رواية
صرخة سـلام
بيتر أرمانيوس
الناشر
2
صرخة ســلام
3
4
ا إلهداء
إالى أبي وأمي ..
زوجتي وأبنائي ..
إالى القاريء العزيز ..
إالى جميع شخصيات هذا العمل ما عدا شريف ..
إالى " كوكا " ..
تلك الفتاة التي ل يعرف أحد إاسمها الحقيقي أو شكلها أو بلدها ،التي ألهبت سمع
الكثير من شباب قريتي بصوتها الجميل وجعلتهم يتخطون فترة المراهقة بأقل الخسائر!
5
6
شكرًا من القلب ...
للصديقة والخت الغالية الكاتبة والروائية الردنية
َهنـاء عودة
شكرًا لدعمك المتواصل لي ولغيري ..
شكرًا لنك السند وخير من يشجع كل موهبة ل يعلم عنها أحد ..
شكرًا لن كلماتنا بدعمك وتشجيعك تخرج إالى النور ..
7
8
والعلاقات ا إلنسانية يا صديقي كا إلنسان من طين ...
بسهولة الطين تتشكل وتتخذ أي شكل يريده أصحابها ...
وكالطين الذي يكتسب صلابته بنار التون ،كذلك العلاقات تكتسب
قوتها بنار التجارب والصعاب التي تمر عليها ..
فتخرج العلاقات ا إلنسانية منها أكثر قوة وأكثر ثقة من ذي قبل ..
وبعد أن تقوى تتحمل صعاب وتجارب الحياة ومحنها ...
9
10
1
ِنت مسروق وجهاز أخرس أصم رغم قدمه..
كانت تلك الجملة يتردد صداها في عقله ،رغم اللم الشديد الذي يشعر به في رأسه،
ورغم السواد الحالك المحيط به وكنه حبيس في جب مظلم في قلب جبل عظيم ،إال
أن تلك الجملة ظلت تتردد وتتردد...
ِنت مسروق وجهاز أخرس أصم رغم قدمه !
ِنت مسروق وجهاز أخرس أصم رغم قدمه !
ألم...
سواد...
مفاصل يشعر باللم والخدر فيها ،يحاول الحركة ولكنه يشعر وكنه عاجز أو أنه
مشدود برباط!
حاول أن يفتح عينيه ولكن ثقل جبال الدنيا معلقة فيها..
أهي النهاية؟؟
أهو القبر أم عذابه؟؟
أم هو يوم الحساب؟؟
صه!!
مهل ًا!
هناك موسيقى تصدح في الرجاء ...
" وصوت الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود"!!
هل هو ناي الفناء؟؟؟
صه!!
مهل ًا!
ل ..
11
إانه ليس الناي ،فنغمة الموسيقى المترددة يعرفها جيد ًا!...
إاذ ًا لبد وأن هذا مجرد كابوس!
أه فقط لو يستطيع فتح عينيه ،حينها سيعلم ماهية كل هذا!
لع ِلم إان كان كابوس ًا أم كان! .........
و َّجه كل قوته إالى جفنيه محاو ًل فتحهما ،وبالكاد إاستطاع أن يرى بصيص نور من
إانفراجتهما الدقيقة ،ولكن ثقلهما لم يلبث إال وأطبقهما من جديد ليعود إالى الظلام...
لكن ..
يوجد نور بالخارج...
هو ليس بميت!
" أنا حي "!
" أنا حي ،وكل هذا مجرد كابوس!
ها هو ..
يوجد نور!
فقط إان إاستطعت أن أفتح عيني مرة أخرى لرى أين أنا ولماذا ل أستطيع الحركة؟
هل أصبت بالشلل؟؟
ولحظ أن تلك الجملة التي كانت تتكرر في عقله قد توقفت ولم يبقى سوى اللم الذي
يسيطر على كل جسده ويتخبط في أرجاء رأسه ،وبقي أيض ًا صوت الناي الذي
ليس بناي!
فتح عينيه مرة أخرى...
إانه النور...
نور أعماه ،ف إاضطر أن يغمض عينيه مرة أخرى ،ولكن هذه المرة أغلقها بإارادته اللا
إارادية ،فقد إاختفت الثقال المعلقة بجفونه
لبرهة وفتحها مرة أخرى ،وبدأ يستعيد وعيه وذاكرته ومعرفته بالشياء شيئ ًا فشيئ ًا...
12
فمنذ لحظة لم يكن يعلم من هو أو أين هو؟ ،ولكن الن إاستطاع التمييز.
ذلك النور الباهر ما هوإال إاضاءة معلقة في السقف الذي ينظر إاليه مباشرة ،نعم ،هو
الن مسجى على ظهره ولهذا لم تستطع عيناه إاحتمال النظر المباشر إالى الضوء.
حرك عينيه في المكان ،ولوهلة شعر بالرعب ،رعب طفل صغير يقف في منتصف
الطريق أمام شاحنة مقبلة نحوه وهويشعر بالعجز ،ل يعرف ماذا يفعل؟ ،فقد كل
قوة على التصرف ،لم يستطع الصراخ أو الهرب ،إانه العجز والشلل التام وترقب
المصير مع إاقتراب الشاحنة منه!
ومع ضجيج بوقها الذي يضغط عليه السائق لمحاولة إابعاده عن الطريق يزداد رعبه،
وقلة حيلته ،إانه الموت ل محالة ،الموت المرعب الذي يرحم الكثيرون ويخطفهم فجأة
دون أن يعوا أنهم سيموتون ،أما هذا الطفل ف إانه يعي ويرى الموت مقبل ًا عليه ،فاغرًا
فاه ليبتلعه...
عاجز ،وخائف يقف في منتصف الطريق بلا حيلة في إانتظار المعجزة ،وهي أن
تتوقف الشاحنة قبل أن تدهسه أو أن ينتشله أحدهم قبل ذلك.
كان ذلك هو نفس إاحساسه عندما بدأ يعي ما حوله ،إاحساس الرعب والذعر.
ولم يدري لماذا تذكر ذلك الحديث مع صديقته الذي أجراه معها عقب إاعلان
مستشفى " ،" ٥٠٠٥٠٠الذي إاجتمع فيه فناني مصر لتخليد ذكرى " أحمد زكي "،
بجناح كامل لمعالجة مرضى السرطان؟
قالت له مات أحمد زكي منذ عشر سنوات ،ولكنه مازال حي في ذاكرة أصدقائه،
ولهذا عملوا على تخليد إاسمه بجناح في مستشفى تعالج السرطان بالمجان كصدقة
جارية ،فهل ياترى أنا وأنت عندما نموت سيذكرنا أحد؟!
حاول عبث ًا أن يقنعها أن ذلك مجرد شو إاعلامي ليس إال! ،ولكنها أصرت أنه حتى
لوكان مجرد شو ،فهيي لفتة طيبة ممن عرفوه وعاشروه لن يفعل مثلها ل معارفه ول
معارفها!.
13
ما الذي بث في داخله كل هذا الرعب المفاجيء؟ ،ولماذا تذكر ذلك الحديث القديم
الن؟؟
صحيح أنه أدرك الن أنه يرقد في مستشفى ،وأن صوت الناي الذي كان يظنه
يصدح بعد فناء الوجود ما هوإال صافرة جهاز القلب الموصول بجسده!.
***********
14
كحالم ،لم يطل التفكير في الرعب الذي كان يتملكه منذ وهلة ،فقد شد إانتباهه تلك
التفاصيل التي وقعت أمام عينيه ،تفاصيل جعلت حدقتا عينيه تتسعان هلع ًا ل
إارادي ًا!
فهولم يكن في مستشفى عادية!
تلك اللمبات المعلقة بالسقف كانت نظيفة والسقف ناصع البياض ،والحوائط!،
ماهذا؟
أي غبي سيقوم بطلاء كل جدران مستشفى باللون البيض؟؟
أل يعلم أنها مكان خدمي؟! وأن المرضى وذويهم سيجعلونها سوداء في أقل من
أس بوع؟!
وما هذا أيض ًا؟
إانه يرقد في غرفة بمفرده! ،و ِفي زاوية الغرفة بجوار الشباك توجد شجرة زينة صغيرة
جميلة وأصيص زجاجي تتعانق فيه سيقان البامبو البيضاء الجذور!.
لحت منه إالتفاتة ل إارادية إالى ما حول رأسه على اليمين وعلى اليسار ولكنه للسف
وجد ما خشاه!
أجهزة كثيرة موصولة به ،فهذا جهاز التنفس ،وهذا جهاز القلب ،وجهاز يقيس النبض
والضغط!
غرفة بيضاء الجدران والسقف ل يشوبه عيب ،ل نفايات ول قاذورات تحتل
الزوايا! ،وكنها مستشفى تم تسليمها من المتعهد اليوم ليكون هو أول زوارها!
إاضاءة السقف ل يوجد بها شيء محروق ،ل مخلفات ذباب حول أطرافها! ،وذلك
الخرطوم الذي يخرج من بطنه حامل ًا إافرازاته الدموية إالى الكيس المخصص لذلك...
ماذا؟!!
تب ًا !!
لم يكن قد إانتبه من قبل إالى تلك الحقيقة الصادمة!
15
حقيقة أنه لبد وأنه مريض ،وإال فل َم سيكون راقد ًا على ذلك السرير؟ ،ول َم شعر
بذلك اللم وتكسير المفاصل الذي يشعر به منذ أن إاستعاد وعيه؟ ،ول َم خرج ذلك
النبوب المحمل بالدم من بطنه...
تب ًا...
بطنه!
وكملدوغ من عقرب رفع غطائه البيض لينظر إالى جسده...
تب ًا
تب ًا
تب ًا
" أنا عاري تمام ًا !!!"
وما هذا اللاصق الذي يوجد أسفل سرتي على يمين بطني؟ ،لماذا هو بهذا العرض؟
هل هذه عملية أم أنها إاصابة؟!
تب ًا!
اللعنه ...عملية !؟؟
إاصابة ؟!!
ويعالجوني في هذه المستشفى الفخمة الدولية التي لبد وأن يكون سعر كوب الماء فيها
ل يقل عن مائة جنيه؟.
فما بالك بغرفة مجهزة بأعلى مستوى؟؟
لبد وأنهم سيجلوني أدفع ثمن هذا البامبو اللعين أيض ًا!
