نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
وكأن للسيوف، رقابهم يعِّرضوا أن إلا أساطير الأولين. أو شاعر مجنون، أو يُؤثر،
أمام العجز والمكابرة بد ولم يكن لهم
اليأس القاتل ينقل بنيه من نظرتهم للحياة الطويلة والعمر المديد إلى ساعة الاحتضار
فيستسلمون للموت الزؤام -وبهذا ثبت إعجاز القرآن بلا مراء.
وكان ساعه حجة ملزمة ،قال تعالى﴿ :ﯦﯧﯨﯩ
ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ
ﯸ﴾ [التوبة ،]6:وكان ما يحتويه من نواحي الإعجاز يفوق كل معجزة
كونية سابقة ويُغني عنها ُجيًعا﴿ :ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ
ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ
ﯥ﴾ [العنكبوت.]51-50:
وعجز العرب عن معارضة القرآن مع توفر الدواعي عجز للغة العربية في
ريعان شبابها وعنفوان قوتها.
والإعجاز لسائر الأمم على مر العصور ظل ولا يزال في موقف التحدي
شامخ الأنف ،فأسرار الكون التي يكشف عنها العلم الحديث ما هي إلا مظاهر
للحقائق العليا التي ينطوي عليها سر هذا الوجود في خالقه ومدبره ،وهو ما أُجله
القرآن الكريم أو أشار إليه -فصار القرآن الكريم بهذا ُمعجًزا للإنسانية كافة)
.20
وإذا كان القرآن الكريم قد ثبت إعجازه ،والنبي تحدى به العرب؛
فعجزوا عن معارضته ،فيستحيل أن يدخله التناقض والاختلاف والاضطراب؛ الذي
يعتريكلام البشر الغير معجز.
النقطة الثالثة :القرآن الكريم تعهد الله بحفظه فلا يدخله التناقض.
136
الفصل الثامن
إن من خصوصية القرآن الكريم أن الله – عزوجل – تكفل بحفظه ورعايته ما دامت
السماوات والأرض؛ فقال تعالى﴿ :ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾
[الحجر.]9:
فالقرآن الكريم محفوظ "من الزيادة والنقص ،والتغيير والتبديل ،والتحريف
والمعارضة ،والإفساد والإبطال .وسيأتي في مستأنف الأزمان من يتولون حفظه
والذب عنه ،ويدعون الناس إليه ،ويستخرجون لهم ما فيه من عبر وحكم ،وآداب
وعلوم ،تناسب ما تستخرجه العقول من المخترعات ،وتستنبطه الأفكار من نظريات
وآراء فيستنير بها العارفون ،ويهتدى بهديها المفكرون".21
ااالَِفييََََِِفََممللْْْووولاَْْْحكحتيَوَيُْأقَلََُْْامكتََّننففْقْأنََْارسأفَآَُِاننَفَتََُيظظسوُُْاِّرحنِاُنِهَُُوسسَِمقعََْْنمحووَ،باَات،هوَاَلََِِضانَدارِلَلِهُةِضأحََ،لااِ،وفْاَُْْلجْرفحَعتَئهََُِِْنمََْكقِزوفرَُفوْرظإَمَهًِْضُميََْلووِياذناِيأاَْالِْْنِبَ،للفْنلَُأَمَ،وقتَْيعُُجقَترْبَاَلُْاَوحمَعلبْوََْئعلِكِاوَأوِلُمَْتَِلشَُُِظصَُكمَهلكَعنََّّاناجتّلَُُِِدبودِاتايََََُمهوةِلبّْياْْجألِْومِْلِْراُاآبَِتلِبمررالبََِْمانلهْيََخْفَََاعُْخمَنّاشَلوَْحابكتيَأِرلَََْعْْلِرَعفَِْررقُِوَمْاَكِعَعفيحخَََُمجرْنِلأََْلِِد،ةُظبََْفَوحاَككاةُدُد،ياٍتٌَُ،فِاَِمَبفومتَبلَُِلنوًقُبيلَََِاَقهايأُوأوَذوَََنزنتَباََََتَّرّاهوكّْتآََِنلنَعفِْلِعفِاُمُراِْلغيَفنَقتَُاَِيلَُقّدَفمَيَّاصلضََُّأَّرَِِّعةًادّْيولرَلْنِهذََِمآمأُْحَأاحلَيتََعَاَدَعكَلِْْ،ةهوُُصياحنهَُِركُُْيَِصكفِأّوسافاَيَلمَُحويِنَُِرَِإيِتووَُألََِّْلنفالَِومَذَتلاذافاََِاقهأنَُاََّلمينيّْلَلكنْاَْْمْينوتؤََََهعُطلرُِّّكٍخََِْ،سزِاَِومتِلِذتاْفَسُمئاََِفْللِلفّكََْْكَلَهنفراِأةُاَِلََْاإََرِبةوِنجِْْاُمنِْعنفيحلُْنََشِعَِ،تأّمتيَََ،وقَئسْنََُعابََّاد"اوََوًلُنأيِِْدركوََعَيََلموُانِْانََناُّكَااْندِبنلِزْنلاخَِْاخُفِتَآُْلبلْثوفَََََنلْيَيَنَسَمووَّعْاعتابََََِصَقكُِعسمإِامَََْنْهلَِْقهِكوِِصَذجَمََِمتاَّماِِذَرِرضلناَُّ،جهِضبهِأٌاهَُِ،تلَااًاِلمللُْْْلاََْكَبنلِاِواكلفَِْتتلُِاقَوآلِلعََِلكيَتنأَُيَْتُّرََِجبَااّمالَدْنتاَِووحََْعبُلاحةٌِةزِقَِلَُِمفِنَِيمعْْيَوِضاساتِّيسمآِِِِنهَُِعَعاعحاولْاَِْنلَُْيلكمخَْغبلِاَأَِفًَنوُْيوصراأُاَاَكافََْكياِلْرلَِثنْاِج،لَولْلَِتّْرُعاييجلٍآرَمََْويَِرمييذَِْخَدََْقمَ،حََعاَحلاانِْاوالَِّإِلراُِِئرَِنِأِزييَّلفَََثمهمَََُُِِِِِِِرماكاة،لتوعاتنيّ
137
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
اتينِققَفََُُِِفموَْعُيََُْرلقَغيرتَّرالََرنَِهِْييَّْءاَدقاَىرِهلْةًَ!،سِابُِِظكمنلتََْمَأَََْتنوُولََلََََعلهَعواْيهاُاااَالْرلِِمِبُعَريٌَََلوُكِتسَياهاُتََِظْللوّفاََنّذقُمِتََبَهََاصهالِيأُةًبيَِرَاذقِْلوَّ،لحَْتيغََُةٌفرِاُبقَُغيَؤنَفِْحََِلِّْفيرّإِِهرِهآََُفرَّليَهكَماااَُْينهِاْمناًتْاِعخَِفَْولنَتِيأفَُينٍََغلشَمَااْيااظْأليَُُْصرُمَءََُهُُّمُمهعُِّصو،رلٌٍَُةَعرفًُعَِملَّمايفأَُلاٍََْعَناِنّموَهملُِلََءْلَيَّعْيااأعٍَُِلةَامَِاهّْوللْبمتََْْبََِىلناخَثَلرَاَالفُالَاطََِِكنَاُعُحأوََوُمْثثلكََِوْهنفةَََِيدَلََمٌبِِاهوتاَامنٍةظََِِلراِ،ءَعَِاهمَلَََيحاَرسَْثْشُنَخِهَقمَّتِظاْبيرَفَِذِللََيِقْهياعِعُااْنقََُهٌرَدِّاطيْاِْرلدْخينلًُتِِافَيعُمَُْلالَلُوَُللِْرعإاليفَِاْتَنْصوهاِيتَُلِرَِّردِهتَُُّأغَسكَفأَاَْ،يتاُّبُيلوُِّمرُِِهَََنفوَِحؤاَّلسَ،لِّبالَفلِنِِْيهُامخَيَفَُِوَهعفيَيَإنَِينطَاُلَِهلأَُ،عِااْيىلاْصىِلِلَْلَفُُووداايلُِكعُِيتعَِّتُنََحْْبْماخَسِّقََكتطَسَِأِارداَْبثِالََهِيُِِْبنحُاَعننعٍرهُهَُيأفوَاُِِمََِدليَِّْرممإفاَِّبََُوكِهائّليُِسٍََّياوَرَشوةفِِواطَْلَوِيللنِبَربيََََماتِْهَّلهُْْعُعَّيَْفاميسُعَهُماَُتدَ،تَلُحَُطَْعوِكََعفوَبأَّعََِمَليّملََنمًٍُِْْْندا،الاتمن
.22"
ومن مظاهر تدبير الله لحفظكتابه أن "هيأ له ظروفاً مختلفة تماماً ،تم بها الحفظ
الذي قدره الله له منذ الأزل وهو في اللوح المحفوظ:
-1هيأ له أمة قوية الحافظة بصورة غير عادية ،فقد كان العرب في الجاهلية
يروون ألوفاً من أبيات الشعر بغير تدوين ،إنما يحفظونها في ذاكرتهم
ويتداولون روايتها.
-2هيأ له سهولة في الحفظ ﴿ :ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ
ﮤ﴾ [القمر.]17:
-3هيأ له أمة مستقرة آمنة ممكنة في الأرض ،لديها الفرصة الكاملة للحفظ
والتدوين ،فكان الحفاظ يحفظون على يدى رسول الله حتى يتقنوا
الحفظ ،ثم يدونوا ما يحفظون ويراجع عليهم رسول الله بنفسه.
-4وأخيراً هيأ له مراجعة من المْل الأعلى .فقد كان رسول الله يحفظ
ما يوحى إليه ثم يراجعه على جبريل عليه السلام مرة كل سنة .وفي
138
الفصل الثامن
السنة الأخيرة راجع جبريل القرآنكله على رسول الله مرتين.
-5ثم إنه بعد تدوينه لم يعد هناك مجال لعبث عابث .بل إن الحفاظ ظلوا
خلال القرون يراجعون كل نسخة تكتب من المصحف مراجعة دقيقة.
فلما أن صار المصحف يطبع طباعة صارت لجان من كبار الحفاظ
تراجع كل حرف منه قبل أن تأذن بطبعه.
وبهذه الوسائل كلها تحقق للقرآن ذلك الحفظ الذي قدره له الله منذ الأزل:
﴿ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ﴾ [الحجر .23"]9:ومما سبق عرضه تضح
أن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن الكريم قبل نزوله وأثناء نزوله وبعد نزوله ،فهيأ له
أمة قوية الحافظة مستقرة آمنة ،فحفظته في الصدور والسطور ،فمحال أن يدخله
التناقض والاختلاف.
ثانياً :نماذج من شبهات المشككين بتناقض آيات القرآن الكريم.
يتوهم بعض المشككون والمغرضون ،بوجود تناقض بين آيات القرآن الكريم ،وقد
أتوا بأمثلةكثيرة على ادعائهم ،وفي السطور التالية نتعرض لبعض الآيات التي زعموا
تعارضها وتناقضها ونرد عليهم ما ادعوه ،فقد استدلوا بهذه الآيات على ادعائهم:
"جاء في سورة النساء﴿ :ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ
ﮇﮈ﴾ [النساء ]82:فزعم الطاعنون أن القرآن الكريم فيه تناقض
كثير واختلاف مثل:كلام الله لا يتبدل :كلام الله يتبدل ،واستدلوا بهذه الآيات:
أولاً﴿ :ﭩﭪﭫﭬﭭ ﴾ [يونس ،]64:والآية ﴿ﯜ
ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ
ﯩﯪﯫﯬﯭﯮ﴾ [النحل.]101:
139
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
ثانياً ﴿ :ﰂﰃﰄ﴾ [الكهف ،]27:والآية﴿ :ﭒﭓﭔ
ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ﴾
[البقرة.]106:
ثالثاً﴿ :ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ﴾ [الحجر ]9:والآية﴿ :
ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ﴾ [الرعد.]39:
فهذه طريقتهم في عرض هذه الشبهة يقابلون بين بعض الآيات على
اعتبار تصورهم ،وهو أن كل آية تناقض معنى الآية المقابلة لها ،على غرار ما هو
موضح في الآيات السابقة؛ لبيان التناقض في القرآن الكريم حسب زعمهم.
وللرد على هذه الشبهة يمكن القول بأن:
الصورة الأولى للتناقض الموهوم بين آية يونس﴿ :ﭩﭪﭫ
ﭬﭭ﴾ وآية النحل ﴿ﯜﯝﯞﯟﯠ﴾ لا وجود لها إلا في
أوهامهم ويبدو أنهم يجهلون معنى التناقض تماًما .فالتناقض من أحكام العقل ،ويكون
بين أمرين كليين لا يجتمعان أبداً في الوجود في محل واحد ،ولا يرتفعان أبداً عن
ذلك المحل ،بل لا بد من وجود أحدهما وانتفاء الآخر ،مثل الموت والحياة .فالإنسان
يكون إما حياا وإما ميتاً ولا يرتفعان عنه في وقت واحد ،ومحال أن يكون حياا وميتاً
في آن واحد؛ لأن النقيضين لا يجتمعان في محل واحد.
ومحال أن يكون إنسان ما؛ لا حي ولا ميت في آن واحد ،وليس في
القرآن الكريم ،كله صورة ما من صور التناقض العقلي إلا ما يدعيه الجهلاء أو
المعاندون .والعثور على التناقض بين الآيتين المشار إليهما محال محال؛ لأن قوله
تعالى في سورة يونس ﴿:ﭩﭪﭫﭬ﴾ معناه لا تبديل لقضاء الله
الذي يقضيه في شئون الكائنات ،ويتسع معنى التبديل هنا ليشمل سنن الله وقوانينه
الكونية .ومنها القوانين الكيميائية ،والفيزيائية وما ينتج عنها من تفاعلات بين
140
الفصل الثامن
عناصرالموجودات ،أو تغييرات تطرأ عليها .كتسخين الحديد أو المعادن وتمددها
بالحرارة ،وتجمدها وانكماشها بالبرودة .هذه هيكلمات الله عّز وجلّ.
