البرنامج النووي الإيراني
من مرحلة الاحتواء والتحجيم إلى
حالة النزع بالقوة وفرض العقوبات
الأمريكية
إبعاده وأخطاره الإستراتيجية على
الأمن القومي العربي
دراسة في خمسة حلقات أعدها
الاستاذ الدكتور
عبد الكاظم العبودي
1
الحلقة الأولى
الميكافيلية النووية والتقية الفارسية
مكر التاريخ الفارسي قديما وحديثا:
استفادت الدولة الفارسية في إيران من الدروس والتجارب
الصهيونية في فلسطين ،سواء بتجارب الاستيطان والقضم التدريجي
للأراضي العربية وتوسيع مسارات وخطط التدخل في الشؤون
العربية فهي تكاد أن تكون متماثلة في الحالتين وكذلك في إدارة
التخفي والتستر على واقع المشروع النووي الإيراني.
المدرستان الصهيو -فارسية تنهلان من مصدر واحد وتستفيدان
من مكر التاريخ ،فالنفوذ والاحتلال الفارسي للأراضي العربية سبق
الظهور والإعلان الرسمي للكيان الاستيطاني الصهيوني على ارض
فلسطين بربع قرن ،حيث سلمت سلطات الاحتلال البريطاني الاحواز
العربية لإيران ،وتم ضمها إلى مقاطعات الدولة الفارسية؛ مما فتح
شهية الأنظمة والحكومات الإيرانية المتعاقبة إلى التطلع نحو ضم
المزيد من الأراضي العربية الأخرى ،وخاصة تلك الواقعة على طرق
الإمداد والنقل البحري في الخليج العربي ،فتكرس ذلك الأمر مع
صعود قوة النظام الشاهنشاهي في سبعينيات القرن الماضي ودفعه
إلى احتلال النظام الشاهنشاهي للجزر العربية الثلاث طنب الصغرى
وطنب الكبرى وأبو موسى وبدأت محاولات جس النبض لإحكام
السيطرة الفارسية على مضيق هرمز والتوجه نحو مضيق باب
المندب والبحر الأحمر وبعدها تكملة التدخل الإيراني المباشر ،وعلى
نطاق واسع في لبنان والعراق وسوريا واليمن وغيرها من البلدان
2
العربية وحتى الى دول الإقليم الجغرافي العربي في شمال إفريقيا
والسودان وباقي العمق الإفريقي .
وقد توغل التدخل الفارسي بعيدا في القارة الإفريقية ،وفي
جبهات وبلدان عربية وافريقية أخرى .كان وضع الصومال المقسم
والغارق في أتون الحرب الأهلية وسيادة الفوضى قد سهل وصول
الإسرائيليين وبعدهم الإيرانيين إلى بلدان اريتريا ودول الساحل
والقرن الإفريقي وجنوب وغرب السودان ،وخاصة بعد إتمام
السيطرة الحوثية على اليمن والتحكم بمضيق باب المندب وقبلها
مضيق هرمز ،كلها أقطار ومحطات تقع ضمن صفقات الصراع على
مصادر الطاقة والوصول إلى الموارد النووية كخامات اليورانيوم
وحتى المغامرة في صفقات مشبوهة أخرى كالمتاجرة بنقل ودفن
للنفايات النووية وتسهيل وصولها إلى مواقع وأراضي بعيدة تستغل
غفلة عن عيون الرصد الدولي في عمليات وصفقات لدفن النفايات
النووية الإسرائيلية والإيرانية وغيرها ودفنها سرا في بلدان عربية
عديدة يسودها الاضطراب وعدم الاستقرار والمتاجرة بها عن طريق
وسطاء وسماسرة غالبيتهم من الإيرانيين ووكلاء لهم من لبنان.
والحوادث والشواهد على ذلك كثيرة ،ومنها ورطة حزب الكتائب
اللبناني في تسهيل مرور الحاويات المشبوهة نحو البر اللبناني
والسوري عبر ميناء جونيه اللبناني خلال سنوات الحرب الأهلية في
لبنان ،ومغامرات رفعت الأسد في ميناء طرطوس حيث جرى دفن
النفايات الكيماوية والنووية الضارة في أراضي سوريا وشمال لبنان
وحتى تسهيل وصولها إلى موريتانيا البعيدة التي أضحت محطة
3
لعبور ودفن النفايات النووية القادمة من مفاعلات إسرائيل النووية
وخاصة مفاعل ديمونه في صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة.
مرت مراحل تحقيق المشروع النووي الإيراني عبر محطات
عديدة ،وبمراحل متعددة منذ قرابة ستة عقود؛ بدءا من مرحلة
التخفي والإعداد السري والبناء الفعلي بالتعاون مع الولايات المتحدة
منذ بداية الخمسينيات ،وصولا إلى فرض حالة الأمر الواقع اليوم من
خلال إصرار الحكومة الإيرانية باعتماد سياسة الابتزاز والتلويح
بامتلاك السلاح النووي ،رغم أن إيران قد قطعت شوطا بعيدا في
استكمال مشروعها النووي العسكري ،حتى من دون الإعلان الرسمي
عن امتلاكها للقنبلة النووية ،أو الإعلان عن حقيقة تجاربها
ونجاحاتها ومدى مستويات تطور المشروع النووي الفارسي،
وحقيقة قدراته الحقيقية والتسليحية واللوجستية في المجال النووي
العسكري.
وفي المجال النووي تعلمت إيران أيضا كيفية بناء مشروعها
النووي تدريجيا وفي الخفاء .واعتمدت طرق شتى في تنفيذه معتمدة
سياسة التخفي الكامل والتكتم على تفاصيله ومواقعه وقدراته ،حتى
تسنى لها إجراء بعض التجارب والتفجيرات النووية على أراضي
الغير للخروج عن حصار " الدول المنبوذة" التي تسعى للحصول
على التقنيات والخبرات النووية خارج إرادة المجتمع الدولي ،رغم
المنع الدولي المتكرر لها ،فقد سعت إيران ،بداية إلى بناء المفاعلات
النووية منذ عهد الشاه ،مستفيدة من مشروع إيزنهاور المعروف "
الذرة في خدمة السلام" ،حيث قدمت الحكومة الأمريكية في بداية
سنوات الخمسينيات من القرن الماضي فرصا عديدة لدول من
4
حليفاتها ،للتدريب والمساعدة وتقديم الخبرات النووية؛ حيث وافقت
الولايات المتحدة على منح عدد من الدول القريبة منها وتقع ضمن
دائرة حلفائها من الأعضاء في حلف المعاهدة المركزية "السنتو"
وما يسمى دول " حلف بغداد".
وكذلك دعمت إمكانية بناء المفاعلات والمراكز النووية التدريبية
والتجريبية في عدد من البلدان وأولها الكيان الصهيوني منذ بداية
الخمسينيات من القرن الماضي ،فاستفادت حينها حكومة الشاه محمد
رضا بهلوي من تلك الفرصة للشروع في الانطلاق بمشروع نووي
إيراني كان طموحا منذ بداياته لكنه تعطل مؤقتا خلال فترات
الاضطرابات الإيرانية التي تعرض لها النظام الملكي الإيراني في
منتصف الخمسينيات خلال فترة حكم مصدق وبعدها في السبعينيات
خلال أحداث وصول خميني إلى السلطة بطهران وبعدها سقوط
حكومة الشاه وهربه إلى خارج البلاد.
ظل هدف بناء المفاعلات النووية الإيرانية هدفا ثابتا بقصد
الحصول على البلوتونيوم المستخلص من نفايات المفاعلات النووية
كناتج عرضي يمكن فصله في المراحل الأولى من تفكيرها
الاستراتيجي البعيد ،ثم عملت إيران في عهد خامنئي وسلطة نظام
الملالي بطهران على اختراق دول عدة من الشرق والغرب بصيغ
التعاون الثنائي العلني والسري والتجسس عبر الوكلاء والأعوان،
وقد وصلت الى تعاون مع الأرجنتين والبرازيل التي سبق لهما تزويد
بلدان أخرى بحلقات معينة من التقنيات النووية ،واستفادت إيران من
توظيف شبكات حزب الله اللبناني في تجنيد أبناء الجاليات اللبنانية في
دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا في إتمام الصفقات السرية وعمليات
5
التهريب ،وبتجنيد أعضاء من حركة أمل وحزب الله التابعين كليا
لسلطات وتوجيه الحرس الثوري الإيراني ودوائر مخابرات النظام
الإيراني " اطلاعات" فسعت الى التوغل بسرية تامة في عمق دول
إفريقيا والمهاجر البعيدة ،خاصة في دول أمريكا اللاتينية كالبرازيل
والأرجنتين ،ومتعاونة من جهة أخرى أيضا مع فرنسا وشبكات من
اللوبي الصهيوني الأمريكي نفسه.
وفي ذات الوقت استفادت إيران من تعاون دول الشرق كروسيا
والصين وكوريا الشمالية ،مستفيدة من استغلال الضجيج الإسرائيلي
الفارغ حول محاولات مزعومة لإسرائيل لمنع إيران من امتلاك
الأسلحة النووية والتهديد الإسرائيلي المتكرر بقصف المنشئات
الإيرانية ،وكلها كانت فرص لإيران لكسب الوقت لقاء تقديم خدماتها
اللوجستية لمن يتعاون معها سرا أو علانية ،خاصة في دعم وتسهيل
غزو واحتلال العراق وحماية ظهر انسحاب القوات الأمريكية من
العراق خلال فترة الرئيس الأمريكي باراك اوباما ،واستفادت إيران
من وجود محمد ألبرادعي على رأس منظمة الطاقة الذرية الدولية
ودوره في محاولات التستر والتخفي على حقيقة مستويات المشروع
النووي الإيراني وما حققه من تقدم في المجالين المدني والعسكري .
التهديد بمنع امتلاك إيران للسلاح النووي جرى استغلاله بشكل
براغماتي بارع من قبل حكومات الولايات المتحدة في توظيف
الترهيب الإيراني لدول الخليج وتقديم أمريكا نفسها حامية لأمن دول
الخليج من الإخطار التسلحية الإيرانية ،لكي يتم دفع دول الخليج
العربي أن تكون عمليا عبارة عن محميات أمريكية وبريطانية خليجية
ومكانا مفتوحا لقواعدها البحرية والجوية داخل الخليج العربي
6
والجزيرة العربية ولكي تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى
الاحتماء الدائم تحت المظلة الأمريكية ،وهكذا توفرت للأمريكيين
قواعد عسكرية وتسهيلات مفتوحة وموانئ بحرية وتواجد عسكري
فعلي في الخليج العربي وكذلك تم تمكين الولايات الأمريكية من
استنزاف الموارد المالية الخليجية وفائض عائدات النفط لدفعها في
استيراد الأسلحة لتلك الدول بحجة وجود وتصاعد الخطر الإيراني
المحتمل.
