The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

صرخة سلام. بيتر أرمانيوس

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Ahmed Amin, 2020-01-11 02:05:51

صرخة سلام. بيتر أرمانيوس

صرخة سلام. بيتر أرمانيوس

‫خفت على بتلات تلك الزهرة البيضاء من غبار الفحم العالق بملابسي والمنبعث من‬
‫انفاسي وافكاري‪ ،‬من القذارة التي تغطي يداي ووجهيي‪ ،‬ولكن ليس بعد الن‪ ،‬الن‬
‫أنا في صدد البحث عن رجولتي المهدورة واثباتها‪ ،‬يجب أن أجد أنى أمارس معها‬

‫الحب وإال سأظل قواد ًا إالى البد!‪.‬‬
‫" تب ًا لبسنت‪ ،‬فلتذهب إالى الجحيم‪ ،‬المهم أنا "!‪.‬‬
‫قمت بإانشاء صفحة مزيفة وأضفتها‪ ،‬بدأت في ملاحقتها في كل منشور إاعجاب وتعليق‪،‬‬
‫في البداية كانت تتجاهل وجودي كنني لم اكن موجود َا‪ ،‬ولكن مع الوقت بدأت‬
‫كالعادة أثير فضولها‪ ،‬دخلت تسألني من أنا‪ ،‬فأخبرتها بأنني شخص قريب معجب بها‬
‫منذ زمن طويل وأخشى إاخبارها بإاسمي قبل أن تعطيني الفرصة بتعريفها عن نفسي‪،‬‬
‫عليها أن تعطيني بعض الوقت لنتكلم في أي شيء حتى ل يكون حكمها علي مبني ًا‬
‫على أحكام مسبقة بسبب شكلي أو إاسمي أو بسبب صورة كونتها لي في ظروف‬

‫معينة‪.‬‬
‫طلبت منها أن تسمح لي أن نتعارف كغريبين كما يحدث بين كل رواد السوشيال‬

‫ميديا وعليها أن تمنحني هذا الشرف وخاصة أنني صارحتها منذ البداية‪.‬‬
‫كنت أظن أنه الفضول أو لباقتي هي التي جعلتها توافق على طلبي ولكن الحقيقة‬
‫اكتشفتها بعد ذلك بأربعة أيام وهي أطول مدة زمنية في العالم ا إلفتراضي تتحول فيه‬
‫العلاقة ا إلفتراضية من عرفني أو عرفيني بنفسك إالى أريد رؤية جسمك‪ ،‬ولكن‬
‫إاجابتها على طلبي كانت هي نقطة التحول في حياتي‪ ،‬هي الدفعة التي دفعها لي القدر‬

‫أو أحدهم لي وأنا على حافة جرف أنظر إالى قاعه‪.‬‬
‫دفعتني إالى هاوية السقوط والضياع بإاجابتها أو بالحرى بسؤالها‪ ،‬ل‪ ،‬كانوا سؤالين"!‪.‬‬

‫سألتني لم عليها أن ترسل لي كل تلك الصور وهي ل تعرفني؟ وثاني ًا ماذا ستسفيد‬
‫هي من ذلك؟‬

‫أجبتها على الول بأنني سأعرفها بنفسي وعلى الثاني بأنني سأفعل المثل‪ ،‬فهكذا تحدث‬
‫مثل تلك الشياء والمتعة ا إلفتراضية الحديثة‪ ،‬قالت لي أن مبدأ أن أخبرها بهويتي‬

‫‪151‬‬

‫الحقيقية أم ل يعتبر هو تذكرة الدخول إالى ذلك الباب‪ ،‬باب الخوض في الحديث عن‬
‫الجنس وأما من جهة تبادل الصور والمتعة المتبادلة كما أسميتها فأخبرتني أنها ل تهتم‬
‫بذلك لنها ببساطة ل تميل إالى الذكور!‪.‬‬
‫فقد كانت شاذة!‪.‬‬
‫************‬

‫‪152‬‬

‫" الزوجة " ‪...‬‬

‫لم يعرف شريف من هي صاحبة العادية‪ ،‬لم يسألها لماذا خانتها والعادية نفسها لم تخبره‬
‫رغم أنها كادت أن تفصح عن ذلك في أخر مقال لها‪.‬‬

‫مقال فهم شريف منه أنه ربما تكون صديقتها على حق‪ ،‬لن العادية تعترف بذلك في‬
‫جزء خفي من ضميرها ولكنها ل تريد ا إلعتراف بذلك في وعيها‪.‬‬

‫ذلك السر الذي بسببه تدمرت صداقة دامت لسنوات طويلة تصل لخسة وعشرون‬
‫عام ًا‪ " ،‬ماذا يمكن أن يكون هذا السر؟؟"‬

‫لم يعرف رغم أنه سألها مرة‪ ،‬وعندما تهربت من السؤال لم يعاود سؤالها إالى أن جاءته‬
‫ا إلجابة على طبق من ذهب‪ ،‬جاءته ا إلجابة من حيث لم يتوقع أبد ًا‪ ،‬أجابته صديقتها‬

‫التي لم يكن يعلم ول يظن أبد ًا أنها صديقتها‪ " ،‬أنها الزوجة "!‪.‬‬

‫كانت أقل الشخاص في صندوق رسائل شريف يخصص لها وقت للكلام‪ ،‬ولكنها‬
‫كانت اكثرهم كلام ًا‪ ،‬كان يتكلم معها بين الحين والحين ويتكلم معها هنا المقصود صدفة‬

‫تواجدهما مع ًا أونلاين في نفس الوقت ليرسل لها كلما شعر بأنها شعرت أنه مشغول‬
‫عنها مع شخص أخر بكلمة " وبعدين "‪" ،‬كملي "‪ " ،‬أها "‪ ،‬كلمات تلقائية كان‬
‫يكتبها لها ليوهمها أنه معها ويقرأ كلامها بينما هو مشغول عنها في مكان أخر مع شخص‬
‫أخر‪ ،‬وربما يكون يرد على بعض التعليقات أو يكتب منشور جديد وقصة جديدة‬

‫أرسلها أحدهم له‪.‬‬
‫سأل نفسه لماذا يعاملها بهذه الدونية على عكس عادته؟‪ ،‬ولكنه لم يعرف ا إلجابة‪.‬‬
‫كانت الزوجة تحكي رغم شعورها الخفي بأنه ل يقرأ ما ترسله له‪ ،‬ولكن شريف كان‬
‫يقرأ فعل ًا كل حرف يصل إالى صندوق رسائله‪ ،‬ربما ليس في نفس الوقت ولكن حين‬

‫تتاح له الفرصة‪.‬‬

‫‪153‬‬

‫لم يهمها هذا‪ ،‬فكل ما كان يهمها هو ذلك الشعور بأن هناك من يسمعها‪ ،‬هناك من‬
‫يشعر بها‪ ،‬هناك من يفهمها‪ ،‬هناك من يضحي بوقته للحديث معها حتى وإان كان من‬
‫خلف شاشة مضيئة وحتى إان كان ذلك الشعور كاذب ًا‪ ،‬المهم أنها تشعر به‪ ،‬المهم أنه‬

‫يرد على كلامها حتى وإان كان بالقطارة‪.‬‬
‫كانت مصابة بالفراغ والتيه والخوف وا إلحساس العميق بالقبح والمهانة‪ ،‬ولهذا كانت‬
‫تتوق لي إاهتمام‪ ،‬نعم هي قد صدت شريف في بداية التعارف ولكن هذا لم يكن‬
‫تصنع ًا ولكنه كان خوف من الصد‪ ،‬خوف من ترك جديد‪ ،‬خوف من أن يقال لها‬

‫مجدد ًا إابتعدي عني لم أعد أريدك!‪.‬‬
‫خوف من أن ترسل رسائل استجداء الحب ول تتلقى رد ًا إال بعد شهر ويكون الرد‬

‫هو بعد حين‪.‬‬
‫كانت صدمتها حقيقية بعدما عرفت بخيانة زوجها‪ ،‬عاد بها الزمن إالى الوراء سنوات‬
‫طويلة حينما افتعلت مشكلة مع صديقتها الصدوقة بسبب شيء عادي وهو أن إابنتها‬
‫تعثرت وهي تمشي بجوارها فقامت بنهرها وقالت لها‪ " :‬لم أوقعتي إابنتي؟؟ لم تريدين‬

‫أذيتها؟‬
‫" كانت تعلم جيد ًا أن صديقتها قد تلقي نفسها في النار من أجلها ومن أجل أبنائها‪،‬‬
‫ولكنها كانت قد لحظت نظرات زوجها لها في الفترة الخيرة وأن أحاديثهم قد زادت‪،‬‬
‫هي التي لم تفكر يوم ًا في أن صديقتها قد تكون غيمة سوداء على زواجها أو أن زوجها‬

‫قد ينظر إاليها أو يفكر فيها أبد ًا بسبب وزنها المفرط‪.‬‬
‫" نعم‪ ،‬نيفين كانت بدينة جد ًا جد ًا‪ ،‬ول أتخيل أن ينظر إاليها رجل ويشتهيها‪ ،‬ولهذا‬
‫ظننت حينها أنها هي التي تتحرش بزوجي وتريد سرقته مني‪ ،‬ف إافتعلت تلك المشكلة‬
‫واخرجتها من حياتي وأنا غير أسفة‪ ،‬ولكن يبدو أنني أعاني الن بذنب صديقتي التي‬
‫ظلمتها أو ربما يكون بسبب ذنب اختي التي كنت أعلم أنها كانت تحب زوجي‪ ،‬إابن‬
‫خالتنا وخطفته منها بجمالي لنها لم تكن تمتلك قواما مثلي‪ ،‬كنت أصغر منها وهزمتها‪،‬‬

‫‪154‬‬

‫ولكن هل تعتقد يا شريف أن دعوة ( يقعد لك في عيالك ) من الممكن أن‬
‫تتحقق؟؟‬

‫أنا ل أعتقد ذلك يا شريف‪ ،‬لن أنا ولداي بسم الله ماشاء الله عليهم أية في الجمال‪،‬‬
‫إابني عمر في الصف الثاني ا إلعدادي ومن المتفوقين جد ًا‪ ،‬نعم هو خجول جد ًا‪ ،‬ولكنه‬

‫مؤدب‪ ،‬وإابنتي " نيفين "‪ ،‬التي أسميتها على اسم صديقتي في الصف الخامس‬
‫ا إلبتدائي‪.‬‬

‫وبدأت الحكاية حينما رأت رسائل زوجها وواجهته ولم ينكر ولكنه لم يملك التبرير‬
‫أيض ًا‪ ،‬فقررت أن تراقبه‪ ،‬وما أدراك بحيل المرأة عندما تفكر في ذلك‪ ،‬فقد قامت‬

‫بمزامنة حسابه على هاتفها وبهذا استطاعت أن ترى كل ما يفعله من هاتفها‪،‬‬
‫إاستطاعت أن تقرأ الرسائل المرسلة إاليه بتفعيل ا إلشعارات على الفيس بوك ماسنجر‬
‫دون أن تضطر إالى فتح الماسنجر‪ ،‬وبهذا لن يعلم زوجها أنه مراقب لن ل أحد يرى‬

‫الرسائل قبله‪ ،‬وحدث ما كانت تخشاه أو بالحرى تتوقعه!‪.‬‬
‫لم يتوقف زوجها عن خيانتها‪ ،‬لم يتوقف عن علاقاته الغرامية بنساء على الفيسبوك‪،‬‬

‫نعم نساء‪ ،‬فهن لم يكن إامرأة واحدة‪ ،‬هذا ما اكتشفته في أخر المطاف‪.‬‬
‫كان زوجها حبيب ًا ودنجوان ًا‪ ،‬ولهذا قررت أن تنتقم‪ ،‬لم تطلب الطلاق أو الخلع‪ ،‬لم‬
‫تفكر في قتله أو ا إلنتحار‪ ،‬كل ما قررته هو أن تفعل مثلما يفعل‪ ،‬ستسقيه من نفس‬

‫الكس‪.‬‬
‫وكان علاء هو الوسيلة التي ستفعل بها ذلك أو هكذا ظنت!‪.‬‬

‫من هو علاء ؟ سألها شريف‪.‬‬
‫أخبرته بأنها صراحة ل تعرف من هو أو متى أرسلوا صداقة لبعضهم ومتى قبلوها‪ ،‬كل‬

‫ما تعرفه أنه صديق قديم لديها على الفيسبوك منذ زمن طويل‪ ،‬منذ زمن البدايات‬
‫الولى للفيس بوك في ‪ ،2٠٠٤‬حين كان ل يتعلق بالعائلة والصدقاء المقربين فقط‪،‬‬
‫بل حين كنا نرسل طلبات الصداقة لي أحد ومن أي مكان وننتظر فقط أن يقبل‬

‫‪155‬‬

‫طلبنا ل لشيء سوى لزيادة رقم الصدقاء لدينا‪ ،‬فذلك الرقم كان في يوم ما علامة‬
‫على النجاح في عالم السوشيال ميديا الذي كان جديد ًا على الناس حينها ويريد كل‬

‫منهم أن يظهر بمظهر الخبير‪.‬‬
‫منذ زمن بعيد وانا أرى علاء في قائمة اصدقائي‪ ،‬لم أعرف من هو أو من أين هو ول‬

‫أي شيء‪ ،‬فقط أعرف شكله وأرى صوره ومنشوراته وهو يفعل المثل‪ ،‬وأحيان ًا‬
‫يضغط اعجاب على كتاباتي وأحيان ًا كثيرة ل يفعل‪ ،‬لم اعلق له ولم يعلق لي إال ذلك‬

‫اليوم‪..‬‬
‫اليوم التالي لقراري بأن أنتقم‪ ،‬اليوم الذي صدف أنه كان يوم عيد ميلادي‪.‬‬
‫" أهو القدر ياشريف؟‪ ،‬وهل تلك تعتبر علامة؟‪ ،‬هل من المصادفة أن اليوم الذي‬
‫أقرر فيه ا إلنتقام من زوجي هو نفس اليوم الذي يدخل فيه علاء حياتي‪ ،‬يكون هو‬

‫نفسه يوم ميلادي؟‬
‫" لن اكذب عليك يا صديقي‪ ،‬فأنا إاعتبرتها علامة وموافقة من القدر لي للبدء‬
‫وا إلستمرار في الطريق الذي رسمته لنفسي‪ ،‬علامة لقتل نفسي القديمة وولدة تلك‬

‫النى الجديدة المتمردة‪ ،‬النى التي ستسمح لنفسها بالتحرش بالرجال!‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬كنت قد قررت أن أتحرش بعلاء عندما ارسل لي رسالة على غير عادته في ذلك‬
‫اليوم‪ ،‬ارسل لي رسالة عبارة عن باقة زهور جميلة علمت فيما بعد أنه كان قد اشتراها‬
‫لجلي وارسل لي صورتها وذيل الصورة بجملة " كل سنة وانتي طيبة وعقبال مليون‬

‫سنة سعيدة "‪.‬‬
‫" تب ًا‪ ،‬لقد نسي زوجي عيد ميلادي ولم يفكر أن يهنئني به أو يرسل لي رسالة أو‬
‫يحضر لي هدية‪ ،‬أنا نفسي قد نسيت أن اليوم عيد ميلادي وتذكره هذا الغريب‪ .‬يا له‬

‫من انسان راقي وجميل "!‪.‬‬
‫نعم أعلم دائم ًا أن الفيس بوك يرسل تنبيه للاصدقاء الذين اقترب عيد ميلادهم ولكن‬

‫لم يهتم الكثيرين بعيد ميلادي‪ ،‬أغلب من كانوا يهتمون هم عواجيز الفرح‪ ،‬أقصد‬
‫النساء اللاتي تكون معايداتهم نفاق أكثر من كونها حقيقة مثل ابتسامات عواجيز‬

