١٤٤٠هـ ٢٠١٩ -م
الترقيم الدولي ISBN 978-9948-38-988-0
دائرة ال�ش�ؤون الإ�سلامية والعمل الخيري بدبي
قطاع ال�ش ؤ�ون الإ�سلامية -اللجنة العلمية لتف�سير القر�آن الكريم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هاتف مبا�شر٨٠٠٦٠٠ : هاتف+٩٧١ ٤ ٦٠٨٧٧٧٧ :
�ص .ب ٣١٣٥ :دبي ،ا إلمارات العربية المتحدة
البريد الإلكتروني [email protected] :الموقع ا إللكتروني للدائرةwww.iacad.gov.ae :
الحمد لله الذي بنعمت ِه تت ُّم ال�صالحات ،وبعون ِه تدو ُم الح�سنات ،وبعفوه ُتغف ُر
ال�سيئات ،وال�صلا ُة وال�سلا ُم على �س ّيدنا محمد �س ِّيد ال�سادات ،وعلى �آله و أ��صحابه
�ُأولي المزايا والم ْك ُرمات.
وبع ُد :ف إ� َّن فه َم كلا ِم الله تعالى هو الحكم ُة التي َم ْن أُ�وتيها فقد أُ�وتي خيراً عظيم ًا،
فقد �أخرج اب ُن �أبي حاتم وغي ُره ِم ْن طريق علي بن �أبي طلحة عن اب ِن عبا�س ر�ضي الله
عنهما في قوله تعالى } :ﯤﯥ{ قال« :المعرف ُة بالقر آ�ن :نا�سخ ِه ومن�سوخ ِه،
ومحكم ِه ومت�شابه ِه ،و ُمق َّدم ِه و ُم�ؤ َّخر ِه ،وحلال ِه وحرام ِه ،و أ�مثاله».
و أ�خرج ابن أ�بي حاتم عن �أبي الدرداء ر�ضي الله عنه في قوله تعالى } :ﯤﯥ{
قال« :قراءة القر�آن والفكرة فيه».
وقد �َ ُش َفت دائر ُة ال�ش ؤ�ون ا إل�سلامية والعمل الخيري بدبي ب إ��صدار (م�صحف ال�شيخ
مكتوم بن را�شد �آل مكتوم) -رحمه الله -وها هي َت�ْ ُش ُف اليو َم بتقديم (تف�سير القر آ�ن
الكريم) على هام�شه ،إ��سهام ًا منها بتقريب معاني هذا الكتاب الحكيم :كتا ِب الله ع َّز
وج َّل إ�لى قارئيه وتاليه والناظرين فيه ،من الم�سلمين وغيرهم.
وهو تف�سير يتميز بمزايا متعددةِ ،م ْن أ�ه ِّمها أ�نه عم ٌل م�شتر ٌك قام عليه ُث َّل ٌة من العلماء،
فقد أ�عدته لجن ٌة ِم ْن علماء الدائرة ،ثم ُع ِر�َض على لجن ٍة من علماء جامعة القرويين في
المملكة المغربية ،ثم نظر ْت فيه لجن ٌة من العلماء المخت�صين بالتف�سير وعلوم القر آ�ن،
وك ُّل ذلك َو ْفق خط ٍط مدرو�س ٍة ُمع ّد ٍة تقو ُم على النظر الطويل ،والت�أ ّمل الدقيق في
�أثناء ا إلعداد ،والمراجعة ،والتحكيم ،ولم ُيثبت �شي ٌء ولم ُيحذف �إلا بعد مداولا ٍت
ونقا�شات مع َّمقة.
وقد اع ُتمد في إ�عداد هذا التف�سير على أ�مهات كتب التف�سير ،وعلى ما يحتاج إ�ليه
من الم�صادر الم�ساعدة من كتب علوم القر�آن ومعاجم اللغة.
�أ
ُك ِت َب هذا التف�سير بلغ ٍة �سهل ٍة معا�صر ٍة ج ّذاب ٍةُ ،تخا ِطب القارئ في هذا الع�صر،
ويفهمها عموم القراء على اختلاف ثقافاتهم المعرفية وتفاوت قدراتهم العلمية،
و ُيلا َح ُظ فيها دائم ًا َأ� ْن تكون �صالح ًة للترجمة �إلى اللغا ِت ا ألخرى؛ �إذ كان ِم ْن �أ�سباب
انطلاق مبادرة هذا التف�سير رغبا ُت الم�سلمين من الناطقين بغير العربية بكتاب ِة تف�سي ٍر
ُيتر َج ُم �إلى لغاتهم كالرو�سية وغيرها.
وقد انطلقت الكتاب ُة في ِه ِم ْن مباد َئ ا ُّت ِفق عليها ،خلا�ص ُتها �أن يكون هذا التف�سير
مفتاح ًا �آمن ًا لفه ِم كلا ِم الله ع َّز وج َّل ،بعيداً عن الاختلافات العقدي ِة ،والفقهي ِة،
والم�سائ ِل التخ�ص�صية ،المتعلقة بالقراءات -مثل ًا -وغيرها ،وبعيداً عن أ�ي �شطط فكري
أ�و تكلف ،مع التحري َق ْدر الطاقة في اختيار �أقوى الوجوه التي ذكرها أ�ئمة المف�سرين
في تف�سير ا آليات ،ثم تقريبها للقارئ.
�إ َّن الغاية التي يرمي �إليها هذا التف�سير هي أ�َ ْن يكون عون ًا للقارئ وت�سهيل ًا له لمعرفة
ما ُ�أبهم عليه من بع�ض معاني القر آ�ن الكريم ،من تقري ِر إ�يما ٍن ،أ�و ت�شري ِع أ�حكا ٍم ،أ�و تفري ِع
�آدا ٍب.
و ُيذكر �أنه رغم ِق ّلة الم�ساحة الـ ُمعطاة للتف�سير -وهي هام�ش �صفحة الم�صحف
ال�شريف -لم يهمل تف�سير أ� ِّي جزء من ا آلية يحتاج إ�لى تف�سير ،فهو تف�سي ٌر وجي ٌز تا ٌّم،
و أ�نه لم يعتمد على مجرد �إعطاء المعنى العام للآية ،بل �سا َر على ن�س ٍق بحيث يجد القارئ
لكل جملة من ا آلية ما يقابلها من التف�سير.
وعلى وجازته �أُود َع كذلك بع�ض الفوائد التي ُتـ َجـ ِّلي معنى الآية و َتربطها غالب ًا
ب�سياقها و�سبب نزولها عند الحاجة ،مما ي�ساعد القارئ على القيام بتد ّب ٍر عمي ٍق للآيات.
ونرجو أ�َ ْن نكون قد ُو ِّفقنا في هذه الغاية النبيلة التي �َس َعينا إ�ليها متم ّثلين قو َل الح�سن
الب�صري رحمه الله« :ما �أنز َل اللهُ�آي ًة �إلا وهو ُي ِح ُّب �أ ْن ُتعلم فيما �ُأنزل ْت ،وما �َأراد بها»،
راجين الو�وصل �إلى المنزل ِة التي ُت ِّق ُقنا بمحبة الل ِه على ح�سب قول مجاهد بن جبر
رحمه الله « :أ�ح ُّب الخلق �إلى الله أَ�عل ُمهم بما �أنزل».
ب
وفي هذا المقام نتوجه �إلى الله ع ّز وج َّل بالحمد والثناء على ما م َّن به من التوفيق
وال�سداد في �إنجاز هذا التف�سير الق ِّيم؛ لنقدمه إ�لى الم�سلمين وغيرهم كاف ًة؛ وليكون �سبب ًا
في إ��سعادهم في الدنيا وا آلخرة.
ونتقدم بال�شكر الجزيل آلل مكتوم الكرام الذين لا ي أ�لون جهداً في العناية بالقر�آن
الكريم وطباعته ون�شره ،وفي خدمة علوم القر�آن الكريم وال�سنة النبوية ال�شريفة.
و�ص ّلى الله و�سلم على �سيدنا محمد ر�سول الله وعلى آ�له و�صحبه و َمن والاه.
د .حمد بن ال�شيخ أ�حمد ال�شيباني
مدير عام دائرة ال�ش�ؤون ا إل�سلامية والعمل الخيري
دبي -الإمارات العربية المتحدة
1440هـ 2019 /م
ج
د
(�أعوذ بالله من ال�شيطان الرجيم)
(�أعوذ بالله) �أي� :أ�ستجير و أ�تح�صن بالله ع ّز �سلطانه؛ وفي ذلك تح�صين للقارئ.
(من ال�شيطان) :من ك ّل متم ّرد لعين ،ي�صرفني عن طاعة الله تعالى.
(الرجيم) :المطرود من رحمه الله.
واتفق العلماء على أ�ن الا�ستعاذة لي�ست �آية من القر�آن الكريم ،و إ�نما هي م�شروعة لكل
من يقر ؤ�ه بقوله تعالى} :ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ{ [النحل.]٩٨ :
�أي� :إذا �أردت قراءة القر�آن الكريم فقل� :أعوذ بالله من ال�شيطان الرجيم.
tt t
هـ
} ٢ﭖﭗ{ �أي :الثناء عليه تعالى ب�صفات �سورة الفاتحة مكية ،وهي �سبع آ�يات باتفاق،
و�ُس ِّميت بالفاتحة ،لأنه ُيفتتح بها القر آ� ُن العظيم ،و�ُس ِّميت
الكمال ،لأنه تعالى م�ستح ٌّق ك َّل حم ٍد من خلقه؛ �إذ له ب�أ�سماء أ�خرى منها :ال�سبع المثاني ،و أ�ُ ّم الكتاب ،كما
الأ�سما ُء الح�سنى وال�صفا ُت ال ُعلا} .ﭘﭙ{ ت�س َّمى �سورة ال�صلاة.
الر ُّب:هوال�سيدالمالكالم�صلحل�ش�ؤونالخلق،و(العالمين) } ١ﭑﭒﭓﭔ{ �أي� :أبتدئ با�سم الله
أ�ي :المخلوقين ،من عالم الملائكة وا إلن�س والجن والحيوان
قراءتي ،م�ستعين ًا بالله على ا ألداء رجا َء التوفيق والقبول.
وغيرها ،وهم ك ُّل ما �سوى الله تعالى.
}ﭒ{َ :ع َل ٌم على الذات ا إللهية ،خا�ص به �سبحانه،
} ٣ﭛ{ :ذو الرحمة ال�شاملة التي و�سعت
جميع الخلق} .ﭜ{ :ذو الرحمة الدائمة بالم�ؤمنين، لم ُي َ�س َّم به �سواه ،ومعناه :المعبو ُد بح ٍّق ،الجام ُع ل�صفات
وهما ا�سمان من أ��سماء الله الح�سنى .وفي تكرار هذين الجلال والجمال والكمال} .ﭓ{ أ�ي :ذو الرحمة
الا�سمين -في الب�سملة وهنا -إ��شعا ٌر جمي ٌل ب�صفة
ال�شاملة التي و�سعت جميع الخلق في ال ُّدنيا ،فع ّمت
الرحمة التي كتبها الله على نف�سه.
الم�ؤمن والكافر} .ﭔ{ �أي :دائم الرحمة ،المنعم
} ٤ﭞﭟﭠ{ أ�ي :المالك ليوم الح�ساب
بكل النعم �صغيرها وكبيرها .وهذه الرحمة خا�صة
والجزاء ،وهذا اليو ُم لا مال َك فيه ولا َم ِلك �إلا الله بالم�ؤمنين في ا آلخرة.
تعالى.
١
} ٥ﭢﭣﭤﭥ{ أ�ي :نخ ُّ�صك
بالعبادة ،وهي الطاعة ،ونخ ّ�صك بالا�ستعانة على
العباد ِة وك ِّل خير.
} ٦ﭧﭨﭩ{ �أي :أ�ر ِ�ش ْدنا ووف ّقنا
إ�لى الطريق الم�ستقيم الذي لا عو َج فيه ،وهو دين
الإ�سلام .وفي هذا الدعاء �إيحاء بما ينبغي �أن يكون عليه
الم�سلم من الا�ستقامة.
} ٧ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ{ أ�ي :طريق الذين
و ّفقتهم للهداية من النبيين وال�صديقين وال�شهداء
وال�صالحين} .ﭯ ﭰ ﭱ{ �أي :احفظنا
من طريق الذين غ�ضب َت عليهم ممن عرفوا الحق ولم
يعملوا به ب�سبب كفرهم وعنادهم و إ��صرارهم على
الباطل ،كاليهود} .ﭲ ﭳ{ :ولا تجعلنا من
الذين �ضلوا الطريق الم�ستقيم ،ولم يهتدوا إ�لى الح ِّق،
كالن�صارى.
كالتوراة التي �ُأنزلت على النبي مو�سى -عليه ال�سلام- ف�ضل ال�سورة :أ�خرج ا إلمام م�سلم عن �أبي هريرة
وا إلنجي ِل الذي أُ�نزل على النبي عي�سى ابن مريم -عليه ر�ضي الله عنه قال :قال ر�سول الله « :الْ َ ت َعلوا
ال�سلام -وغيرهما من الكتب ،ويوقنون بالدار ا آلخرة ُب ُيو َت ُكم َم َقا ِب َر� ،إ َّن ال�َّشيطا َن َي ْن ِف ُر ِم ْن ال َب ْي ِت ا َّلذي ُتقر�ُأ
وما فيها من البعث والن�وشر والح�ساب والجنة والنار. ِفي ِه �ُسو َر ُة ال َب َق َر ِة».
٥أ�ولئك المت�صفو َن بما تق ّدم من تقوى الله وا إليمان } ١ﭑ{ :هذه ا ألحرف من الحروف الـ ُمق ّطعة
بالغيب و أ�داء الفرائ�ض على وجهها ،...هم أ�ه ُل الهداية
والر�شاد ،الفائزون ب�سعادة الدارين ،الناجون من عذاب التي اف ُت ِتحت بها ت�سع وع�شرون �سورة من القر آ�ن
الكريم .وجميع ال�سور المف َت َتحة بهذه الحروف مكية
النار .وهذا هو الفلاح الذي لا فلاح أ�عظم منه. عدا �سورة البقرة و�آل عمران ،أ� ّما الرعد فمخت َلف
فيها والراجح �أنها مكية .وقد ذهب عدد من المف�سرين
قديم ًا وحديث ًا �إلى �أن في هذه الحروف إ��شارة إ�لى إ�عجاز
القر�آن الكريم؛ �إذ هو م ؤ� َّلف من جن�س هذه الحروف،
ولكن المخا َطبين به لا ي�ستطيعون الإتيان ب�سورة من
مثله .والله تعالى �أعلم بمراده.
٢ذلك القر آ�ن العظيم ،الذي لا �ش َّك في �أنه نـزل من
عند الله تعالى ،هو هداي ٌة و إ�ر�شا ٌد إ�لى ال�صراط الم�ستقيم،
ُير�شد المتقين الذين تحا�وشا غ�ض َب ربهم ،بامتثال �أوامره
واجتناب نواهيه.
٣الذين ي�ص ِّدقون بكل ما أ�خبر به الل ُه ور�سو ُله مما
غاب عن أ�ب�صارهم ولم تدركه حوا�سهم ،كالملائكة
والج ّن ،والج ّنة وال ّنار ،وال�صراط والميزان ،وي ؤ�دون
ال�صلا َة على الوجه ا ألكمل ،ب أ�ركانها و�ُس َننها
وخ�وشعها ،و ُي�ؤتون مما رزقهم الله :الزكاة المفرو�ضة،
وال�صدقات المندوبة ،والنفقات الواجبة.
٤والذين ي�ص ّدقون بما �ُأنـزل إ�ليك -أ�يها الر�سول-
من الكتاب وبكل ما ُ�أنزل على الأنبياء من قبلك
2
ُ ٩يظهرون ب أ�ل�سنتهم من الت�صديق خلاف الذي في
قلوبهم من ال�شك والتكذيب ،يظنون �أنهم يخدعون
الله وعباده الم ؤ�منين بهذا المكر ،وما يخدعون في
الحقيقة �إلا أ�نف�سهم ،ولا يعلمون �أن َوبال خداعهم
هذا راجع عليهم.
١٠في قلوبهم مر� ٌض� ،أي نفاق ،وحقد وح�سد،
فزاد الله مر�ضهم مر�ض ًا؛ بما َي َر ْون من ُعل ِّو كلمة الله،
وتثبيت قواعد ا إل�سلام ،فلهم عذاب ُمو ِج ٌع ب�سبب
كذبهم ونفاقهم.
١١و إ�ذا قيل لهم :لا ُتف�سدوا في ا ألر�ض بال�ص ِّد عن
�سبيل الله ،وموالا ِة الكفار و إ�ثارة الفتن والنزاعات،
قالوا كذب ًا وجدال ًا :إ�نما نحن م�صلحون.
� ١٢إن هذا الذي يفعلونه ويزعمون أ�نه �إ�صلاح هو ٦إ�ن الذين كفروا بالله ي�ستوي عندهم �إنذا ُرك
عي ُن الف�ساد ،لكنهم من جهلهم وعنادهم ال ي�شعرون � -أيها الر�سول -وعد ُمه ،ف�إنهم لا ي ؤ�منون بما جئ َتهم به
من عند الله .وقد نزلت هذه الآية في طائفة من الم�شركين
�أنه ف�ساد.
ومن �أهل الكتاب� ،سبق في علم الله �أنهم لا ي ؤ�منون.
١٣و إ�ذا ُطلب منهم �أن ي�ؤمنوا كما آ�من النا� ُس
ال�صادقون في �إيمانهم� ،أَ َب ْوا ،وو�صفوهم بال�َّسفه :وهو ٧طبع الله على قلوب ه�ؤلاء الكفار لإ�صرارهم على
الطي� ُش و ِخ َّف ُة العقل؛ والحقيق ُة أ�نهم هم ال�ُّسفهاء الذين الكفر؛ إ�ذ جحدوا نبوة محمد - -بعد �أن تب َّي
لهم أ�نها حق ،وزعماء اليهود و�أحبارهم �أخفوا
لا يعلمون ما هم فيه من ال�ضلال والخ�سران. �صفاته - -المدونة في كتبهم ،فعاقبهم الله بالطبع
على قلوبهم و أ��سماعهم ،وجعل على �أعينهم غ�شاوة
١٤و إ�ذا قابلوا الم�ؤمنين أ�ظهروا ا إليما َن لهم ،و إ�ذا فلا يهتدون ولا ي ؤ�منون .هذا في الدنيا ،و أ� ّما في ا آلخرة
ان�صرفوا إ�لى ر�ؤ�سائهم في الكفر ،قالوا :نحن الثابتون
على طريقكم ،الـ ُمـ�ْس َتـ ِخـ ُّفــون بالم�سلمين ب�إظهار فلهم عذاب عظيم.
الموافقة لهم. ٨ومن النا�س فريق آ�خر منافقون يقولون ب�أل�سنتهم:
�ص َّدقنا بالله وباليوم ا آلخر ،ولي�س في قلوبهم من
١٥والله �سبحانه يجازيهم على ا�ستهزائهم ،و ُيهلهم
ولا يهملهم؛ ليزدادوا �ضلال ًا و َح ْي ًة وقلق ًا. ا إليمان �شيء.
١٦أ�ولئك المنافقون ا�ستح ّبوا ال�ضلال َة وا�ستبدلوها
بالهدى ،فما ربحوا في تجارتهم بل خ�سروا؛ ل�شرائهم
الكفر بالإيمان ،وما كانوا مهتدين إ�لى الحق وال�وصاب.
٣
٢٢وهو الذي جعل لكم الأر�ض ممهدة ثابتة، َ ١٧م َث ُل المنافقين في َف ْق ِد الانتفاع بالقر آ�ن في ا آلخرة
ت�ستقرون عليها و َي�ْس ُه ُل انتفا ُعكم بما فيها ،وجعل بعد معرفتهم به كرج ٍل �أوقد ناراً في ليلة مظلمة فاتقى
ال�سماء من فوقكم �سقف ًا متما�سك ًا ،يحميكم ولا ما ي�ضره ثم طفئت ناره .فقد انتفعوا في الدنيا بحقوق
ي�سقط عليكم ،و أ�نـزل من ال�سماء ماء ف�أخرج به أ�نواع
الثمرات رزق ًا لكم؛ فلا تزعموا لله أ��شباه ًا تعبدونهم الم�ؤمنين ثم يفقدون ذلك كله في ا آلخرة.
و أ�نتم تعلمون �أنه وحده الخالق والمنعم. ١٨هم كال ُّ�صم لا ي�سمعون الح َّق ،كال ُخـ ْر� ِس لا
ينطقون به ،كال ُع ْمي لا ينظرون فيه ،فلا يرجعون �إليه
٢٣و إ�ن كنتم في �ش ٍّك من القر�آن الذي �أنـزلناه على
عبدنا محم ٍد تزعمون �أنه لي�س من عند الله ،ف�أتوا بمقدار ليهتدوا به.