وهكذا تمت طريقة الاختفاء الإيراني بطريقة ممارسة التقية
النووية الفارسية لكي تغطي وضعها النووي الحقيقي ،بعيدا عن ذلك
الظهور النووي العلني لها كدولة نووية ثامنة أو تاسعة في النادي
الدولي النووي؛ ولكنها في الواقع إن إيران باتت مدركة ومقتنعة في
أخذها الموقع التاسع نوويا بعد إسرائيل في حين تراجعت الإبصار
والرصد عن متابعة إسرائيل المستمرة في تطوير برامجها النووية
وقدراتها التسليحية الأخرى فتوجه الانشغال الدولي والإقليمي نحو
مراقبة ومتابعة إيران.
محطات وإشارات أخرى لا بد من الإشارة إليها:
استغلت إيران كثيرا من مؤسساتها المخابراتية وواجهاتها
الطائفية في المنطقة العربية ،وقد نجحت بتحويل لبنان كرأس رمح
ومحطة انطلاق وتنسيق وتمرير العديد من الصفقات ،حيث تم تجنيد
حركة أمل وبعدها حزب الله في عملية التسلل إلى محيط وعمق الكثير
من البلدان العربية والإفريقية ضمن واجهات وشركات وبنوك
وتجارة بينية فوصلت لمرات عديدة الى بطانة النظام الليبي السابق،
حيث وصل المتطوعون اللبنانيون وغيرهم وشاركوا في مختلف
7
مغامرات النظام الليبي لكسب ثقته والاستفادة منه ماديا ،وخاصة
خلال تورطه في التدخل والحرب في تشاد التي وصلت الى حالة غزو
ليبي للأراضي التشادية تطورت بعدها إلى حرب إقليمية متداخلة
الأطراف الدولية في تخوم الصحراء الإفريقية ،حيث تدخلت بها دول
كبرى كفرنسا عسكريا لكبح طموحات الزعيم الليبي ومنعه من
التدخل في شؤون أنظمة ودول إفريقيا الوسطى ودول جنوب
الصحراء والساحل ،التي لا زالت تحتمي بفرنسا وتتحالف معها،
ولكن الاهتمام الرئيسي لفرنسا هو ضمان عدم الهيمنة على مناجم
اليورانيوم والذهب المنتشرة في جنوب الصحراء الكبرى الشاسعة
ودولها المتاخمة.
وهكذا تمكنت مجموعات من حزب الله وحركة أمل من إمكانيات
التدريب والتسلح وتمكنت تحت حجة الدعم المباشر للنظام الليبي إلى
جر ليبيا ألقذافي وتورطه الأهوج في دعم إيران خلال الحرب العراقية
الإيرانية من خلال الحصول على عدد من الصواريخ الباليستية
وإيصالها الى حكومة إيران خلال فترة حكم الخميني وقد تم استعمالها
فعلا في قصف المدن العراقية ،ومنها العاصمة بغداد خلال فترة
الحرب الإيرانية على العراق.
كان التدخل الإيراني في ليبيا إحدى محطات إيران اللوجستية
وإتباعها؛ وبحجة التدخل في حرب تشاد ضمت القوات الليبية عددا
من المتطوعين اللبنانيين ،وتسربت أخبار عن إبادة قوات من وحدات
إيرانية ومعها مليشيات ومرتزقة إيرانيين وعرب أرسلهم حزب الله
وحركة أمل للحرب جنوب الصحراء حيث هوجمت بشراسة من قبل
8
القوات الجوية الفرنسية التي دعمت النظام التشادي وطردت القوات
الليبية من هناك .
ولا احد يعرف الأسباب الحقيقية للتورط الليبي في حرب تشاد .
وربما كان التطلع الليبي للوصول الى مكامن ومناجم اليورانيوم في
تشاد والنيجر هو الجزء الخفي من قضية تلك الحرب .
ولا يستبعد إن تصفيات القتيل الإمام موسى الصدر مؤسس
حركة أمل وتدبير عملية اختفائه في ليبيا وبعدها بسنوات جرت
عملية اغتيال فتحي ألشقاقي زعيم حركة الجهاد الإسلامي في مالطا
ليست بعيدة عن حالة حرب خفية كانت تدور رحاها بين المخابرات
الفرنسية الإسرائيلية والإيرانية في تلك المنطقة الغنية بمصادر
البترول ومناجم خامات اليورانيوم والخامات المعدنية النادرة
الأخرى.
وهكذا جرى العمل على خلق الاضطرابات في الشمال الإفريقي
العربي واستزراع منظمات الإرهاب والتهريب للأسلحة في أوساط
الطوارق وتخليق منظمات الازواد واختراق حدود دول المنطقة في
تخوم الصحراء مما خلق حالات من التمرد والعصيان وفقدان الأمن
والاستقرار باستغلال بدو وساكنة الصحراء العربية الإفريقية في
عمليات التهريب وحتى التحريض على التمرد على أنظمتها بغية
توسع نشاط القاعدة انطلاقا من الشمال الإفريقي ،وصولا إلى دول
جنوب الصحراء المالي والنيجر وتشاد ووصولا الى دارفور والى
السودان وجنوبه.
9
تلكم حلقات متكاملة من حرب خفية حول الموارد والخامات
النووية وخاصة اليورانيوم ربما نالت القليل من المتابعة والدراسة
والرصد.
وفي الشرق الأوسط العربي ،وعبر مسارات تشكيل ما سمي
بالهلال الشيعي كانت هناك حرب داعش في دير الزور والرقة في
سوريا وامتداداتها في محافظات الانبار وصلاح الدين والموصل ومن
خلالها جرت محاولات السيطرة التامة على مناطق ومناجم الكبريت
في حمام العليل بما يتوفر عليه من اليورانيوم" كما يشاع" ،وكذلك
مناجم عكاشات وخيرات أخرى كامنة في منطقة الجزيرة الغنية
بمصادرها النفطية وبما تتوفر فيها من مناجم الكبريت والفوسفات
في غرب العراق والشرق السوري ،كلها كانت حلقات ضمن صراع
دولي كبير على الموارد ،جرى فيه توظيف الدور الإيراني وتورطه
فيها على نحو عسكري ولوجيستي كبير كما نشهده اليوم.
وعلى المستوى الدولي كان هناك دور كبير لحرب خفية أخرى،
تم فيها توظيف الجواسيس والتقنيين وأصحاب الخبرات التقنية
والنووية ،سواء تم ذلك مباشرة أو بالوكالة منها دور عملاء لإيران
عملوا بالوكالة لخدمة المشروع النووي الإيراني وحمايته والتستر
عليه مثل دور محمد ألبرادعي وحسين الشهرستاني وعدد من العلماء
العراقيين الذين كانوا من المحسوبين على حلقات من المشروع
النووي العراقي خاصة بعد احتلال العراق حيث تم تهريب البعض
منهم أو تمت تصفيتهم بشكل مريب.
وما كلفت به منظومات وشبكات التجسس الصهيوني على
الأراضي الفرنسية وخارجها بما عرف بفضيحة ليفني الجاسوسة
10
الإسرائيلية ( راجع مقالنا كيف تم تجنيد حسين الشهرستاني عميلا
للموساد الإسرائيلي) إلا أمثلة واضحة لمساهمة إيران وأياديها
الخفية في المساهمة في تدمير المشروع النووي العراقي ونهب
مؤسساته بعد الغزو والاحتلال الأمريكي 3002وبذلك فتح الطريق
أمام المشروع النووي الإيراني للتقدم وفرض حالة من فرض أمر
الواقع النووي في المنطقة لصالح إيران ونظام الملالي من خلال
المساهمة في تنفيذ مخططات الفوضى الخلاقة في المنطقة والاستفادة
من تداعياتها .
11
الحلقة الثانية
تضليل إعلامي وشعوذة سياسية ودبلوماسية
المشروع النووي الإيراني وادعاءاته ظل غامضا أمام الكثير من
المراقبين ومثار جدل كبير بين حقيقة محاولات إيران بالاكتفاء
بالتخصيب أو طموحها الخفي الوصول الى حالة الإعلان العسكري
لأهدافها النووية وفي مراميها تنفيذ التفجير النووي الذي تنشده على
مسمع وأمام أنظار العالم للاعتراف بها كدولة نووية.
تبقى قضية المشروع النووي في مضمار لعبة مزدوجة تلعبها
أطراف عديدة من دون أن تفصح تلك الأطراف عن الحقائق المغيبة
عن حقيقة التسلح النووي الإيراني.
تدعي إيران إن أقصى ما تسعاه إليه هو الوصول الى إمكانية
تخصيب اليورانيوم بنسب معينة تساعدها توفير الوقود النووي
لتشغيل مفاعلاتها النووية وضمان استمرار تجارب مراكزها النووية
لا غير؟.
هذه الأسئلة المملوءة بالغموض والمفارقات العجيبة يتهرب
الكثيرون من الإجابات عليها لأسباب تتعلق بمواقفهم وطبيعة تورط
مصالحهم وتقاطعات ارتباطاتهم بهذا الملف الشائك وبكثير من
الأطراف المحلية والإقليمية والدولية المتورطة فيه تنفيذا أو تكتما أو
خوفا من افتضاح أدوارهم.
12
ومن زاوية أخرى فان إيران لا ترعوي في إظهار عدائها اللفظي
لأمريكا وإسرائيل و"للغرب الكافر" رغم تعاونها العلني والخفي مع
جميع تلك الإطراف التي تعلن مناصبتها العداء لهم إعلاميا.
