نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
يَعِظُ ُك ْم لََعَلّ ُك ْم تََذَّكُرو َن﴾ [النحل .]90:فالوسطية الإسلامية عدل وتوازن ،يقابل من جهة
بتطرف المغالاة ،ومن جهة ثانية بتطرف الانحلال ،وكلا التطرفين مدان في الإسلام.
والوسطية تعني أيضا الاستقامة ،أي استقامة المنهج ،والبعد عن الميل والانحراف
والتطرف ،لأن ما كان مستقيما (الصراط المستقيم) لم يكن مائلا أو منحرفا ،ولذلك جاء
االلفاَّضتاحلِّةيَ:ن﴾﴿اْ،هكِدنَماواقل ِّصفَراوَطسالْطُمبْسيتَنِقيتَمطرف0ينِصَ،راتَطط ارَلّ ِذفي اَنلمأغَنْـَعضْمو َتب الصراط المستقيم في سورة وصف
َغْيِر الْ َم ْغ ُضو ِب َعلَْيِه ْم َوَلا َعلَْيِه ْم
عليهم الذين هم اليهود ،وتطرف الضالين الذين هم النصارى .فاليهود حادوا عن الصراط
المستقيم بقتلهم الأنبياء والغلو في التحريم ،والنصارى حادوا عن الصراط المستقيم بتأليه
الأنبياء.
من جهة أخرى نجد أن وسطية الإسلام تتلاءم مع الفطرة الإنسانية ،التي تنبذ الغلو
والمبالغة والتطرف في كل شيء ،إنها وسطية ترتكز على ما يلائم الطبع الإنساني عقلا
ووجدانا وجسدا ،فليس الإسلام دينا يضغط على النفس ويكلفها ما لا تطيق ،وهو لا
يقاوم التطرف في الماديات بالتطرف في الروحانيات ،وإنما جاء ليضع التوازن بين الفطرة
والتكاليف الشرعية.
كما أن الإسلام يحذر من التعدي على حدود الله في أوامره ونواهيه،كما جاء في
اِلمتَقَِـّملَمَعّهُْنُقالوَلَْيظهُّوهالآََُِهولِتلَفـََواتَْيُـممَآٌدتاُعِمواَعنُُملَللَنفِوهاوُواىيُلهىَ﴾:مبإََِماااّنََاَّ[َّسّّللاا﴿لِِلللاِفَْفـشبلاإتَْيِيـََقومّلئَطَُّدرراااةلَيلُساإا:نَِْلِّتَللّهسُِْها9حقََبمَِىأَّ2قََِهَوموَلاَنّإِارََ2عنتَِّمتِ]يَلَْتتاَـنخَِ.نُاقاَافَلَْكولوفاَلََُمِإمغاأوْلاَمَِّلُحسواِثيفََسُدلَيايُفُحاوٌِقثيَُادكيْةٌلِعَقمبِأاَيامَاَّْوَنرْـّْلعلَستِلَـُهرُحُِهوىضتفَُدوالاَعٍبوَْاافوََدلكُنَأخىََتفَـاْْيَ:وَّْعَمرّلاىتَْلِرتَيََُلدّبمفََ﴿ِْاِإسويَُكََّاََِهرْرّلْينمالُِأسٌَإحَِِْنوهََّخوموَُْكَِاِمفلَلبِيتُاالنَْاَمْحََّّالّّْللألِلَُيَـََلّسِك﴾تَـاإتاََِولَاَعٍَكنيهٌَ[ُّلِداِِقلَبيمََنوواتَلَُماَلُهُحِاسحااُأدَيٌَلْدءِتحَـُوحَقَْ:دغُاُّلدلُُسَ1هبْاولوَااََدَّّ7لَُإحِلِكِافاَ1لَْمَّنيَّلى]فَلِهُأأَُِ.دَمفأَوَينلَْلَرنِئِيوَنافتمََُكأْييََكَْمُوجُخُُكنَرهاَُذوُووهَلذٌََوُاحنماحا
موعظة لأمة الإسلام لتجنب الغلو وأسبابه.
236
الفصل الثالث عشر
وقد وصف النب الرسالة التي بعث بها بالحنفية السمحاء ،ووصف كذلك الله
ااتللَعتّْـخَاْبَولاَرائىِةِ َرثَوساَْلووِليإَنهِجَضيُِعلَ عبيَْنـأْقُُمهوُلْرمُههإِْ:م ْصبَِ﴿ارالَُْهلَّمْمِذْعيَُروَانوْلأيَـََِتّْفغبِلَعُاَوويَـَلَْننـ اَهَالّلاَِتّرُهيُْسمَكواَنلََع اِنْلتَنِّالَّْبَعُلَمْيانْلِهأَُكْمِّمِر َّ﴾يَوايَُ[لِّحاِلذُّلأيعلَهراُيَُِمج ُفدال:ونََطّ7هُيِّبَ5اَمِْ1كتت]ُ.وبَاويُحَِّعِرنمَُد ُهَعلَْمْيِِهفُيم
فالإسلام منهج تميز بالبعد عن التطرف والغلو ،وينبغي أن نلحظ أن من يدعي أنه
مسلم ،ولا يتمسك بما جاء به الإسلام ،ويرى ذلك هو الوسطية والسماحة ،ويعيب على
من يتمسك بفرائض الإسلام ،ويعده متطرفا ،هذا الادعاء هو أحد أشكال التطرف؛ لأن
التطرف يكون بالتجاوز للوسطية،كما يكون بالتخلي والتقصير في شأنها ،وهو خروج عن
الوسطية ،وميل وانحراف إلى أقصى اليسار أو إلى أقصى اليمين.
ومما يؤسف أن الفكر الضال وما ينجم عنه من تطرف وعنف ،والتي لا يقرها
الإسلام ،إلا أن الإعلام الغربي وبعض وسائل الإعلام العربية ،تنسبها إلى الإسلام
والمسلمين ،وتكاد تقصر وجودها على المسلمين دون غيرهم من أهل الديانات الأخرى،
كاليهودية التي يمارس أهلها من الصهاينة أشد أنواع التطرف والعنف والإرهاب ،وكالنصرانية
التي تمارس ما هو ظاهر في عدد من البلدان الإسلامية من العنف والتطرف والإرهاب ،وما
من شك أن الربط المتكرر بين الإسلام والتطرف والعنف وغيرهما ،إنما تخدم غايات استعمارية
وتخفي وراءها حقدا دفينا.
ونخلص إلى أن مظاهر العنف والتطرف لم تكن مقبولة أبدا في الإسلام على مر
التاريخ ،بل إن المسلمين هم من تصدى للظواهر السلبية ،من تطرف وعنف وغلو ونحوها،
ومع ذلك فقد لحق بالمسلمين أذى كثيرا ،حيث كان مقتل الخليفة عمر بن الخطاب ،
على يد أبو لؤلؤة المجوسي ،وكان مقتل الخليفة عثمان بن عفان نه ،من طرف بعض
الغلاة ،وكان مقتل الخليفة علي بن أبي طالب بسبب الغلو أيضا.
رابعا :أسباب انتشار الفكر الضال:
إن أسباب نشأة هذا الفكر الضال متعددة ومتنوعة ،فقد يكون مرجع هذا الفكر أسبابا
فكرية ،أو نفسية ،أو ثقافية ،أو علمية ،أو اجتماعية ،أو يكون الباعث عليه دوافع اقتصادية
237
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
وتربوية...إلخ .وبالنظرة الشاملة المتوازنة نستطيع أن نجزم بأن الأسباب متشابكة ومتداخلة،
ولهذا لا ينبغي أن نقف عند سبب واحد ،فالظاهرة التي أمامنا ظاهرة مركبة معقدة ،وأسبابها
كثيرة ومتداخلة ،ومن ذلك:
أ -أسباب علمية :وتتمثل في غياب دور العلماء في المجتمع ،مما أدى إلى انتشار
جهال في ثياب علماء ،أفتوا فضلوا وأضلوا الناس ،فظهر من يتولى تربية الشباب ،واستغل
عواطفهم بتحميلهم أفكارا تؤدي لتحمسهم بلا ضابط ولا رادع ،ولا رجوع لأهل العلم
الصالحين ،الذين عرفوا الأمور ،ودرسوا معالم الإصلاح جيدا ،ولا نجد تعليلا لذلك إلا
الجهل ،والجهل داء عظيم ،وشر مستطير ،تنبعث منه كل فتنة عمياء وشر وبلاء.
والجاهل إذا سعى إلى الإصلاح فإنه ينتهج طرقا يظنها حسنة وهي خلاف ذلك،
فيسيء من حيث أراد الإحسان ،فيترتب على ذلك مفاسد عظيمة،كالذي يريد أن ينكر
وجود الكفار في بلاد الإسلام ،فيفجر مساكنهم وفيهم من ليس منهم .بل لقد أمرنا الإسلام
أن لا نسيء إليهم للعهد الذي بيننا وبينهم ،والأمان الذي أخذوه من ولي أمر المسلمين.
ب -أسباب ثقافية :وتتمثل هذه الأسباب في عزوف الناس عن الثقافة والعلم ،وظهور
طابور خامس متشبع بالقيم الفكرية المنحلة ،وقد أفسحت وسائل الإعلام أمامهم الباب
على مصراعيه.
وهذا أفرز لنا جهلاء بمقاصد الشريعة ،والتخرص على معانيها بالظن من غير تثبت،
أو الأخذ فيها بالنظر الأول ،ولا يكون ذلك من راسخ في العلم؛ كالخوارج الذين يخرجون
من الدين كما يخرج السهم من الرمية.
وهؤلاء ليس عندهم من الرسوخ في العلم ما يهديهم إلى الصواب ،أو يقف بهم دون
اقتحام حمى المشكلات ،فلم يكن بد من الأخذ ببادي الرأي ،أو التأويل بالتخرص الذي
لا يغني من الحق شيئا ،إذ لا دليل عليه من الشريعة ،فضلّوا وأضلوا.
ج -أسباب اجتماعية :وتتمثل هذه الأسباب في غياب القدوة الحقيقية للناس ،وإبعاد
القادة والعلماء الحقيقيين ،وتقديم المنحرفين على أنهم قدوة مثل الممثلين والفنانين والمطربين.
فضلا عن أن كثيرا من الشباب اليوم لا يحسنون استغلال الأوقات ،ولا إشغال النفس بما
238
الفصل الثالث عشر
ينفع ،فإن لم تشغل النفس بما ينفع تُشغل هي بما لا ينفع ،والفراغ النفسي والعقلي أرض
خصبة لقبولكل فكر هدام وغلو وتطرف ،فتتغلغل الأفكار ،وتغزو القلوب ،فتولد جذورا
يصعب قلعها إلا بالانشغال بالعمل الصالح والعلم النافع.
د -أسباب اقتصادية :وتتمثل هذه الأسباب في الفقر الذي تعاني منه بعض المجتمعات،
فالاقتصاد من العوامل الرئيسة في خلق الاستقرار النفسي لدى الإنسان ،فكلما كان دخل
الفرد مضطربا كان رضاه واستقراره غير ثابت ،بل قد يتحول هذا الاضطراب وعدم الرضا
إلى كراهية ،تقوده إلى نقمة على المجتمع .وهذا الحال من الإحباط يولد شعورا سلبيا تجاه
المجتمع ،ومن آثاره عدم انتمائه لوطنه ،ونبذ الشعور بالمسؤولية الوطنية ،ولهذا يتكون لديه
شعور بالانتقام ،وقد يستثمر هذا الشعور بعض المغرضين والمثبطين ،فيزينون له قدرتهم على
تحسين وضعه الاقتصادي ،دون النظر إلى عواقب ذلك وما يترتب عليها من مفاسد وأضرار.
(السدلان1437 ،هـ ،ص.)7
وأيما مجتمع تكثر فيه البطالة ويزيد فيه العاطلون ،وتنضب فيه فرص العمل ،فإن
ذلك يفتح أبوابا من الخطر على مصارعها ،من امتهان الإرهاب ،والجريمة ،والمخدرات،
والاعتداء ،والسرقة ،وما إلى ذلك .فعدم أخذ الحقوقكاملة ،وعدم توفير فرصة العمل ،يولد
سخطا عاما ،يشمل كل من بيده الأمر ،قَـُرب أو بُعد ،فإن الناس يحركهم الجوع والفقر
والعوز ،ويسكتهم المال.
ويمكن إجمال بعض العوامل الأخرى المؤدية إلى انتشار الفكر الضال والانحراف
الفكري في:
.1الجهل بالإسلام وبالعلم الشرعي ،وقلة الفقه في الدين ،وضحالة الحصيلة في العلوم
الشرعية.
.2إعراض بعض المسلمين عن دين الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا.
.3عدم أخذ العلم الشرعي من أهل العلم الراسخين فيه ،وبالتالي أصبحوا لا يقيمون وزنا
للعلماء الثقاة.
239
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
.4الجفوة بين العلماء والشباب ،والافتقار إلى وجود مرجعيات دينية موثوقة في بعض
البلاد الإسلامية.
.5التشدد في الدين والتنطع والخروج عن منهج الاعتدال الذيكان عليه النب صلى الله
عليه وسلم.
.6شدة الغيرة وقوة العاطفة لدى بعض الشباب بلا علم ولا فقه ولا حكمة ،ومع أن
الغيرة على محارم الله وعلى دينه أمر محمود شرعا ،إلاّ أن ذلك مشروط بالحكمة
والفقه ،ومراعاة المصالح ،ودرء المفاسد.
.7ضعف الولاء لولاة الأمر ،للجهل بفقه الولاية ،وضعف الولاء للوطن والمجتمع ،وغياب
فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
.8نقص التربية الإيجابية المعتدلة ،وقلة الفقه في الدين ،والعجز عن التمييز بين الكليات
والجزئيات ،وبين الفروع والأصول.
خامسا :مظاهر الفكر الضال
قد أشارت العديد من الدراسات إلى بعض مظاهر الفكر الضال عند هؤلاء الفئة ومن أهم
تلك المظاهر ما يلي:
أ -الغلو والتطرف:
والغلو يعرف بأنه "مجاوزة الحد بأن يزداد في الشيء في مدحه أو ذمه على ما يستحق ونحو
ذلك" (ابن تيمية1999 ،م ،ص.)289
وفي تعريف آخر هو" :المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد" (ابن حجر
1379هـ ،ج ،3ص.)276
ويعرف التطرف بأنه" :الانحياز إلى طرفي الأمر ،فيشمل الغلو ،لكن الغلو أخص
منه في الزيادة والمجاوزة ..أو بمعَن آخر كل غلو فهو تطرف ،وليس كل تطرف غلوا"
(الشبل1417 ،هـ).
240
الفصل الثالث عشر
فالغلو يدفع صاحبه إلى سوء الظن بالآخرين ،والحكم المسبق والجاد على ما يحملونه
من أفكار أو آراء ،وتجاوز الحدود في الإنكار على المختلف معه ،والميل إلى أصعب الحلول
وأبعدها ،مع وجود الأسهل والأقرب( .الدغيم1439 ،هـ).
ومن مظاهر الغلو كما يوضحها (اللويحق1420 ،هـ) بقوله :الغلو في مفهوم
الجماعة ،وجعل الجماعة التي أمرنا بلزومها جماعتهم الخاصة ،الغلو في التعصب للجماعة،
الغلو بهجرة المجتمعات ،الغلو بجعل الجماعة مصدر الحق ،الغلو بتحريم العمل في الوظائف
الحكومية ،الغلو في قائد الجماعة ،الغلو في مفهوم التقليد وإنكار الإجماع.