وهذه البطانية البيضاء الغبية ،أعتقد أنني سأتحمل ثمنها أيض ًا!
اللعنة...
ياخراب بيتك يا شييف...
تب ًا!
حتى اللدغة أصابت أفكاري ل لساني فقط!
16
أين أنا وما الذي حدث؟!
ويبدو أن حركته ،أو أن عودته من غيبوبته قد حفزت الجهاز المتصل بهن فقام
بإاعطاء إاشارة إالى طاقم التمريض ،فلم يمضي الكثير من الوقت حتى إانفتح الباب عن
حورية ترتدي البيض ،ملاك من ملائكة الرحمة كما قال الكتاب وليس كما إاعتاد أن
يرى!.
" حمد ًا لله على سلامتك يا أستاذ شريف".
قالتها وهي تتجه إالى الجهاز لتقرأ بياناته وتسجلها على ورقة الملاحظات التي كانت
معلقة على طرف سريره ،ومن ثم أخرجت من جيبها بعض الحقن لتضيفها إالى المحلول
المعلق.
" ما الذي حدث وكيف أتيت إالى هنا؟"
" ل أعلم ما الذي حدث؟ ،ولكن الستاذة رغد هي التي أحضرتك إالى هنا".
" نيمفو؟!"
"نعم ؟!"
تساءلت الممرضة بإاستغراب ،ليجيبها قائل ًا:
" ل علي ِك"!.
*************
17
راقب الممرضة بصمت وهي تقوم بعملها من حوله ولحظ أنه رغم كونه في مستشفى
إال أنه لم يعد يشعر بذلك ا إلشمئزاز أو التقزز الذي إاعتاد أن يشعر بهما عند دخول
المستشفيات العامة أو حتى الخاصة ،فهو مصاب بفوبيا المستشفيات!
كان يكره دخولها ،ل بل إانه كان يشعر دائم ًا بالقرف منها ،لم يكن يزور أحد في
المستشفى إال إاذا إاضطر إالى ذلك أشد ا إلضطرار ،كن يكون المريض قريبه وطالت
فترة بقائه في المستشفى!.
وكان لزيارته طقوس غريبة ولكنها مقدسة!
كان يراعي جيد ًا أن ل يلمس أي شيء منذ دخوله المستشفى حتى خروجه منها،
ل يلمس أبواب أو جدران أو نوافذ.
بالطبع منطقة الحمامات في المستشفى بالنسبة له كمنطقة تشي نروبل ،ممنوع ا إلقتراب
منها بمسافة عشرة أمتار على القل ،يتجنب الجلوس حتى ل تلمس ملابسه كراسي
المستشفى أو أسرتها!.
من المستحيل أن ياكل أو يشرب في المستشفى ،الشيء الوحيد الذي كان يفعله
مضطرًا هو مصافحة المريض ،يعلم جيد ًا أن هذا شائن وعيب لنه يحمل الكثير من
عدم احترام للمرضى أو يعتبر قلة تعاطف من قبله لبلواهم ،ولكن ل ذنب له!
لقد جاء المستشفى لداء الواجب وليس ليخرج منها بمرض ينغص حياته ،خدمة
المريض ك إاطعامه أو إاشرابه أو إادخاله للحمام ل يعلم عنها شيء وليس مضطرًا لها!
تلك الفوبيا أصابته بعدما سمع أكثر من مرة عن أناس دخلوا المستشفيات أصحاء
وغادروها بأمراض مزمنة!.
ذهب أحدهم ليتبرع بالدم فخرج بفيروس الكبد ،وأحدهم أصيب بالتيتانوس ،غير النبأ
عن تلوث معدات وأجهزة تلك المستشفى الجامعية التي تخدم ثلاثة محافظات بفيروس
سي ،ذلك النبأ الذي حاول المسؤولين إاخفاؤه ،ولكنه علم به من أحد العاملين في
المستشفى...
18
قال أنهم إاكتشفوا أن المستشفى ملوثة بالفيروس ،فكم ألف شخص أصيبوا دون أن
يدروا فقط لنهم اكلوا أو شربوا أو إاستعملوا حمام في تلك المستشفى قبل أن
يكتشفوا أنها ملوثة؟
كم من زائر جاء لعمل الخير فأصابه الخير في مقتل؟
ولهذا كان يرى المستشفيات والعاملين فيها ما هم إال أمراض فتاكة قاتلة!
ولهذا حرص كل الحرص على أن يكون في كامل تركيزه وهو في المستشفى!
وحتى تلك ا إلجراءات لم تكن كافية بالنسبة له ،فكان عليه أن يستحم بمطهر عقب
خروجه من المستشفى ،ل يذهب إالى أي مشوار ،ل يصافح أحد أو يعانق أحد بعد
خروجه من المستشفى ،بل إالى المنزل مباشرة ليستحم ويتخلص من تلك الجراثيم
العالقة به قبل أن يعود لحياته الطبيعية.
لكن هذه الفوبيا يبدو أنها تبددت الن!
فهو ينام على السرير بكل أريحية ولم يتبادر إالى ذهنه أنه ربما يكون قد نام عليه أحد
من قبل وأن يكون قد نزف عليه أو أنه قضى عليه حاجته؟!
بل يشعر وكنه في سريره الخاص ،وتلك الممرضة التي تتفحص جسده لم يشعر
با إلشمئزاز منها ولم يراقب حركة يديها على جسده ليطهر مكانها مثلما كان يفعل مع
ممرضات المستشفيات التي زارها من قبل ،بل رأها وكنها عارضة أزياء ل ممرضة
عادية ،حتى أن تلك الفكرة وحدها وكون أنها تلامس جسده العاري بدأت تثيره!
" ملكة جمال ،كم أو ّد مضاجعتها! ،لو أخبروني أنها مصابة با إليدز لن يهمني
ولضاجعتها! "
هكذا فكر في نفسه ،ولكن أفكاره الدنيئة لم تطل كثيرًا كباقي الفكار التي عبرت
رأسه منذ أن إاستفاق ،فقد أنهت الممرضة عملها وبادرته قائله:
" أنت الن أفضل حا ًل بكثير ،سيمر عليك الدكتور بعد فترة ليطمئن عليك".
وتركته وخرجت ،تركته بمفرده يحاول أن يستوعب ما حدث.
19
2
" نت مسروق وجهاز أخرس أصم رغم قدمه "!
عادت تلك الجملة لتتردد في رأسه من جديد ولكنه الن أصبح يعي معناها ،جملة فيها
الحل وتفسير كل شيء.
خرجت الممرضة من غرفته الفارهة التي سيدفع ثمن كل شيء فيها من دم قلبه وتركته
وحيد ًا محاو ًل تذكر ما حدث!.
بدأ كل شيء منذ ثمانية أشهر تقريب ًا ،حين أنشأ تلك الصفحة على الفيس بوك في
ذلك اليوم المشؤوم!
صفحة أنشأها ل لشيء إال ليضيع الوقت الثقيل الذي كان عليه أن يمضيه في العمل،
فهو عليه أن يقضي ساعتان إاضافيتان في ذلك المكان الذي عمل فيه لمدة خمسة
س نوات.
خمسة سنوات مرت خفيفة سريعة ولكن هاتان الساعتان ثقيلتان عليه جد ًا ،فوجد
ذلك الكمبيوتر وفتح حساب الفيسبوك خاصته وأنشأ صفحة وأسماها ..
"صرخة شيف"!
وكتب:
" نت مسروق وجهاز أخرس أصم رغم قدمه"!
ذلك الجهاز الذي طالما كان منذ خمسة سنوات أسرع جهاز في المكان والن ل أعلم
إان كان بسبب التربة التي غطت أجزاؤه الداخلية أم بسبب عدم ا إلستخدام أم
بسبب الدرينالين الذي يتدفق في جسدي بسبب عصبيتي يجعلني سريع ًا في الكتابة
كفاية لدرجة تجعل الجهاز يبدو كهل ًا مقا نرة بسرعتي؟
هذا الجهاز رغم قدمه إال أنه ك إانسان بدائي بالنسبة لي ،ل يفقه أي شيء عن
الحروف التي أطبعها عليه الن ،ويظهر المعالج التلقائي للكلمات ليعالج كلمات صحيحة،
20
ما هذا الغباء؟ ،وكنني أمام إانسان الغاب ،أرتدي ملابسي وربطة عنقي وهو يحاول
تجريدي منها ل لشيء إال لمجرد كونها شاذة عما إاعتاده!،
أقسم انه لول حاجتي لتفريغ طاقتي في أي شيء حتى وان كانت مجرد كتابة تافهة لن
يراها أحد على جهاز عقيم في صفحة مجهولة في شبكة عنكبوتية ،إال أن ذلك
ا إلحساس يريحني نسبي ًا...
إاحساس الشكوى
إاحساس البكاء
إاحساس ا إلنفجار
نعم ،إانني أبكي وأشكي وأنفجر بحروفي ،ولكم كنت أتمنى لوكان بإامكاني فعل أكثر من
ذلك ،كنت أتمنى لو كان بإامكاني تحطيم ذلك الجهاز وهذه الطاولة والغرفة وتحطيم
نوافذها وحرق محتوياتها كلها!.
ولكني ل أستطيع!
ربما يستغرب من يعرفني منكم هذه المشاعر التي بداخلي ،ولكنكم أيض ًا تعرفون جيد ًا
معنى ا إلحباط ،الفشل ،معنى أن تكون أحلامك بسيطة جد ًا وتسعى جاهد ًا
لتحقيقها حتى تظن أنها في متناول قبض أصابعك ،وما أن تقبضها حتى تكتشف أنها
سراب ،وهم ،ل شيء ،وذلك ل لتقصير منك ولكن بكل بساطة لن أحدهم قرر
ذلك!
"هذا مالي وأنا حر ،وإاذا مو عاجبك ،روح إاشتكي!".
كانت تلك الجملة هي المطرقة التي هشمت زجاج روحي وكسرت قشرة فوهة بركان
غضبي ليثور ،ولكنه ثار بداخلي ،خنقني ودمرني ،أطلق الدمع إالى مقلتي عيني
بسرعة البرق ،وياليتها سالت دموعي ،لكنها تحجرت هناك..
ترقرقت الدموع بعيني وتحجرت هناك...
لمعت في عيني لمحدثي لتشعره بمتعة النصر علي ،ووقفت هناك لتقتلني ببطء لنني
جبان خانع...