�أ ِّي �سورة مما يماثله وا�ستعينوا ب�آلهتكم التي تعبدون
وبكل من ي�شهد لزعمكم ليعينوكم في ذلك �إن كنتم ١٩وفي المنافقين نو ٌع آ�خرَ :م َث ُلهم مع القر آ�ن وبراهين
الحق فيه والوعيد على تركه مع تلقيهم ذلك بال�ش ِّك
�صادقين في زعمكم. كقوم نـزل بهم مطر غزير فيه ظلمات ورعد وبرق،
فالقر آ� ُن في إ�حياء القلوب كالمطر الغزير ،و�ش ُّكهم
٢٤ف إ�ن لم ت�أتوا ب�سورة من مثله -ولن ت أ�توا بذلك- فيه كظلمات غيومه ،و إ�نذا ُره ووعي ُده كالرعد ذي
َف ُقوا �أنف�سكم من النار التي ُتو َقد بالنا�س والحجارة، ال�وصاعق المحرقة ،وبراهي ُنه الباهرة كالبرق الخاطف،
وذلك ب أ�ن ت ؤ�منوا بر�سولنا محمد - -وما أُ�نزل ف إ�ذا �سمعوا الوعيد �أعر�وضا عنه مخافة أ�ن يت�أثروا
فيهتدوا ألن ا إليمان عندهم بمثابة الموت ،فهم كالذين
عليه ،فهذه النار أ�عدت للكافرين. ي�ضعون ر ؤ�و�س �أ�صابعهم في آ�ذانهم إ�ذا �سمعوا الرعد
حذر أ�ن تقتلهم �وصاعقه ،وذلك لا ينفعهم ألن الله
٤
يهلكهم متى �شاء؛ فهو محيط بهم لا َي ُفوتونه.
٢٠و�إذا ظهرت براهي ُن القر آ�ن كالبرق الذي ي�سلب
ا ألب�صار بلمعانه �أقبلوا إ�لى الإيمان؛ كما يم�شي النا�س
في البرق في الليل .و إ�ذا أ�حاطت بقلوبهم ال�شبهات لم
يتقدموا �إلى ا إليمان ،ووقفوا حائرين مترددين ،وتم َّلكهم
النفاق مرة ثاني ًة ،كما يقف من ي�سير في �وضء البرق
إ�ذا انطف أ� .ولو �شاء الله لذهب ب أ��سماعهم و�أب�صارهم
الظاهرة كما ذهب ب أ��سماعهم و�أب�صارهم الباطنة ،فهم
�أَ ْه ٌل لذلك -وهذا تحذير وتهديد لهم بالعقوبة الدنيوية
ليرتدعوا -إ�ن الله على كل �شيء قدير ،فلا يعجزه �شيء.
٢١يا �أيها النا�س اعبدوا ربكم الذي أ�وجدكم ولم
تكونوا �شيئ ًا ،و�أوجد الذين من قبلكم؛ فالخالق وحده
هو الم�ست ِح ُّق العباد َة ،وبذلك ترجون الوقاية من عذابه.
على ما فيه من ِح َكم ،و أ� ّما الكفار فلانطما�س ب�صيرتهم
ي�ستنكرونه ،ويقولون م�ستنكرين� :أي �شيء أ�راد الله
بهذا المثل؟! ف أ�جابهم الله تعالى بما ينا�سب مرادهم
من �س ؤ�الهم ،وهو أ�نه ي�ضل� ،أي :يخذل به كثيراً
-وذلك �أنهم حين لا يتع ّقلونه يك ّذبونه وي�سخرون منه،
فيزدادون بذلك �ضلال ًا -ويزيد به في �إيمان الم ؤ�منين،
وما ُي�ضل الله به �إلا الفا�سقين الكاملين في ف�سقهم ،وهم
الكافرون الم�صرون على كفرهم.
27الذين يخالفون ويتركون عه َد الله الذي أ�خذه 25وب�ِّش � -أيها الر�سول -الذين �آمنوا وعملوا
عليهم بالتوحيد والطاعة ،من بعد توثيقه عليهم وتوكيده ال�صالحات ،ب أ� ّن لهم في الآخرة جنات ،فيها �أنهار تجري
لهم ب�إر�سال الر�سل ،و�إنزال الكتب ،و َي ْقطعون ما أ�مر تحت أ��شجارها وق�وصرها ،وفيها الثمار ال�شهية ،كلما
الله أ�ن يكون مو�لاو ًص؛ ك�صلة ذوي ا ألرحام ،والتوا ّد،
والتعارف ،والتراحم بين بني الإن�سان ،ويف�سدون ُق ِّدمت لهم ثمر ٌة منها قالوا متعجبين :هذه الثمرة كالتي
في الأر�ض بالمعا�صي وب�إثارة الفتن ،و إ�يقاد الحروب، ر أ�يناها في الدنيا .ف�إذا تذ ّوقوها و�أكلوها ر�أوا عجب ًا،
و�إعاقة النا�س عن الإيمان بر�سالة محمد - -أ�ولئك و�أدركوا �أنها ت�شبه ثما َر الدنيا في ال�شكل واللون فقط،
أ�ما في ال َّذوق وال َّطعم فهذا ما لم يروه �أبداً ،ولهم فيها
هم الخا�سرون في الدنيا والآخرة.
�أي�ض ًا زوجا ٌت كاملات الطهارة ،لي�س فيهن ما ُيعاب،
28كيف تجحدون � -أيها الم�شركون -وحداني َة الله وهم فيها خالدون.
تعالى ،وتعبدون معه غيره بعد إ�قامة البرهان القاطع
عليها في �أنف�سكم؟! وقد كنتم عدم ًا ف أ�خرجكم إ�لى � 26أخب َر الله ُ� -سبحانه� -أنه لا َي�ست�صغ ُر �شيئ ًا َي�ضرب
الوجود ،ونفخ فيكم الروح ،ثم يميتكم بعد انق�ضاء به مثل ًا ولو كان بعو�ضة فما فوقها في ال�صغر والحقارة،
آ�جالكم ،ثم يعيدكم �أحيا ًء يوم البعث ،ثم �إليه ترجعون
للح�ساب والجزاء .فالذي �أحياكم �أول مرة قادر على �أو فوقها في الكبر؛ لما في ذلك من الحكمة وك�شف المعنى
إ�حيائكم مرة �أخرى. و�إي�ضاح الحق الذي يريد تعالى إ�ي�ضاحه ،ف�أ ّما الذين
�آمنوا في�صدقونه لعلمهم �أنه كلام الله الح ّق ،ويقفون
29الله -تعالى -هو وح َد ُه الذي خلق لأج ْلكم كل
ما في الأر�ض من النعم -النبات والحيوان والمعادن
والجبال والبحار -التي تنتفعون بها ،ثم ق�صد إ�لى خلق
ال�سماوات ف�سواهن �سبع �سماوات ،وهو بكل �شيء
عليم؛ ف ِع ْل ُمه �سبحانه محيط بجميع الخلق.
٥
أ�بداً هذه ال�شجرة التي ح ّددتها لكما� ،إنكما �إن �أكلتما 30واذكر -أ�يها الر�سول -نعم ًة أ�خرى من ربك
منها كنتما من الظالمين .وكان هذا اختباراً لهما وابتلاء. على الإن�سان ،وهي �أنه قال للملائكة� :إني جاع ٌل
في الأر�ض قوم ًا يخلف بع�ضهم بع�ض ًا في عمارتها.
36ف أ�وقعهما ال�شيطا ُن في المخالفة ب�أن �أكلا من واذكر قول الملائكة :أ�تجعل فيها من يف�سد فيها
ال�شجرة التي نهاهما الله عن ا ألكل منها ،و�أخرجهما ويريق الدماء بالعدوان والقتل بينما نحن نن ّزهك
مما كانا فيه من نعيم الجنة ،ب�سبب َو�سو�سته وا ّدعائه عما لا يلي ُق بعظمتك ،ونم ّجدك بكل �صفات الكمال
لهما أ�نها �شجر ُة الخلد ،فقال الله تعالى آلدم وحواء والجلال؟ ف�أجابهم ر ُّبهم :إ�ني �أعلم ما لا تعلمون من
و إ�بلي�س :اهبطوا الأر�َض يعادي بع ُ�ضكم بع�ض ًا،
ولكم فيها ا�ستقرا ٌر ،و�إقام ٌة ،وانتفا ٌع بما فيها �إلى الحكمة في َخ ْلقهم.
وق ِت انتهاء �آجالكم. 31وع ّلم الله تعالى �آد َم أ��سما َء ا أل�شياء ك ّلها التي �شاء
الله تعالى �أن يع ِّلمه إ�ياها ،ثم عر�ض تلك ا أل�شياء على
37ف أ�ل َه َم الله �آد َم كلما ٍت فيها إ�قرا ٌر بظلمه لنف�سه، الملائكة �إظهاراً لعجزهم ول�شرف �آدم بما ا ْخ ُت�ص به من
وطل ٌب للمغفرة والرحمة له ولزوجه ،وهي} :ﭒﭓ عل ٍم ،وقال الله للملائكة :أ�خبروني ب أ��سماء ما عر�ض ُته
ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ{، عليكم إ�ن كنتم �صادقين �أن آ�دم وذريته غير جديرين
فقبل الله توبتهما ،إ�نه �سبحانه التوا ُب على من تاب من
بالا�ستخلاف في ا ألر�ض.
عباده ،الرحي ُم بهم.
32أ�جابت الملائكة معترفين بعجزهم ،ومنزهين الله
٦ تعالى �أن ُيعتر�ض على ق�ضائه ،قائلين� :سبحانك ،لا علم
لنا إ�لا ما علمتنا إ�ياه ،إ�نك أ�نت العليم بكل �شيء ،الحكيم
في تدبيرك وق�ضائك.
� 33أمر الله آ�د َم ب�إخبار الملائكة ب�أ�سماء المخلوقات
التي عجزوا عن معرفة أ��سمائها ،فلما أ�خبرهم بها،
قال الله تعالى للملائكة :لقد �أخبرتكم �أني �أعلم
ما خفي عنكم في ال�سماوات وا ألر�ض ،و�أعلم ما
ُتظهرون وما ُتخفون.
34واذكر � -أيها الر�سول -حين �أمرنا الملائكة
بال�سجود لآدم �سجو َد تحي ٍة وتكري ٍم ،لا �سجو َد عباد ٍة،
ف�سجدوا جميع ًا إ�لا �إبلي�س امتنع عن ال�سجود تك ُّباً
وح�سداً ،و�صار من الكافرين بالله ،العا�صين لأمره.
35وقلنا آلدم :ا�ْسكن �أنت وزو ُجك الجنة ،ف ُكلا من
ثمارها �أكل ًا هنيئاً مريئاً ،وتم ّتعا بكل ما فيها ،ولا تقربا
�صحيح التوراة ،ولا تكونوا أ�و َل فري ٍق من �أهل الكتاب 38قال تعالى لآدم وزوجه و إ�بلي�س :اهبطوا من الجنة
يك ُفر به ،ولا تبيعوا آ�ياتي بثمن قليل من متاع الدنيا جميع ًا ،ف إ�ن �أتاكم � -أي يا آ�دم وحواء ،ثم ذريتهما من
الزائل ،وخافوني بطاعتي واتقاء �أ�سباب غ�ضبي ،ولا بعدهما -م ِّني هد ًى و�إر�شا ٌد وت�شري ٌع؛ َف َم ْن َق ِبله وعمل
به ،فلا خو ٌف عليهم من عذاب ا آلخرة ،ولا هم
تخافوا �أحداً غيري.
يحزنون على ما فاتهم في الدنيا.
42ولا َتخلطوا الح َّق المن َّزل من عند الله ،بالباطل
الذي تفترونه ،ولا تخفوا ما في كتابكم (التوراة) 39والذين جحدوا ب�آيات الله وك ّذبوا� ،أولئك �أهل
من أ�و�صاف محمد - -و أ�نتم تعلمون أ�نها ح ٌّق النار ،يخلدون فيها أ�بداً ،لا يخرجون ،ولا يفنون.
و�صد ٌق. 40يا بني �إ�سرائيل :اذكروا نعمي الكثيرة عليكم؛
وا�شكروا لي ،و أ� ْوفوا بعهدي الذي �أخذته عليكم،
43وا�ستجيبوا ل إليمان ،و�أقيموا ال�صلاة ،وادفعوا و�أقررتم به على �أنف�سكم :ب أ�ن ت ؤ�منوا بكتبي ور�سلي
زكا َة أ�موالكم ،واخ�ضعوا لله و�صلوا �صلاة الم�سلمين جميع ًا ،وتعملوا ب�شرائعي؛ ف�إن فعلتم ذلك� ،أحق ْق لكم
ما �ضمن ُت لكم من الجزاء الح�سن والثواب الجزيل على
الراكعين.
الطاعة؛ وخافوني ولا تخافوا �أحداً �سواي.
44أ�ت�أمرون يا مع�شر علماء اليهود النا� َس بال ِ ِّب -وال ِ ُّب
ا�سم جامع لأعمال الخير ،وكل ما فيه ر�وضان الله- 41و�ص ِّدقوا -يا بني �إ�سرائيل -بالقر�آن الذي أ�نزل ُته
وتتركون �أنف�سكم فلا ت أ�مرونها بذلك ولا تلتزمون على نب ّيي محمد ،موافق ًا وم�صدق ًا لما تعلمون من
به ،و أ�نتم تقر�ؤون وتدر�سون التوراة وتعلمون ما فيها
على َم ْن ق ّ�ص في �أوامر الله؟! �أفلا تعقلون ُقبح حالكم، ٧
فتنتهوا عن ذلك.
4٦ 45وا�ستعينوا على القيام بما �أمرتكم به من
طاعات ،وفي أ�موركم كلها بال�صبر ،وبال�صلاة التي هي
ثقيلة إ�لا على الطائعين ،الذين اطم أ�نت قلوبهم للطاعة،
وتي َّقنوا أ�نهم ملاقو ربهم بعد الموت ،و أ�نهم راجعون
إ�ليه للح�ساب والجزاء.
47يا بني �إ�سرائيل اذكروا نعم َي الكثير َة عليكم،
فقوموا بح ِّقها ،وتذ َّكروا �أني ف ّ�ضلت �أ�سلا َفكم على
العالمين في زمانهم ،وذلك بكثرة الأنبياء منهم والكتب
المنزلة فيهم؛ و�إغدا ُق تلك النعم على أ��سلافكم �شر ٌف
لكم.
48واحذروا يو َم القيامة ،يو َم البعث والح�ساب،
يو َم لا تغني نف� ٌس عن نف� ٍس �شيئ ًا ،ولا يقبل الله �شفاع ًة
في الكافرين ،ولا يقبل منهم فدية بدل العذاب ،ولا
يجدون �أحداً يمن ُع عنهم عذا َب الله تعالى.
٤٩واذكروا -يا بني �إ�سرائيل -من ِن َعمنا عليكم �أ ْن
نجيناكم من ظلم فرعو َن و�أعوانه الذين كانوا يذيقونكم
�أ�ش ّد العذاب ،فهم يذبحون الذكور من �أولادكم،
وي�ستبقون ا إلناث .وفي هذا العذاب والتع ُّر�ِض للفناء،
ابتلا ٌء �شديد من ربكم ،واختبا ٌر عظيم لكم.
٥٠واذكروا �أي�ض ًا نعم َتنا عليكم حين �ش َق ْقنا لكم
البح َر وجعلنا لكم فيه طريق ًا َي َب�س ًا تم�وشن على �أر�ضه،
ف أ�نجيناكم ،و أ�غرقنا فرعو َن وقو َمـه ،و أ�نتم تنظرون
إ�ليهم ،وهم يغرقون.
٥١واذكروا حين واعد ر ُّبكم مو�سى أ�ربعين ليل ًة
لمناجاته ،فلما ذهب إ�لى ميعاده عاد وقد انحرفتم،
وعبدتم العج َل الذي �صنعه ال�سامر ُّي ،وهذا من �أ�شنع
الكفر وال�شرك بالله.
وقد كان هذا طلب الكفرة قديم ًا ،فكيف يع ّلق الكافر ٥٢ثم عفونا عنكم ،فمحونا ذنبكم هذا حين تبتم
الآن إ�يمانه بالله على ر�ؤيته �سبحانه في الدنيا ،مع �أنه وا�ستغفرتم من إ�ثمكم ون َّفذتم العقوبة التي فر�ضناها
عليكم ،لعلكم ت�شكرون ربكم على َ�ص ْفحه وعفوه
ي ؤ�من بوجود أ��شياء لم يرها ،ولكنه عرفها من �آثارها.
وف�ضله.
٥٦واذكروا يا بني �إ�سرائيل نعمتي عليكم في بعثي
لكم بعد �إماتتكم بال�صاعقة؛ لعلكم ت�شكروني .فهذا ٥٣واذكروا نعم َتنا عليكم حين آ�تينا مو�سى التوراة،
الموت كان عقوب ًة لهم ،ث َّم بعثهم الله لي�ستوفوا �آجالهم َت ْف ِرق ًة بين الحق والباطل؛ لكي تهتدوا من ال�ضلالة.
التي ق ّدرها لهم. ٥٤واذكروا حين قال مو�سى لقومه :إ�نكم ظلمتم
أ�نف َ�سكم بعبادة العجل فتوبوا �إلى خالقكم :ب�أن يقت َل
٥٧و ِم ْن ف�ضلنا عليكم أ�ننا جعلنا ال�سحاب لكم البري ُء منكم المجرم ،فذلك خير لكم عند خالقكم
كال ُّظلة لي�وص َنـكم من الحر ال�شديد ،و�أنزلنا عليكم للنجاة من عذاب الآخرة فامتثلتم لذلك ،فم َّن الله بقبول
الم ّن ،وهو مادة حلوة لزجة كالع�سل ،كما �أنزلنا عليكم توبتكم ،إ�نه كثير التوبة على عباده ،وا�سع الرحمة بهم.
ال�سلوى وهو طير ي�شبه ال�ُّس َما َنى ،وقلنا لكم :كلوا
من طيبات رزقنا ،فكفرتم بهذه النعم ،وما ظلمتمونا ٥٥واذكروا قول �أ�سلافكم لمو�سى :إ�ننا لن ن�ص ّدقك
بع�صيانكم أ�م َرنا ،وكف ِركم نع َمنا ،ولكن ظلمتم أ�نف َ�سكم بما جئتنا به ،حتى نرى الله ِعيان ًا ب�أب�صارنا ،فانق ّ�ضت
عليهم نار من ال�سماء ف�أهلكتهم وهم يرون ذلك عيان ًا.
بتعري�ضها للعذاب.
٨
-عليه ال�سلام -ال�ُّسقيا لكم من ربه حين ا�شت ّد بكم
العط�ش و أ�نتم في ال ِّتيه ،فرحمناكم ،وقلنا لمو�سى :ا�ضرب
بع�صاك الحجر ،ف�ضربه فانفجر الماء من اثنتي َع�ْشة عين ًا
بعدد ا أل�سباط ،ف�صار لكل قبيلة منهم عين ،فعرفت كل
قبيلة مكا َن �شربها ،وقلنا لكمُ :كلوا من الم ّن وال�سلوى،
وا�شربوا من هـذا الماء الذي ف ّجرناه لكم ،ولا ت�سعوا في
ا ألر�ض مف�سدين.
61واذكروا -يا بني �إ�سرائيل -قول أ��سلا ِفكم لمو�سى 58واذكروا -يا بني إ��سرائيل� -إذ �أمرناكم بالدخول
�إلى مدينة بيت المقد�س والأكل من خيراتها وطيب
-عليه ال�سلام :-لن ن�ستطيع ال�صب َر على طعا ٍم واح ٍد ثمراتها كيف �شئتم أ�كل ًا هنيئ ًا وا�سع ًا ،وقلنا لكم:
كل يوم من الم ّن وال�سلوى ،دائم لا يتغير ،فاد ُع لنا ربك ادخلوا باب المدينة خا�ضعين خا�شعين توا�ضع ًا لله رب
يخر ْج لنا مما تنب ُت ا ألر�ض من بقولها وقثائها وثومها العالمين .وقولوا :ر َّبنا ُح َّط عنا خطايانا ،ف إ�ن فعلتم ذلك
وعد�سها وب�صلها ،فقال مو�سى م�ستنكراً� :أتطلبون غفرنا لكم ،و�سنزيد المح�سنين منكم بالطاعة ثواب ًا
ما هو أ�قل قدراً بدل ًا مما هو أ�ح�س ُن و�أف�ض ُل وهو الم ُّن وف�ضل ًا عظيم ًا.
وال�سلوى الذي اختاره الله لكم؟! ف�إذا كنتم ُم�ص ِّرين
على ذلك فاهبطوا أ� ّي بلد من البلاد ف�إ َّن لكم فيه ما 59فلم يدخل الذين ظلموا منهم باب مدينة بيت
طلبتم .ولهذا البطر والعناد أ�حاطت به ؤ�لاء اليهود المقد�س �ساجدين خا�ضعين ،و إ�نما دخلوها زاحفين
على أ�دبارهم وهم يقولون غير الذي قيل لهم ،فخالفوا
ال ِّذلة والفقر والخنوع وا�ستحقوا غ�ض َب الله عليهم، الفعل والقول جميع ًا .وهذا غاية ما يكون من المخالفة
وذلك كله ب�سبب كفرهم بما �أظهر الله لهم من الحجج
والمعاندة؛ ولف�سقهم هذا �أنزل الله بهم ب�أ�سه وعذابه.
