابي الذي �أطلبه �إلا على ر ِّب العالمين.
� ١٣١ - ١٢٨أ ُت َ�ش ِّيدون بكل مكا ٍن مرتفع بنا ًء عجيب ًا
عبث ًا ل َّلهو وال َّلعب والتفاخر ،ف َت�ص ِرفون ق َّوتكم و ِه ّمتكم
١٤٥وما �أطل ُب منكم على �أمري �إياكم باتقاء الل ِه جزا ًء ١٣٨ ١٣٧وقالوا� :إ َّن ديننا وما ِع ْب َته علينا ما هو �إ ّل
ولا ثواب ًا ،وما جزائي وثوابي الذي أ�طلبه �إلا على ر ّب عاد ُة ا أل َّولين ،ونحن بهم مقتدون ،وما نحن بمع َّذبين
العالمين. على ما نحن عليه من الأعمال.
١٤٩ - ١٤٦أ�تظ ُّنون �أنكم َم ْتوكون فيما أ�نتم فيه من ١٤٠ ١٣٩ف أَ��ص َّر بذلك قو ُم هود على تكذيبه،
خيرات� ،آمني َن من عقاب الله وعذابه و�أنتم على ُكفركم ف أ�هلكناهم بري ٍح بارد ٍة عاتي ٍة� ،إ ّن في ذلك لعبر ًة وعظ ًة
و�شرككم متن ِّعمين في ب�ساتين ،وعيو ٍن َع ْذبة الماء، لقومك � -أيها الر�سول -وما كان �أكث ُرهم بعد ما ُذ ِّكروا
وزرو ٍع كثيرة متنوعة ،ونخ ٍل َطل ُعها دقي ٌق ل ّ ٌي ُتخرج بها بم�ؤمنين ،و إ� ّن ر ّبك لهو القاهر ألعدائه الرحيم
�أجو َد التمر و أ�طيبه ،وتن ِحتون في قوة ون�شا ٍط من الجبال
ب�أوليائه.
بيوت ًا حاذقين متقنين لها؟! ك ّل.
َ ١٤٤ - ١٤١ك ّذب ْت قبيلة ثمود المر�سلين بتكذيبهم
١٥٢ - ١٥٠فاتقوا عقاب الله يا قومي بطاعتي فيما أ�خاهم في ال َّن�سب �صالح ًا ،إ�ذ قال لهم� :أ َل ت ّتقون عقاب
أ�دعوكم �إليه ،ولا تطيعوا أ�مر ُكبرائكم الم�سرفين في الله بتر ِك عباد ِة غيره و�إجاب ِة ر�سوله ،إ�ني لكم ر�سول
الكفر والطغيان ،الذين َت َّح�ضوا للف�ساد ،فهم يف�سدون من الله �أر�سلني �إليكم ،و�أنا �أمين عندكم م ؤ�تـ َم ٌن على
ر�سالة ربي ،فاتقوا عقاب الله و أ�طيعوني فيما آ�مركم به
في ا ألر�ض ولا ي�صلحون.
و أ�دعوكم إ�ليه ِمن الإيمان بالله ،وطاعة� أمره.
� ١٥٤ ١٥٣أجاب قو ُم �صالح ر�سو َلهم فقالوا :ما �أنت
إ� َل ممن �ُس ِحروا ،حتى َغ َل َب ال�سح ُر على عقلهم ففقدوا 373
ُر�ش َدهم .ما أ�نت يا �صالح إ� ّل َب�شر مثلنا ول�س َت بر�سول،
ف أ� ِت ب ُح ّجة وعلامة تد ُّل على �صدقك في دعوى
الر�سالة إ� ْن كنت من ال�صادقين.
١٥٦ ١٥٥فدعا �صالح ر َّبه ف�أخرج لهم ناق ًة من
�صخرة كما اقترحوا ،وقال :هذه ناق ٌة �آي ٌة لكم ،لها َن ْوبة
من الماء في يوم ،ولكم َن ْوبة ،لي�س لكم �أن ت�شربوا في
يومها ،وهي لا ت�شرب في يومكم ،ولا ت َم�ُّسوها ب�سوء
فيح ّل عليكم عذا ٌب في يوم عظيم َهوله.
١٥٧فنحروا الناقة ،ف أ��صبحوا نادمين على ذلك لـ ّما
ر�أوا �أ َمارات العذاب.
١٥٩ ١٥٨فنزل بهم العذاب الذي ت َو ّعدهم به نب ُّيهم،
�إ َّن في ذلك لعبر ًة لقومك � -أيها الر�سول -وما كان
�أكث ُرهم بعد ما ُذ ِّكروا بها بم�ؤمنين ،و إ� َّن ربك لهو المنتقم
من �أعدائه ،الرحيم بمن آ�من به واتقاه.
أ�كث ُرهم بعد ما ُذ ِّكروا بها بم ؤ�منين ،و إ� ّن ربك -أ�يها ١٦٣ - ١٦٠ك َّذبت قو ُم لو ٍط المر�سلين حين ك ّذبوا
الر�سول -لهو العزيز الغالب على َ�أ ْمره الرحيم بعباده. نب َّيهم لوط ًا الذي ا�ستوطن بلا َدهم ،إ�ذ قال لهم� :ألا
تخافون عذاب الله ،إ� ّن لكم منه ر�سول ،و�أنا �أمين
١٧٩ - ١٧٦ك َّذب �أ�صحاب الأر�ض الـ ُم ْل َت َّف ِة �أ�شجا ُرها على ر�سالته ،فاتقوا عقابه بطاعتكم لي ،واتبعوني فيما
المر�سلين -وكانت ب�ستان ًا قرب مدين ذا �شج ٍر كثيف-
حين قال لهم نب ُّيهم �ُشعيب :أ� َل تتقون الله فتو ِّحدوه أ�دعوكم �إليه ِمن توحيده و َت ْر ِك الظلم والفواح�ش.
وتطيعوه� ،إني لكم ر�سو ٌل منه �أمي ٌن على َو ْحيه ،فاتقوا
١٦٤وما �أطل ُب منكم على تبليغ ر�سالة ربي جزا ًء
عقاب الله و أ�طيعوني َتر�ُشدوا. ولا ثواب ًا ،وما جزائي وثوابي الذي أ�طلبه �إلا على ر ّب
١٨٠وما أ�طلب منكم على تبليغ ر�سال ِة ر ّبي أ�جراً ،وما العالمين ،ف�إذا َع َرفتم ذلك فاتقوا الله و�أطيعوني.
�أجري �إ ّل على ر ِّب العالمين.
َ ١٦٦ ١٦٥أ� َت َط ؤ�ون ال ُّذكو َر من بني آ�دم ،و َتتركون ما
١٨٣ - ١٨١أَ�وفوا النا� َس حقو َقهم في الكيل ،ولا خلق الله لكم ِمن الن�ساء لا�ْس ِتمتا ِعكم وتنا�ُس ِلكم!؟ ف أ�نتم
تكونوا من الـ ُم ْن ِق ِ�صي َن له ،و ِزنوا إ�ذا وزنتم بالميزان
العدل ،وال تنق�صوا النا�س �شيئ ًا من حقوقهم ،ولا تطغوا قو ٌم متجاوزون الح َّد في المع�صية وال ُعدوان.
في الأر�ض مف�سدين بالقتل و َق ْطع الطريق وارتكا ِب
١٦٧قال قوم لوط :لئن لم َت ْنت ِه يا لوط عن َل ْو ِمنا و َن ْه ِينا
الموبقات. عما نفعل ،لتكـون ّن من الـ ُمـخـ َرجـين المطـرودين ِم ْن
374 قريتنا.
١٦٨فل ّما ر أ�ى لوط �أنهم لا يرتدعون ع ّما هم فيه تب ّر�أَ
منهم ،وقال :إ�ني ِل َعملكم من الـ ُم ْب ِغ�ضين غاي َة ال ُبغ�ض.
١٧٢ - ١٦٩فدعا لوط ربه قائل ًا :ر ِّب نـ ِّجني و�أهلي
من عقوب ِة ما يعملونه ،فن َّجيناه و�أه َل بيته و َم ْن تا َبعه على
دينه �أجمعين ب�أن �أخرجناهم ِم ْن بينهم عند ُم�شا َرف ِة حلو ِل
العذا ِب� ،إ ّل امر أ� ًة عجوزاً هي زوج لوط -وكانت كافرة
را�ضية بفعلهم -ق َّدرنا �أن تكون مع الباقين في العذاب،
ثم �أهلكنا ا آلخرين ِم ْن قوم لوط �أ�ش َّد الإهلا ِك ،وذلك
ب أ�ن َق َل ْبنا بهم قريتهم فجعلنا عا ِل َيها �ساف َلها.
١٧٣و�أَمطرنا عليهم مطراًغي َر َم ْعهو ٍد ،وهو حجارة من
نار ،فما أ�َ�ْسو أ�َ مطر الذين َ�أنذرهم لوط فلم ي�ستجيبوا له.
١٧٥ ١٧٤إ� ّن في ذلك العذاب وما ق�ص�صناه ِمن ق�ص ِة
قوم لوط َل ِعظ ًة وعبر ًة لقومك -أ�يها الر�سول -وما كان
و ُب ُرودتها ،ف أَ� ْل َه َبها الله عليهم ناراً ف�أحرقتهم جميع ًا. ١٨٤وا ّتقوا عقا َب ر ِّبكم الذي َخ َلقكم و َخ َلق الأمم
� ١٩٠إ ّن فيما ق�ص�صنا عليك -أ�يها الر�سولَ -ل ِعظ ًة قبلكم.
و ِعبرة لقومك ،وما كان أ�كثرُهم م ؤ�منين ،و إ� َّن ربك لهو
١٨٥ف�أجاب القوم �شعيب ًا في �سفاه ٍة وغرور� :إنما �أنت
العزيز المنتقم من �أعدائه ،الرحيم بعباده الم ؤ�منين. من الذين �ُس ِحروا حتى َغلب ال�سح ُر على عقولهم ،فلا
� ١٩٥ - ١٩٢إ ّن هذا القر�آن لهو تنزيل ر ِّب العالمين، يدرون ما يقولون.
