The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

يهدف هذا العمل إلى التعريف بمفهوم الحوكمة وعناصرها وتطبيقاتها، لا سيما أن المصطلح ما زال يعد حديثا منذ ظهوره في أدبيات البنك الدولي في الثمانينات، وبأنه ارتبط اساسا بحوكمة الشركات، وفي صعوبة معرفة هل ينضوي تحت مظلة العلوم التطبيقية أم الإنسانية ! أم هل نطلق الحوكمة علما جديدا مستقلا ! ويعاني المصطلح من إشكاليات في الترجمة وفي كيفة تقبل منظومة الحوكمة القادمة إلينا من الغرب ضمن خصوصيتنا العربية !
كما يتناول أهم عناصر الحوكمة الرشيدة التي إعتمدتها الأمم المتحده وخاصة : سيادة القانون ، المشاركة، المساءلة، العدالة والإنصاف ، الاستجابه، الشفافية ، الكفاءة، والفعالية. ومما يزيد من تحديات الحوكمة معاصرتها للثورة الرقمية ومايسمى «الثورة الصناعية الرابعة»، وكيف يجب ان تكون في هذا التطور الصناعي والتكنولوجي المضطرد. وضمن هذه التعقيدات في العلاقة والتواصل بين الدولة والمجتمع، فهل الحوكمة الرشيدة هي الفلسفة القادرة على أن تهيئنا إلى عالم الغد ؟

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Testing source, 2018-03-29 02:20:10

الحوكمة بنظرة عربية ٢٠١٨

يهدف هذا العمل إلى التعريف بمفهوم الحوكمة وعناصرها وتطبيقاتها، لا سيما أن المصطلح ما زال يعد حديثا منذ ظهوره في أدبيات البنك الدولي في الثمانينات، وبأنه ارتبط اساسا بحوكمة الشركات، وفي صعوبة معرفة هل ينضوي تحت مظلة العلوم التطبيقية أم الإنسانية ! أم هل نطلق الحوكمة علما جديدا مستقلا ! ويعاني المصطلح من إشكاليات في الترجمة وفي كيفة تقبل منظومة الحوكمة القادمة إلينا من الغرب ضمن خصوصيتنا العربية !
كما يتناول أهم عناصر الحوكمة الرشيدة التي إعتمدتها الأمم المتحده وخاصة : سيادة القانون ، المشاركة، المساءلة، العدالة والإنصاف ، الاستجابه، الشفافية ، الكفاءة، والفعالية. ومما يزيد من تحديات الحوكمة معاصرتها للثورة الرقمية ومايسمى «الثورة الصناعية الرابعة»، وكيف يجب ان تكون في هذا التطور الصناعي والتكنولوجي المضطرد. وضمن هذه التعقيدات في العلاقة والتواصل بين الدولة والمجتمع، فهل الحوكمة الرشيدة هي الفلسفة القادرة على أن تهيئنا إلى عالم الغد ؟

Keywords: سائد الردايدة,الحوكمة بنظرة عربية,السفير سائد الردايدة,الحوكمة

‫د‪ .‬ﺳﺎﺋﺪ اﻟﺮداﻳﺪه‬





‫مقدمة‬

‫إن حاجة الإنسان للتعامل مع محيطه كان أمراً حيوياً منذ وجود‬
‫البشرية‪ ،‬كما أن العبور إلى القرن الواحد والعشرين لم يكن مجرد عبور‬
‫من ألفية إلى أخرى إنما أيضاً عبوراً إلى عصر جديد بكل ما يحمله من‬

‫تقدم مهول في كافة المجالات وانعكاسات ذلك على الإنسان وبيئته‪.‬‬

‫ومع تع ّقد ظروف الحياة البشرية وتشابك المصالح سواءٌ على مستوى‬
‫المجتمع أو ما يحيطه من دول ومجتمعات فقد بات لزاماً على البشر‬
‫التفكير والتخطيط‪ ،‬ووضع التصورات والبرامج والحلول لتلبية ما‬
‫يحتاجونه لمواجهة مصاعب الحياة‪ ،‬وتحقيق مزيداً من الرفاه والسعادة‪.‬‬

‫وهذا الأمر نشأ قبل ظهور الدولة القومية‪ ،‬إلا أن نشوء الدولة بمفهومها‬
‫الحديث تطلب منها وضع السياسات العامة والتي تمثل أحد أهم‬

