The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by qolbi1979, 2018-12-20 02:05:29

نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية

نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫إن المدرسة مؤسسة اجتماعية تربوية تمثل جزء من النظام الاجتماعي‪ ،‬لا يمكن أن تقوم‬
‫بعملية التطبيع الاجتماعي بمفردها أو بمعزل عن بقية المؤسسات التربية الأخرى‪ ،‬وحتى‬
‫تؤدي المدرسة واجباتها في تحقيق أهدافها لا بد أن تتفاعل مع المجتمع فتربية النشء لن‬

‫تتحقق دون تعاون وثيق بين مؤسساته‪.‬‬
‫ويرى (متولي وآخرون‪1415،‬هـ) أن عبء التنشئة الاجتماعية تتحمله جميع‬
‫الوسائط التربوية فالفرد يتأثر في تربية وتنشئه بالمحيط الاجتماعي كله‪ ،‬وهذا يتطلب التعاون‬
‫والتنسيق بين كافة هذه الوسائط التربوية من أجل تحقيق التكامل في عملية التربية‪ ،‬وتعمل‬

‫المدرسة على تنسيق الجهود التي تبذلها الوسائط التربوية في المجتمع‪.‬‬
‫وبما أن الانحراف الفكري وهو نقيض الأمن الفكري يؤدي إلى التفرقة والانقسام‬
‫الاجتماعي لذا تتحمل مؤسسات المجتمع مسؤولية تحقيق التكامل الاجتماعي في التنشئة‬
‫الفكرية‪ ،‬بتحقيق النمو المتوازن الشامل للطلاب إيمانياً وعلمياً وجسمياً ونفسياً واجتماعياً‬
‫وفكرياً‪ ،‬ليتحقق التكيف الاجتماعي في عصر يتسم بالانفجار الثقافي لأخذ المفيد‬

‫ومقاومة الضار والمتعارض مع مقتضيات الدين الإسلامي‪.‬‬
‫ولا يمكن أن تؤدي المدرسة دورها التربوي بمعزل عن المؤسسات التربوية الأخرى‪،‬‬
‫ولذا يتوجب على المدرسة تذليل الصعوبات في سبيل تعزيز الأمن الفكري من خلال‬

‫التواصل والتفاعل مع مؤسسات المجتمع التربوية الآتية‪:‬‬
‫(أ) الأسرة‪:‬‬

‫تعتبر الأسرة المؤسسة التربوية الأولى لما لها من خصائص أساسية مميزة لها عن سائر‬
‫المؤسسات الاجتماعية‪ ،‬فهي كما تعد أساس التكوين العقدي عند الطفل لقول الرسول‬
‫‪« :‬ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبوه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ‪»...‬‬
‫الحديث (البخاري‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،)1792‬فهي تتحمل أيضاً مسؤولية تربيتها لقول الله‬
‫تعالى‪﴿ :‬يا أيها اللذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ‪ ﴾..‬الآية [التحريم‪ ،]6:‬وقول الرسول‬

‫‪« :‬كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» (البخاري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.)1981‬‬

‫‪336‬‬

‫الفصل السابع عشر‬

‫وإذا كانت الأسرة "تعمل على الاستمرار المادي للمجتمع بإمداده بأعضاء جدد عن‬
‫طريق التناسل‪ ،‬وبهذا تحفظ كيانه العضوي‪ ،‬فإنها تتولى أيضا الاستمرار المعنوي لهذا المجتمع‬
‫وذلك بتأصيل قيمة ومعايير سلوكه واتجاهاته وعوائده وطرائقه عند الأطفال هذا المجتمع‪،‬‬
‫بهذا تحفظ كيانها الثقافي" (الرشدان‪ .)304 ،2005 ،‬ويعتبر الخطيب (‪ )2005‬الأسرة‬
‫هي المؤسسة الاجتماعية الأولى التي تحقق أول وأبرز وأقوى صورة للأمن لدى أفرادها‪،‬‬
‫وبقدر ما تكون صورة الأمن في الأسرة قوية بقدر ما يتأثر أفرادها باستيعاب وامتثال وتمثل‬
‫الحالة الأمنية في نفوسهم‪ ،‬لذلك فإن الأسرة المفككة والأسرة المستهترة والأسرة الجانحة‬
‫تحتاج إلى التدخل السريع من مؤسسات المجتمع كلها‪ ،‬ولا ينبغي تركها بعيداً عن متناول‬
‫التنظيم الاجتماعي القانوني‪ ،‬ومن ضمن هذه المؤسسات المدرسة التي تستطيع كشف‬
‫ذلك من خلال التعامل مع أبنائهم وعملية التواصل مع أولياء الأمور‪ ،‬وحتى لا يصل‬
‫الأمر إلى تأثير على الأبناء لا بد من تحصين فكر الطلاب‪ ،‬بمعالجة أي جنوح لدى الأسرة‬
‫‪ ،‬ومن ثم يتم السعي لتحقيق الأسرة لدورها في مجال وقاية أفرادها من الانحراف والجريمة‬

‫من خلال أسس منها ما ذكره الشقحاء (‪:)2004‬‬
‫▪ تحقيق العدالة والمساواة واحترام الحقوق‪.‬‬

‫▪ الارتقاء بالأحوال الشخصية والاجتماعية والارتقاء بمستوى الحياة‪.‬‬
‫▪ تعليم الأدوار الاجتماعية والإيجابية‪.‬‬

‫▪ تعزيز وتثقيف الأفراد باللغة والقيم والأعراف والتقاليد والسلوك المقبول‪.‬‬
‫▪ تحقيق الضبط الاجتماعي والتماسك والتزام الأفراد بالمعايير الاجتماعية‪.‬‬
‫وتشترك المدرسة مع الأسرة في "تثقيف الأبناء ثقافة متزنة‪ ،‬لأن الجهل بالدين قد يوقع‬
‫الكثير من الناس في مخالفات شرعية وعقدية‪ ،‬وبالتالي على الأسرة والمدرسة العمل على‬
‫تحصين الأبناء في مواجهة الانحرافات الفكرية‪ ،‬بشرح تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة‬

‫حيالكل منها " (المالكي ‪.)2002 ،2006،‬‬
‫لذا يؤكد البقمي (‪ )2008‬على أهمية قيام المدرس بالتنسيق والتكامل مع‬
‫الأسرة والتواصل المستمر من خلال الاجتماعات الفردية‪ ،‬ومجالس أولياء الأمور بشكل‬

‫‪337‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫فعال وتفهم ظروف الطلاب الاجتماعية والأسرية ومساعدتهم‪ ،‬والتعاون مع الإرشاد‬
‫الطلاِب من حيث المتابعة والعمل على حل مشكلاتهم ورفع مستوى وعي الأسرة وثقافتها‬
‫في جميع المجالات وخصوصا الدينية من خلل تنظيم محاضرات لأولياء الأمور بالتنسيق مع‬
‫دعاة الدين والخطباء والتربويين والمثقفين‪ ،‬وحثهم على التواصل مع إمام الحي وحضور‬
‫المحاضرات الدينية المقامة في المؤسسات الدينية‪ ،‬بالإضافة إلى توعية أولياء الأمور‪ ،‬بضرورة‬
‫متابعة أبنائهم وتحذيرهم من متابعة القنوات الفكرية ومواقع الانترنت المنحرفة لئلا ينجرفوا‬

‫إلى غياهب الفساد‪.‬‬
‫(ب) المسجد‪:‬‬

‫يرى سرحان (‪ )1981‬أنه لا غناء لنا عن الاستفادة من التأثير العظيم الذي تحدثه القيم‬
‫الروحية في نفوس الأفراد ومن قدرتها على تطويع الشخصية الإنسانية تطويعاً يضم خير‬
‫الفرد وسلامة المجتمع‪ ،‬ثم إننا لا غناء للمجتمع عن تأثير هذه القيم في تحقيق أهدافه‬

‫ومبادئه وقيمة التربوية التي يسعى إليها‪.‬‬
‫ولقد تطورت المؤسسة الدينية في العصر الراهن تطورا كبيرا في النواحي الفنية‪،‬‬
‫ومن حيث المرافق والتجهيزات إلا أنها لم تتطور بما يكفي في الوظائف والمسؤوليات‬
‫والأدوار‪ ،‬حيث تركزت جهود المؤسسات الرئيسة على جوانب الصلاة وجمع الأموال‬
‫لصالح المحتاجين أسبوعيا‪ .‬ويعتبر النحلاوي (‪ )2006‬المسجد مؤسسة تربوية تسهم في‬
‫تكوين المجتمع المسلم والتأليف بين أفراده‪ ،‬وجمع شملهم‪ ،‬وتكوين ثقافتهم الاجتماعية‬
‫وتصوراتهم المشتركة فصلاه الجماعة في المسجد رمز لوحدة القلوب وحرص على وحدة‬
‫الجماعة‪.‬والمسجد يلعب دورا بارزا بالغ الأهمية في ضمان الأمن الفكري من خلال جوانب‬
‫عدة منها ما أورده الخطيب (‪ :)2005‬تقديم التربية الدينية لمختلف الفئات المجتمعية‬
‫بشكل عام أو متخصص‪ .‬ونقل الحدث العالمي إلى شرائح المجتمع وفق المنظور الديني‬
‫الذي يعبر عن الثقافة السائدة أو الفائدة فيه دون مغالاة ودون تقليل من أهميته‪ .‬والتنوير‬
‫الديني الذي يتجاوب مع ظروف الحياة المتغيرة‪ ،‬ومع الأحداث المعاصرة‪ ،‬وفق منهجية‬
‫معتدلة ترتكز على مبادئ الوسيطة وتطبيقاتها‪.‬ومجابهة الحملات الفكرية المضللة أو المشوهة‬

‫‪338‬‬

‫الفصل السابع عشر‬

‫أو المغرضة على الثقافة المحلية ومصادرها ونظمها‪ .‬وحماية الفكر المحلي من الانحراف‬
‫ومجابهة التيارات الفكرية الدخيلة التي لا تخدم البيئة المحلية‪ ،‬أو قد تتعارض مع مصادر‬
‫التشريعات الدينية القائمة‪ .‬وتوفير الوقاية الاجتماعية لكافة فئات المجتمع وشرائحه من‬
‫الوقوع في براثن الفكر المتطرف أو الإلحاد أو الفتن‪ .‬وتوجيه الرأي العام نحو المسائل‬
‫الدينية‪ ،‬وضرورة تطبيق الأحكام الشرعية في الدين بما يخدم الصالح العام‪ .‬والتكامل مع‬

‫أجهزة المجتمع الأخرى كالأسرة والمدرسة والإعلام وغيرها‪.‬‬
‫كما أن المسجد يشترك مع المؤسسات التربوية للوقاية من التطرف والانحراف‬
‫الفكري‪ ،‬بل إنه قد يكون المسئول عن مسببات الانحراف الفكري الدينية‪ ،‬من ناحية‬
‫الجهل بالشريعة وأحكامها وتوعية الأمة بها‪ ،‬لذا يجب أن تتواصل المدارس مع إمام الحي‬
‫ومناقشته فيما يخص التصورات والأفكار المنحرفة والتيارات الهادمة لتضمينها في المجتمع‬
‫الدراسي والحي من خلال عقد اللقاءات وإقامة المحاضرات والندوات الدينية المتعلقة بها‬

‫(البقمي‪.)2008 ،30 ،‬‬
‫ويمكن القول بأن للمسجد دورا كبيرا في تحقيق أهداف المؤسسات التعليمية في‬
‫تعزيز الأمن الفكري إذ يمثل رافداً مهماً للمعرفة والعديد من المعلومات والتي تجيب على‬
‫العديد من الأسئلة التي يطرحها النشء أو تتبادر في أذهانهم‪ ،‬لذا يمثل المسجد شريك مهم‬

‫في تحقيق وتعزيز الأمن الفكري‪.‬‬
‫(ج) الإعلام‪:‬‬

‫يعرف الإعلام بأنه "تزويد الجمهور بأكبر قدر ممكن من المعلومات الصحيحة أو الحقائق‬
‫الواضحة‪ ،‬وبقدر ما تكون هذه الصحة أو السلامة في المعلومات أو الحقائق يكون‬
‫الإعلام في ذاته سليماً وقويماً (العليوات والشبيب‪ .)1993 ،17 ،‬ويرى الجابري‬
‫(‪ )1997‬أن الإعلام بمؤسساته المختلفة وأساليبه له آثاره على الناس وسلوكهم‪ ،‬ولذلك‬
‫فإن مجالات الإعلام في أي بلد تتناول القضايا الفكرية والدينية وأساليب السلوك‬
‫التقليدي والقيمي‪ ،‬بل إن ما يعرضه الإعلام قد يكون له أثر تدميري على المجتمع والفكر‪،‬‬
‫وذلك بسبب جهله لقيم الراسخة وأخلاق المجتمع ودينه وعلاقته بل وتشجيعه للفردية‬

‫‪339‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫على حساب التماسك والوحدة الاجتماعية‪ .‬وأجهزة الإعلام ومؤسساته المقروءة‬
‫والمسموعة والمرئية أقوى وأشد تأثير منها في الأزمنة السابقة من أوجه عدة أبرزها ما ذكره‬

‫الخطيب (‪:)2005‬‬
‫▪ المقدرة على ربط الفكرة المطروحة ببعدي الزمان والمكان‪.‬‬

‫▪ المقدرة على ترسيخ استيعاب الفكرة المطروحة‪.‬‬
‫▪ المقدرة على توسيع دائرة الفكرة المطروحة من زوايا وأبعاد أخرى‪.‬‬
‫▪ المقدرة على الاحتفاظ بمضمون الفكرة المطروحة على مدى زمني ممتد‪.‬‬
‫▪ مساعدة الرسالة الإعلامية على اكتساب المهارة أو تكوين الاتجاه حول فكره ما‬

‫بشكل أسرع‪.‬‬
‫ويشير العبد الغفور (‪ )1996‬إلى حاجة الإعلام للتربية والتربية للإعلام وحاجة‬
‫التربوي للإعلامي‪ ،‬فغياب الإعلام عن التربية يجعل تقدم التربية بطيئاً وتأثيرها محدوداً في‬
‫الطلبة‪ ،‬أما غياب التربية عن الإعلام فهو الأخطر والذي من شأنه أن يجعل للإعلام تأثيرا‬
‫سلبيا على الأفراد لذلك فإن التربوي بحاجه أكبر إلى الإعلامي في سبيل أن لا يهدم البناء‬
‫الذي بدأه‪ .‬ويعتبر الغامدي (‪2005‬م) الإعلام داعماً من دعائم الأمن الفكري مؤثراً فيه‬

‫إذا قام بما يلي‪:‬‬
‫▪ تلبية احتياجات الجمهور الفكرية‪.‬‬
‫▪ توفير برامج علمية لتوعية الجمهور فكرياً‪.‬‬
‫▪ التوعية الثقافية والتنوير الديني بأسلوب عصري متطور‪.‬‬
‫▪ التواصل مع مؤسسات المجتمع الأخرى كالأسرة والمدرسة والمؤسسة الدينية وغيرها‪.‬‬
‫لذا تتحمل المدرسة مسؤولية تحقيق وتجسيد العلاقة مع الإعلام من خلال التواصل مع‬
‫أجهزة الإعلام بمختلف أنواعها‪ ،‬وتذليل الصعوبات لمناقشة قضايا الشباب وتفعيل‬
‫مشاركتهم‪ ،‬وخصوصاً القضايا الدينية‪ ،‬وحث الطلاب على المشاركة الإيجابية في الإعلام‬
‫العام‪ ،‬وتشجيع الطلاب على متابعة البرامج التوعوية والدينية التي تناقش الفكر وأمور‬

‫‪340‬‬

‫الفصل السابع عشر‬

‫الدين والداعية إلى الوسطية في الإسلام‪ ،‬وتوضيح مخاطر الإنترنت والقنوات الفضائية‬
‫المنحرفة على الطلاب‪.‬‬

‫دور المؤسسة التربوية (المدرسة) في تعزيز الأمن الفكري‪:‬‬
‫ويرى الباحث بأنه يمكن تلخيص دور المؤسسة التعليمية في تعزيز الأمن الفكري بالآتي‪:‬‬
‫‪ -‬اختيار الأكفاء المشهود لهم بالنضج المعرفي والسلامة الفكرية ليكونوا قدوة للطلاب‪.‬‬
‫‪ -‬استضافة العلماء والمفكرين والمختصين في المادة الأمنية لإلقاء المحاضرات على الطلاب‬

‫ضمن الأنشطة اللامنهجية وإَتحة الفرصة لهم للسؤال عما يدور بأذهانهم‪.‬‬
‫‪ -‬تنمية روح المواطنة لدى التلاميذ من خلال إبراز الخصائص الدينية والاقتصادية‬
‫والاجتماعية والسياسية التي تحظى بها أوطانهم مما يلقي على الشباب الكثير من‬

‫المسؤوليات في مجال المحافظة على أمن واستقرار وتماسك مجتمعهم‪.‬‬
‫‪ -‬تفعيل دور المرشد الطلاِب في المدرسة إلى أبعد من الأدوار التي يقوم بها حالياً ليتناسب‬
‫دوره مع المشاكل والمخاطر والمستجدة مع محاولة التأثير على الطلاب إيجابياً بعدم الوقوع‬

‫في براثن المخاطر‪.‬‬
‫‪ -‬يجب أن تعمل المدرسة بكل طاقتها على احتواء مشاكل التلاميذ‪ ،‬والعمل على إيجاد‬

‫الحلول المناسبة لذلك مع الجهات المعنية إذا اقتضت الحاجة إلى ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬محاربة الأفكار الضالة على الصعيدين الداخلي والخارجي عن طريق إقامة معارض في‬

‫المدارس وإدارات التعليم ومن خلال المنشورات والمجلات والصحف الحائطية بالمدرسة‪.‬‬
‫‪ -‬تفعيل مبدأ الحوار والمناقشة من خلال البرامج التي تقيمها المدرسة لغرض بيان أهمية‬
‫الأمن الفكري‪ ،‬وكذلك بيان خطورة الانحراف الفكري وإرساء روح الحوار والمناقشة‬

‫الهادفة‪.‬‬
‫‪ -‬تقديم برامج أمنية تثقيفية تعنى بالشباب ومشاكلهم واحتياجاتهم من خلال الأنشطة‬

‫اللاصفية التي تقيمها المدرسة‪.‬‬
‫‪ -‬التوعية بأهمية الحفاظ على تماسك المجتمع ووحدته وتوازنه‪.‬‬

‫‪341‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫‪ -‬تدريب التلاميذ على استخدام المنهج العلمي في البحث والتطبيق والتجريب والطرح‬
‫والحوار واحترام الرأي الآخر وتنمية مهارات التفكير العلمي لديهم‪.‬‬

