The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

مختصر_السيرة_النبوية_لابن_هشام_د_أحمد_المزيد_

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Syuhada Ibrahim, 2020-12-15 08:28:41

مختصر_السيرة_النبوية_لابن_هشام_د_أحمد_المزيد_

مختصر_السيرة_النبوية_لابن_هشام_د_أحمد_المزيد_

‫‪ | 4‬مختصر السيرة النبوية‬





‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪7‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫التعريف بموسوعة محمد رسول الله ﷺ)‏(‪)1‬‬
‫الحم ُد لله‪ ،‬والصلا ُة والسلا ُم على نب ِّينا وحبيبِنا محم ٍد رسول الله ﷺ‪ ،‬وعلى‬
‫آلِه وصحبِه‪ ،‬و َمن اقت َفى أث َره وعم َل بهد ِيه واست َّن بسنتِه‪ ،‬أ َّما بع ُد‪:‬‬
‫فتمتا ُز هذه الموسوع ُة ‪-‬التي استغ َر َق العم ُل فيها نح ًوا ِمن عامي ِن‪ -‬بجم ِعها‬
‫لأه ِّم علو ِم السير ِة النبوي ِة الشريف ِة وفنونها في وعا ٍء واح ٍد‪ ،‬وانتقا ِء أفض ِل ما كت َبه أئم ُة‬
‫سل ِفنا الصال ِح وعلماؤهم في كل ف ٍّن ِمن فنونِها‪ ،‬مما لق َي شهر ًة وقبو ًلا لدى الأم ِة‪ ،‬وقد‬
‫قم ُت باختصا ِر هذه الكت ِب وتهذيبِها‪ ،‬نسأل الله الإخلاص والقبول‪.‬‬

‫وكان منهجي في اختصا ِر كت ِب هذه الموسوع ِة أن تكو َن على أفض ِل الطبعا ِت‬
‫المعتمد ِة لك ِّل كتا ٍب‪ ،‬مع حذ ِف الضعي ِف وما دو َنه‪ ،‬والاستطرادا ِت‪ ،‬وما أغنَى عنه‬
‫غي ُره‪ ،‬أو كان مك َّر ًرا سب َق ذك ُره‪ ،‬وكذلك أساني ُد الأحادي ِث إلا الصحاب َّي أو َمن دو َنه‬
‫مما يحتا ُج الكلا ُم إليه‪ ،‬وقد حافظ ُت على لف ِظ المصن ِف وترتيبِه‪ ،‬فإن زد ُت في عنواناته‬

‫شي ًئا وضع ُته بين معقو َفي ِن‪ ،‬وكذا ما كان ِمن طبع ٍة أخرى غي ِر التي اعتمد ُتها‪.‬‬
‫وكان هدفي ِمن هذا المنه ِج تقري َب سيرة النبي ﷺ وتيسي َرها؛ لنتع َّل َم جمي ًعا‬
‫علو َمها وفنونَها من كت ِب علما ِء سل ِفنا الصال ِح الأصيل ِة‪ ،‬لنح ِّق َق الاقتدا َء به ﷺ في‬

‫عقيد ِته وعبادا ِته ومعاملاتِه وأخلا ِقه؛ فنسع ُد في الدنيا ونفو ُز بالآخر ِة‪.‬‬
‫وقد اقتصر ُت في الحاشي ِة على التخري ِج الموج ِز للأحادي ِث النبوي ِة الشريف ِة‬

‫والآثا ِر‪ ،‬وبيا ِن غري ِب ألفاظها‪.‬‬

‫(*) هذا تعريف موجز بالموسوعة‪ ،‬وقد تق َّدم التعريف بها مف َّص ًلا في صدر المجلد الأول‪.‬‬

‫‪ | 8‬مختصر السيرة النبوية‬

‫وقد جا َء هذا الإصدا ُر الأ َّو ُل ِمن «موسوعة محمد رسول الله ﷺ» جام ًعا لست ِة‬
‫علو ٍم ِمن علو ِم السير ِة النبوي ِة الشريف ِة وفنونِها في ست ِة جللدا ٍت‪ ،‬عب َر اختصا ِر ثماني ِة‬

‫كت ٍب‪ ،‬وهي على النحو التالي‪:‬‬

‫المجلد الأول‪ -1 :‬في علم الدلائل [كتاب «دلائل النبوة» لأبي نعيم (ت‪034‬هـ)]‬
‫المجلد الثاني‪ -5 :‬في علم السيرة النبوية [كتاب «السيرة النبوية» لابن هشام‬

‫(ت‪552‬هـ)]‬
‫المجلد الثالث‪ -3 :‬في علم الخصائص [كتاب «غاية ال ُّسول في خصائص الرسول»‬

‫لابن الملقن(ت‪240‬هـ)]‬
‫‪ -4‬في علم الشمائل‪ ،‬وفيه ثلاثة كتب‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪[ -‬كتاب «شمائل النبي ﷺ» للترمذي (ت‪572‬هـ)]‬
‫‪[ -‬كتاب «محمد رسول الله ﷺ والحقوق والقيم والأخلاق‬
‫وعلاج مشكلات العالم المعاصر»‪ ،‬لـ أ‪.‬د‪ .‬أحمد بن عثمان المزيد]‬
‫المجلد الرابع‪[ - :‬كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد» لابن قيم الجوزية‬

‫(ت ‪715‬هـ)]‬
‫المجلد الخامس‪ -5 :‬في علم حقوق النبي ﷺ‪[ :‬كتاب «الشفا بتعريف حقوق‬

‫المصطفى» للقاضي عياض (ت‪100‬هـ)]‬
‫المجلد السادس‪ -6 :‬في علم الحديث النبوي الشريف‪[ :‬كتاب «رياض‬

‫الصالحين» للنووي (ت‪676‬هـ)]‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪9‬‬

‫في علم السيرة النبوية‬

‫تعريفه‪:‬‬
‫ُيعنى عل ُم السيرة النبوية بذك ِر وقائ ِع حيا ِة النب ِّي ﷺ ِمن مول ِده إلى وفاتِه‪.‬‬

‫أهميته‪:‬‬
‫سير ُة محم ٍد رسو ِل الله ﷺ هي تطبي ٌق لكتا ِب الله تعالى وسنتِه ﷺ‪ ،‬فهي‬
‫سج ٌل حاف ٌل لكل تفاصي ِل حياتِه ﷺ‪ :‬عقيد ًة‪ ،‬وعباد ًة‪ ،‬ومعامل ًة‪ ،‬وأخلا ًقا‪ ،‬سل ًما‬
‫وحر ًبا‪ ،‬دعو ًة وجها ًدا‪ ،‬يس ًرا وعس ًرا‪ ،‬في بيته‪ ،‬وبين أصحابه ومع أعدائه‪ ،‬فيه‬
‫الأسو ُة الحسن ُة لمن رام سياس َة قو ِمه أو قام على شؤو ِن بيتِه‪ ،‬ص َّلى الله على صاح ِب‬

‫هذه السير ِة الشريف ِة‪ ،‬وآلِه وصحبِه وس َّلم‪.‬‬

‫ثمراته‪:‬‬
‫يق ِّد ُم ِع ْل ُم السير ِة للبشري ِة جمعا َء نموذ ًجا يُحت َذى به في مكار ِم الأخلا ِق‪،‬‬
‫ومظاه ِر الكما ِل الإنسان ِّي‪ ،‬ويق ِّد ُم للمسل ِم الأسو َة والقدو َة التام َة في حياتِه‪،‬‬
‫والذي ُأ ِمرنا بمحبتِه ﷺ فو َق محبتِنا لأنف ِسنا وأولا ِدنا والنا ِس أجمعين‪ ،‬و ُيوقِفنا‬
‫على دعو ِة رسو ِل الله محم ٍد ﷺ ومراحلِها وفق ِهها‪ ،‬وتمثُّلِها في الحيا ِة المعاصر ِة‪،‬‬
‫و ِمن معينِها نستقي الدرو َس التربوي َة النبو َّي َة في تعاملِه ﷺ مع صحابتِه خاص ًة‪،‬‬

‫والنا ِس عام ًة‪.‬‬

‫‪ | 01‬مختصر السيرة النبوية‬

‫ترجمة ابن هشام (ت‪552‬هـ)‪‬‬
‫اسمه ونسبه‪:‬‬

‫هو عب ُد الملك ب ُن هشا ِم ب ِن أيو َب‪ ،‬أبو محم ٍد الذهل ُّي‪ ،‬السدوس ُّي ‪ -‬وقيل‪:‬‬
‫الحمير ُّي ‪ -‬ال ُم َعافِ ِر ُّي‪ ،‬البصر ُّي‪ ،‬نزي ُل مص َر‪.‬‬
‫نشأته وطلبه للعلم‪:‬‬

‫بد َأ اب ُن هشا ٍم طل َبه للعل ِم في البصر ِة‪ ،‬ثم انت َق َل منها إلى مص َر‪ ،‬و ُتو ِّفي بها‪،‬‬
‫وقد َس ِم َع اب ُن هشام «السير والمغازي لابن إسحاق» ِمن زياد البكائ ِّي صاح ِب اب ِن‬

‫إسحاق‪ ،‬و ِمن شيو ِخه الإما ُم الشافع ُّي‪.‬‬
‫قال الدارقطن ُّي‪ :‬عن المزني قال‪َ « :‬ق ِد َم علينا الشافع ُّي‪ ،‬وكان بمص َر‬
‫عب ُد الملك ب ُن هشا ٍم صاح ُب (المغازي)‪ ،‬وكان علام َة أه ِل مص َر بالعربي ِة والشع ِر‪،‬‬
‫فقيل له في المصي ِر إلى الشافع ِّي‪ ،‬ف َتثا َق َل‪ ،‬ثم َذ َه َب إليه‪ ،‬فقال‪ :‬ما ظنن ُت أن الله يخل ُق‬

‫مث َل الشافع ِّي»(‪.)1‬‬
‫وقال عنه اب ُن كثير‪« :‬أبو محم ٍد عب ُد الملك ب ُن هشا ٍم‪ ،‬راوي السير ِة‪ ،‬وإنما ُتنس ُب‬
‫إليه‪ ،‬فيقال‪ :‬سير ُة اب ِن هشام؛ لأنه ه َّذ َبها وزا َد فيها ونق َص منها‪ ،‬وح َّرر أماك َن‬
‫واستد َرك أشيا َء‪ ،‬وقد كان إما ًما في اللغ ِة والنح ِو والعربي ِة‪ ،‬وقد كان مقي ًما بمص َر‪ ،‬وقد‬

‫اجت َم َع به الشافع ُّي حي َن و َر َدها وتناش َدا ِمن أشعا ِر العر ِب أشيا َء كثير ًة»(‪ .)2‬‏‬
‫وفاته‪ُ :‬توِِّّف اب ُن هشام في ‪ 53‬ربيع الآخر‪ ،‬سنة (‪552‬هـ) بمص َر(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬سير أعلام النبلاء للذهبي (‪.)052 /54‬‬
‫(‪ )2‬البداية والنهاية لابن كثير (‪.)342 /54‬‬
‫(‪ )3‬سير أعلام النبلاء للذهبي (‪ ،)052/54‬وانظر‪ :‬تاريخ ابن يونس المصري (‪.)537/5‬‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪00‬‬

‫التعريف بكتاب السيرة النبوية لابن هشام (ت‪552‬هـ)‬

‫أهميته‪:‬‬
‫يع ُّد كتا ُب «السيرة النبوية» لابن هشام مختص ًرا لكتا ِب محم ِد ب ِن إسحا َق ب ِن‬
‫يسار (ت‪514‬هـ)‪ ،‬ويعتب ُر كتا ُب اب ِن إسحاق ِمن أه ِّم وأو ِل الكت ِب المؤ َّلف ِة في‬
‫السير ِة النبوي ِة‪ ،‬ومؤل ُفه إما ُم هذا الف ِّن بلا مناز ٍع‪ ،‬إلا أن كتا َبه لم ي ِص ْلنا كام ًلا حتى‬
‫الآن‪ ،‬وقد ُو ِج َد ِمن الكتا ِب قطع ٌة‪ ،‬حق َّقها د‪ .‬محمد حميد الله‪ ،‬بعنوا ِن‪« :‬المبتدأ‬
‫والمبعث والمغازي»‪ ،‬و ُطبعت بتحقيق آخر للدكتور‪ :‬سهيل زكار‪ ،‬بعنوا ِن «السيرة‬

‫النبوية لابن إسحاق برواية يونس بن بكير»‪.‬‬
‫وقد تل َّقى أه ُل العل ِم كتا َب اب ِن إسحا َق بالقبو ِل والثنا ِء‪ ،‬فقال اب ُن شها ٍب‬
‫(ت‪550‬هـ) ‪-‬وقد ُس ِئ َل عن مغازي اب ِن إسحاق‪ :-‬هذا أعل ُم النا ِس‪ ،‬يعني اب َن‬

‫إسحاق(‪.)1‬‬
‫وقال الشافع ُّي (ت‪540‬هـ)‪َ :‬من أرا َد أن يتب َّح َر في المغازي فهو عيا ٌل على محم ِد‬

‫ب ِن إسحاق(‪.)2‬‬
‫وقال اب ُن سعد (ت‪562‬هـ)‪ :‬كان اب ُن إسحاق أو َل َمن ج َم َع مغازي رسو ِل الله‬

‫ﷺ وأ َّل َفها(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬تهذيب الكمال للمزي(‪.)053 /50‬‬
‫(‪ )2‬الطبقات الكبرى لابن سعد (‪.)014/1‬‬

‫(‪ )3‬السابق (‪.)036 /52‬‬

‫‪ | 02‬مختصر السيرة النبوية‬

‫وقال اب ُن عدي (ت‪361‬هـ)‪ :‬ولو لم يكن لاب ِن إسحاق ِمن الفض ِل إلا أنه‬
‫ص َر َف الملو َك عن كت ِب لا يحص ُل منها شي ٌء‪ ،‬ف َص َر َف أشغاََلم حتى اشتغلوا‬
‫بمغازي رسول الله ﷺ ومبتدأِ الخلق ومبع ِث النبي ﷺ‪ ،‬فهذه فضيل ٌة لابن‬