‫مظاهر نجاحها أو فشلها وفي تبرير وجودها كدولة رعاية‪.‬‬

‫ومما لا شك فيه‪ ،‬فإن المتغيرات التي طرأت في العقود الثلاثة الأخيرة‬
‫قد ق َلبت عدد من الموازين والمعتقدات وفي كافة الإتجاهات‪ ،‬فمع‬
‫انهيار الكتلة الشرقية ومعتقداتها وأساليب عملها وفي موازاة ذلك‬
‫هيمنة النظام الرأسمالي ومفاهيم وقضايا العولمة بمختلف مظاهرها‪،‬‬
‫فقد أخذ مفهوم تدخل الدولة وإحتكارها للسياسات العامة يتهاوى‬
‫شيئاً فشيئاً بحجة فشل الدولة في النجاح بإدارة الكثير من القطاعات‬

‫الإقتصادية والتجارية وصولا ً إلى قطاعات اجتماعية متعددة[[[‪.‬‬

‫إنعكاسات‬ ‫كما أن ما أطلقة البروفسفور «كلاوس شوابس» رئيس ومؤسس‬
‫الث ـورة‬ ‫المنتدى الإقتصادي العالمي[[[ عام ‪ 2016‬بأن الثورة الصناعية «الرابعة» هذه‬
‫المرة مختلفة عن سابقاتها‪ ،‬مغايرة لأي تجربة عاشتها البشرية من‬
‫الصناعي ـة‬ ‫قبل‪ ،‬سريعة وعميقة وشديدة الإتساع‪ ،‬تضرب في كل القطاعات تقريباً‪،‬‬

‫«الرابعـ ـة»‬ ‫‪ 1‬خليل حسين‪ ،‬السياسات العامة في الدول النامية‪ ،‬دار المنهل اللبناني‪ ، 2007 ( ،‬ص‪ 2‬و‪ ) 3‬‬
‫علـى الحوكمة‬
‫‪ 2‬المنتدى الإقتصادي العالمي‪ )World Economic Forum( :،‬هي منظمة دولية غير ربحية مستقلة منوطة بتطوير العالم عن طريق‬
‫تشجيع الأعمال والسياسات والنواحى العلمية وكل القادة المجتمعيين من اجل تشكيل العالمية‪ ،‬وايضا الأجندات الإقليمية‬
‫والصناعية‪ .‬تأسست على يد أستاذ الأعمال كلاوس شوابس عام ‪ 1971‬في كولوجنيا التابعة لجنيف في سويسرا كما افتتحت في عام ‪2006‬‬

‫مكاتب إقليمية في العاصمة الصينية بكين ونيويورك في الولايات المتحدة‪ .‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪4‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫على عكس الثورات الصناعية الماضية‪ ،‬فثمة بحر رقمي عالي الأمواج‪ ،‬وطباعة ثلاثية‬
‫الأبعاد‪ ،‬وذكاء اصطناعي‪ ،‬وروبوتات ذكية‪ ،‬وحرس حدود آليون‪ ،‬بإستطاعتهم قنص من‬
‫يحاول تجاوز التخوم‪ ،‬وسيارات ذاتية القيادة‪ ،‬وكمبيوترات شديدة البراعة‪ ،‬باستطاعتها‬

‫أن تكتب القصص وتنافس خيال رواد الروايات‪.‬‬

‫وهذه الثورة الصناعية المتصلة بالتطور الصناعي المضطرد‪ ،‬أو «الأسي»‪ ،‬أي المتصاعد‬
‫شكلت تحدي على كافة العلوم لتطوير مفاهيمها وموا كبة متطلبات وتحديات وفرص‬
‫هذا الإنفجار الصناعي المتصاعد والغير قابل للتنبؤ بما تعرضه التكنولوجيا في كل‬

‫ساعة وكل يوم‪.‬‬

‫وهنا يهدف هذا العمل إلى التعرف على مفهوم الحوكمة وعناصرها ونماذجها‬
‫ومنظومتها والقضايا والتطبيقات الهامة فيها‪ ،‬وعلى أهم المعطيات السياسية‪،‬‬
‫والإقتصادية‪ ،‬والإدارية‪ ،‬والإجتماعية التي تخدم العمل وأغراضه‪ ،‬والتعرف على‬
‫المعوقات والصعوبات الإدارية والقانونية والسياسية والإقتصادية التي تحد من حراك‬
‫فكر «الحوكمة الرشيدة» في الدول كانت متقدمة أو نامية‪ ،‬وعلى كافة مستوياتها من‬

‫دولة ومؤسسات المجتمع المدني‪ ،‬ومع محيطها الإقليمي والدولي‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬



