لقد تفضل الستاذ شريف مشكور ًا بعرض قصتي وسرد لكم تفاصيلها ولكنكم
للسف عميتم عن تلك الحقيقة ،اخترتم أن تثوروا وتنصروا ذلك الرجل الشرقي
الذي تقوده شهوته ورغبته المتعفنة ...إاخترتم أن تروا ف ّي العاهرة التي جمعت مالها من
بيع لحمها وأنجبت طفلها من الحرام سفاحا ،والن تخرج عليكم متفاخرة بأفعالها القذرة
ضاربة بعرض الحائط تعاليم الدين بضرورة الستر اذا ما بُ ِلينَا ...إادعيتم أنني فعلت هذا
لنشر الرذيلة وإاباحتها في مجتمعكم الفاضل ،والن أنا أخرج إاليكم بعلو صوتي واقول لكم
كفى!
كفى ...إاخرسوا وحاولوا أن تنصتوا فربما تفهمون ...ربما اذا ما وعيتم كلامي إاستطعتم
أن تنقذوا مجتمعكم من إاشاعة الفاحشة رغم انني لست بحاجة لن اخبركم أن الفاحشة
تسري في كل أوصال ذلك المجتمع ،بل أنها تسري في كل عروقكم وأوردة أمخاخكم
المتعفنة...
ترون العاهرة ول ترون العاهر الذي يمارس الجنس معها ،ترون العاهرة وتمسكون
بالحجارة لرجمها ومع كل صرخة منها تغيبون داخل حجرات عقولكم وتتخيلونها تصرخ
من النشوة تحتكم ،تضربونها بالحجارة وتتوسع أعينكم ويسيل لعابكم عليها حينما تسقط
ويظهر جزء من جسدها...
تقتلونها وتعبث ايديكم بجسدها لتعريتها من ملابسها وسحلها بحجة جعلها عبرة لغيرها..
ولكن الحقيقة هي انكم تريدون رؤية جسدها وتمتعون اعينكم به ذلك الجسد الذي
طالما رغبتم به بينكم وبيننفسكم ،ولكنكم كنتم تستعيذون بالله اذا ما رأيتموه علن ًا!
ذلك الجسد الذي ضاجعتم زوجاتكم مرارًا وتكرارًا متخيلين أنهن أنا..
ذلك الجسد الذي إاستمنيتم وأنتم تتخيلوه ،والن تسحلونها بعد رجمها عقاب ًا لها لنكم
لم تستطيعوا الحصول عليها بينما كانت حية فيكون عقابها القتل والسحل...
عاهرة أنا؟!
نعم أنا عاهرة...
51
عاهرة منذ اللحظة التي صدقت فيها رجل ...عاهرة عندما ظننت أن للرجل شرف...
احبني رجل ووعدني بصوني وصون شرفي ولكنه سلب شرفه بشرفي ...تركني
وحيدة غريبة بين جدران أربعة جائعة بلا سند وهرب بعدما ذلني...
عاهرة ولكني نلت عقابي والن من يعاقب من حولني لعاهرة؟!
وإان ُكن ُتم تسألون عن عقابي فهو الوحدة...
تلك الوحدة التي ل يتحملها أعتى المجرمين ويصرخون من سجنهم في سجن انفرادي...
عشت أنا حياتي كلها في ذلك السجن بعدما طردني صاحب البيت لعدم دفعي
ا إليجار من تلك الغرفة الحقيرة التي إاستأجرها لي حامد ليفعل فعلته ويهرب ،توجهت
إالى بنسيون حقير كان هو الوحيد الذي قبل أن يسكنني مقابل الخدمة فيه ،ذلك
البنسيون الذي رضيت فيه بالعمل كخادمة لقاء لقمتي وسكني ،رضيت بالذل عقابا
لنفسي لنني لم انصاع لتأديب اهلي ...كنت اعتبر ذلك تأديبا لي وتكفيرًا عن ذنوبي
ولكن لم أفلح ايها الرجال...
فشلت ايها العاهرون في أن احافظ على ما تبقي لي من شرف وعزة نفس...
سلبها مني سكان البنسيون ،وكان أول من سلبها هو صاحبه...
خربشة في منتصف الليل على باب غرفتي ايقظتني فزعة ،وإاذ بصاحب البنسيون
يقف أمامي ،صرخة واحدة صرختها ولم تكتمل...
كانت الصرخة الوحيدة التي صرختها في حياتي ولم أصرخ بعدها أو أبكي إال الن وانا
أكتب هذه الحروف ،اكتبها باللم وبدموعي ،اكتبها وروحي في داخلي تصرخ من
الحسرة والغل والكره لكل ما هو ذكر.
كتم صاحب البنسيون صرختي بيديه الكبيرتين وهمس في أذني "إان تكلمتي أو
صرختي سأقتلك "!
ثم ببطء رفع يديه من على فمي وبكل جدية تكلم وافهمني انه سيأخذ ما يريده مني
سواء بإارادتي أو بغيرها ،وانه علي أن اقبل ذلك حتى ل يأذيني وحتى احافظ على
مكاني في البنسيون وإال فانه سيطردني وسألقي مصيري في الشوارع مثل ألف
52
الطفال والرجال والبنات اللذين بلا مأوى وحينها سأفعل ما يُطلب مني مقابل كسرة
خبز وليس مقابل سكن واكل فاخر كما يوفر هو لي...
ووافقت...
وافقت وضاجعني لول مرة ،ضاجعني وسالت دموعي كالنهر من عيني ،سالت
بصمت ،ضاجعني وانا مستسلمة له كل ا إلستسلام كجثة باردة ل تشعر بشيء...
ضاجعني وحينها حدث شيئين...
الول هو رؤيتي لول مرة لصديقة عمري...
صديقتي الوحيدة التي كانت ترقد هناك على الرض في ركن الغرفة في ذل واستكانه
ومهانة مثلي ،ل تملك شيئ ًا في مصيرها ،كانت مثلي مجرد جثة..
والشيء الثاني هو انني تعلمت قوة اللاشيء لول مرة..
قوة الخضوع والصمت...
كان صاحب البنسيون يظن انني سأقاتل وكان قد استعد لذلك ورسم نشوته على
هذا الساس ولكن عندما استسلمت له وتركته يغتصب أعضاء جسدي بلا أي رده
فعل ذهبت روحه وفقد نشوته ولم يستمتع بي ،بصق علي ونعتني بالعاهرة وذهب!.
قال أن المر لم ينتهيي ،وإاني إان فتحت فمي سيقتلني "!
فلا تعاقبوني وعاقبوه هو ..
عاقبوا من حولني لعاهرة بإاسم الحب ..وعاقبوا كل من جاء بعده وكان يحمل لقب
رجل!
************
53
9
عُمر ....
كيف أصفك يا عمر وأنت مثل الزئبق نادر ،ومن الصعب القبض عليك؟
عمر هو ذلك الشاب الذي أرسل إالى شريف قصته لينشرها...
صفحة شريف التي كانت عبارة عن صرخات ألم وظلم حولها هذا المتمرد إالى صيحة
نصر وزهو وفخر ،لم ينشر عمر قصته لنه كان يتألم أو على القل لم يكن يعلم حينها
أنها ستكون صرخة ألم سابقة لوانها...
ولكن السلوب الذي صاغ به القصة جعلت الناس تمقته وتكرهه وكالعادة تسبه
وتسب تربيته وأمه وأبيه!.
ولكن هل أصاب الناس في حكمهم عليه من مجرد حروف خربشها في لحظة
كبرياء؟ ،هل علم الناس من هو عمر وما الذي أوصله إالى هذه المرحلة؟؟
بالطبع ل...
فهو نصاب وحرامي لنه يستغل طيبة الناس وسذاجتهم لينصب عليهم ،ل بل أنه
قواد أيض ًا لنه .......
مهل ًا...
ل نريد التكملة الن قبل أن ننتهيي من كلمة قواد!.
قواد هي الكلمة التي إاستوقفت عمر في التعليقات بعدما نشر شريف قصته ،لم يهمه
السباب أو الشتائم!.
" ل يهم أن يشتموني ،فأنا أفضل منهم ول يهم أن يشتموا أمي وأبي لني أكرههم
وأسبهم بيني وبين نفسي أيض ًا ،ولكن ما هو معنى كلمة قواد التي تتكرر كثيرًا في
التعليقات ؟!"
وبسرعة بحث في جوجل عن كلمة قواد ،وكانت النتيجة هي...
54
قواد :هو ا َّلذي يقود ال ِّرجال إالى ال َبغ ّيِ ،سمسار المرأة البغ ّي الَّتي تتعاطى الَّدعارة،
وسيط الفحشاء!
تعمق في البحث أيض ًا ليجد تفصيل ًا أدق في ويكيبديا وهو:
القواد (إانجليزى Pimp) :أو القوادة (إانجليزى Madam) :هو أي شخص عمله
الساسي تسهيل ممارسة الجنس بين أي إاثنين وتحضير لوازم الموضوع بأي طريقة!.
وبهذا ممكن أن يسمى قواد ؛ صاحب بيت الدعارة ومخرج ومنتج الفلام ا إلباحية
وصاحب محل الدوات الجنسية ومحرر المجلة الجنسية وصاحب القناة التليفزيونية
الجنسية وصاحب الموقع ا إللكتروني الجنسي.....
"تب ًا" ...
لم يعجبه ما َرأه وما عرفه ،نعم هو كان يفعل هذه الفعال ولكنه لم يكن ُيحب أن
تُسمى هكذا!.
"تب ًا للغة العربية ،جافة وقاسية في معانيها ،أنظر إالى المعنى الجنبي ...بيمب؟ ماذا به
البيمب ؟! لن أتضايق أن ناداني أحد في الشارع بالبيمب ،أما قواد؟؟؟ ما هذا؟!!
لغة عقيمة ".
ولكن مع ذلك أثار الموضوع إاهتمامه ...
عمر ...
كيف إانتهت به الحياة إالى هنا قبل أن تبدأ؟؟ طفل طبيعي جد ًا نتاج زواج طبيعي
ناتج عن حب دام أربعة سنوات بين أبيه وأمه ،ما الخطا الذي حدث في الطريق
وأفضى به إالى هذه الوحدة القاتلة التي جعلته ينبش في عالم ليس عالمه ويخوض في
بحار اللاعودة؟؟
" قواد؟؟"
" تب ًا ...هل أنا قواد؟؟ "
55
" أهي لعنة خالتي قد أصابت أمي ف ّي؟؟ لم يعد أحد يتكلم في هذا الموضوع منذ
سنوات طويلة ومعلوماتي الناقصة جمعتها من بين أحاديث طويلة من أشخاص
مختلفين...
القصة الحقيقية كانوا يتطرقون إاليها بجملة واحدة أو إاثنتين على أقصى تقدير في
خلافاتهم الحادة التي تخرج عن الحد ،وكن تلك الخلافات هي بوابة زمنية تكشف
لمحات عن ذلك الماضي السحيق الذي يكتمونه في صدورهم ،الماضي الذي يؤلمهم جد ًا
لدرجة أنهم يخشون ا إلقتراب منه ،وكن ا إلقتراب منه ُسيعيد فتح أبواب أغلقت على
مارد غاضب اذا خرج سيفنيهم جميع ًا ،ماضي ل دخل له فيه ولكن ربما خرجت منه
دعوة تلعنه...
لعلني لـعنت بلعنة أبدية...
لعنة "يقعد لك في عيالك "! ،تلك اللعنة المعتادة عند الناس الكبار ،لعنة يطلقونها
في ساعة غضب ربما حينها يقصدون كل حرف فيها ولكن بعد كل السنوات بعد أن
هدأ الغضب كثيرًا ل أظن أبدا أنهم سيرضون عن تحقيقها وخاصة إان كانت قد
تحققت ف ّي أنا!.
" قواد ؟!! "
" تب ًا "...
أبيه وأمه أبناء خالت ،أمه اكتسبت جمال جدته وعود جده الفارع فاكسبها أنوثة
قاتلة ،عود منحوت بعناية ،جميل ممشوق ونتوءات صدرها واردافها التي بزغت قبل
أوانها مع بياض بشرتها المرمري جعل والده يعشقها وهي مازلت في طور الطفولة..
" لقد كانت في مثل عمري تقريب ًا عندما باح لها أبي بحبه أول مرة "..
كانت في الصف الثاني ا إلعدادي تقريب ًا ،يكبرها هو بثمانية أعوام ،في ذلك الوقت كان
قد أنهيى دبلومه الزراعي وأخذ إاعفاء من الجيش وسافر إالى الكويت ،كانت تلك
إاجازته الولى ،البوح بالحب ،الحب الذي كان في القلوب مكنون وكانت تفضحة
56
العيون والنظرات والهمسات ،الحب الذي كان بسببه يرابض في بيت خالته عله يراها
أو يجلس معها..
"تب ًا ،ما هذا ا إلشمئزاز ؟!! كانت طفلة ،فكيف يفكر هذا المنحرف بهذا؟؟ طفلة
في الصف الثاني ا إلعدادي ،أي أن عمرها كان ثلاثة عشرة عام ًا ،كان هذا البله
يلاحقها بنظراته العاشقة..