‫‪156‬‬

‫الفرح والعوانس اللذين يبتسمون للعريس والعروسة وهم يذمونهم ويتتبادلون تعليقات‬
‫الساخرة بينهم وبين بعضهم‪ ،‬ولكن علاء‪ ،‬يا لعلاء‪ ،‬لم يكن منهم‪.‬‬
‫" كان رجل ًا أنيق ًا‪ ،‬يا بخت زوجته به!‪".‬‬

‫شكرته جد ًا على رسالته اللطيفة‪ ،‬ولم اكن لفعل ذلك في اليام العادية وإان كان‬
‫الرجل الذي يراسلني قريب ًا بدرجة ل يصح تجاهل رسالته ف إانني كنت اكتفي بكلمة‬
‫شكرًا‪ ،‬أما علاء‪ ،‬فقد اسهبت في شكره‪ ،‬أخبرته أن رسالته تعني لي الكثير‪ ،‬وخاصة‬
‫أن باقة الورود المصورة تلك يبدو انها صورة لباقة حقيقية إاشتراها أحدهم لحبيبته‬
‫وصورها ونشر صورتها على النت‪ ،‬كم أتمنى أن يكون وفق في مسعاه مع حبيبته‪.‬‬

‫شكرته واخبرته أنني لم اكن اتوقع أن يعايدني وخاصة أننا ل نتكلم كثيرًا‪.‬‬
‫" هذه الباقة حقيقية فعل ًا‪ ،‬لقد إاشتريتها لجلك‪ ،‬اشتريتها وصورتها فقط لكي أقول ل ِك‬

‫عيد ميلاد سعيد "‬
‫" تب ًا‪ ،‬هل يا ترى أنه فعلها حقيقة أم هي محاولة وحيلة جديدة إلصطياد النساء هذه‬

‫اليام؟"‪.‬‬
‫أخبرته أنني ل أصدقه‪ ،‬فما كان منه إال أنه أرسل الكثير من الصور لنفس الباقة‪.‬‬

‫" تب ًا‪ ،‬إان تلك الباقة حقيقة وهي معه الن فعل ًا "‪.‬‬
‫قلت له ربما الباقة حقيقة فعل ًا ولكنها ليست لي‪ ،‬ربما هي لزوجته‪ ،‬أو عشيقته!‪.‬‬
‫وفكر في ضرب عصفورين بحجر واحد‪ ،‬فقال لي أن الباقة موجودة إان أرد ِت مقابلتي‬

‫فسأعطيكي إاياها!‪.‬‬
‫" من يظنني؟‪ ،‬هل يظنني عاهرة أقابله من بعد حديث إالكتروني لم يزد عن ثلاثة‬

‫دقائق؟!‬
‫" ل يا أستاذ‪ ،‬أنا إامرأة متزوجة‪ ،‬إامرأة أحب زوجي واحترمه وهو يحبني وما تقول‬
‫عليه الن ل تفعله إال العاهرات وإان كنت تظن اني احداهن لنني قمت بالرد عليك‬

‫وجاملتك فأنت واهم‪ ،‬أناغير أي إامرأة أنت عرفتها!‪.‬‬

‫‪157‬‬

‫وأغلقت هاتفي وأنا أرتعب‪ ،‬كانت أوصالي ترتعش ل أعلم لماذا؟‪ ،‬ربما هي دفقة‬
‫ادرينالين زائدة لم اكن معتادة عليها أم لنني قلت كلام ًا لم اكن اتوقع أن اقوله خاصة أنه‬

‫كان منافيا تمام ًا لحقيقتي؟‪.‬‬
‫أخبرته بأنني أحب زوجي وزوجي يحبني وهذا ل يمت للواقع بصلة‪ ،‬أخبرته بأنني‬
‫لست عاهرة وأنا في حقيقة المر أتوق لن أصبح عاهرة‪ ،‬أريده أن يعتصرني بين‬
‫ذراعيه كعاهرة رخصية حتى أنتقم من الذي لم يعير أي إاهتمام لمشاعري وأحاسيسي‬

‫وأنوثتي‪.‬‬
‫" نعم تلك الرعشة كانت بسبب تناقضي‪ ،‬كانت كلماتي مناقضة لحقيقتي أو على القل‬

‫ما كنت أنتويه‪.‬‬
‫هل تعرف يا شريف ما هي مشكلة ا إلنسان العصري؟‬
‫مشكلته هي الجبن يا صديقي‪ ،‬ا إلنسان العصري يخشى المجازفة لنه يخاف أن يخسر‬
‫ما لديه رغم أنه من الممكن أل يكون لديه شيء‪ ،‬ولكن هذا اللا شيء يعني له‬
‫ا إلستقرار ويعني له الكثير لهذا يخشى المجازفة‪ ،‬وهكذا كنت أنا‪ ،‬خفت‪ ،‬إانتشيت من‬
‫فكرة كوني عاهرة ولكن المر توقف عند هذا الحد‪ ،‬كنت أستطيع الذهاب بعيد ًا‪،‬‬
‫بعيد ًا جد ًا إالى أبعد مايمكن أن تاخذني افكاري ونزواتي ولكنني خفت!‪.‬‬
‫كنت أستطيع مقابلته مثلما طلب ولم يكن أحد ليمنعني أو حتى ليعرف‪ ،‬كنت‬
‫أستطيع أن أهب له نفسي حينها كما حدث فيما بعد عندما وهبته نفسي وقلبي‬
‫وروحي ولكني خفت‪ ،‬نعم قد أقول أن الله حفظني حينها‪ ،‬ولكن حقيقة المر أنني‬
‫خفت‪ ،‬جاءني شك ضعيف حينها يكاد ل يسمع صوته بأنه ليحبني كما يقول‪ ،‬وإان‬
‫هذا هو كل ما يريده‪ ،‬أن ينام معي ومن بعدها سيرمي بي عند أول منعطف وينعتني‬
‫بالعاهرة والقذرة‪ ،‬جاءني شك أن ذلك ربما يكون ليس حب ًا‪ ،‬بل هو مجرد إانتقام من‬

‫زوجته من خلالي‪ ،‬ولهذا لم أمكنه من نفسي‪.‬‬
‫سألها شريف‪ " :‬وزوجك ؟!"‬
‫زوجي؟!‬

‫‪158‬‬

‫منذ أن عاد من الكويت منذ أربعة سنوات وهو الحاضر الغائب يا صديقي‪ ،‬عاد‬
‫ليكون معنا كما قال‪ ،‬عاد ليربي اولده لن المال ل يساوي ضحكة من ثغر ابنائه‪ ،‬مال‬

‫الدنيا ليساوي ضمة من حضن زوجته‪ ،‬عاد ليكون لي حصن وسد حتى ل تفرقنا‬
‫وتضيعنا الغربة‪ ،‬ويالته ما عاد لنه عاد متأخرا جد ًا‪ ،‬عاد متأخرًا بعدما فقد الحب‪،‬‬

‫وبعدما فقد ذلك البريق الذي كنت أراه كلما نظر إالي‪.‬‬
‫هل هذا لنني تغيرت مثلما يقول؟ هل لنني اكتسبت بعض الوزن ( لن أقول الكثير‬

‫جد ًا مثلما يقول هو) وفقدت جاذبيتي في عينيه؟؟‬
‫هل إاذا عاد الزمن وسألته" ستحبني في السراء والضراء‪ ،‬في الصحة والمرض‪ ،‬حين‬
‫أكون جميلة وحين يذبل جمالي‪ ،‬اذا ما نشف لحمي وأصبحت جلدا على عظم واذا ما‬

‫اصابني مرض الفيل؟؟‬
‫هل تظن أنه لن يجيب بنعم‪ ،‬سأحبك دائم ًا وأبد ًا‪ ،‬سأحبك في كل اشكالك‬

‫وحالتك؟؟‬
‫أنا أظن أنه كان سيجيب بنعم مثلما يجيب كل الرجال الذين يسألون قبل الزواج‪،‬‬
‫ولكنني لم أساله لنني كنت صغيرة حينها‪ ،‬ولكن حتى الذين سألوا وتلقوا ايجابات‬

‫ووعود بالبقاء أظن انهم الن يعانون مثلما اعاني‪.‬‬
‫كاذبون ومخادعون انتم ايها الرجال‪ ،‬كاذبون وتسوقكم شهواتكم وفي سبيل اشباعها‬
‫توعدون بأغلى الوعود وأثمنها‪ ،‬ومن أجل الفوز بإامرأة ل تتوانون أن تزحفوا على‬
‫بطونكم كالحيات خلفها ولكنكم ما أن تمتلكتوها حتى سريع ًا ما تسأمون منها‪ ،‬كالوردة‬
‫الجميلة التي تلقيها عنك بعدما تكون قد افرطت في تنشق رائحتها الجميلة العطرة حتى‬
‫أصبت بالسعال‪ ،‬تلقي الوردة التي تسلقت سور جارك لسرقتها وخدشت يداك‬
‫وسال دمك لجلها‪ ،‬تلقي الوردة التي لجل الحصول عليها تمزق حذاءك واتسخ‬
‫لباسك فقط لنها اصابتك بالسعال بسبب إافراطك في تنشق رائحتها‪ ،‬تدوسها لنك‬

‫تظن أنها هي سبب سعالك ل غبائك أنت!‪.‬‬

‫‪159‬‬

‫إاستأذن شريف منها لنه مضطر للذهاب الن ولكنه طلب منها استكمال قصتها وانه‬
‫سيقرأها فيما بعد‪ ،‬وياليته ما إاستأذن‪ ،‬ربما لكان إاستطاع إانقاذها‪.‬‬

‫كان شريف رجل ًا أخر من الرجال الذي دفعوها في هوة الضياع والتيه بتجاهلهم لها‪،‬‬
‫هي لم تطلب سوى بعض ا إلهتمام حتى وإان كان كاذب ًا‪ ،‬ولكن لم يعطه لها أحد‪ ،‬وربما‬

‫هم كانوا مجرد بيادق على رقعة حياتها يحركها القدر لل إانتقام منها مما فعلته‪.‬‬
‫شعرت لينا با إلحتقار عندما إاستأذن منها شريف بسبب إانشغاله وظنت أنه يهرب‬
‫منها بطريقة مؤدبة لنه بلا عمل‪ ،‬لنه في القرية‪ ،‬ولهذا قررت أن تتصل بمن يتمنى منها‬

‫الرضى‪ ،‬إاتصلت بعلاء وأخبرته أنها موافقة على مقابلته!‪.‬‬
‫" حدد المكان والزمان‪ ،‬أناقادمة إاليك "!‪.‬‬

‫***********‬

‫‪160‬‬

‫‪27‬‬

‫نيمفو ‪..‬‬

‫جاء اليوم المرتقب الذي إانتظرته طويل ًا‪ ،‬إانه الخيس ‪ ١٥‬فبراير‪ ،‬اليوم المرتقب لتوقيع‬
‫كتاب شريف‪ ،‬اليوم الذي إانتظرته بفارغ الصبر وأظن أن الكثيرين مثلي إانتظروه‪،‬‬

‫فبعدما مسح شريف منشوراته من على صفحته بعد تلقيه عرض ًا مغريا من دار نشر‬
‫طلبت منه جمع ما كتبه على الصفحة في كتاب وهم سيتكفلون بطباعته ونشره مع‬
‫تخصيص نسبة عشرين في المائة من المبيعات لصالحه‪ ،‬كانت تلك النسبة كبيرة جد ًا‬
‫بالنسبة لكاتب مبتديء ولكن لن صفحة شريف معروفة وله الكثير من المتابعين‬
‫ف إانه كان يعتبر صيد ًا ثمينا بالنسبة للدار وليس العكس‪ ،‬كتب شريف منشور يسأل‬
‫فيه المتابعين عن رأيهم إاذا ما كان يجب أن يقبل هذا العرض أم ل؟‪ ،‬وخاصة أبطال‬
‫المنشورات الذين كنت أنا واحدة منهم‪ ،‬وجاءت أغلبية التصويت بالموافقة‪ ،‬فمسح‬
‫شريف المنشورات‪ ،‬وجمعها في كتاب‪ ،‬نُشر في معرض القاهرة الدولي للكتاب‪.‬‬

‫وجاءت المبيعات كما توقعتها وتوقعتها الدار وليست كما توقع شريف‪ ،‬فهو كعادته كان‬
‫يخاف الفشل‪ ،‬كان يظن أن الكتاب لن يُباع بالعدد الكافي حتى لجمع تكاليف طباعته‬
‫وخاصة أن الناس يعرفون أغلب محتواه حتى بعدما أشار في منشوره أنه سيضيف‬
‫عليه قصص جديدة وأحداث جديدة خاصة بالبطال القدامى‪ ،‬ولكنه كان على يقين‬

‫أنه لن يهتم الكثيرين لمعرفة الجديد وخاصة إان كانوا سيدفعون لقاء ذلك‪ ،‬فهو مقتنع‬
‫تمام ًا أن الناس تحب الشيء المجاني‪.‬‬
‫هكذا ظن وخاب ظنه‪..‬‬

‫ونُشر الكتاب‪ ،‬وكان ا إلقبال عليه كبيرًا‪ ،‬ولهذا قرر عمل حفل توقيع إاحترام ًا للقراء‬
‫الذين تعبوا واهتموا بشراء كتابه رغم أنه كان يرفض حفل التوقيع رفض ًا تام ًا ولكنه‬

‫تنازل إاحترام ًا للروح الطيبة للقراء‪.‬‬

‫‪161‬‬

‫أعلن على صفحته أن حفل التوقيع سيكون يوم الخيس الموافق الخامس عشر من‬
‫شهر فبراير الساعة السادسة مساء ًا حتى الساعة الثامنة‪" ،‬تب ًا!‪ ،‬هذا يعني أنه بعد‬

‫خمسة أيام وأنا ليس لد ّي شيء مناسب لرتديه لتلك المناسبة الجميلة "!‪.‬‬
‫لم أقابل شريف وجه ًا لوجه من قبل‪ ،‬لم يعرف شكلي أبد ًا‪ ،‬لم اكلمه ل صوت ول‬
‫فيديو ول أرسلت له أي صور لي‪ ،‬كان شريف أقرب الناس لي في هذا العالم وأبعدهم‬

‫عني‪ ،‬هو الوحيد الذي عرفني وعرف سري الذي لم يكن يعلمه غيري والله‪ ،‬ولكنه‬
‫كان ل يعرف شكلي ولم يقابلني ولن يعرفني ول يقابلني إال في حفل التوقيع‪..‬‬

‫حفل توقيع كتابه "صرخات مكتومة" الذي أحتل فيه جزء ًا كبيرًا باسمي المستعار "‬
‫نيمفو "‪.‬‬

‫وكعروس ينتابها القلق المستمر والمحموم من يوم زفافها‪ ،‬فهيي عليها أن تختار فستان ًا‬
‫جميل ًا يبهر الحضور ويجعلهم يتحدثون عنه وعن شياكته وعن جمالها فيه لفترة طويلة‪،‬‬
‫وعليها أن تختار كوافيرًا جيد ًا يجيد التعامل مع بشرتها الدهنية وشعرها الخشن ويخفي‬
‫عيوب وجهها ويحولها إالى حورية تبهر الناظرين‪ ،‬هكذا كنت أنا‪ ،‬خمسة أيام قست‬