نزل به الروح الأمين جبريل ب�أمر الله على قلب َك � -أيها
النب ُّي -لتكون ِم َن المر�َسلين الذين ُينذرون أ�قوامهم ،ن ّزلناه ١٨٧ ١٨٦وما �أنت إ� ّل ب�شرٌ مثلنا ،و َم ْن كان كذلك
عليك بل�سا ٍن عرب ٍّي ف�صي ٍح وا�ض ِح المعنى يفهمه قومك. ت ّدعيه ،ف إ�ن أ�نك كاذ ٌب فيما ظ ّننا و أَ� ْغل ُب بنب ٍّي، فلي�س
١٩٦و�إ َّن ِذ ْك َر هذا القر آ� ِن و َت ْ�ص ِدي َقه َلفي الكت ِب من العذاب من ال�سماء ِقطع ًا علينا ف َ�أ�س ِق ْط �صادق ًا كنت
المتق ِّدمة كالتوراة والإنجيل وال َّزبور. ُتهلكنا بها.
١٩٧أ� َولي�س يكفي قوم َك -أ�يها الر�سول� -شاهداً ١٨٨قال لهم �شعيب :ربي أ�علم بما تعملون ِمن الكفر
على أ�ن القر آ�ن ح ٌّق و أ�نه تنزيل ر ِّب العالمينَ� ،أ ْن َيعل َم والمعا�صي ،ولي�س �أ ْم ُر العذاب إ�ليَّ.
ال�صادقون ِم ْن علماء بني إ��سرائيل �أنه َم ْذكور في كتبهم،
١٨٩فتما َدوا و أ��ص ُّروا على تكذيب �شعيب ،ف�أخذهم
و�أنه م�ص ِّد ٌق ِلـ َما معهم؟ عذا ٌب ب�سحاب ٍة �أظ َّلتهم ،بعد �أن �س ِّلط الله عليهم الح َّر
أ�يام ًا ،فل ّما ر أ�وا ال�سحابة تج َّمعوا تحتها َي�ستر ِوحون بظ ِّلها
١٩٨ولو ن َّزلنا هذا القر�آن ب ُح َج ِجه و َن ْظمه الرائق
المع ِجز على بع�ض ا ألعاجم الذي َيجهل لغ َة العرب،
ف�ضل ًا �أن َي ْقدر على َن ْظم مثله فقر أ�ه على ك ّفار قري�ش
قراء ًة �صحيح ًة وا�ضح ًةَ ،لـ َجحدوه وما كانوا به
م ؤ�منين ،وذلك ل َفرط عنادهم.
٢٠٣ - ١٩٩كذلك َأ� ْدخلنا القر آ�ن في قلوب المجرمين
من أ�هل ال�شرك ،ففهموه وعرفوا إ�عجازه ،لا ي�ؤمنون
به -ب�سبب جحودهم وعنادهم -رغم �إيقانهم
ب إ�عجازه حتى يروا العذا َب الأليم ،في أ�تيهم العذاب
فج أ� ًة ،فيقولون :هل ُن َهل لن ؤ�من ونطيع؟
٢٠٤أ�َ َب َل َغ به�ؤلاء المجرمين الغرو ُر والحم ُق أ�ن
ي�ستعجلوا بعذابنا؟!
َ ٢٠٦ ٢٠٥و َه ْب -أ�يها الر�سول -أ� ّنا م ّتعناهم في
الدنيا �سني َن بت�أخير آ�جالهم ،ثم أ�تاهم العذاب الذي
كانوا يوعدونه.
375
التي يلقونها �إلى الكهنة كذ ٌب ،حيث ي�ض ّمون إ�لى ما � ٢٠٧أ ّي �شيء أ�َ َغنى عنهم طو ُل تمتعهم في دف ِع العذا ِب
ي�سمعون في ال�سماء كذب ًا كثيراً. أ�و تخفيف ِه!! لم ُي ْغن عنهم �شيئ ًا.
٢٢٧ - ٢٢٤وال�شعرا ُء يتبعهم في باطلهم و َي�ستح ِ�سنه ٢٠٨وما �أهلكنا أ�ه َل قري ٍة من القرى التي ق�ص�صنا
منهمال�سفها ُءوال�ضالونلموافقته َهواهم،فهم َو َم ْنيتبعهم
مذمومون ،أ�لم َت َر أ�نهم يخو�ضون في ك ِّل وا ٍد من أ�ودية عليك -أ�يها الر�سول� -إلا بعد �إنذارهم وا إلعذا ِر إ�ليهم
الكلا ِم و ُفنونه وغيرهاَ ،م ْدح ًا وذم ًا ورثاء بح ٍّق وبغير ب إ�ر�سال الر�سل وتكذي ِبهم لهم.
ح ّق ،متق ِّلبين ح�سب أ�هوائهم ،و أ�نهم يقولون َف َعلنا،
و َف َعلنا وهم َك َذب ٌة في ذلك ،و ُي�ستثنى منهم فئة ِمن ال�شعراء ٢٠٩هذه ِذكرى لكم يا َمع�شر قري�ش ،وما ُك َّنا ظالمي َن
هم �صادقون ،وهم الذين آ�منوا وعملوا ال�صالحات ،ولم �أحداً ممن أ�هلكناهم.
َي�شغلهم ال�ِّشع ُر عن ذكر الله ،وانت�صروا ب ِ�شعرهم للح ّق
بعد ما ُظ ِلموا ،و�َس َيعلم الذين ظلموا أ�نف َ�سهم بالكفر ٢١٣ - ٢١٠وما تنزل ْت بالقر�آن على ر�سولنا محم ٍد
والتكذيب ،وظلموا غي َرهم بالاعتداء عليهم واتهامهم ال�شياطي ُن كما تزعمون ،وما ي�ص ُّح وما ُيت�صور ِمن
بالباطل �أ َّي َمرج ٍع من َمراجع ال�سوء يرجعون إ�ليه ،إ�نه �أ�صحاب هذه النفو�س الخبيث ِة ذلك وما ي�ستطيعونه
أَ� ْ�صل ًا ،إ�نهم عن الا�ستماع له في ال�سماوات لمحجوبون
النا ُر التي ال انفلا َت لهم عنها ،وبئ�س القرار! بال�ُّشهبَ .فلا َتعب ْد � -أيها الر�سول -مع الله معبوداً
آ�خر َف َت ُكو َن ِم َن المع َّذبين .وفي هذا ر ٌّد لقول الم�شركين
للنبي : اعبد �إل َهنا �سن ًة ونعبد إ�لهك �سنة.
٢١٦ - ٢١٤وابد ْأ� � -أيها الر�سول -بتحذير قرابتك
الأقربين ،أ� ْن ينز َل بهم العذا ُب ب�سبب كفرهم .و�َأ ِل ْن
جان َب َك وتل ّط ْف بمن اتبعك من الم�ؤمنين ،ف إ�ن َع َ�صتك
قراب ُتك فلم يتبعوك بعد أ�ن أ�نذرتهم ،فقل� :إني بريء مما
تعملون ِم ْن عبادة غير الله.
٢٢٠ - ٢١٧وتث َّب ْت � -أيها الر�سول� -أمام ما �ستلاقيه
منهم بتو ُّك ِلك وتفوي�ِض �أمرك إ�لى الله العزيز الرحيم،
الذي يراك حين تقوم إ�لى ال�صلاة َو ْح َد َك ،ويرى تق ُّل َبك
مع ال�ساجدين في �صلاتهم معك راكع ًا و�ساجداً وقائم ًا،
إ�نه هو ال�سميع لتلاوتك وذك ِرك العلي ُم بن ّيتك وما ُتخفيه.
٢٢٣ - ٢٢١هل �أُن ِّبـ ُئكم -أ�يها النا�س -إ�نبا ًء مح ّقق ًا
على َم ْن تتنزل ال�شياطين؟ تتنزل على كل ك ّذاب ،كثير
الإثم ِمن ال ُكهان و أ��شباههمُ ،يلقون على آ�ذانهم ما
يت�سمعونه من ملائك ِة ال�سماء ،و أ�كث ُر أ�قوال ال�شياطين
376
ُيذ ُّلهم وي ؤ�لمهم ،وهم �أ�ش ُّد النا�س خ�سران ًا في الآخرة. } ١ﭒﭑ{� :سب َق الكلا ُم على هذه الحروف
الـ ُمق َّطعة في أ�ول �سورة البقرة .هذه الآيات العظيمات
٦و�إنك � -أيها الر�سول -لت�ؤ َتى القر�آ َن و ُت َل ّقاه وحي ًا المنزلة في هذه ال�سورة هي آ�يات القر�آن العظيم ال�ش�أن،
من عند حكي ٍم بتدبير َخ ْلقه ،علي ٍم بكل �شيء. و�آيا ُت كتا ٍب مبي ٍن لا َتخفى دلالته على ما ُ�أودع فيه من
٧واذكر � -أيها الر�سول -ق َّ�صة مو�سى حين قال ال ِحكم وا ألحكام.
لزوجته في َم�سيره ِم ْن َم ْدي َن إ�لى م�صر :إ�ني أ�ب�صر ُت ناراً
من بعيد �س آ�تيكم منها بخبر يد ّلنا على ال َّطريق ،أ�و �آتيكم ٢وهي �آيا ٌت تهدي �إلى �صرا ٍط م�ستقيم و ُت َب�ّش
ب ُح�سن الجزاء للم�ؤمنين بها ،المو�صوفين ب أ�نهم ي ؤ�دون
ب�ُشعلة نا ٍر َ�أقتب�سها ِلت�ستدف ُئوا بها من البرد. ال�صلا َة على َو ْجهها ا ألكمل ،وي ؤ�تون الزكاة التي ُك ِّلفوا
بها ،وهم يوقنون بالدار ا آلخرة ،وما فيها من ح�سا ٍب
٨فل ّما و�صل مو�سى إ�لى النار ،ابتد أ� اللهُ و ْح َيه �إليه
بالتح َّية ،فنودي ب�أ ّن الله بارك َم ْن في مكان النار و َم ْن وجزا ٍء ح َّق ا إليقان.