والغلو ليس من الدين الإسلامي في شيء ،فقد نهى الإسلام عنه ،وحث على
السماحة والتيسير ،فقد قال « :يسروا ولا تعسروا ،وبشروا ولا تنفروا ،إنما بعثتم ميسرين
ولم تبعثوا معسرين»( .البخاري1407 ،هـ).
اََّّللَ َعلَىوَمقاالَهتَداعاُكلْمىَ:ولََعَ﴿لُّ.كْ.ميُِترَي ُْدش اَُكَُّّلرلُوبَِن ُك﴾ُم[االْليُبقْسَررةَ:وَل5ا8يُِر1ي]ُد .بِ ُكُم الُْع ْسَر َولِتُ ْك ِملُوا الْعِ َّدةَ َولِتُ َكِبّرُوا
والإسلام دين الوسطية والاعتدال فلا إفراط أو تفريط في الاستجابة إلى أوامره
الَنّا ِس لِّتَ ُكونُوا تَشعِاهيلىداَ﴿...:و﴾َك َذ[لِالبَكقرةَ:جَع3لْنَ4ا ُ1ك ْ]م.أَُّمة
َعلَى ُشَه َداءَ َو َسطا واجتناب نواهيه ،قال
َويَ ُكو َن الَّر ُسوُل َعلَْي ُك ْم
ومن ذلك يتضح أن الغلو في الدين أمر حذر منه الشارع الحكيم ،وجعل حكمه
التحريم ،فهو يؤدي الى الفكر الضال ،والسقوط في هاوية التكفير ،واتهام الناس بالخروج عن
الإسلام ،واستباحة دمائهم وأموالهم.
ب -التكفير:
التكفير هو :نسبة أحد من أهل القبلة إلى الكفر ،أو الحكم عليه بالخروج من الإسلام ،ومن
ثم الاعتقاد بضرورة قتاله( .المالكي1430 ،هـ).
فالتكفير إخراج المسلم من ملة الإسلام ،بدون دليل أو برهان ،وإدخاله في ملة
الكفر ،وقد حذر الرسول « من التسرع في التكفير فقال"« :أيما رجل قال لأخيه يا كافر،
فقد باء بها أحدهما ،إن كان كما قال ،وإلا رجعت عليه﴿ (البخاري1407 ،هـ).
241
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
ومن مظاهر التكفير ،التكفير بالمعصية ،تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله ،تكفير الأتباع
المحكومين بغير ما أنزل الله ،تكفير الخارج عن الجماعة ،تكفير المعين دون اعتبار للضوابط
الشرعية ،الحكم على بلاد المسلمين بأنها داركفر (اللويحق1420 ،هـ).
ويترتب على الحكم بكفر بلاد المسلمين أن تستحل الدماء والأموال ،وأن يقوموا
بأعمال تخريبية تجاه بعض المسلمين أو المعصومين كالمعاهدين ونحوهم ،وأن يحملوا السلاح
للخروج على الحكام المسلمين (اللويحق1420 ،هـ).
ومن أسباب التكفير:
/1تصدر سفهاء الأحلام لأمور الدعوة إلى الله بلا فقه ولا تجربة ولا رجوع إلى العلماء أهل
الفقه والتجربة.
/2التسرع في إصدار الأحكام والمواقف لمجرد الشائعات أو القرائن والظنون.
/3الخطأ والجهل في منهج الاستدلال ،كالاستدلال بالنصوص على غير ما تدل عليه،
والجهل بفهم السلف وتفسيرهم للأدلة.
/4عدم اعتبار قواعد المصالح والمفاسد التي ينضبط بها إيمان الأمة وأمنها وأمانها.
/5أخذ العلم عن غير العلماء ،وتلقيه عن صغار المثقفين ،الذين لا يخرجون من فصيلة
العوام.
/6سرعة الاستجابة للفتن والتصرفات الغوغائية ،والتهييج عند كل صيحة ،دون الرجوع
إلى أهل العلم والفقه والرأي.
/7الإخلال بمفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأساليبه ،أو سلوك منهج أهل الأهواء
كالخوارج والمعتزلة وغيرهم.
/8ضعف الحكمة ،وقلة التجارب ،مما يجعل البعض يقعون في أخطاء وقع فيها السابقون
من أمثالهم ،فلم يستفيدوا من العبر والدروس( .الالباني2005 ،م ،ص.)16-14
ج -الإرهاب:
"والإرهاب" هو رعب تحدثه أعمال عنف ،كالقتل وإلقاء المتفجرات أو التخريب،
و"الإرهابي" هو َم ْن يلجأ إلى الإرهاب بالقتل أو إلقاء المتفجرات أو التخريب؛ لإقامة سلطة
242
الفصل الثالث عشر
أو تقويض أخرى ،و"الحكم الإرهابي" هو نوع من الحكم الاستبدادي ،يقوم على سياسة
الشعب بالشدة والعنف ،بغية القضاء على النزعات والحركات التحررية والاستقلالية.
وقد حاولت المنظمات الدولية كالأمم المتحدة تحديد مفهوم الفعل الإرهابي ،من
منطلق أن الإرهاب هو شكل من أشكال العنف المنظم ،بحيث أصبح هناك اتفاق عالمي
على كثير من صور الأعمال الإرهابية ،مثل الاغتيال والتعذيب ،واختطاف الرهائن
واحتجازهم ،وبث القنابل والعبوات المتفجرة ،واختطاف وسائل النقل ،كالسيارات
والأتوبيسات والطائرات أو تفجيرها ،وتلغيم الرسائل وإرسالها إلى الأهداف التي خطط
الإرهابيون للإضرار بها.
وبذا يكون الإرهاب فعلا يصدر من معتد على بريء ،يحدث له الخوف والرعب
والفزع ،سواء عن طريق تنفيذ أعمال العنف ،كالقتل والتخريب أو التهديد ،أو لأي سبب
كان ،سياسيا أو ماليا أو دينيا أو جنسيا ،أو عدوانا شخصيا لأسباب نفسية واجتماعية..
وهذا الإرهاب قد يصدر عن سلطة ظالمة ،أو دولة محتلة لشعب ،أو يصدر عن جماعة أو
فرد ،إنّما هو فعل موصوف معّرف ومحدد ،لذا فكل فعل ينطبق عليه هذا الوصف والتعريف
فهو إرهاب ،بغض النظر عن القائم به ،فردا كان أو جماعة أو دولة.
سادسا :الدور التربوي الوقائي من النحراف الفكري:
لا شك أن آثار الانحراف الفكري لا يقتصر على زعزعة الأمن والاستقرار ،بل تنعكس
آثاره على المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسة والنفسية والأخلاقية والإعلامية ،فهو
يؤثر على كافة المجالات تأثيرا سلبيا.
وقد استخدمت بعض المجتمعات وسائل تقليدية متنوعة ،للوقاية من الانحراف
الفكري والسلوكي ،أبرزها القوانين الجزائية ،والعقوبات ،والتدخل الأمني والقضائي،
والإصلاح العقابي ،والبحث الجنائي ،ومع أهميتها إلا أنها لم تحل هذه الوسائل دون انتشار
ظاهرة الانحراف الفكري والسلوكي ،وانتُقدت بأنها اعتمدت على المفعول الرادع للعقوبات،
وعلى تدابير ناتجة عن قرارات رسمية ،وليس عن دراسة الواقع ،ولا تشكل سياسة اجتماعية
عامة ذات بُعد أمني شامل( .عمران ،1422،ص.)76
243
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
والدور التربوي الوقائي ضد الانحراف الفكري والسلوكي ،دور يتجسد في خطط
وبرامج ومقررات دراسية ،موجهة نحو المتعلمين؛ لتنشئتهم وفق سلوك اجتماعي سليم،
وتحصينهم بالمبادئ والقيم الدينية والأخلاقية ،وتنمية شعورهم بالانتماء والولاء ،وصقل
شخصيتهم الإنسانية وتأهيلها ،وتعويدها على الالتزام بالوسطية والاعتدال ،والسلوك
الاجتماعي المسؤول .وهذا العمل لا يمكن أن ينجح إلا اذا تعاونت على تحقيقه الأسرة،
والمدرسة ،ووسائل الإعلام ،وكافة الجهات التي تعمل في ميدان البناء التربوي والاجتماعي.
وهذا هو صمام الأمان لوقاية المجتمعات من الانحراف الفكري وكافة الجرائم التي تتصاعد
نسب معدلاتها عام بعد عام.
إن المعطيات الإحصائية على مستوى الدول العربية تؤّكد زيادة معدلات الجريمة،
وظهور اتجاهات وظواهر جديدة مستحدثة في أنماط الإجرام ،نتيجة للتطورات الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية ،وتدهور الأوضاع المعيشية في الكثير من تلك الدول.
(أبوشامة ،1420،ص .)123كما أثبتت الدراسات أن أهم العوامل المقترنة بالجريمة والتي
تُوجد بدورها ظروفا مواتية لذلك هي :الفقر ،والبطالة ،وانخفاض المستوى التعليمي ،والافتقار
إلى السكن المناسب ،والخدمات الصحية الكافية ،والتحّول الحضاري السريع ،والزيادة في
حجم السكان ،والحراك الاجتماعي الكثيف ،وتفكك الروابط الأسرية...الخ (البداينة،
.)1420كل ذلك يحتِّم النظر إلى الأمن بمنظار شامل يستوعب كافة الجوانب :التربية
والتعليم ،والاقتصاد ،والسياسة ،والقضاء ،والإعلام ،والإدارة ،والأمن بمفهومه الشامل.
ومن المهم أن تتكاتف الأجهزة الرسمية والأهلية ،وأن تعمل على الالتحام بجد وواقعية
بمشكلات الشباب ،وتقديم حلول واقعية ،وخدمات ملموسة يحسها الإنسان ،وتجعله يترقب
المزيد منها ،بل يبحث عن دور يؤديه من خلال القنوات الشرعية في تدعيم مسيرة الإصلاح
والتنمية ،لأن ترك الشباب عاطلين يجعلهم صيدا سهلا لأصحاب النوايا والأهداف الشريرة.
(الشمري ،عكاظ1424 ،هـ ،رقم .)14 :13487
إن علاج الانحراف يكون في جانبين :أولهما :السلوك الذي نتج عنه ضرر،
وثانيهما :الفكر الذي أدى إلى هذا السلوك .وفي الجانب الأول لابد من تطبيق أحكام
244
الفصل الثالث عشر
الشرع على العابثين المعتدين ،وفي الجانب الثاني لابد من الحوار وهو ما أكده الرسل في
دعوة اقوامهم (الأزهر.)42 :1984 ،
وعطفا على ما سبق فإنه لابد من التركيز في المعالجة على عدة مستويات منها:
أ -المستوى السياسي :من خلال:
• استنكار وإدانة أهل الانحراف الفكري على جميع المستويات والتصدي لهم.
• دعوة المخطئ إلى الرجوع عن خطئه وبيان الحق بالمناقشة العلمية الهادئة.
• تجنّب الأساليب غير المجدية ،فالمصاب بهذا المرض لا يعالج بالتركيز على الوعظ
والتخويف ،وإنما بالحجج والبراهين والأدلة من الكتاب والسنة.
• وجوب الأخذ على يد المتورطين في الإخلال بالأمن والاستقرار ،وتطبيق العقوبات
اللازمة بحقهم.
• التحذير عبر وسائل الإعلام من أهل الانحراف الفكري ،الذين يريدون خرق سفينة
المجتمع ،وإغراق أهلها بخوضهم في آيات الله ،والجرأة على الإفتاء بغير علم.
• ضرورة التفريق بين الانحراف الفكري الذي لم يترتب عليه فعل ،وبين من أخل بفعله
بالأمن في مجتمعه.
• أن يستمر نهج الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتنموي وعلى جميع
المستويات وبوتيرة أسرع.
• تكاتف جميع أفراد المجتمع ضد الانحراف الفكري وكل الجرائم التي تهدد الأمن
والاستقرار.
ب -المستوى التربوي :من خلال:
غرس المفاهيم الصحيحة في عقول الناشئة بما تشتمل عليه من حصانة فكرية ،ووعي أمني،
والحفاظ على المكِّونات والموروثات الثقافية الأصيلة في مواجهة التيارات الثقافية الوافدة
والمشبوهة ،والإسهام في تهذيب السلوك .أما تجنب وقوع الطلاب في مهاوي الانحراف
الفكري ،فيتم من خلال قيام الأسرة والمدرسة بالآتي:
245
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية •
•
التمثل بالقدوة الحسنة من خلال المحاكاة وتقليد النماذج الصالحة وتعميق الولاء •
والانتماء. •
•
الالتزام بالقيم والثوابت العقدية ،والتقاليد المرعية ،النابعة من التعاليم والقيم الإسلامية •
النقية. •
•
اكساب الأبناء والطلاب تقديرهم لذواتهم الذي ينطلق من تقدير الآخرين لهم. •
تضمين التقدير والاحترام للأبناء والطلاب دون محاباة أو تفرقة أو تحيّز. •
توجيه ميول الأبناء والطلاب نحو اختيار ما يتناسب مع اتجاهاتهم واستعداداتهم في •
ضوء خصائص نموهم.
•
تقدير آراء الأبناء والطلاب ووجهات نظرهم دون تسفيه أو مصادرة ،أو فرض آراء
وأفكار الآباء والمربين بالقوة حول بعض الموضوعات والقضايا التي تهمهم والمجتمع.
تضمين المناهج الدراسية بعض المعلومات عن الأمن بمفهومه الشامل.
الحرص على إيجاد المدرس القدوة.
فتح قنوات الحوار والتواصل مع الأبناء والطلاب ،ومنحهم الفرص ليعبِّروا عن
أنفسهم وأفكارهم.
تبصير الناشئة وتنويرهم بالأخطار المحدقة بهم من حروب وكوارث ،واجتياح فكري
وثقافي لثوابتهم الأصيلة ،ومرجعيتهم الدينية ،والعمل على مساعدتهم على تنمية
قدراتهم على اكتساب الحصانة الذاتية.
مساعدة الأبناء والطلاب على الانتقاء المهني السليم لتخصصاتهم الدراسية
ومستقبلهم المهني والوظيفي ،واحترام العمل المهني والحرفي ،والتحذير من رفاق
السوء.
تنفيذ المسابقات العلمية والثقافية المختلفة ،وإشراك الطلاب في كافة انواع النشاط
الثقافي من ندوات ولقاءات ومحاضرات ومسرح.
246
الفصل الثالث عشر
• تشجيع الأبناء والطلاب ودفعهم إلى الاطلاع والقراءة وحب العمل ،بما يسهم في
توسيع دائرة ثقافاتهم في مختلف جوانب الحياة.
• غرس حب النظام والتعاون مع رجل الأمن.
• الاهتمام بالمحاور الأساسية في العملية التعليمية وهي :الطالب ،الأستاذ ،المنهج،
والبيئة المدرسية( .الخطيب.)1408 ،
ج -المستوى الديني :من خلال:
• تحصين فكر وعقول الشباب من أي انحراف فكري مضلل موجه من وسائل الإعلام
المختلفة ،وتحذير الشباب من خطورة الانجراف وراء الجماعات المتطرفة ،ويمكن
الوصول إلى ذلك من خلال مجموعة من الآليات منها :خطب الجمعة ،والندوات
الدينية الموجهة ،والمحاضرات ،والبرامج والحوارات المتلفزة ،والمؤلفات العلمية ،والشريط
المتوازن في الطرح.