‫فيها كل ملابسي التي في خزانتي أكثر من مرة‪ ،‬كلما إارتديت فستان ًا ل أرضى عن‬
‫شكلي في المرأة‪ ،‬فألقيه جانب ًا وأرتدي غيره وغيره وغيره ومن ثم أعيد إارتداءهم من‬
‫جديد مع تغيير ا إلكسسورات ولم تعجبني النتيجة أيض ًا‪ . ،‬إارتديتهم مع تغيير الحذية‬
‫أو الحزام أو محاولة الجمع بين قطع من أكثر من فستان‪ ،‬غيرت تسريحة شعري‪ ،‬جعلته‬
‫ينساب على كتف ّي بحرية‪ ،‬جمعته في كعكة كبيرة‪ ،‬ربطته من الخلف كذيل حصان‬

‫ولكن لم يعجبني شيء!‪.‬‬
‫"تب ًا لك يا شريف!‪ ،‬من أنت حتى أحتار كل هذه الحيرة من أجل لقاء لن يستمر‬

‫أكثر من دقيقتين؟!"‪.‬‬
‫اليوم الخيس‪ ،‬الساعة الحادية عشرة صباح ًا كنت قد قررت أنني لن اذهب إالى حفل‬
‫التوقيع‪ ،‬فأنا ل يوجد لد ّي ما أرتديه‪ ،‬أكثر من خمسون فستان ًا ما بين فساتين سهرة‬

‫وفساتين كلاسيكية وفساتين رسمية واكثر من ستون طقما كاجوال من بنطلونات‬

‫‪162‬‬

‫جينز‪ ،‬غير الحذية وا إلكسسورات لم أجد بينهم ما يستحق أن أرتديه‪ ،‬ثروة صرفتها‬
‫لشراء هذه القمامة من أشهر الماركات العالمية وها هي الن ل تُسعفني حينما احتجت‬

‫إاليها‪.‬‬
‫"لن اذهب وليذهب شريف إالى الجحيم "!‪.‬‬
‫حاولت أن أضيع الوقت في النوم حتى ل أفكر في ذلك الموضوع ولكن إابني أيقظني‪،‬‬
‫قال أنه يريد أن يلعب معي‪ ،‬يريد أن يخرج‪ ،‬ل يريدني أن انام في أكثر اليام التي‬
‫أريد أن انام فيها‪ ،‬أكثر اليام التي أريد الهرب فيها من الواقع‪ ،‬ولكنه إابني الذي ل‬
‫أستطيع أن ارفض له طلب‪ ،‬إابني أدم‪ ،‬أغلي ما لد ّي في هذا العالم‪.‬‬
‫نهضت وألبسته ولبست‪" ،‬تب ًا ما كان أسهل إاختيار طقماً ملائما للخروج مع إابني "!‪.‬‬
‫ذهبنا إالى مطعم لنفطر سويا‪ ،‬وبينما نجلس بجوار النافذة في إانتظار نزول طلباتنا‬
‫كنت أتأمل الشارع وأفكر في اللا شيء‪ ،‬إالى أن كاد أن يصدم شاب يركب دراجة‬
‫عجوز ًا كان يسير أمامه على مهل‪ ،‬ولكن قبل أن يلمسه بسنتيمترات قليلة تدارك‬
‫الشاب نفسه وفرمل الدراجة بقدمه ومال على جنبه حتى سقط وكاد أن يكسر‬
‫زجاج محل الملابس‪ ،‬تب ًا‪ ،‬محل ملابس‪ ،‬جميلة هي تلك البدلة السوداء التي ترتديها‬
‫تلك المانيكان‪ ،‬بدلة سوداء مطرزة الكمام والياقة بخيوط ذهبية وحزامها من الجلد‬
‫البني مع بضع دبابيس ذهبية‪ ،‬هذه البدلة مع الجزمة البنية عالية الكعب التي عندي‬
‫ستكون مناسبة جد ًا لحفل توقيع الكتاب‪ ،‬فهيي بسيطة وجميلة وغير فاضحة وشيك‬
‫جد ًا‪ ،‬أنهيت فطاري على عجل وأخذت إابني وذهبت لشتريها!‪.‬‬
‫وذهبت إالى معرض الكتاب‪ ،‬إالى الصالة التي من المفترض أن يكون حفل التوقيع‬
‫فيها‪ ،‬زحام على تلك الطاولة الصغيرة التي يجلس خلفها شاب لم أستطع تبين ملامحه‬

‫بسبب الزحام‪.‬‬
‫كان يوجد أكثر من حفل توقيع في نفس الوقت ولكن ل يوجد زحام على أحد مثل‬

‫الذي على حول هذه الطاولة‪ ،‬يبدو أنه شريف‪ ،‬الكل يمسكون كتابه في أيديهم‬

‫‪163‬‬

‫ويقفون في طابور طويل ذكرني بطوابير العيش التي كنّا نراها أمام كل مخبز قبل ثورة‬
‫يناير‪" ،‬من الجيد أنني تركت إابني مع الدادة لنه يبدو إانني سأتاخر هنا كثيرًا "‪.‬‬

‫ُدرت في المكان اتفحص المعروضات من الكتب‪ ،‬هذا المكان هو بالحق جنة الق َّراء‪،‬‬
‫الكتب في كل مكان وتتحدث عن كل شيء لمختلف الكتاب من كل أنحاء العالم ولكن‬
‫كل هذا ل يهمني‪ ،‬كل ما يهمني هو شريف‪ ،‬أراه الن من الخلف‪ ،‬شاب أسمر طويل‬
‫ورفيع‪ ،‬شعره الخشن بعض الشيء وانفه الحاد الجميل‪ ،‬حواجبه المقوسان فوق عينيه‬
‫بغزارة‪ ،‬يأخذ الكتاب من الواقف أمامه ويسأله عن إاسمه وبعدها ينكب على الكتاب‬

‫ليكتب له إاهداء رقيق ويعيد الكتاب مرة أخرى إالى الواقف أمامه بإابتسامة عذبة‬
‫جميلة‪ ،‬وقفت أراقبه يكرر الفعل مرة من بعد مرة حتى صرت أبتسم كلما إابتسم إالى‬

‫أحد وكنه يبتسم لي!‪.‬‬
‫"يالي من مراهقة "!‪.‬‬
‫وبدأ الزحام يخف بعد ساعة ونصف مرت كنها دقيقة وأخذت مكاني في الطابور‪.‬‬
‫يقترب الطابور ببطء من الطاولة حيث يجلس هذا السمر‪.‬‬
‫خمسة أفراد يفصلون بيني وبينه‪ ،‬ها هو صوته يصل إالى أذني‪ ،‬أسمعه يحيي الواقف‬
‫أمامه مصافح ًا إاياه‪ ،‬إاذ كان رجل ًا‪ ،‬يقول له لقد شرفني حضورك ويأخد منه الكتاب‬
‫ويسأله عن إاسمه‪ ،‬يَ ُصمت بضع ثواني ثم يعيد إاليه الكتاب متمني ًا له قراءة ممتعة‪.‬‬
‫" هل سيعرفني شريف عندما أخبره كما إاتفقنا؟؟ سألني كيف سأعرفك؟‪ ،‬فقلت له‬
‫أنني سأقول لك‪ :‬أنا رغد‪ ،‬صديقتك "‪.‬‬
‫وها أنا ذا أقف أمامه ‪..‬‬
‫إابتسم لي‪ ،‬مد يده لياخذ الكتاب ولكني ظننت أنه يريد أن يصافحني أو هكذا أردت‬
‫أنا‪ ،‬أن ألمس يديه‪ ،‬مددت يدي بدل الكتاب‪ ،‬إارتبك ونهض من مجلسه‪ ،‬مد يده‬
‫وصافحته‪ ،‬أحسست بإارتباكه وأدركت حينها أنه لم يكن يصافح النساء لن ذلك من‬
‫ا إلتيكيت أن ل يبادر هو بالمصافحة‪ ،‬ولكن ل يهم إان كان يصافح أم ل‪ ،‬فأنا الن‬
‫أصافحه ويدي تعانق يده‪.‬‬

‫‪164‬‬

‫"تشرفت بمقابلتك" ‪..‬‬
‫"شك ًرا ل ِك" ‪..‬‬

‫كان إارتباكي أشد منه‪ ،‬وكان هو مثلي‪ ،‬لم يستطع التحكم في إانفعالته‪ ،‬نسيت يدي في‬
‫يده حتى أشار بيده اليسرى وقال‪" :‬الكتاب"!‬

‫هنا انتبهت أنني هنا لتوقيع نسختي من الكتاب‪" ،‬ماذا أفعل لتدوم هذه اللحظة إالى‬
‫البد؟ "‪.‬‬

‫أخذه وسألني بإابتسامة‪ :‬ما إاسمك؟‬
‫"رغد‪ ،‬صديقتك "‪...‬‬

‫لحظة صمت‪ ،‬أو هي لحظة تيه صغيرة كنه كان يريد أن يسأل إان كنت أنا نيمفو أم‬
‫ل؟‪ ،‬ولكنه خشي أن يسأل واكتفى بالنظر إالى عيوني‪ ،‬رأيت السؤال هناك يقف‬

‫فأجبته بإايماءه من رأسي ونظرت إالى كتابي فيما معناه أنه أنا‪...‬‬
‫أنا نيمفو‪ ،‬صديقتك‪...‬‬

‫وما حدث بعد ذلك لم أكن أتوقعه أبد ًا!‪.‬‬

‫***************‬

‫‪165‬‬

‫‪28‬‬

‫الزوجة " لينا " ‪..‬‬

‫ذهبت وقابلت علاء‪ ،‬ذهبت وأنا بداخلي غضب من من الدنيا كلها ومن كل ذكورها‬
‫وأولهم زوجي وأخرهم علاء‪.‬‬

‫زوجي الذي تركني صيد ًا سهل ًا لغيره‪ ،‬تركني ألهث خلف كل ذكر في محاولة إاستدرار‬
‫بعض ا إلهتمام‪.‬‬

‫في البداية كنت أريد أن أنتقم لكرامتي منه ولهذا سمحت لعلاء بالتقرب مني وكالعادة‬
‫كلما اختلى رجل بإامراة إال وكان الشيطان ثالثهما‪ ،‬ل يهم أين ومتى كان ا إلختلاط!‪،‬‬
‫وصلت أحاديثنا أنا وعلاء إالى الجنس‪ ،‬ل أعلم إان كانت تلك خطة قد رسمها هو من‬

‫الول أو إان كانت تلك رغبتي الدفينة لشفاء غليل ا إلنتقام عندي؟‪.‬‬
‫ولكن هذا ما حدث‪...‬‬

‫تحدث كثيرًا عن مشاكله مع زوجته وكيف أنها ل تشبعه جنسي ًا‪ ،‬هي باردة كجثة‬
‫وبالتالي ُبحت له بحكايتي وبرود زوجي معي‪ ،‬وسرعان ما تطورت العلاقة إالى جنس‬

‫كتابي‪ ،‬مارست الجنس معه وانتشيت بدون لمس‪...‬‬
‫خنت زوجي‪...‬‬
‫إانتصرت‪...‬‬

‫ولكن ل أعلم لم طاردني عذاب الضمير؟‪.‬‬
‫إاحساس مفرط بالذنب حاولت قتله بمحاولت بائسة للتقرب من زوجي‪ ،‬حاولت‬
‫إاستدرار كلمات الحب منه‪ ،‬إاحتضنته رغماً عنه فأبعدني‪ ،‬جلست عارية أمامه لعلي‬

‫أثيره فصفعني!‪.‬‬
‫" تب ًا لك أيها الغبي‪ ،‬إانك فعل ًا تستحق إانتقامي "!‪.‬‬

‫‪166‬‬

‫شعرت حينها با إلهانة ورضيت عن إانتقامي له‪ ،‬رضيت بكل فخر وسعادة بكل تلك‬
‫اللفاظ التي كان يتلفظ بها علاء أثناء علاقتنا ا إلفتراضية " عاهرة‪ ،‬كلبة‪ ،‬قذرة "!‪.‬‬
‫ألفاظ مثل تلك وغيرها قال أنه يحب قولها وتشعره بالمتعة وأنا شعرت حينها بالمهانة‪،‬‬

‫ولكن بعدما صفعني زوجي شعرت أنها تمثلني فغمرتني سعادة غريبة‪.‬‬
‫أمسكت هاتفي‪ ،‬وكتبت رسالة إالى زوجي على الواتساب بعد أن صفعني هذا نصها‪:‬‬

‫" زوجي الحبيب هذا هو نداء إاستغاثتي الخير‪ ،‬أرسله لك‪ ،‬أرسل لك إاستغاثتي‬
‫لتنقذني‪ ،‬إاستغثت بك كثيرًا أن تنقذني ولكنك لم تستجب‪ ،‬بل إانك لم تسمع‪ ،‬هذا‬
‫هوندائي الخير‪ ،‬أنقذني‪ ،‬أولني بعض عطفك وحنانك الذي تنثره مجان ًا على عاهراتك‪،‬‬
‫أعطني بعض الحب وا إلهتمام لنني على وشك أن أتحول إالى عاهرة أحدهم‪ ،‬أنقذني‪،‬‬
‫إان لم يكن لجلي فلجلك‪ ،‬لجل إاسمك لنني إان انجرفت سألطخه في الوحل إانتقام ًا‬

‫منك!‪.‬‬
‫انقذني يا زوجي من أجل أولدنا‪ ،‬انقذني من أجل عمر وسها‪ ،‬انقذني فانا أشعر أنني‬
‫لم أعد أحبك واحب علاء أكثر منك وحبي له يقودني إالى تنفيذ طلبه وهو أن نلتقي‬

‫وأنت تعرف جيد ًا نتيجة لقائنا"!‪.‬‬
‫ولكنني لم أرسل الرسالة‪ ،‬بل مسحتها‪ ،‬حاولت ا إلستنجاد بشريف الذي كان القشة‬
‫الخيرة التي تعيدني إالى الواقع وتخمد نيران انتقامي ولكنه تعلل أنه مشغول وتركني‪،‬‬

‫فلم أجد أمامي سوى أن أنتقم‪.‬‬
‫إاتصلت بعلاء وقلت له أنني موافقة على شروطه‪ ،‬سأقابله في شقته حيث أن زوجته‬

‫واولده كانوا قد نزلوا إالى المنصورة لزيارة أهلها وأصبح هو لوحده في الشقة‪،‬‬
‫وذهبت له وكان ما كان‪ ،‬ولكنني لم أشعر بالندم!‪.‬‬

‫*************‬

‫‪167‬‬

‫نيمفو ‪..‬‬

‫أدرك أنني أنا العاهرة‪ ،‬أنا نيمفو‪..‬‬
‫كنت انتظر أن أرى صديقي الذي ساندني طوال ثمانية أشهر‪ ،‬صديقي الذي اقنعني‬
‫أنني اشرف من نساء كثيرات‪ ،‬كنت اتوقع حضن ًا أبكي عليه بدل من وسادتي البالية‪،‬‬

‫ولكن ماذا وجدت؟!‬
‫وجدت عينه تتفحصني من حيث كانت تقف أخر مرة‪ ،‬عينه التي كانت تنظر في‬

‫عين ّي لتتأكد إان كنت أنا نيمفو أم رغد العادية‪ ،‬وبدأت عيناه تنزل إالى شفت ّي‪،‬‬
‫تفرست ببطء في تفاصيل وجهيي‪ ،‬نزل إالى رقبتي ومنها إالى صدري وبطني وخصري‪،‬‬
‫نزل إالى اسفل‪ ،‬إالى أن وصل إالى ركبتي‪ ،‬لم ينزل إالى حذائي فما تحت الركبة لم يهمه‪،‬‬
‫ولم يصعد إالى شعري فما فوق الشفاه ل يهمه‪ ،‬تفرسني صديقي كعاهرة‪ ،‬نظر إالي كما‬
‫اعتاد الرجال النظر لي‪ ،‬كنت اظنه مختلفا ولكنه كان مثلهم جميعا‪ ،‬هم كانوا يفترسوني‬

