نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
32انظر :الجمعية العلمية السعودية للدراسات الطبية الفقهية ،الفقه الطبي ،جامعة الامام محمد بن سعود،
ص.128
33الرملي ،شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة ،نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج( ،بيروت :دار
الفكر للطباعة) ،ج ،8ص.431
34انظر :الجمعية العلمية السعودية للدراسات الطبية الفقهية ،الفقه الطبي ،ص.128
35المرجع السابق ،ص.128
86
الفصل السادس
تقنية المعلومات وأخلاق المهنة
د .أكرم محمد زكي 1أ.د .محمد زكي خضر2
الملخص:
اهتم ديننا الحنيف بالأخلاق ،واعتبرها الأساس الذي ينطلق منه ،فقال عليه الصلاة
والسلام« :إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ،3فالمبادئ والقيم الإسلامية رغم إهمالها وإغفالها
وعدم تطبيقها فيكثير من المجتمعات الإسلامية ،فإنها ذات قيم سامية رفيعة تستحق الدراسة
والبحث للوصول إلى حل للعديد من المشكلات الأخلاقية في العالم الحاضر .ويهدف هذا
البحث إلى وضع معايير وأسس وقواعد أساسية عامة منبثقة من القواعد الإسلامية العامة
للعاملين في مجال تقنية المعلومات ،ومن هذه القواعد يمكن استنباط معايير خاصة لتقنية
المعلومات قابلة للتطبيق والتطوير ،كما يمكننا تقييم القيم الحالية في مجال تقنية المعلومات،
واكتساب قيم جديدة باستمرار في هذا المجال .اهتم هذا البحث بالحديث عن مفاهيم عامة
للأخلاق الإسلامية ،وأخلاقيات العمل فيما يتعلق بالبرمجيات الضارةكالفيروسات والكوكيز
وبرامج التجسس وبرامج السبام والقرصنة ومهاجمة المواقع والشبكات والمواقع الإباحية
والاحتكار واستعمال حواسيب الغير .يعطي البحث أفكارا عامة تصلح لأن تكون دليل
عمل للعاملين في حقل تقنية المعلومات وفي استعمالاتها.
الكلمات الجوهرية :تقنية المعلومات ،الأخلاق ،الأخلاق في الإسلام ،أخلاقيات العمل،
البرمجيات الضارة.
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
المقدمة
الخُلُ َق عبارة عن هيئة راسخة في النفس،كما أن الخُلُق منه ما هو حسن وما هو قبيح ،فإن
كان الصادر عن النفس فعلا جميلاً محمودا عقلا وشرعا سميت تلك الهيئة وذاك الفعل ُخلُقا
حسناً ،وإن كان الصادر عنها فعلاً قبيحاً سُمي خلقاً سيئًا .4ويعتبر الدين هو أساس هذه
الأخلاق ،حيث أن تطور الأخلاق على مر الزمن كان منبثقا من التعاليم الدينية .فنجد
قوله عليه الصلاة والسلام« :أحب الناس إلى الله أنفعهم ،وأحب الأعمال إلى الله عز وجل،
سرور تدخله على مسلم ،أو تكشف عنه كربة ،أو تقضي ديناً ،أو تطرد عنه جوعاً ،ولئن
أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلَيّ من أن أعتكف في المسجد شهراً» .5من هنا
جاء اهتمام المسلمين في الأخلاق لما لها من أثر بالغ على الحياة البشرية في الدنيا وفي الآخرة
كما قال عليه الصلاة والسلام« :ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة».6
في العادة تضع كل مؤسسة /منظمة /جمعية على عاتقها مجموعة من الأسس
والقواعد الأخلاقية العامة لتحديد السلوك داخل المجموعة ،وتوضح هذه القواعد تصرفات
الفرد وسلوكه تجاه المجموعة والحدود المقبولة والممنوعة في المجتمع الذي يعيش فيه .وقد ظهرت
مؤخراً على الساحة العديد من الدراسات في هذا الصدد.7
وعلى هذا فإن القواعد الأخلاقية تختلف عن القانون ،فبالنسبة للقوانين فإن المحاكم
هي التي تحدد ما يجوز وما لا يجوز وفق القوانين المنشورة في البلد ،وتطبق القوانين على
الجميع حتى وإن وجدت حالات فردية لا تتوافق معها ،لكنها ستضطر للخضوع للقانون
وتطبيقه.كما أن هناك إجراءات منتظمة من خلال المحاكم لتحديد القانون الذي يسري في
حال تعارض أحد القوانين مع الآخر .من وجهة النظر القانونية ،كل ما لم يعرف أنه خطأ
(غير مشروع) فهو صواب (مشروع) .وأخيراً فإن القوانين يمكن أن تنفذ وهناك طرق
لتصحيح الأخطاء فيها.8
88
الفصل السادس
مفاهيم عامة للأخلاق الإسلامية
يهتم هذا القسم بالإشارة إلى الأخلاق في الإسلام ،وموضوع أخلاقيات المهنة ،وأخيرا عن
الأخلاق في التقنية.
الأخلاق في الإسلام
اهتم ديننا الحنيف بالأخلاق ،واعتبرها الأساس الذي ينطلق منه ،فقال عليه الصلاة
والسلام« :إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» .9وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر:
«إن خياركم أحاسنكم أخلاقا» .10ويقول في حديث آخر« :إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه
درجة الصائم القائم» .11فنجد واضحاً اهتمام الإسلام بالأخلاق والحض عليها والتذكير
بها.
من هنا جاء اهتمام المسلمين بالأخلاق لما لها من أثر بالغ على الحياة البشرية في
الدنيا وفي الآخرة ،وصنفت في الأخلاق الكتب الكثيرة والمؤلفات العديدة حرصاً على اتباع
الأخلاق الحسنة واجتناب الأخلاق السيئة عملاً بقوله عليه الصلاة والسلام« :ما من شيء
أثقل في الميزان من حسن الخلق» .12ولا شك أن حياة الرسول هي المثال الحي للخلق
الحسن ،وقد وصفه الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيزَ﴿ :وإَِنّ َك لََعلَى ُخلٍُق َع ِظيٍم﴾
[القلم.]4:
وعلى هذا فإن الدين الحنيف يهتم بالأخلاق الحميدة؛ لأنها تهيئ الجو لإعمار
الأرض وعبادة رب العالمين اللتين هما الغاية من خلق الإنسان ،فحسن الأخلاق يخدم عمارة
الأرض التي استخلف الله الإنسان لعمارتها،كما يهيئ الأجواء الصالحة لعبادة اللهكما فرض
الله تعالى.
أخلاقيات المهنة
المهنة هي الوظيفة أو الحرفة التي يمتهنها صاحبها ويعمل بها والتي عادة ما تكون لطلب
الرزق ،يقول عمر بن الخطاب " :تعلموا المهنة فإنه يوشك أحدكم إن يحتاج إلى مهنة"،13
ولكل مهنة من المهن قيم ومبادئ ومعايير أخلاقية ومعرفة علمية وأساليب ومهارات فنية
تحكم عمليات المهنة وتحدد ضوابطها ،وللمهنة مجالات متعددة ووظائف معينة ،وقد تتداخل
89
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
مجالات المهنة ووظيفتها ومادتها العلمية ومهاراتها وأساليبها الفنية مع مهن أخرى ،وتعد
دراسة فلكسنر عام 141915من أوائل الدراسات في العصر الحديث في مجال المهن ،وقد
توصلت إلى معايير عدة ،أهمها أن يكون للمهنة قواعد أخلاقية تحكم عملياتها.
بالمقابل فإن التاريخ الإسلامي غني بالمؤلفات التي تبين اهتمام العلماء المسلمين
بأخلاقيات المهنة وآدابها وكتبوا عنها وخاصة الطبية منها ،فمنهم من أفرد لذلك كتاباً مثل
(أخلاق الطبيب) لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي (ت313هـ) ،15ومنهم من ض ّمنها كتبه
الطبية ،ومنهم من نقلت عنه نصوص مأثورة دونت في ترجمته كما في (عيون الأنباء في
طبقات الأطباء) لأحمد بن القاسم بن خليفة المعروف بابن أبي أصيبعة (ت668هـ) .16بل
حتى بعض الفقهاء أولى هذا الجانب أهمية ،فهذا أبو عبد الله محمد بن محمد المالكي المعروف
بابن الحاج (ت737هـ) ألّفكتابه (المدخل) ض ّمنه آداب الطبيب ،والتي تكاد تكون صورة
مختصرة لما هو متفق عليه في عصرنا .هذا فضلاً عما ألّفه علماء المسلمين في الأخلاق ،وهو
تراث ضخم قد لا يوجد مثله في أي حضارة أخرى.
الأخلاق والتقنية
لا شك أن انتشار استعمال التقنيات الحديثة وخاصة الحاسوب والإنترنيت والهواتف النقالة
أدى إلى دخولها في كل بيت تقريبًا ،بل واعتمادكثير من وسائل التعامل بين البشر عليها.
ويمكن حصر المتعاملين مع هذه التقنيات بصنفين من الأفراد .الصنف الأول هم المتخصصون
في حقل تقنية المعلومات .أما الصنف الثاني فيشمل كل الناس الذين يتعاملون مع تقنية
المعلومات مهما كان تخصصهم أو طبيعة عملهم .وكل صن ٍف من الصنفين يجدر به الالتزام
بالخلق القويم عند تعامله مع هذه التقنيات.
في مجال التقنية كان هناك صراع مباشر بين مصالح المؤسسات العاملة في التقنية
وبين المسؤوليات الأخلاقية تجاه المستفيدين .حيث إن الهدف الرئيسي لهذه المؤسسات هو
نجاح المؤسسة في استثمار الموارد المتاحة ،وجميع المعايير الأخلاقية لهذه المؤسسات تصب في
هذا الهدف وما يقف في طريقها يعتبر أمًرا ثانويًا .ومن هنا تبذل العديد من المنظمات التقنية
90
الفصل السادس
جهوداً لوضع هذه المعايير الأخلاقية والقواعد السلوكية لغرض رفع القيم الإنسانية داخل
المؤسسة.17
في السنوات الماضية في المجال التقني والصناعي تم مناقشة الأخلاق والسلوك
كقواعد وأسس في هذه المجالات ،وهذه الأسس والقواعد يجب أن تكون عامة وقابلة
للتطبيق بحيث لا تقتصر على منطقة جغرافية ،أو مقيدة بدين أو ثقافة بعينها.
وبشكل عام فإن هناك أربع مواضيع أخلاقية في تقنية المعلومات ،وهي:18
الخصوصية (حق الفرد في التملك والسيطرة على معلوماته الشخصية) ،والدقة (من هو
المسؤول عن السماح في استخدام؟ تغيير البيانات والمسؤول عن دقتها؟) ،والملكية (من يملك
المعلومات؟ من الذي يحق له استخدامها؟) ،حق الاستخدام /الوصول (ما هي المعلومات
التي لك الحق في جمعها؟ ماهي الضمانات؟) .لا شك أن هذه المواضيع مفيدة في النواحي
الاجتماعية ،فبناءً عليها تم وضع قواعد السلوكيات لعديد من المجالات التقنية :كالتعلم عن
بعد ،والعقود الإلكترونية ،والتجارة الإلكترونية ،المختبرات الإلكترونية ...الخ.
أخلاقيات العمل فيما يتعلق بالبرمجيات الضارة
يركز هذا القسم إلى عرض مواضيع المشاكل الأخلاقية في تقنية المعلومات ،وكذالك عن
برامج التجسس ،وفي الاخير يهتم هذا القسم في تصنيف وشرح مختصر عن البرامج الضاره.
المشاكل الأخلاقية في تقنية المعلومات
يعتبر موضوع جرائم الحاسب من المواضيع الهامة ،ويمكن تعريفه بأنه استخدام الحاسب الآلي
لارتكاب أعمال غير قانونية تسبب أضراراً مختلفة ،منها أضرار على برامج وبيانات وأجهزة
الحاسب ،وقد تكون لأغراض السرقة كسرقة البيانات وحسابات البنوك ،أو لغرض القرصنة
كاستخدام البرامج دون ترخيص ،وفك الشفرات الخاصة بالبرامج .أو استخدام أجهزة الغير
أو ذاكرات أجهزة أخرىكما تفعل بعض البرامج المؤذية،كما تعتبر الرسائل المؤذية الإعلانية
منها أو الابتزازية أيضاً من الأضرار .ويقوم بهذه الجرائم مؤسسات أو أفراد ،أو ما يعرف
بقراصنة الحاسب (الهاكرز) ،ويفعلون ذلك من أجل المتعة ،أو من أجل البحث عن المال.
91
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
وقد يكونون من هواة الحاسب ،أو من موظفي المؤسسة نفسها التي تواجه القرصنة ،أو من
موظفين سابقين ساخطين على المؤسسة.
ويمكن تلخيص أهم البرامج الضارة بما يلي :برامج القرصنة (كاستخدام البرامج
غير المرخصة أو استخدام برامج وأجهزة العمل لأغراض خاصة) .الفيروسات (وهي برامج
ضارة تدمر بيانات الحاسب أو تؤدي إلى حذفها أو اصابتها بالعطب) .الكوكيز (وهي
برامج تجمع بيانات عن الآخرين دون إذنهم وفي العادة لأغراض إحصائية أو بيع هذه
البيانات لجهات أخرى) .برامج التجسس (وهي برامج خاصة تحاول جمع معلومات عن
منظمات معينة أو أشخاص معينين).
والآن ما هو موقف المسلم تجاه هذا الموضوع؟ فالإسلام لا يقبل العدوان والأذى
على الآخرين بغير حق .فالمرء يكون آثمًا إذا ما آذى شخ ًصا بغير حق ،ونشر هذه الملفات
المؤذية عن قصد هو إثم كبير يحاسب الله عليه يوم القيامة .بل على المسلم أن يساهم في
مقاومتها ،وذلك بالمساهمة في نشر المعلومات التي تساهم في معالجتها والقضاء عليها.
