بحظره! ،فهل يا ترى حقيقية هي جعفرية أم مجرد خيال ،وإان كانت حقيقية فهيي
محظوظة جد ًا بحب شريف لها "!.
تب ًا لها! ،لقد تغير كل شيء بعدما ظهرت ،لم أقل لشريف يوم ًا أنني أحبه وهو لم يذكر
لي ذلك ،لم يكن مجرد صديق ولكنه شيء ما بين الصديق والحبيب أو ربما هو أكثر
من ذلك بكثير.
في الواقع ،لم يجد أي منا الوقت للتفكير في كنية وماهية علاقتنا ،كنا مكتفين ببعضنا
جد ًا إالى الحد الذي لم تهم عنده المسميات ،ولكن بعد ظهور فريدة حدث التغيير.
ربما بسببها وربما بسبب ا إلنترنت وربما بسبب كرهه لي لنني ضاجعت رجل ًا ل يربطني
به شيء ،وربما لكل هذه السباب مجتمعة.
لم اكن أؤمن يوم ًا بالقصص الخيالية ،أميرة تحب ضفدع ًا وتقبله فيتحول لمير ،فيونا
الملكة تعشق غول قبيح الوجه فتضحي بأدميتها لتتحول إالى غول مثله ليعيشا إالى
البد مع ًا.
الكثير من القصص الخيالية التي لم أكن أؤمن بها رغم إانني كنت أشعر بتلك الحالة من
الرومانسية التي تنتاب أي أنى عندما تسمع أو تقرأ مثل تلك الحكايات ،إالى أن
عرفت صلاح ،زوجي الحالي.
لم أكن أؤمن بعشق الميرات للضفادع ولكن أصابتني عدواها ،ربما لنني أعيش في
لندن منذ زمن ،ولندن هي موطن الكثير من القصص الخيالية.
صلاح رجل مصري عادي يعمل كمدير مالي وإاداري في إاحدى الشركات الكبيرة ،هو
ليس جميل ًا وليس قبيح ًا جد ًا أيض ًا أو هكذا أراه الن لنني أحبه جد ًا!.
أعشقه حد الجنون هذا الغبي!.
صلاح كان يتابعني على تويتر منذ زمن بعيد ،لم نكن نتكلم في الخاص ،كان كل
تعاملنا في العام وكان كل شيء عادي ًا ولكن بعد إانشغال شريف مع فريدة وقلة ظهوره
201
في حياتي وهو في البلد يبدو أن صلاح علم بأنني أمر بمرحلة صعبة في حياتي ،ربما هو
الفراغ العاطفي ،فبدأ في التقرب مني.
لم يقترب بسرعة مثلما حدث مع شريف ،لنني لست على وشك الموت الن وربما
لنني لم أتقبل شكله في باديء المر ،ولكن الحب يغير الوجوه ،يحول القبيحة منها
إالى أية في الجمال ،ل نكف أو نسأم من التأمل فيها دائم ًا ،وهذا هو ما حدث!.
كان صلاح مرهف الحس ،شعرت برجولته على العكس من شريف الذي كان مازال
طفل ًا في داخله ،ضعيف بائس مفلس ،أما صلاح فهو ل يهتم باليام ول يقلقه الغد،
يشعر بالثقة والقوة ،والهم من ذلك أنه ل يحتاج لي من أجل الحصول على فيزا إالى
أوروبا لنه ميسور الحال.
أنا أحتاجه وهو ل يحتاج إالى شيء مني!.
تلك العلاقة التي كنت أبحث عنها منذ زمن ،ربما كان لديه كل شيء إال جسد إامرأة
الذي هو أنا كما أخبرني شريف بكل حدة عندما أخبرته أنني قد وقعت في غرام
شخص ما!.
ولكن ل يهم ..
ألم يكن شريف نفسه يرغب في هذا الجسد أيض ًا؟؟
إان كان شريف قد إابتعد بعض الشيء بعد ظهور فريدة في حياته إال إانه إابتعد كثيرًا،
ل بل نهائي ًا بعدما أخبرته وعرف من تغريداتي إانني أحب شخص ًا أخر!.
لم نعد أصدقاء ،رحل صديقي وتركني أجدف في قاربي الضعيف في محيط حياتي
وحدي ،لم نعد أصدقاء!.
