The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

صرخة سلام. بيتر أرمانيوس

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Ahmed Amin, 2020-01-11 02:05:51

صرخة سلام. بيتر أرمانيوس

صرخة سلام. بيتر أرمانيوس

‫لقد تفضل الستاذ شريف مشكور ًا بعرض قصتي وسرد لكم تفاصيلها ولكنكم‬
‫للسف عميتم عن تلك الحقيقة‪ ،‬اخترتم أن تثوروا وتنصروا ذلك الرجل الشرقي‬
‫الذي تقوده شهوته ورغبته المتعفنة‪ ...‬إاخترتم أن تروا ف ّي العاهرة التي جمعت مالها من‬
‫بيع لحمها وأنجبت طفلها من الحرام سفاحا‪ ،‬والن تخرج عليكم متفاخرة بأفعالها القذرة‬
‫ضاربة بعرض الحائط تعاليم الدين بضرورة الستر اذا ما بُ ِلينَا‪ ...‬إادعيتم أنني فعلت هذا‬
‫لنشر الرذيلة وإاباحتها في مجتمعكم الفاضل‪ ،‬والن أنا أخرج إاليكم بعلو صوتي واقول لكم‬

‫كفى!‬
‫كفى‪ ...‬إاخرسوا وحاولوا أن تنصتوا فربما تفهمون‪ ...‬ربما اذا ما وعيتم كلامي إاستطعتم‬
‫أن تنقذوا مجتمعكم من إاشاعة الفاحشة رغم انني لست بحاجة لن اخبركم أن الفاحشة‬

‫تسري في كل أوصال ذلك المجتمع‪ ،‬بل أنها تسري في كل عروقكم وأوردة أمخاخكم‬
‫المتعفنة‪...‬‬

‫ترون العاهرة ول ترون العاهر الذي يمارس الجنس معها‪ ،‬ترون العاهرة وتمسكون‬
‫بالحجارة لرجمها ومع كل صرخة منها تغيبون داخل حجرات عقولكم وتتخيلونها تصرخ‬
‫من النشوة تحتكم‪ ،‬تضربونها بالحجارة وتتوسع أعينكم ويسيل لعابكم عليها حينما تسقط‬

‫ويظهر جزء من جسدها‪...‬‬
‫تقتلونها وتعبث ايديكم بجسدها لتعريتها من ملابسها وسحلها بحجة جعلها عبرة لغيرها‪..‬‬

‫ولكن الحقيقة هي انكم تريدون رؤية جسدها وتمتعون اعينكم به ذلك الجسد الذي‬
‫طالما رغبتم به بينكم وبيننفسكم‪ ،‬ولكنكم كنتم تستعيذون بالله اذا ما رأيتموه علن ًا!‬
‫ذلك الجسد الذي ضاجعتم زوجاتكم مرارًا وتكرارًا متخيلين أنهن أنا‪..‬‬

‫ذلك الجسد الذي إاستمنيتم وأنتم تتخيلوه‪ ،‬والن تسحلونها بعد رجمها عقاب ًا لها لنكم‬
‫لم تستطيعوا الحصول عليها بينما كانت حية فيكون عقابها القتل والسحل‪...‬‬
‫عاهرة أنا؟!‬
‫نعم أنا عاهرة‪...‬‬

‫‪51‬‬

‫عاهرة منذ اللحظة التي صدقت فيها رجل‪ ...‬عاهرة عندما ظننت أن للرجل شرف‪...‬‬
‫احبني رجل ووعدني بصوني وصون شرفي ولكنه سلب شرفه بشرفي‪ ...‬تركني‬
‫وحيدة غريبة بين جدران أربعة جائعة بلا سند وهرب بعدما ذلني‪...‬‬

‫عاهرة ولكني نلت عقابي والن من يعاقب من حولني لعاهرة؟!‬
‫وإان ُكن ُتم تسألون عن عقابي فهو الوحدة‪...‬‬

‫تلك الوحدة التي ل يتحملها أعتى المجرمين ويصرخون من سجنهم في سجن انفرادي‪...‬‬
‫عشت أنا حياتي كلها في ذلك السجن بعدما طردني صاحب البيت لعدم دفعي‬

‫ا إليجار من تلك الغرفة الحقيرة التي إاستأجرها لي حامد ليفعل فعلته ويهرب‪ ،‬توجهت‬
‫إالى بنسيون حقير كان هو الوحيد الذي قبل أن يسكنني مقابل الخدمة فيه‪ ،‬ذلك‬
‫البنسيون الذي رضيت فيه بالعمل كخادمة لقاء لقمتي وسكني‪ ،‬رضيت بالذل عقابا‬
‫لنفسي لنني لم انصاع لتأديب اهلي‪ ...‬كنت اعتبر ذلك تأديبا لي وتكفيرًا عن ذنوبي‬

‫ولكن لم أفلح ايها الرجال‪...‬‬
‫فشلت ايها العاهرون في أن احافظ على ما تبقي لي من شرف وعزة نفس‪...‬‬

‫سلبها مني سكان البنسيون‪ ،‬وكان أول من سلبها هو صاحبه‪...‬‬
‫خربشة في منتصف الليل على باب غرفتي ايقظتني فزعة‪ ،‬وإاذ بصاحب البنسيون‬

‫يقف أمامي‪ ،‬صرخة واحدة صرختها ولم تكتمل‪...‬‬
‫كانت الصرخة الوحيدة التي صرختها في حياتي ولم أصرخ بعدها أو أبكي إال الن وانا‬

‫أكتب هذه الحروف‪ ،‬اكتبها باللم وبدموعي‪ ،‬اكتبها وروحي في داخلي تصرخ من‬
‫الحسرة والغل والكره لكل ما هو ذكر‪.‬‬

‫كتم صاحب البنسيون صرختي بيديه الكبيرتين وهمس في أذني "إان تكلمتي أو‬

‫صرختي سأقتلك "!‬
‫ثم ببطء رفع يديه من على فمي وبكل جدية تكلم وافهمني انه سيأخذ ما يريده مني‬

‫سواء بإارادتي أو بغيرها‪ ،‬وانه علي أن اقبل ذلك حتى ل يأذيني وحتى احافظ على‬
‫مكاني في البنسيون وإال فانه سيطردني وسألقي مصيري في الشوارع مثل ألف‬

‫‪52‬‬

‫الطفال والرجال والبنات اللذين بلا مأوى وحينها سأفعل ما يُطلب مني مقابل كسرة‬
‫خبز وليس مقابل سكن واكل فاخر كما يوفر هو لي‪...‬‬
‫ووافقت‪...‬‬

‫وافقت وضاجعني لول مرة‪ ،‬ضاجعني وسالت دموعي كالنهر من عيني‪ ،‬سالت‬
‫بصمت‪ ،‬ضاجعني وانا مستسلمة له كل ا إلستسلام كجثة باردة ل تشعر بشيء‪...‬‬

‫ضاجعني وحينها حدث شيئين‪...‬‬
‫الول هو رؤيتي لول مرة لصديقة عمري‪...‬‬
‫صديقتي الوحيدة التي كانت ترقد هناك على الرض في ركن الغرفة في ذل واستكانه‬
‫ومهانة مثلي‪ ،‬ل تملك شيئ ًا في مصيرها‪ ،‬كانت مثلي مجرد جثة‪..‬‬
‫والشيء الثاني هو انني تعلمت قوة اللاشيء لول مرة‪..‬‬

‫قوة الخضوع والصمت‪...‬‬
‫كان صاحب البنسيون يظن انني سأقاتل وكان قد استعد لذلك ورسم نشوته على‬
‫هذا الساس ولكن عندما استسلمت له وتركته يغتصب أعضاء جسدي بلا أي رده‬
‫فعل ذهبت روحه وفقد نشوته ولم يستمتع بي‪ ،‬بصق علي ونعتني بالعاهرة وذهب!‪.‬‬

‫قال أن المر لم ينتهيي‪ ،‬وإاني إان فتحت فمي سيقتلني "!‬
‫فلا تعاقبوني وعاقبوه هو ‪..‬‬

‫عاقبوا من حولني لعاهرة بإاسم الحب ‪ ..‬وعاقبوا كل من جاء بعده وكان يحمل لقب‬
‫رجل!‬

‫************‬

‫‪53‬‬

‫‪9‬‬

‫عُمر ‪....‬‬
‫كيف أصفك يا عمر وأنت مثل الزئبق نادر‪ ،‬ومن الصعب القبض عليك؟‬

‫عمر هو ذلك الشاب الذي أرسل إالى شريف قصته لينشرها‪...‬‬
‫صفحة شريف التي كانت عبارة عن صرخات ألم وظلم حولها هذا المتمرد إالى صيحة‬
‫نصر وزهو وفخر‪ ،‬لم ينشر عمر قصته لنه كان يتألم أو على القل لم يكن يعلم حينها‬

‫أنها ستكون صرخة ألم سابقة لوانها‪...‬‬
‫ولكن السلوب الذي صاغ به القصة جعلت الناس تمقته وتكرهه وكالعادة تسبه‬

‫وتسب تربيته وأمه وأبيه!‪.‬‬
‫ولكن هل أصاب الناس في حكمهم عليه من مجرد حروف خربشها في لحظة‬
‫كبرياء؟‪ ،‬هل علم الناس من هو عمر وما الذي أوصله إالى هذه المرحلة؟؟‬

‫بالطبع ل‪...‬‬
‫فهو نصاب وحرامي لنه يستغل طيبة الناس وسذاجتهم لينصب عليهم‪ ،‬ل بل أنه‬

‫قواد أيض ًا لنه ‪.......‬‬
‫مهل ًا‪...‬‬

‫ل نريد التكملة الن قبل أن ننتهيي من كلمة قواد!‪.‬‬
‫قواد هي الكلمة التي إاستوقفت عمر في التعليقات بعدما نشر شريف قصته‪ ،‬لم يهمه‬

‫السباب أو الشتائم!‪.‬‬
‫" ل يهم أن يشتموني‪ ،‬فأنا أفضل منهم ول يهم أن يشتموا أمي وأبي لني أكرههم‬
‫وأسبهم بيني وبين نفسي أيض ًا‪ ،‬ولكن ما هو معنى كلمة قواد التي تتكرر كثيرًا في‬

‫التعليقات ؟!"‬
‫وبسرعة بحث في جوجل عن كلمة قواد‪ ،‬وكانت النتيجة هي‪...‬‬

‫‪54‬‬

‫قواد ‪ :‬هو ا َّلذي يقود ال ِّرجال إالى ال َبغ ّي‪ِ ،‬سمسار المرأة البغ ّي الَّتي تتعاطى الَّدعارة‪،‬‬
‫وسيط الفحشاء!‬

‫تعمق في البحث أيض ًا ليجد تفصيل ًا أدق في ويكيبديا وهو‪:‬‬
‫القواد (إانجليزى‪ Pimp) :‬أو القوادة (إانجليزى‪ Madam) :‬هو أي شخص عمله‬
‫الساسي تسهيل ممارسة الجنس بين أي إاثنين وتحضير لوازم الموضوع بأي طريقة!‪.‬‬
‫وبهذا ممكن أن يسمى قواد ؛ صاحب بيت الدعارة ومخرج ومنتج الفلام ا إلباحية‬
‫وصاحب محل الدوات الجنسية ومحرر المجلة الجنسية وصاحب القناة التليفزيونية‬

‫الجنسية وصاحب الموقع ا إللكتروني الجنسي‪.....‬‬
‫"تب ًا‪" ...‬‬

‫لم يعجبه ما َرأه وما عرفه‪ ،‬نعم هو كان يفعل هذه الفعال ولكنه لم يكن ُيحب أن‬
‫تُسمى هكذا!‪.‬‬

‫"تب ًا للغة العربية‪ ،‬جافة وقاسية في معانيها‪ ،‬أنظر إالى المعنى الجنبي‪ ...‬بيمب؟ ماذا به‬
‫البيمب ؟! لن أتضايق أن ناداني أحد في الشارع بالبيمب‪ ،‬أما قواد؟؟؟ ما هذا؟!!‬

‫لغة عقيمة "‪.‬‬
‫ولكن مع ذلك أثار الموضوع إاهتمامه ‪...‬‬

‫عمر ‪...‬‬
‫كيف إانتهت به الحياة إالى هنا قبل أن تبدأ؟؟ طفل طبيعي جد ًا نتاج زواج طبيعي‬
‫ناتج عن حب دام أربعة سنوات بين أبيه وأمه‪ ،‬ما الخطا الذي حدث في الطريق‬
‫وأفضى به إالى هذه الوحدة القاتلة التي جعلته ينبش في عالم ليس عالمه ويخوض في‬

‫بحار اللاعودة؟؟‬
‫" قواد؟؟"‬

‫" تب ًا‪ ...‬هل أنا قواد؟؟ "‬

‫‪55‬‬

‫" أهي لعنة خالتي قد أصابت أمي ف ّي؟؟ لم يعد أحد يتكلم في هذا الموضوع منذ‬
‫سنوات طويلة ومعلوماتي الناقصة جمعتها من بين أحاديث طويلة من أشخاص‬

‫مختلفين‪...‬‬
‫القصة الحقيقية كانوا يتطرقون إاليها بجملة واحدة أو إاثنتين على أقصى تقدير في‬
‫خلافاتهم الحادة التي تخرج عن الحد‪ ،‬وكن تلك الخلافات هي بوابة زمنية تكشف‬
‫لمحات عن ذلك الماضي السحيق الذي يكتمونه في صدورهم‪ ،‬الماضي الذي يؤلمهم جد ًا‬
‫لدرجة أنهم يخشون ا إلقتراب منه‪ ،‬وكن ا إلقتراب منه ُسيعيد فتح أبواب أغلقت على‬
‫مارد غاضب اذا خرج سيفنيهم جميع ًا‪ ،‬ماضي ل دخل له فيه ولكن ربما خرجت منه‬

‫دعوة تلعنه‪...‬‬
‫لعلني لـعنت بلعنة أبدية‪...‬‬
‫لعنة "يقعد لك في عيالك "!‪ ،‬تلك اللعنة المعتادة عند الناس الكبار‪ ،‬لعنة يطلقونها‬
‫في ساعة غضب ربما حينها يقصدون كل حرف فيها ولكن بعد كل السنوات بعد أن‬
‫هدأ الغضب كثيرًا ل أظن أبدا أنهم سيرضون عن تحقيقها وخاصة إان كانت قد‬

‫تحققت ف ّي أنا!‪.‬‬
‫" قواد ؟!! "‬

‫" تب ًا "‪...‬‬
‫أبيه وأمه أبناء خالت‪ ،‬أمه اكتسبت جمال جدته وعود جده الفارع فاكسبها أنوثة‬
‫قاتلة‪ ،‬عود منحوت بعناية‪ ،‬جميل ممشوق ونتوءات صدرها واردافها التي بزغت قبل‬
‫أوانها مع بياض بشرتها المرمري جعل والده يعشقها وهي مازلت في طور الطفولة‪..‬‬

‫" لقد كانت في مثل عمري تقريب ًا عندما باح لها أبي بحبه أول مرة "‪..‬‬
‫كانت في الصف الثاني ا إلعدادي تقريب ًا‪ ،‬يكبرها هو بثمانية أعوام‪ ،‬في ذلك الوقت كان‬

‫قد أنهيى دبلومه الزراعي وأخذ إاعفاء من الجيش وسافر إالى الكويت‪ ،‬كانت تلك‬
‫إاجازته الولى‪ ،‬البوح بالحب‪ ،‬الحب الذي كان في القلوب مكنون وكانت تفضحة‬

‫‪56‬‬

‫العيون والنظرات والهمسات‪ ،‬الحب الذي كان بسببه يرابض في بيت خالته عله يراها‬
‫أو يجلس معها‪..‬‬

‫"تب ًا‪ ،‬ما هذا ا إلشمئزاز ؟!! كانت طفلة‪ ،‬فكيف يفكر هذا المنحرف بهذا؟؟ طفلة‬
‫في الصف الثاني ا إلعدادي‪ ،‬أي أن عمرها كان ثلاثة عشرة عام ًا‪ ،‬كان هذا البله‬
‫يلاحقها بنظراته العاشقة‪..‬‬

