خفت على بتلات تلك الزهرة البيضاء من غبار الفحم العالق بملابسي والمنبعث من
انفاسي وافكاري ،من القذارة التي تغطي يداي ووجهيي ،ولكن ليس بعد الن ،الن
أنا في صدد البحث عن رجولتي المهدورة واثباتها ،يجب أن أجد أنى أمارس معها
الحب وإال سأظل قواد ًا إالى البد!.
" تب ًا لبسنت ،فلتذهب إالى الجحيم ،المهم أنا "!.
قمت بإانشاء صفحة مزيفة وأضفتها ،بدأت في ملاحقتها في كل منشور إاعجاب وتعليق،
في البداية كانت تتجاهل وجودي كنني لم اكن موجود َا ،ولكن مع الوقت بدأت
كالعادة أثير فضولها ،دخلت تسألني من أنا ،فأخبرتها بأنني شخص قريب معجب بها
منذ زمن طويل وأخشى إاخبارها بإاسمي قبل أن تعطيني الفرصة بتعريفها عن نفسي،
عليها أن تعطيني بعض الوقت لنتكلم في أي شيء حتى ل يكون حكمها علي مبني ًا
على أحكام مسبقة بسبب شكلي أو إاسمي أو بسبب صورة كونتها لي في ظروف
معينة.
طلبت منها أن تسمح لي أن نتعارف كغريبين كما يحدث بين كل رواد السوشيال
ميديا وعليها أن تمنحني هذا الشرف وخاصة أنني صارحتها منذ البداية.
كنت أظن أنه الفضول أو لباقتي هي التي جعلتها توافق على طلبي ولكن الحقيقة
اكتشفتها بعد ذلك بأربعة أيام وهي أطول مدة زمنية في العالم ا إلفتراضي تتحول فيه
العلاقة ا إلفتراضية من عرفني أو عرفيني بنفسك إالى أريد رؤية جسمك ،ولكن
إاجابتها على طلبي كانت هي نقطة التحول في حياتي ،هي الدفعة التي دفعها لي القدر
أو أحدهم لي وأنا على حافة جرف أنظر إالى قاعه.
دفعتني إالى هاوية السقوط والضياع بإاجابتها أو بالحرى بسؤالها ،ل ،كانوا سؤالين"!.
سألتني لم عليها أن ترسل لي كل تلك الصور وهي ل تعرفني؟ وثاني ًا ماذا ستسفيد
هي من ذلك؟
أجبتها على الول بأنني سأعرفها بنفسي وعلى الثاني بأنني سأفعل المثل ،فهكذا تحدث
مثل تلك الشياء والمتعة ا إلفتراضية الحديثة ،قالت لي أن مبدأ أن أخبرها بهويتي
151
الحقيقية أم ل يعتبر هو تذكرة الدخول إالى ذلك الباب ،باب الخوض في الحديث عن
الجنس وأما من جهة تبادل الصور والمتعة المتبادلة كما أسميتها فأخبرتني أنها ل تهتم
بذلك لنها ببساطة ل تميل إالى الذكور!.
فقد كانت شاذة!.
************
152
" الزوجة " ...
لم يعرف شريف من هي صاحبة العادية ،لم يسألها لماذا خانتها والعادية نفسها لم تخبره
رغم أنها كادت أن تفصح عن ذلك في أخر مقال لها.
مقال فهم شريف منه أنه ربما تكون صديقتها على حق ،لن العادية تعترف بذلك في
جزء خفي من ضميرها ولكنها ل تريد ا إلعتراف بذلك في وعيها.
ذلك السر الذي بسببه تدمرت صداقة دامت لسنوات طويلة تصل لخسة وعشرون
عام ًا " ،ماذا يمكن أن يكون هذا السر؟؟"
لم يعرف رغم أنه سألها مرة ،وعندما تهربت من السؤال لم يعاود سؤالها إالى أن جاءته
ا إلجابة على طبق من ذهب ،جاءته ا إلجابة من حيث لم يتوقع أبد ًا ،أجابته صديقتها
التي لم يكن يعلم ول يظن أبد ًا أنها صديقتها " ،أنها الزوجة "!.
كانت أقل الشخاص في صندوق رسائل شريف يخصص لها وقت للكلام ،ولكنها
كانت اكثرهم كلام ًا ،كان يتكلم معها بين الحين والحين ويتكلم معها هنا المقصود صدفة
تواجدهما مع ًا أونلاين في نفس الوقت ليرسل لها كلما شعر بأنها شعرت أنه مشغول
عنها مع شخص أخر بكلمة " وبعدين "" ،كملي " " ،أها " ،كلمات تلقائية كان
يكتبها لها ليوهمها أنه معها ويقرأ كلامها بينما هو مشغول عنها في مكان أخر مع شخص
أخر ،وربما يكون يرد على بعض التعليقات أو يكتب منشور جديد وقصة جديدة
أرسلها أحدهم له.
سأل نفسه لماذا يعاملها بهذه الدونية على عكس عادته؟ ،ولكنه لم يعرف ا إلجابة.
كانت الزوجة تحكي رغم شعورها الخفي بأنه ل يقرأ ما ترسله له ،ولكن شريف كان
يقرأ فعل ًا كل حرف يصل إالى صندوق رسائله ،ربما ليس في نفس الوقت ولكن حين
تتاح له الفرصة.
153
لم يهمها هذا ،فكل ما كان يهمها هو ذلك الشعور بأن هناك من يسمعها ،هناك من
يشعر بها ،هناك من يفهمها ،هناك من يضحي بوقته للحديث معها حتى وإان كان من
خلف شاشة مضيئة وحتى إان كان ذلك الشعور كاذب ًا ،المهم أنها تشعر به ،المهم أنه
يرد على كلامها حتى وإان كان بالقطارة.
كانت مصابة بالفراغ والتيه والخوف وا إلحساس العميق بالقبح والمهانة ،ولهذا كانت
تتوق لي إاهتمام ،نعم هي قد صدت شريف في بداية التعارف ولكن هذا لم يكن
تصنع ًا ولكنه كان خوف من الصد ،خوف من ترك جديد ،خوف من أن يقال لها
مجدد ًا إابتعدي عني لم أعد أريدك!.
خوف من أن ترسل رسائل استجداء الحب ول تتلقى رد ًا إال بعد شهر ويكون الرد
هو بعد حين.
كانت صدمتها حقيقية بعدما عرفت بخيانة زوجها ،عاد بها الزمن إالى الوراء سنوات
طويلة حينما افتعلت مشكلة مع صديقتها الصدوقة بسبب شيء عادي وهو أن إابنتها
تعثرت وهي تمشي بجوارها فقامت بنهرها وقالت لها " :لم أوقعتي إابنتي؟؟ لم تريدين
أذيتها؟
" كانت تعلم جيد ًا أن صديقتها قد تلقي نفسها في النار من أجلها ومن أجل أبنائها،
ولكنها كانت قد لحظت نظرات زوجها لها في الفترة الخيرة وأن أحاديثهم قد زادت،
هي التي لم تفكر يوم ًا في أن صديقتها قد تكون غيمة سوداء على زواجها أو أن زوجها
قد ينظر إاليها أو يفكر فيها أبد ًا بسبب وزنها المفرط.
" نعم ،نيفين كانت بدينة جد ًا جد ًا ،ول أتخيل أن ينظر إاليها رجل ويشتهيها ،ولهذا
ظننت حينها أنها هي التي تتحرش بزوجي وتريد سرقته مني ،ف إافتعلت تلك المشكلة
واخرجتها من حياتي وأنا غير أسفة ،ولكن يبدو أنني أعاني الن بذنب صديقتي التي
ظلمتها أو ربما يكون بسبب ذنب اختي التي كنت أعلم أنها كانت تحب زوجي ،إابن
خالتنا وخطفته منها بجمالي لنها لم تكن تمتلك قواما مثلي ،كنت أصغر منها وهزمتها،
154
ولكن هل تعتقد يا شريف أن دعوة ( يقعد لك في عيالك ) من الممكن أن
تتحقق؟؟
أنا ل أعتقد ذلك يا شريف ،لن أنا ولداي بسم الله ماشاء الله عليهم أية في الجمال،
إابني عمر في الصف الثاني ا إلعدادي ومن المتفوقين جد ًا ،نعم هو خجول جد ًا ،ولكنه
مؤدب ،وإابنتي " نيفين " ،التي أسميتها على اسم صديقتي في الصف الخامس
ا إلبتدائي.
وبدأت الحكاية حينما رأت رسائل زوجها وواجهته ولم ينكر ولكنه لم يملك التبرير
أيض ًا ،فقررت أن تراقبه ،وما أدراك بحيل المرأة عندما تفكر في ذلك ،فقد قامت
بمزامنة حسابه على هاتفها وبهذا استطاعت أن ترى كل ما يفعله من هاتفها،
إاستطاعت أن تقرأ الرسائل المرسلة إاليه بتفعيل ا إلشعارات على الفيس بوك ماسنجر
دون أن تضطر إالى فتح الماسنجر ،وبهذا لن يعلم زوجها أنه مراقب لن ل أحد يرى
الرسائل قبله ،وحدث ما كانت تخشاه أو بالحرى تتوقعه!.
لم يتوقف زوجها عن خيانتها ،لم يتوقف عن علاقاته الغرامية بنساء على الفيسبوك،
نعم نساء ،فهن لم يكن إامرأة واحدة ،هذا ما اكتشفته في أخر المطاف.
كان زوجها حبيب ًا ودنجوان ًا ،ولهذا قررت أن تنتقم ،لم تطلب الطلاق أو الخلع ،لم
تفكر في قتله أو ا إلنتحار ،كل ما قررته هو أن تفعل مثلما يفعل ،ستسقيه من نفس
الكس.
وكان علاء هو الوسيلة التي ستفعل بها ذلك أو هكذا ظنت!.
من هو علاء ؟ سألها شريف.
أخبرته بأنها صراحة ل تعرف من هو أو متى أرسلوا صداقة لبعضهم ومتى قبلوها ،كل
ما تعرفه أنه صديق قديم لديها على الفيسبوك منذ زمن طويل ،منذ زمن البدايات
الولى للفيس بوك في ،2٠٠٤حين كان ل يتعلق بالعائلة والصدقاء المقربين فقط،
بل حين كنا نرسل طلبات الصداقة لي أحد ومن أي مكان وننتظر فقط أن يقبل
155
طلبنا ل لشيء سوى لزيادة رقم الصدقاء لدينا ،فذلك الرقم كان في يوم ما علامة
على النجاح في عالم السوشيال ميديا الذي كان جديد ًا على الناس حينها ويريد كل
منهم أن يظهر بمظهر الخبير.
منذ زمن بعيد وانا أرى علاء في قائمة اصدقائي ،لم أعرف من هو أو من أين هو ول
أي شيء ،فقط أعرف شكله وأرى صوره ومنشوراته وهو يفعل المثل ،وأحيان ًا
يضغط اعجاب على كتاباتي وأحيان ًا كثيرة ل يفعل ،لم اعلق له ولم يعلق لي إال ذلك
اليوم..
اليوم التالي لقراري بأن أنتقم ،اليوم الذي صدف أنه كان يوم عيد ميلادي.
" أهو القدر ياشريف؟ ،وهل تلك تعتبر علامة؟ ،هل من المصادفة أن اليوم الذي
أقرر فيه ا إلنتقام من زوجي هو نفس اليوم الذي يدخل فيه علاء حياتي ،يكون هو
نفسه يوم ميلادي؟
" لن اكذب عليك يا صديقي ،فأنا إاعتبرتها علامة وموافقة من القدر لي للبدء
وا إلستمرار في الطريق الذي رسمته لنفسي ،علامة لقتل نفسي القديمة وولدة تلك
النى الجديدة المتمردة ،النى التي ستسمح لنفسها بالتحرش بالرجال!.
نعم ،كنت قد قررت أن أتحرش بعلاء عندما ارسل لي رسالة على غير عادته في ذلك
اليوم ،ارسل لي رسالة عبارة عن باقة زهور جميلة علمت فيما بعد أنه كان قد اشتراها
لجلي وارسل لي صورتها وذيل الصورة بجملة " كل سنة وانتي طيبة وعقبال مليون
سنة سعيدة ".
" تب ًا ،لقد نسي زوجي عيد ميلادي ولم يفكر أن يهنئني به أو يرسل لي رسالة أو
يحضر لي هدية ،أنا نفسي قد نسيت أن اليوم عيد ميلادي وتذكره هذا الغريب .يا له
من انسان راقي وجميل "!.