هل تعرفون ماهي مشكلتي؟
إانني بلا هوية ،فلسطينية تربت وكبرت في ا إلمارات كوافدة عربية بلا وطن ولكني
ظللت غريبة أنا وأسرتي ،فلسطينية وطني مغتصب وا إلمارات لن تعترف بي أبد ًا
كمواطنة مهما عشت فيها من العمر ،لهذا هاجر أهلي إالى بريطانيا واستفادوا من
202
خدمة اللجوء التي كانوا يمنحوها للفلسطينيين ،ولكن رغم كل هذا أنا مازلت غريبة،
أنا مختلفة حتى هنا!.
عيناي الخضراء التي يظن شريف أنها زرقاء تميزني عن أهل بريطانيا ،عيناي مصبوغة
بلون الزيتون رمز السلام الذي صار موطنه مرتع ًا لحرب أبدية ،حجابي ولون بشرتي،
لكنتي التي مازالت تحمل البصمة العربية ،كل تفصيلة من تفاصيلي تخبرني بأنني
غريبة ،حتى عندما حاولت ا إلندماج مع الناس وجدت أهلي يقفون في وجهيي ،أن ِت
عربية! ،أن ِت فلسطينية!.
بالله عليكم أين هي فلسطين؟ ،أين فلسطين؟ ،أعيدوني إاليها ولو كانت عودتي
ستعني موتي ،أعيدوني إاليها جثة لحتضن ترابها ويحتضنني لعلي أشعر لمرة في حياتي
أن لي كيان ،أن لي هوية ،أني لست بغريبة ،أريد لمرة في حياتي أن أصرخ " :هذا
هو وطني ،هذه أرضي ،سأفعل كل ما يحلو لي لني راسخة فيها إالى البد ،لن
تستطيعوا إاقتلاعي منها لنني كشجرة زيتون ،حتى وإان اقتلعتموها ستظل جذورها
الدقيقة تعطر التربة برائحتها الجميلة ،إازرعوا مكانها ما شئتم ولكن ستظل رائحة الزيتون
تعبق وتعطر التربة ،أعيدوني إالى وطني وادفنوني في ترابه عل جسدي ينبت إامرأة
حرة تملك إارادتها بدل المسخ الذي أنا عليه الن " ،ولكنني للسف ل أملك مثل
حظ تلك االشجرة ،بلا وطن ،بلا هوية ،أخبروني أنني فلسطينية ،ولكن فلسطين لم
أراها وعلي أن أزرع في أولدي حبها وأخبرهم أن هذه الرض مقدسة وأنها وطنهم
مثلما فعل أهلي معي!.
أنا غريبة بلا هوية ،لم تعطيني ا إلمارات هويتها رغم أنها كانت أقرب شيء لفلسطين،
أعطتني بريطانيا هويتها ولكني لم أفرح بها كثيرًا ،شدني الطوق الذي ربطني به أهلي
بفلسطين ،ولم تعطني صداقة شريف هويته المصرية ،ولهذا كان لبد من كسر
العادات والتقاليد والعراف مرة أخرى مثلما كسرتها عندما ضاجعت أندرياس الملحد،
يجب أن أكسرها مرة أخرى وأهرب إالى مصر ،إالى صلاح لنتزوج ،سأهرب دون علم
أهلي ،سأتزوجه وأمضي معه أسبوع ًا وأعود إالى سجني من جديد!.
203
عندما تحب المرأة حب ًا حقيقي ًا صادق ًا ف إانها تضحي بكل شيء في سبيل ذلك الحب ،أو
هكذا أظن!.
ضحيت بكل شيء عندما فكرت في الهرب إالى مصر للزواج من صلاح ،ضحيت
بروحي ،أخبرت أهلي بأنني سأعمل في الشيفت المسائي هذا السبوع وأولدي كانوا
في رحلة مع أبيهم ،طليقي لمدة أسبوع ،أنا متفرغة هذا السبوع ،وحجزت وكلمت
صلاح وأخبرته إانني قادمة،أخبر زوجته أنه ذاهب في رحلة عمل لمدة أسبوع لحضور
مؤتمر مهم لتوقيع عقود جديدة للشركة ،ووصلت واستقبلني في المطار.
لم تكن الرحلة من لندن إالى مطار القاهرة سهلة ،كنت أشعر نفس شعور الطفل
المولود حديث ًا ،يخرج من بطن أمه يصرخ ،يمد يديه ورجليه الصغيرتين إالى أخرهما،
ولكنها ل تلمس شيء سوى الفراغ!.