21
ياليتها سالت على خد ّي لربما إارتحت ،ولكنني لم أبك أبد ًا منذ سنوات طويلة...
ل أؤمن بالبكاء ،أراه ضعف ول فائدة منه ،ولكن اليوم إانفجرت عيني دامعة رغماً
عني...
ربما لنني لم أتوقع ذلك ،وربما لن تلك الجملة التافهة من هذا المادي كانت كحذاء
متسخ يدوس على أخر ما تبقى من أحلامي البسيطة ،على حقي ومالي ،على رزقي
الذي عملت لجله سنوات!
أنا شريف ،عملت في هذه المؤسسة خمسة سنوات حتى صارت جزء ًا مني ،خمسة
سنوات وأنا أعمل هنا لمدة عشرة ساعات يومي ًا ،فوداع ًا أحلامي البسيطة ،وداع ًا
خلطتي السرية لحشو السمك ،وداع ًا تتبيلتي الخاصة من الدقيق وبودرة البقسماط
والجنزبيل والتوابل الهندية التي كنت أتبل بها قطع الدجاج وأشويها فتخرج مقرمشة
من الخارج وطرية شهية من الداخل ،وداع ًا لخسة سنوات عملت فيها في هذا المطعم
بكد وجهد وكنه مطعمي ،وداع ًا لللف زبون اللذين كانوا ياكلون من يدي يومي ًا..
وداع ًا يا مديري الجديد ،وداع ًا أيها العاهر الذي لم ترى أي شيء مما كنت أفعله ،وكل
ما رأيته بي هو ثلاثمائة وخمسون دينارًا ،هي راتبي!.
لم يراني سوى كنقود متحركة ،نقود يدفعها كل شهر،نقود أخذها بدون وجه حق لنه
يمكن إاستبدالي بإاثنين من عديمي الخبرة ،يتم تعليمهما ليقوما بعملي وأكثر منه أيض ًا،
سيقومان بمسح الرضيّة وغسيل الطباق وتنظيف النوافذ وغسل الدجاج وفرم
الفول والحمص لصنع الفلافل...
لم يرى أن ما يميزني وما زاد ا إلقبال على المطعم في السنوات الثلاثة الخيرة هو
خلطاتي المميزة ،رأني فقط حفنة من النقود التي سيستطيع توفيرها ،هذا الغبي!
أسف إان كنت قد أطلت عليكم ،ونسيت أن أعرفكم بنفسي...
أنا شريف ،ويناديني أصحابي بإاسم شييف ،وهذا لني ألدغ في حرف الراء!.
22
أعمل في أحد أفرع سلسلة سلسلة مطاعم شهيرة في الكويت ،أنا مصري إاختار أن
يغترب.
إاخترت التعب والتشرد للهروب من أحوال بلدنا الغالية المتدنية وسعي ًا وراء مستقبل
أفضل لي ولولدي إان لم أستطع لنفسي ،ولكن اليوم تم انهاء خدماتي تعسفي ًا وتم
حرماني من مستحقاتي المالية التي أجازها لي قانون العمل ،ولم يكن من حقي أن
أعترض لن صاحب العمل أراد فقط أن يأكل حقي ،وقد فعل!
أنا الن بلا عمل ول مستحقات ،مستحقات خمسة سنوات طارت كما يطير
العصفور من الفخ بينما يخلصه الصياد.
كانت مستحقاتي في مستوى نظري ولكنها تبخرت كما طار العصفور من يد الصياد
لنه لم يحكم قبضته عليه.
ولكنه لم يكن في قبضتي أصل ًا ،كان فقط في عقلي!.
كنت أشعر بالسعادة كلما مرت علي سنة هنا لنني أحسب مستحقاتي فأجدها قد
زادت ثلاثون يوم ًا ،الن إاذا فكرت في ترك العمل أو إاذا طردوني سيكون معي
مبلغ محترم ينفعني في بناء شقتي ،في تشطيبهان وربما أستطيع شراء محبس لخطب،
ولكن لشيء من هذا سيحدث الن.
الن علي أن أفكر في كيف سأستطيع تدبر ثمن وجبتي التالية وكيف سأعيش؟!
تسعة وعشرون عام ًا هي عمري ،منهم سبعة سنوات غربة في الكويت والن أعول
هم ثمن وجبتي التالية!.
إانه الهم فعل ًا في صورته الخام!"
كان ذلك المقال الذي كتبه ونشره على الفيس بوك هو البداية التي جاءت به إالى
المستشفى ،وكان هو بداية كل ما حدث له بعد ذلك ...مقال بث فيه كل ما يشعر
به من سخط وغضب وغيظ..
بكت حروفه وابكت الكثيرين...
23
تعاطف اللف مع المقال...
توالت التعليقات والمواساة من كل حدب وصوب...
وكان اهم ما يميز المقال هو أسلوبه الرائع في السرد ،تلك الملكة التي لم يكن يفطن لها
قبل ذلك...
ظنها الكثيرون نعمته ولكنها كانت نقمته ،وبدأت مشاكله بسببها!.
بدأت حين إاستقبل في صندوق رسائله طلب ًا غريب ًا ،طلب استنكره واقلقه في باديء
المر ولكنه قال لم ل؟! ،ما أكثر ما قد يحدث؟ ،ولم ل أجازف؟!
كان الطلب هو أن إاحدى السيدات أرادت منه أن يسرد قصتها ومعاناتها ،أرادت
أن يعلم العالم مدى بؤسها في حياتها ،أرادت فعل ذلك من سنوات ولكنها تفتقر إالى
الجرأة والسلوب ،والهم أنها ل تريد أن تفعل ذلك في محيط صغير ،ف إان ذلك أشبه
بالصراخ في غرفة ضيقة ،فلن يفيد الصراخ الخافت في إاراحة أوجاع النفس ،والصراخ
بملئ الروح سيصم أذانها...
أرادت فعل ذلك في صفحته ،حيث وصل عدد المتابعين فيها إالى حوالي أحد عشر
ألف متابع من مقال واحد كتبه فقط.
حكت له قصتها بكل تفاصيلها وطلبت منه أن يصيغها بطريقته وأن ينشرها على
صفحته...
كانت تريد فعل ذلك كصرخة إاستغاثة تطلقها من فوق أعلى قمة جبل...
لم تكن قصتها بالشيء الهين أو السهل ،فقد كانت شائكة جد ًا.
وهو تردد كثيرًا ،وخاف من ذلك لنه كان يخشى ردود الفعال إازاءها ،ولكنه قرر أن
يجازف ،قرر أن يكتب قصتها وينشرها.
*************
24
3
نيمفو ..
كان إانسياب اللبن من غددها اللبنية سلس ًا إالى فم ذلك المخلوق الحمر الضعيف
العاجز الذي تحتضنه بيديها ،رغم ألف الفواه التي داعبت ورضعت حلماتها الخرساء
إال أنها لم تشعر بمثل تلك السعادة ،ول الدغدغة الناتجة عن سريان اللبن فيها.
سقطت رغماً عنها دمعة فرح أعقبتها بقبلة ندية على رأس إابنها وهي تمسح شعيراته
الخفيفة بيمينها ونظرت إالى أعلى وقالت" :ربنا يخليك ليا "،
ثم أسندت رأسها على حافة السرير خلفها ورفعت الغطاء من أسفل رجلها حتى
غطت جسدها وجسد إابنها المتشبث بصدرها وأغمضت عينيها وأخذتها الفكار إالى
بئرها المظلم والمخيف..
راحت بأفكارها إالى أيامها التي كانت عقدة حياتها ،وحبكتها التي هي فيها الن ،غير
عالمة هل هذا المولود الذي تحمله وعانت من أجل الحصول عليه ،هل ياترى سيكون
الحبل الذي يشنقها أم الحبل الذي يمده الله لها وهي في هاوية بئر اليأس والعذاب
لينقذها وينقذ روحها السوداء من كحل اليام المصبوغة به؟!
أرخت رأسها وراحت تتذكر ...
وأول ما تذكرته كان تلك الذكريات في أعمق وأظلم زوايا عقلها ،تلك الذكريات
الحاضرة ،والتي أبد ًا ل تغيب ،ومع هذا تهرب منها أيام وشهور وسنين ،ككرباج
يتحاشى النظر إاليه عبد ُحرث ظهره به ،وكعصا يخشاها كلب ُشجت به رأسه
وكسرت إاحدى ساقيه..،
25
تلك هي الذكريات التي طالما هربت منها لسنوات طوال ،ولكن الن تسوقها أفكارها
إاليها رغماً عنها وكنها كراكيب قديمة لبد من التخلص منها ،وكنها عفن لبد من فتح
الشبابيك عليها لتطهيرها.
تذكرت َاهلها..
أبيها ،أمها ،أخيها وأختها ،تذكرت تلك العائلة البسيطة والحياة البسط التي كانت
تعيشها...
بيت صغير في قرية ،وأهل يغمرونها بالحب والعطف والحنان ،لم يكن لها أحلام أو
أي طلبات...
لم تشعر أنها محرومة من شيء...
لم تشعر بالضجر أو الضيق ،ل من قريتها الصغيرة ول من شارعهم الضيق الذي ل
تصله أشعة الشمس إال لدقائق معدودة خلال الصيف،
كانت تظن أن حياتها مثالية حتى دق قلبها...
تلك العضلة الملعونة بالحياة والموت.
فالقلب هو لعنة أبدية وسلاح ذو حدين ،يضخ الحياة في جسد ا إلنسان ،واذا ما
نبت فيه الحب فربما يكون الخلود ،أو السم الذي يهلك ا إلنسان وأحيان ًا كل من
حوله.
وهذا ما حدث معها...
أحبها إابن الجيران،
عشقها حتى عشقته ،ولنها لم تتعود أن يُرفض لها طلب فقد أخبرت أمها بحبها ،والتي
بدورها هرعت إالى والدها لتخبره بضرورة تفادي المصيبة!
ولول مرة تعرف للرفض معنى...
وإاعتراض َاهلها على حبها إلبن الجيران زادها تمسكاً به...
فل َم ل تتمسك به وهي أمام فرصة ذهبية لتكون جولييت الجديدة وحبيبها ،جارها هو
روميو العصر؟؟
26
وهربا سوي ًا ظن ًا منها أنها تخلد حبها ،ولكن ليس هكذا ُيخلد الحب في القرى!.