" تب ًا لك يا أبي ،إان التفكير في المر يجعلني على وشك التقيؤ ،مهل ًا ،في مثل سني
تقريب ًا ؟! "
نقر على بضع أزرار في لوحة مفاتيح حاسوبه لتظهر أمامه صفحة الفيس بوك الخاصة
ببسنت ،زميلته في الفصل ،يا لجمالها !!!
إاعترف لها بحبه في تلك ا إلجازة الولى ،كانت كلماته لها بمثابة فض غشاء بكارة قلبها،
بل كانت إاغتصاب له ،إاغتصاب سفاح لطفلة لهي ًا إاياها بقطعة حلوى ،ل يُعتبر ذلك
ُحب ًا حتى وإان كانت أنوثتها قد اكتملت ،وحتى إان كانت أمه وامها قد تزوجوا أصغر
منها ،ولكن كان ذلك حكم زمانهما أنذاك وكانت زواجات صالونات عادية ولم يكن
للحب ذكر أو علم حينها ،أما الن ،فالحب موجود يتردد صداه في كل الرجاء ،يقفز
علينا من الفلام والمسلسلات ومن كليبات الاغاني ومن دموع وسهر المطربين الذين
غلبهم الشوق في أغانيهم ،كانت تلك هي الصورة التي رأتها أمه في ذلك الوقت ،رأت
في ابن خالتها عمرودياب خاصتها ،ايهاب توفيق لها وحدها ،هاني شاكر ل يغني إال
لسواها..
طارت من الفرحة حين أخبرها بذلك الحب ،سألها اتحبينني؟ ،بالطبع وافقت ،ل َم ل
وهي قد ضحكت لها الدنيا قبل باقي صديقاتها ،هي لها حبيب ناضج سيهديها الغاني
ويرسل لها الخطابات ويسجل لها الشرطة التي يقول لها فيها أنه يحبها ويرسلها مع
المسافرين من الكويت إالى قريته ،شريط مدته ساعة ونصف بصوته هو ،لها فقط.
" يالي من محظوظة "!.
57
أربعة سنوات مرت وكان سريرًا واحد ًا يجمعهما ،حب إاستمر في الظل سنتان قبل أن
يتقدم أبيه لخطبتها خطوبة استمرت سنتان بعدها كانت الدخلة ،وحينها سقط كل
ذلك الحب وتحطم كزجاج هش على أرض الواقع!.
لم يمر يومان إال وهي تطرق باب َاهلها باكية منكوشة الشعر..
"أغيثوني منه ،إانه ليس بإانسان ،ل أريد ا إلستمرار معه "!.
رجل شرقي عادي أحب أن يمارس سلطتة العادية والطبيعية في قمع المرأة ،فقام
بإايقاظها مبكرًا لتجهز ا إلفطار لهم ولباقي العائلة ،على مضض وتبرم إاستيقظت ولكنها
لم تعترض وبعد ا إلفطار قامت حماتها بجمع الطباق الفارغة لتذهب بها إالى المطبخ
لتغسلها فصاح هو في زوجته:
" خدي الطباق من حماتك واغسليها أنت يا حيوانة "!
لم تكن قد أنهت إافطارها حينها وصدمها ُاسلوب الكلام لوهلة كانت كافية لتجمع كل
طاقة الغضب التي تملكها لترد عليه بملء صوتها:
"أنها ليست صغيرة وأنا لم أنهيي إافطاري بعد "!.
وكشرقي لم يتحمل أن ترفع زوجته صوتها عليه وخاصة أمام عائلته وخاصة إانهما مازالا
عروسين جديدين ،ف إان سكت لها الن سيكون لعبة في يدها وسيكون رجل ًا ناقص ًا
في أعين عائلته ،ف إانتفض من مجلسه وصفعها على وجهها بكل غيظ صارخ ًا" :إاحفظي
لسانك وأدبك وصوتك حينما تتكلمين معي "..
وكانت تلك الصفعة هي الحمل والقشة التي أظهرت أن ظهر البعير مقسومة قبل أن
يتم تحميلها.
فشل زواجهم المبني على الحب أسرع من أي زواج أخر عرفوه أو سمعوا عنه ،هل
هذا حال الدنيا؟؟ هل من الطبيعي أن تكون نسبة زيجات الحب الفاشلة أكثر بكثير
من زيجات الصالونات؟ هل الموضوع يعتمد على العشم الذي ل يجد موضع لقدمه على
أرض زواج بُني على الحب وخاصة في بيئة شرقية كهذه؟؟ أم هوالسبب في
58
ا إلستعداد النفسي المـسبق لتحمل وتلقي المعاناة وا إلختلاف في الطباع بصدر
رحب للمتزوجين زيجات صالونات؟؟
ل أعلم حقيقة ،ولكن ما حدث أنها في أقل من نصف ساعة كانت عند والدها الذي
يسكن في نفس المنطقة ،ورغم أنهم تَركوا الصعيد منذ زمن واستقروا في القاهرة إال
أن طباع الصعيد مازالت متأصلة فيهم.
أم ترى دمعة ابنتها بسبب زوجها أغلى من كنوز الرض ،ناسية كم كانت هي نفسها
السبب في هذه الدموع أثناء رحلة تنشئتها إلبنتها ،ولكن ل " ،أدعي على إابني وأكره
اللي يقول أمين" ،فكيف يضربها هذا الحيوان؟؟ ولماذا؟؟ أ لجل أمه؟؟ سحق ًا لها،
ليتها تموت سبب الخراب على البنت ،خربت عليهم حياتهم قبل أن تبدأ ،كنت أظنها
أختي ولكنها أقسى على بنتي من الغريب" !.
زوج يرى انه طالما خرجت زوجته من البيت من دون أذنه حتى وان كانت غاضبة
ف إانه لن يذهب ليصالحها أو يأتي بها ،فتركها!.
*************
59
10
شهر ونصف كانا قد مرا على شريف منذ أن ترك عمله.
" ل يا سيدي الكاتب ل تزيف الحقائق وسمي الشياء بمسمياتها ،قل منذ أن طرد
من عمله ".
منذ أن طرد من عمله بحث بنهم عن عمل في السبوع الول والثاني وأصابه بعض
ا إلحباط في الثالث ،وفي السبوع الرابع قرر أن يغير المجال وأن ل يبحث عن عمل
في المطاعم بعد اليوم.
لن يمر بعد اليوم ليتسول العمل في المطاعم ،لن يطرق أبوابها إال لياكل وليس ليتسول
عمل ًا.
" سأغير المجال " ،هذا ما كان قد قرره ،ضاعت شهادات الخبرة التي زورها له
أصدقاؤه سدى ،فالسيرة الذاتية لم تلقى إاستحسان أحد ،لم يعيد أحد التصال به
ممن أرسل لهم سيرته عن طريق ا إلنت نرت أو سلمها يد ًا بيد ،أو با إلتصال التليفوني.
" يبدوأن مديري الذي طردني كان محق ًا! ،يبدو انني فاشل فعل ًا " .
قضى شريف الكثير من الوقت على صفحته في الفيس بوك ،كان يكتب وينشر
صرخات الناس الذين لم تكن لهم الجرأة لنشرها.
نيمفو وسمر وعمر وبلا عنوان ،وشيماء وغيرهم كثيرون ،قصص حقيقية تعيش في زوايا
الحياة وجيوبها الضيقة المنسية ،أناس عاديين من حيث المظهر الخارجي حينما نراهم
ولكن من الداخل يعشش البؤس والحزن في قلوبهم ،كسى أرواحهم وغلفها حتى دفنوا
أحياء تحت وطأته .دفنوا أحياء ولم يبحث عنهم أحد ،لم يفكر أو يهتم أحد بنبش
جبال الحزن تلك ويخرجهم من تحتها ،ل لشيء سوى أنهم ليرون ذلك الحزن في
عيونهم ول وجوههم ،إال شريف ،كان هو من رأى ذلك رغم انه لم يقابل أحد منهم
من قبل ،رأه في حروفهم ،كانت الحروف تضج باللم والبؤس والحزن ولهذا غاص
شريف في تلك الصفحة بعيد ًا جد ًا ولول مرة يشعر أنه ناجح في شيء ،لول مرة
60
يشعر بأنه حي ،حتى وإان كان النجاح مجرد قص رسائل من صندوق رسائله ولصقها
على صفحته بناء ًا على طلب أصحابها ،ولكن يكفيه أن الصفحة إاسمها ..
" صرخة شيف " ..
يكفيه أن عدد متابعي الصفحة وصل للثلاثين ألف متابع لتتوالى القصص والحكايات
دون توقف!.
**************
61
11
بلا عنوان !...
إاسمح لي عزيزي القاريء أن إاسمي هذه القصة بلا عنوان ،وأتمنى أن يُلبي لي الكاتب
رغبتي ،فأنا ل أريد منه أن يحصر حكايتي تحت مسمى واحد أو شكل بعينه ،فأنا قد
سئمت تلك القوالب الفكرية التي نقولب فيها كل البشر والشياء ،قوالب جاهزة
مكررة نجمع فيها من هم على مقاسها ثم نرصهم في عقولنا لنكون منها حوائط مقولبة...
هذا حائط البوساء وهذا للسعداء ..هذا الجدار مقولب من الغنياء وهذا من
الملعونين في الرض الذين طحنتهم الدنيا وجعلتهم عارًا فيها حتى أنهم الوحيدون الذين
لم يشكلوا حائط ،بل هم مجموعة قوالب مكسرة مكومة فوق بعضها ،بل أن بعضها قد
وضع للدوس عليه...
بالله عليكم ل تضعوني في قالب ،ل تنعتوني بأي صفة ،فأنا قد أكون أي شيء إال أن
أكون أنى!.
تلك الصفة التي ُاختيرت لي من وأنا في رحم أمي و ُدعيت بها من قبل أن يُطلق علي
إاسم ولكن عندما كبرت كانت تلك الصفة كالحلم المستحيل لي...
حلم بعيد المنال...
نعم..
فأنا أبعد ما يكون عن النوثة...
أنا دبة!
لي جسد إامرأة خمسينية اكل عليها الزمن وشرب ،إامرأة ثكلت زوجها وهجرها
أولدها ،كل منهم سعى إالى دنياه وتركوها وحيدة ،فما كان منها إال التمرد والتنفيس عن
ألمها بالطعام ،تاركة الدهون تمرح وتسرح في جسدها غير مباليه بما يُفترض عليها أن
62
تكون من جمال ورشاقة ،ولكن حتى تلك الخسينية يا عزيزي أنا بعيدة كل البعد
عنها ،على القل هي كان لها حياة قبل أن يمتليء جسدها...
كانت أنى يوم ًا ما ،ولكنها اختارت أن تثور على هذا الجسد وكنها تعاقبه...
أما أنا ،فمنذ أيام مراهقتي الولى أصبح جسدي كجسد تلك المرأة ،أصبح عندي
وفرة في كل شيء ،الصدر أصبح بحجم عشرة صدور من صدور رفيقاتي والخصر
وكنه كرة والرداف ،تب ًا لتلك التكتلات اللحمية والدهنية التي غزت جسدي بلا
حساب ،والتي يُفترض أنها ُخلقت لل إاغراء ولكنها عندي خلقت للازدراء !!!
أنا يا صديقي القاريء -واسمح لي أن أناديك بصديقي -فأنا لم يعد لي أصدقاء سوى
جدران غرفتي وطيفي المنعكس على زجاج مرأتي منذ أن خسرت صديقتي
الوحيدة...
أاااه يا صديقتي ،ليتك تعلمين ما بداخلي من حب وشوق لجئتيني الن طائرة على
اجنحة الثير...
أاه لو تعلمي كم الندم الذي شعرت به ومازلت أشعر لخسارتك لما تركتني أن أترك
حضنك إالى أن يفرقنا الموت...
صديقتي يا صديقي القاريء هي الشخص الوحيد في هذه الدنيا الذي أحبني
بصدق...
هي الوحيدة التي رأتني جميلة في الوقت الذي كان يراني فيه الكل أيقونة للقباحة...
هي التي كثيرًا ما مدحت جمالي وشياكتي وكثيرًا ما أثنت على ذكائي ورجاحة عقلي
ولهذا فهيي الصديقة الوحيدة التي حظيت بها في سنوات دراستي الولى واستمرت
صداقتنا حتى بعدما تحولت إالى هذا الكائن المترهل...
أحببتها بصدق ،أحببتها حب أكبر من حب الرجل للمرأة ...عشقتها عشق الروح
للروح ،الله فوق وصديقتي تحت...
كانت هي أخر من أتحدث معه قبل أن أنام وكانت هي أول من يحادثني فور
صحياني ،ل بل هي من اعتادت أن توقظني ،فأنا بحكم وزني معتادة على النوم كثيرًا...
63
كنت معها يوم خطبتها وأيام شراء جهازها ،كل تلك الفساتين والملابس وقمصان النوم
كنت أنا شاهدة على شرائها ،ل بل إاشترتها بناء ًا على رأيي.
يا الله كان ذلك اليوم وكنه بالمس رغم مرور كل تلك السنوات ،ل أتذكر كم سنة
مرت ولكن أولدها قد كبروا الن ،لقد رأيت إابنها في الشارع منذ عدة أيام ،لم
يعرفني ولكنه بسم الله عليه أصبح شاب جميل وخط شاربه على وجهه ،لم يعرفني
ابنها واحمر وجهه خجل ًا عندما إاحتضنته وقبلته ،بكيت يوم عرسها أكثر مما بكت أمها،
بكيت من فرحتي بها ،كانت فرحتي بها أكبر من أن اتحملها فسالت دموعي وكنها
نهر ...وما أدراك عن نهر دموع من ُهن مثلي يا صديقي القاريء؟
وعندما حملت إابنتها على يدي لول مرة...