برامج التجسس
تعتبر برامج التجسس ( )Spy Softwareهي تلك التي تقوم بنقل بيانات ومعلومات
عن البيانات الموجودة على الحواسيب التي تدخلها .وهي تنقل المعلومات التي تتحصل عليها
إلى منشئ تلك البرامج ،وهي تدخل الحواسيب عن طريق الإنترنيت دون إذن أو معرفة من
صاحب الحاسوب .والتجسس محرم بقوله تعالى﴿ :ولا تجسسوا﴾ [الحجرات.]12:
ويتبع للنقطة أعلاه موضوع الاختراق ،ويقصد به اختراق الأجهزة والحسابات
الشخصية للمستخدمين لغرض انتهاك الخصوصية أو الاتجار بها ،فالكثير من المخترقين
يتاجرون في بيانات المستخدمين وعناوينهم ومعلوماتهم الشخصية ،وهذا منهي عنه في الشرع
الحنيف فالنبي يقول« :ولا تحسسوا ولا تجسسوا».19
البرامج الضارة
92
الفصل السادس
يشرح هذا القسم أهم البرمجيات الضارة في حقل تقنية المعلومات مع شرح مختصر لكل منها،
وتبيان واجبات الفرد المسلم الذي يعمل في هذا الحقل فيما يتعلق بالبرامج أو المنتجات التي
يقوم بإنتاجها:
أ .الفيروسات ()Viruses
هي برمجيات صغيرة تكتب عن قصد من قبل من قام بتكوينها ،وتدمج مع برامج
معروفة ،أو مع رسائل البريد الإلكتروني ،وتنشر نفسها بنفسها بعد إطلاقها ،أي أن من
أرسلها يضع فيها خاصية الاستقرار في بعض الحواسيب والالتصاق مع برامج معينة أو
رسائل البريد الإلكتروني ،وإذا ما انتقل البرنامج أو البريد الإلكتروني إلى حاسوب جديد،
أصيب الحاسوب الجديد بالفيروس .بعض الفيروسات محدود الأذىكأن يعطي رسالة معينة
مثلا ،وبعضها شديد الأذى بأن يخرب برامج معينة أو يعطلها ،أو يعطل قرص خزن
المعلومات تماًما .معظم الذين ينشئون الفيروسات يقومون بذلك بغرض إشباع شهواتهم
بالقيام بأعمال ضخمة ،وبعضهم يهدف إلى الأذى لغيره ،وبعضهم يقوم بذلك عن قصد
لأذى محدد لجهة معينة .حيث يمكن نشر فيروس لا يعمل إلاّ على حاسوب معين ،أو على
برنامج معروف أنه مستعمل من جهة معينة .إن عملية تكوين الفيروسات بشكل عام عملية
مؤذية ،وهدي رسول الله ينهى عن أذى الغير ،كما أن هديه في تربية المسلم على أن
يحب لأخيه ما يحب لنفسه« :لا يُؤِم ُن أح ُدكم حتى يُِح َّب لأخيه ما يُِحب لنَـْف ِسه» .20وليس
هناك من يحب الأذى لنفسه إنكان ذا بصيرة وعقل ،فهو لا يحب الأذى لغيره .ويقول الله
سبحانه وتعالى في كتابه العزيزَ﴿ :وَلا تَـ ْعتَ ُدوا إِ َّن اََّّللَ َلا يُِحب الْ ُم ْعتَ ِدي َن﴾ [البقرة.]190:
ب .برامج لأغراض خبيثة
برامج الحاسوب هي وسائل لغايات معينة .فإن كانت الغاية محرمة ،أصبحت
الوسيلة المؤدية لتلك الغاية محرمة .فبرنامج الحاسوب الذي يقوم بالإدارة الآلية لتعبئة قناني
المصطفى اولخحا:مِمرلَ«أهيتااد،نخيواللـجَمبريضْحمُلُمنفولَقةَاالإحلليرايِهام،منحوظبمًاراُئدَِعإلهحَّنار،مالةلهَواُملْبعـغَتَّازايةَعوهاجال َ،تّليلَوَعوسَناضقِايَلعخهاممَ،رن،وأُموجَْعسلاتَهِقِايَصَ،هراهيا»ق1،و2ولُ.م ْعاتَلوحوابِصيَرضهابح،
وشاربَها،
أن منتج
93
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
البرامج لغرض الترويج للخمر ،أنه يدخل في الحديث الشريف .وكذلك برامج إدارة نوادي
القمار وتشغيل الأنظمة الربوية وما شابه ذلك.
أما الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله السند أستاذ الفقه المشارك بالمعهد
العالي للقضاء والخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي فيرى أنه إذا كان تدمير الموقع المدمر
يسبب ضرًرا على الدين والأخلاق ،فإن العلماء لا يرون الضمان على من أتلف ما يضر
بالدين والأخلاق ،مستشه ًدا بقول ابن قيم الجوزية" :وكذلك لا ضمان في تحريق الكتب
المضلة وإتلافها" .وتابع قائلاً" :فعلى هذا لا ضمان في تدمير الضار من هذه المواقع ،ولكن
قد يقال :إن تدمير هذه المواقع قد يؤدي بأصحابها إلى تدمير مواقع أهل الإسلام والمواقع
النافعةكمواقع الدعوة الإسلامية الصحيحة وغيرها ،فنقول :إن الأمر يقدر بقدره ،فإن من
شروط إزالة المنكر ألا يترتب على إزالته منكر أكبر منه فلا يزال.
من هنا ،فإن خلاصة الأمر أن القرصنة التي يقصد منها ما أشار إليه العلماء،
فهي مباحة شرًعا على من يستطيع ،أما إذا قصد منها الإضرار بالغير ،وسرقة أو إتلاف
ممتلكات الغير من مال أو فكر فهي لا شك محرمة شرًعا ،وتعتبر جريمة بكل معنى الكلمة؛
لأنها تغتصب حقوق الناس من خلال السطو والسرقة أو تدمير البيانات القيمة وتخريب
الأنظمة الحاسوبية والشبكات.
ج .الكوكيز ()Cookies
هي برمجيات صغيرة أو بريمجات تستعملها بعض الجهات التجارية أو غيرها
تدخلها إلى حواسيب من تتعامل معهم ،وتحوي بعض المعلومات التي تستفيد منها تلك
الشركات أو الجهات حينما يتعامل مستخدمو تلك الحواسيب مع تلك البرامج مرة أخرى.
وبالطبع فإن مثل هذه البريمجات يمكن أن تتعرف على الكثير من مواصفات الحواسيب التي
تستقر عليها وما تحوي من معلومات .وتحاول الشركات أو الجهات الرصينة أخذ موافقة
مالك الحاسوب قبل وضع مثل هذه البريمجات على حواسيبهم .إلا أن ما يحدث في كثير
من الأحيان أن المستخدم نفسه عن غير دراية منه قد اختار في نظام تشغيل حاسوبه خيار
أن يسمح لمثل هذه البريمجات دون تمحيص .وواضح أن حق استخدام حاسوب لشخص
94
الفصل السادس
لا يملكه لا يجوز إلا عن طيب نفس منه ،حيث يقول الرسول « :لا يَحل لامِر ٍئ مسلٍِم
دونَهم، فليَامخرئصمنفن َسماهِبلَدأعخويٍةِه قوًما يـَُؤم فقد دخ َل ،ولا فإن نظَر أن ينظَُر في دا ٍر حَتّى يَستأذ َن،
إلا ما يح ّل «لا حديث آخر: يقول في أفإعنطافهُعمَلنفقطدي ِخباننَهفم ٍ»س.2.32»2كما
د .برامج السبام )(Spam
وهي إرسال رسائل خاصة لأغراض تجارية لعددكبير من عناوين البريد الالكترونية.
وهذه العناوين يجري الحصول عليها من بعض الشركات التي تجمع عناوين البريد الإلكتروني
بوسائل شتى ثم تقوم ببيعها .إن عناوين البريد الالكتروني مفتوحة لمن يريد الحصول عليها
لكن تضمين هذه العناوين في قوائم وبيعها ،ومن ثم استعمالها من المشتري وإرسال رسائل
لأصحابها هو أمر يتعدى على خصوصيات مالكي تلك العناوين ،ويؤدي إلى إزعاجهم.
ولحد الآن ليس هناك علاج تام لمقاومة مثل هذه الرسائل المتطفلة ،لكن هناك بعض
المرشحات التي توضع على خوادم البريد الالكتروني ،وتقوم بحذف ما تستطيع حذفه من
هذه الرسائل .والخلق القويم يأبى أن يستعمل مثل هذه الوسيلة للترويج والدعاية.
ومن البرامج الضارة ما يعرف باسم القنبلة المنطقية ( )Logic Bombوهي
برامج مؤذية تبدأ بالعمل في وقت محدد من قبل منشئها ،أو في ظرف معين ،أو في حاسوب
معين (أو حواسيب معينة) ،ويجري توقيتها أو مكان عملها وفق برمجيات داخلها .ويمكن
أن يكون الأذى بمحو برامج معينة أو تعطيلها أو إحداث أضرار أخرى ،خاصة إذا كان
الحاسوب مرتبطا بأجهزة يقوم بتشغيلها كإنسان آلي أو آلة تحكم .ويمكن لمثل هذه البرامج
أن تنقل مرات عديدة دون أن يعلم بها من ينقلها ،ولا يظهر تأثيرها إلا حينما يحصل الهدف
المقصود منها ،بل وربما تنقل بواسطة الذاكرات المتنقلة دون حاجة لاستعمال شبكة
الانترنيت .إن إلحاق الأذى بالغير منهي عنه بقول الرسول « :لا ضَرَر ولا ِضراَر».24
ه .الاختراق ()Hacking
ليس هناك لحد الآن حماية مطلقة لأي حاسوب يرتبط مع الشبكة ،فكل برامج
التشغيل فيها بعض النواقص والأبواب الخلفية التي يمكن الدخول بواسطتها إلى الحاسبة من
95
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
قبل القراصنة الذين لديهم الخيرة والمعرفة بخفايا ذلك .مثل هؤلاء المتطفلين إذا كانوا ذوي
خبرة كافية ،يمكنهم الدخول إلى حواسيب غيرهم والحصول على معلومات قد تكون مهمة
أو ثمينة .بعض هؤلاء يقومون بذلك بهدف السرقة من خلال الحصول على أرقام حسابات
وتحويل أموال منها ،وبعضهم بهدف الحصول على معلومات أمنية أو تجارية أو غير ذلك.
وقد حرم الله السرقة وحدد عقوبة قاسية لها .ونتيجة مثل هذه القرصنة إن كانت السرقة فلا
تختلف عن غيرها من أنواع السرقة في تحريمها.كما أن المعلومات في بعض الأحيان قد تكون
أغلى ثمنا منكثير من الأشياء العينية لما لها من أثر من أذى ممن يفقدها أو يجري الاطلاع
عليها للغير.
و .المواقع الإباحية
يزيد عدد المواقع الإباحية على شبكة الإنترنيت عن %12من مجمل عدد المواقع
المتوفرة .وهي تجارة تبلغ عشرات المليارات من الدولارات .وتقف وراءها جهات تهدف نشر
الفساد في العالم ،وجهات أخرى تلهث نحو المال .وقد حرم الله الزنا وأوصى بعدم الاقتراب
منه فقالَ﴿ :ولاَ تَـْقَربُوا الِّزََن إَِنّهُ َكا َن فَا ِح َشةً َو َساءَ َسبِيلاً﴾ [الإسراء ،]32:فما يتعلق
بالمواقع الإباحية من نشر الصور وملفات الفيديو أو إنتاجها ،فكل ذلك محرم لأنه من
مقدمات الرذيلة والفاحشة.
ز .النسخ غير المشروع للبرامج
جاء في فتوى للجنة الفتوى بشبكة إسلام أون لاين :أما النسخ من أجل التعلم
فهذا جائز للضرورة ،بمعنى إذا صعب الحصول على نسخة أصلية ذات علامة مسجلة ،أو
كان سعر النسخة الأصلية غالياً مرتفعاً يفوق قدرة الإنسان المحتاج إليها المادية .فيجوز بناءً
على قول الله عز جل﴿ :إلا ما اضطررتم إليه﴾ [الأنعام ،]119:وقوله جل شأنه﴿ :فمن
اضطر غير با ٍغ ولا عاٍد فلا إثم عليه﴾ [البقرة .]173:ويقول الدكتور صبري عبد الرؤوف
أستاذ الفقه المقارن بالأزهر" :حاول يا أخي أولاً أن تحصل على نسخة بالطريقة الشرعية،
فإن لم تستطع فإنه يجوز لك أن تقوم بالنسخ ،بشرط ألا تبيع هذه النسخة للغير؛ لأنك إن
نسختها وبعتها فإن بيعها يكون حراما؛ لأنك قد بعت ما لا تملك عملا بقول الرسول :
96
الفصل السادس
«لا تبع ما لا تملك»؛ فما لا تملكه لا تبعه ،أما الاستفادة الشخصية من غير استثمار هذه
النسخة فلا حرج فيها ،خاصة وأنك لا تجد مثل هذه الإصدارات التي تعينك على فهم
تعاليم الإسلام والله أعلم.
ح .الاحتكار
تحتاج الحواسيب لعملها أنظمة تشغيل متخصصة .وقد قامت شركات الاحتكار
الكبرى مثل مايكروسوفت وأبل وغيرها بتطوير هذه الأنظمة واحتكار إصدارها وعدم نشر
خفاياها ودقائق محتوياتها ،وبسبب انتشارها تقوم الشركات المنتجة للبرامج بإصدار برامجها
بما يتوافق مع أنظمة التشغيل هذه .وهذا يزيد من قوة تلك الشركات الاحتكارية ويعزز من
قوتها.
ط .استعمال حواسيب الغير
كل الحواسيب المرتبطة بالشبكة معرضة للدخول إليها ممن يعرف خفايا الأبواب
الخلفية ونقاط الضعف في أنظمة التشغيل .ويمكن لمثل هؤلاء الأشخاص الدخول إلى
حواسيب غيرهم وتنفيذ برامج ضخمة عليها دون إذن أصحابها .وواضح أن مثل هذا العمل
بغير إذن صاحب الحاسوب لا يجوز شرعا.
ومن القضايا غير الأخلاقية أيضاً في مجال تقنية المعلومات :الاستخدام غير الملائم
للموارد التقنية (كاستخدام بعض الموظفين أجهزة الحاسب أثناء العمل لتصفح مواقع
الإنترنت التي لا علاقة لها مع عملهم) .بيع عناوين البريد الإلكتروني وعناوين الزبائن إلى
جهات أخرى .الاستخدام غير المشروع لأجهزة الغير (كاستخدام ذاكرة أجهزة أخرى عبر
الإنترنت) ،كذلك استخدام البرامج دون ترخيص ونسخها بشكل غير قانوني .أخيراً إضافة
الإعلانات للبرامج المجانية تعد أيضا من القضايا التي تسبب بطئ في الأجهزة بالإضافة إلى
عرض إعلانات غير مقبولة لدى المستخدم في أحيان أخرى.
ي .مهاجمة المواقع والشبكات
اشتهرت في الآونة الأخيرة محاولات لمهاجمة مواقع معينة بعدد كبير من
الأشخاص ،بحيث يقومون بالدخول إلى مواقعها ،أو إرسال رسائل نصية بما يزيد عن طاقة
97
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
تحملها ،مما يؤدي إلى تعطلها ،وهو ما يعرف باسم ( Denial of Service -
.)DOSويجري تجييش هؤلاء الأفراد من شخص أو جهة لهدف قد يكون سياسيًا أو
تجاريًا .هذه الوسيلة تشبه تجميع الناس في تظاهرات احتجاجية على جهة ما حول موضوع
ما .وقد وجد أن مثل هذه الوسيلة قد تنجح أحيانا في تعطيل الموقع المستهدف .وهنا يجدر
أن نشير إلى مصطلح جديد انتشر في الآونة الأخيرة هو "الحرب الإلكترونية" ،ورغم أن
موضوع الحرب الإلكترونية قد يكون أشمل من موضوع مهاجمة المواقع ،لكن الأخير يمكن
َما بِمِثْ ِل فَـ َعاقِبُوا َعاقَـْبـتُ ْم ﴿َوإِ ْن تعالى: قوله ذلك ويحكم أن يقع ضمن الحرب الالكترونية.