وقد عبر عنها القرآن الكريم في مواضع أخرى :بالسنن؛ وهي القوانين التي
تخضع لها ُجيع الكائنات ،الإنسان والحيوان والنبات والجمادات.
إن كل شيء في الوجود ،يجري ويتفاعل وفق السنن الإلهية أو كلماته
الكلية ،التي ليس في مقدور قوة في الوجود أن تغيرها أو تعطل مفعولها في الكون.
ذلك هو المقصود به ب" كلمات الله" ،التي لا نجد لها تبديلاً ،ولا نجد لها
ومن هذه الكلمات أو القوانين والسنن الإلهية النافذة طوعاً أوكرهاً قوله تحويلاً.
تعالى﴿ :ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥﮦ ﮧﮨ
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ
ﯘ﴾ [آل عمران .]185:فهل في مقدور أحد مهما كان أن يعطل هذه
السنة الإلهية فيوقف "سيف المنايا" ويهب كل الأحياء خلوداً في هذه الحياة الدنيا؟
فكلمات الله إذن هي عبارة عن قضائه في الكائنات وقوانينه المطردة في
الموجودات وسننه النافذة في المخلوقات.
ولا تناقض في العقل ولا في النقل ولا في الواقع المحسوس بين مدلول آية:
﴿ﭩﭪﭫﭬﭭ﴾ وآية ﴿ﯜﯝﯞﯟﯠ﴾
لأن معنى هذه الآية :إذا رفعنا آية ،أي وقفنا الحكم بها ،ووضعنا آية مكانها ،أي
وضعنا الحكم بمضمونها مكان الحكم بمضون الأولى .قال جهلة المشركين﴿ :ﯦ
ﯧﯨﯩ﴾ فلكل من الآيتين معنى في محل غير معنى ومحل الأخرى.
فالآية في سورة يونس﴿ :ﭩﭪﭫﭬﭭ﴾ والآية في سورة
141
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
النحل ﴿ﯜﯝﯞﯟﯠ﴾ لكل منهما مقام خاص،
ولكن هؤلاء الحقدة جعلوا الكلمات بمعنى الآيات ،أو جعلوا الآيات بمعنى الكلمات
زوراً وبهتاناً ،ليوهموا الناس أن في القرآن الكريم تناقضاً .وهيهات هيهات لما يتوهمون.
أما الآيتان﴿ :ﰂﰃﰄ﴾ :والآية﴿ :ﭒﭓﭔﭕﭖ
ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ﴾ هاتان
الآيتان بريئتان من التناقض براءة قرص الشمس من اللون الأسود:
فآية الكهف ﴿ﰂﰃﰄ﴾ معناها لا مغير لسننه وقوانينه في
الكائنات .وهذا هو ما عليه المحققون من أهل العلم ويؤيده الواقع المحسوس والعلم
المدروس.
وحتى لو كان المراد من "كلماته" آياته المنزلة في الكتاب العزيز "القرآن
الكريم" فإنه كذلك لا مبدل لها من الخلق فهي باقية محفوظةكما أنزلها الله -عز
وجل ،-إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أما آية البقرة ﴿ :ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ﴾ فالمراد من الآية فيها المعجزة ،التي
يجريها الله على أيدي رسله .ونسخها رفعها بعد وقوعها .وليس المراد الآية من
القرآن الكريم ،وهذا ما عليه المحققون من أهل التأويل .بدليل قوله تعالى في نفس
الآية﴿ :ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ﴾.
ويكون الله عز وجل قد أخبر عباده عن تأييده رسله بالمعجزات وتتابع
تلك المعجزات؛ لأنها من صنع الله ،والله على كل شىء قدير.
فالآيتان كما ترى لكل منهما مقام خاص بها ،وليس بينهما أدنى
تعارض ،فضلاً عن أن يكون بينهما تناقض.
142
الفصل الثامن
أما الآيتان الأخيرتان؛ وهما آية الحجر﴿ :ﮗﮘﮙﮚﮛﮜ
ﮝ﴾ وآية الرعد ﴿ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ﴾
فلا تعارض بينهماكذلك؛ لأن الآية الأولى إخبار من الله بأنه حافظ للقرآن الكريم
من التبديل والتحريف والتغيير ،ومن كل آفات الضياع وقد صدق إخباره تعالى،
فظل القرآن الكريم محفوظاً من كل ما يمسه مما مس كتب الرسل السابقين عليه في
الوجود الزمني ،ومن أشهرها التوراة وملحقاتها .والإنجيل الذي أنزله الله على عيسى
.
أما الآية الثانية ﴿ :ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ
ﯝ﴾ فهي إخبار من الله بأنه هو وحده المتصرف في شئون العباد دون
أن يحد من تصرفه أحد .فإرادته ماضية ،وقضاؤه نافذ ،يحيى ويميت ،يغني ويفقر،
يُص ُّح ويُمِْر ُض ،يُ ْسعِد ويُ ْشِقي ،يعطي ويمنع ،لا راد لقضائه ،ولا معقب على حكمه:
﴿ﯮﯯﯰﯱﯲﯳ﴾ [الأنبياء.]23:
فأين التناقض المزعوم بين هاتين الآيتين يا ترى؟ التناقض سيكون؛ لو
ألغت آية معنى الأخرى.
أما ومعنى الآيتينكل منهما يسير في طريٍق متوا ٍز غير طريق الأخرى ،فإن
القول بوجود تناقض بينهما ضرب من الخبل والهذيان المحموم ،ولكن ماذا نقول
حينما يتكلم الحقد والحسد ،ويتوارى العقل وراء دياجير الجهالة الحاقدة ؟.24)....
الخاتمة
لقد انتهيت – بتوفيق الله تعالى – من دراسة هذا البحث ،والذي كان بعنوان:
(دعوى تناقض القرآن الكريم والرد عليها) ،وقد خرجت من هذه الدراسة بنتائج
وتوصيات ،أهمها:
143
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
أولاً :النتائج:
-1أن آيات القرآن الكريم مقترنة ومفسرة بعضها البعض وليست متناقضة.
-2الشبهات التي أثارها المغرضون حول القرآن الكريم؛ شبهات باطلة أثبت
العلم والعقل بطلانها.
-3أن القرآن الكريم يستحيل أن يكون فيه تناقض أو إختلاف ،أو اضطراب؛
وذلك لأنهكلام الله عز وجل أوحى به إلى نبيه ؛ ومحال أن يدخل في
وحي الله اختلاف ،أو تناقض ،إنما التناقض والإختلاف في كلام البشر.
-4أن القرآن الكريم قد ثبت إعجازه ،والنبي تحدى به العرب؛ فعجزوا
عن معارضته ،فيستحيل أن يدخله التناقض والإختلاف والاضطراب؛
الذي يعتري كلام البشر الغير معجز.
-5أن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن الكريم قبل نزوله وأثناء نزوله وبعد نزوله،
فهيأ له أمة قوية الحافظة؛ مستقرة ،آمنة فحفظته في الصدور والسطور،
فمحال أن يدخله التناقض والاختلاف.
-6أن توهم الإختلاف والتناقض بين آيات القرآن الكريم؛ ناتج عن الجهل
بقواعد اللغة العربية وأساليبها ،وعدم فهم قضية الناسخ والمنسوخ،
بالإضافة إلى الحقد الشديد الذي يحمله المشككون تجاه القرآن العظيم.
ثانياً :التوصيات:
-1ضرورة تأليف موسوعة شاملة لموهم الاختلاف والتناقض في القرآن
الكريم ،والرد عليها بالأدلة النقلية والعقلية والعلمية.
-2ضرورة اهتمام الباحثين بالشبهات التي تثار حول القرآن الكريم بالرد
عليها وتفنيدها.
المصادر والمراجع
-1القرآن الكريم.
144
الفصل الثامن
-2ابن فارس ،أبو الحسين ،معجم مقاييس اللغة ،تحقيق :عبد السلام محمد
هارون ،بيروت :دار الفكر ،د.ط1399 .ه1979/م.،
-3ابن كثير ،إساعيل بن عمر ،تفسير القرآن العظيم ،القاهرة :المكتبة التوفيقية،
ط ،1د.ت.
-4ابن منظور .محمد بن مكرم ،لسان العرب ،بيروت :دار صادر ،ط،3
1414ه.
-5بوير ،دي ،تاريخ الفلسفة في الإسلام .ترُجة :محمد عبد الهادي أبو ريدة،
بيروت :دار النهضة العربَيّة للطباعة والنشر ،ط1374 ،3ه1954/م.
-6التهانوي ،محمد علي ،كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ،بيروت :مكتبة
لبنان ناشرون ،د.ط1996،م.
-7الجرجاني ،علي بن محمد ،التعريفات ،تحقيق :إبراهيم الأبياري ،بيروت ،دار
الكتاب العربي ،ط1405 ،1ه.
-8جولدزيهر ،إجناس ،العقيدة والشريعة في الإسلام ،ترُجة :محمد موسى
وآخرين ،القاهرة ،بغداد :دار الكتب الحديثة .مكتبة المثنى ،ط ،2د.ت.
-9جولد زيهر ،إجناس ،مذاهب التفسير الإسلامي ،ترُجة :عبد الحليم النجار،
القاهرة ،بغداد :مكتبة الخانجي ،مكتبة المثنى ،د.ط1334 ،ه1955/م.
-10رضا ،محمد رشيد ،تفسير المنار ،القاهرة :الهيئة المصرية العامة للكتاب،
د.ط1990 ،م.
-11مرتضى الزبيدي ،مح ّمد بن مح ّمد بن عبد الرّزاق ،تاج العروس من جواهر
القاموس .تحقيق :مجموعة من المحققين ،الكويت :دار الهداية ،ط،2
1424ه.
-12زقزوق ،محمود حمدي ،وآخرون ،حقائق الإسلام في مواجهة شبهات
المشككين ،القاهرة :المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ،د.ط،
1423ه2002/م.
145
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
-13شاهين لاشين ،موسى ،اللآلئ الحسان في علوم القرآن .القاهرة :مطبعة
الفجر الجديد ،د .ط ،د .ت.
-14الشوكاني ،محمد بن علي ،إرشاد الفحول ،تحقيق :أحمد عزو عناية ،القاهرة:
دار الكتاب العربي ،ط1419 ،1ه1999/م.
-15فلهوزن ،يوليوس ،تاريخ الدولة العربية من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة
الأموية .ترُجة :محمد عبد الهادي أبو ريدة ،القاهرة :لجنة التأليف والترُجة
والنشر بإدارة الثقافة العامة بوزارة التربية والتعليم ،ط1968 ،2ه.
-16القطان ،مناع ،مباحث في علوم القرآن ،بيروت :مؤسسة الرسالة ،ط،22
1410ه1990/م.
-17قطب ،محمد ،ركائز الإيمان ،القاهرة :دار الشروق ،ط،1
1422ه2001/م.
-18كنون ،عبد الله ،الرد القرآني على كتيب هل يمكن الإعتقاد بالقرآن ،مكة
المكرمة :شركة مكة للطباعة والنشر ،د.ط ،د.ت1401 ،ه1981/م.
-19المراغي ،أحمد مصطفي ،تفسير المراغي ،القاهرة :مكتبة ومطبعة مصطفي
البابي الحلبي وأولاده ،ط1365 ،1ه1946/م.
-20مصطفي ،إبراهيم ،وآخرون ،المعجم الوسيط،تحقيق :مجمع اللغة العربية،
القاهرة :دار الشروق الدولية ،ط1425 ،4ه2004/م.
-21المناوي ،محمد عبد الرؤوف ،التوقيف على مهمات التعاريف .تحقيق :د.
محمد رضوان الداية ،بيروت ودمشق :دار الفكر المعاصر ،دار الفكر ،ط،1
1410ه.
146
الفصل الثامن
1الأستاذ المساعد /بالكلية الجامعية الإسلامية ببهانج السلطان أحمد شاه بماليزيا
([email protected] )Kuipsas
2مرتضى الزبيدي ،مح ّمد بن مح ّمد بن عبد الرّزاق ،تاج العروس من جواهر القاموس ،تحقيق:
مجموعة من المحققين( ،الكويت :دار الهداية ،ط1424 ،2ه) ،ج ،19ص 88وما بعدها.
3مصطفي ،إبراهيم ،وآخرون ،المعجم الوسيط ،تحقيق :مجمع اللغة العربية( ،القاهرة :دار الشروق
الدولية ،ط1425 ،4ه2004/م) ،ص.947
4المناوي ،محمد عبد الرؤوف ،التوقيف على مهمات التعاريف ،تحقيق :د .محمد رضوان الداية،
(بيروت ودمشق :دار الفكر المعاصر ،دار الفكر ،ط1410 ،1ه) ،ج ،1ص.208
5الجرجاني ،علي بن محمد ،التعريفات ،تحقيق :إبراهيم الأبياري( ،بيروت :دار الكتاب العربي،
ط1405 ،1ه) ،ج ،1ص.93
6التهانوي ،محمد علي ،كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم( ،بيروت :مكتبة لبنان ناشرون،
د .ط1996 ،م) ،ج ،1ص.874
7ابن فارس ،أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ،معجم مقاييس اللغة ،تحقيق :عبد السلام
محمد هارون( ،بيروت :دار الفكر ،د.ط1399 ،ه1979/م) ،ج ،5ص.79
8ابن منظور ،محمد بن مكرم ،لسان العرب( ،بيروت :دار صادر ،ط1414 ،3ه) ،ج،1
ص.400
9الشوكاني ،محمد بن علي ،إرشاد الفحول ،تحقيق :أحمد عزو عناية( ،القاهرة :دار الكتاب
العربي ،ط1419 ،1ه1999/م) ،ج ،1ص 86بتصرف.