يا الله لذلك الشعور الجميل ،شعور ل أستطيع وصفه وسعادة جديدة غمرتني عندما
حملت تلك المولودة البيضاء وكان بياضها بحمرة وكانت أمها تلبسها فستان ًا ابيض لمع
ورأسها خفيفة الشعر...
ل اكاد أشعر بثقلها على ذراعي ولكني كنت حرفي ًا أحمل السعادة في حضني ،لم أشعر
بتلك السعادة حينما حملت ابنها الول.
سنوات مرت ودخلوا المدارس وتغيرت صديقتي ولكنها لم تكتسب أي وزن زيادة،
ظلت محافظة على رشاقتها وجمال قوامها الجذاب ،وأبد ًا لم تصل لنصف وزني...
وتحول جمالها إالى شيء من القبح ولكني كنت صديقتها ،كنت إالى جوارها كل
يوم،حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم...
تب ًا لذلك اليوم يا ليته ما جاء وتب ًا إلبنتها الحمقاء ليتني خنقتها عندما حملتها أول مرة أو
يا ليتني تركتها تسقط من يدي على الرض وهي مازالت في اللفة وكنها سقطت رغماً
عني...
ليتها ماتت وما فرقتني عن صديقتي!
**********
64
12
الزوجة ..
تلك الكبة المعهودة والمعتادة التي تعودها منها في كل منشوراتها على صفحتها ،إامرأة
في أوائل الثلاثين من عمرها رشيقة القوام ،رغم نحافتها الظاهرية إال أن أنوثتها كاملة،
جميلة القوام ،إانحناء خصرها الذي يظهر جلي ًا اذا ما ضرب الهواء ملابسها الفضفاضة،
فتلتصق به مظهرة إاياه ومظهرة صدرها البارز المشدود وتدويرة خلفيتها ،كلها مكونات
لمزيج قاتل لنى في عنفوان قوتها وإاثارتها للشهوة ،كل هذا ولم يبخل عليها القدر
بشعر حريري اسود كالليل وعينان واسعتان يكسر بياضهما الناصع ،عقيقتان سودوان
وكنهما بحر الظلمات يُغرق من ينظر إاليهما،
إامرأة ملكت كل مقومات السعادة ولكن ل تشعر منها إال بالكبة ،وكنها أم ثَكلت أو
إامرأة ُرملت ،ولكنها ل ْثكلت ول ُرملت ،هي متزوجة برجل وجيه من وجهاء عائلته،
ميسور الحال جد ًا حتى أن كل طلباتها مجابة قبل أن تطلبها ،لديها ثلاثة أبناء حلم كل
زوجين ،وتلك الكبة المستفزة التي تُنفرك من جمال تستريح له النظار هو ما دفعه
إالى ا إلقتراب منها ومحاولة معرفة علتها ،كيف ل يفعل وهو من يحب الجمال النثوي
أينما كان ،هي لوحة جميلة ستكتمل إاذا ما إابتسمت أساريرها بصدق مع شفاهها
المزيفة البسمات.
أرسل لها رسالة تقتحم الصمت الكتابي وتكسر الجليد الذي بينهما ،هم أصدقاء على
الفيسبوك منذ فترك طويلة ،يتبادلن إاعادة نشر منشورات بعضعهما ولكن أبد ًا لم
يتحدثوا أو يعلق أي منهم على منشور الخر ،وكنه اتفاق ضمني بينهما أو ربما كما كان
يظن شريف هوالخوف ،خوف ًا منه من أن يعرف قصتها وينشرها ،ليس خوف ًا من
الفضيحة لن شريف كان يغير السماء وبعض الحداث ،ولكن من مثلها يكون كمن
يقف على حافة الحياة ويحاول جاهد ًا حث نفسه على التشبث بها ،ربما كانت تخشى
أنه إاذا نُشرت قصتها لكان ذلك بمثابة دفعة تجعلها تفلت أصابعها من ذلك التشبث،
65
فكتب إاليها وسالها كيف حالك؟ ،وكانت إاجابتها غير ما كان يتوقع ،كان يعتقد أنها
ستجيبه بأنها بخير ،ولكنها قالت بإابتسامة حزينة "لست بخير "!.
" تب ًا ،يبدو أنني قد تأخرت في أخذ خطوة السؤال عنها !"
واستطردت بعدما صمتت لحظة بسبب اندهاشه من إاجابتها " :أعلم سبب اندهاشك
ولكنها الحقيقة ،وأيض ًا لنني أعلم أنك جئت لتثيرني بكلماتك حتى أبوح لك بما في
داخلي واعرف أنك لم تكن ستتركني قبل أن تصل مني إالى هذه الغاية ،أجبني يا
شيف ما السعادة من وجهة نظرك؟ ،ما الحب؟ ،ما ا إلحتواء وما العشق؟؟"
وتوقفت لحظة ظن فيها أن شيء شتت إانتباهها ولكنها كانت تحاول أن تغمض عينيها
لتمنع دمعة لمعت فيها قبل أن تسقط على خديها متسائلة " :ما الرغبة؟!"
نظر إالى سيل أسئلتها ببلاهته المعتادة فاغرًا فاه من المفاجأة ثم أجاب " :ل أعلم،
أرجو أن تخبريني أنت إان كان لدي ِك اجابة "،
قالت " ل أعلم يا شيف صدق ًا ما السعادة ول الحب ،لقد قرأت لك وسمعت كلماتك
وانت تطبخ لنا وصفاتك واعتقدت انك تعرف الحب ولهذا سألتك ،لقد قرأت
قصص كثيرة وروايات ،رأيت تلك المسلسلات التركية والهندية التي تضج بقصص
الحب وكلماته التي تأخذنا من أرض البؤس والشقاء إالى عالم مثالي جميل ،عالم تجد فيه
حضن ا إلحتواء دون أن تطلبه ،ولكن يا صديقي كل هذا محض الخيال والدراما
التليفزيونية ،تب ًا لرجل وزوج ل يعرف كيف يحتوي أنثاه"! ،
سألها بمكر " إاذ ًا الموضوع جنس؟! "
جلجلت ضحكتها قائلة " :تب ًا لصراحتك المفرطة ،نعم هو جنس أو هكذا كنت أظن،
أن مشكلتي الحياتية الوحيدة وسبب ذلك البعد النفسي بيني وبين زوجي الذي ينام
معي على سرير واحد هوالجنس حتى قابلته و" ،...........
لم يكن يريد أن تهيم في وصف "هو" ،أو الرجل الخر قبل أن يضغط على ذلك
الجرح الذي كشفته وغطته بلمح البصر" ،زوجك ينام معك على نفس السرير ولكنه
بعيد عن ِك نفسي ًا؟! أهو إالى هذه الدرجة قبيح؟!!"
66
إاستفزها السؤال فطبعت على الحروف بحدة " :ل ،طبع ًا ل ،إانه وسيم جد ًا ،إانه
طويل وجسمه رياضي "
"إاذ ًا المشكلة عضوية ؟" سألها بخبث.
" ل أنها ليست عضوية يا شيف ورغم أنني ل أريد الخوض في تلك التفاصيل ولكنني
أعلم بجاحتك ولهذا سأرضي فضولك حتى ل تجلدني بأسئلتك اللاذعة ،المشكلة يا
شيف هي مشكلة وعي ،الوعي ،يا للوعي ،تب ًا لذلك المنطق وتلك الكلمة الهينة ،انه
من بديهيات الحياة ،ومع هذا تخلى عنه ا إلنسان وما عاد يشغل نفسه به رغم أنه به
الخلاص ،قديم ًا وعي ا إلنسان إانه أذكى من الحيوان فترك الشجرة التي كان يتعلق بها
ومشى على الرض ،إانتصب على قائمتيه تاركاً عادة القردة والحيوانات الذين يسيرون
على الربع ،الوعي هو ما أدرك به الوائل انهم يستطيعون السيطرة على الكون كله
لنهم يدركون ماهيته ،إاستأنسوا الحيوان ونحتوا الصخور ،روضوا النيران وما إالى كل
ما تراه بعينك الن ،ولكن مع انشغال الرجل بمحاولة ادراك تلك الحياة المتسعة
الرجاء نسي أن يروض تلك الشعلة النائمة في حضنه ،نعم ،المرأة يا صديقي
الشيف ،فهيي شعلة يحتضنها الرجل كل ليلة ،جذوة نار يحتفظ بها في بيته ،على
سريره ،نسي أنها أول ما يجب عليه ترويضها ،وان فشل حرقته هو وكل احلامه
وكل ما ارتبط به ،وهذا ما لم يعيه زوجي ،مثله مثل الكثير من الرجال الذين تعرفهم
وللسف ربما تكون أنت منهم!
إاستفزه كلامها ووجد أن أي محاولة لنفي التهمة عن نفسه ربما تلصقها به أكثر فقال:
"وحتى ولو! ،وأرسل لها ايموجي يغمز ،ثم أكمل :ربما ل يعي تلك الحقيقة هو الخر،
أقصد حبيبك الذي سنتكلم عنه "!
إابتسمت وكنها فهمت ما يقصده وقالت " :ل ،هو قصته غير ما جاء في بالك،
علاقتنا لم تقم على الجنس رغم إاني لن أمانع إان طلب مني أن تتحول إالى الجنس،
ولكنه إاستطاع أن يحتويني ويروض بركان الشهوة داخلي بدون أن نتطرق إالى
الجنس كثيرًا ،لقد إاحتواني يا شيف ،إاحتواني هذا المخبول دون أن يقابلني ،ل أعلم
67
إان تقابلنا ،إان لمسني ،إان عانقت شفناه شفت ّي أو حتى إاحتضنني ،أعتقد حينها أنه
سيملكني كما يمتلك ا إلنسان حيوان أليف! ،أعتقد إانني سأكون خاصعة له خضوع
الحيوان!".
لم يعجب الكلام شريف وصدمته تلك الحقيقة المفجعة ،رغم أن شريف لم يكن الرجل
المثالي ولم يكن صاحب مثل وقيم إال أن حقيقة أن تخون المرأة زوجها ولو حتى
بالمشاعر كان يُشعره با إلشمئزاز والمرار ،ولو حتى كان ذلك الرجل نفسه خائن ويقضي
كل ليلة في حضن إامرأة مختلفة ،فهو مثال حقيقي للرجل الشرقي ،الذي يبيح لنفسه
كل المحظورات ويحرمها على المرأة وها هو الن يطرق ِعش الدبابير لتهجم عليه
بلدغاتها ،طرق باب صمتها وها هي تخرج عليه بخبايا قلبها اللاذعة ،حاول أن يعطيها
العذر ولكنه لم يستطع ،لعنها في عقله ونعتها بالفاسقة ولم يستطع أن يكمل الحديث
معها ف إاستئذنها متحجج ًا بأنه مضطر أن ينام! ،فالنعاس يثقل جفونه ،ذلك النعاس
الذي كان يجافيه منذ ساعتين مما اضطره أن يبدأ معها الحديث ،وها هي لم تكد تبدأ
حتى يستأذنها ويعدها بأنه سيستكمل الحديث معها في وقت لحق ،وقال لها:
"سعدت بالحديث معك! " ،وفي سره " أيتها العاهرة "!.
حق ًا أنها لمفارقة عجيبه أن يدافع عن نيمفو العاهرة ويُنسب إاليها الشرف وهذه التي لم
تفعل شيء سوى أنها أحبت لم يستطع أن يُبرئها.
نام شريف كطفل صغير غير عابيء أو مدرك للبركان الذي فجره في صدر وعقل لينا،
بركان الغضب والغيظ " ،كم أنا غبية حتى انجرف في الحديث هكذا من أول مرة
اتحدث معه فيها ،وليس هذا فقط بل انني بحت له بأسرار ما كان ينبغي أن أبوح بها
لحد حتى ل ينعتني بالعاهرة ،فما بالك بشريف ايتها الغبية ،شريف صاحب تلك
الصفحة المثيرة للجدل الذي ربما لن يتورع ويتواني عن نشر قصتي ليكسب زيارات
لصفحته العقيمة!.
68
تب ًا لك يا شريف "!.
اكلها الندم وجافاها النوم رغم تأخر الوقت جد ًا ولتهرب من ندمها وتهديء ضجيج
عقلها كتبت رسالة لشريف ليقرأها عندما يستيقظ"
" صباح الخير يا أستاذ ،أكتب إاليك قصتي التي لم يسعفني الوقت لسردها معك
لنك نمت وتركتني ،وكان يجب أن تعرفها كامله حتى ل تحكم علي حكم باطل أو
تتهمني بالعهر دون أن تعرف الحقيقة ،حتى وإان أصريت أن تراني عاهرة بعد أن أقول
لك قصتي لن يهمني ،على القل سيظل صوتي يتردد داخلك بأنني مظلومة ،أنا
مظلومة يا شريف فلا يوجد أنى على وجه الدنيا تريد أن تكون عاهرة ،حتى
العاهرات أنفسهن والزواني يفعلن ذلك لسباب خارجة عنهن ،تعرف ما هي مشكلتي
يا شريف غير الوعي الذي كلمتك عنه قبل أن تنام؟ ،مشكلتي انني ُخدعت،
عشت ستة عشرة عاما مخدوعة ،لقد غفلني زوجي يا شريف ،سلبني حقي في
الحب ،كنت أظن أن تلك هي طبيعته وانه شخص عملي ل يعرف عن الحب إال
المسؤولية والمسؤولية بالنسبة لة توفير المادة ،تزوجته ودفنت رغبتي في أن أسمع
كلمة أحبك ،وحشتيني ،أشتاق ل ِك ،دفنت رغبتي في أن يحضنني في اليوم عشرات
المرات أو حتى مرة كل عشرة أيام.