حولها ،يعني مو�سى عليه ال�سلام والملائكة الحا�ضرين،
و�سبحان الله ر ِّب العالمين الذي يفعل ما ي�شاء ،المن َّزه ع ّما � ٥ - ٣إ ّن الذين لا ي ؤ�منون با آلخرة ،و آ�ثروا
ال�ضلال َة على ال ُّر�شد ،ز ّينا لهم �أعما َل �شر ِكهم الظاهر َة
لا يليق به. والباطن َة فر�أوها ح�سن ًة ،فهم يترددون في �ضلالهم
متحيرين� ،أولئك لهم في الدنيا �أ�ش ُّد أ�نواع العذاب الذي
١١ - ٩يا مو�سى� :إ ّن الذي يك ِّل ُمك هو الله،
العزيز ،الذي ك ُّل �شيء تح َت قدرته و َقهره ،الحكي ُم في 377
جميع أ�مره .و أ�ل ِق يا مو�سى ع�صاكُ ،لأر َيك من آ�يات
قدرتي وت�أييدي لك ،فلما أ�لقاها ور آ�ها تح ّول ْت حي ًة
عظيم ًة تتحرك بخ ّفة كحركة الحية التي ُت ْعرف بالجا ّن،
و ّلى ُم ْدبراً ِمن الخوف ولم يلتفت ،فناداه الله :يا مو�سى
لا تخ ْف مما ترى ولا ِم ْن غيره ،ف أ�نت ر�سولي ،و�إني لا
يخاف لد َّي المر�سلون ألني أ�حفظهم و أ�َع ِ�صمهم ،ولكن
َمن َظ َل َم ِمن عبادي ثم تاب بعد ُظلمه ،ف�إني غفور �أغفر
له و�أرحمه .وهذه طم�أن ٌة ِمن الله لمو�سى بتب�شيره بقبول
توبته مما وقع منه ِم ْن َق ْتل القبط ِّي خط أً�.
١٢و أ�د ِخ ْل يا مو�سى ي َدك في فتحة قمي�صك ،تخرج
بي�ضاء منير ًةِ ،م ْن غير �سوء كب َر�ٍص ونحوه ،وهاتان
المعجزتان هما في �ضمن ت�س ِع معجزات ن�ؤيدك بها ،في
إ�ر�سالك إ�لى فرعون وقو ِمه ،إ�نهم كانوا قوم ًا خارجين
عن الحدود كفراً و ُعدوان ًا.
١٣فل ّما جاءت فرعو َن وقو َمه ُح َج ُجنا و�أد ّل ُتنا على
�ص ّحة ما دعاهم إ�ليه مو�سى وا�ضح ًة ب ِّين ًة ،قالوا :هذا
�سح ٌر وا�ض ٌح.
١٤وك َّذ َب فرعو ُن وقو ُمه بهذه الآيات ،وقد عل َم ْت
أ�ن ُف�ُسهم علم ًا يقيني ًا أ�نها ح ٌّق ولي�ست �سحراً ،ظلم ًا من
�أنف�سهم ،وتر ُّفع ًا وا�ستكباراً عن ا ّتباع الح ّق ،فانظر
-أ�يها الر�سول -كيف كان عاقب ُة أ�م ِر ه�ؤلاء المف�سدين
من الإغراق في البحر ،الذي هو ِعبر ٌة لمن يعتبر.
وعلى والد َّي ،و�ألهمني أ�ن �أعمل في بق ّية عمري �صالح ًا ١٥ولقد �آتينا داو َد و�سليمان علم ًا عظيم ًا من عندنا،
تر�ضاه ،و�أدخلني برحمتك في جملة عبادك ال�صالحين فقد ع َّلمناهما �شرائ َع الدين و أ��صول الـ ُحكم ،وغي َر ذلك
مما ُخ�َّص به ك ُّل واحد منهما ،وكانا بما ع ّلمناهما من
الذين كتب َت لهم تمام النعمة والفوز بالجنة. العاملين،وقالااعتراف ًابوا�سعف�ضلناوعظيمنعمتنا:الحمد
٢٢ - ٢٠و َتف َّقد �سليما ُن �أحوال الطير فلم َي َر ال ُهده َد لله الذي ف ّ�ضلنا بما �آتانا على كثير ِم ْن عباده الم�ؤمنين.
فيما بينها ،فقال :ما ليَ لا أ�رى ال ُهدهد؟ أ�يحجبه ع ّني
�شي ٌء يمنعني ِم ْن ر ؤ�يته� ،أم هو غائب؟ فل ّما تح ّقق �أنه ١٦واخترنا �سليما َن للملك والنب ّو ِة بعد �أبيه داود
غائب ،قال :ألعذب ّنه عذاب ًا �شديداً أ�و ألذبح ّنه ليكون دون �سائر �أبناء داود ،وقال �سليمان لبني إ��سرائيل� :إ ّن
ِعبر ًة ألمثاله� ،أو لي�أتي ّني ب ُح ّج ٍة تب ّي ُعذره .فمك َث
الهده ُد بعد َت َف ُّق ِد �سليمان وتو ُّع ِده زمن ًا غير طويل ،ثم الله تف ّ�ضل علينا بف�ضائل غير ما �أورثنا من الملك والنب ّوة
جاء ف ُعو ِت َب فاعتذر ل�سليمان بان�شغاله بمعرفة �أم ٍر مهم، ب�أ ْن ع َّل َمنا َف ْه َم المراد ِم ْن �أ�صوات الطير ،و آ�تانا ِم ْن ك ِّل
قائل ًا :لقد أ� َحط ُت بما لم ُتط به علم ًا ،وجئتك ِم ْن مدينة �شي ٍء نحتا ُج إ�ليه في ديننا ودنيانا� ،إ ّن هذا لهو الف�ضل
�سب أٍ� بخب ٍر عظي ِم ال�ش�أ ِن َع ِل ُمته يقين ًا. وا إلح�سان الوا�ضح من الله.
١٨ ١٧و ُجمع ل�سليما َن في َم�سي ٍر له ِم ْن ك ِّل مكان
جنو ُده من الجن وا إلن�س والطير الذين �س ّخرهم الله له،
فهم لكثرتهم ُي َك ُّفون و ُي ْدفعون عن التق ُّد ِم والتفرق ِة بين
يديه ،لي�سيروا بانتظام ،حتى �إذا أ�توا على وا ٍد كثي ِر النمل،
قالت نملة :يا أ�يها النمل ادخلوا بيو َتكم لئلا يهلك ّنكم
�سليما ُن وجيو�شه ب أ�قدامهم َو ُهم لا ي�ْشعرون بكم.
١٩ف َ�س ِمع �سليما ُن قول النمل ِة فتب�َّس َم �ضاحك ًا متع ّجب ًا
ِم ْن َح َذرها واهتدائها لم�صالحها ون�صيحتها للنمل،
و َفرح ًا بظهور َع ْد ِله ،وقال :ر ِّب أ�لهمني �أن �أ�شكر
نعمتك التي أ�نعم َت عل َّي من النب ّوة والملك والعلم،
378
٢٨ ٢٧قال �سليمان للهدهد� :سننظر ونختبر � ٢٣إ ّن وجد ُت امر�أ ًة تحكم �أهل �سب�أ ،وهي ِب ْل ِقي�س،
و�أو ِت َي ْت من كل �شيء يحتاج إ�ليه الملوك للتمكين ،من
لنعر َف �أ�صدق َت في �إخبارك هذا �أم أ�نت من الكاذبين. ثرا ٍء و ُع ّد ٍة وعتا ٍد وغيرها ،ولها عر� ٌش كبير عظيم القدر.
اذه ْب � -أيها الهدهد -بكتابي هذا ف أ�لقه إ�لى ِب ْل ِقي�س
وقومها ثم تن َّح عنهم �إلى مكان قري ٍب تتوارى فيه ٢٤وجد ُت هذه الملكة وقو َمها ،ي�سجدون لل�شم�س
ليكون تحاو ُرهم ب َم�ْس َم ٍع منك ،فانظ ْر ما الذي ي ُر ّدونه فيعبدونها ِم ْن دون الله ،وزيّن لهم ال�شيطا ُن أ�عمال
كفرهم ،ف�ص ّدهم هذا التزيي ُن عن ال�سبيل الحق ،فهم لا
من الجواب.
يهتدون �إليه.
٣١ - ٢٩قال ْت ِب ْل ِقي�س بعد ما ُ�ألقي إ�ليها الكتاب
ل ُكبراء مملكتها و�أهل م�شورتها :يا أ�يها الم أل إ�ني �أُلق َي ٢٥وهذا التزيي ُن من ال�شيطان أل ْج ِل �أ ّل ي�سجدوا لله
إ�ليَّ كتا ٌب كريم من �سليمان ،و�إ ّن م�ضمونه :ب�سم الله الذي ُيخرج المخبو َء في ال�سماء والأر�ض ِم ْن مط ٍر ونبا ٍت
الرحمن الرحيم� ،أ ّل تتكبروا عل َّي كما تفعل جبابرة وغيرهما رزق ًا لعباده ،ويعلم ما تخفون في أ�نف�سكم،
الملوك ،و�أق ِبلوا إ�ليَّ منقادين لدين الله م ؤ�منين بما جئت
وما تعلنون ب�أل�سنتكم ،فلا يغيب عن علمه� شيء.
به.
٢٦الله الذي لا معبود بح ٍّق غيره هو الم�ست ِح ُّق وحده
٣٢قال ْت ِب ْل ِقي�س طالب ًة الم�شورة :يا �أيها الم ألُ أ�جيبوني للعبادة وال�سجود ،وهو ر ُّب العر�ش العظيم الذي لا
في هذا الأمر العظيم الذي �أه ّمني ،فما كن ُت ألق�ضي
ُيداني عر�َشه �أ ُّي عر�ش و�إ ْن َع ُظم.
�أمراً إ�لا ب َمح َ� ِضكم وم�شورتكم.
379
� ٣٣أجاب الملأ ِب ْل ِقي�س فقالوا :نحن �أهل َعدد و ُع ّدة،
و�أهل ب أ�� ٍس �شديد في الحرب ،وا ألم ُر مو َك ٌل إ�لي ِك
فانظري ماذا ت أ�مريننا به من القتال أ�و الم�صالحةُ ،نطع ِك
ولا نخالف ر أ�يك.