‫" تب ًا لك يا أبي‪ ،‬إان التفكير في المر يجعلني على وشك التقيؤ‪ ،‬مهل ًا‪ ،‬في مثل سني‬
‫تقريب ًا ؟! "‬

‫نقر على بضع أزرار في لوحة مفاتيح حاسوبه لتظهر أمامه صفحة الفيس بوك الخاصة‬
‫ببسنت‪ ،‬زميلته في الفصل‪ ،‬يا لجمالها !!!‬

‫إاعترف لها بحبه في تلك ا إلجازة الولى‪ ،‬كانت كلماته لها بمثابة فض غشاء بكارة قلبها‪،‬‬
‫بل كانت إاغتصاب له‪ ،‬إاغتصاب سفاح لطفلة لهي ًا إاياها بقطعة حلوى‪ ،‬ل يُعتبر ذلك‬

‫ُحب ًا حتى وإان كانت أنوثتها قد اكتملت‪ ،‬وحتى إان كانت أمه وامها قد تزوجوا أصغر‬
‫منها‪ ،‬ولكن كان ذلك حكم زمانهما أنذاك وكانت زواجات صالونات عادية ولم يكن‬
‫للحب ذكر أو علم حينها‪ ،‬أما الن‪ ،‬فالحب موجود يتردد صداه في كل الرجاء‪ ،‬يقفز‬
‫علينا من الفلام والمسلسلات ومن كليبات الاغاني ومن دموع وسهر المطربين الذين‬
‫غلبهم الشوق في أغانيهم‪ ،‬كانت تلك هي الصورة التي رأتها أمه في ذلك الوقت‪ ،‬رأت‬
‫في ابن خالتها عمرودياب خاصتها‪ ،‬ايهاب توفيق لها وحدها‪ ،‬هاني شاكر ل يغني إال‬

‫لسواها‪..‬‬
‫طارت من الفرحة حين أخبرها بذلك الحب‪ ،‬سألها اتحبينني؟‪ ،‬بالطبع وافقت‪ ،‬ل َم ل‬
‫وهي قد ضحكت لها الدنيا قبل باقي صديقاتها‪ ،‬هي لها حبيب ناضج سيهديها الغاني‬
‫ويرسل لها الخطابات ويسجل لها الشرطة التي يقول لها فيها أنه يحبها ويرسلها مع‬
‫المسافرين من الكويت إالى قريته‪ ،‬شريط مدته ساعة ونصف بصوته هو‪ ،‬لها فقط‪.‬‬

‫" يالي من محظوظة "!‪.‬‬

‫‪57‬‬

‫أربعة سنوات مرت وكان سريرًا واحد ًا يجمعهما‪ ،‬حب إاستمر في الظل سنتان قبل أن‬
‫يتقدم أبيه لخطبتها خطوبة استمرت سنتان بعدها كانت الدخلة‪ ،‬وحينها سقط كل‬
‫ذلك الحب وتحطم كزجاج هش على أرض الواقع!‪.‬‬
‫لم يمر يومان إال وهي تطرق باب َاهلها باكية منكوشة الشعر‪..‬‬
‫"أغيثوني منه‪ ،‬إانه ليس بإانسان‪ ،‬ل أريد ا إلستمرار معه "!‪.‬‬
‫رجل شرقي عادي أحب أن يمارس سلطتة العادية والطبيعية في قمع المرأة‪ ،‬فقام‬

‫بإايقاظها مبكرًا لتجهز ا إلفطار لهم ولباقي العائلة‪ ،‬على مضض وتبرم إاستيقظت ولكنها‬
‫لم تعترض وبعد ا إلفطار قامت حماتها بجمع الطباق الفارغة لتذهب بها إالى المطبخ‬
‫لتغسلها فصاح هو في زوجته‪:‬‬
‫" خدي الطباق من حماتك واغسليها أنت يا حيوانة "!‬
‫لم تكن قد أنهت إافطارها حينها وصدمها ُاسلوب الكلام لوهلة كانت كافية لتجمع كل‬
‫طاقة الغضب التي تملكها لترد عليه بملء صوتها‪:‬‬
‫"أنها ليست صغيرة وأنا لم أنهيي إافطاري بعد "!‪.‬‬

‫وكشرقي لم يتحمل أن ترفع زوجته صوتها عليه وخاصة أمام عائلته وخاصة إانهما مازالا‬
‫عروسين جديدين‪ ،‬ف إان سكت لها الن سيكون لعبة في يدها وسيكون رجل ًا ناقص ًا‬
‫في أعين عائلته‪ ،‬ف إانتفض من مجلسه وصفعها على وجهها بكل غيظ صارخ ًا‪" :‬إاحفظي‬

‫لسانك وأدبك وصوتك حينما تتكلمين معي "‪..‬‬
‫وكانت تلك الصفعة هي الحمل والقشة التي أظهرت أن ظهر البعير مقسومة قبل أن‬

‫يتم تحميلها‪.‬‬
‫فشل زواجهم المبني على الحب أسرع من أي زواج أخر عرفوه أو سمعوا عنه‪ ،‬هل‬
‫هذا حال الدنيا؟؟ هل من الطبيعي أن تكون نسبة زيجات الحب الفاشلة أكثر بكثير‬
‫من زيجات الصالونات؟ هل الموضوع يعتمد على العشم الذي ل يجد موضع لقدمه على‬

‫أرض زواج بُني على الحب وخاصة في بيئة شرقية كهذه؟؟ أم هوالسبب في‬

‫‪58‬‬

‫ا إلستعداد النفسي المـسبق لتحمل وتلقي المعاناة وا إلختلاف في الطباع بصدر‬
‫رحب للمتزوجين زيجات صالونات؟؟‬

‫ل أعلم حقيقة‪ ،‬ولكن ما حدث أنها في أقل من نصف ساعة كانت عند والدها الذي‬
‫يسكن في نفس المنطقة‪ ،‬ورغم أنهم تَركوا الصعيد منذ زمن واستقروا في القاهرة إال‬

‫أن طباع الصعيد مازالت متأصلة فيهم‪.‬‬
‫أم ترى دمعة ابنتها بسبب زوجها أغلى من كنوز الرض‪ ،‬ناسية كم كانت هي نفسها‬
‫السبب في هذه الدموع أثناء رحلة تنشئتها إلبنتها‪ ،‬ولكن ل‪ " ،‬أدعي على إابني وأكره‬
‫اللي يقول أمين"‪ ،‬فكيف يضربها هذا الحيوان؟؟ ولماذا؟؟ أ لجل أمه؟؟ سحق ًا لها‪،‬‬
‫ليتها تموت سبب الخراب على البنت‪ ،‬خربت عليهم حياتهم قبل أن تبدأ‪ ،‬كنت أظنها‬

‫أختي ولكنها أقسى على بنتي من الغريب" !‪.‬‬
‫زوج يرى انه طالما خرجت زوجته من البيت من دون أذنه حتى وان كانت غاضبة‬

‫ف إانه لن يذهب ليصالحها أو يأتي بها‪ ،‬فتركها!‪.‬‬

‫*************‬

‫‪59‬‬

‫‪10‬‬

‫شهر ونصف كانا قد مرا على شريف منذ أن ترك عمله‪.‬‬
‫" ل يا سيدي الكاتب ل تزيف الحقائق وسمي الشياء بمسمياتها‪ ،‬قل منذ أن طرد‬

‫من عمله "‪.‬‬
‫منذ أن طرد من عمله بحث بنهم عن عمل في السبوع الول والثاني وأصابه بعض‬
‫ا إلحباط في الثالث‪ ،‬وفي السبوع الرابع قرر أن يغير المجال وأن ل يبحث عن عمل‬

‫في المطاعم بعد اليوم‪.‬‬
‫لن يمر بعد اليوم ليتسول العمل في المطاعم‪ ،‬لن يطرق أبوابها إال لياكل وليس ليتسول‬

‫عمل ًا‪.‬‬
‫" سأغير المجال "‪ ،‬هذا ما كان قد قرره‪ ،‬ضاعت شهادات الخبرة التي زورها له‬
‫أصدقاؤه سدى‪ ،‬فالسيرة الذاتية لم تلقى إاستحسان أحد‪ ،‬لم يعيد أحد التصال به‬
‫ممن أرسل لهم سيرته عن طريق ا إلنت نرت أو سلمها يد ًا بيد‪ ،‬أو با إلتصال التليفوني‪.‬‬

‫" يبدوأن مديري الذي طردني كان محق ًا!‪ ،‬يبدو انني فاشل فعل ًا " ‪.‬‬
‫قضى شريف الكثير من الوقت على صفحته في الفيس بوك‪ ،‬كان يكتب وينشر‬

‫صرخات الناس الذين لم تكن لهم الجرأة لنشرها‪.‬‬
‫نيمفو وسمر وعمر وبلا عنوان‪ ،‬وشيماء وغيرهم كثيرون‪ ،‬قصص حقيقية تعيش في زوايا‬

‫الحياة وجيوبها الضيقة المنسية‪ ،‬أناس عاديين من حيث المظهر الخارجي حينما نراهم‬
‫ولكن من الداخل يعشش البؤس والحزن في قلوبهم‪ ،‬كسى أرواحهم وغلفها حتى دفنوا‬

‫أحياء تحت وطأته‪ .‬دفنوا أحياء ولم يبحث عنهم أحد‪ ،‬لم يفكر أو يهتم أحد بنبش‬
‫جبال الحزن تلك ويخرجهم من تحتها‪ ،‬ل لشيء سوى أنهم ليرون ذلك الحزن في‬
‫عيونهم ول وجوههم‪ ،‬إال شريف‪ ،‬كان هو من رأى ذلك رغم انه لم يقابل أحد منهم‬
‫من قبل‪ ،‬رأه في حروفهم‪ ،‬كانت الحروف تضج باللم والبؤس والحزن ولهذا غاص‬
‫شريف في تلك الصفحة بعيد ًا جد ًا ولول مرة يشعر أنه ناجح في شيء‪ ،‬لول مرة‬

‫‪60‬‬

‫يشعر بأنه حي‪ ،‬حتى وإان كان النجاح مجرد قص رسائل من صندوق رسائله ولصقها‬
‫على صفحته بناء ًا على طلب أصحابها‪ ،‬ولكن يكفيه أن الصفحة إاسمها ‪..‬‬
‫" صرخة شيف " ‪..‬‬

‫يكفيه أن عدد متابعي الصفحة وصل للثلاثين ألف متابع لتتوالى القصص والحكايات‬
‫دون توقف!‪.‬‬

‫**************‬

‫‪61‬‬

‫‪11‬‬

‫بلا عنوان ‪!...‬‬

‫إاسمح لي عزيزي القاريء أن إاسمي هذه القصة بلا عنوان‪ ،‬وأتمنى أن يُلبي لي الكاتب‬
‫رغبتي‪ ،‬فأنا ل أريد منه أن يحصر حكايتي تحت مسمى واحد أو شكل بعينه‪ ،‬فأنا قد‬

‫سئمت تلك القوالب الفكرية التي نقولب فيها كل البشر والشياء‪ ،‬قوالب جاهزة‬
‫مكررة نجمع فيها من هم على مقاسها ثم نرصهم في عقولنا لنكون منها حوائط مقولبة‪...‬‬

‫هذا حائط البوساء وهذا للسعداء‪ ..‬هذا الجدار مقولب من الغنياء وهذا من‬
‫الملعونين في الرض الذين طحنتهم الدنيا وجعلتهم عارًا فيها حتى أنهم الوحيدون الذين‬
‫لم يشكلوا حائط‪ ،‬بل هم مجموعة قوالب مكسرة مكومة فوق بعضها‪ ،‬بل أن بعضها قد‬

‫وضع للدوس عليه‪...‬‬
‫بالله عليكم ل تضعوني في قالب‪ ،‬ل تنعتوني بأي صفة‪ ،‬فأنا قد أكون أي شيء إال أن‬

‫أكون أنى!‪.‬‬
‫تلك الصفة التي ُاختيرت لي من وأنا في رحم أمي و ُدعيت بها من قبل أن يُطلق علي‬

‫إاسم ولكن عندما كبرت كانت تلك الصفة كالحلم المستحيل لي‪...‬‬
‫حلم بعيد المنال‪...‬‬
‫نعم‪..‬‬

‫فأنا أبعد ما يكون عن النوثة‪...‬‬
‫أنا دبة!‬

‫لي جسد إامرأة خمسينية اكل عليها الزمن وشرب‪ ،‬إامرأة ثكلت زوجها وهجرها‬
‫أولدها‪ ،‬كل منهم سعى إالى دنياه وتركوها وحيدة‪ ،‬فما كان منها إال التمرد والتنفيس عن‬

‫ألمها بالطعام‪ ،‬تاركة الدهون تمرح وتسرح في جسدها غير مباليه بما يُفترض عليها أن‬

‫‪62‬‬

‫تكون من جمال ورشاقة‪ ،‬ولكن حتى تلك الخسينية يا عزيزي أنا بعيدة كل البعد‬
‫عنها‪ ،‬على القل هي كان لها حياة قبل أن يمتليء جسدها‪...‬‬

‫كانت أنى يوم ًا ما‪ ،‬ولكنها اختارت أن تثور على هذا الجسد وكنها تعاقبه‪...‬‬
‫أما أنا‪ ،‬فمنذ أيام مراهقتي الولى أصبح جسدي كجسد تلك المرأة‪ ،‬أصبح عندي‬
‫وفرة في كل شيء‪ ،‬الصدر أصبح بحجم عشرة صدور من صدور رفيقاتي والخصر‬
‫وكنه كرة والرداف‪ ،‬تب ًا لتلك التكتلات اللحمية والدهنية التي غزت جسدي بلا‬

‫حساب‪ ،‬والتي يُفترض أنها ُخلقت لل إاغراء ولكنها عندي خلقت للازدراء !!!‬
‫أنا يا صديقي القاريء ‪ -‬واسمح لي أن أناديك بصديقي ‪ -‬فأنا لم يعد لي أصدقاء سوى‬

‫جدران غرفتي وطيفي المنعكس على زجاج مرأتي منذ أن خسرت صديقتي‬
‫الوحيدة‪...‬‬

‫أاااه يا صديقتي‪ ،‬ليتك تعلمين ما بداخلي من حب وشوق لجئتيني الن طائرة على‬
‫اجنحة الثير‪...‬‬

‫أاه لو تعلمي كم الندم الذي شعرت به ومازلت أشعر لخسارتك لما تركتني أن أترك‬
‫حضنك إالى أن يفرقنا الموت‪...‬‬

‫صديقتي يا صديقي القاريء هي الشخص الوحيد في هذه الدنيا الذي أحبني‬
‫بصدق‪...‬‬

‫هي الوحيدة التي رأتني جميلة في الوقت الذي كان يراني فيه الكل أيقونة للقباحة‪...‬‬
‫هي التي كثيرًا ما مدحت جمالي وشياكتي وكثيرًا ما أثنت على ذكائي ورجاحة عقلي‬
‫ولهذا فهيي الصديقة الوحيدة التي حظيت بها في سنوات دراستي الولى واستمرت‬

‫صداقتنا حتى بعدما تحولت إالى هذا الكائن المترهل‪...‬‬
‫أحببتها بصدق‪ ،‬أحببتها حب أكبر من حب الرجل للمرأة‪ ...‬عشقتها عشق الروح‬

‫للروح‪ ،‬الله فوق وصديقتي تحت‪...‬‬
‫كانت هي أخر من أتحدث معه قبل أن أنام وكانت هي أول من يحادثني فور‬
‫صحياني‪ ،‬ل بل هي من اعتادت أن توقظني‪ ،‬فأنا بحكم وزني معتادة على النوم كثيرًا‪...‬‬

‫‪63‬‬

‫كنت معها يوم خطبتها وأيام شراء جهازها‪ ،‬كل تلك الفساتين والملابس وقمصان النوم‬
‫كنت أنا شاهدة على شرائها‪ ،‬ل بل إاشترتها بناء ًا على رأيي‪.‬‬

‫يا الله كان ذلك اليوم وكنه بالمس رغم مرور كل تلك السنوات‪ ،‬ل أتذكر كم سنة‬
‫مرت ولكن أولدها قد كبروا الن‪ ،‬لقد رأيت إابنها في الشارع منذ عدة أيام‪ ،‬لم‬