‫إسحا َق س َب َق بها‪ ،‬ثم بع َده صنَّفه قو ٌم آخرون ولم َيبلغوا مبل َغ اب ِن إسحا َق فيه(‪.)1‬‬
‫وقال الذهب ُّي (ت‪702‬هـ)‪ :‬قد كان في المغازي علام ًة(‪.)2‬‬

‫وقد قام اب ُن هشام البصر ُّي (ت‪552‬هـ) باختصا ِر ما يتع َّلق بالنب ِّي ﷺ من‬
‫كتا ِب اب ِن إسحا َق مه ِّذ ًبا ومن ِّق ًحا ومضي ًفا إليه‪ ،‬وس َّماه‪« :‬السيرة النبوية»؛ فحفظ‬

‫بذلك جز ًءا مه اما ِمن كتا ِب اب ِن إسحا َق المفقو ِد‪.‬‬
‫وقد تل َّقى العلما ُء كتا َب اب ِن هشام بالحفاو ِة والإيثا ِر‪ ،‬فتناولوه قر ًنا بع َد قر ٍن‬

‫بالشر ِح والاختصا ِر والتعلي ِق والحواشي‪ ،‬و ِمن أه ِّم هذه الأعما ِل‪:‬‬
‫‪ -‬الروض الأنف شرح سيرة ابن هشام‪ ،‬لأبي القاسم عبد الرحمن بن‬

‫عبد الله بن أحمد السهيلي (ت ‪125‬هـ)‪.‬‬

‫‪ -‬المواهب الل ُد ِّنــــــ َّية بالمنح المحمدية‪ ،‬للعلامة شهاب الدين أبي العباس‬
‫أحمد بن محمد القسطلاني الشافعي المصري (ت ‪253‬هـ)‪.‬‬

‫‪ -‬وقد اخت َص َر الإما ُم الشي ُخ محم ُد ب ُن عب ِد الوهاب (ت‪5546:‬هـ) كتاب‬
‫«السيرة النبوية» لابن هشام في كتابه‪« :‬مختصر سيرة الرسول ﷺ»‪.‬‬

‫(‪ )1‬الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (‪.)574/7‬‬
‫(‪ )2‬سير أعلام النبلاء للذهبي (‪.)37/7‬‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪03‬‬

‫ترتيبه ومنهجه‪:‬‬
‫يذكر اب ُن هشام في مقدم ِة كتابِه معالمَ منه ِجه حيث يقو ُل‪« :‬وأنا إن شاء الله‬
‫مبتد ٌئ هذا الكتا َب بذك ِر إسماعي َل ب ِن إبراهي َم‪ ،‬و َمن َو َل َد رسو َل الله ص َّلى الله عليه‬
‫وآله وس َّلم ِمن ول ِده‪ ،‬وأولا ِدهم لأصلابِهم‪ ،‬الأو َل فالأو َل‪ِ ،‬من إسماعي َل إلى‬
‫رسو ِل الله ص َّلى الله عليه وآله وس َّلم‪ ،‬وما يعر ُض ِمن حديثِهم‪ ،‬وتار ٌك ذك َر غي ِرهم‬
‫ِمن ول ِد إسماعي َل‪ ،‬على هذه الجه ِة للاختصا ِر‪ ،‬إلى حدي ِث سير ِة رسو ِل الله ﷺ‪،‬‬
‫وتار ٌك بع َض ما ذك َره اب ُن إسحا َق في هذا الكتا ِب‪ ،‬ممَّا ليس لرسو ِل الله ص َّلى الله‬
‫عليه وآله وس َّلم فيه ذك ٌر‪ ،‬ولا ن َز َل فيه ِمن القرآ ِن شي ٌء‪ ،‬وليس سب ًبا لشي ٍء ِمن هذا‬
‫الكتا ِب‪ ،‬ولا تفسي ًرا له‪ ،‬ولا شاه ًدا عليه؛ لما ذكر ُت ِمن الاختصا ِر‪ ،‬وأشعا ًرا‬
‫ذك َرها لم أ َر أح ًدا ِمن أه ِل العل ِم بالشع ِر َيع ِرفها‪ ،‬وأشيا َء بعضها َي ْشنُ ُع الحدي ُث به‪،‬‬
‫وبع ٌض َي ُسو ُء بع َض النا ِس ذك ُره‪ ،‬وبع ٌض لم ُي ِق َّر لنا البكائ ُّي بروايتِه‪ ،‬ومستق ٍص ‪-‬‬

‫إن شاء الله تعالى‪ -‬ما ِس َوى ذلك منه بمبل ِغ الرواي ِة له‪ ،‬والعل ِم به»(‪.)1‬‬
‫قل ُت‪ :‬وقد راعي ُت في اختصا ِر «السيرة النبوية» لاب ِن هشام‪ :‬الإيجا َز غي َر‬
‫المخ ِّل‪ ،‬فح َذ ْف ُت ما لا يتع َّل ُق بسير ِة النب ِّي ﷺ ولا يؤث ُر على السيا ِق العام‪ ،‬كإسلا ِم‬
‫بع ِض الصحاب ِة‪ ،‬وتتب َعه للأعلا ِم وحص َرهم‪ ،‬وكذا لم أذ ُك ْر ِمن الغزوا ِت والسرايا‬

‫إلا أه َّمها وأج َّلها‪.‬‬

‫(‪( )1‬ص‪.)52‬‬

‫‪ | 04‬مختصر السيرة النبوية‬

‫الطبعة المعتمدة في هذا المختصر‪:‬‬
‫ُطبِ َع كتا ُب اب ِن هشا ٍم عد َة طبعا ٍت‪ِ ،‬من أه ِّمها‪ :‬طبعة مكتبة الحلبي بمصر‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪5371 ،‬هـ‪5211 /‬م‪ ،‬تحقيق مصطفى السقا وإبراهيم الإبياري‬
‫وعبد الحفيظ الشلبي‪ ،‬وقد اعتمدوا على أربع مطبوعات‪ :‬مطبوعة بولاق‬
‫(‪5512‬هـ)‪ ،‬ومطبوعة ألمانيا (‪5576‬هـ)‪ ،‬ومطبوعة المطبعة الخيرية بمصر‬
‫(‪5352‬هـ)‪ ،‬ومطبوعة المكتبة الجمالية بمصر (‪5335‬هـ)‪ ،‬كما اعتمدوا على أربع‬
‫نسخ خطية محفوظة بدار الكتب المصرية‪ ،‬إحداها كاملة‪ ،‬وهذه الطبعة هي التي‬

‫اعتمدنا عليها في هذا المختصر‪.‬‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪05‬‬

‫‪ ‬موســـــــوعة محمــــــــــد رســـــــول الله ﷺ‬

‫دلائل نبوته وسيرته وخصائصه وشمائله وهديه وحقوقه وقبس من حديثه‬

‫مختصر السيرة النبوية لابن هشام‬

‫لابن هشام البصري عبد الملك بن هشام بن أيوب (ت ‪838‬هـ)‬

‫اختصره‬
‫أ‪.‬د‪ .‬أحمد بن عثمان المزيد‬

‫أستاذ الدراسات الإسلامية ‪ -‬جامعة الملك سعود‬

‫‪ | 06‬مختصر السيرة النبوية‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪07‬‬

‫[القسم الأول‪ :‬العهد المكي]‬

‫‪ | 08‬مختصر السيرة النبوية‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪09‬‬

‫[أولا‪ :‬قبل الرسالة والنبوة]‬

‫‪ِ -1‬ذكرُ سرد النسب الزك ِيّ‬
‫قال أبو محم ٍد عب ُد الملك ب ُن هشام النحو ُّي‪ :‬هذا كتا ُب سير ِة رسو ِل الله صلى‬
‫الله عليه وآله وسلم‪ ،‬محم ِد ب ِن عب ِد الله بن عب ِد المطلب‪ ،‬واس ُم عبد المطلب‪ :‬شيب ُة‬
‫ب ُن هاشم‪ ،‬واس ُم هاش ٍم‪ :‬عمرو بن عبد َمناف‪ ،‬واسم عب ِد مناف‪ :‬المُغيرة بن ُقصي‪،‬‬
‫واسم قصي‪ :‬زي ُد بن ِكلاب بن ُم َّر َة بن كعب بن ُلؤي بن غالب بن فِهر بن مالك‬
‫بن الن ْض بن ِكنان َة بن ُخزيم َة بن ُمد ِر َكة‪ ،‬واسم مدرك َة‪ :‬عامر بن إليا َس بن ُم َض‬

‫بن نِزار بن َم ْعد بن عدنا َن‪.‬‬

‫وأنا إن شاء الله مبتد ٌئ هذا الكتا َب بذك ِر إسماعي َل ب ِن إبراهي َم‪ ،‬و َمن َو َل َد‬
‫رسو َل الله ص َّلى الله عليه وآله وس َّلم ِمن ول ِده‪ ،‬وأولا ِدهم لأصلابِهم‪ ،‬الأو َل‬
‫فالأو َل‪ِ ،‬من إسماعي َل إلى رسو ِل الله ص َّلى الله عليه وآله وس َّلم‪ ،‬وما يعر ُض ِمن‬
‫حدي ِثهم‪ ،‬وتار ٌك ذك َر غي ِرهم ِمن ول ِد إسماعي َل‪ ،‬على هذه الجه ِة للاختصا ِر‪ ،‬إلى‬
‫حدي ِث سير ِة رسو ِل الله ﷺ‪ ،‬وتار ٌك بع َض ما ذك َره اب ُن إسحا َق في هذا الكتا ِب‪،‬‬
‫ممَّا ليس لرسو ِل الله ص َّلى الله عليه وآله وس َّلم فيه ذك ٌر‪ ،‬ولا ن َز َل فيه ِمن القرآ ِن‬
‫شي ٌء‪ ،‬وليس سب ًبا لشي ٍء ِمن هذا الكتا ِب‪ ،‬ولا تفسي ًرا له‪ ،‬ولا شاه ًدا عليه؛ لما‬
‫ذكر ُت ِمن الاختصا ِر‪ ،‬وأشعا ًرا ذك َرها لم أ َر أح ًدا ِمن أه ِل العل ِم بالشع ِر َيع ِرفها‪،‬‬
‫وأشيا َء بعضها َي ْشنُ ُع الحدي ُث به‪ ،‬وبع ٌض َي ُسو ُء بع َض النا ِس ذك ُره‪ ،‬وبع ٌض لم ُي ِق َّر‬
‫لنا البكائ ُّي بروايتِه‪ ،‬ومستق ٍص ‪-‬إن شاء الله تعالى‪ -‬ما ِس َوى ذلك منه بمبل ِغ‬

‫الرواي ِة له‪ ،‬والعل ِم به‬

‫‪ | 21‬مختصر السيرة النبوية‬

‫‪ِ -2‬ذكرُ نذر عبد المطلب ذب َح ولدِه‬
‫كان عب ُد المطلب بن هاشم ‪-‬فيما يز ُعمون والله أعلم‪ -‬قد نذر حين ل ِقي من‬
‫قريش ما لق َي عند حفر زمز َم‪ :‬لئن ُولِ َد له ع َشر ُة نفر‪ ،‬ثم بلغوا معه حتى يمنعوه‪،‬‬

‫ل َينحر َّن أح َدهم لله عند الكعب ِة‪.‬‬
‫فلما َتواِّف بنوه عشر ًة‪ ،‬وع َرف أنهم سيمنعونه‪ ،‬جَ َمعهم ثم أخب َرهم بنذ ِره‪،‬‬
‫ودعاهم إلى الوفا ِء للهِ بذلك‪ ،‬فأطاعو ُه وقالوا‪ :‬كيف نصن ُع؟ قال‪ :‬ليأخذ ُك ُّل رجل‬

‫منكم ِق ْد ًحا ثم يكتب فيه اس َمه‪ ،‬ثم ائتوني‪.‬‬
‫فف َعلوا‪ ،‬ثم أتوه‪ ،‬فدخل بهم على ُه َبل في جو ِف الكعبة‪ ،‬وكان ُه َبل على بئر‬

‫في َجو ِف الكعبة‪ ،‬وكانت تلك البئ ُر هي التي يُجمع فيها ما ُ ُْ َدى للكعبة‪.‬‬
‫فقال عب ُد المطلب لصاحب ال ِقداح‪ :‬ا ِض ْب على َبنِ َّي هؤلاء ب ِقداحهم هذه‬
‫‪-‬وأخ َب َره بنذره الذي نذ َر‪ -‬فأعطاه ُك ُّل رجل منهم ِق ْد َحه الذي فيه اس ُمه‪ ،‬وكان‬

‫عب ُد الله ب ُن عبد المطلب أصغ َر بني أبيه‪.‬‬
‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬وكان عب ُد الله ‪-‬فيما يزعمون‪ -‬أح َّب ول ِد عبد المطلب‬
‫إليه‪ ،‬فكان عب ُد المطل ِب يرى أن السه َم إذا أخطأ ُه فقد َأ ْش َوى(‪ ،)1‬وهو أبو رسو ِل‬

‫الله ﷺ‪.‬‬
‫فلما أخذ صاح ُب ال ِقدا ِح القدا َح ل َيض َب بها‪ ،‬قام عب ُد المطلب عند ُه َبل‬
‫يدعو الله‪ ،‬ثم ضب صا ِح ُب القداح‪ ،‬فخرج ال ِق ْد ُح على عب ِد الله‪ ،‬فأخذه عب ُد‬
‫المطلب بيده وأخذ الش ْف َر َة‪ ،‬ثم أقبل به إلى إسا َف ونائل َة ليذ َب َح ُه‪ ،‬فقامت إليه‬

‫قري ٌش من أنديتِها‪ ،‬فقالوا‪ :‬ماذا ُتريد يا عب َد المطلب؟‬

‫(‪َ )1‬أ ْش َوى‪ :‬أبقى‪.‬‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪20‬‬

‫قال‪ :‬أذ َب ُحه‪.‬‬

‫فقالت له ُقريش وبنوه‪ :‬والله لا تذ َب ُحه أب ًدا حتى ُتعذ َر فيه‪ ،‬لئن فعل َت هذا‬
‫لا يزا ُل الرجل يأتي بابنه حتى يذ َب َحه‪ ،‬فما بقا ُء النا ِس على هذا؟!‬

‫وقال له المُغير ُة ب ُن عب ِد الله بن عمرو بن مَخزو ِم بن َي َقظ َة‪ ،‬وكان عب ُد الله اب ُن‬
‫أخت القوم‪ :‬والله لا تذبحه أب ًدا حتى ُتعذ َر فيه‪ ،‬فإن كان فدا ُؤه بأموالِنا فديناه‪.‬‬