٣٥ ٣٤قالت ُم ؤ�ْ ِثر ًة لل�ِّسلم مح ّذر ًة ِم ْن عاقبة
مواجهة �سليمان بالقتال� :إ ّن �ش�أن الملوك �إذا دخلوا
قري ًة معمور ًة ُعنو ًة وقهراً خ َّربوها ،و أ�هانوا �أ�شرافها
ور ؤ��ساءها ،فجعلوهم �أذل ًة ،وهذه عادتهم التي لا تتغير،
و إ�ني �س�أبعث إ�لى �سليمان بهد ّي ٍة نفي�سة ،ف إ� ْن كان ملك ًا
�أر�ضيناه بذلك و ُكفيناه ،و�إ ْن كان نب ّي ًا لم ير�َض �إ ّل �أَ ْن
نتبعه ،و�إ ّن منتظرة الر َّد الذي يرجع به ُر�سلي.
ك�أنه عر�شي ،فلم َتزم ب أ�نه عر�ُشها لاحتمال أ�ن يكون ٣٦فل ّما جاء ر�سو ُل ِب ْلقي�س �إلى �سليما َن بهديتها ،قال
مثله ،ف�أنب�أ ْت بذلك عن ُو ُفور عقلها ،ف َع ِل َم �سليما ُن ب أ�نها له �سليمان منكراً ومو ّبخ ًا :أ�تمدنونني بما ٍل ل َت ْ�صفوني عن
�أوتي ْت علم ًا ،وقال تح ُّدث ًا بنعم الله عليه وعلى آ�بائه: دعوتي لكم �إلى طاعة الله؟! ك ّل ،فما �آتاني الله من النب ّوة
و أ�وتينا العل َم ا ألو�س َع وا ألنف َع ِم ْن قبلها ،وك ّنا م�سلمين والملك العظيم خي ٌر و أ�و�سع مما �آتاكم الله من المال ،ولا
لله وحده ،و�ص َّدها عن الم�سارعة �إلى الإ�سلام العاد ُة التي أ�فرح بهديتكم ،و إ�نما أ�نتم تفرحون بما ُيهدى �إليكم؛
كانت عليها ،وهي عباد ُة غير الله ،و ألنها ن�ش�أ ْت في قو ٍم
ألنكم �أهل ُمفاخرة بالدنيا و ُمكاثرة بها.
كافرين وا�ستمر ْت على دينهم.
٣٧وقال �سليمان لر�سول الملكة :ارج ْع �إليهم بما
٤٤وقيل ل ِب ْلقي�س لترى �آي ًة أ�خرى :ادخلي الق�ص َر، أ�تي َت من الهدية ،فلن أ�تي ّنهم بجنو ٍد لا طاق َة لهم بها،
فل ّما أ�رادت الدخول ر�أ ْت أ�ر َ�ضه ما ًء يتم ّوج ،فك�شف ْت ولنخرج ّنهم من بلدتهم أ�ذ ّل ًة وهم مهزومون مهانون،
عن �ساقيها لتخو�ض فيه ،فقال لها �سليمان� :إنه َ� ْص ٌح
ِم ْن زجا ٍج أ�مل�س �صا ٍف تحته ماء ،ف َبهرها ذلك ،وقالت: �إ ْن لم ي�أتوني م�سلمين.
ر ِّب إ�ني ظلمت نف�سي بما كنت عليه من الكفر ،ودخل ُت
٤٠ - ٣٨فل ّما َع ِلم �سليما ُن أ�نها �س َتح ُ�ض عنده هي
في دين �سليمان ،م�سلم ًة لله ر ِّب العالمين. وقومها� ،أراد �َأ ْن يريها بع�ض ما خ ّ�صه الله به ،مما ي�شهد
ل�صحة نب ّوته ،فقال للحا�ضرين ِم ْن ُكبراء جنده من الج ِّن
380 والإن�س� :أيُّكم ي أ�تيني بعر�شها قبل �أن ي�أتوني طائعين؟
قال مار ٌد من الجن� :أنا �آتيك بعر�شها قبل �أن تقوم ِم ْن
مجل�سك هذا ،و�إ ّن على الإتيان به لقو ٌّي� ،أمي ٌن عليه.
قال الذي عنده عل ٌم من الكتاب� :أنا �آتيك بعر�شها قبل
َأ� ْن يرت ّد �إليك َج ْف ٌن عينك ،فل ّما ر أ�ى �سليما ُن العر� َش
م�ستق ّراً عنده بهذه ال�سرعة ،قال :هذا ِم ْن ف�ضل ربي
ليمتح َن ِني �أ�أ�شكره على نعمه اعتراف ًا ب أ�نها مح�ُض ف�ض ٍل
منه ،أ�م أ�جحد ف�ض َله ،و َم ْن ي�شك ْر ف إ�نما يرجع نف ُع �شك ِره
لنف�سه ،و َم ْن كف َر النعمة بترك �شكرها ف�إ ّن ربي غن ٌّي عن
�ُشكره ،كري ٌم ينعم على عباده مع جحودهم وكفرهم.
٤١قال �سليما ُن لبع�ض جندهَ :غ ِّيوا لها هيئ َة عر ِ�شها،
لنرى �أتهتدي إ�لى معرفته �أَ ْم لا .و إ�نما �أراد �سليمان -عليه
ال�سلام -بذلك �أن يختبر عق َلها و ِد ّقة ملاحظتها.
٤٣ ٤٢فل ّما جاء ْت ِب ْلقي�س �إلى �سليمان ،وعر�ض
عليها العر�ش ،قيل لها :هل عر�شك مثل هذا؟ قالت:
٤٩ ٤٨وكان في مدينة �صالح عليه ال�سلام -وهي ٤٥ولقد �أر�سلنا �إلى ثمود أ�خاهم في الن�سب �صالح ًا،
مدينة ال ِح ْجر -ت�سع ُة رجا ٍل من ُعتاة القوم ور ؤ��سائهم، داعي ًا إ�ياهم �إلى عبادة الله وحده ،فل ّما أ�تاهم افترقوا �إلى
تم َّح�ضوا للإف�ساد في هذه المدينة ،فلا ُيخالط عم َلهم فريقين ،م�ؤمن به وكافر ،ك ُّل فري ٍق منهم يجادل عن
�صلا ٌح ،قال بع ُ�ضهم لبع�ض :احلفوا بالله فيما بينكم،
َل ُنبا ِغت َّن �صالح ًا و�أهله ليل ًا فنقتلهم ،ثم لنقول َّن لوليِّ َد ِمه نف�سه م ّدعي ًا �أنه على الح ِّق دون الفريق ا آلخر.
ِم ْن قرابته إ�ذا ا ّتهمنا �أ ّنا قتلناه :ما َح َ� ْضنا قتلهم ،ف�ضل ًا
عن تولِّينا ذلك ،ونحل ُف �إ ّنا ل�صادقون .وكان ذلك ٤٦قال �صالح للفريق المك ِّذ ِب به متل ّطف ًا ومتر ّفق ًا:
بعد عقرهم الناقة ،و إ�نذار �صالح -عليه ال�سلام -لهم يا قوم ِلـ َم كلما دعوتكم �إلى الإيمان تبادرون �إلى �س ؤ�ال
العذاب وا�ستعجال العقوبة التي ت�سو ؤ�كم ،وت�ؤ ِّخرون
بالعذاب. التوبة التي تجلب لكم ال�سلامة والنجاة؟! ه ّل ت�ستغفرون
الله وتتوبون �إليه من ال�شرك ،كي ُترحموا فلا تع َّذبوا !
٥٠ود ّبروا �إهلا َك �صال ٍح و�أهله تدبيراً خف ّي ًا مح َكم ًا،
وجازيناهم بمكرهم ف أ�هلكناهم فج�أ ًة ،وهم لا ي�شعرون ٤٧قال المك ِّذبون ل�صالح -عليه ال�سلام :-إ� ّنا
ت�شاءمنا بك وبمن �آمن معك -وذلك �أنه �أ�صابهم َق ْح ٌط
بما د َّبرنا. فت�شاءموا بهم -فقال �صالح لهم� :إ ّن الذي أ��صابكم هو
ِم ْن عند الله ب�سبب �سوء عملكم ولي�س ب�سببي و�سبب
٥٣ - ٥١فانظر -أ�يها الر�سول -وت�أ ّم ْل فيما انتهى �أتباعي ،والحقيق ُة �أنكم قو ٌم يفتنكم ال�شيطان بو�سو�ست ِه
�إليه أ�م ُر ه ؤ�لاء المف�سدين ،لقد أ�هلكناهم إ�هلاك ًا �شديداً،
ود ّمرنا جمي َع قومهم الذين كفروا بنب ِّينا �صالح ،فتلك و إِ�غوائ ِه لي�ص ّدكم عن ا إليمان.
بيوتهم خالية ،مته ّدمة ب�سبب ظلمهم� ،إ ّن في ذلك لعبر ًة
عظيمة وعظ ًة �سقناها لقوم يعلمون .و أ�نجينا مع نبينا 381
�صالح الذين آ�منوا به وكانوا ي ّتقون اللهَويخافون عذابه.
٥٤واذك ْر نب ّينا لوط ًا ،إ�ذ قال لقومه -وهم �أهل �َسدوم
بال�شام -مو ِّبخ ًا لهم ومن ِكراً عليهم� :أت أ�تون هذه ال ِفعل َة
المتناهي َة في ال ُف ْح�ِش -وهي إ�تيان الذكور في �أدبارهم-
وتفعلون ذلك َع َلن ًا في ناديكم ،و أ�نتم تعلمون علم ًا
يقين ّي ًا أ� ّن ما تفعلون يخالف مقت َ�ضى العقل والفطرة؟!
٥٥وقال لو ٌط لهم م�ؤ ِّكداً �إنكاره وم ِّكرراً توبيخه:
أ� إ�نكم لت أ�تون الرجال لا�شتهائكم لهم وهم لي�سوا
مح ّ ًل للفعل ولا للا�شتهاء ،وتتركون الن�ساء اللاتي
هن مح ُّل ذلك؟! بل �أنتم �سفهاء ماجنون ،قد ف�سد ْت
عقولكم وانحرف ْت فطرتكم ف�صرتم ت�ستطيبون الخبائث
و ُت�ْؤ ِثرونها على ال ّطيبات.