‫بأعينهم في غرف مغلقة أو من خلف ظهري وهو يفترسني بعينيه علانية‪ ،‬هنا في‬
‫صالة معرض الكتاب‪ ،‬هنا أمام هذا الطابور الواقف خلفي‪ ،‬هم كانوا يفحصون‬

‫جسدي ويغتصبونه بأعينهم لنني كنت أمامهم عاهرة‪ ،‬وهم كانوا قد دفعوا لقاء وطئي‪،‬‬
‫أما هو‪ ،‬هوصديقي‪ ،‬هو الذي ظننت أنه الرجل الوحيد في كل الدنيا الذي يفهمني‪،‬‬
‫الذي يراني شريفة‪ ،‬طالت نظرته وطال صمتي‪ ،‬تغرغرت عيناي بدمعة أمرتها أن تقف‬
‫هناك‪ ،‬أن تتسرب وتختفي من حيث أتت‪ ،‬إاختفت دمعتي المتحجرة في عيني ولم‬

‫يبقى منها إال لمعة كستها‪ ،‬وعاد إالى عين ّي من جديد وقرأ افكاري‪ ،‬إانكسرت عينيه‬
‫ونظر إالى الكتاب الموضوع على الطاولة‪" ،‬هذا هو صديقي‪ ،‬هذا هو الرجل الذي‬
‫أنار دربي‪ ،‬هذا هو شريف‪ ،‬الرجل الوحيد الذي عرفته في حياتي‪ ،‬رجل بحق "‪.‬‬
‫فاجأني بطلبه أن أبتعد عنه مسافة ليكتب ا إلهداء في كتابي‪ ،‬انصرفت عنه‪ ،‬ابتعدت‬
‫بعض الشيء‪ ،‬جلس وبدأ يكتب في كتابي‪ ،‬أخفى ما يكتبه بغلاف الكتاب حتى ل‬
‫يراه الواقف أمامه الذي كان يقف خلفي‪ ،‬سطور كثيرة كتبها‪ ،‬أراه من بعيد وافكر‬

‫‪168‬‬

‫ياترى ماذا يكتب‪ ،‬يقتلني الفضول‪ ،‬في خلال الساعتين اللتين راقبته فيهما لم يطل‬
‫الكتابة هكذا لي أحد سواء كان يعرفه أم ل!‪.‬‬

‫وإانتهيى‪ ،‬أشار لي أن اتي لخذ كتابي‪ ،‬بكل لهفة أخذته‪ ،‬أعطاني الكتاب وقال لي "‬
‫أسف‪ ،‬واتمنى إانك تقرئيه بعدما تخرجي من هنا "!‪.‬‬

‫شكرته بصمت‪ ،‬أخذت الكتاب وذهبت‪ ،‬لم ابتعد كثيرًا حتى فتحت الغلاف لقرأ ما‬
‫كتبه لي‪ ،‬قرأته وسالت دموعي‪ ،‬بكيت‪..‬‬

‫هذه المرة تركت دموعي تنساب بغزارة‪ ،‬لم أعد اعي أين أنا ولم يعد صخب الزحام‬
‫المحيط بي يتسرب إالى اذن ّي‪ ،‬كنني في فراغ‪ ،‬أنا والكتاب ودموعي‪ ،‬قرأت ا إلهداء‬
‫حرف حرف بترو وتمعن ودموعي تعاند رؤيتي‪ ،‬لم اكن إابتعدت عن الطاولة إال بضع‬
‫خطوات إال أنني كنت في عالم أخر عالم من الرضى والسعادة‪ ،‬شعرت لول مرة منذ‬
‫هروبي من بيت والدي بالتقدير‪ ،‬كانت كلمات شريف كشهادة تقدير لي‪ ،‬كصك‬
‫غفران منح لي لعبور بوابات الجحيم السبعة إالى باب الجنة‪ ،‬هل عرف با إلتفاق‬

‫الذي أجريته مع صاحب دار النشر ياترى؟؟ "‬
‫كنت مغيبة عن العالم الذي حولي ولم يوقظني منه إال صرخة فزع سمعتها فجأة‪ ،‬وجملة‬

‫صارخة قائلة " أنت ل تعرفني يا شريف ولكني سأكون أخر من تراه عيونك حتى‬
‫تعرف جزاء خطفك لحبيبتي "!‬

‫إاستدرت بفزع لرى ماذا يحدث‪ ،‬ولم أرى إال تلك السكينة مغروسة في جنب‬
‫شريف وهو يصرخ من اللم‪ ،‬الدم يتسرب من جرحه والفزع يعم المكان ول أثر لمن‬

‫طعنه!‪.‬‬

‫***********‬

‫‪169‬‬

‫‪29‬‬

‫المكان ‪ :‬معرض القاهرة الدولي للكتاب‬
‫الزمان ‪ :‬الخيس الموافق الخامس عشر من شهر فبراير ‪2٠١٨‬‬

‫لم أعتاد يوم ًا على الزحام ولم أحبه‪ ،‬ولكن اليوم ل‪ ،‬فاليوم يوم عيد كما قالت المغنية‬
‫المشهورة‪.‬‬

‫اليوم أنا أحب الزحام واعشقه لن الزحام يعني أن الكثيرين قد أتوا لشراء كتاب‬
‫شريف‪.‬‬

‫شريف الذي أتمنى له النجاح لنه هو صديقي رغم أنني لم اقابله من قبل في حياتي‪،‬‬
‫واليوم هو موعد لقائنا الول والخير‪ ،‬ولكن ل يهم‪ ،‬كل ما يهمني أنه بالنسبة لي بمثابة‬

‫اخ كبير‪ ،‬مرشد يرشدني ويساعدني ويمدني بالفكار والتشجيع الذي أواجه به بؤس‬
‫حياتي‪ ،‬شريف هو الشخص الوحيد في هذه الدنيا الذي قلت له عن طقوسي المجنونة‬

‫أمام مرأتي‪ ،‬تلك المرأة التي اعتبرتها صديقتي لسنوات طويلة جد ًا ل أذكر عددها‪،‬‬
‫كانت صديقتي بعد أن باعتني صديقتي واتهمتني بأنني اؤذي ابنتها وأنني اغار منها ومن‬

‫اولدها وانني ل أذهب لزيارتها سوى لمغازلة زوجها ومحاولة سرقته منها!‪.‬‬
‫صديقتي التي احببتها أكثر من نفسي تتهمني بأنني أريد أذيتها في زوجها وأولدها؟؟!‬
‫ل انكر أنني كي إانسان من لحم ودم‪ ،‬كانت تلمع في عيني نظرات الفرح والتمني أن‬
‫أكون مكان صديقتي ولو لثانية واحدة في حضن من تلك الحضان السريعة الخاطفة‬
‫التي كان يحضنها لها زوجها في حضوري‪ ،‬وأحيان ًا أتمنى أن أكون أنا المقصودة بكلمات‬
‫الغزل التي كان يتغزل به لها في وجودي ولكنني كنت استعيذ بالله من هذه الفكار‬
‫وكنت اعتبرها عيبا وحراما فهيي صديقتي وانا ل اخون صديقتي ولهذا أيض ًا كنت‬
‫اراعي أن لازورها كثيرًا أثناء وجود زوجها في مصر في اجازته السنوية حيث أنه‬

‫مغترب في الكويت‪.‬‬

‫‪170‬‬

‫إاتهمتني بأنني أحسدها واكرهها‪...‬‬
‫كسرتني‪..‬‬

‫هشمت بكلماتها روحي ونفسي إالى ألف الشظايا‪...‬‬
‫تمنيت أن أنتقم منها ولكنها صديقتي التي ساندتني كثيرًا‪ ،‬لم أستطع حتى أن أقول "‬
‫حسبي الله ونعم الوكيل "‪ ،‬فكيف اختصم لله من صديقتي التي كسرتني فأنا لم اكن‬

‫لرضى أبد ًا بعدل الله فيها‪ ،‬لن يهون عليا كسرها‪ ،‬سامحها الله‪.‬‬
‫لم يكن لي اصدقاء بعدها إالى أن كنت بالصدفة في محل للتحف القديمة والنتيكات‬
‫في خان الخليلي‪ ،‬كان ذلك المحل يبيع تحفا كانت يوم ًا ما تزين بيوت أحدهم إالى أن‬
‫قرروا ا إلستغناء عنها‪ ،‬اعجبتني التحف رغم قدمها ورثيت لحالها التي ألت إاليه بعد أن‬
‫رخصت في نظر اصحابها فألقوا بها في القمامة ووجدها الزبال وباعها إالى ذلك المحل أو‬

‫ربما يكونون قد باعوها بقيمة بخسة ل لشيء سوى للتخلص منها وتوفير مكان‪.‬‬
‫تفحصت كل قطعة في المحل كنني أحاول حثها على البوح لي بحكايتها والحكايات التي‬
‫رأتها في البيوت التي كانت فيها‪ ،‬إالى أن لفت انتباهي ذلك البرواز الخشبي المذهب‬
‫المسنود على الحائط بوجهه ويظهر خلفه لنا‪ ،‬اقتربت منه‪ ،‬كنت أظن أنه لوحة خاف‬
‫صاحب المحل على وجهها من الخدش ولكن بينما أنا أقلبها إاذ بصاحب المحل يصرخ‪" :‬‬
‫ل يا بنيتي!‪ ،‬دعيها وشأنها‪ ،‬دعي تلك المرأة مكانها‪ ،‬ل تقلبيها!‪ " ،‬ولكن كان الوان قد‬

‫فات‪ ،‬ورأيت أمامي مرأة قديمة في برواز ذهبي قديم محفور ويزين تاجه شعار ملكي‬
‫يشبه الشعارات الملكية ا إلنجليزية والشعارات التي كنا نراها على سيارات وقصور‬
‫ملوك وأمراء ما قبل ثورة يوليو‪ ،‬يبدو أن هذا البرواز قديم جد ًا ويعود إالى عائلة‬

‫غنية‪.‬‬
‫بينما أنا في افكاري إاقترب مني صاحب المحل وأخذ البرواز مني وأخبرني أنه برواز‬
‫ملعون لم يجلب سوى الدمار لكل من نظروا فيه‪ ،‬لم أصدقه ولكنه حلف وأقسم أن‬

‫هذا ما قد حدث‪ ،‬وحكى لي حكاية مفادها أن هذا البرواز اهداه تاجر مصري لحد‬
‫أمراء ما قبل الثورة واخبره أنه احضر الزجاج من الهند وحفر له هذا البرواز برمز‬

‫‪171‬‬

‫نبالته وطلاه بالذهب ومن فرحة المير به علقه في صالونه وكان ينظر إاليه كثيرًا ولم‬
‫يبقى المر عند هذا الحد بل أن زوجته اعجبت بجمالها في المرأة وكانت تحب أن‬

‫تتعرى امامها كثيرًا وكلما تعرت أمام المرأة تشتعل فيها الرغبة وكانت تضاجع كل من‬
‫يطرق باب تلك الغرفة!‪.‬‬

‫ضاجعت الخدم وبعض اصدقاء زوجها الذين صدفت زياراتهم لحظة سيطرة المرأة على‬
‫زوجة المير‪ ،‬وعلم المير وقتل زوجته والخدم وباع القصر بالمرأة‪.‬‬

‫لم يعلم أحد أن السبب هو المرأة‪ ،‬وحدث نفس ما حدث مع المالك الجديد للقصر‬
‫ولكنه هذه المرة احرق القصر ولم تحترق المرأة ولكنها تشوهت فقط كما ترين‪،‬‬

‫وانتقلت بعدها إالى الورثة الذين ظن أحدهم أنها مبروكة لنها لم تحترق ولكنه لحظ‬
‫سريعا التغييرات التي بدأت تحدث في بيته فكتب ما حدث في ورقة وألصقها بظهر‬
‫المرأة ووضعها في مخزن بيته وسط الكراكيب إالى أن مات وباع ورثته المرأة لي وبعد‬

‫أن قرأت الورقة وجهت وجهها للحائط حتى ل أصاب بلعنتها!‪.‬‬
‫سألته لماذا لم تكسرها؟‬

‫فقال أنه يظن أنها قيمة جد ًا واراد فعل ذلك ولكنه أراد أن يعرف سرها ولكن لم يظهر‬
‫منها شيء إالى الن رغم أنها هنا منذ خمسة سنوات!‪ " .‬ربما كذب من كتب الورقة‬
‫وألصقها في ظهرها "!‪.‬‬
‫ضحكت بعد أن قال هذا واخبرته أنني أريد أن أشتريها‪ ،‬ودفعت فيها مائتنان جنيه‬
‫وعلقتها في غرفتي وكنت اكلمها يومي ًا‪.‬‬
‫كانت قصة المرأة حقيقية‪ ،‬كنت اقضي الساعات امامها احكي لها كل ما يحدث معي‪،‬‬
‫وأحيان ًا كثيرة أشعر برغبة في التعري أنا امامها‪ ،‬تعريت كثيرا وكثيرا ما شعرت أنها‬
‫تأمرني با إلنتشاء!‪.‬‬
‫سيطرت المرأة المسحورة علي‪ ،‬وربما لم تكن مسحورة ولكنني اردت السبيل إالى‬
‫افراغ طاقتي وشخص أشعر بوجوده بجانبي حتى وإان كان مجرد انعكاس وجهيي على‬
‫مرأة قديمة كما قال لي شريف‪.‬‬

‫‪172‬‬

‫كذبته فراهنني أن تلك المرأه ليست مسحورة وإان السبيل الوحيد لمعرفة ذلك هو‬
‫كسرها‪ ،‬وفي لحظة تحدي كسرتها وشعرت حينها بالحزن والنقم على شريف لنني‬
‫كسرت صديقتي الوحيدة التي رأتني جميلة وكانت تخبرني كلما نظرت إالي عارية أنني‬

‫جميلة جد ًا‪ ،‬ولكن شريف قال لي أني قد تحررت من سجن نفسي‪ ،‬من سجني لنفسي‬
‫في برواز مرأة‪.‬‬

‫قال لي أنه سيكون صديقي ويكون موجودا دائم ًا اذا ما احتجته ولهذا فأنا أشعر‬
‫بالفخر به اليوم وادعو الله أن ينجح كتابه عله يجد التعويض عن المعاناة التي قاساها‬

‫خلال الشهور الثمانية المنصرمة‪.‬‬
‫كانت الابتسامة تعلو وجهيي إالى أن صرخ شريف ورأيته غارقا في دمائه‪ ،‬صرخت‬

‫وتوجهت إاليه‪ ،‬إاحتضنته بين ذراعي وأنا ل أقول إال‪:‬‬
‫" متسيبنيش يا شريف‪ ،‬أنا مليش غيرك‪ ،‬إانت وعدتني هتكون معايا دايم ًا "‪.‬‬
‫حاول تهدئتي رغم ألمه ولكن كانت تخرج منه بعض الصرخات رغماً عنع بسبب شدة‬

‫اللم إالى أن غاب عن الوعي‪.‬‬

‫************‬

‫‪173‬‬

‫‪30‬‬

‫المكان ‪ :‬مستشفى الرحمة‬
‫الزمان ‪ :‬الجمعة الموافق السادس عشر من فبراير ‪2٠١6‬‬

‫الساعة ‪ ٥:٤٨‬دقيقة مساء ًا‪.‬‬

‫ذهبت للمعرض لشراء كتاب شريف‪ ،‬لم اكن من محبي القراءة يوم ًا ولكنني ذهبت لعم‬
‫شريف لنه صاحب فضل علي‪ ،‬كنت أخشى أن ترفض أمي ذهابي إالى المعرض لنه‬
‫بعيد عن المنطقة التي نسكن فيها ولكني تفاجأت حينما اعطتني قائمة ببعض الكتب‬