الثابت في مشتركات هذا الموضوع هو ظاهرة هامة جدا حيث
تتمسك إيران بحالة نكرانها للسعي لامتلاك سلاح نووي وتظهر دائما
بحالة التباكي على حظوظها كدولة باتت مظلومة في عصر الكبار و"
الطاغوت الأمريكي " " عدوها اللدود" وهي دولة محاصرة
ومعاقبة دوليا من خلال جفاء المجتمع الدولي لها والتنكر لحقها
كدولة طبيعية تسعى لامتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية ،وإنها
تفتح دائما أبواب مفاعلاتها ومراكز التخصيب والمراكز النووية لديها
أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
إن حكاية التخصيب اليورانيوم باتت نكتة سمجة يتندر بها
خبراء الطاقة النووية بكل مستوياتهم في العالم طالما أن المعطيات
المتوفرة عن هذا الموضوع لدى مراكز الأبحاث النووية والدوائر
السياسية والإستراتيجية التي تشير الى أن إيران قد وصلت الى
الحصول على مرادها النووي وعلى ما تريده من كميات الوقود
النووي اللازم لتشغيل مفاعلاتها وحتى ما تختزنه ترسانتها النووية
من الوقود النووي بما وفرته من شراءه من مختلف هذه المواد
بطرق عدة ،وهي لا تحتاج كما تدعي الى بضعة كيلوغرامات من
اليورانيوم المخصب لكفاية تشغيل مفاعلاتها.
من مقابلة تلفزية مثيرة للانتباه سبق أن أجرتها محطة روسيا
اليوم عبر حوار الصحفي سلام المسافر مع الدكتور العراقي عماد
خدوري ،وهو احد المختصين بالقضايا النووية ،منشور عنها ملخصا
13
على صفحة " قصارى القول" للإعلامي العراقي الأستاذ سلام
مسافر في قناة روسيا اليوم بتاريخ .2014/11 /32جاء على موقع
"قصارى القول" ملخصا عن تلك المقابلة جاء فيه :
( ...قال العالم النووي العراقي الدكتور عماد خدوري إنه على مدى
أكثر من ثلاثة عقود يتابع برنامج إيران النووي وإنه على قناعة
بطابعه السلمي ....ويورد د .عماد خدوري معطيات وأدلة يسعى من
خلالها التأكيد على سلمية البرنامج النووي الإيراني ،الذي وصل
وفق رأيه إلى كل ما تطمح إليه إيران).
http://ar.rt.com/gf0b
arabic.rt.com/prg/telecast/765947
وقد لمسنا في حينها ،ومن خلال قراءتنا الأولى لأجوبة
الدكتور عماد خدوري ،وهو خبير وعالم نووي عراقي ،إن تلك
الإجابات يُفهم منها أنها تسعى بمحاولة واضحة إلى تبرئة البرنامج
الإيراني من التوجه نحو امتلاك السلاح النووي ،وان البرنامج
النووي الإيراني ،حسب إجابات د .عماد خدوري ،من خلال تلك
المقابلة التلفزيونية يكون بعيد كل البعد عن هدف الوصول إلى
إمكانية التسلح النووي ،وهذا النظام لا يرمي الى امتلاك إيران لسلاح
وقنابل نووية.
مثل تلك الإجابات وغيرها ،سمعناها مرارا خاصة بما ينسب
الى أصدقاء إيران واللوبي الفارسي عبر العالم ،ومثلها عبارات
نسمعها ونقرأ عنها ونلاحظها عبر التسرب الإعلامي والسياسي في
14
عديد المحافل الدولية ،ويجري ذلك بشكل محلوك عبر تسريبات
الإعلام الإيراني خاصة ،وفي ذلك الكثير من اللغط والأكاذيب ،ومنه
ما يوحي أيضا وكأن النظام الإيراني ملتزم بما سبق له عندما أعلن
تخليه وبقناعة دينية وعبر فتاوى شرعية تنهي عن إنتاج الأسلحة
النووية .إن القيادات الدينية في إيران سبق لها أن أعلنت مرارا :منذ
عهد خميني وبعده خليفته خامنئي ،التخلي عن المشروع النووي
الإيراني ،وأفتت بحرمانه شرعيا ونفت نيتها السعي الى امتلاك مثل
هذا السلاح لمخاطره وإبعاد أذاه على حياة البشر ودمار البيئة
والطبيعة.
وان القول بأن "إمكانيات إيران باتت بعيدة عن إنتاج قنبلة
نووية" ،هو قول يجافي الحقائق على الأرض ،وفيه الكثير من
التقديرات الخاطئة ،ويصب في الاحتمال المعاكس تماما ،لما هو فيه
من تشويش على حقيقة وضع التوجه النووي الإيراني وطموحاته
التسليحية الهائلة ،فهو برنامج ومشروع لم يتخل يوما عن طموحاته
العسكرية المرسومة والموضوعة تحت التنفيذ منذ سنوات طويلة .
وقد مر انجاز المشروع النووي الإيراني عبر درجات ومحطات
متفاوتة ،من حالة الإعلان عنه أو التغاضي عن الاعتراف بحقيقة
امتلاك إيران لسلاحها النووي .وفي حالات التصعيد الإعلامي
والأزمات الدولية والإقليمية مع النظام الإيراني ،غالبا ما تكشر
حكومة إيران عن أنيابها ومخالبها النووية ،مهددة بتصريحات
ناطقيها الإعلاميين والحكوميين إنها دولة باتت قادرة على رفع نسب
التخصيب اليورانيوم الى أية درجة تريدها ،وهي تصرح علانية في
تحديها للضغوطات الأمريكية :انه ما لم تتوقف الإدارة الأمريكية
15
وحلفائها عن الضغط الاقتصادي عليها لمنعها من اكتساب وامتلاك
الأسلحة الإستراتيجية ،بما فيها منظومات الصواريخ الباليستية بكل
أنواعها ،فإنها مستعدة في أية لحظة مواصلة برنامجها النووي
بزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي وإنتاجها وبرفع نسبة وكمية
التخصيب بما تريده؛ وبذلك تلعب إيران لعبتها السياسية والإعلامية
في التلويح بالذهاب الى إنتاج السلاح النووي مضطرة؛ إن جرى
الضغط عليها أو منعها من تحقيق حلم إمبراطوريتها الفارسية
وامتدادها على أراضي بلدان عربية مجاورة.
إن تلك المقابلة التلفزية مع الدكتور عماد خدوري وغيرها
وكثير من مثيلاتها المتداولة في عديد التعليقات والتصريحات
الإيرانية كلها تتظاهر بإنكار إمكانية إيران في الحصول والوصول الى
امتلاك سلاحها النووي المنشود .وهذه سياسة إيرانية إعلامية
مقصودة تخدم إغراض وأهداف ما يسمى "التقية النووية الإيرانية"
بشكل مباشر؛ كون القيادة الإيرانية تعلن شيئا ،ولكنها تبطن شيئا
آخر ،وهي تمارس مثل هذه التقية في التمسك في الإنكار التام
لطموحها ألتسلحي النووي حتى تحين الفرصة لها لإعلانه على الملأ
وقت ما تريد وتقرر به القيادة الإيرانية.
ولكن واقع الحال وما يصل الى العالم من تقارير متخصصة
ودقيقة ترى العكس تماما بأن إمكانيات إيران التسلحية النووية فاقت
تلك الحدود المعلن عنها ،وإمكانيات إيران النووية باتت تشكل في
محصلتها مشروعا نوويا ،حربيا وعسكريا ،طموحا بات يقترب نحو
امتلاك القنبلة النووية ،حتى وان قبل البعض جدلا على ضوء ووفق
ما يعلن ويسرب إعلاميا عن برنامج إيران النووي الطموح بجانبيه
16
السري والعلني ،فهو برنامج يتكامل ويتطور بسرعة يوما بعد يوم،
ويتكامل مع مستوى إنتاج الصواريخ الباليستية وإبعادها وإمكانية
حملها رؤوسا تسلحية نووية أو كيمياوية حتى بات الأمر كله يقلق
أوساط دول الغرب نفسه وخاصة الولايات المتحدة وأوربا كثيرا.
وعلى الجانب الآخر من معادلات التسلح يلاحظ بوضوح ومنذ
سنوات والعالم يراقب حرص إيران على تطوير وإنتاج المنظومات
الصاروخية البرية والبحرية والجوية ،القريبة والبعيدة المدى ،فقد
أجرت إيران مئات التجارب الصاروخية في الجو والبر والبحر،
وانتقلت من الجانب التجريبي الحربي لصواريخها الى التهديد
والقصف الفعلي لأسلحتها انطلاقا من ساحات اليمن وغيرها ،مركزة
حول مسألتين لتحقيق الغرض المطلوب ،هما بعد المسافات
المتوسطة والقريبة لتلك الصواريخ الباليستية ودقة تصويبها ،وكذلك
تطوير إمكانيات تزويدها برؤوس متفجرة غير تقليدية ،فجرى العمل
على تزويدها بإمكانيات حمل تلك الصواريخ لرؤوس تقليدية وأخرى
غير تقليدية ،في الوقت الذي ظلت به القيادة الإيرانية تدعي أنها لا
تتطلع أبدا الى صناعة القنبلة النووية ،مستفيدة من درس العراق،
وما آل إليه وضعه بعد أن شنت الحرب على العراق من قبل الولايات
المتحدة الأمريكية مع تحالف دولي واسع احتل العراق بحجة التحقق
من امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل فتعرض العراق الى تفكيك
كل منشئاته العلمية والتكنولوجية وخراب وتدمير العراق كليا ،رغم
عدم تمكن الولايات المتحدة وحلفائها وفرق الأمم المتحدة التفتيشية
وخبرائها من العثور على أية أسلحة عراقية للدمار الشامل .
17
وهكذا بدأت تسرب إيران تصريحات لقادتها فيها الكثير من
المغالطات وردت مرارا على لسان قادتها ودوائر خارجيتها
وإعلامها ،بدءا ً من قيادة خميني السابقة إلى مرحلة خامنئي الحالية،
حيث ظل القادة الإيرانيون يمارسون مبدأ التقية النووية بعينها،
لتغليط الرأي العام والمجتمع الدولي ،خاصة عندما أفتوا وحرموا
جهارا صناعة مثل هذا السلاح وحتى تحريم امتلاكه .لكن وفي
الجانب الآخر ،نرى في ذات الوقت ،إن إيران سعت ولا زالت تسعى
إلى بناء منظومة نووية وصاروخية متكاملة من خلال عديد
المؤسسات والمحطات والمصانع النووية والصناعية وهي تتكامل
جميعها في الجهد نحو الوصول إلى الأهداف البعيدة للقيادة الإيرانية،
ألا وهو إنتاج السلاح النووي وضمان وسائل نقله الصاروخي
والتهديد باستعماله.
