نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
23أخرجه البخاري في صحيحه ،ج ،3رقم ،3467مطولاً؛ والترمذي في السنن ،رقم.3656
24البخاري ،باب بدء الوحي ،ج ،1ص ،3-2نقلا عن موقع المجد.
1 http://www.albayan.ae/opinions/1998-05-31-1.1022512
19/12/2017
26مغني المحتاج للخطيب الشرستي ،كتاب الجنائز( ،بيروت :دار الفكر) ،ج ،1ص ،447رقم.4386
27الطبري ،التفسير ،ج ،1ص .95والحديث موقوف على ابن مسعود ،وإسناده صحيح.
28صبيحة قاسم هاشم وعلي رزاق جياد العابدي" ،أثر الثقة التنظيمية في الأداء الاستراتيجي باستخدام
نموذج بطاقة العلامات المتوازنة :دراسة تطبيقية في الشركة العامة للاسمنت الجنوبية في الكوفة" ،مجلة
القادسية للعلوم الادارية والاقتصادية ،المجلد ،12العدد ،2010 ،1ص.45
29توني موردن ،مرجع سابق ،ص.65
30أميرة خضيركاظم" ،الثقة التنظيمية ودورها في تعزيز الولاء التنظيمي :دراسة تطبيقية لعدد من العاملين
في فروع مصرف الرافدين في محافظة النجف الأشرف" ،مجلة الغري للعلوم الاقتصادية والادارية ،المجلد
الثامن ،العدد الحادي والثلاثون ،2014 ،ص.233
31توني موردن ،مرجع سابق ،ص.753 -738
32أميرة خضيركاظم ،مرجع سابق ،ص.233
33صبيحة قاسم هاشم وعلي رزاق العابدي ،مرجع سابق ،ص.46 -45
34أميرة خضيركاظم ،مرجع سابق ،ص.232
35مجيد الكرخي ،مؤش رات الأداء الرئيس ية( ،عمان :دار المناهج للنش ر والتوزيع ،ط،)2015 ،1
ص.38
36 http://syria-news.com/dayin/mosah/printpage.php?id=9968,
13/12/2017
36
الفصل الثالث
دور الجمعيات الخيرية في تنمية الفرد والمجتمع المسلم
جمعية النجاة الخيرية الكويتية أنموذ ًجا
الدكتور بدر محمد العـليوي1
الدكتور بدر محمد العازمـي2
ملخـص البحـث
الجمعيات الخيرية الإسلامية أصبح لها دوركبير ومؤثر ج ًّدا في تنمية الفرد والمجتمع.
ولذلك قمنا بإعداد بحث عن دور هذه الجمعيات الخيرية في العمل الخيري ،وقد اخترنا
جمعية النجاة الخيرية الكويتية التي تعتبر رائد من رواد العمل الخيري في الكويت وفي العالم
أنموذجا ،واقتصرنا على أعمالها في جمهورية بنجلادش الشعبية.
وقسمنا الخطة في هذا البحث إلى تمهيد ومبحثين.
التمهيد :وفيه نبذة عن جمعية النجاة الخيرية الكويتية
المبحث الأول :دور الزكاة والصدقة في تنمية الفرد والمجتمع المسلم ،والحاجة
للجمعيات الخيرية المطلب الأول :دور الزكاة والصدقة في تنمية الفرد والمجتمع
المطلب الثاني :الحاجة لوجود الجمعيات الخيرية في الوقت المعاصر
المبحث الثاني :دور جمعية النجاة الخيرية الكويتية في تنمية الفرد والمجتمع المسلم
في بنغلاديش
ثم الخاتمـة وفيه أهم نتائج البحث والتوصيات
وأتبع ذلك بملحق فيه بيان بالمشارع المنفذة في بنغلاديش في السنوات من
2013م2017-م.
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
مقــدمة
إن الحمد لله ،نحمده ونستعينه ،ونستغفره ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا ،من يهده الله فلا مضل له ،ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد أن لا إله إلا
الله ،وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعـد! فقد جعل الله -عز وجل -الشريعة الإسلامية عامة للبشرية جمعاء ورحمة
وناسخة للشرائع االللْهمِكس،تَاابققِاةب،لَووُمتمَهعهْيايلِممىننا:ة َععلَْيلَيوِهَمهاا،أَ[ْاقرلامَسالْئلنَادتةَعك:الإِ8ىل4َ:اّ]َ،رَحْوألَمَنةذَزلْلنَالِْلكإَِعلَاْيلكَاِمنَكيَانتلِْكهتَا[ذالهَأبنالببيِااشلءْحرَيِ:عق7ةُم0كاَ1صم]ِلد،قةا
لَِما بَْيَن يََديِْه ِم ْن
تامة صالحة لكل
زمان ومكان ،ومن التشريعات التي جاءت بها الشريعة الإسلامية :الزكاة ،التي هي ركن من
أركان الإسلام ،وحق واجب على الأغنياء لأهل الزكاة الذين جاء ذكرهم في قوله تعالى:
َوِفإَِينّمَا َسابِلي ِلَص َادَقََّّلالِ َُوتاِبْلِِْلنُفاَلقَراَّسِءبِي َِولالْفََمِريَساَضكِةيِِمن ْنَواالََّْعَّللِاِمَلِواَيَّّلَنلُ َعَعللَِْييـٌمَها َحَوالِْكيُمٌمَؤَلَّفِة[اقلُـتلُووببُهةُْ:مَ0وِف6ي].الِرقَا ِب َوالْغَا ِرِميَن
ولهذا كان هذا البحث لبيان دور الزكاة والصدقة في تنمية الفرد والمجتمع المسلم،
وربطا للواقعية فقد اخترنا البحث في دور «جمعية النجاة الخيرية الكويتية» في تنمية الفرد
والمجتمع المسلم في جمهورية بنغلاديش وذلك في الفترة (2013م2017-م).
ويشتمل هذا البحث على تمهيد ومبحثين:
التمهـيد :وفيه نبذة عن دور جمعية النجاة الخيرية الكويتية.
المبحث الأول :دور الزكاة والصدقة في تنمية الفرد والمجتمع المسلم والحاجة
للجمعيات الخيرية.
المبحث الثاني :دور جمعية النجاة الخيرية في تنمية الفرد والمجتمع المسلم في جمهورية
بنغلاديش.
ثم الخاتمة وفيها أهم النتائج والتوصيات.
38
الفصل الثالث
تمهـــــيد :نبذة عن جمعية النجاة الخيرية:
تأسست جمعية النجاة الخيرية بدولة الكويت يوم الثلاثاء الموافق 6ربيع الأول
لعام 1389هـ ،الموافق 14فبراير لعام 1978م ،وتتميز في الأساس بنشاطها التعليمي الذي
يعتبر الأصل في تنمية الفرد والمجتمع ،حيث أنها شيدت العديد من المدارس الخاصة بهدف
بناء جيل متميز علميا وقادر على تحمل المسئولية والمساهمة في تنمية الوطن مع الالتزام
بمبادئ الإسلام السمحة.
وتقدم جمعية النجاة المساعدة للطلاب الغير قادرين على سداد مصروفاتهم
المدرسية لا سيما الموهوبين والمتفوقين،كما تقدم مساعدات عينية ومعنوية للمحتاجين لأفراد
المجتمع بما في ذلك المواطنين والمقيمين ،وقد أنشأت العديد من المدارس واللجان المتخصصة
ولجان الزكاة من أجل تحقيق أهدافها.
كما أسست معهد «كامز» للتدريب الأهلي في شهر أكتوبر لعام 1996م،
والذي يشرف عليه مجلس إدارة من المتخصصين ،ويقدم معهد «كامز» دورات تدريبية
متميزة وضرورية للمواطنين في القطاعات الخيرية والتطوعية.
كما تنتشر لجان الزكاة في كل أنحاء الكويت لمساعدة وحماية الفقراء والمحتاجين،
ولا يقتصر دور جمعية النجاة الخيرية على تسهيل تقديم الزكاة من خلال توصيلها إلى
المستحقين فقط ،ولكنها تساهم أيضا في تنفيذ العديد من الأنشطة التي لها دور بارز في
تنمية الفرد والمجتمع ،ومن أهمها :الأنشطة الاجتماعية الرامية إلى التواصل مع أفراد المجتمع
مثل :إقامة الدورات الشرعية والمحاضرات والندوات التنفيذية التي تتناول العديد من المواضيع
الهامة للأفراد والأسرة والمجتمع بالإضافة إلى النشطة المتنوعة التي تسهل التواصل بين المواطنين
المقيمين من ناحية ولجان الزكاة من ناحية أخرى حتى تعود بالفائدة على كل من الجهات
المستفيدة والجهات المانحة.
وتُولي جمعية النجاة الخيرية اهتماما خاصا بتدريس كتاب الله تعالى للشباب
والأطفال والرجال والنساء من جميع الفئات العمرية ،ولهذا السبب أنشأت جمعية النجاة
الخيرية العديد من مراكز تحفيظ القرآن في جميع أنحاء الكويت وفي الخارج.
39
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
كما تُولي جمعية النحاة الخيرية اهتماما بتنفيذ بعض المشاريع الخيرية خارج دولة
الكويت إيمانا منها بأهمية التكامل بين المسلمين بغض النظر عن الحدود الجغرافية أو
الجنسيات أو لون البشرة.
كما تراعي جمعية النحاة الخيرية تنفيذ مبادرات الاستدامة باعتبارها مسئولية
جماعية ومشتركة،كما يتم التعامل مع القرارات المتعلقة بدمج الاستدامة من قِبَل قسم التدقيق
الداخلي ،والتي تراقب وتدير وتقوم بدمج أطر الاستدامة في عمليات جمعية النجاة الخيرية،
وتقوم جمعية النجاة الخيرية بإعادة هيكلة نفسها لتواكب التوجهات والممارسات الدولية في
قطاع المؤسسات الخيرية والمنظمات غير الحكومية لتحقق تأثير أكبر ونتائج أفضل بالنسبة
للمستفيدين بالإضافة إلى المتبرعين لمختلف المشاريع والبرامج الاجتماعية.
وتُعد جمعية النجاة الخيرية واحدة من ضمن المنظمات القليلة غير الهادفة للربح
التي تدعم وتربط أهدافها المؤسسية بأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
التواجـد الجغـرافي:
وصلت مشاريع جمعية النجاة الخيرية في عام 2016م إلى أكثر من 37دولة،
واستفاد منها العديد من الفقراء والمحتاجين ،وتركزت أغلب هذه المشاريع في عدة دول هي:
مصر ،والأردن ،وألبانيا ،والبوسنة والهرسك ،وسوريا ،وتركيا ،واليمن ،وإندونيسيا،
وباكستان ،وبنغلاديش ،وتشاد ،وسريلانكا ،والفلبين.كما شملت دولا أخرى مثل إسبانيا،
والسودان ،وجيبوتي ،وكوسوفو ،وفلسطين(.)3
40
الفصل الثالث
المبحث الأول :دور الزكاة والصدقة في تنمية الفرد والمجتمع المسلم والحاجة للجمعيات
الخيرية
وفيه مطلبان:
المطلب الأول :دور الزكاة والصدقة في تنمية الفرد والمجتمع
قد أْولت الشريعة اهتماماكبيرا في الصدقات والزكوات وبَيّنت لنا مَمّن تؤخذ وإلى
من ترد فعلمنا مواردها ومصارفها التي حددها لنا الكتاب الكريم وال ُّسَنّة المطهرة ،ولا شك
أنه ينبغي أن تستثمر الصدقات والزكوات في التنمية ،ومن الأمور المعلومة في ديننا أنه يحثنا
على الاهتمام بتقوية وتنمية المجتمع والحرص على توفير سبل العيش والحياة الكريمة لجميع
أفراد المجتمع المسلم ،وذلك من خلال التعاون فيما بينهم والحرص على التكافل الاجتماعي
وحثهم على الإنفاق في سبيل الله وأن يواسي بعضهم بعضا ،ونبذ كل ما يدعو إلى الفرقة
والشح والبخل وقد دلنا على ذلك القرآن الكريم والسنة النبوية.
قال الله تعالىَ :وتَـَعاَونُوا عَلَى الِْبِر َوالَتّـْقَوى َولا تَـَعاَونُوا َعلَى الِإثِْم َوالُْع ْدَوا ِن
[المائدة.]2:
أبََََِوووااْمََلْلممَْبيَُااـواتَلذََْاهاخَمَُْملمَِلَىكَعِرَلَََئوْييََْءَِتوهاْولْكْاقمأتُلََايمَْنّمُمَالاَلَسنْوُواَِسنُعككِْزآميَوَمَملِنانإُِاو َواّنيجآـَُوتاَْؤااللبَِِمَّْا:جُّهَنلَُالََّّْلمولِِرَلناَاَواََّبِّوذلاِالُْعلْيَُبّيََُِـحّليلُِِْمدوُِمّْاوَبانولْلاُاقاََفمَْلَّرّلبآََلَِْناْبضلِْخلَِيَـوَكلِِهرَْوااوِامَلَنتوَُْأاوجَأََلانْْعشُآَِتَرفمِْرتَُِكُْقدخاناولواَِارالاْجبَُِنلُِمِوِهفََْلمَّماَُِْكبخنَشايْوَفِيرَئرَاَِزارويقاَـُك*لَُهَنْونابََْمِّلصّااالِْلَعذَايِواََحَذَّلِّشّالَنلْيبَُدِايْبيطـََاَْبِونُمَكبُِنااَِإِخهليلُلََْنْنجحَهوُاْنَ*نَاسقََِاَِّّلبرنيلََُوانواََالَّيََْبوِاوِذُفمهَبِبِْيُْرمِذَِسنَوناَنيءَايَعُلنلِااقيَِللْفََّنِّسرُقُيقمابِْنايرواََََِلسب*ن
[النساء .]39-36:والآيات الدالة على ذلككثيرة.