‫يعرفني ولكنه بسم الله عليه أصبح شاب جميل وخط شاربه على وجهه‪ ،‬لم يعرفني‬
‫ابنها واحمر وجهه خجل ًا عندما إاحتضنته وقبلته‪ ،‬بكيت يوم عرسها أكثر مما بكت أمها‪،‬‬

‫بكيت من فرحتي بها‪ ،‬كانت فرحتي بها أكبر من أن اتحملها فسالت دموعي وكنها‬
‫نهر‪ ...‬وما أدراك عن نهر دموع من ُهن مثلي يا صديقي القاريء؟‬
‫وعندما حملت إابنتها على يدي لول مرة‪...‬‬

‫يا الله لذلك الشعور الجميل‪ ،‬شعور ل أستطيع وصفه وسعادة جديدة غمرتني عندما‬
‫حملت تلك المولودة البيضاء وكان بياضها بحمرة وكانت أمها تلبسها فستان ًا ابيض لمع‬

‫ورأسها خفيفة الشعر‪...‬‬
‫ل اكاد أشعر بثقلها على ذراعي ولكني كنت حرفي ًا أحمل السعادة في حضني‪ ،‬لم أشعر‬

‫بتلك السعادة حينما حملت ابنها الول‪.‬‬
‫سنوات مرت ودخلوا المدارس وتغيرت صديقتي ولكنها لم تكتسب أي وزن زيادة‪،‬‬

‫ظلت محافظة على رشاقتها وجمال قوامها الجذاب‪ ،‬وأبد ًا لم تصل لنصف وزني‪...‬‬
‫وتحول جمالها إالى شيء من القبح ولكني كنت صديقتها‪ ،‬كنت إالى جوارها كل‬

‫يوم‪،‬حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم‪...‬‬
‫تب ًا لذلك اليوم يا ليته ما جاء وتب ًا إلبنتها الحمقاء ليتني خنقتها عندما حملتها أول مرة أو‬
‫يا ليتني تركتها تسقط من يدي على الرض وهي مازالت في اللفة وكنها سقطت رغماً‬

‫عني‪...‬‬
‫ليتها ماتت وما فرقتني عن صديقتي!‬

‫**********‬

‫‪64‬‬

‫‪12‬‬
‫الزوجة ‪..‬‬

‫تلك الكبة المعهودة والمعتادة التي تعودها منها في كل منشوراتها على صفحتها‪ ،‬إامرأة‬
‫في أوائل الثلاثين من عمرها رشيقة القوام‪ ،‬رغم نحافتها الظاهرية إال أن أنوثتها كاملة‪،‬‬
‫جميلة القوام‪ ،‬إانحناء خصرها الذي يظهر جلي ًا اذا ما ضرب الهواء ملابسها الفضفاضة‪،‬‬
‫فتلتصق به مظهرة إاياه ومظهرة صدرها البارز المشدود وتدويرة خلفيتها‪ ،‬كلها مكونات‬

‫لمزيج قاتل لنى في عنفوان قوتها وإاثارتها للشهوة‪ ،‬كل هذا ولم يبخل عليها القدر‬
‫بشعر حريري اسود كالليل وعينان واسعتان يكسر بياضهما الناصع‪ ،‬عقيقتان سودوان‬

‫وكنهما بحر الظلمات يُغرق من ينظر إاليهما‪،‬‬
‫إامرأة ملكت كل مقومات السعادة ولكن ل تشعر منها إال بالكبة‪ ،‬وكنها أم ثَكلت أو‬
‫إامرأة ُرملت‪ ،‬ولكنها ل ْثكلت ول ُرملت‪ ،‬هي متزوجة برجل وجيه من وجهاء عائلته‪،‬‬
‫ميسور الحال جد ًا حتى أن كل طلباتها مجابة قبل أن تطلبها‪ ،‬لديها ثلاثة أبناء حلم كل‬
‫زوجين‪ ،‬وتلك الكبة المستفزة التي تُنفرك من جمال تستريح له النظار هو ما دفعه‬

‫إالى ا إلقتراب منها ومحاولة معرفة علتها‪ ،‬كيف ل يفعل وهو من يحب الجمال النثوي‬
‫أينما كان‪ ،‬هي لوحة جميلة ستكتمل إاذا ما إابتسمت أساريرها بصدق مع شفاهها‬

‫المزيفة البسمات‪.‬‬
‫أرسل لها رسالة تقتحم الصمت الكتابي وتكسر الجليد الذي بينهما‪ ،‬هم أصدقاء على‬
‫الفيسبوك منذ فترك طويلة‪ ،‬يتبادلن إاعادة نشر منشورات بعضعهما ولكن أبد ًا لم‬
‫يتحدثوا أو يعلق أي منهم على منشور الخر‪ ،‬وكنه اتفاق ضمني بينهما أو ربما كما كان‬
‫يظن شريف هوالخوف‪ ،‬خوف ًا منه من أن يعرف قصتها وينشرها‪ ،‬ليس خوف ًا من‬
‫الفضيحة لن شريف كان يغير السماء وبعض الحداث‪ ،‬ولكن من مثلها يكون كمن‬
‫يقف على حافة الحياة ويحاول جاهد ًا حث نفسه على التشبث بها‪ ،‬ربما كانت تخشى‬
‫أنه إاذا نُشرت قصتها لكان ذلك بمثابة دفعة تجعلها تفلت أصابعها من ذلك التشبث‪،‬‬

‫‪65‬‬

‫فكتب إاليها وسالها كيف حالك؟‪ ،‬وكانت إاجابتها غير ما كان يتوقع‪ ،‬كان يعتقد أنها‬
‫ستجيبه بأنها بخير‪ ،‬ولكنها قالت بإابتسامة حزينة "لست بخير "!‪.‬‬
‫" تب ًا‪ ،‬يبدو أنني قد تأخرت في أخذ خطوة السؤال عنها !"‬

‫واستطردت بعدما صمتت لحظة بسبب اندهاشه من إاجابتها‪ " :‬أعلم سبب اندهاشك‬
‫ولكنها الحقيقة‪ ،‬وأيض ًا لنني أعلم أنك جئت لتثيرني بكلماتك حتى أبوح لك بما في‬
‫داخلي واعرف أنك لم تكن ستتركني قبل أن تصل مني إالى هذه الغاية‪ ،‬أجبني يا‬
‫شيف ما السعادة من وجهة نظرك؟‪ ،‬ما الحب؟‪ ،‬ما ا إلحتواء وما العشق؟؟"‬

‫وتوقفت لحظة ظن فيها أن شيء شتت إانتباهها ولكنها كانت تحاول أن تغمض عينيها‬
‫لتمنع دمعة لمعت فيها قبل أن تسقط على خديها متسائلة‪ " :‬ما الرغبة؟!"‬

‫نظر إالى سيل أسئلتها ببلاهته المعتادة فاغرًا فاه من المفاجأة ثم أجاب‪ " :‬ل أعلم‪،‬‬
‫أرجو أن تخبريني أنت إان كان لدي ِك اجابة "‪،‬‬

‫قالت " ل أعلم يا شيف صدق ًا ما السعادة ول الحب‪ ،‬لقد قرأت لك وسمعت كلماتك‬
‫وانت تطبخ لنا وصفاتك واعتقدت انك تعرف الحب ولهذا سألتك‪ ،‬لقد قرأت‬

‫قصص كثيرة وروايات‪ ،‬رأيت تلك المسلسلات التركية والهندية التي تضج بقصص‬
‫الحب وكلماته التي تأخذنا من أرض البؤس والشقاء إالى عالم مثالي جميل‪ ،‬عالم تجد فيه‬

‫حضن ا إلحتواء دون أن تطلبه‪ ،‬ولكن يا صديقي كل هذا محض الخيال والدراما‬
‫التليفزيونية‪ ،‬تب ًا لرجل وزوج ل يعرف كيف يحتوي أنثاه‪"! ،‬‬
‫سألها بمكر " إاذ ًا الموضوع جنس؟! "‬

‫جلجلت ضحكتها قائلة‪ " :‬تب ًا لصراحتك المفرطة‪ ،‬نعم هو جنس أو هكذا كنت أظن‪،‬‬
‫أن مشكلتي الحياتية الوحيدة وسبب ذلك البعد النفسي بيني وبين زوجي الذي ينام‬

‫معي على سرير واحد هوالجنس حتى قابلته و‪" ،...........‬‬
‫لم يكن يريد أن تهيم في وصف "هو"‪ ،‬أو الرجل الخر قبل أن يضغط على ذلك‬
‫الجرح الذي كشفته وغطته بلمح البصر‪" ،‬زوجك ينام معك على نفس السرير ولكنه‬

‫بعيد عن ِك نفسي ًا؟! أهو إالى هذه الدرجة قبيح؟!!"‬

‫‪66‬‬

‫إاستفزها السؤال فطبعت على الحروف بحدة‪ " :‬ل‪ ،‬طبع ًا ل‪ ،‬إانه وسيم جد ًا‪ ،‬إانه‬
‫طويل وجسمه رياضي "‬

‫"إاذ ًا المشكلة عضوية ؟" سألها بخبث‪.‬‬
‫" ل أنها ليست عضوية يا شيف ورغم أنني ل أريد الخوض في تلك التفاصيل ولكنني‬

‫أعلم بجاحتك ولهذا سأرضي فضولك حتى ل تجلدني بأسئلتك اللاذعة‪ ،‬المشكلة يا‬
‫شيف هي مشكلة وعي‪ ،‬الوعي‪ ،‬يا للوعي‪ ،‬تب ًا لذلك المنطق وتلك الكلمة الهينة‪ ،‬انه‬
‫من بديهيات الحياة‪ ،‬ومع هذا تخلى عنه ا إلنسان وما عاد يشغل نفسه به رغم أنه به‬
‫الخلاص‪ ،‬قديم ًا وعي ا إلنسان إانه أذكى من الحيوان فترك الشجرة التي كان يتعلق بها‬
‫ومشى على الرض‪ ،‬إانتصب على قائمتيه تاركاً عادة القردة والحيوانات الذين يسيرون‬
‫على الربع‪ ،‬الوعي هو ما أدرك به الوائل انهم يستطيعون السيطرة على الكون كله‬
‫لنهم يدركون ماهيته‪ ،‬إاستأنسوا الحيوان ونحتوا الصخور‪ ،‬روضوا النيران وما إالى كل‬

‫ما تراه بعينك الن‪ ،‬ولكن مع انشغال الرجل بمحاولة ادراك تلك الحياة المتسعة‬
‫الرجاء نسي أن يروض تلك الشعلة النائمة في حضنه‪ ،‬نعم‪ ،‬المرأة يا صديقي‬

‫الشيف‪ ،‬فهيي شعلة يحتضنها الرجل كل ليلة‪ ،‬جذوة نار يحتفظ بها في بيته‪ ،‬على‬
‫سريره‪ ،‬نسي أنها أول ما يجب عليه ترويضها‪ ،‬وان فشل حرقته هو وكل احلامه‬
‫وكل ما ارتبط به‪ ،‬وهذا ما لم يعيه زوجي‪ ،‬مثله مثل الكثير من الرجال الذين تعرفهم‬

‫وللسف ربما تكون أنت منهم!‬
‫إاستفزه كلامها ووجد أن أي محاولة لنفي التهمة عن نفسه ربما تلصقها به أكثر فقال‪:‬‬
‫"وحتى ولو!‪ ،‬وأرسل لها ايموجي يغمز‪ ،‬ثم أكمل‪ :‬ربما ل يعي تلك الحقيقة هو الخر‪،‬‬

‫أقصد حبيبك الذي سنتكلم عنه "!‬
‫إابتسمت وكنها فهمت ما يقصده وقالت‪ " :‬ل‪ ،‬هو قصته غير ما جاء في بالك‪،‬‬
‫علاقتنا لم تقم على الجنس رغم إاني لن أمانع إان طلب مني أن تتحول إالى الجنس‪،‬‬
‫ولكنه إاستطاع أن يحتويني ويروض بركان الشهوة داخلي بدون أن نتطرق إالى‬
‫الجنس كثيرًا‪ ،‬لقد إاحتواني يا شيف‪ ،‬إاحتواني هذا المخبول دون أن يقابلني‪ ،‬ل أعلم‬

‫‪67‬‬

‫إان تقابلنا‪ ،‬إان لمسني‪ ،‬إان عانقت شفناه شفت ّي أو حتى إاحتضنني‪ ،‬أعتقد حينها أنه‬
‫سيملكني كما يمتلك ا إلنسان حيوان أليف!‪ ،‬أعتقد إانني سأكون خاصعة له خضوع‬

‫الحيوان!"‪.‬‬

‫لم يعجب الكلام شريف وصدمته تلك الحقيقة المفجعة‪ ،‬رغم أن شريف لم يكن الرجل‬
‫المثالي ولم يكن صاحب مثل وقيم إال أن حقيقة أن تخون المرأة زوجها ولو حتى‬

‫بالمشاعر كان يُشعره با إلشمئزاز والمرار‪ ،‬ولو حتى كان ذلك الرجل نفسه خائن ويقضي‬
‫كل ليلة في حضن إامرأة مختلفة‪ ،‬فهو مثال حقيقي للرجل الشرقي‪ ،‬الذي يبيح لنفسه‬

‫كل المحظورات ويحرمها على المرأة وها هو الن يطرق ِعش الدبابير لتهجم عليه‬
‫بلدغاتها‪ ،‬طرق باب صمتها وها هي تخرج عليه بخبايا قلبها اللاذعة‪ ،‬حاول أن يعطيها‬
‫العذر ولكنه لم يستطع‪ ،‬لعنها في عقله ونعتها بالفاسقة ولم يستطع أن يكمل الحديث‬
‫معها ف إاستئذنها متحجج ًا بأنه مضطر أن ينام!‪ ،‬فالنعاس يثقل جفونه‪ ،‬ذلك النعاس‬
‫الذي كان يجافيه منذ ساعتين مما اضطره أن يبدأ معها الحديث‪ ،‬وها هي لم تكد تبدأ‬

‫حتى يستأذنها ويعدها بأنه سيستكمل الحديث معها في وقت لحق‪ ،‬وقال لها‪:‬‬
‫"سعدت بالحديث معك! "‪ ،‬وفي سره " أيتها العاهرة "!‪.‬‬

‫حق ًا أنها لمفارقة عجيبه أن يدافع عن نيمفو العاهرة ويُنسب إاليها الشرف وهذه التي لم‬
‫تفعل شيء سوى أنها أحبت لم يستطع أن يُبرئها‪.‬‬

‫نام شريف كطفل صغير غير عابيء أو مدرك للبركان الذي فجره في صدر وعقل لينا‪،‬‬
‫بركان الغضب والغيظ‪ " ،‬كم أنا غبية حتى انجرف في الحديث هكذا من أول مرة‬

‫اتحدث معه فيها‪ ،‬وليس هذا فقط بل انني بحت له بأسرار ما كان ينبغي أن أبوح بها‬
‫لحد حتى ل ينعتني بالعاهرة‪ ،‬فما بالك بشريف ايتها الغبية‪ ،‬شريف صاحب تلك‬
‫الصفحة المثيرة للجدل الذي ربما لن يتورع ويتواني عن نشر قصتي ليكسب زيارات‬
‫لصفحته العقيمة!‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫تب ًا لك يا شريف "!‪.‬‬

‫اكلها الندم وجافاها النوم رغم تأخر الوقت جد ًا ولتهرب من ندمها وتهديء ضجيج‬
‫عقلها كتبت رسالة لشريف ليقرأها عندما يستيقظ"‬

‫" صباح الخير يا أستاذ‪ ،‬أكتب إاليك قصتي التي لم يسعفني الوقت لسردها معك‬
‫لنك نمت وتركتني‪ ،‬وكان يجب أن تعرفها كامله حتى ل تحكم علي حكم باطل أو‬
‫تتهمني بالعهر دون أن تعرف الحقيقة‪ ،‬حتى وإان أصريت أن تراني عاهرة بعد أن أقول‬
‫لك قصتي لن يهمني‪ ،‬على القل سيظل صوتي يتردد داخلك بأنني مظلومة‪ ،‬أنا‬