هربا إالى القاهرة ،وهناك إانتهك حبيبها عذرية قلبها وروحها مثلما إانتهك عذرية
جسدها ،ولم يمر سوى أسبوع حتى وكان كزئبق ،كبخار ماء ما لبث أن ظهر على
سطح إاناء يغلي وما عاد له وجود ،وإاختفى الحبيب ،إاختفى روميو زمانها ،وسال
دمعها حارًا ولم تكن تدري أتبكي نفسها أم تبكي الحال الذي أصبحت به أم تبكي َمن
غدرها؟!
بكت بلا صوت ،وإاختنقت أنفاسها عندما تذكرت تلك اليام واليام التي تلتها،
مسحت دموعها بظهر يمينها وتذكرت أول مقايضة بجسدها بعد أن قرص الجوع
معدتها الخاوية..
علمت أن حبيبها لن يعود ولن تستطيع هي أن تعود لهلها بعار لن تغسله اليام،
فباعت جسدها!
مرة ومرة وعشرات المرات..
باعته لتأكل وتشرب وتلبس ،ثم تعلمت أن تبيعه لتركب سيارات وتشتري الشقق!.
لكن مهل ًا!
هي لم تبع جسدها!
ل ..
بالطبع لم تبعه!
بل كل ما فعلته هو أنها إاستخدمته كسوط يجلد جيوب هؤلء الذين يسيل لعابهم
عليها وتغرق في إانحناءاتها نظراتهم...
هؤلء الذين تتوه أصابعهم في جسدها وتجف ألسنتهم لعق ًا في تضاريسها!
هي ليست بضاعة ل ُتباع...
بل هي سجن وعقاب لهم!
وحتى ل نختلف ،فلا تهم المسميات ،لنها بالطبع باعت نفسها وجسدها في تلك
اللحظة التي لم تنصاع فيها لحكم وأوامر أهلها!.
27
وعاشت حياتها لهدف واحد..
وهو تأمين نفسها مادي ًا ،فهيي قد علمت أنه ل لن يبقى لها أحد إالى البد...
ل أصدقاء ول أحباء ول أقرباء ،فالعلاقات البشرية عملة رائجة في كل الدنيا ولكنها
فقيرة وهذه العملة ل تعرف لحياتها طريق ،المال وحده هو الذي سيكون طوق النجاة
لها ،وكنزت كل ما إامتدت إاليه يدها ،كل قرش ستوفره الن سيعينها بعد تقاعدها
لن مهنتها هذه مرهونة بجمالها ونضارتها وما أسرع ذبول نضارة النساء!.
ُهن كالوردن تذبل بتلاته وتتساقط سريع ًا فما بالك بوردة عبثت ببتلاتها الكثير من
اليدي وإامتص رحيقها عشرات ،بل مئات النوف؟
هي غيبوبة ،عاشت فيها بإارادتها لسنوات طويلة ،لم تصحو منها إال من خلال ذلك
الفستان القديم الذي أرادت إارتدائه لزبون قديم ولكنه عالي المقام!.
وقفت أمام المرأة التي طالما تحاشتها حتى ل تُعيرها بعهرها ،وقفت مرتدية ذلك
الفستان الذي لبسته بصعوبة بالغة ،وقفت تنظر لنفسها كمسخ!
فقد إانهار جسدها دون أن تدري!
أو ربما كانت تدري ولكنها لم تقارن واقعها أبد ًا بماضيها من قبل ،وخير ُمقارن هو ذلك
الفستان الذي طالما تألقت به فيما مضى ،أما الن فهيي تبدو فيه وكنها شوال مكبوس
بالقطن!
صدرها فقد قوامه وسال على جسدها كبالونتين مهترئتين ،وتلك الخطوط التي تظهر
في بطنها كثنيات مقيتة والنتوءات التي تظهر جلية بسبب لمعة الفستان وإالتصاقه
بجسدها...
نظرت إالى جسدها وفغرت فمها من صدمتها...
من سيدفع المال في هذا الجسد بعد الن؟!!
حاولت أن تتذكر عمرها ،حاولت أن تتذكر السنة التي تركت فيها بيت َاهلها وفي أي
عام تعيش؟!
بحثت في هاتفها عن السنة ،التاريخ...
28
فاليام لم يعد لسمائها قيمة لها منذ زمن والسنوات دورانها ل يعنيها بشيء ،ولكن
تلك الفجوات الصغيرة في نسيج حياتنا إان لم نسارع برقعها فسنجد أنفسنا يوم ًا م ًا
بلا ستر ول غطاء!.
وغالب ًا سنكون قد فقدنا كل قوة في أجسادنا حينها ،كل قدرة على التحمل وكل قدرة
لمحاولة ا إلصلاح ،عرايا وليس أمامنا سوى إانتظار النهاية ببؤس ،متجرعين ألم المرارة
بسبب الوقات التي أهدرناها سدى وأهملنا إاغلاق شقوق المركب.
وكانت تلك اللحظة هي بداية الوعي وبداية الكابوس الذي طالما هربت منه لسنواتها
الطويلة في عالم الدعارة ،عالم دخلته رغماً عنها ،دخلته بالحب وإانتهت أيامها فيه وحيدة
بدون حب ،علمت أن أيامها كعاهرة وكنى قد قاربت على ا إلنتهاء ولن يتبقى لها
سوى الوحدة المقيتة ،ستقضي باقي أيامها وحيدة منسية بين جدران قصورها الخاوية.
رعب سيطر عليها ليام طويلة تالية...
ماذا تفعل؟؟
كيف تهرب من تلك الوحدة ،وما الحل؟؟
لم يهدها تفكيرها إال إالى ذلك المل الوحيد الذي ظنت أنه ليس من حقها لسنوات،
ولكن ليس بعد الن ،فتلك هي فرصتها الوحيدة وإال لن يتبقى لها سوى البكاء على
الطلال...
وكان المل هو ا إلنجاب!.
أن تُنجب طفل ًا يكون لها ونيس ًا في أيامها ويكون لها سند ًا حين تشيخ وتقوى عليها
اليام ،وتُنسى من ذاكرة كل من ضاجعوها!.
وبدأت رحلة البحث عن رجل يزرع في رحمها بذرته ...
لم تكن تريد سوى بذرة وإاسم يُطلق على النبتة ..
وعقدت صفقتها مع ذلك الرجل الذي طالما حلم بها لسنوات ولكن لم يكن له أي
فرصة معها ،فقد كانت أكبر من إامكانياته ،لكنها إاتفقت معه على أن يضاجعها مجان ًا
مقابل أن تحمل منه وأن يسمى إابنها على إاسمه بلا أي إارتباطات من بعد ا إلنجاب...
29
ل تريده في حياتها ول تريد منه شيء ،بل دفعت له الكثير من المال مقابل هذه
الصفقة!
وهذا زاد قناعتها في أنها ل تحتاج إالى رجل في حياتها ،فهيي لم تجني منهم سوى الدمار
وحطام نفسها وروحها...
وها هو إابنها ينهل من صدرها.
نظرت إالى ابنها بقلق وخوف شديدين وراحت تفكر:
"هل يا بني ستكون لي السند أم ستكون أنت سوط القدر الذي سيجلدني على
ذنوبي التي إاقترفتها في حياتي رغماً عني؟!
جلبتك إالى هذه الحياة لتكون عكازي وسندي وأخشى أن أكون كمن يستند على
سيف يخترق صدره ويجلب له الموت...
هل ستصدق روايتي عن أبيك الذي مات وأنت في اللفة أم أن ماض ّي
س يطاردني؟؟
هل ستصدقهم عندما يخبروك أني عاهرة وأنك إابن حرام؟ ،أم أنك ستسترني
بذراعيك وستعوضني عن سنوات حياتي التي أكلها الجراد؟
وغلبتها دموعها وأحزانها وخوفها من الغد ،وكان رضيعها قد شبع ونام...
وضعته بجوارها واستدارت على جنبها وحضنته ونامت!
**************
30
4
بعدما نشر شريف قصة نيمفو التي روتها له وطلبت منه أن ينشرها إاشتعلت
صفحته..
كان يعرف أن قصتها لن تمر على متابعين الصفحة مرور الكرام ،ولكنه أيض ًا لم يكن
يعرف أنها ستصل إالى هذا الحد من ا إلنفلات!
كانت تفاصيلها الحادة تضرب وترًا حساس ًا في قلوب وضمائر الق ّراء ،في مجتمع نشأ على
الفضيلة والتدين الظاهرين ،مجتمع إاعتاد فيه المجرم والقاتل والزاني على التمسح بالدين
ليخفوا سواد أرواحهم ،ل يتورع أي منهم عن لبس ثوب العفة والفضيلة أمام الخرين
ويلقي بحجارة التأنيب والتوبيخ على كل مظاهر ا إلنحلال الخلاقي الذي يرونه حولهم،
متظاهرين بأنهم يسيرون على الصراط المستقيم ،عالمين أن ل أحد يعرف خباياهم،
يذمون الخرون الذين هم مثلهم ل لشيء سوى أنهم ظاهرون ومعروفون بفسادهم أو
أنهم يجاهرون به ،كن وصية الله بوجوب الستر إاذا ما أبتلوا ضوء ًا أخضر لفعل كل
الشرور في السر ومعاقبة كل من يعلن بلوته ،المسؤول الفاسد والموظف المرتشي
والمرأة الخائنة والزوج المنحل وا إلبن السارق ،كلها وجوه لنماذج بشرية واحدة ،ا إللتزام
الظاهريُ ،م َّد ِعين الفضيلة ومحاربين من أعلنها حتى وان كانت تلك المحاربة بالقوة
والشتم! ،ل يهم الذى لنه جهاد مقدس ،تغيير للمنكر باليد!
وتحول منشور نيمفو من قصة تروي معاناة إامرأة وصرخة ألم في فضاء إالكتروني إالى
مجرد غلاف للف التعليقات التي تسب شريف وتلعنها!.
عاهرة تستحق الموت!
عاهرة فاجرة ولم تكتفي عند هذا الحد ،بل أنجبت طفل ًا بالسفاح!
بأي حق تنجب بهذه الطريقة؟ ،أل يكفي ما فعلته في حياتها من ذنوب؟
لعنة الله عليها وعليك يا شريف ،أيها الداعر لنك تنشر هذا الهراء!