• اختيار رجال الدعوة والوعظ والإرشاد من المتعمقين في العلوم الشرعية ،لكي
يصبحوا نماذج يحتذي بها الشباب ،بدلا من الانسياق وراء نماذج تحثهم على التطرف
والغلو.
• حث الخطباء ورجال الدعوة والوعظ والإرشاد بالتركيز على التوعية الأمنية ،وتوضيح
مخاطر الانحراف والتطرف.
• التأكيد في الخطاب الديني على وسطية الإسلام ،وإشاعة روح التسامح ،وقبول
الآخر ،والبعد عن الغلو والتكفير.
د -المستوى القتصادي:
من الطروحات المناسبة في هذا الإطار ،ضرورة تأهيل الشباب حسب متطلبات سوق العمل،
ومساعدتهم في الحصول على عمل ،حيث يمثل العمل إحدى القضايا الأساسية التي تُشعر
الفرد بقيمته الاجتماعية ،وانتمائه لوطنه.
فقضية توظيف الشباب لا يمكن اعتبارها قضية اقتصادية فحسب ،وإنما هي قضية
اجتماعية ،تتعلق بقضية إدماج الشباب في المجتمع واستيعابهم( .اليوسف.)2003،
247
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
والظروف الراهنة تتطلب من الجميع الإسهام في مسيرة التنمية ،وأن لا تصبح الدولة هي
المسؤولة عنكل جوانب التنمية دون أن يشارك الفرد بتأهيل نفسه.
سابعا :دور التربية الإسلامية في مواجهة الفكر الضال:
تواجه التربية الإسلامية الفكر الضال من عدة جوانب منها:
أ -المنهج الدراسي:
حيث تعد المناهج المدرسية هي عماد العملية التعليمية ،وهي الوعاء الذي تقدم من خلاله
المعلومة للطالب؛ لكي يستوعبها ويستقي منها ما يمكن أن يساعده في مسيرته التعليمية،
ولكي تصبح المناهج الدراسية قادرة على مسايرة العصر وقادرة على حماية المتعلمين من
بواعث الانحراف ،فإن هناك ضوابط معينة لا بد من توافرها في المناهج الدراسية ،لكي
تصبح قادرة على مواكبة التطورات السريعة في مجالات الحياة المختلفة ،ووضع خطة
استراتيجية للمنهج الدراسي بحيث تستلهم السياسة التربوية.
ويعتبر التحصين الفكري والسمو بالروح ،أقوى رادعين عن اعتناق الفكر الضال
المنحرف .هذه الحقائق أفرزت معطيات جديدة في التعامل مع الشأن التربوي ،وفتحت
فضاء واسعا لإعادة النظر فيكثير من المنطلقات التربوية والتعليمية ،من أجل صياغة جديدة
أكثر انسجاما ومواكبة مع ما يحدث في العالم اليوم من عولمة الثقافات ،والاقتصاد والإعلام
والمجتمعات ،والتعامل معها بشخصية الصانع لا المقلد ،مع الحفاظ على الثوابت وعدم
المساس بها ،والحرص على تأصيل التربية ،وبناء الوعي العميق (التويجري2005 ،م ،ص-1
.)2
إن مواجهة الفكر الضال تتطلب الاهتمام بالتعليم ،وتطوير مناهجه بما يتناسب مع
التقدم الحاصل في جميع المجالات ،فالبعض يأخذ على التعليم بوضعه الحالي ،أنه أحد اسباب
ظهور جيل يستنكف استعمال العقل ويحجم عن إعماله ،ويستهين بالحضارة الإنسانية،
ويحمل لها خالص الاحتقار ،ويجهل التواصل مع َتريخه وتنوعه وتعدد انتماءاته ،ولا يرى منه
إلا جانبا واحدا ،وحتى هذا الجانب لا يرى منه إلى وجها واحدا هو المضيء ،بينما جوانبه
الأخرى شتى ،شأنها شأن أي َتريخ ،وعليه فإننا لو نجحنا على المدى الطويل في تربية أجيال
248
الفصل الثالث عشر
تتجنب هذا الخطأ ،حيث يكون الهدف من التعليم ومناهجه ،إعمال العقل واستخدام
المنطق والأسلوب العلمي والمنطقي في التفكير ،لقضينا على جانبكبير من جوانب مشكلة
الفكر الضال (رشوان1997 ،م ،ص.)139-131
وهناك أمور عدة يجب التركيز عليها عند إعداد المناهج الدراسية وهي:
-التأكيد على أن من أهم أهداف التعليم في المملكة العربية السعودية هو غرس
العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوس الطلاب.
-أن الهجمة الشرسة التي توجه إلى مناهج التعليم في بلادنا ،وبخاصة من جانب
الغرب ،وبعض الفئات من الداخل ،بحجة أن هذه المناهج هي المسؤولة عن تفريخ
الإرهاب ،هجمة ظالمة ،لا تعكس الواقع ،ولا تمثل الحقيقة.
-أن مناهج التربية والتعليم في المملكة ،يجب مراجعتها وتطويرها ،ليس بهدف إرضاء
الغرب ،أو البعد عن الإسلام ،ولكن بهدف وضعها في صورة متكاملة شاملة ،مع
التركيز على الثوابت ،والبعد عن نقاط الاختلاف ،لدحض أكاذيب وأباطيل
المروجين ضد هذه المناهج( .الحريري2006 ،م ،ص.)129
وينبغي أن تهدف المواد الدراسية في مجملها إلى تعميق مفهوم الولاء الوطني لدى
جميع أفراد المجتمع ،حيث أصبحت التنشئة الوطنية إحدى الضرورات الأساسية في هذا
العصر الذي نعيشه ،لإيجاد إحساس عام بالالتزام والولاء للدولة وللمجتمع .والتربية الوطنية
يجب أن ينتج عن تدريسها سلوك ايجابي يتفاعل من خلال المواد الدراسية جميعها ،ويجب
أن يكون المعلم والمدرسة وجميع العاملين فيها قدوة ونموذجا للطلاب ،لتكريس مفهوم الولاء
الوطني ،ليكون سلوكا وممارسة ،وليس مواد نظرية تدرس بعيدا عن الواقع .لذا يجب أن تعاد
صياغة المناهج المدرسية لتساهم في التربية على مفاهيم الاعتدال الفكري بحيث تراعي ما
يلي:
-أن تنصبغ بصبغة الإسلام الصحيح ولا تتعارض معه.
-أن تهتم بالتاريخ الإسلامي لبعث روح العزة والأخوة الإسلامية.
249
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
-أن تُبرز أدب الخلاف في الإسلام ،وحرية الرأي ،واحترام الرأي الآخر ،وضرورة
مواجهة الفكرة بالفكرة.
-أن تعيش المناهج الواقع الحالي للأمة بكل تعقيداته ،وترسم الحلول المستقبلية له.
-أن تخصص برامج خاصة في المدارس ،لتوعية الطلبة بأمور دينهم ،ومستجدات
الواقع ،والتعليق على الأحداث الجارية.
-تبيين مخاطر الغلو والإفراط على الأمة ،وأن ذلك لا ينبع إلا من قلة العلم ،والجهل،
وضعف التأصيل ،وغياب المرجعية.
-تربية الطلبة على أهمية الحواركوسيلة للتعبير عن الرأي؛ لتحقيق التعايش من خلال
منهجية شاملة تلتزم بالأصول والضوابط الشرعية ،وترسيخ ممارسة حرية التعبير عما
يراه الطالب المسلم حقا ،وتقويم الاعوجاج بالحجة والاقناع ،وذلك لأن البديل
للحوار هو تداول هذه الأفكار بطريقة سرية غير موجهة.
-تعزيز المناهج المدرسية بمفاهيم التعامل مع أهل الديانات الأخرى ،وتبيين المفهوم
الصحيح للجهاد وأنواعه.
-بناء منظومة من القيم لدى الطلبة؛ ليصبحوا قادرين على تمييز ما تبثه وسائل الإعلام
المختلفة ،لتحصينهم من مفاهيم الغلو والتطرف.
-أن تتضمن المناهج المدرسية مجموعة من الأنشطة التعليمية القادرة على تعزيز مفاهيم
الاعتدال في عقول وأذهان وقلوب المتعلمين.
وفي هذا الجانب يجب التركيز على التربية الإسلامية في المناهج بكل مرتكزاتها،
فالتربية في الإسلام تمثل جوهر الدين وأداته الفاعلة إلى إعداد الفرد ،ليصل إلى كماله
الانساني ،وهي عملية منظمة تهدف إلى تنشئة الفرد الصالح ،الذي تزداد خبراتهكلما ازدادت
طاعته لله سبحانه وتعالى ،وكلما زاد صلاحه لنفسه ولغيره ،والتربية الإسلامية هي تلك
التربية التي تجمع بين تأديب النفس وتصفية الروح وتثقيف العقل وترويض الجسم ،وهي
كذلك التي تعَن بتهذيب الوجدان والخلق ،دون التضحية بأي منها على حساب الآخر.
250
الفصل الثالث عشر
ويشير (الحريري )2006 ،إلى أن مرتكزات التربية الإسلامية تمثل الأبعاد العامة لبناء
شخصية إسلامية تتمسك بالقيم السمحة ،وتتحصن بالعقيدة من مزالق الانحراف الفكري،
وما الإرهاب إلا ظاهرة عرضية من مظاهر الانحلال الديني والبعد عن الخط الرباني والهدي
النبوي (ص.)130-129
ب -معلم التربية الإسلامية:
يجب أن يتصف معلم التربية الإسلامية بثلاث صفات رئيسة:
الأولى :القوة العلمية التي تؤهله للتدريس ،بحيث يفهم المادة ،ويحسن تدريسها ،ويستطيع
الإجابة علىكل تساؤلات طلابه.
الثانية :سلامة المنهج ،بمعَن :أن يكون المعلم على منهج سليم ،غير متأثر بالأفكار الدخيلة
على مجتمعنا ،ولا يسير في ركب الأحزاب والجماعات.
الثالثة :حبه لعمله ،وشعوره بالمسؤولية الدينية ،والاجتماعية.
فمعلم التربية الإسلامية يمثل الأب ،وهو المرشد خارج نطاق الحياة الأسرية ،وعلى
المعلم أن يعاون الصغير في التغلب على الإعاقات والقصور والمشكلات التي تعيق نموه
وتعترض ميوله ،ومنهم من يعرقل المسيرة الصحيحة أمام أبنائه من الطلاب .وكونهم من
العناصر المهمة في العملية التعليمية ،فإنهم يؤثرون في تلاميذهم عن طريق القدوة ،وعن طريق
تشجيع الاستجابات المرغوبة وتدعيمها ،وإضعاف الاستجابات السلبية وإطفائها.
ولشخصية المعلم في قاعات الدراسة إسهام في تشكيل شخصيات الطلبة ،إذ أن
سمات المعلم تنعكس في أسلوب تعامله مع تلاميذه ،وطريقة تهذيبه لهم ،وهذا بدوره يؤثر في
اتجاهات التلاميذ نحو التعلم .ولذا فإنه من الضروري انتقاء معلمي التربية الإسلامية الذين
يقومون بالتدريس بكل دقة وحذر ،بحيث يتصفون بالفطنة والذكاء ،والقدرة على إيصال
المعلومة الصحيحة للطالب ،بالإضافة إلى المقدرة الشخصية التي تمكنهم من استيعاب
المتغيرات الحضارية التي يعيشونها ،وعكسها في المناهج الدراسية بشكل مشوق ،ويجب أن
يحفز المعلم طلابه على المناقشة والإبداع والتفكير بصورة علمية ،من خلال استشعار الواقع
251
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
والتأمل فيه ،وطرح الأفكار ومناقشتها بشكل مجرد من الأوامر والنواهي التي تأخذ قوالب
جاهزة.
ج -متابعة الأسرة:
البيت والأسرة بيئة ونظام اجتماعي لابد أن يقوم بدوره التربوي على الوجه الصحيح ،ولابد
أن تتعاون الأسرة مع المدرسة ،لتجنيب الشباب أشرارا مثل هذه الأنماط السلوكية المنحرفة
الضالة.
وعلى الأسرة أن تربي أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية ،وما تقتضيه في الولاء
والطاعة لله ولرسوله ،ولأولي الأمر ،واحترام النظام وتنفيذه ،وحب الوطن والاعتزاز به.
وعلى الأسرة دوراها التربوي تجاه الأبناء في حمايتهم من الفكر الضال ،نجمل هذا
الدور في الآتي:
.1الرقابة الواعية من قبل الآباء لأبنائهم ،تقود على انضباط السلوك ،أما التساهل
وإعطاء الحرية المطلقة لهم؛ فإن ذلك قد يقودهم إلى الأفكار الضالة.
.2أن يكون الآباء قدوة حسنة للأبناء في الالتزام بقيم الدين وأخلاق الإسلام.
.3أن يحرص الآباء على مراقبة سلوك الأبناء ،والتعرف على الأعراض والخصائص
التي يتسم بها صاحب الفكر الضال ،كي يتمكنوا من إنقاذهم قبل الوقوع في
خطر هذا الفكر.
.4توعية الآباء لأبنائهم بخطورة الفكر الضال ،وتوجيههم لسماع المحاضرات ذات
الصلة ،وتزويدهم بالمعلومات الصحيحة من وقت لآخر.
.5تحذير الآباء لأبنائهم من رفاق السوء في المدرسة أو الحي أو الشارع ،وتوجيههم
إلى حسن اختيار الأصدقاء.
.6تربية الأبناء على أداء العبادات على وجهها الصحيح ،فذلك كفيل بصون
الأبناء من الوقوع في الفكر الضال ،وعصمة لهم من الزيغ والانحراف.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال :قال « :كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته،
الإمام راع ومسئول عن رعيته ،والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته ،والمرأة راعية في
252
الفصل الثالث عشر
بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها ،والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته .قال:
وحسبت أن قد قال :والرجل راع في مال ابيه ومسئول عن رغيته وكلكم راع ومسئول عن
رعيته»( .البخاري .)893 ،فإنه إذا ُربي النشء على هذا خرج المجتمع كله صالحا.
النتائج:
.1أن الفكر الضال ظاهرة قديمة حديثة ،عانت منها الشعوب منذ القدم ولا زالت
تعاني ،وهي ذات آثار سلبية تفقد المجتمع أمنه ،وتحرمه من التطور.
.2أن الفكر الضال لا دين له ولا وطن ،وهو يناقض قيم الدين الإسلامي وأخلاقه،
وأن إلصاق تهمة الفكر الضال بالإسلام تهمة باطلة.
.3تمثل التربية الإسلامية نموذجا تربويا فريدا يبني الشخصية بناء متكاملا ،ويحصنها
من الوقوع في الأفكار الضالة.
.4تعد التربية الإسلامية الحقة هي أهم وسيلة لمواجهة الفكر الضال والتطرف
لاهتمامها بالتربية الوقائية والتربية العلاجية على حد سواء في مواجهة التحديات.
.5الأخذ بمبادئ التربية الإسلامية العقدية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية من
أهم العوامل لمواجهة الفكر الضال والتطرف ،لو أُحسن تطبيقها بشكل جيد في
مؤسسات التربية المختلفة.
التوصيات:
وفي ضوء النتائج السابقة يوصي الباحث بما يلي:
.1عقد دورات وورش عمل متخصصة للآباء والمعلمين يتم من خلالها تداول أسباب
الفكر الضال ومظاهره ،وكيفية علاجه.
.2الاهتمام بالمواقع الالكترونية في المدارس والجامعات لتوعية الطلاب حتى لا يقعوا
فريسة لبعض المواقع المشبوهة.