10شاهين لاشين ،موسى ،اللآليء الحسان في علوم القرآن( ،القاهرة :مطبعة الفجر الجديد،
د .ط ،د .ت) ،ص.9
11جولد زيهر ،إجناس ،مذاهب التفسير الإسلامي ،ترُجة :عبد الحليم النجار( ،القاهرة ،بغداد:
مكتبة الخانجي ،مكتبة المثنى ،د.ط1334 ،ه1955/م) ،ص.4
12جولدزيهر ،إجناس ،العقيدة والشريعة في الإسلام ،ترُجة :محمد موسى وآخرين( ،القاهرة،
بغداد :دار الكتب الحديثة ،مكتبة المثنى ،ط ،2د.ت) ،ص.4
13جولد زيهر ،العقيدة والشريعة في الإسلام ،المرجع السابق ،ص 79-78بتصرف.
14فلهوزن ،يوليوس ،تاريخ الدولة العربية من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة الأموية ،ترُجة:
147
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
محمد عبد الهادي أبو ريدة( ،القاهرة :لجنة التأليف والترُجة والنشر بإدارة الثقافة العامة بوزارة
التربية والتعليم ،ط1968 ،2ه) ،ص.2
15بوير ،دي ،تاريخ الفلسفة في الإسلام ،ترُجة :محمد عبد الهادي أبو ريدة( ،بيروت :دار
النهضة العربَيّة للطباعة والنشر ،ط1374 ،3ه1954/م) ،ص.69
16كنون ،عبد الله ،الرد القرآني علىكتيب هل يمكن الإعتقاد بالقرآن( ،مكة المكرمة :شركة
مكة للطباعة والنشر ،د.ط ،د.ت1401 ،ه1981/م) ،ص.99
17كنون ،الرد القرآني علىكتيب هل يمكن الإعتقاد بالقرآن ،المرجع السابق ،ص.102
18ابنكثير ،إساعيل بن عمر ،تفسير القرآن العظيم( ،القاهرة :المكتبة التوفيقية ،ط ،1بدون
تاريخ) ،ج ،7ص.340 ،339
19رضا ،محمد رشيد ،تفسير المنار( ،القاهرة :الهيئة المصرية العامة للكتاب ،د.ط1990 ،م)،
ج ،5ص 233وما بعدها بتصرف.
20القطان ،مناع ،مباحث في علوم القرآن( ،بيروت :مؤسسة الرسالة ،ط،22
1410ه1990،م) ،ص.260 -258
21المراغي ،أحمد مصطفي ،تفسير المراغي( ،القاهرة :مكتبة ومطبعة مصطفي البابي الحلبي
وأولاده ،ط1365 ،1ه1946/م) ،ج ،14ص.7
22رضا ،محمد رشيد ،تفسير المنار ،مرجع سابق ،ج ،5ص.235
23قطب ،محمد ،ركائز الإيمان( ،القاهرة :دار الشروق ،ط1422 ،1ه2001/م) ،ص.203
24زقزوق ،محمود حمدي ،وآخرون ،حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين( ،القاهرة:
المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ،د.ط1423 ،ه2002 /م) ،ص 70 -66بتصرف يسير.
148
الفصل التاسع
دور المساجد في خدمة المجتمع المسلم من منظور القرآن والسنة
دراسة موضوعية تحليلية
الأستاذ الدكتور محمد أبو الليث منال أحمد اْجلَُبّة1
الخيرآبادي2
تمهيد
الحمد لله ،ثم الصلاة والسلام على رسول الله ،ومن اهتدى ِهبديه ومن والاه.
وبعد! فإن من أهم المقاصد الشرعية الحفاظ على حقوق الناس ومصالحههم،
وتأمي احتياجاتهم أفراداً وجماعات ،وتأمي ما يكفل لهم الحياة الآمنة المستقرة ،وما أرسل
الله الرسل بالشريعة إلا ليحقق مصال خلقه بكل أشكالها فإنه ِبم رؤوف رحيم.
والحقوق منها شخصية مثل حق التملك ،وحق حرية الاعتقاد ،وحق التعلم ،وحق
الحفاظ الآمن على النفس والعرض والمال ،وغيرها من الحقوق التي تكفل الإسلام ِبا ،بما
جاءت به الشريعة الاسلامية من أوامر ونواهي وحدود وآداب .ومنها حقوق مدنية وسياسية
واجتماعية واقتصادية ،وقد ساوى الإسلام بي الناس في هذه الحقوق.
وستتناول هذه المقالة دور المسجد الذيكان له دوركبير في المجتمع والقيادة ،فلم
يكن المسجد مجرد مكان لتأدية العبادة والشعائر ،بل كان له دور اجتماعي وسياسي
وتنظيمي وقضائي وثقافي وتربوي ،وأحدثت فيما بعد مؤسسات متعددة ،فيما لايزال له أثره
الكبير في المجتمع.
نريد في هذه المقالة بيان المعرفة الحقيقية للإسلام ،وإظهار دوره في المحافظة على
الحقوق الإنسانية والعدالة والمساواة بي الأفراد في الحقوق والواجبات سواء كانوا حاكمي
أو محكومي ،وإبراز دور المساجد في تجديد الفكر الإسلامي ،وتأمي الأمن والسلام
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
للمجتمع في ظل حماية حقوق الإنسان من الانتهاك ،سواء في علاقاته المحلية أو الدولية.
وعليه سنجد أن جميع المؤسسات الإسلامية الأخرى تنبثق من هذه المؤسسة الدينية لتشمل
كل المجالات الحياتية.
مشكلة البحث:
يريد الباحثان بيان المعرفة الحقيقية للإسلام ،وإظهار دوره في المحافظة على الحقوق الإنسانية
والعدالة والمساواة بي الأفراد في الحقوق والواجبات ،سواءكانوا حاكمي أو محكومي ،وإبراز
دور المؤسسات الإسلامية في تجديد الفكر الإسلامي ،وتأمي الأمن والسلام للمجتمع في
ظل حماية حقوق الإنسان من الانتهاك ،سواء في علاقاته المحلية والدولية ،لذا أراد الباحثان
أن يساهما ِبذه المقالة عسى الله أن يجعل ِبا النفع للعالمي.
أهداف البحث:
نبتغي من وراء هذه المقالة تحقيق الأهداف التالية:
-1معرفة الحقوق المستحقة للمجتمع الإسلامي ،والتي يجب حمايتها ليتمتع المواطنون
ِبا في ظل التشريع الإسلامي.
-2أهمية دور المسجد في المجتمع الإسلامي.
-3ذكر دور بعض المؤسسات الإسلامية كل حسب تخصصها.
منهج البحث:
إن طبيعة البحث المنتقى يستلزم اتهباع المنهجي الآتيي:
-1المنهج الاستقرائي :وذلك لاستقراء النصوص الواردة في السنة النبوية ،وحياة الصحابة
في اظهار دور الشريعة الإسلامية ومؤسساتها في المحافظة على حقوق الإنسان.
-2المنهج التحليلي :وذلك لتحليل النصوص النبوية ،ومن ثم الوصول إلى أهمية الإسلام
في تعزيز دور المؤسسات الإسلامية فيما يحقق سعادة الأفراد ويؤمن حاجياتهم وحقوقهم
وربطها بالواقع الراهن.
الكلمات المفتاحية :فضل المسجد ،ذكر الله ،صلاة الجماعة ،رياض الجنة ،الجمعة.
150
الفصل التاسع
___________________
كان بناء المسجد أول مهمة بدأ ِبا الرسول عند قدومه إلى المدينة المنورة،
ذلك لأن المسجد لم يقتصر دوره على العبادة فحسب ،بل كان مركزا لقيادة الدولة
الإسلامية ،يقوم فيه الرسول بإدارة الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية .فكان
المسجد مركز حكومة النبي ،فيه يقضي ويحكم بي الناس في المنازعات ،وفيه يعهقد الألوية
والرايا هت لقادةه حملاته العسكرية ،ويعقد عهود الولايهة للعمال على المناطق التي تدخل في
تبعية الدولة الإسلامية .وفيه كان يستقبل الوفود الأجنبية ،ومنه يرسل مبعوثيه كذلك
وحاملي رسائله إلى الأمراء والملوك والأباطرة المعاصرين ،وفيهكان يناقش مشاكل المجتمع
والدولة مع أصحابه ،بروح المعلم العظيم والقائد الملهم.
التاريخ، اجلنتبيا هغتيارلأتر مْجضر،يافلتا القرارات هذا المسجد البسيط اتُهخذت أعظم ففي
غرو إذاً أضاءت العالم ،ومنه خرجت شعلة النور التي مصائر وبدل ْت
إذا اعتبرنا بناء مسجد المدينة من أهم ركائز قيام الدولة الإسلامية .3من أجل ذلك استحق
الأنصار المديح والثناء في كتاب الله الكريمَ﴿ :واَلّ ِذي َن تَبَ َّوُؤوا ال َّداَر َواجِْليمَا َن ِمن قَجبِلِه جم
ُِيُبّو َن َم جن َها َجَر إِلَجيِه جم َوَلا َِي ُدو َن ِفي ُص ُدوِرِه جم َحا َجةً َِِّمّا أُوتُوا َويُجؤثُِرو َن َعلَى أَنُف ِسِه جم َولَجو
َكا َن ِِبِ جم َخ َصا َصةٌ َوَمن يُو َق ُش َّح نَجف ِسِه فَأُجولَئِ َك ُه ُم الج ُمجفِل ُحو َن﴾ ]الحشر.[9:
ومكن الله سبحانه تعالى لهذه الدولة الوليدة في الأرض ،فتوسع نطاقها من المدينة
إلى أنحاء الجزيرة العربية ،ومن ثم إلى الدول الكبرى في العالم ،فشكل هت الهجرة النبوية منعطفاً
جديداً في الدولة الإسلامية ،ثم بدأت الفتوحات التي غيرت مجرى التاريخ وعدلت وجهة
الدنيا .وأثبتت هذه الدولة أن نظام الحكم الإسلامي هو النظام الوحيد القادر على حل
مشكلات العالم.
151
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
فضل المسجد وأثره في المجتمع:
لبيان فضل المسجد وأهميته يجب توضيح ضرورهة الفهم الصحيح للتعاليم الإسلامية ،وخاصة
في الوقت الراهن الذيكثر فيه اضطراب الأمن في المجتمعات ،وحلت الفوضى والعنف تحت
مسمى الإسلام ،طعنا به من قهبل أعدائه ،فلابد من بيان حقيقة الإسلام وحقيقة المؤسسات
الإسلامية وبيان دورها الايجابي الفعال في رقي المجتمعات وتأمي حقوقهم.
فقد كان المسجد على مهر الأزمان رابطاً وثيقاً يربط أفراد المجتمع المسلم برابطة
الأخوة ،ويجمعهم على الصلوات المفروضات والجمعات وفي الأعياد أيضاً والمناسبات فقد
اإأهملرفهذوارعصجصتلاْهانلتواهله،فضاهأيلا،لِهالبصلفاْهاجأدمدمْحارقعسصجهاةةلهملن،تالْصعوضلودْيعحههوض،طقوفاءلب،علنْعذلهثهلممىِهباكاْخر.حصرمْلخفجهاعت،هطإههيهْهلنئوىلةهفأاا،هيبلْييفبمإهزاْيتهذْهسالههريهْأجروةصههدفحل،يدىلكالسْممْوُقههتفقيْههايزهرْللجَ:هخاْصلْلإهقًسمالااةلاالائهوملاهعركاصةْسنْشلتهتورياظةلنص،رلهاّاللملْيههلض ُْعصعيًْفللايْا،طههة »:ومخ4اذله،ط«ْداوككةًصميلأإههفنالةياهف
لا واسمه الجامع فهو الجامع لكل المسلمي.
وقد شرع الله لنا المساجد لأداء العبادات على الوجه الأكمل الذي يليق به
سبحانه لذلك جاء الثناء والمديح للذين يذكرون الله ويسبحونه ويمجدونه عير منشغلي عنه
بالتجارة ولا بالبيع ولا بالشراء راجي رحمته راغبي بثوابه واجتناباً لمخالفة أوامرهكذلك اتهقاءً
لعذابه ،وبذلك تزداد قلوب المؤمني إيماناً ،وتسمو نفوسهم عن مشاغل الدنيا ،فينالون
بذلك رضى الله سبحانه ويفوزون بمحبته ومن أحبه اللهكتب له القبول في الأرض فتحبهكل
الخلائق .لذلك تراهم في المسجد يقرأون القرآن ،يتدارسونه بينهم ويتعلمون منه ما جهلوا
حتى يكونوا أسوة حسنة للناس ،قرآناً يمشي على الأرض ،فيتأسى الناس ِبم قدوة صالحة
تقودهم إلى الجنة فالداخل إلى المسجد يراهم مثل خلية النحل ،ك ٌلّ يؤدي واجبه ومهمته،
حلقات حلقات .فهنا حلقة الذكر وهناك حلقة الفقه وهنالك حلقة العقيدة وبجوارها حلقة
الحديث وقريباً منها حلقة التفسير ،حتى لا يوجد نوع من أنواع العلوم إلا وتجد من يعلهمه
أو يتعلمه ،فأنت أمامكلية جامعة فيها من العلوم والمعارف ما لا يحصى ،وقد شجعنا رسول
152
الفصل التاسع
ااييللْْتْللتهلمهلموانئهسككهةتعفالي،ههىوبذهعذاْللكّلمرلهاهًكْمويوساتّحهللدالضفهرنيااسللمهونعْنلهليهههعبْنْ.يبهنههدعههْ،منطهرأيْإوهبملقيااًْن إنههبلزرليىطرأةاْتلبهْجههنعهةلعْ،يأمهلْونمهماالرلمْاسيسوْجتْلهسكيمهرانلْععةله،بهقههْوونمغسقهفبشاييهتلب»هْ:ي5م«.اتملرْهنحمْمْنةس،لبيووكحهتفطْتهرايّهقلْمالهً
لقد كان اجتماع المسلمي في الجمعة والجماعات كل يوم سبباً في تآلفهم
وتعاضدهم وزيادة الأواصر بينهم ،فمن تخلف عنها لمرض سألوا عنه وعادوه ،فإن مات
شيعوه وعزوا أهله وتعاهدوهم وكفلوا أولاده ،وإن أصابته مصيبة خففوا عنه وأعانوه ،فإن
كان جائعاً أطعموه وإن كان محتاجاً أقالوا عثرته.