وجاء في ال ُّسَنّة عن النبي ق أحاديث كثيرة تدل لنا على هذا المعنى:
-منها ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم« :المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»(.)4
41
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
-وأخرج الطيالسي وأحمد عن النعمان بن بشير عن النبي ق أنه قال« :مثل
المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر
الجسد بالسهر والحمى»(.)5
وقال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم« :هذه الأحاديث صريحة في تعظيم
حقوق المسلمين بعضهم على بعض وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير إثم
ولا مكروه»(.)6
ولا شك أن من خير من يقوم بهذا الدور في وقتنا المعاصر هي الجمعيات والهيئات
والمؤسسات الخيرية ويقع على عاتقها تحمل وتحقيق هذا الهدف بشتى أنواع السبل ،ولتحقيق
هذا الهدف هناك سبل وصوركثيرة منها:
-1العناية بالأسر وتلمس حاجاتهم من ملبس ومأكل ومشرب ومسكن وغيرها
من مستلزمات الحياة الكريمة لا سيما من ليس لهم معيل مثل الأرامل والمساكين والأيتام،
ولأهمية هذا الأمر حَثّنا عليه ديننا ،فقد جاء في الكتاب والسنة آيات وأحاديث منها:
-ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة ط قال :قال رسول الله ق:
«الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار»(.)7
قال الحافظ ابن حجر والإمام العيني في شرحهما على صحيح البخاري أي هذا
الباب في بيان فضل الساعي على الأرملة في مصالحها والأرملة من لا زوج لها(.)8
-وأخرج أبو داود والترمذي عن سهل بن سعد قال :قال رسول الله ق« :أنا
وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بأصبعيه يعني السبابة والوسطى»(.)9
قال السيوطي في شرحه« :وكافل اليتيم هو القائم بأمره من نفقة وكسوة وتأديب
وتربية وغير ذلك»(.)10
-2بناء المساجد وتأتي أهمية بناء المساجد من حيث أنه المكان الذي يتصل فيه
العبد بربه ويقيم فيها أعظم وأهم شعيرة وهي صلاة الجماعة ،حيث إن الصلاة في المسجد
دليلا على الإيمان ،وقد ورد في الكتاب والسنة فضل بناء المساجد:
42
الفصل الثالث
ال َّصلاةَ اََّّللَإِفَـَنّمََعا َسيـَْعىُمأُُرولَئَِم ََسكاأَِجنَديَاََُّكّلِلونَُموا ْنِم آَنَمالَْنُمبِْهاَتََّّلِلِديََونالْيَـْوِ[مالاتلوآبةِخِ:رَ8وأَ1قَ]اَ.م -قال تعالى: َوآتَى
الَّزَكاةَ َولَمْ َيْ َش إِلَاّ
-وأخرج ابن ماجة في سننه عن عثمان بن عفان قال :سمعت رسول الله ق
يقول« :من بنى لله مسجدا بنى الله له مثله في الجنة»(.)11
- 3بناء المدارس والمعاهد التعليمية ودور القرآن والمراكز الشرعية ،وحيث إن بناء
الفرد المنتج النافع لمجتمعه هو من أهم الأهداف التي تتمناها جميع الدول لكي ترتقي وتتطور،
ولا يكون ذلك إلا بتوفير وبناء أماكن وتوفير المعدات المعينة للطلاب على ذلك ،وكفالة
الطلاب والمعلمين ،وشريعتنا قد شجعت وحثت على الاستزادة من العلم والتعليم.
-قال تعالىَ :وقُ ْل َر ِب ِزْدِن ِعْلما[ طه.]114:
-وأخرج البخاري في صحيحه عن عثمان ط عن النبي ق قال« :خيركم من
تعلم القرآن وعلمه»(.)12
-4بناء المراكز الصحية والمشافي التي يحتاجها الناس؛ لكي يعالجوا مرضاهم،
وتوفير البيئة الصحية المناسبة ،وهي من الأمور التي حثت على توفيرها الشريعة ،فقد جاء
في المراسيل لأبي داود عن الحسن البصري قال :قال رسول الله ق« :حصنوا أموالكم بالزكاة،
وداووا مرضاكم بالصدقة ،واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع»(.)13
وقد حكم الشيخ الألباِن على لفظ «داووا مرضاكم بالصدقة» بأنه حسن(.)14
فلاشك أن وجود المشافي والمراكز الصحية له دوركبير في التنمية ،وأثره بِين على
الفرد والمجتمع.
-5حفر إبار وتوفير المياه ،وهذا من أهم سبل الطاقة بل الماء هو الحياة قال
ُكق َّلعلَشىْيتٍءوفيَحرٍيالمأاَفَءلال يـُكْؤلِمنُوصَناح [ابلأنربوياحء:وأ0ن3ف]ي..كل الْ َماِء َو َجَعْلنَا ِم ْن تعالى:
أجر. رطبة كبد النبي وقد حث
-أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة ط أن رسول الله ق
قال :حينما سؤل أولنا في البهائم أجرا؟ فقال« :نعم في كل ذاتكبد رطبة أجر»(.)15
43
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
-وأخرج ابن خزيمة وابن حبان في صحيحه من حديث سعد بن عبادة قال:
قلت :يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال ق« :سقيا الماء»(.)16
المطلب الثاني :الحاجة لوجود الجمعيات الخيرية في الوقت المعاصر
إن الناظر لحجم الأعمال التي تقوم بها الجمعيات الخيرية الآن يدرك تماما أن هذه
الجمعيات أصبحت من الحاجيات ،وقد تصل في بعض الأحيان إلى الضروريات.
فإذا نظرنا إلى الأموال التي ترد لهذه الجمعيات ندرك تماما أن الآن المجتمع أصبح
بحاجة لمن يكون لهم علم ومعرفة في كيفية إيصال هذه الزكاة أو الصدقات للمحتاجين،
وهذا في الدول الغنية ،أما في الدول الفقيرة فهي التي تحدد ما يحتاجه الفرد والمجتمع فيها.
وإذا نظرنا إلى دورها في تنمية الفرد والمجتمع نعرف كذلك أنها أصبحت مهمة في
هذا العصر؛ فالجمعيات الخيرية يكون فيها أصحاب علم وتخصص من جميع الجوانب التي
يحتاجها هذا العصر ،وفيها يكون العمل الجماعي الأكثر إنتاجا وتنظيما من العمل الفردي.
فالجمعيات الخيرية المعاصرة رابطة بين أفراد المجتمع الواحد من جانب ،ورابطة بين
المجتمعات المسلمة عموما من جانب آخر ،بربطها بين المجتمع الغني والمجتمع الفقير.
المبحث الثاني :دور جمعية النجاة الخيرية الكويتية في تنمية الفرد والمجتمع المسلم
كما أشرنا في المقدمة فقد اقتصرنا في هذا البحث على جمهورية بنغلاديش ودور
جمعية النجاة الخيرية الكويتية في هذه التنمية ،وحددنا ذلك في الفترة ما بين (2013م-
2017م) ،وفيما يلي أهم المشاريع التنموية للفرد والمجتمع:
-1مشروع بناء المساجد:
أَْولت جمعية النجاة الخيرية مشروع بناء المساجد أهميةكبيرة لما له من أثر في تنمية
الفرد والمجتمع ،حيث إن المسجد يعتبر من أهم الأماكن التي يجتمع فيها المسلمون لإقامة
فريضة الصلاة ،وتعُلّم القرآن وتعليمه ،فقامت الجمعية ببناء أكثر من 1300مسجدا في
44
الفصل الثالث
جمهورية بنغلاديش الشعبية ،وقد استفاد من هذا المشروع ما يقارب 100قرية بمعدل 200
ألف نسمة تقريبا.
-2مشروع بناء المدارس:
امتازت جمعية النجاة الخيرية منذ تأسيسها بنشاطها التعليمي ،حيث أنها شيدت
العديد من المدارس داخل الكويت وخارجها ،إيمانا منها بأهمية التعليم ودوره الفعال في تنمية
الفرد والمجتمع ،ومن هذا المنطلق قامت الجمعية ببناء 11مدرسة في جمهورية بنغلاديش
الشعبية ،وقد استفاد من هذا المشروع ما يقارب 1600طالب.
-3مشروع بناء المراكز الإسلامية والتعليمية:
ولأن المراكز الإسلامية لها دور بارز في الاهتمام بالعلم والعلماء والطلاب قامت
الجمعية ببناء ما يقارب 7مراكز إسلامية في بنغلاديش ،واستفاد من هذا المشروع ما يقارب
2400طالبا.
-4مشروع بناء المعاهد الفنية:
قامت جمعية النجاة الخيرية ببناء المعاهد الفنية ،يتأهل من خلالها الطلاب لدخول
سوق العمل ،وقد استفاد من هذه المعاهد ما يقارب 1500طالب.
-5مشروع كفالة الأئمة والمؤذنين والمُحفظين:
من استفاد وقد والمُحفظين، والمؤذنين الأئمة من 20 كفلت الجمعية ما يقارب
المشروع الكثير من المسلمين.
هذا
-6مشروع مسابقة حفظ القرآن الكريم:
حرصت جمعية النجاة الخيرية على تشجيع حفظة كتاب الله بإقامة المسابقات
الدورية لحفظ القرآن الكريم بواقع ( )4مسابقات كل عام ،ويشارك فيها سنويا ما يقارب
400طالبا.
45
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
-7مشروع طباعة المصاحف:
ومن أهم المشاريع التي تحرص عليها جمعية النجاة نشر وتوزيع وطباعة المصاحف
حيث أنها طبعت ووزعت قرابة 1600مصحف خلال الخمس سنوات الأخيرة.
-8مشروع مستوصفات صحية:
أقامت جمعية النجاة الخيرية 8مستوصفات صحية سنويا يستفيد منها 4آلاف
مريض خلال الفترة المذكورة.
-9مشروع حفر الآبار وسقي الماء:
قامت جمعية النجاة الخيرية بحفر ما يزيد على 800بئرا خلال الخمس سنوات
السابقة ،ويستفيد منها قرابة 50ألف فردا.
-10مشروع إقامة مزارع الدواجن:
وهذا المشروع من المشاريع الاستثمارية التنموية التي تحرص الجمعية على تطويرها
والتوسع بها لكي يصل لأعلى درجات الكفاءة في خدمة الفرد والمجتمع ،ويكون ريعه لطلاب
العلم الشرعي.
-11بناء البيوت للفقراء والمحتاجين:
وهذا المشروع يحتاجه كثير من المسلمين الذين لا يجدون مأوى بسبب الحاجة
والفقر ،فأخذت الجمعية على عاتقها أن توفر البيوت والمساكن لمن لا يجد مأوى ولا سكن،
وقد استفاد من هذا المشروع الكثير من الأسر الفقيرة والمحتاجة.
-12المشاريع التنموية لسد حاجة الأسرة ،ومنها:
( أ ) توفير مكائن الخياطة لربات البيوت.
(ب) توفير المحاريث الميكانيكية.
(ج) توفير عربات نقل الأمتعة.
( د ) توفير المحلات والدكاكين الوقفية.
واستفاد من هذه المشاريع ما يقارب 300أسرة.
46
الفصل الثالث
-13مشروعكفالة الأيتام:
وهذا المشروع من أهم المشاريع التي تحرص عليها الجمعية ،والتي استفاد منها ما
يقارب 200يتيم.
-14مشرع إقامة ولائم الإفطار للصائمين:
ويستفيد من هذا المشروع ما يقارب 90ألف صائم سنويا.
-15مشروع ذبح وتوزيع الأضاحي والعقائق والذبائح على الأسر الفقيرة والمحتاجة:
ويستفيد من هذه الأضاحي والذبائح العديد من الأسر الفقيرة والمحتاجة.
الخاتمــة
في ختام هذا البحث نذكر أهم النتائج والتوصيات.
أهم النتائج:
الدور البارز للجمعيات الخيرية في تنمية الفرد والمجتمع المسلم. أ.
حاجة الأفراد والمجتمعات والدول لوجود الجمعيات الخيرية فيها. ب.
ت.
حاجة الدول الإسلامية لأموال الزكاة والصدقة.
أهم التوصيات:
أ .مساعدة الدول الإسلامية التي تحتاج إلى دعم مادي أو معنوي.
ب .الحرص في الدعم المادي أو المعنوي أن يكون له دور في تنمية الفرد الفقير
أو المحتاج ،وكذلك المجتمع.
_____________________
المراجـ ـع
صحيح مسلم ،طبعة دار إحياء التراث العربي ،تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي. أ.
مسند أبي داود الطيالسي ،طبعة دار هجر ،تحقيق :د .محمد التركي. ب.
مسند أحمد ،طبعة مؤسسة الرسالة ،تحقيق :شعيب الأرنؤوط. ت.
المنهاج شرح مسلم للنووي ،طبعة دار إحياء التراث. ث.
47
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
ج .صحيح البخاري ،طبعة دار طوق النجاة ،تحقيق :محمد زهير الناصر.
ح .فتح الباري لابن حجر ،طبعة دار المعرفة ،تحقيق :محيي الدين الخطيب.
خ .عمدة القاري لبدر الدين العيني ،طبعة دار إحياء التراث -بيروت.
د .جامع الترمذي ،طبعة مصطفى البابي الحلبي ،تحقيق :أحمد شاكر وإبراهيم عطوة.
ذ .سنن أبي داود ،طبعة المكتبة العصرية ،تحقيق :محمد محيي الدين عبد الحميد.
ر .الديباج على صحيح مسلم للسيوطي ،طبعة دار ابن عفان ،تحقيق :الجويني.
ز .سنن ابن ماجه ،دار إحياء الكتب العربية ،تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي.
س .المراسيل لأبي داود ،طبعة مؤسسة الرسالة ،تحقيق :شعيب الأرنؤوط.
ش .المعجم الكبير للطبراِن ،طبعة مكتبة ابن تيمية ،تحقيق :حمدي السلفي.