‫التي يجب أن أحضرها معي وكان من ضمنها كتاب شريف‪.‬‬
‫" إاذا وجدت أي من الكتاب موجود فأطلب منه أن يكتب اهداء على الكتاب بإاسم‬

‫لينا أحمد أم عمر ) "‪.‬‬
‫أمي محبة للقراءة ولكن لم اكن أظن أنها ستعرف بكتاب شريف وخاصة أنه الكتاب‬

‫الول له!‪.‬‬
‫ذهبت إالى المعرض ورأيت شريف وهو يُطعن‪ ،‬ساد الهرج والمرج في المكان‪ ،‬تفرق‬

‫البعض وتجمع البعض‪ ،‬ولكن لم يحضر أحد سيارة إالى أن صرخت تلك المرأة في‬
‫الموجودين‪ " :‬إاحملوه بحرص وأخرجوا به إالى الخارج وأنا سأحضر سيارتي‪ ،‬إان‬

‫إانتظرنا ا إلسعاف سيموت قبل أن تصل "!‪.‬‬
‫وضعت الكتب في حقيبتي " الكروس" وذهبت لساعدهم‪ ،‬حملت معهم صديقي‬
‫ومرشدي شريف‪ ،‬لم تكن قد أتتني الفرصة للحديث معه وتعريفه بنفسي وقد ل‬

‫تأتيني أبد ًا‪.‬‬
‫ما إان خرجنا حتى وجدنا سيارة تلك المرأة التي لم أعرف إاسمها حينها ولكني عرفت‬

‫اسمها فيما بعد من الموجودين في المستشفى‪ ،‬هي مدام رغد صاحبة المستشفى!‪.‬‬

‫‪174‬‬

‫ركبت معهم أنا وعلياء وسها صديقة أمي القديمة‪ ،‬كان ذلك هو اصعب موقف في‬
‫حياتي هذا إان إاعتبرنا أن لدي حياة‪ ،‬هنا في هذه السيارة يلتقي الصياد بالفريسة‪،‬‬

‫هنا اتقابل وجها لوجه مع علياء التي ابتزيتها بالصور التي ارسلتها لي واخذت منها‬
‫خمسة ألف جنيه!‪.‬‬

‫ولكن أتعلمون ما أكثر ما أثار حيرتي فيها؟؟‬
‫هو إاسمها‪ ،‬لقد سمعتها تقول لشريف أن إاسمها شيماء!‪ ،‬ولكني أعرف أنها علياء‪ ،‬علياء‬
‫التي أخذت منها خمسة ألف جنيه بعد أن أخذت من رجل خمسمائة جنيه مقابل أن‬

‫اساعده في مقابلتها‪ ،‬حددت الموعد ولم يحضر الرجل‪ " ،‬يبدو أن الله يحبها "!‪.‬‬
‫جلست هي في الخلف معي‪ ،‬هي على يسار شريف تسند رأسه على كتفها وانا على‬
‫يمينه اضغط على الجرح بالضمادات وفي الامام بجوار رغد جلست نيفين صديقة أمي‬

‫القديمة التي قاطعتها لنها كانت ستسرق أبي‪.‬‬
‫هنا في هذه السيارة يجلس مغشيا عليه الرجل الذي لول وجوده لكنت الن أرقد في‬

‫أحضان رجل ينتهك طفولتي!‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬فبعدما عرفت بسنت بنفسي طارت فرحا لنني كنت أنا من اكلمها‪ ،‬كانت ل‬
‫تحب الولد ولكنها كانت تحب بنت معجبة بي جد ًا وانا لم اكن أعرف ذلك‪ ،‬وإاتفقت‬
‫معي على أن تجعلني الطعم الذي ستصطاد به تلك الفتاة لتفعل معها ما تريد‪ ،‬وافقت‬
‫وذهبت وجعلتني امثل أنني خادمها‪ ،‬إاستعملتني كعاهرة‪ ،‬ألبستني بعض ملابسها‬

‫الداخلية وعاملوني كنني أنى!‪.‬‬
‫استمتعت ولكن ذلك اثر على نفسيتي حين عدت إالى البيت‪ ،‬شعرت وكن شيئ ًا‬
‫انكسر بداخلي‪ ،‬أصبحت أشعر بإاثارة غريبة كلما تخيلت ما كنت فيه معهما‪ ،‬كلما‬

‫تخيلت نفسي أنى!‪.‬‬
‫لم أجد امامي سوى شريف لساله فأخبرني أنه قد وضعوا قدمي على طريق التحول‬

‫الجنسي وانني إان لم اتوقف الن سأتحول إالى شاذ‪.‬‬

‫‪175‬‬

‫حينها فقط تذكرت دعوة خالتي ولعنتها " يقعدلك في عيالك "‪،‬الن أنا في طريقي‬
‫للشذوذ ل أرى نفسي سوى أنى‪ ،‬ل اتخيلني إال وانا مطية للرجال‪ ،‬ذهبت لنقذ‬

‫رجولتي فخسرتها‪ ،‬ذهبت إلعتلاء بسنت فجعلتني عاهرتها‪.‬‬
‫ولكن شريف انقذني‪ ،‬ساعدني لتخطي تلك اليام‪ ،‬قال لي أنني يجب أن اغير نمط‬
‫حياتي‪ ،‬أن أخرج‪ ،‬أن أتعرف على أناس جدد‪ ،‬نصحني أن اجلس على قهوة واتعلم‬
‫التدخين‪ ،‬حتى الفلام ا إلباحية كان يختار لي ماذا اشاهد وماذا أفعل وفي ماذا أفكر‬

‫اذا ما فكرت في امتاع نفسي!‪.‬‬
‫مر شهر على ذلك اليوم رجعت فيه إالى رجولتي المسلوبة‪ ،‬شعرت من جديد أنني‬
‫رجل‪ ،‬أشعر كرجل‪ ،‬أفكر كرجل‪ ،‬ألبس كرجل وادخن كرجل‪ ،‬والهم من ذلك أنني‬

‫الن اتصرف كرجل‪.‬‬
‫حاولت التواصل مع كل من نصبت عليهم لعيد لهم مالهم‪ ،‬لكن بالطبع الكثيرون قد‬

‫اغلقوا حساباتهم ولكن سأحاول حل هذه المعضلة فيما بعد‪.‬‬
‫ارسلت الخسة الاف إالى شيماء أو علياء مهما كان اسمها بعدما شعرت بأنها مظلومة‬
‫في هذه الدنيا وكنت أنا شوكة ظهر أخرى في حياتها وهذه ليست أفعال الرجال‪،‬‬

‫اغلقت جميع حساباتي‪ ،‬وها أنا الن احضرت عشرة الاف جنيه لدفع اجرة‬
‫المستشفى لشريف لنني أعلم أنه ليمتلك المال ولكن المحاسبة اخبروني أنها مستشفى‬
‫مدام رغد " أم أدم "‪ ،‬التي احضرتنا بسيارتها وإان شريف سيبقى في المستشفى إالى‬

‫أن يتعافى تمام ًا مجان ًا‪.‬‬
‫ذهبت إالى غرفة شريف‪ ،‬وضعت المال تحت وسادته لنه كان غائب ًا عن الوعي‪،‬‬

‫وتركت له رسالة شكر وتمنيت له السلامة وانصرفت !‪.‬‬

‫*************‬

‫‪176‬‬

‫‪31‬‬

‫الكاذبة ‪..‬‬

‫أنا شيماء العانس صاحبة الثماني وثلاثون عام ًا‪ ،‬أنا من كنت أظن أنني سعيدة‬
‫بحصوني وقلاعي النفسية التي بنيتها بإاقناع نفسي أن الرجل ما هو إال مخلوق بدائي‬

‫متوحش يتغذى على جمال وسعادة بنات حواء‪.‬‬
‫يقابلهن ورودا جميلة اللوان عبقة الرائحة ويتركهن بتلات جافة منثورة على الرض‬
‫تذريها الرياح‪ ،‬كالنار التي تتغذى على الفراشات‪ ،‬بنيت قناعاتي لسنوات طويلة إالى‬

‫أن فاتني قطار الزواج وأصبحت فرص لحاقي به عدوًا ما هي إال محاولة انتحار‬
‫للحصول على الوهم والسراب‪ .‬قناعاتي استمديتها من حياة أمي البائسة مع أبي رحمه‬
‫الله‪ ،‬أمي التي لم أشعر أن روحها عادت إاليها إالبعد وفاة أبي‪ ،‬قناعاتي استمديتها من‬
‫رؤيتي لصديقاتي اللاتي تحولن إالى كائنات نكدة وكئيبة وهن اللاتي كن مثال للسعادة‬

‫الخام قبله‪.‬‬
‫كنا ل نجتمع إال ويتحول المكان إالى صخب ومرح اما الن فأنا اتحاشى رؤيتهن لنهن‬

‫يتعبن نفسيتي من الحسرة عليهن‪.‬‬
‫قد يظنون أنهن هن من ابتعدن عني بعد طلاق "روح" صديقتنا‪ ،‬لنها أخذت‬
‫بنصيحتي واعتقدن بعدها أنني أريد أن اخرب بيوتهن ولكن الحقيقة أنا من ابتعدت‬
‫عنهن‪ ،‬لقد سئمت رؤيتهم يعانين حتى وإان كانت المعاناة المستمرة تكافأ بلحظات من‬
‫السعادة خلال الجنس‪ ،‬كنت أظن أنني على صواب إالى أن اسند شريف رأسه على‬
‫كتفي‪ ،‬كان يئن ورأيت في انينه لول مرة نورا ينبثق من ظلمة الرجال‪،‬رأيت لول‬
‫مرة الرجل ضعيف وعاجز كطفل ويحتاج إالى مساعدتي وهذا حطم كل حصوني‬
‫وقلاعي‪ " ،‬تب ًا لجمال الرجل وهو ضعيف ويحتاج إالى كتف إامرأة يستند عليه "!‪.‬‬

‫‪177‬‬

‫أنفاسه الحارة كانت تحرق عنقي‪ ،‬شعرت أنني اذوب‪ ،‬مصاب هو ومطعون في جنبه‪،‬‬
‫لقد فقد الكثير من الدم ولكنه كان قادرًا على إاثارتي!‪ " .‬تب ًا!‪ ،‬رفضت الكثير والكثير‬

‫من الرجال طوال حياتي والن يثيرني رجل في طريقه للموت بأنينه وأنفاسه‬
‫الحارة؟؟"‬

‫هنا فقط فهمت لماذ تتمسك صديقاتي بأزواجهن رغم تلك المشاكل التي تزحم حياتهن‪،‬‬
‫علمت لماذا لم تطلب أمي الطلاق من أبي ورغم سعادتها بعد وفاته إال أنه تنتابها‬
‫لحظات كبة شديدة وتبكي عليه وتلعنه لنه تركها ورحل‪ ،‬عجيب هو الجنس!‪.‬‬

‫الجنس الذي لم أعرف معناه إال حين عرفت ذلك النصاب والمخادع الذي مارست‬
‫معه الجنس ا إللكتروني‪ ،‬ارسلت له الكثير من الصور الخاصة بي ظنا مني أنه يحبني‬

‫ولكنه في الحقيقة كان مجرد قواد‪.‬‬
‫لقد حاول أن يبيعني لحدهم‪ ،‬دبر لي مقابلة مع رجل وهددني أنني إان لم أذهب‬

‫س يفضحني‪.‬‬
‫كنت كمن يحاول الهرب من السفينة المشتعلة بالقفز في البحر الهائج وأنا ل أعرف‬
‫السباحة‪ ،‬خفت من الفضيحة فذهبت لقابل رجل ل أعرفه قام بدفع مبلغ من المال‬

‫لشخص مارست معه الجنس ا إللكتروني لقاء مقابلتي‪.‬‬
‫ضع أسوأ السيناريوهات عزيزي القاريء وتأكد أن لحظات الرعب التي عشتها كانت‬

‫أسوأ منها!‪.‬‬
‫ذهبت وانا على يقين بأنني ربما ل اعود ثانية‪ ،‬ذهبت ولم يحضر الحمد لله‪.‬‬
‫بعدها ساومني حبيبي لدفع مبلغ عشرة ألف جنيه مقابل أن ينساني‪ ،‬حاولت جمع‬
‫المبلغ ولكنني لم أستطيع أن أحصل سوى على خمسة ألف‪ ،‬بعت سلسة ذهبية‬
‫كانت عزيزة على قلبي كان قد اهداها لي أبي‪ " ،‬علول "‪ ،‬ذلك اللقب الذي كان‬
‫يناديني به ذلك الحمق خلال محادثاتنا وقال أنه انسب دلع إلسم " علياء" لنني‬

‫أخبرته أن إاسمي علياء‪.‬‬
‫" صه‪ ،‬مهل ًا‪ ،‬علول؟؟ "‬

‫‪178‬‬

‫لم يناديني أحد بهذا ا إلسم أبد ًا إال هو!‪.‬‬
‫لم اكلم أو اخبر أحد بأن إاسمي علياء إال هو!‪.‬‬
‫ولكن ذلك الولد الذي كان معي في السيارة أثناء نقل شريف إالى المستشفى ناداني بـ‬

‫" علول"!‪.‬‬
‫قال " إامسكي يده جيد ًا يا علول "!‪ .‬تب ًا‪ ،‬أيعقل أنه هو؟!‬
‫أيعقل أن يكون لذلك علاقة بمبلغ الخسة ألف جنيه التي تم تحويلها لي من رقم‬
‫غريب الذي لم يرسل لي بعدها سوى بعبارة " أنا أسف "؟ حاولت ا إلتصال مرارًا‬
‫وتكرارًا بالرقم منذ المس لستعلم‪ ،‬فربما يكون هناك خطأ ما ولكنه مغلق‪.‬‬
‫أيعقل أن تكون الدنيا بهذا الصغر والضيق ونحن من كنا نظن اننا فيها جزر متباعدة‬

‫وسط محيطات واسعة؟؟‬
‫تب ًا لك يا شريف!‪.‬‬

‫ل‪ ،‬مهل ًا‪ ،‬شكرًا لك يا شريف‪ ،‬شكرًا لنك كنت السند والخ‪ ،‬شكرًا لنك‬
‫ساعدتني بألف جنيه عندما حاول ذلك الحيوان أن يبتزني ولم أستطع جمع إال أربعة‬

‫ألف جنيه‪ ،‬أسفة ياشريف لنني سببتك كثيرًا في افكاري‪ ،‬كنت اظنك أنت‬
‫الشيطان لنك لم تصدقني ولكنك أنت من رأى حقيقتي من مجرد حروف اكتبها‪.‬‬

‫" تب ًا ل َم تسيل دموعي بغزارة "؟‬
‫" شكرًا لنك كنت نعم الاخ والصديق رغم انك لم تكن تعرفني ولم تراني‪ ،‬شكرا‬
‫لنك انقذتني من الضياع واعدك بأن أعمل بنصيحتك وهي أن اعطي فرصة لي‬
‫عريس يطرق بابي‪ ،‬سأتزوج يا شريف‪ ،‬حفظك الله ورعاك يا أغلى من خلقه ربي"‪.‬‬

‫************‬

‫‪179‬‬

‫‪32‬‬

‫المكان ‪ :‬البيت‬
‫التاريخ ‪2٠١٨/2/١6 :‬‬
‫الوقت ‪ ١2:٠٥ :‬صباحا‬

‫إامتلكت كل شيء أردته‪ ،‬لم يستعصي على شيء رغم أنني إامرأة وحيدة بعد انفصالي‬
‫عن زوجي وكسيرة الجناح بعد وفاة أبي‪ ،‬إال أنني كنت أمتلك القدرة المالية والجمال‬
‫اللازمين إلمتلاك الدنيا إان أردت‪ ،‬ولكني لم أرد سوى العيش على هامش الحياة‪ ،‬لم‬
‫اك ُن أريد أن أحتك بأحد أو يحتك بي أحد إالى أن أحببت هذا الحمق شريف من‬