‫وقالت له قري ٌش وبنوه‪ :‬لا تفع ْل‪ ،‬وانطل ْق به إلى الحجا ِز‪ ،‬فإن به ع َّرافة َلا‬
‫تاب ٌع‪ ،‬فس ْلها‪ ،‬ثم أنت على رأ ِس أم ِرك‪ ،‬إن أم َر ْتك بذب ِحه ذبح َته‪ ،‬وإن أم َر ْتك بأم ٍر‬

‫لك وله فيه َف َر ٌج قبلته‪.‬‬
‫فانط َلقوا حتى ق ِدموا المدين َة‪ ،‬فوجدوها ‪-‬فيما يزعمون‪ -‬ب َخيب َر‪ ،‬فركبوا حتى‬
‫جاءوها‪ ،‬فسألوها‪ ،‬و َق َّص عليها عب ُد المطلب خب َره وخب َر ابنِه‪ ،‬وما أراد به ون ْذ َره‬

‫فيه‪ ،‬فقالت َلم‪ :‬ار ِجعوا ع ّنِي اليو َم حتى يأتِ َيني تابعي فأسأ ُله‪.‬‬
‫فرجعوا من عندها‪ ،‬فلما خرجوا عنها‪ ،‬قا َم عب ُد المطل ِب يدعو الله‪ ،‬ثم َغ َدوا‬
‫عليها‪ ،‬فقالت َلم‪ :‬قد جاءني الخب ُر‪ ،‬كم الدي ُة فيكم؟ قالوا‪ :‬عش ٌر من الإب ِل‪،‬‬

‫وكانت كذلك‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فارجعوا إلى بلا ِدكم‪ ،‬ثم ق ِّربوا صاح َب ُكم‪ ،‬وقربوا عش ًرا من الإب ِل‪،‬‬
‫ثم ا ِضبوا عليها وعليه بال ِقدا ِح‪ ،‬فإن خرجت على صاحبِكم فزيدوا من الإب ِل‬
‫حتى َيرضى ر ُّبكم‪ ،‬وإن خر َجت على الإب ِل فان َحروها عنه‪ ،‬فقد رضي ر ُّبكم‪ ،‬ونجا‬

‫صاح ُب ُكم‪.‬‬
‫فخرجوا حتى ق ِدموا م َّك َة‪ ،‬فلما أجمعوا على ذلك من الأم ِر‪ ،‬قام عب ُد المطل ِب‬
‫يدعو الل َه‪ ،‬ثم ق َّربوا عب َد الله وعش ًرا من الإب ِل‪ ،‬وعب ُد المطلب قائ ٌم عند ُهب َل يدعو‬

‫اللهَ ‪ ،‬ثم ضبوا فخرج ال ِقد ُح على عب ِد الله‪.‬‬

‫‪ | 22‬مختصر السيرة النبوية‬

‫فزادوا عش ًرا من الإب ِل؛ فبلغت الإب ُل عشرين‪ ،‬وقام عب ُد المطلب يدعو الل َه‬
‫‪ ،‬ثم َضبوا فخر َج ال ِقد ُح على عب ِد الله‪.‬‬

‫فزادوا عش ًرا من الإب ِل؛ فبلغت الإب ُل ثلاثين‪ ،‬وقام عب ُد المطلب يدعو الل َه‪،‬‬
‫ثم َضبوا‪ ،‬فخر َج ال ِقدح على عب ِد الله‪.‬‬

‫فزادوا عش ًرا من الإب ِل؛ فبلغت الإب ُل أربعين‪ ،‬وقام عب ُد الم َّطلب يدعو الله‪،‬‬
‫ثم َضبوا‪ ،‬فخرج ال ِقد ُح على عبد الله‪.‬‬

‫فزادوا عش ًرا من الإب ِل؛ فبلغت الإب ُل خمسين‪ ،‬وقام عب ُد المطلب يدعو اللهَ‪،‬‬
‫ثم ضبوا فخر َج ال ِقد ُح على عب ِد الله‪.‬‬

‫فزادوا عش ًرا من الإبل؛ فبلغت الإب ُل ستين‪ ،‬وقام عبد المطلب يدعو الل َه‪ ،‬ثم‬
‫ضبوا فخر َج ال ِقد ُح على عب ِد الله‪.‬‬

‫فزادوا عش ًرا من الإبل؛ فبلغت الإب ُل سبعين‪ ،‬وقام عب ُد المطل ِب يدعو الله‪،‬‬
‫ثم ضبوا فخر َج القد ُح على عب ِد الله‪.‬‬

‫فزادوا عش ًرا من الإبل؛ فبلغت الإب ُل ثمانين‪ ،‬وقام عب ُد المطل ِب يدعو الله‪ ،‬ثم‬
‫ضبوا‪ ،‬فخر َج ال ِقد ُح على عبد الله‪.‬‬

‫فزادوا عش ًرا من الإب ِل؛ فبلغت الإبل تسعين‪ ،‬وقام عب ُد المطلب يدعو الله‪،‬‬
‫ثم ضبوا‪ ،‬فخر َج ال ِقد ُح على عب ِد الله‪.‬‬

‫فزادوا عش ًرا من الإبل‪ ،‬فبلغت الإبل مئ ًة‪ ،‬وقا َم عب ُد المطلب يدعو الله‪ ،‬ثم‬
‫ضبوا فخر َج ال ِقد ُح على الإبل؛ فقالت قري ٌش ومن َح َ َض‪ :‬قد انتهى رضا ر ِّبك يا‬

‫عب َد المطلب‪.‬‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪23‬‬

‫فزعموا أن عب َد المطلب قال‪ :‬لا والله‪ ،‬حتى أض َب عليها ثلاث مرا ٍت‪،‬‬
‫فضبوا على عب ِد الله وعلى الإب ِل‪ ،‬وقام عب ُد المطل ِب يدعو الل َه‪ ،‬فخرج ال ِقد ُح على‬
‫الإب ِل‪ ،‬ثم عادوا الثاني َة‪ ،‬وعبد المطلب قائ ٌم يدعو الله‪ ،‬فضبوا‪ ،‬فخرج ال ِقد ُح على‬
‫الإب ِل‪ ،‬ثم عادوا الثالث َة‪ ،‬وعب ُد المطلب قائم يدعو الله‪ ،‬فضبوا‪ ،‬فخرج ال ِقدح على‬

‫الإب ِل؛ فنُ ِح َرت‪ ،‬ثم ُت ِركت لا ُيص ُّد عنها إنسا ٌن ولا ُيمن ُع‪.‬‬

‫‪ -3‬زواجُ عب ِد الله من آمنةَ بنتِ وهب‬
‫خر َج عب ُد المطل ِب بعب ِد الله حتى أتى به وه َب بن عب ِد َمناف بن زهر َة بن‬
‫ِكلاب بن ُم َّرة بن كعب بن لؤ ِّي بن غالب بن فِهر‪ ،‬وهو يومئذ س ِّي ُد بني زهر َة نس ًبا‬
‫وشر ًفا‪ ،‬فزوجه ابنته آمن َة بن َت وه ٍب‪ ،‬وهي يومئذ أفض ُل امرأة في قريش نس ًبا‬

‫و َموض ًعا‪.‬‬
‫‪ -4‬مو ُت عبدِ الله‬
‫ثم لم يلبث عب ُد الله ب ُن عب ِد المطلب أبو رسو ِل الله ﷺ أ ْن هل َك وأ ُّم رسو ِل‬

‫الله ﷺ حام ٌل به‪.‬‬

‫‪ -5‬ولادُة رسولِ الله ﷺ ورضاعتُه‬

‫قال ابن إسحاق‪ُ :‬ول َد رسو ُل الله ﷺ يو َم الاثنين‪ ،‬لاثنتي ع ْش َر َة ليل ًة َخ َلت‬
‫من شه ِر ربي ٍع الأول‪ ،‬عا َم الفي ِل‪.‬‬

‫قال ابن إسحاق‪ :‬فلما وض َعت ُه أ ُّم ُه ﷺ‪ ،‬أر َس َلت إلى ج ِّده عب ِد المطلب‪ :‬أنه قد‬
‫ُول َد لك غلا ٌم‪ ،‬فأتِه فانظر إليه‪ ،‬فأتاه فنظ َر إليه‪ ،‬وح َّدثته بما رأت حين حملت به‪،‬‬

‫وما ِقيل َلا فيه‪ ،‬وما ُأمرت به أن ُتس ِّم َيه‪.‬‬
‫فيز ُعمون أن عب َد المطل ِب أخذه‪ ،‬فدخ َل به الكعب َة‪ ،‬فقا َم يدعو الله‪ ،‬ويشك ُر‬

‫له ما أعطا ُه‪ ،‬ثم خر َج به إلى أمه فدف َع ُه إليها‪.‬‬

‫‪ | 24‬مختصر السيرة النبوية‬

‫والتمس لرسو ِل الله ﷺ ال ُّر َضعا َء‪ ،‬فاس َتر َضع له امرأ ًة من بني سع ِد بن‬
‫بك ٍر‪ ،‬يقال َلا‪ :‬حليم ُة ابنة أبي ُذؤيب‪.‬‬

‫‪ -6‬نس ُب أبيه ﷺ في ال َّرضاع‪:‬‬

‫واس ُم أبيه الذي أرضع ُه ﷺ‪ :‬الحار ُث بن عبد ال ُع َّزى بن رفاعة بن َم َّلا َن بن‬
‫ناصر َة بن ُفص َّية بن نص ِر بن سعد بن بك ِر بن هواز َن‪.‬‬

‫‪ -7‬إخوتُه ﷺ من ال َرّضاع‪:‬‬
‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬وإخو ُته من الرضاع ِة‪ :‬عب ُد الله بن الحارث‪ ،‬و ُأنيس ُة بنت‬
‫الحارث‪ ،‬و ُحذاف ُة بن ُت الحارث وهي الشيما ُء‪ ،‬غلب ذلك على اس ِمها فلا ُتعر ُف في‬

‫قومها إلا به‪ ،‬وهم لحليم َة بن ِت أبي ُذؤي ٍب عب ِد الله بن الحار ِث‪ ،‬أ ِّم رسول الله ﷺ‪.‬‬

‫‪ -8‬حدي ُث حليمةَ عما رَأت ُه من الخيرِ بعد َتسُلّمها له ﷺ‬
‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬عن عب ِد الله بن جعفر ب ِن أبي طالب‪ ،‬أو عمن ح َّدثه عنه‬
‫قال‪ :‬كانت حليم ُة بنت أبي ُذؤي ٍب السعدي ُة ‪-‬أ ُّم رسول الله ﷺ التي أرضعت ُه‪-‬‬
‫ُتح ِّدث‪ :‬أنها خرجت من بل ِدها مع زو ِجها‪ ،‬واب ٍن َلا صغي ٍر ُترضعه في نِسو ٍة من بني‬

‫سعد بن بك ٍر‪ ،‬تلتمس ال ُّرضعا َء‪ ،‬قالت‪ :‬وذلك في سن ٍة شهبا َء‪ ،‬لم ُتب ِق لنا شي ًئا‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فخرج ُت على أتا ٍن لي َق ْمراء(‪ ،)1‬معنا شار ٌف(‪ )2‬لنا‪ ،‬والله ما تبِ ُّض(‪)3‬‬
‫بقطر ٍة‪ ،‬وما ننام ليلنا أجم َع من صب ِّينا الذي معنا‪ ،‬من بكا ِئه من الجو ِع‪ ،‬ما في َثد َي َّي‬

‫(‪َ )1‬ق ْمراء‪ :‬بيضاء‪.‬‬
‫(‪ )2‬ال َّشا ِرف‪ :‬الناقة المسنة‪.‬‬
‫(‪ )3‬ما َتبِ ُّض‪ :‬ما تنشغ ولا ترشح‪.‬‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪25‬‬

‫ما ُيغنيه‪ ،‬وما في شا ِرفنا ما ُيغ ِّديه‪ ،‬ولكنا كنا نرجو الغي َث والفر َج؛ فخرج ُت على‬
‫أتاني تلك فلقد أ َذ َّمت(‪ )1‬بال َّرك ِب حتى ش َّق ذلك عليهم ضع ًفا و َع َج ًفا(‪ ،)2‬حتى‬
‫قدمنا مكة نلتم ُس الرضعا َء‪ ،‬فما منا امرأ ٌة إلا وقد ُعر َض عليها رسو ُل الله ﷺ‬
‫فتأبا ُه إذا ِقيل َلا‪ :‬إنه يتي ٌم؛ وذلك أنا إنما كنا نرجو المعرو َف من أبي الصب ِّي‪ ،‬ف ُكنا‬
‫نقول‪ :‬يتي ٌم! وما عسى أن تصنع أ ُّمه و َج ُّده! فكنا نكر ُه ُه لذلك‪ ،‬فما َبقيت امرأ ٌة‬

‫ق ِد َمت معي إلا أخ َذت رضي ًعا‪ ،‬غيري‪.‬‬

‫فلما أجمعنا الانطلا َق ُقل ُت لصاحبي‪ :‬والله إني لأك َر ُه أن أرج َع من بين‬
‫صوا ِحبي ولم آ ُخذ رضي ًعا‪ ،‬والله لأذه َب َّن إلى ذلك اليتي ِم فلآخذ َّنه‪ ،‬قال‪ :‬لا عليك‬

‫أن تفعلي‪ ،‬عسى الله أن يجع َل لنا فيه برك ًة‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فذهب ُت إليه فأخذ ُته‪ ،‬وما حملني على أخ ِذه إلا أني لم أجد غي َره‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فلما أخذ ُته‪ ،‬ر َجع ُت به إلى رحلي‪ ،‬فلما وضع ُته في ِحجري أقبل عليه‬
‫ثديا َي بما شا َء من لب ٍن‪ ،‬فش ِر َب حتى روي‪ ،‬وشر َب معه أخوه حتى ُروي‪ ،‬ثم ناما‪،‬‬
‫وما كنا ننا ُم معه قبل ذلك‪ ،‬وقام زوجي إلى شا ِرفِنا تلك‪ ،‬فإذا إنها لحاف ٌل‪ ،‬ف َح َل َب‬