وقد يدعو أحدهم بعض إخوانه إلى وليمة في بيته بحسب قدرته ،كانوا دائماً
متعاوني على البر والتقوى ،فكانوا بذلك نهعم المثل والقدوة ،وكانوا مصداقاً لقول المصطفى:
بههافليستهواهرهد ههواْملْح،موتىرا»ح6هم.ه ْم، له«مثسالئهرالْاملْْجؤهمنهس هدي قال :قال رسول اللهه : وعت هنعاالطنُهفْعهمْما هنمثبلهنالبْجهشسيرهد
ا ْشتكى همْنه ع ْضو تداعى إهذا
كذلككان المسجد مكاناً للفصل بي المتخاصمي ،يقضى فيه في النزاعات بي
الناس ،واستمر ذلك منذ عهد النبي الى خلفائه الراشدين ،تبرم فيه الأحكام وتقام الحدود.
وعندما يعرض على الأمة عارض من عدوان أو هجوم ،أو عند القيام بالفتوحات ،يتم تجهيز
الجيش وإعداده من عدد وعدة في المسجد ،تقُرباً إلى الله سبحانه وإعلاءً لكلمته ودرءً
للأخطار الْمحيقة بالديار ،ورغبة في نشر الإسلام في كل البقاع ،إرضاءً لله الخالق المقتدر
مالك الملك جل وعلا.
لذلك كان المسجد المكان الذي ت ْعقد فيه ألوية الجيوش للقادة المتمرسي في
القيادة والقتال ،الذين يتقون الله ويراقبونه في جميع تصرفاتهم ولا يلقون بأنفسهم ولا بجنودهم
إلى التهلكة .في المسجدكان الحاكم يضع الخطط العسكرية مع قادته الْمخلصي ،ويقومون
بإعداد الجيش وتدريبه على تنفيذ هذه الخطط متيقني تيقناً تاماً بأن النصر لا يكون بكثرة
عدد ولا عدة ولا تخطيط إنما يأتي النصر من عند الله العزيز الحكيم كنتيجة حتمية إن هم
153
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
أعدوا العدة الممكنة ،سائلي الله نصره الْمؤزر الذي وعد عباده المؤمني .قال تعالىَ﴿ :ولَا
َتِنُوا َوَلا تَحجَزنُوا َوأَنتُ ُم اجلأَ جعلَجو َن إِن ُكنتُم ُّمجؤِمنِ َي﴾ ]آل عمران .[139:وقال﴿ :إَِّن لَنَن ُصُر
ُر ُسلَنَا َواَلّ ِذي َن آَمنُوا ِفي اْجلَيَاةِ ال ُّدنجيَا َويَجوَم يَُقوُم اجلأَ جشَها ُد﴾ ]غافر.[51:
يقول الإمام ابن تيميه رحمه الله عن المساجد موضحاً ما كانت عليه في عهد
رسول الله :وكانت مواضع الأئمة ،ومجامع الأمة هي المساجد ،فإن النبي أسس
مسجده المبارك على التقوى ،ففيه الصلاة والذكر والقراءة ،وتعليم العلم والخطب وفيه عقد
الأولوية ،وتأمير الأمراء وتعريف العرفاء ،فيه يجتمع المسلمون عنده لما أهمهم من أمر دينهم
ودنياهم.7
لم تقتصر وظيفة المسجد ولم يكن دوره العبادة والذكر والتسبيح فقط ،بل كانت
له مهمات شتى يمكننا أن نستخلص منها ما يلي:
)1المدرسة :هو مدرسة يومية يتعلم فيها المسلمون أمور دينهم ،يتدارسون القرآن
ويحفظونه ،يفقهون منه ما أراد الشارع الحكيم لهم أن يفقهوا ،وكل بدوره ينقل ما علم إلى
من لم يعلم .وقد روي عن عثمان أن رسول الله قال« :خيركم من تعلم القرآن
وعلمه» .8لذلك نرى رسول الله يقرأ على أصحابه القرآن يعلهمهم المراد من أحكامه،
جهلوا من المقصود من الآيات والأحكام ،يأمرهم بالمعروف، جهداً في توضيح ما ولا يألو
لهم الطيبات ،ويحرم عليهم الخبائث ،كذلك يعلهمهم الفقه عن المنكر ،ويحلُ وينهاهم
والعبادات والمعاملات والعقيدة والفرائض ،وعلوم القرآن ،ينهل منه الناس ما يحتاجونه من
أمور دينهم ودنياهم ،لذلك أشرقت منه أنوار العلم والحضارة منذ صدر الإسلام ،وتخرج منه
القادة العظماء الذين فتحوا العالم بنور الإسلام ،وتخرج منه العلماء والدعاة الذين نذروا
أنفسهم وحياتهم لتعليم الناس وتوجيههم .وسهمي المسجد جامعاً لأنه يجمع الناس علىكلمة
الإسلام ،ويجمعهم على الصلوات والعبادات ،يوحدكلمتهم ومواقفهم تجاه القضايا التي قد
تعرض لهم في الحياة ،من خلال تعاملهم مع بعضهم ،أو مع الفئات الأخرى في المجتمع
كأهل الذمة من اليهود والنصارى .فقد تعلم الناس في المسجد الأخوة الصادقة في الدين،
154
الفصل التاسع
فأدوا الحقوق وأدركوا ما عليهم من واجبات ،وحفظوا حقوق غير المسلمي فتعاملوا معهم
تعاملاً يظهر سماحة الإسلام ورحمته لجميع أفراد المجتمع ،فكانوا أسوة حسنة ونبراساً صادقاً
لكل الفئات والملل ،مما جعل كثيراً منهم يدخلون في هذا الدين الجديد الذي يتساوى فيه
الحاكم والمحكوم ،الحُر والعبد ،الأبيض والأسود ،لا تفاضل بينهم إلا بالتقوى والتقُرب إلى
الله الخالق سبحانه ،فهو الذي يعلم ما ُيفون وما يعلنون.
)2ذكر الله :الذكر وحسن العبادة وهما الغاية الأهم لبناء المساجد فقد خصها الله
بقوله في سورة النورِ﴿ :في بُيُو ٍت أَِذ َن اََّّللُ أَ جن تُجرفَ َع َويُجذَكَر فِيَها اْجسُهُ يُ َسبِِ ُح لَهُ ِفيها بِالجغُ ُدِِو
َواجْلصا ِل ِ رجا ٌل لا تُجلِهيِه جم ِِتاَرةٌ َولا بَجي ٌع َع جن ِذ جك ِر اََّّلِل َوإِقاِم ال َّصلاةِ َوإِيتاِء الَّزكاةِ
اققَملوو«اأيياْيوُادًملنشْفكُْراأسيهبدوْأارولريَنو»نلوكسْنذيَ؟وقكجاككول»ركملوااقًَاوّ:تانيْللتَْحلجههتلَاجن«مّيَ:قفةلًَديللّد»ا«وْنستفُ:قبأينالواتهقكفِْ«حدلْميإوهْ:هوماِهويلين:رمِاًُ:دب«لجّهاهيلجُْقم،هولهقلُك،لدْيووُمومونأوللواُهفاْ:بكئهكوثإلهَْوولر»كأواىهجةًلْعقلأَرلْألابيجْموحهلِطكارأصه:نموْاْنوف؟تجُرهتهوه«»اْسفْمنك﴾ب؟هيقيْ،ما»هقف]ًاح»ميلولاان:لقاق»يلوا:ار«قطلُي:قلهو:ارق:ه6لْلقلول««:3ييوهعرأفبلْ-قنْياتوه«:وِه7هدليمنحلوقُْ3؟فيسونو[و؟»وَ.:لرنأنقْْ:ملاووقلاأاعكفْبوهاهألنوما:كلاّْ:أاجليهننههلبايلقيو«ايحفهوذْالستهأيْهأكوهلقهررشريْْمنوو،هلدِره:ةبنإوهلفيل؟هإنمىذ:اس»كابهالل،رعهأاوحبْققوساوجاانهوادمادّاللةًلوهءكال»:،:ه
لققفهْااأحجوْارْللشءرأً::هصْالوهدح،ه««اايكيْ؟مقوأقجو»ةأوشهِ.للقدن:ا:قلاقلهوفاْ:لده:كْلْيط«غليهبفًرأاْقمرفْ،وولاهلتلاووْأجو؟للنْعه:أ»ْمسَظلناق»مْْاءموفهقلليارأرا:أهْْلواوي:ه«هاياْرشْغ؟ق«قبكيوا»ةًلنىق،وواوِهقنبهقلأاْ:املشملل:لاد:جلهفيهوامكهمّْن«ليسمههلمهقهايينْموتالفهاع»ولرامروً9نلراذ.ه:ا،بئوهلنموكأْاو؟هةش»:أرأَدْفهنويقْلهماهاهاْلم»رأَْ:فمقوااله«فاايلةًنق»:كواللنْي«قوياوانقلس:أو:ههملمشْن«:دنفهفياْملقع،نكلْايوْيإههرنلمها:فا»
155
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
)3وع ُظ المسلمي وتوجيُههم :كان رسول الله يقهرئ الناس القرآن ،ويعلهمهم
أحكامه ومعانيه ،ويعظهم في الجمع وكثير من المناسبات كصلاة الخسوف والكسوف،
والاستسقاء والأعياد ،فقد شرع الله سبحانه الخطبة في هذه المناسبات ليبهي لهم أمور دينهم
من عبادات وأحكام ،ولتوجيه الناس وتزكية نفوسهم كل حي لأن النفوس بحاجة دائماً
للتزكية ،وإن الهمم بحاجة دائماً إلى شحذ ،عن جابر بن عبد الله ،أن رسول الله
قال :اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ،واتقوا ال ُشح فإن ال ُشح أهلك من كان
قبلكم ،حملهم على أن سفكوا دماءهم ،واستحلوا محارمهم» ،10وقد كان رسول الله
يف هسر لهم الرؤى أيضاً ،عن أبي سعيد الخدري قال« :قال رسول الله بينما أنا نائم
رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك ،ومر
علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره .قالوا ما أولته يا رسول الله قال الدين» .11كل
ذلك كان يحدث في المسجد.
)4الدور الاجتماعي :المسجد كالمنتدى فيه يجتمع الناس يتزاورون يمزحون يتحدثون
ويمرحون ،فإذا نودي للصلاة هبوا جميعاً لتلبية النداء ،فلا عمل أحب إلى الله من الصلاة
على وقتها .جاء رجل من الصحابة إلى رسول الله وطلب منه دابة يسافر عليها فأراد
ااأللتنْصبوان،يهدعأفبهقوناالولتيلمرهادا:زاحليحنماااقلروهةارل؟ستجوفكللاقفااوّيللل،لهطا،يلكنايهبحبُْيهمْلفهِخانلا،ط:رقهوا«.هلومكهاتلمْلنالهباتُيملهويرددذ اافْلل:هميإبهاصل«لإهنطإسهانفلاةىحا،لاعنُهماْنلوهوتأقنكد»و2اسع1لِ.بىدكي،انوهلأو،اهدنمونَانرقلضجةهورلاً»ابمقأاتانلملىثي:نالالبنويهبفميياع
علمه ،وتأسوا به فيكل حياتهم ،وفيكل الأمور التي تحدث لهم ،فكانوا بحقكالجسد الواحد،
إذا اشتكى منه عضو تداعى له كل الأعضاء بالسهر والحمى ،فإن احتاج أحدهم شيئاً
رأيت الناس يتسابقون لكفايته وإغنائه ،وإن طلب أحدهم مساعدة وجد المعونة من إخوانه.
يععْنْسنهله امبكهْربن،ةًعوهمممْنْرنكركرابضانيههتفايليلهْوهمحعانالجههقهةيمااأم،ههةخأ،يههنومكراْسننو اسلّتلارلللههفميْسلهًحمااقاجتهلسهه:ت،ره«ااولّمللمْنيْسفْلهومرمجاألهقخعياوْنماهةلم»مْس3لْهس1لهم.همكلْرباةًي،ظْفلهرمجه
ولا
اّلل
156
الفصل التاسع
)5وظيفة القضاء :في المسجد كان رسول الله يقضي بي الناس ،ويفصل بينهم
في خلافاتهم وتنازعاتهم ،فعن أم سلمة رضي الله عنها ،أن رسول الله قال« :إنما أنا
بشر ،وإنكم تختصمون إلي ،ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ،فأقضي له على
نحو ما أسمع منه ،فمن قضيت له بشيء من أخيه؛ فلا يأخذنه ،فإنما أقطع له قطعة من
النار» .14وقد درج الخلفاء من بعده على ذلك حتى قام المسجد مقام المحكمة ،يتولى فيها
القضاء من كان لذلك أهلاً ،وكان يتمتع بحكمة وعلم ودراية ،بأمر من الحاكم أو الوالي،
ويقضى فيها بالأحكام حداً أو تعزيراً.
)6إعداد اْليوش :كما أن المسجد كان مركزاً لانطلاق الجيوش وعقد الألوية ،وفيه
أيضاًكان القادة يعه ُدون هخططهم لخوض غمار المعارك ،وكان مقر قيادة أركان الجيش،
ومجلساً للشورى حيث يستشير القائد أولي الألباب والنهى في كل الأمور التي تحتاج إلى
المشورة فيما يحدث في مسيرةكفاحهم واجتهادهم ابتغاء مرضاة الله وثوابه.