.3إصدار مطويات ونشرات دورية ،تكشف عن خطورة الفكر الضال ،يتم توزيعها
في المدارس والجامعات وحتى المنازل.
253
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
.4ضرورة تأهيل المعلمين تأهيلا يمكنهم من مراعاة المرحلة العمرية للطالب والمتغيرات
المتسارعة التي يعيشها الطالب في هذا العصر.
.5ضرورة التعاون والتكامل بين المؤسسات التربوية والأجهزة الأمنية للقيام بالدور
الوقائي في مواجهة الفكر الضال ومظاهره.
.6ضرورة الرد من قبل العلماء ورجال التربية على التهم الباطلة التي تصف الإسلام
بأنه يدعو إلى الغلو والتطرف والإرهاب ،مع بيان الصورة الناصعة لدين الإسلام.
.7إجراء مزيد من البحوث العلمية للكشف عن الأضرار الأخرى التي يسببها الفكر
الضال ولاكتشاف طرق أكثركفاءة في علاج هذا الفكر.
.8إنشاء مراكز البحوث والدراسات المتخصصة ،ودعمها ماليا وبشريا ،وتهيئة كل
السبل لنجاحها ،وذلك لدراسة الظواهر السلبية المستجدة.
1الأستاذ المشارك بكلية الجبيل الجامعية.
254
الفصل الرابع عشر
الشذوذ من فتاوى ابن أبي عقيل العماني
رضا مح ّب مجد1
المقدمة:
الحسن بن علي بن أبي عقيل أبو محمد العماني الح ّذاء ،منکبار الفقهاء والمتكلّمين في القرن
الرابع من الهجرة" ،وعن العّلمة الطباطبائي (بحر العلوم) أنّه قال :إ ّن رجال هذا الشيخ
الجليل في الثقة والعلم والفضل والكّلم والفقه أظهر من أن يحتاج إلى البيان وللأصحاب
مزيد اعتناء بنقل أقواله وضبط فتاواه خصوصا الفاضلين ومن تأ ّخر عنهما وهو أّول من
ه ّذب الفقه و استعمل النظر" 2وهو الذي بنى الفقه الاستدلالي وتبعه تلميذه محمد بن
أحمد بن الجنيد الإسکافي اللذان عبر فقهاؤنا عنهما بـ"القديمين والأقدمين".
كتب ابن أبي عقيلکتاب "المتم ّسك بحبل آل الرسول" صلى اّهلّل عليه وآله وسلم
في الفقه وكتاب "الكّر والفّر" في الإمامة.
"كانكتاب ابن أبي عقيل ]المتم ّسك بحبل آل الرسول[ كتاباً فقهيّاً جامعاً لأبواب
الفقه مشهوراً عند الخاص والعام وينقل عنه العلماء في مصنفاتهم إلى زمن العّلمة الحلي بل
إلى زمن الشهيد الثاني قدس سرهما كما يلوح من بعض عباراته"" .3ومن طرائف الأمور أن
كتاب ابن أبي عقيل ،الذي نجا في أحداث عصره من الضياع ،واشتهر منذ حياة صاحبه،
وأخذ مكانه المحترم قرونا في أيدي الناس ومكتبات الفقهاء ،عادت أحداث الزمان فأضاعت
نسخته وأفقدتنا هذه الثروة في الفقه الإسّلمي على مذهب أهل بيت النبي صلى الله عليه
وآله".4
وأما بالنظر إلی فتاوی ابن أبي عقيل التي نقلها الفقهاء بعده فيکتبهم ،له فتاوی
شاذّة خّلف المشهور من آراء فقهاء الشيعة قبله وبعده ،أکثر خّلفاً بالنسبة إلی بقية
نحو تجديد الفكر الإسّلمي والمؤسسات التعليمية والإسّلمية
الفقهاء ،کقوله بعدم نجاسة الماء القليل بمجرد مّلقاة النجاسة وهو أول من قال هذا من
مجتهدي الإمامية موافقا لقول مالك من أئمة المذاهب الأربعة ،ومن أغرب ما نقل عنه في
الفتوى في بحث القراءة في الصّلة من أن من قرأ في صلوات السنن في الركعة الأولى ببعض
السورة وقام في الركعة الثانية ابتدأ من حيث قرأ ولم يقرأ بالفاتحة ،وهو غريب.
يصل شذوذ فتاويه على الأقل إلى 63فتوی شاذّة قد استخرجت 31فتوی منها
من خّلل فتاويه المذکورة في الکتب الفقهية بعده التي کان أعظمها وأجمعها هو کتاب
"مختلف الشيعة في أحکام الشريعة" لأبي منصور الحسن بن يوسف المطهر الأسدي الملقب
بالعّلمة الحلي ( )726 - 648وبعضها في کتاب آخر له المسمی بـ"تذکرة الفقهاء".
إنني قد تعرضت في هذه المقالة شذوذ الفتاوی لابن أبي عقيل علی ما ذکرها
العّلمة في کتابيه بالنسبة إلی الکتب والأبواب الفقهية.
کتاب الطهارة:
)1اتفق علماؤنا إلا ابن أبي عقيل على أ ّن الماء القليل -وهو ما نقص عن الكر -ينجس
بمّلقاة النجاسة له سواء تغّّي بها أو لم يتغّّي وقال ابن أبي عقيل :لا ينجس إلا بتغّّيه
بالنجاسة وساوى بينه وبين الكثّي 5وبه قال مالك بن أنس من الجمهور.6
)2دم الاستحاضة إنكان قليّل وهو أن يظهر على القطنةكرؤوس الإبر ولا يغمسها وجب
عليها تغيّي القطنة والوضوء لكل صّلة ،ذهب إليه أكثر علمائنا ...وقال ابن أبي عقيل
منا :لا يجب في هذه الحالة وضوء ولا غسل .7وبه قال مالك.8
)3المشهور أ ّن غسل الإحرام مستحب ...وقال ابن أبي عقيل :إنّه واجب.9
)4المشهور استحباب جريدتين طولك ّل واحدة قدر عظم الذراع ...وقال ابن أبي عقيل:
مقدارك ّل واحدة أربع أصابع إلى ما فوقها.10
)5المشهور في عدد الضربات :التفصيل ،فإن كان التيمم بدلا من الوضوء ضرب بيديه
على الأرض ضربة واحدة للوجه والكفين ،وإن كان بدلا من الغسل ضرب ضربتين ضربة
للوجه وأخرى لليدين ...وقال السيد المرتضى :الواجب ضربة واحدة في الجميع وهو اختيار
ابن الجنيد وابن أبي عقيل.11
256
الفصل الرابع عشر
)6الخمر وكلّ مسكٍر والفقاع والعصّي إذا غّل قبل ذهاب ثلثيه بالنار أو من نفسه نجس
أو جسده خمر ثوبه من أصاب لأمكيثركنعلعملايئهناغ..س.لهوقمااللأأبّنواّلّعلل تّيعاالبىنإأّنبايحعرقميهلم:ا ذهب إليه
نجسان وكذلك ّنما تعبدا لا لأ أو مسكر
سبيل العصّي والخل إذا أصاب الثوب والجسد.12
کتاب الصلاة:
)1الأذان والإقامة مستحبان في جميع الفرائض اليومية للمنفرد والجامع على أقوى الأقوال-
وبه قال الشافعي ،وأبو حنيفة وقال السيد المرتضى ،وابن أبي عقيل :بوجوب الأذان والإقامة
في الغداة والمغرب وبوجوب الإقامة علی الرجال في جميع الصلوات.13
)2قال ابن أبي عقيل :من قرأ في الصلوات السنن في الركعة الأولى ببعض السورة وقام في
الركعة الأخرى ابتدأ من حيث بلغ ولم يقرأ ب «الفاتحة» ،وأصحابنا لم يعتبروا ذلك.14
)3أوجب ابن أبي عقيل تكبّي الركوع والسجود وهو اختيار سّلر ،وأوجب سّلر تكبّي
القيام والقعود و الجلوس في التشّهدين أيضاً ،والمشهور عند علمائنا الاستحباب.15
)4المشهور عند علمائنا استحباب القنوت وقال ابن أبي عقيل :من تركه متع ّمدا بطلت
صّلته وعليه الإعادة ومن تركه ساهياً لم يكن عليه شيء.16
)5المشهور أنّه يصلّى على الصبي إذا بلغ ست سنين ولا يصلّى وجوبا على من نقص عن
ذلك ...وقال ابن أبي عقيل :لا يصلّى على الصبي ما لم يبلغ.17
کتاب الصوم:
)1قد بيّنا أنّه فرق بين أن يفطر في قضاء رمضان قبل الزوال وبعده فتجب الكّفارة لو أفطر
بعده ولا تجب لو أفطر قبله ...والجمهور كافة -إّلا قتادة -على سقوط الكّفارة فيهما
وقتادة أوجبها قبل الزوال وبعده وابن أبي عقيل من علمائنا أسقطها بعد الزوال أيضا والمشهور
ما بيّناه.18
)2المشهور أ ّن تع ّمد البقاء على الجنابة من غّي عذر في ليل شهر رمضان إلى الصباح
موجب للقضاء والكفارة وقال ابن أبي عقيل :يجب به القضاء خاصة دون الكفارة.19
257
نحو تجديد الفكر الإسّلمي والمؤسسات التعليمية والإسّلمية
)3المشهور ا ّن من أكره زوجته على الجماع في ّنار رمضان وجب عليه كّفارتان وقال ابن
أبي عقيل :لو ا ّن امرأة استكرهها زوجها فوطئها فعليها القضاء وحده وعلى الزوج القضاء
والكفارة ،فإن طاوعت زوجها لشهوة فعليها القضاء والكفارة جميعا.20
)4المشهور أ ّن كفارة إفطار يوم من شهر رمضان عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو
إطعام ستين مسكينا مخّّي في ذلك ...وقال ابن أبي عقيل :الكفارة عتق رقبة ،فإن لم يجدها
فصيام شهرين متتابعين ،فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ،وهذا يد ّل على الترتيب.21
)5قال ابن أبي عقيل :إن خرج متنزهاً أو متلذذاً أو في شيء من أبواب المعاصي يصوم
وليس له أن يفطر وعليه القضاء إذا رجع الى الحضر لأن صومه في السفر ليس بصوم ...
والمشهور أنّه يجب عليه الصوم إذاكان سفره معصية ولا يجب عليه القضاء.22
کتاب الحج:
[ )1قد بيّنّا] أ ّن القارن هو الذي يسوق عند إحرامه بالحج هديا عند علمائنا أجمع إّلا ابن
أبي عقيل ،فإنّه جعله عبارة ع ّمن قرن بين الحج والعمرة في إحرام واحد وهو مذهب العاّمة
بأسرهم.23
)2المشهور أ ّن السبعة في بدل الهدي لا يجب فيها التتابع وقال ابن أبي عقيل :وسبعة
متتابعات إذا رجع إلى أهله.24
)3المشهور ا ّن الطهارة ليست شرطا في السعي بل هي مستحبة ...وقال ابن أبي عقيل:
لا يجوز الطواف والسعي بين الصفا والمروة إلّا بطهارة.25
)4المشهور أنّه يرمي جمرة العقبة من قبل وجهها لا من أعّلها وقال ابن أبي عقيل :يرميها
من قبل وجهها من أعّلها.26
)5قد أجمعت الإمامية إّلا ابن أبي عقيل على تسويغ العمرتين في شهرين .قال ابن أبي
عقيل :لا يجوز عمرتان في عام واحد.27
کتاب الزکاة:
258
الفصل الرابع عشر
)1المشهور ا ّن ]فی الزکاة[ في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه فاذا زادت واحدة وجب
بنت مخاض أو ابن لبون ذكر ،ذهب إليه الشيخان والسيد المرتضى وابنا بابويه وسّلر وأبو
الصّلح وابن البراج وباقي علمائنا إلا ابن أبي عقيل وابن الجنيد فإّنما أوجبا في خمس
وعشرين بنت مخاض.28
کتاب النکاح:
)1المشهور :أ ّن الرضاع في الحولين ينشر الحرمة سواء كان قد فطم قبل الحولين أو لا وقال
ابن أبي عقيل :الرضاع الذي يحّرم عشر رضعات قبل الطعام ،فمن شرب بعد الطعام لم يحّرم
ذلك الشرب.29
)2المشهور عند علمائنا أجمع -إّلا ابن أبي عقيل والصدوق -تحريم أم الزوجة مؤبّداً سواء
دخل بالبنت أو لا ،ذهب إليه الشيخان وسّلر وأبو الصّلح وغّيهم.
ِمن بَِهوَِرَبهّنائِفبَُِإُكنُملَّمْالتَهّلُكِوتنُواِفيَد َخُحْلتُُْجموبِِرهُِك َْمّن قاالآليةاّهلّلشرتطعاا،لىف:قال﴿َ:وأَُّم ه﴿هاالهُّلتِتنِ هَدسائَِخْلُتكُْْمم عقيل: وقال ابن أبي
فَهّل شرط في نِّ هسائِ ُكُم﴾ ثَمّ
ُجهنا َح عَلَْي ُك ْم﴾ فالشرط عند آل الرسول في الأّمهات والربائب جميعا الدخول وإذا تزّوج
الرجل المرأة ثَمّ ماتت عنه أو طلّقها قبل أن يدخل بها فله أن يتزّوج بأّمها وابنتها.30
)3المشهور عند علمائنا أنّه لا يشترط في العقد الولي ولا الشهود وقال ابن أبي عقيل :نكاح
الإعّلن نكاح الدائم الذي لا شرط فيه ولا أجل ولا يجوز إّلا بولّي مرشد وشاهدي عدل.31
کتاب الطلاق:
)1المشهور :أ ّن الرجل إذا قال لامرأته :لم أجدك عذراء لم يجب عليه الح ّد تاما ،بل يعّزر
تأديبا ...وقال ابن أبي عقيل :ولو أ ّن رجّل قال لامرأته :لم أجدك عذراء ،جلد الح ّد.32
کتاب الصيد وتوابعه:
)1المشهور عند علمائنا :تحريم ذبائح الكّفار مطلقاً سواءكانوا أهل ملّةكاليهود والنصارى
والمجوس أو لا،كعبّاد الأوثان والنّيان وغّيهما ...وقال ابن أبي عقيل :ولا بأس بصيد اليهود
والنصارى وذبائحهم ولا يؤكل صيد المجوس وذبائحهم.33
259
نحو تجديد الفكر الإسّلمي والمؤسسات التعليمية والإسّلمية
کتاب الحدود:
)1المشهور :أ ّن المرأة [الزانية] لا نفي عليها ...وكّلم ابن أبي عقيل يد ّل على أّنا تنفي
سنة كالرجل.34
)2المشهور بين علمائنا :أ ّن النصاب الذي يجب فيه قطع السارق ربع دينار ذهبا خالصا
أو ما قيمته ذلك ،سواء كان منقوشا أو لا ...وقال ابن أبي عقيل :والسارق عند آل
الرسول عليهم السّلم يقطع في ك ّل شيء سرق إذا بلغ قيمة ما يسرق دينارا فصاعدا.35
)3المشهور :أنّه لا قطع على من سرق من المساجد والأسواق وقال ابن أبي عقيل :يقطع
السارق من أ ّي موضع سرق من بيت كان أو سوق أو مسجد أو غّي ذلك.36
کتاب القصاص والدیات:
)1المشهور :أ ّن في المنقلة خمسة عشر بعّياً وقال ابن أبي عقيل... :وفي المنقلة عشرين من
الإبل.37
المصادر:
.1دولة الکويت ،الموسوعة الفقهية .الکويت :وزارة الاوقاف والشؤون الاسّلمية ،ط،1
1427ه.