‫منها ما شر َب‪ ،‬وش ِر ْب ُت معه حتى انتهينا ر ايا وشب ًعا‪ ،‬فبتنا بخي ِر ليل ٍة‪.‬‬
‫قالت‪ :‬يقول صاحبي حين أصبحنا‪ :‬تع َّلمي والله يا حليم ُة‪ ،‬لقد أخذ ِت‬

‫نسم ًة مبارك ًة‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪ :‬والله إني لأرجو ذلك‪.‬‬

‫قالت‪ :‬ثم خرجنا وركب ُت أنا أتاني‪ ،‬وحمل ُته عليها معي‪ ،‬فوالله ل َق َط َعت‬
‫بال َّرك ِب ما يقد ُر عليها شي ٌء من حُ ُمرهم‪ ،‬حتى إن صوا ِحبي لي ُقلن لي‪ :‬يا ابن َة أبي‬

‫(‪َ )1‬أ َذ َّمت‪ :‬تأخرت‪.‬‬
‫(‪ )2‬ال َع َجف‪ :‬اَلزال‪.‬‬

‫‪ | 26‬مختصر السيرة النبوية‬

‫ذؤيب‪ ،‬وي َحك! ار َبعي علينا(‪ ،)1‬أليست هذه أتا ُنك التي كنت خرجت عليها؟!‬
‫فأقول َل َّن‪ :‬بلى والله‪ ،‬إنها َل َي ِه َي‪ ،‬فيقلن‪ :‬والله إن َلا لشأ ًنا‪.‬‬

‫قالت‪ :‬ثم ق ِدمنا منازلنا من بلا ِد بني َسع ٍد‪ ،‬وما أعلم أر ًضا من أر ِض الله‬
‫أجد َب منها‪ ،‬فكانت َغنمي ترو ُح عل َّي حين ق ِدمنا به معنا شبا ًعا ُل َّبنًا‪ ،‬فنح ِلب‬
‫ونشر ُب‪ ،‬وما يحلب إنسا ٌن قطر َة لب ٍن‪ ،‬ولا يج ُدها في ض ٍع‪ ،‬حتى كان الحاضون‬
‫من قو ِمنا يقولون ل ُرعيانِهم‪ :‬وي َل ُكم اسرحوا حيث يسر ُح راعي بن ِت أبي ذؤيب‪،‬‬

‫فترو ُح أغنا ُمهم جيا ًعا ما َتبِ ُّض بقطر ِة لب ٍن‪ ،‬وتروح غنمي شبا ًعا ُل َّب ًنا‪.‬‬
‫فلم نزل نتع َّر ُف من الله الزياد َة والخي َر حتى مضت سنتا ُه وفص ْل ُته‪ ،‬وكان‬

‫ي ِش ُّب شبا ًبا لا يش ُّبه ال ِغلمان‪ ،‬فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلا ًما َج ْف ًرا(‪.)2‬‬
‫قالت‪ :‬فق ِدمنا به على ُأ ِّمه ونحن أحر ُص شيء على ُمكثِه فينا‪ ،‬لمِا كنا نرى من‬
‫بركتِه؛ فك َّلمنا أ َّمه وقلت َلا‪ :‬لو ترك ِت ُبنَ َّي عندي حتى َيغ ُل َظ‪ ،‬فإني أخشى عليه‬

‫وبأ مك َة‪ ،‬قالت‪ :‬فلم َن َزل بها حتى َر َّدته معنا‪.‬‬
‫‪ -9‬حديث المَلكين اللذين ش َّقا بطنَه ﷺ‬
‫قالت‪ :‬فرجعنا به‪ ،‬فوالله إنه بعد َمق ِدمنا به بأش ُه ٍر مع أخيه لفي َب ْه ٍم(‪ )3‬لنا‬
‫خل َف بيو ِتنا‪ ،‬إذ أتانا أخوه يش َت ُّد‪ ،‬فقال لي ولأبيه‪ :‬ذاك أخي ال ُقرش ُّي قد أخ َذ ُه‬
‫رجلان عليهما ثيا ٌب بي ٌض‪ ،‬فأضجعا ُه‪ ،‬فش َّقا بطنَ ُه‪ ،‬فهما َيسوطانِه(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ار َب ِعي‪ :‬أقيمي وانتظري‪.‬‬
‫(‪َ )2‬ج ْف ًرا‪ :‬غلي ًظا شدي ًدا‪.‬‬

‫(‪َ )3‬ب ْهم‪ :‬جمع بهيمة‪ ،‬وهي أولاد الضأن‪.‬‬
‫(‪َ )4‬يسوطانه‪ :‬أي يدخلان يدُما في بطنه‪.‬‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪27‬‬

‫قالت‪ :‬فخرج ُت أنا وأبوه نحوه‪َ ،‬ف َو َجدناه قائ ًما ُمنت ِق ًعا وج ُهه‪ .‬قالت‪:‬‬
‫فالتزم ُته والتز َم ُه أبوه‪ ،‬فقلنا له‪ :‬ما لك يا ُبني؟‬

‫قال‪ :‬جاءني رجلان عليهما ثيا ٌب بِي ٌض‪ ،‬ف َأضجعاني‪ ،‬وش َّقا بطنِي‪ ،‬فالتم َسا‬
‫فيه شي ًئا لا أدري ما هو؟! قالت‪ :‬فر َجعنا به إلى ِخبا ِئنا‪.‬‬
‫‪ -11‬رجوع حليم َة به ﷺ إلى أُِمّه‬

‫قالت‪ :‬وقال لي أبوه‪ :‬يا حليم ُة‪ ،‬لقد خ ِشي ُت أن يكون هذا الغلا ُم قد ُأصي َب‬
‫فأل ِحقيه بأهله قبل أن يظه َر ذلك به‪ ،‬قالت‪ :‬فاح َتملناه‪ ،‬فق ِدمنا به على ُأ ِّمه‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫ما أق َد َم ِك به يا ظِئ ُر(‪ )1‬وقد كن ِت حريص ًة عليه‪ ،‬وعلى ُمكثِه عندك؟ قالت‪ :‬فقلت‪:‬‬
‫قد بلغ الله بابني و َقضي ُت الذي عل َّي‪ ،‬وتخ َّوفت الأحدا َث عليه‪ ،‬فأ َّديته إليك كما‬
‫ُتح ِّبين‪ ،‬قالت‪ :‬ما هذا شأ ُنك؟! فاصدقيني خب َرك‪ .‬قالت‪ :‬فلم تدعني حتى‬
‫أخبر ُتها‪ .‬قالت‪ :‬أف َتخ َّوفت عليه الشيطا َن؟ قالت‪ :‬قلت‪ :‬نعم‪ .‬قالت‪ :‬كلا‪ ،‬والله ما‬
‫للشيطا ِن عليه من سبي ٍل‪ ،‬وإن لِ ُبنَ َّي لشأ ًنا‪ ،‬أفلا أخب ُرك خب َره؟ قالت‪ :‬قلت‪ :‬بلى‪.‬‬
‫قالت‪ :‬رأي ُت حين ح َملت به‪ ،‬أنه َخ َر َج مني نو ٌر أضا َء لي قصو َر ُب ْص َرى(‪ )2‬من‬
‫أرض الشأ ِم‪ ،‬ثم حملت به‪ ،‬فوالله ما رأي ُت من ح ْم ٍل قط كان أخ َّف عل َّي ولا أيس َر‬
‫منه‪ ،‬ووقع حين ولد ُته وإنه لواض ٌع يديه بالأرض‪ ،‬راف ٌع رأ َسه إلى السما ِء‪ ،‬دعيه‬

‫عنك وان َط ِلقي راشد ًة‪.‬‬

‫‪ -11‬هو والأنبيا ُء قبَله َر َعوا الغنمَ‬

‫قال ابن إسحا َق‪ :‬وكان رسو ُل الله ﷺ يقول‪« :‬ما من نبي إلا وقد رعى‬
‫الغن َم»‪ .‬قيل‪ :‬وأنت يا رسو َل الله؟ قال‪« :‬وأنا»‪.‬‬

‫(‪ )1‬ال ِّظئر‪ :‬المرضعة‪.‬‬
‫(‪ُ )2‬ب ْص َرى‪ :‬مدينة بالقرب من دمشق بالشام‪.‬‬

‫‪ | 28‬مختصر السيرة النبوية‬

‫‪ -12‬اعتزاُزه ﷺ ب ُقرشَّيته واسترضاعِه في بني سعدٍ‬

‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬وكان رسو ُل الله ﷺ يقو ُل لأصحابِه‪« :‬أنا أعر ُب ُكم؛ أنا‬
‫قر يش‪ ،‬واس ُت ِضع ُت في بني سع ِد بن بك ٍر»‪.‬‬

‫‪ -13‬وفاة آمن َة وحالُ رسولِ الله ﷺ مع ج ِّده عبدِ المطلب بعدها‬
‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬وكان رسو ُل الله ﷺ مع ُأ ِّمه آمن َة بنت وهب‪ ،‬وج ِّده عب ِد‬

‫المطلب بن هاش ٍم في كلاءة الله وحفظِه‪ُ ،‬ينبته الله نبا ًتا حسنًا لما يري ُد به من كرامته‪.‬‬
‫ح َّدثني عبد الله بن أبي بك ِر بن محم ِد بن عمرو بن حز ٍم‪ :‬أن ُأ َّم رسو ِل الله ﷺ‬
‫آمن َة ُتو ِّفيت ورسو ُل الله ﷺ اب ُن س ِّت سنين بالأبوا ِء‪ ،‬بين م َّك َة والمدين ِة‪ ،‬كانت قد‬
‫ق ِد َمت به على أخوالِه من بني َعد ِّي بن النجا ِر‪ُ ،‬ت ِزي ُره إ َّياهم‪ ،‬فماتت وهي راجع ٌة‬

‫به إلى م َّك َة‪.‬‬

‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬فكان رسو ُل الله ﷺ مع ج ِّده عب ِد الم َّطلب بن هاشم‪،‬‬
‫وكان ُيو َضع لعب ِد المطلب فِرا ٌش في ظ ِّل الكعبة‪ ،‬فكان َبنوه يَجلسون حو َل فِراشه‬
‫ذلك حتى يخر َج إليه‪ ،‬لا يجل ُس عليه أح ٌد من بنيه إجلا ًلا له‪ ،‬قال‪ :‬فكان رسو ُل الله‬
‫ﷺ يأتي وهو غلا ٌم َجف ٌر‪ ،‬حتى يجلس عليه‪ ،‬فيأخ َذه أعما ُمه ليؤ ِّخروه عنه‪ ،‬فيقول‬
‫عب ُد المطلب‪ ،‬إذا رأى ذلك منهم‪َ :‬دعوا ابني‪ ،‬فوالله إن له لشأ ًنا‪ ،‬ثم يُجلِ ُسه معه على‬

‫ال ِفرا ِش‪ ،‬و َيمس ُح ظه َره بيده‪ ،‬و َي ُس ُّره ما يراه يصن ُع‪.‬‬
‫‪ -14‬وفاُة عبدِ المطلب‬

‫فل َّما بل َغ رسو ُل الله ﷺ ثماني سنين هل َك عب ُد الم َّطلب بن هاشم‪ ،‬وذلك بعد‬
‫الفي ِل بثماني سنين‪.‬‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪29‬‬

‫‪ -15‬ولايةُ العَبّاس على ِسقاية زمز َم‬
‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬فلما هلك عب ُد المطل ِب بن هاشم َو ِل َي زمز َم والسقاي َة عليها‬
‫بعده العبا ُس ب ُن عب ِد المطلب‪ ،‬وهو يومئ ٍذ من أحد ِث إخوتِه سناا‪ ،‬فلم تز ْل إليه‬
‫حتى قام الإسلا ُم وهي بي ِده‪ ،‬فأق َّرها رسو ُل الله ﷺ له على ما مضى من ِولايتِه‪،‬‬

‫فهي إلى آ ِل العبا ِس‪ ،‬بولاية العبا ِس إ َّياها‪.‬‬
‫‪ -16‬كفال ُة أبي طالبٍ لرسولِ الله ﷺ‬
‫فكان رسو ُل الله ﷺ بعد عب ِد المطلب مع ع ِّمه أبي طالب‪ ،‬وكان عب ُد المطلب‬
‫‪-‬فيما َيزعمون‪ -‬يوصي به ع َّمه أبا طال ٍب؛ وذلك لأ َّن عب َد الله أبا رسول الله ﷺ‬

‫وأبا طال ٍب أخوان لأ ٍب وأ ٍّم‪.‬‬
‫‪ -17‬نزولُ أبي طالبٍ ورسولِ الله ﷺ ببَ ِح ْي َرى‬
‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬ثم إ َّن أبا طالب َخ َر َج في رك ٍب تاج ًرا إلى الشأم‪ ،‬فلما ته َّيأ‬
‫للرحي ِل‪ ،‬وأجمع ال َمسير صب به(‪ )1‬رسو ُل الله ﷺ ‪-‬فيما َيزعمون‪َ -‬فر َّق له أبو‬
‫طال ٍب وقال‪ :‬والله لأخرج َّن به معي‪ ،‬ولا ُيفار ُقني‪ ،‬ولا أفار ُقه أب ًدا‪ ،‬أو كما قال‪.‬‬
‫فخرج به معه فل َّما َن َز َل الرك ُب ُبصرى من أر ِض الشأم‪ ،‬وبها راه ٌب ُيقال له‪:‬‬
‫َبحيرى في صومع ٍة له‪ ،‬وكان إليه ِعل ُم أهل النصراني ِة‪ ،‬ولم يزل في تلك الصومع ِة‬
‫منذ قط(‪ )2‬راه ٌب‪ ،‬إليه يصير عل ُمهم عن كتا ٍب فيها ‪-‬فيما يزعمون‪ -‬يتوارثو َنه‬

‫كاب ًرا عن كاب ٍر‪.‬‬

‫(‪ )1‬صب به‪ :‬مال إليه‪.‬‬
‫(‪ )2‬منذ َق ُّط‪ :‬أي منذ دهر‪.‬‬

‫‪ | 31‬مختصر السيرة النبوية‬

‫فلما نزلوا ذلك العام ب َبحيرى وكانوا كثي ًرا ما يمرون به قبل ذلك فلا‬
‫يك ِّلمهم ولا يعر ُض َلم حتى كان ذلك العا ُم‪ ،‬فلما نزلوا به قري ًبا من صومعتِه‬
‫صن َع َلم طعا ًما كثي ًرا‪ ،‬وذلك ‪-‬فيما يزعمون‪ -‬عن شيء رآه وهو في صو َمعتِه‪،‬‬
‫َيزعمون أ َّنه رأى رسو َل الله ﷺ ‪-‬وهو في صومعتِه‪ -‬في الرك ِب حين أق َبلوا‪،‬‬