‫‪ -‬إقامة شراكة مستمرة وفاعلة مع كافة مؤسسات المجتمع المدني كالأسرة والمسجد‬
‫والإعلام لبناء وتنفيذ برامج مشتركة تسهم في تحقيق وتعزيز الأمن الفكري‪.‬‬
‫النتائج‪:‬‬

‫بناء على ما سبق يمكن القول بأن الدراسة توصلت إلى النتائج التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬أن مفهوم الأمن الفكري مفهوم واسع ويتطلب العديد من الأمور ومن أبرزها تحقيق‬

‫الوقاية والتحصين ومن ثم التهيئة والغرس المناسب‪.‬‬
‫‪ .2‬أن تعزيز وتحقيق الأمن الفكري في المؤسسات التعليمية يتطلب تضافر جهود كافة‬

‫مؤسسات المجتمع وتعاونها المستمر مع المؤسسات التعليمية‪.‬‬
‫‪ .3‬أن لمؤسسات المجتمع المدني كالأسرة والإعلام والمسجد دور كبير في تحقيق وتعزيز‬

‫كافة الأساليب والبرامج التي تقدمها المؤسسات التعليمية‪.‬‬
‫‪ .4‬أن المناهج الدراسية في المدارس السعودية في كوالالمبور تحقق تعزيز الأمن الفكري‬

‫بفاعلية من خلال توافر أنشطة وبرامج الحوار الطلاِب‪.‬‬
‫‪ .5‬أن مقررات التربية الإسلامية تضمنت العديد من النقاط الأساسية التي تسهم في‬

‫تحقيق تعزيز الأمن الفكري ومن أبرز تلك النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬الدعوة إلى الوسطية‪.‬‬
‫‪ -‬الأخذ بمنهج الحوار‪.‬‬
‫‪ -‬طاعة أولياء الأمور‪.‬‬

‫‪ -‬لزوم الجماعة وعدم شق الصف‪.‬‬
‫‪ -‬دعت إلى التعايش السلمي مع غير المسلمين‪.‬‬

‫‪ -‬احترام الثقافات والشعوب الأخرى‪.‬‬
‫‪ -3‬تسهم أنشطة وبرامج الإرشاد الطلاِب في تحقيق تعزيز الأمن الفكري للطلاب‪.‬‬
‫‪ -4‬تنفيذ العديد من الأنشطة والفعاليات لدى المجتمع المحلي للمدارس السعودية‪.‬‬

‫‪342‬‬

‫الفصل السابع عشر‬

‫التوصيات‪:‬‬
‫بناء على نتائج الدراسة السابقة يوصي الباحث بما يلي‪:‬‬
‫▪ عقد ندوات ومحاضرات عن الأمن الفكري لكافة شرائح المؤسسات التعليمية والمجتمع‬
‫▪ اتلمحشلجيي لعلمودداعرمسالبتحستوهدث وافل ِأّديراضساًاالتطلفاي مبجاوألولايلاأءمأنم اولرفهمك‪.‬ري‪ ،‬وترسيخ مق ِّوماتها‪ ،‬على أن‬

‫يتم ذلك في ضوء معايير وضوابط تأخذ في الاعتبار‪.‬‬
‫▪ تحديد مق ِّومات ومتطلبات الفكر الآمن وعوامل ترسيخه ونشره بين شرائح المجتمع‪.‬‬
‫▪ تأسيس قاعدة معلومات تحوي مختلف مصادر المعلومات حول التعامل مع الفكر‬
‫بالفكر‪ ،‬ووضع آلية للتواصل بين الجامعات ومراكز التدريب والمؤسسات الفكرية‬

‫والعلمية‪ ،‬ومواقع الشبكة العالمية‪.‬‬
‫▪ تفعيل دور مؤسسات المجتمع الحكومية والمدنية وبيان مسؤولياتها في هذا المجال‪.‬‬
‫▪ التأكيد على دور وأهمية الأمن الفكري ضمن منظومة الأمن الشامل للحفاظ على‬

‫وحدة وتماسك المجتمع وتنمية الوطن‪.‬‬
‫المقترحات‪:‬‬

‫وبناء على النتائج التي توصل إليها الباحث فإنه يوصي بمشروع (أسبوع الأمن الفكري)‪:‬‬
‫منطلقات المشروع‪:‬‬

‫▪ سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية والقائمة على احترام الحقوق العامة‬
‫التيكفلها الإسلام وشرع حمايتها حفاظاً على الأمن وتحقيقاً لاستقرار المجتمع‪.‬‬
‫▪ تنشئة الطلاب تنشئة فكرية تضمن شعورهم بالمسؤولية تجاه مجتمعهم للحفاظ‬

‫على أمن الوطن ومكتسباته ومقدراته‪.‬‬
‫▪ أهمية دور المؤسسات التربوية ومنها المدارس في بناء وصقل شخصية الناشئة‬

‫وحماية فكرهم لتشكل سداً منيعاً ضد التيارات المنحرفة‪.‬‬

‫‪343‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫▪ أهمية مساهمة المؤسسات التربوية في المنظومة الأمنية خصوصاً التعليمية وذلك‬
‫باعتبارها من أهم محصنات الأمن وأكبرها شأنا لتثقيف الطلاب ورعايتهم‪.‬‬
‫أهداف المشروع‪:‬‬
‫▪ تعميق الولاء لله ولكتابه ولرسوله ولولاة الأمر‪.‬‬
‫▪ تحصين عقول الناشئة ووقايتها من الانحرافات الفكرية‪.‬‬
‫▪ رصد مظاهر الانحراف الفكري في المدارس ومعالجتها‪.‬‬

‫▪ ضمان فاعلية المؤسسات التعليمية في تحقيق الأمن الفكري وتقويمها لضمان‬
‫استمرارية فاعليتها بدرجة تحقق الطمأنينة على مستقبل الأجيال الأمني الفكري‪.‬‬

‫آلية تنفيذ المشروع‪:‬‬
‫‪ -1‬اللجنة المدرسية لتعزيز الأمن الفكري‪:‬‬
‫تكون هذه اللجنة برئاسة قائد المدارس وبإشراف رئيس مجلس إدارة المدارس سفير خادم‬
‫الحرمين الشريفين في كوالالمبور‪ ،‬وعضوية كل من ووكيل المدارس‪ ،‬والمرشد الطلاِب‪ ،‬ورائد‬
‫النشاط‪ ،‬ومشرف التوعية الإسلامية‪ ،‬واثنان من المعلمين المتميزين‪.‬‬
‫تقوم اللجنة المدرسية بمراجعة إدارة المدارس السعودية في الخارج في وزارة التعليم وسفارة‬
‫المملكة فيكوالالمبور وتزودهما بالتقارير والأعمال المنفذة‪.‬‬

‫‪ -2‬البرامج والفعاليات‪:‬‬
‫يتضمن أسبوع الأمن الفكري مجموعة من البرامج والفعاليات من أبرزها ما يلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬إقامة ندوة عن سبل تحقيق الأمن الفكري‪.‬‬
‫ب‪ -‬استضافة محاضرين يتحدثون عن أهمية تحقيق الأمن الفكري‪.‬‬
‫ت‪ -‬إقامة مسابقة بحثية في موضوع الأمن الفكري وسبل تعزيزه‪.‬‬

‫ث‪ -‬إقامة معرض لأسبوع الأمن الفكري‪.‬‬
‫‪ -3‬استدامة برنامج التربية الأمنية‪:‬‬

‫‪344‬‬

‫الفصل السابع عشر‬

‫ويعني هذا البرنامج بتثقيف الطلاب وأولياء أمورهم بالمخاطر التي قد تواجههم بشكل دائم‬
‫ومستمر‪.‬‬

‫‪ -4‬الشراكة المجتمعية المستمرة‪:‬‬
‫تعمل اللجنة على عقد شراكة مجتمعية مستمرة ومتواصلة مع كافة مؤسسات المجتمع المؤثرة‬

‫في تعزيز الأمن الفكري وأبرزها ما يلي‪:‬‬
‫▪ الإعلام‪.‬‬
‫▪ المسجد‪.‬‬
‫▪ الأسرة‪.‬‬

‫▪ الجامعات‪.‬‬
‫‪ -5‬التركيز على الجوانب الوقائية‪:‬‬
‫إذ أن الوقائية وبناء الحصانة الذاتية والمجتمعة تعد أفضل إستراتيجية لمواجهة خطر‬

‫التهديدات الفكرية‪.‬‬

‫‪345‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫* مشروع (أسبوع الأمن الفكري)‪:‬‬

‫قائمة المراجع‪:‬‬
‫‪ -‬البقمي‪ ،‬سعود بن سعد (‪2008‬م)‪ .‬درجة إسهام مديري المدارس الثانوية في تعزيز‬
‫الأمن الفكري من وجهة نظر طلاب الصف الثالث الثانوي بمنطقة الرياض‬

‫التعليمية‪ .‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬جامعة مؤتة‪ ،‬الأردن‪.‬‬
‫‪ -‬الجابري‪ ،‬خالد فرج (‪1997‬م)‪ .‬دور مؤسسات الضبط في الأمن الاجتماعي ندوة‬

‫الأمن الاجتماعي‪ ،‬مجلة بيت الحكمة‪ ،‬بغداد‪ )7( ،‬حزيران‪.‬‬
‫‪ -‬الخطيب‪ ،‬محمد شحات (‪2005‬م)‪ .‬الانحراف الفكري وعلاقته بالأمن الوطني‬

‫والدولي‪ ،‬مكتبة الملك فهد الوطنية‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬الدعجة‪ ،‬حسن عبد الله (‪2013‬م)‪ .‬نظرية الأمن الفكري‪ ،‬مركز الدراسات‬

‫والبحوث‪ ،‬جامعة نايف العربية‪ ،‬الرياض‪.‬‬

‫‪346‬‬

‫الفصل السابع عشر‬

‫‪ -‬الرشدان‪ ،‬عبد الله (‪2005‬م)‪ .‬التربية والتنشئة والمجتمع‪ .‬دار وائل‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫‪ -‬سرحان‪ ،‬منير (‪1991‬م)‪ .‬في اجتماعيات التربية‪ .‬دار النهظة‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ -‬السعدون‪ ،‬عبد الله صالح (‪2001‬م)‪ .‬دراسة السلوك العدواني في المدارس الثانوية‬
‫بمدينة الرياض‪ ،‬قسم البحوث التربوية‪ ،‬إدارة تعليم الرياض‪.‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫‪ -‬الشقحاء‪ ،‬فهد بن محمد (‪2004‬م)‪ .‬الأمن الوطني تصور شامل‪ .‬مركز البحوث‬
‫والدراسات جامعة نايف العربية‪ ،‬الرياض‪.‬‬

‫‪ -‬العبد الغفور‪ ،‬محمد (‪1996‬م)‪ .‬دراسة تحليلية لآراء التربويين والإعلاميين حول‬
‫طبيعة العلاقة بين افعلام والتربية وسبل تدعيمها‪ .‬المجلة التربوية‪ ،‬العدد (‪.)33‬‬

‫‪ -‬العليوات‪ ،‬محمد والشيب‪ ،‬عبد الطيف (‪1993‬م)‪ .‬الإعلام في الإسلام‪ ،‬دار‬
‫الصفوة‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ -‬الغامدي‪ ،‬سعيد محمد (‪2005‬م)‪ .‬الانحراف الفكري وأثره على الأمن الوطني لدول‬
‫مجلس التعاون الخليجي‪ ،‬مركز الدراسات والبحوث‪ ،‬جامعة نايف العربية‪ ،‬الرياض‪.‬‬

‫‪ -‬القرارعة‪ ،‬جميل عبيد (‪2005‬م)‪ .‬الأمن الفكري في الإسلام‪ ،‬قسم الدراسات‬
‫الإسلامية والعربية‪ ،‬جامعة الملك فهد للبترول والمعادن‪ ،‬الدمام‪.‬‬

‫‪ -‬الزهراني‪ ،‬إبراهيم عبد الله (‪2011‬م)‪ .‬الأمن الفكري‪ :‬مفهومه ضرورته مجالاته‪ ،‬ورقة‬
‫عمل مقدمة للاجتماع الدوري الخامس للهيئة متاح على موقع‪:‬‬

‫‪http://www.assakina.com/news/news4/6302.htm1‬‬
‫‪ -‬المالكي‪ ،‬عبد الحفيظ عبد الله (‪2006‬م)‪ .‬نحو بناء إستراتيجية وطنية لتحقيق الأمن‬
‫الفكري في مواجهة الإرهاب‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬جامعة نايف العربية‪،‬‬

‫الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬صبطي زهرة عثمان وعبيدة (‪2013‬م)‪ ،‬أساليب التربية الاجتماعية بين الأسرة‬
‫والمدرسة وكفاءة المتعلم الابتدائي‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬بسكرة ‪ -‬الجزائر‪ :‬كلية العلوم‬
‫الإنسانية والاجتماعية‪ ،‬متاحة على ‪http://dspace.univ-‬‬

‫‪biskra.dz:8080/jspui/bitstream‬‬

‫‪347‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫‪ -‬النحلاوي‪ ،‬عبد الرحمن (‪2006‬م)‪ .‬التربية الاجتماعية في الإسلام‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫دمشق‪.‬‬

‫‪ -‬فايز بن عبد العزيز الفايز‪ ،‬المدرسة والتنشئة الاجتماعية (الطبعة الأولى)‪ ،‬جامعة‬
‫الملك سعود‪:‬كلية التربية‪ ،‬صفحة ‪ ،24 - 19‬جزء ‪ .1‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ -‬محمد‪ ،‬الفاتح عبد الرحمن (‪ .)2016‬تعزيز الأمن الفكري بين الواجب والضرورة‪،‬‬

‫مقال على الانترنت ‪http://www.islamtoday.net‬‬
‫‪ -‬السلطان‪ ،‬فهد سلطان (‪2009‬م)‪ .‬التربية الأمنية وإمكانية تطبيقها في المؤسسات‬

‫التعليمية‪ ،‬مركز البحوث التربوية‪ ،‬جامعة الملك سعود‪.‬‬
‫‪ -‬المشاط‪ ،‬محمد (‪1989‬م)‪ .‬معالم الحضارة الإسلامية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الشعب للنشر‪.‬‬
‫‪ -‬مصطفى إبراهيم وآخرون (‪1986‬م)‪ .‬المعجم الوسيط‪ ،‬إسطنبول‪ ،‬المكتبة الإسلامية‬

‫للطباعة والنشر‪.‬‬
‫‪ -‬الجحني‪ ،‬علي فايز‪1999( .‬م)‪ .‬رؤية للأمن الفكري وسبل مواجهة الفكر المنحرف‪.‬‬
‫المجلة العربية للدراسات الأمنية‪ ،‬جامعة نايف العربية‪ ،‬الرياض‪ ،‬العدد (‪.)27‬‬

‫‪ -‬الحيدر‪ ،‬حيدر عبد الرحمن (‪2001‬م)‪ .‬الأمن الفكري في مواجهة المؤثرات الفكرية‪،‬‬
‫رسالة دكتوراه منشورة‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ -‬منصور‪ ،‬عصام محمد (‪2010‬م)‪ .‬دور المدرسة في تعزيز الأمن الفكري دراسة ميدانية‬
‫عن طلبة المرحلة الأساسية العليا في تربية عمان الأولى من وجهة نظر المدراء‬
‫والمعلمين والطلاب‪ ،‬عالم التربية‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫‪ -‬اللويحق‪ ،‬عبد الرحمن بن معلا (‪2005‬م)‪ .‬الأمن الفكري‪ :‬ماهيته وضوابطه‪ .‬ندوة‬
‫الأمن الفكري‪ ،‬مركز الدراسات والبحوث‪ ،‬جامعة نايف العربية‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬اليوسف‪ ،‬عبد الله بن عبد العزيز (‪2001‬م)‪ .‬الدور الوقائي للمدرسة في المجتمع‬

‫السعودي‪ ،‬كلية الملك فهد‪ ،‬مركز البحوث والدراسات‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫ربى ششتاوي‪ ،‬مقال على الانترنت‪ ،‬استرجع بتاريخ ‪-‬‬ ‫‪2018/3/2‬‬

‫‪http://mawdoo3.com/‬‬

‫‪348‬‬

‫الفصل السابع عشر‬

- ovwata، BB. 2000 A Modren Sociology of Education،
(2nd.ed). Berekely: University of California.