نعم أعلم دائم ًا أن الفيس بوك يرسل تنبيه للاصدقاء الذين اقترب عيد ميلادهم ولكن
لم يهتم الكثيرين بعيد ميلادي ،أغلب من كانوا يهتمون هم عواجيز الفرح ،أقصد
النساء اللاتي تكون معايداتهم نفاق أكثر من كونها حقيقة مثل ابتسامات عواجيز
156
الفرح والعوانس اللذين يبتسمون للعريس والعروسة وهم يذمونهم ويتتبادلون تعليقات
الساخرة بينهم وبين بعضهم ،ولكن علاء ،يا لعلاء ،لم يكن منهم.
" كان رجل ًا أنيق ًا ،يا بخت زوجته به!".
شكرته جد ًا على رسالته اللطيفة ،ولم اكن لفعل ذلك في اليام العادية وإان كان
الرجل الذي يراسلني قريب ًا بدرجة ل يصح تجاهل رسالته ف إانني كنت اكتفي بكلمة
شكرًا ،أما علاء ،فقد اسهبت في شكره ،أخبرته أن رسالته تعني لي الكثير ،وخاصة
أن باقة الورود المصورة تلك يبدو انها صورة لباقة حقيقية إاشتراها أحدهم لحبيبته
وصورها ونشر صورتها على النت ،كم أتمنى أن يكون وفق في مسعاه مع حبيبته.
شكرته واخبرته أنني لم اكن اتوقع أن يعايدني وخاصة أننا ل نتكلم كثيرًا.
" هذه الباقة حقيقية فعل ًا ،لقد إاشتريتها لجلك ،اشتريتها وصورتها فقط لكي أقول ل ِك
عيد ميلاد سعيد "
" تب ًا ،هل يا ترى أنه فعلها حقيقة أم هي محاولة وحيلة جديدة إلصطياد النساء هذه
اليام؟".
أخبرته أنني ل أصدقه ،فما كان منه إال أنه أرسل الكثير من الصور لنفس الباقة.
" تب ًا ،إان تلك الباقة حقيقة وهي معه الن فعل ًا ".
قلت له ربما الباقة حقيقة فعل ًا ولكنها ليست لي ،ربما هي لزوجته ،أو عشيقته!.
وفكر في ضرب عصفورين بحجر واحد ،فقال لي أن الباقة موجودة إان أرد ِت مقابلتي
فسأعطيكي إاياها!.
" من يظنني؟ ،هل يظنني عاهرة أقابله من بعد حديث إالكتروني لم يزد عن ثلاثة
دقائق؟!
" ل يا أستاذ ،أنا إامرأة متزوجة ،إامرأة أحب زوجي واحترمه وهو يحبني وما تقول
عليه الن ل تفعله إال العاهرات وإان كنت تظن اني احداهن لنني قمت بالرد عليك
وجاملتك فأنت واهم ،أناغير أي إامرأة أنت عرفتها!.
157
وأغلقت هاتفي وأنا أرتعب ،كانت أوصالي ترتعش ل أعلم لماذا؟ ،ربما هي دفقة
ادرينالين زائدة لم اكن معتادة عليها أم لنني قلت كلام ًا لم اكن اتوقع أن اقوله خاصة أنه
كان منافيا تمام ًا لحقيقتي؟.
أخبرته بأنني أحب زوجي وزوجي يحبني وهذا ل يمت للواقع بصلة ،أخبرته بأنني
لست عاهرة وأنا في حقيقة المر أتوق لن أصبح عاهرة ،أريده أن يعتصرني بين
ذراعيه كعاهرة رخصية حتى أنتقم من الذي لم يعير أي إاهتمام لمشاعري وأحاسيسي
وأنوثتي.
" نعم تلك الرعشة كانت بسبب تناقضي ،كانت كلماتي مناقضة لحقيقتي أو على القل
ما كنت أنتويه.
هل تعرف يا شريف ما هي مشكلة ا إلنسان العصري؟
مشكلته هي الجبن يا صديقي ،ا إلنسان العصري يخشى المجازفة لنه يخاف أن يخسر
ما لديه رغم أنه من الممكن أل يكون لديه شيء ،ولكن هذا اللا شيء يعني له
ا إلستقرار ويعني له الكثير لهذا يخشى المجازفة ،وهكذا كنت أنا ،خفت ،إانتشيت من
فكرة كوني عاهرة ولكن المر توقف عند هذا الحد ،كنت أستطيع الذهاب بعيد ًا،
بعيد ًا جد ًا إالى أبعد مايمكن أن تاخذني افكاري ونزواتي ولكنني خفت!.
كنت أستطيع مقابلته مثلما طلب ولم يكن أحد ليمنعني أو حتى ليعرف ،كنت
أستطيع أن أهب له نفسي حينها كما حدث فيما بعد عندما وهبته نفسي وقلبي
وروحي ولكني خفت ،نعم قد أقول أن الله حفظني حينها ،ولكن حقيقة المر أنني
خفت ،جاءني شك ضعيف حينها يكاد ل يسمع صوته بأنه ليحبني كما يقول ،وإان
هذا هو كل ما يريده ،أن ينام معي ومن بعدها سيرمي بي عند أول منعطف وينعتني
بالعاهرة والقذرة ،جاءني شك أن ذلك ربما يكون ليس حب ًا ،بل هو مجرد إانتقام من
زوجته من خلالي ،ولهذا لم أمكنه من نفسي.
سألها شريف " :وزوجك ؟!"
زوجي؟!
158
منذ أن عاد من الكويت منذ أربعة سنوات وهو الحاضر الغائب يا صديقي ،عاد
ليكون معنا كما قال ،عاد ليربي اولده لن المال ل يساوي ضحكة من ثغر ابنائه ،مال
الدنيا ليساوي ضمة من حضن زوجته ،عاد ليكون لي حصن وسد حتى ل تفرقنا
وتضيعنا الغربة ،ويالته ما عاد لنه عاد متأخرا جد ًا ،عاد متأخرًا بعدما فقد الحب،
وبعدما فقد ذلك البريق الذي كنت أراه كلما نظر إالي.
هل هذا لنني تغيرت مثلما يقول؟ هل لنني اكتسبت بعض الوزن ( لن أقول الكثير
جد ًا مثلما يقول هو) وفقدت جاذبيتي في عينيه؟؟
هل إاذا عاد الزمن وسألته" ستحبني في السراء والضراء ،في الصحة والمرض ،حين
أكون جميلة وحين يذبل جمالي ،اذا ما نشف لحمي وأصبحت جلدا على عظم واذا ما
اصابني مرض الفيل؟؟
هل تظن أنه لن يجيب بنعم ،سأحبك دائم ًا وأبد ًا ،سأحبك في كل اشكالك
وحالتك؟؟
أنا أظن أنه كان سيجيب بنعم مثلما يجيب كل الرجال الذين يسألون قبل الزواج،
ولكنني لم أساله لنني كنت صغيرة حينها ،ولكن حتى الذين سألوا وتلقوا ايجابات
ووعود بالبقاء أظن انهم الن يعانون مثلما اعاني.
كاذبون ومخادعون انتم ايها الرجال ،كاذبون وتسوقكم شهواتكم وفي سبيل اشباعها
توعدون بأغلى الوعود وأثمنها ،ومن أجل الفوز بإامرأة ل تتوانون أن تزحفوا على
بطونكم كالحيات خلفها ولكنكم ما أن تمتلكتوها حتى سريع ًا ما تسأمون منها ،كالوردة
الجميلة التي تلقيها عنك بعدما تكون قد افرطت في تنشق رائحتها الجميلة العطرة حتى
أصبت بالسعال ،تلقي الوردة التي تسلقت سور جارك لسرقتها وخدشت يداك
وسال دمك لجلها ،تلقي الوردة التي لجل الحصول عليها تمزق حذاءك واتسخ
لباسك فقط لنها اصابتك بالسعال بسبب إافراطك في تنشق رائحتها ،تدوسها لنك
تظن أنها هي سبب سعالك ل غبائك أنت!.
159
إاستأذن شريف منها لنه مضطر للذهاب الن ولكنه طلب منها استكمال قصتها وانه
سيقرأها فيما بعد ،وياليته ما إاستأذن ،ربما لكان إاستطاع إانقاذها.
كان شريف رجل ًا أخر من الرجال الذي دفعوها في هوة الضياع والتيه بتجاهلهم لها،
هي لم تطلب سوى بعض ا إلهتمام حتى وإان كان كاذب ًا ،ولكن لم يعطه لها أحد ،وربما
هم كانوا مجرد بيادق على رقعة حياتها يحركها القدر لل إانتقام منها مما فعلته.
شعرت لينا با إلحتقار عندما إاستأذن منها شريف بسبب إانشغاله وظنت أنه يهرب
منها بطريقة مؤدبة لنه بلا عمل ،لنه في القرية ،ولهذا قررت أن تتصل بمن يتمنى منها
الرضى ،إاتصلت بعلاء وأخبرته أنها موافقة على مقابلته!.
" حدد المكان والزمان ،أناقادمة إاليك "!.
***********
160
27
نيمفو ..
جاء اليوم المرتقب الذي إانتظرته طويل ًا ،إانه الخيس ١٥فبراير ،اليوم المرتقب لتوقيع
كتاب شريف ،اليوم الذي إانتظرته بفارغ الصبر وأظن أن الكثيرين مثلي إانتظروه،
فبعدما مسح شريف منشوراته من على صفحته بعد تلقيه عرض ًا مغريا من دار نشر
طلبت منه جمع ما كتبه على الصفحة في كتاب وهم سيتكفلون بطباعته ونشره مع
تخصيص نسبة عشرين في المائة من المبيعات لصالحه ،كانت تلك النسبة كبيرة جد ًا
بالنسبة لكاتب مبتديء ولكن لن صفحة شريف معروفة وله الكثير من المتابعين
ف إانه كان يعتبر صيد ًا ثمينا بالنسبة للدار وليس العكس ،كتب شريف منشور يسأل
فيه المتابعين عن رأيهم إاذا ما كان يجب أن يقبل هذا العرض أم ل؟ ،وخاصة أبطال
المنشورات الذين كنت أنا واحدة منهم ،وجاءت أغلبية التصويت بالموافقة ،فمسح
شريف المنشورات ،وجمعها في كتاب ،نُشر في معرض القاهرة الدولي للكتاب.
وجاءت المبيعات كما توقعتها وتوقعتها الدار وليست كما توقع شريف ،فهو كعادته كان
يخاف الفشل ،كان يظن أن الكتاب لن يُباع بالعدد الكافي حتى لجمع تكاليف طباعته
وخاصة أن الناس يعرفون أغلب محتواه حتى بعدما أشار في منشوره أنه سيضيف
عليه قصص جديدة وأحداث جديدة خاصة بالبطال القدامى ،ولكنه كان على يقين
أنه لن يهتم الكثيرين لمعرفة الجديد وخاصة إان كانوا سيدفعون لقاء ذلك ،فهو مقتنع
تمام ًا أن الناس تحب الشيء المجاني.
هكذا ظن وخاب ظنه..
ونُشر الكتاب ،وكان ا إلقبال عليه كبيرًا ،ولهذا قرر عمل حفل توقيع إاحترام ًا للقراء
الذين تعبوا واهتموا بشراء كتابه رغم أنه كان يرفض حفل التوقيع رفض ًا تام ًا ولكنه
تنازل إاحترام ًا للروح الطيبة للقراء.
161
أعلن على صفحته أن حفل التوقيع سيكون يوم الخيس الموافق الخامس عشر من
شهر فبراير الساعة السادسة مساء ًا حتى الساعة الثامنة" ،تب ًا! ،هذا يعني أنه بعد
خمسة أيام وأنا ليس لد ّي شيء مناسب لرتديه لتلك المناسبة الجميلة "!.
لم أقابل شريف وجه ًا لوجه من قبل ،لم يعرف شكلي أبد ًا ،لم اكلمه ل صوت ول
فيديو ول أرسلت له أي صور لي ،كان شريف أقرب الناس لي في هذا العالم وأبعدهم
عني ،هو الوحيد الذي عرفني وعرف سري الذي لم يكن يعلمه غيري والله ،ولكنه
كان ل يعرف شكلي ولم يقابلني ولن يعرفني ول يقابلني إال في حفل التوقيع..
حفل توقيع كتابه "صرخات مكتومة" الذي أحتل فيه جزء ًا كبيرًا باسمي المستعار "
نيمفو ".