ولكنه لم يفعل هذا ،حياتنا كانت عبارة عن جنس رسمي كل أسبوع أو أسبوعين بلا
مشاعر بلا أحضان بلا مداعبة وكنه واجب يؤديه أو فرض يتوق للخلاص منه،
كل هذا تحملته لنني أصيلة.
وظلت تكتب إالى شريف قصتها ولكنه لم يعيرها أي إاهتمام ،كان قد قرأ في اليوم
التالي إالى هذا الحد ولم يستمر.
ربما مقتها وشعر با إلشمئزاز منها أو ربما خاف أن يفهمها ويعطيها العذر في كل ما تفعله
فتقع في فخه ويقع في فخها وهو لم يكن يريد أن يعاقب نفسه بهكذا علاقات مشوهة
69
ومبتورة ،ولهذا عمد إالى تجاهل رسائلها بعد ذلك الصباح ،وكانت شيماء إاحدى
القصص التي نشرها على صفحته.
**********
70
13
الكاذبة!
السلام عليكم..
أنا إاسمي شيماء ،عمري ٣٨سنة عانس ،نعم أعلم ما تفكر به الن ايها القاريء ،ولهذا
اسمح لي أن اقطع عليك رحلة الشفقة التي كنت ستغمرني بها ،فأنا لست تلك
العانس التي تعرفها في حياتك ،أنا لست خالتك العانس التي عاشت بائسة في بيت
ابيها ،عاشت كخادمة لبيك واعمامك و َلك ولبناء عمك في مقابل لقمة تأكلها بالخزي
وهدمة رديئة تُهدى لها في المناسبات!
ل ،أنا لست تلك العانس ،أختك التي تشعر بالبؤس تجاهها وتتمنى أن تطمئن عليها
في بيت رجل يحميها من غدر اليام ،أنا عانس بمحض إارادتي ،أنا اخترت العنوسة،
اخترت أن أخرج لساني في وجه المجتمع القذر الذي نعيش فيه وحولنا جميعا إالى
زومبيز ،اخرجت لساني وبصقت على عادات مجتمع هرم ،رفضت الزواج.
بالطبع لم تكن رحلتي سهلة وخاصة على والدتي وأخي ،ولكن بعد مجادلت ومحاولت
رضخوا ،رضخوا وإاقتنعوا أن مؤسسة الزواج ليست بالشيء المناسب لي ،كيف تقنعني
بصواب وضرورة الزواج وهو أسوأ منظومة إاجتماعية وجدت على الرض منذ زمن
الديناصورات؟ ،الزواج قاتل لكل ما هو جميل في ا إلنسان عموم ًا والمرأة خصوص ًا،
"رجل يتزوج بزهرة جميلة متألقة في بستان جميل ثم يحولها بقدرة قادر في شهور قليلة
إالى كائن نكدي مقيت ،تُمحى ابتسامتها من على وجهها كما يُمحى الرصاص من
صفحات الكراسات ،جمال يذبل بسرعة الضوء ،جسد يترهل وصوت عذب يتحول
إالى نشاز ُمزعج ومن بعدها تتحول تلك الزهرة إالى مجرد مفرخة ،كل مهنتها أن تلد
وتربي وتعلف وتُ َعلف ،إامرأة تفتق جسدها من أجل بيتها وزوجها ،شمعة تذوب من
أجل أن تنير لهم وما أن يختنق ضوءها بفعل زوائدها الذائبة حتى يقوم زوجها
71
بإاطفائها ،ربما ببصقة حينها ويتأفف من خيط الدخان الرقيق المنبعث من أخر شرارة
في خيطها وما أن يطفئها حتى يقوم بإاشعال أخرى مكانها إان إاستطاع ،وان لم يستطع
جلس في الظلام بجوار تلك البقايا لعن ًا إاياها بسبب تركها له وحيد ًا في الظلام! ،قد
تقول أن الرجل أيض ًا يضحي لجل إامراته وبيته ،ولكن الحقيقة ل ،إانه يفعل هذا
لجل وجاهته وصورته أمام الخرين ليس إال ،وهذه حياة تحزن أي أنى إاذا ما
عاشتها ،وهذا هو الزواج من وجهة نظري ،وهكذا عشت وهكذا مرت أيامي
وسنواتي الثمانية وثلاثون سريع ًا بدون أي مشاكل تُذكر ،على عكس قريناتي اللاتي
يعانين يومي ًا من أزواجهن وأولدهن.
هكذا كنت أخدع نفسي حتى ظهر هو في حياتي ،تب ًا له! ،يا ليتني ما عرفته ،وتب ًا
لسلاطة لسانه وفضوله ،كان سؤاله " إاذا ما عاد ب ِك الزمن إالى الوراء هل
ستختارين العنوسة ؟"
كان بمثابة الطرقة الولى التي ضربت إاناء خزفي فأطلقت بداخله ألف الشروخ
الدقيقة التي تنتظر مجرد هزة خفيفة أو نفخة ريح قوية بعض الشيء حتى ينهار ويظهر
ما بداخلها من خواء.
والحقيقة أني راوغته يومها وكذبت عليه وأخبرته أنه لو عاد بي الزمن إلخترت نفس
الحياة ،وبالرغم من نبرة الثقة التي تكلمت بها إال أنه لم يصدقني رغم أنه حلف كذب ًا
هو الخر بأنه يصدقني فأي دافع سيجعله يكذبني وخاصة انه ل مصلحة لي في
الكذب؟ ،كذبني وقالت نبرة صوته التي حاول أن يخفيها وعرفت أنه يكذبني ،فجادلته
وضيقت عليه الخناق ليبوح لي بأسباب تكذيبه لي ،ويا ليتني ما سألت ول ضيقت
ويا ليته ما باح هذا الحمق! ،ألم يعلم أن بوحه يكسر ذلك الجدار الذي أختبئ خلفه
راسمة عليه صورة النى القوية وانا في الحقيقة حطام أنى؟!
ألم يعلم انه عندما سيقول لي أنك كاذبة سيسقط قناع سعادتي كاشف ًا وجهيي الحقيقي
الكئيب الحزين والحزن البدي الذي أهرب منه دائم ًا؟؟
72
قال انك كاذبة لنه ل توجد أنى في هذه الدنيا ل تتمنى أن تحب و ُت َحب ،نعم أعلم
أسبابك الكثيرة جد ًا التي ل تنتهيي والتي كانت سبب ًا في كرهك للزواج ولكن أعلم
أيض ًا انك تتوقين إالى إاحساس أن تنامي كقطة في حضن أحدهم ،تشتاقين للمسة
وقحة ومفاجئة لعضائك من رجل هو زوجك ،تشتاقين وتتمنين لحظة أن ينادي
عليك طفل بأمي ،أعلم انك تحلمين بأن تعيشي ألف الحاسيس والتي أعلم أيض ًا انك
قد تقايضين باقي عمرك من أجل أن تعيشي إاحساس واحد منهم.
كان كل حرف من حروف كلماته كوخز ا إلبر ،كسكين حادة تنحر لحمي بلا رحمة ول
شفقة ،وبكل بؤس حاولت التنصل منه وقلت " :حيلك حيلك يا عم الستاذ! ،أنت
فاكر أن كل ده يفرق معايا؟؟ ياعم ده أنا جبلة واللي بتقوله ده بتاع البنات الفرافير
انما أنا جبلة "!
وكنه فهم ما بي فأنهيى المكالمة سريع ًا ولم نتطرق إالى ذلك الموضوع مرة أخرى!.
ولكن بعد ماذا ؟!! بعدما تركني وحيدة عارية أمام افكاري وشياطيني التي هربت
منها كل هذا الزمان ،لقد كان على صواب ،كان كل ما فعله انه ضغط على جرح كان
قد إالتئم على صديده ،جرح لم اك ُن أعلم انه مازال موجود ولكنه أظهر لي انه لم يختفي
يوم ًا ،تركني وبداخلي اصرار ورغبة على نسيان تلك المكالمة ،حاولت كثيرًا في اليام
التالية أن أعيد بناء حصوني ،أن أرمم أقنعتي المزيفة وأرسم عليها تلك البسمة البلهاء
والسعادة الكاذبة ولكني فشلت ،وسقطت مع أول كلمة لطيفة وأول مجاملة كاذبة
لحدهم.
كنت أعلم أن جسدي قد بدأ في خيانتي ،بدأت الدهون والترهلات تنمو أسرع من
مقدرة الريحيم القاسي على حرقها ،صوتي بدأ يفقد عذوبته وتضاريسي إاختفت حتى
أصبحت أشبه برميل ًا صغيرًا ،كنت أعرف كل هذا ولكني صدقت تلك المجاملة "
سبحان من أبدع وصور "،
أيام ،أسابيع ،شهور مرت وانا في ذلك الحلم الجميل الذي تلا تلك المجاملة
اللطيفة ،عرفت خلالها معنى الهيام والحب ،عرفت معنى أن تنام على كلمة أحبك
73
وأن أستيقظ على كلمة وحشتيني ،وعلمت أيض ًا أن هناك نوع ًا جديدا للزواج ،هو
الزواج عن بعد ،الزواج ا إللكتروني ،وياليتني ما عرفت ،ما كنت فُضحت!
" منك لله يا شريف لنك من فتحت علي باب دخلت منه رياح الدنيا ولم أستطع
إاغلاقة فدمرتني ".
نشر شريف صرختها مذيلة بدعوة لله منه ولكنه لم يعرف معناها ،حاول أن يستفسر
منها عن السبب ولكنها لم تخبره أنها شيماء صديقته!.
نعم ،كان قد عرفها من صفحته منذ شهر تقريب ًا وتطورت علاقتهما سريع ًا ،شيماء هي
تلك الفتاة الجميلة الدائمة الضحك ،ل يهمها شيء ول تكترث لي شيء كنها بلا
مشاكل أو ألم ،هي كانت تردد دائم ًا أن الحياة جميلة ول داعي للبؤس ،الحياة حلوة
ولكنكم أنتم من اخترتم اختيارات خاطئة وجبنتم عن تصحيحها ،الحل في تقبل
خياراتكم أو غيروها ،السعادة قرار وأهم قرار فيها أن الجميع راحلون ،الجيمع سيتغيرون
وجميعنا فترات في حياة بعضنا سواء رضينا أم أبينا فهيي سنة الحياة وهذه هي أصدق
مقولة حديثة " :كلنا مجرد فترات ".
فكر شريف " :هل من الممكن أن تكون فترتي في حياتها قد انتهت؟؟ ولماذا تدعو
علي؟؟ نعم ،أنا لم اصدقها حين قالت أنها سعيدة ،كنت أصدقها عندما كنا نتكلم
كتاب ًة ،ولكن عندما كلمتها صوتي ًا علمت أنها تكذب ،كاذبة أنت يا شيماء ،فأن ِت بعيدة
كل البعد عن السعادة ،أنت ترفعين راية السعادة كمحاولة اخيرة منك لصد من
يعايروكي وأولهم أمك ،تقولين أنك سعيدة كذب ًا كمحارب صار جسده كهدف نيشان
وقف بأخر ما لديه من قوة شاهرًا سيفه مزمجرًا في وجه أعدائه وكن كل تلك السهام
المغروسة في جسده ل شيء ،يزمجر بكل قوته وكنه عتي وخالد ،والحقيقة أن النهاية
مجرد وقت ،مجرد وقت قبل أن يسقط صريعا ويموت دون أن يقترب منه أحد ،مجرد
وقت وسيسقط وجهه في التراب ولن تكون لديه القوة حتى لمحاولة لف وجهه بعيد ًا
عن التراب ليتنفس أنفاسه الخيرة.
74
مجرد وقت وسيراق دمه من جسده كما يراق الماء من قربة مخرومة ،مجرد وقت يعرفه
اعدائه ،وربما إان كان ذكي ًا كفاية ليعرفه لقضى اللحظات الخيرة من حياته يطلب من
الله الغفران والصفح ويتمنى أن يكون من فريق الحق حتى ل تكون حياته وأخرته قد
ضاعتا سدى.
لم تكن شيماء تشعر بتلك السهام المغروسة في جسدها بل هي لم تكن تراها ،وظلت
ترفع بوهن راية سعادتها ولكني رأيت أنها تنازع دون أن تدري حين كلمتها.
الوحدة القاتلة بدأت تسيطر عليها فلم يعد لديها أصدقاء ،صديقاتها المتزوجات
أصبحن بعيدات عنها كل البعد بسبب إاختلاف ا إلهتمامات .هن يهتممن بالطفال
والحفاظات ،يهتممن بتبييض المناطق الحساسة ،يهتتمن في أسباب الخيانة الزوجية
وكيف يتفادين تلك الكارثة ،أما شيماء فكانت تسخر منهم ،كانت تنعتهن بالغباء وأنهن
لسن بحاجة لن يستعبدن لرجالهن ،عليهم أن يقبلهن كما هن بكل حالتهن وإال ف إانهم
ليحبونهن وان لم يكونوا يحبون نسائهم فما الحاجة إلستمرار تلك العلاقة العقيمة؟.