ُعوقِْبـتُم بِِه﴾ [النحل.]126:
الختام
لأول مرة في التاريخ تتم مناقشة الأخلاق والسلوك كقواعد وأسس في المجالات التقنية
والصناعية ،وهذه الأسس والقواعد يجب أن تكون عامة وقابلة للتطبيق بحيث لا تقتصر
على منطقة جغرافية ،أو مقيدة بدين أو ثقافة بعينها .لا شك أن الإسلامكان له أثركبير
على سلوك وحياة المسلمين ،فالإسلام يمثل ظاهرة فريدة ليس فقط كتعالم روحية بل إنه
سلوك وقيم وأخلاق وعلاقات تشكل جميع جوانب حياة المسلمين .حاول هذا البحث
وضع معايير أولية منبثقة من المبادئ الإسلامية العامة في عدة مواضيع تتعلق بتقنية المعلومات
بحيث تكون قابلة للتطبيق والتطوير ،وتشمل جميع مواضيع تقنية المعلومات بما فيها عملية
التطوير والإنتاج .كما يلخص البحث أهم القضايا غير الأخلاقية في مجال تقنية المعلومات
كالاستخدام غير الملائم لموارد التقنية ،وبيع عناوين البريد الإلكتروني ،وعناوين الزبائن إلى
جهات أخرى ،والاستخدام غير المشروع لأجهزة الغير ،واستخدام البرامج دون ترخيص
ونسخها بشكل غير قانوني.كما أن هناك العديد من المواضيع التي لا تزال بحاجة إلى دراسة
من قبل المختصين بتقنية المعلومات مع مشاورة مستمرة لعلماء الشرع كحكم العقود
الإلكترونية ،الصكوك البنكية الإلكترونية ،إثبات الملكية الخاصة ،التزوير الإلكتروني ،حل
النزاعات المتعلقة بتقنية المعلومات ،ووضع الأحكام المتعلقة بذلك وتقنينها لتصبح جزءً لا
يتجزأ من القوانين والأنظمة ،وغير ذلك مثل مسؤولية الأخطاء الناتجة عن أجهزة الحاسب،
98
الفصل السادس
مسؤولية الضرر الناتج ،وغيرها من المواضيع الحديثة التي تحتاج إلى بحث ودراسة .أخيراً
يوصي البحث بضرورة إيجاد مؤسسة أو هيئة شرعية تقنية لدراسة قضايا تقنية المعلومات
وإصدار الفتاوى المتعلقة بذلك.
1الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا،كوالالمبور ،ماليزيا[email protected] .
2الجامعة الأردنية ،عمان ،الأردن [email protected]
3رواه إبن عبد البر بإسناد صحيح.
4أحمد الغزالي ،إحياء علوم الدين( ،مركز اطلاعات ومدارك إسلامي.)1331 ،
5رواه الطبراني.
6رواه الدارقطني.
7الرازي ،أبو بكر محمد بن زكريا ،أخلاق الطبيب ،تحقيق :عبد اللطيف محمد العبد( ،بيروت :مكتبة دار
التراث1977 ،م)؛ وابن الحاج ،أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري المالكي الفاسي ،المدخل،
(مصر :مطبعة أديان لعلوم الدين1800 ،م)؛ وابن أبي أصيبعة ،موفق الدين أبو العباس أحمد بن القاسم
بن خليفة بن يونس السعدي الخزرجي ،عيون الأنباء في طبقات الأطباء( ،مصر1881 :م).
8أ .م .ز .محمد زكي خضر" ،المبادئ الأخلاقية الإسلامية للعاملين في مجال تقنية المعلومات" ،العدد،1
المجلة الدولية للتطبيقات الإسلامية في علم الحاسب والتقنية.2013 ،
9رواه ابن عبد البر بإسناد صحيح.
10رواه البخاري.
11رواه أبو داود وأحمد وابن حبان.
12رواه أبو داود.
13ابن الجوزي ،سيرة عمر بن الخطاب.
14 a. Flexner, “Is Social Work a Profession?,” Res. Soc. Work Pract., vol. 11,
no. 2, pp. 152–165, 2001.
15ابن الحاج ،المدخل.
99
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
16أ .م .ز .محمد زكي خضر" ،المبادئ الأخلاقية الإسلامية للعاملين في مجال تقنية المعلومات"،
العدد ،1المجلة الدولية للتطبيقات الإسلامية في علم الحاسب والتقنية.2013 ،
17أ .م .ز .محمد زكي خضر" ،المبادئ الأخلاقية الإسلامية في تقنية المعلومات وتطوير البرمجيات"
inالمجلة الدولية للتطبيقات الإسلامية في علم الحاسب والتقنية ،عدد .2013 ،3
18م .ز .و .خضر andأ .م .زكي" ،المبادئ الأخلاقية للعاملين في مجال تقنية المعلومات" ،المجلة
الدولية للتطبيقات الإسلامية في عمل الحاسب "والتقنية .النهضة العلمية, vol. 1, no. 1, pp. ،
1–9, 2013.م .ز .و .خضر andأ .م .زكي" ،المبادئ الأخلاقية الإسلامية في تقنية المعلومات
وتطوير البرمجيات" ،المجلة الدولية للتطبيقات الإسلامية في علم الحاسب والتقنيةvol. 3, no. 1, .
.pp. 106–113, 2013
19صحيح البخاري.
20صحيح البخاري.
21أبو داود والألباني في السلسلة الصحيحة.
22رواه الترمذي بإسناده حسن.
23ذكره النووي في المجموع بإسناد صحيح.
24المعجم الأوسط للطبراني والبيهقي مرسلا.
100
الفصل السابع
ضوابط التعامل مع النوازل والقضايا المستجدة
د .محمد شكيب القاسمي1
ملخص البحث
مما لا شك فيه أن فقه النوازل له أهميةكبيرة في حياتنا اليومية ،فلا بد من أن نعرفه بالدقة؛
لأنه يدل على كمال الشريعة ،وخلودها وبقائها ،وأنها صالحة لكل زمان ومكان ،فما من
نازلة من النوازل إلا ولها حكم في الشريعة ،فجاء بيان ذلك فيكتاب الله تبارك وتعالى وسنة
رسوله ﷺ في مواضع شتى ،فقال الله تعالى﴿ :الْيَ ْوَم أَ ْك َمْل ُت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوأَْتَْم ُت َعلَْي ُك ْم
نِْع َمِت َوَر ِضي ُت لَ ُك ُم الِإ ْسلاََم ِدينًا فََم ِن ا ْضطَُّر ِف ََمَْم َصٍة غََْْي ُمتَ َجانِ ٍف ِلِِإٍْْث فَِإ َّن اّلِلَ
غَُفوٌر َّرِحيم﴾ [المائدة .]3:ولأجل هذه الأهمية لفقه النوازل أرى من الواجب أن نعرفه ،وما
الضوابط التي يلزم للمجتهد أن يتبعها؟ وكذلك ما الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها؟ فتناول
هذا البحث تعريف فقه النوازل ،وبيان حكم الاجتهاد فيها ،وضوابط الاجتهاد في النوازل.
مقدمة
لقد م َّن الله عَّز وج َّل على أمتنا المحمدية بأن جعل شريعتها الإسلامية خالدًة ،وصالحةً لكل
زمان ومكان ،فلا ينضب معينها ،ولا ينفد عطاؤها ،فهي أبدا تفي بحاجات كل عصر،
وبمتطلبات كل دهر ،فمهما جدت تصرفات ،أو عقود ،أو معاملات بين الناس ،فلا بد
من أن نجد لها حك ًما في القرآن الكريم ،أو في سنة رسول الله ﷺ ،أو في غيرهما من مصادر
التشريع الإسلامي ،إما بطريق النص على حكمها ،أو بالقياس على مثلها لاشتراكهما في
علة الحكم ،أو بالدخول في قاعدة عامة أتى بها التشريع الإسلامي ،ولو لم تكن شريعة
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
الإسلام تحمل خاصية بيان الأحكام لكل ما يج ُّد من أفعال وسلوٍك للبشر فيكل عصر إلى
يوم القيامة لاحتاج البشر إلى رسوٍل جدي ٍد يُبَنِين لهم الأحكام ،وهذا أمر مستحيل؛ لأن الله
تبارك وتعالى حسم هذه المسألة ،وبَّين أن محمدا ﷺ هو خاتم النبيين والمرسلين ،فقال تعالى:
﴿َّما َكا َن مُحََّم ٌد أَََب أَ َح ٍد ِِمن ِِر َجالِ ُك ْم َولَ ِكن َّر ُسوَل اَّلِّل َو َخاَتَ الَنّبِيِِيَن َوَكا َن اَّلّلُ بِ ُك ِِل َش ْيٍء
َعِلي ًما﴾ [الأحزاب.]40:
يوجد في المجتمع الإسلامي بنُوسلهعذهامكأاننيحممنلواالمعطلوبءببيادائنًماال،أحوفكيامكاللشالرععيةصوللرن،ا أسن
في عباداتهم ،ومعاملاتهم ،في علماء
الأنشطة الإنسانية المختلفة من الاقتصاد والسياسة ،وغير ذلك من العلاقات.
إن فقه النوازل من أدق مسالك الفقه وأعوصها ،حيث إن الباحث فيها يطرق
المستجدة، فيها عن السلف قول ،بل هي من القضايا موضوعات لم تُطَْرق من قبل ،ولم يرد
مخ نِص ًصا إياه بالنوازل وحكمها وضوابطها. وأنا أريد أن أكتب في هذا الموضوع
مشكلة البحث:
تكمن مشكلة البحث في أن فقه النوازل ،والتعامل مع الأحداث المستجدة ،من القضايا
المعاصرة التي تتطلب من علماء الوقت عقلية سيالة ،بجانب العقلية العالمة ،وحتى لا يصبح
التعامل مع النوازل والأحداث لعبة في أيدي العلماء ،فيتصرفوا فيها كما يشاءون ،لا بد له
من ضوابط وقواعد ،فنحن نحاول من خلال هذه الورقة تقديم هذه الضوابط للتعامل مع
النوازل والأحداث المستجدة.
أهداف البحث:
سوف تسعى هذه الدراسة لتحقيق الأهداف الآتية:
.1التعرف على مفهوم فقه النوازل
.2بيان ضوابط الاجتهاد في النوازل ،وشروطه.
.3توضيح أحكام النوازل مع أنواعها.
102
الفصل السابع
منهج البحث:
اقتضت طبيعة الموضوع أن يستخدم الباحث في دراسته هذه المناهج التالية:
-1المنهج التحليلي :وذلك لتحليل آراء العلماء حول النوازل وأحكامها وشروطها
وضوابطها.
-2المنهج النقدي :وذلك لنقد وتمحيص أقوال العلماء حول النوازل وأحكامها وشروطها
وضوابطها.
المبحث الأول :تعريف فقه النوازل وأنواعها والمصطلحات المترادفة لها وحكم
الاجتهاد فيها
المطلب الأول :تعريف فقه النوازل لغةً واصطلا ًحا وأنواعها
لما كان فقه النوازل مكوناً من لفظين ،أولهما فقه وثانيهما النوازل ،فاقتضى المقام أن يذكر
هنا معنى كل لفظ لغة واصطلاحا.
الفقه في اللغة :الفقه لغة يطلق على العلم بالشيء والفهم له والفطنة ،وغلب استعماله على
علم الدين ،يقال :فقه يفقه فقها إذا فهم ،ومنه قوله تعالىَ﴿ :ما نَْفَقهُ َكثِْياً َِِّمّا تَُقوُل﴾
[هود.2]91:
الفقه اصطلاحا:
عرف الإمام الشافعي بأنه" :العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها
التفصيلية".3
وقد عرف الإمام أبو حنيفة بأنه "معرفة النفس مالها وما عليها".4
والتعريف المختار عندي هو التعريف الأول؛ لأنه أكثر جامعا لاشتماله على جملة
من الأحكام الشرعية الفروعية؛ وأكثر مانعا ،فخرج بالأدلة التفصيلية علم المقلد بالأحكام
الشرعية العملية عن أن يكون فقها؛ لأن المقلد لم يستدل على كل مسألة يعملها بدليل
103
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
تفصيلي .وأما التعريف الثاني فهوكان ملائما لعصر الإمام الذي لم يكن الفقه فيه قد استقل
عن غيره من العلوم الشرعية.5
النوازل في اللغة:
النوازل لغةً جمع نازلة ،وهي اسم فاعل ،وتطلق على المصيبة الشديدة من شدائد الدهر التي
تْنزل بالقوم .6وقال ابن فارس :النون والزاء واللام كلمة صحيحة تدل على هبوط شيء
ووقوعه ،7وتجمع على نوازل ونازلات.
النوازل اصطلاحا:
لم أجد عند العلماء المتقدمين تعريًفا للنازلة صراحةً ،وإنما استقيت من كلامهم في قنوت
النازلة أن النوازل هي مصائب وشدائد تنْزل بالناس فيشرع له القنوت.8
وأما المتأخرون والمعاصرون فهم اختلفوا في تعريفها على أقوال مؤداها واحد ،وهي
كما يأتي:
-1قد عرف ابن عابدين النوازل بأنها "الفتاوى والواقعات ،وهي مسائل
استنبطها المجتهدون المتأخرون لما سئلوا عن ذلك ،ولم يجدوا فيها رواية عن
أهل المذهب المتق ِدمين".9
-2وقد عرف الشيخ وهبة الزحيلي :بأنها "المسائل أو المستج ِدات الطِارئة على
المجتمع بسبب توسع الأعمال ،وتعقد المعاملات ،والتي لا يوجد نص
تشريعي مباشر ،أو اجتهاد فقهي سابق ينطبق عليها".10
-3وقد عرفها الشيخ مسفر بن علي بن محمد القحطاني بأنها "وقائع جديدة لم
يسبق فيها نص أو اجتهاد".11
-4وقد عرف الشيخ محمد الحبيب التجكاني بأنها "حادثة واقعية نزلت بالناس
في زمان ومكان معين سئل عنها ُمف ٍت من المفتيين أو إحالة من طرف
المحكمة على المفتيين".12
104
الفصل السابع
-5وقال الشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه بأنها "وقائع حقيقية تنزل بالناس
فيتجهون إلى الفقهاء بحثاً عن الفتوى ،فهي تمثل جانباً حياً من الفقه متفاعلاً
مع الحياة المحلية لمختلف المجتمعات".13
وكذلك عرفها كثير من المعاصرين بعبارات شتى ،لكن نكتفي بهذا القدر؛ لأن
التعريفات الأخرى لم تخرج عن هذا المعنى .وبعد تتبع التعريفات المذكورة للنوازل وصل
الباحث إلى أن التعريف المختار لديه هو" :وقائع جديدة وقعت فعلا أو يتوقع وقوعها ولم
يسبق فيها نص مباشر أو اجتهاد" .وذلك لأنه جامع للنوازلكلها وقعت فعلا أو ما وقعت
ولكن يتوقع حدوثها في المستقبل ،وهذا هو ما يتبادر إليه الذهن عند إطلاق هذا المصطلح.