وكعروس ينتابها القلق المستمر والمحموم من يوم زفافها ،فهيي عليها أن تختار فستان ًا
جميل ًا يبهر الحضور ويجعلهم يتحدثون عنه وعن شياكته وعن جمالها فيه لفترة طويلة،
وعليها أن تختار كوافيرًا جيد ًا يجيد التعامل مع بشرتها الدهنية وشعرها الخشن ويخفي
عيوب وجهها ويحولها إالى حورية تبهر الناظرين ،هكذا كنت أنا ،خمسة أيام قست
فيها كل ملابسي التي في خزانتي أكثر من مرة ،كلما إارتديت فستان ًا ل أرضى عن
شكلي في المرأة ،فألقيه جانب ًا وأرتدي غيره وغيره وغيره ومن ثم أعيد إارتداءهم من
جديد مع تغيير ا إلكسسورات ولم تعجبني النتيجة أيض ًا . ،إارتديتهم مع تغيير الحذية
أو الحزام أو محاولة الجمع بين قطع من أكثر من فستان ،غيرت تسريحة شعري ،جعلته
ينساب على كتف ّي بحرية ،جمعته في كعكة كبيرة ،ربطته من الخلف كذيل حصان
ولكن لم يعجبني شيء!.
"تب ًا لك يا شريف! ،من أنت حتى أحتار كل هذه الحيرة من أجل لقاء لن يستمر
أكثر من دقيقتين؟!".
اليوم الخيس ،الساعة الحادية عشرة صباح ًا كنت قد قررت أنني لن اذهب إالى حفل
التوقيع ،فأنا ل يوجد لد ّي ما أرتديه ،أكثر من خمسون فستان ًا ما بين فساتين سهرة
وفساتين كلاسيكية وفساتين رسمية واكثر من ستون طقما كاجوال من بنطلونات
162
جينز ،غير الحذية وا إلكسسورات لم أجد بينهم ما يستحق أن أرتديه ،ثروة صرفتها
لشراء هذه القمامة من أشهر الماركات العالمية وها هي الن ل تُسعفني حينما احتجت
إاليها.
"لن اذهب وليذهب شريف إالى الجحيم "!.
حاولت أن أضيع الوقت في النوم حتى ل أفكر في ذلك الموضوع ولكن إابني أيقظني،
قال أنه يريد أن يلعب معي ،يريد أن يخرج ،ل يريدني أن انام في أكثر اليام التي
أريد أن انام فيها ،أكثر اليام التي أريد الهرب فيها من الواقع ،ولكنه إابني الذي ل
أستطيع أن ارفض له طلب ،إابني أدم ،أغلي ما لد ّي في هذا العالم.
نهضت وألبسته ولبست" ،تب ًا ما كان أسهل إاختيار طقماً ملائما للخروج مع إابني "!.
ذهبنا إالى مطعم لنفطر سويا ،وبينما نجلس بجوار النافذة في إانتظار نزول طلباتنا
كنت أتأمل الشارع وأفكر في اللا شيء ،إالى أن كاد أن يصدم شاب يركب دراجة
عجوز ًا كان يسير أمامه على مهل ،ولكن قبل أن يلمسه بسنتيمترات قليلة تدارك
الشاب نفسه وفرمل الدراجة بقدمه ومال على جنبه حتى سقط وكاد أن يكسر
زجاج محل الملابس ،تب ًا ،محل ملابس ،جميلة هي تلك البدلة السوداء التي ترتديها
تلك المانيكان ،بدلة سوداء مطرزة الكمام والياقة بخيوط ذهبية وحزامها من الجلد
البني مع بضع دبابيس ذهبية ،هذه البدلة مع الجزمة البنية عالية الكعب التي عندي
ستكون مناسبة جد ًا لحفل توقيع الكتاب ،فهيي بسيطة وجميلة وغير فاضحة وشيك
جد ًا ،أنهيت فطاري على عجل وأخذت إابني وذهبت لشتريها!.
وذهبت إالى معرض الكتاب ،إالى الصالة التي من المفترض أن يكون حفل التوقيع
فيها ،زحام على تلك الطاولة الصغيرة التي يجلس خلفها شاب لم أستطع تبين ملامحه
بسبب الزحام.
كان يوجد أكثر من حفل توقيع في نفس الوقت ولكن ل يوجد زحام على أحد مثل
الذي على حول هذه الطاولة ،يبدو أنه شريف ،الكل يمسكون كتابه في أيديهم
163
ويقفون في طابور طويل ذكرني بطوابير العيش التي كنّا نراها أمام كل مخبز قبل ثورة
يناير" ،من الجيد أنني تركت إابني مع الدادة لنه يبدو إانني سأتاخر هنا كثيرًا ".
ُدرت في المكان اتفحص المعروضات من الكتب ،هذا المكان هو بالحق جنة الق َّراء،
الكتب في كل مكان وتتحدث عن كل شيء لمختلف الكتاب من كل أنحاء العالم ولكن
كل هذا ل يهمني ،كل ما يهمني هو شريف ،أراه الن من الخلف ،شاب أسمر طويل
ورفيع ،شعره الخشن بعض الشيء وانفه الحاد الجميل ،حواجبه المقوسان فوق عينيه
بغزارة ،يأخذ الكتاب من الواقف أمامه ويسأله عن إاسمه وبعدها ينكب على الكتاب
ليكتب له إاهداء رقيق ويعيد الكتاب مرة أخرى إالى الواقف أمامه بإابتسامة عذبة
جميلة ،وقفت أراقبه يكرر الفعل مرة من بعد مرة حتى صرت أبتسم كلما إابتسم إالى
أحد وكنه يبتسم لي!.
"يالي من مراهقة "!.
وبدأ الزحام يخف بعد ساعة ونصف مرت كنها دقيقة وأخذت مكاني في الطابور.
يقترب الطابور ببطء من الطاولة حيث يجلس هذا السمر.
خمسة أفراد يفصلون بيني وبينه ،ها هو صوته يصل إالى أذني ،أسمعه يحيي الواقف
أمامه مصافح ًا إاياه ،إاذ كان رجل ًا ،يقول له لقد شرفني حضورك ويأخد منه الكتاب
ويسأله عن إاسمه ،يَ ُصمت بضع ثواني ثم يعيد إاليه الكتاب متمني ًا له قراءة ممتعة.
" هل سيعرفني شريف عندما أخبره كما إاتفقنا؟؟ سألني كيف سأعرفك؟ ،فقلت له
أنني سأقول لك :أنا رغد ،صديقتك ".
وها أنا ذا أقف أمامه ..
إابتسم لي ،مد يده لياخذ الكتاب ولكني ظننت أنه يريد أن يصافحني أو هكذا أردت
أنا ،أن ألمس يديه ،مددت يدي بدل الكتاب ،إارتبك ونهض من مجلسه ،مد يده
وصافحته ،أحسست بإارتباكه وأدركت حينها أنه لم يكن يصافح النساء لن ذلك من
ا إلتيكيت أن ل يبادر هو بالمصافحة ،ولكن ل يهم إان كان يصافح أم ل ،فأنا الن
أصافحه ويدي تعانق يده.
164
"تشرفت بمقابلتك" ..
"شك ًرا ل ِك" ..
كان إارتباكي أشد منه ،وكان هو مثلي ،لم يستطع التحكم في إانفعالته ،نسيت يدي في
يده حتى أشار بيده اليسرى وقال" :الكتاب"!
هنا انتبهت أنني هنا لتوقيع نسختي من الكتاب" ،ماذا أفعل لتدوم هذه اللحظة إالى
البد؟ ".
أخذه وسألني بإابتسامة :ما إاسمك؟
"رغد ،صديقتك "...
لحظة صمت ،أو هي لحظة تيه صغيرة كنه كان يريد أن يسأل إان كنت أنا نيمفو أم
ل؟ ،ولكنه خشي أن يسأل واكتفى بالنظر إالى عيوني ،رأيت السؤال هناك يقف
فأجبته بإايماءه من رأسي ونظرت إالى كتابي فيما معناه أنه أنا...
أنا نيمفو ،صديقتك...
وما حدث بعد ذلك لم أكن أتوقعه أبد ًا!.
***************
165
28
الزوجة " لينا " ..
ذهبت وقابلت علاء ،ذهبت وأنا بداخلي غضب من من الدنيا كلها ومن كل ذكورها
وأولهم زوجي وأخرهم علاء.
زوجي الذي تركني صيد ًا سهل ًا لغيره ،تركني ألهث خلف كل ذكر في محاولة إاستدرار
بعض ا إلهتمام.
في البداية كنت أريد أن أنتقم لكرامتي منه ولهذا سمحت لعلاء بالتقرب مني وكالعادة
كلما اختلى رجل بإامراة إال وكان الشيطان ثالثهما ،ل يهم أين ومتى كان ا إلختلاط!،
وصلت أحاديثنا أنا وعلاء إالى الجنس ،ل أعلم إان كانت تلك خطة قد رسمها هو من
الول أو إان كانت تلك رغبتي الدفينة لشفاء غليل ا إلنتقام عندي؟.
ولكن هذا ما حدث...
تحدث كثيرًا عن مشاكله مع زوجته وكيف أنها ل تشبعه جنسي ًا ،هي باردة كجثة
وبالتالي ُبحت له بحكايتي وبرود زوجي معي ،وسرعان ما تطورت العلاقة إالى جنس
كتابي ،مارست الجنس معه وانتشيت بدون لمس...
خنت زوجي...
إانتصرت...
ولكن ل أعلم لم طاردني عذاب الضمير؟.
إاحساس مفرط بالذنب حاولت قتله بمحاولت بائسة للتقرب من زوجي ،حاولت
إاستدرار كلمات الحب منه ،إاحتضنته رغماً عنه فأبعدني ،جلست عارية أمامه لعلي
أثيره فصفعني!.
" تب ًا لك أيها الغبي ،إانك فعل ًا تستحق إانتقامي "!.
166
شعرت حينها با إلهانة ورضيت عن إانتقامي له ،رضيت بكل فخر وسعادة بكل تلك
اللفاظ التي كان يتلفظ بها علاء أثناء علاقتنا ا إلفتراضية " عاهرة ،كلبة ،قذرة "!.
ألفاظ مثل تلك وغيرها قال أنه يحب قولها وتشعره بالمتعة وأنا شعرت حينها بالمهانة،
ولكن بعدما صفعني زوجي شعرت أنها تمثلني فغمرتني سعادة غريبة.
أمسكت هاتفي ،وكتبت رسالة إالى زوجي على الواتساب بعد أن صفعني هذا نصها:
" زوجي الحبيب هذا هو نداء إاستغاثتي الخير ،أرسله لك ،أرسل لك إاستغاثتي
لتنقذني ،إاستغثت بك كثيرًا أن تنقذني ولكنك لم تستجب ،بل إانك لم تسمع ،هذا
هوندائي الخير ،أنقذني ،أولني بعض عطفك وحنانك الذي تنثره مجان ًا على عاهراتك،
أعطني بعض الحب وا إلهتمام لنني على وشك أن أتحول إالى عاهرة أحدهم ،أنقذني،
إان لم يكن لجلي فلجلك ،لجل إاسمك لنني إان انجرفت سألطخه في الوحل إانتقام ًا
منك!.
انقذني يا زوجي من أجل أولدنا ،انقذني من أجل عمر وسها ،انقذني فانا أشعر أنني
لم أعد أحبك واحب علاء أكثر منك وحبي له يقودني إالى تنفيذ طلبه وهو أن نلتقي
وأنت تعرف جيد ًا نتيجة لقائنا"!.
ولكنني لم أرسل الرسالة ،بل مسحتها ،حاولت ا إلستنجاد بشريف الذي كان القشة
الخيرة التي تعيدني إالى الواقع وتخمد نيران انتقامي ولكنه تعلل أنه مشغول وتركني،
فلم أجد أمامي سوى أن أنتقم.
إاتصلت بعلاء وقلت له أنني موافقة على شروطه ،سأقابله في شقته حيث أن زوجته
واولده كانوا قد نزلوا إالى المنصورة لزيارة أهلها وأصبح هو لوحده في الشقة،
وذهبت له وكان ما كان ،ولكنني لم أشعر بالندم!.
*************
167
نيمفو ..
أدرك أنني أنا العاهرة ،أنا نيمفو..
كنت انتظر أن أرى صديقي الذي ساندني طوال ثمانية أشهر ،صديقي الذي اقنعني
أنني اشرف من نساء كثيرات ،كنت اتوقع حضن ًا أبكي عليه بدل من وسادتي البالية،
ولكن ماذا وجدت؟!