صدقت إاحدى صديقاتها كلامها وتعصبت على زوجها وعنفته فطلقها ،وصبت جام
غضبها على شيماء ،اخبرتها أنها هي السبب في طلاقها وخراب بيتها وحذرت باقي
صديقاتها بأن شيماء حاقدة عليهن لنها عانس وأنها تريد أن تخرب بيوتهن ،وضاعت
صداقات العمر.
إانتهت وأصبحت شيماء وحيدة.
حاولت إاستبدالهن بصديقات جدد لكن فرق السن كل عائق ًا.
فشيماء عمرها ثمانية وثلاثون عام ًا ول يمكن أن تصادق من هي في العشرون أو حتى
الخامسة والعشرون عام ًا.
أسلوب الكلام والذوق وا إلهتمامات مختلف ،هذه تبحث عن الحياة لتعيشها ،وتلك
تبحث عن الحب ليرويها.
فشلت شيماء إاجتماعي ًا ،حتى أصبح من الصعب التفاهم معها.
كانت تفتقدها دائم ًا ولم تجد أمامها سوى النت وأنا!.
75
أنا شريف الذي كشف النقاب عن جرحهها أمامه ويبدو أن هناك شيئ ًا قد حدث
بعد تلك المكالمة الوحيدة وأريد أن أعرفه!.
لقد قالت :يا ليتني ما فُ ِضحت!.
فعن أي فضيحة تتحدث؟.
أتمنى أن ترد علي..
" يا لي من غبي"!.
لقد أضعت رقم هاتفها ويبدو أن النت مفصو ًل عندها ،فهيي ل ترد على رسائلي ،بل
يظهر لي دائم ًا أنها لم تستلمها بعد!.
" أسترها يارب " ...
ولم تمر إال دقائق من بعد نشر قصة شيماء حتى وصلته رسالة عجيبة من شخص
أعجب!.
*************
76
14
" قصصك تجعلني أبكي "!
رسالة لفتت نظره حينما كان يقلب في صندوق رسائله بحثا عن قصة جديدة يلهب بها
صفحته وقلوب الق ّراء ،رسالة من الشخص المجنون الذي أثار فضوله وأراد أن يرد
ولكنه خاف من أن يفعل ذلك ،خاف من الحظر الثالث.
حاول جاهدا أن يمنع نفسه من الرد وبشق النفس إاستطاع أن يذهب إالى البلكونة
لمحاولة تصفية ذهنه والتفكير في اجابة جميلة تفتح
معها حوارا طويلا جميلا ،ولكنه لم يستطع أن يمنع نفسه أكثر من ذلك ،فترك هاتفه
ونزل إالى القهوة عله يستطيع أن ينساها ،وكعادته في القهوة يشرب قهوة مظبوطة
ويدخن الشيشة ،تذكر وهو يعب دخان الشيشة على صدره وتكركر المياه في ُقلتها
كغازية تغوي زبائنها ،تذكر بدايته معها ..
سلام...
تذكر أغنية عبد الحليم حافظ حين غنى "ما أصعب أن تهوى إامرأة يا ولدي ليس لها
أرض أو وطن أو عنوان"..
سلام ..
هي إامرأة ليس لها وطن وعنوانها مجهول جهالة من ليس له سبيل للوصول إاليها ،ل يهم
أين تسكن أو تعيش ،فمكانها بعيد بعد القمر عن الرض ،نراه ،نحبه ،نعشق نوره
البارد الجميل ،نسهر ليلا نحكي له همومنا ولكن حضن أحجاره وضم ترابه درب من
دروب المستحيل ،هي إامرأة عُجنت بماء المر والكبت والحَجر على كل حقوقها كنى،
رغم أنها تعيش في عالم الحرية ،إامرأة رغم جمال عيونها الزرقاء إال أن الحزن الكامن
فيهما يجعلك تعلم إان كنت من اصحاب الفراسة أن هذه المرأة ل تبتسم لسعادتها بل
أنها تبتسم لنها أبت أن ترضخ ،هي مقاتلة من الطراز الول.
77
سلام هو اسمها الذي أحب شريف أن يناديها به ،إامرأة من أصول فلسطينية ،لم
ترى فلسطين قط بعيناها بل رأتها كما رأها العالم كله عبر عدسات التليفزيون
والكاميرات إال أن توقها إالى تلك البلد توق يتيم إالى أم لم يراها ولكنه عشقها وأحبها
من كلام الناس عنها ،توق إالى ذلك الجسد الذي كان السبب في مجيئه إالى هذا العالم
ولكنها ُانتزعت منه بقسوة الموت تاركة إاياه إالى أيادي واحضان تتناقله فيما بينها،
تخرجت من إاحدى كليات دولة ا إلمارات حيث كان والداها يعيشان هم واخواتها،
ولكنها لم تنل فرصة العمل بشهادتها ،حيث أنهم قرروا الرحيل عقب تخرجها إالى
لندن ،هناك استقر اقربائهم ،استطاعوا بفضل نظام اللجوء الذي يُمنح بسهولة لمن
هم من أصول فلسطينية أن يحصلوا على وطن بديل ،وطن يعطيهم نفس الحقوق التي
يعطيها لبنائه الحقيقيين ،وطن ل يعتبرهم ضيوف ًا أو مقيمين من السهل طردهم في أي
لحظة ،وكان ذلك ا إلنتقال هو انتقال سمكة من حوضها الصغير الذي وضعت فيه
عقب اصطيادها من البحر إالى الهواء ،سمكة ُحكم عليها أن تعيش بلا ماء،
عربية في بلاد اجنبية باردة .جمالها جمال خلاب ،شعرها الشقر الباهت الذي يريح
العين ويظهر جمال عيونها الزرقاوين الجميلتين اللتين سرقا عمق وزرقة المحيط في
بؤبؤها الجميل ،أنف جميل حاد يعلو شفتين حافظت على اضفاء لمعة بسيطة عليهما
حتى اصبحتا كتفاحة شجرة معرفة الخير والشر ،تفاحة لم تختلف كثيرًا عن باقي تفاح
الجنة إال أنها كانت ذات جاذبية غامضة خفيفة جعلت حواء تقطفها مخالفة بذلك وعد
الله ،شفتاها الجميلتان كانتا أول ما لفت إانتباهه فيها ورغب حينها أن يقبلها ،بل انه
تملكه ولول مرة هذا الشعور الغريب وهو الحسد تجاه رجل لنه يملك الحق في أن
يقبل تلك الشفاه في أي وقت ،رجل هو زوجها.
رغم أن شريف كان من نوع الرجال الذي يخاف كثيرًا على صورته ويخشى الحرج
ويخشى من ردود الفعل إاذا ما عاكس إامرأة ولهذا تقريب ًا لم يعاكس إامرأة في حياته ،لنه
كان يعلم أنها إان ثارت عليه سيكون لها كل الحق في ذلك ويعلم أن الكثير من الرجال
سيحبون نجدة هذه المرأة التي تستغيث من هذا المتحرش اللفظي ولهذا لم يعاكس
78
أبد ًا ،كان يعلم أنه جبان لنه يسمح لنفسه بالتفرس في أجساد النساء من حوله
ولكنه أعطى لنفسه الحق في ذلك قائل ًا" :وما المانع؟ ،الجميع يفعل ذلك ،على القل
أنا أتمعن في صمت وأيض ًا أنا أفضل منهم ،أنا ل أنظر إالى أية إامرأة بصحبة رجل حتى
ل أحرجه بنظراتي لجسد تلك التي تمشي بجواره ،أفعل هذا لنني أعتبر هذا عيب ًا أن
جعل الرجل يشعر بقلة الحيلة تجاه الصيع الذين هم مثلي ،لنه لن يستطيع الرد أو
فعل شيء ،لنه ليس بمفرده بل هو بصحبة إامرأة وإان فعل أي شيء فهيي مجازفة قد
تعرضه وتعرضها للخطر ،هي معركة خاسرة له ،ولهذا أثرت في حياتي أن أجنب
الرجال من خوضها بغض النظر عن النساء اللاتي معهم "،
ولكن شريف الن يراها عبر شاشة تليفونه ،ما الضير وما أكثر ما قد يحدث إاذا ما
عاكسها وتغزل في شفاهها ،وخاصة انه الن صاحب صفحة تعدى متابعيها العشرون
ألف متابع في أقل من شهر؟ ،وقد فعل!.
دخل إالى الخاص وقال لها أن شفتيها قاتلتان!.
ولم يكد ينهيي جملته حتى أجابته بحظر أوقف باقي الكلمات في جوفه!.
حظرته وكان الحظر بمثابة صفعة تعيده إالى أرض الواقع من جديد!.
" من أنت أيها التافة حتى تتحرش إالكتروني ًا بهذه المرأة ؟!"
ومرت أيام كثيرة قبل أن يلاحظ شريف وجود سلام مرة أخرى في إاشعارات
صفحته ،يبدو أنها قد رفعت الحظر عنه دون أن يدري ،ظن لوهلة أن هذه دعوة له
إلستكمال ما بدأه معها ،ظن أنها ندمت على الحظر وأنها راجعت نفسها وأنها
تسرعت في تلك الخطوة ،ظن أنها معجبة به وإال ما كانت ستتعب نفسها في فك
الحظر أو متابعة منشوراته من جديد ،لحظ أيض ًا أنها غيرت صورة صفحتها بأخرى
جديدة وملونة هذه المرة عوض ًا عن تلك التي كانت بالبيض والسود!.
وأعاد نفس ما فعله سابق ًا ،دخل إالى الرسائل وأرسل لها رسالة غزل ولم يكمل أيض ًا
هذه المرة ووجد حظرًا جديد ًا يقابله!.
"تب ًا لها ،ما بال هذه المرأة ؟!"
79
لم يعر المر إاهتمام ًا كبيرًا رغم أن ما حدث قد استفزه ولكنه اعتبرها إاحدى مجنونات
السوشيال ميديا اللاتي نراهن في كل مكان.
" تب ًا ،إاذ ًا لماذا فكت الحظر هذه المرة أيض ًا؟؟ ل بل الدهى أنها هي التي راسلتني
بجملة "قصصك تجعلني أبكي" ،جملة تفتح المجال للف الردود بعدها " ،وعندما
خطرت تلك الفكرة في رأسه لم يستطع إانهاء حجر شيشته الول وهرول إالى بيته،
إالى تليفونه ليرد عليها:
كتب إاليها " ما الذي يجعلك تبكين "؟
ولحظات الترقب تمر بطيئة ثقيلة صعبة ،دقيقة مرت ثم قال لنفسه:
" دفعت دينارًا في القهوة ولم أنتظر لخذ الباقي ،يالي من مغفل ،لقد تركت ربعمائة
فلس بقشيش للرجل وأنا لم أفعلها من قبل ،لقد فتحت على نفسي باب لن أستطيع
سده "!.
دقيقتان ..
"ماذا لو حظرتني مرة ثالثة؟
ثلاث دقائق ...
" لن أستطيع أن أطالب بالربعمائة فلس ،إاذ ًا الحل أن أغير القهوة بقهوة أخرى "!.
أربعة دقائق...
" تب ًا ل ّي ،شربت القهوة ساخنة ولم أنهيي شيشتي ،ومن أجل ماذا؟ ،من أجل تلك
النقاط الثلاثة الوامضة؟؟ صه ! تب ًا ،نقاط وامضة؟؟ أنها إاشارة على أنها تكتب
لي"!.
-كيف وصلتك رسالتي؟
-ماذا تقصدين؟
-لقد مسحتها قبل أن تصل وكنت أظن أنها لن تصلك!
-ولكنها وصلتني ويهمني أن أعرف لماذا تبكين؟
-لنها تمسني وأشعر بالكثير من اللم على هؤلء الشخاص
80
-هل تبكين عليهم أم على نفسك التي ترينها فيهم؟
-ماذا تقصد ؟!
-أقصد أن تحكي لي حكايتك وكيف لجميلة مثلك أن تكون حزينة؟
-إانك ل تعرف شيء عني!
-أتمنى أن أعرف!
كان ذلك الحوار الذي دار بينهما وكان بداية كل شيء ،كان بداية منعطف خطير
وجديد في حياته ،عرف شريف السبب الحقيقي الذي جعلها تكلمه في هذا اليوم
بالذات وخاصة وانها كانت تتابع صفحته من بعيد يومي ًا ،كان تقرأ منشوراته بنهم
وكانت تقرأ تعليقات الناس عليها،
كان السبب هو أنها متجهة إالى المستشفى إلجراء عملية إاستئصال ورم من ساقها،
رغم أنها كانت قد أجرت عملية مثل تلك منذ ثلاثة سنوات إال أن هذه المرة مختلفة!
مختلفة لنها هذه المرة بمفردها ،ل أب ول أم ول أخ ول أخت وبالطبع ل زوج
سيكون معها أثناء إاجراء هذه العملية ،عملية خطيرة قد تكون أقل عواقبها هو
شللها ،ولهذا لم تخبر أحد بذلك!