‫الجزء الأول‬

‫تطور مفهوم الحوكمة وإشكاليته وعلاقته مع‬
‫العلوم الإجتماعية‬

‫‪ -١‬تعريف المفهوم وتطوره ‪:‬‬

‫جراء التغيرات الهائلة التي أحاطت بالدول ومجتمعاتها‪ ،‬فقد ظهرت‬
‫الحاجة لنشوء مصطلحات جديدة تكاد تكون مرادفة لطبيعة ومهام‬
‫السياسات العامة لأي نظام سياسي‪ ،‬ومن هذه المصطلحات ما يسمى‬
‫«بالحوكمة» أو «الحاكمية» ويقابلها باللغة الإنجليزية «‪»Governance‬‬
‫وبالفرنسية «‪ ،»Gouvernance‬مع الأخذ بعين الإعتبار عدم إمكانية حسم‬
‫الجدل حول مفهوم الحوكمة ع ّما إذا كان هذا المصطلح قادراً على اخذ‬

‫مكان السياسيات العامة بمفهومها التقليدي أم لا‪.‬‬

‫أول ظهور‬ ‫وقد شاع استخدام الحوكمة فكر ًة واصطلاحا بشكل واسع مع بداية عقد‬
‫لمصطلح‬ ‫التسعينات‪ ،‬وكان أول بوادر ظهور للمصطلح في منشورات وتقارير البنك‬
‫الحوكمة في‬ ‫الدولي عن كيفية تحقيق التنمية الإقتصادية‪ ،‬ومحاربة الفساد‪ ،‬وتحسين‬
‫منشورات‬ ‫مستوى الحياة في الدول الأفريقية جنوب الصحراء‪،Sub-Saharan Africa ،‬‬

‫حيث تم الربط بين الكفاءة الإدارية الحكومية والنمو الإقتصادي‪ ،‬وبحيث‬

‫تكفل السياسات العامة العدالة والمساواة [[[‪.‬‬

‫ولقد نما المفهوم ليعكس قدرة الدولة على قيادة المجتمع في إطار سيادة وتقارير البنك‬
‫القانون‪ ،‬وفي بداية التسعينات أصبح التركيز على الأبعاد الديمقراطية الدولي‬

‫للمفهوم من حيث تدعيم المشاركة‪ ،‬وتفعيل المجتمع المدني [[[‪ ،‬وكل ما‬
‫يجعل الدولة ممثلا ً شرعياً لمواطنيها‪.‬‬

‫إن مفهوم الحوكمة يبشر بنظام حكم وأسلوب لصنع السياسة ويتميز‬

‫بعدة أمور أساسية‪ ،‬أهمها درجة كبيرة من احترام سيادة القانون‪ ،‬والشفافية‬
‫في صنع القرار‪ ،‬وتشجيع المشاركة في الحياة العامة‪ ،‬ويمكن القول أن‬
‫هذا المفهوم أخذ بعدين متوازيين‪ :‬أولهما فكر البنك الدولي الذي يتبنى‬

‫‪ 1‬خليل حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪14‬‬
‫‪ 2‬المجتمع المدني (‪ ،)Civil Society‬يشير إلى الساحة الجماعية الإختيارية لمجموعة تربطها‬
‫اهتمامات وقيم وأهداف مشتركة‪ ،‬وضمن صيغ مؤسسية مختلفة عن تلك الرسمية والحكومية‬
‫أو الإقتصادية أو العائلية‪ ،‬ومن أشهر التنظيمات المدنية هي‪ :‬المؤسسات الخيرية‪ ،‬التجمعات‬
‫التطوعية‪ ،‬المنظمات النسائية‪ ،‬المنظمات الدينية‪ ،‬النقابات المهنية‪ ،‬اتحادات العمال‪ ،‬الحركات‬
‫الإجتماعية والتطوعية‪ ،‬اتحادات الأعمال والتجارة‪ ،‬جماعات الضغط‪ ،‬المصدر‪Gita Welch and:‬‬
‫‪Zahra Nura (Lead Editors),» Governance for the future-Democracy and Development in‬‬
‫‪the least Developed Countries» , United Nations Development Programme (UNDP) & UN‬‬
‫‪,Representative for the least Developed Countries & the Small Island Developing State‬‬

‫(‪.)175 .p ,2006‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪8‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫الجوانب الإدارية والإقتصادية للمفهوم‪ ،‬أما البعد الثاني فيؤكد على الجانب‬
‫السياسي للمفهوم‪ ،‬حيث يشمل –بجانب الإهتمام بالإصلاح والكفاءة‬
‫الإدارية– التركيز على منظومة القيم الديمقراطية بما تشتمل عليه من‬