)7ترسيخ وإقرار معنى العبودية لله سبحانه :المسجد هو مكان لعبادة الله وحده،
والتحرر من ك هل ما يشوب الإيمان من علائق النفس أو الأهواء أو الشرك ،حتى يستطيع
المؤمنون بالله إيماناً خالصاً أن ينطلقوا من المسجد لتحرير الناس،كل الناس من عبادة العباد
والمخلوقات ،لعبادة ر هب العباد والمخلوقات الخالق العظيم مالك الملك جل من خالق.
كان جنود الحهق ينطلقون من المسجد ليحاربوا أعداءهم إعلاءً لكلمة الله ،واثقي
بالنصر من الله العزيز الحكيم ،إذ بقول في محكم التنزيلََ﴿ :ي أَُيَّها اَلّ ِذي َن آَمنُوا إِن تَن ُصُروا
اََّّللَ يَن ُصجرُك جم َويُثَبِِ جت أَقج َداَم ُك جم﴾ ]محمد.[7:
وأخيراً وليس آخراً نذكر قول رسول الله في صحيح مسلم فيما رواه عن أبي
هريرة« :أح ُب البلاد إلى الله مساجدها ،وأبغض البلاد إلى الله أسواقها».15
ففي المساجد الذكر والعبادة والعلم والتقوى ،وفي الأسواق الغش والخداع والحلف
بالكذب ،فطوبى لمن أفاد من هعلمه فاستعمله في معاملاته وعقوده وبيعه ،فكان قدوة حسنة
لغيره من الناس .والله من وراء القصد.
157
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
المراجع:
ابن تيمية ،تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحنبلي الدمشقي.
(1416ه1995/م) .مجموع الفتاوى .تحقيق :عبد الرحمن بن محمد بن قاسم.
المدينة النبوية .المملكة العربية السعودية :مجمع الملك فهد لطباعة المصحف
الشريف( .د.ط).
أبو داود ،سليمان بن الأشعث ال هس هج ْستاِن( .د.ت) .السنن ،تحقيق :محمد محيي الدين
عبد الحميد .بيروت :المكتبة العصرية( .د.ط).
البخاري ،أبو عبد الله محمد بن إسماعيل .اْلامع المسند الصحيح المختصر من أمور
رسول الله وسننه وأَيمه المعروف بصحيح البخاري1422( .ه2001/م).
تحقيق :محمد زهير بن ناصر الناصر .بيروت :دار طوق النجاة( .ط.)1
الترمذي ،أبو عيسى محمد بن عيسى بن سْورة1395( .ه1975/م) .السنن .تحقيق
وتعليق :أحمد محمد شاكر جزء ( )2 ،1ومحمد فؤاد عبد الباقي جزء ( )3وإبراهيم
عطوة عوض جزء ( .)5 ،4مصر :شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي.
)ط.)2
عبد الشافي ،محمد عبد اللطيف1428( .ه) .السيرة النبوية والتاريخ اْلسلامي .القاهرة:
دار السلام( .ط.)1
مسلم ،ابن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري( .د.ت) .الصحيح .تحقيق :محمد فؤاد
عبد الباقي .بيروت :دار إحياء التراث العربي) .د.ط).
1طالبة الدكتوراه بقسم دراسات القرآن والسنة،كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية ،الجامعة الإسلامية
العالمية بماليزيا.
[email protected]
158
الفصل التاسع
2بروفسور بقسم دراسات القرآن والسنة،كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية ،الجامعة الإسلامية
العالمية بماليزيا.
[email protected]
3عبد الشافي محمد عبد اللطيف ،السيرة النبوية والتاريخ اْلسلامي( ،القاهرة :دار السلام ،ط،1
1428ه) ،ج ،1ص.167
4أخرجه البخاري –واللفظ له ،-أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ،الصحيح ،تحقيق :محمد زهير بن ناصر
الناصر( ،بيروت :دار طوق النجاة ،ط1422 ،1ه2001/م)،كتاب الصلاة ،باب الصلاة في مسجد
ال ُسوق ،ج ،1ص ،103رقم.477
5أخرجه مسلم بن الحجاج أبو الحسي القشيري النيسابوري ،الصحيح ،تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي،
(بيروت :دار إحياء التراث العربي ،د.ط ،د.ت)،كتاب ال هذكر وال ُدعاء والتوبة والاستغفار ،باب فضل
الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر ،ج ،4ص ،2074رقم.2699
6أخرجه البخاري ،الصحيح ،كتاب الأد هب ،باب رحمة الناس والبهائم ،ج ،8ص ،10رقم6011؛
ومسلم ،الصحيح ،كتاب الصلاةه ،باب تراحم المؤهمنهي وتعاطهفهم وتعاض هدهم ،ص،1999
رقم.2586
7ابن تيمية ،تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ،مجموع الفتاوى ،تحقيق :عبد الرحمن بن محمد بن
قاسم (المملكة العربية السعودية :دار الكتب العلمية1416 ،ه1995/م ،د.ط( ،ج ،35ص.39
8أخرجه البخاري ،الصحيح،كتاب فضائل القرآن ،باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه ،ج،6
ص ،192ص5027؛ أبو داود ،السنن،كتاب تفريع أبواب الوتر ،باب هفي ثواب قراءة القرآن ،ج،2
ص ،70رقم 1452؛ الترمذي ،السنن ،أبواب فضائل القرآن ،باب ما جاء هفي تعليم القرآن ،ج ،5
ص ،173رقم ،2907ص ،175رقم .2909
9أخرجه البخاري ،الصحيح،كتاب الدعوات ،باب فضل ذكر الله ،ج ،8ص ،86رقم.6408
10أخرجه مسلم ،الصحيح،كتاب البر والصلة والآداب ،باب تحريم الظلم ،ج ،4ص،1996
رقم.2578
11أخرجه البخاري ،الصحيح،كتاب الايمان ،باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال ،ج ،1ص،13
رقم23؛ ومسلم ،الصحيح،كتاب فضائل الصحابة ،باب من فضائل عمر ،ج ،4ص،1859
رقم.2390
159
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
12أبو داود ،سليمان بن الأشعث بن إسحاق ال هس هج ْستاِن ،السنن ،تحقيق :محمد محيي الدين عبد
الحميد( ،بيروت :المكتبة العصرية ،د.ت ،د.ط)،كتاب الأدب ،باب ما جاء في المزاح ،ج ،4ص،300
رقم 4998؛ الترمذي ،محمد بن عيسى بن سْورة ،السنن ،تحقيق :بشار عواد معروف( ،بيروت :دار
الغرب الإسلامي1998 ،م ،د.ط)،كتاب البر والصلة ،باب ما جاء في المزاح ،ج ،4ص،357
رقم .1991وقال" :هذا حديث حسن صحيح غريب".
13أخرجه البخاري ،الصحيح،كتاب المظالم والغصب ،باب لا يظلم المسلهم المسلم ولا يسلهمه ،ج،3
ص ،128رقم،2442كتاب الاكراه ،باب ،ج ،9ص ،22رقم 6951؛ مسلم ،الصحيح،كتاب البر
والصلة والآداب ،باب تحريم ظلم المسلم ،وخذله ،واحتقاره ودمه ،وعرضه ،وماله ،ج ،4ص ،1986رقم
،2564باب تحريم الظلم ،ج ،4ص ،1996رقم .2580
14أخرجه البخاري ،الصحيح،كتاب الشهادات ،باب من أقام البيهنة بعد اليمي ،ج ،3ص،180
رقم2680؛ ومسلم ،الصحيح،كتاب الأقضية ،باب الحكم بالظاهر ،واللحن بالحجة ،ج،3
ص ،1337رقم .1713
15مسلم ،الصحيح،كتاب المساجد ومواضع الصلاة ،باب فضل الجلوس في مصلاه بعد ال ُصبح،
وفضل المساجد ،ج ،1ص ،464رقم .671
160
الفصل العاشر
أثر مبادئ التمويل في البنوك الإسلامية على التنمية الاجتماعية
نعيم حنك1
ملخص
يهدف البحث إلى النظر في الدور التنموي للبنوك الإسلامية إقتصادييا أولا،
باعتباره الهدف الرئيسي للبنوك .ثم أثر ذلك الدور على المجتمع الذي يمارس فيه
البنك نشاطه التجاري .وتتلخص مشكلة البحث في أثر الدور الاقتصادي الذي
تقوم به البنوك الإسلامية على الحياة الاجتماعية من خلال مبادئه الرئيسية .وهي
أساليب استثمارية تميز النظام الإسلامي عن غيره ،والمتمثلة في نظام المضاربة
والمشاركة .وسنقتصر على هاتين الوسيلتين التي تعتبر أهم صور التمويل في
الاقتصاد الإسلامي .فنحاول استخراج تلك المبادئ الاقتصادية التي تحكم هاتين
الوسيلتين التمويليتين وانعكاس تلك المبادئ على التنمية الاجتماعية .ولن نتطرق
إلى الأدوات الأخرى مثل المرابحة والإجارة وغيرها ،وسيكون بحثنا من خلال
محاور متمثلة في مايلي:
المبحث الأول :واقع البنوك الإسلامية.
المبحث الثاني :دور البنوك الإسلامية في تمويل التنمية من خلال عمليات
المشاركة والمضاربة.
المبحث الثالث :انعكاس مبادئ الاقتصاد الإسلامي على الحياة
الإجتماعية.
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
الكلمات المفتاحية :البنوك الإسلامية ،التنمية الاقتصادية ،التنمية الإجتماعية،
المشاركة ،المضاربة.
مقدمة:
تعتبر السوق المالية أحد أهم الوسائط الفعالة في نشاط الإقتصاد المعاصر؛ لأنها
القناة الأهم التي توفر للمتعاملين الاقتصاديين ما يحتاجونه من سيولة مالية
وقروض وتمويل لمختلف مشاريعهم الاستثمارية .ولقد زاد الاهتمام بهذه الأسواق
المالية حديثا خاصة بين فقها الاقتصاد الإسلامي لتحديد ما يوافق الشرع منه
وما يخالفه ،وذلك لتجدد تلك العمليات وتطورها مع طلوع كل فجر نظرية
اقتصادية جديدة .وأيضا من أجل منح الفرص للمسلم للاستفادة من أرباح هذه
النشاطات ،مع ضمان أن تكون أرباحه حلالاً ومتوافقة مع ما يقره الشارع
االلرحسكيلم.كلووالأِمنانالالك َطّيِِسباابِتالاحوالْعاامللوامطلاصالِبحًاشإِِنرِيع ِِيبااوأتامْعراملإلوهاني،اعلِفيقمد﴾قا[الملؤتمنعوانل:ى،َ]﴿10:5ايأاقيااهال
في تفسيرها (والأمر في قوله :كلوا للإباحة ...وتعليق من الطيبات بكسب
الإباحة المستفادة من الأمر شرط أن يكون المباح من الطيبات ،أي أن يكون
المأكول طيبا ...والطيبات :ما ليس بحرام ولا مكروه) .2وذلك الأمر مبسوط
ومستفاض فيكتب الفقه وأحكام السوق القديمة والمعاصرة .إلا أننا لن نستطرد
في تلك الأحكام الفقهية ،وإنما نتطرق إلى الأثر الذي ينجر عن الدور الاقتصادي
الذي تحاول أن تعلبه البنوك الإسلامية في التنممية الاقتصادية وأثره على الحياة
162
الفصل العاشر
الاجتماعية ،من خلال النظر في المبتدئ الرئيسية للاقتصاد الإسلامي التي تقوم
عليها السوق المالية في البنوك الإسلامية.
المبحث الأول :واقع البنوك الإسلامية
أولا :مفهوم البنك الإسلامي
في اللغةكلمة بنك إيطالية الأصل Bancsحيثكانوا يضعون الأنواع المختلفة
من العملات التي يتعاملون فيها على موائد ذات واجهة زجاجية ،وكانوا إذا
توقف أحدهم عن أداء التزاماته قبل غيره حكم عليه بأن يحطم الجمهور مائدته
علنًا إمعاًًن في تحقيره ،ومنها اشتق الأصل من كلمة الإفلاس في جميع لغات
الدول الأوربية ،3جاء في المعجم الوسيط :البنك مؤسسة مالية لعمليات الائتمان
بالاقتراض والإقراض.4
أما تركيب الكلمة :البنك الإسلامي ،فمفهومه في العموم هي تلك
المؤسسات المصرفية التي تلتزم بالشرع في معاملاتها ونشاطاتها التمويلية والقرضية.
البنك في الاصطلاح:
جاء في تعريفها في اتفاقية إنشاء الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية" :تلك البنوك
أو المؤسسات التي ينص قانون إنشائها ونظامها الأساسي صراحة على الالتزام
بالشريعة ،وعلى عدم التعامل بالفائدة أخ ًذا وعطاء".5
-ومن التعاريف أيضا" :البنك الإسلامي هو مؤسسة نقدية مالية ،تعمل على
جذب الموارد النقدية من أفراد المجتمع وتوظيفها توظيًفا فعاًلا ،يكفل تعظيمها
163
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
ونموها في إطار القواعد المستقرة للشريعة الإسلامية ،وِبا يخدم شعوب الأمة،
ويعمل على تنمية اقتصادَيتها".6
-البنك الإسلامي هو "مؤسسة مالية مصرفية لتجميع الأموال وتوظيفها في
نطاق الشريعة الإسلاميةِ ،با يخدم بناء مجتمع التكامل الإسلامي ،وتحقيق عدالة
التوزيع ،ووضع المال في المسار الإسلامي".7
-البنك الإسلامي" :مؤسسة مصرفية تلتزم في جميع معاملاتها ونشاطها
الاستثماري وإداراتها لجميع أعمالها بالشريعة الإسلامية ومقاصدها ،وكذلك
بأهداف المجتمع الإسلامي داخلًيّا وخارجًيّا".8
من خلال هذه التعاريف المختلفة نجد أن البنك الإسلامي هو المؤسسة
المصرفية التي تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية في معاملاتها المصرفية ،وتركيب
الكلمة من مركبين البنك والإسلامي ،يعني إلتزام كامل المؤسسة بالأحكام
الشرعية وإن لم يكن في المعاملة المالية وإنما حتى في العلاقة الإنسانية التي تربط
أهل البنك الإسلامي بالمجتمع ،وهو من العلاقة الإجتماعيية التي سنتطرق إليها
في مباحثنا التالية.