كل ما يحيط به هو الفراغ ،لحظات مرعبة لذلك الصغير الضعيف الذي اعتاد على
الضيق منذ أن تكونت حواسه وهو في بطن أمه ،إاعتاد أن تصطدم يديه بجدار إاذا
ما حركهما ،أن يشعر بضيق شديد إاذا ما ركل بطن أمه بقدمه ،لم يشعر باللم الذي
يشعر به الن بسبب التنفس ،يصرخ صرخات رعب من الضوء الذي لم يكن يراه
وهو في بطن أمه ،ألم وخوف ول يعلم أن تلك هي الحياة ،تلك هي الحرية وليست
ذلك الرحم الذي كان مسجون ًا فيه ،ولكن كيف تطمئن رضيع ًا ضعيف ًا ل يعي ويشعر
بالخوف من كل شيء بما فيه الفراغ والحرية إال بالحضن؟؟
يهدأ الطفل وينام بعدما يتم تقميطه وتأخذه أمه في حضنها ،يبكي كلما شعر بأنه وحيد
في هذه الدنيا ويسكت ويهدأ كلما إاحتضنته أمه ،وهكذا كنت أنا ،خفت إالى حد
الرعب وأنا أتجه إالى المطار ،سال العرق مني رغم أن المطار مكيف.
" ليس وقت عرق الن! .ل ينقصني سوى رائحة عرقي حتى يكرهني صلاح إالى
البد وتظل رائحتي في عقله هي العرق "!.
خفت خوف ذلك الوليد ،خفت من أن ل أجد صلاح في المطار ،من أل أعجبه ،من
أل يعجبني ،من أن يكون مجرد نصاب ًا! .
204
نعم ،أنا أعرفه منذ فترة طويلة ،أحببته جد ًا حد الجنون ،حد مجازفتي بسمعتي
وإامكانية أن يكتشف أهلي أنني خدعتهم ولكن تظل حقيقة إاني عرفته من ا إلنت نرت
قائمة.
حاولت التغلب على خوفي بالنوم ،نوم متقطع ،يوقظني كل مطب هوائي ،كل إارتفاع
وانخفاض للطائرة ،نمت واستيقظت خمسة مرات في هذه الرحلة القصيرة ولكن ل
يهم ،المهم إانني كنت أنام وإال ف إاني كنت سأجن.
كان التفكير يقتلني...
" أي غباء أفعله؟.
أو ًل ..أهرب لمقابلة مجهول وحيدة دون أن أخبر أحد بمكاني؟
ماذا إان خطفني أو إاغتصبني أو قتلني؟؟
وثاني ًا ..أشك وأفكر بأفكار سوداوية في الرجل الذي أنا هاربة إاليه!.
" يا لي من مجنونة "!.
ووصلت المطار ووجدته ،أخذني وذهبنا إالى محامي ،تزوجنا زواج ًا مدني ًا وشهد
صديقاه على العقد ،ثم ذهبنا إالى فندق قضيت به أجمل أربعة أيام في حياتي ومن ثم
عدت بعدها إالى لندن ،وحيدة من جديد!.
وشريف؟؟ ،ماذا عنه؟؟
لقد سمعت أنه نشر كتاب ،فأرسلت له رسالة أبارك له فيها ،فرد علي بطريقة رسمية:
" الله يبارك في حضرتك يا فندم "!.
تب ًا لغلاظته! ،تب ًا له! ،فليذهب إالى الجحيم !
***********
205
في تلك الزاوية البعيدة المظلمة في عقلك ،هناك حيث تكمن وتنام كل أفكارك
السوداء والمخيفة ،في تلك البقعة العقلية الملعونة ،هناك حيث تخاف أن تنظر أو حتى
تقترب بالتفكير فيها ،هناك حيث نضع الكثير من السيجة حتى ل تجذبنا دوامتها،
هناك حيث الوحدة ،حيث ل أحد يراك في ظلمتك أو يسمعك ،هناك حيث تُنسى
كنسيان الموتى " ،لقد كان هناك يوم ًا شخص يدعى فلان والن قد مات "!.