ويمكن الرجوع إلى ما كتبناه سابقا ومنذ سنوات من مقالات
ودراسات ومتابعات ،بناء على معطيات كثيرة حول جوانب من
المشروع النووي الإيراني.
http://www.albasrah.net/pages/mod.php?mod=art
&lapage=../ar_articles_2008/1108/3abdkadem2_01
1108.htm
لقد أكدت كثير من المعطيات والوقائع والأحداث الأخيرة في
المنطقة :إن الايرانيين قد اجروا تجارب على كيفية وطرق التفجير
النووي تحت الأرض في أكثر من مرة ،حتى لو تم ذلك بتجارب نووية
تكتيكية محدودة وبطاقات محدودة جدا ،كما تمت محاولات التستر
18
على تلك التجارب أو إجرائها على أراضي دول أخرى ومنها مناطق
التفجيرات النووية في كوريا الشمالية حيث جرت الإشارة إليها في
مواقع ومقالات عدة .ومنها مقالتنا في شبكة البصرة [ الخميس 4
صفر 32 / 1421تشرين الثاني .]3014
مرت عشرة سنوات منذ أن نشرنا في أسبوعية القادسية
الجزائرية العدد 40الصادر نهاية تموز 3002جملة من التساؤلات
عن البرنامج النووي الإيراني وغموضه حيث لم يثر برنامج نووي
لأية دولة قبله في التاريخ العلمي والعسكري في العالم صراعا وجدلا
مثل البرنامج النووي الإيراني؛ ذلك يعود لأسباب عدة :أهمها سرية
وغموض أهدافه من جهة ،وغياب شفافية الإعلان عن تقدمه
وخطوات تنفيذه ومراحل اكتماله كما يبدو ظاهريا.
وربما كان مثل هذا البرنامج بعيدا عن اهتمامات الإعلام
والمراقبين لولا ارتباطه إعلاميا بالرفض الإسرائيلي والأمريكي
المعلن منه ،وخوف بلدان الخليج العربي والعراق وأفغانستان
وروسيا أيضا من تطوراته المستقبلية .ولانه قد يضع إيران على
عتبة هامة من أن تكون دولة عظمى يحسب لها ألف حساب نظرا
لتحكمها بمواقع مرور الطاقة النفطية من مضيق هرمز وإمكانياتها
الإستراتيجية بخلق قوى من الحلفاء لها بدء من حكام العراق
المحتل ،مرورا بلبنان"حزب الله" ،وسوريا وفلسطين" احتواءها
لمنظمات الرفض الفلسطيني" وحتى ارتباطه بالحالة في أفغانستان
وما تكشف من تورط إيران الواضح والصريح بما تقدمه من دعم
لمنظمات القاعدة وبعدها داعش والمليشيات الطائفية المرتبطة نحت
19
قيادة الحرس الثوري الإيراني والتي باتت تشكل في تسلطها ونفوذها
حالة دولة داخل دولة في كل من العراق ولبنان واليمن .
لقد لعبت المناورة والدبلوماسية والتحالفات الإيرانية دورا هاما
وذكيا لحماية المشروع الصاروخي والنووي الإيراني لتأمين وصوله
إلى أهدافه المرسومة .إن أكثر من سؤال يطرح اليوم بعد إعلان
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية
من الاتفاق النووي مع إيران وبقاء بقية الدول الحليفة له بالتمسك
بهذا الاتفاق رغم انسحاب الولايات المتحدة منه .
ما الذي تغير حول حقيقة وآفاق ومستقبل هذا المشروع؟ وما
هي العوائق التي تمنع الإدارة الأمريكية وحليفتها إسرائيل من قصفه
وتدميره؟ ،رغم كل ذلك التهديد والوعيد الذي سمعه العالم منذ أكثر
من عقدين وخاصة تلك التهديدات الإسرائيلية الأخيرة بقصف
المفاعلات النووية الإيرانية وغيرها ؟ وأخيرها ندوة نتنياهو رئيس
وزراء الكيان الصهيوني الذي بدا واثقا من نفسه بكل ما عرضه من
خلاصة معلومات وصور ووثائق مأخوذة من عشرات الألوف من
التقارير والمعلومات الخاصة بالمشروع النووي الإيراني .
هل فعلا أن القضية تتعلق بوقف تخصيب اليورانيوم ؟ أم أن
المشروع قد تجاوز مراحل توقيفه ليعلن الرئيس الإيراني منذ سنوات
احمدي نجاد في أكثر من مرة " :إن إيران قد انضمت الى دول
النادي النووي العالمي ألثمان"؟ ...رغم معارضة الولايات المتحدة
وإسرائيل ،وكذلك ما ورد من عبارات التهكم والسخرية التي أطلقها
خامنئي وروحاني بحق الرئيس الأمريكي ترامب بعد إعلان الأخير في
20
13مايس /أيار 3012قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي مع
إيران معلنا تصعيد آليات الحصار الاقتصادي على نظام طهران.
وفي رأينا قطعا إن القضية لا تكمن في إمكانيات تخصيب
اليورانيوم من قبل إيران التي أعلنت منذ سنوات إنها وضعت أكثر
من 1000من أجهزة الطرد المركزي بهدف تخصيب وقودها النووي
الذي تحتاجه لبرنامجها النووي الموصوف إيرانيا بـ "السلمي".
وفي خلال السنوات العشر الأخيرة ضاعفت إيران من تعداد أجهزة
الطرد المركزي في أكثر من منشئة إيرانية وكأنها تمارس لعبة
التخصيب والتحكم بنسبه تبعا مع حالة التصعيد والتضييق الأمريكي
على إيران.
وإذا كان السلاح النووي يعتمد أساسا على قدرة الدولة من توفير
اليورانيوم المخصب أو البلوتونيوم فان إيران وفق الملاحظات
وتقارير المراقبين وبعض خبراء وكالة الطاقة الذرية لازالت بعيدة
عن إمكانية إنتاج السلاح النووي في القريب العاجل فما الذي يدفع
ترام بالى التهويل والترهيب من مخاطر إيران؟.
وبرأينا إن تلك التقديرات التي تسرب الى الإعلام تكون ساذجة،
حتى وان سربتها بقصد مصادر سياسية وإعلامية من الولايات
المتحدة أو حتى بعض مصادر الوكالة الدولية للطاقة الذرية ،لكي
تربح كل تلك الجهات عامل الوقت واستمرار التفاوض مع إيران،
ويبدو أن الجميع قد استهوتهم لعبة المفاوضات وكسب المواقف على
الأرض بسبب مشاكل دول الشرق الأوسط لتقسيم حصص الاستثمار
والتواجد في هذه الدول التي نالها الخراب خلال الفترة الداعشية حيث
تلعب إيران في المحور المركزي في الصفقات أينما قيل عن تواجد
21
داع شاو الحاجة لمسك الأرض بعد قصف التحالف الدولي لمناطق
ومدن داعش .
الحديث عن إلزام إيران بوقف برنامج التخصيب أو تحديده ،كما
يشاع إعلاميا ،هو الظاهر كما يبدو ولكن ما يدور برأس الرئيس
الأمريكي دونالد ترامب في حقبة جديدة توزيع المصالح الدولية في
المنطقة استدعت القرار الأمريكي أن يغير وجهته تجاه بعض الدول
الثانوية التي يعتقد أنها يمكن أن تنزع أسلحتها النووية طواعية
طالما أن العالم يذهب نحو عقلانية استحالة استخدام مثل هذه
الأسلحة النووية ولكلفة صيانتها والمحافظة عليها وحراستها فان
دولا معينة باتت مقتنعة بنزع أسلحتها النووية مثل كوريا الشمالية
وباكستان وحتى إيران أن حصلت على مكاسب في الشرق الأوسط
ويكون لها دور .
وسواء كانت الإدارة الأمريكية مقتنعة بحصول إيران على سلاح
نووي أو أنها قريبة منه فان الإرادة الدولية ،بما فيها الصين
وروسيا ،مقتنعان اليوم أكثر من أي وقت مضى ،التعاون مع الولايات
المتحدة بشكل أو آخر نحو تصفية حقيقية لسلاح إيران النووي
الموجود فعلا ،والاكتفاء بمراقبة مفاعلاتها لإنتاج الطاقة
الكهرونووية بإشراف ومراقبة الوكالة الدولية للطاقة النووية مع
تعهد وقناعة الأمريكيين بقبول إيران شريكا استراتيجيا مقبولا في
المنطقة سواء في العراق أو الخليج العربي أو أفغانستان وعليها أن
تعود الى حجمها في عهد الشاه أن لم يكن اقل لان الشاه كان عضوا
في حلف بغداد وحلف المعاهدة المركزية ،أما إيران الخمينية فهي
22
خارج مثل تلك الأحلاف العسكرية والسياسية ظاهريا رغم تعاونها في
تنفيذ العديد من المخططات والأدوار في المنطقة.
إن إيران تملك فعلا منشئات نووية متكاملة تمكنها من ان تكون
دولة نووية لتحقيق طموحاتها القومية الفارسية .والمشروع النووي
الإيراني الذي بدأ منذ بداية ستينيات القرن الماضي في عهد الشاه
محمد رضا بهلوي ،ورغم بعض توقفاته أو تأخره لكن الإيرانيين
واصلوا تطويره واستثمروا به عشرات المليارات من الدولارات منذ
عام 1612بوضع خطة على أساس بناء 32مفاعل نووي تغطي
عموم مساحة البلاد الإيرانية ولكلفة تبلغ 20مليار دولار آنذاك ،
وهي مفاعلات كانت تستهدف أصلا إنتاج البلوتونيوم أكثر منها
الحصول على الطاقة الكهرونووية التي يمكن توفيرها باستخدام
البترول والغاز الإيراني وبكلف اقل وأقل مخاطر من احتمالات
التلويث بسبب الأحداث والمخاطر النووية المحتملة .
23
الحلقة الثالثة
تاريخ المشروع النووي الإيراني
في عام 1624أنشأت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية والتي
تعرف اختصارا AEOIالتي أخذت على عاتقها تنفيذ خطة البرنامج
النووي الإيراني وتعاقدت من اجل تنفيذ مفردات حلقاته مع شركات
ألمانية وأمريكية وفرنسية وكانت أهداف الشاه تتجه نحو بناء
محطات طاقة نووية وتوفير إمكانيات الحصول على السلاح النووي.
وفي سنوات ( 1624ـ )1622تمكن الإيرانيون من إجراء تجارب
على البلوتونيوم المنتزع من الوقود المستهلك باستخدام الطرق
الكيميائية .وهذه الحقيقة صرح بها الدكتور أكبر اعتماد وهو
المؤسس والرئيس الأول لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية خلال تلك
الفترة.