‫مفاهيم الشفافية‪ ،‬وحقوق الإنسان‪ ،‬والمجتمع المدني[[[‪.‬‬

‫هناك‬ ‫وهناك مدرستان لمفهوم الحوكمة‪ ،‬الأولى ترى أنه يعبر عن شكل سياسي‬
‫مدرستان‬ ‫لنظام الحكم وأسلوب صنع السياسة بما ينصرف إلى القواعد المألوفة‬
‫لمفهوم‬
‫الحوكمة‬ ‫للديمقراطية‪ ،‬مثل سيادة القانون‪ ،‬والتعددية السياسية والإجتماعية‬
‫والتسامح والتعبير الحر‪ ،‬والحريات وحقوق المواطنة‪ ،‬وبالتالي فهو الأقرب‬

‫إلى الصياغة الحديثة لمبادئ مستقرة‪.‬‬

‫أما الثانية فتعتبر المفهوم عنواناً لمنظومة أساليب وخطوات الإصلاح‬
‫السياسي والإجتماعي ككل‪ ،‬مثل اعتماد آليات المحاسبة في مواجهة‬
‫السلطات العامة‪ ،‬والمطالبة بتوفير مظاهر الشفافية في مؤسسات صنع‬

‫القرار‪ ،‬وتقديم نوعية الحكم من زاوية الإلتزام بسيادة القانون‪ ،‬وقدرته‬

‫على تعزيز فرص المشاركة‪ ،‬واحترام حقوق الإنسان ومكافحة الفساد‪،‬‬
‫فهذه المدرسة ترى مفهوم الحوكمة بشيراً ومؤشراً للإنتقال من التعامل‬
‫النظري إلى التفكير العملي الذرائعي‪ ،‬وتحديد مؤشرات قابلة للقياس‬
‫لتقويم حالة الحكم وصنع السياسة‪ ،‬لا سيما في الدول التي تشهد‬

‫عمليات إصلاح اقتصادي وسياسي[[[‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن مفهوم الحوكمة يعكس تحولات واقعية ونظرية‪ ،‬الا ّ‬
‫أنه ينطوي على العديد من الإشكاليات‪ ،‬بدءاً بمعضلة اختلاف تعريفات‬
‫مفاهيم العلوم الإجتماعية للمفهوم بشكل عام ومروراً بمشكلة الترجمة‪،‬‬
‫والى التعقيد‪ ‬والإبهام الذي يكتنف هذا المفهوم‪ ،‬وشمولية المفهوم‬

‫وإمكانية تناوله لكافة جوانب الحياة‪ ،‬فضلا ً على أنه يشكل حالة من‬

‫«الإتوبيا»‪ ،‬وأصبح شكلا ً من أشكال الموضة الإصطلاحية أو حتى ضرب‬
‫من السياحة الفكرية عند الحديث عن الحوكمة الرشيدة ودورها في‬

‫التنمية ‪.‬‬

‫‪ 3‬سلوى شعراوي جمعة‪« ،‬مفهوم إدارة شؤون الدولة والمجتمع‪ :‬إشكاليات نظرية»‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مركز دراسات واستشارات الإدارة العامة‪ ،2001 ( ،‬ص ‪)3‬‬

‫‪ 4‬علي الصاوي‪« ،‬الصياغة التشريعية للحكم الجيد»‪ ،‬ورقة خلفية ضمن برنامج إدارة الحكم في‬
‫الدول العربية (‪ ، 2003( ،)Program on Governance in the Arab Region-POGAR‬ص ‪.)3‬‬

‫‪9‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫كما ويرى بيار كلام[[[ بأن الديمقراطية التمثيلية كنموذج مهيمن لم يعد‬
‫يكفي في ظل إنكفاء المواطنين عن الرغبة بالتصويت‪ ،‬وبالتالي في عدم‬
‫تمكن الدولة وممثليها المنتخبين في المجالس المتعددة من تمثيل‬
‫مصالح الجميع‪ ،‬فضلا ً عن الشكوك التي ُتغلِّف الدولة الحديثة على الرغم‬

‫بكل ما تزينت به من فضائل إلا أنها أصبحت متهمة بكل ضروب الشرور‪،‬‬

‫وبأن هذا كله شكل تربة خصبة لنمو ما يسمى «الثورة النيو‪ -‬ليبرالية»‬
‫وتقويض الدولة لصالح هيئات اصغر حجماً – حركة اللامركزية ‪ -‬أو هيئات‬
‫ا كبر تماشياً مع المعاهدات الدولية وسيطرة ظاهرة العولمة‪ .‬ويضيف‬
‫«بيار كلام» بان هذه الثورة تتضمن مرحلتين متتاليتين الأولى‪ :‬بالإنتقال‬
‫من فكرة «الإدارة العامة» أو الدولة إلى فكرة الحوكمة‪ ،‬والثانية‪ :‬تنطلق من‬