349

‫الفصل الثامن عشر‬
‫دور التصوف في نشر الإسلام ومحاربة التكفير‬

‫الدكتور عيسى عبد الله‬

‫مقدمة‬
‫يعيش العالم الإسلامي حالة ضعف مستمرة‪ ،‬وهو ضعف فكري ديني‪ ،‬قبل أن يكون‬
‫سياسيا عسكريا‪ ،‬فالحالة الفكرية أدت للضعف السياسي‪ ،‬وهذا هو الخطر‪ ،‬حيث يتعرض‬
‫الإسلام والمسلمون لمخاطر عالمية وإقليمية‪ ،‬كما انتشر التكفير الديني‪ ،‬فتعرضت المنطقة‬
‫الإسلامية لهجمات تكفيرية‪ ،‬نسبت نفسها للإسلام‪ ،‬فحدثت حالة فزع من الإسلام في‬
‫العالم كله‪ ،‬أو ما يُس ّمى الإسلاموفوبيا‪ ،1‬وصارت صورة المسلم‪ ،‬أنه إرهابي على طول‬

‫الخط‪.‬‬
‫وتساءل كثيرون عن السبب في نمو التكفير وانتشاره‪ ،‬ووجود جماعات داعش‬
‫وبوكو حرام والقاعدة‪ ،‬وغيرها من الجماعات التكفيرية‪ ،‬ولماذا ينضم الشباب المسلم لها‪،‬‬

‫وهي تساؤلات مشروعة يجب البحث عنها‪ ،‬لحماية الأمة من الأخطار التي تحيط بها‪.‬‬
‫صارت الحاجة إلى فكر إسلامي يتصدى للفكر التكفيري‪ ،‬الذي يدعي أنه‬
‫يمثل الإسلام‪ ،‬رغم بعده البعيد عن روح الإسلام‪ ،‬كما جاء به محمد رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬عن ربه من خلال القرآن الكريم والسنة المطهرة‪ ،‬وروح الإسلام تقتضي نشر‬
‫التسامح‪ ،‬ورفض العنف والإرهاب‪ ،‬وعدم إكراه غير المسلم فضلا عن المسلم على الدخول‬

‫في الدين بالعنف‪.‬‬
‫وعند البحث عن الروح الإسلامية الحقيقية‪ ،‬نجد مدارس متعددة‪ ،‬فقهية‬
‫وفكرية‪ ،‬روحية وإيمانية‪ ،‬جميعها ترفض القتل والقهر والنيل من كرامة الإنسان‪ ،‬والمذاهب‬
‫الفقهية الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية‪ ،‬تمثل خير دليل على روح الإسلام‪،‬‬

‫الفصل الثامن عشر‬

‫ومعها يوجد الفكر الصوفي‪ ،‬وهو ما يتفق والمذاهب الأربعة‪ ،‬والفكر الصوفي يمثل الروح‬
‫للفقه‪ ،‬يمثل الوجدان والضمير‪ ،‬ومن خلال الفكر الصوفي يمكن التصدي للخطر‬
‫التكفيري‪ ،‬لأن التصوف لا يملك فتاوى قتل الغير‪ ،‬ولا يتحدث إلا عن التسامح‪ ،‬وحب‬
‫النبي‪ ،‬وعدم إكراه الغير على الانضمام سواء للإسلام أو للطريقة التي ينتمي لها المريد‪،‬‬
‫التصوف الإسلامي يمثل الحالة الروحية والإيمانية الوجدانية للإسلام‪ ،‬أو هو ل ّب الإسلام‪،‬‬
‫ومن ثمّ نكتب هذا البحث للحديث عن دور التصوف من نشر الإسلام قديما‪ ،‬ودوره‬

‫المعاصر في محاربة التكفير حديثا‪.‬‬
‫فقد نجحت الفتوحات الإسلامية قديما في نشر الإسلام في من المحيط الأطلسي‬
‫غربا وحتى ما وراء النهر شرقا‪ ،‬ولكن الأغلبية الإسلامية الحالية تدين بالفضل لإسلامها‬
‫للتصوف‪ ،‬حيث انتشر بفضلها في غرب الصحراء الأفريقية وجنوبها وتحت حزام الصحراء‬
‫وفي السودان‪ ،‬وفي إندونيسيا وماليزيا وبنجلاديش والصين والفلبين‪ ،‬وغيرها من بلاد‬
‫المسلمين‪ ،‬وصلها الإسلام مع أهل الطرق الصوفية‪ ،‬ومع الت ّجار المسلمين‪ ،‬وهم أيضا من‬
‫أهل التصوف‪ ،‬وتعيش هذه الشعوب الإسلامية على الميراث القرآني المستمد من الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومن خلال الوجدان الصوفي‪ ،‬ولكن حدث خلال العقود السابقة‬
‫انتشار الفكر المتطرف المتشدد‪ ،‬ويُعتبر هذا الفكر المتطرف‪ ،‬الذي ينسب نفسه للسلف‬
‫الصالح‪ ،‬هو الوعاء الذي يستمد منه المتطرفون أفكارهم وفتاويهم‪ ،‬وهنا كان لابد من‬
‫العودة للفكر الإسلامي الصحيح‪ ،‬الذي مثّله النبي وصحابته‪ ،‬فنحتاج للفكر الصوفي في‬
‫التصدي للخطر التكفيري الذي انتشر في العالم بأسره‪ ،‬وأخاف غير المسلمين من‬

‫الإسلام‪.‬‬
‫هدف البحث‪:‬‬
‫يكمن هدف البحث في نشر ثقافة التصوف‪ ،‬والعودة من خلاله للجذور الإسلامية‬
‫القرآنية‪ ،‬وكذلك جمع روابط الأمة‪ ،‬لأن التصوف هو الحالة الوسط لكل المسلمين‪ ،‬يدين‬
‫بحب أهل بيت النبي‪ ،‬وفي نفس الوقت يحب صحابة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فيكون‬
‫عامل تجميع بين أبناء الأمة بأسرها‪ ،‬مع التأكيد على أن التصوف ضد التكفير على طول‬

‫‪351‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫الخط‪ ،‬فلا يؤثر عن أي شيخ طريقه أو مريد أن أفتى بفتوى تكفير‪ ،‬وهذا البحث‬
‫فكري|ثقافي‪ ،‬ولكنه يتماس مع السياسة‪ ،‬التي نحاول أن نبتعد عنها‪ ،‬لأن بحثنا فكري‪،‬‬

‫فيبتعد عن السياسة إلا بقدر ما هو متعلق بالفكر‪ ،‬هذا هو هدف البحث‪.‬‬
‫محاور البحث‬

‫يدور البحث حول ثلاثة محاور رئيسية‪ ،‬وخاتمة‪ ،‬تتفرع منها محاور تفصيلية‪.‬‬
‫المحور الأول‪ :‬ثقافة التصوف وتاريخه‬

‫المحور الثاني‪ :‬دور التصوف في نشر الإسلام‬
‫المحور الثالث‪ :‬دور التصوف في التصدي للفكر التكفيري‬

‫المحور الأول‪ :‬ثقافة التصوف وتاريخه‬
‫التصوف الإسلامي هو الروح الدافعة للإيمان‪ ،‬ونشر التسامح والأريحية‪ ،‬فالتصوف قيم‬
‫أخلاقية إيمانية‪ ،‬يمتلك ثقافة اللاعنف‪ ،‬ونكتب عن ثقافة التصوف‪ ،‬وتاريخه وأشهر‬
‫علمائه‪ ،‬وذلك بإيجاز لا يخل بروح البحث‪ .‬ولكن ما هو التصوف‪ ،‬لغة واصطلاحا‪،‬‬

‫علماء وعلماء‪ ،‬وهو ما نكتب فيه وعنه‪.‬‬
‫مفهوم التصوف‪:‬‬

‫وجدت بعض الأقوال في تعريف التصوف‪ ،‬قيل إن كلمة التصوف تُشتق من فعل صّوف‪،‬‬
‫أي جعله صوفيا‪ ،‬وتصّوف صار صوفيا‪ ،‬أي تخلق بأخلاق الصوفية‪ ،‬والصوفية فئة من‬

‫المتعبدين‪ ،‬واحدهم الصوفي‪2‬‬
‫وقال ابن خلدون في كتابه (المقدمة)‪" :‬قال القشيري‪" :‬ولا يشهد لهذا الاسم اشتقاق من‬
‫جهة العربية ولا قياس والظاهر أنه لقب‪ ،‬ومن قال اشتقاقه من الصفا أو من الصفة فبعيد‬
‫من جهة القياس اللغوي‪ ،‬قال‪ :‬وكذلك من الصوف‪ ...‬قلت‪ :‬والأظهر إن قيل بالاشتقاق‬
‫إنه من الصوف وهم في الغالب مختصون بلبسه لما كانوا عليه من مخالفة الناس في لبس‬

‫فاخر الثياب إلى لبس الصوف‪.3‬‬

‫‪352‬‬

‫الفصل الثامن عشر‬

‫وتحيل الدلالات الاشتقاقية لكلمة التصوف على صوفيا‪ ،‬والصوفة‪ ،‬وأهل‬
‫الصفة‪ ،‬والصوف‪ ،‬والصفاء أو الصفو‪ ،‬كلمة صوفيا الدالة على الحكمة مستبعدة في هذا‬
‫النطاق المعجمي‪ ،‬لأن كلمة صوفيا التي تحيل على العقل والمنطق تتناقض مع العرفان‬
‫الروحاني والذوق الوجداني‪ ،‬كما أن التصوف بعيد عن كل اشتغال حسي وعقلي وذهني‬

‫وأميل إلى الحدس العرفاني والتجربة الباطنية‪.4‬‬
‫وهناك من يربط التصوف بصوفة كابن الجوزي‪ ،‬قال‪" :‬إذ كان هناك قوم من‬
‫الجاهلية انقطعوا إلى العبادة والطواف حول الكعبة‪ ،‬ويعود نسبهم إلى الغوث بن مر الذي‬
‫كان يعرف باسم صوفة أطلقته أمه عليه‪ ،‬لأنها لم يكن يعيش لها أولاد‪ ،‬فنذرت لئن رزقت‬
‫بولد لتجعلن برأسه صوفة وتهبه للكعبة فولدت الغوث‪ ،‬وعرف باسم صوفة وظلت الصفة‬
‫عالقة بأولاده من بعده"‪ 5‬وهذا الرأي فيه تكلف وتمحل وتصنع‪ ،‬ولا يمكن الأخذ به دليلا‬

‫على اشتقاق التصوف من الصوفة‪.‬‬
‫وهناك من ربط التسمية بزهد الرسول ‪ ،‬وورع أصحابه رضوان الله عليهم‪ ،‬إذ‬
‫كان النبي يلبس الصوف كما ورد في قول أنس فيما رواه ابن ماجة‪" :‬أن الرسول ‪ ‬أكل‬

‫خشنا‪ ،‬ولبس خشنا‪ ،‬لبس الصوف واحتذى المخصوف"‪.6‬‬
‫بيد أن هذا ليس دليلا قاطعا على ارتباط التصوف بحياة النبي وتقشفه في الحياة‬
‫وزهد صحابته‪ ،‬لأن الرسول كان يلبس الصوف وغير الصوف‪ ،‬وكان يدعو كذلك إلى‬
‫الإقبال على الحياة والتزين بكل ما يحقق الجمال للإنسان ويريحه نفسانيا وعضويا‪ ،‬ويوفر‬
‫له السعادة الدنيوية والأخروية‪ ،‬ويحث الناس كذلك على التمتع بالدنيا والتلذذ بمباهجها‬
‫والتنعم بنعمها‪ ،‬ولكن بدون إسراف ولا تبذير ولا خيلاء‪ ،‬وهذا الحكم ينطبق على حياة‬

‫صحابته العدول على حد سواء‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن كلمة التصوف تشير إلى أهل الصفة من الفقراء الزهاد المهاجرين‬
‫الذين كانوا يسكنون صفة المسجد في المدينة‪ ،‬وكانوا يقلون تارة ويكثرون تارة أخرى‪ ،‬فمن‬
‫استغنى منهم ترك المسجد وذهب لحال سبيله ليكد في الحياة‪ ،‬ومن لم يجد التزم بالصفة‬

‫حتى تتحسن أحواله المادية‪.7‬‬

‫‪353‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫والذين يربطون التصوف بأهل الصفة فإنهم يقرنون التصوف بالمهاجرين لا‬
‫الأنصار‪ ،‬فهذا رأي غير صحيح لا منطقيا ولا واقعيا ولا لغويا‪ ،‬لأن المنسوب إلى الصفة‬

‫في علم الصورهنافك"مصنف ّييق"رونليالتسص"وصفوفّبيل"ب‪.‬س الصوف الذي كان علامة أيقونية بصرية تحيل‬
‫على الممارسة العرفانية والتزهد في الحياة والتقشف في الدنيا والاعتكاف على العبادة‬
‫والصلاة والدعاء‪.8‬‬
‫وكثير من الصحابة والتابعين كانوا يلبسون الصوف‪ ،‬فالحسن البصري يقول‪:‬‬

‫"أدركت سبعين بدريا كان لباسهم الصوف"‪ ،‬والبدريون هم الذين شاركوا مع الرسول في‬
‫معركة بدر‪ ،‬ولكن ليس الصوف دائما يدل على التقوى والصلاح في الثقافة العربية‬
‫الإسلامية‪ ،‬فقد كان الكثير من الناس يلبسون الصوف ليقال لهم بأنهم أتقياء ورعون‪،‬‬

‫ولكنهم في الجوهر لا علاقة لهم بذلك‪ ،‬ويورد ابن عبد ربه صاحب "العقد الفريد" بيتين‬
‫قالهما الشاعر محمود الوراق في هؤلاء المتصوفة‪:9‬‬
‫وما يعني التصوف والأمانــة‬ ‫تصوف كي يقال له أمين‬

‫أراد به الطريق إلى الخيانــة‬ ‫ولم يرد الإله به ولكـــن‬
‫وهناك من قال بأن التصوف يرتبط أشد الارتباط بالصفاء والصفو‪ ،‬فالمتصوفة‬

‫ليس لهم من شغل سوى تصفية قلوبهم من أدران الجسد وشهوات الحياة قصد تحقيق‬
‫الصفو الروحاني‪ ،‬ولكن كلمة الصفاء أو الصفو تنسب إلى "صفو ّي" وليس إلى "صوفي"‪،‬‬
‫وعلى أي حال‪ ،‬ربما اشتقت كلمة "التصوف" من الصوف وهي أقرب دلالة اشتقاقية‬

‫يقبلها العقل والمنطق‪.‬‬
‫يقول أحمد أمين في كتابه "ظهر الإسلام"‪" :‬وقد اختلف الناس في نسبة الكلمة‬
‫هل هي من الصفة‪ ،‬أو من الصفاء‪ ،‬أو من صوفيا وهي باليونانية بمعنى الحكمة‪ ،‬أو من‬

‫الصوف ونحن نرجح أنها نسبة إلى الصوف‪ ،‬لأنهم في أول أمرهم كانت هذه الفرقة تلبس‬
‫الصوف اخشيشانا وزهاده‪ ،‬كما نرجح أنها كانت ترتكن في أول أمرها على أساس‬

‫إسلامي‪.10‬‬

‫‪354‬‬

‫الفصل الثامن عشر‬

‫والدليل على ارتباط التصوف بالصوف قصة محمد بن واسع مع قتيبة بن مسلم‬
‫الباهلي عامل خراسان‪ ،‬فقد دخل محمد على قتيبة وعليه مدرعة صوف خشنة وربما بالية‬
‫فقال له قتيبة‪" :‬ما يدعوك على لباس هذه؟ فسكت لم يحر جوابا‪ ،‬فقال له قتيبة فيما يشبه‬
‫الغضب‪ :‬أكلمك فلا تجيبني؟ فأجاب محمد في خشوع وهدوء‪ :‬أكره أن أقول زهدا فأزكي‬

‫نفسي‪ ،‬أو أقول فقرا فأشكو ربي‪.11‬‬
‫وهذا يبين لنا مدة ارتباط التصوف بالصوف‪ ،‬وهذا هو نفس رأي ابن خلدون‬
‫الذي قال‪" :‬قلت والأظهر إن قيل بالاشتقاق أنه من الصوف وهم في الغالب مختصون‬

‫بلبسه لما كانوا عليه من مخالفة الناس في لبس فاخر الثياب على لبس الصوف‪.12‬‬
‫هذا هو رأي بعض العلماء والفقهاء والمفكرين في نسبة أهل التصوف‪.‬‬
‫ولكن الصوفيين أنفسهم يرون شيئا آخر‪ ،‬ولابد من الأخذ بها‪ ،‬أو على الأقل‬

‫الانتباه إليها‪.‬‬
‫قول عبد الوهاب الشعراني‪" :‬إن علم التصوف عبارة عن علم أنقدح في قلوب‬
‫الأولياء حين استنارت بالعمل بالكتاب والسنة‪ ،‬فكل من عمل يهما انقدح له من ذلك‬
‫علوم وآداب وأسرار وحقائق تعجز الألسنة عنها نظير ما أنقدح لعلماء الشريعة من‬
‫الأحكام حين عملوا بما علموه من أحكامها‪ ،‬فالتصوف إنما هو زبده عمل العبد بأحكام‬

‫الشريعة إذا خلا من عملة العلل وحظوظ النفس"‪.13‬‬
‫ونرى بوضوح ما في تعريف الشعراني للتصوف من إشارات نثرية تحمل دلالات‬
‫رمزية مثل آداب وأسرار وحقائق‪ ،‬وهو ما أكده أبو حامد الغزالي بقوله عن الصوفية‬
‫بأنهم‪" :14‬أرباب أحوال لا أصحاب أقوال"‪ ،‬فالأحوال التي يقصدها الغزالي هي درجات‬
‫الترقي الروحاني عن الصوفية‪ ،‬أو ما يسمونها بمقامات الأولياء‪ ،‬وما يختص به كل مقام من‬
‫أول تمام الابتداء وحتى مقام التجلي مرورا بمقامات المكاشفات والمشاهدات‪ ،‬ويعبر‬
‫الصوفية عن حالاتهم بالحب‪ ،‬والحب لديهم لا يتعلق بالأجساد وصور المادة‪ ،‬بل هو حب‬
‫للمعاني العقلية الكاملة وتعلق بالمثل وهيام بمصدر الكمال والجمال‪ ،‬فالحب لديهم طريق‬
‫إلى الزهد في متع الدنيا جميعا وحرب علي النفس وسبيل إلى العزوف عن مغرياتها ‪ ،‬وأن‬

‫‪355‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫العبادة ليس من أجل الجنة أو النار ‪ ،‬ولكن للتقرب إلى الله جل وعلا ‪ ،‬كما عبر الشبلي‬
‫عن التصوف شعرا بقوله‪:‬‬

‫علم التصوف علم لا نفاذ له علم سني سماوي ربوبي‪15‬‬
‫وهو تعريف لا يخلو مما يشير إليه المتصوفة من علوم الباطن وأسرار المعاني‪ ،‬سواء في‬
‫الكلمات أو في الإشارات‪ ،‬ومعظم الصوفية يرفضون نسبة أصل تسميتهم إلى غير ما قاله‬
‫الشعراني في طبقاته‪ ،‬مثل ما يقولون بأن التصوف يرجع إلى لبس خرقة من الصوف أو من‬
‫الصفاء‪ ،‬وان كانوا يقولون بأن أول من لبس خرقه الصوف هو الأمام علي بن أبي طالب‪.‬‬
‫ولكنهم يستدركون بأن التصوف كعلم ينفردون به‪ ،‬هو علم الإشارة الذي يضم‬
‫الخواطر وعلوم المكاشفات‪ ،‬لأن مشاهدات القلوب ومكاشفات الأسرار لا يمكن العبارة‬

‫عنها على التحقيق بل تعلم بالمنازلات والمواجيد‪.16‬‬
‫هذا هو التصوف في أبسط معانيه‪ ،‬ونأخذ بتعرفيهم لأنفسهم‪ ،‬لأنهم أدرى‬
‫بفكرهم‪ ،‬مع العلم‪ ،‬بأنه يمكن القول إن التصوف من الصفاء أو الصوف أو الصفة‪ ،‬كلها‬

‫علامات تشير إلى نقاء القلوب وتطهيرها‪ ،‬ومحاربة النفس والزهد‪.‬‬
‫معنى التصوف اصطلاحا‬

‫التصوف اصطلاحا رحلة روحانية تعتمد على التحلية والخلوة والتجلي الرباني أو اللقاء‬
‫العرفاني المتوج بالوصال والكشف الإلهي‪ ،‬وبعني هذا أن المريد السالك كي يحقق مراده ألا‬
‫وهو الوصول إلى الحضرة الربانية‪ ،‬عليه أن يتجرد من أوساخ الدنيا ويتوب إلى الله وأن‬
‫يتطهر من كل أدران الجسد ويبتعد عن ملذات الدنيا ويترك جانبا شهوات الحياة ومتعها‬

‫الزائفة الواهمة‪.‬‬
‫وبعد ذلك يختلي بالله مدة طويلة‪ ،‬وبعد الاختلاء والمجاهدات الرياضية الوجدانية‬
‫ينكشف له الوجه الرباني‪ ،‬ويعني هذا أن المريد لكي يصبح قطبا أو شيخا أو يصل إلى‬
‫المعشوق الرباني‪ ،‬لابد أن يسافر في معراجه النوراني عبر مجموعة من المقامات المتدرجة‬