تعريف فقه النوازل باعتباره علما ولقبا:
عرف محمد بن حسين الجيزاني :بأنه "معرفة الأحكام الشرعية للقضايا المستجدة الملحة".14
ومال الباحث إلى أن هذا التعريف غير واضح ،والتعريف المختار لديه هو" :معرفة الأحكام
الشرعية العملية للقضايا المستجدة المعاصرة والمكتسبة من أدلتها التفصيلية".
أنواع النوازل:
النوازل تتنوع باعتبارات شتى ،فمن هذه الاعتبارات:
تنقسم النوازل بالنظر إلى موضوعها إلى نوعين:
" -1نوازل فقهية :وهي ما كان من قبيل الأحكام الشرعية العملية.
-2نوازل غير فقهية :مثل النوازل العقدية؛ كظهور بعض الفرق والنحل ،والصور
المستجدة للشرك ومثل المسائل اللغوية المعاصرة؛ كتسمية بعض المخترعات
الجديدة".
تنقسم النوازل من حيث أهميتها إلى نوعين:
" -1نوازل كبرى :وهي القضايا المصيرية التي نزلت بأمة الإسلام ،وأعني بذلك تلك
الحوادث والبلايا التي تدبر للقضاء على المسلمين من قبل أعدائهم ،وما يتصل
بذلك من المكائد والمؤامرات والحروب المعلنة وغير المعلنة ،في شتى المجالات
العسكرية والفكرية والاقتصادية والسياسة والاجتماعية.
105
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
-2نوازل أخرى دون ذلك".
تنقسم النوازل بالنظر إلىكثرة وقوعها وسعة انتشارها إلى عدة أقسام:
" -نوازل لا يسلم -في الغالب -من الابتلاء بها أحد؛ كالتعامل بالأوراق النقدية.
-نوازل يعظم وقوعها؛ كالصلاة في الطائرة ،والتعامل بالبطاقات البنكية.
-نوازل يقل وقوعها؛ كمداواة تلف عضو في حد أو بسبب جريمة وقعت منه.
-نوازل قد انقطع وقوعها واندثرت ،وصارت نسيًا منسيًا؛ كاستخدام المدافع
والبرقيات في إثبات دخول شهر رمضان وخروجه".
تنقسم النوازل بالنسبة لجدتها إلى نوعين:
" -1نوازل محضة :وهي التي لم يسبق وقوعها من قبل ،لا قليلاً ولا كثيًرا ،مثل أطفال
الأنابيب.
-2نوازل نسبية :وهي التي سبق وقوعها من قبل ،لكنها تطورت من جهة أسبابها
والواقع المحيط بها ،وتجددت في بعض هيئاتها وأحوالها ،حتى صارت بهذا النظر
كأنها نازلة جديدة ،مثل بيوع التقسيط ،والعمليات الطبية الجراحية ،والزواج بنية
الطلاق".15
المطلب الثاني :مصطلحات مترادفة للنوازل
لقد أطلق الفقهاء على تلك المسائل المستجدة في عصورهم عدة ألفاظ ومصطلحات ،وقد
يعبرون عن النوازل بأسماء ومصطلحات أخرى ،ومن أشهرها ما يأتي:
-1الوقائع :ومفردها واقعة ،جاء في تاج العروس "الواقعة :النازلة الشديدة من شدائد
الدهر".16
-2القضايا :ومفردها قضية ،وهي مسائل يتنازع فيها وتعرض على القاضي أو
القضاء للبحث والفصل.17
-3الحوادث :ومفردها حادثة ،وهو شبه النازلة.18
106
الفصل السابع
-4المستجدات :ومفردها مستجدة ،وهي المسائل الحادثة التي لم يكن لها وجود من
قبل.19
-5المسائل :ومفردها مسألة ،سماها بعض العلماء بالمسائل20؛ لأنها تتناول قضايا
تطلب حلا.
المطلب الثالث :حكم الاجتهاد ِف النوازل
الاجتهاد في المسائل المستجدة واجب على هذه الأمة ،21والذي يبدو لنا أن حكمه يختلف
باختلاف الأحوال ووفق نوع المسألة ،فقد يكون واجباكفائيا ،وقد يكون واجبا عينيا ،وربما
يصير ندبا ،وقد يكون مكروها أو حراما .هذا حكمه على سبيل الإجمال .وأما حكمه على
سبيل التفصيل فينبغي أن يقسمه الباحث إلى ثلاثة أقسام :الأول :حكم الاجتهاد في
المسائل التي وقعت فعلا .والثاني :حكم الاجتهاد في المسائل التي لم تقع بعد ولكن يتوقع
حدوثها في المستقبل .والثالث :حكم الاجتهاد في المسائل التي لم تقع بعد ولا يتوقع حدوثها
في المستقبل.
حكم الاجتهاد في المسائل التي وقعت فعلا:
وهو من فروض الكفاية على العلماء القادرين عليه ،وهذا عند تعدد المجتهدين
وليس هناك خوف على فوت الحادثة ،ففي هذه الحالة إذا قام بالاجتهاد أحد المجتهدين
سقط عن الباقيين ،وبرئت ذمتهم وإلا أثموا جميعا لتقصيرهم في بيان الحكم الشرعي في مسألة
تحتاج إلى بيان الحكم ،وقد يكون النظر في نازلة ما واجبا عينيا إذا قامت الحاجة الشديدة
إلى معرفة الحكم والوقت ضيق أو أراد المجتهد أن يستنبط الحكم لنفسه حتى يصل إلى ما
يطمئن إليه قلبه ،وكذلك إذا سئل عن الحكم ولم يوجد هناك مجتهد آخر يقدر أن يجيب
عنه فيكون واجبا عينيا ،فإن ضاق الوقتكان على الفور ،وإلا على التراخي.22
حكم الاجتهاد في المسائل التي لم تقع بعد ولكن يتوقع حدوثها في المستقبل:
وقد يكون الاجتهاد مندوبا ،وذلك في حالة استنباط أحكام للحوادث التي لم
تقع بعد ولكن يتوقع حدوثها في المستقبل ،وكذلك الحكم فيما إذا استفتاه في مسألة قبل
وقوعها ،23ومثاله في السنة :عن المقداد بن الأسود أنه قال" :يا رسول الله! أرأيت إن لقيت
107
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
رجلا من الكفار ،فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف ،فقطعها ثم لاذ مني بشجرة ،فقال:
أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله ﷺ« :لا تقتله» ،قال :فقلت:
يا رسول الله! إنه قد قطع يدي ،ثم قال ذلك بعد أن قطعها ،أفأقتله؟ قال رسول الله ﷺ:
«لا تقتله فإن قتلته فإنه بمْنزلتك قبل أن تقتله ،وإنك بمْنزلته قبل أن يقولكلمته التي قال».24
وهذا ما يميز أهل العراق فهم توسعوا كثيرا فيها ،فكثيرا ما نجدهم يجتهدون في
القضايا الافتراضية ،ويهتمون ببحث الاحتمالات؛ وأما أهل الحجاز فهم لا يحبون الخوض
في الفرضيات ،ويرتكز فقههم على الوقائع المستجدة النازلة في وقتها ،وهذا هو الفارق المتميز
بين المدرستين ،25ولهذا لما سأل الإمام مالك رجل عراقي عن رجل وطىء دجاجة ميتة،
فخرجت منها بيضة ،فأفقست البيضة عنده عن فرخ أيأكله؟ فقال مالك :سل عما يكون
ودع ما لا يكون.26
حكم الاجتهاد في المسائل التي لم تقع بعد ولا يتوقع حدوثها في المستقبل:
وأما الاجتهاد في المسائل التي لا يتوقع وقوعها ولم تجر العادة بحدوثها ،فقد يكره
الاجتهاد فيها ،27فقد ذكر العلامة أبو شامة منسوبًا إلى الثعلبى والشافعي رحمهما الله في
كتابه" :الاجتهاد بمْنزلة الميتة ،لا يحل تناولهما إلا عند المخمصة" .28ولأنه اشتغال بما لا
ينفع ،وقد ورد في ذلك كثير من الروايات ،فقال رسول الله ﷺ« :لا تعجلوا بالبلية قبل
نزولها ،وقاربوا وسددوا؛ فإن عجلتم بها قبل نزولها فإنها سيسيل بكم السيل ههنا وههنا».29
وقال رسول الله ﷺ« :إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم ،فحرم من أجل
مسألته» ،30وربما يصير حراما إذا كان الاجتهاد في مقابلة نص قاطع من كتاب أو سنة،
وفي مقابلة الإجماع للقاعدة الأصولية "لا اجتهاد في مقابلة النص" ،وكذلك إذاكان من غير
المجتهدين؛ لأن اجتهادهم حرام.
108
الفصل السابع
المبحث الثاني :شروط وضوابط الاجتهاد ِف النوازل
شروط الاجتهاد ِف النوازل:
يشتمل الاجتهاد على النوازل وغيرها من المسائل ،ولذا شروط الاجتهاد كلها تنطبق على
الاجتهاد في النوازل ،وأهم هذه الشروط ما يلي:
-1الإحاطة بمدارك الأحكام وأدلتها.
-2العلم بمقاصد الشريعة على كمالها ،فقال الإمام الشاطبي" :إنما تحصل درجة
الاجتهاد لمن اتصف بوصفين( :أحدهما) فهم مقاصد الشريعة على كمالها،
و(الثاني) التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها".31
-3ومعرفة اللغة العربية على وجه يتيسر له به فهم خطاب العرب ،وعاداتهم في
الاستعمال.32
-4المعرفة التامة بأصول الفقه؛ لأن هذا العلم هو عماد فسطاط الاجتهاد ،وأساسه
الذي تقوم عليه أركان بنائه ،33فقال الإمام الرازي" :إن أهم العلوم للمجتهد علم
أصول الفقه" ،34وغيرها من الشروط المهمة.
ووجود هذه الصفات في الإنسان على الكمال من قبيل المتعذر ،لكنكلما كمل فيها كان
منصبه في الاجتهاد أعلى وأتم ،ويكفي في ذلك أن يكون مجتهدا على الأقل في المسألة التي
ُعنر َض ْت عليه وتناول فيها بالنظر ،وذلك أن وجود المجتهد المطلق أمٌر قد َوَلّى زمانه ،لذلك
قد أجاز العلماء بتجُّزؤ الاجتهاد.35
وهناك بعض الضوابط للاجتهاد لا بد أن يراعيها المجتهد في النوازل كل حين،
وكذلك هناك آداب ينبغي للمجتهد التأدب بها عند تصديه للاجتهاد في النوازل ،فحاولت
أن أذكر أهمها بالاختصار.
109
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
ضوابط الاجتهاد ِف النوازل:
الضابط الأول :أن تكون النازلة من المسائل المتوَقّنع وجوُدها:
ينبغي للمجتهد أن يتأكد أن هذه المسألة من المسائل التي قد نزلت أو يتوقع
وقوعها وليست من المسائل الغريبة أو مستبعدة الحصول؛ لأن الأصل في المسائل النازلة
وقوعها وحدوثها في واقع الأمر ،ولذلك يكره الاجتهاد في المسائل التي لا يتوقع وقوعها ولم
تجر العادة بحدوثها؛ لأن النظر فيها لا ينفع ،وأما إذاكانت المسألة يتوقع حصولها فيستحب
له الاجتهاد فيها والبحث فيها ،كما أشار إليها الإمام ابن قيم رحمه الله "والحق التفصيل،
فإن كان في المسألة نص من كتاب الله أو سنة عن رسول الله ﷺ أو أثر عن الصحابة لم
يكره الكلام فيها ،وإن لم يكن فيها نص ولا أثر ،فإنكانت بعيدة الوقوع أو مقدرة لا تقع
لم يستحب له الكلام فيها ،وإنكان وقوعها غير نادر ولا مستبعد ،وغرض السائل الإحاطة
بعلمها ليكون منها على بصيرة إذا وقعت استحب له الجواب بما يعلم ،لا سيما إن كان
السائل يتفقه بذلك ويعتبر بها نظائرها ،ويقرع عليها ،فحيثكانت مصلحة الجواب راجحة
كان هو الأولى ،والله أعلم".36
الضابط الثاني :أن يحصل للمجتهد التصور التام والفهم الصحيح الدقيق للنازلة:
إن فقه النوازل من أدق مسالك الفقه وأعوصها ،حيث إن الباحث فيها يطرق
موضوعات لم تطرق من قبل ،ولم يرد فيها قول عن السلف ،بل هي قضايا مستجدة ،فلا
بد له أن يبذل جهده ويستفرغ طاقته في فهم صورة النازلة فه ًما دقيًقا ،ومعرفة حقيقتها في
الواقع ،وعلى المجتهد في النوازل أن يعرف الدراسات السابقة وما كتب حول تلك المسألة
النازلة ،وأيضا لا بد له من تحديث المعلومات لفهم النازلة فه ًما صحي ًحا ،خاصة في عصرنا
هذا ،عصر التجدد الذي نشاهد فيه تجددا كل يوم ،ونبتلي بمختلف أنواع النوازل التي تْنزل
بساحتنا ،لا يكفي لنا أن نعتمد على أقوال السلف فحسب ،بدون إعادة النظر فيها
والتفكير فيها من جديد؛ لأن أقوالهم كانت تبتني على أحوال عصرهم ،وقد تغيرت اليوم،
لذا نجد الفقهاء يصرحون" :من جهل بأهل زمانه فهو جاهل".