وجدت عينه تتفحصني من حيث كانت تقف أخر مرة ،عينه التي كانت تنظر في
عين ّي لتتأكد إان كنت أنا نيمفو أم رغد العادية ،وبدأت عيناه تنزل إالى شفت ّي،
تفرست ببطء في تفاصيل وجهيي ،نزل إالى رقبتي ومنها إالى صدري وبطني وخصري،
نزل إالى اسفل ،إالى أن وصل إالى ركبتي ،لم ينزل إالى حذائي فما تحت الركبة لم يهمه،
ولم يصعد إالى شعري فما فوق الشفاه ل يهمه ،تفرسني صديقي كعاهرة ،نظر إالي كما
اعتاد الرجال النظر لي ،كنت اظنه مختلفا ولكنه كان مثلهم جميعا ،هم كانوا يفترسوني
بأعينهم في غرف مغلقة أو من خلف ظهري وهو يفترسني بعينيه علانية ،هنا في
صالة معرض الكتاب ،هنا أمام هذا الطابور الواقف خلفي ،هم كانوا يفحصون
جسدي ويغتصبونه بأعينهم لنني كنت أمامهم عاهرة ،وهم كانوا قد دفعوا لقاء وطئي،
أما هو ،هوصديقي ،هو الذي ظننت أنه الرجل الوحيد في كل الدنيا الذي يفهمني،
الذي يراني شريفة ،طالت نظرته وطال صمتي ،تغرغرت عيناي بدمعة أمرتها أن تقف
هناك ،أن تتسرب وتختفي من حيث أتت ،إاختفت دمعتي المتحجرة في عيني ولم
يبقى منها إال لمعة كستها ،وعاد إالى عين ّي من جديد وقرأ افكاري ،إانكسرت عينيه
ونظر إالى الكتاب الموضوع على الطاولة" ،هذا هو صديقي ،هذا هو الرجل الذي
أنار دربي ،هذا هو شريف ،الرجل الوحيد الذي عرفته في حياتي ،رجل بحق ".
فاجأني بطلبه أن أبتعد عنه مسافة ليكتب ا إلهداء في كتابي ،انصرفت عنه ،ابتعدت
بعض الشيء ،جلس وبدأ يكتب في كتابي ،أخفى ما يكتبه بغلاف الكتاب حتى ل
يراه الواقف أمامه الذي كان يقف خلفي ،سطور كثيرة كتبها ،أراه من بعيد وافكر
168
ياترى ماذا يكتب ،يقتلني الفضول ،في خلال الساعتين اللتين راقبته فيهما لم يطل
الكتابة هكذا لي أحد سواء كان يعرفه أم ل!.
وإانتهيى ،أشار لي أن اتي لخذ كتابي ،بكل لهفة أخذته ،أعطاني الكتاب وقال لي "
أسف ،واتمنى إانك تقرئيه بعدما تخرجي من هنا "!.
شكرته بصمت ،أخذت الكتاب وذهبت ،لم ابتعد كثيرًا حتى فتحت الغلاف لقرأ ما
كتبه لي ،قرأته وسالت دموعي ،بكيت..
هذه المرة تركت دموعي تنساب بغزارة ،لم أعد اعي أين أنا ولم يعد صخب الزحام
المحيط بي يتسرب إالى اذن ّي ،كنني في فراغ ،أنا والكتاب ودموعي ،قرأت ا إلهداء
حرف حرف بترو وتمعن ودموعي تعاند رؤيتي ،لم اكن إابتعدت عن الطاولة إال بضع
خطوات إال أنني كنت في عالم أخر عالم من الرضى والسعادة ،شعرت لول مرة منذ
هروبي من بيت والدي بالتقدير ،كانت كلمات شريف كشهادة تقدير لي ،كصك
غفران منح لي لعبور بوابات الجحيم السبعة إالى باب الجنة ،هل عرف با إلتفاق
الذي أجريته مع صاحب دار النشر ياترى؟؟ "
كنت مغيبة عن العالم الذي حولي ولم يوقظني منه إال صرخة فزع سمعتها فجأة ،وجملة
صارخة قائلة " أنت ل تعرفني يا شريف ولكني سأكون أخر من تراه عيونك حتى
تعرف جزاء خطفك لحبيبتي "!
إاستدرت بفزع لرى ماذا يحدث ،ولم أرى إال تلك السكينة مغروسة في جنب
شريف وهو يصرخ من اللم ،الدم يتسرب من جرحه والفزع يعم المكان ول أثر لمن
طعنه!.
***********
169
29
المكان :معرض القاهرة الدولي للكتاب
الزمان :الخيس الموافق الخامس عشر من شهر فبراير 2٠١٨
لم أعتاد يوم ًا على الزحام ولم أحبه ،ولكن اليوم ل ،فاليوم يوم عيد كما قالت المغنية
المشهورة.
اليوم أنا أحب الزحام واعشقه لن الزحام يعني أن الكثيرين قد أتوا لشراء كتاب
شريف.
شريف الذي أتمنى له النجاح لنه هو صديقي رغم أنني لم اقابله من قبل في حياتي،
واليوم هو موعد لقائنا الول والخير ،ولكن ل يهم ،كل ما يهمني أنه بالنسبة لي بمثابة
اخ كبير ،مرشد يرشدني ويساعدني ويمدني بالفكار والتشجيع الذي أواجه به بؤس
حياتي ،شريف هو الشخص الوحيد في هذه الدنيا الذي قلت له عن طقوسي المجنونة
أمام مرأتي ،تلك المرأة التي اعتبرتها صديقتي لسنوات طويلة جد ًا ل أذكر عددها،
كانت صديقتي بعد أن باعتني صديقتي واتهمتني بأنني اؤذي ابنتها وأنني اغار منها ومن
اولدها وانني ل أذهب لزيارتها سوى لمغازلة زوجها ومحاولة سرقته منها!.
صديقتي التي احببتها أكثر من نفسي تتهمني بأنني أريد أذيتها في زوجها وأولدها؟؟!
ل انكر أنني كي إانسان من لحم ودم ،كانت تلمع في عيني نظرات الفرح والتمني أن
أكون مكان صديقتي ولو لثانية واحدة في حضن من تلك الحضان السريعة الخاطفة
التي كان يحضنها لها زوجها في حضوري ،وأحيان ًا أتمنى أن أكون أنا المقصودة بكلمات
الغزل التي كان يتغزل به لها في وجودي ولكنني كنت استعيذ بالله من هذه الفكار
وكنت اعتبرها عيبا وحراما فهيي صديقتي وانا ل اخون صديقتي ولهذا أيض ًا كنت
اراعي أن لازورها كثيرًا أثناء وجود زوجها في مصر في اجازته السنوية حيث أنه
مغترب في الكويت.
170
إاتهمتني بأنني أحسدها واكرهها...
كسرتني..
هشمت بكلماتها روحي ونفسي إالى ألف الشظايا...
تمنيت أن أنتقم منها ولكنها صديقتي التي ساندتني كثيرًا ،لم أستطع حتى أن أقول "
حسبي الله ونعم الوكيل " ،فكيف اختصم لله من صديقتي التي كسرتني فأنا لم اكن
لرضى أبد ًا بعدل الله فيها ،لن يهون عليا كسرها ،سامحها الله.
لم يكن لي اصدقاء بعدها إالى أن كنت بالصدفة في محل للتحف القديمة والنتيكات
في خان الخليلي ،كان ذلك المحل يبيع تحفا كانت يوم ًا ما تزين بيوت أحدهم إالى أن
قرروا ا إلستغناء عنها ،اعجبتني التحف رغم قدمها ورثيت لحالها التي ألت إاليه بعد أن
رخصت في نظر اصحابها فألقوا بها في القمامة ووجدها الزبال وباعها إالى ذلك المحل أو
ربما يكونون قد باعوها بقيمة بخسة ل لشيء سوى للتخلص منها وتوفير مكان.
تفحصت كل قطعة في المحل كنني أحاول حثها على البوح لي بحكايتها والحكايات التي
رأتها في البيوت التي كانت فيها ،إالى أن لفت انتباهي ذلك البرواز الخشبي المذهب
المسنود على الحائط بوجهه ويظهر خلفه لنا ،اقتربت منه ،كنت أظن أنه لوحة خاف
صاحب المحل على وجهها من الخدش ولكن بينما أنا أقلبها إاذ بصاحب المحل يصرخ" :
ل يا بنيتي! ،دعيها وشأنها ،دعي تلك المرأة مكانها ،ل تقلبيها! " ،ولكن كان الوان قد
فات ،ورأيت أمامي مرأة قديمة في برواز ذهبي قديم محفور ويزين تاجه شعار ملكي
يشبه الشعارات الملكية ا إلنجليزية والشعارات التي كنا نراها على سيارات وقصور
ملوك وأمراء ما قبل ثورة يوليو ،يبدو أن هذا البرواز قديم جد ًا ويعود إالى عائلة
غنية.
بينما أنا في افكاري إاقترب مني صاحب المحل وأخذ البرواز مني وأخبرني أنه برواز
ملعون لم يجلب سوى الدمار لكل من نظروا فيه ،لم أصدقه ولكنه حلف وأقسم أن
هذا ما قد حدث ،وحكى لي حكاية مفادها أن هذا البرواز اهداه تاجر مصري لحد
أمراء ما قبل الثورة واخبره أنه احضر الزجاج من الهند وحفر له هذا البرواز برمز
171
نبالته وطلاه بالذهب ومن فرحة المير به علقه في صالونه وكان ينظر إاليه كثيرًا ولم
يبقى المر عند هذا الحد بل أن زوجته اعجبت بجمالها في المرأة وكانت تحب أن
تتعرى امامها كثيرًا وكلما تعرت أمام المرأة تشتعل فيها الرغبة وكانت تضاجع كل من
يطرق باب تلك الغرفة!.
ضاجعت الخدم وبعض اصدقاء زوجها الذين صدفت زياراتهم لحظة سيطرة المرأة على
زوجة المير ،وعلم المير وقتل زوجته والخدم وباع القصر بالمرأة.
لم يعلم أحد أن السبب هو المرأة ،وحدث نفس ما حدث مع المالك الجديد للقصر
ولكنه هذه المرة احرق القصر ولم تحترق المرأة ولكنها تشوهت فقط كما ترين،
وانتقلت بعدها إالى الورثة الذين ظن أحدهم أنها مبروكة لنها لم تحترق ولكنه لحظ
سريعا التغييرات التي بدأت تحدث في بيته فكتب ما حدث في ورقة وألصقها بظهر
المرأة ووضعها في مخزن بيته وسط الكراكيب إالى أن مات وباع ورثته المرأة لي وبعد
أن قرأت الورقة وجهت وجهها للحائط حتى ل أصاب بلعنتها!.
سألته لماذا لم تكسرها؟
فقال أنه يظن أنها قيمة جد ًا واراد فعل ذلك ولكنه أراد أن يعرف سرها ولكن لم يظهر
منها شيء إالى الن رغم أنها هنا منذ خمسة سنوات! " .ربما كذب من كتب الورقة
وألصقها في ظهرها "!.
ضحكت بعد أن قال هذا واخبرته أنني أريد أن أشتريها ،ودفعت فيها مائتنان جنيه
وعلقتها في غرفتي وكنت اكلمها يومي ًا.
كانت قصة المرأة حقيقية ،كنت اقضي الساعات امامها احكي لها كل ما يحدث معي،
وأحيان ًا كثيرة أشعر برغبة في التعري أنا امامها ،تعريت كثيرا وكثيرا ما شعرت أنها
تأمرني با إلنتشاء!.
سيطرت المرأة المسحورة علي ،وربما لم تكن مسحورة ولكنني اردت السبيل إالى
افراغ طاقتي وشخص أشعر بوجوده بجانبي حتى وإان كان مجرد انعكاس وجهيي على
مرأة قديمة كما قال لي شريف.
172
كذبته فراهنني أن تلك المرأه ليست مسحورة وإان السبيل الوحيد لمعرفة ذلك هو
كسرها ،وفي لحظة تحدي كسرتها وشعرت حينها بالحزن والنقم على شريف لنني
كسرت صديقتي الوحيدة التي رأتني جميلة وكانت تخبرني كلما نظرت إالي عارية أنني
جميلة جد ًا ،ولكن شريف قال لي أني قد تحررت من سجن نفسي ،من سجني لنفسي
في برواز مرأة.
قال لي أنه سيكون صديقي ويكون موجودا دائم ًا اذا ما احتجته ولهذا فأنا أشعر
بالفخر به اليوم وادعو الله أن ينجح كتابه عله يجد التعويض عن المعاناة التي قاساها
خلال الشهور الثمانية المنصرمة.
كانت الابتسامة تعلو وجهيي إالى أن صرخ شريف ورأيته غارقا في دمائه ،صرخت
وتوجهت إاليه ،إاحتضنته بين ذراعي وأنا ل أقول إال:
" متسيبنيش يا شريف ،أنا مليش غيرك ،إانت وعدتني هتكون معايا دايم ًا ".
حاول تهدئتي رغم ألمه ولكن كانت تخرج منه بعض الصرخات رغماً عنع بسبب شدة
اللم إالى أن غاب عن الوعي.
************
173
30
المكان :مستشفى الرحمة
الزمان :الجمعة الموافق السادس عشر من فبراير 2٠١6
الساعة ٥:٤٨دقيقة مساء ًا.