"أنها متزوجة!"
خافت أن تخبرهم حتى ل ترى القلق في أعينهم فتذوب روحها فيها ،كذبت عليه
وأخبرته أنها لم تخبرهم حتى ل تعطلهم عن أعمالهم ،أمها سيدة كبيرة عديمة الحيلة
ووالدها رجل يعمل رغم تقدم سنه ليعيل والدتها وأختها ل تستطيع ترك أولدها
لتأتي لها وإان استطاعت فزوجها الغبي لن يسمح لها بذلك ،أخيها لن يأتي أبدا لنه
بالكاد يحضر أهله معه في سيارته في ا إلجتماع العائلي السبوعي كل سبت.
"كل سبت؟ ،أي بعد ستة أيام ،فاليوم هو الحد ".
كان عليها أن تجهز حقيبتها وتذهب إالى محطة القطار لتستقل القطار إالى المدينة التالية
حيث المستشفى المقرر اجراء العملية فيها ،لم يعلم شريف حقيقة إان كان يتابعها
خطوة بخطوة في خلال رحلتها من بيتها إالى المستشفى رأفة منه على حالها أم انه
81
استغلها فرصة ليثبت لهذه النى الجميلة الغريبة انه أقرب إاليها من عائلتها وانه أكثر
منهم مروءة؟ ،هو ل يعرفها إال انه لم يتركها ،سألها عن الشياء التي اخذتها معها في
حقيبتها وأشار عليها بشراء مناديل مبللة ول تنسى أن تأخذ منشفة وصابونة وغيرها
من الشياء الضرورية لها هناك ،تابعها أثناء رحلتها في القطار وكانت تلك فرصة
ذهبية له ولها ليتعرفا على بعضهما أكثر.
مرت الساعات سريعة ،وصلت إالى وجهتها بعد ساعتين ،استقلت تاكسي إالى
المستشفى ،سجلت اسمها واصعدوها إالى غرفتها التي من المفترض أن تظل فيها حتى
يحين موعد العملية في صباح اليوم التالي.
كانت الساعة قد اقتربت من الثانية عشرة مساء ًا ،ستة ساعات مرت سريعة منذ أن
بدأ الحديث معها ،رغم التعب الشديد الذي كان يشعر به إال انه لم يتركها إال وهي
منهكة تمام ًا ليضمن أنها ستنام بعدها مباشرة ،إاطمأن عليها وتأكد أن كل شيء على ما
يرام وتمنى لها ليلة سعيدة وتركها لتنام ،وكان يتمنى لو أنه يستطيع النوم ،ولكن كيف
يقترب منه النوم وهو أمام تلك الصدمة البشعة ،غريبة في بلد مقبلة على حدث مهم
وخطير في حياتها ،ولكن ل أحد حولها يساندها؟؟!
تب ًا !!!
يا لهؤلء الحمقى!
لجل ماذا ُتركت هذه الظبية وحيدة في ليلة ظلماء كهذه؟؟؟ لجل حفنة من
الجنيهات ا إلسترلينية ؟؟ تب ًا لل إاسترليني ،سحق ًا للدولر ،الموت للجنية ،الدمار
لليورو ،هل تكفي ملايين الدنيا لتعويض إامرأة مثل سلام عن لحظات الرعب التي
تعيشها وحيدة الن؟؟؟
لحظات قاسية تلتهم افكارها؟
هل ستعيش؟؟
هل ستُشل؟؟
82
هل سيكون هناك مضاعفات للعملية؟ ،وماذا إان عاد الورم لي مرة أخرى كما عاد
هذه المرة؟!
لحظات مرعبة وأبيها الحمق ينام هانيء البال في حضن زوجته العجوز ،أي أب
هذا؟؟
أي أم هذه؟؟
أين حمية الدم العربي الذي ل ينام قبل أن يطمئن على أن عرضه مستور؟ ،كيف
يغمض لهما جفن قبل أن يعرفا أين ترقد إابنتهما؟؟
تب ًا لمثل هؤلء الباء.
تب ًا لهم..
كيف يتركون فلذات أكبادهم وحيدون يعانون دون أن يكونوا بجوارهم؟
تب ًا لهم..
كيف يتركون قمرًا وحيد ًا يرثي حاله؟
قمرًا جميل ًا كم أتمنى أن أتمتع بضياءه..
وغلبه النوم ونام..
فتح عينية في اليوم التالي ،وكان أول ما فعله انه فتح صندوق الرسائل ليطمئن عليها
فوجدها كانت قد كتبت له رسالة شكر وكان فيها:
"صديقي العزيز شريف ،ل أعرف كيف أشكرك لذلك الوقت الذي قضيته معي
محاو ًل أن ترفه عني رغم أنك ل تعرفني ،أشكرك لنك خيبت ظني بك ،فأنا كنت
أظنك أحد هؤلء الرجال الذين ل يتورعون عن نهش أي أنى إاذا ما استضعفوها،
وأما أنت فغيرت نظرتي بشهامتك ،أشكرك وأسعدتني جد ًا معرفتك وسيظل جميلك
في عنقي طول حياتي التي ل أعلم إان كانت ستستمر لساعات أم ل ،الله أعلم بكل
شيء ".
كان قد قرر ما أن فتح عينيه أن يكتب لها ولكن بعد أن قرأ رسالتها قرر أن يحادثها،
فقام با إلتصال بها عبر الماسنجر لترد بعد ال نرة الولى وكنها كانت تنتظر اتصاله،
83
ساعات طويلة تحدثا فيها ،بعضها مكالمات صوتية ،إاطمأن فيها على عمليتها ،إاتخذ
العملية حجة لكي يرى ساقيها ،حيث أن العملية كانت في احداهما ولم يرضى برؤية
الساق المشوهة لوحدها ،كان لبد أن يرى الساقين معا ليرى هل من تأثير للعملية
على هذا الرخام المرمري الحي!،
" يالك من حقير يا شريف ُمستغل للم الناس وأوجاعهم لجل مصالح دنيئة"!.
فكر في نفسه وهو يراودها عن نفسها ،يروادها عن إاظهار جمالها له ،يريد أن يراها،
وبالفعل انطلت عليها الحيلة ووافقت أن يتكلما مكالمة فيديو..
هل كان ذلك بسبب وحدتها وخوفها من أن يتركها اذا ما رفضت؟؟ أم أنها فعلا
أرادت فعل ذلك لتكمل حلقة التمرد التي كانت قد بدأتها بطلاقها ،أم انه إاعجاب خفي
كان قد بدأ ينمو بداخلها تجاه هذا الصعيدي المصري الذي ابكاها بحروفه والن صوته
يداعب أذنيها في الوقت الذي كانت تخشاه جد ًا حد الرعب ،وقت ما بعد العملية،
الوقت الذي كان من المُفترض أن تنهشها فيه الوحدة وتهجم عليها الفكار السوداء من
كل حدب وصوب من أنحاء عقلها المتفرقة؟
و ِفي ذروة نشوة النصر المؤقت والظفر العظيم الذي حققه شريف ،إاتجه إالى تلك
الصفحة التي كانت مخصصة للصرخات ليكتب فيها مقا ًل جديد ًا يغير إاتجاهها ،فكتب:
"هي ..
جميلة جد ًا ..
أجمل من رأيت في هذا العالم ا إلفتراضي ،جمالها يتعدى شكلها الذي كثيرًا ما تهت في
تفاصيله ،جمالها ينبع من جمال روحها ،طيبة القلب ،خفيفة الروح والظل ،تبتسم
وتضحك رغم ما بها من مشاغل وهموم ل يستطع حملها الكثير من الرجال ،هي التي لم
يحبطها المرض ،لم يكسرها التجاهل ،لم يقتلها الخذلن ،هي كشمعة إاجتمعت عليها
رياح الدنيا لتطفئها ،ولكنها أبت أن تستسلم ،بهت ضوءها فترة ولكن شعلتها لم تمت،
عادت من جديد ،تسمع لهن ،تنصت وتحمل ألمهن كنها بلا ألم!
84
هي جميلة الجميلات ،سيدة النجوم وملكة الفراشات ،وتتبعها الفراشات حيثما
ذهبت..
هي أنى حقيقية ..
هنا عرفتها ..
فسلام لها ..
هي الجعفرية " !.
أسماها الجعفرية حتى ل يعرفها أحد ،وكانت هي ُملهمته ،هي الحلم الجميل الذي يهون
عليه غُربته ،همومها أنسته همومه وأنه عاطل بلا عمل منذ شهرين ،جمالها وابتسامتها
جعلتاه يشعر أنه مهما اجتمعت عليه المشاكل فهناك متنفس للجمال وللمل ،هناك
ابتسامتها القادرة على مسح كل كبة تسكن وجهه ،وعيناها الزرقاوين تشعان الضوء
في ظلام حياته..
"تب ًا لي! ،يبدو إانني أحبها "!.
************
85
15
في ذلك الوقت كان شريف قد حاول البحث عن عمل جديد ولكنه فشل كما كان
متوقع ،خمسة سنوات في أشهر مطاعم الكويت غير قادرة لمنحه فرصة القبول في أي
مطعم أخر .سنتان قبلها من العمل كعامل لم تمنحه الن فرصة القبول لن العمال الذين
هم أقوى منه ينامون بلا عمل الن ،فما بالك بمن نعمت يداه وارتخت عضلاته؟!
إانه الركود كما كان يسمع ،ولكنه كان يظن أنه لن يطاله ،فمنذ إانخفاض سعر البترول
في 2٠١٤من ١١٠دولر للبرميل إالى ما دون الخسون دولرًا ،حدث ركود غير
مـعلن في البلد ،بدأ التقشف على المستوى الفردي يظهر جلي ًا على الوافدين الذين
يمثلون النسبة العظمى في البلد ،نعم إانهم مجرد وافدون ولكن عددهم يمثل قوة شرائية
لجميع القطاعات التجارية ،هذا الركود هو المتسبب في أن يقل الدخل في سلسلة
المطاعم عما كان مـعتاد عليه وهذا هو السبب في محاولة اتباع سياسات جديدة في
الطبخ والتحضير والتقديم تكون أقل تكلفة لمحاولة تقليص الفرق ولما لم تجد ا إلدارة
نتيجة مرضية لتلك العمليات قامت بتغيير إادارة بعض الفرع ومنها مدير الفرع الذي
كان يعمل فيه الذي قام بدوره بعمل تجديد لطاقم العمل كله ،قام بطرد عدد كبير
واحلال بدلء لهم بمرتبات أقل.
قضى شريف شهرين في البحث وعندما فشل عاد إالى مصر..
قرر أن ينزل اجازة وحتى ل يخسر حق العودة إالى الكويت ،قام بتحويل إاقامته من
على المطعم إالى إاقامة حرة ،دفع أربعمائة دينار ليحصل على إاقامة لمدة سنة على شركة
تجارة عامة ومقاولت وهمية ،إاشترى صلاحية بقائه في الكويت بالمال رغم عدم وجود
عمل ،ولكن هذا الحل هو أرخص الحلول لنه إان نزل بدون أن يُعدل وضعه
سيخسر إاقامته ،وليعود من جديد عليه أن يدفع في حدود المائة ألف ليعود من
جديد ،غير الوقت الذي سيستغرقه إاستخراج الورق والفحوصات التي تتم في
مصر ،مصاريف هو في غنى عنها ووقت مهدور قد يصل إالى الستة أشهر.
86
" ماكان يكلف منذ سبعة أعوام أربعون ألف ًا أصبح الن يكلف ما يقارب المئة ألف،
فياترى كيف هو الحال في مصر الن؟؟ "
لكنه عاد..
عاد إالى أهله ،إالى أبيه وأمه وصوت صرخات صفحته عاد معه!.
************
87
16
فريدة ....
أنا فريدة ،أنى ،ل يهم كم هوعمري لن سني الحقيقي ل ينصفني ،بل هو سوط
يجلدني كلما تذكرته ،لنه كناقوس خطر يصرخ في أذني دائم ًا لقد أوشك وقتك على
النفاذ ،قارب زمان أنوثتك أن يضمحل ،حانت أيام زوال نضارتك وجمالك ،ولهذا أنا
ل أريد أن أتذكر عمري الحقيقي رغم انني ُافاخر به اذا ما سألني أحد ،ولكنه فخر
زائف ك إابتسامة المهزوم التي يرسمها على وجهه ببلاهة عله يُنسي المنتصر حلاوة نصره،
أتجاهل التفكير به بيني وبين نفسي حتى ل يتطرق إالى ذهني ل إاراديا من ُهن في
مثل عمري لراهن يسرن بخطى واهنة وثابتة على درب الشيخوخة القاسي ،ولكني
استطعت بعناء شديد أن اهرب من هذا المصير ،أنا أنى عشرينة الجسد ،أجمل من
ابنتي وابدو أكثر نضارة منها ،جسدي مشدود وخالي من الترهلات ،صدري مازال
يحتفظ بقوامه المُثير رغم أنني حملت مرتين وأرضعت أولدي رضاعة طبيعية ولكن
بفضل الرياضة القاسية والاكل الصحي ها أنذا عشرينية الجسد ولكن تعيسة الحظ،
لم اؤمن في حياتي بمقولة أكثر من مقولة الجميلات ُهن أكثر النساء تعاسة!.
أنا تعيسة ..