وتطرف أحدهم في التعليق شاتم ًا بقسوة:
31
" ما العاهرة إال أنت وأمك! ،لن أمك ل تختلف كثيرًا عنها! ،وإال لكنت أنت من
ذوي النخوة والرجولة حتى ل تنشر هذا المنكر على المل ضارب ًا بكل قوة أسس
الخلاق في مجتمعنا المتدين!!!
وكثير من التعليقات ،بل المئات منها تلعنه وتسبه بأبيه وأمه ،ومنها ما إاتهمه بأنه
يؤلف هذه القصص لجذب الق ّراء بطريقة دونية ،بجذب الفئة المثارة منهم ،وكثيرون
دعوا بمقاطعة الصفحة وغلقها لنها أصبحت بذيئة وتنشر الفجور!.
لم ينصفه أحد...
فقد مؤيديه الذين تعاطفوا مع قصته ومأساته،وكل هذا بسبب نيمفو..
" تب ًا! ،يبدو أنني قد تسرعت!!"
إاغتاظ شريف وقرر أن يرد بمنشور جديد..
وكتب:
" إانتشرت القصة على نطاق واسع ،الكثير من إاعادة النشر والكثير من التجريح،
ولكن الشعب المتدين الذي أراد أن يغلق الصفحة لم ينتبه أنها قد إازداد عدد قراءها،
تضاعف العدد ،الكثير من المشتركين الجدد ولكن ل أحد ينصفني في التعليقات!
لم يكن كل المشتركين شاتمين ولكن بعضهم هزته القصة ،أدركوا أنها حقيقية وواقعية،
يرونها كل يوم حولهم ،أثرت القصة بقلوب الكثيرين والكثيرات ممن يعرفون خبايا هذا
العالم السود...
إامرأة باعت نفسها لرجل سلب روحها قبل جسدها وذهب ل يهمه إاحساسها،
ورجل ذهب إالى شقة مفروشة ليمتع نفسه بأجساد العاهرات ول يرى منهن إال
أجساد جميلة وأعضاء مثيرة له الحق في إاستغلالها كما يحب طالما دفع فيها المال،
ناسي ًا وغير مدرك أنه ربما يكون خلف كل منهن مأساة أشد قسوة من مأساة نيمفو.
فربما تلك العاهرة التي يدفع فيها هذا المبلغ من المال لتكون عبدة نزواته ورغباته ،ربما
تكون أكثر منه شرف ًا ،ربما هي أرملة لم تجد من يسترها هي وأولدها ،بل وجدت
ذئاب تتوق لنهش لحمها في الحرام ،ربما هي إامرأة حاولت أن تبحث عن عمل ولو
32
كخادمة ولكنها اكتشفت أن حتى العمل الشريف الذي ل يكفي ما تتقاضاه منه ثمن
الرغيف الحاف لبد له من بعض التنازلت..
وربما ،وربما ،وربما!.
ولكن الحقيقة هي أنه ليس كل العاهرات يفعلن ذلك من أجل المتعة ،ليس كلهن
يفعلن ذلك بسبب شهوة جسد ،فهن في أغلب الحيان من كان حظهن في الحياة
قليل ًا ولم يمتلكن فيها إال أجسادهن ،ل أب ول إابن ول زوج ول أخ ،بل فقط
جسد مستعد أنت كرجل في دفع الكثير من أجل إاستباحته ،ننعتهم بالعاهرات ولكن
الحقيقة أن العاهرات الحقيقيات لسن من تجدهن في بيوت الدعارة ،بل أحيان ًا هن
في بيتك!،
نعم ..
في بيتك أنت!
تظن فيهن العفة والشرف ،والحقيقة يكتشفها البعض في وقت متأخر جد ًا،
يكتشفون أنها غير ذلك تمام ًا!".
ونشر ما أراد قوله ،لكن المقال الذي كتبه لم يبرد ما بداخله من ثورة وغيظ ،وفكر
في إاغلاق الصفحة ليجنب نفسه كل هذا الكم من ا إلساءه وا إلهانة لشخصه ولهله..
" تب ًا! ،هل ينقصني كل هذه ا إلهانة وقلة القيمة ؟!"
"تب ًا لكم أيها الحمقى! ،يكفيني ما بي من ألم وكسرة نفس ،صفحة مجهولة صنعتها لكتب
فيها أوجاعي والن تقتحمونها!
ماذا علي أن أفعل؟!"
وفار الدم في رأسه واشتعل عقله بالفكار والغضب ،فأطفا شاشة الكمبيوتر وغادر
المنزل.
**************
33
5
في المقهيى جلس ،متذكرًا من هو؟ ،ومن أين جاء؟ ،وأيامه الولى مع مع أصدقائه
في الكلية ،زمن ًا كانت الحياة فيه صعبة ،فلم تكن المادة سهلة معهم في تلك اليام،
حيث كان مصروفهم السبوعي هوعشرون جنيه ًا في عام ،2٠٠6ولهذا كان
التسيب وا إلنحلال شبه مستحيل بالنسبة لهم ،ولكنهم كانوا يتوقون إالى التحرر ،إالى
التمرد ،بل إالى الصراخ في وجه الواقع البائس...
ل َم ل نشرب سجائر أو شيشة مثل باقي زملائنا في الكلية ؟!
سؤال ثوري ،إاعتراضي ،إاحتجاجي سأله أحد أصدقائه وكانت ا إلجابة هي أنهم ل
يستطيعون تحمل نفقات السجائر كما أن السجائر بها نسبة نيكوتين أكبر تسبب
إادمانها وهم في غنى عن ا إلدمان في ظل ظروفهم المادية الصعبة!!
ووقع ا إلختيار على أن يجربوا الشيشة!
شيشة تفاح! ،لن ما عداه صعب ويتعب الحلق كما أفادهم صديق بحكم علمه السابق
لن والده يدخن الشيشة!
حل بائس في واقع بائس!
وكان لهم ما أرادوا ،حجر الشيشة الول ،حجر تفاح تشاركوه ،نشوة الدخان الغزير
وهو يخرج من بين شفاههم ومن بين أسنانهم خيوط ًا ناعمة كخيوط حريرية ،دفق
غزير ثائر يخرج من أنوفهم إاثر زفرة سريعة ،ساعة كاملة وهم يتبادلون الشيشة وسط
نشوة وسعادة غامرة ،سعادة التمرد!.
وأخذته الفكار سريع ًا ليعود إالى أيامه الولى بعد التخرج ..
تب ًا ،ل أريد أن أتذكر هذا البؤس الن! ،يكفيني ما بي من بؤس!
وعاد إالى سيل ذكرياته وهو يتساءل ،من أنا؟؟
وإابتسم نصف إابتسامة صفراء وهو يقول لنفسه ،أنا مازلت أنا! ،أنا الذي سافرت
إالى الكويت بعدما تخرجت من كلية السياحة والفنادق بالمنيا عام 2٠٠٩كباقي
34
أصحابي ،كنت أظن أن الواقع الجميل ينتظرني مرحب ًا بي ،كنت أظن أن شهادتي
ستخولني أن أكون الشيف حسن ،أو الشيف شربيني التالي!
وقبلها كنت قد ذهبت إالى شرم الشيخ للعمل في أحد الفنادق وكنت أظن أنني
سأكون الماستر شيف ولكنهم أخبروني أن شهادتي ل تعني شيء وأنها مجرد تذكرة
لدخولي إالى مطبخ الفندق! ،إالى المكان الوحيد الذي يستأمنوني عليه ول يخشون
من أن أرتكب الخطاء فيه ،إالى حوض غسيل الصحون!
بدأت براتب ٤٥٠جنيه مع توفير الفندق للسكن والطعام وا إلنتقالت ،خمسة عشرة
عام ًا من التعليم جاهدت فيها كثيرًا ،وانعزلت عن العالم ،ولم يكن بإارادتي ،بل بإاجبار
من أبي وأمي حتى أنتسب إالى كلية من كليات القمة! ،والن أنا أعمل براتب ل
يتجاوز الـ ٤٥٠جنيه شهري ًا! ،أي خمسة عشرة جنيه ًا يومي ًا ،فساعات العمل اليومية
هي ١2ساعة ،أي أن ساعتي تساوي جنيه وربع!.
اللعنة على هكذا واقع!
فزميلي الذي كان يجلس بجواري في الثانوية وفشل ودخل معهد صحي تخرج الن
وتوظف في الحكومة بمرتب ٧٥٠جنيه ،غير أنه يعمل بعد الظهر في مستشفى
خاص براتب ١٠٠٠جنيه! ،وزميلي الذي كان بجواري في ا إلعدادية وفشل في
دخول الثانوية يعمل الن نجارًا مسلح ًا في مكان قريب من الفندق ،قابلته بالصدفة
في الشارع وكان يشتكي من أن عمله قليل الجر ،وحين سألته عن أجره أخبرني انه
يتقاضى ٨٥جنيه يومي ًا وساعات عمله هي ٩ساعات وكان أكثر ما يضايقه حينها أنه
يعمل لدى مقاول ل يفقه شيء ،وهذا المقاول هو زميلنا الثالث الذي كان يجاورنا في
الصف الثالث ا إلبتدائي!.
إامتعصت واغتظت وحنقت جد ًا على الدنيا وأحوالها ولكنني صممت أل أستسلم..
صممت أن أبني إاسمي بيدي ،ل واسطة لي ول ظهر في هذه الدنيا وهذا العالم الجديد
الذي إاقتحمته بشهادتي...
35
فأهلي بسطاء من إاحدى قرى مدينة ملوي ،وأنا الن أبعد مئات الكيلومترات عنهم
وعن إامكانياتهم البسيطة وسندهم ودعمهم المادي والمعنوي.
مرت ثلاثة أشهر أغسل فيها الصحون قبل أن أترقى ويُسند إالي مهمة إاعداد
السلطات ،وكان ذلك اليوم بالنسبة لي يوم عيد!.
أربعة أشهر مرت ،بعدها إانتقلت إالى داخل المطبخ الرئيسي وسط الطهاة ،حيث إانني
وبمرتب شهر إاستطعت رشوة المسؤول عنا ليدخلني إالى المطبخ.
ودخلت المطبخ ولم أستطع فعل شيء! ،ل لنني ل أعرف ،ولكن لنني لم أخذ
فرصتي!.