‫والأحوال الموهوبة لكي يتحقق له الوصال والتجلي الرباني‪.‬‬

‫‪356‬‬

‫الفصل الثامن عشر‬

‫ويلاحظ أيضا أن التصوف ليس فرقة مستقلة كما يقول أحمد أمين‪ ،‬بل هو‬
‫عبارة عن نزعة من النزعات الوجدانية ورغبة روحانية من مجموعة من الميولات الإنسانية‬
‫تجاه حدث أو فعل أو شيء ما‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يمكن الحديث عن معتزلي صوفي‪ ،‬وأشعري‬

‫صوفي‪ ،‬وفقيه صوفي‪ ،‬وشيعي صوفي‪ ،‬ومسيحي صوفي‪.17‬‬
‫ومن هنا يعرف ابن خلدون التصوف بقوله هو‪" :‬العكوف على العبادة‪،‬‬
‫والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليه‬

‫الجمهور من لذة ومال وجاه والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة‪.18‬‬
‫فالتصوف إذن عرفان وجداني وشوق ذوقي ومجاهدة ربانية‪ ،‬تقوم على الزهد في‬
‫الحياة وترك الدنيا الواهمة‪ ،‬ويعرف رويم البغدادي التصوف بقوله‪" :‬التصوف مبني على‬
‫خصال‪ :‬التمسك بالفقر والافتقار‪ ،‬والتحقق بالبذل‪ ،‬وترك الغرض والاختيار"‪ ،‬وقال‬
‫الكرخي‪" :‬التصوف هو الأخذ بالحقائق‪ ،‬واليأس مما في أيدي الخلائق"‪ ،‬وقال الجنيد‪" :‬أن‬
‫تكون مع الله بلا علاقة"‪ ،‬وقال ذو النون المصري‪" :‬أن لا تملك شيئا ولا يملكك شيء"‪،‬‬
‫وقيل للحصري‪" :‬من الصوفي عندك ‪...‬؟ فقال‪ :‬الذي لا تقله الأرض ولا تظلله‬

‫السماء‪.19‬‬
‫مواضيع التصوف‪:‬‬
‫تنحصر مواضيع التصوف حسب ابن خلدون في أربعة أغراض أساسية‪:‬‬
‫‪ -1‬المجاهدات وما يحصل من الأذواق والمواجد ومحاسبة النفس على الأعمال‬
‫لتحصل تلك الأذواق التي تصير مقاما ويترقى منه إلى غيره‪.‬‬
‫‪ -2‬الكشف والحقيقة المدركة من عالم الغيب مثل‪ :‬الصفات الربانية والعرش‬
‫والكرسي والملائكة والوحي والنبوة والروح وحقائق كل موجود غائب أو شاهد وتركيب‬
‫الأكوان في صدورها عن موجودها وتكونها‪.‬‬
‫‪ -3‬التصرفات في العوالم والأكوان بأنواع الكرامات‪.‬‬
‫‪ -4‬ألفاظ موهمة الظاهر صدرت من الكثير من أئمة القوم يعبرون عنها في‬
‫اصطلاحهم بالشطحات تستشكل ظواهرها فمنكر ومحسن ومتأول‪.20‬‬

‫‪357‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫ويعني هذا أن التصوف ينبني على أربعة مقومات جوهرية‪ ،‬وهي‪ :‬المجاهدات‪،‬‬
‫والتجليات الغيبية‪ ،‬والكرامات‪ ،‬والشطحات‪ ،‬وقد دافع ابن خلدون عن أصحاب‬
‫المجاهدات والتجليات الغيبية والكرامات الخاصة بالمتصوفة والأولياء الصالحين وميزها عن‬
‫المعجزات الخاصة بالأنبياء‪ ،‬كما اعتبر صاحب الشطحات معذورا‪ ،‬لأنه يكون في حالة‬

‫سكر وانتشاء ذوقي لا يعي ما يقوله أو ما يردده من أقوال أو ألفاظ أو مرويات‪.21‬‬
‫ويمكن القول بأن التصوف عبارة عن رحلة روحانية أو سفر معراجي له بداية‬
‫ونهاية ووسط‪ ،‬فالبداية هي التطهير والهروب من الدنيا الزائفة‪ ،‬والوسط هي الخلوة والرياضة‬

‫الروحية والمجاهدة الصوفية‪ ،‬أما النهاية فهي اللقاء والوصال اللدني‪.‬‬
‫مراحل التصوف الإسلامي‪:‬‬

‫ظهر الزهد مع بداية الدعوة الإسلامية في القرن الهجري الأول‪ ،‬وكان هذا السلوك يقوم‬
‫على دعامتين أساسيتين‪ ،‬وهما‪ :‬الزهد في الدنيا والابتعاد عن ملذات الحياة الزائفة الواهمة‪،‬‬
‫والإقبال على الآخرة الباقية الخالدة‪ ،‬والدعامة الثانية تتمثل في حب الله بدون واسطة‬

‫بشرية‪.‬‬
‫وهناك العديد من نصوص القرآن والحديث النبوي التي كانت تحث على الزهد والتقشف‬
‫في الحياة والاستعداد للموت وترك الدنيا‪ ،‬لأنها دار غرور وزينة وخداع وخيلاء‪ .‬يقول‬
‫تعالى‪﴿ :‬ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر﴾ [التكاثر‪ ،]1:‬ويقول أيضا‪﴿ :‬المال والبنون زينة‬
‫الحياة الدنيا﴾ [الكهف‪ ،]46:‬ويقول أيضا‪﴿ :‬واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه‬

‫من السماء فاختلط به نبات الأرض﴾ [الكهف‪.]45:‬‬
‫ومن الآيات الدالة على الحب الإلهي ما قاله تعالى‪﴿ :‬والذين آمنوا أشد حبا‬
‫لله﴾ [البقرة‪ ،]165:‬وفي الحديث النبوي الشريف‪« :‬نعم العبد صهيب! لو لم يخف الله لم‬

‫يعصه»‪﴿ ،22‬فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه﴾ [المائدة‪.]54:‬‬
‫ومن أهم الزهاد في القرن الأول الهجري الخلفاء الراشدون الأربعة رضوان الله‬
‫عليهم الذين كانوا يقتدون بحياة الرسول‪ ،‬فضلا عن الصحابة والتابعين‪ ،‬وتبع التابعين‪ ،‬فقد‬
‫كان هناك زّهاد من الصحابة أكثر من غيرهم‪ ،‬مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب‬

‫‪358‬‬

‫الفصل الثامن عشر‬

‫وأبي ذر الغفاري وغيرهم‪ ،‬ولكن الجميع متساوون في الصحبة والإيثار والأريحية‪ ،‬رضي الله‬
‫عن الجميع‪.‬‬

‫أشهر شيوخ وعلماء الصوفية‪:‬‬
‫لم يظهر التصوف في العالم الإسلامي إلا في القرن الثاني الهجري وخاصة بعد الفتوحات‬
‫الإسلامية وانتشار الرخاء والغنى والجاه في البيئة الإسلامية التي كثر فيه التمدين العمراني‬
‫والحضاري‪ ،‬وشيدت فيها القصور والبساتين‪ ،‬وانتشر اللهو والمجون وكثر الطرب وازدهر‬
‫شعر الخلاعة‪ ،‬فاختلط الناس بالحياة وأقبلوا على متع الدنيا وزينتها الزائفة‪ ،‬فظهر كثير من‬
‫العلماء والأتقياء الذين يخافون الله ويطمعون في رحمته وغفرانه وتوبته النصوحة‪ ،‬فتركوا‬
‫الدنيا وانعزلوا عن الناس والسلاطين‪ ،‬وابتعدوا عن إغراءات الدنيا ومباهجها الفاتنة‬
‫فاختاروا الخلوة الربانية وتمثلوا طريق الشرع الرباني وساروا على نهج الهدي النبوي وجعلوه‬

‫مسلكا لهم في التعبد والمحاسبة والعبادة والاعتكاف‪.‬‬
‫ومن أهم كتاب التجربة الصوفية وجامع نصوصها في هذه المرحلة نستحضر‬
‫القشيري في رسالته وفريد العطار في "تذكرة الألباب" والطوسي في كتابه "اللمع"‪ ...‬ويبقى‬
‫الحارث المحاسبي هو العميد الأول للتصوف‪ ،‬حسب الدكتور محمد عابد الجابري‪ ،‬لكونه لم‬
‫ينحرف في عملية التأويل ولم يغال فيها كما فعل المتصوفة‪ ،‬زد على ذلك أنه وقف صامدا‬

‫في وجه التشيع الباطني‪.23‬‬
‫ومن أهم المتصوفة الذين يذكرهم التاريخ نلفي‪ :‬المحاسبي والقشيري والحسن‬
‫البصري والغزالي والسراج والجنيد وابن المبارك وعبد القادر الجيلاني وأحمد البدوي وأحمد‬

‫الرفاعي ورابعة العدوية التي تقول في الحب الإلهي‪:24‬‬
‫أحبــك حبيــن‪ :‬حب الهوى وحبـا لأنـك أهــل لـــذاكا‬
‫فأما الذي هو حـــب الهوى فشغـل بذكرك عمن سواكـا‬
‫وأما الذي أنــــت أهل له فكشفك لي الحجب حتى أراكا‬
‫فلا الحمد في ذا ولا ذاك لـي ولكـن لك الحمد في ذا وذاكا‬

‫‪359‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫وإذا كان الحسن البصري معروفا بنزعة الخوف حتى قال معاصروه‪" :‬إنه كان‬
‫دائما كأنه عائد من جنازة‪ ،25‬فإن رابعة العدوية معروفة بنزعة الحب‪ ،‬وقالت شعرا كثيرا في‬

‫الحب الرباني منه هذان البيتان‪.26‬‬
‫إني جعلتك في الفؤاد محدثي وأبحت جسمي من أراد جلوســي‬
‫فالجسم مني للجليس مؤانس وحبيــــب قلبي في الفؤاد أنيسي‬
‫وقد روى القشيري في رسالته أن رابعة العدوية قالت في مناجاتها‪" :‬إلهي تحرق‬
‫بالنار قلبا يحبك؟"‪ ،‬فهتف بها هاتف يقول‪" :‬ما كنا نفعل هذا‪ ،‬فلا تظني بنا ظن‬

‫السوء‪.27‬‬
‫ومن أهم المتصوفة الآخرين الذين استحضروا الشرع الرباني في تجاربهم العرفانية‬
‫نذكر‪ :‬إبراهيم بن الأدهم وداود الطائي والفضيل بن عياض وشقيق البلخي وكلهم توفوا في‬
‫القرن الثاني الهجري‪ ،‬ومعروف الكرخي المتوفى سنة ‪200‬هـ‪ ،‬وابن سليمان الداراني المتوفى‬
‫سنة ‪215‬هـ‪ ،‬وسري السقطي المتوفى ‪253‬ه صاحب فكرة الحقائق الإلهية والتوحيد‪،‬‬
‫والجنيد المتوفى سنة ‪297‬هـ الذي يعد أول من صاغ المعاني الصوفية وكتب في شرحها‪،‬‬
‫والغزالي في القرن الخامس الهجري الذي حاول التوفيق بين الشرع والتصوف‪ ،‬وقام بعقد‬
‫الصلة بين الخطاب الفقهي الذي كان يحارب المتصوفة والخطاب العرفاني الذي كان يؤمن‬
‫بالباطن‪ .‬وقد تجلى هذا التوفيق واضحا في كتابيه‪" :‬المنقذ من الضلال"‪ ،‬وكتابه‪" :‬إحياء في‬
‫علوم الدين"‪ .‬ومن أهم قواعد التصوف التي يرتكن إليها احترام مبادئ القرآن والسنة‬
‫والإجماع‪ ،‬وتطبيق شعائر الدين والسعي في الدنيا بحثا عن الرزق وتمجيد العمل والشغل‪،‬‬
‫لأنه زاد الدنيا والآخرة‪ ،‬علاوة على احترام خصوصيات الشرع في تأويل الظاهر والباطن‬

‫وعدم إظهار ذلك لعامة الناس‪.‬‬
‫كما يبتعد هذا النوع من التصوف عن الشطحات الصوفية والكرامات الخارقة‬
‫التي تخالف الشرع الرباني‪ .‬ويعلي المتصوفة من قيمة الأنبياء بالمقارنة مع الأولياء والشيوخ‬

‫والأقطاب‪.‬‬

‫‪360‬‬

‫الفصل الثامن عشر‬

‫وفي الأخير‪ ،‬يمنح التصوف مبادئه وتعاليمه ومجاهداته الذوقية من المصادر‬
‫الداخلية للفكر الإسلامي أي من القرآن والسنة‪.‬‬

‫وبعد أن كان التصوف سلوكا فرديا انتقل ليكون مسلكا جماعيا‪ ،‬وسيكون‬
‫للمريد العارف قطبا يهديه ويرشده‪ ،‬لأنه من الصعب أن يتعلم المريد في غياب الشيخ‬
‫والقطب أو يسافر بعيدا في حضرته الصوفية وتعراجه الذوقي دون مرافق يساعده على‬

‫تحمل مشقة السفر أو الحج‪.28‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬ظهرت طرق ومذاهب صوفية كثيرة تنسب إلى شيخ بعينه أو قطب‬
‫بارز له أتباع كثيرون يتبعون مسلكه في المعرفة اللدنية‪ ،‬وبعد ذلك‪ ،‬ينتقل مشعل الوراثة‬

‫الصوفية أو سبحة الولاية من شيخ إلى آخر بعد الإجازة والتوصية‪.‬‬
‫وقد انتشرت في العالم الإسلامي كثير من الطرق الصوفية قديما وحديثا واقترنت‬
‫بالزوايا والروابط والمساجد‪ ،‬فهناك الطريقة الأحمدية التي تنسب إلى أحمد البدوي وانتشرت‬
‫في مصر إبان الظاهر بيبرس‪ ،‬وهناك طريقة صوفية أخرى تنسب إلى أبي العباس أحمد بن‬

‫عمر المرسي من مرسية بالأندلس‪ ،‬وهي بدورها انتشرت بمصر‪.‬‬
‫كما توجد عدة طرق صوفية مشهورة كالطريقة التيجانية والطريقة الشاذلية‬
‫والطريقة العلوية والطريقة القادرية والطريقة البودشيشية والطريقة الدلائية والطريقة الجيلانية‬

‫والطريقة العيسوية والطريقة الناصرية والطريقة الحراقية‪.‬‬
‫مناهج التصوف‪:‬‬

‫إذا كان الفقهاء يعتمدون على ظاهر النص وعلماء الكلام يستندون إلى الجدل الافتراضي‬
‫والفلاسفة يعتمدون على العقل والمنطق أو البرهان الاستدلالي‪ ،‬فإن المتصوفة يعتمدون‬

‫على الذوق والحدس والوجدان والقلب‪.‬‬
‫أي إن لغتهم لغة باطنية تنفي الوساطة وترفض الحسية وتتجاوز نطاق الحس‬
‫والعقل إلى ما هو غيبي وجداني وذوقي‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فاللغة قاصرة في ترجمة التجربة الصوفية‪،‬‬
‫لذلك يلتجئ المتصوفة إلى مصطلحات رمزية لها سياقات خاصة‪ ،‬وهذه المصطلحاتكثيرة‬
‫يصعب حصرها استقيت من مجالات عدة‪ ،‬ومن هنا يمكن الحديث عن اللفظ المشترك‬

‫‪361‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫داخل الحقل الصوفي‪ .‬ومن هذه العلوم التي نهلت منها الكتابة أو الممارسة الصوفية نذكر‪:‬‬
‫علوم الشريعة‪ ،‬وعلوم العقيدة‪ ،‬والآداب‪ ،‬وعلوم اللغة‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬وعلوم الآلة فضلا عن‬

‫القرآن والسنة وعلم الحروف والكيميا‪.‬‬
‫ومن مشاكل الاصطلاح الصوفي التعدد في الألفاظ والتعدد في المعاني‬
‫والاختلاف بين الصوفية في معنى مفهوم ما‪ ،‬وهذا راجع لاختلاف التجربة الصوفية من‬

‫تجربة إلى أخرى‪.29‬‬
‫وعليه‪ ،‬فهناك مجموعة من القضايا والإشكاليات التي يجب الوقوف إليها وهي‪:‬‬
‫قضية العرفان وثنائية الظاهر والباطن وإشكالية التأويل‪ ،‬لأنها هي التي ستميز الخطاب‬
‫الصوفي عن الخطاب الفلسفي والخطاب الفقهي والخطاب الكلامي‪ .‬فهذا أبو نصر‬
‫السراج الطوسي‪ ،‬وهو من أوائل المؤلفين في تاريخ التصوف في الإسلام‪ ،‬يعتبر المتصوفة من‬

‫علماء الباطن وبالتالي‪ ،‬فالتصوف هو علم الباطن‪ ،‬بينما الفقه هو علم الظاهر‪.‬‬
‫وفي هذا يقول في كتابه "اللمع"‪" :‬إن العلم ظاهر وباطن‪ .‬وهو علم الشريعة‬
‫الذي يدل ويدعو إلى الأعمال الظاهرة والباطنة‪ .‬والأعمال الظاهرة كأعمال الجوارح وهي‬
‫العبادات والأحكام ‪ ...‬وأما الأعمال الباطنة فكأنما القلوب وهي المقامات والأحوال‪،‬‬
‫ولكل عمل من هذه الأعمال الظاهرة والباطنة علم وفقه وبيان وفهم وحقيقة ووجد ‪...‬‬
‫فإذا قلنا‪ :‬علم الباطن أردنا بذلك علم أعمال الباطن التي هي الجارحة الباطنة وهي‬
‫القلب‪ ،‬وأما إذا قلنا‪ :‬علم الظاهر أشرنا إلى علم الأعمال الظاهرة التي هو الجوارح الظاهرة‬

‫وهي الأعضاء‪ ،‬وقد قال تعالى‪﴿ :‬وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة﴾ [لقمان‪.]20:‬‬
‫فالنعمة الظاهرة ما أنعم الله تعالى بها على الجوارح الظاهرة من فعل الطاعات‪،‬‬
‫والنعمة الباطنة ما أنعم الله تعالى بها على القلب من هذه الحالات‪ ،‬ولا يستغني الظاهر‬
‫عن الباطن ولا الباطن عن الظاهر‪ ،‬وقد قال الله عز وجل‪﴿ :‬ولو ردوه إلى الرسول وإلى‬
‫أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم﴾ [النساء‪ ،]83:‬فالعلم المستنبط هو العلم‬
‫الباطن‪ ،‬وهو علم أهل التصوف لأن لهم مستنبطات من القرآن والحديث وغير ذلك ‪...‬‬