ذهبت للمعرض لشراء كتاب شريف ،لم اكن من محبي القراءة يوم ًا ولكنني ذهبت لعم
شريف لنه صاحب فضل علي ،كنت أخشى أن ترفض أمي ذهابي إالى المعرض لنه
بعيد عن المنطقة التي نسكن فيها ولكني تفاجأت حينما اعطتني قائمة ببعض الكتب
التي يجب أن أحضرها معي وكان من ضمنها كتاب شريف.
" إاذا وجدت أي من الكتاب موجود فأطلب منه أن يكتب اهداء على الكتاب بإاسم
لينا أحمد أم عمر ) ".
أمي محبة للقراءة ولكن لم اكن أظن أنها ستعرف بكتاب شريف وخاصة أنه الكتاب
الول له!.
ذهبت إالى المعرض ورأيت شريف وهو يُطعن ،ساد الهرج والمرج في المكان ،تفرق
البعض وتجمع البعض ،ولكن لم يحضر أحد سيارة إالى أن صرخت تلك المرأة في
الموجودين " :إاحملوه بحرص وأخرجوا به إالى الخارج وأنا سأحضر سيارتي ،إان
إانتظرنا ا إلسعاف سيموت قبل أن تصل "!.
وضعت الكتب في حقيبتي " الكروس" وذهبت لساعدهم ،حملت معهم صديقي
ومرشدي شريف ،لم تكن قد أتتني الفرصة للحديث معه وتعريفه بنفسي وقد ل
تأتيني أبد ًا.
ما إان خرجنا حتى وجدنا سيارة تلك المرأة التي لم أعرف إاسمها حينها ولكني عرفت
اسمها فيما بعد من الموجودين في المستشفى ،هي مدام رغد صاحبة المستشفى!.
174
ركبت معهم أنا وعلياء وسها صديقة أمي القديمة ،كان ذلك هو اصعب موقف في
حياتي هذا إان إاعتبرنا أن لدي حياة ،هنا في هذه السيارة يلتقي الصياد بالفريسة،
هنا اتقابل وجها لوجه مع علياء التي ابتزيتها بالصور التي ارسلتها لي واخذت منها
خمسة ألف جنيه!.
ولكن أتعلمون ما أكثر ما أثار حيرتي فيها؟؟
هو إاسمها ،لقد سمعتها تقول لشريف أن إاسمها شيماء! ،ولكني أعرف أنها علياء ،علياء
التي أخذت منها خمسة ألف جنيه بعد أن أخذت من رجل خمسمائة جنيه مقابل أن
اساعده في مقابلتها ،حددت الموعد ولم يحضر الرجل " ،يبدو أن الله يحبها "!.
جلست هي في الخلف معي ،هي على يسار شريف تسند رأسه على كتفها وانا على
يمينه اضغط على الجرح بالضمادات وفي الامام بجوار رغد جلست نيفين صديقة أمي
القديمة التي قاطعتها لنها كانت ستسرق أبي.
هنا في هذه السيارة يجلس مغشيا عليه الرجل الذي لول وجوده لكنت الن أرقد في
أحضان رجل ينتهك طفولتي!.
نعم ،فبعدما عرفت بسنت بنفسي طارت فرحا لنني كنت أنا من اكلمها ،كانت ل
تحب الولد ولكنها كانت تحب بنت معجبة بي جد ًا وانا لم اكن أعرف ذلك ،وإاتفقت
معي على أن تجعلني الطعم الذي ستصطاد به تلك الفتاة لتفعل معها ما تريد ،وافقت
وذهبت وجعلتني امثل أنني خادمها ،إاستعملتني كعاهرة ،ألبستني بعض ملابسها
الداخلية وعاملوني كنني أنى!.
استمتعت ولكن ذلك اثر على نفسيتي حين عدت إالى البيت ،شعرت وكن شيئ ًا
انكسر بداخلي ،أصبحت أشعر بإاثارة غريبة كلما تخيلت ما كنت فيه معهما ،كلما
تخيلت نفسي أنى!.
لم أجد امامي سوى شريف لساله فأخبرني أنه قد وضعوا قدمي على طريق التحول
الجنسي وانني إان لم اتوقف الن سأتحول إالى شاذ.
175
حينها فقط تذكرت دعوة خالتي ولعنتها " يقعدلك في عيالك "،الن أنا في طريقي
للشذوذ ل أرى نفسي سوى أنى ،ل اتخيلني إال وانا مطية للرجال ،ذهبت لنقذ
رجولتي فخسرتها ،ذهبت إلعتلاء بسنت فجعلتني عاهرتها.
ولكن شريف انقذني ،ساعدني لتخطي تلك اليام ،قال لي أنني يجب أن اغير نمط
حياتي ،أن أخرج ،أن أتعرف على أناس جدد ،نصحني أن اجلس على قهوة واتعلم
التدخين ،حتى الفلام ا إلباحية كان يختار لي ماذا اشاهد وماذا أفعل وفي ماذا أفكر
اذا ما فكرت في امتاع نفسي!.
مر شهر على ذلك اليوم رجعت فيه إالى رجولتي المسلوبة ،شعرت من جديد أنني
رجل ،أشعر كرجل ،أفكر كرجل ،ألبس كرجل وادخن كرجل ،والهم من ذلك أنني
الن اتصرف كرجل.
حاولت التواصل مع كل من نصبت عليهم لعيد لهم مالهم ،لكن بالطبع الكثيرون قد
اغلقوا حساباتهم ولكن سأحاول حل هذه المعضلة فيما بعد.
ارسلت الخسة الاف إالى شيماء أو علياء مهما كان اسمها بعدما شعرت بأنها مظلومة
في هذه الدنيا وكنت أنا شوكة ظهر أخرى في حياتها وهذه ليست أفعال الرجال،
اغلقت جميع حساباتي ،وها أنا الن احضرت عشرة الاف جنيه لدفع اجرة
المستشفى لشريف لنني أعلم أنه ليمتلك المال ولكن المحاسبة اخبروني أنها مستشفى
مدام رغد " أم أدم " ،التي احضرتنا بسيارتها وإان شريف سيبقى في المستشفى إالى
أن يتعافى تمام ًا مجان ًا.
ذهبت إالى غرفة شريف ،وضعت المال تحت وسادته لنه كان غائب ًا عن الوعي،
وتركت له رسالة شكر وتمنيت له السلامة وانصرفت !.
*************
176
31
الكاذبة ..
أنا شيماء العانس صاحبة الثماني وثلاثون عام ًا ،أنا من كنت أظن أنني سعيدة
بحصوني وقلاعي النفسية التي بنيتها بإاقناع نفسي أن الرجل ما هو إال مخلوق بدائي
متوحش يتغذى على جمال وسعادة بنات حواء.
يقابلهن ورودا جميلة اللوان عبقة الرائحة ويتركهن بتلات جافة منثورة على الرض
تذريها الرياح ،كالنار التي تتغذى على الفراشات ،بنيت قناعاتي لسنوات طويلة إالى
أن فاتني قطار الزواج وأصبحت فرص لحاقي به عدوًا ما هي إال محاولة انتحار
للحصول على الوهم والسراب .قناعاتي استمديتها من حياة أمي البائسة مع أبي رحمه
الله ،أمي التي لم أشعر أن روحها عادت إاليها إالبعد وفاة أبي ،قناعاتي استمديتها من
رؤيتي لصديقاتي اللاتي تحولن إالى كائنات نكدة وكئيبة وهن اللاتي كن مثال للسعادة
الخام قبله.
كنا ل نجتمع إال ويتحول المكان إالى صخب ومرح اما الن فأنا اتحاشى رؤيتهن لنهن
يتعبن نفسيتي من الحسرة عليهن.
قد يظنون أنهن هن من ابتعدن عني بعد طلاق "روح" صديقتنا ،لنها أخذت
بنصيحتي واعتقدن بعدها أنني أريد أن اخرب بيوتهن ولكن الحقيقة أنا من ابتعدت
عنهن ،لقد سئمت رؤيتهم يعانين حتى وإان كانت المعاناة المستمرة تكافأ بلحظات من
السعادة خلال الجنس ،كنت أظن أنني على صواب إالى أن اسند شريف رأسه على
كتفي ،كان يئن ورأيت في انينه لول مرة نورا ينبثق من ظلمة الرجال،رأيت لول
مرة الرجل ضعيف وعاجز كطفل ويحتاج إالى مساعدتي وهذا حطم كل حصوني
وقلاعي " ،تب ًا لجمال الرجل وهو ضعيف ويحتاج إالى كتف إامرأة يستند عليه "!.
177
أنفاسه الحارة كانت تحرق عنقي ،شعرت أنني اذوب ،مصاب هو ومطعون في جنبه،
لقد فقد الكثير من الدم ولكنه كان قادرًا على إاثارتي! " .تب ًا! ،رفضت الكثير والكثير
من الرجال طوال حياتي والن يثيرني رجل في طريقه للموت بأنينه وأنفاسه
الحارة؟؟"
هنا فقط فهمت لماذ تتمسك صديقاتي بأزواجهن رغم تلك المشاكل التي تزحم حياتهن،
علمت لماذا لم تطلب أمي الطلاق من أبي ورغم سعادتها بعد وفاته إال أنه تنتابها
لحظات كبة شديدة وتبكي عليه وتلعنه لنه تركها ورحل ،عجيب هو الجنس!.
الجنس الذي لم أعرف معناه إال حين عرفت ذلك النصاب والمخادع الذي مارست
معه الجنس ا إللكتروني ،ارسلت له الكثير من الصور الخاصة بي ظنا مني أنه يحبني
ولكنه في الحقيقة كان مجرد قواد.
لقد حاول أن يبيعني لحدهم ،دبر لي مقابلة مع رجل وهددني أنني إان لم أذهب
س يفضحني.
كنت كمن يحاول الهرب من السفينة المشتعلة بالقفز في البحر الهائج وأنا ل أعرف
السباحة ،خفت من الفضيحة فذهبت لقابل رجل ل أعرفه قام بدفع مبلغ من المال
لشخص مارست معه الجنس ا إللكتروني لقاء مقابلتي.
ضع أسوأ السيناريوهات عزيزي القاريء وتأكد أن لحظات الرعب التي عشتها كانت
أسوأ منها!.
ذهبت وانا على يقين بأنني ربما ل اعود ثانية ،ذهبت ولم يحضر الحمد لله.
بعدها ساومني حبيبي لدفع مبلغ عشرة ألف جنيه مقابل أن ينساني ،حاولت جمع
المبلغ ولكنني لم أستطيع أن أحصل سوى على خمسة ألف ،بعت سلسة ذهبية
كانت عزيزة على قلبي كان قد اهداها لي أبي " ،علول " ،ذلك اللقب الذي كان
يناديني به ذلك الحمق خلال محادثاتنا وقال أنه انسب دلع إلسم " علياء" لنني
أخبرته أن إاسمي علياء.
" صه ،مهل ًا ،علول؟؟ "
178
لم يناديني أحد بهذا ا إلسم أبد ًا إال هو!.
لم اكلم أو اخبر أحد بأن إاسمي علياء إال هو!.
ولكن ذلك الولد الذي كان معي في السيارة أثناء نقل شريف إالى المستشفى ناداني بـ
" علول"!.
قال " إامسكي يده جيد ًا يا علول "! .تب ًا ،أيعقل أنه هو؟!
أيعقل أن يكون لذلك علاقة بمبلغ الخسة ألف جنيه التي تم تحويلها لي من رقم
غريب الذي لم يرسل لي بعدها سوى بعبارة " أنا أسف "؟ حاولت ا إلتصال مرارًا
وتكرارًا بالرقم منذ المس لستعلم ،فربما يكون هناك خطأ ما ولكنه مغلق.
أيعقل أن تكون الدنيا بهذا الصغر والضيق ونحن من كنا نظن اننا فيها جزر متباعدة
وسط محيطات واسعة؟؟
تب ًا لك يا شريف!.
ل ،مهل ًا ،شكرًا لك يا شريف ،شكرًا لنك كنت السند والخ ،شكرًا لنك
ساعدتني بألف جنيه عندما حاول ذلك الحيوان أن يبتزني ولم أستطع جمع إال أربعة
ألف جنيه ،أسفة ياشريف لنني سببتك كثيرًا في افكاري ،كنت اظنك أنت
الشيطان لنك لم تصدقني ولكنك أنت من رأى حقيقتي من مجرد حروف اكتبها.
" تب ًا ل َم تسيل دموعي بغزارة "؟
" شكرًا لنك كنت نعم الاخ والصديق رغم انك لم تكن تعرفني ولم تراني ،شكرا
لنك انقذتني من الضياع واعدك بأن أعمل بنصيحتك وهي أن اعطي فرصة لي
عريس يطرق بابي ،سأتزوج يا شريف ،حفظك الله ورعاك يا أغلى من خلقه ربي".