110
الفصل السابع
ومن المعلوم أن بعض الفتاوى تتغير بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال ،ومن
أجل ذلك جاءت قاعدة مشهورة "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان" ،ما أحسن ما قال
الشيخ يوسف القرضاوي" :يجب ألا ننسى أننا في القرن الخامس عشر الهجري ،لا في القرن
العاشر ،ولا ما قبله ،وأن لنا حاجتنا ومشكلاتنا التي لم تَ ْعنر ْض لمن قبلنا من سلف الأمة
وخلفها ،وأننا مطالبون بأن نجتهد لأنفسنا ،لا أن يجتهد لنا قوم ماتوا قبلنا بعدة قرون ،ولو
أنهم عاشوا عصرنا اليوم ،وعانوا ما عانينا ،لرجعوا عن كثير من أقوالهم ،وغيروا كثيًرا من
اجتهاداتهم ،لأنها قيلت لزمانهم ،وليس لزماننا" ،37ولك ْن للأسف الشديدكثير من الباحثين
لا يزالون على التصورات الأولى ،والبقاء على التصورات الأولى للنازلة أمر خطير ،وجب
على المجتهد في النوازل أن يجتنب عنه .والمقصود أن تصور النازلة أمر مهم ،فلا بد له من
بذل جهده في فهم صورة النازلة فهما دقيقا.38
الضابط الثالث :التأمل في الفتوى والتحري فيما يجتهد فيه:
إن هذه الصفة يلزم وجودها في المجتهد في النوازل ،فإذا أفتى بغير أن ينظر بالدقة،
ويجيب بالعجلة ،فقد يخطئ الصواب ،ويقع في محذور ،فلا بد له أن يراعيها.39
والكتب مليئةٌ بعبارا ٍت تح ُّث على التثبت والتحري في الاجتهاد وعدم الاستعجال
في الإجابة ،منها ما كان الإمام مالك رحمه الله يقول" :ما أجبت في الفتوى حتى سألت
من هو أعلم مني".40
وكان ابن مسعود يُ ْسأَل عن المسألة فيتفكر فيها شهرا ،ثم يقول« :اللهم إن
كان صوابا فمن عندك ،وإن كان خطأ فمن ابن مسعود».41
الضابط الرابع :مراعاة العرف الجاري:
يلزم على المجتهد في النوازل أن يراعي عرف الناس؛ لأنه يعتبر مصدراً أساسياً
للاجتهاد ،42وقد وضع الأصوليون
كثيرا من القواعد الأصولية استناداً على العرف ،منها" :العادة محكمة" ،43و"الثابت
بالعرف كالثابت بالنص"،44
و"المشروط عرفاًكالمشروط شرعاً" ،45و"المعلوم بالعرف كالمشروط بالنص".46
111
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
ومما ثبت أن الإمام الشافعي رحمه الله لما نزل بمصر غَيّر بعض الأحكام التي كان
قد ذهب إليها وهو في العراق لتغير العرف ،والإمام مالك بنىكثيرا من أحكامه على عمل
أهل المدينة ،وكثير من الأحكام مبنية على العرف في الفقه الحنفي ،فمما لا مرية فيه أن
اختلاف العرف له أثره في اختلاف الحكم ،فلا بد للفقيه من معرفة العرف الجاري.
الضابط الخامس :أن لا تكون النازلة من المسائل القطعية:
يجب على المجتهد أن يتأكد أن هذه النازلة ليست من المسائل القطعية ،فلا يجوز
فتح باب الاجتهاد في حكم ثبت بدلالة القرآن القاطعة ،47مثل وجوب الصيام على الأمة،
ووجوب الصلوات الخمس ،وتحريم الخمر ،وغيرها من المسائل القطعية.
ومن المستحسن أن يشار إلى مجال الاجتهاد ،فقال الإمام الغزالي رحمه الله" :كل
حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي" ،48فالأحكام الشرعية بالنسبة للاجتهاد نوعان :ما يجوز
الاجتهاد فيه ،وما لا يجوز الاجتهاد فيه.49
الضابط السادس :أن يحصل للمجتهد العلم بالحق أو الظن به قبل الحكم في
النازلة:
يجب على المجتهد إما أن يكون عالما بالحق أو غالبا على ظنه في النازلة ،فإن لم
يكن عالما بالحق ،ولا غلب على ظنه لم يحل له أن يفتي ،ولا يقضي بما لا يعلم ،ومن أفتى
دون علم أو ظن غالب فقد أضاف إلى الله تبارك وتعالى قولا غير سليم وارتكب أعظم
المحرمات ،50وجاء في القرآن الكريم بيان ذلك في مقامات شتى ،فقال الله تبارك وتعالى:
قُ ْل إَِّنَا َحَّرَم َرَِِّب الَْفَوا ِح َش َما ظََهَر ِمْن َها َوَما بَطَ َن َوالِإْْثَ َوالْبَغْ َي بِغَِْْي اْْلَِِق َوأَن تُ ْش ِرُكواْ
َِبّلِِل َما ََلْ يُنَ ِِزْل بِِه ُسْلطَاًًن َوأَن تَُقولُواْ َعلَى اّلِِل َما لاَ تَ ْعلَ ُمو َن[ الأعراف .]33:وقال
أيضا :إَِّنَا ََيُْمُرُك ْم َِبل ُّسوِء َوالَْف ْح َشاء َوأَن تَُقولُواْ َعلَى اّلِِل َما لاَ تَ ْعلَ ُمو َن
[البقرة.]169:
الضابط السابع :استشارة أهل الاختصاص:
ينبغي للمجتهد أن يهتَّم بالمشورة ،فيستشير من أهل الاختصاص ويستوضح
منهم؛ لأن رأي الجماعة أقرب إلى الصواب من رأي الفرد ،وربما يحفظ شخص ما يغيب
112
الفصل السابع
عن غيره ،وقد تبرزه المناقشة والمشورة ،جاءت في القرآن الكريم آيات واضحة تح ُّث عليها،
منها قوله تعالى :فَا ْسأَلُواْ أَْه َل ال ِِذْك ِر إِن ُكنتُ ْم لاَ تَ ْعلَ ُمون[ النحل ،]43:وقال الله تبارك
وتعالىَ :و َشا ِوْرُه ْم ِف الأَْم ِر[ آل عمران ،]155:وقد كانت الصحابة رضي الله عنهم
يشاورون فيما بينهم ،حتى كان عمر بن الخطاب يشاور ابن عباس وهو إذ ذاك
أحدث القوم سنا ،51فإنكانت المسألة متعلقة بالطب مثلا لا بد له أن يرجع إلى الأطباء،52
ومن هنا جاءت أهمية الاجتهاد الجماعي في النوازل المعاصرة.
الضابط الثامن :الافتقار إلى الله والدعاء بما يناسب:
ينبغي للمجتهد أن ينبعث من قلبه شعور بالافتقار إلى الله في أن يلهمه الصواب،
ويوفقه لطريق الهداية .53فقد جاء في الحديث« :اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر
السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة ،أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون،
اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ،إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».54
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن شيخه ابن تيمية رحمه اللهكانكثير الدعاء بذلك،
وكان إذا أشكلت عليه المسائل يقول" :يا معلنَِم إبراهيم علنِمني" ،ويكثر الاستعانة بذلك
اقتداءً بمعاذ بن جبل حيث قال لمالك بن يخامر السكسكي" :إن العلم والإيمان مكانَهَُما،
من ابتغاهما وجدهما ،اطلب العلم عند أربعة :عند عويمر أبي الدرداء ،وعند عبد الله بن
مسعود ،وأبي موسى الأشعري ،وذكر الرابع ،فإن عجز عنه هؤلاء فسائر أهل الأرض عنه
أعجز ،فعليك بمعلم إبراهيم صلوات الله عليه".55
وكان بعض السلف يقول عند الإفتاء" :سبحانك! لا علم لنا إلا ما علمتنا ،إنك
أنت العليم الحكيم" ،56وقد يوجد في كثير ممن يفتي في النوازل ضعف الصلة بالله تبارك
وتعالى ،وعدم الافتقار إليه ،فلا بد لهم من أن ينظروا إلى الله مستغنيا عن الناس ،وعليه أن
يوجه وجهه ،ويحدق نظره إلى منبع الهدى ومعدن الصواب ومطلع الرشد ،وهو النصوص
من القرآن والسنة وآثار الصحابة ،فيستفرغ وسعه في تعُّرف حكم تلك النازلة منها.
الضابط التاسع :ذكر الأدلة للحكم:
113
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
ينبغي للمجتهد في النوازل أن يذكر الأدلة للحكم وحججه ما أمكنه ذلك تطميناً
لقلب السائل ،ولا يلقي الجواب إلى المستفتي مجردا عن دليله ومأخذه ،57فإن جمال الفتوى
وروحها هو الدليل.
الضابط العاشر :التمهيد للحكم المستغرب:
ينبغي للمجتهد أن يمنِهد للحكم المستغرب عند السائلين قبل أن يأتي بالجواب ،وقد ذكر
ابن القيم رحمه الله" :إذا كان الحكم مستغربا جدا مما لم تألفه النفوس وإنما ألفت خلافه،
فتأَّم ْل يديه، مؤذنا به ،كالدليل عليه ،والمقدمة بين أن يو نطِئ قبله ما يكون فينبغي للمفتي
الذي الس َّن منه بعد انصرام عصر الشبيبة ،وبلوغه ق َّصةَ زكريا ،وإخرا َج الولد نذ ْكَرهُ سبحانَه
لا يولد فيه لمثله في العادة ،فذكر قصته مق َّدمةً بين يدي قصة المسيح وولادته من غير أب،
فإن النفوس لما آنست بولد من بين شيخينكبيرين لا يولد لهما عادة سهل عليها التصديق
بولادة ولد من غير أب".58
الضابط الحادي عشر :تصريف السؤال إلى ما هو أنفع له:
ينبغي للمفتي أن يصرف السؤال إلى ما هو أنفع له منه إذا تضمنت هذه الإضافة
بيان ما سأل عنه ،وقد جاء في القرآن الكريم :يَ ْسأَلُونَ َك َع ِن الأ ِهَلِّة قُ ْل ِه َي َمَواِقي ُت
لِلَنّا ِس َواْْلَ ِِج َولَْي َس الُِْبّ ِِبَن ََتْتُْواْ الْبُيُو َت ِمن ظُُهوِرَها َولَ ِك َّن الَِْبّ َم ِن اَتَّقى َوأْتُواْ الْبُيُو َت
ِم ْن أَبَْواِِبَا َواَتُّقواْ اّلِلَ لََعَلّ ُك ْم تُْفلِ ُحو َن[ البقرة ،]189:كانوا قد سألوا :ما بال الهلال
يبدو دقيقا ثم يزيد ،حتى يمتلئ نورا ثم يعود دقيقاكما بدأ ،ولا يكون على حالة واحدة؟،59
فأنزل الله هذه الآية ،فأجابهم عن حكمة ذلك من ظهور مواقيت الناس التي بها تمام
مصالحهم في أحوالهم ومعاشهم ،ومواقيت أكبر عبادتهم أي الحج.
فهذه بعض الضوابط والآداب التي ينبغي مراعاتها ،والحق أن هناك ضواب َط وآداباً
أخرى لا يمكن لي أن استقصيهاكلها وإنما اكتفيت بذكر أهمها.
الخاْت ة
114
الفصل السابع
بعدما بذل الباحث الجهد والوقت في جمع المعلومات عن النوازل وضوابط الاجتهاد فيها،
ثم قام بدراستها وتحليلها ،حتى خرج البحث في هذه الصورة .وفيما يأتي عرض شامل لأهم
ما يتضمنه من النتائج:
نتائج البحث:
-1لم يعِنرف المتقدمون تعريًفا للنازلة صراحةً ،وإنما أعطوا تصورا عاما من النوازل ،وأما
المتأخرون فهم الذين عرفوا بعبارات متعددة ،ووجه ذلك:
أولا :أن مصطلح النوازل لم ينتشر إلا في القرون المتأخرة وليس عند جميع
الفقهاء بل عند بعضهم.
ثانيا :أن معنى النوازل واضح وشائع لديهم ،ووضوح المعنى قد يغني أحيانا
عن بيان حقيقتها.
-2التعريف المختار لها" :الوقائع الجديدة وقعت فعلا أو يتوقع وقوعها ولم يسبق فيها
نص مباشر أو اجتهاد" .وذلك لأنه جامع للنوازلكلها وقعت فعلا أو ما وقعت
ولكن يتوقع حدوثها في المستقبل ،وهو الذي يتبادر إلى الذهن عند إطلاق هذا
المصطلح.
-3التعريف المختار لفقه النوازل" :معرفة الأحكام الشرعية العملية للقضايا المستجدة
المعاصرة والمكتسبة من أدلتها التفصيلية".
-4حكم الاجتهاد في النوازل يختلف باختلاف الأحوال ووفق نوع المسألة ،فقد
يكون واجباكفائيا ،وقد يكون واجبا عينيا ،وربما يصير ندبا ،وقد يكون مكروها
أو حراما.
-5للاجتهاد في النوازل ضوابط يلزم توافرها في المجتهد والمجتهد فيه ،وأهمها:
أ -أن تكون النازلة من المسائل المتوقع وجودها.
ب -مراعاة العرف الجاري.
ج -أن لا تكون النازلة من المسائل القطعية ،وغيرها من الضوابط المهمة.
115
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
قائمة المصادر والمراجع:
-1إبراهيم مصطفى ،وغيره .المعجم الوسيط .مصر :دار الدعوة .د .ط( .د .ت).
-2ابن بدران ،عبد القادر بن بدران الدمشقي .المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن
حنبل .بيروت :مؤسسة الرسالة .ط1401( .2ه).
-3ابن بيه ،عبد الله الشيخ المحفوظ ابن بيه .سبل الاستفادة من النوازل"الفتاوى" والعمل
الفقهي ِف التطبيقات المعاصرة ،مجلة مجمع الفقه الإسلامي .مكة الكرمة :مجمع الفقه
الإسلامي .د .ط( .د .ت).
-4ابن حجر ،أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود الكناني العسقلاني.
فتح الباري شرح صحيح البخاري .تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب.
بيروت :دار المعرفة .د .ط1379( .ه).
-5ابن عابدين ،محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن أحمد بن عبد الرحيم ابن عابدين.
مجموعة رسائل ابن عابدين .بيروت :عالم الكتب .د .ط( .د .ت).
-6ابن فارس ،أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب .معجم مقاييس
اللغة ،تحقيق :عبد السلام محمد هارون .دمشق :دار الفكر .ط1979( .1م).
-7ابن قيم الجوزية ،محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله .إعلام الموقعين عن رب
العالمين .تحقيق :طه عبد الرؤوف سعد .بيروت :دار الجيل .د .ط1973( .م).
-8ابن منظور ،محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي .لسان العرب .بيروت :دار صادر.
ط( .1د .ت).
-9ابن نجيم ،زين العابدين بن إبراهيم .الأشباه والنظائر .بيروت :دار الكتب العلمية .د.
ط1400( .ه1980/م).
-10أبو داود ،سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني .المراسيل ،تحقيق :شعيب
الأرناؤوط .بيروت :مؤسسة الرسالة .ط1408( .1ه).
116
الفصل السابع
-11أبو شامة ،عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسيَ .متصر المؤمل ِف الرد إلى
الأمر الأول .تحقيق :صلاح الدين مقبول أحمد( .الكويت :مكتبة الصحوة الإسلامية .د.
ط1403( .ه).