.2العّلمة الحلّي ،حسن بن يوسف بن مطهر اسدى .تذكرة الفقهاء .محقق:گروه پژوهش
مؤسسه آل البيت عليهم السّلم ،قم :مؤسسه آل البيت عليهم السّلم ،اول.1414 ،
.3العّلمة الحلّي ،حسن بن يوسف بن مطهر أسدي .مختلف الشيعة في أحكام الشريعة.
محقق :گروه پژوهش دفتر انتشارات إسّلمى ،قم :دفتر انتشارات اسّلمى وابسته به جامعه
مدرسين حوزه علميه قم ،دوم.1413 ،
.4العماني ،حسن بن على بن ابى عقيل الح ّذاء ،حياة ابن أبي عقيل وفقهه .قم :مركز
معجم فقهى ،ايران ،اول.1413 ،
260
الفصل الرابع عشر
1أستاذ الفقه ومبادئ القانون الإسّلمي ،جامعة پيام نور ،طهران ،إيران،
[email protected]
2عبد الله المامقاني ،تنقيح المقال في علم الرجال( ،النجف الأشرف :المطبعة المرتضوية1352 ،ه) ،ج،1
ص.291
3العماني ،حسن بن علي بن أبي عقيل الح ّذاء ،حياة ابن أبي عقيل وفقهه( ،قم بإيران :مركز معجم فقهي،
أول1413 ،ه) ،ص.6
4أيضاً ،ص.7
5العّلمة الحلّي ،حسن بن يوسف بن مطهر الأسدي ،مختلف الشيعة في أحكام الشريعة ،محقق:گروه
پژوهش دفتر انتشارات اسّلمى ،چاپ دوم (قم :دفتر انتشارات اسّلمى وابسته به جامعه مدرسين حوزه
علميه قم1413 ،ه) ،ج ،1ص.176
6دولة الکويت ،الموسوعة الفقهية( ،الکويت :وزارة الأوقاف والشؤون الإسّلمية ،ط1427 ،1ه)،
ج ،39ص.269
7العّلمة الحلّي ،حسن بن يوسف بن مطهر الأسدي ،تذكرة الفقهاء (الطبعة الحديثة) ،محقق :گروه
پژوهش مؤسسه آل البيت عليهم السّلم( ،قم :مؤسسه آل البيت عليهم السّلم ،أول1414 ،ه) ،ج،1
ص.279
8دولة الکويت ،الموسوعة الفقهية ،ج ،3ص.32
9العّلمة الحلّي ،مختلف الشيعة في أحكام الشريعة ،ج ،1ص 315
10أيضاً ،ج ،1ص.394
11أيضاً ،ج ،1ص.430
12أيضاً ،ج ،1ص.469
13العّلمة الحلّي ،تذكرة الفقهاء ،ج ،3ص.75
14العّلمة الحلّي ،ج ،2ص.160
15أيضاً ،ج ،2ص.170
16أيضاً ،ج ،2ص.173
17أيضاً ،ج ،2ص.299
18العّلمة الحلّي ،تذكرة الفقهاء ،ج ،6ص.59
19العّلمة الحلّي ،مختلف الشيعة في أحكام الشريعة ،ج ،3ص.406
261
نحو تجديد الفكر الإسّلمي والمؤسسات التعليمية والإسّلمية
20أيضاً ،ج ،3ص.428
21أيضاً ،ج ،3ص.438
22أيضاً ،ج ،3ص.476
23العّلمة الحلّي ،تذكرة الفقهاء (الطبعة الحديثة) ،ج ،7ص.178
24العّلمة الحلّي ،مختلف الشيعة في أحكام الشريعة ،ج ،3ص.509
. 25أيضاً ،ج ،4ص.211
26أيضاً ،ج ،4ص.265
27أيضاً ،ج ،4ص.360
28أيضاً ،ج ،3ص.168
29أيضاً ،ج ،7ص.35
30أيضاً ،ج ،7ص .48
31أيضاً ،ج ،7ص.118
32أيضاً ،ج ،7ص.452
33أيضاً ،ج ،8ص.315
34أيضاً ،ج ،9ص.152
35أيضاً ،ج ،9ص.227
36أيضاً ،ج ،9ص.246
37أيضاً ،ج ،9ص.437
262
الفصل الخامس عشر
العلامة محمد ناصر الدين الألباني ودوره في خدمة المجتمع
المجتمع الباكستاني نموذجا
حافظ عبد الحنان حامد1
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين ،أما بعد :فإن خدمة الإسلام والمسلمين من أشرف المهام التي يشرف
المسلمون بالقيام بها انطلاقا من قول الله تعالىُ ﴿ :كنتُ ْم َخَْْي أَُّمٍة أُ ْخ ِر َج ْت لِلَنّا ِس ََتُْمُرو َن
ِبلْ َم ْعُرو ِف َوتَْن َهْو َن َع ِن الْ ُمن َك ِر َوتُْؤِمنُو َن ِبََّّلِل﴾ [آل عمران ،]110:وعلى أساس من
هذه القاعدة من الوعي بالالتزام وتحمل التكاليف في العون والنصرة تقوم مهام خدمة
الإسلام التي تشمل تبليغ الكتاب والسنّة ودعوة التوحيد الخالص للناس كافّة ،قوله تعالى:
﴿َوَما أَْر َسْلنَا َك إِلَاّ َكا َفّةً لِلَنّا ِس بَ ِشْياً َونَ ِذيراً﴾ [سبا ]28:وللدعوة الأثر الكبير في فلاح
الأمم ،وتسابقها في مضمار الحياة الزاهرة ،وهذا ما يجعلها بالمكانة السامية في نظر الشارع
الحكيم ،وقد ألقى عليها الإسلام عناية شديدة فعهد إلى الأمة بأن تقوم طائفة منها على
الدعاء إلى الخير وإسداء النصيحة للأفراد والجماعات قال تعالىَ﴿ :ولْتَ ُكن ِمن ُك ْم أَُّمةٌ
يَْدعُو َن إَِل الْخَِْْي َوََيُْمُرو َن ِبلْ َم ْعُرو ِف َويَْن َهْو َن َع ِن الْ ُمن َك ِر َوأُوَٰلَئِ َك ُه ُم الْ ُمْفلِ ُحو َن﴾ [آل
عمران.]104:
فالآية ناطقة بأن الدعاء إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة
ملقاة على رقاب الأمة ،والقيام بهذه الفريضة في وقتنا الحاضر له مستويات متعددة ،سواء
مستوى الأفراد أو الجماعات أو المؤ ّسسات أو الجمعيّات أو المجتمعات أو الحكومات،
لكي تقوم هذه الأمة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر.
هناك عدة فرق عبر التاريخ ،منها أهل السنّة والجماعة ،هم الفرقة الناجية
والطائفة المنصورة الذين أخبر النبي عنهم بأنهم يسيرون على طريقته وأصحابه الكرام
الفصل الخامس عشر
دون انحراف؛ فهم أهل الإسلام المتبّعون للكتاب والسنّة ،المجانبون لطرق أهل الضلال،
ومن أهل السنّة والجماعة ،جماعة أهل الحديث (السلفيون) في شبه القارة الهندية
الباكستانية التي قامت على الدعوة لاتباع الكتاب والسنّة وفهمهما على ضوء فهم
السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان ،وتقديمهما على كل قول ورأي
سواء كان في العقائد أو العبادات أو المعاملات أو الأخلاق أو السياسة على طريقة
الفقهاء المحدثين ،ومن حيث الدعوة لا يخرج فكرها من دعوة إلى التم ّسك بكتاب الله
وسنة نبيه وإجماع السلف الصالح.
والعلامة محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله -يعتبر من الذين صرفوا حياتهم
كلها في خدمة الدين الحنيف ،وساروا على منهج السلف الصالح ،واهتموا بنشر دعوة
عقيدة التوحيد الصحيحة في ضوء الكتاب والسنّة ،وفي ضوء فهم الصحابة والتابعين لهم
بإحسان الذين عاشوا العصر الذهبي الذي شهد له النبي بالخير في النصوص الشرعية،
وتركوا آثارا بارزة على مسيرة الأمة المحمدية ولذا كتب الله لدعوته قبولا عاما في أرجاء العالم
الإسلامي؛ ومنها جمهورية باكستان الإسلامية التي انتشرت فيها كتبه ورسائله وتحقيقاته
بسرعة عجيبة في أقاصي البلاد في حياته وبعد مماته ،وأقبل عليها أهل العلم وطلابه،
وينهلون منها وينتفعون بها ،وحمل هذه الدعوة المباركة أصحابه وتلاميذه في حياته في
البلاد العربية ونقلوها إلى بلاد المغرب وإلى بلاد الهند.
فمن هذا المنطلق جاء هذا البحث الموجز بعنوان "العلامة محمد ناصر الدين
الألباني ودوره في خدمة المجتمع :المجتمع الباكستاني نموذجا" ولا شك أن دور العلامة
الألباني قد ترك أثرا عميقا في قلب الجزيرة العربية بالدرجة الأولى كما أن صداها بلغت
مناطق بعيدة في باكستان الإسلامية ،وتأثر بها كثير من العلماء المحققين والدعاة
المخلصين الربانيين من جماعة أهل الحديث خصوصا ومن جماعات أخرى عموما بسبب
تميّزه في سعة علمه وعمق فهمه وصحة معتقده وقوة ح ّجته وثباته على الحق ،ولذا قسم
الباحث هذا المقال على مبحثين أساسيين ،وفيكل مبحث ثلاثة مطالب:
264
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
المبحث الأول :التعريف بالعلامة محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله-
المطلب الأول :نبذة عن حياة العلامة الألباني
المطلب الثاني :أبرز تلاميذ العلامة الألباني من باكستان
المطلب الثالث :بيان موقف علماء باكستان عن شخصية الألباني
المبحث الثاني :أثر العلامة الألباني –رحمه الله -في المجتمع الباكستاني
المطلب الأول :أثره في المجال العلمي
المطلب الثاني :أثره في المجال الدعوي والتربوي
المطلب الثالث :أثره في أمن المجتمع الباكستاني
المبحث الأول :التعريف ِبلعلامة محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله-
المطلب الأول :نبذة عن حياة العلامة الألباني
الولادة والنش أة:
العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني أحد أبرز علماء الحديث البارزين في العصر
الحديث ،ولد –رحمه الله -في مدينة أشقوردة بألبانيا سنة 1332هـ الموافق 1914م في
أسرة فقيرة متدينة ثم هاجرت أسرته إلى دمشق ،وأكمل دراسته الابتدائية في مدرسة
الإسعاف الخيري بدمشق ،ودرس على أبيه وعلى بعض المشائخ في دمشق ،وفقه الحنفي
كان سائدا في الشام آنذاك ،وكان أبا الشيخ حنفيا مقلدا ومتعصبا ،وكان يحذره من
الاشتغال بعلم الحديث ،أما الشيخ الألباني –رحمه الله -كان متوجها إلى علم الحديث
بسبب تأثره بأبحاث مجلة "المنار" التي كان يصدرها العلامة رشيد رضا في مصر ،والشيخ
كان يواظب على مطالعة مجلة "المنار" والاستفادة من أبحاثها وخاصة تحقيقاتها في علم
الحديث حيث أصبح اهتمامه بالحديث وعلومه شغله الشاغل ،وصار معروفا بذلك في
الأوساط العلمية في دمشق ،حتى خصصت له إدراة المكتبة الظاهرية بمدينة دمشق غرفة
خاصة ليقوم فيها بأبحاثه العلمية المفيدة وسمح له أن يدخلها وقت ما شاء.2
265
الفصل الخامس عشر
وانشغال الشيخ –رحمه الله -بحديث رسول الله أخذه إلى التم ّسك باتباع
الدليل الصحيح من القرآن الكريم والسنّة الشريفة وكذلك توجهه إلى كتب شيخ الإسلام
ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من أعلام المدرسة السلفية حتى بدأ يناقش والده وبقية شيوخه
حول قضايا التوحيد والشرك والتقليد والتعصب المذهبي والبدع والخرافات فأتى بدعوة
سلفية قائمة على الکتاب والسنّة ،وحمل راية الدعوة إلى عقيدة التوحيد ،وح ّث العلماء
على المنهج العلمي الأصيل حسب فهم السلف وإزالة الجمود المذهبي ونبذ التعصب
المسلكي والحزبي الذی سيطر علی عقول کثير من المسلمين 3وقد أمر الله سبحانه أهل
الإيمان بلزوم کتابه حيث قالَ﴿ :وا ْعتَ ِص ُموا ِِبَْب ِل اََّّلِل ََِجيًعا َولَا تََفَّرقُوا﴾ [آل
عمران .]103:وقالََ﴿ :ي أَُيَّها الَنّا ُس قَ ْد َجاءَُكم بُْرَها ٌن ِمن َّربِ ُك ْم َوأَنَزلْنَا إِلَْي ُك ْم نُوًرا
ُّمبِينًا﴾ [النساء.]174:
نشاطاته الدعوية والعلمية:
نشط الشيخ الألباني –رحمه الله -في دعوته من خلال دروس ومحاضرات
وندوات ولقاءات ومقالات وردود بأسلوب دقيق ،قائم علی أدلة من الکتاب والسنة
الذی يتميز بالحكمة والموعظة الحسنة والاعتدال والتوسط حتى ترك إرثا ضخما فی صورة
المصنفات والفتاوی والمواد التسجيلية الصوتية وغيرها .بدأ الشيخ –رحمه الله -الحلقات
العلمية يحضر فيها طلاب الجامعات وخارج الجامعات من دمشق ،وحمل الشيخ راية
الدعوة إلى التوحيد الخالص والسنة المطهرة من خلال هذه الحلقات العلمية ،وفيها
يحضرون كثير من المشائخ وأساتذة الجامعات وقادة الإخوان ،وقد جرت بينه وبينهم
مناقشات حول مسائل التوحيد والاتباع والتصوف والتقليد والتعصب المذهبي وغير ذلك،
ولقي الشيخ المعارضة الشديدة من متعصبي المذاهب ومشايخ الصوفية والمبتدعة فكانوا
يتهمونه "وهابي ضال" ويح ّذرون الناس منه ،وفي نفس الوقت قد وافق على دعوته العلماء
الربانيون من أهل الفضل والصلاح ،المعروفين بالعلم والدين من دمشق الذين حثّوه على
266
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
استمرار دعوته ،وقد كتب الله لدعوته قبولا بين أوساط المثّقفين بمدينة دمشق ،ومن
الكتب التى كان يدرسها الشيخ في الحلقات العلمية:
– 1زاد المعاد للحافظ ابن القيم
– 2نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني
- 3فتح المجيد لعبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب
-4الروضة الندية في شرح الدرر البهية للعلامة الشوكاني والعلامة صديق حسن خان
القنوجي
- 5الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لحافظ ابنكثير والشيخ أحمد شاكر
–6أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف
– 7الترغيب والترهيب للحافظ المنذري
– 8الأدب المفرد للإمام البخاري
– 9الحلال والحرام في الإسلام للشيخ يوسف القرضاوي
-10رياض الصالحين للإمام النووي
-11الإلمام في أحاديث الأحكام لابن دقيق العيد
-12فقه السنة لسيد سابق
– 13منهاج الإسلام في الحكم لمحمد أسد
وكان الشيخ الألباني –رحمه الله -يعقد درسا خاصا للنساء من كتاب "الترغيب
والترهيب" ويختار منه ما صح من الحديث ويعلق عليه.4
إنجازاته وأعماله:
قام الشيخ الألباني –رحمه الله -على منهج السلف الصالح وهو اتباع الكتاب والسنة
وفهمهما على منهج السلف الصالح انطلاقا من قول الله تعالىَ﴿ :وَم ْن يُ َشاقِ ِق الَّر ُسوَل
ِم ْن بَ ْع ِد َما تَبَََّّي لَهُ اْْلَُد َٰى َويََتّبِ ْع غََْْي َسبِي ِل الْ ُمْؤِمنََِّي نَُولِِه َما تََوََّٰل َونُ ْصِلِه َجَهَنّ َم ۖ
َو َساءَ ْت َم ِصْياً﴾ [النساء ]115:وخاض في مجال الدعوة والعلم والتعليم بأسلوب قرآني:
267
الفصل الخامس عشر
﴿ا ْدعُ إَِل َسبِي ِل َربِ َك ِبلْحِ ْك َمِة َوالْ َمْوِعظَِة الْحَ َسنَِة َو َجا ِدْلُْم ِِبَلِّت ِه َي أَ ْح َس ُن﴾
[النحل .]125:لأنه كان في بيئة يعظمون فيها كثير من الناس القبور والمشائخ فوق الحد
الشرعي ،واستطاع بتوفيق الله عز وجل أن يؤسس مدرسة جديدة في الحديث وعلومه،
وكان أهم معالمها تطهير السنة النبوية الصحيحة من المردودة والضعيفة ،وألّف -رحمه الله-
كتبا عديدة خ ّصصها للأحاديث الصحيحة وأخرى للضعيفة ،وعمل على عزل الصحيح
عن الضعيف والمردود في كتب السنّة ،وخّرج أحاديث بعض الكتب ،ودافع عن السيرة
النبوية والأحاديث الشريفة بالرد على من تجرؤا عليهما إلى غير ذلك من جهوده المميزة،
فالشيخ كان مشغولا في مجال التعليم والتحقيق والدعوة والتدريس بدمشق حتى تم اختياره
للتدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من قبل سماحة مفتي المملكة العربية السعودية
الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ –رحمه الله -الذي كان رئيسا للجامعة الإسلامية
بالمدينة المنورة آنذاك 5وفي هذه المرحلة التي قد منحه الله تعالى فأوجد تلاميذه الذين حملوا
دعوته لبلاد لم يزرها قط ،قد تخرج على يديه عدد كبير من طلبة العلم والدين الذين
اشتغلوا بهذا العلم النبيل على منهجه الأصيل في كل البلاد ،ولذا تأثر به أكثر تلاميذه
حتى أصبح لكل منهم دعوة سلفية قوية في بلادهم.