ومن المعروف هنا إن الاستخدام الوحيد البلوتونيوم هو صنع
القنابل النووية .وفي المرحلة الثانية للبرنامج الإيراني التي سميت
"مرحلة التوقف" بعد أن عاد الخميني وألغى صفقات البرنامج
النووي والأسلحة مع الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا واليابان
وازدرى الخميني علانية علوم الغرب مما أوقف المشروع النووي
مع الغرب .منها مشاريع مدنية كبرى بقيمة 24مليار دولار من
ضمنها بناء أربعة مفاعلات للطاقة النووية.
وفي السنوات الأولى من الحكم الجمهوري الإسلامي " حكم
ولاية الفقيه" استغنت إيران عن برنامجها النووي الذي بدأه الشاه،
ورغم الإعلان عن التوقف ظل هناك أكثر من 400خبير وفني نووي
24
إيراني في ممارسة أعمالهم وإبقاء 12خبير نووي في محطة بو
شهر النووية ؛ بمعنى أن إيران لم تسرح خبرائها عن العمل،
واستمرت بمطالبة الشركات ومنها شركة "سيمنس" الألمانية
بتسليم الأجهزة والمعدات التي احتجزت خارج إيران .ولم تزل هذه
القضية معلقة حتى ألان وظلت إيران تطالب تعويضا قدره 2،4مليار
دولار كتعويض .حتى الأسبوعين الماضيين وعند اجتماع بقية الدول
الخمس في فينا لتدارس التفاوض مع إيران والتمسك بالاتفاق
النووي مع إيران حتى بعد خروج الولايات المتحدة صرح مسئول
إيراني إن إيران نفسها تهدد بالخروج عن الاتفاق النووي مع هذه
الدول بشرط تعويضها ماليا عن ما لحقها من خسائر مالية ضخمة في
مشروعها النووي الذي يطالب الغرب بتصفيته.
كل المؤشرات تبين أن الإيرانيين توجهوا بجد خلال الفترة
الخامنئية لاستعادة بعث مشروعهم النووي وخاصة في عهد الرئيس
الإيراني هاشمي رافسنجاني حيث افتتحت إيران مركز أصفهان
للبحوث النووية بمساعدة فرنسية واتجهت إيران إلى تنويع تعاونها
النووي مع عدة دول غير غربية كالصين وباكستان ومنذ أسبوعين
فقط أعلنت قناة الحرة الأمريكية خبرا بوصول مستوردات لأجهزة
ومعدات نووية اسرائيلية الصنع عن طريق تركيا كانت متوجهة الى
إيران.
وفي 1622وافقت الأرجنتين على تدريب الفنيين الإيرانيين كما
حصلت إيران على يورانيوم بقيمة 2،2مليون دولار وأعادت علاقتها
مع عدد من الشركات والخبرات الألمانية .ولم تتوقف عن نشاطها
حتى بعد تعرض وتخريب منشئاتها النووية بواسطة القصف الجوي
25
العراقي لها لأكثر من ستة مرات ما بين سنوات ( 1624ـ )1622
ألحقت بها أضرارا جسيمة والتي قدرت ما بين ( ) 4،1 - 3،6مليار
دولار حسب معاينة وتقدير الخبراء الألمان.
في سنة 1622أجرت إيران مفاوضات مع شركات أرجنتينية
واسبانية لإكمال بناء محطة بوشهر النووية وبعد انتهاء الحرب في
1622استفادت إيران من دروسها وحسمت موقفها ألتسلحي نحو
إعطاء
الأولوية للسلاح النووي مع تطوير قدراتها الصاروخية فكان لها ما
أرادت اليوم.
ما بين ( 1661ـ )3001استكملت بنيتها التحتية وتنويع
مصادر التكنولوجيا ومنها التوجه الى الصين التي حصلت منها عام
3001على 1000كغ من غاز هكسافلوريد اليورانيوم ،مع 400كغ
من مادة تترافلوريد اليورانيوم فضلا عن 400كغ من مادة ديوكسيد
اليورانيوم من دون أن تبلغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ان التوقعات الأمريكية منذ أكثر من عشر سنوات خلت ترى ان
إيران حصلت من الصين على الكثير من المعامل والخبرات عن
طريق اتفاقيات سرية ،ومنها علنية ،وتسارعت الإحداث حتى
وصلت إيران الى حالة الإعلان عن نجاحها في تجارب تخصيب
اليورانيوم وبناء منظومات الطرد المركزي في جامعة الشريف
وسعت الى الحصول على اسطوانات الفلورين والمغانط اللتين
تستخدمان في أجهزة الطرد المركزي ،وظلت إيران جاهدة على رفع
مستويات التخصيب وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي.
26
ولكن واقع الحال كان يشير الى وصول أكثر من 100خبير
نووي روسي الى موقع بوشهر في أوت/آب من عام .1663فضلا
عن تخرج مئات التقنيين الإيرانيين من المعاهد الإيرانية ومن الذين
استكملوا تدريبهم في الخارج.
وتصاعدت أخبار الاتفاقيات والكشف عن المفاعلات وبرامجها
وطاقاتها المرحلية والمستقبلية .ثم تتالت الإخبار عن الحملة
الأمريكية على إيران لوقف مشروعها النووي وخاصة الموقف من
تخصيب اليورانيوم منذ قرابة عقدين لكنها في واقع الحال لم تفعل
شيئا ملموسا سوى التلويح بالعقوبات الاقتصادية على إيران حتى
جاء الرئيس باراك اوباما ليعيد الكثير من المليارات من الدولارات
المحتجزة الى أيادي حكام طهران في وقت كانت إيران تتسع في
تحقيق طموحاتها التوسعية في المنطقة وتنتقل بصناعاتها العسكرية
نقلات نوعية في تطوير وإنتاج وتجريب منظوماتها من الصواريخ
الباليستية التي بلغت مدياتها أكثر من 2000كم وتطال دول أوربية
والبحر المتوسط .
ورغم التمسك الإيراني المتصلب بالمطالبة في رفع نسب
التخصيب وزيادة كميات اليورانيوم المخصب إلا أن إيران في واقع
الحال ليست بتلك الحاجة الملحة لتخصيب عدد من الكيلوغرامات من
اليورانيوم ،فقد كانت إيران ،إضافة الى طموحها وفطنتها ،محظية
باستغلال الفرص النادرة وهي التي تمتلك حدودا مع جمهوريات
الاتحاد السوفيتي الذي انهار فجأة بشكل دراماتيكي ،ومن دون توقع
مسبق ،في لحظة تاريخية ليضع إقدام إيران على بوابة النادي
النووي كدولة قادمة بإصرار الى مبتغاها على الشكل التالي.
27
ظلت الدول النووية الكبرى تعتبر إن الأسرار النووية لديها
قضية حساسة وهامة مرتبطة بأمنها القومي ولعل حماية وصيانة
منشئاتها النووية في مقدمة الأولويات وخصوصا الحزم في عدم
تسيب وتسرب وتهريب المواد النووية الصالحة للاستخدام العسكري
من مخازنها المحروسة بشدة كبيرة لكون ذلك الأمر يعد تهديدا خطرا
على أمنها القومي وحتى على بقية دول العالم.
أضحى هذا الخطر محتملا جدا بعد سقوط وتفكك الاتحاد
السوفيتي وانفراط عقد الدول التي كانت منظمة إلى جمهوريات
الاتحاد السوفيتي السابق .لذا سارعت الولايات المتحدة وجمهورية
روسيا الاتحادية" خليفة الاتحاد السوفيتي" في عهد الرئيس
الأسبق يلتسين إلى توقيع معاهدات لخفض التسلح النووي ،وتشديد
مراقبة ومنع تسرب وانتقال المواد والأجهزة النووية إلى آخرين
والشروع في تفكيك الكثير من الرؤوس النووية والصواريخ الحاملة
لمثل هذه الرؤوس والحرص على نقل اليورانيوم المخصب
والبلوتونيوم الى مواقع آمنة خشية تهريبه ووقوعه في أيدي دول
أخرى وعصابات الجريمة المنظمة والتهريب.
ومن الطبع أن استغلت الإدارة الأمريكية تلك المصاعب
الاقتصادية لروسيا الاتحادية لتملي عليها الكثير من شروط الإذلال
والحط حتى من كبريائها الوطني وقوتها كدولة عظمى .وهكذا تم
التوصل إلى اتفاق يقضي أن تتخلص كل من الدولتين من 20طن من
البلوتونيوم الموجود في الترسانات النووية للدولتين وبتفكيك عدد
من الرؤوس في الأسلحة النووية كالصواريخ النووية العابرة
للقارات.
28
المعروف إن فائضا من 20طن من البلوتونيوم عند
روسيا كان كافيا لإنتاج حوالي 10000سلاح نووي جديد .وان أسوأ
سيناريو قد يكون فيه الطن الواحد من البلوتونيوم يكفي لصنع 300
قنبلة نووية بمقاس تفجير وطاقة قنبلة هيروشيما التي أسقطتها
الولايات المتحدة فوق هيروشيما ونياغازاكي.
وإذا ما سقطت كمية من هذا البلوتونيوم في الأيدي الخطأ أو
الجهات المترصدة لها فإنها تكفي لإنتاج قنابل نووية ،حيث يتطلب
الأمر فقط إلى أقل من 1كيلوغرام من البلوتونيوم الصالح لصنع
قنبلة نووية بدائية كتلك القنبلة النووية الأمريكية التي أسقطت فوق
نياغازاكي في أوت من عام 1642بعد نهاية الحرب وإعلان اليابان
وألمانيا نيتهما على الاستسلام الكامل غير المشروط.
وهكذا رافق سقوط الاتحاد السوفيتي وحل الجيش السوفيتي
الأحمر إعادة الكثير من الوحدات العسكرية النووية السوفياتية
بأسلحتها إلى وطنها في روسيا والى بعض من جمهوريات الاتحاد
السوفيتي السابق ،وسادت الانسحابات فوضى كبيرة وردود فعل
كانت غاضبة من قبل العلماء والضباط وكبار جنرالات الجيش
الأحمر .وكانت أسوأ الأحوال النفسية هو مشهد حالة تفكيك الوحدات
النووية وإحالة مئات الألوف من العسكريين والخبراء والعلماء إلى
البطالة أو إلى التقاعد المبكر دون ضمانات وامتيازات كانوا قد
عاشوها أيام الاتحاد السوفيتي.