‫حروفه التي غزلها قصائد شعر ومدح في الجعفرية‪ ،‬أحببت حبه لها وحسدتها‬
‫واحببته هو سهوًا مني‪ ،‬احببته واخبرته‪ ،‬عاندني في البداية وقال أنه غير قادر على‬

‫الحب وانه ل يعرف للحب معنى إال أنني كنت أعرف أنه كاذب‪ ،‬ف إان لم يعرف‬
‫شريف أن يحب فمن من الرجال سيعرف؟‪.‬‬

‫لم أيأس‪ ،‬إالى أن بدأ يثق بي وبدأ يتكلم معي كثيرًا إالى أن اخبرني يوم ًا أنه يحبني‪،‬‬
‫طارت بي الدنيا ولم تسع فرحتي ولكن سرعان ما اضمحلت فرحتي واختفت!‪.‬‬

‫ل َم ل وأنا حواء؟‪ ،‬اعشق ا إلمتلاك‪ ،‬ناهيك عن اسلوب تربيتي الذي لم يحرمني من‬
‫أي شيء أردته‪ ،‬اردت امتلاكه لي وحدي‪ " :‬هذا حقي‪ ،‬فأنا ل ارغب في أجزاء أو‬

‫أشلاء رجل‪ ،‬أنا اعطي نفسي كاملة لرجل واريد المثل "‪.‬‬
‫بدأت اطارده واخنقه وأمنعه من المدح والمغازلة على صفحات التواصل الاجتماعي‪،‬‬
‫شريف رجل مثله مثل أي رجل لديه طاقات يريد تفريغها وخاصة إان كانت حالته‬
‫النفسية سيئة‪ ،‬ولن تجد أسوأ حا ًل من نفسية شريف رغم أنه ينشر البهجة أينما حل‪،‬‬
‫إال أن نفسه لم تعرف للسعادة طعم منذ شهور‪ ،‬منذ أن طرد من عمله‪ ،‬عرضت عليه‬

‫مبلغ من المال كسلفة ولكنه رفض!‪.‬‬

‫‪180‬‬

‫" تب ًا لعجرفتك ايها الجائع‪ ،‬كم أحب عزة نفسك "!‪.‬‬

‫أحببت شريف؟!‬
‫صراح ًة‪..‬‬
‫ل أعلم!‪.‬‬

‫ل أعلم إان احببته صدقا أم هو مجرد انجذاب طبيعي للضد‪ ،‬ك إانجذاب اقطاب‬
‫المغناطيسات لضدادها‪ ،‬شريف كان مختلفا عني في كل شيء‪ .‬هو السوقي وأنا بنت‬
‫الحسب والنسب‪ ،‬هو جائع عاطل وانا خادمتي تجني أكثر مما يجني‪ ،‬أنا جميلة وهو‬

‫مجرد شاب مصري ل يميزه سوى ذلك الشبه البسيط بمحمد‪ ،‬حبيبي"!‪.‬‬
‫أيعقل أن أكون احببته لهذا السبب وليس لنني رأيت فيه الجخ الخاص بي‪ ،‬جخ‬

‫يغني لي بلكنته الصعيدية‪ ،‬لي أنا فقط ؟؟ "‬

‫ل يهم إان كنت قد أحببته أم ل‪ ،‬لنني الن اكرهه جد ًا‪ ،‬اكرهه كره الفأر للقط‪ ،‬هذا‬
‫المتخلف نهرني أمام الناس‪ ،‬قال لي يا غبية!‪.‬‬

‫أنا التي ضحيت بكفن محمد لمحاولة انقاذه نعتني بالغبية وأنني ألمته عندما ضغطت‬
‫بالقماش على الجرح‪ ،‬أل يعلم هذا الغبي أنه يجب أن يتم الضغط على الجرح ليتوقف‬

‫النزيف؟؟‬
‫ويظن نفسه كاتب؟‪ ،‬ذلك الفاشل‪...‬‬

‫أنا غبية؟‬
‫تب ًا له‪ ،‬لم يهينني أحد هكذا من قبل‪ ،‬تمنيت أن اركله وإان ابصق في وجهه ولكنني‬
‫رأفت بحاله‪ ،‬أخذت الكفن الذي كنت سأَضمده به وذهبت‪ ،‬ذلك الكفن الذي أغلى‬

‫عندي من كل الدنيا‪ ،‬ولكنني لم اتحمل منظر الدم عليه فألقيته في القمامة!‪.‬‬
‫" ألقيت الكفن‪ ،‬كفن محمد ودم شريف في القمامة‪ ،‬تب ًا‪ ،‬لم ينتابني شعور جارف بأنني‬
‫أريد محادثة زوجي الن؟؟ أشعر برغبة ملحة في أن أطلب إاليه أن يعود إالى البيت‪،‬‬

‫‪181‬‬

‫أشتاق أن انام في حضنه مرة أخرى مثلما كنت أفعل منذ سبعة سنوات‪ ،‬نعم كنت‬
‫اتململ حينها ولكنني الن أريد ذلك وبشدة‪ ،‬ساذهب لتصل به الن"!‪.‬‬
‫************‬

‫‪182‬‬

‫‪33‬‬

‫نيمفو " رغد " ‪...‬‬

‫" أنتم قصدتم بي شرًا‪ ،‬أما الله فقصد به خيرًا لكي يفعل كما اليوم‪ ،‬ليحيي شعب ًا غفيرًا‪.‬‬
‫" (تكوين ‪" ) 2٠ : ٥٠‬‬

‫أقتبس هذه الاية من سفر التكوين التي قالها يوسف لخوته بعدما عرفوا أنه عزيز‬
‫مصر وخافوا من أن ينتقم منهم‪ ،‬إارتعبوا منه جد ًا‪ ،‬لم يشعروا ل بالندم على فعلتهم ولم‬

‫تتحرك قلوبهم بالشوق لخيهم الصغر الذي كادوا أن يقتلوه وعندما رأفوا به باعوه‬
‫كعبد وهو المدلل لدى يعقوب حبيب الله ‪.‬‬

‫بيع المدلل الذي أصبح عزيزًا لمصر‪ ،‬بكى عندما رأهم من شوقه ولهفته لهم وهم لم يفعلوا‬
‫سوى انهم خافوا منه‪ ،‬فقال لهم هذا القول‪.‬‬

‫هذا القول الذي سمعته من عجوز مسيحي كان يسكن في الشقة المجاورة لي عندما‬
‫تركت الفندق‪.‬‬

‫شعرت لول مرة أنه أبي‪ ،‬ولكني لحظت أنه مثلي وحيد‪ ،‬كانت الدنيا قد طوحته‬
‫ولكنه كان يتذكر تلك الية جيد ًا‪.‬‬

‫الله قصد به خيرًا‪ ،‬خانني كل من عرفتهم‪ ،‬خانني حبيبي وصاحب البنسيون وذلك‬
‫الملتحي الذي ظننت أن لحيته تدين ًا فلجأت إاليه خلسة وهمست له أن ينقذني من‬
‫هنا‪،.‬طلبت منه أن ينتشلني من هذا البنسيون‪ ،‬حكيت له حكايتي وأن صاحب‬

‫البنسيون يستغلني للدعارة والتنظيف لقاء السكن والطعام‪ ،‬هل تعلمون ماذا‬
‫فعل؟؟‬

‫لقد كان هو زبوني في تلك الليلة!‪.‬‬
‫" إاستغثت به فجاء ليضاجعني"!‪.‬‬

‫‪183‬‬

‫مرت اليام‪ ،‬تعلمت كيف افرض تعريفة اضافية على زبائني الذين يحضرهم لي‬
‫صاحب البنسيون‪ ،‬القواد الذي كان يأخذ المال ول يعطيني منه شيء لنه علم أنني‬
‫إان فعلت سأهرب‪ ،‬كنت اخذ من الزبائن اجرة اضافية دون أن يعلم‪ ،‬وإادخرت تلك‬

‫النقود إالى أن استطعت أن اهرب من ذلك البنسيون‪.‬‬
‫هربت وجئت إالى هذه الشقة البسيطة الحقيرة في الدور الرضي‪ ،‬ومن هنا بدأت‬

‫رحلة تجارتي بجسدي إالى أن جمعت المال الكافي لشراء البنسيون وهدمه!‪.‬‬
‫كان هذا أول ما فعلته‪ ،‬كنت أود ا إلنتقام من صاحب البنسيون ولكنه اصيب بمرض‬

‫مزمن‪ ،‬ذهبت لتشفى فيه واشمت ولكني لم أستطع فعلها‪ ،‬رثيت لحاله ودعيت له‬
‫بالشفاء ولم أره بعدها‪ ،‬والملتحي الن في السجن بتهمة النصب وا إلحتيال‪.‬‬

‫" أبي وامي ؟ " ‪ ،‬بالطبع لم انساهم‪ ،‬نعم أنا عاهرة وزانية ولكنني لست ببنت حرام‬
‫تنسى أهلها!‪.‬‬

‫إانشغلت عنهم سنوات طويلة جد ًا‪ ،‬تلك السنوات التي عبثت فيها الدنيا ولفتني في‬
‫دوامتها مكتوفة اليدي والقدام‪ ،‬تأخذني في تياراتها القذرة كسمكة ميتة‪ ،‬ل املك‬

‫أي ارادة أو سلطة على مصيري إالى أن استطعت التحرر‪.‬‬
‫تحررت عندما استطعت أن افاوض على جسدي‪ ،‬تحررت عندما استطعت أن‬
‫ارفض زبون وأن اجذب الزبون الذي اريده‪ ،‬تحررت عندما اقتنعت أنني عاهرة‪ ،‬وأن‬
‫رداء المسكنة لن يسترني بل سيعريني‪ ،‬تحررت عندما أصبحت ليلتي تساوي صفقة‬

‫بملايين يوافق عليها مسؤول لرجل اعمال ويكون لي نسبة منها‪ ،‬تحررت عندما‬
‫استطعت أن ابصق على زبائني بد ًل من أن يبصقوا علي بعد ا إلنتهاء مني‪.‬‬

‫بعدما تحررت تقصيت عن اخبار عائلتي‪ ،‬أمي ماتت بحسرتها‪ ،‬أبي اصابه المرض‬
‫والوهن‪ ،‬اختي تزوجت واخواي تزوجا وزوجاتهما تنغصان على أبي عيشته‪.‬‬

‫يعاي نره بي‪ ،‬يطعمونه بقايا طعامهم‪ ،‬اخواي ل سلطة لهم على زوجاتهم لنهما من حثالة‬
‫البنات‪ ،‬رفض الكثيرين تزويجهم بناتهم بسببي‪ ،‬رثيت لحال أبي واخذت قرضا كبيرا من‬
‫أحد البنوك بضمان ممتلكاتي‪ ،‬كنت املك المال ولكني لم ارد أن استخدم مالي القذر‪،‬‬

‫‪184‬‬

‫استخدمت القرض في عمل دار رعاية مسنين عينت أبي مديرها واخواي اداريين‬
‫حتى اعلي من شأنهما في البلد وألحقت بالدار مستوصف طبي خيري صغير يعالج‬
‫الغير قادرين مجانا وكان من الناس الذين حاول المستوصف مساعدتهم هو حامد‪ ،‬نعم‬
‫حامد الذي خدعني وهربت معه‪ ،‬لقد إاكتشف أنه مصاب بالعقم ولم يملك المال الكافي‬
‫للعملية رغم أنه ميسور الحال‪ ،‬ولكن ليس إالى الحد الذي يؤهله لعمل مثل تلك‬
‫العمليات المكلفة له ولزوجته وتكفلت أنا بمصاريف تلك العمليات من القرض ولكن‬
‫الله لم يرزقه بذرية‪ ،‬وبالطبع لم اذهب إاليهم‪ ،‬ل بل فعلت كل ذلك دون أن يعرف‬
‫أي أحد في القرية من فعل ذلك ولماذا؟‪ ،‬كان كل ما عرفوه من المسؤولين أن إامرأة‬

‫فاعلة خير فعلت هذا لخدمة القرية من حر مالها‪.‬‬
‫لم اغسل اموالي‪ ،‬كنت أستطيع فعل ذلك ولكنني لم أفعل ذلك‪ ،‬كنت أستطيع اخذ‬
‫القرض بمقايضة جسدي ولكنني لم أفعل ذلك‪ ،‬فعلتها بنزاهة وشرف‪ ،‬فتحت مصنع‬

‫ملابس داخلية اسميته بلاك اند ريد‪ ،‬استغليت خبرتي في ذلك المجال لنني أعلم‬
‫الناس بفوائد الملابس الداخلية واقمصة النوم والتي إان اختارت المرأة واحدا رديء أو‬
‫بشع نفر منها زوجها وبحث عن عاهرة مثلي‪ ،‬ربما تكون زوجته أجمل مني ولكني ابرع‬
‫منها في اختيار ملابسي التي تظهر مفاتني وخاصة أن تلك الملابس المستوردة أجمل‬

‫من المصنعة في مصر‪ ،‬ولهذا فتحت مصنعي لعمل ملابس بكواليتي عالمية تناسب‬
‫السوق المصري‪.‬‬

‫فتحت دار رعاية المسنين والمستوصف‪ ،‬بنيت مستشفى مكان البنسيون‪ ،‬تلك‬
‫المستشفى التي يرقد فيها شريف الن‪ ،‬هل كنت سأستطيع فعل ذلك إان لم اهرب‬

‫مع حامد؟‪.‬‬
‫فكرت في فتح دار نشر وتوزيع لمساعدة شريف ولكني تراجعت وجاءتني فكرة‬

‫مساعدته بطريقة أفضل!‪.‬‬

‫‪185‬‬

‫إاتفقت مع دار نشر مشهورة أن تتعاقد مع شريف لنشر كتابه وإان فشل الكتاب‬
‫سأتكفل أنا بكل المصاريف با إلضافة إالى أي تعويضات تراها الدار مناسبة‪ .‬ولكن‬

‫الكتاب قد نجح!‪.‬‬
‫************‬

‫‪186‬‬

‫‪34‬‬

‫شريف ‪...‬‬

‫أعتقد أنه رأى في عيني نفس نظرة الرعب التي رأيتها في عيني فرجاني حين إاندفع‬
‫نحوي ولم يجد سوى سن السكين الحاد يضغط على عنقه!‪.‬‬

‫توقف مكانه وكنه صنم مصنوع من حجر‪ ،‬جحظت عيناه وبدأت قطرات العرق تظهر‬
‫على جبينه‪ ،‬أخبرته حينها إانني سأقتله ولن أتردد إان حاول أذيتي‪ ،‬فأنا لم يعد لدي ما‬
‫أخسره‪ ،‬ولكن هذا الذي أمامي أخذ مني نظرة الذعر والفزع نفسها‪ ،‬لكنه لم يتركني كما‬

‫تركت فرجاني‪ ،‬بل طعنني بمطواته في بطني وهرب!‬

‫كان منظر الدم ُمريع ًا‪ ،‬دماء غزيرة تنساب من بطني‪ ،‬صرخات فزعة تنادي هنا‬
‫وهناك‪ ،‬الذعر يعم في أرجاء المكان‪ ،‬تحول الحفل إالى صخب وحزن‪ ،‬محاولت بائسة‬