‫و َغمام ٌة ُتظ ُّله من بين القوم‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم أق َبلوا‪ ،‬فنزلوا في ظِ ِّل شجر ٍة قري ًبا منه‪ ،‬فنظر إلى الغمام ِة حين أظ َّلت‬
‫الشجر َة‪ ،‬و َت َه َّصرت(‪ )1‬أغصا ُن الشجر ِة على رسو ِل الله ﷺ حتى استظ َّل تحتها‪،‬‬
‫فل َّما رأى ذلك َبحيرى نزل من صومعتِه‪ ،‬ثم أرس َل إليهم‪ ،‬فقال‪ :‬إ ِّني قد صنع ُت‬
‫لكم طعا ًما يا معش َر قري ٍش‪ ،‬فأنا أ ِح ُّب أن تح ُضوا ك ُّلكم‪ ،‬صغي ُركم وكبي ُركم‬

‫وعب ُدكم و ُح ُّركم‪.‬‬

‫فقال له رجل منهم‪ :‬والله يا َبحيرى إن لك لشأ ًنا اليو َم‪ ،‬فما كنت تصن ُع هذا‬
‫بنا‪ ،‬وقد ك َنّا نمر بك كثي ًرا‪ ،‬فما شأ ُنك اليوم؟ قال له َبحيرى‪ :‬صدقت‪ ،‬قد كان ما‬
‫تقول‪ ،‬ولكنكم ضي ٌف‪ ،‬وقد أحبب ُت أن أكرمكم وأصن َع لكم طعا ًما فتأكلوا منه‬

‫ك ُّلكم‪.‬‬
‫فاجتمعوا إليه‪ ،‬وتخ َّلف رسو ُل الله ﷺ من بين القو ِم‪ ،‬لحدا َث ِة ِسنِّه‪ ،‬في رحال‬
‫القوم تحت الشجر ِة‪ ،‬فلما نظر َبحيرى في القو ِم لم ي َر ال ِّصف َة التي يع ِرف ويجد عنده‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا معش َر ُقري ٍش‪ ،‬لا يتخ َّلف َّن أح ٌد منكم عن طعامي‪ ،‬قالوا له‪ :‬يا َبحيرى‪ ،‬ما‬
‫تخل َّف عنك أح ٌد ينبغي له أن يأت َيك إلا غلا ٌم‪ ،‬وهو أحد ُث القو ِم ِسناا‪ ،‬فتخلف في‬

‫رحاَ ِلم‪.‬‬

‫(‪َ )1‬ت َه َّصرت‪ :‬مالت وتدلت‪.‬‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪30‬‬

‫فقال‪ :‬لا تفعلوا‪ ،‬ادعوه فل َيح ُض هذا الطعا َم معكم‪ ،‬قال‪ :‬فقال رج ٌل من‬
‫ُقري ٍش مع القو ِم‪ :‬واللا ِت وال ُع َّزى‪ ،‬إن كان ل ُل ْؤ ٌم بنا أن يتخل َف اب ُن عب ِد الله بن‬

‫عب ِد الم َّطلب عن طعام ِمن بيننا‪ ،‬ثم قام إليه فاحت َضن ُه وأج َلسه مع القو ِم‪.‬‬
‫فلما رآه َبحيرى جعل يل َح ُظه لح ًظا شدي ًدا وينظ ُر إلى أشيا َء من جس ِده‪ ،‬قد‬
‫كان يج ُدها عن َده من صفتِه‪ ،‬حتى إذا فر َغ القو ُم من طعا ِمهم وتف َّرقوا‪ ،‬قام إليه‬
‫َبحيرى‪ ،‬فقال له‪ :‬يا غلا ُم‪ ،‬أسألك بحق اللا ِت وال ُع َّزى إلا ما أخبرتني عما أسأ ُلك‬

‫عنه‪ ،‬وإنما قال له َبحيرى ذلك‪ ،‬لأ َّنه سمع قو َمه يَحلفون بهما‪.‬‬

‫فزعموا أن رسو َل الله ﷺ قال له‪ :‬لا تسألني بال َّلات وال ُع َّزى‪ ،‬فوالله ما‬
‫أبغض ُت شي ًئا ق ُّط ُبغ َضهما‪ ،‬فقال له َبحيرى‪ :‬فبالله إلا ما أخبر َتني عما أسأ ُلك عنه‪،‬‬

‫فقال له‪ :‬س ْلني ع َّما بدا لك‪.‬‬
‫فجعل يسأ ُله عن أشيا َء من حاله في نو ِمه وهيئتِه وأمو ِره‪ ،‬فجع َل رسو ُل الله‬
‫ﷺ يُخبره‪ ،‬ف ُيواف ُق ذلك ما عند َبحيرى من صفتِه‪ ،‬ثم نظر إلى ظهره‪ ،‬فرأى خات َم‬

‫النبو ِة بين كتِفيه على مو ِضعه من صفتِه التي عن َده‪.‬‬

‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬فل َّما فر َغ‪ ،‬أقبل على ع ِّمه أبي طالب‪ ،‬فقال له‪ :‬ما هذا الغلا ُم‬
‫منك؟ قال‪ :‬ابني‪ .‬قال له َبحيرى‪ :‬ما هو بابنِك‪ ،‬وما ينبغي َلذا الغلا ِم أن يكون‬
‫أبو ُه ح ايا‪ ،‬قال‪ :‬فإنه اب ُن أخي‪ ،‬قال‪ :‬فما فعل أبو ُه؟ قال‪ :‬مات و ُأ ُّمه ُحبلى به‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ص َدق َت‪ ،‬فارج ْع بابن أخيك إلى بل ِده‪ ،‬وا ْح َذ ْر عليه ُو َد‪ ،‬فوالله لئن رأوه وعرفوا‬
‫منه ما عرفت ل َي ْب ُغنَّه ش ارا‪ ،‬فإنه كائ ٌن لابن أخيك هذا شأ ٌن عظي ٌم‪ ،‬فأس ِرع به إلى‬

‫بلا ِده‪.‬‬

‫‪ | 32‬مختصر السيرة النبوية‬

‫فخرج به ع ُّمه أبو طال ٍب سري ًعا حتى أقدمه م َّك َة حين فرغ من ِتارتِه‬
‫بالشأم‪.‬‬

‫ف َش َّب رسو ُل الله ﷺ‪ ،‬والله تعالى َيكلؤه ويحف ُظه ويَحوطه من أقذا ِر الجاهلي ِة‪ ،‬لما‬
‫يريد به من َكرامتِه ورسالته‪ ،‬حتى بلغ أن كان رج ًلا‪ ،‬وأفض َل قو ِمه ُمروء ًة‪ ،‬وأحسنَهم‬
‫ُخل ًقا‪ ،‬وأكرمهم ح َس ًبا‪ ،‬وأحسنَهم ِجوا ًرا‪ ،‬وأعظ َمهم ِحل ًما‪ ،‬وأصد َقهم حدي ًثا‪،‬‬
‫وأع َظ َمهم أمان ًة‪ ،‬وأبع َدهم من ال ُفح ِش والأخلا ِق التي ُتد ِّنس الرجا َل‪ ،‬تن ُّز ًها‬

‫وتكر ًما‪ ،‬حتى ما اس ُمه في قومه إلا الأمي ُن‪ ،‬لمِا جم َع الله فيه من الأمو ِر الصالح ِة‪.‬‬
‫‪ -18‬حديثُه ﷺ عن عصم ِة الله له في طفولتِه‬

‫وكان رسو ُل الله ﷺ ‪-‬فيما ذكر لي‪ -‬يُح ِّد ُث عما كان الله يحف ُظه به في ِص َغره‬
‫وأم ِر جاهليته‪ ،‬أنه قال‪« :‬لقد رأي ُتني في ِغلمان قريش نن ُقل حجارة لبعض ما َيلعب‬
‫به ال ِغلما ُن‪ ،‬كلنا قد َتع َّرى‪ ،‬وأخذ إزا َره فجعله على رق َبته‪ ،‬يحمل عليه الحجار َة‪ ،‬فإ ِني‬
‫لأُقب ُل معهم كذلك و ُأدب ُر‪ ،‬إذ لكمني لاكم ما أراه‪ ،‬لكمة وجيعة‪ ،‬ثم قال‪ُ :‬ش َّد‬
‫عليك إزا َرك» قال‪« :‬فأخذ ُته وشددته ع َّل‪ ،‬ثم جعلت أحم ُل الحجارة على رق َبتي‬

‫وإزاري ع َّل من بين أصحابي»(‪.)1‬‬
‫‪ -19‬حربُ ال ِفجاِر‬

‫قال اب ُن هشام‪ :‬فلما بل َغ رسو ُل الله ﷺ أرب َع ع َشرة سن ًة أو خم َس عشر َة سن ًة‬
‫‪-‬فيما حدثني أبو ُعبيد َة النحو ُّي‪ ،‬عن أبي عمرو ب ِن ال َعلاء‪ -‬هاجت حرب ال ِف َجار‬

‫بين قري ٍش ومن معهم من ِكنان َة‪ ،‬وبين قيس َعيلا َن‪.‬‬

‫(‪ )1‬قال السهيلي في التعليق على هذه القصة‪ :‬وهذه القصة إنما وردت في الحديث الصحيح في حين بنيان‬
‫الكعبة‪.‬‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪33‬‬

‫وش ِه َد رسو ُل الله ﷺ بع َض أيامهم‪ ،‬أخر َجه أعما ُمه معهم‪.‬‬
‫وقال رسو ُل الله ﷺ‪« :‬كنت ُأ َن ِب ُل على أعمامي» أي‪ :‬أ ُر ُّد عليهم َنب َل عد ِّوهم‬

‫إذا رموهم بها‪.‬‬

‫‪ -21‬حديثُ تزوي ِج رسولِ الله ﷺ خديجةَ ‪‬‬

‫قال اب ُن هشام‪ :‬فلما بل َغ رسو ُل الله ﷺ خم ًسا وعشرين سن ًة تز َّوج خديج َة‬
‫بنت خويلد‪.‬‬

‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬وكانت خديج ُة بنت خويل ٍد امرأ ًة تاجر ًة ذات شرف‬
‫وما ٍل‪ ،‬تستأجر الرجا َل في ماَلا و ُتضا ِر ُبهم إياه بشي ٍء تع ُله َلم‪ ،‬وكانت قريش‬
‫قو ًما ُتا ًرا‪ ،‬فلما بلغها عن رسول الله ﷺ ما بل َغها‪ ،‬من ِصدق حديثِه‪ ،‬و ِع َظ ِم‬
‫أمانتِه‪ ،‬وكر ِم أخلاقه‪َ ،‬بعثت إليه فعر َضت عليه أن يَخ ُرج في ما ٍل َلا إلى الشأ ِم‬
‫تاج ًرا‪ ،‬و ُتعطيه أفض َل ما كانت ُتعطي غي َره من التجا ِر‪ ،‬مع غلا ٍم َلا ُيقال له‪:‬‬
‫َميسر ُة‪ ،‬فقبِله رسو ُل الله ﷺ منها‪ ،‬وخر َج في ماَلا ذلك‪ ،‬وخر َج معه غلا ُمها‬

‫َميسر ُة حتى ق ِدم الشأ َم‪.‬‬
‫فنزل رسول الله ﷺ في ِظ ِّل شجرة قري ًبا من صومعة راه ٍب من ال ُّرهبان‪،‬‬
‫فا َّطلع الراهب إلى ميسر َة‪ ،‬فقال له‪َ :‬م ْن هذا الرج ُل الذي نز َل تحت هذه الشجر ِة؟‬

‫قال له َميسر ُة‪ :‬هذا رجل من قري ٍش من أهل الحر ِم‪.‬‬
‫فقال له الراه ُب‪ :‬ما نزل تحت هذه الشجر ِة َق ُّط إلا َنبي‪.‬‬
‫ثم با َع رسو ُل الله ﷺ ِسلعته التي خرج بها‪ ،‬واشترى ما أرا َد أن َيشتر َي‪ ،‬ثم‬

‫أقب َل قاف ًلا إلى م َّك َة ومعه َميسر ُة‪.‬‬

‫‪ | 34‬مختصر السيرة النبوية‬

‫فكان َميسر ُة ‪-‬فيما َيز ُعمون‪ -‬إذا كانت اَلاجر ُة واشت َّد الح ُّر‪ ،‬يرى َملكين‬
‫ُيظلانه من الشم ِس وهو يسير على َبعير ِه‪ ،‬فلما قدم م َّك َة على خديج َة بماَلا‪ ،‬باعت ما‬

‫جاء به‪ ،‬فأض َع َف أو قري ًبا‪.‬‬
‫وحدثها َميسر ُة عن قول الراه ِب‪ ،‬وعما كان يرى من إظلا ِل المَلكين إياه‪.‬‬
‫وكانت خديج ُة امرأ ًة حازم ًة شريف ًة لبيب ًة‪ ،‬مع ما أرا َد الله بها من كرام ِته‪ ،‬فلما‬
‫أخبرها َميسر ُة بما أخب َرها به بعثت إلى رسو ِل الله ﷺ‪ ،‬فقالت له ‪-‬فيما يزعمون‪:-‬‬
‫يا اب َن َع ِّم‪ ،‬إني قد ر ِغب ُت فيك ل َقرابت َك‪ ،‬و ِس َطتِك(‪ )1‬في قومك‪ ،‬وأمانتك‪ ،‬و ُحس ِن‬

‫ُخلقك‪ ،‬و ِصدق حديثِك‪.‬‬
‫ثم َع َر َضت عليه نف َسها‪ ،‬وكانت خديج ُة يومئذ أوس َط نسا ِء قريش نس ًبا‪،‬‬
‫وأعظ َمهن شر ًفا‪ ،‬وأكث َرهن ما ًلا‪ُ ،‬ك ُّل قو ِمها كان حري ًصا على ذلك منها لو يقد ُر عليه‪.‬‬
‫فلما قالت ذلك لرسو ِل الله ﷺ ذك َر ذلك لأعما ِمه فخر َج معه ع ُّمه حمز ُة بن‬