‫مظلومة يا شريف فلا يوجد أنى على وجه الدنيا تريد أن تكون عاهرة‪ ،‬حتى‬
‫العاهرات أنفسهن والزواني يفعلن ذلك لسباب خارجة عنهن‪ ،‬تعرف ما هي مشكلتي‬

‫يا شريف غير الوعي الذي كلمتك عنه قبل أن تنام؟‪ ،‬مشكلتي انني ُخدعت‪،‬‬
‫عشت ستة عشرة عاما مخدوعة‪ ،‬لقد غفلني زوجي يا شريف‪ ،‬سلبني حقي في‬
‫الحب‪ ،‬كنت أظن أن تلك هي طبيعته وانه شخص عملي ل يعرف عن الحب إال‬
‫المسؤولية والمسؤولية بالنسبة لة توفير المادة‪ ،‬تزوجته ودفنت رغبتي في أن أسمع‬
‫كلمة أحبك‪ ،‬وحشتيني‪ ،‬أشتاق ل ِك‪ ،‬دفنت رغبتي في أن يحضنني في اليوم عشرات‬

‫المرات أو حتى مرة كل عشرة أيام‪.‬‬
‫ولكنه لم يفعل هذا‪ ،‬حياتنا كانت عبارة عن جنس رسمي كل أسبوع أو أسبوعين بلا‬

‫مشاعر بلا أحضان بلا مداعبة وكنه واجب يؤديه أو فرض يتوق للخلاص منه‪،‬‬
‫كل هذا تحملته لنني أصيلة‪.‬‬

‫وظلت تكتب إالى شريف قصتها ولكنه لم يعيرها أي إاهتمام‪ ،‬كان قد قرأ في اليوم‬
‫التالي إالى هذا الحد ولم يستمر‪.‬‬

‫ربما مقتها وشعر با إلشمئزاز منها أو ربما خاف أن يفهمها ويعطيها العذر في كل ما تفعله‬
‫فتقع في فخه ويقع في فخها وهو لم يكن يريد أن يعاقب نفسه بهكذا علاقات مشوهة‬

‫‪69‬‬

‫ومبتورة‪ ،‬ولهذا عمد إالى تجاهل رسائلها بعد ذلك الصباح‪ ،‬وكانت شيماء إاحدى‬
‫القصص التي نشرها على صفحته‪.‬‬

‫**********‬

‫‪70‬‬

‫‪13‬‬

‫الكاذبة!‬

‫السلام عليكم‪..‬‬
‫أنا إاسمي شيماء‪ ،‬عمري ‪ ٣٨‬سنة عانس‪ ،‬نعم أعلم ما تفكر به الن ايها القاريء‪ ،‬ولهذا‬

‫اسمح لي أن اقطع عليك رحلة الشفقة التي كنت ستغمرني بها‪ ،‬فأنا لست تلك‬
‫العانس التي تعرفها في حياتك‪ ،‬أنا لست خالتك العانس التي عاشت بائسة في بيت‬
‫ابيها‪ ،‬عاشت كخادمة لبيك واعمامك و َلك ولبناء عمك في مقابل لقمة تأكلها بالخزي‬

‫وهدمة رديئة تُهدى لها في المناسبات!‬
‫ل‪ ،‬أنا لست تلك العانس‪ ،‬أختك التي تشعر بالبؤس تجاهها وتتمنى أن تطمئن عليها‬
‫في بيت رجل يحميها من غدر اليام‪ ،‬أنا عانس بمحض إارادتي‪ ،‬أنا اخترت العنوسة‪،‬‬

‫اخترت أن أخرج لساني في وجه المجتمع القذر الذي نعيش فيه وحولنا جميعا إالى‬
‫زومبيز‪ ،‬اخرجت لساني وبصقت على عادات مجتمع هرم‪ ،‬رفضت الزواج‪.‬‬

‫بالطبع لم تكن رحلتي سهلة وخاصة على والدتي وأخي‪ ،‬ولكن بعد مجادلت ومحاولت‬
‫رضخوا‪ ،‬رضخوا وإاقتنعوا أن مؤسسة الزواج ليست بالشيء المناسب لي‪ ،‬كيف تقنعني‬
‫بصواب وضرورة الزواج وهو أسوأ منظومة إاجتماعية وجدت على الرض منذ زمن‬
‫الديناصورات؟‪ ،‬الزواج قاتل لكل ما هو جميل في ا إلنسان عموم ًا والمرأة خصوص ًا‪،‬‬
‫"رجل يتزوج بزهرة جميلة متألقة في بستان جميل ثم يحولها بقدرة قادر في شهور قليلة‬

‫إالى كائن نكدي مقيت‪ ،‬تُمحى ابتسامتها من على وجهها كما يُمحى الرصاص من‬
‫صفحات الكراسات‪ ،‬جمال يذبل بسرعة الضوء‪ ،‬جسد يترهل وصوت عذب يتحول‬

‫إالى نشاز ُمزعج ومن بعدها تتحول تلك الزهرة إالى مجرد مفرخة‪ ،‬كل مهنتها أن تلد‬
‫وتربي وتعلف وتُ َعلف‪ ،‬إامرأة تفتق جسدها من أجل بيتها وزوجها‪ ،‬شمعة تذوب من‬

‫أجل أن تنير لهم وما أن يختنق ضوءها بفعل زوائدها الذائبة حتى يقوم زوجها‬

‫‪71‬‬

‫بإاطفائها‪ ،‬ربما ببصقة حينها ويتأفف من خيط الدخان الرقيق المنبعث من أخر شرارة‬
‫في خيطها وما أن يطفئها حتى يقوم بإاشعال أخرى مكانها إان إاستطاع‪ ،‬وان لم يستطع‬
‫جلس في الظلام بجوار تلك البقايا لعن ًا إاياها بسبب تركها له وحيد ًا في الظلام!‪ ،‬قد‬

‫تقول أن الرجل أيض ًا يضحي لجل إامراته وبيته‪ ،‬ولكن الحقيقة ل‪ ،‬إانه يفعل هذا‬
‫لجل وجاهته وصورته أمام الخرين ليس إال‪ ،‬وهذه حياة تحزن أي أنى إاذا ما‬
‫عاشتها‪ ،‬وهذا هو الزواج من وجهة نظري‪ ،‬وهكذا عشت وهكذا مرت أيامي‬
‫وسنواتي الثمانية وثلاثون سريع ًا بدون أي مشاكل تُذكر‪ ،‬على عكس قريناتي اللاتي‬

‫يعانين يومي ًا من أزواجهن وأولدهن‪.‬‬
‫هكذا كنت أخدع نفسي حتى ظهر هو في حياتي‪ ،‬تب ًا له!‪ ،‬يا ليتني ما عرفته‪ ،‬وتب ًا‬

‫لسلاطة لسانه وفضوله‪ ،‬كان سؤاله " إاذا ما عاد ب ِك الزمن إالى الوراء هل‬
‫ستختارين العنوسة ؟"‬

‫كان بمثابة الطرقة الولى التي ضربت إاناء خزفي فأطلقت بداخله ألف الشروخ‬
‫الدقيقة التي تنتظر مجرد هزة خفيفة أو نفخة ريح قوية بعض الشيء حتى ينهار ويظهر‬

‫ما بداخلها من خواء‪.‬‬
‫والحقيقة أني راوغته يومها وكذبت عليه وأخبرته أنه لو عاد بي الزمن إلخترت نفس‬
‫الحياة‪ ،‬وبالرغم من نبرة الثقة التي تكلمت بها إال أنه لم يصدقني رغم أنه حلف كذب ًا‬
‫هو الخر بأنه يصدقني فأي دافع سيجعله يكذبني وخاصة انه ل مصلحة لي في‬
‫الكذب؟‪ ،‬كذبني وقالت نبرة صوته التي حاول أن يخفيها وعرفت أنه يكذبني‪ ،‬فجادلته‬
‫وضيقت عليه الخناق ليبوح لي بأسباب تكذيبه لي‪ ،‬ويا ليتني ما سألت ول ضيقت‬
‫ويا ليته ما باح هذا الحمق!‪ ،‬ألم يعلم أن بوحه يكسر ذلك الجدار الذي أختبئ خلفه‬

‫راسمة عليه صورة النى القوية وانا في الحقيقة حطام أنى؟!‬
‫ألم يعلم انه عندما سيقول لي أنك كاذبة سيسقط قناع سعادتي كاشف ًا وجهيي الحقيقي‬

‫الكئيب الحزين والحزن البدي الذي أهرب منه دائم ًا؟؟‬

‫‪72‬‬

‫قال انك كاذبة لنه ل توجد أنى في هذه الدنيا ل تتمنى أن تحب و ُت َحب‪ ،‬نعم أعلم‬
‫أسبابك الكثيرة جد ًا التي ل تنتهيي والتي كانت سبب ًا في كرهك للزواج ولكن أعلم‬
‫أيض ًا انك تتوقين إالى إاحساس أن تنامي كقطة في حضن أحدهم‪ ،‬تشتاقين للمسة‬
‫وقحة ومفاجئة لعضائك من رجل هو زوجك‪ ،‬تشتاقين وتتمنين لحظة أن ينادي‬
‫عليك طفل بأمي‪ ،‬أعلم انك تحلمين بأن تعيشي ألف الحاسيس والتي أعلم أيض ًا انك‬

‫قد تقايضين باقي عمرك من أجل أن تعيشي إاحساس واحد منهم‪.‬‬
‫كان كل حرف من حروف كلماته كوخز ا إلبر‪ ،‬كسكين حادة تنحر لحمي بلا رحمة ول‬
‫شفقة‪ ،‬وبكل بؤس حاولت التنصل منه وقلت‪ " :‬حيلك حيلك يا عم الستاذ!‪ ،‬أنت‬
‫فاكر أن كل ده يفرق معايا؟؟ ياعم ده أنا جبلة واللي بتقوله ده بتاع البنات الفرافير‬

‫انما أنا جبلة "!‬
‫وكنه فهم ما بي فأنهيى المكالمة سريع ًا ولم نتطرق إالى ذلك الموضوع مرة أخرى!‪.‬‬
‫ولكن بعد ماذا ؟!! بعدما تركني وحيدة عارية أمام افكاري وشياطيني التي هربت‬
‫منها كل هذا الزمان‪ ،‬لقد كان على صواب‪ ،‬كان كل ما فعله انه ضغط على جرح كان‬
‫قد إالتئم على صديده‪ ،‬جرح لم اك ُن أعلم انه مازال موجود ولكنه أظهر لي انه لم يختفي‬
‫يوم ًا‪ ،‬تركني وبداخلي اصرار ورغبة على نسيان تلك المكالمة‪ ،‬حاولت كثيرًا في اليام‬
‫التالية أن أعيد بناء حصوني‪ ،‬أن أرمم أقنعتي المزيفة وأرسم عليها تلك البسمة البلهاء‬
‫والسعادة الكاذبة ولكني فشلت‪ ،‬وسقطت مع أول كلمة لطيفة وأول مجاملة كاذبة‬

‫لحدهم‪.‬‬
‫كنت أعلم أن جسدي قد بدأ في خيانتي‪ ،‬بدأت الدهون والترهلات تنمو أسرع من‬
‫مقدرة الريحيم القاسي على حرقها‪ ،‬صوتي بدأ يفقد عذوبته وتضاريسي إاختفت حتى‬
‫أصبحت أشبه برميل ًا صغيرًا‪ ،‬كنت أعرف كل هذا ولكني صدقت تلك المجاملة "‬

‫سبحان من أبدع وصور "‪،‬‬
‫أيام‪ ،‬أسابيع‪ ،‬شهور مرت وانا في ذلك الحلم الجميل الذي تلا تلك المجاملة‬
‫اللطيفة‪ ،‬عرفت خلالها معنى الهيام والحب‪ ،‬عرفت معنى أن تنام على كلمة أحبك‬

‫‪73‬‬

‫وأن أستيقظ على كلمة وحشتيني‪ ،‬وعلمت أيض ًا أن هناك نوع ًا جديدا للزواج‪ ،‬هو‬
‫الزواج عن بعد‪ ،‬الزواج ا إللكتروني‪ ،‬وياليتني ما عرفت‪ ،‬ما كنت فُضحت!‬

‫" منك لله يا شريف لنك من فتحت علي باب دخلت منه رياح الدنيا ولم أستطع‬
‫إاغلاقة فدمرتني "‪.‬‬

‫نشر شريف صرختها مذيلة بدعوة لله منه ولكنه لم يعرف معناها‪ ،‬حاول أن يستفسر‬
‫منها عن السبب ولكنها لم تخبره أنها شيماء صديقته!‪.‬‬

‫نعم‪ ،‬كان قد عرفها من صفحته منذ شهر تقريب ًا وتطورت علاقتهما سريع ًا‪ ،‬شيماء هي‬
‫تلك الفتاة الجميلة الدائمة الضحك‪ ،‬ل يهمها شيء ول تكترث لي شيء كنها بلا‬

‫مشاكل أو ألم ‪ ،‬هي كانت تردد دائم ًا أن الحياة جميلة ول داعي للبؤس‪ ،‬الحياة حلوة‬
‫ولكنكم أنتم من اخترتم اختيارات خاطئة وجبنتم عن تصحيحها‪ ،‬الحل في تقبل‬

‫خياراتكم أو غيروها‪ ،‬السعادة قرار وأهم قرار فيها أن الجميع راحلون‪ ،‬الجيمع سيتغيرون‬
‫وجميعنا فترات في حياة بعضنا سواء رضينا أم أبينا فهيي سنة الحياة وهذه هي أصدق‬

‫مقولة حديثة‪ " :‬كلنا مجرد فترات "‪.‬‬
‫فكر شريف‪ " :‬هل من الممكن أن تكون فترتي في حياتها قد انتهت؟؟ ولماذا تدعو‬

‫علي؟؟ نعم‪ ،‬أنا لم اصدقها حين قالت أنها سعيدة‪ ،‬كنت أصدقها عندما كنا نتكلم‬
‫كتاب ًة‪ ،‬ولكن عندما كلمتها صوتي ًا علمت أنها تكذب‪ ،‬كاذبة أنت يا شيماء‪ ،‬فأن ِت بعيدة‬

‫كل البعد عن السعادة‪ ،‬أنت ترفعين راية السعادة كمحاولة اخيرة منك لصد من‬
‫يعايروكي وأولهم أمك‪ ،‬تقولين أنك سعيدة كذب ًا كمحارب صار جسده كهدف نيشان‬
‫وقف بأخر ما لديه من قوة شاهرًا سيفه مزمجرًا في وجه أعدائه وكن كل تلك السهام‬
‫المغروسة في جسده ل شيء‪ ،‬يزمجر بكل قوته وكنه عتي وخالد‪ ،‬والحقيقة أن النهاية‬
‫مجرد وقت‪ ،‬مجرد وقت قبل أن يسقط صريعا ويموت دون أن يقترب منه أحد‪ ،‬مجرد‬
‫وقت وسيسقط وجهه في التراب ولن تكون لديه القوة حتى لمحاولة لف وجهه بعيد ًا‬

‫عن التراب ليتنفس أنفاسه الخيرة‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫مجرد وقت وسيراق دمه من جسده كما يراق الماء من قربة مخرومة‪ ،‬مجرد وقت يعرفه‬
‫اعدائه‪ ،‬وربما إان كان ذكي ًا كفاية ليعرفه لقضى اللحظات الخيرة من حياته يطلب من‬
‫الله الغفران والصفح ويتمنى أن يكون من فريق الحق حتى ل تكون حياته وأخرته قد‬

‫ضاعتا سدى‪.‬‬
‫لم تكن شيماء تشعر بتلك السهام المغروسة في جسدها بل هي لم تكن تراها‪ ،‬وظلت‬