في تلك الجزيرة المنفية التي ل تشرق شمس المل والتفاؤل عليها تقبع جعفرية ،هناك
فقدت كل طاقتها واستنفذت قوتها ،ل تقوى حتى على طلب ا إلستغاثة أو الصراخ،
فممن ستطلبها وهم الصم والبكم والعميان؟
هناك جلست بمفردها تبكي ،ليس لها ونيس سوى أشباحها وأخطاء حياتها التي
أجبروها عليها ،هناك ماتت ولم يدفن جثتها أحد ،بل تُركت لطيور الندم والتبكيت
تنهشها ،ماتت في كهف أفكارها المظلمة ،بلا قبر ول شاهد ،بلا شيخ يدعو لها
بالغفران أو يلقنها إاجاباتها التي ستتلوها على الملاك إاذا ما سألها ما هو إاسمك؟ ما هو
دينك؟ من هو نبيك؟
ل أحد! ،فهيي عاشت مجهولة حتى ممن تعرفهم ،عاشت دون أن يراها أحد وهي
تجلس في هذه البقعة المظلمة لسنوات وسنوات حتى فنيت.
هي الجعفرية ،سيدة الفراشات وملكة النجوم..
هي أنا وأنتم ..
هي نحن..
هي كل من عاش الوحدة وسط صخب الحياة وزحامها..
هي كل شخص ل يشعر به أحد ول يفهمه أحد وخاصة هؤلء المقربين.
*************
206
40
سلام ...
هي إامرأة لم يخلق الله في جمالها إاثنان ،إامرأة محظوظ جد ًا من يراها ،وكان أحدهم
الكثر حظ ًا بأنها كانت زوجته كالفحم ،ل يعي قيمة الماس الذي بداخله ،كذلك كان
هو.
أدرك الجميع أنه مميز بأنها له ،حسدوه بسببها وكانوا كمن حسد القرد على ماله،
حسدوه على إامرأة لم يعرف أبد ًا كيف يمتلكها ،إامتلك جسدها ولكنه لم يمتلك قلبها.
كان لظهرها سوط ًا وكان جمالها له شوكة تدمي رجولته الضعيفة كلما سارا في الشارع
سوي ًا ،حبسها ،عذبها ،قتل نفسها ،ولكنها أبت أن تموت ،تمردت ،عصت ،ولكنها لم
تخطيء.
كان صمودها قوة ل يملكها الكثير من الخلق ،صمدت لجل أبنائها ،وحتى ل يقال أنه
كسرها غبي.
من هي ؟؟
هي سيدة النجوم وملكة الفراشات ،وتتبعها الفراشات حيثما ذهبت..
هي الجعفرية!.
*************
207
في المستشفى ،مستلق على سريره وغارق في أفكاره ،في كل تلك الصرخات
والحكايات التي وصل بسببها إالى ما هو فيه الن ..
حكايات يصرخ أصحابها طلب ًا للسلام ..
ذلك السلام الغائب عن أرواحنا ،ذلك السلام الذي نبحث عنه في أعماقنا قبل أن
نبحث عنه فيما يحيطنا ..
سلامنا الداخلي الذي فقدناه في خضم الحياة ومحنها وصعابها ..
يفكر فيه وفيها ..
في سلامهم وسلامها ..
ذلك السلام الذي فقده حين إاستجاب لصرخاتهم ولم يستمع أحد لصرخته هو ..
فهو أكثرهم صراخ ًا..
أكثر رجاء ًا ..
وأكثرهم ضعف ًا ..
وبينما هو غارق في بحثه عن سلامه وهو يعبث في صفحته..
صفحته التي أنشاها ليسمع العالم صراخ البشرية ،أثارته رسالة غريبة ،صرخة أخرى
جديدة من شخص إاسمه حامد ،طلب منه أن ينشرها على صفحته ،كان هذا نصها:
" أستاذ شريف المحترم ،أعرف أنك ربما تكون الن في المستشفى ،ولكن كتبت لك
صرختي لتنشرها في صفحتك ،أعلم أنك لم تعد تنشر المزيد من الصرخات على
صفحتك ولكني أتمنى أن تجعلني إاستثناء ،لنني فعل ًا مكلوم ،ثكلت بزوجتي وحب
عمري ،حنان....
حنان ،كان إاسمها وصفتها ،زوجتي ماتت يا شريف ،قتلتها أمها لنها ل تنجب!.
قتلتها أمها لنها عاقر كالدبة التي قتلت صاحبها...