-12الأشقر ،أسامة عمر سليمان .مستجدات فقهية ِف قضايا الزواج والطلاق .الأردن:
دار النفائس والتوزيع .د.ط( .د .ت).
-13الألباني ،محمد ناصر الدين .سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة .الرياض :مكتبة
المعارف .د .ط( .د .ت).
-14البخاري ،أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري .الجامع المسند
الصحيح ،تحقيق :مصطفى ديب البغا .بيروت :دار ابن كثير واليمامة .ط.3
(1407ه1987/م).
-15البغوي ،أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي .معاَل التْنزيل .تحقيق :محمد عبد الله
النمر وعثمان جمعة ضميرية وسليمان ومسلم الحرش .المدينة المنورة :دارطيبة للنشر والتوزيع.
ط1417( .4ه1997/م).
-16التفتازاني ،سعد الدين مسعود بن عمر بن برهان .شرح التلويح على التوضيح لمتن
التلقيح ِف أصول الفقه .تحقيق :زكريا عميرات .بيروت :دار الكتب العلمية .ط( .1د.
ت).
-17الخطيب البغدادي ،أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت .الفقيه والمتفقه ،تحقيق :عادل
العزازي .،الدمام :دار ابن الجوزي .د .ط1421( .ه).
-18الزحيلي ،وهبة .سبل الاستفادة من النوازل"الفتاوى" والعمل الفقهي ِف التطبيقات
المعاصرة ،مجلة مجمع الفقه الإسلامي .مكة الكرمة :مجمع الفقه الإسلامي .د .ط( .د.
ت).
-19الزحيلي ،وهبة .أصول الفقه الإسلامي .دمشق :دار الفكر .ط.17
(1430ه2009/م).
117
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
-20الزحيلي ،وهبة .الفقه الإسلامي وأدلته .دمشق :دار الفكر .ط1425( .4ه).
-21الزركشي ،بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر .البحر المحيط ِف أصول الفقه.
تحقيق :محمد محمد تامر .بيروت :دار الكتب العلمية .ط1421( .1ه2000/م).
-22السرخسي ،أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل .المبسوط .بيروت :دار المعرفة .د.
ط1406( .ه).
-23السيوطي ،جلال الدين عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر الشافعي .الأشباه والنظائر.
بيروت :دار الكتب العلمية .د .ط( .د .ت).
-24الشاطبي ،إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي .الموافقات ِف أصول الفقه.
تحقيق :أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان .مصر :دار ابن عفان .ط.1
(1417ه1997/م).
-25الشافعي ،أبو عبد الله محمد بن إدريس .الأم .بيروت :دار الفكر .ط( .2
1403ه1983/م).
-26الشوكاني ،محمد بن علي بن محمد .إرشاد الفحول إلي تحقيق اْلق من علم الأصول.
تحقيق :أحمد عزو عناية .بيروت :دار الكتاب العربي .ط1419( .1ه).
-27الشيرازي ،إبراهيم بن علي بن يوسف .المهذب ِف فقه الإمام الشافعي .بيروت:
دار الفكر .د .ط( .د .ت).
-28الطبراني ،أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب .المعجم الكبْي ،تحقيق :حمدي بن
عبد المجيد السلفي .الموصل :مكتبة العلوم والحكم .ط1404( .2ه1983/م).
-29الطنطاوي ،محمد سيد .الاجتهاد ِف الأحكام الشرعية .مصر :نهضة مصر للطباعة
والنشر والتوزيع .د .ط1997( .م).
-30الغزالي ،أبو حامد محمد بن محمد الطوسي .المستصفى من علم الأصول .تحقيق:
محمد بن سليمان الأشقر .بيروت :مؤسسة الرسالة .ط1417( .1ه 1997/م)
118
الفصل السابع
-31فخر الدين الرازي ،محمد بن عمر بن الحسين .المحصول ِف علم الأصول .تحقيق:
طه جابر فياض العلواني .بيروت :مؤسسة الرسالة .ط1412( .2ه1992/م).
-32الفراهيدي ،أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد .العين .تحقيق :مهدي المخزومي و إبراهيم
السامرائي .بيروت :دار الكتب العلمية .د .ط( .د .ت).
-33الفيروز آبادي ،مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب .القاموس المحيط .بيروت:
مؤسسة الرسالة .د .ط( .د .ت).
-34القاضي عياض ،ابن موسى أبو الفضل اليحصبي .ترتيب المدارك وتقريب المسالك
لمعرفة أعلام مذهب مالك .بيروت دار الكتب العلمية .ط1418 ( .1ه).
-35القحطاني ،مسفر بن علي بن محمد .منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية
المعاصرة .بيروت :دار ابن حزم .ط( .1د .ت).
-36القرضاوي ،يوسف .الاجتهاد المعاصر بين الانضباط والانفراط .بيروت :المكتب
الإسلامي .ط1418( .1ه1998 /م).
-37مرتضى الزبيدي ،أبو الفيض محمد مرتضى بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد
الرزاق .تاج العروس من جواهر القاموس .تحقيق :مجموعة من المحققين .الكويت :دار
الهداية للنشر والتوزيع .د .ط( .د .ت).
-38مسلم ،ابن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري .الجامع المسند الصحيح.
تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي .بيروت :دار إحياء التراث العربي .د.ط( .د .ت).
1مدير مجمع حجة الإسلام ،الجامعة الإسلامية دار العلوم وقف ديوبند ،الهند.
[email protected]
119
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
2انظر :الفيروز آبادي ،مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب ،القاموس المحيط( ،بيروت :مؤسسة الرسالة،
د.ط ،د.ت) ،ج ،1ص1614؛ وابن منظور ،محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي ،لسان العرب( ،بيروت:
دار صادر ،ط ،1د .ت) ،ج.522 ،13
3ابن بدران ،عبد القادر بن بدران الدمشقي ،المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل( ،بيروت:
مؤسسة الرسالة ،ط1401 ،2ه) ،ص.50
4التفتازاني ،سعد الدين مسعود بن عمر بن برهان ،شرح التلويح على التوضيح لمتن التلقيح ِف أصول
الفقه ،تحقيق :الشيخ زكريا عميرات( ،بيروت :دار الكتب العلمية ،ط ،1د.ت) ،ج ،1ص.16
5انظر :وهبة الزحيلي ،الفقه الإسلامي وأدلته( ،دمشق :دار الفكر ،ط1425 ،4ه) ،ج ،1ص.29
6انظر :الخليل الفراهيدي ،أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد ،العين ،تحقيق :د .مهدي المخزومي ود .إبراهيم
السامرائي( ،بيروت :دار الكتب العلمية ،د .ط ،د .ت) ،ج ،3ص444؛ وابن فارس ،أبو الحسين أحمد
بن فارس بن زكريا ،معجم مقاييس اللغة ،تحقيق :عبد السلام محمد هارون( ،دمشق :دار الفكر ،ط،1
1979م) ،ج ،5ص.417
7ابن فارس ،معجم مقاييس اللغة ،ج ،5ص.417
8انظر :الشافعي ،أبو عبد الله محمد بن إدريس ،الأم( ،بيروت :دار الفكر ،ط1403 ،2ه1983/م)،
ج ،1ص236؛ والشيرازي ،إبراهيم بن علي بن يوسف ،المهذب ِف فقه الإمام الشافعي( ،بيروت :دار
الفكر ،د .ط ،د .ت) ،ج ،1ص139؛ وابن تيمية ،مجموع الفتاوى ،ج ،21ص.155
9ابن عابدين ،محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن أحمد بن عبد الرحيم ،مجموعة رسائل ابن عابدين،
(بيروت :عالم الكتب ،د.ط ،د.ت) ،ج ،1ص.17
10وهبة الزحيلي ،سبل الاستفادة من النوازل"الفتاوى" والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة ،مجلة مجمع
الفقه الإسلامي( ،مكة الكرمة :مجمع الفقه الإسلامي ،د.ط ،د.ت) ،العدد الحادي عشر ،الدورة الحادية
العشرة1419 ،ه1998/م ،ج ،2ص.362
11القحطاني ،مسفر بن علي بن محمد ،منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة( ،بيروت :دار
ابن حزم ،ط ،)1424 ،1ص.90
12المصدر السابق ،ص.88
13عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه ،سبل الاستفادة من النوازل"الفتاوى" والعمل الفقهي في التطبيقات
المعاصرة ،مجلة مجمع الفقه الإسلامي( ،مكة الكرمة :مجمع الفقه الإسلامي ،د.ط ،د.ت) ،العدد الحادي
عشر ،الدورة الحادية العشرة1419 ،ه1998/م ،ج ،2ص.533
120
الفصل السابع
14انظر :الجيزاني ،فقه النوازل "دراسة َتصيلية تطبيقية" ،ج ،1ص.28
15انظر :الجيزاني ،فقه النوازل "دراسة َتصيلية تطبيقية" ،ج ،1ص.28
16مرتضى الزبيدي ،أبو الفيض محمد مرتضى بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق ،تاج العروس
من جواهر القاموس ،تحقيق :مجموعة من المحققين( ،الكويت :دار الهداية للنشر والتوزيع ،د.ط ،د.ت)،
ج ،22ص.353
17إبراهيم مصطفى ،وغيره ،المعجم الوسيط( ،مصر :دار الدعوة ،د.ط ،د.ت) ،ج ،2ص.743
18انظر :ابن منظور ،لسان العرب ،ج ،2ص.131
19انظر :الأشقر ،أسامة عمر سليمان ،مستجدات فقهية ِف قضايا الزواج والطلاق( ،الأردن :دار
النفائس والتوزيع ،د.ط ،د.ت) ،ص.27
20انظر :وهبة الزحيلي ،سبل الاستفادة من النوازل"الفتاوى" والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة ،مجلة
مجمع الفقه الإسلامي ،العدد الحادي عشر ،الدورة الحادية العشرة1419 ،ه1998/م ،ج ،2ص.362
21انظر :الزركشي ،بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر ،البحر المحيط ِف أصول الفقه ،تحقيق :محمد
محمد تامر( ،بيروت :دار الكتب العلمية ،ط1421 ،1ه2000/م) ،ج ،4ص.489
22انظر :الشوكاني ،محمد بن علي بن محمد ،إرشاد الفحول إلي تحقيق اْلق من علم الأصول ،تحقيق:
أحمد عزو عناية( ،بيروت :دار الكتاب العربي ،ط1419 ،1ھ) ،ج ،2ص211؛ والطنطاوي ،محمد سيد،
الاجتهاد ِف الأحكام الشرعية( ،مصر :نهضة مصر للطباعة والنشر ،د.ط1997 ،م) ،ص.17
23انظر :المصدر السابق.
24أخرجه مسلم ،ابن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري في الجامع المسند الصحيح ،تحقيق :محمد
فؤاد عبد الباقي( ،بيروت :دار إحياء التراث العربي ،د .ط ،د.ت)،كتاب الإيمان ،باب تحريم قتل الكافر
بعد أن قال لا إله إلا الله ،ج ،1ص ،95رقم.95
25انظر :وهبة الزحيلي ،سبل الاستفادة من النوازل"الفتاوى" والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة ،مجلة
مجمع الفقه الإسلامي ،العدد الحادي عشر ،الدورة الحادية العشرة1419 ،ه1998/م ،ج ،2ص.362
26القاضي عياض بن موسى أبو الفضل ،ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك،
(بيروت دار الكتب العلمية ،ط1418 ،1ه) ،ج ،1ص.74
27انظر :الشوكاني ،إرشاد الفحول إلي تحقيق اْلق من علم الأصول ،ج ،2ص.211
28أبو شامة ،عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسيَ ،متصر المؤمل ِف الرد إلى الأمر الأول ،تحقيق:
صلاح الدين مقبول أحمد( ،الكويت :مكتبة الصحوة الإسلامية ،د.ط1403 ،ه) ،ص.39
121
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
29أخرجه أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني في المراسيل ،تحقيق :شعيب الأرناؤوط،
(بيروت :مؤسسة الرسالة ،ط1408 ،1ه) ،ص ،322رقم457؛ والطبراني ،أبو القاسم سليمان بن أحمد
بن أيوب في المعجم الكبْي ،تحقيق :حمدي بن عبد المجيد السلفي( ،الموصل :مكتبة العلوم والحكم ،ط،2
1404ه1983/م) ،ج ،15ص .165قال ابن حجر ،أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن
محمود العسقلاني ،في فتح الباري شرح صحيح البخاري ،تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين
الخطيب( ،بيروت :دار المعرفة ،بدون رقم الطبعة1379 ،ه) ،ج ،13ص" :266وأخرج أبو داود في
المراسيل من رواية يحيى بن أبيكثير عن أبي سلمة مرفوعا ،ومن طريق طاوس عن معاذ رفعه« :لا تعجلوا
بالبلية قبل نزولها فانكم ان تفعلوا لم يزل في المسلمين من إذا قال سدد أو وفق وان عجلتم تشتت بكم
السبل» .ثم قال" :وهما مرسلان يقوي بعض بعضا".
30أخرجه البخاري ،أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي في الجامع المسند الصحيح ،تحقيق:
د .مصطفى ديب البغا( ،بيروت :دار ابن كثير واليمامة ،ط1407 ،3ه1987/م)،ج ،6ص،2658
رقم.6859
31الشاطبي ،إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي ،الموافقات ِف أصول الفقه ،تحقيق :أبو عبيدة
مشهور بن حسن آل سلمان( ،مصر :دار ابن عفان ،ط1417 ،1ه1997/م) ،ج ،5ص.41
32انظر :الشوكاني ،إرشاد الفحول إلى تحقيق :اْلق من علم الأصول ،ج ،2ص208؛ والغزالي ،أبو
حامد محمد بن محمد الطوسي ،المستصفى من علم الأصول ،تحقيق ،:محمد بن سليمان الأشقر( ،بيروت:
مؤسسة الرسالة ،ط1417 ،1ه 1997/م) ،ج ،2ص393؛ والخطيب البغدادي ،أبو بكر أحمد بن علي
بن ثابت ،الفقيه والمتفقه ،تحقيق :عادل العزازي( ،الدمام :دار ابن الجوزي د .ط1421 ،ه) ،ج،2
ص.332
33الشوكاني ،إرشاد الفحول إلى تحقيق :اْلق من علم الأصول ،ج ،2ص.209
34الرازي ،محمد بن عمر بن الحسين ،المحصول ِف علم الأصول ،تحقيق :طه جابر فياض العلواني،
(بيروت :مؤسسة الرسالة ،ط1412 ،2ه1992/م) ،ج ،6ص.22
35المصدر السابق.