سنة مرت على في هذا المطعم بالذل ،ولكني صبرت حتى جاءت أمامي فرصة السفر
إالى الكويت.
لم تكن فرصة كتلك التي نسمع عنها أو نراها ،فالفرص عندنا في الصعيد فرص
مدفوعة وليست مجانية ،ولكنها تحسب فرصة من مبدأ أن هناك من سيساعدك
مقابل مالك ،كمين الشرطة الذي تدفع له مقابل سماحه لك بإادخال الطعام إالى
قريبك في الحجز ،وهكذا كان المر ،دفعت أربعون ألف جنيه ًا لشخص إلستخراج
فيزا لي ،أربعون ألف ًا في عام ، 2٠١٠جمعها والدي لي عن طريق بيعه لستة قراريط
كان ل يملك سواها بالضافة إالى إاحدى البقرتان اللتان يقتات من إانتاجهما.
خمسة عشرة عاما من التعليم وا إلنعزال عن العالم ،وفي النهاية أترك بلدي بحث ًا عن غد
أفضل ،تاركاً أهلي على حافة ا إلفلاس.
لم تكن الحياة في الكويت وردية كما هو ُمعتقد بيننا ،ول كما تصورها الدراما المصرية،
حين يكون البطل شاب مدمن مستهتر ،ويشتكي أن السبب غياب والديه في
الخليج ويرسلون له الكثير من المال الذي كان سبب ًا في فساده.
الحقيقة بالنسبة لي وبالنسبة لكل من أعرفهم ،والله أعلم بباقي البلد ،ما هي إال مجرد
وهم وسراب سعينا خلفه حتى إاصطدمنا بأرض الواقع!.
36
شقة ،عبارة عن غرفة وصالة مساحتها ل تتعدى الـ ٣٥مترًا مربع ًا يسكن بها ثمانية
أفراد ،يقيمون فيها إاقامة كامله لسنوات إال بعض الشهور القليلة التي تتخلل هذه
السنوات حين يغادرون في إاجازة إالى ذويهم في مصر ،ثمانية أفراد بكل كراكيبهم التي
لملموها من فضلات غيرهم اللذين تركوها في الشوارع والتي ظنوا أنها قد تفيدهم في
هذا السكن.
سجادة مستعملة ،فُرشت على الرض في الصالة ،تحول لونها إالى السود نتيجة مسح
الرجل فيها بعد الخروج من الحمام ،وتفوح منها رائحة العطن والعفن نتيجة مسح عرق
الرجل فيها بعد خلع الحذية على الباب بعد العودة من العمل.
تلفزيون قديم مستعملُ ،و ِضع على منضدة صغيرة تقشر سطحها ،وجدها أحدهم في
الشارع وأحضرها ،وعلى الرض بجوار الحائط مساند إاسفنجية مكسوة بقماش
التنجيد ،أخذها أحدهم من انتريه قديم كان موضوع بجوار صندوق قمامة ،رغم أنها
كانت مستعملة حين أحضروها وكانت بالنسبة لصاحبها الصلي قمامة ،إال أنها كانت
أنظف كثيرًا مما هي عليه الن.
ح َّمام! ،ل داعي لوصفه ول لوصف البانيو الذي فيه! ،فلا أعلم إالى الن من الذكي
الذي ظن أنه من الرفاهية تركيب بانيو في شقق يعلم أنها سيسكنها ُعزاب؟.
والمطبخ ،لنأتحدث عنه كثيرًا ،فالواقع أسوء مما يمكن أن يقال!.
فتلك الكائنات الرقيقة جد ًا والتي إاسمها "صراصير" ،تعيث فيه وتتحرك في كل مكان
بلا خوف ول هيبة وكنها تحتمي بعددها أو أنها تعلم أن السكان يعلمون أنه ل داعي
لقتلها لنها أكثر من أن تموت بالقتل وأصبحت من أهل البيت ول ينازعها أحد في
ذلك!
والبوتاجاز ،هو شيئ مسطح تستطيع تقشير طبقات السواد من فوقه ،وثلاجة
يفوح منها العفن إاذا ما فتحت ولكنها كانت كافية جد ًا لتبريد المياة وحفظ الطعمة
يوم ًا أو اثنين على أكبر تقدير وتعتبر أقل الماكن في المطبخ التي تعيث فيها
الصراصير.
37
كل هذا ل يهم..
كانت الطامة الكبرى في الغرفة التي نقيم فيها ،في تلك الحشرة اللعينة التي لم اسمع عنها
أو أراها قبل أن أتي إالى هنا!.
" حشرة البق "!.
كان شريف قد دخن حجرين شيشة في تلك القعدة دون أن يعي ،عادته كانت شرب
القهوة وحجرين شيشة وكان يغادر قبل أن ينهيي الحجر الثاني ولكن رحلته في ذكريات
الماضي الليم سحبته بعيد ًا عن الواقع الذي لم ينتبه فيه أن الحجر الثاني قد تفحم وانه
يتنفس نارا في صدره ،لم ينتبه إالى انه يسعل لنه مازال ينفث من شيشة لم يتبقى
على حجرها إال الفحم والمعسل المشتعل ،غاص في الماضي إالى حد أنه نسي قانون
الشيشة الول...
شرب النار يحرق الصدر!.
لم يعي ذلك إال وصبي القهوة يسأله إاذا ما كان يريد تغيير الحجر أم ل؟
هنا فقط انتبه...
انتبه إالى انه كان يقتل نفسه مرتين ،مرة بالغوص في الماضي الليم والخرى بتدخينه
النار ،رفض عرض صبي القهوة ودفع الحساب وذهب وبداخله تصميم أل يستسلم...
تصميم أن يحيي صفحته ويجعلها مكانا للصراخ ،يصرخ هو فيها بما يؤلمه ويصرخ كل
من أراد الصراخ ،وصرخ هو ،وصرخت نيمفو ،والن جاء الوقت لينقل صرخة لم
تطلب منه صاحبتها ذلك ،إال انه شعر بواجب انساني تجاهها ،أو انه ربما هي مجرد
شماتة الرجل الشرقي في إامرأة تستحق ذلك!
وعاد إالى منزله ،وأضاء شاشة الكمبيوتر وبدأ يكتب عن ...
" سمر" !.
************
38
6
"هل تعرفون أكثر ما يغيظني في جملة "أن المرأة ل تتزين لتعجب الرجال بل هي
تتزين لنفسها لنها ُجبلت على الجمال "؟!
هو مغالطة الطبيعة وعدم الوعي الذي بدأ ينتشر من حولنا وأصبحنا نتبناه وكنه
حقيقة مثبتة...
من قال أن المرأة ل تتزين للرجل؟؟
ما فائدة المرأة إان لم تتزين للرجل؟؟ ألم ُتخلْق من الرجل وللرجل؟؟
عدم علمك ومعرفة لمن تتزين المرأة ل يعطيك الحق أن تصدر حماقات لمعة رنانة
يتبادلها الخرون من بعدك لتصبح مثل ًا وقو ًل شائع ًا ...أعرف أن كلامي هذا قد
يبدو عنصري ًا ولن يعجب الكثيرين ول أي أحد من نُون النسوة ،ولكن بالله عليكم
لتتمهلوا حتى أحكي لكم هذه القصة التي كنت شاهد ًا على أحداثها في غربتي ،فربما
تفتح أعينكم على قصص مشابهة تؤيد كلامي....
سمر ..
هي موظفة إادارية في المكان الذي كنت أعمل فيه ،إامرأة بدأت الربعين من عمرها
حديث ًا ،مازلت أذكر ذلك اليوم الذي رأيتها فيه لول مرة....
كانت قادمة نحونا أثناء ا إلستراحة وكانت أجمل من أن أصدق أنها حقيقية! ،كانت
ممشوقة القوام ورشيقة ولم أظن أبد ًا أنها تخطت الثامنة والعشرين من عمرها،
تضاريسها بارزة ،صدرها وانخفاض خصرها وبطنها ،ل ..أنها أنى نموذجية!
وتمر اليام واسمع خبر طلاقها من زوجها الذي تجمعهما معا عشرة سبعة عشرة سنة
وبينهما أولد ،سعيد عمره خمسة عشرة عام ًا ونهيى تصغره بسنتين.
زواج استمر لسبعة عشرة عام ًا إانتهيى في يوم وليلة...
ل لشيء سوى أنها رأت أنها غير قادرة على ا إلستمرار معه" ...زوج حاضر غائب قلة
وجوده أحسن "!
39
صدمتني واستفزتني جد ًا تلك الجملة عندما قالتها حين سألتها عن سبب الطلاق بعد
هذا العمر؟ ،ولهذا قررت أن أكون قليل الذوق معها وسمحت لنفسي أن اسأل
أسئلة ل تعنيني...
فأنا في الول والخر رجل شرقي ل أتحمل أن تهين إامرأة رجل حتى وإان كنت ل
أعرفه ،فما بالك بتلك التي تهين زوجها وأبو اولدها بعد سبعة عشرة عام من
الزواج؟.
سألتها وسألتها وخرجت منها بالخلاصة التي أرادتني أن أصدقها ،وهي أن زوجها يعمل
صباحا كبائع في أحد المحلات وبالطبع راتبه في دولة كالكويت ل يكفي لدفع ايجار
السكن فقط ولهذا اضطر أن يعمل عمل ًا مسائي ًا إاضافي ًا ليستطيع أن يوفر بعض المال
للمعيشة وهذا أيض ًا لم يكفي إلطعام خمسة افواه ،هي وأولدهم وامها ،ولهذا سمح لها
بالعمل...
كانت تعمل في مكان أخر قبل أن تاني إالينا وكان راتبها قليل ًا ولكنه مع راتب زوجها
كان يكفي للمعيشة الرغدة.
تغير كل شيء بعدما جاءت لتعمل في شركتنا ،حيث كان راتبها الجديد أكثر من
مجموع راتبها القديم ورواتب زوجها ،فهويعمل ثلاثة عشرة ساعة يومي ًا وهي تعمل ثماني
ساعات ،هو يعود عصرًا ليأكل وينام ساعة دون أن يستحم ليذهب إالى عمله
الثاني ،ليعود في الحادية عشرة ليستحم ويتعشى وينام ،لم يكن لديه الوقت لرؤية
أولده أو لممارسة حقها الطبيعي في إاخبارها كم هي جميلة وكم هو محظوظ في أن يكون
زوجها!