ثناء العلماء عليه:
عمل الشيخ الألباني –رحمه الله -طول حياته فی حقل الدعوة الإسلامية علی منهج
السلف الصالح ولذا أثنى العلماء عليه ثناء حسنا ،وإليكم نبذة من هذا الثناء من قبل أهل
العلم والفضل :يقول سماحة المفتي محمد بن إبراهيم آل الشيخ في حقه" :هو صاحب سنة
ونصرة للحق ومصادمة لأهل باطل".6
يقول فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز" :الشيخ الألباني معروف أنه من أهل
السنة والجماعة ومن أنصار السنة ومن دعاة السنة من المجاهدين في سبيل حفظ السنة".7
سئل ابن باز مرة من مجدد هذا القرن؟ فقال" :محمد ناصر الدين الألباني مجدد هذا العصر
فی ظني والله أعلم" .8ويقول الشيخ ابن باز في مقاله الذي نشر في مجلة الأصالة" :وأثره
فی العالم الإسلامي کبير ويعد من علماء الأمة بمآثره الجليلة العظيمة".9
268
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
وقد أشادت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية
بجهود الشيخ الألباني وقالت في الفتوی رقم 5981:ما نصه" :الرجل معروف لدينا بالعلم
والفضل وتعظيم السنة وخدمتها وتأييد مذهب أهل السنة والجماعة في التحذير من
التعصب والتقليد الأعمی وکتبه مفيدة" .10ويستعمل له الشيخ الشهير محمد الغزالي ألقابا
تالية" :الأستاذ ،المحدث ،العلامة ،الشيخ" .11ويلقبه العالم الکبير الشهير الشيخ يوسف
القرضاوي بمحدث بلاد الشام وذلك في كتابه".12
ويقول فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق" :عالم من علماء المسلمين
وعلم من أعلام الدعوة إلى الله وشيخ المحدثين وإمامهم في العصر الراهن" .13کتب الشيخ
المحدث عبد الصمد شرف الدين شيخ أهل الحديث في الهند في رسالة أرسل بها إلى الإمام
الألباني جاء فيها" :وصل إلى الشيخ عبيد الله الرحماني شيخ الجامعة السلفية ببنارس في
الهند استفسار من دار الإفتاء من المملكة العربية السعودية عن حديث غريب فی لفظه
عجيب فی معناه فأتفق رأی من حضر هنا من العلماء علی مراجعة أکبر عالم بالأحاديث
النبوية في هذا العصر ألا وهو الشيخ الألباني" .14من الشام الشيخ محمد إبراهيم شقرة
يختار له الألقاب التالية" :أستاذ العلماء ،شيخ الفقهاء ،رأس المجتهدين في هذا الزمان".15
وف ات ه:
فكان الشيخ –رحمه الله -يعاني في السنوات الأخيرة من عمره عدة أمراض ،وقد نحل
جسمه كثيرا ،وكان مع ذلك صابرا محتسبا ،توفي –رحمه الله -بعد حياة حافلة بالعلم
والتحقيق والدعوة والعمل في يوم السبت بتاريخ الثاني والعشرين من شهر جمادى الآخرى
سنة 1420هـ الموافق الثاني من أكتوبر عام 1999م .16فرحمه الله رحمة واسعة ،وجعل
الفردوس الأعلى مثواه.
المطلب الثاني :أبرز تلاميذ العلامة الألباني من ِبكستان
والشيخ الألباني -رحمه الله -لم يكتف بالتأليف فقط بل كانت له دروس يلقيها على
تلامذته ،وتلاميذه أكثر من أن يحصوا ،وهم على طبقات ثلاثة ،طبقة السوريين ،وطبقة
الذين حضروا في مجالسه ودروسه ،وطبقة طلابه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ،تخرج
269
الفصل الخامس عشر
عليه علماء كثير في طبقات مخلتفة ولكنني أتحدث عن تلاميذه من جمهورية باكستان
الإسلامية الذين درسوا عليه في الجامعة الإسلامية وتأثروا به أثرا بالغا ،فمن هؤلاء الشيخ
الشهيد إحسان إلهي ظهير والشيخ عبد السلام الكيلاني -رحمهما الله -والشيخ المفتى ثناء
الله خان المدني والشيخ الحافظ عبد الرحمن المدني والشيخ المفتى عبد الستار الحماد –
حفظهم الله ،-وأسلّط الضوء على سيرتهم العطرة باختصار في السطور التالية.
الشيخ إحسان إْلي ظهْي:
هو إحسان إلهي ظهير بن ظهور إلهي ،ولد سنة 1945م بتاريخ 31من مايو بمدنية
سيالكوت ،وأسرته تنتمى إلى أهل الحديث ،حفظ القرآن الكريم ،وأكمل دراسته الابتدائية
في المدارس العادية ،ثم التحق بالجامعة الإسلامية بكجرانواله والجامعة السلفية بفيصل
أباد ،وقرأ على عدة مشائخ كبار هناك ،ثم سافر إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
واستفاد هناك من الشيخ عبد المحسن العباد والشيخ حماد الأنصاري والشيخ عبدالغفار
حسن العمرفوري والشيخ الألباني ولازمه ثلاث سنوات ،وحصل على شهادة الليسانس
من كلية الشريعة ،وكان ترتيبه الأول على طلبة الجامعة ،وبعد تخرجه رجع إلى باكستان
والتحق بجامعة بنجاب وحصل على ست شهادات ماجستير في اللغة العربية والشريعة
الإسلامية واللغة الفارسية واللغة الأردية والسياسة والحقوق.
وكان الشيخ -رحمه الله -عالما جليلا ،وخطيبا باهرا ،وأديبا بارزا ،ومجاهدا كبيرا،
وعلما من أعلام الدعوة الإسلامية ،ورئيسا لمجمع البحوث الإسلامية ورئيس التحرير لمجلة
"ترجمان الحديث" التابعة لجمعية أهل الحديث بباكستان ،ويقول عنه زميله ورفيقه الدكتور
محمد لقمان السلفي:
"قد عرفت هذا المجاهد الذي أوقف حياته بل باع نفسه في سبيل الله أكثر من
خمس وعشرين سنة عندما جمعتني به رحمه الله مقاعد الدراسة في الجامعة الإسلامية،
جلست معه جنباً إلى جنب لمدة أربع سنوات فعرفته طالبا ذكيا ،يفوق أقرانه في الدراسة،
والبحث ،والمناظرة! وجدته يحفظ آلاف الأحاديث النبوية عن ظهر قلب ،كان يخرج من
الفصل ويتبع مفتي الديار الشامية الشيخ ناصر الدين الألباني ،ويجلس أمامه في فناء
270
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
الجامعة على الحصى ،يسأله في الحديث ومصطلحه ورجاله ويتناقش معه ،والشيخ رحب
الصدر يسمع منه ،ويجيب على أسئلته وكأنه لمح في عينيه ما سيكون عليه هذا الشاب
النبيه من الشأن العظيم في سبيل الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله بالقلم واللسان".17
عقد جمعية أهل الحديث ندوة بمدينة لاهور في تاريخ 23من مارس عام
1988م والشيخ كان يلقي محاضرة مع عدد من الدعاة والعلماء واستشهد خلال محاضرته
بقنبلة موقوتة وأصيب بجروح بالغة ،وأدخل بالمستشفى بلاهور ،وبقي أربعة أيام هناك ثم
نقل إلى الرياض بالمملكة العربية السعودية بأمر ملكي من خادم الحرمين الشريفين الملك
فهد بن عبد العزيز –رحمه الله -حتى توفي –رحمه الله -في الرياض فنقل بالطائرة إلى المدينة
المنورة ،ودفن بالبقبع بالقرب من صحابة رسول الله وقد كتب العديد من الكتب
والمؤلفات العلمية القيمة ،منها:
-1الشيعة والسنة
-2الشيعة وأهل البيت
-3الشيعة والتشيع فرق وتاريخ
-4الإسماعيلية تاريخ وعقائد
-5البابية عرض ونقد
-6القاديانية
-7البريلوية عقائد وتاريخ
-8البهائية نقد وتحليل
-9الشيعة والقرآن
-10التصوف المنشأ والمصادر
-11كتاب الوسيلة (باللغة الإنجليزية والأردية)
-12كتاب التوحيد
271
الفصل الخامس عشر
الشيخ عبد السلام الكيلاني:
هو عبد السلام بن حافظ عبد الحي كيلاني ،ولد سنة 1941م قرية "جاندي كوت" من
مضافات مدينة شيخوبورة ،كان من أسرة علمية ،درس على عدة مشائخ كبار في
باكستان ثم التحق بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة واستفاد هناك من الشيخ ناصر الدين
الألباني والشيخ عبد المحسن العباد والشيخ حماد الأنصاري والشيخ عبدالغفار حسن العمر
فوري ،بعد عودته من المدينة عّين مدرسا من قبل وزارة الشؤون الإسلامية بالجامعة السلفية
بفيصل آباد ثم درس في عدة مدارس كالجامعة السلفية بإسلام آباد وفي مجمع العلماء
بلاهور تحت إشراف وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في باكستان ،ثم انتقل إلى قارة إفريقيا
وأشرف على مدرسة الفلاح بممباسا في كينيا عدة سنوات ثم انتقل إلى مدرسة مركز أم
المؤمنين عائشة بجنجا في أوعندا كمشرف ،ثم رجع إلى باكستان قبل وفاته بسنتين في مركز
دارالسلام كشيخ الحديث بمدينة مندي واربرتن في بنجاب ،وتوفي الشيخ رحمه الله سنة
2008م بتاريخ 29من يوليو.18
الشيخ الحافظ عبد الرحمن المدني:
هو عبد الرحمن بن محمد حسين الأمرتسري ،المدني ،ولد عام 1940م بمدينة
أمرتسر قبل تحرير الهند وإنشاء جمهورية باكستان الإسلامية ،حفظ القرآن الكريم في صغر
سنه ،أكمل دراسته في المدارس العادية ،بعد تحرير الهند هاجر مع أسرته إلى مدينة لاهور
وأكمل دراسته على علماء أسرته مثل أبيه وعمه الحافظ عبد الله المحدث الروبري ،ثم ُعّين
مدّرسا بمدرسة أسرته في "جامعة أهل حديث" حتى سافر إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة
المنورة لتحصيل العلم وحصل على شهادة الليسانس من كلية الشريعة مع زملائه إحسان
الهي ظهير وعبد السلام الكيلاني وثناء الله المدني ،لما كان بالمدينة المنورة كان يحضر في
دروس سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة الأسبق ،ولازم الشيخ الإمام
محمد ناصر الدين الألباني بالجامعة 19وحصل الدكتوراة من جامعةكراتشي ،باكستان على
موضوع "أصول الاجتهاد في الجامع الصحيح للإمام البخاري" وطبعه هذا الكتاب مجلس
التحقيق الإسلامي بلاهور.
272
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
بعد عودته من المدينة المنورة اشتغل بالتدريس في "جامعة أهل حديث" ثم أنشأ
"المدرسة الرحمانية" أو "جامعة لاهور الإسلامية" على منوال الجامعة الإسلامية بالمدينة
المنورة ،وق ّسمه إلى ثلاثة أقسام :كلية الشريعة ،والمعهد العالي للشريعة والقضاء وكلية القرآن
الكريم والعلوم الإسلامية 20وكذلك أنشأ "مجلس التحقيق الإسلامي" وهذا المجلس يصدر
مجلة شهرية باسم "محدث" باللغة الأردية ،تعتبر هذه المجلة مجلة علمية مؤقّرة التي تدافع عن
السنة النبوية وترد على الفرق الضالة والمنحرفة والمبتدعة.
الشيخ الحافظ ثناء الله المدني:
هو أبو النصر ثناء الله بن عيسى خان بن إسماعيل خان ،المدني ،اللاهوري ،ولد في قرية
"كلس" من مضافات مدينة لاهور في البنجاب سنة1940م ،بدأ دراسته الابتدائية في
قريته ،وحفظ القرآن في سن مبكرة ،ورحل بعد ذلك إلى لاهور ودرس في جامعة أهل
الحديث بها ،وفي الجامعة المحمدية في أوكارة ،ثم التحق بالجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة
وحصل على شهادة الليسانس بامتياز من كلية الشريعة ورجع بعدها إلى وطنه ،وعّين
مدّرسا في الجامعة السلفية بفيصل آباد من قبل وزارة الشؤون الإسلامية ،وكان مديرا
للتعليم بالجامعة أيضا ،ثم انتقل إلى جامعة لاهور الإسلاميةكشيخ الحديث.