************
179
32
المكان :البيت
التاريخ 2٠١٨/2/١6 :
الوقت ١2:٠٥ :صباحا
إامتلكت كل شيء أردته ،لم يستعصي على شيء رغم أنني إامرأة وحيدة بعد انفصالي
عن زوجي وكسيرة الجناح بعد وفاة أبي ،إال أنني كنت أمتلك القدرة المالية والجمال
اللازمين إلمتلاك الدنيا إان أردت ،ولكني لم أرد سوى العيش على هامش الحياة ،لم
اك ُن أريد أن أحتك بأحد أو يحتك بي أحد إالى أن أحببت هذا الحمق شريف من
حروفه التي غزلها قصائد شعر ومدح في الجعفرية ،أحببت حبه لها وحسدتها
واحببته هو سهوًا مني ،احببته واخبرته ،عاندني في البداية وقال أنه غير قادر على
الحب وانه ل يعرف للحب معنى إال أنني كنت أعرف أنه كاذب ،ف إان لم يعرف
شريف أن يحب فمن من الرجال سيعرف؟.
لم أيأس ،إالى أن بدأ يثق بي وبدأ يتكلم معي كثيرًا إالى أن اخبرني يوم ًا أنه يحبني،
طارت بي الدنيا ولم تسع فرحتي ولكن سرعان ما اضمحلت فرحتي واختفت!.
ل َم ل وأنا حواء؟ ،اعشق ا إلمتلاك ،ناهيك عن اسلوب تربيتي الذي لم يحرمني من
أي شيء أردته ،اردت امتلاكه لي وحدي " :هذا حقي ،فأنا ل ارغب في أجزاء أو
أشلاء رجل ،أنا اعطي نفسي كاملة لرجل واريد المثل ".
بدأت اطارده واخنقه وأمنعه من المدح والمغازلة على صفحات التواصل الاجتماعي،
شريف رجل مثله مثل أي رجل لديه طاقات يريد تفريغها وخاصة إان كانت حالته
النفسية سيئة ،ولن تجد أسوأ حا ًل من نفسية شريف رغم أنه ينشر البهجة أينما حل،
إال أن نفسه لم تعرف للسعادة طعم منذ شهور ،منذ أن طرد من عمله ،عرضت عليه
مبلغ من المال كسلفة ولكنه رفض!.
180
" تب ًا لعجرفتك ايها الجائع ،كم أحب عزة نفسك "!.
أحببت شريف؟!
صراح ًة..
ل أعلم!.
ل أعلم إان احببته صدقا أم هو مجرد انجذاب طبيعي للضد ،ك إانجذاب اقطاب
المغناطيسات لضدادها ،شريف كان مختلفا عني في كل شيء .هو السوقي وأنا بنت
الحسب والنسب ،هو جائع عاطل وانا خادمتي تجني أكثر مما يجني ،أنا جميلة وهو
مجرد شاب مصري ل يميزه سوى ذلك الشبه البسيط بمحمد ،حبيبي"!.
أيعقل أن أكون احببته لهذا السبب وليس لنني رأيت فيه الجخ الخاص بي ،جخ
يغني لي بلكنته الصعيدية ،لي أنا فقط ؟؟ "
ل يهم إان كنت قد أحببته أم ل ،لنني الن اكرهه جد ًا ،اكرهه كره الفأر للقط ،هذا
المتخلف نهرني أمام الناس ،قال لي يا غبية!.
أنا التي ضحيت بكفن محمد لمحاولة انقاذه نعتني بالغبية وأنني ألمته عندما ضغطت
بالقماش على الجرح ،أل يعلم هذا الغبي أنه يجب أن يتم الضغط على الجرح ليتوقف
النزيف؟؟
ويظن نفسه كاتب؟ ،ذلك الفاشل...
أنا غبية؟
تب ًا له ،لم يهينني أحد هكذا من قبل ،تمنيت أن اركله وإان ابصق في وجهه ولكنني
رأفت بحاله ،أخذت الكفن الذي كنت سأَضمده به وذهبت ،ذلك الكفن الذي أغلى
عندي من كل الدنيا ،ولكنني لم اتحمل منظر الدم عليه فألقيته في القمامة!.
" ألقيت الكفن ،كفن محمد ودم شريف في القمامة ،تب ًا ،لم ينتابني شعور جارف بأنني
أريد محادثة زوجي الن؟؟ أشعر برغبة ملحة في أن أطلب إاليه أن يعود إالى البيت،
181
أشتاق أن انام في حضنه مرة أخرى مثلما كنت أفعل منذ سبعة سنوات ،نعم كنت
اتململ حينها ولكنني الن أريد ذلك وبشدة ،ساذهب لتصل به الن"!.
************
182
33
نيمفو " رغد " ...
" أنتم قصدتم بي شرًا ،أما الله فقصد به خيرًا لكي يفعل كما اليوم ،ليحيي شعب ًا غفيرًا.
" (تكوين " ) 2٠ : ٥٠
أقتبس هذه الاية من سفر التكوين التي قالها يوسف لخوته بعدما عرفوا أنه عزيز
مصر وخافوا من أن ينتقم منهم ،إارتعبوا منه جد ًا ،لم يشعروا ل بالندم على فعلتهم ولم
تتحرك قلوبهم بالشوق لخيهم الصغر الذي كادوا أن يقتلوه وعندما رأفوا به باعوه
كعبد وهو المدلل لدى يعقوب حبيب الله .
بيع المدلل الذي أصبح عزيزًا لمصر ،بكى عندما رأهم من شوقه ولهفته لهم وهم لم يفعلوا
سوى انهم خافوا منه ،فقال لهم هذا القول.
هذا القول الذي سمعته من عجوز مسيحي كان يسكن في الشقة المجاورة لي عندما
تركت الفندق.
شعرت لول مرة أنه أبي ،ولكني لحظت أنه مثلي وحيد ،كانت الدنيا قد طوحته
ولكنه كان يتذكر تلك الية جيد ًا.
الله قصد به خيرًا ،خانني كل من عرفتهم ،خانني حبيبي وصاحب البنسيون وذلك
الملتحي الذي ظننت أن لحيته تدين ًا فلجأت إاليه خلسة وهمست له أن ينقذني من
هنا،.طلبت منه أن ينتشلني من هذا البنسيون ،حكيت له حكايتي وأن صاحب
البنسيون يستغلني للدعارة والتنظيف لقاء السكن والطعام ،هل تعلمون ماذا
فعل؟؟
لقد كان هو زبوني في تلك الليلة!.
" إاستغثت به فجاء ليضاجعني"!.
183
مرت اليام ،تعلمت كيف افرض تعريفة اضافية على زبائني الذين يحضرهم لي
صاحب البنسيون ،القواد الذي كان يأخذ المال ول يعطيني منه شيء لنه علم أنني
إان فعلت سأهرب ،كنت اخذ من الزبائن اجرة اضافية دون أن يعلم ،وإادخرت تلك
النقود إالى أن استطعت أن اهرب من ذلك البنسيون.
هربت وجئت إالى هذه الشقة البسيطة الحقيرة في الدور الرضي ،ومن هنا بدأت
رحلة تجارتي بجسدي إالى أن جمعت المال الكافي لشراء البنسيون وهدمه!.
كان هذا أول ما فعلته ،كنت أود ا إلنتقام من صاحب البنسيون ولكنه اصيب بمرض
مزمن ،ذهبت لتشفى فيه واشمت ولكني لم أستطع فعلها ،رثيت لحاله ودعيت له
بالشفاء ولم أره بعدها ،والملتحي الن في السجن بتهمة النصب وا إلحتيال.
" أبي وامي ؟ " ،بالطبع لم انساهم ،نعم أنا عاهرة وزانية ولكنني لست ببنت حرام
تنسى أهلها!.
إانشغلت عنهم سنوات طويلة جد ًا ،تلك السنوات التي عبثت فيها الدنيا ولفتني في
دوامتها مكتوفة اليدي والقدام ،تأخذني في تياراتها القذرة كسمكة ميتة ،ل املك
أي ارادة أو سلطة على مصيري إالى أن استطعت التحرر.
تحررت عندما استطعت أن افاوض على جسدي ،تحررت عندما استطعت أن
ارفض زبون وأن اجذب الزبون الذي اريده ،تحررت عندما اقتنعت أنني عاهرة ،وأن
رداء المسكنة لن يسترني بل سيعريني ،تحررت عندما أصبحت ليلتي تساوي صفقة
بملايين يوافق عليها مسؤول لرجل اعمال ويكون لي نسبة منها ،تحررت عندما
استطعت أن ابصق على زبائني بد ًل من أن يبصقوا علي بعد ا إلنتهاء مني.
بعدما تحررت تقصيت عن اخبار عائلتي ،أمي ماتت بحسرتها ،أبي اصابه المرض
والوهن ،اختي تزوجت واخواي تزوجا وزوجاتهما تنغصان على أبي عيشته.
يعاي نره بي ،يطعمونه بقايا طعامهم ،اخواي ل سلطة لهم على زوجاتهم لنهما من حثالة
البنات ،رفض الكثيرين تزويجهم بناتهم بسببي ،رثيت لحال أبي واخذت قرضا كبيرا من
أحد البنوك بضمان ممتلكاتي ،كنت املك المال ولكني لم ارد أن استخدم مالي القذر،
184
استخدمت القرض في عمل دار رعاية مسنين عينت أبي مديرها واخواي اداريين
حتى اعلي من شأنهما في البلد وألحقت بالدار مستوصف طبي خيري صغير يعالج
الغير قادرين مجانا وكان من الناس الذين حاول المستوصف مساعدتهم هو حامد ،نعم
حامد الذي خدعني وهربت معه ،لقد إاكتشف أنه مصاب بالعقم ولم يملك المال الكافي
للعملية رغم أنه ميسور الحال ،ولكن ليس إالى الحد الذي يؤهله لعمل مثل تلك
العمليات المكلفة له ولزوجته وتكفلت أنا بمصاريف تلك العمليات من القرض ولكن
الله لم يرزقه بذرية ،وبالطبع لم اذهب إاليهم ،ل بل فعلت كل ذلك دون أن يعرف
أي أحد في القرية من فعل ذلك ولماذا؟ ،كان كل ما عرفوه من المسؤولين أن إامرأة
فاعلة خير فعلت هذا لخدمة القرية من حر مالها.
لم اغسل اموالي ،كنت أستطيع فعل ذلك ولكنني لم أفعل ذلك ،كنت أستطيع اخذ
القرض بمقايضة جسدي ولكنني لم أفعل ذلك ،فعلتها بنزاهة وشرف ،فتحت مصنع
ملابس داخلية اسميته بلاك اند ريد ،استغليت خبرتي في ذلك المجال لنني أعلم
الناس بفوائد الملابس الداخلية واقمصة النوم والتي إان اختارت المرأة واحدا رديء أو
بشع نفر منها زوجها وبحث عن عاهرة مثلي ،ربما تكون زوجته أجمل مني ولكني ابرع
منها في اختيار ملابسي التي تظهر مفاتني وخاصة أن تلك الملابس المستوردة أجمل
من المصنعة في مصر ،ولهذا فتحت مصنعي لعمل ملابس بكواليتي عالمية تناسب
السوق المصري.
فتحت دار رعاية المسنين والمستوصف ،بنيت مستشفى مكان البنسيون ،تلك
المستشفى التي يرقد فيها شريف الن ،هل كنت سأستطيع فعل ذلك إان لم اهرب
مع حامد؟.
فكرت في فتح دار نشر وتوزيع لمساعدة شريف ولكني تراجعت وجاءتني فكرة
مساعدته بطريقة أفضل!.
185
إاتفقت مع دار نشر مشهورة أن تتعاقد مع شريف لنشر كتابه وإان فشل الكتاب
سأتكفل أنا بكل المصاريف با إلضافة إالى أي تعويضات تراها الدار مناسبة .ولكن
الكتاب قد نجح!.
************
186
34
شريف ...
أعتقد أنه رأى في عيني نفس نظرة الرعب التي رأيتها في عيني فرجاني حين إاندفع
نحوي ولم يجد سوى سن السكين الحاد يضغط على عنقه!.
توقف مكانه وكنه صنم مصنوع من حجر ،جحظت عيناه وبدأت قطرات العرق تظهر
على جبينه ،أخبرته حينها إانني سأقتله ولن أتردد إان حاول أذيتي ،فأنا لم يعد لدي ما
أخسره ،ولكن هذا الذي أمامي أخذ مني نظرة الذعر والفزع نفسها ،لكنه لم يتركني كما
تركت فرجاني ،بل طعنني بمطواته في بطني وهرب!