ولكي يكتمل تعريف البنك الإسلامي ،وبالإضافة إلى الالتزام في نشاطه
ومعاملاته المختلفة بقواعد الشريعة الإسلامية ،وعدم الاستثمار أو تمويل أي
أنشطة مخالفة للشريعة .ولا بد من إضافة الالتزام ِبقاصد الشريعة في ابتغاء
مصلحة المجتمع الإسلامي ،ومن ثم العمل على توجيه ما لديه من موارد مالية
إلى خدمة المجتمع ،لإن القيم الأخلاقية والقواعد الشرعية تستلزم تقديم النصيحة
للعملاء والتشاور معهم لتحقيق مصالحهم الفردية في إطار المصلحة الاجتماعية.
164
الفصل العاشر
ثانيا :واقع البنوك الإسلامية الاقتصادي والاجتماعي.
في التقرير السنوي لمركز نماء المنشور على موقعه الرسمي أشار إلى( :أن التمويل
الإسلامي حقق تطورات كبيرة في سنة 2010م ،حيث تم إحصاء أكثر من
300مؤسسة مالية إسلامية موزعة على أكثر من 75بلدا في العالم .كما قدر
أن الأصول قيمت ب 1.3بليون دولار في 2011م ،وذلك ِبعدل نمو سنوي
متوسط 19في المائة ،وأشار إلى أن التمويل الإسلامي للمؤسسات الصغيرة
والمتوسطة وسيلة مهمة لدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كما جاء في التقرير بأن المالية الإسلامية تهدف بالأساس إلى محاربة
الفقر والإقصاء ،ودعم الشراكة والتشغيل ،كما أنها تروم تقوية الأخلاقيات
والعيش الكريم لكل مكوًنت المجتمع ،وأشار التقرير إلى أن المصارف الإسلامية
من خلال مبادئها الخاصة وأهدافها التي تختلف عن المصارف التقليدية ،يمكنها
أن تلعب دور الرَيدة في تحقيق التنمية المستدامة .وهذا من خلال تبني هذه
المصارف المسؤولية من جوانبها المختلفة خاصة الاجتماعية.
وذلك أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية هي التحدي الذي يواجه
جميع الدول في العالم الإسلامي الذي ينتمي برمته إلى مجموعة الدول النامية،كما
أنه لا خلاف بين جميع الاقتصاديين في أن عملية التنمية تحتاج إلى أعباء تمويلية
في جميع مراحلها وأن النهوض بالمجتمع منكبوة التخلف الاقتصادي والاجتماعي
يتطلب جميع القوى في المجتمع مادية ومعنوية .وكشف التقرير عن أن ما يميز
البنوك الإسلامية في مجال الأعمال المصرفية تحدي ًدا هو استبدال علاقة القرض
بعلاقة المشاركة ،وعلاقة الفائدة بعلاقة الربح ،وهذه العلاقة هي التي تحدث
التغيير الجذري في الأدوات والاهتمامات ،ومن ذلك يتبين الدور الهام الذي
165
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
يمكن أن تلعبه البنوك الإسلامية لتحقيق ما تطمح إليه الدول الإسلامية وشعوبها
من تقدم ونهضة واستقرار).9
من خلال التقرير تضح ذلك الترابط الموجود بين واقع البنوك الإسلامية
وأثرها على التنمية الاجتماعية.
المبحث الثاني :دور البنوك الإسلامية في تمويل التنمية الاقتصادية من خلال
عمليات المشاركة والمضاربة.
أولا :أركان الاقتصاد الإسلامي
لكل النظرَيت الاقتصادية أسس قائمة عليها وضعها أصحاب تلك النظرَيت.
من نظرية الاقتصاد الرأس مالية إلى النظرية الاشتراكية إلى نظرية زينك وغيرها.
وللاقتصاد الإسلامي أيضا مبادئ أساسية يقوم عليها ،وهي ثلاثة أركان
رئيسية ،10نتطرق إليها فيما يلي.
الركن الأول :الملكية المزدوجة
الملكية الخاصة التي يختص الفرد بتملكها وتملك رأس مالها دون غيره ،والملكية
العامة هي الملك المشاع لأفراد المجتمع فتحصل به المنفعة للجميع .والاقتصاد
الإسلامي على خلاف النظرية الماركسية والتقليدية يقوم على تلك الملكيتين في
آن واحد ،ويحقق التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة ،ويعترف بهاتين
المصلحتين ما لم يكن هناك تعارض بينهما .فيحرص الاقتصاد الإسلامي على
التوفيق بينهما إلى أبعد الحدود .أما لو حصل التعارض فإن الإسلام يقدم
166
الفصل العاشر
مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد .وفي الأدلة الشرعية الكثير ما يثبت هذا
المبدأ ويحققه ونذكر منها قوله صلى الله عليه وسلم (لا يبيع حاضر لباد)
11يعني أن يكون له سمساراً فيرفع السعر على الناس بأعلى مما لو باع البادي
بنفسه .12وقوله صلى الله عليه وسلم ( :لا تلقوا الركبان) 13فالمتلقي سيشتري
بسعر أقل وسيبيع الناس بسعر أعلى ،وهو فرد قد احارام الناس من الشراء من
الركبان أنفسهم بسعر أقل.
الركن الثاني :الحرية الاقتصادية المقيدة.
حَبّذ الإسلام نظام المنافسة الكاملة الشريفة الذي يمنع فيه الاحتكار ،والذي
يتحدد فيه ثمن السلع طبقاً لمساومات البائعين والمشترين دون تدخل من جانب
الدولة .إلا أن هذا كان في عصر صدر الإسلام حيث كانت صفات الورع
والتقوى والتدين لها السيطرة المطلقة على النفوس ،ثم أفتى الفقهاء السبعة في
المدينة بجوار تدخل الدولة لتسعير الحاجيات ووضع حد لجشع التجار ،ومنع
الغبن.
وبه يتبين أن مبدأ الحرية الاقتصادية أصبح مقيداً فيما يجيزه تشريع الإسلام من
نشاط اقتصادي اجتماعي للأفراد ،ولا يجوز للإنسان الخروج عليهكالتعامل بالربا
والاحتكار ،وهذه الحرية مطلقة غير محدودةكما في النظام الرأسمالي ،ولا هي غير
موجودة كما في النظام الاشتراكي ،وإنما هي مقررة ضمن حدود معينة ،بقول
الرسول « :دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض» .14وتقييد الحرية
الاقتصادية في الإسلام يعني إيجاد الضوابط الشرعية في كسب المال وإنفاقه
لتحقيق الكسب الحلال والنفع العام لأفراد المجتمع.
167
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
وخالف النظام الإسلامي النظام الرأسمالي الذي أطلق حرية الكسب
من غير قيود أو ضوابط ،وخالف النظام الاشتراكي الذي صادر الحرية فمنع
الناس من التملك .حيث أن الإسلام جعل هناك حرية اقتصادية ولكنها مضبوطة
بالشروط الآتية:
-الشرط الأول :أن يكون النشاط الاقتصادي مشروعا ،حيث أن الأصل في
الأشياء الإباحة إلا ما ورد النص بتحريمه ،فمساحة الحلال في الاقتصاد
واسعة ،ولكن بشرط أن لا تخرم نصاً يقتضي حرمة هذا النشاط الاقتصادي.
-الشرط الثاني :منع الإضرار بالآخرين ،حيث إن حق الفرد في التملك أو
الانتفاع بالملك ينظر إليه في الإسلام على أن الفرد عضو في الجماعة
المستخلفة عن الله في الأموال ،فلا يصح بداهة أن يكون التملك أو استعمال
الملك طريقاً للإضرار بالجماعة
-الشرط الثالث :منع الإسراف والتقتير :أوجب الإسلام الاعتدال في النفقة
لقوله تعالى﴿ :اوالا تاْجاع ْل يااد اك ام ْغلولاةً إِلاى عنِق اك اوالا تاْبسطْاها ك َّل الْبا ْس ِط
فاتا ْقع اد املوًما ماْحسوًرا﴾ [الإسراء.]17 :
وهي أهم الشروط التي نكتفي بذكرها لاعتبار الشروط الأخرى تندرج
تحت واحدة من هذه الشروط ،بشكل.
الركن الثالث :التكافل الاجتماعي
من الحقائق الثابتة أن أفراد النوع البشري يتفاوتون في الصفات الجسدية والنفسية
والفكرية ،وبناء على هذا التفاوت ،فإن هناك تفاوت سيكون في إيجاد نوعية
العمل ،وبالتالي مقدار الحصول على المال .وبالتالي سيكون هناك أفراد في المجتمع
معوزين ومحتاجين ،لا يجدون كفايتهم من المال الذي ينفقونه على حاجياتهم
168
الفصل العاشر
الضرورية .ولهذا جاءت عدة تشريعات إسلامية لتحقيق التكافل والتعاون وسد
النقص لدى أهل الاحتياج من أفراد المجتمع ،منها:
الزكاة لسد حاجات المعوزين ،إعطاء بيت المال لأهل الحاجات،
الإنفاق الواجب على الأقارب ومن تلزمه نفقته ،.النهي عن الإسراف والبذخ
تحقيقاً للتوازن الاجتماعي ومراعاة لنفوس المحتاجين ،شرعت الكفارات
والصدقات والقروض والهبات وصدقة الفطر والأضاحي والعقيقة وغيرها لتحقيق
مبدأ التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع.
مما سبق معنا من المبادئ الاقتصادية التي تعتبر أركان الاقتصاد
الإسلامي ،وباعتبار البنك أحد أهم الفاعلين في الاقتصاد الإسلامي ،حيث أنه
لا يتوقع حدوث النشاط الاقتصادي بكامل دورته بعيدا عن التعامل مع البنوك،
فإنه على البنك الإسلامي أن يمتثل لتلك المبادئ العامة .وخاصة منها التي تخدم
أفراد المجتمع بكافة أشكاله .خاصة وأن الفكرة الأساسية للبنوك الإسلامية قائمة
على المشاركة في المخاطر ،حيث أن البنك يعتبر مستثمر والمالك مودع ،فنتائج
ذلك النشاط الاقتصادي دائما تكون مشتركة بين البنك والعميل .وهذا ما يدفع
الطرفين على العمل من أجل تحقيق ذلك الربح الذي يكون بينهما ،وهي أحد
أهم الفروق بين البنوك التقليدية والإسلامية ،ومنه تحقيق عدة مبادئ في هذا
الجانب ،وهي الملكية المشتركة ،التكافل ،الابتعاد عن الحرام في التعامل.
ثانيا :التمويل بعمليات المشاركة والمضاربة
169
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
تتعدد وتتنوع الأنشطة التمويلية للبنوك الإسلامية ،فلا يقتصر نشاطها على
الأجل القصير كالبنوك التجارية ،أو على الأجل المتوسط والطويل كالبنوك
الاستثمار والأعمال.
وأساليب التمويل في البنوك الإسلامية متنوعة ،تتمثل أغلبها في التمويل
بالمشاركة ،والتمويل بالمضاربة ،وبيع المرابحة ،وبيع السلم ،والاستصناع ،والمتجارة،
والإجارة .على أن حدود بحثنا كما سبق معنا سيكون في عمليتي المضاربة
والمشاركة .ومنه سنورد ما يتعلق بهذين الأسلوبين في هذا الجزء من البحث.
أ -المضاربة أو (المقارضة):
يتمثل هذا الأسلوب في الشراكة في الربح بين رأس المال والعمل ،وتقوم
المضاربة عمليا بين أصحاب حسابات الاستثمار ،باعتبارهم مزودين للمال،
والمصرف الإسلاميكمضارب (الشريك العامل) ويعلن المصرف الإسلامي رغبته
في قبول أموال أصحاب حساب الاستثمار ،ويتم تحديد الأرباح في الاتفاق
المعقود بين الطرفين ،في حين يتحمل الخسائر مزود الأموال ،باستثناء حالات
سوء التصرف الإداري أو الإهمال أو انتهاك الشروط المتفق عليها من قبل المصرف
الإسلامي.15
ويصلح أسلوب المقارضة لتمويل مشروعات البنية الأساسية،
ومشروعات القطاع العام ،ذات العائد الإداري ،أي المشروعات العامة المولدة
للدخل ،وكذلك لمشروعات إنتاج سلع وخدمات قابلة للبيع في
السوق ،16ويلاحظ في الواقع العملي ضعف لجوء البنوك الإسلامية لهذه الصيغة
بسبب عدم قدرة البنك على الرقابة وقلة الأمانة لدى بعض العملاء .وتختلف
170
الفصل العاشر
أنوااع المضاربة من حيث الشروط ومن حيث رأس المال ومن حيث أطراف
المضاربة ِبكن أن وضحها في الجدول التالي.
تعتبر صيغة التمويل بالمضاربة من أهم الصيغ التمويلية الإسلامية ،حيث
يلتقي فيها أصحاب الأموال مع أصحاب العمل للقيام ِبشاريع مختلفة،
سواء صناعية زراعية أو تجارية وحتى الخدماتية منها .ولم تعد تقتصر على
التجارة فقطكماكان الحال سابقا.كما أنها تستخدم في مختلف الآجال،
قصيرة ،متوسطة وطويلة الأجل .هذا التنويع الذي توفره هذه الصيغة
جعلها محطة إقبال العديد من المشروعات خاصة الصغيرة والمتوسطة والتي
تعد أحد أهم تطوير اقتصادَيت الدول في الوقت المعاصر.