‫ترفع بوهن راية سعادتها ولكني رأيت أنها تنازع دون أن تدري حين كلمتها‪.‬‬
‫الوحدة القاتلة بدأت تسيطر عليها فلم يعد لديها أصدقاء‪ ،‬صديقاتها المتزوجات‬
‫أصبحن بعيدات عنها كل البعد بسبب إاختلاف ا إلهتمامات‪ .‬هن يهتممن بالطفال‬
‫والحفاظات‪ ،‬يهتممن بتبييض المناطق الحساسة‪ ،‬يهتتمن في أسباب الخيانة الزوجية‬
‫وكيف يتفادين تلك الكارثة‪ ،‬أما شيماء فكانت تسخر منهم‪ ،‬كانت تنعتهن بالغباء وأنهن‬
‫لسن بحاجة لن يستعبدن لرجالهن‪ ،‬عليهم أن يقبلهن كما هن بكل حالتهن وإال ف إانهم‬
‫ليحبونهن وان لم يكونوا يحبون نسائهم فما الحاجة إلستمرار تلك العلاقة العقيمة؟‪.‬‬
‫صدقت إاحدى صديقاتها كلامها وتعصبت على زوجها وعنفته فطلقها‪ ،‬وصبت جام‬
‫غضبها على شيماء‪ ،‬اخبرتها أنها هي السبب في طلاقها وخراب بيتها وحذرت باقي‬
‫صديقاتها بأن شيماء حاقدة عليهن لنها عانس وأنها تريد أن تخرب بيوتهن‪ ،‬وضاعت‬

‫صداقات العمر‪.‬‬
‫إانتهت وأصبحت شيماء وحيدة‪.‬‬
‫حاولت إاستبدالهن بصديقات جدد لكن فرق السن كل عائق ًا‪.‬‬
‫فشيماء عمرها ثمانية وثلاثون عام ًا ول يمكن أن تصادق من هي في العشرون أو حتى‬

‫الخامسة والعشرون عام ًا‪.‬‬
‫أسلوب الكلام والذوق وا إلهتمامات مختلف‪ ،‬هذه تبحث عن الحياة لتعيشها‪ ،‬وتلك‬

‫تبحث عن الحب ليرويها‪.‬‬
‫فشلت شيماء إاجتماعي ًا‪ ،‬حتى أصبح من الصعب التفاهم معها‪.‬‬

‫كانت تفتقدها دائم ًا ولم تجد أمامها سوى النت وأنا!‪.‬‬

‫‪75‬‬

‫أنا شريف الذي كشف النقاب عن جرحهها أمامه ويبدو أن هناك شيئ ًا قد حدث‬
‫بعد تلك المكالمة الوحيدة وأريد أن أعرفه!‪.‬‬
‫لقد قالت‪ :‬يا ليتني ما فُ ِضحت!‪.‬‬
‫فعن أي فضيحة تتحدث؟‪.‬‬
‫أتمنى أن ترد علي‪..‬‬
‫" يا لي من غبي"!‪.‬‬

‫لقد أضعت رقم هاتفها ويبدو أن النت مفصو ًل عندها‪ ،‬فهيي ل ترد على رسائلي‪ ،‬بل‬
‫يظهر لي دائم ًا أنها لم تستلمها بعد!‪.‬‬
‫" أسترها يارب " ‪...‬‬

‫ولم تمر إال دقائق من بعد نشر قصة شيماء حتى وصلته رسالة عجيبة من شخص‬
‫أعجب!‪.‬‬

‫*************‬

‫‪76‬‬

‫‪14‬‬

‫" قصصك تجعلني أبكي "!‬
‫رسالة لفتت نظره حينما كان يقلب في صندوق رسائله بحثا عن قصة جديدة يلهب بها‬

‫صفحته وقلوب الق ّراء‪ ،‬رسالة من الشخص المجنون الذي أثار فضوله وأراد أن يرد‬
‫ولكنه خاف من أن يفعل ذلك‪ ،‬خاف من الحظر الثالث‪.‬‬

‫حاول جاهدا أن يمنع نفسه من الرد وبشق النفس إاستطاع أن يذهب إالى البلكونة‬
‫لمحاولة تصفية ذهنه والتفكير في اجابة جميلة تفتح‬

‫معها حوارا طويلا جميلا‪ ،‬ولكنه لم يستطع أن يمنع نفسه أكثر من ذلك‪ ،‬فترك هاتفه‬
‫ونزل إالى القهوة عله يستطيع أن ينساها‪ ،‬وكعادته في القهوة يشرب قهوة مظبوطة‬
‫ويدخن الشيشة‪ ،‬تذكر وهو يعب دخان الشيشة على صدره وتكركر المياه في ُقلتها‬
‫كغازية تغوي زبائنها‪ ،‬تذكر بدايته معها ‪..‬‬
‫سلام‪...‬‬
‫تذكر أغنية عبد الحليم حافظ حين غنى "ما أصعب أن تهوى إامرأة يا ولدي ليس لها‬
‫أرض أو وطن أو عنوان"‪..‬‬
‫سلام ‪..‬‬

‫هي إامرأة ليس لها وطن وعنوانها مجهول جهالة من ليس له سبيل للوصول إاليها‪ ،‬ل يهم‬
‫أين تسكن أو تعيش‪ ،‬فمكانها بعيد بعد القمر عن الرض‪ ،‬نراه‪ ،‬نحبه‪ ،‬نعشق نوره‬
‫البارد الجميل‪ ،‬نسهر ليلا نحكي له همومنا ولكن حضن أحجاره وضم ترابه درب من‬
‫دروب المستحيل‪ ،‬هي إامرأة عُجنت بماء المر والكبت والحَجر على كل حقوقها كنى‪،‬‬
‫رغم أنها تعيش في عالم الحرية‪ ،‬إامرأة رغم جمال عيونها الزرقاء إال أن الحزن الكامن‬
‫فيهما يجعلك تعلم إان كنت من اصحاب الفراسة أن هذه المرأة ل تبتسم لسعادتها بل‬
‫أنها تبتسم لنها أبت أن ترضخ‪ ،‬هي مقاتلة من الطراز الول‪.‬‬

‫‪77‬‬

‫سلام هو اسمها الذي أحب شريف أن يناديها به‪ ،‬إامرأة من أصول فلسطينية‪ ،‬لم‬
‫ترى فلسطين قط بعيناها بل رأتها كما رأها العالم كله عبر عدسات التليفزيون‬

‫والكاميرات إال أن توقها إالى تلك البلد توق يتيم إالى أم لم يراها ولكنه عشقها وأحبها‬
‫من كلام الناس عنها‪ ،‬توق إالى ذلك الجسد الذي كان السبب في مجيئه إالى هذا العالم‬

‫ولكنها ُانتزعت منه بقسوة الموت تاركة إاياه إالى أيادي واحضان تتناقله فيما بينها‪،‬‬
‫تخرجت من إاحدى كليات دولة ا إلمارات حيث كان والداها يعيشان هم واخواتها‪،‬‬

‫ولكنها لم تنل فرصة العمل بشهادتها‪ ،‬حيث أنهم قرروا الرحيل عقب تخرجها إالى‬
‫لندن‪ ،‬هناك استقر اقربائهم‪ ،‬استطاعوا بفضل نظام اللجوء الذي يُمنح بسهولة لمن‬
‫هم من أصول فلسطينية أن يحصلوا على وطن بديل‪ ،‬وطن يعطيهم نفس الحقوق التي‬
‫يعطيها لبنائه الحقيقيين‪ ،‬وطن ل يعتبرهم ضيوف ًا أو مقيمين من السهل طردهم في أي‬

‫لحظة‪ ،‬وكان ذلك ا إلنتقال هو انتقال سمكة من حوضها الصغير الذي وضعت فيه‬
‫عقب اصطيادها من البحر إالى الهواء‪ ،‬سمكة ُحكم عليها أن تعيش بلا ماء‪،‬‬

‫عربية في بلاد اجنبية باردة‪ .‬جمالها جمال خلاب‪ ،‬شعرها الشقر الباهت الذي يريح‬
‫العين ويظهر جمال عيونها الزرقاوين الجميلتين اللتين سرقا عمق وزرقة المحيط في‬

‫بؤبؤها الجميل‪ ،‬أنف جميل حاد يعلو شفتين حافظت على اضفاء لمعة بسيطة عليهما‬
‫حتى اصبحتا كتفاحة شجرة معرفة الخير والشر‪ ،‬تفاحة لم تختلف كثيرًا عن باقي تفاح‬
‫الجنة إال أنها كانت ذات جاذبية غامضة خفيفة جعلت حواء تقطفها مخالفة بذلك وعد‬
‫الله‪ ،‬شفتاها الجميلتان كانتا أول ما لفت إانتباهه فيها ورغب حينها أن يقبلها‪ ،‬بل انه‬
‫تملكه ولول مرة هذا الشعور الغريب وهو الحسد تجاه رجل لنه يملك الحق في أن‬

‫يقبل تلك الشفاه في أي وقت‪ ،‬رجل هو زوجها‪.‬‬
‫رغم أن شريف كان من نوع الرجال الذي يخاف كثيرًا على صورته ويخشى الحرج‬
‫ويخشى من ردود الفعل إاذا ما عاكس إامرأة ولهذا تقريب ًا لم يعاكس إامرأة في حياته‪ ،‬لنه‬
‫كان يعلم أنها إان ثارت عليه سيكون لها كل الحق في ذلك ويعلم أن الكثير من الرجال‬
‫سيحبون نجدة هذه المرأة التي تستغيث من هذا المتحرش اللفظي ولهذا لم يعاكس‬

‫‪78‬‬

‫أبد ًا‪ ،‬كان يعلم أنه جبان لنه يسمح لنفسه بالتفرس في أجساد النساء من حوله‬
‫ولكنه أعطى لنفسه الحق في ذلك قائل ًا‪" :‬وما المانع؟‪ ،‬الجميع يفعل ذلك‪ ،‬على القل‬
‫أنا أتمعن في صمت وأيض ًا أنا أفضل منهم‪ ،‬أنا ل أنظر إالى أية إامرأة بصحبة رجل حتى‬
‫ل أحرجه بنظراتي لجسد تلك التي تمشي بجواره‪ ،‬أفعل هذا لنني أعتبر هذا عيب ًا أن‬
‫جعل الرجل يشعر بقلة الحيلة تجاه الصيع الذين هم مثلي‪ ،‬لنه لن يستطيع الرد أو‬
‫فعل شيء‪ ،‬لنه ليس بمفرده بل هو بصحبة إامرأة وإان فعل أي شيء فهيي مجازفة قد‬

‫تعرضه وتعرضها للخطر‪ ،‬هي معركة خاسرة له‪ ،‬ولهذا أثرت في حياتي أن أجنب‬
‫الرجال من خوضها بغض النظر عن النساء اللاتي معهم "‪،‬‬

‫ولكن شريف الن يراها عبر شاشة تليفونه‪ ،‬ما الضير وما أكثر ما قد يحدث إاذا ما‬
‫عاكسها وتغزل في شفاهها‪ ،‬وخاصة انه الن صاحب صفحة تعدى متابعيها العشرون‬

‫ألف متابع في أقل من شهر؟‪ ،‬وقد فعل!‪.‬‬
‫دخل إالى الخاص وقال لها أن شفتيها قاتلتان!‪.‬‬
‫ولم يكد ينهيي جملته حتى أجابته بحظر أوقف باقي الكلمات في جوفه!‪.‬‬
‫حظرته وكان الحظر بمثابة صفعة تعيده إالى أرض الواقع من جديد!‪.‬‬
‫" من أنت أيها التافة حتى تتحرش إالكتروني ًا بهذه المرأة ؟!"‬
‫ومرت أيام كثيرة قبل أن يلاحظ شريف وجود سلام مرة أخرى في إاشعارات‬
‫صفحته‪ ،‬يبدو أنها قد رفعت الحظر عنه دون أن يدري‪ ،‬ظن لوهلة أن هذه دعوة له‬
‫إلستكمال ما بدأه معها‪ ،‬ظن أنها ندمت على الحظر وأنها راجعت نفسها وأنها‬
‫تسرعت في تلك الخطوة‪ ،‬ظن أنها معجبة به وإال ما كانت ستتعب نفسها في فك‬
‫الحظر أو متابعة منشوراته من جديد‪ ،‬لحظ أيض ًا أنها غيرت صورة صفحتها بأخرى‬
‫جديدة وملونة هذه المرة عوض ًا عن تلك التي كانت بالبيض والسود!‪.‬‬
‫وأعاد نفس ما فعله سابق ًا‪ ،‬دخل إالى الرسائل وأرسل لها رسالة غزل ولم يكمل أيض ًا‬

‫هذه المرة ووجد حظرًا جديد ًا يقابله!‪.‬‬
‫"تب ًا لها‪ ،‬ما بال هذه المرأة ؟!"‬

‫‪79‬‬

‫لم يعر المر إاهتمام ًا كبيرًا رغم أن ما حدث قد استفزه ولكنه اعتبرها إاحدى مجنونات‬
‫السوشيال ميديا اللاتي نراهن في كل مكان‪.‬‬

‫" تب ًا‪ ،‬إاذ ًا لماذا فكت الحظر هذه المرة أيض ًا؟؟ ل بل الدهى أنها هي التي راسلتني‬
‫بجملة "قصصك تجعلني أبكي"‪ ،‬جملة تفتح المجال للف الردود بعدها "‪ ،‬وعندما‬
‫خطرت تلك الفكرة في رأسه لم يستطع إانهاء حجر شيشته الول وهرول إالى بيته‪،‬‬
‫إالى تليفونه ليرد عليها‪:‬‬
‫كتب إاليها " ما الذي يجعلك تبكين "؟‬
‫ولحظات الترقب تمر بطيئة ثقيلة صعبة‪ ،‬دقيقة مرت ثم قال لنفسه‪:‬‬
‫" دفعت دينارًا في القهوة ولم أنتظر لخذ الباقي‪ ،‬يالي من مغفل‪ ،‬لقد تركت ربعمائة‬

‫فلس بقشيش للرجل وأنا لم أفعلها من قبل‪ ،‬لقد فتحت على نفسي باب لن أستطيع‬
‫سده "!‪.‬‬
‫دقيقتان ‪..‬‬

‫"ماذا لو حظرتني مرة ثالثة؟‬
‫ثلاث دقائق ‪...‬‬

‫" لن أستطيع أن أطالب بالربعمائة فلس‪ ،‬إاذ ًا الحل أن أغير القهوة بقهوة أخرى "!‪.‬‬
‫أربعة دقائق‪...‬‬

‫" تب ًا ل ّي‪ ،‬شربت القهوة ساخنة ولم أنهيي شيشتي‪ ،‬ومن أجل ماذا؟‪ ،‬من أجل تلك‬
‫النقاط الثلاثة الوامضة؟؟ صه ! تب ًا‪ ،‬نقاط وامضة؟؟ أنها إاشارة على أنها تكتب‬
‫لي"!‪.‬‬
‫‪ -‬كيف وصلتك رسالتي؟‬
‫‪ -‬ماذا تقصدين؟‬
‫‪ -‬لقد مسحتها قبل أن تصل وكنت أظن أنها لن تصلك!‬
‫‪ -‬ولكنها وصلتني ويهمني أن أعرف لماذا تبكين؟‬
‫‪ -‬لنها تمسني وأشعر بالكثير من اللم على هؤلء الشخاص‬

‫‪80‬‬

‫‪ -‬هل تبكين عليهم أم على نفسك التي ترينها فيهم؟‬
‫‪ -‬ماذا تقصد ؟!‬

‫‪ -‬أقصد أن تحكي لي حكايتك وكيف لجميلة مثلك أن تكون حزينة؟‬
‫‪ -‬إانك ل تعرف شيء عني!‬
‫‪ -‬أتمنى أن أعرف!‬

‫كان ذلك الحوار الذي دار بينهما وكان بداية كل شيء‪ ،‬كان بداية منعطف خطير‬
‫وجديد في حياته‪ ،‬عرف شريف السبب الحقيقي الذي جعلها تكلمه في هذا اليوم‬
‫بالذات وخاصة وانها كانت تتابع صفحته من بعيد يومي ًا‪ ،‬كان تقرأ منشوراته بنهم‬

‫وكانت تقرأ تعليقات الناس عليها‪،‬‬
‫كان السبب هو أنها متجهة إالى المستشفى إلجراء عملية إاستئصال ورم من ساقها‪،‬‬
‫رغم أنها كانت قد أجرت عملية مثل تلك منذ ثلاثة سنوات إال أن هذه المرة مختلفة!‬

‫مختلفة لنها هذه المرة بمفردها‪ ،‬ل أب ول أم ول أخ ول أخت وبالطبع ل زوج‬
‫سيكون معها أثناء إاجراء هذه العملية‪ ،‬عملية خطيرة قد تكون أقل عواقبها هو‬