والمعجزات ،وقت ِلهم ا ألنبيا َء ظلم ًا وعدوان ًا بغير حق.
وقد ج ّر�أهم على ذلك الكف ِر وهذا القت ِل ،ما اعتادوه
من التم ّرد والعدوان ومجاوزة الحد في المعا�صي.
60واذكروا يا بني �إ�سرائيل يوم طلب نبيكم مو�سى
٩
� 62إ ّن الذين �آمنوا -وهم الم�سلمون -والذي هادوا
-وهم اليهود -والن�صارى -وهم أ�تباع عي�سى عليه
ال�سلام -وال�صابئين -وهم بقايا من كان على م َّلة
�إبراهيم و إ��سماعيل عليهما ال�سلام ،الم�س َّمون بالحنفاء-
ك ُّل من �آمن بالله واليوم ا آلخر في زمنه من ه�ؤلاء وعمل
�صالح ًا ،ف�إن لهم ثوابهم المحفوظ عند ربهم ،ولا
يلحقهم خو ٌف من عقاب ،ولا ينا ُلهم حز ٌن على فوا ِت
ثواب.
63واذكروا -يا بني �إ�سرائيل -حين �أخ ْذنا عليكم
العه َد الم�ؤ َّك َد بالعمل بما في التوراة ،ورفعنا فوقكم
جبل الطور حتى خفتم و�أذعنتم ،وقلنا لكم :خذوا ما
أ�مرناكم به في التوراة ب ِج ٍّد واهتمام وحزم واحفظوه،
واعملوا به؛ لكي تتقوا عقابي ،وتفوزوا بر�ضاي.
لمعرفة قاتل �شخ�ص منهم -فقالوا لمو�سى :أ�تهز أ� بنا، 64ث ّم نكثتم العه َد ،و أ�عر�ضتم عن الطاعة ،بعد �أن
وت�سخر منا؟ فر ّد عليهم قائل ًا� :إني أ�عت�صم بالله �أن �أكو َن عاهدتم ر َّبكم على ذلك ،فللاو ف�ض ُل الله عليكم بالتوبة،
ورحمته بكم بالعفو عنكم ،لكنتم من الخا�سرين في
من الجاهلين الذين ي�ستهزئون بعباده.
الدنيا والآخرة.
68قالوا :يا مو�سى ادع لنا ربك حتى يب ِّي لنا �صفة
هذه البقرة ،ف�أجابهم� :إن الله يقول لكم� :صفتها �أ ّل 65ولقد علمتم -يا مع�شر اليهود -ما عاقبنا به
تكو َن ُم�س ّن ًة َه ِرم ًة ،ولا �صغير ًة فت ّي ًة ،و إ�نما هي متو�سط ٌة أ��سلا َفـكم الذين ح َّرمنا عليهم ال�صيد يوم ال�ّسبت
فخالفوا �أمر الله احتيال ًا وعدوان ًا ،فم�سخناهم قرد ًة
بينهما ،فافعلوا ما �آمركم به تعرفوا القاتل.
منبوذين �أذلاء.
69لم يمتثلوا الأمر ،وعادوا إ�لى جدالهم قائلين:
اطلب لنا من ربك يب ّ ْي لنا لونها .قال :إ�نه يقول :إ�نها 66فجعلنا هذه العقوبة زاجر ًة لمن �شهدها وعاينها،
وعبر ًة لمن جاء بعدها ،وعظ ًة لكل عبد �صالح م ّت ٍق لله
بقر ٌة �صفرا ُء �شديد ُة ال ُّ�صفرةُ ،ت ْع ِج ُب من ينظر �إليها.
عز وجل.
67واذكروا حين قال مو�سى -عليه ال�سلام -لبني
إ��سرائيل :إ�ن الله ي أ�م ُركم أ�ن تذبحوا بقرة -وكان ذلك
١٠
73فقلنا :ا�ضربوا القتيل بجزء من هذه البقرة،
ف�ضربوه به ،ف�أحياه الله ،ف أ�خبرهم عن القاتل ،وفي هذا
الإحياء دليل على �صحة البعث يوم القيامة؛ لأن من أ�حيا
نف�س ًا واحدة قادر على إ�حياء جميع الموتى يوم القيامة.
74ثم َق َ�س ْت قلو ُبكم -أ�يها الكفار من بني إ��سرائيل-
فلم يعد ُي�ؤ ّثر فيها ن�ص ٌح ولا تذكي ٌر ،من بعد ر�ؤية كل
هذه المعجزات الباهرات ،فهي في ق�سوتها مث ُل الحجارة
بل أ��ش ّد منها ق�سو ًة؛ ألن ِم َن الحجارة ما تتفجر منه
ا ألنهار ،ومن الحجارة ما يت�ص ّدع فين�ش ّق ،فتخرج منه
العيون والينابيع ،ومن الحجارة ما ي�سقط من ُع ْل ٍو خ�شي ًة
لله تعالى وتعظيم ًا له.
� 75أترجون � -أيها الم�سلمون� -إيمان اليهود وهم على 70ثم َلـ ُّجوا في أ��سئلتهم فقالوا :اد ُع لنا ربك يب ّ ْي
ما هم عليه من ا إل�صرار على تحريف كلام الله تعالى من لنا �صفات �أخرى؛ ألن البقر ت�شابه علينا لكثرة ا ألبقار
بعد ما عرفوه وفهموه بعقولهم ،ولا �ش َّك �أنهم كانوا
ال ُّ�صفر المتو�سطة ال�سن ،و�سنهتدي �إليها بم�شيئة الله.
يعلمون �شناعة ُجرمهم.
71قال لهم مو�سى -عليه ال�سلام� :-إن الله يقول:
76و�إذا ر�أ ْوا �أ�صحا َب النبي - -واجتمعوا معهم
قالوا بل�سانهم :نحن ن�ص ّدق ب�أن ر�سو َلكم ح ّق ،و�أنه إ�ن هذه البقرة لي�ست ُم�س ّخرة لحراثة ا ألر�ض ،ولا ل�سقي
المب�َّش به عندنا في التوراة؛ و إ�ذا خلا بع�ضهم ببع�ض ،قالوا الزرع� ،سليمة من العيوب جميعها ،لي�س فيها لون �آخر،
في �إنكا ٍر :أ�تحدثونهم بما في التوراة من �صفات محمد؛
لتكو َن لهم الحج ُة عليكم عند ربكم يوم القيامة؟ �ألي�ست يخالف لو َن جلدها ا أل�صفر .قالوا :الآن جئ َت بحقيقة
الو�صف .فذبحوها بعد طول تع ّنت ،وقد قاربوا �أ ّل
لكم عقو ٌل تدركون بها هذا الخط�أ الفاح�ش؟! يفعلوا ذلك لعنادهم .وهكذا �ش ّددوا ف�ش ّدد الله عليهم.
72واذكروا حين قتل بع ُ�ضكم نف�س ًا ،فتخا�صمتم
وتنازعتم فيمن هو القاتل ،ك ّل فريق يتهم الآخر بلا دليل،
والله مظهر لا َمحال َة ما تخفونه من أ�مر القاتل الحقيقي.
١١
77أ� َولا يعل ُم ه�ؤلا ِء اليهو ُد أ�ن الله يعلم ما يخفو َن من
الكفر وغيره ،وما يظهرون من الإيمان و�صالح ا ألعمال
على جهة النفاق والخداع؟
78ومن اليهود ُأ� ِّم ّيون ،لا يقر�ؤون ولا يكتبون ،ولا
يعرفون من التوراة �إلا �أموراً عجيبة و أ�كاذيب ،ل ّفقها
لهم أ�حبا ُرهم ،و أ�ل َق ْوا في ظ ّنهم أ�نها حقائق من الكتاب.
79فالهلا ُك والعذا ُب له ؤ�لاء ا ألحبار الذين يكتبون
الكتاب ب أ�يديهم ،ثم يقولون :هذا ِمن عن ِد الله وهو في
التوراة؛ ل َي ِ�صلوا من وراء ذلك �إلى غر�ض تافه من �أغرا�ض
الدنيا الفانية ،فلهم عقوب ٌة مهلك ٌة ب�سبب كتابتهم هذا
الباط َل ب أ�يديهم ،ولهم عقوب ٌة مهلكة ب�سبب ما ي�أخذونه
في المقابل من المال الحرام ،كالر�وشة وغيرها.
الوالدين وا ألقربين واليتامى والم�ساكين ،و�أن تح ِّدثوا 80وا ّدعت اليهود أ�نهم لا يع َّذبون في جهنم �إلا �أيام ًا
قليلة .قل لهم -أ�يها الر�سول :-هل أ�خذتم من الله وعداً
النا�س بخير الحديث و�أطيبه ،وتحاوروهم ب أ�ح�سن ما
أ� ّل يعذبكم �إ ّل هذه المدة ،وحينئذ لا يخلف الله وعده؟
تحبون أ�ن ُتا َوروا به ،و أ�ن ت ؤ� ّدوا ما ُفر�ض عليكم من
�صلا ٍة وزكا ٍة ،ثم أ�عر�ضتم ونق�ضتم العهو َد � -إلا قليل ًا بل أ�نتم في الواقع تفترون على الله الكذب.
منكم -و�أنتم م�ستمرون في إ�عرا�ضكم. 81لي�س الأم ُر كما زعم ُتم �أيها اليهود .فحك ُم الله
العا ُّم ناف ٌذ في خلقه جميع ًا -لا فرق بين يهودي وغير
يهودي -ب أ� ّن َم ْن ارتكب �سيئ ًة و�أحاطت به �آثامه حتى
�َس ّدت عليه مناف َذ الرجوع والتوبة ،ف�أولئك أ��صحاب
النار هم خالدون فيها.
82وك ُّل َم ْن آ�من وعمل �صالح ًا ِم ْن كل جن� ٍس و َلو ٍن
ف�أولئك �أ�صحاب الجنة هم فيها خالدون.
83واذكروا يا بني إ��سرائيل �إذ �أخذنا عليكم في التوراة
العهو َد الم ؤ� َّكدة� :أ ّل تع ُبدوا إ�لا الله ،و�أن ُت ِ�سنوا �إلى
١٢
يوجب المفاداة ،وتكفرون ببع�ضه ا آلخر الذي ُيح ِّرم
القتل والإخراج؟! فما جزاء من يفعل ذلك منكم إ�لا
خز ٌي في الحياة الدنيا ،ويوم القيامة ير ّدهم الله �إلى
�أفظع العذاب في النار .واعلموا أ�ن الله لي�س بغافل عما
تعملون.
86أ�ولئك الذين �آثروا الحياة الدنيا على الآخرة 84و�إذ أ�خ ْذنا -يا بني إ��سرائيل -العه َد في التوراة �أ ّل
فا�ستبدلوا بنعيمها الدائم متا َع الدنيا الزائل ،فلا يخ َّفف يقتل يهود ٌّي يهودي ًا ظلم ًا و�أ َّل ُيخرج بع ُ�ضكم بع�ض ًا من
م�ساكنهم و�أر�ضهم ،ثم قبلتم هذا الميثاق و أ�نتم ت�شهدون
عنهم عذا ُب جهنم ،ولن يجدوا َم ْن ينقذهم منه.
وتقرون على أ�نف�سكم بذلك.
87ولقد �أنعمنا عليكم -يا بني إ��سرائيل -ب أ�ن �أر�سلنا
إ�ليكم مو�سى ،و�آتيناه التوراة لهدايتكم ،و�أتبعنا �إليكم 85ثم �أنتم ه�ؤلاء يقتل بع ُ�ضكم بع�ض ًا ،و ُيخرج
في إ�ثره ر�سل ًا كثيرين ،ر�سلا ًو بعد ر�سول ،و�أر�سلنا �إليكم بع ُ�ضكم بع�ض ًا من ديارهم ،ويتحالف ويتعاون ك ّل فريق
عي�سى ابن مريم م ؤ� َّيداً بال ُحجج والدلائل الوا�ضحة على منكم مع ا ألعداء على إ�خوانه بالإثم والعدوان ،و�إ ْن
نبوته ،و أ�يدناه بالمعجزات وبجبريل روح القد�س ،فقابلتم �َأ�َ َس ا ألعداء �أحداً منكم ،وجاءكم يطلب الفدا َء لنف�سه
هذه النعم بالكفر والإجرام ،فك ّلما جاءكم ر�سول بما لا �أنقذتموه من الأ�سر بدفع الفدية؛ إ�يمان ًا بما في التوراة -
يوافق هواكم ،ا�ستكبرتم عن اتباعه وا إِليمان به ،ففريق ًا
منهم كذبتم ،وفريق ًا تقتلون .فكما ك ّذب أ��سلافكم أ�ي �أنكم لا تنفذون من تعاليم التوراة �إلا فدا َء ا أل�سرى
المر�سلين ،كذبتم محمداً - -وا�ستكبرتم عن اتباعه. فقط -علم ًا ب�أنه ُمح َّرم عليكم �إخرا ُجهم من ديارهم
-وهذا توبي ٌخ على تناق�ضهم؛ لأن الأ�سر نتيجة الإخراج
88وقال فريق منهم لر�سولنا محم ٍد حينما دعاهم من الديار -فكيف ت�ص ّدقون ببع�ض التوراة ،وهو الذي
�إلى الإ�سلام :قلوبنا مغ ّطاة ب�أغطية تمنع نفوذ دعوتك
�إليها -يريدون بذلك تقنيط ر�سول الله من دعوته
إ�ياهم -ولي�س ا ألمر كما ا ّدعوا ،بل هم مطرودون من
رحمة الله ب�سبب جحو ِدهم بنبوة محمد - -بعد
معرفتها ،فلا ي�ؤمنون �إلا �إيمان ًا قليل ًا ببع�ض كتابهم.
١٣
89ولـ ّما �أنزل الله تعالى القر�آن م�ص ّدق ًا لما معهم من
التوراة ،وكانوا قبل نزوله ،يطلبون من الله الن�ص َر على
�أعدائهم بالنب ّي المبعوث �آخ َر الزمان ،المو�وصف عندهم
في التوراة ،فلما جاء الر�سول الذي عرفوا و�صفه،
كفروا به ح�سداً وبغ�ض ًا؛ لأنه لي�س منهم ،فلعنة الله على
كل من كفر بنب ِّي الله ور�سوله محمد - -وكتابه
الذي �أوحاه الله إ�ليه.
90ولبئ�س ما باعوا به �أنف�سهم؛ �إذ ا�ستبدلوا الكفر
با إليمان بغي ًا وح�سداً وكراهي ًة إلنزال الله ِم ْن ف�ضله
القر�آ َن على ر�سوله محمد - -فرجعوا بغ�ضب
على غ�ضب :غ�ض ٍب ِم َن الله عليهم فيما كانوا �ض ّيعوا
ِم َن التوراة وهي معهم ،وغ�ض ٍب ب�سبب جحودهم
بالنبي محمد .وللجاحدين نبو َة محمد عذا ٌب ذو
إ�هانة عظيمة و�إذلال.
93واذكروا -يا مع�شر اليهود -إ�ذ أ�خذنا عليكم 91و�إذا قيل له ؤ�لاء اليهود� :ص ِّدقوا بما أ�نزل الله من
القر آ�ن ،قالوا :يكفينا ا إليمان بما أُ�نزل علينا من التوراة،
العهد على العمل بما في التوراة ،ورفعنا فوق �أ�سلافكم ويجحدون بما أ�نزل الله بعد ذلك من القر آ�ن ،وهو
الحق م�ص ّدق ًا لما معهم؛ ألن ُكت َب الله ُي�ص ّدق بع ُ�ضها
جبل الطور ك أ�نه ُظ ّلة ،قائلين لهم :خذوا ما �آتيناكم في بع�ض ًا .قل لهم -أ�يها الر�سول :-إ�ن كنتم �صادقين في
دعواكم الإيما َن بما �أُنزل �إليكم ،فل َم قتلتم أ�نبياء الله من
التوراة بج ٍّد واجتهاد ،وا�سمعوا �سماع طاعة ،فقالوا قبل؟! وقد و َّبخ الله تعالى بذلك الموجودين لر�ضاهم
بل�سان المقال� :سمعنا ،ثم كان حالهم من بعده نق�ض بفعل� أ�سلافهم.
العهد والع�صيان ،وخالط ح ُّب العجل قلو َب أ��سلافكم 92ولقد جاءكم مو�سى -عليه ال�سلام -بالمعجزات
و�ُشغفوا به ب�سبب كفرهم .قل لهم يا ر�سول الله مو ّبخ ًا الوا�ضحات والدلائل القاطعات على �أنه ر�سول الله:
لهم -وهم ي ّدعون الإيمان بما أ�ُنزل عليهم :-بئ�س هذا كالع�صا ،واليد ،و َف ْل ِق البحر ...وغير ذلك ،ومع كل
ا إليما ُن الذي ي أ�مركم بالكفر بما ُأ�نزل عل َّي ،إ�ن كنتم -كما هذا اتخذتم العجل إ�له ًا معبوداً من بعد ذهاب مو�سى
تزعمون -م�ؤمنين! والمعنى أ�نهم ك�أ�سلافهم ،فقد ُح ِّب َب إ�لى مناجاة ربه ،وقد فعلتم ذلك و�أنتم ظالمون ألنف�سكم
�إليهم تكذيب محمد ،ونق�وضا عهود التوراة بما
فيها ا ألمر بالإيمان به ،ب�سبب كفرهم ومعا�صيهم. متجاوزون لحدود الله.
١٤
97قل � -أيها الر�سو ُل -لليهود حينما قالوا :إ� ّن
جبري َل الذي تخبرنا �أنه ينزل بالوحي عليك هو عد ّونا
من الملائكة؛ فلا ن ؤ�من بما نزل به �إليكَ :م ْن كان منكم
عدواً لجبريل؛ ف إ�نه الم َلك الذي ا�صطفاه الله تعالى لتنزيل
القر�آن على قلبك ب�أمر الله تعالى و إ�ذنه ،م�صدق ًا لما �سبقه
من الكتب ا إللهية ،فيه الهداية والإر�شاد ،والب�شارة
للم ؤ�منين بجنات النعيم .فعداوته إ�ذاً عداوة لا َو ْج َه لها،
وهي عداوة لله وتكـ ُّبـ ٌر على �أمره.
َ 98م ْن عادى الله تعالى وملائك َته ور�س َله ،وعادى
جبريل وميكائيل ف�إنه يكون بذلك عد ّواً لله وكافراً
به ،والله عد ٌّو للكافرين .وقد خ�َّص الله تعالى جبريل
وميكائيل بالذكر ت�شريف ًا لهما.
99ولقد أ�نزلنا �إليك � -أيها الر�سول� -آيا ٍت �ساطعا ٍت، 94قل � -أيها الر�سول -لليهود� :إ ْن كنتم تزعمون
وا�ضحا ِت الدلالة على �صدق نبوتك ،وما يجح ُد بهذه أ� ّن الجن َة خال�ص ٌة لكم ،و أ�نكم �أحبا ُب الله ،و أ� ّن الله
لن يعذبكم على ذنوبكم ،فاطلبوا من الله �أن يميتكم،
ا آليات ال�ساطعة ،إ�لا ال َك َفر ُة الخارجون عن دين الله.
لت�ستمتعوا بنعيم الجنة؛ �إن كنتم �صادقين في دعواكم.
� 100أ َوكلما �أعطى اليهود عهداً ،طرحه فري ٌق منهم
ونق�وضه! �إن معظ َمهم لا ي�ؤمن بحرم ِة عه ٍد ولا بقدا�س ِة 95ولن يتمنى اليهود الموت أ�بداً؛ ب�سبب ما فعلوه
من الذنوب وا آلثام كالتحريف والتكذيب؛ فهم غي ُر
ميثا ٍق؛ يبرمون العه َد اليو َم وينق�وضنه غداً. آ�منين من العذاب .والله علي ٌم بالكافرين و�سيجازيهم
101ولـ ّما جاء اليهو َد ر�سو ٌل ِم ْن عند الله ،أ�و�صا ُفه على ذلك.
مطابق ٌة لما في �أ�سفارهم -وهو محم ٌد -نبذ فريق
منهم ما ُذكر في كتبهم عن هذا الر�سول ،ك�أنه لم يرد 96ولتجد ّن -أ�يها الر�سول -اليهو َد �أ�ش ّد النا�س
حر�ص ًا على الحياة مهما كانت هذه الحياة ،ولتجد َّنهم
فيها ولم يعلموا �شيئ ًا عنه! أ�حر�ص عليها من الذين �أ�شركوا ،يو ُّد أ�حدهم لو يعي�ش
�ألف �سنة ،ولي�س ذلك بمنجيهم ولا بمبعدهم من
عذاب الله؛ والله م ّطل ٌع على أ�عمالهم ومجازيهم عليها.