‫واقع أن الحوكمة حالياً لا تتوافق مع حاجات المجتمع الراهنة‪.‬‬

‫كما و ُيذكَر بأن الحوكمة كمصطلح تواجه إشكالية في الترجمة إلى اللغة الحوكمة‬
‫العربية‪ ،‬وهي نابعة من اختلاف فقهاء اللغة حول كلمة واحدة مرادفة كمصطلح‬

‫للمصطلح سواء المترجم من الإنجليزية “‪ ”Governance‬أو من الفرنسية تواجه إشكالية‬
‫إلى العربية “‪ .”Gouvernance‬فقد وقع‪ ،‬على سبيل المثال‪َ ،‬م ْج َمع اللغة في الترجمة‬
‫العربية في مصر اختياره على كلمة «حوكمة» ‪ ،‬فيما وقع اختيار مجمع‬
‫إلى اللغة‬ ‫اللغة العربية في الأردن على كلمة «حاكمية»[[[‪.‬‬

‫العربية‬

‫كما ويشار إلى تراجم أخرى وهي ‪ :‬الحكم أو أسلوب الحكم‪ ،‬أو ترجمة‬

‫يراها خليل حسين[[[‪ ،‬بأنها الأفضل للمصطلح وهي « إدارة شؤون الدولة‬
‫والمجتمع»‪ ،‬والتي تبنتها عدد من المرا كز البحثية‪ ،‬لأنه يعكس في محتواه‬
‫المعنى الأساسي للكلمة التي تدل على العلاقة بين طرفي المعادلة‪ ،‬وهما‬

‫الدولة من جانب والمجتمع من جانب آخر‪.‬‬

‫وبأن الحاكمية والتي تبنتها الأمم المتحدة في ترجمة المصطلح للعربية‪،‬‬
‫لا تتفق والمقصود بها في اللغة العربية‪ ،‬وتعطي دلالات معرفية وفلسفية‬
‫لسياسة أو توجه ما‪ ،‬وكذلك صبغة دينية وتاريخية‪ ،‬وما تشكله بالتالي هذه‬

‫الترجمة من صعوبة فهم المقصود من المصطلح الأصلي أمام أي شخص‪.‬‬

‫‪ 5‬بيار كلام‪ « ،‬تف ّتت الديمقراطية من أجل ثورة في الحاكمية»‪ ،‬ترجمة‪ :‬شوقي الدويهي‪ ،‬دار الفارابي‪ ،2003( ،‬ص‬
‫‪,PIERRE CALAME, La Démocratie En Miettes – pour une révolution de la gouvernance.( ،)10-12-14‬‬

‫‪) 2003‬‬
‫‪ 6‬منتدى حاكميه الشركات في الأردن‪ ،‬دار سندباد للنشر‪ 22 ( ،‬شباط ‪ ،2005‬ص ‪.)140‬‬

‫‪ 7‬خليل حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.17‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪10‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫وعلى الرغم مما سبق‪ ،‬فقد ارتأينا التعريف بالتراجم‪ ،‬وإختيار ما نعتقد أنه‬
‫الأنسب وهي ترجمة المصطلح «بالحوكمة»‪ ،‬معللين ذلك بسهولة وشيوع‬
‫هذه الترجمة‪ ،‬وعدم اختيارنا لكلمة «حاكمية» والتي يلاحظ ارتباطها أ كثر‬
‫بحاكمية الشركات «‪ »Corporate Governance‬وهي عملية الإشراف‬
‫والمراقبة للتأكد من أن إدارة الشركة أو الهيئات التنفيذية تتصرف وفق‬
‫مصلحة المساهمين‪ ،‬وإلى علاقة الشركات بمجالس إدارتها والهيئات‬

‫التنفيذية والمساهمين [[[‪.‬‬

‫تعريفات‬ ‫هذا‪ ،‬وقد ظهر مفهوم الحوكمة نهاية الثمانينات وبداية التسعينات‬
‫المنظمات‬ ‫وبشكل أساس لدى مفردات البنك الدولي «‪ ،»World Bank‬وبهدف‬
‫معرفة كيف تؤثر الحوكمة الجيدة على الأداء الإقتصادي‪ ،‬وقد حدد البنك‬
‫الدولية‬ ‫الدولي المفهوم بأنه[[[ ‪ « :‬الطريقة التي تمارس بها السلطة في إدارة الموارد‬
‫لمفهوم‬ ‫الإقتصادية والمجتمعية لبلد ما من أجل تنميته‪ ،‬ورسم الأبعاد الرئيسة‬
‫الحوكمة‬ ‫للحوكمة وهي ‪ :‬إدارة القطاع الحكومي‪ ،‬المساءلة‪ ،‬الإطار القانوني للتنمية‪،‬‬