ال َع ْذب والما ِلح فا�صل ًا مانع ًا من اختلا ِط ما ِء أ�ح ِدهما ٥٦فما كان جوا َب قومه حين نهاهم عن تلك
بالآخر؟ �أهناك �شري ٌك مع الله في إ�بداع ذلك في�ستح ّق الفاح�شة ودعاهم إ�لى الله �إلا �أن قالوا :أَ�خ ِرجوا
العباد َة معه؟ ك ّل ،بل أ�كثرهم لا يدركون ُبطلان ما هم لوط ًا و أ�تباعه ِم ْن قريتكم إ�نهم أ�نا�س يتن َّزهون عن
عليه من ال�شرك مع تمام ظهوره. �أفعالنا الفاح�شة.
َ ٦٢بل ا�س أ�لهمَ :م ْن الذي ُيجيب دعاء َم ْن نزلت به ٥٧ف أ�نجينا لوط ًا و�أه َله ِمن العذاب الواق ِع بالقوم �إ ّل
ِ�ش ّدة ِمن �شدائد الزمان أ�لج أ� ْته �إلى الدعاء والت�ض ّرع، امر أ�ته حكمنا عليها �أنها هالكة مع الهالكين الباقين في
ويك�شف ما َيعتري ا إلن�سا َن مما ي�سو�ؤه من المر�ِض والفق ِر العذاب؛ ألنها كانت َعون ًا لهم على �أفعالهم ال�شنيعة
والـ َجو ِر وغير ذلك ،ويجع ُلكم خلفاء في الأر�ض جيل ًا
بعد جيل؟ أ��إل ٌه مع الله الذي ُيفي�ض على الخلق هذه را�ضي ًة بها.
النعم ال ِج َ�سام يمكن �أن يعطيكم مث َلها؟ ك ّل ،ولكنكم لا
٥٨و�أمطرنا عليهم حجار ًة من طين ُمتح ِّجر ُم ْهل ٍك،
تتذكرون �إلا قليل ًا. فبئ�س مط ُر الذين لم َيقبلوا الإنذار.
� ٦٣أَ ْم َم ْن يهديكم بالنجوم في ظلمات الب ِّر والبحر
ليل ًا ،وبعلاما ٍت في ا ألر�ض نهاراً؟ و َم ْن ير�سل الرياح ٥٩قل � -أيها الر�سول :-الحم ُد لله على ما أ�َ ْنعم به
علام ًة مب�ّش ًة بالمطر الذي هو ِم ْن رحمته؟ �أمعبو ٌد مع الله عليك من أ�نواع النعم ،و�سلا ٌم على الر�سل وا ألنبياء
يفعل ذلك؟ تعالى الله وتن َّزه بذاته المنفر ِدة با أللوهية عن وال�صالحين ِمن عباده -ومنهم أ��صحاب محمد
ا�صطفاهم ب�صحبته -ثم قل لم�شركي قومك ته ُّكم ًا
وجود� شري ٍك له. و َت�سفيه ًا لر أ�يهم و إ�لزام ًا لهم بالـ ُح ّجة :آ�لله الم�ست ِح ُّق
وحده للعبادة خي ٌر أ�م ما ت�شركون معه من ا أل�صنام التي
382
لا َتلك نفع ًا ولا �ض ّراً؟
٦٠ثم ب ّي الله تعالى بطلا َن أ�ن يكون مع الله �إل ٌه ُيعبد،
و�أنه تعالى الم�ست ِح ُّق للعبادة وحده إ�ذ هو وحده الخال ُق
الراز ُق المن ِع ُم ،فقال تعالى لر�سولهَ :بل ا�س�أ ْلهمَ :م ْن خلق
ال�سماوات وا ألر�ض وما فيهما؟ و َمن َ�أنزل لكم من
ال�سماء ما ًء ف�أنب َت به ب�ساتين ذات ُح�ْس ٍن و َر ْونق َيبته ُج
به الناظرون؟ لي�س في ملككم ولا َم ْقدوركم أ�ن ُتنبتوا
أ��شجارها الوا ِرفة ال ِّظلال المختلف َة ا ألنواع والثمار� ،أ�إل ٌه
مع الله يفعل ذلك في�ستح ّق �أن ُيعبد؟ ك ّل ،بل هم
قوم َيحيدون عن الحق والا�ستقامة ،بت�سويتهم بين الله
ع ّز وج ّل وبين خلقه في العبادة.
َ ٦١بل ا�س أ� ْلهمَ :من الذي َج َع َل الأر�ض مه ّي�أ ًة لي�ستق َّر
عليها الإن�سا ُن والدوا ُّب و�سا ُئر ا ألحياء ،وجعل خلالها
�أنهاراً جارية ينتفعون بها ،وجعل لها جبال ًا ثواب َت
تمنعها ِم َن الا�ضطرا ِب ب أ�هلها ،وجعل بين البحرين
و ِ�صنا تراب ًا مختلط ًا بتراب ا ألر�ض ،و�صار آ�با ؤ�نا تراب ًا َ� 64أ ْم َم ْن ُين�شئ الخل َق ثم ُيعيده بعد الموت بالبعث،
كذلك� ،أ إ�نا لمبعوثون ِم ْن قبورنا �أحياء؟! و َم ْن يرزقكم من ال�سماء بالماء ،ومن الأر�ض بالنبات؟
�أ إ�ل ٌه مع الله يفعل ذلك؟ قل :هاتوا ُح ّج َتكم �إ ْن كنتم
68وقالوا :لقد ُو ِعدنا �أننا �س ُنبعث بعد الموت
للح�ساب والجزاء ،و ُوعد �آبا�ؤنا هذا الوعد نف َ�سه من َق ْب ِل �صادقين في دعواكم أ� َّن مع الله �إله ًا �آخر.
محمد ،ولم َنـ َر له حقيق ًة ،وما هذا الذي ُينب ُئنا به محمد
من البعث بعد الموت والح�ساب إ�لا م ْأ�خوذ من �أحاديث 65قل -يا ر�سول الله -لمن ي�س�ألك من الم�شركين
عن ال�ساعة متى هي :لا َيعلم أ�ح ٌد ممن في ال�سماوات
الأ ّولين و�أكاذيبهم. وا ألر�ض الغي َب -وهو ما �أخفى الله علمه عن العباد-
69قل يا ر�سول الله له�ؤلاء المك ِّذبين� :سيروا في ولكن الله هو المتف ِّرد ِب ِعلم ذلك ،وما ي�شعرون متى
الأر�ض؛ فانظروا ب أ�ب�صاركم ،وتف ّكروا بعقولكم ،على
أ� َّي ِة حا ٍل كانت عاقب ُة الكافرين الأ ّولين ،وما ح َّل بهم من ُيبعثون من القبور.
عقوبات ر ّبانية؟ ف إ� ّن في م�شاهدة عاقبتهم ما فيه كفاي ٌة 66بل َتلا َح َق وتتاب َع عل ُم م�شركي مكة ب�أمر ا آلخرة،
فقد تل ّقاه بع ُ�ضهم عن بع�ض من �أخبار ال�سابقين ،ولك ّنهم
لأُولي الب�صائر. على ال ّرغم ِم ْن تتابع هذا العلم في �ش ٍّك منها ،بل هم
ِل ُنفورهم من ا آلخرة -لتع ُّلقهم ب�شهواتهم و�أهوائهم-
70ولا تحز ْن عليهم أل ْجل �أنهم لم يتبعوك ولم ُي�س ِلموا
ف َي�س َلموا ،ولا تكن في �ضي ِق �صد ٍر و أ�ل ِم نف� ٍس من َمكرهم لا يب�صرون دلائ َلها ،ولا يلتفتون إ�لى العمل لها.
67وقال م�شركو مكة� :أ إ�ذا ِمتنا وفني ْت �أج�سا ُدنا
وكيدهم ،ف�إ ّن الله عا�ص ُمك وحافظك منهم.
383
71ويقول كفا ُر مكة :متى َيحي ُن موع ُد العذاب
الذي تع ُدنا به �أنت و أ�تبا ُعك �إ ْن كنتم من ال�صادقين فيما
تخبروننا به؟
72قل لهم يا ر�سول الله :ع�سى أ�ن يكون قد اقترب
لكم بع�ُض الذي ت�ستعجلون ِم ْن عذاب الله .وقد
ُأ��صيبوا ببع�ضه.
73و إ� ّن ر ّبك لذو ف�ض ٍل على النا�س ب َ ْتكه معاجلتهم
بالعقوبة على مع�صيتهم إ�ياه وكفرهم به ،ولك ّن �أكثرهم
لا يعرفون ح َّق النعمة ولا ي�شكرونها.
74و�إ ّن ربك -يا محمد -ليعلم ما تخفي �صدو ُرهم
وما يظهرونه ِم ْن عداوتك و َمكايدهم لك.
75وما ِم ْن �شيء غائ ٍب في ال�سماء أ�و في ا ألر�ض عن
ِعلم الخلق إ�لا وهو مد َّون عنده في اللوح المحفوظ.
76إ� ّن هذا القر�آن يب ّي لبني �إ�سرائيل أ�كث َر ا أل�شياء التي
ا�شتبه ْت عليهم فاختلفوا فيها ِم ْن أ�مور الدين وغيرها.
� 86ألم يروا �أ ّنا جعلنا الليل لي�ستريحوا فيه بالنوم 77و إ� ّن هذا القر آ�ن لهداي ٌة من ال�ضلال ،ورحم ٌة من
وال َقرار ،وجعلنا النهار م�ضيئ ًا يب�صرون فيه ا أل�شياء الله ع ّز وج ّل لجميع َمن �آمن به.
فينت�شرون فيه لق�ضاء حاجاتهم و َمعاي�شهم� ،أفلا 79 78إ� ّن ربك -أ�يها الر�سولَ -يف�صل ويحكم
يتفكرون في ذلك فيعلمون �أ ّن المد ِّبر له لا ُيعجزه �شيء؟ بين المختل ِفين في الدين يوم القيامة ب َع ْدله ،وهو الغالب
إ� َّن في ذلك لدلائل على قدرة الله على البعثَ ،يعتبر بها الذي لا ُير ُّد حك ُمه وق�ضا ؤ�ه ،العليم ب�أحوال خلقه .ف ِث ْق
بالله �سبحانه ،وف ّو�ْض تدبير ا ألمور �إليه� ،إنك على الدين
الم�ؤمنون.
الوا�ضح الذي لا يتطرق �إليه �ش ٌّك ولا َريب.