١٥
الم ؤ�منون -بدل ًا منها :ا ْن ُظرنا ،و�أ ْح ِ�سنوا الإ�صغا َء إ�لى ما 102وا َّتبع اليهو ُد ُكت َب ال�سحر ،التي كانت تح ّدثهم
يتلوه عليكم ،وللكافرين عذاب أ�ليم. بها ال�شياطين ،في عهد �سليمان -عليه ال�سلام -ون�سبوا
105ما ُيح ّب اليهو ُد والن�صارى والم�شركون أ�ن ُين ّزل �سليمان إ�لى ال�سحر .وما تع َّلم �سليمان ال�سحر وما كان
عليكم �أدنى خي ٍر من ربكم :قر آ�ن ًا �أو علم ًا� ،أو ن�صراً أ�و
ب�شار ًة؛ ل�شدة بغ�ضهم وح�سدهم لكم .والله يخت�ّص �ساحراً -ألن ال�سحر كفر -و�إنما كان نب ّي ًا ر�سلا ًو آ�تاه الله
برحمته من ي�شاء من عباده بالنبوة والر�سالة ،والله وا�س ُع الـ ُملك ،ولك ّن ال�شياطين هم الذين ع َّلموا النا�س ال�سحر،
حتى انت�شر أ�م ُره بين النا�س ،وكذلك اتبع اليهو ُد ال�سح َر
الف�ضل وا إلنعام. الذي أ�ُنزل على الم َل َكين :هاروت وماروت ب أ�ر�ض بابل
في العراق؛ ابتلا ًء وامتحان ًا من الله لعباده ،و�إن الم َل َكين لا
ُي َع ّلمان أ�حداً ال�سحر حتى يبذلا له الن�صيحة ،ويقلاو له:
�إنما هذا ابتلاء وامتحان من الله؛ فلا تكفر بتع ُّلم ال�سحر،
فيتع َّلم النا� ُس منهما ما يكون �سبب ًا للتفريق بين الزوجين.
وما ي�ستطيع ه ؤ�لاء ال�َّسحر ُة أ�ن ي�ض ّروا أ�حداً من الخلق،
�إلا بم�شيئة الله وق�ضائه .ولا َي ْح�صلون بتع ُّلم ال�سحر� ،إلا
على ال�ضرر ،لا على النفع ،ف�إن ال�َّسحر َة لا يتعلمونه لدفع
ا ألذى ،و إ�نما يتعلمونه ل إل�ضرار بالنا�س .ولقد َع ِل َم اليهو ُد
أ� ّن َمن اختار ال�سح َر وترك الحق ما له في ا آلخرة من
ن�صي ٍب في الخير .ولبئ�س ما باعوا به �أنف َ�سهم من ال�سحر
والكفر ِعو�ض ًا عن ا إليمان ومتابعة الر�سول ،لو كان لهم
عل ٌم بما وعظوا به.
103ولو �أ ّن اليهود �آمنوا بالحق ،وخافوا مقا َم ربهم،
ألثابهم الله ثواب ًا ح�سن ًا ،ولكان ذلك خيراً لهم من ال�سحر
ومما اكت�سبوه منه ،لو كانوا يميزون النافع من ال�ضار.
104يا مع�شر الم ؤ�منين لا تقولوا في خطابكم للر�سول:
راعنا؛ قا�صدين أ�ن يجعلكم مو�ض َع رعايته ،ويتم ّهل
عليكم في تلاوته ،حتى تفهموا ما يقول؛ لأن اليهود
كانوا يقولونها للر�سول - -يق�صدون �س ّبه و ِن�سبته
�إلى ال ُّرعونة -وهي الطي�ش والحمق -وقولوا � -أيها
١٦
كما �ض ّلوا ،و َم ْن ُيف ِّ�ضل الكفر على الإيمان فقد خرج
عن �صراط الله الم�ستقيم.
١٠٩تم ّنى كثي ٌر من �أهل الكتاب� ،أن تك ُفروا بعد إ�يمانكم
لت�صبحوا مثلهم ،ح�سداً لكم على نعمة الإ�سلامِ ،من
بعد ما ظهر لهم أ�ن دينكم هو الحق ،ف َتجاوزوا عن
�سيئاتهم ،وا�صفحوا عما بدر منهم ِمن عداوة ،حتى
ي أ�ذ َن الله لكم بقتالهم ،فالله قاد ٌر على ن�صرتكم عليهم.
١١٠و أ� ّدوا -أ�يها الم�سلمون -ال�صلاة كاملة كما �أُمرتم،
و�آتوا الزكاة ،وما تق ّدموا من أ�عمال �صالحة و�صدقة
تجدوا ثوابها عند الله� ،إن الله ب�صير بكل أ�عمالكم،
و�سيجازيكم عليها.
١١١زعم كل من اليهود والن�صارى �أن الجنة خا�صة ١٠٦ما نب ِّد ْل حك َم �آية فنغيره ب�آخر� ،أو ُنـ ِز ْلـهـا ن�أ ِت
بهم لا يدخ ُلها غيرهم .تلك َ�أما ٍن فا�سدة تمنوها! قل بما هو أ�نفع و أ�كثر �أجراً لكم أ�يها الم ؤ�منون ،أ�و ن�أ ِت
لهم -أ�يها الر�سول :-ائتوني بالحجة ال�ساطعة على هذه
المزاعم الكاذبة� ،إن كنتم �صادقين في دعواكم .وهذا بمثلها في التكليف والثواب ،أ�لم تعلم � -أيها النبي
تعجيز لهم ألنهم لا حجة لهم في ذلك. �أنت و أ�متك -أ�ن الله قاد ٌر ال يعجزه �شيء من الن�سخ
والتبديل وغيرهما؟
١١٢لي�س الأمر كما تزعمون ،بل َم ْن أ��سلم وخ�ضع
لله ،وهو م ؤ�من �صادق الإيمان ُي�ص ِّدق القو َل بالعمل، � ١٠٧ألم تعلم -أ�يها النبي� -أن الله مال ُك ال�سماوات
فله ثوا ُب عمله عند ربه يوم القيامة ،وهو دخول الجنة،
ولا خو ٌف عليهم من العذاب ،ولا هم يحزنون على ما وا ألر�ض يحكم فيهما بما ي�شاء فين�س ُخ ما ي�شاء ويثب ُت ما
ي�شاء ،وما لكم � -أيها الم ؤ�منونِ -م ْن دون الله ِمن وليٍّ
فاتهم من حظوظ الدنيا . ي�شرع لكم ما ينفعكم ويدفع ال�ضر عنكم ،وما لكم ِم ْن
دونه من ن�صير ين�صركم.
� ١٠٨أتريدون �س ؤ�ا َل ر�سولكم محم ٍد � - -أ�سئلة
�إعنا ٍت ،مثلما �س أ�ل بنو �إ�سرائيل مو�سى من قبل ،ف َت ِ�ض ّلوا
١٧
١١٣و ِم ْن َع َج ٍب ادعاء ك ٍّل من اليهود والن�صارى �أ ّن
�صاحبه لي�س على �شيء ،والحا ُل �أ ّن ك ّ ًل من الفريقين يقر�أ
كتابه ،وفيه وجو ُب الإيمان با ألنبياء جميع ًا .وكذلك
قال الم�شركون الذين لا علم عندهم ولا كتاب ،أ�ي قالوا
لكل ذي دين :ل�س َت على �شيء .فالله هو الذي يحكم
بين العباد يوم القيامة فيما اختلفوا فيه من أ�مر الدين،
ويجازي ك ّ ًل بعمله.
١١٤ولا أ�ح َد �أظل ُم ممن منع عبادة الله في الم�ساجد،
و�سعى في خرابها بالهدم �أو الإغلاق أ�و غير ذلك؛
أ�ولئك الف ّجا ُر ما كان ينبغي لهم أ�ن يدخلوا الم�ساجد إ�لا
خائفين من عقاب الله .لهم في الدنيا ذ ٌّل وهوان ،وفي
ا آلخرة عذاب �شديد في النار.
�أمراً و أ�راد َك ْو َن ُه ،ف إ�نما يقول لهُ « :ك ْن» فيكون ،فكيف ١١٥لله �سبحانه ا ألر�ُض ك ُّلها م�شرقها ومغربها ،ف�إلى
يكون له ولد وهو الغن ُّي عن كل �شيء! �أي جهة أ�ُمرتم بالتوجه إ�ليها في ال�صلاة ،فهي قبلته التي
ر�ضيها �سبحانه .إ� ّن الله وا�س ُع الرحمة ،علي ٌم ب أ�عمالكم
١١٨وقال الجهل ُة من كفار قري�ش لر�سول الله :- - وما ي�صلحكم؛ ولهذا و�ّسع على العاجز والمتحير في �أمر
ه ّل يكلمنا الله ويخبرنا م�شا َفه ًة ب�أنك ر�سوله؟ �أو ت أ�تينا
-يا محمد -بمعجزة قاطعة على �صدق ر�سالتك! و ِمثل تحديد القبلة.
هذا القول قاله الذين من قبلهم من كفار ا ألمم ال�سابقة
ألنبيائهم ،فقلوب ه ؤ�لاء و�أولئك مت�شابهة في الكفر ١١٦وقال الكفار :اتخذ الله ولداً؛ فقالت اليهود:
والعناد ،قد ب ّي ّنا ا آليات لقوم ين�صفون ،فيعلمون �أنها ُعزي ٌر ابن الله ،وقالت الن�صارى :الم�سي ُح ابن الله ،وقال
كفار مكة :الملائك ُة بنا ُت الله؛ تنزه الله � -سبحانه -عن
�آيات لا يمكن إ�لا الاعتراف بها وا إلذعان لها. اتخاذ الولد ،بل لله جميع ما في ال�سماوات وا ألر�ض:
ملك ًا وخلق ًا وتدبيراً ،وكلهم خا�ضعون له ،فكيف
١١٩وي ؤ�كد ربنا أ�نه �أر�سل ر�سوله بالدين الحق مب�شراً
الم�ؤمني َن بالجنة ،ومنذراً الكافرين بالنار ،فلي�س عليك يكون �أح ُدهم ولداً لله؟!
-أ�يها الر�سول -إ�لا تبليغ ر�سالتنا ،ولن ُت�س�أل عن عدم
١١٧هذا �إخبار من الله تعالى ب�أنه هو الذي خلق
إ�يمان َم ْن لم ي�ؤمن بك من أ��صحاب الجحيم. ال�سماوات والأر�ض ابتدا ًء على غير مثال ،و�أنه إ�ذا ق َّدر
١٨
�ص ّدقوا ر�سلي �إليهم ،واتبعوا ما جا�ؤوا به -ف آ� ِمنوا
بر�سولي الذي تجدون �صفته مكتوبة عندكمَ ،و َد ُعوا
التماد َي في ال�ضلال والغ ِّي.
١٢٣واتقوا يا مع�شر اليهود -المب ِّدلين كتا َب الله،
المكذبين بمحمد -عذا َب يو ٍم لا ُتغني فيه نف� ٌس عن
نف� ٍس �شيئ ًا ،ولا ُيق َبل منها فدا ٌء ،ولا تنفعها �شفاع ٌة ،ولا
نا�صر لهم من عذاب الله.
١٢٤واذكر � -أيها النبي -حين اختبر الله إ�براهي َم
بتكاليف ،ف أ� ّداهن على وجه الكمال والتمام ،فقال
له� :إني جاعلك للنا�س قدوة ،يتبعونك في الدين .قال
إ�براهيم :واجعل يا ر ِّب أ�ي�ض ًا من ذريتي �أئمة في الدين،
ف�أجابه ب أ�ن عهدي بالإمامة لا ي�صل �إلى الظالمين منهم.
١٢٥واذكر � -أيها النبي� -أننا جعلنا البيت الحرام مر ِجع ًا ١٢٠ولن تر�ضى عنك � -أيها الر�سول -اليهو ُد ولا
للنا�س للعبادة ،و أ�دا ِء المنا�سك فيه ،ي أ�تونه ثم يعودون إ�ليه، الن�صارى حتى ت ّتبع دينهم .قـل لهم -أ�يها الر�سول:-
وم�أمن ًا لكل من يلج أ� �إليه .وقلنا للنا�س :اتخذوا من مو�ضع إ�ن الإ�سلا َم الذي أ�ُنزل علينا وعليكم هو الدين الحق.
قيام �إبراهيم لبناء الكعبة (وهو الـ َحـ َجــر المعروف) مكان ًا ولئن اتبع َت أ�هواءهم من بعد ما جاءك من الحق و�أنزلنا
ُت�ص ّلون عن َده .وو�صينا و أ�مرنا �إبراهيم وول َده إ��سماعيل: إ�ليك من الذكر ،فلن تجد ولي ًا يعينك ،ولا ن�صيراً يدفع
أ�ن ط ِّهرا البي َت الحرام مما لا يليق بحرمته؛ ألجل َم ْن عنك .وهذا الخطاب للنبي هو على جهة الفر�ض
يق�صده ِمن الطائفين والعاكفين والم�صلين. والتقدير ،وهو ألمته على جهة ا إلنذار والتحذير.
١٢٦واذكر � -أيها النبي -دعوة �إبراهيم :ر ِّب اجعل ١٢١لك ّن الم�ؤمنين من أ�هل الكتاب الذين ي ؤ�منون بما
(مكة) بلداً �آمن ًا ِمن الخوف ،وارزق أ�هله الم�ؤمنين بالله �أُنزل على هذه الأمة يقر�ؤون القر آ�ن قراءة ا ّتبا ٍع ،و َمن
واليوم ا آلخر من الثمار التي ُتبى إ�ليه ِمن كل مكان،
فقال الله تعالى :ومن كفر ف إ�ني أ�رزقه و أ�متعه بالرزق يكف ْر بالقر�آن فهو من الخا�سرين.
قليل ًا ،ثم أُ�لجئه إ�لى نار جهنم ،وبئ�س الم�صير الذي
١٢٢يا بني �إ�سرائيل تذ ّكروا نعم َي الكثير َة عليكم،
ي�صيرون �إليه. ومنها كثرة الر�سل والكتب المنزلة ،فقوموا بحقها،
وتذ َّكروا أ�ني ف ّ�ضلت �أ�سلا َفكم على �أهل زمانهم -ألنهم
١٩
١٢٧واذكر -أ�يها النبي -حين رفع �إبراهي ُم أُ��س�س
الكعبة ،ومعه ابنه إ��سماعيل قائ َلين :ربنا تق ّب ْل منا �إنك
أ�نت ال�سمي ُع لكل دعاء ،العلي ُم بكل ق�صد ونية.
١٢٨ربنا واجعلنا ُم�ْس ِل َمين لك منقا َد ْين ُم ْخ ِل َ�ص ْي،
واجعل من ذريتنا أُ�م ًة خا�ضع ًة لك با إليمان ،وع ِّلمنا
�سبيل عبادتنا وح ِّجنا لهذا البيت ،إ�نك أ�نت كثير التوبة
على عبادك ،الغافر لهم بف�ضلك ورحمتك.
١٢٩ربنا وابعث في هذه الأمة ،ر�سلا ًو من ذرية
إ��سماعيل يقر أ� عليهم آ�ياتك ،ويعلمهم ما يوحى �إليه من
كتاب وعلم نافع و�شريعة وحكمة ،ويط ّهرهم من ال�شرك
وذميم ا ألخلاق ،إ�نك �أنت الغالب القاهر ،الحكيم فيما
تفعل وما ت�أمر به وما تنهى عنه.
حا�ضرين ُق َبيل نزول المو ِت به ،إ�ذ جمع أ�بناءه ف�س�ألهم ١٣٠لا تج ُد أ�حداً ُيعر�ض عن دين �إبراهيم� ،إلا إ�ن�سان ًا
ماذا تعبدون من بعدي؟ ف�أجابوا نعبد �إلهك و إ�له �أذ ّل نف َ�سه وا�ستخ ّف بها ،ولقد اخترنا إ�براهيم في الدنيا
�آبائك �إبراهيم و�إ�سماعيل و إ��سحاق إ�له ًا واحداً ،ونحن نبي ًا ور�سلا ًو وخليل ًا ،و إ�نه في الآخرة لمن المق َّربين الذين
خا�ضعون له بالعبودية والطاعة .فلا ت ّدعوا -يا مع�شر
اليهود -على ر�سلي الأباطيل ولا تن�سبوهم �إلى غير لهم الدرجات ال ُعلا.
الحنيفية ال�سمحة. ١٣١ولقد ا�ستجاب �إبراهي ُم لأمر ربه ،حينما قال
له� :أ�سل ْم لله و ُك ْن من المنقادين له ،قال� :أ�سلم ُت لرب
١٣٤تلك ُأ� َّم ٌة قد م�ضت -يعني إ�براهيم و�إ�سماعيل
و إ��سحاق ويعقوب عليهم ال�سلام ومن كان على العالمين ،وخ�ضع ُت لحكمه.
ِم َّلتهم من ولدهم -لها ثواب ما عمل ْت ،ولكم جزاء
ما عملتم ،فاقتدوا بهم فيما كانوا عليه من ا إل�سلام ١٣٢ولقد أ�و�صى الخلي ُل إ�براهيم -عليه ال�سلام-
والعمل ال�صالح ،واعلموا �أنكم لا ُت�س أ�لون يوم القيامة �أبناءه بالانقياد لله وا إل�سلام له ،وكذلك أ�و�صى يعقوب
عن �أعمالهم ،و�إنما �س ُت�س�ألون عن �أعمالكم ،فك ٌّل مر َت َه ٌن
�أبناءه بذلك و أ�مرهم به ،حيث قالا لذريتهما :إ�ن الله
بعمله.
اختار لكم دي َن ا إل�سلام دين ًا ،فاثبتوا عليه حتى تموتوا
م�س ِلمين.
١٣٣ولقد زعم ُتم � -أيها اليهود -أ�نكم على الدين
الذي مات عليه يعقو ُب -عليه ال�سلام -فهل كنتم
٢٠
في هذا كله منقادون خا�ضعون لله تعالى وعاملون ١٣٥وقالت اليهود والن�صارى للم�سلمين :ا ّت ِبعوا دي َننا
ب�شريعة ا إل�سلام. تهتدوا؛ فاليهو ُد قالوا للم�سلمين :كونوا يهوداً تهتدوا،
والن�صارى قالوا :كونوا ن�صارى تهتدوا .قل لهم -أ�يها
١٣٩ - ١٣٧ف إ�ن �آمن �أه ُل الكتاب بجمي ِع ما آ�منتم به الر�سول :-لي�ست الهداي ُة في اتباع اليهودية والن�صرانية،
�أيها الم�سلمون ،و�ص ّدقوا مث َل ت�صديقكم ،فقد اهت َد ْوا كما زعم �أهل الكتاب؛ بل ال�سعاد ُة في اتباع إ�براهيم
إ�لى الحق وال�وصاب ،و إ�ن أ�عر�وضا ف�إنما ُهم في خلاف الذي َع َد َل عن كل دين إ�لى دين ا إل�سلام؛ وما كان
�شديد ،ف�سيكفيك الله -أ�يها النبي� -ش َّرهم وين�صرك
عليهم ،والله هو ال�سمي ُع ألقوالهم ،العلي ُم بخفايا إ�براهيم م�شرك ًا ،بل كان م�سلم ًا مو ِّحداً.
نفو�سهم .فالزموا أ� ُّيها النا� ُس دي َن الله الذي فطركم عليه؛
وهو ا إل�سلام ،فلا هداية أ�ف�ضل من هدايته ،وقولوا: ١٣٦قولوا -أ�يها الم�سلمون -ر ّداً على ه ؤ�لاء اليهود
نحن له مطيعون .قل � -أ ُّيها ال َّنبي -لأهل الكتاب: والن�صارى� :ص َّدقنا بالله وما أُ�نزل �إلينا في القر�آن،
أ�تجادلوننا في الله -زاعمين أ� َّنه لا ي�صطفي أ�نبياء إ�لا و�آم ّنا كذلك بما �ُأنزل �إلى �إبراهيم و إ��سماعيل و�إ�سحاق
منكم؟ -وهو رب العالمين جميع ًا ،ي�صيب برحمته من ويعقوب وا أل�سباط -وهم الأنبياء من ولـد يعقـوب
ي�شاء ،ويجزي ك َّل قوم ب�أعمالهم ،ونحن له مخل�وصن الذين كانوا في قبائل بني إ��سرائيل الاثنتي ع�شرة -و آ�منا
بالتوراة التي �أنزلها الله على مو�سى ،وبا إلنجيل الذي
في طاعتنا وعبادتنا دونكم. أ�نزله الله على عي�سى ،وبما ُ�أوتي جمي ُع النبيين من ربهم،
لا نف ّر ُق بين أ�ح ٍد منهم ،بل ن�ص ّدق بهم جميع ًا ،ونحن
١٤٠أَ� ْم تزعمون يا أ�هل الكتاب أ�ن إ�براهيم و إ��سماعيل
و إ��سحاق ويعقوب والأ�سباط -وهم الأنبياء من ولد ٢١
يعقوب -كانوا على دين اليهود �أو الن�صارى؟ �أي هذا
كذب وافتراء لأن التوراة وا إلنجيل أُ�نزلت من بعدهم.