ص .صحيح الجامع الصغير وزياداته للألباِن ،طبعة المكتب الإسلامي ،تحقيق :محمد
ناصر الدين الألباِن.
ض .صحيح ابن خزيمة ،طبعة مكتبة الأعظمي ،تحقيق :محمد مصطفى الأعظمي.
ط .الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ،طبعة مؤسسة الرسالة ،تحقيق :شعيب
الأرنؤوط.
ملحــق
المشاريع المنفذة في جمهورية بنغلاديش من عام 2013م حتى 2017م
عدد المنفذ عدد المستفيدين نوع المشروع م
208800 بناء مساجد 1392 1
1650 بناء مدارس 11 2
2400 مركز إسلامي +مركز تعليمي 8 3
48
الفصل الثالث
1500 733 معهد فني 4
كفالة إمام ومحفظ ومؤذن 5
21 21 6
إفطار صائم 7
411722 411722 مسابقة قرآن 8
طباعة مصاحف 9
3000 2 ُميمات العيون 10
11
16545 16545 حفر آبار 12
مزرعة دواجن 13
20400 17 14
بيوت فقراء 15
488040 8134 كفالة أيتام 16
17
1200 1 بطانيات 18
أضاحي 19
290 29 ذبائح وعقائق 20
الركشا +المحراث الميكانيكي 21
192 192 دكان وقفي 22
عربة أمتعة 23
800 274 ماكينة خياطة 24
متوضأ
78615 15723 أجهزة طبية
مستوصف
31189 31189 أجهزة طبية +غسيل الكلى
130 13
520 52
1050 105
750 75
17200 43
1500 10
4000 8
2200 2
49
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
1محاضر بقسم الفقه وأصول الفقه،كلية الشريعة والدراسات الإسلامية ،جامعة الكويت.
2محاضر بقسم التفسير والحديث،كلية الشريعة والدراسات الإسلامية ،جامعة الكويت.
( )3تعزيز قيم الإنسانية ،تقرير الاستدامة لجمعية النجاة الخيرية لعام 2016م ،ص.8
( )4صحيح مسلم .1999/4
( )5أخرجه الطيالسي في مسنده ،139/2وأحمد في مسنده .323/30
( )6المنهاج شرح مسلم .139/16
( )7صحيح البخاري .62/7
( )8فتح الباري ،437/10عمدة القاري .104/22
( )9سنن أبي داود ،338/4جامع الترمذي .321/ 4
( )10الديباج .290/6
( )11سنن ابن ماجه .243/1
( )12صحيح البخاري .192/6
( )13المراسيل ،ص .127وقد أخرجه مرفوعا الطبراِن في الكبير (.)128/10
( )14الجامع الصغير وزياداته .634/1
( )15صحيح البخاري ،9/8صحيح مسلم .1761/4
( )16صحيح ابن خزيمة ص ،575صحيح ابن حبان 136/8
50
الفصل الرابع
استثمار مقاصد الشريعة في الواقع السياسي
د .هشام بن سعيد أزهر1
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ،سيدنا ونبينا محمد
الصادق الأمين ،وآله وصحبه أجمعين ،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد!
يسعى الإسلام من خلال تشريعاته وقوانينه ومبادئه الكلية إلى تحقيق مصالح
معتبرة للمجتمعات المسلمة في مجالات الحياة الإنسانية كافة .وإذا كان واقع الحياة
الاجتماعية والسياسية ،بتعقيداته وتناقضاته واضطراباته وانعكاساته السلبية ،يؤدي في كثير
من الأحيان إلى فوات العمل بأحكام شرعية مبتغاة ،على الوجه الأمثل والأكمل ،فإن ثمة
قواعد ومبادئ منثورة في علم مقاصد الشريعة يلجأ إليها أهل الاختصاص من شأنها أن
تكون ضمادا يعتمد عليه ،أو بديلا يلجأ إليه ،أو علاجا يستداوى به ،ليتحقق أكثر قدر
من تلكم المصالح ،ويُستدفع بها ما يمكن دفعه من مفاسد ،أو ليخفف -على الأقل -ما
يسببه الواقع السياسي من سلبيات.
وغرضي من هذا البحث هو استعراض وتوظيف أهم جوانب علم مقاصد الشريعة،
وبيان كيفية الاستفادة منه ،والاستنجاد به وتفعيله في الواقع السياسي .وقد حاولت أن
تكون هذه الورقة البحثية مقتضبة قدر الإمكان؛ نظرا لمحدودية عدد الصفحات المسموح به
في "المؤتمر الدولي العلمي الثالث للفكر الإسلامي" ،تحت عنوان "دور المؤسسات في خدمة
المجتمع المسلم من منظور القرآن والسنة" ،الذي تنظمه أكاديمية الدراسات الإسلامية بجامعة
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
التكنولوجيا بماليزيا ،بالتعاون مع الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا ،والذي تدور محاوره حول
القضايا المعاصرة والمؤسسات الإسلامية ،لفتح النقاش حول الفكر الإسلامي وإبراز المفهوم
السلمي للإسلام ،وتعزيز الأبعاد الروحية للإيمان وسبل ممارستها.
وقد ارتأيت أن يكون منهجي في الدراسة على النحو الآتي:
-1انتهاج المنهج الوصفي في هذه الدراسة ،الذي يعتمد على دراسة الظاهرة،
ويهتم بوصفها والتعبير عنها كيفيا ،ويحللها ويقيمها ،ويُوِجد لها الحلول المناسبة ،التي تدخل
في خطط الإصلاح على أرض الواقع.
-2استقراء وتتبع الموضوعات والمبادئ والقواعد المقاصدية ،وانتقاء منها ما يمكن
الاستفادة منه وتفعيله في الواقع السياسي.
وقد قسمت البحث على النحو الآتي:
المقدمة ،وهي التي بين يدي القارئ الكريم.
تمهيد ،وفيه:
أولا :خصائص مقاصد الشريعة.
ثانيا :مقاصد السياسة الشرعية.
ثالثا :سمات الواقع السياسي.
المبحث الأول :المقاصد العامة وضبطها للواقع السياسي ،وفيه المطالب الآتية:
المطلب الأول :مقصد حفظ القيم الإنسانية في الواقع السياسي.
المطلب الثاني :مقصد حفظ الضروريات في الواقع السياسي.
المطلب الثالث :مقصد حفظ الحاجيات في الواقع السياسي.
المطلب الرابع :مقصد حفظ التحسينيات في الواقع السياسي.
المطلب الخامس :مقصد حفظ المصالح القائمة في الواقع السياسي.
المطلب السادس :مقصد منع النزاع والفرقة في الواقع السياسي.
المبحث االثاني :قواعد المقاصد وضبطها للواقع السياسي ،وفيه المطالب الآتية:
52
الفصل الرابع
المطلب الأول :قاعدة "يشترط فيكل تكملة من مكملات الضروريات
والحاجيات ألا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال" في
الواقع السياسي.
المطلب الثاني :قواعد اجتماع المصالح مع المفاسد في الواقع السياسي.
المطلب الثالث :قواعد اجتماع المصالح واجتماع المفاسد في الواقع
السياسي.
المطلب الرابع :قاعدة اعتبار المآلات في الواقع السياسي.
المطلب الخامس :قاعدة التدرج في الواقع السياسي.
الخاتمة ،وفيها أهم نتائج البحث.
تمهيد
أولا :خصائص مقاصد الشريعة:
بتتبع أحكام وأسرار التشريع ،يجد المتأمل والدارس أن للمقاصد الشرعية خصائص وسمات
كثيرة تتميز بها ،ولكني اخترت منها ما يتناسب وموضوع هذا البحث ،وهي على النحو
الآتي:
-1أنها كلَيّة ،وعامة ،ومطلقة ،وأبدية ،وم َطّردة :فالشارع قصد أن تكون
المقاصد مصالح على الإطلاق ،فلابد أن يكون وضعها أبديا ،وكليا ،وعاما ،في جميع أنواع
التكليف وفي جميع الأحوال ،فلا تختص بباب دون باب ،ولا بمحل دون محل ،وبالجملة:
الأمر فيها م َطّرد مطلقا ،فيكليات الشريعة وجزئياتها.2
-2الثبوت من غير زوال :3وذلك كونها ربانية المصدر ،وكونها مراعية لفطرة
الإنسان وحاجاته ،ومراعية لحاجة كل مكان وزمان وحال ،فلا حاجة إلى تغييرها أو
تبديلها.4
53
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
-3التآلف والانسجام والتوافق :فكون المقاصد من لدن حكيم خبير ،فهي
منزهة من التناقض والاختلاف فيما بينها ،5قال تعالى﴿ :أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من
عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا﴾ [النساء.]82:
-4أنها وضعت لتحقيق المصلحة المعتبرة ،سواءً وافقت الأهواء أم خالفتها:
وعن هذه الخصيصة قال الشاطبي" :المصالح المجتلبة شرعا والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من
حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى ،لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها
العادية ،أو درء مفاسدها العادية" ،6وقال .." :وإنما يستتب أمرها بوضعها على وفق المصالح
مطلقا ،وافقت الأغراض أو خالفتها" ،7ومما استدل به قوله تعالى﴿ :ولو اتبع الحق أهواءهم
لفسدت السموات والأرض ومن فيهن﴾ [المؤمنون.]71:
-5أنها منضبطة بالتوسط والاعتدال :وذلك بوضع الشروط والقيود التي تدفع
جانبي الإفراط والتفريط ،فنتيجة لذلك يقع التوازن والوسطية ،ويسهل تطبيقها وتحقيقها،
قال الشاطبي" :فإذا نظرت فيكلية الشريعة تجدها حاملة على التوسط ،فإن رأيت ميلا إلى
طرف من الأطراف ،فذلك في مقابلة واقع أو متوقع ،في الطرف الآخر .فطرف التشديد -
وعامة ما يكون في التخويف والترهيب والزجر -يؤتى به في مقابلة من غلب عليه الانحلال
في الدين .وطرف التخفيف -وعامة ما يكون في الترجية والترغيب والترخيص -يؤتى به في
مقابلة من غلب عليه الحرج في التشديد ،فإذا لم يكن هذا ولا ذاك رأيت التوسط لائحا،
ومسلك الاعتدال واضحا .وهو الأصل الذي يرجع إليه ،والمعقل الذي يلجأ إليه".8
ثانيا :مقاصد السياسة الشرعية:
الأصل في أحكام السياسة الشرعية أنها معقولة المعنى ،فهي تتضمن حكم ومقاصد شرعية،
بجلب مصالح أو درء مفاسد .وهذا وجه أساسي من أوجه العلاقة بين مقاصد الشريعة
والسياسة الشرعية ،فهي علاقة وثيقة ،وبينهما عموم وخصوص.
54
الفصل الرابع
وتعتبر السياسة الشرعية الطريق والوسيلة لتنزيل مقاصد الشريعة وتحققها على
أرض الواقع ،بمراعاة الظروف والأحوال المتغيرة ،والموازنة بين المصالح والمفاسد المتعارضة،
وتحديد الأولويات..
ولنستعرض أهم مقاصد السياسة الشرعية ،على النحو الآتي:
-1حفظ مصالح العباد الدينية ،والدنيوية :بحفظ المصالح الضرورية ،التي تكون
الأمة بمجموعها وآحادها في ضرورة إلى تحصيلها ،بحيث لا يستقيم نظام الأمة باختلالها،
ولا تكون على الحالة التي أرادها الشارع منها ،وقد يٌفضي بعض ذلك الاختلال إلى
الاضمحلال الآجل ،بتفاني بعضها ببعض ،أو بتسلط العدو عليها إذا كانت بمرصد من
الأمم المعادية لها أو الطامعة في استيلائها عليها.9
وبحفظ المصالح الحاجية ،وهي ما تحتاج الأمة إليه لاقتناء مصالحها وانتظام أمورها،
بحيث لولا مراعاتها تكون على حالة غير منتظمة ،وفي حالة من الضيق والحرج وربما الضرر،
وإن لم تبلغ مبلغ الضروري .10وبحفظ المصالح التحسينية ،التي بها كمال حال الأمة في
نظامها حتى تعيش آمنة مطمئنة ،ولها بهجة منظر المجتمع في مرأى بقية الأمم ،وحتى تكون
الأمة مرغوبا في الاندماج فيها أو في التقرب منها.11
-2حفظ نظام الأمة :وهو ما يعبر عنه قانونا بالنظام العام ،الذي يجسد أهداف
الجماعة في ظل القيم والأصول التي يؤمن بها أفراد المجتمع ،وهو بلا شك مستمد من مقاصد
الشريعة وكلياتها ومبادئها.12
-3حفظ الحوزة ،وحماية البيضة :أي حفظ حدود بلاد الإسلام ،13وحماية
جماعة المسلمين 14من اعتداء عدوها عليها ،أو أن تنتزع قطعة منها.15
-4جمع شمل الأمة على الحق والهدى :فقد ورد في كتاب الله ما يدل على
ذلك ،قال سبحانه﴿ :واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرفوا﴾ [آل عمران ،]103:وقال ج ّل
في علاه﴿ :ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾ [الأنفال ،]46:وعن هذا المقصد يقول
إمام الحرمين الجويني" :وقد تقرر من دين الأمة قاطبة أن الغرض من الإمامة ،جمع الآراء
55
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
المتشتتة ،وارتباط الأهواء المتفاوتة ،وليس بالخافي على ذوي البصائر أن الدول إنما تضطرب
بتحزب الأمراء ،وتفرق الآراء ،وتجاذب الأهواء.16"..
-5إقامة العدل :فالنصوص الشرعية الواردة عن هذا المقصد كثيرة جدا،كقوله
تعالى﴿ :إن الله يأمر بالعدل﴾ [النحل ،]90:وقوله سبحانه﴿ :لقد أرسلنا رسلنا بالبينات
وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط﴾ [الحديد ،]25:والعدل قيمة أخلاقية
قررتها العقول والِفطَر ،ترتقي إلى مرتبة الضروري ،إذ لا يخفى "ما ينشأ عن الظلم من فساد
العمران وخرابه ،وذلك مؤذن بانقطاع النوع البشري ،وهي الحكمة العامة المرعية للشرع في
جميع مقاصده الضرورية الخمسة.17"..