يعتبر الشيخ من كبار علماء أهل الحديث بباكستان إن لم يكن أكبرهم وأجلهم
حاليا؛ لما كان بالمدينة المنورة كان يتردد على الرياض كثيرا لحضور دروس سماحة الشيخ
محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة الأسبق ،ولازم الشيخ الإمام محمد ناصر الدين
الألباني ،وله دروس في شرح كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبد الوهاب ،أنه دّرس
حوالي أربعين سنة صحيح البخاري كاملا في دروسه اليومية المستمرة في فيصل آباد
ولاهور حيث إنه من عادته أن يتم شرح صحيح البخاري كل سنتين تقريبا في دروسه
اليومية ،وكذلك اشتهر بمفتى أهل الحديث في باكستان ،وفتاواه المكتوبة تقع في عدة
مجلدات وفيها استدلالات من كلام الإمام الألباني وكتبه ،وتطبع في مجلة أسبوعية باسم
"الاعتصام" بلاهور ،وله عدة مصنفات ،منها:
–1فتاوى ثنائية مدنية بالأردية (مجلدين) مطبوع
273
الفصل الخامس عشر
–2جائزة الأحوذي على سنن الترمذي بالعربية (أربع مجلدات) مطبوع
–3شرح صحيح البخاري بالعربية غير مطبوع.21
الشيخ عبد الستار الحماد:
هو عبد الستار ،وكني بـ أبو محمد ،ولقب بـ الحماد ،من مواليد عام 1952م بتاريخ 16
من إبريل في مضافات ميانجانو ،بنجاب ،باكستان ،أخذ بقسط وافر من العلم في بلده
على يد من جماعة الشيوخ والعلماء وبلغ من الفقه واللغة والتفسير وعلوما أخرى مبلغا
عظيما 22وأصبح عالما بسبب جهده وإشتياقه للعلم ومصاحبته للعلماء ،وفي عام
1974م ارتحل الأستاذ الحماد إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة ،فبدأ الدراسة فيكلية القرآن
وحفظ كتب القراءة واستفاد من حلقات الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ومن مجالسه
العلمية ،والشيخ محمد بن حماد الأنصاري ثم رجع إلى باكستان ،وبعد عودته من المدينة
المنورة عّين مدرسا من قبل وزارة الشؤون الإسلامية في مراكز ومدارس مختلفة بمدينة لاهور
وفيصل آباد ومامون كانجن وغيرها حتى أصبح متقاعدا آخر عام 1438هـ.
اشتغل الشيخ في تدريس العلم طول حياته ولم يكتف بالتدريس فقط بل دخل
في مجال التأليف والتصنيف ،وألف عدة كتب في مجالات مختلفة وكذلك قام بترجمة بعض
الكتب من العربية إلى الأردية ،فمن أهمها:
-1قام بشرح أصح الكتب بعد كتاب الله الجامع الصحيح للإمام البخاري -رحمه
الله -باسم "هداية القاري في شرح صحيح البخاري" وقد مضي على شرح هذا
الكتاب أكثر من 15سنة ،ويعتبر من أهم مؤلفات الشيخ ،طبعه دار السلام
بلاهور في 12مجلد.
-2مختصر صحيح بخاري (ترجمة في اللغة الأردية) :للمحدث الجليل إمام زين الدين
أحمد بن عبد اللطيف الزبيدي ،وهو كتاب شامل على الأحاديث المرفوعة
والمتصلة من الصحيح للبخاري ،وسماه " التجريد الصريح لأحاديث الجامع
الصحيح "المطبوع من دار السلام بلاهور في مجلدين.
274
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
-3مرآة جمال النبوة للشيخ إبراهيم بن عبد الله حازمي ،قام بترجمته بالأردية ،طبعه
دار السلام بلاهور.
-4حجية حديث ،طبعه دار السلام ،لاهور.
-5تسهيل مقدمة ابن الصلاح (في اللغة الأردية) :الناشر :المكتبة الناصرية ،فيصل
آباد -باكستان
-6قيام رمضان وأحكام الصيام والعيدين للعلامة ناصر الدين الألباني ،ترجمه في
اللغة الأردية.
-7كتاب الجهاد للمحدث عبد الله بن مبارك -رحمه الله ،-وترجمه مولانا أبو سعيد
عبد الحنان ،وص ّححه الشيخ عبد الستار الحماد حفظه الله ،طبعه المكتبة دار
الهدى ،لاهور.
-8المستفاد من مبهمات المتن والإسناد للشيخ ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد
الرحيم ،وعلّق عليه الشيخ عبد الستار الحماد ،وطبعه مركز الدراسات
الإسلامية -ميان جنون -باكستان.
-9كتاب البيوع؛ وهذا الكتاب في اللغة الأردية وهو شرح كتاب البخاري والمؤلف
قد استدل بأحاديث كتاب البيوع في البخاري في الأمور المالية والتجارية
المعاصرة ،وهو مطبوع من مكتبة الإسلامية بلاهور.
-10مسئلة الإيمان والكفر في اللغة الأردية والمطبوع من مكتبة الإسلامية بلاهور.
-11آثام مهلكة للبيئة في اللغة الأردية والمطبوع من مكتبة الإسلامية بلاهور.
المطلب الثالث :بيان موقف علماء ِبكستان عن شخصية العلامة الألباني
كان الشيخ –رحمه الله -جاهد في نشر الدعوة وقمع البدعة وبيان أباطيل وأكاذيب
المنحرفة ،ورّد كثير من الشبهات والخرافات المبتدعة ،وسار على منهج السلف الصالح،
ودعى إليه الناس والعلماء والدعاة في محاضراته ومؤلفاته ومصنفاته ،وكان له مؤيّدون
275
الفصل الخامس عشر
يراسلونه ويطلبون منه الاستقامة والاستمرا في دعوته ومنهجه ،فنستطيع أن نقسمه إلى
قسمين :الأول :مؤيدون والثاني :المعاندون.
الأول :مؤي دون:
أن الشيخ الألباني –رحمه الله -ح ّدد الأهداف والخطوات لدعوته 23ثم دعى إليها طلاب
العلم والعلماء والدعاة وحّرض تلاميذه للدعوة إليها ،وها هي الأهداف:
-1الرجوع إلی الکتاب والسنّة الصحيحة ،وفهمهما على النهج الذي كان عليهما
السلف الصالح.
-2تعريف المسلمين بدينهم الأصيل ،ودعوتهم إلى العمل بتعليماته وأحكامه ،والتحلّي
بفضائله وآدابه.
-3تصفية عقيدة المسلمين وتطهيرها من الشرك على اختلاف مظاهره ،وتحذيرهم من
نظريات فاسدة ،وخرافات دخيلة وتأثيرات أجنبية ،والأحاديث المنكرة التي شّوهت جمال
الإسلام.
-4إحياء المنهج العلمي والتفكير الإسلامي في ضوء الکتاب والسنة وإزالة الجمود
الفكري والتعصب المذهبي الذی سيطر علی عقولکثير من المسلمين.
-5السعي نحو استئناف حياة إسلامية ،وإنشاء مجتمع إسلامي عملي مع تطبيق أحكام
الله عّز وجل في الأرض.
فهذه الخطوات والأهداف لم يقبلها إلا العلماء من الطائفة السلفية في بلاد
العالم الإسلامي ،وهكذا علماء أهل الحديث من باكستان؛ لأنهم يدعون الناس إلى
التوحيد الخالص ،ويحذرونهم من الشركيات والبدعيات ،ويركزون على اتباع النبي في
ضوء فهم السلف الصالح ،ويخالفون التقليد الجامد والالتزام بمذهب معين ،ويقدمون العقل
على النقل والرواية على الرأي ،ويحذرون الناس من الأحاديث الضعيفة والموضوعة،
ويدعون إلى تطبيق النظام الشرعي في أرض الله ،وأهل الحديث يحبّون الشيخ الألباني –
رحمه الله -وينصرونه ويؤيّدون دعوته ،وينشرون كتبه وأفكاره في أنحاء باكستان ،ويدافعون
عنه ،ويرّدون على مخالفيه ومعانديه.
276
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
يقول تلميذه المفتي ثناء الله المدني في حقه :أن الله سبحانه وتعالى خلق هذا
الرجل الفذ لخدمة السنة المطهرة فقط ،ولا نجد مثيله في العالم كله ،أنه أسس مدرسة
مستقلة في علم الحديث وفق منهج التي وضعها المحدثون في زمن قديم ،وله منهج في نقد
الأحاديث يخالف فيه عن علماء العلم ،ويسير وفق المنهجية المنضبطة كسائر المحدثين
الكبار من المتأخرين ،وهذا نوع من النقد ليس طعنا في السنة النبوية ،ولا مخالفا لإجماع
العلماء السابقين ،وهو كسائر العلماء يؤخد قوله ويرد منه ،ولكنه من الأئمة الكبار ،نفع
الله به نفعا عظيما ،يستفيدون منه المبتدؤون والعالمون -وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء-
لما كنت طالبا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة نجلس مع الشيخ المحدث الكبير على
الرمل أثناء الاستراحات بين الدروس ،ونناقش معه المسائل في الفصل الدراسي وفناء
الجامعة ،وكانت علاقة الشيخ معنا كعلاقة الزميل مع الزميل ،ليس كعلاقة الأستاذ
بالتلميذ.
وناقشنا معه في عدة قضايا كمسئلة خلع النعلين في الصلاة وفاتحة خلف الإمام
وغيرها ،ثم أرسلنا رسالة إلى محدث باكستان عبد الله الأمرتسري مع بيان رأي الشيخ
المحدث الألباني ،فعلق الشيخ الأمرتسري علي رأيه بالتفصيل وأعطيناه الشيخ ،فبعد قراءته
قال" :لي أوهام وله أوهام ولا أطول البحث" .24ويقول الشيخ محمد رمضان السلفي25
عنه :ورد عن النبي « :إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يج ّدد له
دينها" 26قد مّر في التاريخ الإسلامي شخصيات عديدة الذين ج ّددوا هذا الدين الحنيف،
أما المج ّدد في هذا القرن وهو الشيخ المحدث العلامة محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله-
.ويقول عنه الدكتور حميد الله :27المحدث الكبير محمد ناصر الدين الألباني من الذين
حملوا راية الحماية للسنّة النبوية ،أنه ألّف كتب عديدة في خدمة الحديث النبوي ،واستفاد
منهم جٌّم غفير في العالم كله ،في الحقيقة هو مصداق لقوله "رجل في أمة وأمة في
رجل" .28ويكتب الشيخ المحقق الكبير إرشاد الحق الأثري 29في حقه :أن المحدث الكبير
محمد ناصر الدين الألباني من الذين أدوا واجبهم الديني ،وساهموا في نشر العلوم الحديثية
والدينية ،ولجهوده أثر بالغ في البلاد عامة وفي باكستان خاصة ،وخدمات الألباني واسع
277
الفصل الخامس عشر
جدا ،نحتاج السفينة للتعّرف على خدماتها ،وينبغي لنا أن نعترف بخدماته الجليلة
القيمة.30
الثاني :المع اندون:
أي فكر أو دعوة تظهر في العالم نجد لها معاند ومعارض أيضا فهذه سنّة الله ،لما ظهر
دعوة النبي الكريم عاداه القريب والبعيد ،ونسبوا إليه ألقاب عديدة فالشيخ الألباني –
رحمه الله -سار على المنهج الذي سار عليه السلف الصالح في التزام الكتاب والسنّة ،لما
ظهر له الح ّجة والبرهان خلاف الأشياء التي يفعلها هو وأسرته ومشائخه وأهل بلده فترك
هذه الأعمال كلها ،فواجه المخالفة والمعارضة كالمصلحين في العالم الذين واجهوا الأعداء
والمخالفين والمعاندين ،والسبب في معاندته ومخالفته هو دعوته إلى التم ّسك بالكتاب
والسنّة وترك التقليد الجامد ،والتحذير عن الجمود الفكري والتع ّصب المذهبي.
وجمهورية باكستان الإسلامية معروفة بتقليد مذهب الأحناف ،معظم العلماء
ينتمون إلى المدرسة الديوبندية ،ولهذه المدرسة شعارات ثلاثة هي :العقيدة الأشعرية
الماتريدية ،والتقليد المذهبي ،والتصوف الطرقي ،وبناء على هذه الشعارات خالف كبار
علماء الديوبندية دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية ،وابن قيم الجوزية ،ومحمد بن عبد
الوهاب ،والشوكاني ،وصديق حسن خان القنوجي ،والسيد نذير حسين المحدث الدهلوي
وغيرهم –رحمهم الله تعالى -وهكذا خالفوا الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني –
رحمه الله -وعلماء جماعة أهل الحديث.
والأمر الثاني هو كتاب المحّقق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي –رحمه الله -في رّد
الشيخ الألباني –رحمه الله -الذي كتبه باسم "الألباني :شذوذه وأخطاؤه"؛ لأن الشيخ
الأعظمي كان حنفي المذهب ،ديوبندي المشرب ،فأهل ديوبند يعظّمونه ،ويعتمدون على
تحقيقاته ،ويعتبرون كتابه خدمة عظيمة في رّد الألباني ،ويأخذون من كتابه مبحثا مبحثا
حين بعد حين ويترجمونه إلى اللغة الأردية ،وينشرونه في المجلات الأردية ،أما الاعتراضات
على الشيخ الألباني فممكن أذكرها في النقاط التالية:
278
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
.1عدم التفات الألباني في نقد المتن ،والحديث يكون صحيحا أو ضعيفا بحيث
المتن.
.2عدم التفرقة بين الشذوذ وزيادة الراوي الثقة.
.3نقد الألباني على الأئمة المجتهدين بدون دليل وبرهان.
.4منهج الألباني غير واضح في تحقيق الحديث والحكم عليه.
.5حكمه على أحاديث البخاري ومسلم من حيث الضعف.
.6عدم التفات الألباني في أقوال الأئمة من المحدثين والفقهاء.
.7مخالفته في عدة مسائل في تعامل الأمة عبر التاريخ.
.8رّد الألباني على مخالفيه بطريقة جريحة
فعلى هذا الأساس من عادة الديوبندية بأنهم اختاروا المقالات والبحوث العربية
التي كتبت في مخالفة منهج الشيخ الألباني للترجمة إلى اللغة الأردية وطبعوها في مجلاتهم
الشهرية والأسبوعية ،واتهموا الشيخ الألباني –رحمه الله -كمبتدع وغير مقلد ووهابي
وغيرها ،وكتبوا المقالات أيضا في اللغة الأردية في رّد دعوة الشيخ الألباني ومنهجه في
المجلات الباكستانية مثل مجلة شهرية "الفاروق" تصدر من كراتشي ،ومجلة الدعوة والتبليغ"
لجماعة التبليع في باكستان ،ومجلة "الشريعة" تصدر من كجرانواله ،ومجلة "التبليع" تصدر
من راولبندي ،ومجلة "بينات" تصدر من كراتشي ،ومجلة "ضياء الإسلام" تصدر من
سركودها وغيرها من المجلات والجرائد.
فأجاب عن هذه الاعتراضات كلها المحّقق الكبير إرشاد الحق الأثري في مجلة
أسبوعبة تصدر من لاهور باسم "الاعتصام" في أقساط عديدة ،وفي مجلة شهرية "محدث"
تصدر من لاهور ،وفي مجلة "الشريعة" وفي مجلة "ترجمان الحديث" تصدر من الجامعة
السلفية بفيصل آباد ،وفي مجلة "الدعوة" تصدر من لاهور ،وكذلك أجاب عنها الشيخ
المحدث زبير علي زئي –رحمه الله -في مجلة "الحديث" تصدر من حضرو قرب مدينة
راولبندي ،وهو كان رئيس التحرير لهذه المجلة الشهرية .فكل هذا بسبب التعصب المذهي
والمسلكي.