لقد وصلت الاهانة والمجاعة بعدد كبير من العلماء والخبراء
النوويين السوفيت أن طلبوا مرتبات متواضعة تكفل لهم مجرد العيش
البسيط لعوائلهم وحمايتهم من العوز والفقر والتشرد .وعندما
29
تصدقت الهيئات الأمريكية على بعضهم بحفنة من الدولارات لأجل
دوام البقاء على الحياة كان ذلك المشهد الدرامي لا يوصف بمثل هذه
الحالة المضطربة لهم .وعندما جاءت قرارات تفكيك الأسلحة النووية
فعلا ،تواصلت وتكاثرت المافيات الروسية القديمة منها والجديدة
كالإعشاب البرية وبرزت كالطفيليات الضارة حيث ظهرت هنا وهناك
سواء في روسيا أو في مختلف الأقطار والقوميات الأخرى في رواق
الدولة السوفيتية ومنها انتهزت الفرصة السانحة لها عندما حاولت
الوصول إلى أهم كنوز البلاد المنهوبة ومنها "اليورانيوم المخصب"
وكذلك الوصول الى مخازن البلوتونيوم الذي يمكن تهريبه وبيعه إلى
الخارج .وفي أثناء عمليات التفكيك والنقل والخزن ،تم إخفاء كميات
معتبرة من هذه المواد النووية الانشطارية .واستعد ضباط كبار
وتقنيون نوويون للمغامرة حتى بأرواحهم لأجل سرقة وبيع ونقل هذه
المواد وتهريبها.
30
الحلقة الرابعة
حبل الكذب النووي أقصر من غيره
نعتقد إن احتمالات امتلاك إيران للأسلحة النووية قضية تظل
قائمة ،وهي قضية باتت تشكل واقعا مقلقا في نظر دول الغرب ،سواء
أفصحت دول الغرب عن ذلك أو اعترفت بالأمر الواقع في كواليس
محادثاتها مع النظام الإيراني في تلك المحادثات الماروتونية في
كواليس المؤتمرات والمحادثات السرية أو العلنية حيث عاملتها
بعض الدول ولو على استحياء ووجل من أنها باتت الدولة النووية
الثامنة او التاسعة بعد إسرائيل في النادي النووي العالمي.
وسواء كان مثل ذلك الأمر مقرا ومعترفا به في السر أو العلن
بين الأطراف التي تتفاوض مع إيران منذ سنوات ،إلا أن القيادة
الإيرانية ظلت متمسكة ومتعلمة من الدرس الصهيوني وهي مستمرة
بإنكار نيتها صنع السلاح النووي وقد تمسكت بمبدأ "التقية النووية
الإيرانية" ،وهي مستمرة بدهاء سياسي ودبلوماسي في محاولات
إخفاء تلك الحقائق عن العالم وعن أنظار ومتابعات عدة دول ومنها
الولايات المتحدة وروسيا وأخيرا ما سمي باتفاقيات ( ، )1+ 2حيث
جرت وتجري المفاوضات بأمل أمريكي وأوربي الى إيقاف المشروع
النووي الإيراني ظاهريا عند حدود معينة أو بذل محاولات احتواء
النظام الإيراني والتعاون معه بصيغ عدة والعمل على منحه دورا
إقليميا كدولة ذات نفوذ ،لها بعض من امتيازات دول النادي النووي
وان تكن بأقل من روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا.
31
لكن استمرار طموحات إيران في التوسع والنفوذ والوصول الى
امتداد جغرافي وإقليمي لها عبر هيمنها على العراق وسوريا ولبنان
واليمن والوصول الى البحر الأبيض المتوسط ومداخل البحر الأحمر
والبحر العربي تكون قد تجاوزت عتبة المنع والاحتواء المرسوم لها
دوليا ،وهي دولة ساعية لفرض أمر واقع الى الوصول نحو تحقيق
أهدافها النووية ،من هنا لا نتفق مع من يقول عن دراية أو تضليل
مقصود من أن البرنامج النووي الإيراني لازال سلمي التوجه وهو
برنامج ومشروع محدود الإمكانيات والأهداف ...الخ. .
كما أن أكذوبة إن إيران تكون قد تخلت عن مشروعها النووي
العسكري لصنع قنبلة نووية نهائيا في التزامها ضمن بنود الاتفاق
النووي بينها وبين الدول الخمسة زائد واحد لم تعد تقنع أحدا حتى
أكثر المتعاطفين معها من دول الغرب الاوربي التي تسعى للاستفادة
من عائدات استثماراتها وصناعاتها وتجارتها مع إيران .
عودة الى تاريخ إيران النووي منتصف الخمسينيات كما تبين مراحله
الحلقة الرابعة من هذه الحلقات ولكن سنركز هنا على فترة منتصف
السبعينيات ،التي شهدت تصاعدا عسكريا وسياسيا لإيران خلال فترة
الشاه وبرزت طموحاته لبناء قوى عسكرية إستراتيجية في منطقة
الخليج العربي حتى أطلقت عليه الصحافة والأوساط الدولية بدركي
الخليج.
32
وعندما بدأ شاه إيران ،محمد رضا بهلوي ،برنامجا طموحا للطاقة
النووية ،يتجاوز الاستخدام السلمي نحو التفكير بالتسلح النووي،
حينها تسربت تقارير أمنية وسرية تشير الى :
( ...بأن إيران بدأت برنامج أبحاث مصغرا للأسلحة النووية) .كانت
الإدارات الأمريكية ترصد تطورات هذا المشروع وخصوصا بعد
سقوط نظام الشاه ووصول نظام خميني وحكمت إيران سلطة
ثيوقراطية جديدة كشفت عن تطلعات لها بالانتقال من حال تصدير
الثورة الى التمدد والنفوذ شرقا وغربا ،في أفغانستان تارة وتارة
نحو العراق والشرق الأدنى والأوسط .
وفيما يلي توثيق لأهم المحطات للرصد وصولا الى حال تفجر
أزمة " البرنامج النووي الإيراني" الذي بات يشغل الكثير من دول
العالم وخاصة في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي تحول
موقفه الأمريكي من حال الاحتواء للمشروع وتحديد تطلعات قادة
إيران الى المجاهرة بتدميره وحتى التوجه نحو تفكيكه وإلغاءه سواء
بطريقة سلمية من خلال اتفاقيات ملزمة لحكومة إيران او اللجوء الى
الحرب والتلويح بالعقوبات الاقتصادية لإجبار النظام الإيراني على
القبول بالشروط الأمريكية الجديدة .وكان إعلان الرئيس الأمريكي
الانسحاب منفردا من الاتفاقية النووية مع إيران قد شكل وضعا
33
محرجا لكل الأطراف الدولية المرتبطة بإيران وبالمشروع النووي
الإيراني..
اتسع طموح إيران النووي اتسع بعد وصول خميني الى
السلطة عام ،1626حيث مارست ايران التقية النووية بنكرانها
التفكير بالتسلح العسكري النووي ولكنها عملت على الحصول على
التقنيات النووية وعبر أكثر من طريق ،خاصة عبر السوق السوداء.
وكان من بين النتائج التي سعت اليها حكومة ايران الخمينية حصول
طهران على اليورانيوم الخام من جنوب أفريقيا عام ،1984وفي
نهاية هذا العقد أيضا حصلت على أجهزة الطرد المركزي من
باكستان ..وفي سنوات سقوط وتفكك الاتحاد السوفياتي كانت شبكات
التهريب الخاصة تنقل اليورانيوم والبلوتونيوم الجاهز المسروق من
معسكرات الجيش السوفيتي المنحل .ولتغطية طريقة حصولها على
اليورانيوم او البلوتونيوم كان عليها السعي وبكل الوسائل والصفقات
المعلنة أو السرية لاستئناف بناء محطة بوشهر عام 1662وتشغيلها
تحت إشراف خبراء روس .طموح استمر في البناء والتشييد حتى
أقامت مفاعلات نووية في أصفهان وأراك لتخصيب اليورانيوم.
وكانت إيران تحاول إخفاء الحقيقية رغم التقارير التي كشفتها
34
وكالات الاستخبارات الدولية والوكالة الدولية للطاقة الذرية عن
عمليات تخصيب اليورانيوم.
منذ عام ،3003علمت الاستخبارات الأميركية وكشفت عن
وجود اثنتين من المنشآت النووية السرية ،وهما منشأة لتخصيب
اليورانيوم في نتانز ومحطة لإنتاج الماء الثقيل بالقرب من آراك.وهو
ما يشير إلى نقلة نوعية بطبيعة الانتقال بالمشروع إلى أفاق عسكرية
واضحة الملامح عندما يتوفر الماء الثقيل والوقود النووي المطلوب
للتسلح ولتشغيل المفاعلات النووية.
في آذار/مارس ،2003ظهرت تقارير أخرى تفيد بأن إيران قد
تكون أدخلت مواد نووية إلى منشأة التخصيب في نتانز لاختبارها
دون إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية ،وهو ما يعد انتهاكا لإحدى
فقرات المعاهدات الدولية التي تلزم الحكومة الإيرانية بالكشف عنها
لخبراء ومفتشي اللجنة الدولية للطاقة الذرية.
أول اتفاق توصلت إليه إيران بشأن برنامجها النووي كان مع
الاتحاد الأوروبي عام ،3002لكنه لم يصمد طويلا بسبب مراوغات
النظام في طهران ،ومحاولات الالتفاف على صلب الاتفاق الذي قضى
بوقف تخصيب اليورانيوم وفتح المفاعلات أمام المفتشين.
35
وفي شباط /فبراير ،3004تم الكشف عن آثار اليورانيوم عالي
التخصيب اكتشفه مفتشوا الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل 13
شهرا ،في موقعين مختلفين على الأقل ،وأن درجة نقاء ما تم
اكتشافه يشكل إشارة كافية لخبراء التسلح النووي من إمكانية إيران
مستقبلا لإنتاج أسلحة نووية.
وفي آب/أغسطس ،3002رفضت إيران عرض الاتحاد
الأوروبي بتقديم حوافز مقابل ضمانات بأنها لن تسعى لامتلاك أسلحة
نووية ،مما جعل القيادة الإيرانية في حالة تناقض في ما بين ما تعلنه
وفي ما كانت تضمره وإصرارها على السير بمخططاتها باستغفال
الزيارات التفتيشية لخبراء لجنة الطاقة الدولية..
وفي عام 3001أعلن الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي
نجاد نجاح بلاده في تخصيب اليورانيوم .وتسربت معلومات أخرى
عن تمكن إيران استخلاص وفصل البلوتونيوم مما أثار حفيظة
الشكوك الغربية والدولية بتجاوز المشروع النووي الإيراني الحدود
المرسومة له.