‫في إايقاف سيل دمائي‪ ،‬صرخات تائهة تنادي بإاحضار سيارة أو ا إلتصال بسيارة‬
‫ا إلسعاف وصرخات بالبحث عن طبيب إلسعافي أو احضار مناشف للضغط بها‬

‫على الجرح إليقاف النزيف‪.‬‬
‫وسط كل هذا الصخب فتحت فريدة حقيبتها للبحث فيها عن أي شيء تساعد به في‬

‫هذه الجلبة ولكن حقيبتها النيقة كانت تحتوي على أشياء كثيرة قيمة ولكنها كلها ل‬
‫تفيدني‪ ،‬ل علبه سجائرها ول ولعتها ول أحمر شفاهها‪ ،‬ول العطر‪ ،‬إازدحام عجيب‬

‫غريب في حقيبتها ولكنها أشياء بلا قيمة لمطعون غارق في دمائه مثلي‪ ،‬بلا قيمة‬
‫كدموعها التي تسيل بغزارة أكثر من دمائي حتى أذابت في طريقها كل طبقات‬
‫مساحيق التجميل التي تغطي وجهها ولترسم خطوط ًا سوداء على وجنتيها الجميلتين‪.‬‬

‫‪187‬‬

‫بلا قيمة ك إارتعاش يديها التي أسقطت الكثير من محتويات حقيبتها في رحلة البحث في‬
‫داخلها عن شيء يسعفني حتى باتت هي نفسها في حاجة لمساعده بد ًل من أن‬
‫تساعدني‪.‬‬

‫بلا قيمة كل محاولتها للبحث عن سبيل إلسعافي حتى إارتطمت يدها في قاع حقيبتها‬
‫وهي تعيد قلم الكحل الساقط منها بذلك الشيء الطري الملمس‪ ،‬شيء إاسفنجي‪.‬‬
‫إانه قطعة قماش‪ ،‬تلك القطعة البيضاء التي تحفظها في حقيبتها منذ سنوات طويلة‬
‫حتى تحولت إالى اللون الصفر رغم أنها تحفظها في كيس بلاستيكي‪ ،‬كم من حقيبة‬
‫غيرتها على مدار تلك السنوات تغيرت خلالها محتوياتها من حيث النوع والشكل‬
‫ولكن بقي ذلك الكيس الحافظ لتلك القماشة رابطا أساسيا يربط كل حقائبها‪ ،‬إانه‬

‫قطعة من كفن محمد‪ ،‬حبيبها الذي مات بحبها‪ ،‬بقلبها‪ ،‬مات قبل أن يقبلها‪ ،‬إاحتفظت‬
‫بقطعة قماش من كفنه معها‪ ،‬كانت تأخذها معها في كل وقت وكل مكان وكنه تميمة‬
‫حظ وكان بالفعل تميمة لقلبها لن ارتباطها بالميت جعلها من ا إلستحالة أن تحب من‬
‫جديد‪ ،‬ثلاثة عشر عاما ولم تستطع أن تحب زوجها‪ ،‬عبد الله الذي جثا أمامها طالبا‬

‫منها أن تمنحه فرصة‪ ،‬اكتشفت أن حبها له كاذب وانها لتحمل له سوى مشاعر‬
‫ا إلعجاب وخاصة أنه كان صديقها الصدوق الذي تتكلم معه في أي شيء بلا خجل أو‬

‫خوف‪.‬‬
‫عبد الله الذي علم أنها تحب شريف واتى معها اليوم إالى حفل التوقيع‪ ،‬هي تعرف عبد‬

‫الله منذ سنوات طويلة ولم تكن تظن أبد ًا أنه قد يلجأ إالى العنف‪ ،‬لم يكن عنيفا‬
‫يوم ًا‪ ،‬لم يكن ليفعل أي شيء ليؤذيها‪ ،‬ولكن لم فعل ذلك؟؟‬
‫لم طعنني أنا حبيبها‪ ،‬أو هكذا أظن أنها تحبني ؟؟‬

‫طعنني عبد الله وهرب‪ ،‬والن أنا ارقد على الرض أصرخ من اللم والدماء تخرج من‬
‫جنبي ول تستطيع هي مساعدتي‪ ،‬ل تملك شيء سوى قطعة القماش تلك‪ ،‬أغلى‬

‫شيء تملكه في حياتها‪ ،‬أغلى من كل ذهبها ومالها‪ ،‬أغلى من روحها ولكنه ليس أغلى‬
‫من شريف!‪.‬‬

‫‪188‬‬

‫أخرجت قطعة القماش وتوجهت إالي وضغطت بها على الجرح‪ ،‬وبعدها غبت عن‬
‫الوعي‪.‬‬

‫وها أنذا‪ ،‬في تلك المستشفى الجميلة الفخمة التي أراد الكاتب أن يحضرني إاليها كشيء‬
‫من التعويض عن البؤس الذي عشته‪.‬‬

‫تب ًا للكتاب!‪ ،‬يظنون أن بإاستطاعتهم التحكم في شخصيات كتبهم وانهم يستطيعون أن‬
‫يضعوا كل شخص في سيناريومحدد له‪ ،‬ألم يجد الكاتب حبكة افضل من هذه؟‬
‫يجعلني مثل ًا أشتهر ويتحول كتابي إالى فيلم؟؟‬

‫لولكنه وضعني في برواز " محلك سر "!‪ " ،‬أجري جري الوحوش والفشل هو‬
‫حليفي دائم ًا "!‪.‬‬

‫**************‬

‫‪189‬‬

‫‪35‬‬

‫العادية‪ ،‬بلا عنوان ‪..‬‬
‫سها ‪..‬‬

‫هل تعتقدون أننا نسير في هذه الحياة وفق ًا إلختياراتنا؟‬
‫في الحقيقة‪ ،‬أنا لم أعد أعلم شيء ولست متأكدة من أي شيء‪ ،‬فبعد طعن شريف‬
‫نقلناه أنا وعمر‪ ،‬إابن صديقتي العزيزة لينا وإاحدى الفتيات التي أتت لتشتري كتاب‬
‫شريف إاسمها شيماء في سيارة مدام رغد‪ ،‬سيدة العمال الجميلة التي صدف أنها كانت‬

‫موجودة في المعرض‪.‬‬
‫كنا نحن الثلاثة وعمر وشريف‪ ،‬أخذتنا السيدة الجميلة إالى مستشفاها الخاص‪،‬‬
‫طلبت منها أن تذهب بنا إالى مستشفى عامة لنني أعلم أن شريف ليمتلك المال وانه‬
‫لن يقبل أن يأخذ مال من أحد ولكنها اصرت وقالت المستشفى ليست استثمارية‬
‫بصورة بحتة بل هي تخصص يوم الخيس إلستقبال الحالت واجراء الكشوفات‬

‫والفحوصات لغير القادرين‪ ،‬واليوم هوالخيس!‪.‬‬
‫هل تعتقدون أنها كانت تكذب أم أنها مجرد صدفة؟‬
‫ل أعلم ولم أعد أعلم شيء وغير متأكدة من أي شيء!‪.‬‬
‫دخل شريف إالى غرفة العمليات وقام الطباء بعمل اللازم ولكنهم قالوا أنه سيبقى في‬

‫غيبوبة لبعض الوقت لنه قد نزف كمية دم كبيرة‪.‬‬
‫لم ينصرف أي منا‪ ،‬وددنا لو نبقى بجوار شريف إالى أن يستيقظ ولكن مدام رغد‬
‫قالت لنا هيا لكي اوصلكم في طريقي‪ ،‬ل داعي لبقائنا لن الطباء وطاقم التمريض‬

‫سيقومون باللازم ‪.‬‬
‫هل أخبرتكم عن جمال المستشفى ونظافتها؟؟‬

‫شعرت وكنها فندق!‪.‬‬

‫‪190‬‬

‫قامت رغد أو ًل بإايصال شيماء التي كانت صامتة أغلب الوقت ول تتكلم وإاذا‬
‫سألناها عن شيء تجيب بكلمتين أو ثلاثة‪ ،‬كانت شاردة الذهن أغلب الوقت‪ ،‬ربما‬

‫هي قلقة جد ًا على شريف‪ ،‬الله أعلم!‪.‬‬
‫وفي طريقنا إالى حيث نسكن أنا وعمر لننا في نفس المنطقة عرفتني مدام رغد بنفسها‬

‫وقالت أنها ودت لو تبقى إالى أن يفيق شريف ولكن إابنها أدم مع المربية وقد يبكي‬
‫ويخاف إان لم تعد له‪ ،‬وبالطبع حالنا كان أكثر منها سوء ًا‪ ،‬فلم يكن يصح أن نبقى نحن‬

‫لننا فتيات وعمرو مجرد طفل‪ ،‬والكيد أن أهلنا سيقلقون علينا جد ًا‪.‬‬
‫عرفتني بنفسها وعرفتها بنفسي‪ ،‬عرفت أنني غير متزوجة وأنني بلا عمل‪ ،‬كانت‬
‫تكلمني بحنان‪ ،‬كانت تتكلم معي بحب‪ ،‬لم يكلمني الكثير مثلما كانت تكلمني‪ ،‬أسلوبها‬
‫كان خالي من الشفقة أو التعالي‪ ،‬تتحدث معي وكنني عادية‪ ،‬كنني إامرأة مثلها ولست‬

‫ذات مشاكل جسدية‪ ،‬كانت تكلمني كني لم أكن بدينة أبد ًا‪.‬‬
‫حين وصلنا‪ ،‬وقبل أن نترجل من السيارة فتحت حقيبتها وأخرجت منه بطاقة فيها‬
‫إاسمها ورقم هاتفها وطلبت مني أن أتصل بها في الغد‪ ،‬حيث لديها عمل لي‪ ،‬ولي حرية‬

‫إاختيار المكان سواء في المستشفى أو المصنع‪.‬‬
‫أخذت البطاقة منها شاكرة ونزلت‪ ،‬ولكن قبل أن اغلق الباب يبدو أنها عرفت ما‬

‫كنت أنوي فعله فقالت بهدوء‪:‬‬
‫" نيفين أعطني رقمك لني أخشى أن تضيع البطاقة منك أو أن تتكاسلي في ا إلتصال‬

‫بي "!‪.‬‬
‫هل أنا احلم؟؟‬
‫هل يوجد في الدنيا أناس بهذا الجمال وهذا الحب؟‬
‫ل أعلم‪ ،‬ولكن في هذه الليلة تغيرت حياتي‪ ،‬تغيرت بفضل شريف‪.‬‬
‫وفي اليوم التالي إاتصلت بي رغد‪ ،‬وبالفعل ذهبت واتفقنا على أن أعمل لديها في‬
‫المستشفى‪ ،‬إاخترت المستشفى لخدمةالمرضى‪.‬‬

‫‪191‬‬

‫كان عمر مغطى بالدم والوقت كان قد تأخر‪ ،‬لهذا لم أتركه يذهب إالى بيته بمفرده‪،‬‬
‫ذهبت معه وطرقت الباب وفتحت لنا لينا‪..‬‬

‫إارتاعت عندما رأت ابنها ملطخ بالدم‪ ،‬أخبرتها أن كل شيء على ما يرام وهدأت من‬
‫روعها إالى أن إاطمأنت‪ ،‬وأخبرتها ونحن على الباب بكل ما حدث‪ ،‬إانهارت وإاحتضنتني‬

‫وبكت!‪.‬‬
‫لم أعلم لماذا بكت؟‪ ،‬وخاصة أنني أخبرتها أن إابنها بخير وأن الدم ما هو إال دم شريف‪.‬‬

‫ل يهمني لم كانت تبكي‪ ،‬كل ما كان يهمني أنها تبكي في حضني‪.‬‬
‫يبدو أن الليلة هي ليلة سعدي‪ ،‬فقد طلبت مني الدخول والمبيت عندها لن الوقت‬

‫كان قد تأخر‪ ،‬وهاتفت أمي وقالت لها أني سأبيت عندها الليلة‪.‬‬
‫ل أؤمن بالنهايات السعيدة‪ ،‬فأنا أعرف أن النهايات السعيدة في الكتب فقط ول‬
‫مكان لها في الواقع‪ ،‬ولكن يبدو أنني أنا ا إلستثناء لتلك القاعدة‪ ،‬أنا الن راضية عن‬

‫تلك النهاية التي ما كانت ستحدث لول وجود شريف!‪.‬‬

‫************‬

‫‪192‬‬

‫‪36‬‬

‫الزوجة ( لينا ) ‪...‬‬

‫لم أكن أشعر بشيء إازاء خيانتي لزوجي‪ ،‬لم يؤنبني ضميري ولم أحزن أو أخاف أو‬
‫أقلق‪ ،‬خنته وكنني شربت ماء!‪.‬‬

‫هل تشعرون بتأنيب الضمير عندما تشربون الماء؟‬
‫بالطبع ل!‪.‬‬

‫خنته وكنني معتادة على الخيانة‪ ،‬ولكن هذا لم يسعدني‪ ،‬شعرت بالحزن لنني لم أتأثر‪،‬‬
‫لنني لم أخاف‪ ،‬لنني لم أهتم با إلغتسال فور عودتي‪ ،‬لنني لم أهتم بتغيير ملابسي التي‬

‫كانت تحمل رائحة علاء‪.‬‬
‫حزنت لنني لم أحزن‪ ،‬حزنت لنني كنت ميتة‪ ،‬ولكن تلك الليلة عندما عاد عمر‬
‫ملطخ ًا بالدماء برفقة نيفين إانتابني الذعر‪ ،‬من أول نظرة علمت أن إابني سليم وأن هذا‬
‫ليس دمه‪ ،‬ولكن لوهلة تخيلت ماذا لو كان هذا دمه؟‪ ،‬ماذا لوفقدت إابني؟‪ ،‬ماذا لو‬

‫فقدت إابنتي؟‪ ،‬أو حتى زوجي الذي لم أعد أحبه؟‪.‬‬
‫كانت نيفين تروي لي ما حدث وأن شريف هو الذي ُطعن وأنه بين الحياة والموت‪،‬‬

‫ولكن لم يهمني أي شيء من هذا‪ ،‬فرغم تقديري لشريف إال أنه مجرد صديق على‬
‫الفيسبوك‪ ،‬أضفته في قائمة أصدقائي منذ ثمانية أشهر‪ ،‬منذ أن إابتدأت صفحته تلك‬

‫في ا إلنتشار‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬قلت له كل شيء عني ولكن ل تهمني خسارته مثلما تهمني خسارة عائلتي‪.‬‬
‫تلك الفكرة أرعبتني‪ ،‬فألقيت بنفسي في أحضان نيفين وبكيت حتى شعرت با إلعياء‪.‬‬

‫‪193‬‬

‫‪37‬‬

‫شريف ‪..‬‬

‫صديقتي العزيزة ‪ /‬مدام رغد‪ ( ،‬أم أدم ) ‪..‬‬
‫شرفني حضورك وشراءك كتابي‪ ،‬تشرفت أكثر بمعرفة انسانة جميلة وراقية مثلك‪،‬‬

‫محاربة بحق الكلمة‪.‬‬
‫كنت أتمنى أن يضيف كتابي إالى حياتك شيئ ًا وتستمتعي بقراءته ولكني أعلم أن‬

‫حياتك أكثر تشويقا من كلماتي البائسة!‪.‬‬
‫كم أنا فخور أنه اتيحت لي فرصة التعرف علي ِك‪ ،‬رغد صديقتي الجميلة التي تعدى‬

‫جمالها شكلها الخارجي‪ ،‬بل إانه جمال القلب والروح قبل القالب‪...‬‬
‫دمتي سعيدة ‪..‬‬