87واذكر -أ�يها الر�سول -لهم يوم َينفخ إ��سرافي ُل
�فشايءااللُبلهو ِقح؛ْف َفظيه�صمعنقال َمخ ْون ففيواالل�فسزماعو،اوتك ُّلواه أل ؤ�رلا�ءضال�إفل ِزا ِع َمي ْنن � 81 80إ ّنك � -أيها الر�سول -لا ُت�سمع الكفا َر
جا ؤ�وا ر ّبهم للح�ساب أ� ِذ ّل َء مطيعين ،لا يتخ ّلف منهم موتى القلوب ،ولا ت�سمع ال ُّ�ص ّم ،و إ� ّن �سماع ه ؤ�لاء
الكفار دعوتك �إياهم �إلى ا إليمان ك�سماع ال ُّ�ص ِّم الم ْدبرين
أ�حد. المع ِر�ضين ،ولذا لا ينتفعون ولا يت أ�ثرون بما تلقيه إ�ليهم،
ولي�س في َم ْقدورك أ�ن تهدي قلوب َم ْن عمي ْت قلوبهم،
88وترى الجبال في الدنيا َت�سبها واقف ًة مم ِ�سك ًة عن فتخرجهم من الكفر �إلى الإيمان ،فه ِّون على نف�سك.
ما ُت�س ِمع �سما َع هد ًى وقبو ٍل �إلا َم ْن هديناهم ل إليمان
الحركة ،وهي تم ُّر مثل َم ِّر ال�سحاب التي ت�س ّيها الريا ُح ب�آياتنا ،فهم ب�سبب ذلك منقادون للحق طائعون لك.
المبن ّية على أ��سا�س ُ�صنع الله ِم ْن بدائع �َسيراً َح ِثيث ًا ،إ� ّن هذا
�إ ّنه �سبحانه علي ٌم الجليلة، للغايات الحكمة الـ ُم�ستت ِب َع ِة 82و إ�ذا َق ُر َب قيا ُم ال�ساعة التي يو َعدون ب أ� ْن ظهر ْت
أ��شرا ُطها� ،أخرجنا لهم داب ًة من ا ألر�ض ُتكلم النا�س أ�نهم
بظواهر أ�فعال المك َّلفين وبواطنها.
كانوا ي�ش ّكون في �آياتنا ولا ي�ؤمنون بها.
84 83واذك ْر -أ�يها الر�سول -لهم يوم نجمع
من ك ِّل �أمة ِمن �أمم ا ألنبياء جماع ًة كثيرة من زعماء
المك ّذبين ب�آياتنا المنزلة على �أنبيائنا؛ فهم ُيح َب�سون �أ ّولهم
على آ�خرهم حتى يجتمعوا ،ثم ُيد َفعون �صاغرين �إلى
َمو�ضع الح�ساب .حتى إ�ذا جا ؤ�وا �إلى موقف الح�ساب
قال الله عز وجل مو ِّبخ ًا لهم :أ�كذبتم ب آ�ياتي المنزلة على
ر�سلي الناطق ِة بلقاء يومكم هذا ،من غير فك ٍر ولا َن َظر
ي ؤ�دي إ�لى �إحاطة العلم ب ُكنهها ،و أ�نها حقيق ٌة بالت�صديق
َحتم ًا؟! و�إذا لم تكونوا فعلتم ذلك فقولوا ماذا كنتم
تعملون؟
85وح َّل العذا ُب بالمك ِّذبين ب�آيات الله ،ب�سبب
�ضلالهم وظلمهم ،فهم لا ينطقون ب ُح ّجة َيدفعون بها
عن �أنف�سهم ما ح ّل بهم.
384
بالعمل بما فيه من ال�شرائع وا ألحكام ،ف إ�نما مناف ُع هدايته
عائد ٌة �إليه لا �إلى غيره ،و َم ْن َ�ض َّل بالكفر به والإعرا�ض
عن العمل بما فيه ،ف�إنما أ�نا ر�سو ٌل ُمن ِذر ،وقد ب ّلغ ُت
و أ�نذرت ،فلي�س عل َّي ِم ْن َو َبال �ضلا ِل َم ْن �ض َّل �شي ٌء.
٩٣وقل � -أيها الر�سول :-الحم ُد لله على ما أ�فا�ض
عل ّي من َنعمائه ،التي �َأ َج ُّلها نعمة النبوة ،وقل لهم:
�سيريكم �آياته َق ْطع ًا في الدنيا التي وعدكم بها -كالدخان
وان�شقاق القمر و إ�هلاك طغاة الكفار يوم بدر ،و أ��شراط
ال�ساعة كخروج الدابة و�سائر ا أل�شراط -ف َت ْعرفونها حين
ترونها ،وتوقنون ب�صدق ما ُو ِعدتم به ،واللهُمحي ٌط بعمل
المهتدي وال�ضال غي ُر غاف ِل؛ فيجازي ك ّ ًل بما ي�ستحقه.
} ١ﮝ{� :سب َق الكلا ُم على هذه الحروف َ ٨٩م ْن جاء ر َّبه م ؤ�من ًا قد عمل ال�صالحات؛ فله
الـ ُم َق َّطعة في أ�ول �سورة البقرة. بالح�سنة جزا ٌء خير منها ،و�أ�صحا ُب هذه الح�سنات
٢تلك آ�يات الكتاب الر ّباني الوا�ض ِح الدلالات لمن �آمنون من الخوف وال ُّذعر يوم القيامة.
�أح�س َن تد ُّبره ،مبي ٌن للحلال والحرام والحدود وا ألحكام.
٩٠و َم ْن جاء بال�شرك ف ُك ّبوا في النار على وجوههم
٣نق�ُّص عليك -أ�يها الر�سولِ -م ْن َخبر مو�سى منكو�سين ،ويقال لهم على �َسبيل الزجر والت أ�نيب :ما
وفرعون َق َ�ص�َص �صد ٍق وح ٍّق ،ألجل قوم ي ؤ�منون ب�أن
القر�آن ِم ْن عند الله ،ليزدادوا إ�يمان ًا مع إ�يمانهم ،ويوقنوا ح ّل بكم ِم ْن عذاب هو ب�سبب أ�عما ِلكم و�ِشككم.
بالن�صر ،و ُح�سن العاقبة. ٩١قل � -أيها الر�سول -لكفار قري�ش بعد تبيين
�أحوا ِل الـ َم ْبع ِث و�شرح أ�حوال القيامة� :إنما أ�مرني ربي
٤إ� ّن فرعون تج ّب وطغى في �أر�ض م�صر وجاوز أ�ن �أعبد ر َّب هذه البلدة «مكة» �أح ُّب البلاد و�أكرمها
الح َّد في الظلم والعدوان ،وجعل أ�هلها ِف َرق ًا و أ�حزاب ًا عليه التي َج َعلها حرم ًا آ�من ًا؛ َي�أمن الملتج ُئ إ�ليها ،و ُي َنع
وب ّث بينهم العداوة ،ي�ست�ضعف فريق ًا منهم ،وهم َ�صي ُدها ،ولا ُيقطع �شج ُرها ،وله �سبحانه ك ُّل �شي ٍء َخ ْلق ًا
بنو إ��سرائيلُ ،يذ ِّبح أ�بناءهم ،وي�ستبقي ن�ساءهم للخدمة، وم ْلك ًا وت�صرف ًا ،و أ�ُمر ُت �أن أ�كون من الم�سلمين المنقادين
�إنه كان من المبالغين في الإف�ساد. ألمره المو ّحدين له.
٥ونريد أ� ْن نتف�ضل على بني إ��سرائيل الذين ٩٢و ُ�أمر ُت أ�ن أ�تلو عليكم القر�آن تلاو َة إ�نذا ٍر وتعليم
ا�س ُت�ض ِعفوا في ا ألر�ض بالقتل والت�سخير ،ونجع َلهم قاد ًة و َت َع ُّب ٍد لله ،ف َمن اهتدى بالإيمان به بعد أ�ن ب َّلغته واهتدى
في الخير ودعاة �إليه ،ونجعلهم الوارثين للأر�ض المبا َرك ِة
بال�شام إ�ذا �آمنوا و أ��صلحوا.
385
٦ونريد �أن نم ِّكن لهم في الأر�ض ،ب�أن نجعل لهم
�سلطان ًا ونفوذاً فيها -كما حدث في َعهد داود و�سليمان
عليهما ال�ّسلام -و ُن ِر َي فرعو َن وهامان وجنودهما ما
كانوا يخافون ِمن َذهاب ُم ْلكهم وهلاكهم على يد
مولو ٍد من بني �إ�سرائيل.
٧و�أَل َه ْمنا �أ َّم مو�سى �أن �أر�ضعي مو�سى ما أَ� ْم َكنك
�إخفا�ؤه والتك ُّت ُم عليه ،ف إ�ذا ِخف ِت عليه من القتل ف أ�لقيه
في ِن ْي ِل م�صر ،ولا تخافي عليه من الغرق وال�ضياع ،ولا
تحزني ل ِفراقه� ،إنا را ّدوه �إليك ،وجاعلوه م�ستق َبل ًا ر�سول ًا
من المر�سلين.
ال يعلمون أ�نها أ�خته ،و أ�نها تتتبع َخبره ،وذلك ِمن نباهة ٨فوجد بع�ُض �آل فرعون مو�سى ِم ْن غير ق�ص ٍد
�أخته وهي َتر�صد أ�ثره. أ�و طل ٍب ف�أخذوه ،ليتح ّقق �أم ُر الله ب�أن ي�صير لهم فيما
َب ْع ُد عد ّواً و َح َزن ًا ،إ� ّن فرعون وهامان وجنودهما كانوا
١٢و َم َنعناه �أن َير�ضع ثدي ًا غير ثدي �أُ ّمه ِم ْن قبل أ�ن مذنبين �آثمين ،فعاقبهم الله تعالى ب�أن ر َّبى فرعو ُن
نرجعه إ�ليها؛ فقالت أ�خته لهم :هل أُ�ر�شدكم إ�لى أ�هل
بي ٍت يحفظون مو�سى لكم ،ولا ُيق ِّ�صون في �إر�ضاعه عد َّوهم و َم ْن هو �سب ُب هلاكهم.