ل يهم تفاصيل حياتي التافهة من وجهة نظري ،ل تهم هموم يومي ول مشاكلي في
التعامل مع ابنتي التي هي في سن الزواج ول مع ابني الذي بدأ بمرحلة المراهقة حديث ًا
ويحتاج مني الكثير من الرعاية والجهد لكي اضمن انه سيدخل هذه المرحلة الخطرة في
حياته ويخرج منها بدون أي خسائر بدء ًا من محاولة شرح أعراض المرحلة له من
تغيرات جسمانية في الصوت ونمو الشعر في أنحاء جسده إالى مظاهر البلوغ الجنسي
التي أنا في حاجة إالى تثقيفه فيه منذ الن ،وخاصة انني أربيه بمفردي لنني منفصلة
عن والده ،ووالده ما هوإال إاسم على ورق بالنسبة له ،أنا بحاجة إالى اخباره أن
88
أصدقاءه سيحاولون ترويج أفلام البورنو له ويقنعوه أنها شيء عادي وطبيعي في هذه
المرحلة وانه عليه أن يرفض ذلك لن ذلك حرام ،وأيض ًا أنا بحاجة إالى بناء سجن
اخلاقي وديني في عقله يمنعه من الخوض في تلك الفعال التي قد تفضي به إالى
ا إلستمناء.
ل يهمني كم القيود التي فرضتها على نفسي وعلى ابنتي في ُاسلوب اللبس في المنزل
وطريقة الكلام وغيره الكثير لكي اضمن انه سيمر من هذا المنعطف الخطير بسلام،
كل هذه المشاكل ل تهمني ،ومشاكلي في عملي وتلك السافين التي اتلقاها من
زملائي التي تهدد مسيرتي ل لشيء سوى لنني إامرأة بلا ظهر ولنني جميلة وهم ل
يرون مني سوى شكلي الظاهري وكنه شق عليهم جد ًا أن يروا باربي متفوقة عليهم
وناجحة في عملها ،بل أنها رئيستهم ،فلم يعتاد الرجل الشرقي بعد فكرة أن المرأة قد
تكون ذات سلطة ،فهو اعتادها دائم ًا خاضعة له ماديا ومعنويا وعاطفيا وحتى
جنسيا ،ولكني لست هذه النى ،فأنا كما وصف شريف حبيبته جعفرية على
صفحته ،أنى عُجنت بماء التجارب والمر ،أنى لوحتها الحياة حتى أصبحت اقسى من
الحجر واقوى من الحديد ،ولكن كانت مشكلتي الكبري هي الوحدة.
أنا وحيدة...
رغم تلك الضوضاء التي تشغل حياتي ولكنني وحيدة ،وحدة ميت في قبر ،رغم زحام
القبور إال انه زحام وهمي ،ل كلمة تلمس القلب ول حضن يدفيء الروح ول أ ُذن
تنصت للوجع دون أن ينبس اللسان بأي حرف ول عين ترى الحزن الكامن في عمق
روحي.
أنا وحيدة بلا حب...
إامرأة على مدار أعوامي الكثيرة جثت ُركب امامي متوسلة رضاي عنهم ،قلوب سكنتها
رغماً عن أصحابها حتى صاروا لصابعي خواتم ،ولكن قلبي لم يميل لي منهم ،رجال في
مراكز مرموقة ،منهم رؤساء شركات كبرى ومديرين ،ومنهم بعض الساسة المشهورين
حالي ًا.
89
نعم فأنا بحكم وضعي ا إلجتماعي والعائلي ،وبحكم جمالي كنت ومازلت فاتنة ،وكم كنت
أتمنى أن أكون مفتونة!.
ولكن يبدو أن هذه هي لعنتي...
رحمك الله يا أبي ،لن أنسى ما حييت ذلك الموقف حينما جثا عبد الله على ركبتيه
أمامي وامام والدي ،كان كمن يطلب الصفح والغفران من ملك عظيم جبار ،كان
مشهد مهيب غريب ،قليل ًا ما يتكرر في الحياة العادية ،فنحن اعتدنا على مشهد
رجل ي ُسب إامرأة أو يضربها لتفه السباب واعتدنا على إامرأة تجثو لتقبل حذاء رجل
طالبة الصفح والغفران أو حتى طالبة أن يسترها بذيل ثوبه بعدما سلبها شرفها،
اعتدنا أن تجثو المرأة وتتذلل وكن الرض هي مكانها الطبيعي وكن قدم الرجل هي
مستوي نظرها الطبيعي وما غير ذلك هو الشاذ ولم تعتاد عليه ل أعيننا ول حتى
عقولنا " ،ولكن من هذا الرجل الذي يمارس الشذوذ علانية ؟! ل َم يجثوب ُذل وانكسار
هكذا امام هذه المتسلطة التي تجلس بكل قوة وقسوة وكنها ل تبالي؟!".
كانت تلك الفكار التي قرأتها في نظرات أبي الذي كان ينظر إالى المشهد بكل
استهجان واستغراب " ،من هذا الغريب الذي دخل منزلي ويجثو امام ابنتي؟ ،بل
من هي ابنتي حتى تضطر رجل أن يفعل ما هو خارج عن طاقة وقدرة كل رجل؟!"
بدأت بوادر الثورة وغليان بركان الذكورة الاعمى في التكون داخل أبي وكاد أن
يصيح ف ّي و ِفي هذا الغريب منتهرًا إايانا للتوقف عن ذلك الفعل المثير للاشمئزاز ،ولكن
استوقفته كلمات الغريب لي:.
" أنا جيتلك لغاية عندك ،جيتلك لحد بيتك ،دخلت البيت من بابه وجاي أطلبك
من ابوكي رسمي ،لكن أرجوكي وحياة أغلى حاجة عندك
مش هقولك غير وحياتي عندك عشان عارف قد ايه إان ِت بتحبيني ،أرجوكي
وافقي"!.
قالها بكل جوارحه وكن حياته تعتمد على موافقتي ..
90
ولكني قلت " :ل "!.
"ل ؟! ل ليه؟ ،ده أنا مقدرش اعيش من غيرك ،إان ِت مش عارفة عملتي فيا إايه؟
إان ِت غيرتي حياتي ،أنا من قبلك مكنتش عايش ،كنت باكل واشرب وانام ولكن
مش عايش ،أرجوكي متسيبينيش ،إانت عارفه إان أنا بحبك ،ابوس ايدك وافقي "!.
قالها وهو غير مبالي للدموع التي تنهمر على خديه ،وأنا أيض ًا لم أعبأ بدموعه وقلت له:
"قلت لك مش هتجوزك أنا!.
قلتها بحزم وضجر ،قلتها بقوة وكنني أنتقم ،ولكنه أيض ًا لم يعبأ برفضي وقرب فمه من
قدمي رغبة منه في تقبيلها لعل ِّي أرضى ،وما كاد أن يفعل حتى انتفضت من مكاني
مذعورة كملسوع وجثيت ماسكة إاياه من مرفقيه وحاولت أن أوقفه وقلت" :أرجوك،
ابوس رجلك أنا سيبني ،سيبني يا إابن الناس وروح شوف مستقبلك ،أنا
منفعلكش ،عارفه أن أنا أذيتك وخليتك تحبني ولكن اقسم بالله ،اقسم بحبك ليا
مكنش قصدي انك تحبني ،أنا كان كل اللي يهمني اني أكون قربك وبس ،ولما حبيتني
معترضتش لني متوقعتش ابدا انك تطلب تتجوزني ،وعلشان حبنا يعيش احنا
مينفعش نتجوز ،لو اتجوزنا هتكرهني واكرهك لني مش هنفعك ">!
صراحة ،كان عبد الله هو أكثر من تمادى إالى هذا الحد في محاولة كسب رضاي،
وصراحة لقد اعجبتني جرأته جد ًا ولكنه سقط من نظري في نفس الوقت ،نعم أنا
جميلة وذكية وحلم كل رجل عرفته تقريب ًا ،سواء كان متاح ًا أم كان متزوج ًا ،يصغرني
كان أو يكبرني ،منهم من حاول أن يحصل علي بإاسم الحب كذبا ومنهم من حاول
استغلال منصبه ليهددني اذا لم ارضخ له وكنت له جسدا يضاجعه ،ومنهم من ارادني
زوجة عرفية أو زوجة ثانية ومنهم من اقسم لي انه سيطلق زوجته ويتزوجني وأكون
أنا الوحيدة في عصمته ومنهم من لم يكن قد سبق له الزواج مثل عبد الله ولكنه أراد
أن يتزوجني ويعولني أنا واولدي ،ولكنهم منذ بداية إاعجابهم بي إالى لحظات المطاردة
إالى انتهاء العلاقة لم يتذلل أحد منهم لي ،احترمتهم رغم كرهي لهم لنهم حافظوا على
هيبتهم كرجال امامي ،اما عبد الله فقد اشمأزيت منه ،أنا اكره الضعف ،فكيف لي أن
91
أرضى برجل ضعيف باكي ساجد أمام إامرأة ،وحتى لو كنت أنا هذه المرأة ،ل ..لن
اقبل به ابد ًا ،سقط إالى البد حتى وان كنت احبه ولكنني كنت أظن هذا والحمد لله
الذي خيب ظني ،وظلت تلك الحادثة سببا للضحك كلما تذكرتها أنا أو تذكرها أبي
رحمة الله عليه وجعل مثواه جنته ورضوانه ،ولكنها الن صارت غصة في قلبي لنني
ل أستطيع تذكرها دون أن أتذكر والدي واتذكر الحاديث الطويلة المتعلقة بهذا
الموضوع ومواضيع أخرى مشابهة له إال وهي انه كان يريد أن يطمئن على انني في
كنف رجل قبل أن يموت.
تلك كانت مشكلتي الكبرى ،انني لاشعر بالحب والميل لي رجل ،مشكلتي كانت
الوحدة القاتلة رغم زحام حياتي قبل أن أعرفه.
ذلك الحمق شريف ،ياليتني ما عرفته!.
**********
92
17
عاد شريف إالى قريته ،تلك القرية الصغيرة التابعة لمركز ملوي محافظة المنيا ،قرية ل
تظهر على الخريطة ولكنها تظهر على خرائط جوجل كلطخة صغيرة من خيوط
العنكبوت الرمادية محاطة بخلفية خضراء يقطعها خط رمادي طويل يجاوره خط
أسود أعرض منه بعض الشيء،
الخيوط الرمادية هي البيوت والشوارع التي ل تزيد مساحتها عن الكيلومتر المربع
والخط الذي يقطع القرية هو الطريق الصغير الذي يصل إاليها من المركز والخط
السود المجاور له هو الترعة التي تمد الحقول الخضراء التي تحيط بالقرية بالمياه .
عاد إالى بيته وكانت تلك المرة الولى التي يرى فيها البيت الجديد ،فقد قام منذ
سنتين بهدم المنزل القديم وبناءه من جديد بالطوب الحمر وا إلسمنت ،كان والده
وأمه ينتظرونه أمام الباب ،أحضان وقبلات والكثير من كلمات الشوق:
" وحشتني يا نور عيني" ،
والكثير من القبلات وحضن رغم هشاشته إال انه شعر وكن أمه هين عليها أن تتخلع
مفاصلها وهي تحضنه ،تركته على مضض لتفسح المجال لوالده يعب صدره من رائحة
ابنه الذي لم يراه منذ سبعة سنوات ،أفسحت المجال له لتنظر إاليه بنصف عين
لتخبيء دمعة سقطت سهوا منها وهي تقول في سرها "خاسس يا ولدي "!.
مازال والده بعافيته ،شعر بقرقعة فقرات ظهره عندما إاحتضنه بشدة ،جو مشحون
بالعواطف وعيون تجاهد نفسها حتى ل يسيل الدمع ،زغرودة خرجت تلقائية لتغلب
الدمع ،فالدمع يعني الحزن والحزن شؤم ل يكسره إال صوت الفرح ،وكانت الزغرودة
التي جلجل صداها في الشارع الضيق الذي ل تنزله الشمس إال دقائق يومي ًا عندما
تتعامد الشمس على الرض.
نظر إالى مدخل البيت وتحسسه ،تطلع إالى السقف وإالى البوابة الحديدية الجديدة.
93
خلف البوابة مدخل بعرض متران يفضي إالى السلم الذي تقف تحته عزيزة" ،الكارو"
ذات الربع عجلات ،هذا هو مكانها في البيت الجديد،
"حلوة المباني ا إلسمنت ،حيطانها صغيرة وفيها وسع عن مباني الطين" ،قال ذلك
بسبب فرحته بدخول عزيرة تحت سقف البيت بعدما كانوا يضعونها أمام الباب
بسبب عدم وجود مكان لها داخل البيت القديم وكانت تعوق الطريق على الحمير
المحملة بالبرسيم والبهائم والتروسيكلات التي يركبها الباعة الجائلين ،اما الن فهيي الن
في البيت.
رغم فرحته بالبيت إال أن حزن دفين لح في داخله ،حزن بسبب انه كان يتمنى أن
يبني بيتا أفضل من هذا لنه كان يتمنى أن يشتري بيت جاره ويضيفه على البيت
ليكون أكثر اتساعا لن مساحة البيت ل تتعدى الثمانون مترا ،كان يتمنى لو أنه أسسه
على قواعد بد ًل من السملات ،كان يتمنى أن يبني بيت ًا للزمن ولكن كل ما إاستطاع
فعله هو هذا.