36ابن قيم الجوزية ،محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله ،إعلام الموقعين عن رب العالمين ،تحقيق:
طه عبد الرؤوف سعد( ،بيروت :دار الجيل ،د .ط1973 ،م) ،ج ،4ص.222
37يوسف القرضاوي ،الاجتهاد المعاصر بين الانضباط والانفراط( ،بيروت :المكتب الإسلامي ،ط،1
1418ه1998 /م) ،ص.96
122
الفصل السابع
38انظر :ابن قيم الجوزية ،إعلام الموقعين عن رب العالمين ،ج ،1ص.178
39انظر :الخطيب البغدادي ،الفقيه والمتفقه ،ج ،2ص.390
40المصدر السابق ،ج ،2ص.326
41ابن قيم الجوزية ،إعلام الموقعين عن رب العالمين ،ج ،1ص.178
42انظر :محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن أحمد بن عبد الرحيم ابن عابدين ،مجموعة رسائل ابن
عابدين ،ج ،2ص115؛ وهبة الزحيلي ،سبل الاستفادة من النوازل"الفتاوى" والعمل الفقهي في التطبيقات
المعاصرة ،مجلة مجمع الفقه الإسلامي( ،مكة الكرمة :مجمع الفقه الإسلامي ،د.ط ،د.ت) ،العدد الحادي
عشر ،الدورة الحادية العشرة1419 ،ه1998/م ،ج ،2ص.392
43جلال الدين عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر السيوطي الشافعي ،الأشباه والنظائر( ،بيروت :دار
الكتب العلمية ،د .ط ،د.ت) ،ج ،1ص.165
44أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي ،المبسوط( ،بيروت :دار المعرفة ،د.ط1406 ،ه)،
ج ،30ص.5
45ابن نجيم ،زين العابدين بن إبراهيم بن نجيم ،الأشباه والنظائر( ،بيروت :دار الكتب العلمية،
1400ه1980/م) ،ص.99
46السرخسي ،المبسوط ،ج ،6ص.357
47انظر :الغزالي ،المستصفى من علم الأصول ،ج ،2ص.397
48المصدر السابق.
49وهبة الزحيلي ،أصول الفقه الإسلامي( ،دمشق :دار الفكر ،ط1430 ،17ه2009/م) ،ج،2
ص.340
50انظر :ابن قيم الجوزية ،إعلام الموقعين عن رب العالمين ،ج ،4ص.173
51انظر :المصدر السابق ،ج ،4ص.256
52القحطاني ،منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة ،ص.319
53انظر :ابن قيم الجوزية ،إعلام الموقعين عن رب العالمين ،ج ،4ص172؛ والقحطاني ،منهج استنباط
أحكام النوازل الفقهية المعاصرة ،ص.320
54أخرجه مسلم في الصحيح،كتاب صلاة المسافرين وقصرها ،باب الدعاء في صلاة اليل وقيامه ،ج،1
ص ،534رقم.770
55ابن قيم الجوزية ،إعلام الموقعين عن رب العالمين ،ج ،4ص.257
123
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
56المصدر السابق.
57انظر :المصدر السابق ،ج ،4ص.161
58انظر :المصدر السابق ،ج ،4ص.163
59البغوي ،أبو محمد الحسين بن مسعود ،معاَل التنْزيل ،تحقيق :محمد عبد الله النمر وعثمان جمعة ضميرية
وسليمان ومسلم الحرش( ،المدينة المنورة :دار طيبة للنشر والتوزيع ،ط1417 ،4ه1997/م) ،ج،1
ص.211
124
الفصل الثامن
دعوى تناقض القرآن الكريم والرد عليها
إعداد الدكتور /محمد إبراهيم الشربيني صقر1
مقدمة
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمد ،ورضي الله عن
الصحابة الأطهار الأبرار ،ورضي الله عن التابعين ،وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد! فإن القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى للنبي ؛ والتي تحدى بها
الإنس والجن؛ وهو الكتاب الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،
وهو المرجع الأساسي للإسلام والمسلمين في كل جوانب الحياة ،وهو مصدر عزة
المسلمين ،وطريق هدايتهم ،وسر قوتهم ،،وقد تكفل الله تعالى بحفظه ما بقي الليل
والنهار.
ولماكانت هذه المنزلة العظيمة لكتاب الله عز وجل؛ دأب أعداء الإسلام
واجتهدوا بالنيل والطعن في القرآن الكريم ،ولم تركوا أمراً يتعلق بالقرآن الكريم إلا
وشككوا فيه؛ فطعنوا في أسباب نزوله ،وشككوا فيما يتعلق بإعجازه ،وما يتعلق
بمعانيه وأحكامه ،وترتيب سوره ،وما يتعلق بلغته ،وما يتعلق بتشريعه وأخلاقه ،فلم
يتركوا سبيلًا إلى النيل من القرآن الكريم إلا سلكوه ،ولم يجدوا وسيلة لتحقيق هدفهم
إلا أخذوا بها وسعوا إليها.
ومن افتراءاتهم الكاذبة على القرآن الكريم زعمهم بأن القرآن الكريم يناقض
بعضه بعضاً ،وتعاليمه مضطربة ،وغير ثابتة ،وأن كثيراً من آياته متعارضة ،وغدوا
على حرد قادرين يأتون بالأدلة الزائفة على مقالتهم الشنيعة.
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
لذلك كان لزاماً علينا أن نتصدى لهذا الفكر السقيم المنحرف ،وأن نرد
على هذه الدعاوى التي يثيرها أعداء الإسلام ومن تبعهم من أبناء المسلمين الذين
تأثروا بتلك المقالات الزائفة.
وقد سلكت في هذا البحث المنهج الاستقرائي :وذلك بتتبع تلك
الدعاوى والأباطيل من خلال مؤلفات أعداء الإسلام ،والمستشرقين ،وكذلك المنهج
التحليلي :لتحليل تلك الأفكار والآراء والدعاوى؛ وبيان بطلانها.
وقد اشتمل هذا البحث على مقدمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة وفهرس
للمصادر.
فالتمهيد يشتمل على التعريف بكلمة التناقض في اللغة والاصطلاح.
وبيان مصطلح القرآن الكريم في اللغة والاصطلاح.
المبحث الأول :آراء أعداء الإسلام حول تناقض القرآن الكريم.
المبحث الثاني :الرد على دعاوى تناقض القرآن الكريم.
ثم الخاتمة وتحتوي على أهم النتائج والتوصيات ،ثم فهرس المصادر
والمراجع.
الله أسأل أن يجعل هذا البحث في ميزان الحسنات والحمد لله أولاً وآخراً.
التمهيد
إن تحديد المفاهيم من أوليات المهام في البحث العلمي ،وقد اشتمل هذا البحث
على عدة مصطلحات مهمة ،ينبغي التعريف بها ،وبيان المراد منها ،وهذا ما سيتضح
في السطور التالية.
أولاً :معنى مصطلح التناقض في اللغة:
جاءتكلمة التناقض في معاجم اللغة العربية بعدة معان؛ فمن حيث اشتقاقها هي
امولاِلإبشُْمترانقِامةقََ ،مضكةُانلافانْيلتِفاقلاعقلوِِضل(:نواأَلَتّْنناقيقُتكَِضلّضَ.م):بمواالفَنّايلْتَقنّناْققَُضُ:ضُضإِففْميعسنااالُهدبن،اَمأَِءا،يأَبْيوَاَترَلْمحَْبخاَِتلَلُ،مفو.انلَعواعْلهَتّْقنِداٍد،قُ أَووُضغ:يبِِرنها:خٍءلا.ضُّ.دف،
126
الفصل الثامن
الَتّوافُِق .. ،وناقَ َضهُ ُمناقَ َضةً :خالََفهُ .2وتناقض القولان :تخالفا وتعارضا .3وأصل
قولهم تناقض الكلامان :إذا تدافعا؛كأنكل واحد ينقض الآخر .وفيكلامه تناقض:
إذا كان بعضه يقتضي إبطال بعض.4
ومن هذا العرض لكلمة التناقض في اللغة يتضح أنها تأتي بعدة معان،
منها:
-1إفساد الشيء بعد إحكامه.
-2التحدث بما يوهم التخالف في الكلام.
-3التعارض والاختلاف.
-4التحدث بكلام يبطل بعضه بعضا.
ثانياً :معنى التناقض في الاصطلاح:
جاء في كتاب التعريفات معنى مصطلح التناقض كالتالي" :التناقض هو :اختلاف
القضيتين بالإيجاب والسلب بحيث يقتضي لذاته صدق إحداهما وكذب الأخرى؛
كقولنا:زيد إنسان ،زيد ليس بإنسان".5
وجاء معنى التناقض عند الأصوليين بأنه "تقابل الدليلين المتساويين على
وجه لا يمكن الجمع بينهما بوجه ،ويس ّمى بالتعارض والمعارضة أيضا".6
وعلى هذا يمكن تعريف مصطلح التناقض في هذا البحث؛ بأنه :إدعاء
وجود التعارض بين آيات القرآن الكريم ،مما ينتج عن ذلك إثبات اضطرابه،
والتشكيك في تعاليمه؛ وهذا ما يريده أعداء الإسلام من المشككين والمغرضين.
ثالثاً :تعريف القرآن الكريم في اللغة والاصطلاح
إتماماً للفائدة في هذا البحث ،سنتعرض في السطور التالية لتعريف القرآن الكريم في
معاجم اللغة ،والمصادر المختصة.
-1تعريف القرآن الكريم في اللغة:
القرآن :مصدر للفعل قرأ مراد ٌف للقراءة ،بمعنى تلا ،وفيه معنى الجمع
والضم" ،فالَْقا ُف َوالَّراءُ َوالْحَْر ُف الْ ُم ْعتَ ُّل أَ ْص ٌل َص ِحي ٌح يَُد ُّل َعلَى ُُجٍَع َوا ْجتِ َماٍع ...
127
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
َذلِ َك".7 َو َغ ْيِر َوالِْق َص ِص اْلأَ ْح َكاِم ِم َن فِيِه لِجَْمعِِه َما ََووِمُِْنسّهَُيالْقُُقْرْآرآناًُن،لأَنَكهأََنّيَهُْج َمُِسُّعَيالبُِّسَذَلِورَ،ك
فيَ ُض ُّمها.8
-2تعريف القرآن الكريم في الإصطلاح
القرآن الكريم هو "كلام الله تعالى ،المنزل على نبينا محمد ،المكتوب
منه".9
للبيان، سورة بأقصر المتعبد بتلاوته ،المتحدى متواتًرا، نقلًا المصاحف ،المنقول إلينا في
محمد الله تعالى المنزل على "كلام بأنه: وُعِّرف كذلك
والإعجاز ،المجموع بين دفتي المصحف ،المتعبد بتلاوته ،المنقول بالتواتر".10
وبعد هذا التمهيد الذي اشتمل على التعريف بمصطلح التناقض،
والتعريف بالقرآن الكريم ،ننتقل إلى المبحث الأول ،لبيان آراء المشككين وادعاءاتهم
بتعارض وتناقض آيات القرآن الكريم.
المبحث الأول :آراء أعداء الإسلام حول تناقض القرآن الكريم
إن القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى للنبي ؛ والتي تحدى بها الإنس والجن؛ وهو
الكتاب الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،وهو المرجع
الأساسي للإسلام والمسلمين في كل جوانب الحياة؛ لذلك دأب أعداء الإسلام
لمحاربته والنيل منه؛ ووجهوا سهامهم المسمومة نحو تعاليمه؛ للقضاء عليه؛ لأنهم
يعتقدون أن القضاء على القرآن الكريم؛ قضاء على الإسلام والمسلمين؛ لذلك لجؤا
إلى الطعن في آياته ،والتشكيك في أحكامه ،وهذا ظاهر جلي على مدار التاريخ؛
منذ أن بزغ نور القرآن الكريم على البشرية؛ حتى عصرنا هذا؛ الذي نبتت فيه نبتة
شيطانية من المستشرقين ،ومن تابعهم من أبناء المسلمين؛ الذين صوبوا سهامهم نحو
القرآن الكريم؛ بالطعن والتشكيك في كل تعاليمه.
وفي هذه السطور نتعرض لجانب من هذه الإفتراءات والمطاعن؛خاصة ما
زعمه هؤلاء المشككون من تناقض آيات القرآن الكريم.
128
الفصل الثامن
-1ص ّدر المستشرق الشهير جولدزيهر ( )GoldZiherفي كتابه
(مذاهب التفسير الإسلامي) بتعريف للقرآن الكريم قال فيه" :فلا يوجد كتاب
ن ّص منزل أو موحى به- أنه اعترافاً عقدياً على دينية تشريعي -اعترفت به طائفة
الاضطراب وعدم الثبات من مث َل هذه الصورة تداوله يق ِّدم ن ُّصه في أقدم عصور
كما نجد في القرآن" .11وفيكتابه (العقيدة والشريعة في الإسلام) يعّرف جولد زيهر
القرآن الكريم بقوله" :القرآن هو الأساس الأول للدين الإسلامي ،وهو كتابه
المق ّدس ودستوره الموحى به ،وهو في مجموعه مزي ٌج من الطوابع المختلفة اختلافاً
جوهرياً ،والتي طَبَعت ُكلاً من العصَرين الأولين من عهد طفولة الإسلام" .12ويقول
في موضع آخر" :ومن العسير أن نستخلص من القرآن -الكريم -نفسه مذهباً
عقدياً موحداً متجانساً ،وخالياً من التناقضات ،ولم يصلنا من المعارف الدينية الأكثر
أهمية وخطراً إلاّ آثار عامة نجد فيها إذا بحثنا في تفاصيلها أحياناً؛ تعاليم متناقضة...
وقدكان وحي النبي - حتى في حياته -معرضاً لحكم النقاد؛ الذينكانوا يحاولون
البحث عما فيه من نقص ،وكان عدم الاستقرار والطبع المتناقض البادي في تعاليمه؛
موضع ملاحظات ساخرة".13
-2ويقول المستشرق :فلهاوزن (:)Willhausen
"ويبرز في القرآن – الكريم – شأن القدرة الإلهية تارة ،وشأن العدل الإلهي
تارة أخرى ،وذلك بحسب ما كان يحس به النبي ،دون مراعاة للتوازن بين
الطرفين ،ولا يشعر محمد بما في ذلك من تناقض؛ لأنه لم يكن فيلسوفاً ،ولا
واضعاً لمذهب نظري في العقائد".14
-3ويقول المستشرق :دي بوير(:)Boer,de
"قَبِ َل الرعيل الأول من المؤمنين ما في القرآن من تناقض ،وهو الذي نعلله
نحن بتقلب الظروف التي عاش فيها النبي وباختلاف أحواله النفسية" .15ويقول
في موضع آخر" :والقرآن الكريم مشوش يختلط فيه العالم الواقعي بعالم خيالي ،يتكون
من أمور مستحيلة وخرافات باطلة ،وليس فيه أي نظام للحياة؛ لا خاص ولا عام،
129
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
وتلاوته متعبة جداً حتى بالنسبة للذي إنما يدفعه الفضول لقراءته" .16ويقول في
موضع آخر ..." :وفوق ما يحتوي عليه القرآن الكريم من التكرار الكثير؛ فإن ما
يقرب من 300آية قرآنية كلها يناقض بعضها بعضاً ،لكن اللاهوت الإسلامي؛
فيه نظرية تسمى :النسخ؛ يمكن بها المسلمين تسوية ُجيع الاختلافات الموجودة في
القرآن الكريم .والقرآن الكريم نفسه يصرح بتغيير بعض آياته؛ تارة بالزيادة ،وأخرى
بالنقص؛كما تقول الآية ( )106من السورة (﴿ )2ﭒﭓﭔﭕﭖﭗ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾
[البقرة.17"]106:
وخلاصة هذه الآراء حول ما يدعيه المشككون من تناقض آيات القرآن الكريم:
.1أن القرآن الكريم –كما يدعي المشككون – تأتي آياته في صورة مضطربة
مختلفة ،وغير ثابتة ،فهي متغيرة من وقت للآخر.