زوجتي التي تحملت الكثير والكثير من الذل والمهانة ل لشيء إال لن الله لم يرد لها
أن تحبل ،تحملت دعوات النساء الشامتة لها بالذرية .تحملت إاخفاءهم لطفالهم حين
208
تدخل إالى بيوتهم ،تحملت أن يستعيذوا بالله منها ومن عيونها إاذا ما أثنت على جمال
طفل وكنها ستلعنه إاذا ما قالت بسم الله ماشاء الله ما أجمله ،تحملت أن ل تزور
أختها إال بعد ولدتها بشهر حتى ل تؤذي عينيها رضيع أختها وحتى ل تقطع أختها "
الخلفة أو اللبن " إاذا ما رأت أختها العاقر! ،تحملت أن تكون في نظر الناس لعنة ،لم
تتكلم ،لم تحتد ،أو حتى تحتج ،فهيي إابنة هذه القرية وتعرف عاداتنا وتقاليدنا
وموروثاتنا ،ولكن رغم هذا لم تتحمل أن تكون هي حاملة اللعنة لنها ثقيلة جد ًا.
كثيرًا ما كنت أجدها متكومة على نفسها كجنين في بطن أمه على سريرها ،كانت
تتكور وتتصنع النوم ،لم تبكي أو تتكلم ،ولكني كنت أعلم أن روحها تنزف ،كنت
أخذها في حضني وهي في تكورها كجنين ،كنت أحتضنها كطفلتي ،لم أحادثها في
شيء لني أعلم أن ل كلمات قادرة على شفاء جرحها ،كنت أقبل عنقها ورأسها،
وأخبرها أنني ل أريد أولد ًا لنه إان كان ولد سيغار عليها مني ولن أستطيع إاحتضانها
كما أفعل الن ،وإان كانت بنت سنخدش حيائها بأفعالنا قليلة الحياء تلك ،كانت
تضحك ،وكنت أخبرها أنني قسماً بالله ل أريد أولد ،ل أريد سوى رؤية إابتسامتها،
كانت تبتسم وترقص وتفرح إالى أن يحدث موقف جديد يدمي جرح روحها من
جديد.
هذه كانت حياتنا ولكن كان لمها رأي أخر ،رغم أننا زرنا الكثير من الطباء وأجرينا
العمليات التي لم نكن نملك ثمنها ،إال أن والدتها كانت تؤمن أن الشفاء ليس بالطب
بل بالماورائيات!.
حاولت أن تقنع زوجتي مرارًا برؤية أحد الشيوخ فرفضت ،ورفضت أنا ،وفي عيد
الفطر جاءت أمها إالى البيت وإاستاذنتني أن تأخذ إابنتها معهم إالى المقابر كعادة أهلنا
زيارة القبور أيام العيد ،سمحت لها دون أن أعلم أنها تنوي فعل فعلتها القذرة تلك،
كانت تبيت النية مع إابنتها الخرى وكناتها أن يلقوا بزوجتي في أحد القبور المفتوحة
لتنفك عقدتها!.
كانوا يؤمنون أنه إاذا سقطت عاقر في قبر وخافت وفزعت ف إان عقدتها ستنفك!.
209
وبالفعل ،وبلا سابق إانذار لمحت قبر قديم عبارة عن حفرة في الرض سقفها عبارة
عن قبة من الطوب اللبن تهدم عقدها ولم يعيد أصحابه بنائه ،ربما لن العائلة فنت عن
بكرة أبيها أو ربما لن الحياء منهم لم يعد يهمهم عظم أباءهم وأجدادهم الموتى!.
أصبح القبر كالبئر السود ،وهنا غمزت أمها لمن معها فدفعوها إالى الحفرة ،هرج ومرج
وصرخة رعب صدرت عنها فجأة ،وغبار كثيف طار في الجو نتيجة تلك الجلبة.
ضحكات متقطعة ..
الضحكات تتقطع أكثر ..
ترقب ..
ضحكة تخرج بالمر لمحاولة كسر التوتر الذي ساد وتبدده ..
صمت ..
إانتظرن وقت ليس بقصير ،وقت رغم قصره الفعلي لن لحظات الترقب تمر وكنها
ساعات ..
إانتظرن صرخة أخرى تعقب صرخة الفجأة التي صرختها حنان ،إانتظروا أن تصرخ
طالبةالنجدة ،ولكنهم لم يسمعوا لها صوت مثلما لم يسمعوا صوت بكاء روحها طوال
حياتها...