‫شللها‪ ،‬ولهذا لم تخبر أحد بذلك!‬
‫"أنها متزوجة!"‬

‫خافت أن تخبرهم حتى ل ترى القلق في أعينهم فتذوب روحها فيها‪ ،‬كذبت عليه‬
‫وأخبرته أنها لم تخبرهم حتى ل تعطلهم عن أعمالهم‪ ،‬أمها سيدة كبيرة عديمة الحيلة‬
‫ووالدها رجل يعمل رغم تقدم سنه ليعيل والدتها وأختها ل تستطيع ترك أولدها‬
‫لتأتي لها وإان استطاعت فزوجها الغبي لن يسمح لها بذلك‪ ،‬أخيها لن يأتي أبدا لنه‬

‫بالكاد يحضر أهله معه في سيارته في ا إلجتماع العائلي السبوعي كل سبت‪.‬‬
‫"كل سبت؟‪ ،‬أي بعد ستة أيام‪ ،‬فاليوم هو الحد "‪.‬‬

‫كان عليها أن تجهز حقيبتها وتذهب إالى محطة القطار لتستقل القطار إالى المدينة التالية‬
‫حيث المستشفى المقرر اجراء العملية فيها‪ ،‬لم يعلم شريف حقيقة إان كان يتابعها‬
‫خطوة بخطوة في خلال رحلتها من بيتها إالى المستشفى رأفة منه على حالها أم انه‬

‫‪81‬‬

‫استغلها فرصة ليثبت لهذه النى الجميلة الغريبة انه أقرب إاليها من عائلتها وانه أكثر‬
‫منهم مروءة؟‪ ،‬هو ل يعرفها إال انه لم يتركها‪ ،‬سألها عن الشياء التي اخذتها معها في‬
‫حقيبتها وأشار عليها بشراء مناديل مبللة ول تنسى أن تأخذ منشفة وصابونة وغيرها‬

‫من الشياء الضرورية لها هناك‪ ،‬تابعها أثناء رحلتها في القطار وكانت تلك فرصة‬
‫ذهبية له ولها ليتعرفا على بعضهما أكثر‪.‬‬

‫مرت الساعات سريعة‪ ،‬وصلت إالى وجهتها بعد ساعتين‪ ،‬استقلت تاكسي إالى‬
‫المستشفى‪ ،‬سجلت اسمها واصعدوها إالى غرفتها التي من المفترض أن تظل فيها حتى‬

‫يحين موعد العملية في صباح اليوم التالي‪.‬‬
‫كانت الساعة قد اقتربت من الثانية عشرة مساء ًا‪ ،‬ستة ساعات مرت سريعة منذ أن‬

‫بدأ الحديث معها‪ ،‬رغم التعب الشديد الذي كان يشعر به إال انه لم يتركها إال وهي‬
‫منهكة تمام ًا ليضمن أنها ستنام بعدها مباشرة‪ ،‬إاطمأن عليها وتأكد أن كل شيء على ما‬
‫يرام وتمنى لها ليلة سعيدة وتركها لتنام‪ ،‬وكان يتمنى لو أنه يستطيع النوم‪ ،‬ولكن كيف‬
‫يقترب منه النوم وهو أمام تلك الصدمة البشعة‪ ،‬غريبة في بلد مقبلة على حدث مهم‬

‫وخطير في حياتها‪ ،‬ولكن ل أحد حولها يساندها؟؟!‬
‫تب ًا !!!‬

‫يا لهؤلء الحمقى!‬
‫لجل ماذا ُتركت هذه الظبية وحيدة في ليلة ظلماء كهذه؟؟؟ لجل حفنة من‬
‫الجنيهات ا إلسترلينية ؟؟ تب ًا لل إاسترليني‪ ،‬سحق ًا للدولر‪ ،‬الموت للجنية‪ ،‬الدمار‬
‫لليورو‪ ،‬هل تكفي ملايين الدنيا لتعويض إامرأة مثل سلام عن لحظات الرعب التي‬

‫تعيشها وحيدة الن؟؟؟‬
‫لحظات قاسية تلتهم افكارها؟‬

‫هل ستعيش؟؟‬
‫هل ستُشل؟؟‬

‫‪82‬‬

‫هل سيكون هناك مضاعفات للعملية؟‪ ،‬وماذا إان عاد الورم لي مرة أخرى كما عاد‬

‫هذه المرة؟!‬
‫لحظات مرعبة وأبيها الحمق ينام هانيء البال في حضن زوجته العجوز‪ ،‬أي أب‬

‫هذا؟؟‬

‫أي أم هذه؟؟‬
‫أين حمية الدم العربي الذي ل ينام قبل أن يطمئن على أن عرضه مستور؟‪ ،‬كيف‬

‫يغمض لهما جفن قبل أن يعرفا أين ترقد إابنتهما؟؟‬
‫تب ًا لمثل هؤلء الباء‪.‬‬
‫تب ًا لهم‪..‬‬

‫كيف يتركون فلذات أكبادهم وحيدون يعانون دون أن يكونوا بجوارهم؟‬
‫تب ًا لهم‪..‬‬

‫كيف يتركون قمرًا وحيد ًا يرثي حاله؟‬
‫قمرًا جميل ًا كم أتمنى أن أتمتع بضياءه‪..‬‬

‫وغلبه النوم ونام‪..‬‬
‫فتح عينية في اليوم التالي‪ ،‬وكان أول ما فعله انه فتح صندوق الرسائل ليطمئن عليها‬

‫فوجدها كانت قد كتبت له رسالة شكر وكان فيها‪:‬‬
‫"صديقي العزيز شريف‪ ،‬ل أعرف كيف أشكرك لذلك الوقت الذي قضيته معي‬
‫محاو ًل أن ترفه عني رغم أنك ل تعرفني‪ ،‬أشكرك لنك خيبت ظني بك‪ ،‬فأنا كنت‬
‫أظنك أحد هؤلء الرجال الذين ل يتورعون عن نهش أي أنى إاذا ما استضعفوها‪،‬‬
‫وأما أنت فغيرت نظرتي بشهامتك‪ ،‬أشكرك وأسعدتني جد ًا معرفتك وسيظل جميلك‬
‫في عنقي طول حياتي التي ل أعلم إان كانت ستستمر لساعات أم ل‪ ،‬الله أعلم بكل‬

‫شيء "‪.‬‬
‫كان قد قرر ما أن فتح عينيه أن يكتب لها ولكن بعد أن قرأ رسالتها قرر أن يحادثها‪،‬‬

‫فقام با إلتصال بها عبر الماسنجر لترد بعد ال نرة الولى وكنها كانت تنتظر اتصاله‪،‬‬

‫‪83‬‬

‫ساعات طويلة تحدثا فيها‪ ،‬بعضها مكالمات صوتية‪ ،‬إاطمأن فيها على عمليتها‪ ،‬إاتخذ‬
‫العملية حجة لكي يرى ساقيها‪ ،‬حيث أن العملية كانت في احداهما ولم يرضى برؤية‬
‫الساق المشوهة لوحدها‪ ،‬كان لبد أن يرى الساقين معا ليرى هل من تأثير للعملية‬

‫على هذا الرخام المرمري الحي!‪،‬‬
‫" يالك من حقير يا شريف ُمستغل للم الناس وأوجاعهم لجل مصالح دنيئة"!‪.‬‬
‫فكر في نفسه وهو يراودها عن نفسها‪ ،‬يروادها عن إاظهار جمالها له‪ ،‬يريد أن يراها‪،‬‬

‫وبالفعل انطلت عليها الحيلة ووافقت أن يتكلما مكالمة فيديو‪..‬‬
‫هل كان ذلك بسبب وحدتها وخوفها من أن يتركها اذا ما رفضت؟؟ أم أنها فعلا‬
‫أرادت فعل ذلك لتكمل حلقة التمرد التي كانت قد بدأتها بطلاقها‪ ،‬أم انه إاعجاب خفي‬
‫كان قد بدأ ينمو بداخلها تجاه هذا الصعيدي المصري الذي ابكاها بحروفه والن صوته‬
‫يداعب أذنيها في الوقت الذي كانت تخشاه جد ًا حد الرعب‪ ،‬وقت ما بعد العملية‪،‬‬
‫الوقت الذي كان من المُفترض أن تنهشها فيه الوحدة وتهجم عليها الفكار السوداء من‬

‫كل حدب وصوب من أنحاء عقلها المتفرقة؟‬
‫و ِفي ذروة نشوة النصر المؤقت والظفر العظيم الذي حققه شريف‪ ،‬إاتجه إالى تلك‬
‫الصفحة التي كانت مخصصة للصرخات ليكتب فيها مقا ًل جديد ًا يغير إاتجاهها‪ ،‬فكتب‪:‬‬

‫"هي ‪..‬‬
‫جميلة جد ًا ‪..‬‬
‫أجمل من رأيت في هذا العالم ا إلفتراضي‪ ،‬جمالها يتعدى شكلها الذي كثيرًا ما تهت في‬
‫تفاصيله‪ ،‬جمالها ينبع من جمال روحها‪ ،‬طيبة القلب‪ ،‬خفيفة الروح والظل‪ ،‬تبتسم‬
‫وتضحك رغم ما بها من مشاغل وهموم ل يستطع حملها الكثير من الرجال‪ ،‬هي التي لم‬
‫يحبطها المرض‪ ،‬لم يكسرها التجاهل‪ ،‬لم يقتلها الخذلن‪ ،‬هي كشمعة إاجتمعت عليها‬
‫رياح الدنيا لتطفئها‪ ،‬ولكنها أبت أن تستسلم‪ ،‬بهت ضوءها فترة ولكن شعلتها لم تمت‪،‬‬
‫عادت من جديد‪ ،‬تسمع لهن‪ ،‬تنصت وتحمل ألمهن كنها بلا ألم!‬

‫‪84‬‬

‫هي جميلة الجميلات‪ ،‬سيدة النجوم وملكة الفراشات‪ ،‬وتتبعها الفراشات حيثما‬
‫ذهبت‪..‬‬

‫هي أنى حقيقية ‪..‬‬
‫هنا عرفتها ‪..‬‬
‫فسلام لها ‪..‬‬

‫هي الجعفرية " !‪.‬‬
‫أسماها الجعفرية حتى ل يعرفها أحد‪ ،‬وكانت هي ُملهمته‪ ،‬هي الحلم الجميل الذي يهون‬
‫عليه غُربته‪ ،‬همومها أنسته همومه وأنه عاطل بلا عمل منذ شهرين‪ ،‬جمالها وابتسامتها‬

‫جعلتاه يشعر أنه مهما اجتمعت عليه المشاكل فهناك متنفس للجمال وللمل‪ ،‬هناك‬
‫ابتسامتها القادرة على مسح كل كبة تسكن وجهه‪ ،‬وعيناها الزرقاوين تشعان الضوء‬

‫في ظلام حياته‪..‬‬
‫"تب ًا لي!‪ ،‬يبدو إانني أحبها "!‪.‬‬

‫************‬

‫‪85‬‬

‫‪15‬‬

‫في ذلك الوقت كان شريف قد حاول البحث عن عمل جديد ولكنه فشل كما كان‬
‫متوقع‪ ،‬خمسة سنوات في أشهر مطاعم الكويت غير قادرة لمنحه فرصة القبول في أي‬
‫مطعم أخر‪ .‬سنتان قبلها من العمل كعامل لم تمنحه الن فرصة القبول لن العمال الذين‬

‫هم أقوى منه ينامون بلا عمل الن‪ ،‬فما بالك بمن نعمت يداه وارتخت عضلاته؟!‬
‫إانه الركود كما كان يسمع‪ ،‬ولكنه كان يظن أنه لن يطاله‪ ،‬فمنذ إانخفاض سعر البترول‬
‫في ‪ 2٠١٤‬من ‪ ١١٠‬دولر للبرميل إالى ما دون الخسون دولرًا‪ ،‬حدث ركود غير‬
‫مـعلن في البلد‪ ،‬بدأ التقشف على المستوى الفردي يظهر جلي ًا على الوافدين الذين‬
‫يمثلون النسبة العظمى في البلد‪ ،‬نعم إانهم مجرد وافدون ولكن عددهم يمثل قوة شرائية‬

‫لجميع القطاعات التجارية‪ ،‬هذا الركود هو المتسبب في أن يقل الدخل في سلسلة‬
‫المطاعم عما كان مـعتاد عليه وهذا هو السبب في محاولة اتباع سياسات جديدة في‬
‫الطبخ والتحضير والتقديم تكون أقل تكلفة لمحاولة تقليص الفرق ولما لم تجد ا إلدارة‬
‫نتيجة مرضية لتلك العمليات قامت بتغيير إادارة بعض الفرع ومنها مدير الفرع الذي‬
‫كان يعمل فيه الذي قام بدوره بعمل تجديد لطاقم العمل كله‪ ،‬قام بطرد عدد كبير‬

‫واحلال بدلء لهم بمرتبات أقل‪.‬‬
‫قضى شريف شهرين في البحث وعندما فشل عاد إالى مصر‪..‬‬
‫قرر أن ينزل اجازة وحتى ل يخسر حق العودة إالى الكويت‪ ،‬قام بتحويل إاقامته من‬
‫على المطعم إالى إاقامة حرة‪ ،‬دفع أربعمائة دينار ليحصل على إاقامة لمدة سنة على شركة‬
‫تجارة عامة ومقاولت وهمية‪ ،‬إاشترى صلاحية بقائه في الكويت بالمال رغم عدم وجود‬
‫عمل‪ ،‬ولكن هذا الحل هو أرخص الحلول لنه إان نزل بدون أن يُعدل وضعه‬
‫سيخسر إاقامته‪ ،‬وليعود من جديد عليه أن يدفع في حدود المائة ألف ليعود من‬
‫جديد‪ ،‬غير الوقت الذي سيستغرقه إاستخراج الورق والفحوصات التي تتم في‬
‫مصر‪ ،‬مصاريف هو في غنى عنها ووقت مهدور قد يصل إالى الستة أشهر‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫" ماكان يكلف منذ سبعة أعوام أربعون ألف ًا أصبح الن يكلف ما يقارب المئة ألف‪،‬‬
‫فياترى كيف هو الحال في مصر الن؟؟ "‬
‫لكنه عاد‪..‬‬

‫عاد إالى أهله‪ ،‬إالى أبيه وأمه وصوت صرخات صفحته عاد معه!‪.‬‬
‫************‬

‫‪87‬‬

‫‪16‬‬

‫فريدة ‪....‬‬

‫أنا فريدة‪ ،‬أنى‪ ،‬ل يهم كم هوعمري لن سني الحقيقي ل ينصفني‪ ،‬بل هو سوط‬
‫يجلدني كلما تذكرته‪ ،‬لنه كناقوس خطر يصرخ في أذني دائم ًا لقد أوشك وقتك على‬
‫النفاذ‪ ،‬قارب زمان أنوثتك أن يضمحل‪ ،‬حانت أيام زوال نضارتك وجمالك‪ ،‬ولهذا أنا‬
‫ل أريد أن أتذكر عمري الحقيقي رغم انني ُافاخر به اذا ما سألني أحد‪ ،‬ولكنه فخر‬
‫زائف ك إابتسامة المهزوم التي يرسمها على وجهه ببلاهة عله يُنسي المنتصر حلاوة نصره‪،‬‬
‫أتجاهل التفكير به بيني وبين نفسي حتى ل يتطرق إالى ذهني ل إاراديا من ُهن في‬
‫مثل عمري لراهن يسرن بخطى واهنة وثابتة على درب الشيخوخة القاسي‪ ،‬ولكني‬
‫استطعت بعناء شديد أن اهرب من هذا المصير‪ ،‬أنا أنى عشرينة الجسد‪ ،‬أجمل من‬
‫ابنتي وابدو أكثر نضارة منها‪ ،‬جسدي مشدود وخالي من الترهلات‪ ،‬صدري مازال‬
‫يحتفظ بقوامه المُثير رغم أنني حملت مرتين وأرضعت أولدي رضاعة طبيعية ولكن‬
‫بفضل الرياضة القاسية والاكل الصحي ها أنذا عشرينية الجسد ولكن تعيسة الحظ‪،‬‬