ب -التمويل بالمشاركة
يقصد بالتمويل بالمشاركة في البنوك الإسلامية ما يعرف في الفقه الإسلامي
بشركة العنان في رأس المال (شركة عقود بالأموال عنان .17وذلك في إطار
171
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
المعاملات المالية في الفقه الإسلامي .والمشاركة نوع من الشراكة بين المصرف
الإسلامي وعميله ،حيث يساهم كل من الطرفين برأسمال الشراكة بشكل
متساوي أو متفاوت لتأسيس مشروع جديد أو المشاركة في مشروع قائم .ويكون
كل من الطرفين مالك لرأس المال على أساس دائم أو متناقص ،ويحصل على
الربح أو يتحمل الخسارة بصورة متناسبة مع رأسماله.
وهذا النوع من الشركة جائز باتفاق الفقهاء .إلا أن الخلاف بينهم قائم
في بعض شروطها .لذلك نجد نوع من التشديد في التمويل بهذا الأسلوب في
الربح والخسارة ،باعتباره الهدف من تأسيس المصارف الإسلامية ،واستعماله يبقى
ًندرا بحيث يتم اللجوء إلى الأساليب الأخرى الشبيهة بالدين ،وهما المرابحة
والإجارة.
فالمشاركة في واقع التطبيق المصرفي هي تقديم المصرف والشريك (الزبون)
المال بنسب متساوية أو متفاوتة من أجل إنشاء مشروع جديد ،أو المساهمة في
مشروع قائم ،بحيث يصبح كل واحد منهما ممتلكاً حصة بنسبة معلومة في رأس
المال بصفة ثابتة أو متناقصة .ويكون ِبوجبها مستحقاً للحقوق ومتحملاً
للالتزامات ،مع توقيع عقد شرعي وقانوني بين الطرفين حاوَيً لكل الشروط
والحقوق والواجبات.
ومن مزاَي صيغة التمويل بالمشاركة ،أنها صيغة مرنة ومتعددة وشاملة لكل
عمليات التجارة المحلية والتصدير والاستيراد والتمويل الزراعي والصناعي والحرفي
والمهني ...الخ ،ويمكن تحديد أنواع وأشكال المشاركة كمايلي:
172
الفصل العاشر
المبحث الثالث :انعكاس مبادئ الاقتصاد الإسلامي على الحياة الإجتماعية.
حرصت الشريعة الإسلامية في أحكامها المتعلقة بالمعاملات المالية على الالتزام
بالضوابط الأخلاقية والشرعية .وبشكل عام تدخل الإسلام بهيكل السوق،
حيث حرم كل عقد يؤدي إلى الربا والظلم والغرر والغبن والتدليس .وفلسفة
الإسلام في ذلك أنها شروط أساسية للمنافسة الكفؤة الشريفة .وبطبيعة الحال
ينطبق هذا المبدأ على السوق المالية الإسلامية والبنوك الإسلامية ،أي السوق
المنضبطة بالضوابط الشرعية .ولم تقف الأحكام الشرعية عند الحد الاقتصادي
والفوائد المادية وإنما حرصت الشريعة الإسلامية أيضا على أن تكون تلك
الأحكام خادمة ومساهمة في التنمية الاجتماعية ،باعتبار المال وسيلة لسعادة
أفراد المجتمع وتحقيق مصالحهم الدنوية والدينية معا .وسنورد في ما يلي كيف
173
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
تنعكس تلك الأحكام الاقتصادية في عمليتي المشاركة والمضاربة على اتنمية
الإجتماعية.
-1مبدأ منع الاحتكار:
في الأسواق المالية المعاصرة تكثر المضاربات غير الأخلاقية من بعض
المتعاملين بالسوق المالي فيقومون بشراء الأوراق المالية وبيعها ،ليس بغرض
الاستثمار أو الإسترباح ،ولكن بغرض التأثير على الأسعار لصالحهم .وهذا ما
يؤدي إلى ظهور ميول احتكارية في هذه الأسواق ،لكن في السوق الإسلامية
لاتوجد مثل هذه المضاربات لأن الناظر في العقود الإسلامية يرى أنها عقود
تهدف إلى الاستثمار الحقيقي وليس الوهمي ،وعلى رأس تلك العقود عقود
المشاركات ،وقد الإسلام قد حرم الاحتكار ،فعن أنس بن مالك قال :قال :
«المحتكر ملعون والجالب مرزوق».18
فالمصارف الإسلامية من خلال اعتمادها على المشاركة كوسيلة للتمويل
تساهم بشكل كبير في القضاء على الاحتكار الذي تفرضه بعض الشركات
المساهمة على أسهمها ،فإن هذه الشركات تلجأ إلى إصدار أسهم عبارة عن
سندات بفوائد تمكنها من الحصول على رأس مال جديد وإبقاء أسهم الشركة
محصورة في يد المساهمين فقط ،أما المصارف الإسلامية فإنها لا تصدر تلك
السندات لما تحويه من محرمات أقر بها فقهاء الاقتصاد والشريعة الإسلامية.
والمحظور الشرعي فيها يأتي من الفائدة التي يعطاها أصحاب السندات ،فهي
زَيدة في قيمة القرض مقابل الأجل وهي عين ربا النسيئة .بل أنها أي -البنوك
الإسلامية -وبهدف زَيدة رأس المال والتوسع في أعمالها ،تفتح باب الاكتتاب
على أسهمها أمام جميع الراغبين في ذلك.
174
الفصل العاشر
والأثر الجتماعي في ذلك هي منح الفرص لجميع أفراد المجتمع من أجل
تحصيل الربح والدخول في العملية الاقتصادية ،ومنه تحقيق مسوات إجتماعية
من حيث مستوَيت الفقر والغنى.
-2مبدأ المساهمة الحقيقية في التنمية الاقتصادية:
إن من شروط تحقيق قيمة مضافة في الاقتصاد أن تكون الاستثمارات فيه
حقيقية ،وهذا ماتتميز به الأسواق المالية الإسلامية ،فالاعتماد على أسلوب
المشاركة يقتضي توفر عنصرين ،يفكران معا في اتخاذ القرار ويتحملان معا
مسؤوليته ،وليس فرد واحد هو من يفكر ويتحمل المسؤولية .وذلك لتحقيق ربح
حقيقي يتم اقتسامه بين الشريكين بالشروط المتفق عليها عند بداية العقد.
والأثر الاجتماعي من هذا المبدأ أنه لايوجد تناقض بين الأهداف الكلية
في التنمية الاقتصادية وآلية تعامل الأفراد في السوق الإسلامية .حيث يرتبط
تطور الأوضاع الاجتماعية بتطور الاقتصاد ارتباطا وثيقا ،على اعتبار أن الفقر
والعوز يأثر على الأخلاق الاجتماعية والآداب العامة للأفراد.
-3المشاركة في رأس المال العملية الاستثمارية:
في عمليات التمويل بالمشاركة يكون رأس المال يقدم بين الطرفين ،ويحدد
عقد المشاركة الشروط الخاصة بين الأطراف المختلفةِ ،با في ذلك حجم رأس
المال الذي يشارك بهكل كل طرف.
وتعرف المشاركة بأنها عقد بين طرفين يقدم كل منهما مقدارا معلوما من
رأس المال ،ويكون فيه الحق بالتصرف في المال تصرفا كاملا باعتباره شريكا
ومالكا له ،ويتم توزيع الربح حسب ما يتم الاتفاق عليه ببن الطرفين .أما الخسارة
فتوزع حسب نسبة المشاركة برأس المال.19
175
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
ويبرز الأثر الاجتماعي لهذا المبدأ في إعطاء الفرصة لصاحب الدخل الضعيف
للمشاركة في الاقتصاد والاستثمار ،ومنحه الفرصة للدخول لسوق العمل الذي
يحتاج رؤوس أموالكبيرة ،والذي يدر فوائدكبيرة أيضا .كما أنه يحق له التدخل
في شؤون تسييرها ،وأن يكون عضواً في إدارة مجلس شركة الاستثمار ،ما يمنع
تعسف أصحاب المال في التحكم في مصير من لا يملك رؤوس أموال كبيرة.
وفيه مساوات إجتماعية وإلغاء للفوارق التي تحددها قيمة رؤوس الأموال.
-4مبدأ المشاركة في الربح والخسارة:
عقد المضاربة من أكثر العقود أهمية للنشاط الاقتصادي الذي يعتمد على
المشاركة في الربح والخسارة .فعن طريق هذا العقد يمكن تمويل مشروعات إنتاجية
على مستوَيت حجم مختلفة ،ولقد اعتمدت البنوك الإسلامية على هذا العقد
من جهة تعبئة الأموال القابلة للاستثمار .وذلك بعد أن تم تطويره إلى ما يسمى
بالمضاربة المختلطة أو الجماعية حتى يتلاءم مع الأعداد الكبيرة من العملاء،
كذلك دعت ظروف النشاط المصرفي الإسلامي في ظروف التنافس مع النشاط
المصرفي التقليدي ،وتحت مظلة القواعد المصرفية السائدة إلى إتاحة قبول أموال
من العملاء على مدار العام دون تحديد لأوقات بعينها تبدأ فيها عمليات مضاربة
معينة أو تنتهي فيها ،ومن ثم فقد أصبح التلقي للأموال على أساس المضاربة
مستمرا دون توقف أو دون تحديد لبداية أو نهاية ،وهي صيغة مستحدثة تماما لم
تعرف في القديم ،ولكنها تظل مقبولة بشروط حتى لا تنحرف عما تقرره الشريعة
الإسلامية.
وبينما يرتبط التمويل التقليدي من البنوك بقدرة الأفراد أو المشروعات
على الوفاء بالدين وفوائده فإن التمويل بالمضاربة يرتبط مباشرة بالقدرة التنظيمية
176
الفصل العاشر
والنجاح في نشاط إنتاجي .فالبنك حينما يقبل مبدأ المشاركة في الربح أو الخسارة
داخل الإطار الإسلامي فإنه يقوم بتمويل رجال الأعمال الأكفاء والأمناء الذين
لديهم مشروعات واعدة.
وأظهرت النشاطات المصرفية الإسلامية أن صيغة المضاربة الجماعية أو المختلطة
نجحت نجاحا كبيرا في تجميع الموارد التمويلية ،أما من جهة نجاحها في تجميع
الموارد فذلك لأن صيغة المضاربة المختلطة المستمرة خفضت درجة المخاطرة التي
يتضمنها مبدأ المشاركة في الربح والخسارة إلى أدنى حد ممكن ،وسمحت بتوزيع
دوري للأرباح ،وهو الأمر الذي يتفق مع رغبات معظم العملاء.
والأثر الاجتماعي لهذا المبدأ يتمثل في تلبية رغبات جميع العملاء في
الحصول على الدخل طول أَيم السنة ،بحث أنه لا يمكن لرب العمل الذي دخله
محدود الانتظار لمدة طويلة حتى يتحصل على عائده ،بينما رجال الأعمال الذين
لديهم سيولة دائمة لا يهتمون متى دفع البنك وإن تأخر في ذلك طالما أنه سيتم،
وفيه عدالة إجتماعية لاعطاء رجال الأعمال الناشئين الضمان في الإقدام على
الاستثمار دون الخوف من انعدام السيولة مستقبلا.كما يحمي أصحاب الدخل
الضعيف من تحمل الخسارة وحدهم ،وذلك عكس ما يقوم عليه نظام القرض
مثلا.
-5حق التملك بالتخارج
تقوم المشاركة بين طرفين أحدهما المصرف وأي طرف أخر سواءكان فردا
أم شركة يكون فيها الحق للشريك أن يحل محل المصرف في ملكية المشروع المشترك
بينهما ،وذلك أما دفعة واحدة أو على دفعات .على أن لا يتم دفع نصيب
177
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
الفرد أو الشركة من الأرباح المتحققةكجزء من استرداد قيمة حصة المصرف أي
أن الشريك في النهاية سيتمكن من تملك المشروع بعد أن تمكن من رد التمويل
إلى المصرف.20
ويظهر الأثر الاجتماعي في هذا المبدأ في إعطاء الفرصة للضعيف في أن
التملك وتحسين حالته الاجتماعية بطريقة ميسرة من خلال التخارج الجزئي .وهو
طريق أيسر في التملك مقارنة بامتلاك شركة دفعة واحدة من خلال الشراء أو
الاقتراض ،لما يتطلبه من رؤوس أموال كبيرة ،أو من أعباء الديون .ومنه المساهمة
في القضاء على الفوارق الطبيقة بين المجتمع التي تحددها نسبة الغنا والفقر.
خاتمة:
تقوم المصارف الإسلامية بعمليات مختلفة تهدف جميعها إلى تدعيم التنمية في
المجتمع ،ويأتي الاستثمار في مقدمة العمليات ،وللاستثمار الإسلامي طرقا
وأساليب متميزة وعديدة تهدف كلها إلى تحقيق الربح الحلال .فالمسؤولية
الاجتماعية التي تقع على عاتق المصرف الإسلامي ،وهو مد يد العون والمساعدة
للمجتمع الذي يعمل فيه .باعتبار أن الاتصاف بصفة الإسلامي لا يقتصر على
الالتزام بالأحكام الشرعية في تعاملاته التجارية ،وإنما يتعدى ذلك إلى تعاملاته
مع مكوًنت المجتمع من مؤسسات وأفراد .وأهم ما يمكن أن يقحمه لأعضاء
هذا المجتمع هنا هو إبعادهم عن الاقتراض بالفائدة لذلك يتم منح أي فرد من
أفراد المجتمع المسلم هذا القرض سواءكان زبون المصرف أم لا.