ماتت حنان يا شريف...
ماتت الشمعة التي تضيء حياتي وتدفئها...
سقطت على قفص أحدهم الصدري ف إانكسر وانغرست عظامه في لحمها ،لم يحتضنها ل
أهلها ول أقرباؤنا ،خافوا على أولدهم منها رغم أنها لم تؤذي أحد ،ولكن هذه الهياكل
العظمية رغم أنها سقطت عليهم بعنف مهشمة إاياهم إال أنهم إاحتضنوها بصمت ،لم
يتأففوا منها!.
ماتت حنان يا شريف دون أن أخبرها أنني السبب في معاناتها...
أنا السبب ،وكل ما أنا فيه الن هو من رغد ...
210
جارتي التي هربت معها وبعد أن أخذت ما أريده منها خفت وهربت ،عدت إالى بيتي
وكن شيئ ًا لم يكن!.
رأيت أمها تموت قهرًا ولم أخبرهم الحقيقة ،سمعت ورأيت معايرة الناس لبيها وإاخوتها
ولم أملك الشجاعة لخبرهم بأنني أنا العاهر وليست إابنتهم ،أنا الداعر لنني أقنعتها أن
الحب تضحية ،فضحت هي بحياتها وعائلتها وكنت أنا الجبان ".
قرأ شريف الصرخة وفهمها ،وفهم ما كان ،وفهم الخبايا التي لم يحكيها حامد ..
لكنه سئم وضج مما يحدث حوله..
فاليوم هو مطعون ،ومن يدري؟!
لعله إان تابع النشر ،غد ًا سيكون تحت التراب مدفون!.
فلم ينشرها..
مسحها وقام بحظر حامد وكن شيئ ًا لم يكن!.
" وهذه هي طبيعة الطين " ! ...
"والعلاقات ا إلنسانية يا صديقي كا إلنسان ..
من طين ..
علاقاته أيضا تشبه الطين إالى حد كبير..
فبسهولة الطين تتشكل وتتخذ أي شكل يريده أصحابها ،وكالطين الذي يكتسب
صلابته بنار التون ،كذلك العلاقات تكتسب قوتها بنار التجارب والصعاب التي تمر
عليها فتخرج العلاقات ا إلنسانية منها أكثر قوة ،وأكثر ثقة من ذي قبل ،وبعد أن
تقوى تتحمل صعاب وتجارب الحياة ومحنها.
ولكن الطين بعدما يخرج من التون يكون هش ًا ضد الصدمات ،ربما ينجو من سقطة
أو حتى عشرة ،و لكن كل سقطة وصدمة نجا منها تولد داخله شروخ ًا صغيرة ل تُرى
بالعين المجردة ،كالخزف تمام ًا ،فينهار بعدها ا إلناء من لمسة بسيطة عندما تنتشر
وتتشعب هذه الشروخ الدقيقة والتي لم يراها وتعشش في جسده.
211
كذلك العلاقات القوية ،إاذا ما توالت عليها الصدمات أفقدتها قوتها ومتانتها حتى وإان
ظهرت جميلة براقة كعادتها ...
فتنهار بعدها عند أول تجاهل عادي أو لحظة عناد أو نظرة إاستحقار غير مقصودة،
أو عند إاختلاف طبقة صوت أو عند سؤال غير مبرر!
علاقات قوية تتهشم ك إاناء خزفي ...
وكا إلنسان ...
كالخزف ..
كالطين المحروق بنار التون..
هي كذلك العلاقات المُتيّنة بشدائد الزمن ،إاذا ما إانهارت وتهشمت يكون ا إلصلاح
شبه مستحيل ك إاستحالة بقاء أدم في الجنة بعد نزوله ...
فأبذل ما إاستطعت من جهد ..
فأنت قد تستطيع أن تعيد ا إلناء إالى شكله الول ،ولكنك لن تستطيع أن تستخدمه
بنفس الكفاءة مثلما كان حين صنعته لول مرة ...
وهذه هي طبيعة الطين ..
هذه هي طبيعة " البشـر " .
" تمت بحمد الله "
"جميع أحداث هذا الكتاب هي من وحي خيال الكاتب إاستناد ًا إالى الواقع الذي
نعيشه ،وأي تشابه في أسماء أو أحداث إان ُو ِجدت ،فهيي صدفة فقط ل غير ".
212
213