279
الفصل الخامس عشر
فهناك جماعة من العلماء تخالف الشيخ الألباني –رحمه الله -بسبب صنيعه في
سنن الأربعة وغيرها إلى صحيح وضعيف ،وهذا العمل لم يُسبق إليه ،فهذه الطائفة تعبتره
بدعة ،لأن ال ّسنن لها مكانة في نفوس العلماء وطلاب العلم حتى في نفوس الناس،
فينبغي علينا أن نبقى الكتب الحديثية القديمة على ما هو عليها ،لو أحد يريد أن يذكر
الحديث فعليه أن يذكر الكتاب من ال ّسنن مع بيان صحة الحديث وضعفه ،فهذه الجماعة
تعتبر هذا التقسيم طعنا في السنّة النبوية ،ومن هذه المناسبة أذكر قصة الشيخ المحدث عبد
الله أمجد –رحمه الله 31-رزقه الله عمرا طويلا ،وقد دّرس صحيح البخاری أكثر من ستّين
سنة في مختلف مدارس أهل الحديث بباکستان ،وتخرج على يديه ألوف من طلاب العلم،
وهو كان يخالف الشيخ الألباني في التقسم المذكور ،وكان يش ّدد عليه حتى قال مرة :من
هو الألباني؟ هل هو عالم كبير من النووي وابن رجب وابن كثير والذهبي وابن حجر رحمهم
الله؟ فكان يمنع طلابه من قراءة كتبهكصحيح سنن وضعيف سنن وغيرها.
المبحث الثاني :أثر العلامة الألباني في المجتمع الباكستاني
لما ننظر إلى جهود العلامة الألباني –رحمه الله -بعقول واعية في الدعوة ،لا نش ّك في أن
جهوده العلمية والدعوية آتت ثمارها ،وانتشرت أتباعه الدعوية في أرجا مختلفة من العالم
الإسلامي؛ لأن مبادئ دعوته واضحة ،تناسب الفطرة السليمة ،فهي دعوة إلى الإسلام
وصاحب الدعوة كان الفلسفية ،وشوائب المبتدعة، التعقيدات الخالص ،بعيدة عن ايلنؤمقنّي
أساس الدين ،فينبغي إلى الانحراف الكامل عن في طريقه بأن العالم الإسلامي
للعلماء الربّانيين والمصلحين أن يتداركوه عن طريق النصح والإرشاد ،ويتح ّدث الباحث في
السطور التالية عن تأثير العلامة الألباني في المجال العلمي والدعوي والتربوي وفي أمن
المجتمع الباكستاني.
المطلب الأول :أثره في المجال العلمي
أفنى المحدث الألباني –رحمه الله -حياته في خدمة حديث رسول الله جمعا وتخريجا،
دراسة وتحقيقا ،تصحيحا وتضعيفا ،كان العلامة داعياكبيرا ،وعالما ربّانيا ،ولكني أعتقد أن
280
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
سمته البارزة وميزته الجوهرية هي خدمة السنة المطهرة ،والدعوة إلى الله عقيدة وسلوكا ،وكان
يدعو إلى الإسلام الكامل الذي جاء به محمد ونطق به القرآن ،وتمثّل في حياة
الصحابة ،والقرون المشهود لها بالخير ،والتابعين لهم بإحسان ،وهو عندي أولا وآخرا كان
عالما ربّانيا جليلا ،والروح الدعوي سارية في كل كتبه ونشاطاته.
بدأ الشيخ نشاطاته التأليفية والتصنيفية في وقت مب ّكر من عمره ،لما تو ّجه إلى
تأليف الكتب يحمل هّم الدعوة ،ولذا أول ما كتب هو رسالة باسم "الصلاة في المساجد
المبنيّة على القبور" ثم أصبحت هذه الرسالة جزءا من كتاب "تحذير الساجد من اتخاذ
القبور مساجد" 32وتُرجم هذا الكتاب إلى اللغة الأردية ،قد صدرت له عدة طبعات من
مكتبات مختلفة كالمكتبة الإسلامية بلاهور ،كمكتبة دار أبي الطيب للنشر والتوزيع
كجرانواله ،لما طُبع ونُشر أصبح المبتدعة معاندة له؛ لأنه ذكر فيه أحاديث النهي عن
اتخاذ القبور مساجد ،وسلّط الضوء على معنى اتخاذ القبور مساجد في ضوء القرآن والسنّة
ومنهج السلف الصالح ،وبّين كل المسائل التي تتعلق بالقبور والمساجد والصلاة والمصلي،
وح ّث العلماء وعامة الناس على تطهير المساجد من المنكرات والخرافات والبدعيات ،لأن
القبر والمسجد لا يجتمعان في دين الإسلام ،وفي الحقيقة هذا الكتاب رّد على القبوريين
والمبتدعين ،قد ترك هذا الكتاب آثارا طيّبة في وقت قصير ،كما ذكر العلامة في مقدمة
الكتاب ،33وتُرجم في كثير من لُغات العالم.
أنه ألّف وصنّف وحّقق أكثر من مائة كتاب ،وق ّسم العلماء كتبه إلى أقسام،
منها :التحقيقات العلمية ،والتخريجات ،والتعليقات واختصارات بالمراجعة ،والتأليفات،
وكل كتاب له مكان قيّم في الأوساط العلمية ،ويتميّز بالدقة العلمية ،فقد كان عقله
مت ّجها إلى دعوة الكتاب والسنّة ،والرجوع إلى منهج السلف الصالح ،والتحرير من
التع ّصب المذهبي والجمود الفقهي ،ولكنني أذكر كتبه التي تُرجم إلى اللغة الأردية فقط،
واستفاد منها كثير من العلماء والدعاة والوعّاظ والطلاب ،وعامة الناس أيضا.
)1صحيح الترغيب والترهيب
)2مختصر الشمائل المح ّمدية
281
الفصل الخامس عشر
)3صحيح سنن أبي دواد
)4ضعيف سنن أبي داود
)5صحيح سنن الترمذي
)6ضعيف سنن الترمذي
)7صحيح سنن النسائي
)8ضعيف سنن النسائي
)9صفة صلاة النبي من التكبير إلى التسليمكأنّك تراها
)10صحيح الأدب المفرد
)11سلسلة الأحاديث الضعيفة
)12سلسلة الأحاديث الصحيحة
)13صحيح الأدب المفرد
مناسك الح ّج والعمرة في الكتاب والسنّة )14
التو ّسل :أنواعه وأحكامه )15
)16
الحديث ح ّجة بنفسه في العقائد والأحكام34 )17
دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على جهالات الدكتور البوطي في
كتابه فقه السيرة
)18آداب الزفاف في السنّة المطهرة
)19صلاة التراويح
)20أحكام الجنائز وبدعها
)21تلخيص أحكام الجنائز
الخدمات العلمية التي قدمها الشيخ في مجال العقيدة والأخلاق ،وفي حقل
الدعوة القائمة علی الكتاب والسنّة في ضوء فهم السلف الصالح ،ترکت آثارا جميلة،
وجاءت بثمرتها الطيّبة المفيدة ،فتش ّکلت حلقة واسعة فی معظم البلدان الإسلامية،
وانتشرت دعوته إلى التوحيد ،واتباع السنّة ،وإيثار الدليل ،ونبذ البدع والخرافات
282
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
والرسومات ،وترك التع ّصب المذهبي ،وقد بذل جهدا كبيرا يذکرنا جهد سلفنا الصالح فی
معرفة الأسانيد وإصدار أحکام الصحة أو الضعف تجاه الأحاديث ،الناس في هذا الزمن
عيال عليه في هذا المجال وجد ونشط وسعی حتی صارت الدعوة السلفية حديث الناس،
وموضع اهتمامهم ودراستهم ،ولم تعد غريبة عليهم کما کان حالها قبل قرن من الزمان،
ع ّمت دعوته إلی القاّرات الخمس ،وأصبحت آثاره مرجع الألوف من خريجي الجامعات
والمعاهد الدينية ،ومصنفي الکتب ،ينقل العاملون في مجالات الدين والعلم الشرعي
تصحيحاته وأقواله وترجيحاته ،وهذا خير دليل على ذلك ،وفي باكستان لا تجد أحدا من
العلماء والأساتذة من المدارس أو الجامعات كتبوا كتابا أو مقالا أو بحثا علميا أو فتوى إلا
ستجد فيها قول الشيخ الألباني –رحمه الله ،-كنت أقرأ المجلد الأول من "فتاوى أصحاب
الحديث" للشيخ عبد الستار الحماد و "فتاوى ثنائية المدنية" للشيخ ثناء الله المدني( )35ولم
أجد فيهما أي صفحة إلا وفيها قول الإمام الألباني –رحمه الله .-وكذلك اهتمت جمعية
أهل الحديث اهتماما بالغا بنشر كتب الشيخ الألباني على نفقات المتبّرعين ،وتوّزعها مجّانا
في المساجد والمكاتب الحديث لاستفادة عامة الناس.
المطلب الثاني :أثره في المجال الدعوي والتربوي
إن الشيخ الألباني –رحمه الله – كان أحد أعلام الدعاة ،وكان متّصفا منذ نعومة أظفاره
بصفاة الدعاة البررة ،وأخلاقهم الفاضلة ،وكان يحمل هّم الدعوة إلى الله تعالى ،وكان يف ّكر
دائما في البحث عن عمل إسلامي وب ّث الروح الديني في الأمة الإسلامية ،وكان متعاونا
مع القيادة الدينية في إيقاظ الوعي الديني ،وكانت علاقة الشيخ قوية مع جماعة الإخوان
المسلمين بدمشق ،وكان يحضر كثير من القادة في دروسه ،وكان يلقي الدروس في بيوت
الإخوان المسلمين حتى منعوه الإخوان عن ذلك 36وكان يكتب تعليقات على كتاب "فقه
السنّة" في مجلّة الإخوان المسلمين المصرية ،وكتب الشيخ حسن البنّا -رحمه الله -رسالة
يحثّه على الاستمرار في الكتابة للمجلة 37وله جولات دعوية داخل سوريا وخارجها.
وتو ّسعت الأعمال الدعوية للإمام وتجاوزت حدود سوريا فتجول في أنحاء العالم
شرقا وغربا ،جنوبا وشمالا ،وزار البلاد العربية والإسلامية كالإمارات وقطر والكويت
283
الفصل الخامس عشر
والأدرن وبلاد الحرمين وكذلك أسبانيا ،وألقى في تلك البلاد محاضرات دعوية ،ودروس
علمية وفكرية في الندوات والمؤتمرات والحفلات ،كما ألّف الكتب والرسائل الدعوية
المفيدة ،سأذكرها في سطور تالية.
وتُرجم من عدة كتب الشيخ رحمه الله التي كانت تتعلق بالدعوة والتربية إلى اللغة
الأردية ،منها "قاموس البدع" الذي رتّبه الشيخ مشهور بن حسن والشيخ أحمد بن
إسماعيل من كتب الشيخ المختلفة حول موضوع البدعات والخرافات والرد عليها ،وفي
الحقيقة كتاب قيّم علمي ،يبين هذا الكتاب مفهوم البدعة وآثارها السيّئة على الإسلام
والمسلمين ،قد نال هذا الكتاب قبولا عاما في الأوساط الدينية والعلمية ،قام الدكتور
شهباز حسن الباكستاني بترجمته إلى الأردية ،وقامت مكتبة الفهيم بطباعته بمئونات الهند.
وكتاب "الآداب والأخلاق الصحيحة" الذي جمعه الشيخ سعيد الرحمن
الهزاروي من كتب ورسائل الشيخ الألباني ،إن هذا الكتاب هدية قيّمة لقارئ سليم العقل،
ويصلح أن يكون دليلا إلى الأعمال والأخلاق ،ودستور حياة لكل مسلم الذي يبحث
عن الأسوة النبويّة في شؤون الحياة ،وهو كتاب ضخيم حوالي خمس مائة صفحة ،قامت
بطباعته مكتبة بيت السلام بلاهور.
وكتاب "وصاَي نبوية" الذي رتّبه الشيخ حافظ محمد عمر من مؤلّفات الشيخ
الألباني المختلفة ،وهو كتاب مهّم ،قد جمع فيه مؤلّفه وصايا النبي التي تتعلّق بالإيمان
والعبادات والأدعية والأذكار والآداب وصلة الرحم والزهد والرقائق والمنهيّات والفتن
وغيرها ،أصدر هذا الكتاب مكتبة بيت السلام -لاهور سنة 1433هـ.
وكذلك كتاب "الفتاوى الألبانية" الذي رتّبه الشيخ راشد حسن من كتب
ثلاثة :نظم الفرائد مما في سلسلتي الألباني من فوائد وسلسلة الأحاديث الصحيحة
وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ،كلها للشيخ الألباني ،فهذه الفتاوى تتعلّق
بالعقائد ومسائل الإيمان ،وأصول الفقه ،وعذاب القبر ،ومسائل الطهارة والصلاة والصيام
284
نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية
والزكاة والحج واللباس والاقتصاد ،وكذلك فيها بيان ال ّسنن والبدع ،والطلاق والميراث،
والذكر والدعاء وغيرها.
قامت بطباعة هذه الفتاوى مكتبة الصديق السلفيّة بلاهور ،وق ّدم لها المفتى أبو
الحسن مبشر أحمد رباني ،نالت هذه الفتاوى قبولا بالغا في الأوساط الدينية والعلمية،
خاصة عند أهل الحديث.
وكذلك رسالة "التوحيد أولا َي دعاة الإسلام" ترجمها إلى الأردية الشيخ طارق
على بروهي ،طبعه أصلي أهل السنّة دات كام ،هذه الرسالة عظيمة النفع والفائدة للعامة
والخاصة ،وصدرت لها طبعات عديدة ،قد طبعتها جمعية أهل الحديث ووّزعتها في عامة
الناس وفي المدارس الأهلية والحكومية ،وفي المكتبات والجامعات مجّانا على نفقة المتبّرعين،
فلله الحمد والمنة.
وكذلك كتاب "مختصر أحكام الجنائز" وهو كتاب قيّم في موضوعه ،ومزيّن
بمقدمة قيمة ،وبمراجعة وافية لمح ّدث الهند العلامة بديع الدين الراشدي المكي ،فجاء هذا
الكتاب في صغر حجمه نافعا ومفيدا لكل مسلم ،قد نال قبولا عاما في وقت قصير،
وصدرت له عدة طبعات في إقليم بنجاب والسند ،وُوّزع مجّانا لاستفادة عامة الناس ،وترك
هذا الكتاب آثارا مفيدة في إصلاح الناس في المجتمع.
وكتاب "التوسل :وأنواعه وأحكامه" وهذا الكتاب يتح ّدث عن مسألة مه ّمة
اهتّم بها العلماء قديما وحديثا ،وقد ثار حوله الجدل واشتد الخلاف ،وهي مسألة التوسل
مع مشروعيته وأنواعه ،قام بترجمته الشيخ خالد سيف في عام 1979م ،ويقول عن هذا
الكتاب" :وهو فريد في أسلوبه ،وغزير في علمه وبرهانه ،وجامع في بيانه ،ودليل إلى
الاعتقاد السليم المطلوب ،ومحاولة جادة ومخلصة لإحياء الفكر الإسلامي الأصيل ،قلّما
تجد في هذا العصر مثيلا له" .لذا أردت أن أترجم هذا الكتاب كي يستفيد منه العلماء
وطلاب العلم والمبتدؤون وعامة الناس الذين لا يفهمون العربية .38وقد صدرت لهذا
الكتاب عدة طبعات في اللغة الأردية من باكستان والهند.
285