وقل لهم -أ� ُّيها ال َّنبي :-هل أ�نتم أ�عل ُم بدينهم أ�م الله
تعالى؟ وقد �أخبر في القر آ�ن ب أ�نهم كانوا حنفاء م�سلمين،
ولا �أحد �أفجر و أ�ظلم منكم حين تخفون الحقيقة التي
أ�نزلها الله ،وو َّ�ضحها في التوراة وا إلنجيل ِم ْن أ�ن ا ألنبياء
الكرام كانوا على ا إل�سلام ،ولي�س الله بغافل عما تعملون
يا أ�هل الكتاب ،بل هو ُم ْح�ٍص له ومجازيكم عليه .
١٤١تلك أ�مة قد م�ضت -أ�ي� :إبراهيم و�إ�سماعيل
و إ��سحاق ويعقوب عليهم ال�سلام ومن كان على ملة
الإ�سلام من ولدهم -لها ثواب ما عمل ْت من العبادة
والخير ،ولكم جزاء ما عملتم ،ولا ُت�س�ألون يوم القيامة
عن �أعمالهم ،و�إنما �س ُت�س�ألون عن �أعمالكم ،فك ٌّل ُم ْر َت َه ٌن
بعمله.
العرب ،ف َلنو ِّجه َّنك حيث تح ُّب ،فتو ّج ْه في �صلاتك ١٤٢حين أ�مر الله تعالى نب َّيه - -والم�ؤمنين معه
�أنت و أ�م ُتك �إلى الم�سجد الحرام ،وتو ّجهوا �إليه في أ� ِّي ب َ� ْص ِف وجوههم في ال�صلاة عن الم�سجد ا ألق�صى �إلى
مكان كنتم ،ولا تخ�وشا طع َن �أهل الكتاب على ذلك الم�سجد الحرام ،أ�خبرهم ب�أن أ�ه َل الجهل وخفة العقل
ألنهم يجدون في كتبهم �أن محمداً - -يتوجه �إلى
من اليهود والمنافقين وم�شركي العرب �سينكرون ذلك
قبلة �أبيه إ�براهيم ،فهم يعلمون أ�ن طع َنهم باط ٌل .و�إن
حا َلهم لا يخفى على الله ،و�سيجازيهم على ذلك. عليهم فيقولون :أ� ُّي داع �ص َر َفهم عن قبلتهم التي كانوا
عليها -يعني بيت المقد�س -إ�لا التح ّي؟ قل لهم -أ�يها
١٤٥ولئن �أتي َت � -أيها الر�سول -الذين أ�وتوا الكتا َب الر�سول :-الم�شرق والمغرب وما بينهما ملك لله ،والخلق
بكل آ�ي ٍة ،أ�ي :معجز ٍة ،ت�شه ُد على �صدقك في أ�مر القبلة
عبيده ،يوجههم بهدايته إ�لى �أي جهة �شاء ،وذلك هو
ما ا َّتبعوك فيها ألنهم لا يريدون الح َّق بل هم معاندو َن، الطريق الم�ستقيم ،فالتو ُّجه �إلى الكعبة ِقبلة إ�براهيم -عليه
وما �أنت بتاب ٍع قبل َتهم فقد ع�صمك الله من مخالفته ،وما ال�صلاة وال�سلام -هو هداي ٌة من الله �إلى ال�صراط الم�ستقيم
اليهو ُد بتابعي قبل ِة الن�صارى ،ولا الن�صارى بتابعي قبلة
اليهود فكلاهما معان ٌد ل آلخر ،ولئن اتبعت �أهواءهم كما كان التو ُّجـ ُه إ�لى بيت المقد�س �سابق ًا هداي ًة منه.
-افترا�ض ًا ِ -م ْن بع ِد ما جاءك ِمن الحق الذي �ُأوحي إ�ليك،
١٤٣وكما هديناكم � -أيها الم�سلمون� -إلى ال�صراط
�إنك �إ َذ ْن مجاو ٌز حدو َد �أمري .وهذا تحذير لأ َّمته .
الم�ستقيم في �ش�أن القبلة جعلناكم �أم ًة عدول ًا �أخياراً بلا
٢٢ غل ٍّو ولا تفريط؛ لتكونوا يو َم القيامة �شهدا َء على ا ألمم
حين تنكر �أن ر�س َلها ب ّلغ ْتها ما �أمر الله بتبليغه ،وليكون
ر�سو ُلنا محمد - -مز ّكي ًا ل�شهادتكم �أنها حق .وما
جعلنا َ� ْص َف وج ِهك �أيها الر�سول في ال�صلاة من بيت
المقد�س إ�لى بيت الله الحرام �إلا ابتلا ًء وتمحي�ص ًا للم ؤ�منين،
وتمييزاً لأهل اليقين من أ�هل ال�شك ،و إ�ن هذا ا ألمر كان
�شديداً على النفو�س �إلا على الذين و ّفقهم الله بهدايته،
وما كان الله لي أ�مركم ب�أم ٍر ت�ضي ُع به أ�عما ُل إ�يمانكم من
ال�صلاة وغيرها ،فلا تخافوا �أن ت�ضيع �صلا ُة َم ْن مات
منكم قبل وتحيل القبلة؛ ألن الله ر�ؤو ٌف بعباده كلهم،
يهبهم �أعلى معاني الرحمة ،رحي ٌم بعباده الم�ؤمنين في
الدنيا والآخرة.
١٤٤قد نرى ت�ص ُّر َف نظرك -أ�يها الر�سول -في جهة
ال�سماء ،ت�و ُّشق ًا إ�لى نزول الوحي بتحويل ِق ْب َلتك �إلى
البيت الحرام ِقبل ِة إ�براهيم عليه ال�سلام و َم ْه َوى قلوب
كنتم من ا ألر�ض ،فيجازيكم بالخير ثواب ًا وبال�شر عقاب ًا، ١٤٦الذين �آتيناهم الكتا َب من اليهود والن�صارى
وما ذلك بعزي ٍز عليه ف إ�نه قدي ٌر على كل �شيء. و َع ِلموا ما في التوراة والإنجيل من �صفا ِت نبينا
محمد - -يعرفونه كما يعرفون �أبناءهم ،ويعرفون
١٤٩ومن حيث خرج َت -أ�يها النبي� -إلى أ� ّي مكا ٍن من �صفته أ�نه يتوجه في �صلاته إ�لى الم�سجد الحرام ِق ْبل ِة
فو ِّل وج َهك جه َة الكعبة في �صلاتك ،فهو فر�ض إ�براهيم وا ألنبياء ،ومع ذلك فمنهم فري ٌق ُي�ص ُّرون على
عليكم في الح�ضر وال�سفر .وما أ� َمرك به الله في �ش�أن
الكعبة هو الح ّق الكام ُل المن ّز ُل �إليك منه ،والله عالـ ٌم الباطل فيكتمون الحق وهم يعلمونه.
بتو ّج ِهكم إ�ليه ،لا يغفل عن �شيء مما تعملون. ١٤٧هذا الذي ُذ ِك َر � -أيها النبي -من �ش أ�ن القبلة
هو الح ُّق الذي جاءك من ربك ،لا الذي تزعمه اليهو ُد
١٥٠أ� َّكد الله �سبحانه ا ألم َر بالتوجه إ�لى الم�سجد الحرام والن�صارى .وما جاء من عند الله ينبغي لكم يا أ�مة محمد
في ال َح َ�ض وال�سفر وكل مكان؛ لينقطع �َش َغ ُب اليهود
الذين يقولون :يتبع قبلتنا ويخالف ديننا .و�َش َغ ُب �أن تقتنعوا بـه ،و�أ ّل ت�سلكوا �سبي َل المتر ِّددين فيه.
الم�شركين الذين يقولون :ي َّدعي مل َة إ�براهيم ويخالف
قبلته .لكن الذين ظلموا من الفريقين �سيظلون على ١٤٨ولك ّل �صاح ِب مل ٍة قبل ٌة ي�ستقبلها في �صلاته ،وقد
الاعترا�ض بالباطل ،وقد ع ّلم الله هذه ا ألمـة أ� ّل تخ�شى هداكم الله -يا �أمة محمد -للقبلة التي هي قبل ُته وقبل ُة
جدالهمـا ،و�أن تخ�شى الله وحده .وقد أ�مرتكم في خليله و أ�نبيائه ،فحافظوا عليها ولا ُت�ض ّيعوها كما �ض ّيعها
القبلة بما �أمر ُتكم به ألت َّم نعمتي عليكم في الهداية �إلى ال�سابقون فت�ض ّلوا ،وا�شكروا ربكم ،وبادروا �إلى التز ّود
معالم دينكم ،ولعلكم تهتدون �إلى الحق من اتباع قبلة بعمل الخيرات ،ف إ�ن الله ي أ�تي بكم وبهم جميع ًا� ،أينما
إ�براهيم عليه ال�صلاة وال�سلام. ٢٣
١٥١وكما أ�نعمنا عليكم -أ�يها الم ؤ�منون -با�ستقبال
االل�كصعلباةة�أروا�لسل�نسالافيمك-متاعلنربف َّوي إ�نجا�بص ًةد َلقهدعووأ�ةما�إنبترها،هييتملو -آ�ياعل ِيته
القر�آن عليكم ،ويط ّهر نفو�َسكم من ال�شرك والمعا�صي،
ويع ّلمكم القر�آن ويفقهكم في ال ِّدين ،ويعلمكم ما كنتم
تجهلونه -وهو كثي ٌر -قبل �أن ي أ�تيكم هذا الر�سول.
١٥٢فاذكروني بال�صلاة والت�سبيح وتلاوة آ�ياتي،
أ�ذك ْركم بنعمي وثوابي ،وا�شكروا لي بالطاعة،
وال تجحدوا نعمتي بالمع�صية.
١٥٣يا أ�يها الذين �آمنوا اطلبوا العو َن من الله بال�صبر
و إ�قامة ال�صلاة ،ف إ�نهما ُي�س ِّهلان الطاع َة ،و َي ْردعان عن
المع�صية ،وبذلك يكون الله معكم بتوفيقه ون�صره.
الكتمان ،و أ��ص َل َح ما بينه وبين الله بالإيمان والطاعة ١٥٤ولا تظ ُّنوا أ�ن الذين ُيقتلون في �سبيل الله أ�موا ٌت،
وتج ّن َب المعا�صي وب َّ َي ما كان قد كتمه فيتوب الله عليه بل هم أ�حياء يتمتعون بما ُيع َطون ِم ْن نعيم الجنة ،فهم
ويعفو عنه .ثم ذكر تعالى أ�نه يقبل توبة العبد ك َّلما رجع جديرون أ�ن َت ْغ ِبطوهم ولك َّنكم ال تعلمون ما هم فيه �إ ّل
�إليه ،و�أنه دائم الرحمة لعباده الم�ؤمنين. �أن أُ� ْع ِل َمكم.
١٦٢ ١٦١ولا تنال التوب ُة َم ْن مات على كفره ،ف أ�ولئك ١٥٥و َلنختبر ّنكم يا �أمـة محمد -ليظهر الطائ ُع من
عليهم دائم ًا لعنة الله والملائكة والنا�س �أجمعين :م�ؤمنهم العا�صي -ببع�ض الخوف من العدو ،وبع�ض القحط،
وكافرهم ،بل يلعن الكافرون بع�ضهم بع�ض ًا .وهذه و َن ْق�ِص ا ألموال ،ونق�ِص ا ألنف�س بالقتل والموت،
اللعن ُة يبقى لهم عذا ُبها فيخ ّلدون فيه ،ولا يخ َّفف عنهم ونق�ِص الثمرات بف�سادها وجوا ِئ ِحها .و َب�ِّش -أ�يها
النبي -ال�صابرين الذين ي�س ّلمون لله فيما ي�صي ُبهم
منه �شي ٌء ،ولا ينقطع عنهم .
١٦٣لـ َّما ر ّغب �سبحانه في التوبة ب َّي على إ� ْثر ذلك �أ ّل بالثواب العظيم.
ملج�أ للعا�صي إ�لا إ�ليه �سبحانه ،فقال} :ﯽﯾ
ﯿﰀﰁﰂﰃﰄ{ لا �شريك له ولا ِن َّد له ولا نظير، ١٥٦وهذه الب�شائ ُر لل�صابرين الذين يذكرون عند
وهو }ﰅ{ الوا�سع الرحمة لكل خلقه في الدنيا، الم�صيبة أ�نهم ِمل ٌك لله فله أ�ن يفعل بملكه ما ي�شاء ،و أ�نهم
}ﰆ{ يوم القيامة بمن آ�من به �سبحانه. راجعون �إليه بعد الموت فيكاف ُئهم على� صبرهم.
٢٤ ١٥٧أ�ولئك الذين يقابلون الم�صائب بال�صبر والت�سليم
والا�سترجاع عليهم رحمة من ربهم م�ضا َعفة ،وهم
مهتدون الهدى الكامل الذي ال هدى مثله.
� ١٥٨إ ّنال�صفاوالمروة-اللذ ْينهمافي َط َر َفالـ َم�ْس َعى-
من المعالم التي جعلها الله َع َلم ًا لعباده يعبدونه عندهما
بال�سعي بينهما ،ويذكرونه عليهما ،ف َم ْن َح َّج البي َت �أو
اعتمر فلي�سع بينهما ،ولا ي�ضره ما كان عليه ا ألمر في
الجاهلية ،و َم ْن ازداد من أ�عمال الخير ف إ�ن الله يزيده ثواب ًا
وف�ضل ًا ،وهو عليم بنيته يكافئوه بح�سبها.
� ١٥٩إ ّن �أحبا َر اليهود ورهبا َن الن�صارى الذين �ُسئلوا
عما َب َّي الله من ا آليات والعلامات الهادية في �ش أ�ن نب ِّينا
محمد فكتموها بعد ما ب َّي ّناها الله في التوراة والإنجيل
للنا�س ،أ�ولئك جزا�ؤهم �أن الله يلع ُنهم -أ�ي :يطردهم
من رحمته -وي�س ّل ُط عليهم دعوات النا�س ب�أن ُيبعدهم
الله من رحمته .و ُع ُموم قوله تعالى} :ﮡﮢ{
ي�شمل ك َّل كات ِم ح ّق و إ�ن لم يكن ممن نزلت فيهم الآية.
١٦٠و َي ْ� ِصف الله �أث َر ذلك اللعن ع ّمن تاب من
�أوثا َنهم؛ إ�ذ يتب ّر أ� الكافر من أ�وثانه إ�ذا ر أ�ى �أح�س َن ١٦٤إ� ّن في خلق ال�سماوات وا ألر�ض ،وفي تعاقب
منها ،ويتب ّر�أ منها ك َّل التب ّر ؤ� يوم القيامة .أ� ّما الذين الليل والنهار واختلافهما طلا ًو و ِق�صراً ،وفي ال�سفن
�آمنوا فلا يت َخ َّل ْو َن عن ح ّبهم لله بحال من ا ألحوال ،بل التي تجري في البحر بمنافع النا�س ،مع ِع َظ ِم ما عليها
يتع ّلقون به عند ال�شدائد أ�كثر .ولو ا َّطلع الذين ظلموا من ا ألثقال ،وفيما أ�نزل الله من ال�سماء من ماء ف�أحيا به
�أنف َ�سهم باتخاذ ال�شركاء مع الله على عذابهم الم َع ّد لهم ا ألر�َض ،ف�أنبت ْت واخ�ضر ْت بعد ُي ْب�سها ،وما ب ّث فيها من
يوم القيامة ،لر أ�وا هلا ًو عظيم ًا لا ُي ْق َدر َق ْد ُره ،و َلعلموا أ�نواع الدوا ّب ،وفي توجيه الرياح مع اختلاف مها ّبها
�أ ّن الله له القوة ك ّلها ،و أ� ّن �آلهتهم لا تغني عنهم �شيئ ًا، فتختلف �آثا ُرها ،وفي ت�صريف ال�سحاب الم�س َّ ِي بين
وعلموا علم المعاينة �أ ّن الله �شديد العذاب ،فانت َهوا عما ال�سماء والأر�ض يوجهه الله �إلى حيث �شاء من البقاع
لنفع خلقه� ،إ َّن في ك ّل ذلك لآيا ٍت دال ًة على �أن ذلك
هم فيه ِم ْن �ضلال. �صنع ُة �إل ٍه قدي ٍر واح ٍد؛ ف َم ْن ت أ� ّمل ذلك اهتدى �إلى �أنه
١٦٦يكون ذلك يوم القيامة حين يتبر�أ الـ َمتبوعون �سبحانه الخالق المد ِّبر وحده لا �شريك له.
على ال�شرك بالله ِم ْن �أتباعهم ،ويرى ه�ؤلاء وه�ؤلاء
العذاب الذي يح ُّل بهم ،وتقطعت ال ِّ�صلا ُت التي ١٦٥ومن النا�س َم ْن لا يتد ّب ُر في ذلك ،ويتخذ غي َر
كانت بينهم في الدنيا ِم ْن قراب ٍة و�صداق ٍة ودي ٍن كانوا الله آ�له ًة بالباطل ،يزعمها أ�مثال ًا له �سبحانه ت�شاركه
في الخلق والتدبير ،يمنحونها من المحبة ما لا يليق إ�لا
عليه ،وغير ذلك ،فلا ينفع بع�ضهم بع�ض ًا. بالله وحده ،والذين آ�منوا أ�عظم ح ّب ًا لله ِم ْن ح ّب ه�ؤلا ِء
١٦٧ويتم ّنى حينئ ٍذ �أولئك ا ألتبا ُع �أن يعودوا إ�لى ٢٥
الدنيـا فيتبر�ؤوا من قادتهم فيها كما تب ّر أ� قادتهم منهم،
وكما ر�أ ْوا العذاب يوم القيامة يرون أ�عمالهم التي تبعوا
فيها قاد َة ال�ضلال نداما ٍت عليهم ،ولا تنفعهم الندام ُة
ألنهم لا يخرجون من النار أ�بداً.
١٦٨بع َد ما ذكر الله للخلق ما يكون من �ش أ�ن قادة
ال�ضلال و أ�تباعهمَ ،و َع َظهم فذكر لهم �أنه أ�باح لهم ما
في ا ألر�ض من حلال ُم�ست َل ّذ ،و�أمرهم �أن لا ُيح ِّرموا
ما �أ َح ّل ،ولا ُيح ّلوا ما ح ّرم ،ونهاهم �أن ي َّتبعوا أ�عما َل
ال�شيطان وطرقه .وذ َّكرهم ب أ�نه عد ّو لهم من أ�ول ما
خلقهم الله ،و�أ ّن عداوته ب ّين ٌة؛ فلا ينبغي لهم �أن يغت ّروا به.
١٦٩ثم ب َّي الله تعالى لهم وج َه التحذير من ال�شيطان،
فب ّي �أنه ي�أم ُر ال ّنا�س بال�ش ّر والأعمال القبيحة ،وي�أم ُرهم
ب أ�ن َي ْكذبوا على الله فين�سبوا �إليه من التحليل والتحريم
ما لم ي أ�مر به ،وذلك ي ؤ�دي بهم إ�لى أ�ن يغ�ض َب الله
عليهم ويعذبهم .
ه�ؤلاء في م آ�ل أ�مرهم ما أ�كلوا في بطونهم إ�لا ما يوردهم ١٧٠اعتاد ال�ضالون الذين اتخذوا �أنداداً من دون الله
النار ،و�َس ُي ْع ِر�ض الله عنهم يوم القيامة فلا يكلمهم �أن يتم�سكوا بما ورثوا عن آ�بائهم ،ف إ�ذا ُطلب منهم �أن
-يعني بما يحبون بل بما ي�سو�ؤهم -ولا يط ّهرهم الله ِمن يعملوا بما �أنزل الله في كتابه على ر�سوله ،فيحلوا حلاله
ويحرموا حرامه ،ا�ستكبروا عن ا إلذعان للحق ،وقالوا:
َد َن�ِس ذنوبهم وكفرهم ،ولهم عذاب �شديد ُمو ِجع. بل ن َّتبع ما وجدنا عليه آ�باءنا ،ولو علموا �أن �أ�سلا َفهم
لا عق َل يردعهم ولا ر�ش َد يجمعهم لما اتخذوهم أ�ئم ًة
١٧٦ ١٧٥و أ�ولئك هم الآثمو َن الذين أ�خذوا ال�ضلالة
وتركوا الهدى ،و أ�خذوا ما يوجب عذاب الله يوم يهتدون بهم ،ولكن ُحرموا الب�صيرة ودلائ َل اليقين.