–6حماية الحرية :الحرية قيمة فطرية شرعية منحنا الله إياها ،وحدد ج َّل شأنه
مداها ،في مجالات الحياة الإنسانية كافة ،فلا بد من نهج يُنتهج على المستوى السياسي
يكفل صيانتها وحمايتها وعدم المساس بثوابتها وأركانها ،ولا بد لمن يسوس الأمة أن يعي
خطورة مفسدة الاستبداد المناقضة للمصلحة المترتبة على الحرية.
-7الدعوة إلى عقيدة الأمة ونشر ثقافتها :إن من شأن أي أمة تعتز بعقيدتها
وقيمها أن تدعوا غيرها إلى ما تؤمن به ،والأمة الإسلامية بما معها من قيم الحق والخير،
أولى الأمم في نشر ثقافتها ،قال تعالى﴿ :ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير﴾ [آل
عمران ،]104:وإن أول من يتحمل أداء هذا الواجب هم ساسة هذه الأمة ،بما ُم ِّكن لهم
من سلطة ونفوذ ،وقوة اقتصادية وسياسية..
ثالثا :سمات الواقع السياسي:
من الضروري قبل الخوض في الكلام عن المقاصد والواقع السياسي أن نش ِّخص هذا الواقع،
وندرك سماته السلبية على وجه الخصوص كي نعرف كيف نوظف المسائل والموضوعات
المقاصدية في معالجة هذا الواقع .ولست أعني بالواقع السياسي النظام السياسي ،وإن كان
ثمة علاقة بين المصطلحين ،وإنما أعني بالواقع السياسي الحالة السياسي الفعلية المعاصرة،
المبنية على سياسات تنتهجها مختلف الأنظمة السياسية في العالم .ومن خلال تتبع
56
الفصل الرابع
الأحداث ،وبالتأمل والنظر في الحياة السياسية المعاصرة ،يمكن توصيف سمات الواقع
السياسي ،على النحو الآتي:
-1واقع مفتقر للقيم الأخلاقية:
يلجأ الكثير من ساسة الدول إلى الوصول إلى مصالح دولهم بكل الطرق و الوسائل
المتاحة لهم ،سواءً المشروعة منها وغير المشروعة ،فتجد دولة ما تلجأ إلى وسائل تتنافى مع
المعايير الأخلاقية ،بل إنها قد تخرق المواثيق والقوانين الدولية ،كالقتل والإبادة الجماعية،
واستعمال الأسلحة المحرمة دولياً ،والتشريد ،وحصار المستضعفين ،والاحتلال ،والإضرار
باقتصاديات دول أخرى ،رافعة شعار "الغاية تبرر الوسيلة" ،وهذا يعتبر فصل واضح وتناف
بين السياسة والقيم الأخلاقية.
-2واقع مزدوج المعايير:
الكيل بمكيالين في التعامل مع القضايا المتماثلة سمة من سمات سياسات حكومات
بعض الدول ،وهو نوع من الانحراف عن طريق الجادة؛ مرده التخلي عن القيم الأخلاقية،
فكثيرا ما تتحيز دول كبرى لحليف أو حلفاء لها ،على حساب دول أخرى ،ضاربة بالنظم
والقوانين الدولية عرض الحائط ،مستغلة قدراتها العسكرية والاقتصادية والإعلامية ،ومستغلة
نفوذها السياسي ،والضحية هي الشعوب المستضعفة.
-3واقع معقد:
إن تعارض المصالح بين الأمم والدول ،من شأنه أن يخلق بيئة سياسية معقدة ،إذ
تسعى كل حكومة لتحقيق مصالح وأهداف وسياسات الدولة التي تنتمي إليها ،ولو على
حساب دولة أو دول أخرى ،وينطبق هذا الأمر كذلك على المستوى الداخلي للدولة بين
القوى السياسية المتعددة ،إذ تتعدد الأغراض والمصالح ،بين مخلص للوطن وبين انتهازي
يبحث عن مصالحه الشخصية.
57
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
-4واقع متغير:
الواقع السياسي واقع متغير متبدل ،فالعلاقات الدولية مثلا بين مد وجزر ،فسرعان
ما تتحول العلاقة من صداقة إلى عداوة ،ومن عداوة إلى صداقة ،وأحوال الدول تجدها
متبدلة ،حيث تتبدل أحوال الدول من دول غنية إلى دول فقيرة ،ومن دول فقيرة إلى دول
غنية ،ومن دول مزدهرة إلى دول متقهقرة ،ومن دول متقهقرة إلى دول مزدهرة ،وهكذا،
وصدق الله العظيم إذ قال في محكم التنزيل﴿ :وتلك الأيام ندولها بين الناس﴾ [آل
عمران ،]140:وقال سبحانه﴿ :إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾
[الرعد ،]11:وسنن الله لا تتخلف.
فواقع هذه سماته ،وهذا شأنه ،ينبغي أن يستعين سالكه بهدى الإسلام ،ونوره،
وروحه ومقاصده.
المبحث الأول :المقاصد العامة وضبطها للواقع السياسي:
المطلب الأول :مقصد حفظ القيم الإنسانية في الواقع السياسي:
القيم هي" :المبادئ والصفات الفضلى التي أقرها أو حث عليها الإسلام ،لتكون أساسا في
التعامل مع النفس ومع الغير ،في مجالات الحياة الإنسانيةكافة" ،18وهي بهذا المفهوم تشمل:
العدل ،والمساواة ،والحرية ،والكرامة ،والفضيلة ،ومكارم الأخلاق كافة ،وكلها مما قصد
الإسلام المحافظة عليه دون أدنى شك أو ريب ،فقد ح َّسنها الشرع والعقل.
إن القيم الإنسانية ينبغي أن تكون أساسا في أسلوب التعامل السياسي ،وهذا لا
يكون بغير وجود ثلة من أهل السياسة قد غرست تلكم المبادئ والقيم الإنسانية العليا في
نفوسهم وعقولهم ،فتأهلوا ،وتمرسوا العمل السياسي.
ولتفعيل ما ذكرنا ،ومن أجل خلق قادة للمستقبل السياسي للأمة ،ينبغي "توعية
الرأي العام وتنشئته على قيم العدل والحرية والمشاورة والمساواة والكرامة ،..وإشاعتها عبر
مختلف الوسائل التربوية والإعلامية المباشرة وغير المباشرة ،حتى تصبح لديه من لوازم حياته
التي لا يستطيع الحياة بدونها ،وإقناعه بضرورة القطع مع ما في ذلك التراث من قيم سلبية
58
الفصل الرابع
ونسيانها بالمرة ،و بهذا يمكن أن نسهم في بناء العقل الجمعي لأمتنا في اتجاه ما نصبوا إليه
من إصلاح حضاري شامل".19
المطلب الثاني :مقصد حفظ الضروريات في الواقع السياسي:
إن أهم ما ينبغي المحافظة عليه من جانب الوجود والعدم في العمل السياسي هو المصالح
الضرورية ،حيث إن المساس بها أو ببعضها يشكل نكسة للمجتمع أو للأمة ،فأي تصرف
أو تدبير سياسي لتحقيق مصلحة ما ينبغي أن يحسب للضروريات ألف حساب وحساب،
فإنه بفواتها أو بفوات بعضها لن تجر مصالح الدنيا على استقامة ،بل على فساد وتهارج
وخراب عميم .ولهذا المقصد تطبيقات وأبعاد كثيرة في المجال السياسي ،نجدها متناثرة جليِّة
فيكتب السياسة الشرعية ،منها مسألة النهي عن الخروج على الحاكم الجائر ،لما يؤدي إليه
من الهرج والمرج ،فقد يرتكب في فوضى ساعة من المظالم والجرائم ما لا يرتكب في جور
سنين.20
وهذا حاصل في زماننا ،فكم انتهكت من مصالح ضرورية في كثير من الدول،
بسبب فئات من المجتمع لم تصبر على ما تكره ،ولم تلتزم بشريعة الإسلام في التعامل مع ظلم
بعض الح َّكام ،وجعلت العنف وسيلتها في ردود أفعالها بدعوى الإصلاح ،فضَلّت وأضَلّت.
إنكل من يقود أو يمارس العمل السياسي يجب أن تكون المقاصد الضرورية عنده
هي الميزان لما سيتم ،والمرآة العاكسة لما تم ،وعليه أن يزن ويراقب خطواته ،ويقِّوم مشروعيتها
ومردوديتها بمدى ما تحققه وما تخدمه من مقاصد الشريعة من الحفظ والتنمية للضروريات
الخمس :الدين والنفس والنسل والعقل والمال.21
المطلب الثالث :مقصد حفظ الحاجيات في الواقع السياسي:
عناية الشريعة بالمقاصد الحاجية تقرب من عنايتها بالمقاصد الضرورية ،بل إن منها ما يدخل
في الكليات الخمس السالفة الذكر إلا أنها لا تبلغ مبلغ الضروري ،22ولكن إذا فاتت وقع
الناس في ضيق وحرج ،فالمشقة في الحاجيات أقل منها في الضروريات.23
وفي واقعنا السياسي كثيرا ما يردد الساسة عبارة "راحة المواطن" ،و "تسهيل أمور
المواطنين" ،وما أشبه ذلك ،وهي عبارات حسنة تتطابق وهذا المقصد ،ولكن الأهم هو
59
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
تفعيلها على أرض الواقع :في مرحلة وضع الأنظمة والقوانين واللوائح التنفيذية ..في المجالات
كافة ،حيث يتوجب أن تسري فيها روح التيسير ورفع الضيق والحرج عن أبناء الوطن،
وكذلك في مرحلة التنفيذ والمتابعة ،وأن يكون التقييم لهذه الأنظمة والقوانين واللوائح..
خاضعا لمعايير المقاصد الحاجية ،فضلا عن الضرورية ،وهذا -بلا ريب -له أثره ومردوده
الإيجابي على استقرار كيان الدولة.
المطلب الربع :مقصد حفظ التحسينيات في الواقع السياسي:
لهذا المقصد بُعد سياسي أشار إليه بنظرته الثاقبة الإمام الطاهر بن عاشور ،إذا قال" :هي
عندي ما كان بها كمال حال الأمة في نظامها حتى تعيش آمنة مطمئنة ،ولها بهجة منظر
المجتمع في مرأى بقية الأمم ،حتى تكون الأمة الإسلامية مرغوبا في الاندماج فيها أو في
التقرب منها" ،24فزاوج -رحمه الله -بين بيان حقيقتها وتطبيقها على مستوى الأمة ،وكشف
عن أثر هذا المقصد والمصلحة المرجوة منه في المجال السياسي والحضاري.
إن البعد الجمالي للمصالح التحسينية على مستوى الأمة له أثره في زرع الثقة
والاحترام بين الراعي والرعية على الصعيد الداخلي ،وبين الدولة وسائر الدول الأخرى على
الصعيد الخارجي ،وهذا من شأنه أن يسهم في التنمية لا سيما في المجال الاقتصادي والثقافي،
فإن حسن سمعة الدولة يجذب الدول الأخرى لإقامة علاقات اقتصادية وثقافية.
المطلب الخامس :مقصد حفظ المصالح القائمة في الواقع السياسي:
المحافظة على المكتسبات التي حققتها الدولة مقصد بحد ذاته ،مبني على المقصد الأعظم من
التشريع "جلب المصالح ودرء المفاسد" ،فينبغي ألا تؤدي التوجهات السياسية الحديثة أو
دعوات الإصلاح السياسي إلى خسارة وضياع تلك الإنجازات والمقدرات والمصالح التي
اكتسبها الوطن خلال ِحَقب من الزمن ،سواء المادية منها أو المعنوية ،فقد يتعذر أو يمتنع
إيجادها إذا اندثرت.
وهذا الأمر في غاية الخطورة؛ إذ إن الغاية من السياسة الشرعية تحقيق مصالح
الأمة وتطلعاتها ،وإن إضاعة مكتسبات الوطن لتحقيق مصالح عاجلة يمكن إيجادها
مستقبلا ،يصادم هذه الغاية ويناقضها .وهذه المسألة خاضعة إلى معايير شرعية :كفقه
60
الفصل الرابع
الموازنات والأولويات ،واعتبار المآلات ،..وغير ذلك ،فإن البغية هي تحقيق الأصلح للأمة،
فإنه كما ينبغي الحرص على المحافظة على المكتسبات المحققة ،فقد يكون التخلي عن شيء
منها نظير كسب منافع أخرى أعظم هو الأصلح والأولى.
المطلب السادس :مقصد منع النزاع والفرقة في الواقع السياسي:
حرصت الشريعة الإسلامية على منع كل ما من شأنه أن يؤدي إلى النزاع والفرقة بين
المسلمين ،،فقال تعالى﴿ :واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾ [آل عمران ،]103:وقال
سبحانه﴿ :ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾ [الأنفال .]46:وبرغم أن الخلاف من
طبيعة البشر ،وسنة الخلق ،إلا أنه ينبغي ألا يؤدي هذا الخلاف إلى النزاع والفرقة ،وينبغي
توجيه هذا الخلاف واستيعابه بشكل إيجابي.
إن آفة العمل في المجال السياسي -أياًكان النظام السياسي للدولة -هي الفرقة
والنزاع والانقسام ،وهذا مشاهد ومحسوس في واقعنا المعاصر ،ولو أن أصحاب القرار أدركوا
خطورة الفرقة والنزاع في العاجل والآجل وما ينجم عن ذلك من مفاسد عظيمة تهددكيان
الأمة ،لجعلوا وحدة الأمة واعتصامها بحبل الله خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه بأي حال من
الأحوال ،وتحت أي ظرف من الظروف ،فإن قوة الأمة في وحدتها وتضامنها.