‫الشفافية‪ ،‬وحرية الوصول إلى المعلومات» [‪.[[1‬‬

‫أما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (‪ )UNDP‬فيعرف الحوكمة بأنها‪:‬‬
‫«ممارسة السلطة الإقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون الدولة‬
‫على كافة المستويات‪ .‬كما وتعتبر الحوكمة الجيدة حالة تعكس تقدم‬
‫الإدارة وتطورها أيضاً من إدارة تقليدية إلى إدارة تتجاوب مع متطلبات‬
‫المواطنين وتستخدم الآليات والعمليات المناسبة لتحقيق الأهداف‬

‫المرجوة من المشاريع بشفافية ومسؤولية أمام المواطنين[‪.»[[1‬‬

‫‪ 8‬ـ مرجع سابق‪ ،‬ص ‪175Gita Welch and Zahra Nura‬‬

‫‪(22.p ,1992) ,World Bank, governance and development Washington DC 9‬‬

‫‪ 10‬حرية المعلومات (‪ ،)Access to Information‬تشير مراجع الأمم المتحدةـ مرجع سابق‪Gita ،‬‬
‫‪ ، Welch and Zahra Nura‬ص ‪ ،174‬بأن المسألة مرتبطة ليس فقط بتعزيز وحماية الوصول‬
‫إلى المعلومات بل أيضاً بالتساوي مع تعزيز وحماية التواصل فيها أو استخدامها ليعبر ك ًل‬
‫عن صوته ورأيه وعلى كافة المستويات (المجتمع المحلي‪ ،‬المستوى الوطني‪ ،‬والإقليمي‪،‬‬
‫والعالمي)‪ .‬كما ويرى ‪ ، ,Munyeme Hasan‬في مقال « “ ‪Right to Information-a powerful Social‬‬
‫‪ ، Accountability tool‬بأن الحق في الوصول إلى المعلومات أصبح من الحقوق الأساسية لحقوق‬
‫الإنسان‪ ،‬والتي تجعل من المواطن مشارك نشط في فلسفة وتطبيقات الحوكمة‪ ،‬من خلال‬
‫معرفة مصير الضرائب التي يدفعها‪ ،‬كما وتمكنه المعرفة والمعلومات من تحسس مواطن‬

‫الفساد‪ ،‬وحالات اساءة استخدام السلطة‪ ،‬وسوء الإدارة في الأجهزة الرسمية‪.‬‬

‫‪1997 ,7 .UNDP Policy Document, Governance for Sustainable Development, Op.cit. p 11‬‬

‫‪11‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫كما وهناك إهتمامات محددة تتبناها منظمات الأمم المتحدة‪ ،‬حيث ترى المفوضية العليا‬
‫لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة (‪ )UN High Commissioner for human Rights‬بأن‬
‫الإمتحان الحقيقي للحوكمة هو في مستوى قدرتها على تحقيق حاجات حقوق الإنسان‬

‫الأساسية المتعارف عليها[‪.[[1‬‬

‫أما تعريف المفوضية الأوروبية للحوكمة فهو‪ « :‬الإدارة الشفافة والمع َّرضة للمساءلة‬
‫حول كافة موارد الدولة والتي تهدف إلى الوصول لإقتصاد مستدام وتنمية اجتماعية‪ ،‬ومن‬
‫خلال ستة عناصر‪ :‬حقوق الإنسان‪ ،‬ال َدمق َرطة (التحول إلى الديمقراطية)‪ ،‬سيادة القانون‪،‬‬

‫تعزيز المجتمع المدني وإصلاحات الإدارة العامة ‪ -‬بما فيها اللامركزية الإدارية » [‪.[[1‬‬

‫وهناك تعريف من قبل صندوق النقد الدولي (‪[[1[ )IMF‬بأن ‪« :‬الحوكمة تحيط بكل مظاهر‬
‫طريقة حكم الدولة‪ ،‬بما في ذلك السياسات الإقتصادية والإطار التنظيمي لها»‪.‬‬

‫كما ويجدر ذكر كذلك تعريف منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية (‪« :[[1[)OECD‬بأن‬
‫الحوكمة هي استخدام السلطة السياسية وممارسة الرقابة في المجتمع بالعلاقة مع إدارة‬