وتربيته؟ ف�أجابوها إ�لى ذلك. ٩وقالت امر أ�ة فرعون لما ه َّم فرعو ُن بقتله :هذا
الطفل �سيكون َم ْبع َث �سرور لي ولك ،لا تقتلوه؛ رجا َء
١٣ف َأ� ْر َجعنا مو�سى �إلى أ�مه كي تطي َب نف ُ�سها أ�ن ينفعنا؛ ف�إ ّن فيه َمخاي َل ال ُيمن ودلائ َل النفع� ،أو نتب ّناه.
وتفرح برجوع ولدها الر�ضي ِع �إليها ،ولا تحزن ب�سبب
ِفراقه لها ،و ِل َت ْع َل َم ب أ�ن َو ْعد الله بر ِّده إ�ليها ح ٌّق ،ولك ّن وهم لا يدركون أ�ق ّل �إدرا ٍك ما يكون ِم ْن أ�َ ْم ِره معهم.
أ�كثر النا�س لا يعلمون �أن ما َو َعد الله لاب َّد من �إنجازه
١٠و�صار ف�ؤا ُد أ� ِّم مو�سى خالي ًا ِم ْن ك ِّل �شيء ِم ْن أ�مور
ولو َبعد حين. ال ُّدنيا �إلا ِم ْن ِذكر مو�سى و َم�صي ِره ،وقد كادت أ�ن تبوح
به وتظهر �ش�أ َنه و�أنه ولدها ،لولا أ�ن أ� ْله َمها الله ال�صب َر
والتثبيت لتكون من الم�ص ّدقين بوعد الله �إياها بحفظ
مو�سى ور ِّده� إليها.
١١وقال ْت أ� ُّم مو�سى ألخته حين �ألقته في الي ِّم:
اتبعي �أث َر مو�سى ل َتعلمي َخبره ،ف َأ�ب�ص َر ْته عن ُب ْع ٍد ،وهم
386
١٦قال :يا ر ّب �إني ظلمت نف�سي ب ِفع ٍل �صار قتل ًا،
فاغفر لي ز َّلتي ،فغفر له ز ّلته� ،إنه هو الذي يغفر الذنوب
جميع ًا برحمته الوا�سعة لعباده التوابين.
١٧قال :يا ر ّب بح ِّق �إنعامك عل َّي بالمغفرة والنعم
الكثيرة؛ فلن أ�كون معين ًا لأح ٍد على خطيئة.
١٨ف أ��صبح مو�سى في المدينة خائف ًا على نف�سه ِم ْن ١٤ولـ ّما بلغ مو�سى منتهى ق ّوته و ِ�ش ّدته وكما ِل
�أن ُيطا َلب بدم ال ِق ْبط ّي ،ينتظر ا ألخبا َر عنه ،ف�إذا الذي عقله ،آ�تيناه حكم ًة يف�صل بها في الأمور وعلم ًا بنا،
طلب ُن�صر َته با ألم�س ي�ستغيثه ِمن قبط ٍّي �آخر ،فقال له و ِمثل ذلك الإح�سان الذي �أح�س ّنا به �إلى مو�سى ،نكافئ
مو�سى :إ�نك ل�شديد الغواية ظاه ُر ال�شطط. ك َّل المح�سنين على إ�ح�سانهم.
١٩فل ّما َ�أ ْن �أراد مو�سى أ�ن يبط�ش بالقبط ِّي الذي هو ١٥ودخل مو�سى المدينة و ْق َت غفل ِة �أهلها ،كوق ِت
عد ٌّو له ول إل�سرائيلي ،قال الإ�سرائيل ُّي ظا ّن ًا �أن مو�سى ال َقيلولة والراحة ونحو ذلك من الأوقات التي َيغفل
�س َيبط�ش به :يا مو�سى �أتريد �أن تقتلني كما قتل َت القبط َّي فيها النا�س ع ّما يحد ُث في مدينتهم ،فوجد فيها رجلين
با ألم�س؟ ما تريد �إلا أ�ن تكون طاغي ًة مت�س ِّلط ًا بالقوة في يت�ضاربان ،أ�حدهما ِم ْن بني �إ�سرائيل ،وا آلخر ِم ْن
مخالفيه ِمن ال ِق ْبط قو ِم فرعون ،فا�ستن�صره ا إل�سرائيل ُّي
أ�ر�ض م�صر ،وما تريد أَ� ْن تكون من الم�صلحين. على القبط ِّي ،فدفعه مو�سى ب َك ِّفه ك ِّلها م�ضموم َة
الأ�صابع ،فقتله ولم يتعمد قت َله ،فندم مو�سى على ذلك
٢٠وجاء رجل من آ�خر المدينة ُي�سرع في َم�شيه ،قال
يا مو�سى :إ� ّن وجو َه القوم وكبراءهم يت�شاورون في وقال :إ� ّن هذا العمل الذي ج ّرني �إليه الإ�سرائيل ُّي هو ِم ْن
�ش�أنك ليقتلوك بالقبط ِّي الذي قتل َته با ألم�س ،فاخرج عمل ال�شيطان ،إ�نه عد ٌّو م�ض ٌّل ظاه ُر العداوة .وهذا
من المدينة� ،إني لك من النا�صحين الم�شفقين عليك. العمل من مو�سى عليه ال�سلام قبل النبوة
٢١فخرج مو�سى من المدينة خائف ًا يتو َّقع �أن يتع ّر�ض 387
له رجال فرعون ،ودعا الله أ�ن يخ ّل�صه من فرعون
وجنوده الظالمين.
٢٢ولـ ّما تو ّجه مو�سى م�ستق ِبل ًا بلاد َم ْدين ،قال:
ع�سى ربي أ�ن ير�شدني �إلى الطريق ا ألَ ْقوم �إليها و�إلى
النجاة من ه�ؤلاء الظالمين.
لي في رعي ما�شيتي ثمان َي �سنين ،ف إ�ن �أكمل َت ع�شر �سنين ٢٣ولـ ّما و�صل مو�سى ما َء َم ْدين وجد عليه جماع ًة
فذلك تف�ض ٌّل منك ،لي�س بواج ٍب عليك ،وما �أريد �أن كثير ًة من النا�س ي�سقون ،ووجد قريب ًا منهم امر�أتين
�أ�ش َّق عليك ب�إلزا ِم َأ�ت ِّم الأجلين� ،ستجدني �إ ْن �شاء الله من ُتبعدان ما�شي َتهما عن الماء حتى يرجع ال ُّرعا ُة بموا�شيهم،
ثم َت�سقيان ،قال لهما مو�سى :ما �ش أ�نكما معتزل َتين لا
ال�صالحين في ُح�سن المعاملة والوفاء بالعهد. َت�سقيان مع النا�س؟ قالتا :ال ن�ستطيع مزاحمة الرجال،
٢٨قال مو�سى :ذلك الذي قل َته و�شا َرطتني عليه ف�إذا َ�صفوا موا�شيهم �سقينا ،و أ�بونا �شي ٌخ كبير ال�س ِّن ي�ُش ُّق
قائ ٌم بيني وبينك ،لا َيخرج واحد م ّنا عنه ،و أ� َّي المدتين عليه الخرو ُج لل�سقي.
�أتمم ُت وفرغ ُت منه :الثمانية أ�و الع�شرة؛ أ� ُك ْن قد و َّفيتك؛
فلا ُيتعدى عل َّي في طل ِب الزياد ِة عليها ،والله رقي ٌب على ٢٤ف�سقى مو�سى للمر أ�تين ما�شي َتهما؛ رغب ًة في
المعروف و إ�عان ًة لل�ضعيف ،ثم تولّى إ�لى ظ ِّل �شجرة
ما تعاقدنا عليه. فا�ستظ ّل به ،ثم ب َّث �شكواه لمولاه فقال :ر ِّب �إني محتا ٌج
ِلـ َما أ�نزل َت �إليّ ِمن خي ٍر قلي ٍل �أو كثي ٍر.
٢٥و َع ِق َب دعا ِء مو�سى ر َّبه مبا�شر ًة جاءت إ�حدى
الفتاتين اللتين �َسقى لهما ت�سير إ�ليه في حياء ،قالت� :إ ّن
أ�بي يطلب منك �أن ت�أتي �إليه؛ ليعطيك أ�ج َر �َسقيك لنا؛
فلما جاء مو�سى �أباهما ال�شي َخ الكبي َر ،و�أخبره بق�صته
و�أحواله مع فرعون وكيف أ�راد قت َله ،قال له :لا تخ ْف
نجوت من فرعون وقو ِمه الظالمين؛ �إذ لا �سلطا َن له على
�أر�ضناَ ( :م ْدين).
٢٦قال ْت �إحداهما :يا �أب ِت ا ّت ِخذه �أجيراً؛ �إ ّن خي َر
َم ْن ا�ستعمل َت َم ْن َق ِو َي على العمل و�أ ّدى الأمانة ،وهو
كذلك.
٢٧قال والد المر�أ َتين لمو�سى :إ�ني أ�ريد �أن أ�ز ّوجك
�إحدى ابنت ّي هاتين ،على �أن تكون ُمقا ِبل ذلك �أجيراً
388
فناداه ر ُّبه :يا مو�سى َ�أ ْق ِبل ولا َتخ ْف ،إ�نك من الآمنين
ِمن �أن ينا َلك مكروه ِمن الح ّية �أو ِمن غيرها.
َ ٣٢أ� ْد ِخ ْل يدك في فتحة قمي�صك ِمن جهة ال�صدر
َتخرج بي�ضاء لها �شعاع ك�شعاع ال�شم�س ِمن غير مر�ٍض
�أو ع ّل ٍة ،وا�ض ُمم يديك �إلى �صدرك؛ يذه ْب ما َلـ ِحق َك
من الخوف لأ ْجل الح ّية ،فهاتان المعجزتان -اليد
والع�صا -ح ّجتان َن ِّيتان �إلى فرعون وقومه ،إ�نهم كانوا
خارجين عن طاعة الله كافرين.
٣٣قال مو�سى لـ ّما أ�مره ر ُّبه بتبليغ الر�سالة �إلى
فرعون :ر ِّب �إني قتلت ِمن قوم فرعون نف�س ًا ف أ�خاف
أ�ن يقتلوني به.