المبحث الثاني :قواعد المقاصد وضبطها للواقع السياسي:
المطلب الأول :قاعدة "يشترط في كل تكملة من مكملات الضروريات والحاجيات ألا
يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال":25
إأبوأحمنيادنلاىلثك لمضلورنومفاُرلرمرتهبيذكةاَضّفم،مأهلنونوه،ياعاالوفدللُهأِقاضذلدارتصوفرلحيتإاذالسامليتأنذيُيدخوياَّلملىحيباكتححكِّمجَّميكلصايمللةللتبتاغحلمايواشرلهكترجيِّ،معحيلاوللسمواإيالنرلتيبىياةضفك6رتوو2اور.نميتو،كاههلِّمموذوالهلكا َحمّامالمتكلجِّكمأُولِّيمهماملتماِّملبحكمااتاِّمعلتفلب9تيا ل2رتل.رنتابلمضةوضإركمأوذاِّمرإخلأيلفيد78ها22ض،،.ى
61
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
الحفاظ على التحسيني إلى فوات الحاجي أو الضروري أهمل التحسيني ،وإذا أدى الحفاظ
على الحاجي إلى فوات الضروري أُهمل الحاجي.
ومن أمثلة ما ذُكر :الجهاد ضروري؛ إذ به يُحفظ الدين ،قال تعالى﴿ :ولولا دفع
الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا﴾
[الحج ،]40:والوالي فيه ضروري ،وعدالته مك ِّملة ،والمك ِّمل إذا عاد للأصل بالإبطال لم
يعتبر.30
ويذهب الإمام العز بن عبد السلام إلى أبعد من ذلك ،إذ عقد في قواعده الكبرى
فصلا "في تنفيذ تصرف البغاة وأئمة الجور لما وافق الحق لضرورة العامة" ،31وقال " :قد ينفذ
التصرف العام من غير ولاية،كما في تصرف الأئمة البغاة ،فإنه ينفذ مع القطع بأنه لا ولاية
لهم .وإنما نفذت تصرفاتهم وتوليتهم لضرورة الرعايا ،وإذا نفذ ذلك مع ندرة البغي ،فأولى أن
ينفذ تصرف الولاية والأئمة مع غلبة الفجور عليهم ،وأنه لا انفكا َك الناس عنهم".32
وفي واقعنا السياسي ينبغي أن لا نغفل عن هذه القاعدة ،فبرغم ما تعانيه بعض
الشعوب من استبداد أئمة الجور إلا أن هذا لا يمنع من تأييدهم في أفعالهم الحسنة ومواقفهم
السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية التي تحقق مصالح للأمة،كالدفاع عن الوطن ،وإرساء
دعائم الأمن ،والتنمية الاقتصادية والبشرية المشروعة ..وغير ذلك.
ومن جهة أخرى فإن المحافظة على التحسينيات بتحسين سمعة الأمة -مثلا -
كما مر معنا ،33ينبغي ألا يكون على حساب الحاجيات فضلا عن الضروريات ،وكذلك
بالنسبة للحاجيات برفع أنواع الضيق عن الأمة ،34يتوجب ألا يكون على حساب
الضروريات ،وإلا اُنتهكت مصلحة الدين أو النفس أو النسل أو العقل أو المال ،وربما
جميعها ،وواقعنا السياسي شاهد على ذلك.
إن هذه القاعدة تعتبر الضابط الذي يحدد ترتيب أولويات المصالح السياسية عند
التعارض ،فتقدم الضروريات على ما دونها من الحاجيات والتحسينيات ،وتقدم الحاجيات
على التحسينيات ،وتقدمكل مرتبة على مكملاتها.35
المطلب الثاني :قواعد اجتماع المصالح مع المفاسد في الواقع السياسي:
62
الفصل الرابع
القاعدة الأولى" :إذا اجتمعت مصالح ومفاسد ،فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء
المفاسد فعلنا ذلك".36
القاعدة الثانية" :وإن تعذر الدرء والتحصيل ،فإن كانت المفسدة أعظم من
المصلحة درأنا المفسدة ،ولا نبالي بفوت المصلحة".37
القاعدة الثالثة" :وإنكانت المصلحة أعظم من المفسدة ح َّصلنا المصلحة مع التزام
المفسدة".38
القاعدة الرابعة" :وإن استوت المصالح والمفاسد فقد يتخير بينهما ،وقد يتوقف
فيهما".39
هذه قواعد قيِّمة جلَيّة يُلجأ إليها عند اختلاط المصالح بالمفاسد ،ولا شك أن
الحياة السياسية مشحونة بالمصالح والمفاسد ،وهذه القواعد تُعد بمثابة البوصلة التي يُهتدى
بها ،والمعايير الضابطة لعملية اختيار الأصلح عند اجتماع المصالح والمفاسد.
فالقاعدة الأولى تتوائم مع المقصد الأعظم من التشريع "جلب المصالح ودرء
المفاسد" ،فإذا ما اجتمعت مصلحة مع مفسدة ،ح ًّصلنا المصلحة ودرأنا المفسدة ،ما وجدنا
إلى ذلك سبيلا.
وتتطبق هذه القاعدة في المجال السياسي ،إذ أن "تصرف الإمام على الرعية منوط
بالمصلحة" ،40والمصلحة عبارة عن جلب منفعة أو دفع مضرة ،سواء عند اجتماعهما أو
انفصالهما.
وفي المقابل؛ وفي واقعنا السياسي المعاصر الذي تنوعت فيه أنظمة الحكم ،يتوجب
علىكل مشتغل بالسياسة ،الالتزام بهذه القاعدة وعدمكسرها ،فالتصرف السياسي من أي
طرف أو مؤسسة أو جهة سواءً مع الحاكم أو مع الشعب والوطن منوط بالمصلحة كذلك.
وأما القاعدة الثانية والثالثة :فهي تتعلق بحالة عدم إمكانية الجمع بين جلب
المصلحة ودرء المفسدة عند اجتماعهما ،فثمة تفاوت وتعارض بينهما ،فهنا تلزم الموازنة
بينهما ،فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة ،فتدفع المفسدة حتى لو أدى هذا الدفع إلى
فوات المصلحة ،وذلك لأن اعتناء الشارع بترك المنهياتكونها متضمنة للمفاسد ،أشد من
63
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
اعتناء الشارع بالمأموراتكونها متضمنة للمصالح .41وإنكانت المصلحة أعظم من المفسدة
أبقينا المصلحة مع وجود المفسدة؛ لأن في ترك المصلحة مفسدة.
لهاتين القاعدتين أهمية عظمى في واقعنا السياسي المعاصر ،فإن أصداء نداءات
الإصلاح والتغيير لا تكاد تهدأ ،ووسائلها متباينة ،واختيار الوسيلة الصائبة للإصلاح مرهون
بإدراك حجم المصلحة وحجم المفسدة ،وذلك بالموازنة بينهما ،من خلال فهم الواقع ومعرفة
حقيقته ،وتقدير عوامل القوة والضعف في المجالات ذات الصلة ،وتقييم مختلف القضايا
السياسية التقييم الأمثل ،فإن كانت المفسدة الموجودة أو المتوقعة أعظم من المصلحة ،منعنا
المفسدة ولو أدى ذلك إلى فوات المصلحة ،وإن كانت المصلحة الموجودة أو المتوقعة أعظم
من المفسدة ،أبقينا على المصلحة مع وجود المفسدة.
ومما يتفرع من هاتين القاعدتين ،مسألة تولي المناصب والولايات العامة المهمة
المختلطة بالحرام في واقعنا السياسي المعاصر ،وذلك أن بعض أهل الاستقامة والنزاهة ،قد
تتاح لهم ،أو تسند إليهم ،أو تعرض عليهم مناصب سياسية ،أو إدارية ،أو مالية ،مختلطة
بالحلال والحرام ،فهل يتقدمون إليها ،أم يحجمون عنها فرارا بدينهم ونظافة ذمتهم ؟.42
والجواب :إن كان التقدم إلى مثل هذه الوظائف والمناصب لغرض خاص ،ففي
هذه الحالة تنطبق عليها قاعدة "إذا اجتمع الحلال والحرام غُلِّب الحرام" ،إلا إذا كان الحرام
يسيرا ،فـ"اليسير مغتفر" ،أو كانت هنالك ضرورة فالضرورات تبيح المحظورات ،أو كانت
هنالك حاجة ملحة ،فالحاجة الملحة الممتدة تنزل منزلة الضرورة.43
وإن كان التقدم لمثل هذه الوظائف والمناصب لغرض إصلاحي مصلحي ،أي
بغرض إصلاحها ،أو خدمة للمصلحة العامة من خلالها ،أو من أجل تغيير المنكر أو تقليصه
ما أمكن ،وليس من أجل مصلحة خاصة ،فهنا تطبق القاعدة الثانية والقاعدة الثالثة ،من
خلال الموازنة بين المصالح والمفاسد ،فإنكانت المفسدة -سواء العاجلة أو الآجلة -أعظم
من المصالح في تولي مثل هذه المناصب والوظائف حكمنا بعدم الجواز ،ولو أدى ذلك إلى
إهمال المصلحة ،وإنكانت المصلحة -سواء العاجلة أو الآجلة -أعظم من المفاسد حكمنا
64
الفصل الرابع
بالمشروعية والجواز ولو بقيت المفسدة ،بل ربما يتعدى الحكم إلى الوجوب ،لاسيما إذاكانت
المفسدة المختلطة بالمصلحة يسيرة.
أما القاعدة الرابعة :فهي تتعلق باستواء المصالح والمفاسد المختلطة المتعارضة ،أي
أن يكون حجم المصلحة مساويا لحجم المفسدة ،وهي حالة نادرة ،فهنا إما أن يُتخير
بينهما ،أو يُتوقف فيهما ،ففي حالة التخيير ،فمن العلماء من ذهب إلى اختيار درء المفاسد
مع فوات المصالح ،قال ابن السبكي" :تقديم درء المفاسد على جلب المصالح عند التعارض
إنما هو إذا تساويا من حيث المصلحة والمفسدة".44
وهي حالة محيرة للساسة والمشتغلين بالسياسة ،وأرى أنه من الصعب في المجال
السياسي تقعيدها ،فالمسألة أوسع من قولبتها في قالب ،فطبيعة المجال السياسي ،تختلف عن
طبائع سائر المجالات الأخرى ،من حيث المرونة ،وإمكانية التعجيل والتأجيل ،والتقديم
والتأخير ..وغير ذلك ،فلابد من أهل الخبرة والحذاقة من أهل السياسة ،وضع الحلول التي
من شأنها أن تقلل المفاسد قدر الإمكان ،حتى يترجح جانب المصلحة على جانب المفسدة،
وعلى ضوء ذلك يكون الاختيار ،والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
المطلب الثالث :قواعد اجتماع المصالح ،و اجتماع المفاسد في الواقع السياسي:
القاعدة الأولى :الجمع بين المصلحتين أولى من إبطال إحداهما ،45ودرء المفسدتين
أولى من إبقاء إحداهما.46
القاعدة الثانية :تُح َّصل أعلى المصلحتين وإن فات أدناهما ،وتدفع أعلى المفسدتين
وإن وقع أدناهما.
القاعدة الثالثة" :كل مصلحتين متساويتين يتعذر الجمع بينهما ،يُتخير بينهما،
وكل مفسدتين متساويتين[ ،لا] يمكن درؤهما [معاً] ،فإنه يُتخير بينهما".47
هذه القواعد يُرتكز عليها في حال اختلاط المصالح بعضها ببعض ،وعند تعذر
جمع الجميع ،وفي حال اختلاط المفاسد بعضها ببعض ،وعند تعذر درء الجميع ،والحاجة
إليها ماسة في المجال السياسي ،إذ أن فلسفة السياسة الشرعية تقوم تحقيق الأصلح للأمة.
65
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
فالشق الأول من القاعدة الأولى ،يقوم على فكرة تحقيق أكبر قدر من المصالح
المجتمعة بمختلف مراتبها ودرجاتها وأنواعها ،متى أمكن التوفيق والتأليف بين الجميع ،بحيث
يعمل بها ،ويستفاد منها دون أن تهدر أو تهمل أي مصلحة من تلك المصالح المجتمعة.
والشق الثاني من هذه القاعدة يقوم على فكرة إزالة أكبر قدر من المفاسد المختلطة بمختلف
درجاتها وأنواعها ،متى أمكن إطراحها جميعا ،بحيث تتلافى الأمة الأضرار المترتبة على تلك
المفاسد.
وفي واقعنا السياسي المعاصر ،تجتمع مصالح معتبرة شرعا ،بمختلف المراتب
والأنواع ،وفي مختلف المجالات .فالجمع بين المصالح الدينية والدنيوية ،أولى من إهمال إحداهما،
والجمع بين المصالح الضرورية والحاجية والتحسينية أولى من إهمال بعضها ،والجمع بين المصالح
الدنيوية :السياسية ،والاقتصادية ،والاجتماعية ،والثقافية ،وغير ذلك ،أولى من إهمال
بعضها ،وهكذا ،..والسياسي الماهر الفطن من يعمل على التخطيط المسبق ،والتنسيق بين
مختلف المصالح ،كي لا تتزاحم ولا تتعارض ،فلا يُهمل بعضها.
وفي المقابل ،وبمثل ما ذكرنا في اجتماع المصالح ،يتوجب درء المفاسد المجتمعة
كلها ،بمختلف درجاتها وأنواعها ،بقدر الإمكان ،فدرؤها جميعا أولى من إبقاء بعضها،
والسياسي الحاذق من يعمل على سد أبواب المفاسد ابتداءً،كي لا تتنامى وتتراكم ،ويتعذر
حينئذ درء بعضها.