في حزيران /يونيو ،2006انضمت الولايات المتحدة وروسيا
والصين إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا لتشكيل ما سمي بــ مجموعة
36
الدول الخمس زائد واحد )1+2(،التي حاولت إقناع إيران بالحد من
برنامجها النووي وقبولها الشروط الدولية التي تبقيها ضمن التوجه
السلمي لاستخدامات الطاقة الذرية.
في كانون أول /ديسمبر ،3001أقر مجلس الأمن الجولة الأولى
من العقوبات ضد إيران .وتم تمديد وفرض العقوبات عليها لعدة
مرات ،مع فرض حظر شامل على الأسلحة في حزيران /يونيو
.3010
وفي تشرين أول /نوفمبر ،3002بلغ عدد أجهزة الطرد المركزي
التي تعمل على تخصيب اليورانيوم ،والتي تم تجميعها في إيران
حوالي 2000جهاز بعد أن كانت بضع مئات فقط في عام 3003
حسب مشاهدات وتقارير خبراء الأمم المتحدة وبانتقال إيران إلى
تجميع وصنع أجهزة الطرد المركزي هو إيذان عن حالة تنمية
قدراتها الذاتية التي تخدم حلقات من مفاصل مشروع التطوير السري
.
في تموز /يوليو ،2008انضمت الولايات المتحدة إلى المحادثات
النووية لأول مرة ،وتوقفت المفاوضات بين إيران والقوى الدولية
الست في نوفمبر .3011
37
وفي كانون الثاني /يناير ،2012كشفت الوكالة الدولية للطاقة
الذرية :إن إيران تعمل على زيادة خصوبة اليورانيوم ووصلت
نسبة تخصيب تتجاوز الاتفاقات المعلنة حيث بلغت إلى 30في منشأة
جبلية بالقرب من فوردو.
وفي تموز /يوليو ،2015وبعد 12يوما من المفاوضات المكثفة
والمتصلبة بين الأطراف وخاصة الموقف الأمريكي والإيراني
استخدمت فيها كافة أساليب المناورات السياسية والدبلوماسية وحتى
الضغوط والتلويح بالحصار ،في كثير من الأحيان ،وقعت القوى
النووية الدولية الخمس الممثلة في مجلس الأمن كأعضاء دائميين
مع إيران اتفاقا تاريخيا يسعى الى الحد من برنامج إيران النووي
التسلحي مقابل حصول إيران على إعفاءات مالية وحصولها على
عدد من مليارات الدولارات التي كانت محتجزة وتخفيف قيود
العقوبات الدولية عليها .وكان للرئيس الأمريكي باراك اوباما دورا
كبيرا في انجاز ذلك الاتفاق الذي كان يعتبره واحدا من أهم انجازاته
السياسية بعد قرار الانسحاب من العراق بأقل الخسائر ،خصوصا أن
النظام الإيراني كان حليفا للولايات المتحدة خلال عهد الرئيس
الأمريكي بوش عند غزو العراق واحتلاله ، 3002وكذلك المساهمة
38
في في حماية ظهر القوات الأمريكية المنسحبة من العراق في عهد
الرئيس باراك اوباما.
وفي كانون الثاني /يناير 3012أعلن رئيس الولايات المتحدة
آنذاك ،باراك اوباما ،أن إيران "أوفت بالتزامات رئيسية" في الاتفاق
وهكذا كان اوباما عراب الاتفاق والمتعاون السري والعلني مع النظام
الإيراني مسلما له تقاليد الأمور في حكم العراق والتدخل في فرض
سلطة أعوانه وحكومة طائفية مزدوجة الولاء لإيران وأمريكا في
عهدي حكومات نوري المالكي وحيدر العبادي.
يعرف الاتفاق النووي الإيراني بـ"اتفاق لوزان النووي" ،وتم
التوصل إليه بعدما عقدت إيران والدول الـ( 1الصين وروسيا وأمريكا
وفرنسا وألمانيا وبريطانيا) مفاوضات طويلة في الفترة من 31
مارس وحتى 3أبريل ،3012في مدينة لوزان السويسرية ،من أجل
التوصل إلى تسوية شاملة تضمن الطابع السلمى للبرنامج النووي
الإيراني ،وإلغاء جميع العقوبات على إيران بشكل تام ،وانتهت تلك
المفاوضات بالتوصل إلى بيان مشترك يتضمن تفاه ًما وحلولًا بما
يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني ،يتم انجازها نهاية يونيو .3012
39
ورغم الاحتفاء العالمي بالاتفاق النووي مع إيران ،والذي وصفته
عدة دول من بينها أمريكا بأنه "تاريخي" ،إلا أن الرئيس الأمريكي
دونالد ترامب ،عبر عن معارضته للاتفاق النووي الإيراني المبرم
عام 3012في عهد سلفه الديمقراطي باراك اوباما ،ووصفه بأنه
"عار" ،والإدارة الأمريكية الحالية توجه انتقادات عديدة لهذا
الاتفاق.
في آب/أغسطس ،3011اتهم الرئيس الإيراني ،حسن روحاني،
دول الغرب بعدم الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاق نظرا لاستمرار
المراقبة الأمريكية على محاولات التسلح الإيراني الطموح وخاصة
في المجال الصاروخي والتوسع الملموس لإيران في ظروف العراق
وسوريا واليمن.
إن جملة الانتقادات الأمريكية للاتفاق النووي مع إيران من قبل
معارضيه تتجلى في:
أولا :والانتقاد الأمريكي الأول للاتفاق النووي الإيراني ،موجه إلى ما
سمي "بند الغروب" ،حيث يعتبر هذا البند "الخلل الأكثر وضو ًحا" -
بحسب وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون -فالاتفاق
الموقع لضمان أن البرنامج النووي الإيراني لا يهدف إلى صنع
40
القنبلة الذرية يتضمن عبارة بالإنجليزية هي "بند الغروب"
(سانسيت كلوز) ،وتنص على أن بعض القيود التقنية المفروضة
على الأنشطة النووية تسقط تدريج ًيا اعتبا ًرا من .3032واعتبر
تيلرسون أن "هذا الأمر لا يؤدى سوى إلى إرجاء المشكلة إلى وقت
لاحق" ،مضيفًا "يمكننا تقريبا البدء بالعد العكسي للحظة التي
سيتمكنون فيها من استئناف قدراتهم النووية" ،وبالتالي ،فإن
واشنطن تطالب بإطالة أمد القيود بشكل دائم".
ثانيا :فيما ،ركزت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكى
هايلى -في الانتقاد الأمريكي الثاني -حملتها على عمليات التفتيش
المقيدة جدًا ،مطالبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية المكلفة مراقبة
تطبيق الاتفاق ،بالقيام بعمليات تفتيش أوسع نطاقًا وأقوى في مواقع
عسكرية عدة ،معتبره أن إيران قد تكون محتفظة ببرنامج نووي
عسكري سرى رغم التقارير الجيدة الصادرة عن الوكالة الدولية
للطاقة الذرية ،إلا أن طهران رفضت فرضية عمليات تفتيش مواقع
عسكرية ،متهمة واشنطن "بالبحث عن أعذار" لتمزيق النص".
ثالثا :والانتقاد الثالث برز في استخدام نيكى هالى ،عبارة "اتفاق
فضفاض" ،حيث ركزت على إبراز الثغرات المفترضة في الاتفاق،
وحجتها هي أنه على غرار المصارف التي يتعين على الدولة
41
تعويمها خلال الأزمة الاقتصادية لأنها كبيرة جدًا ،ولأن انهيارها
يمكن أن يسقط النظام المالي بأسره ،فإن المجموعة الدولية أعدت
الاتفاق بشكل يجعل من المتعذر انتقاد طهران حتى بسبب أنشطتها
غير النووية ،وإلا فإنه ينهار.
وقالت الدبلوماسية" ،بنظر المدافعين عن الاتفاق ،فإن كل شئ في
علاقتنا مع النظام الإيراني أصبح مرتهنا بمسألة الحفاظ على
الاتفاق" ،كما شككت في مشكلة أخرى في النص الذي تم التفاوض
عليه لفترة طويلة ،وقالت "سواء ارتكبت إيران انتها ًكا كبي ًرا أو
صغي ًرا ،فإن الاتفاق لا ينص سوى على عقاب واحد وهو إعادة
فرض العقوبات" ،وأضافت "وفى حال إعادة فرض العقوبات ،فإن
إيران تصبح معفية من كل التزاماتها".
في تشرين أول /أكتوبر ،3012أعلن الرئيس الأميركي الجديد ،
دونالد ترامب ،عن إستراتيجية جديدة بشأن إيران تتضمن فرض
عقوبات إضافية وتصاعد الخطاب الأمريكي الى الإعلان عن القلق
الأمريكي حول مخاطر المشروع النووي في المنطقة وتجاوزه حدود
المحظور منه.
42
وفي نهاية ابريل /نيسان 3012أدلى رئيس الوزراء الإسرائيلي
بنيامين نتانياهو ببيان مفصل عن البرنامج النووي الإيراني.
وكان نتنياهو قال في مؤتمر صحفي عقده في 20أبريل/نيسان
3012بمقر وزارة الدفاع الإسرائيلية إن عشرات آلاف الوثائق التي
حصلت عليها إسرائيل قبل بضعة أسابيع في "عملية مذهلة"
للمخابرات تشكل "دليلا قاطعا على برنامج الأسلحة النووية الذي
تخفيه إيران منذ سنوات" ،مشيرا إلى أن تلك الوثائق تزن نصف
طن.
البيان الذي ألقاه نتانياهو من مقر وزارة الدفاع بعد اجتماع مع
المجلس الأمني ،لم يكشف فقط عن استمرار طهران؛ بل اعترف:
(لدينا 100ألف وثيقة تثبت تصنيع إيران للنووي) .وعرض خلال
عرضه المثير نسخا من كل وثائق البرنامج وتفاصيله.
في 8أيار /مايو ،3012أعلن دونالد ترامب الخطوة التي كانت
متوقعة بشكل كبير ،وقال" :أعلن اليوم أن الولايات المتحدة
ستنسحب من الاتفاق النووي الإيراني" .كما تتالت الشروط الأمريكية
مباشرة اثر إعلان ترامب على إيران من خلال تصريحات هيذر
نويرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية بالتأكيد على
43
وجوب وقف إيران بالكامل أنشطتها النووية وذلك بعد إعلان طهران
عن خطة لزيادة قدرتها على تخصيب اليورانيوم .وشددت المتحدثة
باسم وزارة الخارجية على أن طهران لا يجب أن تكون "قادرة على
إنتاج سلاح نووي.".