‫‪362‬‬

‫الفصل الثامن عشر‬

‫فالعلم ظاهر وباطن والقرآن ظاهر وباطن‪ ،‬وحديث رسول ظاهر وباطن والإسلام ظاهر‬
‫وباطن‪.30‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فإن المتصوفة يتجاوزون الحس والظاهر إلى استكناه القلب واستنطاق‬
‫مقاماته وأحواله لتأسيس تجربة روحانية وتأصيل حضرة ربانية قوامها العشق والمحبة والزهادة‬
‫وتأويلها عرفانيا ولدنيا‪ ،‬بينما يكتفي الفقهاء وعموم الناس بظاهر النصوص وسياقاتها‬

‫السطحية مخافة من التأويل وإثارة الفتنة في المجتمع‪.‬‬
‫خلاصة القول‪:‬‬

‫تختلف وتتعدد الطرق الصوفية حول شيوخها‪ ،‬ولكنها تتفق حول أصولها‪ ،‬فأهل التصوف‬
‫في الطرق المختلفة مثل من يدسون منهجا واحدا على يد معلمين متعددين‪ ،‬ومن ضمن‬
‫أهم مواطن الاتفاق بين الطرق الصوفية‪ ،‬أنهم يستنكرون العنف ويدينون الإرهاب‪ ،‬حيث‬
‫تحفل أدبيات الصوفَيّة باستنكار العنف ورفضه أَيّاً كان مصدره‪ ،‬وحَتّى قراءتهم للنصوص‬
‫المتضمنة لكلام على القتال أو الضرب أو العذاب‪ ،‬تُدفع عبر التأويل في اتجاه نبذ العنف‬
‫وتوجيهه وجهة التربية والتعديل والإصلاح والرياضة‪ ،‬أو تفصل بين منطق العلم ومنطق‬

‫السر أو بين الفقه والعرفان أو الظاهر والباطن‪.‬‬
‫ولك َّن أخبارهم ومقالاتهم تشرعه في وضعيات ومقامات مختلفة‪ ،‬سواء كان ذلك‬
‫في علاقة بالذات الفردَيّة أو بسياقات جماعَيّة‪ ،‬فالصوفي في سلوكه يبيح لنفسه ممارسة‬
‫أشكال مختلفة من العنف في صلة بنفسه وجسده مثلاً‪ ،‬ويتبَنّى مقولة "الجهاد" فيشارك في‬
‫مواجهات مسلحة قد تكون مع عدو أو سلطان‪ ،‬بل يختار الرباط وينأى عن دنيا الناس‬
‫ليحمي الثغور ويحفظ نفسه باختبارها المستمر وإخضاعها لأشكال من التربية لا تخلو من‬
‫ش َّدة وقسوة‪ ،‬يرى الصوفي أَنّه فيها تجاوز عتبة الرياضة والمجاهدة وترقى في المقامات‬
‫والأحوال فبلغ مرتبة‪ ،‬لم يعد للعنف فيها معنى أو دور في صلته بذاته بعد أن تملكه الحب‬
‫وأضحى عقيدته وموجهه‪ ،‬وهنا قد نظفر بحضور مختلف للعنف يلج من بوابة المتخيّل‪،‬‬
‫ففي بعض أدعية الصوفَيّة الموجهة نحو عدو ما نعثر على صور كثيرة تبين عن تمثل الصوفي‬
‫لمصير هذا العدو وأشكال التفُّوق عليه ودحره أو سحقه والتخلص من شّره‪ .‬فيكون‬

‫‪363‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫العنف المتخيّل هنا حاملاً لمعنى العدالة الربانَيّة التي انتصر فيها الله للخا َّصة من خلقه مَمّن‬
‫اصطفاهم وقَّربهم إليه‪.‬‬

‫إ َّن العنف‪ ،‬وإن غيّب في مقالات الصوفَيّة واستهجن‪ ،‬فإَنّه لم يمنع من محاولة‬
‫فهمه والبحث في دوافعه وسبل التص ّدي له وتوجيهه‪.‬‬

‫ومرجعَيّات العنف في الخيال الصوفي "يهتم بتأويل الصوفَيّة للن ّص القرآني‬
‫والحديث الَنّبوي وبعض الأقوال المأثورة عن الصحابة أو التابعين أو شيوخ التصُّوف‪،‬‬
‫تحديداً ما ورد فيها كلام عن القتال والضرب والعقاب البدني أو الاضطهاد‪ ،‬فضلاً عن‬
‫تناول مفاهيم الرغبة والتخلية والتحلية والعداوة‪ ،‬والبحث في الأطراف المستهدفة بالعنف‬
‫وأشكاله لتبين الخلفَيّة المعرفَيّة المحركة لفهم الصوفَيّة للعنف سواء في نظرتهم للطبيعة عاَّمة أو‬

‫الطبيعة البشرَيّة على وجه التخصيص‪ ،‬أو كذلك رؤيتهم لصلة الفرد بالجماعة"‪.31‬‬
‫هذا هو التصوف في أبسط معانيه‪ ،‬ليس فيه عنف أو قتل أو حرق‪ ،‬أو غير‬

‫ذلك مما يفعله المتطرفون من سلفيي هذا الزمان‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬دور التصوف في نشر الإسلام‬
‫خلال أقل من ثمانين عاما من وفاة النبي الكريم ‪ ،‬تمكن المسلمون من فتح شمال أفريقيا‪،‬‬
‫وشرق ووسط آسيا‪ ،‬وكان الصحابة وأبناءهم يتسابقون في المشاركة في الفتوحات‬
‫الإسلامية‪ ،‬واستقر الإسلام في الدول والشعوب التي اعتنقت الإسلام‪ ،‬ما عدا الأندلس‪،‬‬

‫فيما لا مجال للكتابة عنه في هذا البحث‪.‬‬
‫ولكن وعبر القرون التالية انتشر الإسلام في إفريقيا في شمال الصحراء الكبرى‬
‫وجنوبها وفي السودان الأعظم وفي غرب إفريقيا‪ ،‬وفي إندونيسيا وماليزيا والفلبين والصين‬

‫وغيرها من البلاد من خلال الطرق الصوفية والت ّجار المسلمين‪.‬‬
‫ومما ينبغي أن يسجل للصوفية من فضل هو إنهم كانوا ممن حملوا راية الإسلام‬
‫ودعوا إليه بصدق وإخلاص ودافعوا عنه بكل وسيلة فأينما حلوا كانوا يشيدون الزوايا‬

‫لنشر الدين والعلم ورعاية الفضيلة والسجايا الكريم‪.‬‬

‫‪364‬‬

‫الفصل الثامن عشر‬

‫ومن الحق والإنصاف أن يذكر بفضلهم بالدفاع عن الإسلام ونشر علومه وآدابه‬
‫وأخلاقه وإظهاره للناس في صفائه على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم‬

‫وصحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم في الزهد والعدل ونشر الفضائل‬
‫قد أورد الكاتب محمد كرد علي في كتابه "الإسلام والحضارة العربية" قول بعض‬
‫رجال الطرق الصوفية في إفريقية"‪" :32‬إن الطرق الصوفية أداة التهذيب الديني‪ ،‬التي يُعاد‬
‫بواسطتها إلى حظيرة الدين كل من انسلخوا منه أو كادوا"‪ ،‬وهو قول صادق‪ ،‬خاصة من‬
‫مسلمين أخذوا على أنفسهم عهودا أن يكونوا ُمثلا عليا للإسلام‪ ،‬ثم نشره بين الناس‪،‬‬

‫بالحسنى والقدوة الحسنة‪.‬‬
‫دور الصوفية في نشر الإسلام في إفريقيا‬
‫في محاضرات العالم الإسلامي الأستاذ المرحوم شكيب أرسلان‪ ،‬قال‪ :‬إن الأستاذ صبري‬
‫مجابذي ذكر في ندوة الإسلام‪ ،‬ما كتب الشيخ البكري نقلا على المبشرين فقال‪" :‬ما‬
‫ذهبنا إلى أقاصي البلاد البعيدة عن الحضارة والمدينة في إفريقيا وأقاصي أسيا إلا وجدنا‬

‫الصوفي سبقنا إليها وانتصر علينا"‪.33‬‬
‫ويقول الدكتور حسين مؤنس في كتابه "المساجد" من سلسلة عالم الفكر "بعد‬
‫أن دخل الإسلام المغرب انتشر انتشارا واسعا فأقبلت عليه جماهير الناس لا يعرف لها‬
‫مثيل فيما فتح المسلمون من أراضي‪ ،‬وقد ظهر الإيمان العميق في صدور أهله والسعي‬
‫الحثيث لدراسة الإسلام والعلم به‪ ،‬كما ظهر في هيئة جماعات من العبّاد والزّهاد من‬
‫المتصوفة الذين قاموا بنشر الطرق الصوفية في المغرب كله‪ ،‬حتى إننا لا نبالغ إذ قلنا‪ :‬لم‬
‫يكن في المغرب أحد في العصور الوسطى غير منتسب إلى طريقة‪ ،‬ما طكالشاذلية‬
‫والتيجانية والسنوسية"‪ ،‬وكانوا لهم الأثر الواضح على مقومات المجتمع المغربي وبفضلها‬
‫أصبح الإسلام محور الحياة المغربية كلها وأصبحت أخلاقه أساس المعاملات ثم اتسع نطاق‬
‫هذه الطرق‪ ،‬فامتد إلى خارج المغرب خلال الصحراء ووصلت إلى افريقية المدارية‬

‫والاستوائية فكان لها الأثر في انتشار الإسلام فيها"‪.34‬‬

‫‪365‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫ويقول‪" :‬الكسندر بينيغيس شنتال كيلك جابي" في كتابه "المسلمون المنسيون"‪:‬‬
‫"حلت بالعالم الإسلامي كارثة كبيرة في مطلع القرن الثالث عشر‪ ،‬بسبب غزو المغول‬
‫الذين غزوا أسيا الوسطى‪ ،‬ثم اتخذ الغزو اتجاها صليبيا معاديا للإسلام مع الحروب‬
‫الصليبية‪ ،‬غير أن نشاط الجماعات الصوفية أنقذ الإسلام وأضفى عليه طابعا أكثر شعبية‬

‫وعمق جذوره أكثر بين الطبقات الفلاحية"‪.35‬‬
‫وانتشار الإسلام في إفريقية جنوبي الصحراء‪ :‬السينغال ومالي والنيجر وغينيا‬
‫وغانا ونيجيريا وتشاد‪ ،‬إنما يرجع الشطر الأكبر من الفضل فيه إلى الطرق الصوفية‬

‫خصوصا التيجانية والسنوسية والشاذلية‪.36‬‬
‫كانت الزوايا التي أسسها شيوخ هذه الطرق الصوفية بؤر لنشر الدعوة‬
‫الإسلامية بين الشعوب الوثنية في غرب القارة الإفريقية وقلبها‪ ،‬ومرد هذا خصوصا إلى‬
‫اختلاط الصوفية بالطبقات الشعبية في هذه البلاد بين العامة والفقراء‪ ،‬مما أبدى لهؤلاء‬
‫نماذج حية تتصف بالتقوى والصلاح إلى جانب ما تقوم به هذه الطرق من خدمات‬

‫اجتماعية وألوان من البر والإحسان والمساواة والمؤاخاة‪.‬‬
‫ارتبط نشاط الدعوة إلى الإسلام لاسيما في غرب إفريقيا وشرقها بانتشار الطرق‬
‫الصوفية‪ ،‬وخاصة بين المشتغلين بالتجارة‪ ،‬وكانت هذه الطرق قد بزغ نجمها في الأفق منذ‬
‫أن تعرض العالم الإسلامي لخطر الاستعمار الأوروبي الحديث‪ ،‬بدءًا من القرن السادس‬
‫عشر الميلادي‪ ،‬واستطاعت الطرق الصوفية أن تُسهم إسهاًما كبيًرا في الدعوة إلى مقاومة‬
‫الاستعمار‪ ،‬وكذلك في الدعوة إلى الوحدة الدينية‪ ،‬وفى نشر الإسلام بين من لم يعتنقه‪،‬‬

‫ونتيجة لذلك جذبت هذه الطرق إليها كثيًرا من الشباب الأفارقة‪.37‬‬
‫ففي شرق إفريقيا وبلاد «سودان وادي النيل» ظهرت «الطريقة الميرغنية» في القرن التاسع‬
‫عشر للميلاد والتي كان لها تأثيرها الكبير على الناس هناك‪ ،‬وكانت قد ظهرت قبلها بعدة‬
‫قرون "الطريقة القادرية والشاذلية والرفاعية"‪ ،‬وانتشر أتباع هذه الطرق على طول الساحل‬

‫الشرقي لإفريقيا‪ ،‬وفى الجزر المواجهة له وكذلك في المناطق الداخلية‪.38‬‬

‫‪366‬‬

‫الفصل الثامن عشر‬

‫وفى سنة (‪1253‬هـ = ‪1837‬م) ظهرت في شمال إفريقيا الطريقة السنوسية على‬
‫يد الفقيه الجزائري "محمد بن على السنوسي"‪ ،‬الذي استطاع أن يقيم دولة دينية في‬
‫الأراضي الليبية‪ ،‬دون أن يريق قطرة دم واحدة‪ ،‬وتمكنت هذه الطريقة من خلال أتباعها‬
‫وزواياها التي انتشرت في إفريقيا جنوب الصحراء أن تنشر الإسلام بين العديد من القبائل‬
‫الإفريقية الوثنية‪ ،‬مثل قبيلة «بيلى» التي كانت تسكن منطقة «إنيدى» شرق «بوركو» في‬

‫شمال «نيجيريا»‪ ،‬وع ّمقت الإسلام بين جماعات «التَّدا» فى شمال بحيرة تشاد‪.‬‬
‫وكان للسنوسيين فضل كبير في نشر الإسلام في «واداى»‪ ،‬التي تقع شرق‬
‫«بحيرة تشاد»‪ ،‬وبين قبائل «الجلا» في «الحبشة»؛ حيث كانوا يشترون العبيد أو الأطفال‬
‫ثم يحررونهم ويرسلونهم إلى مركز الطريقة الرئيسي في «واحة جغبوب» في الصحراء الكبرى‬

‫بين «مصر» و«ليبيا»‪ ،‬فيتعلمون ثم يعودون إلى بلادهم دعاة للإسلام‪.‬‬
‫كذلك كان لأتباع «الطريقة القادرية» التي انتشرت في شمال إفريقيا وغربها أثر‬
‫كبير في نشر الإسلام في هذه البلاد‪ ،‬فقد اتخذ أتباعها من مدينة «ولاتة» بموريتانيا أول‬
‫مركز لهم في تلك البلاد منذ القرن الخامس عشر الميلادي‪ ،‬ثم لجئوا إلى «تمبكتو»‪ ،‬وانتشر‬
‫أتباعهم ودعاتهم في أنحاء «السودان الغربي»‪ ،‬وكذلك في منطقة «القرن الإفريقي» وساحل‬
‫«شرق إفريقيا»‪ ،‬ووصل أتباعها في الداخل حتى «الكونغو»‪ ،‬وكان أتباع هذه الطريقة‬
‫يقومون بتأسيس المدارس لتعليم الدين ونشر الإسلام‪ ،‬ويرسلون نوابغ الطلاب إلى مدارس‬
‫«القيروان» و«تونس» و «فاس» و«الأزهر»‪ ،‬وغيرها‪ ،‬فإذا ما أتموا دراستهم عادوا إلى‬

‫أوطانهم دعاة للإسلام‪.‬‬
‫ومن الطرق الأخرى التي انتشرت في القارة «الطريقة التيجانية» التي أنشأها‬
‫«أبو العباس أحمد بن محمد المختار بن سالم التيجانى» المتوفى عام (‪1231‬هـ =‬
‫‪1815‬م)‪ ،‬وقد قام أتباعه بنشر هذه الطريقة بين رجال القوافل والتجار‪ ،‬فانتشرت‬
‫تعاليمها في حوض «السنغال» وفى «تمبكتو» وفى سائر أنحاء غرب إفريقيا‪ ،‬وظهرت هذه‬
‫الطريقة أي ًضا في «السودان النيلى» وشرق إفريقيا على يد بعض التيجانية القادمين من‬
‫غرب إفريقيا‪ .‬وقد انخرط في سلك هذه الطريقة علية القوم في «الحبشة»‪ ،‬مثل سلطان‬

‫‪367‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫«جمة» «أبى جفار»‪ ،‬و«الرأس على» نائب الإمبراطور الحبشي‪ ،‬وعمل هذان الرجلان‬
‫على نشر الإسلام بين الوثنيين من الأحباش‪ ،‬ونجحا في ذلك نجا ًحا عظي ًما فتحول معظم‬

‫سكان الولايات الوسطى والشمالية في «الحبشة» إلى الإسلام‪.39‬‬
‫ذلك أن الإسلام لم يُفرض كما رأينا على الشعوب الوثنية الإفريقية فر ًضا‪ ،‬إنما‬
‫حمله قوم من أهل إفريقيا نفسها‪ ،‬اتخذوا صفة التجار أو المعلمين أو الدعاة أو الصوفية‪،‬‬
‫فليس غريبًا أن يلقى قبولا منهم‪ ،‬فهو في نظرهم دين إفريقي غير دخيل‪ ،‬والدعوة إليه تتم‬

‫بالطرق السلمية وليس بالغزو المسلح كما فعل الاستعمار الأوربي في العصر الحديث‪.40‬‬
‫كما أن الإسلام لم يستعبد هذه الشعوب‪ ،‬إنما أشعرها بالعزة والكرامة‪ ،‬فخلق‬
‫منها دولا كبرى وقوى فيها النزعة إلى الحرية والاستقلال‪ ،‬ولم يقض على نظمها المحلية بل‬

‫تواءم معها وخلق منها ومن تقاليده تقاليد إسلامية الطابع إفريقية الروح‪.‬‬
‫ومن ثم تَقَبّله الأفارقة‪ ،‬خاصة أن الإسلام لم يكن دينًا أخرويا فحسب‪ ،‬وإنما‬
‫كان دينًا وحضارة تقوم على أساس تعمير الدنيا والفوز بالآخرة‪ ،‬ومن ثم لزم أن يَنشر‬
‫الإسلام نور العلم والثقافة بين أتباعه ومعتنقيه‪ ،‬فارتبط الإسلام بالعلم والتعليم منذ البداية‪،‬‬
‫وكان الإفريقي لا يكاد يسلم حتى يتعلم القراءة والكتابة ويرتفع قدره اجتماعيا كلما زادت‬
‫ثقافته‪ ،‬ولذلك سمعنا عن عدد كبير من العلماء الأفارقة الذين ظهروا في مختلف ميادين‬
‫العلم والثقافة‪ ،‬ولم يكونوا في ذلك أقل من إخوانهم علماء المغاربة أو المشارقة‪ ،‬زد على‬
‫ذلك أن الإسلام لم يعترف بالتفرقة العنصرية‪ ،‬فهو لا يعرف حواجز الطبقات أو العرق أو‬
‫اللون‪ ،‬ولا يميز بين إنسان وآخر على أساس اللون أو الثروة‪ ،‬لأن معيار التفاضل في‬
‫الإسلام هو التقوى والعمل الصالح‪ ،‬ولذلك أقبل الأفارقة على اعتناقه‪ ،‬فو َّحد بينهم وقضى‬
‫على عناصر الفرقة والتشرذم‪ ،‬كما وحد بينهم لغويا؛ إذ انتشرت اللغة العربية بين كثير من‬
‫شعوب القارة‪ ،‬وصارت هي أداة الفكر والعلم والمخاطبة‪ ،‬أما الشعوب التي احتفظت‬
‫بلغاتها‪ ،‬فقد كانت العربية هي وسيلة العلم والتعامل كما كانت اللغة الرسمية‪ ،‬لأن اللغات‬