أما القاعدة الثانية ،فتكشف عن المعيار العام الذي يحتكم إليه عندما تتعارض
المصالح فيما بينها ،وتتعذر إقامتها جميعا ،وعندما تتعارض المفاسد فيما بينها ،ويتعذر درؤها
جميعا ،فيصار حينئذ إلى المفاضلة والترجيح بينها.
فالشق الأول منها يتصل بالموازنة والترجيح بين المصالح المتعارضة ،وذلك بتقديم
المصلحة الأعلى ،وإن فاتت المصلحة الأدنى ،والشق الثاني يتصل بالموازنة والترجيح بين
المفاسد المتعارضة ،فيقدم في الدرء المفسدة الأعظم ،وإن بقيت المصلحة الأخف.
ويتفرع عن هذه القاعدة الكثير من القواعد عند التعارض ،منها :تقديم مصلحة
الدين على مصلحة الدنيا ،و تقديم الضروريات على الحاجيات ،وتقديم الحاجيات على
66
الفصل الرابع
التحسينيات ،وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ،وتقديم المصلحة القطعية على
المصلحة الظنية ،وغير ذلك.
والحاجة إلى هذه القاعدة بشقيها في الواقع السياسي ضرورية؛ لأن فيما ذكرنا
يتحقق "أهم مقصد للشريعة من التشريع :انتظام أمر الأمة ،وجلب الصالح إليها ،ودفع
الضر والفساد عنها" ،48فتكون أمة قوية مرهوبة الجانب مطمئنة ،49وإن التفريط في هذه
القاعدة يوهن الأمة ويضعف مقوماتها ،فخذ مثالا على ذلك من الواقع :إنفاق الأموال في
التعليم والصحة والبُنى التحتية للأمة ،أولى من إنفاقها وتبديدها في كماليات ،منفعتها
محدودة ،واستغلال الأوقات فيكل ما فيه نفع وفائدة للأمة ،أولى من إضاعتها في مهاترات
وجدليات قليلة الجدوى ،وبذل الجهود في قضايا الأمة الجوهرية أولى من بذلها في قضايا
الأمة الثانوية.
أما القاعدة الثالثة :فهي تتعلق بالمصالح المجتمعة ،أو المفاسد المجتمعة ،ويتعذر
الجمع والترجيح؛ لتساوي المصالح ،أو المفاسد ،وهي حالة نادرة الحدوث ،إذ الغالب حدوث
تفاوت بين المصالح المجتمعة ،أو المفاسد المجتمعة ،ولكن في مثل هذه الحالة ،وفي المجال
السياسي خصوصا ،كإعلان الحرب ،أو الهدنة ،أو عقد المعاهدات ،أو قطع العلاقات ،أو
كل ما يتعلق بمصالح البلاد ،وتنميتها،ونهضتها ،فعلى الإمام أن يختار ما تختاره الأمة
وترتضيه ،بالاستعانة بالطرق المعبرة عن إرادتها ،والتي من أهمها مبدأ الشورى ،فيُبعد الإمام
عن نفسه التهمة باتباعه الهوى و تحقيق مصالحه الشخصية.
المطلب الرابع :قاعدة اعتبار المآلات في الواقع السياسي:
النظر في مآلات الأفعال معتبر ومقصود شرعا ،سواء كانت الأفعال موافقة أو مخالفة،50
فينبغي مراعاة مآلات أفعال المكلفين ،بأن تكون تلك المآلات مما يتفق مع قصد الشارع
من أصل تشريع تلك الأفعال ،بقطع النظر عن قصود المكلفين ،فإذا كان مآل الفعل لا
يتفق مع مقصد الشارع منع ذلك الفعل ابتداءً؛ حتى لا يُتسبب في إحداث مفسدة راجحة
أو مساوية .هذا إذا كان الفعل مشروعا في الأصل وأدى إلى مآل ممنوع ،أما إذا كان غير
67
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
مشروع أصلا ،وأدى إلى مصلحة راجحة في العمل مآلا ،تفوق مفسدة أصله ،تغير وصف
الفعل من عدم المشروعية إلى المشروعية.51
إن اعتبار المآل من أهم الآليات المنهجية التي ينبغي لأهل السياسة الاستعانة بها
في التعامل مع الواقع السياسي الفعلي ،فإن اعتبار المآل يقتضي من الناظر فيه أن لا يتخذ
إجراءً ،أو يصدر قرارا ،أو ينتهج سياسة ،حتى يتأمل فيما قد ينجم عنها من نتائج مصلحية،
ليس في عاجلها فحسب ،بل في مستقبلها المتوقع على المدى القريب أو البعيد ،فإن كان
ما سيترتب على سياسة ما إيجابيا اتُِخذ ما يلزم لتنفيذها ،وإن كان ما ستؤول إليه سلبيا
فيتحتم الإحجام عنها ،أو البحث عن مخرج آخر ،أو أن يُتوقف البت فيها لحين يأتي الوقت
المناسب لتنفيذها.
إن وعي الساسة لمقصد اعتبار المآلات وتفعيلهم له يقي الأمة شَّر الأزمات
والويلات والمهالك ،ويعزز فرص المحافظة على المكتسبات ،وتحقيق أكبر قدر من المصالح
والمنافع والإنجازات ،التي تتطلع إليها الشعوب ولو على المدى البعيد.
وهو مجال -كما يقول الشاطبي -صعب المورد ،لكنه عذب المذاق ،محمود
الغِب ،52جار على مقاصد الشريعة ،53ولا يوفق للصواب فيه إلا حاذق ،فَ ِطن ،نزيه ،تقي،
متمرس للعمل السياسي.
المطلب الخامس :قاعدة التدرج في الواقع السياسي:
من الأسس التي قام عليها التشريع الإسلامي في عهده الأول ،أن أحكامه تشكلت بالتدرج،
فقد جاء الإسلام والعرب في إباحة مطلقة إلا ما ندر .فكانوا يكرهون كل ما يقيد حريتهم
ويحد من شهواتهم ،وقد تمكنت من نفوسهم عادات وغرائز متنوعة لا يستطيعون التحول
عنها مباشرة ،فاقتضت الحكمة الإلهية ألا يفاجئوا بالأحكام جملة واحدة فتثقل بهاكواهلهم،
وتنفر منها نفوسهم ،فلذلك نزل القرآن الكريم منجما ،ووردت الأحكام التكليفية شيئا
فشيئا ليكون السابق من الأحكام معدا للنفوس ،ومهيأً لقبول اللاحق ،وكان أغلب هذه
الأحكام ينزل بعد أسباب تقتضيه ،فيكون أوقع في النفس وأقرب إلى الانقياد.54
68
الفصل الرابع
وعند تجدد ظروف مماثلة لظروف قيام المجتمع الأول أو قريبة منها ،كواقعنا
السياسي المعاصر ،نستطيع الأخذ بهذه السنة الإلهية" ،سنة التدرج" إلى أن يأتي الأوان
المناسب للحسم والقطع.
وهو تدرج في "التنفيذ" وليس تدرجا في "التشريع" ،فإن التشريع قد تم واكتمل
باكتمال الدين ،وإتمام النعمة ،وانقطاع الوحي ...وهذه السنة الإلهية في رعاية التدرج ينبغي
أن تتبع في سياسة الناس ،عندما يراد تطبيق نظام الإسلام في الحياة اليوم ،بعد عصر الغزو
الثقافي والتشريعي والاجتماعي للحياة الإسلامية.55
الخاتمة
في ختام هذا البحث ،يجدر بنا أن نذكر أهم النتائج التي توصلنا إليها ،وهي على النحو
الآتي:
-1بين مقاصد الشريعة والسياسة الشرعية علاقة وثيقة تبادلية ،فمقاصد الشريعة تعتبر
الَنّهج الذي يُنتهج في السياسة الشرعية ،والمورد الذي تستقي منه السياسة الشرعية
أحكامها ،والسياسة الشرعية تعتبر طريقا ووسيلة لتنزيل مقاصد الشريعة وتحققها على
أرض الواقع.
-2في الواقع السياسي العديد من السمات السلبية ،قد بُنيت على فلسفات غربية
تتناقض مع القيم الأخلاقية ،تؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار ،سواء على المستوي
الدولي أو المحلي ،فلابد أن تُقابل هذه الفلسفات بفلسفات سياسية أخرى مبنية
على النهج القيمي الإصلاحي ،تغرس في نفوس وعقول الأجيال القادمة.
-3من الضروري أن يتزود المشتغلين بالسياسة بالفقه المصلحي المقاصدي ،وذلك
بالتواصل مع علماء المقاصد والسياسة الشرعية.
-4أن استخدام وسائل العنف ولو بدافع التغيير والإصلاح ،يؤدي إلى نتائج عكسية،
وذلك بتعريض الضروريات الخمس أو بعضها للانتهاك ،فينتكس حال الأمة.
-5مراعاة المصالح الحاجية في النظم والقوانين والتصرفات السياسية ،من شأنه أن يحقق
الأمن والاستقرار للمجتمعات ،ويغرس التفائل والأمل في نفوس الناس.
69
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
-6مراعاة المصالح التحسينية على مستوى الأمة الإسلامية ،يرفع من مكانتها بين سائر
الأمم.
-7تعدد التوجهات السياسية يتوجب إلا يؤدي إلى النزاع والفرقة بين المسلمين.
-8المحافظة على مكتسبات الأمة مكسب ومغنم بحد ذاته ،والتفريط فيه يعد تراجع
وانتكاسة ،ونداءات الإصلاح والتغيير ينبغي أن لا تكون وسيلة هدم.
-9عدم العناية أو الخطأ في الموازنة بين المصالح والمفاسد في المجال السياسي المعاصر
يكلف الأمة الشيء الكثير.
-10إن فقه الموازنات بين المصالح فيما بينها ،والمفاسد فيما بينها ،يدخر للأمة مكاسب
سياسية واقتصادية واجتماعية.
-11اختيار الإمام ما تختاره الرعية عند تساوي المصالح المجتمعة أو المفاسد المجتمعة ،أو
المصالح والمفاسد المجتمعة ،يزرع الثقة المتبادلة بين الراعي والرعية ،وتحقيق اللحمة
الوطنية.
-12مراعاة أصحاب القرار السياسي لقاعدة اعتبار المآلات ،يقي الأمة الوقوع في
المهالك ،أو تمكنها من نيل مكتسبات مستقبلية.
-13قاعدة التدرج طريقة تهيئ أصحاب الرأي المخالف لتقبل السياسات الإصلاحية
الجديدة.
قائمة المصادر والمراجع
-القرآن الكريم.
-أزهر ،هشام بن سعيد ،مقاصد الشريعة وعلاقتها بالقيم الأخلاقية ،كرسي
الأمير نايف بن عبد العزيز للقيم الأخلاقية ،جدة :مركز النشر العلمي بجامعة
الملك عبد العزيز ،ط1438 ،1هـ2017/م.
-بزا ،عبد النور ،بحث "التداول على السلطة والفصل التكاملي بين السلطات"،
من ضمن بحوث ندوة "تفعيل مقاصد الشريعة في المجال السياسي" ،تحرير :محمد
70
الفصل الرابع
سليم العوا ،مركز دراسات مقاصد الشريعة ،مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي،
ط1435 ،1هـ2014/م.
-بوزيان ،عليان ،بحث "مقاصد الأحكام السلطانية في الشريعة الإسلامية دراسة
دستورية مقاصدية مقارنة" ،موقع مجلة المسلم المعاصر على شبكة الإنترنت،
العدد (.)139
-ابن تيمية ،أحمد بن عبد الحليم ،مجموع الفتاوى ،جمع وترتيب :عبد الرحمن بن
محمد بن قاسم ،بمساعدة ابنه محمد ،مكتبة المعارف ،الرباط.
-الجويني ،عبد الملك بن عبد الله ،الغياثي غياث الأمم في التياث الظلم ،تحقيق:
عبد العظيم الديب ،ط1401 ،2هـ.
-الحسن ،خليفة بابكر ،فلسفة مقاصد التشريع في الفقه الإسلامي ،مكتبة وهبة،
ط1421 ،1هـ2000/م.
-ابن خلدون ،عبد الرحمن بن محمد ،المقدمة ،بيروت ،دار القلم ،ط1984 ،1م.
-الدميجي ،عبد الله بن عمر بن سليمان ،الإمامة العظمى عند أهل السنة
والجماعة ،دار طيبة للنشر والتوزيع ،الرياض ،ط1408 ،1ه.
-ابن ربيعة ،عبد العزيز بن عبد الرحمن ،علم مقاصد الشارع ،ط،1
1423هـ2002/م.
-الريسوني ،أحمد ،مقاصد المقاصد :الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة،
الشبكة العربية للأبحاث والنشر ،مركز المقاصد للدراسات والبحوث ،بيروت،
ط2013 ،1م.
-الريسوني ،أحمد ،بحث "تولي المناصب المختلطة بالحرام غي ضوء النظر
المقاصدي" ،من ضمن بحوث ندوة "تفعيل مقاصد الشريعة في المجال السياسي"،
تحرير :محمد سليم العوا ،مركز دراسات مقاصد الشريعة ،مؤسسة الفرقان للتراث
الإسلامي ،ط1435 ،1هـ2014/م.
71
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
-السايس ،محمد علي ،تاريخ الفقه الإسلامي ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط،1
1410هـ1990 /م.
-ابن السبكي ،علي بن عبد الكافي ،وولده عبد الوهاب ،الإبهاج في شرح المنهاج،
دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط1404 ،1هـ.
-السيوطي ،جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ،الأشباه والنظائر ،دار الكتب
العلمية.
-الشاطبي ،إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي ،الموافقات ،تحقيق :عبد
الله دراز ،دار المعرفة ،بيروت.
-ابن عاشور ،محمد الطاهر ،مقاصد الشريعة الإسلامية ،تحقيق ودراسة الشيخ
محمد الحبيب بن الخوجة ،طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ،دولة قطر،
على نفقة حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر،
ط1425 ،1هـ2004/م.