القيامة ،وتركوا ما يوجب لهم غفرانه ور�وضانه ،فما
�أجر�أهم -بما فعلوه ِم ْن ترك الحق واتباع الباطل -على ١٧١و َم َث ُل ه�ؤلاء الذين كفروا في ِق َّلة فهمهم وعدم
العمل الذي يق ِّربهم �إلى النار ويجعلهم م�ستحقين لها! قبولهم لما جاء عن الله ور�سوله كالبهيمة ت�سمع �وصت
ولقد ا�ستوجبوا ما ُق ّدر لهم من الجزاء لكفرهم بكتاب الراعي ولا تعق ُل ما يقال ،فهم كذلك عن الح ّق�ُ :ص ُّم
الله الذي أ�نزله بالحق وال�صدق؛ ولكتمان الحق؛ الآذانُ ،عمي الب�صائرُ ،خ ْر� ُس ا ألل�سنة ،ال ينطقون
وكتمان ما فيه من ر�سالة النبي - -و إ�ن ه ؤ�لاء
الذين اختلفوا في كتاب الله من اليهود والن�صارى، بخير ،ولا َي ْ�صدرون عن عقل.
ف آ�منوا ببع�ضه وكفروا ببع�ضه ،لفي منازع ٍة ومفارق ٍة
١٧٢ف إ�ن كنتم � -أيها الم�ؤمنون -منقادين لله و ألمره
للحق بعيد ٍة من الر�شد وال�وصاب. �سامعين مطيعين له ،دون غيره من الأنداد ،ف ُكلوا مما
أ�باح لكم من الحلال الطيب ،و أ�ثنوا على الله بما هو أ�ه ُله،
٢٦ وا�شكروه على ما أ�ولاكم من نعمة التمكين من الطيبات
التي رزقكم إ�ياها ،و�أباحها لكم با�ستعمالها في طاعته.
١٧٣واعلموا �أ ّن ما حرمه الله عليكم لي�س ما زعمه
الم�شركون واليهود ،و�إنما المح َّرم عليكم �أك ُل الميت ِة،
و ِم ْث ُلها في التحريم الد ُم الم�سفوح -أ�ي ال�سائل-
ولح ُم الخنزير ،وما ُذكر عند ذبحه غي ُر ا�سم الله ،فمن
ا�ضط َّر إ�لى تناول �شيء من ذلك غير قا�ص ٍد إ��شباع
رغبته فيها و إ�نما يق�صد دفع ال�ضرورة ،ولا متع ٍّد
حدود ما �أبيح له ،فلا حرج ،والله يغفر ما َب َد َر منكم
عند الا�ضطرار ،رحي ٌم بكم �إن �أطعتموه.
١٧٤إ�ن الذين ُيخفون ما �أنزل الله من الحق ،ولا
يظهرونه للنا�س حيث يجب �إظهارهِ ،م ْن أ�حبار اليهود
وغيرهم ،وذلك ِم ْن �أجل َع َر�ٍض من الدنيا -وقد كان
�أحبار اليهود يخفون �صفة النبي في التوراة ،وبع�ض
ما عندهم من الحق فيها ِم ْن �أجل عر�ض من الدنيا قليل-
� ١٧٨شرع الله لكم � -أيها الم ؤ�منون -الق�صا�َص ب�سبب ١٧٧لي�س ا�ستقبا ُل جه ٍة مع َّين ٍة في الم�شرق �أو المغرب
القتل العمد ،فالح ُّر القاتل ُيقتل بالح ِّر المقتول ،وكذلك هو ِقوا َم الدين وجما َع الخير ،إ�ن لم يكن عن �أمر الله
العبد بالعبد ،والأنثى با ألنثى .والقاتل عمداً إ�ذا ُعفي له و�شرعه ،ولك ْن ِم َل ُك الخير ِع ّد ُة �أمو ٍر بع�ضها من �أركان
عن جنايته من جهة أ�خيه الم�سلم -وليِّ الدم -ب أ�ن �صفح العقيدة ،وبع�ضها من �أمهات الف�ضائل والعبادات؛
عنه ،ور�ضي منه بالدية بدل الدم ،فالواج ُب ا ِّتباع َمن فالأو ُل :الإيما ُن الحق بالله تعالى ،وبيو ِم القيامة والملائكة
عفا للقاتل بالمعروف؛ ب�ألا ي أ�خذ منه �أكث َر من حقه في وا ألنبياء والكتب المنزلة عليهم .والثاني :بذ ُل المال مع
الدية ولا يرهقه ،وعلى القاتل �أداء الدية �إليه أ�دا ًء ح�سن ًا حبه ،لمن كان في حاج ٍة �إليه من ا ألقارب واليتامى
لا َم ْطل فيه ولا َب ْخ�س .وفي هذا الحكم -من جواز والم�ساكين ،وللم�سافرين الذين انقطع بهم الطريق ،فلا
الق�صا�ص أ�و العفو في مقابل الدية -تخفي ٌف من ربكم يجدون ما يب ّلغهم مقا�ص َدهم ،ولل�سائلين الذين �ألج أ�تهم
الحاج ُة �إلى ال�س ؤ�ال ،ولعتق الأ ِر ّقاء .و ِم ْن �أمهات
ورحم ٌة ،حيث و�ّسع في ذلك ولم يح ّتم واحداً منهما، الف�ضائل والعبادات :المحافظة على ال�صلاة ،و�إخراج
كما ح ّتم على اليهود الق�صا�َص .ف َم ْن جاوز هذا الحك َم الزكاة المفرو�ضة ،والوفاء بالعهد والميثاق ،وال�صبر على
بعد ذلك ب َأ� ْن قتل القات َل بعد العفو عنه و�أخ ِذ الدية فله ا ألذى حين ينزل بالنف�س �أو المال� ،أو حين مجاهدة العدو
بالقتال وغيره ،فالذين يجمعون ذلك هم الذين �صدقوا
عذا ٌب م�ؤلم في الدنيا وا آلخرة. في �إيمانهم ،وهم الذين ا ّتقوا الكفر والرذائل وتجنبوها.
١٧٩ولكم -يا أ��صحاب العقول -فيما �شرع ُت لكم ٢٧
من الق�صا�ص حياة؛ ألن َم ْن ه َّم بالقتل �إذا علم أ�نه إ�ذا
َقت َل اق ُت�َّص منه ،ارتدع وانك َّفَ ،ف َ�س ِل َم هو َو�َس ِل َم �صاح ُبه
من القتل ،و َم ْن قتل إ�ن�سان ًا واق ُت�ّص منه ارتدع غي ُره ممن
كان يه ّم بالقتلَ ،ف َ�س ِل َم النا� ُس من يده ،وللاو هذا الت�شري ُع
الحكي ُم العاد ُل لف�شا القت ُل وهان �أم ُر الدماء على النا�س.
ُ ١٨٠ف ِر�َض عليكم � -أيها الم ؤ�منون� -إذا ظهرت على
أ�حدكم �أمارا ُت الموت و أ��سبابه -وكان ذا مال -أ�ن
يجع َل في ماله ن�صيب ًا لمن يدرك من والديه و�أقاربه من
غير تع ُّم ٍد لظلم ورثته ،وهذا الحق قد �أثبته الله على من
اتقى الله فعمل بمقت�ضى الطاعة .وقد ذكر العلماء أ�ن هذه
ا آلية من�سوخة ب�آية المواريث التي أ�عط ْت لكل ذي ح ٍّق
حقه ،وبقي ا�ستحبا ُب الو�صية في ح ِّق غير الوارث.
١٨١ف َم ْن ب ّدل و�صية الميت بعد ما �سمعها وتح َّققها
من المو�صي ف إ� َّن إ�ثم ذلك التبديل يقع على المب ِّدل ،ويبر�أ
المو�صي ِم ْن َت ِب َعته ،والله �سمي ٌع لما أ�و�صى به المو�صي،
علي ٌم بتبديل المب ِّدل فمجازيه.
الخير ،والفا�صلة بين الحق والباطل ،ف َم ْن �أدرك هذا ١٨٢ف َمن علم ِمن مو�ٍص ميل ًا عن الحق بالخط�أ في
ال�شهر � -سليم ًا غي َر مري�ض ،مقيم ًا غي َر م�سافر -فعليه الو�صية ،وعم ِل ما لا يح ّل فيها؛ ففعل ما فيه �صلا ُح
�وصمه ،و َم ْن كان مري�ض ًا مر�ض ًا ي�ضر معه ال�وصم ،أ�و كان المو ِ�صي والمو َ�صى لهم؛ وذلك ب�أن ي�أمر المو�صي في
على �سفر ،فله أ�ن يفطر ،وعليه ق�ضاء �صيام ما أ�فطره حياته بالعدل في و�صيته� ،أو قام بعد موت المو�صي
من �أيام ال�وصم؛ ف إ� ّن الله يريد التي�سير عليكم با�ستعمال بالإ�صلاح بين المو�صى لهم بالترا�ضي على وج ٍه ُيق ُّره
ُر َخ ِ�ص ِه ،والبع ِد عما يجلب الم�شقة والت�شديد ،ويريد في ال�شرع ،فلا ي�ؤاخذه الله على ما أ�حدثه من تغيير الو�صية،
الوقت ذاته �أن يتم لكم ال�وصم ب إ�كمال ِع ّدة ما أ�فطرتم،
ويريد منكم -بعد هذا ا إلنعام عليكم بالهداية والتوفيق إ�ن الله غفور رحيم.
والتي�سير ألداء ما فر�ضه عليكم -أ�ن تع ّظموه بالذكر،
١٨٣يا �أيها الم�ؤمنون ُف ِر�ض عليكم ال�صيام با إلم�ساك
وت�شكروه بالقلب والل�سان. عن �شهوتي البطن والفرج في وق ٍت مح ّد ٍد بني ٍة
خال�ص ٍة ،كما ُفر�ض على ا ألمم ال�سابقة؛ لتتقوا المعا�صي
١٨٦و�إذا �س�ألك � -أيها النبي -عبادي ع ّني ف إ�ني الموجب َة للعقاب ،و ُتز ّكوا �أنف�سكم التزكي َة الموجب َة
قري ٌب �أ�سمع دعاءهم ،و أُ�جي ُب دعو َة الداعي منهم،
فلي�ستجيبوا لي بالدعاء ،وليعملوا بمقت�ضى ا إليمان؛ لمر�ضاة الله تعالى.
ليكونوا على رجا ٍء ِم ْن �إ�صابة ال ُّر�شد با�ستقامتهم على
١٨٤وي�ستغرق ال�وص ُم أ�يام ًا محدد ًة معلوم ًة هي �أيا ُم
هذا الطريق الحق. �شهر رم�ضان ،فمن كان من المك َّلفين مري�ض ًا :ال يطيق
ال�وصم� ،أو يطيقه مع ال�ضرر� ،أو كان على �سف ٍر ،فله
٢٨
الفطر ،وعليه �وصم عدد ا أليام التي �أفطرها في مر�ضه
أ�و �سفره ،وعلى الذين يطيقون ال�صيام �إن أ�فطروا فدية
قد ُرها طعام م�سكين عن كل يوم -وقد كان ذلك في
ابتداء فر�ض ال�صيام :كان َم ْن أ�طاق ال�وصم جاز له أ�ن
يفطر ،ويفدي بالإطعام ،ثم ُن�سخ ذلك بقوله تعالى:
}ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ{ فوجب ال�صيا ُم
على كل مقيم �صحيح البدن غير معذور -فمن تط ّوع
خيراً ب أ�ن زاد في مقدار الفدية فهو أ�ف�ض ُل و أ�كثرُ ثواب ًا،
وال�صيا ُم خي ٌر لكم من ا إلفطار مع الفدية� ،إن كنتم
تعلمون ف�ض َل ال�صيام.
١٨٥وهذه ا أليا ُم المعدودات هي �شهر رم�ضان العظيم
القدر عند الله؛ فقد �ُأنزل القر�آن فيه � -أُنزل من اللوح
المحفوظ �إلى بيت العزة في ال�سماء الدنيا ليلة القدر
ُجمل ًة واحد ًة ،ثم نزل مف ّرق ًا بح�سب الوقائع -يهدي
جميع النا�س �إلى الر�شد ببياناته الوا�ضحة المو�صلة �إلى
١٨٨ومن المحارم التي يجب ا ّتقا ؤ�ها :أ�ن ي�أكل ١٨٧لقد كان ا ألك ُل وال�شر ُب والجما ُع مح َّرم ًا عليكم
بع ُ�ضكم ما َل بع�ٍض بوج ٍه حرا ٍم ،كال�سرقة والغ�صب، بعد النوم في ليالي رم�ضان ،وقد علم الله ما كنتم تجدون
فاتقوا ذلك ،ولا تق ِّدموا ا ألموال ِر�وش ًة إ�لى الحكام
والق�ضاة لتتو�صلوا بها �إلى �أكل طائفة من أ�موال من الم�شقة التي قد تج ُّركم إ�لى الوقوع فيما ُح ِّرم عليكم؛
فتاب عليكم وخ َّف َف عنكم؛ و أ�باح لكم في ليلة ال�صيام
النا�س ،متل ِّب�سين بالإثم ،و�أنتم متع ّمدون ،تعلمون ما كان ممنوع ًا عليكم ،فن�سا ُ�ؤكم مخالطا ٌت لكم،
�أنكم على باطل. و ِكلا ُكما ل�صاحبه �س َك ٌن و ِ�ست ٌر؛ فيحل لكم �إتيا ُنه ّن في
�أ ّي أ�جزاء الليل �شئتم ،مبتغين ما ق َّدر الله لكم من الولد،
١٨٩ي�ْس أ� ُلو َنك � -أيها النبي -عن ا أله َّلة (جمع و َي ِح ُّل لكم ا ألكل وال�شرب حتى يطلع الفج ُر ال�صادق،
هلال)ِ :لـ َم تبدو دقيق ًة ،ثم تزيد حتى تمتل َئ ،ثم تعود الذي يتم ّيز به بيا�ُض النهار من �سواد الليل ،ف�إذا طلع
كما بد أ�ت ،ولا تكون على حالة واحدة كال�شم�س؟ قل ف ُك ّفوا عن �شهوتي البطن والفرج �إلى غروب ال�شم�س،
ولا تقربوا الن�ساء �إذا خرجتم من الم�ساجد لق�ضاء بع�ض
لهم :هي مواقي ُت للنا�س؛ يعلمون بها أ�وقات زرعهم
وتجارتهم و ِع َدد ن�سائهم ،و�صيا َمهم و�إفطا َرهم ،وهي حاجتكم ما دمتم معتكفين .تلك الأحكا ُم المذكورة
ميقا ٌت للحج؛ ُي ْع َلم ِبها وق ُت ُه ،فلو ا�ستمرت على حالة حدو ُد الله ،ح َّدها لعباده ليقفوا عندها فلا يقربوها،
واحدة لم ُيع َرف ذلك .ولي�س الب ُّر ب َأ�ن ت�ْأتوا البيوت وكما ب َّي الله لكم ما ُذكر يب ِّي �آياته للنا�س لعلهم يتقون
في حال إ�حرامكم من ظهورها -كما كنتم تفعلون
في الجاهلية -فلا ِب َّر لله في ذلك ،ولك َّن الب َّر من اتقى محارمه ،ويتجنبون �َس َخطه وغ�ضبه.
اللهَ فخافه وتج َّنب محارمه ،و أ�ْتوا البيوت من حيث
�شئتم؛ ِم ْن أ�بوابها وغير أ�بوابها ،ما لم تعتقدوا تحريم ٢٩
إ�تيانها ِم ْن �أبوابها في حا ٍل من ا ألحوال ،و�أطيعوا الله
فيما أ�مركم ،واجتنبوا ما نهاكم عنه؛ تفوزوا وتدركوا
الخلود في جناته.
١٩٠وقاتلوا � -أيها الم ؤ�منونُ -ن�صر ًة لدين الله الذين
يقاتلونكم ،ولا تعتدوا بفعل ما ح ّرم الله -من الـ ُم ْثلة
وال َغ ْدر ،و َق ْت ِل َم ْن لم يقاتل من الن�ساء والأطفال
وال�شيوخ والرهبان وغير ذلك مما حرمه الله -إ� َّن الله لا
يح ّب الذين يجاوزون حدو َده؛ في�ستح ّلون ما ح ّرم الله
عليهم.
َم َنعكم من إ�تمامهما عد ٌّو أ�و غي ُره؛ فاذبحوا هدي ًا �شا ًة ١٩١واقتلوا الذين يقاتلونكم من الم�شركين حيثما
تق ُّرب ًا لله ،ولازموا ا إلحرام؛ فلا تتحللوا منه حتى ُينحر تمكنتم من قتلهم ،و�أخرجوهم من ديارهم بمكة كما
الهدي ،ف َم ْن كان منكم مري�ض ًا مر�ض ًا يقت�ضي الحلق، �أخرجوكم ،والفتنة -وهي ابتلاء الم ؤ�من في دينه حتى
�أو بر أ��سه ما ي�ؤذيه :فليحلق ر أ��سه وعليه فدي ٌة :ذب ُح �شا ٍة، يرجع عنه في�صير م�شرك ًا -أ��ش ُّد من القتل ،ولا تبد ؤ�وهم
�أو �صيا ُم ثلاث ِة �أيام ،أ�و �إطعام �ستة م�ساكين ،وهو مخير بالقتال في الحرم إ�لا �أن يبد�ؤوكم بالقتال فيه ،ف�إ ْن
في ذلك .ف�إذا أ�منتم بعد الإح�صار ف َمن اعتمر في أ��شهر بد ؤ�وكم بالقتال فيه فلكم حينئ ٍذ قتا ُلهم وقت ُلهم فيه،
الحج (�وشال وذي القعدة وذي الحجة) منتظراً إ�لى ف إ� َّن الله جعل جزا َء الكافرين المعتدين القت َل في الدنيا
وقت الحج :فعليه ما تي�سر من الهدي :ب َدن ٌة ،أ�و بقر ٌة،
�أو �شا ٌة ،ف إ� ْن لم يجد فعليه �صيام ثلاثة أ�يام في الحج تبد أ� والخز َي في الآخرة.
من �إحرامه ،و�سبع ٍة �إذا رجع �إلى بلده ،تلك الأيا ُم ع�شر ٌة
كامل ٌة في الثواب ك َم ْن أ�هدى ،وذلك الهدي �أو َب َد ُله ١٩٢ف إ�ن َك ُّفوا عن قتالكم وتابوا من كفرهم؛ ف إ�ن الله
-وهو ال�صيام -خا�ص بالغريب عن مكة وما جاورها غفو ٌر لمن تاب إ�ليه ،رحي ٌم به في �آخرته.
كي لا يعي َد ال�سف َر للعمرة ،واتقوا الله فيما فر�ضه عليكم،
واعلموا أ� َّن عقاب الله �شديد على َم ْن لا يلتزم ب�شرعه. ١٩٣وقا ِتلوهم حتى يرجعوا عن �شركهم ويعبدوا الله
وح َده ،ف�إن �آمنوا وتركوا قتا َلكم ،ف ُك ُّفوا عن قتالهم،
٣٠
ف إ�نه لا ينبغي أ�ن ُيعتدى �إلا على الظالمين.
١٩٤و إ�ن ا�ستح ُّلوا قتا َلكم في أ�حد ا أل�شهر ال ُح ُرم
-وهي :ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب-
فقاتلوهم فيه؛ فانتها ُكهم حر َمته يرفع عنكم الحرج
في انتهاك حرمته ،فما يجب احترا ُمه إ�ذا ان ُت ِهك ُيقت�ُّص
بمثله؛ فمن اعتدى عليكم بالقتال في الـ َح َرم �أو ا إلحرام
�أو ال�شهر الحرام ،فقاتلوه ،واتقوا الله إ�ذا قاتلتم فلا
تجاوزوا الح َّد ،واعلموا أ� ّن الله مع المتقين بالعون والن�صر.
١٩٥وتع ُّه ُد الله لكم بالن�صر والت أ�ييد لا ُي�سقط عنكم
أ�خ َذ ال ُع َّدة والحذر؛ ف�أنتم م�أمورون ببذل الو�سع في
تح�صيل و�سائل الن�صر ،ف�أنفقوا من �أموالكم في ن�شر دينه
وابتغاء مر�ضاته ،ولا تفعلوا ما فيه هلا ُككم ِم ْن تر ِك
الجهاد والا�ستعدا ِد له� ،أو الا�ست�سلام ل أل�سر ،و�أح�سنوا
في ك ّل ما أ�مركم به �أو نهاكم عنه :بفعل النافع الملائم؛
إ� ّن الله يحب الم�ؤمنين المح�سنين.
١٩٦و إ�ذا �أهللتم بالحج والعمرة ف�أتموهما طاع ًة لله
و ُقرب ًة له ،ولا ترجعوا عنهما بعد ا إلهلال بهما ،و إ�ن
الوقوف بها ،فاذكروا الله بالتلبية والتهليل والدعاء
عند المَ�ْش َعر الحرام -وهو المزدلفة ،وقيل مو�ضع بها-
واذكروه ذكراً ح�سن ًا كما هداكم هداي ًة ح�سن ًة ،فلقد
كنتم قبل ُهداه �ضالين بعبادة ا أل�صنام وتغيير المنا�سك.
١٩٩ومن ذلك التغيير للمنا�سك أ� َّن قري�ش ًا كانت لا
تقف بعرفا ٍت مع علمهم أ�نه موقف �أبيهم �إبراهيم
-عليه ال�سلام -تم ُّيزاً عن بقية الحجيج؛ ف أ�بطل الله عمل
قري�ش هذا ،و ُخوطبوا ب�أن يقفوا حيث يقف النا� ُس
بعرفات ،ويدفعوا منها ،و�أن ي�ستغفروا الله في هذه
المواطن المباركة ،فذلك �أدعى �أن ُيغ َفر لهم ما َف َرط منهم
من ا آلثام -ومنها تغييرهم للمنا�سك -ف إ�ن الله غفور
للم ؤ�منين رحيم بهم.