‫وجعل الله إابنك خير سند ل ِك ‪...‬‬

‫شكرًا لحضورك ولكل ما فعلته لجلي‪...‬‬
‫أخا ِك ‪ /‬شريف الملواني‬

‫كان ذلك ا إلهداء الذي كتبه شريف لنيمفو قبل طعنه بدقائق‪.‬‬

‫************‬

‫‪194‬‬

‫‪38‬‬

‫إاستيقظت وتذكرت كل شيء‪ ،‬لم يمر الكثير من الوقت حتى دخلت علي نيفين‬
‫ببدانتها الزائدة وكنها كانت تريد أن تخبرني أنني بالفعل في مستشفى وأنني مازلت‬

‫على الرض‪.‬‬
‫ل يغرني جمال ونظافة الغرفة ول الممرضة المثيرة التي كانت تفحصني منذ قليل‪ ،‬فها‬
‫هي نيفين تدخل لتعيدني إالى المستشفيات العامة النموذجية‪ ،‬ولكن رغم هذا أشعر‬

‫بالسعادة لرؤيتها وخاصة أنها ترتدي الزي الخاص بالمستشفى‪.‬‬
‫أخبرتني لحق ًا أن رغد عرضت عليها العمل هنا براتب جيد وأنها ستجري لها عملية‬

‫تكميم معدة وشفط دهون مجان ًا إان أرادت فعل ذلك‪.‬‬
‫لم يمر الكثير من الوقت حتى دخل علي صاحب دار النشر بباقة ورد وعلبة‬
‫شوكولتة فاخرة‪ ،‬وعلى وجهه إابتسامة عريضة ل تتناسب مع حالتي وخاصة أنني كنت‬
‫على وشك الموت على يد غبي ل أعرفه‪ ،‬ولكنه شرح لي سبب ذلك وهو أن حادثة‬
‫طعني أثارت ضجة في الصحف والكل إاهتم بها وتطرق البعض أن سبب طعني هو ما‬
‫كتبته في الكتاب‪ ،‬ومن تلك اللحظة أصبح إاهتمام الجميع هو الحصول على نسخة من‬

‫كتابي لمعرفة ما فيه؟‪ ،‬ما الذي أدى إالى طعني؟‪.‬‬
‫" بلد إاشاعات فعل ًا "! ‪.‬‬

‫وذهب صاحب الدار وذهبت نيفين وبقيت وحدي‪ ،‬عدلت الوسادة لنام ولكن ظهر‬
‫من تحتها ظرف أبيض‪ ،‬أخرجته فوجدت فيه مبلغ من المال ورسالة من عُمر‪،‬‬
‫ووجدت بجواره هاتفي‪ ،‬فتحته وتفحصت رسائلي‪...‬‬
‫الكثير من الرسائل تتمنى سلامتي وشفائي سريع ًا‪..‬‬

‫رسالة من مجهول يقول أنه في المرة القادمة سيقتلني فعل ًا إان عدت لل إاقتراب من‬
‫فريدة !‬

‫" لقد تركتها لك‪ ،‬ف إاشبع بها " !‪.‬‬

‫‪195‬‬

‫أجبت بيني وبين نفسي!‪...‬‬
‫وبينما أتصفح رسائلي‪ ،‬رأيت رسالة سمر‪ ،‬تلك الرسالة التي لم أكمل قراءتها والتي‬

‫توقفت فيها عند جملة أنها رأت شبح ًا !‪.‬‬
‫فتحت الرسالة وأكملت قراءتها لجد أن الشبح الذي رأته ما هو إال إانعكاس وجهها‬

‫على المرأة!‪.‬‬
‫لقد جفلت من شكلها‪ ،‬يالحماقتها‪ ،‬ألم تكن تعلم أنها مسخ ِمن قبل؟!‬

‫************‬

‫‪196‬‬

‫‪39‬‬

‫سلام ‪..‬‬

‫كتب شريف كل هذا الكلام لي‪ ،‬كتبه لجلي‪ ،‬وكتب غيره الكثير والكثير‪ ،‬تغزل بي‬
‫وفهمني بأقل الكلمات‪ " ،‬كان يشعر بي "‪.‬‬

‫لم يفعل رجل هذا من أجلي من قبل‪ ،‬فأنا على تويتر منذ سنوات قبل شريف وأنا‬
‫التي دليت شريف على طريقه وياليتني ما فعلت!‪.‬‬

‫ل أعلم إان كان شريف قد أحبني بصدق‪ ،‬ولكني أعلم أن كلماته قد أثرت بي دائم ًا حد‬
‫البكاء‪.‬‬

‫أنتم تعلمون هذا الشعور‪ ،‬شعور أن ينتشلك أحد من وسط تيهك‪ ،‬ينتشلك من‬
‫وسط الدوامة‪ ،‬شخص غريب ل تعرفه رغم تخلي كل من يعرفوك عنك‪.‬‬

‫هذا كان حالي‪ ،‬فقد إازدرتني عائلتي‪ ،‬إازدرى زوجي جمالي لسنوات حاولت فيها‬
‫ا إلنتحار عدة مرات‪ ،‬أدرك أنني سئمت منه ومن الحياة حد محاولة قتل نفسي ولكنه لم‬

‫يرتجع‪.‬‬
‫لم يكف عن ضربي ونعتي بالعاهرة القذرة‪ ،‬كان يضربني كثيرًا ولننا في دولة اوروبية‬

‫كان يهتم بعدم ترك علامات على جسدي حتى ل أفكر في تقديم شكوى ضده‪.‬‬
‫كان كل ما يهمه أل يترك أثرًا على جسدي‪ ،‬ولكن ما ل يعلمه أن الثار التي لم تظهر‬

‫علي جسدي قد ُحفرت في نفسي وروحي‪ ،‬تشوهت نفسي وروحي بسبب تلك‬
‫الفعال‪ ،‬بسبب ضربه‪ ،‬بسبب تعنيفه الدائم لي‪ ،‬بسبب عدم تقديره لي ولجمالي ول‬

‫لوجودي في حياته على القل‪.‬‬
‫ولكن شريف قد فعل!‪.‬‬

‫أعلم أن شريف له علاقات نسائية كثيرة في الواقع ا إلفتراضي وأنه ليس بملاك منزل‬
‫من السماء ولكنه لم يكتب مثل هذا الكلام إلمرأة غيري‪ .‬ربما هو على علاقة بهن‬

‫‪197‬‬

‫ولكنه لم يتغزل في إامرأة غيري‪ ،‬وحتى إان كان كاذب ًا‪ ،‬فأنا يكفيني هذا الكذب‪ ،‬كان‬
‫كافيا لنقلي من عالمي البائس إالى عالم البشر الذي نفيت منه منذ سنوات طويلة ‪.‬‬

‫نفوني إالى عالم القمع والقهر والكبت‪ ،‬والن أنا أحيا من جديد‪..‬‬

‫أنا سلام‪..‬‬
‫أنا الجعفرية كما يسميني‪..‬‬
‫يكتب بي قصائد الشعر والغزل‪ ،‬لول مرة وبسبب شريف تغار مني وتحسدني‬
‫النساء لن هناك رجل متيم بي‪ ،‬أنا حية من جديد‪ ،‬أشعر لول مرة بهواء الحرية‬
‫يدخل رئتاي‪ ،‬نعم هو ثقيل ويؤلمني ولكني أشعر بالسعادة‪.‬‬
‫لم تطل علاقتي كثيرًا بشريف‪ ،‬ولكني غير نادمة على ذلك‪ ،‬ل أندم فيما يخص شريف‬
‫سوى إانني قمت بحظره مرتين قبل أن نصبح أصدقاء ومشروع حبيبين‪ ،‬أندم لنني لم‬
‫أكن أعلم أن علاقتنا ستكون قصيرة إالى هذا الحد‪ ،‬ربما لو لم أحظره لكسبت شهرًا‬
‫إاضافيا في عمر علاقتنا‪ ،‬ولكن ما كانت حاجتي إالى شريف قبل ذلك اليوم؟‬
‫فقدتحدثت إاليه في ذلك اليوم لسبب خفي داخلي حينها ولكني أفهمه الن‪ ،‬أرسلت‬

‫له تلك الرسالة " قصصك تجعلني أبكي "!‪.‬‬
‫أرسلتها بكل ما بالدنيا وبي من يأس‪.‬‬

‫أرسلتها كنداء إاستغاثة أخير تطلقه سفينة تغرق في وسط المحيط‪ ،‬ك إاشارة ضوئية‬
‫يطلقها الربان عل أحد يراه‪ ،‬كصرخات الركاب الهلعة وسط هذا المجهول‪ ،‬صرخات‬

‫بكل ما بهم من قوة عل أحد يسمعهم أو يراهم وينقذهم من هذا المصير‪.‬‬
‫الغرق‪ ،‬الموت‪ ،‬التجمد أحياء‪ ،‬ولكن ل أحد يسمع‪ ،‬ل أحد يرى‪ ،‬فهم وسط‬
‫اللامكان حيث ل أحد‪ ،‬هم يعلمون ذلك ولكنهم يصرخون‪ ،‬إانها صرخات ل إارادية‪،‬‬

‫صرخات بلا أمل يصرخون بها لعل يكون هناك أمل!‪.‬‬
‫وهكذا كنت أنا‪ ،‬أرسلت تلك الرسالة حين أصبحت حياتي أشد حلكة من ظلام‬
‫الليل في غرفة مغلقة‪ ،‬أرسلت رسالة إاستغاثة للشخص الوحيد في هذه الدنيا الذي‬
‫كنت أعلم أنه لن يستطيع فعل شيء إلنقاذي‪ ،‬لنه بائس أكثر مني!‪ ،‬ولكني أرسلتها‪،‬‬

‫‪198‬‬

‫ربما أرسلتها بلا وعي بسبب خوفي من الموت وأردت أن يكون شريف شاهد ًا على‬
‫حياتي وأنني لن أرحل بلا نعي في صفحة مجهولة‪ ،‬وربما أرسلتها لتكون رسالتي بمثابة‬

‫طلب صرخة يصرخها شريف من أجلي عندما تنطفيء شمعة حياتي في مشواري‬
‫الذي أسير به وأنا على يقين بأنني ربما ل أعود‪.‬‬

‫صرخة بلا أمل نصرخها بلا وعي علها تأتينا بالمل‪ ،‬وقد كان‪ ،‬أثمرت دعوتي‪ ،‬أنقذني‬
‫شريف وانتشلني!‪.‬‬

‫لم أكن أظن أن مكسور ًا يمكن أن يجبر مكسور ًا مثله‪ ،‬ولكن شريف فعل‪.‬‬
‫لم أكن أظن أن بائس قد يبعث المل في ميت ويعيده إالى الحياة‪ ،‬ولكن شريف فعل‪.‬‬

‫أمضى الليلة الولى معي يراسلني بدافع العطف والشفقة‪ ،‬أنكر ذلك‪ ،‬ولكني كنت‬
‫أعلم إانه يشفق علي كثيرًا‪ ،‬وما تلا تلك الليلة أنه عشقني‪ ،‬ذلك الغبي بعدما رأى‬

‫ساقي! ‪.‬‬
‫ل يهم‪ ،‬فساقي كانت أمام زوجي لسنوات ولم يشعر أنها شيء مميز‪ ،‬ربما يكون شريف‬
‫كعازب قد شعر بجمالها لنها لم يذق طعم المرأة من قبل ولكن أطربني مديحه‪ ،‬طرت‬

‫من الفرحة حين قال أن ساقي منحوتة كنها من المرمر البيض‪.‬‬
‫تطورت علاقتنا بسرعة‪ ،‬تطورت إالى حد أنني كنت أعرف كل تفاصيل حياة شريف‬

‫وهو يعرف تفاصيل حياتي‪.‬‬
‫تطورت إالى الحد الذي كان كننا نشرب ماء مالح كلما طالت علاقتنا وتعمقت‪ ،‬كلما‬
‫شعرنا بنهم أكثر لنكون سوي ًا‪ ،‬نهم فرغه شريف في قصائد وكلمات غزل كان ينشرها‬
‫على المل ويذيلها بكلمة " إالى جعفرية "‪ ،‬ذلك ا إلسم الذي لم يعرف أحد من هي‬

‫المقصودة به رغم أني كنت أمامهم طوال الوقت‪ ،‬فهل هناك متعة للنى أكثر من‬
‫ذلك؟‬

‫لم يكتف شريف بفعل هذا فقط‪ ،‬بل فعل شيء ل أعرف إان كان صحيح ًا أم ل؟‪،‬‬
‫ولكنه فعله‪ ،‬لقد شجعني على خوض علاقة مع مديري السابق!‪.‬‬

‫‪199‬‬

‫كنت أعلم أنه متيم بي ولكنه كان يخاف أن يقول لي ذلك‪ ،‬كان يعلم أن العلاقات‬
‫محرمة عندنا في ا إلسلام رغم أننا نعيش في عالم منفتح‪ ،‬إال أن الكثير منا _ الجيل‬
‫القديم على القل _ نلتزم بتعاليم ديننا‪ ،‬فلا نقيم صداقات بين الرجل والمرأة على‬

‫النظام الوروبي‪ ،‬عندنا إاما زواج وإاما فلا! ‪.‬‬
‫لكن شريف أقنعني أو أنا التي كنت أنتظر أن يؤيدني أحد‪ ،‬أقنعني بأنه حان الوقت‬
‫للخروج من السجن الذي حبسني فيه زوجي‪ ،‬سجن الخوف من كل رجل‪ ،‬رؤية كل‬
‫رجل وكنه وحش كاسر سيفترسني‪ ،‬خوفي لم يكن كخوف باقي بنات جنسي‪ ،‬خوف‬

‫البنات والنساء العاديات هو الخوف من ا إلغتصاب والتحرش‪ ،‬ولكن خوفي كان‬
‫خوف من الضرب والقتل والتعذيب‪ ،‬لقد كنت أرى أي رجل وكنه جلاد يمسك‬

‫سوط ًا وأنا المحكوم عليها حكما أبدي ًا بالجلد‪.‬‬
‫ل أعلم ما الذي حدث بعد ذلك بعلاقتي مع شريف‪ ،‬ل أعلم إان كان قد نفر مني ولم‬

‫يعد يحبني بعدما ضاجعت أندرياس‪ ،‬ولكني فعلتها بناء ًا على طلبه لنه هو الذي‬
‫طلب مني ذلك‪ ،‬مضاجعة أي رجل حتى وإان كان حقيرًا لن ذلك الرجل لن يكون‬

‫سوى خطوة البداية في طريق العودة‪ ،‬سيكون مفتاح قفل سجني!‪ ،‬أم هل تغير‬
‫بسبب قلة كلامنا‪ ،‬بسبب ضعف شبكة ا إلنترنت بعدما عاد إالى الصعيد أم بسبب‬

‫تلك المرأة فريدة التي راقبته طويل ًا جد ًا؟‪.‬‬
‫راقبت كل حرف من حروفه علي صفحات السوشيال ميديا وخلصت إالى حقيقة‬

‫كتبتها في منشور وأرسلته إالى شريف خلاصته هي أن‪:‬‬
‫" شريف رجل صعيدي أصيل‪ ،‬خفيف الروح واللسان‪ ،‬تمس كلماته القلب وبخاصة‬
‫كلمات الغزل لحبيبته جعفرية التي ربما تكون هي مجرد صورة خيالية يبحث عنها أو‬
‫عن أجزاء منها في كل إامرأة يقابلها‪ ،‬ولكن رغم ذلك الحب تجاه تلك المرأة إال أنه ل‬

‫يتورع عن مغازلة والتحرش بأي إامرأة جميلة يراها‪ ،‬ربما هي محاولة من اللاوعي‬
‫للتحرر من هذا الحب‪ ،‬وكنت أنا إاحداهن‪ ،‬لقد تحرش بي بحدة قبل أن اقوم‬

‫‪200‬‬


Click to View FlipBook Version