-ابن عبد السلام ،عز الدين عبد العزيز ،الفوائد في اختصار القواعد أو القواعد
الصغرى ،تحقيق :إياد خالد الطباع ،دار الفكر المعاصر ،بيروت ،دار الفكر،
دمشق ،ط1420 ،1هـ1999 /م.
-ابن عبد السلام ،عز الدين عبد العزيز ،قواعد الأحكام في إصلاح الأنام،
تحقيق :نزيه كمال حماد ،عثمان جمعة ضميرية ،دار القلم ،دمشق ،ط،1
1421هـ2000/م.
-القرضاوي ،يوسف ،السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها،
مؤسسة الرسالة ناشرون ،لبنان ،ط1421 ،1هـ2000/م.
-كافي ،أحمد ،الحاجة الشرعية :حدودها وقواعدها ،منشورات محمد علي
بيضون ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،ط1424 ،1هـ 2004/م.
72
الفصل الرابع
-الكيلاني ،عبد الرحمن إبراهيم ،قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي :عرض
ودراسة ،المعهد العالمي للفكر الإسلامي ،دار الفكر ،دمشق ،ط،1
1421هـ2000/م.
-الماوردي ،علي بن محمد ،الأحكام السلطانية والولايات الدينية ،دار الكتب
العلمية ،بيروت ،لبنان ،ط1405 ،1هـ 1985/م.
-ملحم ،محمد همام عبد الرحيم ،تأصيل فقه الأولويات وتطبيقاته في مجال حفظ
الدين في السياسة الشرعية ،مركز البيان للبحوث والدراسات ،الرياض،
1436ه.
-ابن منظور ،محمد بن مكرم ،لسان العرب ،دار صادر ،بيروت ،ط.1
-اليوبي ،محمد سعد بن أحمد مسعود ،مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها
بالأدلة الشرعية ،دار الهجرة للنشر والتوزيع ،ط1418 ،1هـ1998/م.
1عضو هيئة التدريس بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية،كلية الآداب والعلوم الإنسانية ،جامعة الملك
عبد العزيز بجدة ،المملكة العربية السعودية.
2الشاطبي ،الموافقات ،ج ،2ص.54 ،37
3المرجع السابق ،ج ،1ص.78
4عبد العزيز بن ربيعة ،علم مقاصد الشارع ،ص.233
5المرجع السابق ،ص.237
6الشاطبي ،الموافقات ،ج ،2ص.38 – 37
7المرجع السابق ،ج ،2ص.40
73
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
8الشاطبي ،الموافقات ،ج ،2ص.168-167
9ابن عاشور ،مقاصد الشريعة الإسلامية ،ج ،3ص.232
10المرجع السابق ،بتصرف ،ج ،3ص.241
11المرجع السابق ،ج ،3ص.243
12بوزيان ،علي ،مقاصد الأحكام السلطانية في الشريعة الإسلامية دراسة دستورية مقاصدية مقارنة،
موقع مجلة المسلم المعاصر بشبكة الإنترنت ،العدد (.)139
13ابن منظور ،لسان العرب ،ج ،5ص.342
14المرجع السابق ،ج ،2ص.127
15الماوردي ،الأحكام السلطانية ،ص.18
16الجويني ،الغياثي ،ص.172
17ابن خلدون ،المقدمة ،ص.288
18انظر بحثنا ،مقاصد الشريعة وعلاقتها بالقيم الأخلاقية ،ص.20
19عبد النور بزا ،بحث "التداول على السلطة والفصل التكاملي بين السلطات" ،ص.202
20الدميجي ،الإمامة العظمى ،ص.514
21الريسوني ،مقاصد المقاصد ،ص.137
22ابن عاشور ،مقاصد الشريعة الإسلامية ،ج ،3ص.242
23كافي ،الحاجة الشرعية ،ص.39
24ابن عاشور ،مقاصد الشريعة الإسلامية ،ج ،3ص.243
25الشاطبي ،الموافقات ،ج ،2ص.13
26المرجع السابق ،ج ،2ص.12
27الكيلاني ،قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي ،ص.192
28اليوبي ،مقاصد الشريعة الإسلامية ،ص.331
29خليفة با بكر الحسن ،فلسفة مقاصد التشريع ،ص.21
30الشاطبي ،الموافقات ،ج ،2ص.15
31العز بن عبد السلام ،قواعد الأحكام ،ج ،1ص.111
32العز بن عبد السلام ،قواعد الأحكام ،ج ،1ص.111
33انظر المطلب الرابع من المبحث الأول.
74
الفصل الرابع
34انظر المطلب الثالث من المبحث الأول.
35محمد ملحم ،تأصيل فقه الأولويات وتطبيقاته ،بتصرف يسير ،ص.156
36العز بن عبد السلام ،قواعد الأحكام ،ج ،1ص.136
37المرجع السابق ،ج ،1ص.136
38المرجع السابق ،ج ،1ص.136
39المرجع السابق ،ج ،1ص.136
40السيوطي ،الأشباه والنظائر ،ص.134
41المرجع السابق ،ص.176
42الريسوني ،بحث "تولي المناصب المختلطة بالحرام في ضوء النظر المقاصدي" ،ص.265
43المرجع السابق ،ص.267
44ابن السبكي ،الإبهاج ،ج ،3ص.65
45العز بن عبد السلام ،قواعد الأحكام ،ج ،1ص91؛ والفوائد في اختصار القواعد ،ص51؛ وابن
تيمية ،مجموع الفتاوى ،ج ،20ص ،48ج ،284 ،28ج ،29ص228؛ وابن القيم ،إعلام الموقعين،
ج ،3ص.179
46العز بن عبد السلام ،قواعد الأحكام ،ج ،1ص.174 ،130
47العز بن عبد السلام ،الفوائد في اختصار القواعد ،ص.51
48ابن عاشور ،مقاصد الشريعة الإسلامية ،ج ،3ص.391
49المرجع السابق ،ج ،3ص.391
50الشاطبي ،الموافقات ،ج ،4ص.194
51المرجع السابق ،ج ،4ص .195-194وانظر :عبد الرحمن الكيلاني ،قواعد المقاصد عند الإمام
الشاطبي.363-362 ،
52أي محمود العاقبة.
53الشاطبي ،الموافقات ،ج ،4ص.195
54السايس ،تاريخ الفقه الإسلامي.33-32 ،
55القرضاوي ،السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها ،ص.305
75
الفصل الخامس
العلاقة بين الفقه والطب
أ .د .منيرة بنت عواد المريطب1
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.
أما بعد! فقد جاءت الشريعة الإسلامية وافية شاملة لجميع مناحي الحياة ،تراعي
مصالح العباد في الحال والمآل ،مبناها وأساسها على الححكم ،وتحقيق مصلحة العباد ،وهي
عدل كلها ،ورحمةكلها ،ومصالحكلها ،تسع روح الإنسان وجسده ،وتخاطب عقله وقلبه.
وقد كان الاهتمام بسائر العلوم الإنسانية ،والتطبيقية واضحا جليا من شروق
الدعوة الإسلامية ،وكان الحث على البحث والنظر منهجا أصيلا في التراث الإسلامي.
واستلهام ما فيه خير البشرية مقصدا عظيما من مقاصد الشريعة.
ولعل من أهم العلوم التي حظيت بسهم وافر من الاهتمام والعناية في الإسلام
علم الطب ،حتى قال عنه الشافعي" :لا أعلم علما بعد الحلال والحرام أنبل من الطب".2
وقد بدأت العلاقة بين الفقه والطب مبكرة جداً ،فمنذ ظهور التشريع الإسلامي
ظهرت العلاقة بينهما ،وتجلت الصلة بينهما .والمتتبع للأحاديث النبوية الشريفة يجد أنكثيرا
من الأحكام الشرعية التي اشتملت عليها تجمع بين الطب البشري والإلهي ،وبين طب
الأبدان ،وطب الأرواح؛ فإن الطب كالشرع وضع لجلب مصالح السلامة والعافية ،ولدرء
مفاسد المعاطب والأسقام.3
كما تجلت العلاقة بين الفقه والطب في كون حفظ النفس من مقاصد الشرع
الضرورية ،فقد أثبت رسول الله الطب ،وشرع العلاج والتداوي ،وأمر بالمحافظة على
الجسد وإعطائه حقه ،روى زيد بن أسلم ،أن رجلا في زمان رسول الله أصابه جرح،
الفصل الخامس
فاحتقن الجرح الدم ،وأن الرجل دعا رجلين من بني أنمار ،فنظرا إليه ،فزعما أن رسول الله
قال لهما« :أيكما أطب»؟ -أي أعلم بالطب -فقالا :أو في الطب خير يا رسول
الله؟ فزعم زيد أن رسول الله قال« :أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء».4
-1مشكلة البحث:
تتلخص مشكلة البحث في السؤال الرئيس التالي:
ما العلاقة بين التخصصات الشرعية ،والتخصصات العلمية التطبيقية؟
ومن هذا السؤال تتفرع الأسئلة الآتية:
أ -ما هو مفهوم الفقه الإسلامي؟
ج -ما الفرق بين العلوم الشرعية ،وغيرها؟
د -ما هي العلوم التطبيقية ذات الصلة بالفقه الإسلامي؟
-2أهداف البحث:
يهدف البحث إلى التعرف على حكم الشرع في بيان حكم بعض الممارسات الطبية
في مجال المعاملات التي تعلق بفقه الأسرة .والتأصيل الشرعي لهذه الأحكام.
-3أهمية البحث:
تتلخص أهمية البحث في إبراز العلاقة الوثيقة بين الفقه والطب ،فكما يحتاج
الفقيه إلى رأي الطب للوصول إلى الحكم الشرعي للمسائل الطبية ،فكذلك يحتاج الطبيب
إلى الحكم الشرعي لكثير من المستجدات الطبية المعاصرة.
-4حدود البحث :يتناول البحث العلاقة بين الطب ،وفقه الأسرة.
-5مصادر البحث ومعلوماته:
أ -القران الكريم والسنة النبوية المطهرة.
ب-كتب التراث الإسلامي.
ج-كتب الطب.
د -الدراسات الحديثة ذات الصلة بالموضوع.
-6منهج البحث :منهج البحث هو المنهج الاستقرائي والاستنباطي.
77
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
وقد انتظم هذا البحث في مقدمة وقد تقدمت ،وتمهيد ،ومبحثين.
أما التمهيد ففي:
-1تعريف الفقه والطب.
-2الفرق بين العلوم الشرعية وغيرها.
-3العلوم المختلفة ذات الصلة بالعلوم الشرعية.
وأما المبحث الأول ففي الصلة بين الفقه والطب.
وأما المبحث الثاني ففي التلقيح الصناعي.
تمهيد:
تعريف الفقه لغة واصطلاحا:
الحفْقهُ في اللغة :الفهُم .يقال :أوتي فلان فقها في الدين أي فهما فيه .5قال الله عز وجل:
﴿ليتفقهوا في الدين﴾ [التوبة ،]122:ودعا النبي لابن عباس فقال« :اللهم علمه الدين
وفقهه في التأويل» :6أي فهمه تأويله ومعناه ،فاستجاب الله دعاءه ،وكان من أعلم الناس
في زمانه بكتاب الله تعالى.
الفقه في الاصطلاح :العلم بالأحكام الشرعية العملية ،المكتسب من أدلتها
التفصيلية".7
تعريف الطب لغة واصطلاحا:
الطب في اللغة :الطاء والباء أصلان صحيحان ،أحدهما يدل على علم بالشيء ومهارة فيه.
والآخر على امتداد في الشيء واستطالة .فالأول الطب ،وهو العلم بالشيء .يقال :رجل
طب وطبيب أي :عالم حاذق .وطب أي :سحر ،يقال منه :رجل مطبوب :أي مسحور.8
الطب في الاصطلاح :علم يتعرف منه أحوال بدن الإنسان من جهة ما يصح
ويزول عن الصحة؛ ليحفظ الصحة حاصلة ،ويستردها زائلة.9
78
الفصل الخامس
الفرق بين العلوم الشرعية وغيرها:
العلم على قسمين :فرض عين ،وفرض كفاية.
فرض العين :هو بقدر ما يحتاج إليه لدينه كتعلم الطهارة والصلاة والزكاة وسائر
العبادات.
وفرضكفاية :هو ما زاد عليه لنفع غيره.
ففرض الكفاية علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب؛ إذ هو ضروري
في حاجة بقاء الأبدان وكالحساب ،فإنه ضروري في المعاملات ،وقسمة الوصايا ،والمواريث
وغيرهما ،وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد ،وإذا قام بها
واحد كفى ،وسقط الفرض عن الآخرين.10
العلوم المختلفة ذات الصلة بالعلوم الشرعية:
إن الكثير من العلوم التطبيقية وغيرها ذات صلة شديدة بعلم الفقه ،فمثلا علم الاقتصاد له
صلة وثيقة بفقه المعاملات .وفقه الأسرة له صلة كبيرة بعلم الاجتماع ،وفقه القضاء والحكم
له صلة شديدة بالعلوم السياسية .وعلم الطب له ارتباط وثيق بفقه العبادات والاسرة
والحدود .وكذلك علم الفلك له ارتباط بفقه العبادات في تحديد اتجاه القبلة ،ومطالع الاهلة
واثبات دخول الاشهر وغيرها ،وعلم الرياضيات له صلة بتقسيم المواريث ،والتركات والوصايا
وغيرها.