كان منظر الدم ُمريع ًا ،دماء غزيرة تنساب من بطني ،صرخات فزعة تنادي هنا
وهناك ،الذعر يعم في أرجاء المكان ،تحول الحفل إالى صخب وحزن ،محاولت بائسة
في إايقاف سيل دمائي ،صرخات تائهة تنادي بإاحضار سيارة أو ا إلتصال بسيارة
ا إلسعاف وصرخات بالبحث عن طبيب إلسعافي أو احضار مناشف للضغط بها
على الجرح إليقاف النزيف.
وسط كل هذا الصخب فتحت فريدة حقيبتها للبحث فيها عن أي شيء تساعد به في
هذه الجلبة ولكن حقيبتها النيقة كانت تحتوي على أشياء كثيرة قيمة ولكنها كلها ل
تفيدني ،ل علبه سجائرها ول ولعتها ول أحمر شفاهها ،ول العطر ،إازدحام عجيب
غريب في حقيبتها ولكنها أشياء بلا قيمة لمطعون غارق في دمائه مثلي ،بلا قيمة
كدموعها التي تسيل بغزارة أكثر من دمائي حتى أذابت في طريقها كل طبقات
مساحيق التجميل التي تغطي وجهها ولترسم خطوط ًا سوداء على وجنتيها الجميلتين.
187
بلا قيمة ك إارتعاش يديها التي أسقطت الكثير من محتويات حقيبتها في رحلة البحث في
داخلها عن شيء يسعفني حتى باتت هي نفسها في حاجة لمساعده بد ًل من أن
تساعدني.
بلا قيمة كل محاولتها للبحث عن سبيل إلسعافي حتى إارتطمت يدها في قاع حقيبتها
وهي تعيد قلم الكحل الساقط منها بذلك الشيء الطري الملمس ،شيء إاسفنجي.
إانه قطعة قماش ،تلك القطعة البيضاء التي تحفظها في حقيبتها منذ سنوات طويلة
حتى تحولت إالى اللون الصفر رغم أنها تحفظها في كيس بلاستيكي ،كم من حقيبة
غيرتها على مدار تلك السنوات تغيرت خلالها محتوياتها من حيث النوع والشكل
ولكن بقي ذلك الكيس الحافظ لتلك القماشة رابطا أساسيا يربط كل حقائبها ،إانه
قطعة من كفن محمد ،حبيبها الذي مات بحبها ،بقلبها ،مات قبل أن يقبلها ،إاحتفظت
بقطعة قماش من كفنه معها ،كانت تأخذها معها في كل وقت وكل مكان وكنه تميمة
حظ وكان بالفعل تميمة لقلبها لن ارتباطها بالميت جعلها من ا إلستحالة أن تحب من
جديد ،ثلاثة عشر عاما ولم تستطع أن تحب زوجها ،عبد الله الذي جثا أمامها طالبا
منها أن تمنحه فرصة ،اكتشفت أن حبها له كاذب وانها لتحمل له سوى مشاعر
ا إلعجاب وخاصة أنه كان صديقها الصدوق الذي تتكلم معه في أي شيء بلا خجل أو
خوف.
عبد الله الذي علم أنها تحب شريف واتى معها اليوم إالى حفل التوقيع ،هي تعرف عبد
الله منذ سنوات طويلة ولم تكن تظن أبد ًا أنه قد يلجأ إالى العنف ،لم يكن عنيفا
يوم ًا ،لم يكن ليفعل أي شيء ليؤذيها ،ولكن لم فعل ذلك؟؟
لم طعنني أنا حبيبها ،أو هكذا أظن أنها تحبني ؟؟
طعنني عبد الله وهرب ،والن أنا ارقد على الرض أصرخ من اللم والدماء تخرج من
جنبي ول تستطيع هي مساعدتي ،ل تملك شيء سوى قطعة القماش تلك ،أغلى
شيء تملكه في حياتها ،أغلى من كل ذهبها ومالها ،أغلى من روحها ولكنه ليس أغلى
من شريف!.
188
أخرجت قطعة القماش وتوجهت إالي وضغطت بها على الجرح ،وبعدها غبت عن
الوعي.
وها أنذا ،في تلك المستشفى الجميلة الفخمة التي أراد الكاتب أن يحضرني إاليها كشيء
من التعويض عن البؤس الذي عشته.
تب ًا للكتاب! ،يظنون أن بإاستطاعتهم التحكم في شخصيات كتبهم وانهم يستطيعون أن
يضعوا كل شخص في سيناريومحدد له ،ألم يجد الكاتب حبكة افضل من هذه؟
يجعلني مثل ًا أشتهر ويتحول كتابي إالى فيلم؟؟
لولكنه وضعني في برواز " محلك سر "! " ،أجري جري الوحوش والفشل هو
حليفي دائم ًا "!.
**************
189
35
العادية ،بلا عنوان ..
سها ..
هل تعتقدون أننا نسير في هذه الحياة وفق ًا إلختياراتنا؟
في الحقيقة ،أنا لم أعد أعلم شيء ولست متأكدة من أي شيء ،فبعد طعن شريف
نقلناه أنا وعمر ،إابن صديقتي العزيزة لينا وإاحدى الفتيات التي أتت لتشتري كتاب
شريف إاسمها شيماء في سيارة مدام رغد ،سيدة العمال الجميلة التي صدف أنها كانت
موجودة في المعرض.
كنا نحن الثلاثة وعمر وشريف ،أخذتنا السيدة الجميلة إالى مستشفاها الخاص،
طلبت منها أن تذهب بنا إالى مستشفى عامة لنني أعلم أن شريف ليمتلك المال وانه
لن يقبل أن يأخذ مال من أحد ولكنها اصرت وقالت المستشفى ليست استثمارية
بصورة بحتة بل هي تخصص يوم الخيس إلستقبال الحالت واجراء الكشوفات
والفحوصات لغير القادرين ،واليوم هوالخيس!.
هل تعتقدون أنها كانت تكذب أم أنها مجرد صدفة؟
ل أعلم ولم أعد أعلم شيء وغير متأكدة من أي شيء!.
دخل شريف إالى غرفة العمليات وقام الطباء بعمل اللازم ولكنهم قالوا أنه سيبقى في
غيبوبة لبعض الوقت لنه قد نزف كمية دم كبيرة.
لم ينصرف أي منا ،وددنا لو نبقى بجوار شريف إالى أن يستيقظ ولكن مدام رغد
قالت لنا هيا لكي اوصلكم في طريقي ،ل داعي لبقائنا لن الطباء وطاقم التمريض
سيقومون باللازم .
هل أخبرتكم عن جمال المستشفى ونظافتها؟؟
شعرت وكنها فندق!.
190
قامت رغد أو ًل بإايصال شيماء التي كانت صامتة أغلب الوقت ول تتكلم وإاذا
سألناها عن شيء تجيب بكلمتين أو ثلاثة ،كانت شاردة الذهن أغلب الوقت ،ربما
هي قلقة جد ًا على شريف ،الله أعلم!.
وفي طريقنا إالى حيث نسكن أنا وعمر لننا في نفس المنطقة عرفتني مدام رغد بنفسها
وقالت أنها ودت لو تبقى إالى أن يفيق شريف ولكن إابنها أدم مع المربية وقد يبكي
ويخاف إان لم تعد له ،وبالطبع حالنا كان أكثر منها سوء ًا ،فلم يكن يصح أن نبقى نحن
لننا فتيات وعمرو مجرد طفل ،والكيد أن أهلنا سيقلقون علينا جد ًا.
عرفتني بنفسها وعرفتها بنفسي ،عرفت أنني غير متزوجة وأنني بلا عمل ،كانت
تكلمني بحنان ،كانت تتكلم معي بحب ،لم يكلمني الكثير مثلما كانت تكلمني ،أسلوبها
كان خالي من الشفقة أو التعالي ،تتحدث معي وكنني عادية ،كنني إامرأة مثلها ولست
ذات مشاكل جسدية ،كانت تكلمني كني لم أكن بدينة أبد ًا.
حين وصلنا ،وقبل أن نترجل من السيارة فتحت حقيبتها وأخرجت منه بطاقة فيها
إاسمها ورقم هاتفها وطلبت مني أن أتصل بها في الغد ،حيث لديها عمل لي ،ولي حرية
إاختيار المكان سواء في المستشفى أو المصنع.
أخذت البطاقة منها شاكرة ونزلت ،ولكن قبل أن اغلق الباب يبدو أنها عرفت ما
كنت أنوي فعله فقالت بهدوء:
" نيفين أعطني رقمك لني أخشى أن تضيع البطاقة منك أو أن تتكاسلي في ا إلتصال
بي "!.
هل أنا احلم؟؟
هل يوجد في الدنيا أناس بهذا الجمال وهذا الحب؟
ل أعلم ،ولكن في هذه الليلة تغيرت حياتي ،تغيرت بفضل شريف.
وفي اليوم التالي إاتصلت بي رغد ،وبالفعل ذهبت واتفقنا على أن أعمل لديها في
المستشفى ،إاخترت المستشفى لخدمةالمرضى.
191
كان عمر مغطى بالدم والوقت كان قد تأخر ،لهذا لم أتركه يذهب إالى بيته بمفرده،
ذهبت معه وطرقت الباب وفتحت لنا لينا..
إارتاعت عندما رأت ابنها ملطخ بالدم ،أخبرتها أن كل شيء على ما يرام وهدأت من
روعها إالى أن إاطمأنت ،وأخبرتها ونحن على الباب بكل ما حدث ،إانهارت وإاحتضنتني
وبكت!.
لم أعلم لماذا بكت؟ ،وخاصة أنني أخبرتها أن إابنها بخير وأن الدم ما هو إال دم شريف.
ل يهمني لم كانت تبكي ،كل ما كان يهمني أنها تبكي في حضني.
يبدو أن الليلة هي ليلة سعدي ،فقد طلبت مني الدخول والمبيت عندها لن الوقت
كان قد تأخر ،وهاتفت أمي وقالت لها أني سأبيت عندها الليلة.
ل أؤمن بالنهايات السعيدة ،فأنا أعرف أن النهايات السعيدة في الكتب فقط ول
مكان لها في الواقع ،ولكن يبدو أنني أنا ا إلستثناء لتلك القاعدة ،أنا الن راضية عن
تلك النهاية التي ما كانت ستحدث لول وجود شريف!.
************
192
36
الزوجة ( لينا ) ...
لم أكن أشعر بشيء إازاء خيانتي لزوجي ،لم يؤنبني ضميري ولم أحزن أو أخاف أو
أقلق ،خنته وكنني شربت ماء!.
هل تشعرون بتأنيب الضمير عندما تشربون الماء؟
بالطبع ل!.
خنته وكنني معتادة على الخيانة ،ولكن هذا لم يسعدني ،شعرت بالحزن لنني لم أتأثر،
لنني لم أخاف ،لنني لم أهتم با إلغتسال فور عودتي ،لنني لم أهتم بتغيير ملابسي التي
كانت تحمل رائحة علاء.
حزنت لنني لم أحزن ،حزنت لنني كنت ميتة ،ولكن تلك الليلة عندما عاد عمر
ملطخ ًا بالدماء برفقة نيفين إانتابني الذعر ،من أول نظرة علمت أن إابني سليم وأن هذا
ليس دمه ،ولكن لوهلة تخيلت ماذا لو كان هذا دمه؟ ،ماذا لوفقدت إابني؟ ،ماذا لو
فقدت إابنتي؟ ،أو حتى زوجي الذي لم أعد أحبه؟.
كانت نيفين تروي لي ما حدث وأن شريف هو الذي ُطعن وأنه بين الحياة والموت،
ولكن لم يهمني أي شيء من هذا ،فرغم تقديري لشريف إال أنه مجرد صديق على
الفيسبوك ،أضفته في قائمة أصدقائي منذ ثمانية أشهر ،منذ أن إابتدأت صفحته تلك
في ا إلنتشار.
نعم ،قلت له كل شيء عني ولكن ل تهمني خسارته مثلما تهمني خسارة عائلتي.
تلك الفكرة أرعبتني ،فألقيت بنفسي في أحضان نيفين وبكيت حتى شعرت با إلعياء.
193
37
شريف ..
صديقتي العزيزة /مدام رغد ( ،أم أدم ) ..
شرفني حضورك وشراءك كتابي ،تشرفت أكثر بمعرفة انسانة جميلة وراقية مثلك،
محاربة بحق الكلمة.
كنت أتمنى أن يضيف كتابي إالى حياتك شيئ ًا وتستمتعي بقراءته ولكني أعلم أن
حياتك أكثر تشويقا من كلماتي البائسة!.
كم أنا فخور أنه اتيحت لي فرصة التعرف علي ِك ،رغد صديقتي الجميلة التي تعدى
جمالها شكلها الخارجي ،بل إانه جمال القلب والروح قبل القالب...
دمتي سعيدة ..