‫الإفريقية لم تكن لغات مكتوبة‪.‬‬

‫‪368‬‬

‫الفصل الثامن عشر‬

‫وكما و َّحد الإسلام بينهم دينيا‪ ،‬و ّحد بينهم سياسيا‪ ،‬وقضى على التشرذم القبلي‬
‫والنزاعات القبلية‪ ،‬وأنشأ دولا كبرى‪ ،‬بل إمبراطوريات عظمى مثل «إمبراطورية مالي»‪ ،‬التي‬
‫ضمت معظم منطقة غرب إفريقيا بالكامل‪ ،‬وكانت مساحتها تفوق مساحة دول غرب‬
‫أوربا مجتمعة‪ ،‬ليس هذا فحسب‪ ،‬بل إن الإسلام جعل الإفريقي يشعر بانتمائه ليس إلى‬
‫بلاده فقط‪ ،‬بل إلى عالم إسلامي واسع‪ ،‬يستطيع أن ينتقل بين أرجائه سواء كان تاجًرا أو‬
‫حاجا أو طالب علم‪ ،‬وفى كل مكان يجد هذا الإفريقي القوت والمأوى والمساعدة‬
‫والاستقبال الودود‪ ،‬على أساس من أخوة الإسلام التي جمعت بين أفراد هذا العالم‬

‫الإسلامي الواسع‪ ،‬الذي يمتد من الصين شرقًا حتى المحيط الأطلسي غربًا‪.‬‬
‫ومن هنا اعتبر الأفارقة الإسلام دينًا إفريقيا قام بنشره بينهم قوم منهم‪ ،‬اتخذوا‬
‫الدعوة أو التجارة أو التصوف وسيلة إلى ذلك‪ ،‬وطبقوا مبادئ الإسلام السمحة وأخلاقه‬
‫الحميدة وقيمه السامية من إخاء ومساواة وتكافل وتعاون‪ ،‬ومن ثم انتشر الإسلام في هذه‬
‫البقاع الواسعة في القارة‪ ،‬حتى إنه يمكن القول بأن قارة إفريقيا هي القارة المسلمة الوحيدة‬
‫في عالم اليوم‪ ،‬على اعتبار أن غالبية سكانها يعتنقون الإسلام‪ .‬ويتبين ذلك بوضوح من‬
‫خلال حديثنا عن السلطنات والممالك الإسلامية التي قامت بالقارة في جنوب الصحراء‬

‫في العصور الوسطى‪.41‬‬
‫دور التصوف في نشر الإسلام في آسيا‬
‫قصة انتشار الإسلام في جنوب وشرق آسيا تـَُع ُّد من أعظم قصص انتشار الإسلام في‬
‫العالم؛ فالمسلمون لم يذهبوا إلى هذه المناطق الشاسعة المساحة العظيمة السكان بجيوش‬
‫فاتحة‪ ،‬ولم يخوضوا مع أهلها حروبًا تُذكر‪ ،‬وإنما ذهبوا إليها كُتّجار يحملون أخلا َق الإسلام‪،‬‬
‫وَهَّم الدعوة إلى الله‪ ،‬وذلك بالحسنى والمعاملة الحسنة‪ ،‬فحَّققوا القاعدة الأصيلة التي تؤكد‬
‫أن الإسلام إنما يغزو القلوب لا الأراضي أو البُلدان‪.‬‬
‫يقول "الكسندر بينيغيس شنتال كيلك جابي"‪" :‬ظهرت الجماعة الصوفية من‬
‫طرق النقشبندية في شمال القوقاز‪ ،‬فكان أن سجل الموجة الثانية من انتشار الإسلام في‬
‫الإمبراطورية الروسية‪ ،‬وفي نهاية القرن ‪15‬م ظهر في داغستان وبلاد الشيشان أوائل دعاة‬

‫‪369‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫النقشبندية من شيروان واسيا الوسطى‪ ،‬وظهرت في شمال القوقاز جماعة صوفية أخرى من‬
‫الطرق القادرية واليها يرجع الفضل في نشر الإسلام بين الأنكوش نحو عام ‪1880‬م‪.42‬‬

‫وقال أيضا في كتابه "تاريخ التصوف الإسلامي"‪" :‬ونأخذ مثالا على ما حدث‬
‫في الهند فكما قال مانسينيون بحق إن الإسلام لم ينشر في الهند بواسطة الحروب‪ ،‬بل انتشر‬
‫بفضل الصوفية والطرق الكبرى وهي الجشتية والكبروية والشطارية والنقشبندية‪ ،‬ذلك لأن‬
‫التوفيق الاجتماعي بين الظافرين والمقهورين لا يتم إلا بواسطة أولئك الذين يعطون ولا‬

‫يطالبون ويقرضون ولا يأملون في شيء"‪.43‬‬
‫وقد كان للتصوف الإسلامي في الهند الفضل في المصالحة بين الطوائف كما‬

‫يتجلى ذلك في تصوف "ابا كيور’" المتوقي سنة ‪ 979‬هـ الموافق لسنة ‪1571‬م‪.44‬‬
‫لقد قام الصوفية بجهود عظيمة في نشر الإسلام منذ القرون الأولى من عمل‬
‫الإسلام إلى تاريخنا الحديث‪ ،‬وفي الحفاظ عن الهوية الإسلامية للأمة‪ ،‬وواجهوا الاستعمار‬
‫وقاوموه فلقد انتشر الإسلام في ’’المليبا’’ و"المويلا’’ و"المالديف" من بلاد الهند‪ ،‬بجهود‬
‫الصوفي الورع "مالك بن دينار"‪ ،‬وجهود أخيه وآخرين من أسرته ومريديه كما انتشر في‬
‫كجورات من الهند أيضا كذلك في بلاد الفليبيين وفي ’’ترنشيولي’’ بجهود الصوفي "ثرشاة"‬
‫المتوفى سنة ‪431‬هـ وقام بنفس الجهد الصوفي يوسف الدين السندي في القرن السابع‬

‫الهجري في السند وملتان وكشمير‪.‬‬
‫وقد حمل التجار المسلمون بضائعهم‪ ،‬ورحلوا من المشرق الإسلامي إلى تلك‬
‫البلاد النائية عن طريق البحر‪ ،‬وكان لعرب جنوب الجزيرة العربية اليمنيّين والُع َمانيّين‬
‫النصيب الأوفى في ذلك‪ ،‬فأخذوا يبيعون ويبتاعون‪ ،‬ووجد أهل تلك البلاد النائية فيهم‬
‫الصدق‪ ،‬وعَرفوا فيهم العَّفة والأمانة‪ ،‬ثم علموا أن هذا كله من أثر العقيدة التي يحملونها؛‬
‫ف ُحبّب الإسلام إلى نفوسهم؛ الأمر الذي لم يظلوا عليه طويلاً حتى باتوا يَدينُون بالإسلام‪،‬‬

‫وأصبحوا من أبنائه المخلصين‪.‬‬
‫وأسلم "أونج" حاكم بروناي على يد السلطان محمد شاه‪ ،‬واَتّسع نفوذها‬
‫فشملت جزر صولو والفلبين‪ ،‬ثم فرضت إنجلترا الحماية عليها‪ ،‬ودخلتها اليابان ثم‬

‫‪370‬‬

‫الفصل الثامن عشر‬

‫انسحبت منها‪ ،‬واتفق سلطانها مع البريطانيين على الانسحاب على أن تبقى إدارتهم‬
‫المدنية‪ ،‬ولم تنضم بروناي إلى الاتحاد الماليزي‪ ،‬الذي انتشر فيه الإسلام عن طريق أسلام‬
‫ملك (مالاقا) فصارت مالاقا دولة إسلامية‪ ،‬فاحتلتها البرتغال ثم هولندا‪ ،‬وتابعوا سياستهم‬
‫في قتل المسلمين‪ ،‬ثم احتلتها بريطانيا‪ ،‬وقامت ثورات في الملايو‪ ،‬منها ثورة الشيخ الهادي‪،‬‬
‫تلميذ الشيخ محمد عبده‪ ،‬ثم احتلتها اليابان؛ ووقع التخريب حتى هزيمة اليابان‪ ،‬فقام اتحاد‬
‫الملايو‪ ،‬و ُحّولَ ْت مسئوليات الاتحاد إلى المجلس الشعبي‪ ،‬وفي مؤتمر لندن تقرر استقلال اتحاد‬

‫الملايو‪.45‬‬
‫ودخل الإسلام الصين في أسرة "تانج"‪ ،‬التي عاصرت البعثة النبوية‪ ،‬وانتشر‬
‫الإسلام فيها عن طريق الفتوحات‪ ،‬وظهر القائد "السيد الأجل" فأصبح حاك ًما‪ ،‬فازدهر‬
‫الإسلام‪ ،‬ثم سيطرت الأسرة "المانشورية" فاضطهدت المسلمين‪ ،‬واحتفظ الكثير منهم‬

‫بدينهم خفية‪.‬‬
‫أما تركستان فدخلها الإسلام عن طريق الإيجور "ستاتوك بوجرخان"‪ ،‬الذي‬
‫اعتنق الإسلام قبل أن يتوَلّى العرش‪ ،‬واحتَلّها الصينيون‪ ،‬واَتّبعوا سياسة اضطهاد المسلمين‪،‬‬

‫فقامت الثورات‪.‬‬
‫وظهرت إمارة "رجا سليمان" المسلمة في الفلبين‪ ،‬وبدأ ماجلان بنشر المسيحية‪،‬‬
‫فتصدى له حاكم جزيرة ماكتنان‪ ،‬ثم احتلتها إسبانيا‪ ،‬باستثناء منطقة "مورو"‪ ،‬وأجرت‬
‫اتّفاقًا مع الولايات المتحدة لتتركها لها‪ ،‬فاستمَّرت الثورات‪ ،‬ثم احتَـَلّتها اليابان‪ ،‬وحصلت‬
‫على الاستقلال‪ ،‬وأصبح الحُكم فيها رئاسًيّا‪ ،‬وطالب النصارى بتطبيق القانون المدني على‬
‫المسلمين؛ أفميُاْمبكورنمالهفملمأنت يكتزنَّوجشواوا الطمئهسالمماح َطّتا‪،‬توبللدأسفتن؛حرفوبصاللإبإالديةه‪.‬ا مسلمو الصين والهند‪،‬‬
‫فنشروا الإسلام‪ ،‬واحتلتها إنجلترا‪ ،‬فتج َّمع غالبية المسلمون في أراكان‪ ،‬حتى أصبحت دولة‬
‫مسلمة مستقلة‪ ،‬ثم احتلتها إنجلترا فاستقلت عنها‪ ،‬وتم ضمها إلى بورما‪ ،‬فبدأ التطهير‬

‫العرقي ض َّد المسلمين‪ ،‬وأصدرت السلطات قراًرا بحظر تأسيس مساجد جديدة‪.46‬‬

‫‪371‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫أما تشامبيا ومنطقة الهند الصينية‪ ،‬التي تشمل‪ :‬فيتنام‪ ،‬وكمبوديا‪ ،‬ولاوس‪،‬‬
‫فمعظم شعوبها كانت تَدين بمعتقدات كالبراهمية‪ ،‬فوصل إليها الإسلام في ساحل مملكة‬
‫أنام مناسبًا لانتشار الإسلام‪ ،‬ويُطْلَ ُق في تشامبيا اسم "هوي هوي" على المسلمين‪،‬‬

‫فدخلت في صراع مع الصين وكمبوديا‪ ،‬وغزتها فيتنام‪.47‬‬
‫كان الفيتناميون يَ ُشُنّون حرب إبادة ض َّد المسلمين‪ ،‬فترك معظمهم البلاد إلى‬
‫كمبوديا‪ ،‬ويُطْلَ ُق عليهم "خمير إسلام"‪ ،‬أي الكمبوديون المسلمون‪ ،‬وعانت هذه المناطق‬
‫من الشيوعية‪ ،‬فوقع المسلمون فريسة للجهل الكبير بدينهم‪ ،‬وَغ َدت المساجد لا تـُْفتَح إلا‬
‫يوَم الجمعة‪ ،‬ويقوم الأئمة بالعبادات نيابة عن الشعب‪ ،‬وعَّم الفقر حتى إنهم لا يجدون ما‬
‫يُ َكّفنُون به موتاهم‪ ،‬ولا ما يسترهم‪ ،‬ويرفض المسلمون إلحاق أبنائهم بالمدارس الحكومية‬

‫خوفًا على عقيدتهم‪.48‬‬
‫تلك قصة الفتوحات الربّانية لأهل الطرق الصوفية‪ ،‬تتوحد مع الإسلام‪ ،‬وتتألق‬

‫مع الإيمان‪ ،‬ولم يحدث أن قتل صوفي رجلا مسلما أو غير مسلم‪ ،‬أو حتى أفتى بقتله‪.‬‬
‫ويكفي القول إن الفلبين‪ ،‬كان المسلمون العرب يس ّموها بلاد "واق الواق"‪ ،‬نظر‬
‫لبعدها‪ ،‬ومع ذلك سافر إليه المسلمون‪ ،‬ونشروا فيها الإسلام‪ ،‬ويحمل مسلمون الفلبين‬

‫اسم "مورو"‪ ،‬وهو اسم اسباني للدلالة على المسلم‪.‬د أو العربي‪.‬‬

‫المحور الثالث‪ :‬دور التصوف في التصدي للفكر التكفيري‬
‫لا يمكن الحديث عن دور الصوفية في التصدي للفكر التكفيري‪ ،‬دون التطرق للخطر‬
‫الذي يمثله الفكر السلفي‪ ،‬وهو الفكر الذي يمثل الإطار الأيديولوجي لفكر التكفير‪ ،‬وهو‬

‫ما نكتب عنه‪.‬‬
‫الإطار الفكري للسلفية‪:‬‬
‫من أين جاء هؤلاء التكفيريون‪ ،‬المعروفين باسم السلفية‪ ،‬والسلف منهم براء‪ ،‬بفقه‬
‫الكراهية‪ ،‬وكيف مارسوا القتل وهم يزعمون أنهم يدافعون عن نقاء التوحيد‪ ،‬لم يفهم أحد‬
‫منهم قول الله في كتابه الكريم ﴿وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين﴾‬

‫‪372‬‬

‫الفصل الثامن عشر‬

‫[سبأ‪ ،]24:‬وقوله تعالى‪﴿ :‬ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة﴾ [المائدة‪ ،48:‬وتكررا في‬
‫النحل‪.]93:‬‬

‫ولقد حاور الله مخلوقا ملعونا هو إبليس‪ ،‬فقال إبليس‪﴿ :‬فبعزتك لأغوينهم‬
‫أجمعين﴾ [ص‪ ]82:‬ويرد عليه الخالق جل شأنه‪﴿ :‬إن عبادي ليس لك عليهم‬

‫سلطان‪[ ﴾...‬الحجر‪.]42:‬‬
‫فالحوار هو الأصل وأن التمايز بين البشر ضرورة للتعارف بين الثقافات‪،‬‬
‫فالأديان تلتقي على التراحم والمحبة‪ ،‬ولكن السلفيين يلتقون على الخصومة‪ ،‬والغريب أنهم‬
‫يقولون خصومة في الله‪ ،‬فظاهرة العنف عندهم مرده الفهم القاصر للنصوص الدينية عن‬
‫الجهاد التي تشرع للعنف وترفعه إلى مرتبة الواجب‪ ،‬ويتجاهل هؤلاء كل آيات التسامح‪،‬‬
‫ويختارون من النصوص ما يؤيد فكرة معدة مسبقا ولا يذهبون في التأمل‪ ،‬وعندما تنامت‬
‫فتنة التكفير التي اجتاحت العالم الإسلامي‪ ،‬حاصدة أرواح آلاف الأبرياء من المسلمين‬
‫وغيرهم‪ ،‬في تجاوز صريح لكل القيم الإنسانية وانتهاك فاضح لكل الحرمات وتشويه غير‬

‫مسبوق للإسلام‪.‬‬
‫إن سيوف السلفيين لم تقتل في تاريخها القديم والحديث إلا رقاب المسلمين في‬
‫الحجاز وعمان واليمن والعراق والشام ومصر والجزائر‪ ،‬ولهذا السبب‪ ،‬فالسلفية حركة مريبة‬
‫في أهدافها ومشاريعها‪ ،‬فكيف بحركة دينية تكفر عموم المسلمين وغير المسلمين‪ ،‬ولا ترى‬

‫إلا نفسها الوحيدة المسلمة‪.‬‬
‫إن الإيمان لدى السلفية المعاصرة بأنهم يحوزون الحقيقة المطلقة‪ ،‬وهو الطاقة‬
‫الحيوية التي تتزود بها فكرة التكفير وتستمد منها الشرعية‪ ،‬وبسببها نعيش تدهورا حادا في‬
‫رؤية الفكر الإسلامي الصحيح‪ ،‬ونشأ جيل إسلامي جديد مقطوع الصلة بالتراث‬
‫الإسلامي الإصلاحي‪ ،‬وتشكل لدى السلفيين جموح متزايد للدفاع عن ممارستين شاذتين‪:‬‬
‫ممارسة السياسة في الدين بإخضاع الإسلام إلى مطالب السياسة والمصلحة والصراع‪،‬‬