المبحث الأول :الصلة بين الفقه والطب
لقد فطن علماء الأئمة السابقون إلى العلاقة الوثيقة بين الفقه ،والطب ،فقال ابن القيم -
رحمه الله -في كتابه "الطب النبوي"" :قد أتينا على جملة من أجزاء الطب العلمي والعملي،
لعل الناظر لا يظفر بكثير منها إلا في هذا الكتاب ،وأريناك قرب ما بينهما وبين الشريعة".11
79
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
وقال أيضا في معرض تعليقه على حديث أبي هريرة أن رسول الله قال« :إذا
وقع الذباب في إناء أحدكم ،فامقلوه ،فإن في أحد جناحيه داء ،وفي الآخر شفاء»" :12هذا
الحديث فيه أمران :أمر فقهي ،وأمر طبي".13
وفي الفتاوى الكبرى يقول ابن تيمية" :الشرع طب القلوب ،والأنبياء أطباء القلوب
والأديان".14
وذكر مقولة بعض الناس" :إن أصل الطب مأخوذ عن بعض الأنبياء".15
ولقد عرف علماء الشريعة فضل العلوم الطبية ،وأنها من الأعمال التي تخدم الدين،
فأنفقوا فيها جانباً من أوقاتهم ،واجتهادهم وأضافوها إلى العلوم الشرعية التي برعوا فيها.
وقد كان الشافعي رحمه الله يقول" :علم الفقه للأديان ،وعلم الطّب للأبدان،
وكان يتلّهف على ما ضيّع المسلمون من الطب" ،ويقول" :ضَيّعوا ثلث العلم ،ووكلوه إلى
اليهود ،والنصارى".16
ومن العلماء الذين لهم باع في علم الطب ،رجال بلغوا في علوم الشريعة الذروة،
منهم :علي بن أحمد بن حزم الظاهري ،صاحبكتاب المحلى في الفقه ،وقد ألف ابن حزم
رسالة في الطب النبوي ،وذكر فيها أسماء كتب له في الطب منها :مقالة العادة ،ومقالة في
شفاء الضد بالضد ،وشرح فصول بقراط ،وكتاب بلغة الحكيم ،وكتاب حد الطب ،وكتاب
في الأدوية المفردة.17
ومنهم :الإمام أبو عبد الله المعروف بالمازري؛ فقد كان يفزع إليه في الطب كما
يفزع إليه في الفتوى في الفقه.18
ومنهم :الفيلسوف محمد بن أحمد بن رشد الحفيد ،مؤلف كتاب بداية المجتهد
ونهاية المقتصد في الفقه ،وكتاب الكليات في الطب.19
ومنهم :علاء الدين بن النفيس الطبيب المشهور صاحب التصانيف الفائقة في
الطب ،كان فقيها على مذهب الشافعي صنف شرحا على التنبيه ،وصنف في أصول
الفقه.20
80
الفصل الخامس
ومما يؤكد على عمق الصلة بين الفقه والطب أن الفقهاء المتقدمون قد اعتمدوا
في تقريركثير من الأحكام على أقوال الأطباء .والمتتبع لكتب الفقهاء على اختلاف مذاهبهم
يجد الإشارة في العديد من المواضع إلى التكامل والتلازم بين علمي الفقه والطب.
فقد جاء في كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق ما نصه" :سئل أبو بكر عن
حامل أرادت أن تلقي العلقة لغلبة الدم؟ قال :يسأل أهل الطب عن ذلك ،إن قالوا :يضر
بالحمل لا تفعل ،وإن قالوا :لا يضر تفعل.21
وفي بحر المذهب على مذهب الشافعي" :وهكذا لو شربت الحامل دواء،
فأسقطت جنينًا ميتًا روعي حال الدواء ،فإن زعم علماء الطب أن مثله قد يسقط الأجنة،
ضمنت جنينها ،وإن قالوا :مثله لا يسقط الأجنة لم تضمنه".22
وفي المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل" :يجوز لمن به رمد أن
يصلى مستلقيا إذا قال ثقات الطب إنه ينفعه".23
وفي روضة الطالبين وعمدة المفتين" :ويلزمه -أي الولي -تزويج المجنونة والمجنون
عند الحاجة بظهور أمارات التوقان ،أو بتوقع الشفاء عند إشارة الأطباء".24
وفي الكتاب" :تجوز إجارة الظئر حولين ،ولها اشتراط طعامها وكسوتها؛ لأنه
منضبط عادة ،ويمنع زوجها من وطئها إن أذن في الإجارة؛ لأن الوطء يقطع اللبن بالحمل،
أو يقله ،أو يفسده لما بين الثدي والرحم من المشاركة عند الأطباء".25
وفي عصرنا الحاضر ومع التقدم الطبي الهائل احتاجت كثير من المسائل
والمستجدات الطبية لتحديد موقف الشريعة منها .مثل :التلقيح الصناعي ،الإجهاض،
وعمليات تغيير وتصحيح الجنس ،ونقل الأعضاء ،وغيرها كثير.
منكل ما تقدم يظهر جليا العلاقة بين الفقه والطب ،واستفادكل منهما بالآخر،
واستناد إليه .ولا يخفى على المطلع أن كثيرا من الأحكام الفقهية التي جرى فيها الخلاف
بين الفقهاء ،يعتبر قول الأطباء فيها مرجحا لقول على آخر .ومن أمثلة ذلك حقيقة الدم
الذي تراه الحامل أثناء فترة الحمل ،هل هو حيض أم استحاضة .اختلف الفقهاء في ذلك
على قولين:
81
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
القول الأول :أنه ليس بحيض ،وبه قال الحنفية ،والحنابلة.
قال في المبسوط" :ومن الدماء الفاسدة ما تراه الحامل ،فقد ثبت لنا أن الحامل
لا تحيض ،وذلك مروي عن عائشة رضي الله عنها ،وعرف أنها إذا حبلت انسد فم رحمها،
فالدم المرئي ليس من الرحم فيكون فاسدا".26
وقال في المغني" :الحامل لا تحيض ،وما تراه من الدم فهو دم فساد".27
القول الثاني :أنه حيض ،وهو قول المالكية والشافعية.
جاء في الذخيرة" :الحامل تحيض عندنا خلافا للحنفية".28
وفي المجموع" :في الدم الذي تراه الحامل قولان :أصحهما أنه حيض".29
والأطباء في هذا الزمان يقررون أن الحامل لا تحيض ،وأن ما تراه المرأة من دم ليس
بحيض ،وإنما هو استحاضة .وقد دلت الدراسات العلمية على أن الدم أثناء الحمل يعود إلى
الأسباب التالية:
-1نزيف ينذر بالإجهاض في الشهور الأولى للحمل.
-2الحمل خارج الرحم ،ويكون مصحوبا عادة بآلام في البطن وهبوط في الضغط.
-3الحمل العنقودي ،وهو حمل غير طبيعي ،وهو عبارة عن كتل من الخلايا ،لها
قدرة على الانتشار في الرحم ،ولها خطورة على حياة الأم ،تستوجب التدخل الجراحي.
-4أسباب تعود إلى الجهاز التناسلي ،ومنها :وجود زوائد لحمية ،أو حصول
التهاب في عنق الرحم أو المهبل ،أو وجود مشيمة متقدمة.
لذلك كان قول الأطباء مرجحا لمذهب الحنفية والحنابلة.
المبحث الثاني :التلقيح الصناعي
82
الفصل الخامس
صورة المسالة:
ورد في كتب الفقهاء المتقدمين ما يقرب من صورة التلقيح الصناعي ،فقال ابن
قدامة" :وقد قيل :إن المرأة تحمل من غير وطء ،بأن يدخل ماء الرجل في فرجها ،إما بفعلها
أو فعل غيرها .ولهذا تصور حمل البكر ،فقد وجد ذلك".30
وصورته الطبية المعاصرة :أن تؤخذ نطفة من الزوج ،ثم تحقن في رحم زوجته تلقيحا
داخليا .وقد استخدمت هذه الطريقة في أوروبا والولايات المتحدة ،وخاصة في حالات
الحرب مثل حرب فيتنام عندماكان بعض الجنود الذاهبين للقتال يعطون منيهم لبنوك سميت
بنوك المني.31
حكم التلقيح الصناعي:
التلقيح الصناعي جائز بضوابط وشروط معينة:
-1التحقق من قيام الزوجية بين من أخذ منه السائل المنوي وبين المرأة المراد
تلقيحها.
-2اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لمنع اختلاط مني الزوج بغيره ،حتى لا يؤدي
إلى اختلاط الأنساب.
-3أن يكون ذلك برضا الزوجين.
-4أن يوجد داع طبي لهذه العملية.32
ومن صور التلقيح الصناعي التي ذكرها الفقهاء المتقدمون ،ونصوا على عدم
جوازها أن يكون التلقيح من نطفة الزوج وبويضة الزوجة ،ثم توضع في رحم امرأة اخرى.
جاء في نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" :لو ألقت امرأة مضغة أو علقة فاستدخلتها
امرأة أخرى حرة أو أمة ،فحلتها الحياة واستمرت ،حتى وضعتها المرأة ولدا ،لا يكون ابنا
للثانية ،ولا تصير مستولدة للواطئ لوكانت أمة؛ لأن الولد لم ينعقد من مني الواطئ ومنيها،
بل من مني الواطئ والموطوءة فهو ولد لهما ،وينبغي أن لا تصير الأولى مستولدة به أيضا،
حيث لم يخرج منها مصورا".33
83
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
وصورتها التي ذكرها المعاصرون أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ،ثم تزرع
اللقيحة في رحم امرأة متطوعة بحملها.34
وهذه الصورة محرمة لما يترتب عليها من اختلاط الأنساب وضياع الأمومة ،وغير
ذلك من المحاذير الشرعية.35
1أستاذة في قسم الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة.
2الذهبي ،محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز ،سير أعلام النبلاء( ،القاهرة :الحديث) ،ج ،8ص.258
3ابن عبد السلام ،عز الدين عبد العزيز ،قواعد الأحكام في مصالح الأنام( ،بيروت :دار الكتب العلمية)،
ج ،1ص.6
4مالك ،ابن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني ،الموطأ ،تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي( ،بيروت:
دار إحياء التراث العربي) ،ج ،2ص.943
5الجوهري ،إسماعيل بن حماد الفارابي ،الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية( ،بيروت :دار العلم للملايين)،
ج ،6ص2243؛ وابن منظور ،محمد بن مكرم بن منظور ،لسان العرب( ،بيروت :دار صادر) ،ج،13
ص.522
6أحمد ،ابن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني ،المسند( ،بيروت :مؤسسة الرسالة) ،ج ،5ص.65
7علي بن عبد الكافي السبكي ،الإبهاج في شرح المنهاج( ،بيروت :دار الكتب العلمية) ،ج ،1ص28؛
والتفتازاني ،سعد الدين مسعود بن عمر ،شرح التلويح على التوضيح( ،مصر :مكتبة صبيح) ،ج،1
ص.19
8ابن فارس ،أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي ،مقاييس اللغة( ،بيروت :دار الفكر) ،ج ،3ص407؛
والأزهري ،محمد بن أحمد ،تهذيب اللغة( ،بيروت :دار إحياء التراث العربي) ،ج ،13ص.207
9ابن سينا ،الحسين بن عبد الله ،القانون في الطب ،ج ،1ص.13
10الغزالي ،أبو حامد محمد بن محمد ،إحياء علوم الدين( ،بيروت :دار المعرفة) ،ج ،1ص16؛ والقرافي،
أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن ،شرح تنقيح الفصول ،ص.435
11ابن قيم الجوزية ،محمد بن أبي بكر ،الطب النبوي( ،بيروت :دار الهلال) ،ص.315
84
الفصل الخامس
12البخاري ،محمد بن إسماعيل أبو عبد الله الجعفي ،الصحيح( ،بيروت :دار طوق النجاة) ،ج،4
ص.130
13ابن قيم الجوزية ،الطب النبوي ،ص.83
14ابن تيمية ،أحمد بن عبد الحليم ،مجموع الفتاوى( ،المدينة النبوية :مجمع الملك فهد لطباعة المصحف
الشريف) ،ج ،34ص.210
15ابن تيمية ،أحمد بن عبد الحليم ،الفتاوى الكبرى( ،بيروت :دار الكتب العلمية) ،ج ،1ص.69
16البيهقي ،أحمد بن الحسين ،مناقب الشافعي( ،القاهرة :دار التراث) ،ج ،2ص.114
17الذهبي ،سير أعلام النبلاء ،ج ،13ص.379
18ابن فرحون ،إبراهيم بن علي ،الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب( ،القاهرة :دار التراث
للطبع والنشر) ،ج ،2ص.251
19المرجع السابق ،ج ،2ص.258
20السبكي ،عبد الوهاب بن تقي الدين ،طبقات الشافعية الكبرى( ،هجر :للطباعة والنشر والتوزيع)،
ج ،8ص.305
21ابن نجيم ،زين الدين بن إبراهيم بن محمد ،البحر الرائق شرح كنز الدقائق( ،بيروت :دار الكتاب
الإسلامي) ،ج ،8ص.392
22الروياني ،عبد الواحد بن إسماعيل ،بحر المذهب( ،بيروت :دار الكتب العلمية) ،ج ،12ص.372
23ابن تيمية ،عبد السلام بن عبد الله ،المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل( ،الرياض:
مكتبة المعارف) ،ج ،1ص.128
24النووي ،يحيى بن شرف ،روضة الطالبين وعمدة المفتين( ،بيروت :المكتب الإسلامي) ،ج ،7ص.77
25القرافي ،أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن ،الذخيرة( ،بيروت :دار الغرب الإسلامي) ،ج ،5ص.408
26السرخسي ،محمد بن أحمد بن أبي سهل ،المبسوط( ،بيروت :دار المعرفة) ،ج ،3ص.149
27ابن قدامة ،عبد الله بن أحمد بن محمد ،المغني( ،القاهرة :مكتبة القاهرة) ،ج ،1ص.261
28القرافي ،الذخيرة ،ج ،1ص.386
29النووي ،يحيى بن شرف ،المجموع شرح المهذب( ،بيروت :دار الفكر) ،ج ،2ص.347
30ابن قدامة ،المغني ،ج ،9ص.79
31انظر :محمد علي البار ،خلق الإنسان بين الطب والقرآن( ،السعودية :الدار السعودية) ،ص.517
85