مجرد بيت ،أعمدة رقيقة كالبسكوت ،شبه خالية من الحديد واساسات ل تحمل إال
نفسها والباقي يحمله الستر ،الدور الرضي مدخل البيت والسلم وغرفة ضيوف
صغيرة وحوش للبقرة التي يملكها والده ،وغرفة نوم وحمام ومطبخ ،ل يوجد صالة،
فالصاله هي تحت السلم والمدخل ،إاستطاع بشق النفس أن يمحر المدخل وغرفة
والداه وغرفة الضيوف وتركيب الحمام والمطبخ إالى المنتصف بالقيشاني ،لم يستطع أن
يسحب وجهين معجون ،بقي البيت على المحارة ،كان يتمنى أن يركب بلاط للرضية،
ولكن جاء طرده من العمل قبل ذلك ،فبقي البيت على دكة اسمنتية في الرض ،نظر
من تحت السلم للعلى ،إالى ما كان يجب أن تكون شقته ،تلك الشقة التي وفر من
قوته كل قرش لينصب مبانيها واعمدتها ،تلك الشقة التي كان يظن انه سيصب
سقفها ليباشر في تشطيبها تشطيب سوبر لوكس ليبحث بعدها عن بنت الحلال التي
تسكنها وتسكن قلبه الخاوي الذي لم يذق للحب طعم منذ أن ولد سوى تلك
الكلمات الكاذبة التي كان يسمعها من البنات اللاتي كان يتبادل أرقامهن مع أصدقائه
94
أيام الكلية ،بنات كانت متعتهن في توفير المتعة العاطفية للمتصلين بغض النظر عن
اسمه أو سنه أو عنوانه ،بنات ل يعرفهن أحد ،من المجهول ،ل يعرف أحد من أول
من كلمهن أو عرفهن ،أو كيف كان ذلك ،كل ما يُعرف أن هذا الرقم رقم بنت صوتها
جميل ستدلعه.
كان هذا قبل جيل التليفونات الحديثة الذكية ،حيث كانت كلمة بحبك تطير بسامعها
ليمسح بقبضته وبر السحاب ،كانت مكالمات أقصى مافيها أن يعرف المُتكلم ماذا
ترتدي محدثته واشكال وألوان ملابسها الداخلية وكانت بعض الهات المزيفة منهن
قادرة على دب الخلاف والتفرقة بين أصحاب ولدوا وكبروا وعاشوا مع ًا! ،حيث أن
من سمع أهة يظن انه أصبح زوج هذه الفتاة وانها أصبحت حكرًا له ل يكلمها سواه
وينبه على اصحابه بمسح رقمها لنها أصبحت "بتاعته".
أحلام البسطاء كانت حق ًا ،ولكن الن شقته مجرد حوائط ،ل يعلم لماذا تذكر سلام
حينها ،ل يعلم لماذا تبادر إالى ذهنه صورة فريدة حينما بدأت دمعة حزينة تتكون في
عينيه ،طرد تلك الفكار وبناتها من رأسه ونظر للعلى ليتفاجأأن شقته مسقوفة!.
لمعت عيناه بالدمع من جديد ونظر إالى أبيه وفهمت أمه ما في خلده وربتت على
كتفه " :ابوك باع البقرة وانا بعت الحلق واتصرفنا وصبينا الشقة ".
***********
95
عبث ًا كانت محاولت شريف للنوم في تلك الليلة ،لم يكن له ل غرفة ول حتى سرير
ولكن كانت مجرد كنبة من الكنبات الربعة في غرفة الجلوس (الصالون) ،وهي الغرفة
التي تحتل المكان الكبر في البيت ،وهي الغرفة الوحيدة الغير مستغلة تقريب ًا معظم
أيام السنة ،غرفة زيُنت و ُرتبت وتُركت مغلقة ل ُتفتح اذا ما جاء ضيوف إاليهم،
ضيوف يكون جلوسهم مع أهل الدار في صالتهم خلف الباب عيب ًا ولبد أن يجلسوهم
في مكان أنظف يليق بهم ،ول أنظف في الدار وأجمل من غرفة الجلوس.
تلك هي غرفة نوم شريف الن ،شريف الغالي الذي ل يليق به أن ينام على الدكة
خلف الباب كما اعتاد والده أن ينام في ليالي الصيف الحارة وشريف أكبر من أن
ينام بجوار أمه ،ل مكان يليق بالمغترب لسبعة سنوات إال غرفة الجلوس بكنباتها
الربع ،بتنجيدها الزرق المنقوش بدوالي زهرية زاهية ،حاول شريف أن يمل عينيه
بنوم عميق لم يهنأ به منذ سنوات ولكنه لم يجد لذلك درب ًا.
"سبعة سنوات لم أنام فيها ليلة نوم ًا متواصل ًا ،حيث كان ذلك البق اللعين يوقظني
في كل ليلة خمسة مرات على القل ،كان ينهش لحمي ويشرب دمي ،حشرة أقل ما
يقال في وصفها أنها حشرة من الجحيم ،صغيرة ولكنها مؤذية أكثر من العقارب ،تمتص
الدم ولن امتصاص الدم وهدره جرم كبير فقد عاقبها الله برائحة كريهة ومثيرة
للاشمئزاز ،ولكن هذا ل يكفيني لن ذلك لم يحميني من القرص والعض كل ليلة ،كم
كنت غيبا في أيامي الولى حينما ظننت أن معاقبة البق بالسحق هو الحل ،كنت
اسحقها في ملاءتي أو كسوة مخدتي واشعر بالظفر حين ارى دماءها تتناثر على
القماش ،لقد عاد دمي إالي ،دمي ليس من السهل شربه ،لقد قتلك دمي ايتها البائسة
ولكن هذه الطريقة غير أنها كانت تترك بقعا على ملاءتي كانت تنشر رائحة البق
الكريهة وهذه الرائحة ل تكدر نومي فحسب ،بل أنها تجذب باقي البق علي كنها تقول
لهم هنا يوجد مأدبة دموية مفتوحة هلموا واشربوا!.
أيام تمر قبل أن اتعلَّم أن السحق ليس الحل وأن الحل السحري يكمن في اللصق
ورش مخفف من سائل تنظيف الطباق ،ذلك السائل العجيب ل أعلم ماذا يحوي
96
في تركيبته ولكن اذا ما تم رشه على البق اذا بها تنتفخ وتموت وكن السائل يذيب
أعصابها وعضلاتها ،واللصق هو لصق الحشرة بقطعة لصق والقاءها في القمامة ،هذه
هي الطريقة التي اتبعتها في السنتين الخريتين ،ولكن تب ًا! ،ما هذا؟
أهرب من بق الكويت لجد ناموس الصعيد؟؟!!"
حشرات الناموس كانت تحوم حول رأسه ،تق ِّرصه في أنفه وأذنه وعينيه ورأسه،
حاول الهروب منها بتغطية وجهه ف إاختنق من الحر ،حاول هشهم أو ضربهم بيديه
كلاعب كرة مضرب ،ولكن بلا جدوى ،هرب النوم من عينيه فنهض واخرج علبة
سجائره التي احضرها في طريق عودته وصعد إالى السطح ،إالى شقته ،إالى حلمه
بالبيت والزوجة وا إلستقرار الذي لم يكتمل.
أشعل سيجارته واتك على ُس َور البلكونة وعب صدره من أنفاسها وراح يتأمل في
حياته..
" ماذا أنا بفاعل؟؟ شهران مضيا بعدما ُطردت من عملي ،دون جدوى بحثت عن
عمل ولم أوفق ،ولهذا نزلت إالى مصر ،ماذا ستفعل في مصر يا شريف؟
هل ستمسك الفأس الذي هربت منه كل هذه السنوات مع والدك وتعمل أجير
باليومية أم أنك ستحاول أن تبحث عن وظيفة بمؤهلك وامكانياتك ؟!"
لم يجبه عقله بأي فكرة أو تصور عن الغد ،ولكنه أخذه إالى تلك الصورة الجميلة ،إالى
ذلك الركن السماوي الموجود في عقله حيث تخيم حورية من حوريات الجنة ،أخذه
عقله إالى جنة الله في عقله ،إالى مزرعة أفيونه وكنزه الغالي ،إالى صورة سلام المحفورة
في عقله وصوتها.
"تب ًا ،لم يمضي يومان واشتاق ل ِك أيتها المجنونة ،أشتاق إالى بحر عيني ِك الذي يغرقني
ويغرق همومي معي فيه ،إاشتقت إالى تلك الشفاه التي تبتسم خجل ًا من غرقي في
عيونك وبحة صوتك وانتي تناديني عندما أتوه في ملامحك....
إابتسم وخرجت منه قهقه ل إارادية كتمها بسرعة لنها جلجلت في سكون الليل وأطفأ
سيجارته وعاد إالى الكنبة حيث كان يحاول النوم منذ فترة ،عاد وسلام تغني في أذنيه
97
وتتراقص صورتها في عينيه ،عاد وكنه يطير على اجنحة الحب والسعادة ،عاد ونسي
انه كان قد هرب من الناموس والحر ،عاد إالى مخدعه وهو في عالم غير العالم ولم ينتبه
إال إالى صوت أمه تهزه قائلة برفق" :قوم يا ولدي أفطر بقينا الضهر".
**********
98
18
بلا عنوان ...
كانت تشعر بالمرارة الشديدة لنها كانت ل تستطيع أن تحصل على أقل حقوقها في
الحياة وأبسطها وهو حق المباهاة بشكلها وجسدها ،رغم أن عالم السوشيال ميديا
يضج بالمتباهين بأشكالهم وأجسادهم حتى وان كانت كذب ًا بفضل التطبيقات التي
تضفي بعض التعديلات على الصور ،إال أن مشكلتها كانت أكبر من أن يعالجها
تطبيق ،فهيي كانت بدينة جد ًا ،خدودها كبيرة لدرجة أن أنفها مدفون في ذلك
المضيق بين الخدين وعيناها غاطستان وشفتاها منتفختين كنهما متورمتان.
كانت تعيش جحيم حي كل لحظة ،كانت تتوق للحب في كل لحظة ولكن كل ما
حصلت عليه هو حب وهمي ل يدوم طويل ًا ،حب افتراضي جمعها باشخاص أعجبوا
بكلماتها ومشاعرها التي تبثها في تغريداتها ولرائها العقلانية الجميلة ولروحها المتدينة،
احاديث طويلة خاضتها مع بعض الشباب اللذين ظنت انهم عقلانيون بعض الشيء
وأنهم ليسوا من هؤلء السطحيون اللذين يَ َر ْون من النى غير شكلها ،علاقات
امتدت لساعات طويلة وأيام في اروقة الرسائل الخاصة وانتقلت إالى الواتساب ومن
ثم إالى المكالمات الصوتية وكان هذا هو أخر ما تسعى إاليه ،أخر امالها صوت يتمنى لها
احلام ًا سعيدة قبل أن تنام وتصبح عليه يخبرها بأن يومه لن يبدأ إال عندما تتمنى هي
له يوم ًا جميل ًا ،صوت عانق وسادتها وكنه يحتضنها رغم أنها تعلم جيد ًا أن هذا أبد ًا لن
يكون جزء من واقع تعيشه ،كان وعيها أكبر من أمالها وأحلامها ،فهيي ليست كباقي
البنات ،البنات من جيلها جميلات ُك َن أم لُ ،طرقت أبوابهن بدل المرة مرات ل ُتفتح
لعرسان طالبين أيديهن إال هي ،لم يتقدم أحد أبد ًا لها ،لم يدخل البيت رجل طالب ًا
للقرب ولو بالخطأ . ،كان كل ما عاشته هو أمل بمقدم أحدهم ،كان من طرف جارتهم
وكان يريد أن يراها قبل أن يدخل البيت من بابه ولهذا اتفقوا أن تذهب إالى حديقة
99
قريبة من منزلها ويراها هو من بعيد ،ف إان أعجبته سياتي للجلوس معها ومن ثم
لخطبتها ،كان مجرد حاصل على شهادة متوسطة تافهة يعمل نقاشا باليومية مطلق
ولديه ابن صغير في رعايته ،لم يكن العريس اللقطة ولكنه كان سقط العرسان وحثالتهم
ولكن حتى ذلك الحثالة هرب ما أن رأها من بعيد وعنف قريبته التي هي جارتها
وتوعدها بالمقاطعة لنها أشارت عليه بهذه المصيبة!.
حالة من ا إلكتئاب الحاد أصابتها عقب تلك الليلة ،حيث أنها شعرت بمهانة كبيرة و ُذل
لم تحتمله ،شعرت كم هي رخيصة لنها وافقت أن تعرض نفسها كبهيمة في سوق أمام
تاجر والذي قلب فيها نظره وتركها وإانصرف ،هي بنت الدكتور فتح الله الدمنهوري
أشهر أطباء الباطنة في المنطقة والحاصلة على تقدير عام جيد جد ًا في سنواتها الربع
في كلية الداب قسم فلسفة يرفضها صنايعي حقير حافي ومفلس !!!!!!!!
لم تحتمل افكارها السوداء ولهذا أقبلت على تلك الفعلة الحمقاء ،أقبلت على حركة ل
يلجأ إاليها إال الضعفاء من البشر ،وهي ا إلنتحار!.
***********
100