وجعل الله إابنك خير سند ل ِك ...
شكرًا لحضورك ولكل ما فعلته لجلي...
أخا ِك /شريف الملواني
كان ذلك ا إلهداء الذي كتبه شريف لنيمفو قبل طعنه بدقائق.
************
194
38
إاستيقظت وتذكرت كل شيء ،لم يمر الكثير من الوقت حتى دخلت علي نيفين
ببدانتها الزائدة وكنها كانت تريد أن تخبرني أنني بالفعل في مستشفى وأنني مازلت
على الرض.
ل يغرني جمال ونظافة الغرفة ول الممرضة المثيرة التي كانت تفحصني منذ قليل ،فها
هي نيفين تدخل لتعيدني إالى المستشفيات العامة النموذجية ،ولكن رغم هذا أشعر
بالسعادة لرؤيتها وخاصة أنها ترتدي الزي الخاص بالمستشفى.
أخبرتني لحق ًا أن رغد عرضت عليها العمل هنا براتب جيد وأنها ستجري لها عملية
تكميم معدة وشفط دهون مجان ًا إان أرادت فعل ذلك.
لم يمر الكثير من الوقت حتى دخل علي صاحب دار النشر بباقة ورد وعلبة
شوكولتة فاخرة ،وعلى وجهه إابتسامة عريضة ل تتناسب مع حالتي وخاصة أنني كنت
على وشك الموت على يد غبي ل أعرفه ،ولكنه شرح لي سبب ذلك وهو أن حادثة
طعني أثارت ضجة في الصحف والكل إاهتم بها وتطرق البعض أن سبب طعني هو ما
كتبته في الكتاب ،ومن تلك اللحظة أصبح إاهتمام الجميع هو الحصول على نسخة من
كتابي لمعرفة ما فيه؟ ،ما الذي أدى إالى طعني؟.
" بلد إاشاعات فعل ًا "! .
وذهب صاحب الدار وذهبت نيفين وبقيت وحدي ،عدلت الوسادة لنام ولكن ظهر
من تحتها ظرف أبيض ،أخرجته فوجدت فيه مبلغ من المال ورسالة من عُمر،
ووجدت بجواره هاتفي ،فتحته وتفحصت رسائلي...
الكثير من الرسائل تتمنى سلامتي وشفائي سريع ًا..
رسالة من مجهول يقول أنه في المرة القادمة سيقتلني فعل ًا إان عدت لل إاقتراب من
فريدة !
" لقد تركتها لك ،ف إاشبع بها " !.
195
أجبت بيني وبين نفسي!...
وبينما أتصفح رسائلي ،رأيت رسالة سمر ،تلك الرسالة التي لم أكمل قراءتها والتي
توقفت فيها عند جملة أنها رأت شبح ًا !.
فتحت الرسالة وأكملت قراءتها لجد أن الشبح الذي رأته ما هو إال إانعكاس وجهها
على المرأة!.
لقد جفلت من شكلها ،يالحماقتها ،ألم تكن تعلم أنها مسخ ِمن قبل؟!
************
196
39
سلام ..
كتب شريف كل هذا الكلام لي ،كتبه لجلي ،وكتب غيره الكثير والكثير ،تغزل بي
وفهمني بأقل الكلمات " ،كان يشعر بي ".
لم يفعل رجل هذا من أجلي من قبل ،فأنا على تويتر منذ سنوات قبل شريف وأنا
التي دليت شريف على طريقه وياليتني ما فعلت!.
ل أعلم إان كان شريف قد أحبني بصدق ،ولكني أعلم أن كلماته قد أثرت بي دائم ًا حد
البكاء.
أنتم تعلمون هذا الشعور ،شعور أن ينتشلك أحد من وسط تيهك ،ينتشلك من
وسط الدوامة ،شخص غريب ل تعرفه رغم تخلي كل من يعرفوك عنك.
هذا كان حالي ،فقد إازدرتني عائلتي ،إازدرى زوجي جمالي لسنوات حاولت فيها
ا إلنتحار عدة مرات ،أدرك أنني سئمت منه ومن الحياة حد محاولة قتل نفسي ولكنه لم
يرتجع.
لم يكف عن ضربي ونعتي بالعاهرة القذرة ،كان يضربني كثيرًا ولننا في دولة اوروبية
كان يهتم بعدم ترك علامات على جسدي حتى ل أفكر في تقديم شكوى ضده.
كان كل ما يهمه أل يترك أثرًا على جسدي ،ولكن ما ل يعلمه أن الثار التي لم تظهر
علي جسدي قد ُحفرت في نفسي وروحي ،تشوهت نفسي وروحي بسبب تلك
الفعال ،بسبب ضربه ،بسبب تعنيفه الدائم لي ،بسبب عدم تقديره لي ولجمالي ول
لوجودي في حياته على القل.
ولكن شريف قد فعل!.
أعلم أن شريف له علاقات نسائية كثيرة في الواقع ا إلفتراضي وأنه ليس بملاك منزل
من السماء ولكنه لم يكتب مثل هذا الكلام إلمرأة غيري .ربما هو على علاقة بهن
197
ولكنه لم يتغزل في إامرأة غيري ،وحتى إان كان كاذب ًا ،فأنا يكفيني هذا الكذب ،كان
كافيا لنقلي من عالمي البائس إالى عالم البشر الذي نفيت منه منذ سنوات طويلة .
نفوني إالى عالم القمع والقهر والكبت ،والن أنا أحيا من جديد..
أنا سلام..
أنا الجعفرية كما يسميني..
يكتب بي قصائد الشعر والغزل ،لول مرة وبسبب شريف تغار مني وتحسدني
النساء لن هناك رجل متيم بي ،أنا حية من جديد ،أشعر لول مرة بهواء الحرية
يدخل رئتاي ،نعم هو ثقيل ويؤلمني ولكني أشعر بالسعادة.
لم تطل علاقتي كثيرًا بشريف ،ولكني غير نادمة على ذلك ،ل أندم فيما يخص شريف
سوى إانني قمت بحظره مرتين قبل أن نصبح أصدقاء ومشروع حبيبين ،أندم لنني لم
أكن أعلم أن علاقتنا ستكون قصيرة إالى هذا الحد ،ربما لو لم أحظره لكسبت شهرًا
إاضافيا في عمر علاقتنا ،ولكن ما كانت حاجتي إالى شريف قبل ذلك اليوم؟
فقدتحدثت إاليه في ذلك اليوم لسبب خفي داخلي حينها ولكني أفهمه الن ،أرسلت
له تلك الرسالة " قصصك تجعلني أبكي "!.
أرسلتها بكل ما بالدنيا وبي من يأس.
أرسلتها كنداء إاستغاثة أخير تطلقه سفينة تغرق في وسط المحيط ،ك إاشارة ضوئية
يطلقها الربان عل أحد يراه ،كصرخات الركاب الهلعة وسط هذا المجهول ،صرخات
بكل ما بهم من قوة عل أحد يسمعهم أو يراهم وينقذهم من هذا المصير.
الغرق ،الموت ،التجمد أحياء ،ولكن ل أحد يسمع ،ل أحد يرى ،فهم وسط
اللامكان حيث ل أحد ،هم يعلمون ذلك ولكنهم يصرخون ،إانها صرخات ل إارادية،
صرخات بلا أمل يصرخون بها لعل يكون هناك أمل!.
وهكذا كنت أنا ،أرسلت تلك الرسالة حين أصبحت حياتي أشد حلكة من ظلام
الليل في غرفة مغلقة ،أرسلت رسالة إاستغاثة للشخص الوحيد في هذه الدنيا الذي
كنت أعلم أنه لن يستطيع فعل شيء إلنقاذي ،لنه بائس أكثر مني! ،ولكني أرسلتها،
198
ربما أرسلتها بلا وعي بسبب خوفي من الموت وأردت أن يكون شريف شاهد ًا على
حياتي وأنني لن أرحل بلا نعي في صفحة مجهولة ،وربما أرسلتها لتكون رسالتي بمثابة
طلب صرخة يصرخها شريف من أجلي عندما تنطفيء شمعة حياتي في مشواري
الذي أسير به وأنا على يقين بأنني ربما ل أعود.
صرخة بلا أمل نصرخها بلا وعي علها تأتينا بالمل ،وقد كان ،أثمرت دعوتي ،أنقذني
شريف وانتشلني!.
لم أكن أظن أن مكسور ًا يمكن أن يجبر مكسور ًا مثله ،ولكن شريف فعل.
لم أكن أظن أن بائس قد يبعث المل في ميت ويعيده إالى الحياة ،ولكن شريف فعل.
أمضى الليلة الولى معي يراسلني بدافع العطف والشفقة ،أنكر ذلك ،ولكني كنت
أعلم إانه يشفق علي كثيرًا ،وما تلا تلك الليلة أنه عشقني ،ذلك الغبي بعدما رأى
ساقي! .
ل يهم ،فساقي كانت أمام زوجي لسنوات ولم يشعر أنها شيء مميز ،ربما يكون شريف
كعازب قد شعر بجمالها لنها لم يذق طعم المرأة من قبل ولكن أطربني مديحه ،طرت
من الفرحة حين قال أن ساقي منحوتة كنها من المرمر البيض.
تطورت علاقتنا بسرعة ،تطورت إالى حد أنني كنت أعرف كل تفاصيل حياة شريف
وهو يعرف تفاصيل حياتي.
تطورت إالى الحد الذي كان كننا نشرب ماء مالح كلما طالت علاقتنا وتعمقت ،كلما
شعرنا بنهم أكثر لنكون سوي ًا ،نهم فرغه شريف في قصائد وكلمات غزل كان ينشرها
على المل ويذيلها بكلمة " إالى جعفرية " ،ذلك ا إلسم الذي لم يعرف أحد من هي
المقصودة به رغم أني كنت أمامهم طوال الوقت ،فهل هناك متعة للنى أكثر من
ذلك؟
لم يكتف شريف بفعل هذا فقط ،بل فعل شيء ل أعرف إان كان صحيح ًا أم ل؟،
ولكنه فعله ،لقد شجعني على خوض علاقة مع مديري السابق!.
199
كنت أعلم أنه متيم بي ولكنه كان يخاف أن يقول لي ذلك ،كان يعلم أن العلاقات
محرمة عندنا في ا إلسلام رغم أننا نعيش في عالم منفتح ،إال أن الكثير منا _ الجيل
القديم على القل _ نلتزم بتعاليم ديننا ،فلا نقيم صداقات بين الرجل والمرأة على
النظام الوروبي ،عندنا إاما زواج وإاما فلا! .
لكن شريف أقنعني أو أنا التي كنت أنتظر أن يؤيدني أحد ،أقنعني بأنه حان الوقت
للخروج من السجن الذي حبسني فيه زوجي ،سجن الخوف من كل رجل ،رؤية كل
رجل وكنه وحش كاسر سيفترسني ،خوفي لم يكن كخوف باقي بنات جنسي ،خوف
البنات والنساء العاديات هو الخوف من ا إلغتصاب والتحرش ،ولكن خوفي كان
خوف من الضرب والقتل والتعذيب ،لقد كنت أرى أي رجل وكنه جلاد يمسك
سوط ًا وأنا المحكوم عليها حكما أبدي ًا بالجلد.
ل أعلم ما الذي حدث بعد ذلك بعلاقتي مع شريف ،ل أعلم إان كان قد نفر مني ولم
يعد يحبني بعدما ضاجعت أندرياس ،ولكني فعلتها بناء ًا على طلبه لنه هو الذي
طلب مني ذلك ،مضاجعة أي رجل حتى وإان كان حقيرًا لن ذلك الرجل لن يكون
سوى خطوة البداية في طريق العودة ،سيكون مفتاح قفل سجني! ،أم هل تغير
بسبب قلة كلامنا ،بسبب ضعف شبكة ا إلنترنت بعدما عاد إالى الصعيد أم بسبب
تلك المرأة فريدة التي راقبته طويل ًا جد ًا؟.
راقبت كل حرف من حروفه علي صفحات السوشيال ميديا وخلصت إالى حقيقة
كتبتها في منشور وأرسلته إالى شريف خلاصته هي أن:
" شريف رجل صعيدي أصيل ،خفيف الروح واللسان ،تمس كلماته القلب وبخاصة
كلمات الغزل لحبيبته جعفرية التي ربما تكون هي مجرد صورة خيالية يبحث عنها أو
عن أجزاء منها في كل إامرأة يقابلها ،ولكن رغم ذلك الحب تجاه تلك المرأة إال أنه ل
يتورع عن مغازلة والتحرش بأي إامرأة جميلة يراها ،ربما هي محاولة من اللاوعي
للتحرر من هذا الحب ،وكنت أنا إاحداهن ،لقد تحرش بي بحدة قبل أن اقوم
200