178
الفصل العاشر
نتائج:
من خلال استعراض أساليب التمويل المعتمدة من قبل البنوك الإسلامية يتبين
أنها الأقدر على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وذلك لاعتبارات كثيرة
منها:
.1نظام التمويل بالمشاركة كما ينبغي أن يمارس في النظام المصرفي الإسلامي،
يعتمد أساسا على جدوى المشروع الاقتصادي والثقة في جدية صاحبه
وخبرته ،ومن تم تحقيق عدالة اجتماعية في منح الفرص.
.2تتوفر البنوك الإسلامية على قدرةكبيرة في توزيع المال من الموارد النقدية على
أفضل الاستخدامات لأغراض التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
.3المصرفية الإسلامية تتيح أدوات فعالة في توزيع الدخل القومي ،وهذا أمر في
غاية الأهمية لعدالة التنمية الاجتماعية.
.4أساليب التمويل في البنوك الإسلامية فعالة في تحقيق العدالة الاجتماعية
وحفظ التوازن الاجتماعي بين طبقات المجتمع ،من خلال إتاحة فرص
التملك.
.5النظام المصرفي الإسلامي القائم على المشاركة التي تشجع الإنتاج وتوزيع
دخل الأعمال الإنتاجية بشكل عادل وكفء .عكس نظام سعر الفائدة
الذي يشجع السلوك السلبي ،ومن ثم في توزيع الدخل على نحو غير عادل
بين الكسالى جهة وأولئك الذين يعملون ويواجهون مخاطر ومتاعب النظام
المصرفي الإنتاجي.
179
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
.6البنوك الإسلامية تساهم كذلك في تشجيع السلوك الإيجابي لدى الأفراد،
ذلك أن أسلوب المشاركة يقتضي توفر عنصرين ،يفكران معا في اتخاذ القرار
ويتحملان معا مسؤوليته.
قائمة المصادر والمراجع
-إدارة البنوك :مدخل كمي واستراتيجي معاصر ،فلاح حسن الحسيني ،دائر وائل للنشر،
عمان .ط2008 ،4م.
-البنوك الإسلامية في مواجهة الأزمات المالية ،أحمد شعبان محمد علي ،دار الفكر
الجامعي ،الإسكندرية ،دط2010 ،م.
-البنوك الإسلامية وأثرها في تطوير الاقتصاد الوطني ،أحمد النجار ،مجلة المسلم المعاصر
العدد.24 :
-البنوك الإسلامية ،محسن الخضيري ،مصر ،دار الحرية للصحافة والطباعة والنشر ،دط،
1990م..
-التحرير والتنوير ،محمد الطاهر بن محمد بن عاشور ،الدار التونسية للنشر تونس ،ط،1
1984م.
-دور المصارف الإسلامية في تعبئة الموارد المالية ،أحمد عبد الرحمن يسري ،المعهد الإسلامي
للبحوث والتدريب بجدة1990 ،م ،ندوة رقم.34
-دور المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في الإصلاح الاقتصادي .الاقتصاد
الإسلامي عبد الحميد محمود البعلي.دط ،دت.
-الربا والاقتصاد والتمويل الإسلامي :رؤية مختلفة .حامد الحمود العجلان ،مجلة المستقبل
العربي ،عدد 2010 ،382م.
180
الفصل العاشر
-فتح الباري شرح صحيح البخاري ،ابن حجر العسقلاني ،دارالرَين للتراث1986 ،م.
-الفقه الإسلامي وأدلته ،وهبة الزحيلي ،دار الفكر ،دمشق .ط1985 ،2م.
-المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي ،محمد عثمان شبير ،دار النفائس ،ع ِمان،
ط 2007 6م.
-المعجم الوسيط ،مجمع اللغة العربية ،مكتبة الشروق الدولية ،دط2004 ،م.
-المؤسسات المالية البورصة والبنوك التجارية ،الحناويصالح ،عبد السلام فتاح ،الدار
الجامعة،القاهرة،دط2000 ،م.
1أكاديمية الدراسات الإسلامية ،جامعة ملاَي الوطنية – ماليزَي[email protected] ،
2محمد الطاهر بن محمد بن عاشور ،التحرير والتنوير( ،تونس :الدار التونسية للنشر ،ط1984 ،1م)،
ج ،18ص.68
3محمد عثمان شبير ،المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي( ،ع ِمان :دار النفائس ،ط،6
2007م) ،ص.252
4مجمع اللغة العربية ،المعجم الوسيط( ،مكتبة الشروق الدولية ،دط2004 ،م) ،ج ،1ص.71
5إتفاقية إنشاء الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية ،الفقرة الأولى من المادة الخامسة ص.10
6محسن الخضيري ،البنوك الإسلامية( ،مصر :دار الحرية للصحافة والطباعة والنشر ،دط1990 ،م)،
ص.17
7أحمد النجار ،البنوك الإسلامية وأثرها في تطوير الاقتصاد الوطني ،مجلة المسلم المعاصر العدد،24 :
ص.163
8أحمد عبد الرحمن يسري ،دور المصارف الإسلامية في تعبئة الموارد المالية ،المعهد الإسلامي للبحوث
والتدريب بجدة1990 ،م ،ندوة رقم ،34ص.165
9انظر في ذلك الموقع الرسمي لمركز نماء على الشبكة العنكبوتية/http://nama-center.com :
10وهبة الزحيلي ،الفقه الإسلامي وأدلته( ،دمشق :دار الفكر ،ط1985 ،2م) ،ج ،7ص.4985
11البخاري ،الصحيح،كتاب البيوع ،باب هل يبيع حاضر لباد بغير أجر ،حديث رقم .2050:
181
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
12انظر ابن حجر العسقلاني ،فتح الباري شرح صحيح البخاري( ،بيروت :دار الرَين للتراث،
1986م) ،ص.2345
13نفس المصدر ،نفس الصفحة.
14مسلم ،الصحيح،كتاب البيوع ،رقم.2087
15حامد الحمود العجلان ،الربا والاقتصاد والتمويل الإسلامي :رؤية مختلفة ،مجلة المستقبل العربي ،عدد
2010 ،382م ،ص.40
16عبد الحميد محمود البعلي ،دور المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في الإصلاح الاقتصادي،
(القاهرة :دط ،دت) ،ص.61
17أحمد شعبان محمد علي ،البنوك الإسلامية في مواجهة الأزمات المالية( ،الإسكندرية :دار الفكر
الجامعي ،دط2010 ،م) ،ص.126
18جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي ،نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية1995( ،م)،كتاب
الكراهية ،فصل في البيع ،الاحتكار في أقوات الأدميين والبهائم ،ص.162
19الحناوي محمد صالح ،عبد السلام سعيد فتاح ،المؤسسات المالية البورصة والبنوك التجارية( ،القاهرة:
الدار الجامعة ،دط2000 ،م) ،ص.406
20فلاح حسن الحسيني ،إدارة البنوك :مدخل كمي واستراتيجي معاصر( ،عمان :دائر وائل للنشر،
ط2008 ،4م) ،ص.126
182
الفصل الحادي عشر
اختلال منهج المستشرق وليم ميور في كتابة السيرة النبوية
دراسة تحليلية
د .عبد الصمد شيخ1
إن سلوك المسلمين في حياتهم عامةً منحصر على مآثر نبيهم التي تعتبر قدوة ونمودجا
أمثل لطريقة الحياة .وهذا السلوك ليس بمحدد إلى حياتهم الفردية بل يشتمل على حياتهم
الإجتماعية وما يتبعها من المبادئ والأسس التي عليها قوام نظامهم .وهذه العلاقة بين
الأمة ونبيها لا نجدها في أية أمة إلا الأمة الإسلامية .وهذه هي الصفة التي تميز الإسلام
عن الأديان الأخرى بما نجد فيه من تفاصيل جزئية لجميع مراحل الحياة الفردية
والاجتماعية.
إن العالم الغربي لما نجح في استعمار البلاد الإسلامية في القرن الثامن والتاسع
عشر شعر بأنه مازال في بداية الطريق في مسخ الهوية الإسلامية ومحبتها من الشعوب
الإسلامية ولم ينجح في تاثير الشعوب المستعمرة بأفكارها الرائدة التي كان يعتبرها ثمرة
جهود القرون الماضية .ولما خاضوا مزيدا في القضية وصلوا إلى النتيجة بأن السبب الأكبر
لهذا الفشل هو محبة الأمة بنبيها ،وهذه المحبة في الحقيقة تدلي بها إلى اتباع كل ما أثر عن
نبيها ،وهذا هو رمز حياة عامة المسلمين ،فتوجهوا إلى إثارة الشكوك والشبهات عن
النبي دون دليل وأساس مع إشعار عامة الناس بأن هذه المفترضات هي مستندة
ومدعمة ومقتبسة من المصادر التي تعتبر اصيلة وأساسية عند علماء المسلمين .وظاهر
إحالاتهم كانت منتمية إليها لكنها كانت ملفوفة بالأكاذيب ومدسوسة بالخيانات.
وبتسمية هذه الأعمال أعمالا علمية تجرأوا على الهفوات والخزعبلات لتشكيك أذهان
عامة المسلمين ومثقيهم كي يتوافق الجو لنشاطات المبشرين .والمستشرق وليم ميور لعب
دورا كبيرا في هذا الصدد.
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
إن المستشرق وليم ميور قد عرف واشتهر بعمله على السيرة النبوية في النصف
الثاني من القرن التاسع عشر .وكان موظفا في شركة الهند الشرقية البريطانية التي استعمرت
البلاد آنذاك .إنه لم يكن ذا خلفية علمية عن علم التاريخ وحضارات الشعوب لكنه لما
رأى ماكان بالجو من الغزو الفكري بين المسلمين وغيرهم ،شمر عن ساعد الجد وتهيأ
للخوض والغمار في هذا الغزو .ولا شك أن المسلمين آنذاك كانوا متخلفين علميا
وحضاريا ومبتعدين عن تراث سلفهم فتأثروا بهذه الدعايات.
إن ميور قد ادعى في تقدمته لكتابه بأنه يتبع المنهج العلمي لكتابة تاريخ السيرة
ويتعول على المصادر الأساسية البدائية القديمة لتاريخ الإسلام ونبيه ،ويحاول أن لا
ينحرف عنها بأي حال ،لكنه في الحقيقة لم يف بقوله .لا شك أنه قد اعتمد في إحالة
وقائع السيرة وأحداث المغازي على المصادر الأولى لكنه انحرف في اتباع المنهج العلمي.
فالمنهج التاريخي العلمي الذي لا يتعب علماءُ الغرب من تنويهه واسترداده لم يُطبق في
كتاب ميور إلا بشكله البدائي وبالتعبير الأصح السطحي .ولعله كان في خاطره أمٌر أراد
دعمه وإثباته في مايسطر .لذا كثيرا ما نراه يترك الأخبار التي تثبُت بأقوي معايير النقد
التاريخي ،ويستشهد بالأخبار التي لا تتجاوز أدني معايير النقد العلمي .فكتابه هذا مليئ
بهذا التضاد الفاحش والتناقض الفاسد .وفي السطور التالية أنقل بعض أخطائه المنهجية
باختصار ضمن خمسة نقاط أساسية .وبالله التوفيق.
النقطة الأولى :التعصب وعدم حيادة المؤلف:
إن ما يق ِّّوي الأمر ثبوتا بأن ميور قد ألّف كتابه عن حياة محمد ( )لدعم أمر التبشير
التنصيري هو عدم محايدته في تأليف هذا الكتاب .وقد ادعي في تسميته أنه استقي مادته
الكأتاوبسها تنطب ائلأوعرونبيةتبِ.نّّيهولمنفيختَلسفمواقعنفمتَقسْلِدّفمهيهالتفيي
من المراجع العربية الأصيلة ،لكن مراجعة
مازالت مسيطرة على الأذهان الغربية وفي
إثارة نفس الإشكاليات التي لم تبن إلا على التعصب والجحود والإنكار.
184
الفصل الحادي عشر
،نري ميور في كثير من الأحيان أنه ينقل في كتابه صورة الواقعة من جهة واحدة
والقارئ في بادئ النظر.ولا ينقل صورتها من جهة أخري أو بأكملها كي لا يتضح الأمر
) لم ينصف( حينما يمر بقراءة هذه الأسطر تهتز مشاعره وقد يخطر على باله لعل محمدا
.)في هذه القضية بل تعدى (والعياذ بالله من ذلك
) بأهل مكة بعد هجرته إلى( يقول ميور في سياق كلامه عن علاقة النبي
:المدينة
“Vindictive thoughts died out of Mecca… The thoughts of
Mohammad, on the other hand, from the day of his flight, were
not thoughts of peace. In his Revelation vengeance was
threatened against his enemies — a vengeance not postponed to
a future life, but immediate and overwhelming even now.
Sheltered in his present refuge, he might become the agent for
executing the divine sentence, and at the same time
triumphantly impose the true religion on those who had rejected
it. Hostility to Koreish lay as a seed germinating in his heart; it
wanted but a favourable opportunity to spring up”.2
:ويقول ميور في سياق كلامه عن أمر بني قينقاع ما نصه
“As, one by one, they issued from the stronghold, their hands
were tied behind their backs, and preparations made for
execution. But 'Abdallah, fallen as he was from his high estate,
could not endure to see his faithful allies led thus away to be
massacred in cold blood”.3
:ويقول في سياقكلامه عن قضية قتلكعب ابن الأشرف ما نصه
“No further expedition took place this year; but I must not omit
to notice another of those dastardly acts of cruelty which darken
the pages of the Prophet's life” 4.
ويقول في سياق كلامه عن "المؤامرة التي فيها أن بني النضير هموا بأن يرموا
:) حتى ينتهي أمره (والعياذ بالله من ذلك)" ما نصه( الحجر على النبي
“But as he makes no mention of this in the Kor'an (which
dwells at some length on the siege), and there had been nothing
to excite the suspicion of his companions, the story is somewhat
185