٣٤و�أخي هارون هو �أف�ص ُح مني ل�سان ًا ،ف َ�أر ِ�سله معي ٢٩فل ّما �أت َّم مو�سى ا ألج َل -وهو ع�شر �سنين -وفرغ
عون ًا ونا�صراً ،يكون �سبب ًا في ت�صديقهم لي -وذلك ب�أن منه و�سار بامر أ�ته نحو م�صر ،أ�َب�صر من الجهة التي تلي
يو�ضح بف�صاحته ما يقوله مو�سى لهم ،ويبين الحجج جبل ال ُّطور ناراً ،قال مو�سى ألهلهَ َ :ت ّهلوا وانتظروا �إني
أ�ب�صر ُت ناراً لعلي �آتيكم ِم ْن �أهلها بخب ٍر عن الطريق
بعده ،ويجيب عن ال�ُّشبهات عند الجدال� -إني أ�خاف -ألنه كان �ض ّل عنها� -أو �آتيكم ب ُ�شعل ٍة من النار لعلكم
أ�ن ُيك ّذبوني في َدعوى الر�سالة. ت�ستدف ُئون بها.
٣٥قال الله لمو�سى� :سنق ّويك ب أ�خيك ،ونجعل لكما ٣٠فل ّما �أتى مو�سى النا َر ناداه اللهُ ِم ْن جانب الوادي
َغ َلب ًة بالـ ُح ّجة ،و َت�س ُّلط ًا و َهيبة في قلوب ا ألعداء فلا الأيمن بالن�سبة إ�لى مو�سى في البقعة المباركة -بتكليم الله
ي�صلون �إليكما ب�ُسو ٍء ،ب�سبب آ�ياتنا المانع ِة لهم من تعالى فيهاِ -من ناحية ال�شجرة :يا مو�سى :إ�ني أ�نا الله
ال ّت َ�س ُّلط عليكما ،أ�نتما يا مو�سى وهارون و َم ْن آ�من بكما
ر ّب العالمين.
المن�صورون.
٣١و�َأ َم َره ر ُّبه �أن يلقي ع�صاه ف أ�لقاها ،فل ّما ر�آها
مو�سى تح ّولت ح ّي ًة تتحرك ب ّخفة كحركة الح ّية التي
ُتعرف بالجا ّن ،و َّلى هارب ًا منها ،ولم َيلتفت من الخوف،
389
٣٦فل ّما جاء مو�سى فرعو َن وم َأله بمعجزاتنا
الوا�ضحات قالوا :ما هذا �إلا �سح ٌر َت ْخت ِل ُقه لت�ستد َّل على
دعواك ،وما �سمعنا بهذا الذي تدعونا إ�ليه كائن ًا في �آبائنا
الذين َم�ضوا قبلنا.
٣٧وقال مو�سى :ربي أ�علم بمن جاء بالهدى ِم ْن
عنده ،فيعلم أ�ني ُم ِح ٌّق و أ�نتم ُم ْب ِطلون ،و أ�علم ب َم ْن تكون
له العاقبة المحمود ُة بعد اجتياز َم ْعبر الدنيا إ�لى ا آلخرة،
إ� ّن الظالمين لا يفوزون بالهدى في الدنيا و ُح�ْسن العاقبة
في الآخرة.
٤٢و�ألزمناهم في هذه الدنيا ط ْرداً و إ�بعاداً عن ٣٨وقال فرعون أل�شراف قومه تج ُّباً ومكابرة:
الرحمة ،ويوم القيامة هم من المطرودين المع َّذبين. يا أ�يها الم ُأل ما لكم إ�ل ٌه غيري ،فا�صن ْع لي أ�يها الوزير
هامان �آ ُجـراً � -أي :طين ًا محم ّي ًا في النار -و�َش ِّي ْد لي بنا ًء
٤٣ولقد �آتينا مو�سى التوراة ِم ْن بعد ما أ�هلكنا الُأمم عالي ًا ممتداً في ال�سماءَ ،لع ِّلي أ��صعد إ�لى َم ْعبود مو�سى
التي كانت ِم ْن قبله كقوم نوح وهود و�صالح ولوط الذي يعبده ويدعو �إلى عبادته َ -ح ِ�س َب فرعو ُن بجهله
عليهم ال�سلام؛ نوراً لقلوب َمن اهتدى بها ،و إ�ر�شاداً أ�نه تعالى في مكا ٍن مخ�صو�ص كما كان هو في مكا ٍن-
�إلى ال�شرائع لمن عمل بها ،ورحم ًة لمن اتبعها؛ ليكونوا
و إ�ني ألظن مو�سى كاذب ًا في دعواه أ� ّن له �إله ًا ،و�أ ّنه �أر�سله
على حا ٍل ُير َجى منهم ال َّت َذ ُّكر والاتعاظ. �إلينا ر�سول ًا.
٣٩وا�ستكبر فرعو ُن وجنو ُده في ا ألر�ض بالباطل،
ولم يقبلوا الح َّق الذي جاءهم به مو�سى م�ص ِّرين على ما
هم عليه من الظلم وال ُّطغيان ،وح�سبوا �أنهم لا يرجعون
�إلينا للح�ساب والجزاء.
٤٠ف أ�خذنا فرعو َن وجنوده فطرحناهم في البحر،
فا ْنظ ْر -يا محمد -كيف كان عاقبة الظالمين حين
�صاروا إ�لى الهلاك بكفرهم و�شركهم.
٤١وجعلنا فرعو َن وجنوده في الدنيا قاد ًة َم ْتبوعين
ُمطاعين يدعون إ�لى َعمل أ�هل النار ِمن الكفر والمعا�صي،
ويوم القيامة لا ُين�صرون بدفع العذاب عنهم.
390
المناجاة والتكليم �إذ نادينا مو�سى في تلك البقعة المباركة، ٤٤وما كن َت -يا محمد -حا�ضراً بجانب المكان
ولكن نحن الذين أَ� ْعلمناك بذلك وق َ�ص ْ�صنا عليك تلك الغربي ِم ْن جبل ال ُّطور (وادي ُطوى) �إذ ك ّلمنا مو�سى
ا ألنباء ال َّدال َة على �صدقك؛ رحم ًة م ّنا بك وبقومك. وجعلناه نب ّي ًا ،و أ�مرناه بتبليغ الر�سالة إ�لى فرعون وقومه،
و أ�ر�سلناك لتنذر قوم ًا لم ي أ�تهم نذير ِم ْن قبلك؛ لعلهم وما كن َت من ال�شاهدين لهذا الأمر ول�سائر ما ق�ص�صنا
عليك من �أخبار الغيب في �ش�أن مو�سى؛ فت ْذك َر ذلك من
ي ّتعظون ويرجعون عما هم فيه من ال�ضلال. ذا ِت َن ْف ِ�سك و ُت ّدث به قومك ،ولك ّن الله �أوحاه إ�ليك،
٤٧ولولا �أن ُت�صيب قو َمك -يا محمد -عقوب ٌة فهو من دلائل نب ّوتك.
في الدنيا وا آلخرة ب�سبب ما ق ّدم ْت أ�يديهم من الكفر
والظلم ،فيقولوا عند نزول العذاب :ربنا ه ّل �أر�سلت ٤٥وقد خلقنا ِم ْن بع ِد مو�سى �أُمم ًا فطالت عليهم
إ�لينا ر�سول ًا ُينذرنا ،فن ّتبع آ�ياتك المن َزلة في كتابك ونكون الم َّد ُة فن�سوا َع ْه َد الله وتركوا �أمره ،ف�أر�سلناك ُم ّدداً لهذا
من الم�ؤمنين بك؛ لعاجلناهم بالعقوبة و َلـ َما �أر�سلناك العهد ،وما كنت -يا ر�سول الله -مقيم ًا في أ�هل َم ْدين
�إليهم ر�سول ًا .لقد �أر�سلناك -أ�يها الر�سول -قطع ًا فتع َل َم ق�ص َة مو�سى بها فتنقلها إ�لى أ�هل مكة ،ولك ّنا
لل ُعذر و إ�لزام ًا بالـ ُح ّجة وتحذيراً لهم من الا�ستمرار على �أر�سلناك ر�سول ًا ،و�أنزلنا �إليك كتاب ًا فيه هذه ا ألخبار
لتتلوها عليهم ،ولولا ذلك َلـ َما َع ِل ْم َتها �أنت ولم
الكفر المو ِج ِب إلنزال العذاب.
ُتخبرهم بها.
٤٨فل ّما جاء محم ٌد - -كفا َر مك َة نذيراً لهم
قالوا -تع ُّنت ًا وجحوداً :-ه ّل أ�ُعطي من المعجزات مثل ٤٦وما كن َت -يا محمد -بجانب ال ُّطور ليلة
ما �ُأعطي مو�سى ِمن اليد والع�صا و ِمن الكتاب المنزل
ُجملة واحد ًة؛ فر َّد الله تعالى عليهم بقوله :أَ� َو َلـم َيكفر 391
م�شركو مكة بما �أوتي مو�سى ِم ْن قبل؟ وذلك بعد أَ� ْن َبعثوا
�إلى ر�ؤ�ساء اليهود بالمدينة لي�س أ�لوهم عن �ش�أن محمد
فقالوا� :إنا نجده في التوراة ب�صفته ،فل ّما رجعوا
إ�لى قومهم� ،أخبروهم بما قالت اليهود فيه ،فقالوا عندئ ٍذ
في التوراة والقر�آن مع ًا�ِ :سحران تعاونا في �سحرهما،
وقالوا :نحن بك ِّل واحد منهما كافرون.
٤٩قل لهم � -أيها الر�سول :-ف ْ�أتوا بكتا ٍب ِم ْن عند
الله هو أَ� ْقو ُم و�أكثر هداي ًة من التوراة والقر�آن أ�تبعه؛ �إن
كنتم �صادقين فيَ ز ْعمكم.
٥٠ف إ� ْن لم ي�ستجيبوا لطلبك منهم أ�ن ي أ�توا بالكتاب
الَأهدى ،فا ْعل ْم أ�نهم لم َت ْب َق لهم ُح ّجة �إلا اتباع الهوى،
وال� أحد أ��ضل ممن ا ّتبع في الدين هواه بغير ر�شا ٍد ِم ْن
�شرع الله� ،إ ّن الله لا يو ِّفق لاتباع الح ِّق من كان ظالم ًا
معانداً.