‫لم اؤمن في حياتي بمقولة أكثر من مقولة الجميلات ُهن أكثر النساء تعاسة!‪.‬‬
‫أنا تعيسة ‪..‬‬

‫ل يهم تفاصيل حياتي التافهة من وجهة نظري‪ ،‬ل تهم هموم يومي ول مشاكلي في‬
‫التعامل مع ابنتي التي هي في سن الزواج ول مع ابني الذي بدأ بمرحلة المراهقة حديث ًا‬
‫ويحتاج مني الكثير من الرعاية والجهد لكي اضمن انه سيدخل هذه المرحلة الخطرة في‬

‫حياته ويخرج منها بدون أي خسائر بدء ًا من محاولة شرح أعراض المرحلة له من‬
‫تغيرات جسمانية في الصوت ونمو الشعر في أنحاء جسده إالى مظاهر البلوغ الجنسي‬
‫التي أنا في حاجة إالى تثقيفه فيه منذ الن‪ ،‬وخاصة انني أربيه بمفردي لنني منفصلة‬

‫عن والده‪ ،‬ووالده ما هوإال إاسم على ورق بالنسبة له‪ ،‬أنا بحاجة إالى اخباره أن‬

‫‪88‬‬

‫أصدقاءه سيحاولون ترويج أفلام البورنو له ويقنعوه أنها شيء عادي وطبيعي في هذه‬
‫المرحلة وانه عليه أن يرفض ذلك لن ذلك حرام‪ ،‬وأيض ًا أنا بحاجة إالى بناء سجن‬
‫اخلاقي وديني في عقله يمنعه من الخوض في تلك الفعال التي قد تفضي به إالى‬
‫ا إلستمناء‪.‬‬
‫ل يهمني كم القيود التي فرضتها على نفسي وعلى ابنتي في ُاسلوب اللبس في المنزل‬

‫وطريقة الكلام وغيره الكثير لكي اضمن انه سيمر من هذا المنعطف الخطير بسلام‪،‬‬
‫كل هذه المشاكل ل تهمني‪ ،‬ومشاكلي في عملي وتلك السافين التي اتلقاها من‬

‫زملائي التي تهدد مسيرتي ل لشيء سوى لنني إامرأة بلا ظهر ولنني جميلة وهم ل‬
‫يرون مني سوى شكلي الظاهري وكنه شق عليهم جد ًا أن يروا باربي متفوقة عليهم‬
‫وناجحة في عملها‪ ،‬بل أنها رئيستهم‪ ،‬فلم يعتاد الرجل الشرقي بعد فكرة أن المرأة قد‬

‫تكون ذات سلطة‪ ،‬فهو اعتادها دائم ًا خاضعة له ماديا ومعنويا وعاطفيا وحتى‬
‫جنسيا‪ ،‬ولكني لست هذه النى‪ ،‬فأنا كما وصف شريف حبيبته جعفرية على‬
‫صفحته‪ ،‬أنى عُجنت بماء التجارب والمر‪ ،‬أنى لوحتها الحياة حتى أصبحت اقسى من‬

‫الحجر واقوى من الحديد‪ ،‬ولكن كانت مشكلتي الكبري هي الوحدة‪.‬‬
‫أنا وحيدة‪...‬‬

‫رغم تلك الضوضاء التي تشغل حياتي ولكنني وحيدة‪ ،‬وحدة ميت في قبر‪ ،‬رغم زحام‬
‫القبور إال انه زحام وهمي‪ ،‬ل كلمة تلمس القلب ول حضن يدفيء الروح ول أ ُذن‬

‫تنصت للوجع دون أن ينبس اللسان بأي حرف ول عين ترى الحزن الكامن في عمق‬

‫روحي‪.‬‬
‫أنا وحيدة بلا حب‪...‬‬
‫إامرأة على مدار أعوامي الكثيرة جثت ُركب امامي متوسلة رضاي عنهم‪ ،‬قلوب سكنتها‬
‫رغماً عن أصحابها حتى صاروا لصابعي خواتم‪ ،‬ولكن قلبي لم يميل لي منهم‪ ،‬رجال في‬
‫مراكز مرموقة‪ ،‬منهم رؤساء شركات كبرى ومديرين‪ ،‬ومنهم بعض الساسة المشهورين‬

‫حالي ًا‪.‬‬

‫‪89‬‬

‫نعم فأنا بحكم وضعي ا إلجتماعي والعائلي‪ ،‬وبحكم جمالي كنت ومازلت فاتنة‪ ،‬وكم كنت‬
‫أتمنى أن أكون مفتونة!‪.‬‬

‫ولكن يبدو أن هذه هي لعنتي‪...‬‬
‫رحمك الله يا أبي‪ ،‬لن أنسى ما حييت ذلك الموقف حينما جثا عبد الله على ركبتيه‬

‫أمامي وامام والدي‪ ،‬كان كمن يطلب الصفح والغفران من ملك عظيم جبار‪ ،‬كان‬
‫مشهد مهيب غريب‪ ،‬قليل ًا ما يتكرر في الحياة العادية‪ ،‬فنحن اعتدنا على مشهد‬
‫رجل ي ُسب إامرأة أو يضربها لتفه السباب واعتدنا على إامرأة تجثو لتقبل حذاء رجل‬
‫طالبة الصفح والغفران أو حتى طالبة أن يسترها بذيل ثوبه بعدما سلبها شرفها‪،‬‬
‫اعتدنا أن تجثو المرأة وتتذلل وكن الرض هي مكانها الطبيعي وكن قدم الرجل هي‬
‫مستوي نظرها الطبيعي وما غير ذلك هو الشاذ ولم تعتاد عليه ل أعيننا ول حتى‬
‫عقولنا‪ " ،‬ولكن من هذا الرجل الذي يمارس الشذوذ علانية ؟! ل َم يجثوب ُذل وانكسار‬

‫هكذا امام هذه المتسلطة التي تجلس بكل قوة وقسوة وكنها ل تبالي؟!"‪.‬‬
‫كانت تلك الفكار التي قرأتها في نظرات أبي الذي كان ينظر إالى المشهد بكل‬
‫استهجان واستغراب‪ " ،‬من هذا الغريب الذي دخل منزلي ويجثو امام ابنتي؟‪ ،‬بل‬
‫من هي ابنتي حتى تضطر رجل أن يفعل ما هو خارج عن طاقة وقدرة كل رجل؟!"‬
‫بدأت بوادر الثورة وغليان بركان الذكورة الاعمى في التكون داخل أبي وكاد أن‬
‫يصيح ف ّي و ِفي هذا الغريب منتهرًا إايانا للتوقف عن ذلك الفعل المثير للاشمئزاز‪ ،‬ولكن‬

‫استوقفته كلمات الغريب لي‪:.‬‬
‫" أنا جيتلك لغاية عندك‪ ،‬جيتلك لحد بيتك‪ ،‬دخلت البيت من بابه وجاي أطلبك‬

‫من ابوكي رسمي‪ ،‬لكن أرجوكي وحياة أغلى حاجة عندك‬
‫مش هقولك غير وحياتي عندك عشان عارف قد ايه إان ِت بتحبيني‪ ،‬أرجوكي‬

‫وافقي"!‪.‬‬
‫قالها بكل جوارحه وكن حياته تعتمد على موافقتي ‪..‬‬

‫‪90‬‬

‫ولكني قلت‪ " :‬ل "!‪.‬‬
‫"ل ؟! ل ليه؟‪ ،‬ده أنا مقدرش اعيش من غيرك‪ ،‬إان ِت مش عارفة عملتي فيا إايه؟‬
‫إان ِت غيرتي حياتي‪ ،‬أنا من قبلك مكنتش عايش‪ ،‬كنت باكل واشرب وانام ولكن‬
‫مش عايش‪ ،‬أرجوكي متسيبينيش‪ ،‬إانت عارفه إان أنا بحبك‪ ،‬ابوس ايدك وافقي "!‪.‬‬
‫قالها وهو غير مبالي للدموع التي تنهمر على خديه‪ ،‬وأنا أيض ًا لم أعبأ بدموعه وقلت له‪:‬‬

‫"قلت لك مش هتجوزك أنا!‪.‬‬
‫قلتها بحزم وضجر‪ ،‬قلتها بقوة وكنني أنتقم‪ ،‬ولكنه أيض ًا لم يعبأ برفضي وقرب فمه من‬
‫قدمي رغبة منه في تقبيلها لعل ِّي أرضى‪ ،‬وما كاد أن يفعل حتى انتفضت من مكاني‬
‫مذعورة كملسوع وجثيت ماسكة إاياه من مرفقيه وحاولت أن أوقفه وقلت‪" :‬أرجوك‪،‬‬

‫ابوس رجلك أنا سيبني‪ ،‬سيبني يا إابن الناس وروح شوف مستقبلك‪ ،‬أنا‬
‫منفعلكش‪ ،‬عارفه أن أنا أذيتك وخليتك تحبني ولكن اقسم بالله‪ ،‬اقسم بحبك ليا‬
‫مكنش قصدي انك تحبني‪ ،‬أنا كان كل اللي يهمني اني أكون قربك وبس‪ ،‬ولما حبيتني‬
‫معترضتش لني متوقعتش ابدا انك تطلب تتجوزني‪ ،‬وعلشان حبنا يعيش احنا‬

‫مينفعش نتجوز‪ ،‬لو اتجوزنا هتكرهني واكرهك لني مش هنفعك ">!‬
‫صراحة‪ ،‬كان عبد الله هو أكثر من تمادى إالى هذا الحد في محاولة كسب رضاي‪،‬‬
‫وصراحة لقد اعجبتني جرأته جد ًا ولكنه سقط من نظري في نفس الوقت‪ ،‬نعم أنا‬
‫جميلة وذكية وحلم كل رجل عرفته تقريب ًا‪ ،‬سواء كان متاح ًا أم كان متزوج ًا‪ ،‬يصغرني‬

‫كان أو يكبرني‪ ،‬منهم من حاول أن يحصل علي بإاسم الحب كذبا ومنهم من حاول‬
‫استغلال منصبه ليهددني اذا لم ارضخ له وكنت له جسدا يضاجعه‪ ،‬ومنهم من ارادني‬
‫زوجة عرفية أو زوجة ثانية ومنهم من اقسم لي انه سيطلق زوجته ويتزوجني وأكون‬
‫أنا الوحيدة في عصمته ومنهم من لم يكن قد سبق له الزواج مثل عبد الله ولكنه أراد‬
‫أن يتزوجني ويعولني أنا واولدي‪ ،‬ولكنهم منذ بداية إاعجابهم بي إالى لحظات المطاردة‬

‫إالى انتهاء العلاقة لم يتذلل أحد منهم لي‪ ،‬احترمتهم رغم كرهي لهم لنهم حافظوا على‬
‫هيبتهم كرجال امامي‪ ،‬اما عبد الله فقد اشمأزيت منه‪ ،‬أنا اكره الضعف‪ ،‬فكيف لي أن‬

‫‪91‬‬

‫أرضى برجل ضعيف باكي ساجد أمام إامرأة‪ ،‬وحتى لو كنت أنا هذه المرأة‪ ،‬ل‪ ..‬لن‬
‫اقبل به ابد ًا‪ ،‬سقط إالى البد حتى وان كنت احبه ولكنني كنت أظن هذا والحمد لله‬

‫الذي خيب ظني‪ ،‬وظلت تلك الحادثة سببا للضحك كلما تذكرتها أنا أو تذكرها أبي‬
‫رحمة الله عليه وجعل مثواه جنته ورضوانه‪ ،‬ولكنها الن صارت غصة في قلبي لنني‬

‫ل أستطيع تذكرها دون أن أتذكر والدي واتذكر الحاديث الطويلة المتعلقة بهذا‬
‫الموضوع ومواضيع أخرى مشابهة له إال وهي انه كان يريد أن يطمئن على انني في‬

‫كنف رجل قبل أن يموت‪.‬‬
‫تلك كانت مشكلتي الكبرى‪ ،‬انني لاشعر بالحب والميل لي رجل‪ ،‬مشكلتي كانت‬

‫الوحدة القاتلة رغم زحام حياتي قبل أن أعرفه‪.‬‬
‫ذلك الحمق شريف‪ ،‬ياليتني ما عرفته!‪.‬‬

‫**********‬

‫‪92‬‬

‫‪17‬‬

‫عاد شريف إالى قريته‪ ،‬تلك القرية الصغيرة التابعة لمركز ملوي محافظة المنيا‪ ،‬قرية ل‬
‫تظهر على الخريطة ولكنها تظهر على خرائط جوجل كلطخة صغيرة من خيوط‬
‫العنكبوت الرمادية محاطة بخلفية خضراء يقطعها خط رمادي طويل يجاوره خط‬
‫أسود أعرض منه بعض الشيء‪،‬‬
‫الخيوط الرمادية هي البيوت والشوارع التي ل تزيد مساحتها عن الكيلومتر المربع‬
‫والخط الذي يقطع القرية هو الطريق الصغير الذي يصل إاليها من المركز والخط‬
‫السود المجاور له هو الترعة التي تمد الحقول الخضراء التي تحيط بالقرية بالمياه ‪.‬‬
‫عاد إالى بيته وكانت تلك المرة الولى التي يرى فيها البيت الجديد‪ ،‬فقد قام منذ‬
‫سنتين بهدم المنزل القديم وبناءه من جديد بالطوب الحمر وا إلسمنت‪ ،‬كان والده‬
‫وأمه ينتظرونه أمام الباب‪ ،‬أحضان وقبلات والكثير من كلمات الشوق‪:‬‬
‫" وحشتني يا نور عيني‪" ،‬‬

‫والكثير من القبلات وحضن رغم هشاشته إال انه شعر وكن أمه هين عليها أن تتخلع‬
‫مفاصلها وهي تحضنه‪ ،‬تركته على مضض لتفسح المجال لوالده يعب صدره من رائحة‬

‫ابنه الذي لم يراه منذ سبعة سنوات‪ ،‬أفسحت المجال له لتنظر إاليه بنصف عين‬
‫لتخبيء دمعة سقطت سهوا منها وهي تقول في سرها "خاسس يا ولدي "!‪.‬‬
‫مازال والده بعافيته‪ ،‬شعر بقرقعة فقرات ظهره عندما إاحتضنه بشدة‪ ،‬جو مشحون‬
‫بالعواطف وعيون تجاهد نفسها حتى ل يسيل الدمع‪ ،‬زغرودة خرجت تلقائية لتغلب‬
‫الدمع‪ ،‬فالدمع يعني الحزن والحزن شؤم ل يكسره إال صوت الفرح‪ ،‬وكانت الزغرودة‬
‫التي جلجل صداها في الشارع الضيق الذي ل تنزله الشمس إال دقائق يومي ًا عندما‬

‫تتعامد الشمس على الرض‪.‬‬
‫نظر إالى مدخل البيت وتحسسه‪ ،‬تطلع إالى السقف وإالى البوابة الحديدية الجديدة‪.‬‬

‫‪93‬‬

‫خلف البوابة مدخل بعرض متران يفضي إالى السلم الذي تقف تحته عزيزة‪" ،‬الكارو"‬
‫ذات الربع عجلات‪ ،‬هذا هو مكانها في البيت الجديد‪،‬‬

‫"حلوة المباني ا إلسمنت‪ ،‬حيطانها صغيرة وفيها وسع عن مباني الطين"‪ ،‬قال ذلك‬
‫بسبب فرحته بدخول عزيرة تحت سقف البيت بعدما كانوا يضعونها أمام الباب‬
‫بسبب عدم وجود مكان لها داخل البيت القديم وكانت تعوق الطريق على الحمير‬
‫المحملة بالبرسيم والبهائم والتروسيكلات التي يركبها الباعة الجائلين‪ ،‬اما الن فهيي الن‬

‫في البيت‪.‬‬
‫رغم فرحته بالبيت إال أن حزن دفين لح في داخله‪ ،‬حزن بسبب انه كان يتمنى أن‬

‫يبني بيتا أفضل من هذا لنه كان يتمنى أن يشتري بيت جاره ويضيفه على البيت‬
‫ليكون أكثر اتساعا لن مساحة البيت ل تتعدى الثمانون مترا‪ ،‬كان يتمنى لو أنه أسسه‬