‫عب ِد المطلب ‪ ‬حتى دخل على ُخويل َد بن أس ٍد‪ ،‬فخط َبها إليه‪ ،‬فتز َّوجها‪.‬‬
‫قال اب ُن هشام‪ :‬وأص َد َقها رسو ُل الله ﷺ عشرين َبكر ًة‪ ،‬وكانت أ َّو َل امرأ ٍة‬

‫تزوجها رسو ُل الله ﷺ‪ ،‬ولم يتز َّو ْج عليها غي َرها حتى ماتت ‪.‬‬
‫‪ -21‬أولا ُده ﷺ من خديجةَ‬

‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬فولد ْت لرسو ِل الله ﷺ ول َده ُك َّلهم ‪-‬إلا إبراهي َم‪:-‬‬
‫القاس َم‪ ،‬وبه كان ُيكنى ﷺ‪ ،‬والطاه َر‪ ،‬والطي َب‪ ،‬وزين َب‪ ،‬ورقي َة‪ ،‬وأ َّم كلثو ٍم‪،‬‬

‫وفاطم َة عليهم السلام‪.‬‬

‫(‪ِ )1‬س َطتك‪ :‬شرفك‪.‬‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪35‬‬

‫قال اب ُن هشام‪ :‬أكب ُر بنيه‪ :‬القاس ُم‪ ،‬ثم الطي ُب‪ ،‬ثم الطاه ُر‪ ،‬وأكب ُر بناته‪ :‬رقي ُة‪،‬‬
‫ثم زين ُب‪ ،‬ثم ُأ ُّم كلثو َم‪ ،‬ثم فاطم ُة‪.‬‬

‫قال ابن إسحا َق‪ :‬فأما القاس ُم‪ ،‬والطي ُب‪ ،‬والطاه ُر فه َلكوا في الجاهلي ِة‪ ،‬وأما‬
‫بنا ُته ف ُك ُّلهن أدركن الإسلا َم‪ ،‬فأسلم َن وها َجرن معه ﷺ‪.‬‬
‫‪ -22‬أُ ُمّ إبراهيمَ‬
‫قال اب ُن هشام‪ :‬وأما إبراهيم فأ ُّمه ماري ُة القبطية‪.‬‬

‫عن ابن ََليع َة قال‪ :‬أم إبراهي َم‪ :‬مارية ُس ِّر َّي ُة النبي ﷺ التي أهداها إليه‬
‫ال ُمقوق ُس من ح َفن من كورة أن ِصنا‪.‬‬

‫‪ | 36‬مختصر السيرة النبوية‬

‫[ثانيا‪ :‬إرهاصات النبوة]‬

‫‪ -1‬حديث خديج َة مع ورقةَ وصِدقِ نبوءة ورق َة فيه ﷺ‬
‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬وكانت خديج ُة بنت خويل ٍد قد ذكرت لورق َة بن نوفل بن‬
‫أس ِد بن عبد ال ُع َّزى ‪-‬وكان اب َن ع ِّمها‪ ،‬وكان نصران ايا قد تتبع الكتب و َع ِلم من‬
‫علم الناس‪ -‬ما َذكر َلا غلا ُمها َميسر ُة من قول الراه ِب‪ ،‬وما كان يرى منه إذ كان‬
‫المَلكان ُيظ َّلانِه‪ ،‬فقال ورق ُة‪ :‬لئن كان هذا ح اقا يا خديج ُة‪ ،‬إن محم ًدا لنب ُّي هذه الأمة‪،‬‬

‫وقد عرفت أنه كائ ٌن َلذه الأم ِة نبي ُينت َظر‪ ،‬هذا زما ُنه‪ ،‬أو كما قال‪.‬‬

‫‪ -2‬حديث ُبنيان الكعبة و ُحكم رسول الله ﷺ بين ُقري ٍش في وضع الحجرِ‬

‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬فلما بل َغ رسو ُل الله ﷺ خم ًسا وثلاثين سن ًة‪ ،‬اجتمعت‬
‫قريش ل ُبنيان الكعب ِة‪.‬‬

‫فلما أجمعوا أم َرهم في هد ِمها وبنا ِئها‪ ،‬قام أبو وه ِب ب ُن عمرو بن عائذ بن‬
‫عب ِد بن ِعمران بن مَخزوم ‪-‬قال اب ُن هشام‪ :‬عائ ُذ بن عمران بن مخزوم‪ -‬فتناو َل من‬
‫الكعب ِة حج ًرا‪ ،‬فو َث َب من يده‪ ،‬حتى رج َع إلى مو ِض ِعه‪ ،‬فقال‪ :‬يا معش َر ُقري ٍش‪ ،‬لا‬
‫ُتد ِخلوا في بنا ِئها من كسبِكم إلا ط ِّي ًبا‪ ،‬لا يدخ ُل فيها َمه ُر َبغ ٍّي‪ ،‬ولا بي ُع ر ًبا‪ ،‬ولا‬

‫مظلم ُة أح ٍد من الناس‪.‬‬

‫والناس ين ِحلون هذا الكلا َم الولي َد ب َن المغير ِة ب ِن عبد الله بن عم َر بن مخزوم‪.‬‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪37‬‬

‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬ثم إن القبائ َل من قري ٍش جمعت الحجار َة لبنا ِئها‪ُ ،‬ك ُّل قبيلة‬
‫تم ُع على حد ٍة‪ ،‬ثم بنوها‪ ،‬حتى بل َغ ال ُبنيا ُن موض َع الرك ِن(‪ ،)1‬فاختصموا فيه‪ُ ،‬ك ُّل‬
‫قبيل ٍة تريد أن تر َف َعه إلى مو ِض ِعه دون الأخرى‪ ،‬حتى َتحاوزوا وتحالفوا وأع ُّدوا‬

‫للقتا ِل‪.‬‬

‫فزعم بع ُض أهل الرواية‪ :‬أن أبا أمي َة ب َن المغيرة ب ِن عبد الله بن عم َر بن‬
‫مَخزوم‪ ،‬وكان عامئ ٍذ أس َّن قري ٍش ُك ِّلها‪ ،‬قال‪ :‬يا معش َر قري ٍش‪ ،‬اجعلوا بينكم فيما‬
‫تختلفون فيه أ َّو َل من يدخ ُل من باب هذا المسج ِد َيقضي بينكم فيه؛ ف َفعلوا‪ ،‬فكان‬
‫أ َّو َل داخ ٍل عليهم رسو ُل الله ﷺ‪ ،‬فلما رأوه قالوا‪ :‬هذا الأمي ُن‪ ،‬رضينا‪ ،‬هذا محم ٌد‪،‬‬
‫فلما انتهى إليهم وأخبرو ُه الخب َر‪ ،‬قال ﷺ‪َ « :‬ه ُل َّم إ َّل ثوبا»‪ ،‬ف ُأتي به‪ ،‬فأخذ الرك َن‬
‫فوضع ُه فيه بي ِده‪ ،‬ثم قال‪« :‬لتأ ُخ ْذ ُكل قبيل ٍة بناحي ٍة من الثو ِب‪ ،‬ثم ارفعوه جميعا»‬

‫حتى إذا بلغوا به موض َع ُه‪ ،‬وضعه هو بي ِده‪ ،‬ثم بنى عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬إخباُر الك َّها ِن من العرب‪ ،‬والأحباِر من يهودٍ‪ ،‬والرهبانِ من النصارى‬
‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬وكانت الأحبا ُر من ُو ٍد‪ ،‬والرهبا ُن من النصارى‪ ،‬وال ُك َّها ُن‬

‫من العرب‪ ،‬قد تح َّدثوا بأمر رسول الله ﷺ قب َل َمبعثِه‪ ،‬لما تقار َب من زمانه‪.‬‬
‫أما الأحبا ُر من ُو ٍد‪ ،‬والرهبا ُن من النصارى‪ ،‬فع َّما وجدوا في ُك ُتبهم من‬

‫صفته وصفة زمانِه‪ ،‬وما كان من عه ِد أنبيا ِئهم إليهم فيه‪.‬‬
‫وأما الك َّهان من العرب فأ َت ْتهم به الشياطي ُن من الج ِّن فيما تست ِر ُق من‬

‫السم ِع‪ ،‬إذ كانت وهي لا تح ِجب عن ذلك بال َقذف بالنجوم‪.‬‬

‫(‪ )1‬أي‪ :‬موضع الحجر الأسود‪.‬‬

‫‪ | 38‬مختصر السيرة النبوية‬

‫وكان الكاه ُن والكاهن ُة لا يزا ُل يق ُع منهما ِذك ُر بعض أمو ِره‪ ،‬لا ُتلقي العر ُب‬
‫لذلك فيه با ًلا‪ ،‬حتى بع َثه الله تعالى‪ ،‬ووقعت تلك الأمو ُر التي كانوا َيذكرون؛‬

‫فع َرفوها‪.‬‬
‫فلما تقار َب أم ُر رسول الله ﷺ وح َض َمبع ُثه‪ُ ،‬ح ِج َبت الشياطي ُن عن السم ِع‪،‬‬
‫و ِحيل بينها وبين المَقاع ِد التي كانت تق ُعد لاستراق السم ِع فيها‪ ،‬ف ُرموا بالنجو ِم‪،‬‬

‫ف َعرفت الج ُّن أن ذلك لأم ٍر حدث من أم ِر الله في ال ِعباد‪.‬‬
‫‪ -4‬إنذاُر يهو ٍد برسو ِل الله ﷺ‬

‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬وحدثني عاصم بن ُعمر بن قتاد َة‪ ،‬عن رجا ٍل من قو ِمه‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬إ َّن مما دعانا إلى الإسلا ِم ‪-‬مع رحم ِة الله تعالى و ُهدا ُه لنا‪ -‬لما كنا نسم ُع رجا َل‬
‫ُو ٍد‪ ،‬وكنا أه َل شر ِك‪ ،‬أصحا َب أوثا ٍن‪ ،‬وكانوا أه َل كتاب‪ ،‬عندهم عل ٌم ليس لنا‪،‬‬
‫وكانت لا تزا ُل بيننا وبينهم ُشرو ٌر‪ ،‬فإذا نِلنا منهم بع َض ما يكرهون‪ ،‬قالوا لنا‪ :‬إنه‬
‫قد تقارب زما ُن نب ٍّي ُيبعث الآ َن نق ُت ُلكم معه قتل عا ٍد وإرم‪ .‬فكنا كثي ًرا ما نسمع‬

‫ذلك منهم‪.‬‬

‫فلما بعث الل ُه رسو َله ﷺ أجبناه‪ ،‬حين دعانا إلى الله تعالى‪ ،‬وع َرفنا ما كانوا‬
‫يتو َّعدوننا به؛ فبا َدرناهم إليه‪ ،‬فآم َّنا به‪ ،‬وكفروا به‪ ،‬ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيا ُت‬
‫من البقرة‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬

‫ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ‬

‫ﭫﭬ) [البقرة‪.]22:‬‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪39‬‬

‫[ثالثا‪ :‬من البعثة إلى الهجرة]‬
‫[أ ‪ -‬الدعوة السرية]‬

‫‪َ -1‬مبع ُث النب ِّي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسلي ًما‬
‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬فلما بل َغ محم ٌد رسو ُل الله ﷺ أربعي َن سن ًة بعثه الله تعالى‬
‫رحم ًة للعالمين‪ ،‬وكاف ًة للنا ِس بشي ًرا‪ ،‬وكان الل ُه تبارك وتعالى قد أخ َذ الميثا َق على ُك ِّل‬

‫نبي بعثه قب َله بالإيما ِن به‪ ،‬وال َّتصدي ِق له‪ ،‬والنص ِر له على َم ْن خالفه‪.‬‬
‫وأخذ عليهم أن ُيؤ ُّدوا ذلك إلى ُك ِّل من آمن بهم وص َّدقهم‪ ،‬فأدوا ِمن ذلك‬

‫ما كان عليهم من الح ِّق فيه‪.‬‬

‫يقول الل ُه تعالى لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم‪( :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ‬
‫ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ‬

‫ﯞﯟﯠ) [آل عمران‪.]25:‬‬
‫‪ -2‬أ َوّلُ ما بُدئَ به الرسولُ ﷺ الرؤيا الصادقةُ‬
‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬فذكر ال ُّزهر ُّي عن عرو َة بن الزبي ِر‪ ،‬عن عائش َة ‪‬‬
‫أنها ح َّدثته‪ :‬أن أ َّو َل ما ُبد َئ به رسو ُل الله ﷺ من النُب َّو ِة‪ ،‬حين أرا َد الله كرام َته‬
‫ورحم َة العبا ِد به‪ ،‬الرؤيا الصادق ُة‪ ،‬لا َيرى رسو ُل الله ﷺ رؤيا في نومه إلا جاءت‬

‫ك َفل ِق الصب ِح‪.‬‬

‫قالت‪ :‬و َح َّب َب الله تعالى إليه الخلو َة‪ ،‬فلم يكن شي ٌء أح َّب إليه من أن يخلو‬
‫وح َده‪.‬‬

‫‪ | 41‬مختصر السيرة النبوية‬

‫‪ -3‬تسليمُ الحجارة والشجرِ عليه ﷺ‬
‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬عن أه ِل العلم‪ :‬إن رسو َل الله ﷺ حين أراده الله بكرامتِه‪،‬‬
‫وابتدأه بالنبو ِة‪ ،‬كان إذا خر َج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيو ُت و ُيفضي إلى‬
‫شعا ِب مك َة وبطون أوديتها‪ ،‬فلا يم ُّر رسول الله ﷺ بحج ٍر ولا شج ٍر إلا قال‪:‬‬

‫السلا ُم عليك يا رسو َل الله‪.‬‬
‫قال‪ :‬فيلتف ُت رسول الله ﷺ حو َله وعن يمينه وشمالِه وخل َفه‪ ،‬فلا يرى إلا‬
‫الشج َر والحجارة‪ ،‬فمكث رسو ُل الله ﷺ كذلك يرى ويسمع ما شاء الل ُه أن‬
‫يمكث‪ ،‬ثم جاءه جبري ُل عليه السلام بما جاءه من كرام ِة الله‪ ،‬وهو ب ِحرا ٍء في شهر‬