وبالطبع لم يكن يرى كم هي أصبحت جميلة ،لم يلاحظ تغير لون شعرها كل شهر ول
أن نوعية المكياج قد تغيرت وأصبحت أصليه فلم تعد شفاهها تطبع على الكواب ول
يتكور الروج بين ثنايا شفاهها ول يسيل كريم الساس بسبب عرقها مخلف ًا خطوط ًا
طولية بشعة وكنها ممرات سيول طبيعية...
جميلة وتجملت أكثر ولكنه لم يراها...
40
ولكن رأها الكثيرون والكثيرون غيره..
رأها من هم بالمقاييس العادية أفضل منه بمراحل..
رأها مديرها وزملائها ،رأها الزبائن ،وكل هؤلء رأوا فيها المرأة المثالية ...إامرأة يود
كل رجل أن يضاجعها ولنها متزوجة ل يصح أن يُطلب منها ذلك مباشرة...
ولكن ل ضير في بعض المعاكسة والمجاملة ...كانت تمشي وتتحرك بنظرات ا إلعجاب
والفواه التي تفغر من جمالها وحدة تضاريسها ورجرجة صدرها اذا ما مشت مشي
الهوينا ...كل هذا بالضافة إالى المرتب الذي لم تكن تحلم به في حياتها جعلها تفكر في
أنها تستحق الفضل! .تستحق رجل ًا حقيقيا ،ل رجل ًا يأتي إاليها منهارا جائعا نتن
الرائحة ،ل يراها إال كطباخة يطلب منها الكل كلما رأها...
رجل ًا أنساه التعب معنى الجنس حتى أصبح يمارسه معها على فترات متباعدة ويمارسه
بلا شغف ول روح وكنه واجب فُرض عليه.
هي جميلة مرغوبة ولكنها على مشارف الربعين...
جميلة الن وبئر أنوثتها لم يجف بعد ،ولكن سن اليأس يقترب منها بسرعة الصوت،
وبعدها ستكون مجرد إامرأة ،وستفقد شيئ ًا فشيئ ًا صفة النوثة ورونقها...
ستفقد البريق في عيون الرجال عندما يرونها والذي يُشعرها بالنشوة.
تطلقت سمر وظنت انه في اليوم التالي سيقف على بابها عشرات الرجال طالبين
ودها وموافقتها على الزواج منهم ،ولكنها كانت أغبى من أن تعلم أن الكثير من الرجال
يحبون المعاكسة والتمتع بالمرأة دون أن يتزوجوها ،فنحن رجال عرب ل نحب الزواج
إال في أضيق الحدود ،إانما هذا ل يمنع بالطبع حقنا بالتمتع بأي أنى طالما لم تمانع ذلك!،
فما الضرر الذي سيقع من تبادل حديث معها يمتد لساعة تشعر هي فيها كنها ملكة
الدنيا وأنني أتمنى تقبيل قدميها وتتوه في نشوة ا إلعجاب بينما أضاجعها أنا في عقلي أثناء
حديثي معها؟ ،أتفرس في تفاصيل شفاهها الجميلة وعنقها المنحوت بعناية وشق
صدرها الذي يظهر ويختفي أثناء تمايلها وحركتها العشوائية امامي؟
41
غبية هي لنها لم تعي تلك الحقيقة قبل الطلاق ...غبية هي عندما سمعت كلام امها
بأنها تستحق من هو أفضل من زوجها بعدما حكت لها عن إاعجاب كل الرجال بجمالها
في عملها الجديد!.
والن ،وبعد ثلاث سنوات...
أين سمر ؟ أين ذلك الجسد الذي سال بسببه لعاب الرجال والذي كنت أنا منهم رغم
أنها تكبرني بعشرة سنوات؟!
سمر الن ما هي إال إامرأة...
ولفظ إامرأة أنا ل أطلقه إال على النساء اللائي ل يجب أن ننظر إاليهن إال بكل وجل
وإاحترام...
فقدت كل أنوثتها تقريب ًا...
ترهل جسمها بصورة غريبة .تدلى بطنها وارتخى صدرها وهرم ،الجسد الممشوق
القوام ُحلت أربطته فصار رخوًا كجسد أخطبوط ميت ،إازداد السواد حول عينيها
وغارت في محجريهما وكنها مدمنة مخدرات ،أصبحت المساحيق ل تجدي نفع ًا في
بشرتها التي أصبحت ترفضها فيذوب المكياج من على وجهها بعد ساعتين من
وضعه...
إانزوت داخل نفسها ،بحثت عن الحب ولم تجده ،بحثت عن الرغبة في عيون الرجال
ولكنها كانت قد إاختفت ،صارت تلاطفهم ولكنهم جميع ًا تصنعوا اللا مبالة والجهل
بأنها تحاول نيل إاستحسانهم ،بأنها تريد ايقاد بريق الرغبة فيها الذي اعتادت أن تراه
من جديد ..
فمن ذا الذي يضحي بسمعته بمرافقة عجوز شمطاء؟
إانطفأت سمر بعدما لم يوجد في حياتها من يستحق أن تتزين لجله ....تساقط شعرها
نتيجة انحدار نفسيتها ووعيها أنها ذهبت في بئر النسيان وانها ابد ًا لن تكون فتاة
أحلام رجل بعد الن...
ابدا لن تُعانق مجددا...
42
لن يضمها حضن دافيء في أبرد ليالي الشتاء...
لن تنفعها الوسائد الثمانية التي وضعتها على سريرها لتُشعرها أنها ليست وحيدة في
هذا الفراغ السريري...
السرير والغطاء الذي طالما تشاجرت مع طليقها على حقها في النصف من الغطاء
والسرير لتأخذ راحتها في التقلب والنوم العميق ،الن ها هي بمفردها في السرير...
الغطاء الذي كان يدفئها بطرفه أصبح مزدوجا الن ول يبعث الدفء ل إالى أوصالها
ول إالى روحها التي غلفتها الوحدة وغيمت عليها سحب الندم والخجل ،فسقطت ندف
ثلج الرثاء على النفس وبكاء الجمال الذي يخبو وحيد ًا دون أن يقطفه رجل...
بعد هذا يأتيني احمق ويقول أن المرأة ل تتزين للرجل بل لنفسها؟!!! "
كتب شريف القصة ولكنه لم ينشرها ،حفظها لمراجعتها ونشرها فيما بعد ،فهو الن
يحتاج إالى ما هو أهم من مراجعة قصة تافهة عن شخص تافه في صفحة حقيرة لم تجلب
له سوى ا إلهانة .
كان المهم هو أن يفكر فيما سيفعل؟.
كيف سيبحث عن عمل جديد وأين؟
وخاصة أنه لم يقم بتحديث سيرته الذاتية منذ خمسة أعوام ،وبعد رفض الشركة
إاعطاءه شهادة خبرة بالسنوات الخس التي عمل فيها لديهم حتى ل يستغلها في رفع
قضية على المؤسسة لرد مستحقاته .
كانت تلك هي نصيحة محامي الشركة للمدير الكويتي " ل تعطيه أي أوراق تثبت أنه
كان يعمل لدينا حتى ل يكون له الحق في الشكوى وأخذ مستحقاته! " ،و كان
المحامي مصري أيض ًا!.
إانقلب على إابن بلده لجل الغريب ،نصح نصيحة سوء ل لشيء سوى ليثبت للمدير
انه جدير بمركزه وانه يخاف على مصالح الشركة ناسي ًا انه أيض ًا موظف ومن الوارد
جد ًا أن يكوني حالي اليوم هو حاله غد ًا .
43
" ولكنه محامي ،ولبد أن يؤمن نفسه ،المشكلة الن أنا بلا أي أوراق تثبت خبرتي،
وكنني عدت من جديد إالى خانة الصفر ..
"صفر الخبرة!".
أسبوعا كامل ًا قضاه شريف في تزييف سيرة ذاتية ،حيث طلب من بعض اصدقائه
تزويده بشهادات خبرة من مطاعم عادية..
" أي ورق أمل به سيرتي الذاتية وخلاص "!.
أسبوع دار فيه على شركات تجهيز الحفلات والمطاعم يوزع فيها اوراقه وتليفوناته لكل
من يعرفهم ،يتصل بكل رقم مطعم يراه امامه ولكن لشيء ،كنه ل مكان له في أي
مكان...
" أنا فائض عن حاجة العمل .أنا زيادة عن طاقة سوق العمل ا إلسيتعابية ،تب ًا لي
ولحظي! ،دولة ويبلغ تعداد من فيها ستة مليون نسمة بسكانها حاملي الجنسية
والوافدون مثلي وانا ل أجد لي مكان بينهم ،ل عمل لي ".
فتح ا إلنت نرت عله يجد ما يرفه عنه ،فوجد الكثير والكثير من ا إلشعارات والرسائل،
ألقى عليها نظرة خاطفة...
أنها صفحته تناديه والناس يرسلون إاليه صرخاتهم ،ولكنه تذكر تلك القصة التي كان
قد كتبها ونسي أن يراجعها قبل النشر ،وبالفعل راجع قصة سمر ونشرها وعاد إالى
التعليقات القديمة والرسائل يقرأها وقبل أن ينهيها كانت تعليقات جديدة تتدفق عليه.
وكما توقع شريف بعد أن نشر قصة سمر فقد اتجهت المشاركات والتعليقات إاليها
وصدق حينها من قال أفة امتي النسيان...
نسوا نيمفو وأمسكوا في سمر وجلدوها ،وكن شريف لم يجلدها بأسلوب سرده
لقصتها...
سرد شريف قصتها بكل حقد الرجل الشرقي تجاه المرأة التي تضرب بعاداته المتأصلة
في عقله عرض الحائط حتى وان كانت تلك العادات بالية وعفنة...
44
أنها مقدسات موروثة صحيحة كانت أم ل ،ول يجب المساس بها ولكن سمر فعلت
حين طالبت بحقها في زوج أفضل مما لها ،حقها في زوج يكون معها في أواخر أيام
أنوثتها...
ولكنها نست أنها شرقية وهذا ليس من شيم الشرقيات...
وكان حظها العاثر أنها وقعت في طريق شريف الذي استغل قصتها كدرجة يطأها
ليصعد ،إاستغلها كمنشور يزيد المتابعين لصفحته ويُنسيهم نيمفو وفي نفس الوقت يفتح
الباب أمام نوع أخر من الجدل في صفحته...