‫الدولة لمصادرها من أجل تحقيق التنمية الإجتماعية والإقتصادية»‪.‬‬

‫وفي سياق التعريف بالمفهوم‪ ،‬فيؤكد زهير الكايد «بأن ابسط وصف لفهم الحكمانية هو‬
‫أن الإهتمام والعناية بالأمور العامة هي ليست حكراً على الحكومة‪ ،‬وبأن الحكمانية فكر ًة‬
‫وإصطلاحا شاع استخدامها بشكل واسع مع بداية التسعينات من قبل المنظمات الدولية‬
‫كمنهجية لتحقيق التنمية المجتمعية في الدول النامية نتيج ًة لقصور الإدارات الحكومية‬
‫عن تحقيق ذلك بفعالية وكفاية كافيتين‪ ،‬وبأن الفاعلين الرئيسين الذين تتحدث عنهم‬
‫تعريفات الحوكمة هم الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني بما يسمى بمنظومة‬

‫الحوكمة»[‪.[[1‬‬

‫‪ 12‬مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان يرمز لها اختصارا ب‪ OHCHR:‬وهي وكالة دولية تابعة‬
‫لمنظمة الأمم المتحدة تهدف للترويج وحماية حقوق الإنسان بحسب ما ورد في الإتفاقيات والمواثيق الدولية التي‬

‫نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العام ‪.1948‬‬

‫‪)17:p ;2003 (European Commission, Draft EC Good Governance Manual, version created 13‬‬
‫‪ 14‬صندوق النقد الدولي هو أول من قدم مفهوم الحوكمة الجيدة‪.‬‬

‫‪ 15‬منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية‪ ،‬منظمة دولية‪ ،‬نشأت عام ‪ ،1948‬وتضم مجموعة من البلدان المتقدمة‬
‫ودول غير أوروبية‪.‬‬

‫‪ 16‬زهير الكايد‪ ،‬الحكمانية «قضايا وتطبيقات»‪ ،‬عمان \ الأردن ‪ ،2003 ،‬ص‪ ، 1‬وهو رئيس الفريق الإستشاري الذي نهض‬
‫بمشروع التقييم المؤسسي للهيئة العامة للتخطيط والتطوير العمراني وحصل على جائزة الأمم المتحدة للخدمة‬
‫العامة لعام ‪ 2008‬لتميزه في مجال (الحكمانية) عن الاعوام ‪ 2008 – 2005‬ونجاحه في الشراكة مع القطاعات المختلفة‬

‫وإسهامه في التنمية الإقتصادية والإجتماعية وفق معايير الشفافية والمساءلة وإدارة التحول‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪12‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫ومنذ ظهور تعريف البنك الدولي لم تتوقف الأدبيات والتنظيمات المختصة والمفكرين‬
‫في محاولة تحسين أو تجويد التعريف ليصبح أ كثر شمولا ً وأ كثر تحديداً‪ .‬كما أن العديد‬
‫من الدول المتقدمة قدمت تعريفات للمفهوم وفي نفس المنهج والإطار العام للمفهوم‪،‬‬
‫وبهدف تحديد علاقات برامجها الخاصة بالمساعدات ولأغراض سياسية واقتصادية‬

‫متنوعة [‪.[[1‬‬

‫لذا‪ ،‬فقد حظي المفهوم وتطبيقاته باهتمام كبير من قبل العلماء والباحثين والمسؤولين‬
‫والمخططين في المجتمع‪ .‬وبالمحصلة فإن الحوكمة ليست بالمفهوم الجديد بالمطلق‪،‬‬
‫وإنما بمثابة منتج قديم وضع في قالب جديد‪ ،‬وبأنها تشكل محط اهتمام الباحثين‬
‫والمشاركين منذ عهد المفكر اليوناني أرسطو[‪ [[1‬إلى يومنا هذا‪ ،‬وذلك لما لهذا الموضوع‬
‫من أهمية بالغة‪ ،‬وتأثير واضح على كيان المجتمع من النواحي التنموية والإجتماعية‬
‫والسياسية والثقافية‪ ،‬فضلا ً على أن المسائل الكبرى للحوكمة هي مسائل أزلية ومرتبطة‬
‫بتأمين العيش معاً في سلام داخلي وخارجي ومستدام لملايين النساء والرجال الذين‬
‫يتقاسمون حيزاً مكانياً واحداً‪ ،‬وتأمين التوازن بين المجتمعات الإنسانية وبيئتها‪ ،‬وإدارة‬
‫الموارد الطبيعية على المدى الطويل كونها موارد قليلة وسريعة العطب‪ ،‬وتأمين الإستقلالية‬
‫وحرية التفكير للأشخاص ونشاطاتهم مع المحافظة على العدالة الإجتماعية‪ ،‬والتماسك‪،‬‬
‫والمصلحة المشتركة‪ ،‬وتوفير أ كبر قدر من فرص الإنطلاق لكل شخص‪ ،‬ولكامل الجماعة‪،‬‬
‫والسماح لتطور العلوم والتقنيات دون الإنجرار وراء إغراء قوتها‪ ،‬وتأمين شروط الحياة اللائقة‬
‫للجميع‪ ،‬والإعتراف بالتنوع وغنى الثقافات والتقاليد‪ ،‬والتأقلم مع تطورات العالم‪ ،‬والمحافظة‬