‫رمضان‪.‬‬

‫‪ -4‬ابتداءُ نزولِ جبري َل عليه السلام‬

‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬وحدثني وه ُب بن كيسا َن مولى آل الزبير قال‪ :‬سمعت‬
‫عب َد الله بن الزبي ِر وهو يقول ل ُعبيد بن ُعمير بن قتاد َة الليثي‪ :‬ح ِّدثنا يا عبي ُد‪ ،‬كيف‬

‫كان بد ُء ما اب ُت ِد َئ به رسو ُل الله ﷺ من النبو ِة‪ ،‬حين جاءه جبري ُل عليه السلام؟‬
‫قال‪ :‬فقال‪ُ :‬عبي ٌد ‪-‬وأنا حا ٌض يحد ُث عب َد الله ب َن الزبير و َم ْن عنده من‬
‫الناس‪ :-‬كان رسو ُل الله ﷺ يُجاور(‪ )1‬في ِحراء من ُك ِّل سنة شه ًرا‪ ،‬وكان ذلك مما‬

‫تحنَّ َث به قري ٌش في الجاهلية‪ .‬والتحنُّث‪ :‬التب ُّرر‪.‬‬
‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬وحدثني وه ُب بن كيسا َن قال‪ :‬قال عبي ٌد‪ :‬فكان رسو ُل‬
‫الله ﷺ يُجاور ذلك الشهر من ُك ِّل سنة‪ُ ،‬يطعم من جا َءه من المساكين‪ ،‬فإذا قضى‬

‫(‪ )1‬يُجا ِور‪ :‬يعتكف‪.‬‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪40‬‬

‫رسو ُل الله ﷺ ِجواره من شه ِره ذلك‪ ،‬كان أ َّو ُل ما يبدأ به‪ ،‬إذا انصرف من ِجواره‬
‫الكعب َة قبل أن يدخل بي َته‪ ،‬فيطوف بها سب ًعا أو ما شاء الل ُه من ذلك‪ ،‬ثم يرجع إلى‬
‫بيته‪ ،‬حتى إذا كان الشه ُر الذي أراد الله تعالى به فيه ما أراد من كرا َمته‪ ،‬من السنة‬
‫التي َبع َثه الله تعالى فيها‪ ،‬وذلك الشه ُر شه ُر رمضان‪ ،‬خرج رسول الله ﷺ إلى‬
‫ِحراء‪ ،‬كما كان يَخرج ل ِجواره ومعه أه ُله‪ ،‬حتى إذا كانت اللي َل ُة التي أكرمه الل ُه فيها‬

‫برسالتِه‪ ،‬ور ِح َم العبا َد بها‪ ،‬جاءه جبري ُل عليه السلام بأم ِر الله تعالى‪.‬‬
‫قال رسو ُل الله ﷺ‪« :‬فجاءني جبري ُل‪ ،‬وأنا نائم ب َن َم ٍط(‪ )1‬من ديبا ٍج فيه كتاب‪،‬‬
‫فقال‪ :‬اقرأ»‪ ،‬قال‪« :‬قلت‪ :‬ما أقر ُأ؟» قال‪« :‬ف َغ َّتني(‪ )2‬به حتى َظننت أنه المو ُت‪ ،‬ثم‬
‫أرسلني فقال‪ :‬اقر ْأ»‪ ،‬قال‪« :‬قلت‪ :‬ما أقرأ؟» قال‪« :‬ف َغ َّتني به حتى ظننت أنه المو ُت‪ ،‬ثم‬
‫أرسلني‪ ،‬فقال‪ :‬اقر ْأ»‪ ،‬قال‪« :‬قلت‪ :‬ماذا أقرأ؟» قال‪« :‬فغ َّتني به حتى ظننت أنه المو ُت‪،‬‬
‫ثم أرسلني‪ ،‬فقال‪ :‬اقرأ»‪ ،‬قال‪« :‬فقلت‪ :‬ماذا أقر ُأ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعو َد‬
‫ل بمث ِل ما صنع بي‪ ،‬فقال‪( :‬ﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮁﮂﮃﮄﮅ ﮆﮇﮈ‬

‫ﮉ ﮊﮋﮌﮍ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓ) [العلق‪.»]5-1 :‬‬

‫قال‪« :‬فقرأ ُتا ثم انتهى فانِص ََ ع ِني وهببت من نومي‪ ،‬فكأنما ُكتب ْت في‬
‫قلبي كتابا»‪.‬‬

‫قال‪« :‬فخرج ُت حتى إذا كنت في و َس ٍط من الجب ِل سمع ُت صوتا من السما ِء‬
‫يقول‪ :‬يا محم ُد‪ ،‬أنت رسو ُل الله‪ ،‬وأنا جبري ُل» قال‪« :‬فرفع ُت رأسي إلى السما ِء أنظ ُر‪،‬‬
‫فإذا جبري ُل في صور ِة رج ٍل صاَ قدميه في أ ُف ِق السماء يقول‪ :‬يا محم ُد‪ ،‬أنت رسو ُل‬

‫الله‪ ،‬وأنا جبري ُل»‪.‬‬

‫(‪ )1‬النَّ َمط‪ :‬ضب من ال ُب ُسط‪.‬‬
‫(‪َ )2‬غ َّتني‪ :‬شدني‪.‬‬

‫‪ | 42‬مختصر السيرة النبوية‬

‫قال‪« :‬فوقفت أنظ ُر إليه فما أتق َّد ُم وما أتأ َّخ ُر‪ ،‬وجعل ُت أصر َُ وجهي عنه في‬
‫آفا ِق السما ِء‪ ،‬قال‪ :‬فلا أنظ ُر في ناحي ٍة منها إلا رأي ُته كذلك‪ ،‬فما ِزلت واقفا ما أتقدم‬
‫أمامي وما أرج ُع ورائي حتى َبع َثت خديج ُة ُرسلها في طلبي‪ ،‬فبلغوا أعلى مك َة‬

‫ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك‪ ،‬ثم انِص ََ عني»‪.‬‬

‫‪ -5‬رسولُ الله ﷺ َيقُ ُصّ على خديج َة ما كان من أمر جبري َل معه‬
‫«وانِصف ُت راجعا إلى أهل حتى أتي ُت خديج َة فجلس ُت إلى ف ِخذها ُم ِضيفا‬
‫إليها(‪ :)1‬فقالت‪ :‬يا أبا القاس ِم‪ ،‬أين كنت؟ فوالله لقد َبعث ُت ُرسل في طلبك حتى‬
‫بلغوا مك َة ورجعوا ل‪ ،‬ثم حدث ُتها بالذي رأي ُت‪ ،‬فقالت‪ :‬أ ْب ِ ْش يا ابن ع ِم واث ُبت‪،‬‬

‫فوالذي نف ُس خديج َة بيده إني لأرجو أن تكون نب َّي هذه الأم ِة»‪.‬‬
‫‪ -6‬خديجةُ بين يدي ورقةَ تُح ِدّثه حدي َث رسول الله ﷺ‬

‫ثم قامت فجم َعت عليها ثيا َبها‪ ،‬ثم انطل َقت إلى ورق َة ب ِن نوفل بن أسد بن‬
‫عبد ال ُع َّزى بن قصي ‪-‬وهو اب ُن ع ِّمها‪ -‬وكان ورقة قد تن َّصر وقرأ الكتب‪ ،‬وسمع‬
‫من أه ِل التوراة والإنجيل‪ ،‬فأخب َرته بما أخب َرها به رسو ُل الله ﷺ‪ ،‬أنه رأى وس ِم َع‪،‬‬
‫فقال ورق ُة بن نوفل‪ُ :‬ق ُّدو ٌس ُق ُّدو ٌس‪ ،‬والذي نف ُس ورق َة بيده‪ ،‬لئن كنت صدقتِيني‬
‫يا خديج ُة لقد جاءه النامو ُس الأكبر الذي كان يأتي موسى‪ ،‬وإنه لنب ُّي هذه الأم ِة‪،‬‬

‫فقولي له‪ :‬فليث ُبت‪.‬‬
‫فرجعت خديج ُة إلى رسو ِل الله ﷺ فأخبرته بقو ِل ورق َة بن َنوف ٍل‪ ،‬فلما قضى‬
‫رسول الله ﷺ ِجوار ُه وانصر َف‪ ،‬صن َع كما كان يصن ُع‪ :‬بدأ بالكعب ِة فطاف بها‪،‬‬

‫(‪ُ )1‬م ِضي ًفا إليها‪ :‬ملتص ًقا بها‪.‬‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪43‬‬

‫فلقيه ورق ُة بن نوفل وهو يطوف بالكعب ِة فقال‪ :‬يا اب َن أخي‪ ،‬أخ ِبرني بما رأي َت‬
‫وسمعت‪ ،‬فأخبره رسو ُل الله ﷺ‪.‬‬

‫فقال له ورق ُة‪ :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬إنك لنب ُّي هذه الأم ِة‪ ،‬ولقد جاءك‬
‫النامو ُس الأكب ُر الذي جاء موسى‪ ،‬ول ُتك َّذ َبنَّ ْه ول ُتؤ َذ َي َّن ْه ول ُتخ َر َج َّن ْه ول ُتقا َت َلنَّ ْه‪ ،‬ولئن‬
‫أنا أدركت ذلك اليوم لأنصر َّن الله نص ًرا يعل ُمه‪ ،‬ثم أدنى رأسه منه‪ ،‬فق َّبل‬

‫يافو َخه(‪ ،)1‬ثم انصر َف رسو ُل الله ﷺ إلى منزلِه‪.‬‬

‫‪ -7‬ابتدا ُء تنزيلِ القرآن‬
‫قال اب ُن إسحاق‪ :‬فاب ُتد َئ رسو ُل الله ﷺ بالتنزي ِل في شه ِر رمضان‪ ،‬بقول الله‬
‫‪( :‬ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ‬
‫ﮣ) [البقرة‪ ،]521:‬وقال الله تعالى‪( :‬ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ‬
‫ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ‬

‫ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ) [القدر‪.]1-5:‬‬
‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬ثم َتتا َّم الوح ُي إلى رسو ِل الله ﷺ‪ ،‬وهو مؤم ٌن بالله ُمص ِّد ٌق‬
‫بما جاءه منه‪ ،‬قد قبِله ب َقبولِه‪ ،‬وتح َّمل منه ما حُ ِّم َله على رضا العباد وس َخطهم‪،‬‬
‫والنُّب َّوة أثقا ٌل و ُمؤن ٌة‪ ،‬لا َيحملها ولا يستطي ُع بها إلا أه ُل ال ُق َّوة والعز ِم من ال ُّرسل‬
‫بعون الله تعالى وتوفيقه‪ ،‬لما َيلقون من الناس وما ُي َر ُّد عليهم مما جاءوا به عن الله‬

‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫قال‪ :‬فمضى رسو ُل الله ﷺ على أم ِر الله‪ ،‬على ما َيلقى من قو ِمه من الخلا ِف‬

‫والأذى‪.‬‬

‫(‪ )1‬ال َيا ُفوخ‪ :‬وسط الرأس‪.‬‬

‫‪ | 44‬مختصر السيرة النبوية‬

‫‪ -8‬إسلا ُم خديج َة بنتِ خُويلدٍ‬

‫وآمنت به خديج ُة بنت ُخويلد‪ ،‬وص َّدقت بما جاءه من الله‪ ،‬وواز َرت ُه على‬
‫أم ِره‪ ،‬وكانت أ َّو َل من آمن بالله وبرسوله‪ ،‬وص َّد َق بما جاء منه‪ ،‬فخفف الله بذلك‬
‫عن نب ِّيه ﷺ‪ ،‬لا َيسمع شي ًئا مما يكر ُهه من َر ٍّد عليه وتكذي ٍب له‪ ،‬فيحزنه ذلك‪ ،‬إلا‬
‫ف َّر َج الله عنه بها إذا رج َع إليها‪ُ ،‬تث ِّبته و ُتخفف عليه‪ ،‬وتص ِّدقه و ُتهون عليه أم َر‬

‫الناس‪ ،‬رحمها الله تعالى‪.‬‬
‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬عن عب ِد الله بن جعف ِر بن أبي طالب ‪ ‬قال‪ :‬قال‬
‫رسو ُل الله ﷺ‪ُ « :‬أمرت أن أ َب ِ َش خديج َة ببي ٍت من قص ٍب‪ ،‬لا صخ َب فيه ولا‬

‫نص َب»‪.‬‬
‫قال اب ُن هشام‪ :‬الق َص ُب هاهنا‪ :‬اللؤل ُؤ المُج َّوف‪.‬‬

‫‪ -9‬فترةُ الوح ِي ونزو ُل سورِة الضحى‬

‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬ثم ف َتر الوحي عن رسول الله ﷺ فتر ًة من ذلك‪ ،‬حتى َش َّق‬
‫ذلك عليه فأح َزن ُه‪ ،‬فجاءه جبري ُل بسور ِة الضحى‪ُ ،‬يقس ُم له ر ُّبه‪ ،‬وهو الذي أكرم ُه‬
‫بما أكر َمه به‪ ،‬ما و َّد َعه وما قلاه‪ ،‬فقال تعالى‪( :‬ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [ال ُّضحى‪ ]3-5:‬يقول‪ :‬ما ص َر َمك فتر َكك‪ ،‬وما أب َغضك منذ‬
‫أح َّبك‪( ،‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [ال ُّضحى‪ ]0:‬أي‪ :‬ل َما ِعندي في َمرجعك‬
‫إل َّي خي ٌر لك مما ع َّجلت لك من الكرام ِة في الدنيا‪( ،‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ) [ال ُّضحى‪ ]1:‬من ال ُف ْل ِج في الدنيا‪ ،‬والثوا ِب في الآخرة (ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ) [ال ُّضحى‪ُ ]2-6:‬يع ِّرفه‬
‫الله ما ابتدأه به من كرامتِه في عاج ِل أمره‪ ،‬و َمنِّه عليه في ُيتمه و َعيلتِه وضلالته‪،‬‬

‫واستنقا ِذه من ذلك ُك ِّله برحمتِه‪.‬‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪45‬‬

‫‪ -11‬ابتدا ُء فر ِض الصلاِة‬
‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬عن عائش َة ‪ ‬قالت‪ :‬اف ُت ِر َضت الصلا ُة على رسو ِل‬
‫الله ﷺ أ َّو َل ما اف ُترضت عليه ركعتي ِن ركعتي ِن ُك َّل صلاة‪ ،‬ثم إن الل َه تعالى أتمَّها في‬