.2أن التعاليم التي أتى بها القرآن الكريم – كما يزعم المشككون – تعاليم
متناقضة ،وغير مستقرة؛ مما جعل الناس في عهد النبوة يتعرضون لنقد
القرآن الكريم ،والبحث عما فيه من نقص ،وكانت ملحوظاتهم ساخرة.
.3أن الرعيل الأول من المؤمنين؛ قبل ما في القرآن من اختلافات وتناقض
وتعارض.
.4يدعي المشككون أن القرآن الكريم؛ اختلط فيه العالم الواقعي بالعالم
الخيالي ،وأن تعاليمه تبدو مستحيلة.
.5يدعي المشككون أن القرآن الكريم يحتوي على خرافات باطلة.
.6كما يدعي المشككون أن القرآن الكريم؛ ليس فيه نظام واضح للحياة
العامة والحياة الخاصة.
.7يدعي المشككون أن القرآن الكريم يوجد به الكثير من الآيات يخالف
130
الفصل الثامن
بعضها بعضاً ،وهي عرضة للتغيير المستمر بالزيادة أو النقصان ،واستدلوا
بآية سورة البقرة (.)106
كانت هذه خلاصة ادعاءات المشككين للقرآن الكريم بالتناقض والتعارض،
وفي المبحث الآتي سيتضح الرد عليهم ،وتفنيد شبههم.
المبحث الثاني :الرد على دعاوى تناقض القرآن الكريم
لقد تجرأ المشككون على كتاب الله -عز وجل -فرموه باتهامات باطلة ،ونسجوا
الافتراءات حول آياته ،ونصوصه ،وتعاليمه ،ومن هذه الاتهامات ،زعمهم أن القرآن
الكريم يناقض بعضه بعضاً ،وقد سبق بيان ذلك في المبحث السابق ،وفي هذا
المبحث سنتعرض لهذه الافتراءات ونفند ما قاموا به من شبهات حول تناقض القرآن
الكريم ،وسيكون رُّد هذه الشبهات على ضربين :أولاً :الرد الإُجالي على شبهة
تناقض آيات القرآن الكريم ،ثانياً :الرد المفصل؛ بعرض بعض الأمثلة لآيات من
القرآن الكريم؛ التي ادعى المغرضون أن بها تناقض؛ والرد عليها بالأدلة القاطعة.
أولاً :الرد الإجمالي على شبهة تناقض القرآن الكريم.
في السطور التالية سنرد على شبهة تناقض آيات القرآن الكريم إُجالاً؛
وذلك في نقاط ثلاث:
-1أن القرآن الكريم وحي الله تعالى والتناقض مستحيل عليه.
-2القرآن الكريم معجز والإعجاز لايدخله التناقض.
-3القرآن الكريم تعهد الله بحفظه فلا يدخله التناقض.
النقطة الأولى :القرآن الكريم وحي الله تعالى والتناقض مستحيل عليه
إن الكتب المنزلة من عند الله تعالى الموحى بها إلى الأنبياء -صلوات الله عليهم
وتسليمه ،-معصومة من التناقض والاختلاف؛ لأنها من عند الله تعالى؛ وتعالى الله
أن يكون فيكلامه خطأ أو تناقض؛ إنما الخطأ والتناقض في كلام البشر.
131
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
والكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله والتي أخبر بها الصادق الأمين
محمد هى :القرآن الكريم ،والإنجيل ،والتوراة ،والزبور ،ويخبرنا القرآن الكريم أن
هذه الكتب التي بيد أهل الكتاب قد أصابها التحريف قال تعالى﴿ :ﮥﮦ
ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ﴾ [المائدة.]13:
وقال تعالى﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ
ﭚ﴾ [آل عمران.]71:
فالقرآن الكريم نص موحى به إلى هذا النبي محمد ،وهذا النص معصوم
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،معصوم من التحريف والاختلافات
والأغاليط ،فكذلك الشخص معصوم فيما يبلغه عن الله تعالى الموحى به منه
سبحانه ،لا يبلغه لغرض ولا هوى ولا أثرة قال تعالى﴿ :ﭛﭜﭝﭞ•ﭠ
ﭡﭢﭣﭤ﴾ [النجم.]4-3:
يقول الإمام ابن كثير المتوفي سنة 774ه في تفسيره لهاتين الآيتين" :ما
يقول قولاً عن هوى وغرض ،إنما يقول ما أمر به ،يبلغه إلى الناس كاملاً موفوراً من
غير زيادة أو نقصان" .18لذلك يجب الالتزام به وطاعته ،قال تعالى ﴿ :ﮠﮡ
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ﴾ [الحشر،]7:
فأقوال النبى ليست كلها من عنده؛ إنما هي من عند الله تعالى قال جل شأنه:
﴿ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ﴾
132
الفصل الثامن
[المائدة ،]67:وقال تعالى﴿ :ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮ﴾ [النحل.]44:
والنبي أعلم الناس بمراد الله من وحيه فقد أفهمه الله وبين له قال تعالى:
﴿ﰉﰊﰋﰌ﴾ [القيامة.]19:
إن هناك بدهية عقلية ودينية تفيد أن:كلام الله عز وجل لا اختلاف فيه
ولا تناقض؛ لأن وجود التناقض في كتاب مقدس ينفي عنه القدسية ،وقد جاءت
هذه القاعدة واضحة جلية في القرآن الكريم؛ قال تعالى﴿ :ﭻﭼﭽ
ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ﴾ [النساء.]82:
اابفمَََََُُِللوووََّاَأتحككَََقَِلجلْثثََِِِذُْتيَّصّقَمَييّوضواابًََِرروعْاِدَكلٍةيَُمِعِرنت،اِهِاُولئِبِيهدََِْْلامولِِْلِْقرأَفُاَِِعننَيع،لكِيَُعَبَدُصََمَِِرّشَشَعمََكاَْووواوَْبَبتللَحِِجرَِاِاوفيِاَلئََععهِِدِاهيَكءََِْْْ،ضسْعدددصِاتَِنََِِأيمرَهُ،لممتَنفِْالوِطِههَِياَََملماََفوعاُأاوَ.ااحَنفْاَْتَِسعَدَْعلْبسَْلّتِتمِِتافُيتِمأََُقلْابَِهخٌْدََلطْسَرياتِبَّطسََِاكَِلِهَِلاَفيمَشوااااَعرِةُئعَِتتِِّْ،نَتِْيخُْساافِهخاللُِتهِْلتَمَِوهَنَلآولََوَِلطوقواَاَاَََلمتَاِدذْاواااراهِِْسفَيعَِْتِِستيبياَِِِةلَقفِتتِلبأتََاوط،نَبْأَََاطفَََطْيَّوََااافووِِااااضمفلَِعّيَئَْنيلِتِّوَعيِِعةَِْأهنفَََعِةفمََحاهةلَُُاخْْْتلالَغخِلُُِعوخأْيَ،لََىمَغوُْنِِْوَرففخاْرَيهٍِِااتِيشِدرتَِلقَياِِهكأَقَراًِافاِرِضأ،فْلَْيحلانَأاشَلِيخْلهِنََْلكيَْْنِوِهَاوحيهَأَْلَياا،وِمَِاٍءَتَلأشسّْيذاََِيَيأَّْتسكِهَِِذْاضِِوميتتَليََبَِْنمِارمٍايءََُِِقاسبِلثيَْ،بهمَِلِةِآِووبِفاثِاْميمِأهَُِي،الِثْةَْحَللَرنِلِوفَِبإتتِلَُّلبِيَِهُسالمُّ:ىشَاهرلَلََْْامّخرعُوهُُِاَبفَفذَِفِونُااُسَويجحرفِيبِِريواوََهِهِدِجِهلِْصِبََبايهعالُِقيَهاح.لءََْاَع:رََِوآااوََِثبكِلِْنونْلنِاَِِ(هنجاأَيلَََاكْألقتُُِْظْْدَلِِألومفَأََاِهَآْنوْاواياوُِِْصمتنَُُِمفمكَتيَوعهَاَفِ،مفُِايالِنََُِِنعن،فِْصسهَلمَوييااَِوِللْمَْاِيَعنُىقوََمَعمِوَرُاْمْاانواخخلََلاقُلتِّْبتاِِّلَّاِسرهََُْيقفللآئَخَاَِِعِْااْضْلئحانَْوِلِدَفهًََِِِِِِِّقحيلقلدقاتا،
133
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
ااالِتَََََملْْْوووللااُِجكنفََللِْأآقَْالَِّنبتَِّْوطُاِْرهِنوَََخَأِّواصمُرَاحَةِييقرُُِِةاوِةِِبتَحؤاِر،يِياَِّْ،لِسلُِْإضداَََذَفنَوْوواا،اللِاللَْبمََََْحِلنَِِّواوسُعلَْحعِفابََوَاْكتْتَاكَّعَِمْدفوََِِفنَعََُيضةرِمادااَُِِ،قهَكُ،ةلَتمهِِنيلُِّاقبَِِ،هَهاَبوَذَوِوااْفعلََِِمَلْْوَجالسوَعْاتِلعِِحَََْلعنًََصضبطَياََِكرلَياابلَْطًََاااىتَِلوَاارائئىَُلَِلكْااَعاِلِحِانِّلعتَِعِلَُمِهتّْاتلَِهخاَِسَلَبفلْوَُاْاشحاىاَْطمَيَْبَِللْموااُاَِْوبّجَنلََِقَهلِبَِْ،سُمياِِفسةَِلَتبِْتانيلّغَ)آِِهةِفَدِعَِةطيَوَيَالََ9و،واااتَْلِاهلاِ1ملَأعََىَتلّْ،لوَ.اِقْوهِبَِةَتُنمَاماََطتوَُيواْالاَُلئِاِلْأَغمَلاِْه–َِنشْفيِْ،عَِعاك.ياِرْلبتثهَََِِِمههَِيَْموَعَخعااإِِةَرأتلاََِيِةِا،لَلَلَْرِْانلمىِا،ىفِإِدتََلينيَْنَهِأااََْولِفلاِوات–َِّيهيلليََْبًْعَّجَِ،شحَذِِّصفاْاَيَبزِاوْايََمدِكناَِءلثوِْاِلِْهِْمللِتبَلقََماأِْاهِْعدِخلَْ،ثَِعبََبَوياِاِروَِِِرفِْونرلفبَِ،ييَاآو،بياِهَُضََِعاْلبََقَُ.روراُهأيتَََِ،نوءِاََلْْوعتتِِِِونَِ،هَيموبَعَنَغاًكاااالََِِْومويِْلَُلمسَكنةأُلََُنِلاََْلاْنملْاِاِنلثلََْمغََذاُامْيْغَلااِوِهُاِلِْللخيِعَاِاتَِ،اِبكفيَظَْاْيخجَِِةوتِتَِِرتتَُمَيوّا،لََلَذمَِةوْاالكاَِِعّفِدََِْمنراِاعفًقَََِِِرراف،ديعك
ومما سبق عرضه اتضح أن القرآن الكريم يستحيل أن يكون فيه تناقض
أو اختلاف ،أو اضطراب؛ وذلك لأنه كلام الله عز وجل أوحى به إلى نبيه ؛
ومحال أن يدخل في وحي الله اختلاف ،أو تناقض ،إنما التناقض والاختلاف في
كلام البشر.
النقطة الثانية :القرآن الكريم معجز والإعجاز لا يدخله التناقض
القرآن الكريم تحدى به النبي العرب ،وقد عجزوا عن معارضته مع طول باعهم
في الفصاحة والبلاغة ،ومثل هذا لا يكون إلا معجًزا .فقد ثبت أن الرسول
تحدى العرب بالقرآن الكريم على مراحل ثلاث:
أ -تحداهم بالقرآن الكريمكله في أسلوب عام يتناولهم ويتناول غيرهم من
الإنس والجن تحدياا يظهر على طاقتهم مجتمعين ،بقوله تعالى﴿ :ﭜﭝﭞ
ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ
134
الفصل الثامن
ﭬﭭﭮ﴾ [الإسراء.]88:
ب -ثم تحداهم بعشر سور منه في قوله تعالى﴿ :ﭑﭒﭓﭔﭕ
ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ
ﭣ﴾ [هود.]13:
ج -ثم تحداهم بسورة واحدة منه في قوله﴿ :ﮱﯓﯔﯕﯖﯗ
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ﴾ [يونس،]38:
وكرر هذا التحدي في قوله﴿ :ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ
ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾
[البقرة ،]23:ومن عنده إلمام قليل بتاريخ العرب وأدب لغتهم يدرك العوامل السابقة
لبعثة الرسول التي َرقَت بلغة العرب وهذبت لسانها وُجعت خير ما في لهجاتها
من أسواق الأدب والمفاخرة بالشعر والنثر ،حتى انتهى مصب جداول الفصاحة
وإدارة الكلام بالبيان في لغة قريش التي نزل بها القرآن الكريم ،وما كان عليه العرب
أبناء عمومته أنًفا وكبًرا مضرب مثل في التاريخ الذي بأحدهم على يعلو من َصلَف
لما أحدثوه فيها من معارك وحروب طاحنة أشعلها نُ ِسبت إليهم أياًما سجل لهم
شرر من الكبرياء والأنفة.
ومثل هؤلاء مع توفر دواعي اللسان وقوة البيان التي يوقدها حماس القبيل،
ويؤججها أتون الحمَيّة لو تسنى لهم معارضة القرآن الكريم لأُثَِر هذا عنهم ،وتطاير
خبره في الأجيال ،فالقوم قد تصفحوا آيات الكتاب وقلبوها على وجوه ما نبغوا فيه
من شعر ونثر فلم يجدوا مسل ًكا لمحاكاته ،أو منف ًذا لمعارضته ،بل جرى على ألسنتهم
الحق الذي أخرسهم عفو الخاطر عندما زلزلت آيات القرآن الكريم قلوبهم كما أُثَِر
ذلك عن الوليد بن المغيرة ،وعندما عجزت حيلتهم رموه بقول باهت فقالوا :سحر
135