٢٠٠و إ�ذا فرغتم من أ�عمال الحجَ ،ف َدعوا ما كنتم عليه ١٩٧وق ُت الحج أ��شه ٌر معلومة عندكم ِم ْن َع ْه ِد إ�براهيم
في الجاهلية من التفاخر با آلباء و ِذ ْكر م آ�ثرهم ،وليكن -عليه ال�سلام� :-وشال وذو القعدة وع�شر من ذي
ذك ُركم وتمجي ُدكم لله ،فاذكروه كذكركم آ�باءكم بل الحجة؛ ف َم ْن �ألزم نف�سه الح َّج فيها ،فليجتنب ال ّر َفث
أ��ش ّد ِم ْن ذكركم آ�باءكم؛ لأنه وليُّ النعمة عليكم وعلى -وهو كل قول �أو فعل يتعلق بمعا�شرة الن�ساء -ويجتن ِب
�آبائكم .و�أماك ُن المنا�سك مواط ُن للدعاء و�س ؤ�ال الرحمة
والخير ،فمن النا�س فري ٌق َي ْق ُ� ُص ه َّم ُه في الدعاء على طلب الف�سوق -وي�شمل جميع المعا�صي -ويجتن ِب الجدال
الدنيا الفانية ،ولا ُيلقي بال ًا آلخرته ،فهذا لا َن�صي َب له
-وهو المماراة والخ�صام -وافعلوا الخير ف�إن الله ُم َّطل ٌع
في الدار الآخرة. على أ�عمالكم ومجازيكم عليها ،واتخذوا الزاد في �سفر
٢٠١و ِمن النا�س َم ْن و َّفقه الله فالتج�أ بالدعاء لتح�صيل الحج ،وتذكروا بذلك �سف َركم لـ َمعادكم فتز َّودوا له من
خ ْيي الدنيا وا آلخرة ،وا�ستعاذ ِم ْن �ش ِّر النار وعذابها. ا ألعمال ال�صالحة ،ف إ�ن ذلك خير الزاد ،وا�ست�شعروا
٢٠٢فه�ؤلاء المو َّفقون لهم ثوا ُب الحج وثواب الدعاء، خ�شيتي فيما ت أ�تون وتذرون يا ذوي العقول فذلك
وي�ستجيب اللهُ لهم فيعطيهم ما ُق ِّدر لهم مما ك�سبوه
بالطلب والالتجاء إ�لى الله ،والله يجزي ك ّ ًل بما ي�ستحق، مقت�ضى العقل والحكمة.
وهو �سري ُع الح�ساب والجزاء. ١٩٨ولا حر َج عليكم في ابتغاء رزق الله في مو�سم
الحج بمزاولة التجارة ،ف إ�ذا دفعتم من عرفات بعد
٣١
٢٠٣وع ِّظموا الله تعالى -أ�يها الم ؤ�منون -بالتكبير في
�أيام الت�شريق الثلاثة بعد يوم النحر ،وليك ِّب الحا ُّج أ�ي�ض ًا
عند رمي الجمرات ،و ْل ُي ِقم في ِمن ًى تلك الأيام؛ فمن �أراد
التع ُّج َل فلا �إث َم عليه أ�ن ين�صرف بعد رمي الجمرات في
اليوم الثاني منها ،و َم ْن مكث حتى أ�ت َّم الأيا َم الثلاث َة فقد
ثبتت له ف�ضيل ُة الإقامة بتلك المنازل المباركة ،والم�شاركة
فيها بذكر الله� ،إن اتقى الله في ت�أخره فلم َي ْر ُفث ولم
َي ْف ُ�سق في �أيام منى ،واتقوا الله -أ�يها الحجاج -في �سائر
أ�ماكنكم و أ�حوالكم ،وكما تح�شرون �إلى مواطنكم بعد
الحج ،ف�إنكم مح�وشرون إ�لى ربكم وراجعون إ�ليه.
٢٠٩ف�إن انحرفتم عن طريق الا�ستقامة من بعد ما ٢٠٤ومن النا�س َم ْن ُيظه ُر لك ما يعجبك -أ�يها
جاءتكم المعجزا ُت و�آيا ُت القر آ�ن؛ فاعلموا أ�ن الله عزيز الر�سول -من ا إليمان وحب الخير والإعرا�ض عن
الكافرين ،ويحلف ب أ� ّن الله يعلم أ�نه �صادق ،وهو مناف ٌق
ال يمتنع عليه ما يريده ،حكيم فيما يفعله.
٢١٠وماينتظرالتاركونللدخولفيالإ�سلاموالاجتماع �شدي ُد الخ�وصمة والعداوة لك وللم�سلمين.
عليه ،إ�لا أ�ن ت�أتيهم الملائكة بعذا ِب الله في �ُس ُح ٍب
عظيم ٍة ،ويتم �أم ُر هلاكهم ،و�إلى الله ترجع ا ألمور في ٢٠٥و�إذا ان�صرف ِم ْن عندك -أ�يها الر�سول -ق�ص َد
م�سرع ًا جاهداً �إلى ا إلف�ساد في ا ألر�ض ،وت�ضييع ما به
ا آلخرة فيجازي ُك ّل بعمله. ِقوا ُم النا�س من ْحرث ون�ْسل ،والله لا ير�ضى الف�ساد بل
٣٢ يعاقب عليه.
٢٠٦و إ�ذا ُو ِعظ و ُذ ِّكر بتقوى الله ا�ستولت عليه الـ َح ِم ّية
وحملته على ارتكاب ا إلثم فيما ُنهي عنه عناداً ،فجزا�ؤه
جهنم ،وبئ�س الم�ست َق ّر.
٢٠٧و ِمن النا�س َم ْن يبذل نف�سه طلب ًا لر�ضا الله ،والله
ر ؤ�و ٌف بالعباد إ�ذ �أر�َشدهم �إلى ما فيه مر�ضاته.
٢٠٨يا �أيها الذين آ�منوا ادخلوا في دين ا إل�سلام
ب ُك ِّليته ،بالعمل بجميع �أحكامه و�شرائعه ،مجتمعين عليه
غير متفرقين ولا متنابذين ،ولا ت َّتبعوا تزيين ال�شيطان
بالتفريق؛ �إنه ب ِّ ُي العداو ِة لكم.
٢١٣ولقد كان النا�س أ� ّو َل �أمرهم على دي ٍن واح ٍد ٢١١فا�س أ�ل -أ�يها الر�سول -بني �إ�سرائيل -تبكيت ًا
هو فطرة ا إليمان فاختلفوا؛ ب أ�ن ك َفر بع�ضهم وا�ستمر لهم و إ�لزام ًا بالحجة -كم جاءهم من معجزا ٍت ودلائ َل
بع�ضهم على الإيمان؛ ف أ�ر�سل الله الر�سل مب�شرين بالثواب وا�ضح ٍة كثير ٍة كانت نعم ًة تهديهم �إلى قبول دعوة
على الطاعة ،ومنذرين بالعقاب على المع�صية ،و أ�نزل الر�سل! فلم يعملوا بها ،وب ّدلوا قبولها وال�شكر عليها
معهم الكتب تب ِّ ُي الحق و ُتر�شد إ�ليه وتقط ُع الخلاف في كفراً؛ فا�ستح ّقوا العقا َب لأن َم ْن يب ِّدل نعمة الله ف�إن الله
الدين .وما اختلف فيه إ�لا الذين �أوتوا الكتاب من بعد
ما جاءتهم الدلالات والحجج تع ِّدي ًا بالباطل وح�سداً، �شديد العقاب له.
ف أ�ر�شد الله أ�مة محمد � - -إلى الحق تمكين ًا في
الاهتداء؛ ب�أن ب َّي لهم ما اخت َلف فيه َم ْن كان قبلهم، ٢١٢و إ� َّن �س َب َب الكف ِر الاغترا ُر بالدنيا والافتتا ُن بها؛
والله ُير�شد َم ْن ي�شاء إ�لى طريق الحق .وكما كان النا�س فقد ُزينت الدنيا للكفار ،ف�أَق َبلوا عليها و�أع َر�وضا عن
على دين واحد قبل عرو�ض ال�ضلالات؛ ف إ�نهم بمجيء ا آلخرة ،و�صاروا ي�سخرون من الذين �آمنوا لان�شغالهم
هذه الر�سالة الجامعة رجعوا �إلى هذا الدين الواحد، بالآخرة ويتعا َل ْو َن عليهم .وه�ؤلاء المتقون من الذين
وهو دين ا إل�سلام الذي لا ُيقبل غيره .وهدايتكم يا �آمنوا هم في ا آلخرة في التنعم والفوز بالرحمة فوق
مع�ش َر الم�سلمين ِلـ َما اخ ُتلف فيه من الحق منقب ٌة عظيم ٌة ما فيه ه�ؤلاء في دنياهم ،والله يرزق ه ؤ�لاء الكفر َة في
ونعم ٌة جليل ٌة ،لن ُت َو ُّفـوا ح َّق �شك ِرها إ�لا بال�صبر على ما الدنيا ،فلا ت�ستعظموا ذلك؛ ف إ�ن الرزق لي�س ُمح َت َ�سب ًا
قد يعتر�ضكم في طريق الإيمان من المكاره وال�شدائد، على قدر ا إليمان والكفر ،بل يجري تبع ًا لم�شيئة الله
اقتدا ًء ب�صالحي ا ألمم ال�سابقة. �سبحانه ،و�إنما العي� ُش عي� ُش الآخرة.
� ٢١٤أم ظننتم �أنكم � -أيها الم ؤ�منون بالله ور�سله-
تدخلون الجنة ،ولـ ّما ي�صبكم مث ُل ما أ��صاب َم ْن قبلكم
من �أتباع الر�سل من ال ِمحن والاختبار ،فقد اب ُتلوا بالفاقة
والعلل ،و أ��صابهم من أ�عدائهم من الخوف والرعب �شد ٌة
و َجه ٌد حتى ي�ستبطئ الر�سول والم�ؤمنون معه ن�ص َر الله
إ�ياهم؛ فيقولوا :متى ين�صرنا الله؟ أ�لا إ�ن ن�صر الله قريب،
ف�أب�شروا أ�يها الم ؤ�منون بقربه ،ولا تي�أ�سوا من الفرج.
٢١٥ي�س أ�لك أ��صحا ُبك � -أيها النبي -في �ش�أن ا إلنفاق:
ماذا ينفقون؟ -وهو �س ؤ�ال لمعرفة وجوه الإنفاق التي
تقع موقع القبول -فقل لهم :ما أ�نفقتم من أ�موالكم
وت�ص ّدقتم به؛ فاجعلوه آلبائكم و أ�مهاتكم و�أقربائكم،
ولليتامى منكم ،والم�ساكين ،وابن ال�سبيل ،ف إ�نكم ما
ت�أتوا من خي ٍر وت�صنعوه �إليهم ،ف إ�ن الله به عليم ،وهو
مح�صيه لكم حتى يو ِّفـ َيـكم أ�جوركم عليه يوم القيامة.
٣٣
ُ ٢١٦ف ِر�َض عليكم القتال ببذل النف�س في �سبيل الله،
إلعلاء كلمة الله ،والقتا ُل مكرو ٌه للنفو�س ل ُنفرة الطبع
منه وما فيه ،وربما كره الطب ُع ما فيه نف ُع النف�س،
و أ�ح َّب ما فيه هلا ُكها؛ والله يعلم الخير وال�شر و أ�نتم لا
تعلمونهما ،فامتثلوا ما �أمركم به ،واعلموا �أن فيه الخي َر
لكم في العاجل والآجل.
من الله لتحريمها -وي�س�ألونك ماذا ينفقون؟ ف أ� ِج ْبهم ٢١٧ي�س أ�لك -أ�يها الر�سول� -أ�صحا ُبك عن القتال في
�أن ينفقوا لوجه الله مما زاد عن نفقاتهم التي َتلزمهم. ال�شهر الحرام؟ قل لهم� :إن ا�ستحلا َله و�سف َك الدماء فيه
وكما ب َّي الله لكم حك َم ما �س أ�لتم عنه ،يب ِّ ُي لكم
ا آليا ِت لعلكم تتفكرون فيما يعود عليكم ِم ْن م�صالح عظي ٌم عند الله .ولك ْن ما قام به الم�شركون من الكفر بالله
وال َّ�ص ِّد عن �سبيله وعن الم�سجد الحرام ،و�إخراج الم�سلمين
الدنيا وا آلخرة. من مكة ،أ�عظ ُم وزراً من القتال في ال�شهر الحرام ،وفتن ُتهم
الم�سلمين عن دينهم حتى يهلكوا �أ�ش ُّد جرم ًا من قتلهم في
٣٤ ال�شهر الحرام .ولا يزال الم�شركون يقاتلونكم حتى يردوكم
عن دينكم �إ ْن قدروا على ذلك؛ و َم ْن يرج ْع منكم عن دين
الإ�سلام فيمت قبل أ�ن يتو َب من كفره ،فقد ذهب ثوا ُب
أ�عماله والجزا ُء عليها في دار الدنيا والآخرة ،وهو من �أهل
النار المخ ّلدين فيها.
� ٢١٨إن الذين �ص َّدقوا بالله وبر�سوله ،والذين هاجروا
مع نبيه وجاهدوا في �سبيل الله يرجون رحمة الله �صدق ًا،
�أولئك يطمعون أ�ن يرحمهم الله فيدخلهم جنته ،والله
�سات ٌر ذنو َب عباده بعفوه عنها ،متف ِّ�ضل عليهم بالرحمة.
٢١٩ي�س�ألونك � -أيها النبي -عن الخمر وال ِقمار،
قل لهم :إ�ن فيهما �ضرراً كبيراً من �إف�سا ِد ال�صحة
وذها ِب العقل والمال و�إثار ِة البغ�ضاء والعدوان بين
النا�س ،وفيهما مناف ُع كالت�سلية والربح ال�سهل ،ولك ْن
�ضر ُرهما �أكب ُر من نفعهما فاجتنبوهما -وهذا تمهيد
الحرج في مخالطة أ�هل ال�شرك؛ فلا ينكح الم�ؤم ُن م�شرك ًة ٢٢٠وي�س�ألك � -أيها النبي� -أ�صحا ُبك عن مال
ال تدين بكتاب منزل .و َ أَل َم ٌة م�ؤمن ٌة بالله ور�سوله وبما اليتامى ،وما يلقونه ِم ْن حر ٍج حيا َله ،ب�سبب خلطهم
جاء به من عند الله خي ٌر عن َد الله و أ�ف�ض ُل من ح ّر ٍة م�شرك ٍة �أموا َلهم به ،ف ُق ْل لهم :إ�ن مداخلتهم -مداخلة يترتب
كافر ٍة ،ولو نالت �إعجا َبكم .ولا يز ِّوج المر ُء الم�سل ُم َ -م ْن عليها �إ�صلاحهم في �أنف�سهم ،وفي �أموالهم -خير لهم
له ولاية عليها من الن�ساء -م�شرك ًا لا ي ؤ�من بالله ور�سوله، وللقائمين ب�أمورهم ِم ْن مجانبتهم وتركهم بلا ولي.
ف�إن ذلك حرام عليكم .و َلأَ ْن ُت َز ِّوجوه َّن ِمن عب ٍد م�ؤمن و�إ ْن تخالطوهم ف ُت�شاركوهم فيما زاد على ذلك من
م�ص ّدق بالله ور�سوله وبما جاء به من عند الله خي ٌر لكم أ�مور المعي�شة ،ودواعي الم�صاهرة ،فهم �إخوانكم في
من أ�ن ُت َز ِّوجوه َّن من ُح ٍّر م�شرك ،و�إن أ�عجبكم؛ فالم�شر ُك الدين ،و ِم ْن �ش أ�ن ا ألخ أ�ن يخال َط �أخاه ،والله يعلم َم ْن
يجتذب َمن يعا�شرهم �إلى ال�شرك والمع�صية ،في�ستوجبون يريد �صلاح ما ِل يتيم ِه ممن يريد إ�ف�ساده ،فيجازي ك ّل
النار .والله تعالى -إ�ذ يدعوكم �إلى اعتزال الم�شركين في منهما بما ي�ستح ّق .ولو �شاء ل�ض ّيق عليكم و أ�حرجكم
الزواج -يدعوكم إ�لى ما فيه �صلا ُحكم ،لتكونوا بذلك بتحريم مخالطتهم ،ولكنه و�ّسع عليكم وخ ّفف
�سالكين طري َق الو�وصل إ�لى المغفرة والجنة ،والله يب ّ ُي عنكم .واعلموا �أن الله غالب على �أمره ،لا يمتنع عليه
ح َج َجه و�أدل َة �شرائعه للنا�س ليعتبروا بما هداهم الله إ�ليه �أم ٌر من ا ألمور ،حكي ٌم ال ي�ش ّرع �إلا ما فيه م�صلح ُتـكم
فيفوزوا باتباعه. والتخفيف عنكم.
٢٢٢وي�س أ�لونك � -أيها النبي -عن �إتيان الن�ساء وقت ٢٢١و إ�ذا كانت مخالط ُة اليتامى لا حر َج فيها ف�إن
المحي�ض ،ف�أجبهم أ�ن المحي�َض أ�ذ ًى فامتنعوا عن إ�تيانهن
مدته حتى ينقطع عنهن دم الحي�ض ويغت�سلن ،ف�إذا ٣٥
اكتملت لهن الطهار ُة ف أْ�توه ّن من الوجه الذي ُ�أ ِذ َن لكم
ب�إتيانهن منه ،و َم ْن وقع منه �شي ٌء يخالف ذلك فليتب
�إلى الله تعالى ،ف�إنه �سبحانه يح ّب ِم ْن عباده كثر َة التوبة،
والحر�َص على الطهارة.
٢٢٣ن�سا�ؤكم َم ْن ِب ُت ولدكم ،ف أ�ْتوه ّن في مكان الحرث
-وهو الفرج -كيف �شئتم ،وعلى أ�ي وجه من الوجوه،
وا�شتغلوا بتقديم الخير وال�صالح من الأعمال ليوم الـ َمعاد،
ومنه طلب الولد ال�صالح بهذه المبا�شرة ،وتج ّنبوا ك َّل ما
نهاكم الله عنه من المعا�صي ،ف أ�نتم لا َمحال َة قادمون عليه
فيحا�سبكم على جميع �أعمالكم ،والب�شرى للمطيعين
الذين يقفون عند حدود الله تعالى فلا يتع َّد ْونها.
٢٢٤ولا تجعلوا � -أيها الم�ؤمنون -ال َق َ�س َم مانع ًا من البر
والتقوى وا إل�صلاح بين النا�س ،والله �سميع ألقوالكم
و�أيمانكم ،عليم ب�أحوالكم ونياتكم.
عند خ�شية عدم �إقامة ما ح ّده الله تعالى من الحدود، ٢٢٥إ� َّن الله لا يعاقبكم بما يجري على �أل�سنتكم من
ف إ�ن خفتم عد َم إ�قامة ما �أوجب الله عليهما من الع�شرة أ�يمانكم التي ي�سبق إ�ليها الل�سا ُن من غير ق�صد الحلف،
بالمعروف وال�صحبة بالجميل فقد �شرع للزوجة �أن تق ِّدم إ�نما ي�ؤاخذكم بما تع ّمدتم فيه عق َد الأيمان و�إيجابها على
مال ًا في مقابل افتراقها عن زوجها -وهو ال ُخ ْل ُع -وهذه �أنف�سكم ،والله غفور لعباده فيما َل َغوا من أ�يمانهم ،حليم
هي �أحكام الله المقررة فلا تخالفوها ولا تتجاوزوها؛ في تركه معاجل َة �أه ِل مع�صيته العقوب َة على معا�صيهم.
ألن َم ْن يفعل ذلك ظالم لنف�سه وظالم للمجتمع الذي
٢٢٦للرجال الذين يحلفون �أ ّل يجامعوا ن�ساءهم أ�ن
يعي�ش فيه. يتمهلوا �أربعة أ��شهر ،ف إ�ن رجعوا ف أ�َ َت ْوا ن�ساءهم في �أثنائها
ا�ستم ّر الزواج ،وعليهم كفارة اليمين ،والله يغفر لهم ما
٢٣٠ف إ� ْن ط ّلق الزوج امر أ�ته مرة ثالثة -بعد التطليقتين
ال�سابقتين -فلا تح ّل له حينئذ �إلا بعد �أن تتزوج زوج ًا �صدر عنهم ،ويقبل الكفار َة رحم ًة بهم.