‫الح ِض أرب ًعا‪ ،‬وأق َّرها في السف ِر على فرضها الأ َّول ركعتين‪.‬‬

‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬وحدثني بع ُض أه ِل العلم‪ :‬أن الصلا َة حين اف ُترضت على‬
‫رسو ِل الله ﷺ‪ ،‬أتاه ِجبري ُل وهو بأعلى مك َة‪ ،‬فه َمز له بع ِقبه في ناحي ِة الوادي‪،‬‬
‫فان َف َجرت منه عي ٌن‪ ،‬فتو َّض َأ جبري ُل عليه السلا ُم‪ ،‬ورسو ُل الله ﷺ ينظ ُر إليه‪ ،‬ل ُير َيه‬
‫كيف ال َّطهور للصلا ِة‪ ،‬ثم تو َّض َأ رسو ُل الله ﷺ كما رأى جبري َل توض َأ‪ ،‬ثم قام به‬
‫جبري ُل فصلى به‪ ،‬وصلى رسو ُل الله ﷺ بصلاتِه‪ ،‬ثم انصر َف ِجبري ُل عليه السلام‪.‬‬

‫‪َ -11‬تعيينُ جبري َل أوقاتِ الصلاِة للرسو ِل ﷺ‬
‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬عن ابن عبا ٍس قال‪ :‬لما اف ُتر َضت الصلا ُة على رسو ِل الله‬
‫ﷺ أتاه ِجبري ُل عليه السلام‪ ،‬فص َّلى به ال ُظه َر حين مالت الشم ُس‪ ،‬ثم صلى به‬
‫العص َر حين كان ظِ ُّله مث َله‪ ،‬ثم صلى به المَغر َب حين غاب ِت الشم ُس‪ ،‬ثم صلى به‬
‫العشا َء الآخر َة حين ذهب الشف ُق‪ ،‬ثم صلى به الصب َح حين طل َع الفج ُر‪ ،‬ثم جاءه‬
‫فص َّلى به الظه َر من َغ ٍد حين كان ظِ ُّله مث َله‪ ،‬ثم صلى به العص َر حين كان ظِ ُّله ِمث َليه‪،‬‬
‫ثم صلى به المغر َب حين غاب ِت الشم ُس لوقتِها بالأم ِس‪ ،‬ثم صلى به ال ِعشا َء الآخر َة‬
‫حين ذهب ُثل ُث اللي ِل الأ َّو ِل‪ ،‬ثم صلى به الصب َح ُمسف ًرا غي َر مش ِر ٍق‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا‬

‫محم ُد‪ ،‬الصلا ُة فيما بين صلاتِك اليو َم وصلاتك بالأمس‪.‬‬

‫‪ | 46‬مختصر السيرة النبوية‬

‫‪ِ -12‬ذكرُ أن عل َيّ بن أبي طالب ‪ ‬أ َّولُ َذ َك ٍر أسلمَ‬
‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬ثم كان أ َّو َل َذ َك ٍر من الناس آم َن برسو ِل الله ﷺ‪ ،‬وصلى‬
‫معه وص َّد َق بما جاءه من الله تعالى‪ :‬عل ُّي ب ُن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم‪،‬‬

‫ِرضوان الله وسلا ُمه عليه‪ ،‬وهو يومئ ٍذ اب ُن عشر سنين‪.‬‬
‫وكان مما أنع َم الله به على عل ِّي بن أبي طال ٍب ‪ ،‬أنه كان في ِحج ِر رسول‬

‫الله ﷺ َقب َل الإسلا ِم‪.‬‬

‫‪ -13‬إسلا ُم زي ِد بن حارث َة ثانيًا‬
‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬ثم أسل َم زي ُد بن حارث َة بن ُشر ْحبي َل ب ِن كعب بن عبد‬
‫ال ُع َّزى بن امرئ القيس الكلب ِّي‪ ،‬مولى رسول الله ﷺ‪ ،‬وكان أ َّو َل َذ َكر أسل َم‪،‬‬

‫وص َّلى بع َد عل ِّي بن أبي طالب‪.‬‬
‫‪ -14‬إسلا ُم أبي بكرٍ الص ِّدي ِق ‪ ‬وشأُنه‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬ثم أسل َم أبو بك ِر بن أبي ُقحاف َة‪ ،‬واس ُمه َعتي ٌق‪.‬‬
‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬فلما أسل َم أبو بك ٍر ‪ :‬أظه َر إسلا َمه‪ ،‬ودعا إلى الله‬

‫وإلى رسولِه‪.‬‬
‫وكان أبو بك ٍر رج ًلا َمأل ًفا لقو ِمه‪ ،‬مُح َّب ًبا سه ًلا‪ ،‬وكان أنس َب قريش ل ُقري ٍش‪،‬‬
‫وأعل َم قري ٍش بها‪ ،‬وبما كان فيها من خي ٍر و َش ٍّر‪ ،‬وكان رج ًلا تاج ًرا‪ ،‬ذا ُخل ٍق‬
‫و َمعرو ٍف‪ ،‬وكان رجا ُل قومه يأتون ُه ويألفونه لغي ِر واح ٍد من الأمر‪ ،‬ل ِعلمه و ِتارتِه‬
‫وحس ِن جُلالستِه‪ ،‬فجع َل يدعو إلى الله وإلى الإسلا ِم من َوثِ َق به من قو ِمه‪ ،‬ممن‬

‫َيغشاه ويَجل ُس إليه‪.‬‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪47‬‬

‫‪ِ -15‬ذ ْكرُ من أسلمَ من الصحابةِ بدعوِة أبي بكرٍ ‪‬‬
‫قال‪ :‬فأسل َم بدعا ِئه ‪-‬فيما بلغني‪ -‬عثما ُن بن ع َّفان‪ ،‬والزبي ُر بن العوا ِم‪،‬‬
‫وعب ُد الرحمن بن عو ٍف‪ ،‬وسع ُد بن أبي و َّقاص‪ ،‬وطلح ُة بن ُعبيد الله‪ ،‬فجاء بهم إلى‬
‫رسو ِل الله ﷺ حين استجابوا له فأس َلموا و َصلوا‪ ،‬وكان رسو ُل الله ﷺ يقو ُل ‪-‬‬
‫فيما بلغني‪« :-‬ما دعو ُت أحدا إلى الإسلا ِم إلا كانت فيه عنده َكبوة‪ ،‬و َنظر وتردد‪،‬‬

‫إلا ما كان من أبي بك ِر بن أبي ُقحاف َة‪ ،‬ما َع َك َم عنه حين ذكر ُته له‪ ،‬وما تر َّد َد فيه»‪.‬‬
‫قال اب ُن هشا ٍم‪ :‬قوله‪َ :‬ع َك َم‪َ :‬تل َّب َث‪.‬‬

‫ثم أسلم أبو ُعبيد َة ب ُن الجرا ِح‪ ،‬وأبو سلم َة‪ ،‬والأرق ُم بن أبي الأرق ِم‪ ،‬وعثما ُن‬
‫بن َمظعو ٍن‪ ،‬وأخواه ُقدام ُة وعب ُد الله ابنا مظعون‪ ،‬و ُعبيد ُة بن الحار ِث‪ ،‬وسعي ُد بن‬
‫زي ِد بن عمرو‪ ،‬وامرأ ُته فاطم ُة بنت الخطا ِب‪ ،‬وأسما ُء بنت أبي بك ٍر‪ ،‬وعائش ُة بنت‬

‫أبي بك ٍر‪ ،‬وهي يومئ ٍذ صغير ٌة‪ ،‬وخ َّباب بن الأ َر ِّت‪.‬‬
‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬و ُعمي ُر بن أبي و َّقاص‪ ،‬أخو سعد بن أبي وقا ٍص‪ ،‬وعب ُد الله‬

‫ب ُن مسعود‪ ،‬ومسعو ُد بن القاري‪.‬‬

‫‪ | 48‬مختصر السيرة النبوية‬

‫[ب ‪-‬الدعوة الجهرية]‬

‫‪ -1‬مباداُة رسولِ الله ﷺ قومَه‪ ،‬وما كان منهم‬
‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬ثم دخل النا ُس في الإسلام أرسالا من الرجا ِل والنساء‪،‬‬
‫حتى فشا ِذك ُر الإسلا ِم بمك َة‪ ،‬و ُت ُح ِّدث به‪ ،‬ثم إن الله ‪ ‬أم َر رسو َله ﷺ أن‬
‫يصد َع بما جاءه منه‪ ،‬وأن ُيبادي النا َس بأم ِره‪ ،‬وأن يدعو إليه‪ ،‬وكان بين ما أخفى‬
‫رسو ُل الله ﷺ أم َره واس َت َت َر به إلى أن أم َره الله تعالى بإظها ِر دينِه ثلا ُث سنين ‪-‬فيما‬
‫بلغني‪ -‬من مبعثِه‪ ،‬ثم قال الله تعالى له‪( :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ)‬
‫[ال ِحجر‪ ،]20:‬وقال تعالى‪( :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬

‫ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ) [الشعراء‪.]556-550:‬‬

‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬وكان أصحا ُب رسو ِل الله ﷺ إذا صلوا‪ ،‬ذهبوا في‬
‫الشعا ِب‪ ،‬فاستخ َفوا بصلاتِهم من قو ِمهم‪ ،‬فبينا سع ُد بن أبي وقا ٍص في نف ٍر من‬
‫أصحا ِب رسو ِل الله ﷺ في ِشع ٍب من شعاب م َّك َة‪ ،‬إذ ظه َر عليهم نف ٌر من‬
‫المشركين وهم ُيص ُّلون‪ ،‬فنا َكروهم‪ ،‬وعابوا عليهم ما َيصنَعون حتى قا َتلوهم‪،‬‬
‫فض َب سع ُد بن أبي وقا ٍص يومئ ٍذ رجلا من المشركين بِ َلحي بعي ٍر(‪)1‬؛ فش َّجه‪،‬‬

‫فكان أ َّو َل د ٍم ُهري َق في الإسلا ِم‪.‬‬

‫قال اب ُن إسحا َق‪ :‬فلما بادى رسو ُل الله ﷺ قو َمه بالإسلا ِم وصد َع به كما‬
‫أم َر ُه الل ُه‪ ،‬لم يبعد منه قو ُمه‪ ،‬ولم ير ُّدوا عليه ‪-‬فيما بلغني‪ -‬حتى َذ َك َر آَل َتهم وعا َبها‪،‬‬
‫فلما فعل ذلك أع َظموه ونا َكروه‪ ،‬وأجمعوا خلا َفه و َعداو َته‪ ،‬إلا من عص َم اللهُ تعالى‬

‫منهم بالإسلا ِم‪ ،‬وهم قلي ٌل ُمس َتخفون‪.‬‬

‫(‪ )1‬بِ َلحي بعير‪ :‬تثنية لحي واللحي هو العظم الذي عليه الخد‪.‬‬

‫مختصر السيرة النبوية‏|‏‪49‬‬

‫و َح ِدب(‪ )1‬على رسول الله ﷺ ع ُّمه أبو طال ٍب‪ ،‬ومنعه وقام دو َنه‪ ،‬ومضى‬
‫رسو ُل الله ﷺ على أم ِر الله‪ُ ،‬مظه ًرا لأم ِره‪ ،‬لا ير ُّده عنه شيء‪ ،‬فلما رأت قري ٌش‪ ،‬أن‬
‫رسو َل الله ﷺ لا يعتِ ُبهم من شي ٍء(‪ )2‬أنكرو ُه عليه‪ ،‬من فرا ِقهم و َعيب آَلتِهم‪،‬‬
‫ورأوا أن ع َّمه أبا طال ٍب قد َح ِدب عليه‪ ،‬وقام دو َنه‪ ،‬فلم ُيسلِمه َلم‪ ،‬مشى رجا ٌل‬
‫من أشرا ِف قري ٍش إلى أبي طال ٍب‪ :‬عتب ُة وشيب ُة ابنا ربيع َة بن عبد شم ٍس‪ ،‬وأبو‬
‫سفيا َن ب ُن حر ٍب‪ ،‬وأبو ال َبختري‪ ،‬والأسو ُد بن الم َّطلب‪ ،‬والولي ُد بن المغيرة‪ ،‬و ُنبيه‬

‫و ُمنبه ابنا الحجاج بن عامر‪ ،‬والعا ُص بن وائل‪ ،‬أو من مشى منهم‪.‬‬

‫فقالوا‪ :‬يا أبا طالب‪ ،‬إن ابن أخيك قد س َّب آَل َتنا‪ ،‬وعا َب دينَنا‪ ،‬وس َّفه‬
‫أحلا َمنا‪ ،‬وض َّلل آبا َءنا‪ ،‬فإما أن تك َّفه عنا‪ ،‬وإما أن ُتخ ِّل َي بيننا وبينه‪ ،‬فإنك على مث ِل‬

‫ما نحن عليه من خلافِه‪ ،‬ف َنكفي َك ُه‪.‬‬

‫فقال َلم أبو طالب قو ًلا رفي ًقا‪ ،‬وردهم ر ًدا جمي ًلا‪ ،‬فانصرفوا عنه‪.‬‬

‫ومضى رسو ُل الله ﷺ على ما هو عليه‪ُ ،‬يظه ُر دي َن الله‪ ،‬ويدعو إليه‪ ،‬ثم‬
‫َش َرى(‪ )3‬الأم ُر بينه وبينَهم حتى تبا َع َد الرجا ُل و َتضا َغنوا(‪ ،)4‬وأكثرت قري ٌش ِذك َر‬
‫رسو ِل الله ﷺ بينها‪ ،‬ف َتذا َمروا(‪ )5‬فيه‪ ،‬وح َّض بع ُضهم بع ًضا عليه‪ ،‬ثم إنهم مشوا‬

‫إلى أبي طال ٍب م َّر ًة أخرى‪.‬‬

‫(‪َ )1‬ح ِدب‪ :‬حدب على فلان إذا كان عاط ًفا عليه ومان ًعا له‪.‬‬
‫(‪ )2‬لا يعتِ ُبهم من شيء‪ :‬أي لا يرضيهم‪.‬‬
‫(‪َ )3‬ش َرى‪ :‬كثر‪.‬‬
‫(‪َ )4‬تضا َغنوا‪ :‬تعادوا‪.‬‬
‫(‪َ )5‬تذا َمروا‪ :‬أي حض بعضهم بع ًضا‪.‬‬


Click to View FlipBook Version