" تب ًا لي من وصولي وانتهازي" !.
لم تكد تمر أربعة وعشرون ساعة من نشر قصة سمر ولم يكن الجدل المحتدم بسببها قد
هدأ بعد إال واستقبل شريف رسالة جديدة في صندوق رسائله...
طلب جديد لنشر قصة ،كما فعلت نيمفو ولكن هذه المرة ليست صرخة...
بل هي عبارة عن " فرد عضلات"...
قصة طلب فيها صاحبها أن تُنشر كما هي بأسلوبه وكان ذلك نصها...
" أستاذ شريف لقد اعجبتني صفحتك وتأثرت بقصتك جد ًا وقصة نيمفو وسمر...
اعجبتني فكرة أن توجه الضوء إالى أمراض المجتمع ا إلجتماعية والخلاقية وها أنا أتطوع
بأن أكون الشخصية الثالثة والمشكلة الثالثة على صفحتك بعد نيمفو وسمر ،وأرجو أن
تنشر قصتي بدء ًا من هنا"!.
*************
45
7
" ذلك الصمت الذي يغلف حياتي وتلك العزلة التي اخترتها غطاءا لي دون أن
يحاولوا أن يفهموا سببها أو يسألوني ابسط السئلة البوية" :ماذا بك؟ "
وكنني شفاف بالنسبة لهم أو كنه من الطبيعي والبديهيي والمُحبب بالنسبة لهم أن ل
يسمعوا صوتي أو حتى ل يرونني لساعات ،وإان إاستطاعوا باليام ،وحتى -كما أظن
– إان ُمت فهذا راحة لهم! ،فأنا أعتقد انهم لم يرغبوا بي أبد ًا!.
"نعم ،أنا أتذكر عندما كررت أمي مرارًا وتكرارًا أنه يوم اسود يوم حبلت بي ،وياليته
ما جاء ،جاتها نيلة الخلفة اللي زي كده "!
"نعم أنا غير مرغوب بي"..
"كان مجيئي مجرد غلطة ولهذا ل أريد أن اختلط بهم " ،كثيرًا كثيرًا ما حكت أمي
وزوجة عمي عن يوم ولدتي ،وكيف أن أمي خافت من شكلي لنني كنت صغير
الحجم جد ًا ،مجعد الوجه كجلد فأر حديث الولدة لم ينبت شعره بعد ،خافت أمي
من منظري وخافت أن ترضعني...
كانوا يحكون المر مرارًا وتكرارًا مازحين من أمي ولكنهم ل يعلمون أن ذلك الموضوع
يجرح شعوري...
ل يعلمون أن تلك القصة تقتلني وتجعلني اسأل ماذا لو لم تكن حينها جدتي وزوجة
عمي بجوارها؟؟ هل كان من الممكن أن تقتلني حينها،؟؟ مع العلم انني الن أشبه
أبي إالى حد كبير ،أبي الذي تزوجته بعد حب دام أربعة سنوات ،ولهذا اعتزل في
غرفتي ،ولم اكن اخرج منها إال في أضيق الحالت.
تلك الغرفة التي تحولت إالى عالمي الخاص ...عالم ل يدري به أحد ول أريد أن يقتحمه
علي أحد ،هذه الغرفة هي أنا...
هنا فقط أشعر بكياني ،هنا أفعل كل ما أريد دون أن ينتقدني أحد..
هنا ل تمل مني الشياء...
46
نعم ل تمل ،فأنا ل اعتبرها جماد بل هي أصدقائي...
سريري وغطائي ووسادتي...
وسادتي التي تتحول إالى زوجتي في بعض الحيان! ،نعم اسمع افكارك التي تحكم علي
الن!
كيف تكون زوجتي وأنا مازلت على أعتاب فترة المراهقة؟ ،ربما ل تدري عزيزي
القاريء أن سن المراهقة قد انخفض الن بفضل التكنولوجيا وا إلنترنت...
فهنا في غرفتي ،أنا ذلك الرجل الذي يبلغ من العمر الخامسة والعشرون ،الذي يحب
إامرأة ثلاثينية ووعدها بالزواج ما أن تنفصل عن زوجها! ،وانا أيض ًا تلك النى
العشرينية التي تبحث عن الحب ولديها من الحباب عشرة ،ومنهم أحصل على تلك
الموال التي اصرفها ،ربما يظن ابواي انهم هم من يصرفون علي ولكن ل! ،فأحبائي
المغفلين هم من يفعلون ظن ًا منهم انهم يساعدون حبيبتهم التي لم تمنع عنهم أغلى ما
تملك...
جسدها...
وربما تسأل نفسك الن :من أين لي بجسد النى؟ سأجيبك ،من ا إلنترنت ايها
الغبي!
كل شيء موجود هناك ،كل ماتريده تستطيع تحقيقه على ا إلنت نرت ...أهدافك ل تبعد
عنك سوى بضعة أزرار تضغطها والسر يكمن في معرفة تلك الزرار الصحيحة التي
تكون كلمات بحث صحيحة لتجد حلمك يقف أمامك ،يرقص لك رقصته الغجرية
طالب ًا منك أن تضاجعه...
يدفع الرجال الكثير من المال ولكن النساء تدفع أكثر ،فالرجال يدفعون فقط مقابل أن
يشاهدوا قطعة لحم ،وعند مرحلة معينة يصابون بالشمئزار أو بتأنيب الضمير ولكن
النساء تدفع مقابل الحب ،تدفع بلا تفكير...
تدفع إالى البد ،المهم أن تشعرها انك تحبها جد ًا وانها نصف روحك وقلبك كله...
تب ًا لغباء النساء!...
47
هنا في غرفتي السعادة الخام وأتمنى أحيان ًا أن يختفي أبواي...
أن يموتا ،فلم يعد يهمني ،المهم أن ل يزعجوني بعد الن...
تب ًا!
لقد اندمجت في الحديث معكم ونسيت انه عندي الن موعد غرامي مع علياء ،وبالطبع
لست بحاجة بإاخباركم أنني لست أنا من سأقابلها ،بل هو صلاح الذي سيقابلها على
انه أنا مقابل دفع خمسمائة جنيه"!.
كان أكثر ما أثار شريف في هذه القصة أن بطلها هومجرد طفل...
طفل لم يخطو في درب المراهقة كثيرًا ،صورته وصفحته الشخصية ومنشورات
أصدقاؤه وتعليقاتهم على منشوراته عادية...
صفحة طفل أو مراهق حديث ،ولكن حياته السرية بالغة الخطورة...
واكثر ما أثار استغرابه أن هذا الطفل يخرج على صفحة مثل صفحة شريف متفاخرًا
بأفعاله!.
"قديم ًا ،كنّا نتفاخر ببلوغنا بشرب السجائر من خلف ظهور اهالينا في الحقول البعيدة
أو أن نستأجر فيديو لنشاهد عليه الفلام ا إلباحية ،وكانت أقصى أفعالنا هي محاولة
تقبيل ابنة الجيران !!"
" تب ًا يا شريف ،لقد ول َّى زمنك ،الن اطفال اليوم الذين طولهم اقصر من طول َل ّي
نرجيلتك يتاجرون بالمشاعر واللحم البيض...
طفل ربما لم يقذف قذفته الولى بعد يغوي فتاة ويبيعها لخر مقابل المال...
خمسمائة جنيه وهوفي غرفته وانت كبائس ستنشر قصته مجان ًا!
كبائس تجلس أمام حاسوبك وصفحتك الحقيرة البائسة التي ل تجلب عليك سوى
السباب ،تنشر قصته ل لشيء سوى لنك عاطل...
48
ولماذا عاطل ؟
لنك قديم الطراز ،فاشل ،لم تستطع مواكبة العصر ول تعرف كيفية مجاراته كما يفعل
اطفال اليوم...
أنت شيف يا شييف ...أنت مجرد طباخ فاشل! ".
ونسخ شريف قصة المراهق ونشرها على الصفحة.
**************
49
8
وصلت رسالة من نيمفو إالى شريف اعتذرت له فيها عن تأخرها في كتابتها له بسبب
إانشغالها وبسبب أن إابنها كان مريض ًا جد ًا خلال السبوعين الماضيين.
رسالتها كانت اعتذار له بسبب تلك الشتائم وا إلهانات التي تلقاها في التعليقات على
قصتها ،أخبرته أن صنيعه ذلك يحترم عليه وانه كبر جد ًا في نظرها وانها ل تعرف
كيف تشكره ،أخبرته أنها تلك المرة الولى منذ زمن طويل وبعيد منذ أن تركت اهلها
تشعر أن لها ظهر وسند .أصبحت تشعر وللمرة الولى بهذا الشعور " أنا في كنف
وحماية رجل ،أنت يا شريف هو رجلي ،نعم أنا ل أعرفك ولم نتكلم كثيرًا وهذا ما
سأحرص على عدم فعله بعد الن ،لن اتركك إال بعدما أعرفك جيد ًا وتعرفني ولكن
حتى بدون تلك المعرفة أنت أثبت لي كم انك شهم ورجل حقيقي ،لو كان اخي
مازال معي ما كان سيدافع عني مثلما فعلت إاذا ما ظهرت إاشاعة عني بأنني عاهرة،
أنت كان من الممكن أن تمسح المنشور ،أن تعتذر ،أو أن تنضم إاليهم في جلدي ونعتي
بالعاهرة ،ولكنك لم تفعل ،ولهذا يا شريف أترك لي مجال الرد على هؤلء الحمقى،
سأكتب لك ردي وأرجو نشره كما هو"!.
وكتبت ردها ونسخه شريف كماهو بعد أن كتب:
" اعزائي متابعي صفحة " صرخة شيف " ،لقد تأثر الكثير منكم با إليجاب والسلب
وتفاعلتم باللين والحدة مع قصة نيمفو وحدث جدل كبير بسببها ،نعتها الكثير بالعاهرة
وتمنوا القصاص منها ،وهي قد رأت تعليقاتكم وأرادت أن ترد عليكم بنفسها ،وهذا هو
ردها ":
" عزيزي القاريء ا إلنسان الذي أله نفسه وأحل لنفسه سلطة ا إلله وأعطى لنفسه
الحق أن يدينني ويحكم علي بالعذاب البدي ،وكل هذا لماذا؟ ،لنني عاهرة؟!
50