‫وممارسة الدين في السياسة عن طريق بقاء موقع قوي فيها باسم المقدس‪.‬‬

‫‪373‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫ولا مقام للسلفية بدون تميّز عن الآخر‪ ،‬ولا يوجد تميّز للوهابية السلفية إلا‬
‫تكفير الآخر‪ ،‬فمن هذا التكفير تستمد مشروعيتها‪ ،‬وتميّزها وزخم عدوانها‪ ،‬المهم أن فكر‬
‫الحركة السلفية اعتمد على أرضية التكفير والقتل التي مهدت السبيل إلى توسيع فقه إدانة‬
‫المخالف وتحقيره وتهميشه وتكفيره وقتله‪ ،‬مما جّر على الأمة ويلات من التمزق والتناحر‬
‫والاختلاف‪ ،‬وطيلة عدة عقود تقريباً‪ ،‬والسلفية تحاول أن تكيّف نفسها مع محيطها‬
‫الإسلامي‪ ،‬الذي لم تعترف بإسلامه‪ ،‬وهو أيضا‪ ،‬أي المحيط المسلم‪ ،‬وكرد فعل‪ ،‬شكك في‬
‫أبعادها الإسلامية‪ ،‬يقول الوهابيون السلفيون‪ 49‬مثلا‪:‬من قال‪ :‬لا اله إلا الله لا يخلو أن‬
‫يكون واحدا من اثنين‪ ،‬إما أن يقولها دون أن يشرك بالله شيئا‪ ،‬أي لا يزور قبرا ولا يبنيه‬
‫ولا يصلي عنده ولا يطوف حوله‪ ،‬وأما أن يقولها ويفعل شيئا من ذلك‪ ،‬والأول لا يسأل‬
‫عن شي ولا يحاسب على شي وان أتى بملي الأرض ذنوبا‪ ،‬وجاء في فتح المجيد في شرح‬
‫كتاب التوحيد "إن التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب‪ ،‬لأنه يتضمن‬
‫محبة الله‪ ،‬ورجاءه وحده ما يوجب غسل الذنوب ولو كانت قراب الأرض‪ ،‬والثاني هو‬

‫الذي يزور القبور فهو مشرك كافر‪ ،‬لا يقبل منه عمل ولا صلاة ولا صوم"‪،50‬‬
‫ومن أجل التوحيد الخالص في زعمهم‪ ،‬قاموا بهدم الآثار في مكة المكرمة والمدينة‬
‫المنورة‪ ،‬لم يتركوا أي أثر يدل على الوجود التاريخي للنبي أو لأهل بيته أو صحابته دون أن‬
‫يردعهم دين أو ضمير أو ثقافة‪ ،‬فقد هدموا في مكة البيت الذي ُولد فيه النبي وهدموا‬
‫مهبط الوحي وهو بيت السيدة خديجة والذي كان يسكنه معها‪ ،‬كما ودمروا دار الأرقم‬
‫بن أبي الأرقم‪ ،‬وطمسوا شعب أبي طالب الذي يثبت قصة الحصار الذي أقامته قريش‬
‫للنبي‪ ،‬كما هدموا أضرحة السيدة عائشة وقبر عبد الله والد النبي ومسجد شق الصدر في‬
‫بادية بني سعد‪ ،‬وقبر أم النبي آمنة بنت وهب في الأبواء‪ ،‬وهو القبر الذي زاره النبي بعد‬
‫الهجرة وبكى عنده وأبكى صحابته‪ ،‬وهدموا البقيع وقطعوا النخل الذي ظل مثمرا والذي‬
‫غرسه النبي بيده الشريفة لسلمان الفارسي ليفدي نفسه به‪ ،‬ظل مثمرا حتى طالته يد‬
‫القطع عام ‪ ،1926‬وردموا الخندق الذي ُحفر في حرب الأحزاب‪ ،‬وأزالوا معظم جبل‬
‫الرماة الذي شهد موقعة أحد‪ ،‬وأزالوا أضرحة حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير‪،‬‬

‫‪374‬‬

‫الفصل الثامن عشر‬

‫وباقي شهداء أحد‪ ،‬وهدموا العريش الذي ظل مقاما في مكانه قرب آبار بدر‪ ،‬وأزالوا‬
‫سقيفة بني ساعدة التي شهدت خلافة أبي بكر الص ّديق‪ ،‬وغيرها من المشاهد الإسلامية‬

‫التي تنمتي لفترة النبوة‪.‬‬
‫أما الحجرة النبوية فقد كانت تحوي على أسياف النبي ودروعه وحرابه وأسّرته‪،‬‬
‫كلها أخذت ودمرت في سابقة‪ ،‬وتلك الآثار ظلت باقية حتى عام ‪ 1926‬والتي كانت‬

‫شاهد عيان حي على الوجود التاريخي للإسلام‪.‬‬
‫وقد ظلت تلك الآثار لم يفكر أحد من المسلمين في إزالتها حتى جاء الغزو‬

‫السلفي ليدمر الآثار ويطمس الهوية‪.‬‬
‫وبسبب كل ذلك‪ ،‬قامت داعش الحركة الإرهابية‪ ،‬بتطبيق الفتاوى السلفية‪،‬‬
‫فهدموا قبر النبي يونس في نينوى بالعراق‪ ،‬وهدموا قبر الصحابي حجر بن ُعدي في الشام‪،‬‬
‫بالإضافة إلى حرق الكنائس والمساجد التي لا تتبع ملتهم‪ ،‬كما سبوا النساء وباعوهن في‬

‫أسواق النخاسة المعاصرة‪.‬‬
‫وهكذا وجدنا المسلمون أنفسهم في صراعات داخلية‪ ،‬ولا ننسى أنه نقلوا‬
‫الحرب إلى الغرب الأوربي والأمريكي‪ ،‬فهلع الغرب‪ ،‬واعتبروا كل مسلم مشروعا لإرهابي‪،‬‬
‫كما نجد أن السلفية تحرم السلام على المسيحي‪ ،‬وترفض تهنئتهم بأعيادهم‪ ،‬وتكفر من‬
‫يزور حتى قبر النبي محمد عليه السلام‪ ،‬فانتشر ما يمكن تسميته بفقه الكراهية الذي يجلب‬

‫الفرقة والتشرذم‪ ،‬وهو ما لا نجده عند التصوف‪.‬‬
‫خطورة السلفية‬

‫السلفية هي خطر على الأمة الإسلامية من جهتين‪ :‬الأولى أنها فكر هدام‪ ،‬ينشر الفتن‪،‬‬
‫ويذيع الأحاديث غير المتفق عليها‪ ،‬واعتبروا أن كل آيات التسامح منسوخة بآية السيف‪،‬‬
‫وأن المسلم مطالب بأن يكره غيره ويقتلهم ويضيّق عليهم في طرقهم‪ ،‬والفكر السلفي يحّرم‬
‫الموسيقى وتحية العلم ويحرم قراءة القرآن بصوت عذب‪ ،‬ويحّرمون السينما والتلفاز‪ ،‬يحرمون‬
‫السلام الوطني‪ ،‬ويعتبرون الأوطان ترابا نجسا‪ ،‬وهكذا خطورتهم تنبع من الفتن التي ينشروها‬

‫بين المسلمين قبل غير المسلمين‪.‬‬

‫‪375‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫والثانية يزعمون أنهم ينتسبون للسلف الصالح والسلف منهم براء‪ ،‬إذ السلف‬
‫الصالح لم يكن ينشئ البدع ولم يكفر مخالفه مهما عارضه في فكر أو عقيدة‪ ،‬ونضرب‬
‫مثالا رائعا في ذلك من العلماء الأتقياء‪ ،‬كتلك العلاقة المتينة التي كانت تربط بين الإمام‬

‫جابر بن زيد رحمه الله والإمام الحسن البصري رغم اختلافهما في بعض المسائل‪.51‬‬
‫فهذا التعايش كان سمة أولئك الصالحين‪ ،‬أما السلفية فهي فئة نشأت بعيدا عن‬
‫السلف الصالح‪ ،‬لأنها ترفض الآخر وتتهمه بالكفر وتعتدي عليه‪ ،‬واستعملت المال‬

‫سلاحا‪.‬‬
‫مميزات الصوفية بالمقارنة مع السلفيين‬
‫أول ما يميز الصوفية عن السلفية‪ ،‬إنسانية الأولى وقسوة الأخَريين‪ ،‬فالأولى لشدة احترامها‬
‫للإنسان تضعه في مقام القرب من الله بدون وسائط السماسرة وتجار الإيمان‪ ،‬عبر‬
‫الاتصال المباشر أو "الحلول" و"الاتحاد" أو "المواجد" و"الأحوال" وغير ذلك من المفاهيم‬

‫العرفانية الروحية‪.‬‬
‫أما السلفية فتصلان بالإنسان درجة من الاحتقار‪ ،‬تجعل منه آلة مبرمجة لتطبيق‬
‫وصفة يومية من التعاليم الفقهية‪ ،‬بحيث تلجم عقله وتطمس جذوه روحه وتحوله إلى كائن‬
‫أبله لا يعرف من الألوان إلا الأسود والأبيض‪ ،‬بينما تزخر الطبيعة بالألوان الزاهية البهية‬

‫والجميلة‪.‬‬
‫وثاني ما يميز الصوفية عن السلفيين‪ ،‬هو انشغال الصوفية بمتعهم الروحية‬
‫الشخصية‪ ،‬التي لا يسعون من ورائها لا إلى سلطة ولا منصب ولا ترأس أو غلبة‪ ،‬واحتراق‬
‫السلفيين وعجلتهم من أجل بلوغ مناصب السلطة والغلبة لإحكام قبضتهم على الدولة‬

‫وممارسة الوصاية على عقول الناس وإحكام الطوق على رقابهم‪.‬‬
‫وثالث ما يميزهما عن بعضهما سعة أفق الصوفية وضيق السلفية‪ ،‬فللصوفية‬
‫تأويلاتهم للنصوص الدينية تأخذهم إلى مشارف الروح‪ ،‬وتستكنه مواطن الحلم والجمال في‬
‫الإنسان‪ ،‬وفي الكون وما وراء الموجودات‪ ،‬بينما يُحول السلفيون والإخوان نصوص الدين‬

‫‪376‬‬

‫الفصل الثامن عشر‬

‫إلى عبارات نمطية ماحقة وفقه مغلق‪ ،‬يفقر الحياة ويقتل ومضة الإبداع‪ ،‬وهم يفعلون هذا‬
‫كله باسم السماء‪ ،‬دون أن يكون الر ّب قد اتخذهم وكلاء أو محامين‪.‬‬

‫ورابع ما يفصلهما عن بعضهما البعض جمالية الصوفية روحا وجسدا ولغة‬
‫وتصورا وتخيلا‪ ،‬وقبح السلفية مظهرا ومخبرا وخيالا وكلاما‪ ،‬فالأوائل لا يتكلمون إلا‬
‫ليحدثوك عن فنائهم في عشق المطلق‪ ،‬وعن متعتهم الروحية التي يجدونها في الجدية والذكر‪،‬‬
‫دون أن يعتبروك أقل آدمية وأهمية منهم‪ ،‬ودون أن يلزموك بما هم فيه من تجربة‪ ،‬بينما لا‬
‫ينطق الأواخر إلا ليصرخوا بأصوات منكرة‪ ،‬فمنهم المتملق والمتحذلق‪ ،‬ومنهم الفظ الغليظ‬
‫القلب الذي لا يبشر إلا لينفر‪ ،‬وهم لا يرون في غيرهم إلا خطرا داهما وشرا مستطيرا‪،‬‬
‫فتراهم يكيدون للكل حتى تنقلب مكائدهم عليهم‪ ،‬ولهذا يلازمهم الخراب حيثما حلوا‬

‫وارتحلوا‪.‬‬
‫إن الفرق بين الصوفية من جهة والسلفية من جهة أخرى‪ ،‬هو مثل الفرق بين المحبّة‬
‫والكراهية‪ ،‬بين الموّدة والجفاء‪ ،‬بين العشق والنقمة‪ ،‬بين الحلم والانتقام‪ ،‬بين الحضارة‬
‫والبداوة‪ ،‬وأننا لو نزعنا قلوب السلفيين‪ ،‬ووضعنا بدلها قلوب الصوفية لقلّت البلوى‬

‫وخمدت الفتن‪ ،‬وعاش الناس في أمن وأمان‪.‬‬
‫إن تاريخ الحركات الصوفية في إطار الحضارة الإسلامية تاريخ حافل بالومضات‬
‫المضيئة نقف فيها أمام محطات مهمة‪ ،‬لعل أبرزها إسهاًما "جلال الدين الرومي"‪،‬‬
‫والصوفية ليست بدعة ولكنها استغراق في التدين الصحيح والمضي في رحلة العشق الإلهي‬
‫إلى حيث يمكن الوصول إلى مرحلة الطرح الصوفي الكبير‪ ،‬الذي يضع صاحبه في مكانة‬
‫رفيعة يختلط فيها التعبد بالزهد وتمتزج فيها بساطة الدين وروعته بطقوس روحية‪ ،‬لا‬
‫تتعارض مع الأصول الثابتة للعقيدة ولا الشريعة‪ ،‬كما أنها تخرج من عباءة الجدل الفقهي‬
‫لتصل إلى حالة من التوحد مع الذات الصافية‪ ،‬والمضي في ذكر الله بطرق مختلفة‪ ،‬فيها‬
‫إيقاع حي يربط المخلوق بالخالق‪ ،‬بينما التطرف هو نمط بائس ويائس من الهجرة الزمانية‬
‫إلى كتابات بعض فقهاء القرن الثالث الهجري في محاولة لتطويع النصوص في خدمة‬

‫‪377‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫أهداف لا تمت لصحيح الدين من قريب أو من بعيد‪ ،‬وهى تأتى نتيجة جرعات من‬
‫الشعور بالعزلة وتكفير الآخر ورفض حياة العصر‪.‬‬

‫إن التطرف داء لعين إذا أصاب شخ ًصا هوى به إلى الحضيض‪ ،‬وإذا أصاب‬
‫جماعة أخرجها من زمرة المسلمين‪ ،‬إن التطرف امتداد طبيعي للتعصب والغلو والتشدد في‬
‫غير موضعه‪ ،‬ولأن المتطرف يسعى إلى تغيير طبيعة المجتمع ونظام الدولة وإيجاد نمط يريده‬

‫هو ويتعايش معه دون غيره‪ ،‬لذلك ظهر الإسلام السياسي لكي يكون ابنًا شرعيًا للتطرف‬
‫والمغالاة ومحاولة توظيف الدين لخدمة أغراض دنيوية ومصالح سياسية‪.52‬‬

‫ونخوض في أعماق المقارنة بين التصوف والتطرف‪:53‬‬

‫أوًلا‪ :‬لعل أبرز ما يميز تاريخ الصوفية عن غيرها من الجماعات الإسلامية هي أنها لا‬
‫تسعى نحو ركوب موجة الإسلام السياسي‪ ،‬فهي تتوازى أحيانًا مع الرهبنة المسيحية برغم‬
‫الاختلافات الكبيرة بينهما‪ ،‬ولكن نزعة الزهد والانصراف عن طيبات الحياة تجعل للصوفية‬
‫شأنًا خا ًصا في التاريخ الإسلامي كله‪ ،‬وهى جماعات كثيرة العدد‪ ،‬قوية التأثير‪ ،‬ولكنها لا‬
‫تميل إلى استعراض عضلاتها‪ ،‬لأنها وجدان روحي وليست قوة سياسية‪ ،‬لذلك كان أقطاب‬
‫الصوفية دائ ًما محل احترام عن بعد‪ ،‬لا يحملون عداوة‪ ،‬ولا يبشرون بأيديولوجية معينة‪ ،‬ولا‬
‫يتدخلون في حياة الناس‪ ،‬فالفارق بين الصوفية والسلفية كبير وواضح‪ ،‬فالصوفية علاقة بين‬
‫الإنسان وخالقه‪ ،‬أما السلفية فهي اشتباك مع المجتمع بالقبول أو الرفض ‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إن الصوفية تمثل جي ًشا سلميًا لخدمة الإسلام وليست جماعة مغلقة‬
‫بالمنطق الماسوني للكلمة‪ ،‬إنها روح متجددة وحب للآخر واحترام لخيارات الغير‪ ،‬لذلك‬
‫اتظالسمًام‬ ‫رغم أن بعضها كان‬ ‫السلطات الحاكمة‪،‬‬ ‫صدام يذكر مع‬ ‫القرون دون‬ ‫عاشت عبر‬
‫الحياة والناس‪ .‬ولقد‬ ‫النظرة الشفافة تجاه‬ ‫الزهد وأصحاب‬ ‫على رجال‬ ‫يجور أحيانًا‬

‫الطابع الصوفي دائ ًما بقبول التعايش المشترك مع أصحاب الديانات الأخرى‪ ،‬فضلًا عن‬
‫نزعة متأصلة تدعو إلى احترام خيارات الغير‪ ،‬وإذا كانت الصوفية قد ارتبطت بالأعلام‬

‫الخضراء والإيقاع الموسيقى الراقي‪ ،‬فإنها قد عرفت أي ًضا التعددية والتشعب بين طرق‬

‫‪378‬‬

‫الفصل الثامن عشر‬

‫صوفية مختلفة ومدارس متعددة في ذكر الله‪ ،‬قد تختلف في الأسلوب ولكنها تتوحد أمام‬
‫الغاية وهي الاندماج في ذاته والانصياع لجلاله وعزته‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬لا بد أن يتذكر علماء الفلسفة الإسلامية أن الحركات الصوفية كانت‬
‫مكونًا رصينًا في تاريخ الفلسفة عموًما باعتبارها أم العلوم‪ ،‬وفى الفلسفة الإسلامية‬
‫خصو ًصا‪ ،‬لما تميزت به من تأثير عميق في اتجاهاتها المختلفة ومدارسها المتعددة‪ ،‬فالصوفية‬
‫فلسفة قبل أن تكون عقيدة أو مذهبًا‪ ،‬إنها سلوك إنساني يصل بالفرد إلى حالة من السمو‬

‫الأخلاقي والارتفاع عن المباذل والرذائل والخصومات‪.‬‬
‫رابًعا‪ :‬إن الأزهر الشريف كان ولا يزال قلعة إسلامية صافية احتضنت مدارس‬
‫التصوف وتفاعلت معها وسعت إلى نقائها‪ ،‬وما زال الأزهر يذخر بشيوخ التصوف‪ ،‬وما‬

‫زال قادرا على مجابهة السلفية بكل صورها التكفيرية‪.‬‬
‫خام ًسا‪ :‬إن الصوفية سلاح إسلامي معتدل نرفعه في وجه محاولات الغلو‬
‫والتطرف المشوبة بالعناد الذي يستند إلى الجهل ويعتمد على الخرافة ولا يدرك الدلالة‬

‫الحقيقية لصحيح الدين‪.‬‬
‫ومن هنا فإن تشجيع بعض الطرق الصوفية والفلسفات الوسطية يمكن أن يؤدى إلى انتزاع‬
‫فتيل الإرهاب وإنهاء فيروس العنف تحت مظلة الإسلام الصحيح الخالي من الشوائب‬
‫والمتجه نحو الوسطية والاعتدال والذي يتواصل مع أهل الكتاب ويحترم الذين يختلفون معه‬
‫في الرأي‪ ،‬فالداعية الصوفي الصالح يمكن أن يكون نموذ ًجا حيًا للإسلام النقي والصافي‪.54‬‬