غيره ،ويدخل بها .ف�إ ْن طلقها الزو ُج الثاني ،و�صارت
أ�هل ًا لأن ُي ْع َق َد عليها َع ْق ٌد جديد ،فلا إ�ث َم عليها ولا على ٢٢٧و�إ ْن لم ي�أتوا ن�ساءهم في هذه المدة التي جعل الله
زوجها الأول في أ�ن ي�ست�أنفا حياة زوجية جديدة بعقد لهم الترب�ص فيها حتى تنق�ضي ،ووقع العزم على الطلاق
جديد ومهر جديد ،وعليهما في تلك الحال �أن يعتزما ف�إ ّن الله �سميع أليمانهم و أ�قوالهم ،عليم ب أ�حوالهم
إ�قام َة حيا ٍة زوجي ٍة �صالح ٍة تراعى فيها الأحكا ُم التي
حددها الله تعالى وبي ّنها وف ّ�صلها لمن يريد العل َم والعم َل وعزمهم ،ومحا�س ُبهم على ذلك.
بها؛ فينال نف َعها في دنياه و آ�خرته. ٢٢٨والمطلقا ُت اللواتي ُط ِّلقن بعد الدخول ينتظرن
ب أ�نف�سهن عن نكاح الأزواج ثلا َث حي�ضا ٍت �أو ثلاث َة
٣٦ �أطها ٍر تم�ضي من حين الطلاق ،ولا يح ّل لهن أ�ن يكتمن
ما خلق الله في �أرحامه ّن من الحمل أ�و الحي�ض ،وذلك
�ش�أن الم�ؤمنات بالله واليوم الآخر ،ولأزواجهن الحق في
مراجعتهن م َّدة الع ّدة ولو أ� َب ْ َي وامتن ْع َن ،وعليهم �أن
يق�صدوا بذلك الإ�صلا َح دو َن ق�صد الإ�ضرار بالمر�أة،
ولهن من ح�سن ال�صحبة والع�شرة بالمعروف على
�أزواجهن ِم ْث ُل الذي عليهن من الطاعة فيما �أوجب الله
عليهن ،وللرجال عليهن درجة القوامة والإنفاق والقيام
على م�صالحهن ،والله �سبحانه غال ٌب ،ينتقم ممن ع�صاه،
حكيم في �أفعاله وت�شريعه.
٢٢٩الطلاق مرتان ،يكون للزوج بعد كل واحدة
منهما الح ّق في �أن يم�س َك زوجته ب�إرجاعها في العدة
أ�و إ�عادتها بع َد العدة �إلى ع�صمته بعقد جديد ،ثم
الواجب على َم ْن راجع منكم بعد التطليقتين �إم�سا ُك
زوجته بالمعروف ِم ْن غير �إ�ضرار� ،أو �إر�سالها ب�إح�سان
و أ�داء حقوقها ،ولا يح ّل لكم -أ�يها الأزواج� -أن
ت�أخذوا مما آ�تيتموهن من المهور �شيئ ًا إ�ذا طلقتموهن �إلا
المط ِّلق وترا�ضيا بينهما على ما يق ُّره ال�شرع ،فلا يح ّل
ل ألولياء عندئ ٍذ الت�ضييق عليهن وم ْنعهن من ا�ستئناف
النكاح بعقد ومهر جديدين .وهذا الذي نهيتكم عنه
ِمن َع ْ�ض ِلهن عن النكاح عظ ٌة م ّني لمن كان منكم ي�صدق
بالله فيوحده ويق ّر بربوبيته ،وي�صدق بالبعث للجزاء
والثواب والعقاب ،وذلك �أف�ض ُل وخي ٌر عند الله من
ُفرقتهن أ�زواجهن ،و�أَ ْطهر لقلوبكم ،وقلوبهن ،وقلوب
أ�زواجهن ِلـ َما ُيخ�شى من الريبة والتهمة ب�سبب العلاقة
التي كانت بينهما ،والله يعلم من م�صالح الب�شر وخف ّيات
�أمورهم ما يجهلون.
٢٣٣وعلى ا أل ّمهات �أن َي ُقمن ب إ�ر�ضاع أ�ولاده َّن ٢٣١و إ�ذا ط ّلق أ�ح ُدكم المر�أ َة طلاق ًا رجعي ًا فعليه
مد َة عامين تا ّمين ،مراعا ًة لم�صلحة الطفل ،إ�ذا طلب أ�ن ُيح�سن في �أمرها إ�ذا َق ُرب انتها ُء ع َّدتها ،ف إ� ّما �أن
�أحد الوالدين � -أو كلاهما -ا�ستيفا َء مدة الر�ضاعة يرجعها �إلى ع�صمة نكاحه بمعروف ،وينوي ع�شرتها
تام ًة ،لاحتياج الولد �إليها ،و ُيلزم الوال ُد -باعتبار بالمعروف� ،أو يتركها حتى تنق�ض َي عدتها ،ثم تخرج
الولد من�سوب ًا �إليه -با إلنفاق على ا ألم المط َّلقة حينئ ٍذ، من بيت الزوجية بالتي هي أ�ح�سن ،من غير �إ�ضرار ولا
�إيذاء .ولا يجوز أ�ن يكون الق�ص ُد من المراجعة م�ضا ّرة
ب�إطعامها وك�سوتها بما يجب لمثلها على قدر مي�سرته، المر أ�ة وتطويل عدتها .ولا تتخذوا �آيا ِت الله و�أحكامه،
هز�ؤاً ولعب ًا ،واذكروا نعمة الله عليكم بالإ�سلام و�إر�سال
بلا �إ�سراف ولا تقتير ،فلا ُي َح َّم ُل المرء من الأمور �إلا ما الر�سول بالهدى والب ِّينات إ�ليكم ،وما أ�نزل عليكم
يطيق ،ولا ينبغي أ�ن يكون الولد �سبب ًا في �إلحاق ال�ضرر من القر آ�ن وال�سنة لتتعظوا بهما وتهتدوا ،وعليكم �أن
ب أ�مه ،ف ُيه�ضم ح ُّقها في نفقتها ،أ�و ح�ضانة ولدها، تمتثلوا �أوامر الله وتجتنبوا نواهيه ،واعلموا عل َم اليقين
كما لا ينبغي أ�ن يكون �سبب ًا في �إلحاق �ضرر ب�أبيه ،ب�أن أ�ن الله يعلم �س ّركم وجه َركم ونيا ِتكم و أ�عما َلكم ،وهو
ُيك َّلف فوق طاقته ،أ�و ُيح َرم ح َّقه في ولده .ويجب مجازيكم بما كنتم تعملون.
على الوارث عند موت الوالد مث ُل ما يجب على الوالد
٢٣٢و إ�ذا طلقتم الن�ساء -دون الثلاث -وانق�ض ْت
قبل موته من النفقة أ�و الك�سوة .ف إ�ن رغب الوالدان �أو عدتهن و�أرادت إ�حداهن أ�ن ت�ست أ�نف زواج ًا جديداً ِمن
�أحدهما في فطام الطفل قبل تمام العامين ،وترا�ضيا على
ذلك ،ونظرا �إلى م�صلحة الر�ضيع ،فلا َت ِبع َة عليهما،
و إ�ذا �شئتم � -أيها ا آلباء -اتخا َذ مرا�ضع ل ألطفال غي َر
�أمهاتهم ب�سبب عجزهن �أو ا�ستنكافهن ،فلا حرج ولا
�إثم في ذلك عليكم ،وادفعوا �إليهن ما اتفقتم عليه من
الأجر بالر�ضا وا إلح�سان ،وراقبوا الله في أ�عمالكم،
واعلموا أ�نه -تعالىُ -م َّطل ٌع عليها ،و ُمازيكم بها.
٣٧
٢٣٤والذين يموتون من الأزواج ويتركون زوجا ٍت
غي َر حوامل فعليهن �أن يمكثن بعدهم دون تع ُّر�ٍض
للزواج مد َّة �أربعة أ��شهر وع�شرة أ�يام بلياليها ،قيام ًا بحق
الله تعالى وا�ستبرا ًء للرحم ،و ِحداداً على الأزواج،
ف�إذا انتهت هذه الم ّدة ،فلا َت ِبع َة عليكم �أيها ا ألولياء
فيما يفعلن في أ�نف�سهن من خروج وتز ُّين وزواج
بالمعروف ،ولا يجوز لهن �أن ي�أتين من الأعمال ما
ينكره ال�شرع وي أ�باه ،إ�ن الله ُم ّطلع على �سرائركم،
وعالم ب�أعمالكم ،فيحا�سبكم على ما تعملون.
٢٣٧و إ�ذا ط ّلقتم الن�ساء قبل الدخول بهن ،بعد ت�سمية ٢٣٥ولا إ�ث َم عليكم -أ�يها الرجال -في م َّدة الع َّدة،
إ�ذا أ�لمحتم بالزواج للمعت ّدات من وفا ٍة أ�و طلا ٍق بائ ٍن،
مهورهن ،فقد وجب لهن ن�صف المهر المق َّدر ،إ�لا �إذا �أو أ��ضمرتم ذلك في قلوبكم ،ف إ� ّن الله يعلم �أنكم لا
تنازلت عنه الزوجة أ�و ول ُّيها ،كما �أنهن لا ُي ْع َط ْ َي �أكث َر ت�صبرون عن التحدث عما في أ�نف�سكم من �ش�أنهن،
من الن�صف� ،إلا إ�ذا �سمحت نف� ُس الزوج ،ف�أعطاها ولهذا أ�باح لكم التلوي َح دو َن الت�صريح ،فلا َت ِع ُدوه ّن
المهر كله� ،أو ما هو �أكثر من الن�صف ،و�سماح ُة ك ٍّل من بالزواج ،إ�لا �أن يكون ذلك إ��شار ًة �أو كناية لا ت�صريح ًا،
ولا ُتبرموا عق َد الزواج حتى تنق�ضي ال ِع ّدة ،و أ�يقنوا �أن
الزوجين أ�كر ُم و أ�ر�ضى عند الله و أ�لي ُق ب�أهل التقوى ،فلا الله ُم َّطلع على ما تخفونه في قلوبكم ،فخافوا عقابه،
تتركوها ،ولا تغفلوا عن �أن يتف�ض َل بع�ضكم على بع�ض ولا ُت ْقدموا على ما نهاكم عنه ،ولا تي أ��سوا من رحمته
�إن خالفتم أ�مره ،ف�إنه وا�سع المغفرة ،يقبل التوبة عن
بت�سامحه عن بع�ض حقوقه ل آلخر ،والله م َّطلع على
عباده ،ويعفو عن ال�سيئات ،حلي ٌم لا يعجل بالعقوبة
�ضمائركم و أ�عمالكم ،فيجازيكم عليها. لمن انتهك المحرمات.
٢٣٦و�إذا ط ّلقتم الن�ساء قبل الدخول بهن ،وقبل �أن
ُت�س ّموا لهن مهراً ،فلا يجب لهن مهر ،ولا �إثم عليكم
في ذلك ،و�أعطوهن ما َي َتم ّتعن به من أ�موالكم تطييب ًا
لخاطرهن على �أقداركم ومنازلكم من الغنى والفقر،
وليك ْن ذلك عن ر�ضا وطي ِب خاط ٍر ،وهذه العطي ُة من
�أعمال البر ،التي يلتزمها ذوو المروءات ،و�أه ُل الخير
وا إلح�سان.
٣٨
�إثم عليكم أ�يها ا ألولياء �أن تتركوهن يت�صرفن في �أنف�سهن
بما لا ينكره ال�شرع عليهن ،و أ�طيعوا الله في أ�حكامه،
واعلموا أ�نه قادر على أ�ن ينتقم ممن يخالف �أمره ،وهو
ذو حكمة با ِلغة لا ي�شرع لكم إ�لا ما فيه الم�صلحة.
٢٤١وللن�ساء اللاتي ُيط َّلقن بعد الدخول ح ٌّق في �أن
ُيع َطين ما يتمتعن به من المال جبراً لخاطرهنُ ،يدفع �إليهن
بالح�سنى ،على قدر غنى الزوج وفقره؛ لأن ذلك مما
توجبه تقوى الله عز وجل ،والالتزام ب�أحكامه.
٢٤٢وبمثل هذه الآيات الب ّينات ،وال ّت�شريعات الوا�ضحة،
المح ِّققة للم�صلحة ،يبي ُن الله لكم أ�حكامه و آ�ياته
لتتدبروها ،وتعملوا بما فيها من الخير.
٢٤٣أ�لم ينته إ�لى علمك � -أيها الر�سول -حا ُل القوم ٢٣٨اح ِر�وصا على إ�قامة ال�صلوات المفرو�ضة؛
الذين خرجوا من ديارهم وهم أ�لوف كثيرة خ�شية بالمداومة عليها ،و�أدائها في �أوقاتها مع توفية أ�ركانها
الموت -قيل :خرجوا ُجبن ًا عن قتال أ�عدائهم .وقيل: و�شروطها و�سننها ،والإخلا�ص الكامل لله فيها،
فراراً من الطاعون -فق�ضى الله عليهم بالموت ،ثم واحر�وصا على ال�صلاة الو�سطى -وهي �صلا ُة الع�صر-
أ�حياهم ،و�إ ّن هذا الإحيا َء من ف�ضل الله ،الذي ي�ستوجب
ال�شكر ،ولكن أ�كثر النا�س لا ي�شكرون الله على نعمه. و�أتموا طاعة الله تعالى في �صلاتكم ،خا�شعين لجلاله.
٢٤٤و�إذا علمتم �أن الفرا َر من الموت لا ينجي منه ٢٣٩ف�إ ْن خفتم عد ّواً أ�و غيره ف َ�ص ّلوا م�شا ًة� ،أو راكبين
فجاهدوا وابذلوا �أنف�سكم لإعلاء كلمة الله ،و أ�يقنوا أ�ن ب إ�يماء ،كيف أ�مكن ،م�ستقبلي القبلة وغيرها ،ف إ�ذا زال
الله ي�سمع ما يقول المتخ ِّلفون وما يقول المجاهدون، الخو ُف عنكم ف أ�قيموا �صلاتكم تامة كاملة بركوعها
و�سجودها وحدودها ،وا�شكروا الله الذي ع َّلمكم من
عليم بنياتكم و أ�عمالكم.
دينكم ما لم تكونوا تعلمون قبل نزول القر�آن.
٢٤٥والجهاد في �سبيل الله يحتاج إ�لى المال ،فالذي
ينفق أ�مواله في �سبيل الله ،فيعين �ضعيف ًا� ،أو يقوي ذا ٢٤٠والذين ُيتوفون منكم ويتركون زوجا ٍت لهم؛ فقد
فاقة �أراد الجهاد في �سبيل اللهَ ،و َع َد ُه الله �أن يخلفها عليه �أو�صى الله تعالى لهن بحق الإقامة في بيت الزوجية عام ًا
م�ضاعف ًة أ��ضعاف ًا كثيرة .والرز ُق بيد الله ُي�ض ِّيق على َم ْن كامل ًا ،موا�ساة لهن ،ولا يحق ألحد أ�ن ُيخرجهن منه،
ي�شاء ِم ْن عباده ويو�ِّسع على �آخرين ،له الحكمة البالغة في ف إ�ن كان الخروج من ِق َب ِله َّن واختياره َّن في �أثناء العام فلا
ذلك ،و�إليه م�صيركم بعد الموت ،فيجازيكم بما قدمتم
٣٩
من ا ألعمال.
� ٢٤٦ألم تعلم � -أيها الر�سول -ق�ص َة جماع ٍة من بني
إ��سرائيل بع َد َز َم ِن مو�سى -عليه ال�سلام -طلبوا من
نب ِّيهم في ذلك الوقت أ�ن يجع َل عليهم حاكم ًا يجمع
�شملهم بع َد تف ُّر ٍق ،ويقودهم تحت لوائه� ،إعلا ًء لكلمة
الله ،ف�س�ألهم لي�ستوث َق من ِج ّدهم في ا ألمر و ُيح ِّذرهم
من المخالفةَ :أ�لا ُي ْن َتظر منكم أ�ن َتبنوا عن القتال �إذا
ُف ِر�ض عليكم؟ ف�أنكروا أ�ن يقع منهم ذلك ،وقالوا:
وكيف ال نقاتل لا�سترداد حقوقنا ،وقد طردنا �أعدا ؤ�نا
من أ�وطاننا؟! فل ّما �أجاب رغبتهم ،و ُف ِر�َض عليهم
القتال ،تخ ّلفوا �إلا جماع ًة قليل ًة منهم ،وكان تخ ّل ُفهم
ظلم ًا ألنف�سهم ،ولنب ِّيهم ،ودينهم ،والله يعلم ذلك
منهم ،و�سيجزيهم جزاء الظالمين.
�آل مو�سى و آ�ل هارون من ا آلثار ،وب إ�ح�ضاره تطمئن ٢٤٧وقال لهم نب ُّيهم� :إ ّن الله تعالى ا�ستجاب لكم،
قلوبكم .إ�ن في ذلك لدليل ًا يدفعكم إ�لى اتباعه ،والر�ضا فاختار طالو َت حاكم ًا عليكم ،فاعتر�ض كبرا ؤ�هم على
اختيار الله ،قائلين :كيف يكون ملك ًا علينا ،ونحن
به ،إ�ن كنتم للح ّق ُم ْذعنين وبه م�ؤمنين.
�أح ّق بالملك منه؟ لأنه لي�س ذا ن�سب في المُلك ،ولا
ما َل له! فرد عليهم نب ُّيهم قائل ًا :إ� ّن الله اختاره حاكم ًا
عليكمِ ،لـما خ ّ�صه الله به ِم ْن �َس َعة الخبرة ب�ش ؤ�ون
الحرب ،وتدبير ا ألمور ،مع قوة الج�سم .وال�ّسلطا ُن
بيد الله يعطيه من ي�شاء من عباده ،والله �سبحانه وا�سع
الف�ضل عليم بما ي�صلحكم.
٢٤٨وقال لهم نب ّيهم :إ� َّن الدليل على أ� َّن الله اختار
طالوت حاكم ًا لكم هو أ�ن يعود إ�ليكم �صندو ُق التوراة،
الذي �ُسلب منكم ،تحمله الملائكة ،وفيه بع�ُض ما ترك
٤٠
٢٥٠ولـ ّما تق َّدموا لقتال جالوت وجنوده َف ِزعوا
�إلى الله دا ِعين �ضار ِعين له أ�ن يمنحهم ال�صبر ،ويقوي
عزائمهم ويث ِّبتهم على الجها ِد وعد ِم الفرار ،و�أن
ين�صرهم بعونه وت�أييده على �أعدائهم الكافرين.
٢٥١ف�أجاب الله دعاءهم ،وهزموا عد َّوهم ب أ�مر الله،
وقتل داو ُد -وكان أ�ح َد جنود طالوت -جالو َت قائد
الكفار ،و أ�عطى الله داود الحكم بعد طالوت ،والنبو َة،
والعلم النافع ،وع ّلمه مما ي�شاء ،وللاو َد ْف ُع الله النا� َس
بع َ�ضهم ببع�ض� ،أيَ :د ْف ُع �أه ِل المع�صية لله وال�شرك
به ب أ�هل الطاعة له وا إليمان به؛ لف�سدت الأر�ُض
وا�ضطرب أ�م ُرها ،ولك ّن الله دائ ُم الف�ضل والإح�سان
على عباده �أجمعين.
٢٥٢تلك الق�ص�ص نوحيها إ�ليك -أ�يها النبي- ٢٤٩فل ّما خرج طالوت بجنوده للقتال قال لهم :إ� ّن
الله ممتح ُنكم على ال�صبر بنهر تم ّرون عليه في طريقكم،
بال�صدق لتكون أ��سو ًة لك ودليل ًا على �صدق ف َم ْن �شرب منكم ِمن ماء النهر فلي�س ِمن أ�هل ولايتي
وطاعتي ،و َم ْن لم يذق ماءه ف�إنه ِمن أ�هل ولايتي وجندي
ر�سالتك ،ولتعلم �أننا �سنن�ص ُرك كما َن َ� ْصنا َم ْن ال�صادقين ،إ�لا َم ْن تر ّخ�ص واغترف غرف ًة واحد ًة بيده
قبلك ِمن الر�سل وم َّتبعيهم .وفي الق�صة �أي�ض ًا تنبيه فلا لو َم عليه ،فلم ي�صبروا على هذا الاختبار و�شربوا منه
للم�سلمين أ� ّل يتقاع�سوا عن الجهاد والقتال في �سبيل �شرب ًا كثيراً �إلا جماعة قليلة منهم ،فا�صطحب طالوت
الله �إن ِف ُر�َض عليهم. هذه ال ِق ّل َة ال�صابرة ،واجتاز بها النهر ،فل ّما ظهر ْت
لهم كثر ُة عدد عد ّوهم قالوا :لن ن�ستطيع اليوم قتا َل
جالوت وجنوده لكثرتهم وقلتنا ،فقال الذين يوقنون
بالـ َمعاد وي�ص ّدقون بالرجوع إ�لى الله :كثيراً ما غلبت
ال ِق ّل ُة الم�ؤمن ُة الكثر َة الكافر َة ،ب�أمر الله وعونه ،والله مع
ال�صابرين ،الذين ُي َ�ص ِّبون �أنف�سهم في �سبيل ر�ضاه و�أداء
طاعته.
٤١