كما إن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو "كان واضحا"
في الخطاب الذي ألقاه بشأن إيران في أيار/مايو ،الماضي بعيد قرار
الرئيس دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي
الإيراني" ،بقوله إنه على إيران أن توقف تخصيب اليورانيوم وأن لا
تسعى أبدا إلى معالجة البلوتونيوم".
ونقلت وكالة أنباء فارس عن نائب الرئيس الإيراني علي أكبر
صالحي قوله إن بلاده أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في رسالة
"البدء ببعض الأنشطة" .وفيها إشارة إلى إعلان زيادة عدد أجهزة
الطرد ما سيسمح بزيادة القدرة على تخصيب اليورانيوم ،وبطبيعة
الحال أن ذلك سيزيد الضغوط على الأوروبيين لأن هذه المسألة هي
في صلب المخاوف بشأن البرنامج النووي الإيراني .ومن جانب آخر
اعتبر دبلوماسيون أن احتمالات إنقاذ الاتفاق النووي تبدو ضعيفة.
44
كانت واشنطن قد طلبت إثر انسحابها في أيار/مايو 2018من
الاتفاق الموقع في ،2015من كافة الدول" تنفيذ ما أسمته " أقوى
عقوبات في التاريخ!" تتجلى في الوقف التام لوارداتها من النفط
الإيراني بحلول الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر إذا رغبت في تفادي
العقوبات الأمريكية.
رابعا :وإضافة إلى الاتفاق الذي أقرت الولايات المتحدة حتى الآن بأن
إيران تحترمه "تقنيا ،ترغب واشنطن في التطرق إلى أنشطة غير
نووية تقوم بها إيران وتعتبرها "مسيئة" ،حيث قال تيلرسون،
"الاتفاق لا يشكل سوى جزء من قضايا عدة يجب أن نعالجها في
علاقتنا مع إيران".
واعتبرت الإدارة مرا ًرا أن الإيرانيين ينتهكون "روحية" الاتفاق
الموقع عام 3012لأن الاتفاق كان هدفه تشجيع الاستقرار والأمن
فى المنطقة ،والانتقاد الرابع يستهدف البرنامج البالستى الإيراني
غير المحظور بموجب الاتفاق رغم أن القرار 3321الصادر عن
مجلس الأمن الدولى الذى صادق بموجبه على الاتفاق ،يطالب
طهران بعدم تطوير صواريخ أعدت لتحمل رؤوسا نووية.
45
لقد انطلقت الهواجس التي ترددت في إسرائيل عقب تجربة
الصاروخ الإيراني الأخير "خورم شهر" من أنها تشكل خطوة نوعية
متقدمة في سياق تطور يفاقم مستوى الخطورة على التفوق
التكنولوجي والعسكري الإسرائيلي .أضف إلى ذلك فإن الصاروخ
الإيراني الذي يحمل ثلاثة رؤوس؛ بات يشكل تحد ًيا جد ًيا لمنظومة
الاعتراض الصاروخي الإسرائيلي ،والتي ما تزال في مرحلة التطوير
من نظام "القبة الحديدية" إلى نظام "العصا السحرية" و"السماء
الحمراء" قيد الاختبار في الوقت الراهن.
خامسا :وأخي ًرا ،عبر الرئيس الأمريكي ترامب ،وإدارته عن الأسف
لأن التقدم الذي تحقق عبر اتفاق العام 3012لم يجعل من إيران
"جارة" أفضل في الشرق الأوسط ،كما أن لائحة الاعتراضات طويلة
كما تعددها وزارة الخارجية الأمريكية وهى" :الدعم المادي والمالي
للإرهاب" ،و"التطرف" ،و"مساعدة نظام الرئيس السوري بشار
الأسد" ،و"فظاعات ضد الشعب السوري" ،و"الدور المزعزع
للاستقرار فى دول أخرى (دعم حزب الله في لبنان والمتمردين
الحوثيين في اليمن) ،و"العداء القوى لإسرائيل" ،و"التهديدات
المتكررة لحرية الملاحة" ،و"القرصنة المعلوماتية" ،و"انتهاكات
حقوق الإنسان" ،و"الاعتقال العشوائي لرعايا أجانب.".
46
لا زالت إيران تسعى للحصول فعليًا على المواد اللازمة لامتلاك
السلاح النووي ،والعمل على إنتاج الأجهزة الكافية لذلك ،والسعي
لحيازة السلاح النووي المطلوب ،فضلًا عن تطوير قدراتها
الصاروخية كجزء من تطوير منظومة السلاح النووي ،حيث تصبح
التجارب الصاروخية الأخيرة ،ومنها الصاروخ "خورمشهر"الذي
يمكنه الوصول إلى 3000كم متر مما يغطي مساحة إسرائيل بأكملها
ومسافات كبيرة من أوروبا والشرق الأوسط ،خطوات أساسية
للوصول إلى هذا الهدف.
نظريًا ،حافظت إيران على حقها في امتلاك برنامجها النووي ،وبذلك
تستطيع أن تستمر في الإعلان للرأي العام الإيراني بأن منشآتها
النووية لن تغلق ،وأن تخصيب اليورانيوم سيستمر ،وأن العقوبات
الاقتصادية سوف تُرفع .ومن ثم ،تظهر إيران بمظهر المنتصر أمام
الشعب الإيراني ،وستبشرهم بنمو اقتصادي سيحسن من مستوى
معيشتهم .لكن من الناحية العملية ،فإن بنود الاتفاق فرضت قيودًا
كثيرة على البرنامج النووي الإيراني لسنوات كثيرة .وعليه ،فإن
ادعاءات إسرائيل حول أن إيران ستحظى بتطبيع كامل لبرنامجها
النووي مع العالم خلال عشر سنوات من الاتفاق ،وأنها ستتمكن من
تنفيذ كل ما تخطط له هو ادعاء غير صحيح.
47
-3فرض الاتفاق نظام رقابة مشددة على إيران ،فبحسب الاتفاق ظل
من حق مراقبي الأمم المتحدة الوصول إلى جميع المنشآت النووية
الإيرانية ،ولحقول اليورانيوم ،وللمستودعات النووية ،لمدة تتراوح
بين 32-30سنة .وهنا نقطة إيجابية أخرى؛ وهي أن إيران وافقت
على التصديق وتطبيق البروتوكول الإضافي لميثاق منع انتشار
الأسلحة النووية ،وهو ملحق يسمح لمراقبي الأمم المتحدة بالقيام
بزيارات مفاجئة لجميع المنشآت المشكوك أنها تُستخدم لأغراض
نووية غير مشروعة .كما ستواجه إيران صعوبات كبيرة أمام تطوير
برنامج نووي سري ،وإذا حاولت القيام بذلك فإن فرص الكشف عنه
ستكون كبيرة.
في عديد المرات ندد ترامب بالاتفاق المبرم في عهد سلفه باراك
اوباما لأنه بحسبه لا يشمل برنامج إيران للصواريخ الباليستية أو
دورها في الحروب والنزاعات الدامية في عدة دول بمنطقة الشرق
الأوسط ،وهو متشائم أيضا مما قد يحدث عند انتهاء أجل العمل
بالاتفاق النووي في .2025.
لكن خامنئي رفض تماما الدخول في أي مفاوضات جديدة حول
برنامج إيران الصاروخي أو أنشطتها في المنطقة ولكنه في نهاية
48
الأمر سيخضع بسبب ثقل العقوبات التي وصفت بأنها" أقوى
عقوبات في التاريخ!".
من جهتها تحاور الدول الأوروبية التي أكدت تمسكها بالاتفاق،
إيران لتستمر في التزامها بالاتفاق الذي تعهدت بموجبه بعدم حيازة
سلاح نووي .وفي مسارين تتصارع به الإرادات الدولية بين إنكار
إيران تسلحها النووي وبين دول لا زالت تأمل في إبقاء الاتفاق
النووي مع إيران مع إدخال تعديلات جذرية عليه يبدو أن إرادة
ترامب ذاهبة الى نزع المشروع النووي الإيراني من يد قادة طهران
ووضعه تحت الرقابة الدولية التامة يرى الكثير من المراقبين انه
إعلان بمثابة نزع اية إمكانية لإيران من أن تمتلك سلاحا نوويا
مستقبلا .وإذا كانت المفاوضات السرية السابقة وكما يقر قادة إيران
من أنهم قاب قوسين أو ادني من امتلاك السلاح النووي فان طريق
الولايات المتحدة يشير الى تكرار حالة نزع الأسلحة الكيماوية الليبية
في زمن ألقذافي بان تجري إيران بنفسها وبضغط الدول الكبرى على
تفكيك الحلقات التسليحية النووية الهامة وتسليم ما تمتلكه من
اليورانيوم وخضوعها بشكل كامل الى التفتيش الدولي.
49
الحلقة الخامسة والاخيرة
كيف امتلكت إيران قنبلتها النووية...وكيف يتم نزعها
كان البعض يعتقد إن البلوتونيوم الخام يعتبر مادة غير جذابة
للصوص أو المغامرين لصعوبة وخطورة نقلها؛ لكن الدول والمافيات
العاملة في حقل تهريب الأسلحة النووية ،ومنها أيادي إسرائيلية
كانت ترصد وتدفع مستحقات الشراء نقدا ومن دون ضوابط أو حتى
مساومة طالما أن الأسعار كانت تافهة قياسا لحجم تكاليف استخلاص
وفصل وتنقية وتخصيب اليورانيوم والبلوتونيوم .لكن هذا المعدن
كان للمهربين سهل النقل والتهريب ،وقد تم نقله بطرق بدائية ،منها
تعبئته في حقائب عادية وحتى في أكياس الدقيق ،رغم كل المخاطر
المترتبة على حياة مهربيه وناقليه من ناحية التعريض الإشعاعي
والمخاطر الصحية.
وكما هو الحال مع البلوتونيوم ،كان فائض اليورانيوم المخصب
والمستودع في الرؤوس النووية الحربية الروسية المفككة أصبح
هدفا لإثراء بعض الضباط وعصابات المافيا الروسية ،وخاصة
المافيات الشيشانية التي أحكمت نشاطها حتى على حياة العاصمة
موسكو لما كان عندها من نفوذ إجرامي ومالي .كان اليورانيوم
الروسي ضمن أهداف التهريب ،كونه المادة المستهدفة والغالية
للحصول للدول الطامحة لاستخدامه للأغراض النووية العسكرية
ومنها إيران وإسرائيل.
50