‫على قواعد بد ًل من السملات‪ ،‬كان يتمنى أن يبني بيت ًا للزمن ولكن كل ما إاستطاع‬
‫فعله هو هذا‪.‬‬

‫مجرد بيت‪ ،‬أعمدة رقيقة كالبسكوت‪ ،‬شبه خالية من الحديد واساسات ل تحمل إال‬
‫نفسها والباقي يحمله الستر‪ ،‬الدور الرضي مدخل البيت والسلم وغرفة ضيوف‬

‫صغيرة وحوش للبقرة التي يملكها والده‪ ،‬وغرفة نوم وحمام ومطبخ‪ ،‬ل يوجد صالة‪،‬‬
‫فالصاله هي تحت السلم والمدخل‪ ،‬إاستطاع بشق النفس أن يمحر المدخل وغرفة‬
‫والداه وغرفة الضيوف وتركيب الحمام والمطبخ إالى المنتصف بالقيشاني‪ ،‬لم يستطع أن‬
‫يسحب وجهين معجون‪ ،‬بقي البيت على المحارة‪ ،‬كان يتمنى أن يركب بلاط للرضية‪،‬‬
‫ولكن جاء طرده من العمل قبل ذلك‪ ،‬فبقي البيت على دكة اسمنتية في الرض‪ ،‬نظر‬
‫من تحت السلم للعلى‪ ،‬إالى ما كان يجب أن تكون شقته‪ ،‬تلك الشقة التي وفر من‬
‫قوته كل قرش لينصب مبانيها واعمدتها‪ ،‬تلك الشقة التي كان يظن انه سيصب‬
‫سقفها ليباشر في تشطيبها تشطيب سوبر لوكس ليبحث بعدها عن بنت الحلال التي‬

‫تسكنها وتسكن قلبه الخاوي الذي لم يذق للحب طعم منذ أن ولد سوى تلك‬
‫الكلمات الكاذبة التي كان يسمعها من البنات اللاتي كان يتبادل أرقامهن مع أصدقائه‬

‫‪94‬‬

‫أيام الكلية‪ ،‬بنات كانت متعتهن في توفير المتعة العاطفية للمتصلين بغض النظر عن‬
‫اسمه أو سنه أو عنوانه‪ ،‬بنات ل يعرفهن أحد‪ ،‬من المجهول‪ ،‬ل يعرف أحد من أول‬
‫من كلمهن أو عرفهن‪ ،‬أو كيف كان ذلك‪ ،‬كل ما يُعرف أن هذا الرقم رقم بنت صوتها‬

‫جميل ستدلعه‪.‬‬
‫كان هذا قبل جيل التليفونات الحديثة الذكية‪ ،‬حيث كانت كلمة بحبك تطير بسامعها‬

‫ليمسح بقبضته وبر السحاب‪ ،‬كانت مكالمات أقصى مافيها أن يعرف المُتكلم ماذا‬
‫ترتدي محدثته واشكال وألوان ملابسها الداخلية وكانت بعض الهات المزيفة منهن‬
‫قادرة على دب الخلاف والتفرقة بين أصحاب ولدوا وكبروا وعاشوا مع ًا!‪ ،‬حيث أن‬
‫من سمع أهة يظن انه أصبح زوج هذه الفتاة وانها أصبحت حكرًا له ل يكلمها سواه‬

‫وينبه على اصحابه بمسح رقمها لنها أصبحت "بتاعته"‪.‬‬
‫أحلام البسطاء كانت حق ًا‪ ،‬ولكن الن شقته مجرد حوائط‪ ،‬ل يعلم لماذا تذكر سلام‬
‫حينها‪ ،‬ل يعلم لماذا تبادر إالى ذهنه صورة فريدة حينما بدأت دمعة حزينة تتكون في‬
‫عينيه‪ ،‬طرد تلك الفكار وبناتها من رأسه ونظر للعلى ليتفاجأأن شقته مسقوفة!‪.‬‬
‫لمعت عيناه بالدمع من جديد ونظر إالى أبيه وفهمت أمه ما في خلده وربتت على‬

‫كتفه‪ " :‬ابوك باع البقرة وانا بعت الحلق واتصرفنا وصبينا الشقة "‪.‬‬

‫***********‬

‫‪95‬‬

‫عبث ًا كانت محاولت شريف للنوم في تلك الليلة‪ ،‬لم يكن له ل غرفة ول حتى سرير‬
‫ولكن كانت مجرد كنبة من الكنبات الربعة في غرفة الجلوس (الصالون)‪ ،‬وهي الغرفة‬

‫التي تحتل المكان الكبر في البيت‪ ،‬وهي الغرفة الوحيدة الغير مستغلة تقريب ًا معظم‬
‫أيام السنة‪ ،‬غرفة زيُنت و ُرتبت وتُركت مغلقة ل ُتفتح اذا ما جاء ضيوف إاليهم‪،‬‬

‫ضيوف يكون جلوسهم مع أهل الدار في صالتهم خلف الباب عيب ًا ولبد أن يجلسوهم‬
‫في مكان أنظف يليق بهم‪ ،‬ول أنظف في الدار وأجمل من غرفة الجلوس‪.‬‬

‫تلك هي غرفة نوم شريف الن‪ ،‬شريف الغالي الذي ل يليق به أن ينام على الدكة‬
‫خلف الباب كما اعتاد والده أن ينام في ليالي الصيف الحارة وشريف أكبر من أن‬
‫ينام بجوار أمه‪ ،‬ل مكان يليق بالمغترب لسبعة سنوات إال غرفة الجلوس بكنباتها‬
‫الربع‪ ،‬بتنجيدها الزرق المنقوش بدوالي زهرية زاهية‪ ،‬حاول شريف أن يمل عينيه‬

‫بنوم عميق لم يهنأ به منذ سنوات ولكنه لم يجد لذلك درب ًا‪.‬‬
‫"سبعة سنوات لم أنام فيها ليلة نوم ًا متواصل ًا‪ ،‬حيث كان ذلك البق اللعين يوقظني‬
‫في كل ليلة خمسة مرات على القل‪ ،‬كان ينهش لحمي ويشرب دمي‪ ،‬حشرة أقل ما‬
‫يقال في وصفها أنها حشرة من الجحيم‪ ،‬صغيرة ولكنها مؤذية أكثر من العقارب‪ ،‬تمتص‬

‫الدم ولن امتصاص الدم وهدره جرم كبير فقد عاقبها الله برائحة كريهة ومثيرة‬
‫للاشمئزاز‪ ،‬ولكن هذا ل يكفيني لن ذلك لم يحميني من القرص والعض كل ليلة‪ ،‬كم‬
‫كنت غيبا في أيامي الولى حينما ظننت أن معاقبة البق بالسحق هو الحل‪ ،‬كنت‬

‫اسحقها في ملاءتي أو كسوة مخدتي واشعر بالظفر حين ارى دماءها تتناثر على‬
‫القماش‪ ،‬لقد عاد دمي إالي‪ ،‬دمي ليس من السهل شربه‪ ،‬لقد قتلك دمي ايتها البائسة‬

‫ولكن هذه الطريقة غير أنها كانت تترك بقعا على ملاءتي كانت تنشر رائحة البق‬
‫الكريهة وهذه الرائحة ل تكدر نومي فحسب‪ ،‬بل أنها تجذب باقي البق علي كنها تقول‬

‫لهم هنا يوجد مأدبة دموية مفتوحة هلموا واشربوا!‪.‬‬
‫أيام تمر قبل أن اتعلَّم أن السحق ليس الحل وأن الحل السحري يكمن في اللصق‬
‫ورش مخفف من سائل تنظيف الطباق‪ ،‬ذلك السائل العجيب ل أعلم ماذا يحوي‬

‫‪96‬‬

‫في تركيبته ولكن اذا ما تم رشه على البق اذا بها تنتفخ وتموت وكن السائل يذيب‬
‫أعصابها وعضلاتها‪ ،‬واللصق هو لصق الحشرة بقطعة لصق والقاءها في القمامة‪ ،‬هذه‬

‫هي الطريقة التي اتبعتها في السنتين الخريتين‪ ،‬ولكن تب ًا!‪ ،‬ما هذا؟‬
‫أهرب من بق الكويت لجد ناموس الصعيد؟؟!!"‬

‫حشرات الناموس كانت تحوم حول رأسه‪ ،‬تق ِّرصه في أنفه وأذنه وعينيه ورأسه‪،‬‬
‫حاول الهروب منها بتغطية وجهه ف إاختنق من الحر‪ ،‬حاول هشهم أو ضربهم بيديه‬
‫كلاعب كرة مضرب‪ ،‬ولكن بلا جدوى‪ ،‬هرب النوم من عينيه فنهض واخرج علبة‬
‫سجائره التي احضرها في طريق عودته وصعد إالى السطح‪ ،‬إالى شقته‪ ،‬إالى حلمه‬

‫بالبيت والزوجة وا إلستقرار الذي لم يكتمل‪.‬‬
‫أشعل سيجارته واتك على ُس َور البلكونة وعب صدره من أنفاسها وراح يتأمل في‬

‫حياته‪..‬‬
‫" ماذا أنا بفاعل؟؟ شهران مضيا بعدما ُطردت من عملي‪ ،‬دون جدوى بحثت عن‬

‫عمل ولم أوفق‪ ،‬ولهذا نزلت إالى مصر‪ ،‬ماذا ستفعل في مصر يا شريف؟‬
‫هل ستمسك الفأس الذي هربت منه كل هذه السنوات مع والدك وتعمل أجير‬

‫باليومية أم أنك ستحاول أن تبحث عن وظيفة بمؤهلك وامكانياتك ؟!"‬
‫لم يجبه عقله بأي فكرة أو تصور عن الغد‪ ،‬ولكنه أخذه إالى تلك الصورة الجميلة‪ ،‬إالى‬
‫ذلك الركن السماوي الموجود في عقله حيث تخيم حورية من حوريات الجنة‪ ،‬أخذه‬
‫عقله إالى جنة الله في عقله‪ ،‬إالى مزرعة أفيونه وكنزه الغالي‪ ،‬إالى صورة سلام المحفورة‬

‫في عقله وصوتها‪.‬‬
‫"تب ًا‪ ،‬لم يمضي يومان واشتاق ل ِك أيتها المجنونة‪ ،‬أشتاق إالى بحر عيني ِك الذي يغرقني‬

‫ويغرق همومي معي فيه‪ ،‬إاشتقت إالى تلك الشفاه التي تبتسم خجل ًا من غرقي في‬
‫عيونك وبحة صوتك وانتي تناديني عندما أتوه في ملامحك‪....‬‬

‫إابتسم وخرجت منه قهقه ل إارادية كتمها بسرعة لنها جلجلت في سكون الليل وأطفأ‬
‫سيجارته وعاد إالى الكنبة حيث كان يحاول النوم منذ فترة‪ ،‬عاد وسلام تغني في أذنيه‬

‫‪97‬‬

‫وتتراقص صورتها في عينيه‪ ،‬عاد وكنه يطير على اجنحة الحب والسعادة‪ ،‬عاد ونسي‬
‫انه كان قد هرب من الناموس والحر‪ ،‬عاد إالى مخدعه وهو في عالم غير العالم ولم ينتبه‬

‫إال إالى صوت أمه تهزه قائلة برفق‪" :‬قوم يا ولدي أفطر بقينا الضهر"‪.‬‬
‫**********‬

‫‪98‬‬

‫‪18‬‬

‫بلا عنوان ‪...‬‬

‫كانت تشعر بالمرارة الشديدة لنها كانت ل تستطيع أن تحصل على أقل حقوقها في‬
‫الحياة وأبسطها وهو حق المباهاة بشكلها وجسدها‪ ،‬رغم أن عالم السوشيال ميديا‬
‫يضج بالمتباهين بأشكالهم وأجسادهم حتى وان كانت كذب ًا بفضل التطبيقات التي‬

‫تضفي بعض التعديلات على الصور‪ ،‬إال أن مشكلتها كانت أكبر من أن يعالجها‬
‫تطبيق‪ ،‬فهيي كانت بدينة جد ًا‪ ،‬خدودها كبيرة لدرجة أن أنفها مدفون في ذلك‬

‫المضيق بين الخدين وعيناها غاطستان وشفتاها منتفختين كنهما متورمتان‪.‬‬
‫كانت تعيش جحيم حي كل لحظة‪ ،‬كانت تتوق للحب في كل لحظة ولكن كل ما‬
‫حصلت عليه هو حب وهمي ل يدوم طويل ًا‪ ،‬حب افتراضي جمعها باشخاص أعجبوا‬
‫بكلماتها ومشاعرها التي تبثها في تغريداتها ولرائها العقلانية الجميلة ولروحها المتدينة‪،‬‬
‫احاديث طويلة خاضتها مع بعض الشباب اللذين ظنت انهم عقلانيون بعض الشيء‬
‫وأنهم ليسوا من هؤلء السطحيون اللذين يَ َر ْون من النى غير شكلها‪ ،‬علاقات‬
‫امتدت لساعات طويلة وأيام في اروقة الرسائل الخاصة وانتقلت إالى الواتساب ومن‬
‫ثم إالى المكالمات الصوتية وكان هذا هو أخر ما تسعى إاليه‪ ،‬أخر امالها صوت يتمنى لها‬
‫احلام ًا سعيدة قبل أن تنام وتصبح عليه يخبرها بأن يومه لن يبدأ إال عندما تتمنى هي‬
‫له يوم ًا جميل ًا‪ ،‬صوت عانق وسادتها وكنه يحتضنها رغم أنها تعلم جيد ًا أن هذا أبد ًا لن‬
‫يكون جزء من واقع تعيشه‪ ،‬كان وعيها أكبر من أمالها وأحلامها‪ ،‬فهيي ليست كباقي‬
‫البنات‪ ،‬البنات من جيلها جميلات ُك َن أم ل‪ُ ،‬طرقت أبوابهن بدل المرة مرات ل ُتفتح‬
‫لعرسان طالبين أيديهن إال هي‪ ،‬لم يتقدم أحد أبد ًا لها‪ ،‬لم يدخل البيت رجل طالب ًا‬
‫للقرب ولو بالخطأ‪ . ،‬كان كل ما عاشته هو أمل بمقدم أحدهم‪ ،‬كان من طرف جارتهم‬
‫وكان يريد أن يراها قبل أن يدخل البيت من بابه ولهذا اتفقوا أن تذهب إالى حديقة‬

‫‪99‬‬

‫قريبة من منزلها ويراها هو من بعيد‪ ،‬ف إان أعجبته سياتي للجلوس معها ومن ثم‬
‫لخطبتها‪ ،‬كان مجرد حاصل على شهادة متوسطة تافهة يعمل نقاشا باليومية مطلق‬
‫ولديه ابن صغير في رعايته‪ ،‬لم يكن العريس اللقطة ولكنه كان سقط العرسان وحثالتهم‬
‫ولكن حتى ذلك الحثالة هرب ما أن رأها من بعيد وعنف قريبته التي هي جارتها‬

‫وتوعدها بالمقاطعة لنها أشارت عليه بهذه المصيبة!‪.‬‬
‫حالة من ا إلكتئاب الحاد أصابتها عقب تلك الليلة‪ ،‬حيث أنها شعرت بمهانة كبيرة و ُذل‬

‫لم تحتمله‪ ،‬شعرت كم هي رخيصة لنها وافقت أن تعرض نفسها كبهيمة في سوق أمام‬
‫تاجر والذي قلب فيها نظره وتركها وإانصرف‪ ،‬هي بنت الدكتور فتح الله الدمنهوري‬
‫أشهر أطباء الباطنة في المنطقة والحاصلة على تقدير عام جيد جد ًا في سنواتها الربع‬

‫في كلية الداب قسم فلسفة يرفضها صنايعي حقير حافي ومفلس !!!!!!!!‬
‫لم تحتمل افكارها السوداء ولهذا أقبلت على تلك الفعلة الحمقاء‪ ،‬أقبلت على حركة ل‬

‫يلجأ إاليها إال الضعفاء من البشر‪ ،‬وهي ا إلنتحار!‪.‬‬

‫***********‬

‫‪100‬‬


Click to View FlipBook Version