‫الخاتمة‬
‫توصيات للمؤسسات العلمية الإسلامية‪:‬‬
‫كما رأينا الخطر التكفيري‪ ،‬عبر التعّرف على أيديولوجيته ونط تفكيره‪ ،‬وكما نرى جماعات‬
‫العنف السلفي‪ ،‬الذي ينسب نفسه للإسلام‪ ،‬فلابد من تكاتف المسلمين للخروج من‬
‫الشر التكفيري المستطير‪ ،‬من خلا تبني النهج الصوفي‪ ،‬وذلك من أجل تبني الفكر الصوفي‬
‫رسميا وشعبيا‪ ،‬والتصدي للثقافة التكفيرية‪ ،‬لمنع الشباب المسلم من الانضمام للجماعات‬

‫‪379‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫التكفيرية‪ ،‬ومن ثمّ انحسار تلك الجماعات تدريجيا‪ ،‬وبعدها تهدأ الأمور‪ ،‬وتستقر الأحوال‪،‬‬
‫ولو بعد فترة متوقعة‪.‬‬

‫فلا يمكن القضاء على فكر في يوم وليلة‪ ،‬بل تحتاج ربما لجيل كامل ليتحقق‬
‫المراد في نشر ثقافة التسامح وقبول الغير‪ ،‬ونعلم جيدا أن الأمر خطير‪ ،‬وليس بتلك‬

‫البساطة‪ ،‬وهو طريق طويل‪ ،‬ولكن في النهاية هو الطريق الآمن الوحيد‪ ،‬لنهضة الأمة‪.‬‬
‫وقد تواصلت بالفعل الهيئات الإسلامية للوقوف ضد الفتاوى التكفيرية‪ ،‬من كل‬

‫المذاهب الإسلامية‪ ،‬ما عدا شيوخ السلفية‪ ،‬واتفقوا على ضرورة مواجهة فكر التكفير‪.‬‬
‫ولقد دعا على سبيل المثال "مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية"‪ ،‬التابع لدار‬
‫الإفتاء المصرية إلى نشر التصوف الصحيح وتفعيل دوره فئ مواجهة التطرف والإرهاب‪،‬‬
‫مشيراً إلى أن الصوفية الصحيحة مثلت في فترات تاريخية واسعة خاصة في أوقات الأزمات‬
‫وحفظ استقلال واستقرار الأوطان وبث الطمأنينة والسلام في المجتمعات‪ ،55‬وأكد المرصد‬
‫في تقريره الثلاثين الصادر تحت عنوان "التصوف الصحيح ودوره في مواجهة التطرف"‪،56‬‬
‫أن التصوف الصحيح لديه إمكانات كبيرة في المعركة ضد الإرهاب والتطرف دفا ًعا عن‬
‫صحيح الدين وصورته الحقيقية‪ ،‬وعن الدولة ككيان جامع لأمال مواطنيها وحامية لأمنهم‬
‫ومستقبلهم‪ ،‬وكذلك عن المجتمع وسلمه الأهلي وتعايشه السلمي‪ ،‬وأن الصوفية تعد ساحة‬
‫كبيرة وممتدة لجذب الشباب الطامح لبذل الجهد والطاقة في سبيل خدمة دينه ووطنه‪ ،‬بعد‬
‫أن أدرك خواء التنظيمات الإرهابية والمتطرفة‪ ،‬التي لا هَّم لها سواء الاستيلاء على السلطة‬

‫والحكم في العديد من البلاد العربية والإسلامية‪.57‬‬
‫يمكن البدء بتلك الفتوى وغيرها مما ُصدر في جامع القرويين بالمغرب وجامع‬
‫الزيتونة بتونس‪ ،‬ويمكن تعميمها ومناقشتها بين علماء الأمة من كافة المذاهب وكافة‬
‫المدارس الفكرية والفقهية‪ ،‬حتى الوصول لرسالة عمل موحدة للوقوف ضد التكفير‪ ،‬ولا‬
‫نجد أفضل من أهل التصوف‪ ،‬كما ذكرنا لتسامحهم وثقافتهم غير الإجبارية لغيرهم‪ ،‬وهو ما‬

‫كتبنا عنه في هذا البحث‪.‬‬

‫‪380‬‬

‫الفصل الثامن عشر‬

‫إن المجتمع وخاصة الشباب المسلم في أشد الاحتياج للعديد من قيم التصوف في‬
‫مواجهته للتطرف والإرهاب والتي يأتي في مقدمتها المحبة لله ورسوله وللمجتمع والإنسانية‬
‫ككل‪ ،‬باعتبار أن الإنسان بنيان الرب عز وجل‪ ،‬وأن هذه القيم تمثل زاداً حقيقياً في‬
‫مواجهة قوى الإرهاب والتطرف التي انحرفت عن دين الله وسنة نبيه الكريم وأساءت إلى‬

‫الإسلام ونفرت منه‪.‬‬

‫‪ 1‬الإسلاموفوبيا ‪ Islamophobia‬هو لفظ او مصطلح يتكون من كلمتين‪ :‬إسلام وفوبيا‪ .‬الفوبيا في‬
‫السايكولوجيا هي خوف مرضى يسيطر على وجدان الإنسان الذي يعاني منه‪ ،‬والخوف من الإسلام‬
‫مرض أصاب غير المسلمين بسبب موجات التكفير‪ ،‬المنتسبة ظلما للإسلام‪ .‬يستحسن قراءة كتاب ريا‬
‫قحطان الحمداني " الإسلاموفوبيا‪ .‬جماعات الضغط الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية"‪ ،‬دار‬

‫العربي للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،2011 ،‬وتوجدكتبكثيرة وبلغات مختلفة حول نفس الموضوع‪.‬‬
‫‪ 2‬لويس معلوف‪ ،‬المنجد في اللغة والأعلام‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الشرق‪2000 ،‬م)‪ ،‬ص‪.441‬‬
‫‪ 3‬ابن خلدون‪ ،‬مقدمة ابن خلدون‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪ ،)2009 ،‬ص‪.468-467‬‬
‫‪ 4‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.487‬‬
‫‪ 5‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.498‬‬

‫‪ 6‬محمد بن يزيد بن ماجه‪ ،‬السنن‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار الريان للنشر‪ ،)1986 ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .175‬قال الشيخ‬
‫الألباني‪ :‬ضعيف‪.‬‬

‫‪ 7‬فيروز فراحتية‪ ،‬التصوف عند المسلمين‪ :‬الحلاج أنموذجا‪( ،‬الجزائر‪ :‬منشورات كلية العلوم الإنسانية‬
‫والاجتماعية‪ ،‬قسم الفلسفة‪ ،‬سنة ‪ ،)2017‬ص‪ 115‬وما بعدها بتصرف‪.‬‬
‫‪ 8‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪ 9‬ابن عبد ربه الأندلسي‪ ،‬العقد الفريد‪( ،‬بيروت‪ :‬دار العلم للملايين‪ ،)1997 ،‬ج‪ ،6‬ص‪.201‬‬
‫‪ 10‬أحمد أمين‪ ،‬ظهر الإسلام‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ط‪ ،)1969 ،5‬ج‪ ،2‬ص‪.150‬‬
‫‪ 11‬ابن عبد ربه‪ ،‬العقد الفريد‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.226 -225‬‬
‫‪ 12‬ابن خلدون‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.467‬‬

‫‪ 13‬عبد الوهاب الشعراني‪ ،‬الطبقات الكبرى‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار البابي الحلبي‪ ،‬طبعة قديمة‪ ،‬بدون سنة نشر‪)،‬‬
‫ص‪.41‬‬

‫‪381‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬

‫‪ 14‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬المنقذ من الضلال‪ ،‬تحقيق‪ :‬جميل إبراهيم حبيب‪( ،‬بغداد‪ :‬دار القادسية للطباعة‪،‬‬
‫‪ ،)1984‬ص‪.45‬‬

‫‪ 15‬محمد بن إسحاق الكلاباذي‪ ،‬التعرف على مذهب أهل التصوف‪( ،‬طبعة القاهرة الأميرية‪،‬‬
‫‪ ،)1933‬ص‪.58‬‬

‫‪ 16‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬تاريخ التصوف الإسلامي‪( ،‬حلب‪ :‬الشعاع للنشر والتوزيع‪ ،)2008 ،‬ص‪.132‬‬
‫‪ 17‬أحمد أمين‪ ،‬ظهر الإسلام‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ط‪ ،)1969 ،5‬ج‪ ،2‬ص‪.149‬‬
‫‪ 18‬ابن خلدون‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.467‬‬
‫‪ 19‬أحمد أمين‪ ،‬ظهر الإسلام‪ ،‬ص‪.153-152‬‬
‫‪ 20‬ابن خلدون‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.474‬‬
‫‪ 21‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.475-474‬‬
‫‪ 22‬ابن هشام‪ ،‬السيرة النبوية‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪1998 ،‬م)‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.147‬‬

‫‪ 23‬فاروق شوشة‪ ،‬أحلى ‪ 18‬قصيدة في الحب الإلهي‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الأسرة‪ ،)2002 ،‬ص‪.55‬‬

‫‪ 25‬أحمد أمين‪ ،‬ظهر الإسلام‪ ،‬ص‪.150‬‬
‫‪ 26‬فاروق شوشة‪ ،‬أحلى ‪ 18‬قصيدة في الحب الإلهي‪ ،‬ص‪.60‬‬

‫‪ 27‬أحمد أمين‪ ،‬ظهر الإسلام‪ ،‬ص‪.154‬‬

‫‪ 28‬محمد عابد الجابري‪ ،‬بنية العقل العربي‪ :‬دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية‪،‬‬
‫(بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،)2015 ،‬ص‪ ،75‬بتصرف‪.‬‬

‫‪ 29‬محمد المصطفى عزام‪ ،‬المصطلح الصوفي بين التجربة والتأويل‪( ،‬الرباط‪ :‬مطبعة ندا كوم للصحافة‬
‫والطباعة‪2000 ،‬م)‪ ،‬ص‪.210‬‬

‫‪ 30‬أبو نصر السراج الطوسي‪ ،‬اللمع‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد الحليم محمود وطه عبد القادر‪( ،‬بغداد‪ :‬مطبعة‬
‫المثنى‪ ،‬والقاهرة‪ :‬دار الكتب الحديثة‪ ،)1960 ،‬ص‪.43‬‬

‫‪ 31‬علي أبو الخير‪ ،‬النغم في الفكر الصوفي‪ ،‬بحث منشور في مجلة المحجة‪ ،‬بيروت‪ ،‬شتاء ‪ ،2005‬بدون‬
‫رقم صفحة‪.‬‬

‫‪382‬‬

‫الفصل الثامن عشر‬

‫‪ 32‬محمد كرد علي‪ ،‬الإسلام والحضارة العربية‪ ،‬نسخة من علي الكمبيوتر‪ ،‬يجب قراءة الكتاب كاملا‪،‬‬
‫وهو متوفر على شبكة المعلومات الدولية‪ ،‬موقع‬

‫‪/http://www.alukah.net/culture/0/82008‬‬
‫‪ 33‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪ 34‬حسين مؤنس‪ ،‬المساجد‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت‪ ،198 ،‬ص‪.85‬‬
‫‪ 35‬نقلا عن كتاب الطريقة البوبكرية‪ ،‬تأليف الشيخ عبد الغني بوبكر‪ ،‬عن مخطوطة مصورة من دار‬

‫الكتب المصرية‪ ،2011 ،‬بتصرف من عدة صفحات‪.‬‬
‫‪ 36‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪ 37‬عبد الله سالم بازينة‪ ،‬انتشار الإسلام في إفريقيا جنوب الصحراء‪ ،‬جامعة ‪ 7‬أكتوبر‪ ،‬مصراتة‪ ،‬ليبيا‪،‬‬
‫‪ ،2010‬ص‪.76‬‬

‫‪ 38‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.78‬‬
‫‪ 39‬محمد عبد الله النقيرة‪ ،‬انتشار الإسلام في شرقي أفريقية ومناهضة الغرب له‪ ،‬كلية دار العلوم‪،‬‬

‫القاهرة‪ ،1974 ،‬ص‪.113‬‬
‫‪ 40‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.114‬‬
‫‪ 41‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.80‬‬
‫‪ 42‬محمد عبد الله النقيرة‪ ،‬انتشار الإسلام في شرقي أفريقية ومناهضة الغرب له‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬

‫ص‪.117‬‬
‫‪ 43‬المصدر السابق‪.121 ،‬‬
‫‪ 44‬هدى درويش‪ ،‬دور التصوف في انتشار الإسلام في آسيا الوسطى والقوقاز‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار عين‬
‫للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية‪ ،)2004 ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪ 45‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.220‬‬
‫‪ 46‬مصطفى رمضان‪ ،‬الإسلام والمسلمون في جنوب شرق آسيا‪ ،‬بدون دار نشر‪ ،2006 ،‬ص ‪،1‬‬
‫ويبدو أن الكتاب تم طبعه على نفقة المؤلف‪.‬‬
‫‪ 47‬محمود أحمد قمر‪ ،‬الإسلام والمسلمون في شرق وجنوب شرق آسيا‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار عين للدراسات‬
‫والبحوث الإنسانية والاجتماعية‪ ،)2015 ،‬ص‪.153‬‬
‫‪ 48‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪157‬؟‬

‫‪383‬‬

‫نحو تجديد الفكر الإسلامي والمؤسسات التعليمية والإسلامية‬
‫‪ 49‬نعلم جيدا أن مصطلح الوهابية يغضب إخواننا في بعض البلاد الإسلامية‪ ،‬ولكن الحقيقة الواضحة‬
‫هي أن التراث الوهابي مستمد من تراث فكر أحمد بن تيميه‪ ،‬وأخذ منه أمراء التكفير وجماعات الإسلام‬

‫المتطرفة‪ ،‬يلاحظ هنا أن بحثنا علمي أكاديمي‪ ،‬والحق لا يُعلى عليه‪.‬‬
‫‪ 50‬عبد الرحمن بن حسن آل شيخ‪ ،‬فتح المجيد شرح كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد‪،‬‬
‫مكتبة الملك فهد الوطنية للنشر‪ ،2011 ،‬وهو كتاب تم طبعه مئات المرات‪ ،‬وُوّزع على حجاج بيت الله‬

‫الحرام‪ ،‬ويُعتبر هو المنهج والدستوركل حركات السلفيين والإسلام السياسي‪.‬‬
‫‪ 51‬محمد بن عثمان الذهبي‪ ،‬سير أعلام النبلاء‪( ،‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،)2001 ،‬ج‪ ،2‬ص‪.162‬‬
‫‪ 52‬مصطفى الفقهي‪ ،‬التصوف في مواجهة التطرف‪ ،‬مقال منشور في جريدة الأهرام القاهرية ‪-‬‬

‫‪ 2018/10/18‬العدد ‪ 47433‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ 53‬المصدر السابق‪.‬‬
‫‪ 54‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪55‬شوقي علام مفتي مصر‪ ،‬في فتوى صادرة عن الدار اسمها "التصوف الصحيح خيار لمواجهة التطرف‬
‫والإرهاب" ‪.2015/9/3‬‬
‫‪ 56‬المصدر السابق‪.‬‬
‫‪ 57‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪384‬‬

‫الفصل التاسع عشر‬
‫مفهوم العلم في القرآن الكريم في ضوء مفردتي (الجهل) و(الهوى)‬

‫طه محمد آدم‬

‫ملخص البحث‪:‬‬

‫لو نظرنا إلى كلمة (الجهل) مثلا ندرك بداهة أنها تحمل المعنى المخالف (للعلم)‪ ،‬ولكن‬
‫بدراسة هذه الكلمة قي القرآن الكريم يتبين أنها لا تقف عند هذا المعنى البسيط‪ ،‬بل تتعداه‬

‫لتحمل مفهوما متكاملا لحياة من يوصف بهذه الكلمة‪ ،‬فأما أن تصف حياته (بالذاتية)‪،‬‬
‫أو أن تصفها (بالعرقية) أو أن تصفها (بالعقلانية)‪( .‬فالذاتية) تتبدى حين يميل الفرد إلى‬

‫إشباع أحد شهوتيه – البطن أو الفرج – ومثاله ما جاء على لسان يوسف ‪ ‬حين قال‪:‬‬
‫وأما (العرقية)‬ ‫[يوسف‪.]33:‬‬ ‫متَا ْصوِرردْففيَعِِّقنولَكهْي تَدعُهالانىأ‪ْ َ:‬ص﴿َُوبنَاإَِلدَْيِهى اننُوَوأٌَحُكاربانهُِِمفََنَقااَللْجَاَرِهلِِِبيَنإِ ان﴾‬ ‫﴿َوإِلاا‬
‫[هود‪،]45:‬‬ ‫ابِّْن ِم ْن أَْهلِي﴾‬ ‫فمثلا‬

‫في هذه الآية تحركت عاطفة الأبوة لدى نوح عليه السلام‪ ،‬وغلب عليه التحيز (للعرق)‪،‬‬
‫ونسي التحيز لقانون الله الموضوعي الذي ينظر إلى جميع الذين أُغرقوا من منظور واحد ألا‬
‫وأنهم هم عباد الله الذين لم يؤمنوا بهذه العبودية؛ ولهذا لما اراد نوح ‪ ‬استثناء ابنه من هذه‬

‫القاعدة وقع في العرقية‪ ،‬ولذلك نصحه ربه بالإقلاع عن ذلك والرجوع إلى الموضوعية قائلا‪:‬‬
‫تمَاُكوجَانءِمفَنيالقْجَولاهِهلِتيعَنال﴾ى‪[:‬ه﴿وَودأَقْ‪6َ :‬س ُم‪]4‬وا‪.‬بِاَوأّالمِلا (َجالْهعَدقلأَيْامنَاينِةهِ)ْم لَ–ئِنوه َجيا إءَْعتُتْمداآديَةٌاللاإيُنْؤِسمناُ انن‬ ‫أَ ِعظُ َك أَن‬ ‫﴿إِِِّن‬
‫– فمثالها‬ ‫بعقله‬
‫[الأنعام‪ ،]109:‬هؤلاء يزعمون أن عندهم من المقدرة العقلية التي تجعلهم يفهمون‬ ‫بِهَا﴾‬
‫الله‪ ،‬ومن ثم يحصلون بسبب هذا الفهم على الإيمان‪ .‬ولكن الله تعالى يك ِِذب هذا‬ ‫آيات‬
‫الزعم‪ ،‬ويؤِكِد أنه مهما جاءهم من آيات تتحدث عن الغيب أو الشهادة فإنه ليس بالضرورة‬
‫َعحلَيْصِهوْملهمُك العل َشى ْايلٍءإيقمُابُلناً‪ ،‬اماكمَكاانُقواا لِليُتْؤعِمانُلواى‪:‬إِلا﴿أََولَنْويَأَنَاشنَااءَنَاَازّلْالنَلُا َإوِلَلَْيِكِهاُنم‬ ‫سببا في‬ ‫أن يكون فهمهم إياها‬
‫َو َح َشْرنَا‬ ‫المَلائِ َكةَ َوَكلاَمُهُم المَْوتَى‬


Click to View FlipBook Version