‫على الهوية في نفس الوقت[‪.[[1‬‬

‫كل ما سبق يعطي مفهوم الحوكمة مدلولا ً إيجابياً‪ ،‬وبأن الحوكمة إرتبطت بمفاهيم إدارة‬
‫الموارد المالية الحكومية‪ ،‬ولكن دون وجود فاصل واضح بين الحوكمة والحوكمة الأفضل‬

‫أو الجيدة أو الرشيدة‪.‬‬

‫‪ 17‬ومنها أستراليا‪ ،‬النمسا‪ ،‬كندا‪ ،‬الدنمارك‪ ،‬فنلندا‪ ،‬ألمانيا‪ ،‬أيرلندا‪ ،‬هولندا‪ ،‬السويد‪ ،‬سويسرا‪ ،‬المملكة‬
‫المتحدة‪ ،‬الولايات المتحدة الأمريكية (برنامج المساعدات‪ .)USAID-‬يضاف إلى ذلك العديد من الدراسات‬

‫والأطروحات ومراكز الحوكمة المنتشرة في دول العالم‪.‬‬
‫‪ 18‬أرسطو أو أرسطاطاليس ( ‪ 384‬ق م‪ 322 -‬ق م) فيلسوف إغريقي‪ ،‬تلميذ أفلاطون ومعلم الإسكندر الأكبر وكتب‬
‫في العديد من المواضيع بما في ذلك علوم الفيزياء والميتافيزيقا‪ ،‬الشعر‪ ،‬المسرح‪ ،‬الموسيقى‪ ،‬والمنطق والبلاغة‬

‫والسياسة والحكومة‪ ،‬والأخلاق‪ ،‬والبيولوجيا‪ ،‬وعلم الحيوان‪.‬‬
‫‪ ,Pierre Calame 19‬مرجع سابق ‪20-19 p‬‬

‫‪13‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫سبب عدم‬ ‫كما و ُير َّجح بأن سبب عدم التفريق بين الحوكمة والحوكمة الجيدة نابع‬
‫التفريق بين‬ ‫من تشعب المفهوم‪ ،‬وحتى في القصور أحياناً في التفريق بين واقع علاقة‬
‫الدولة بمجتمعها وبين سبل تجويد وتحسين هذا الواقع ليكون أ كثر‬
‫الحوكمة‬ ‫رشدانية وتَ ُّميز‪ ،‬وكذلك في مدى التوافق مع الحوكمة العالمية ومتطلباتها‬
‫والحوكمة‬
‫الجيدة نابع‬ ‫دون المساس بالخصوصية المجتمعية‪.‬‬

‫من تشعب‬ ‫ومن الصعب بمكان مناقشة الحوكمة الجيدة بمعزل عن فهم علاقات‬
‫المفهوم‬ ‫القوى ودور القيادات الوطنية‪ ،‬والتي لها دور حاسم في تعزيز التغيير‬
‫والنمو[‪ .[[2‬ومن هنا‪ ،‬فان التزام الدول النامية بتطبيق منهجية الحكمانية‬
‫الجيدة أمراً في غاية الأهمية‪ ،‬لما ينطوي عليه ذلك من تكامل الأدوار‬
‫الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني‪ ،‬ومن خلال‬
‫المشاركة والتشارك لإعادة رسم الأدوار لك ٍل منها‪ ،‬ليتسنى تحقيق‬
‫التنمية المجتمعية ذات الكفاية والفعالية والإستجابة للمواطنين‬
‫وطموحاتهم‪ ،‬وفق ما ترتكز عليه الحكمانية الجيدة من مميزات تعكس‬
‫الشفافية والمساءلة والتشارك في تحمل المسؤولية‪ ،‬والمشاركة في رسم‬
‫السياسات‪ ،‬وتعزيز دولة القانون واللامركزية لتقريب صنع القرار من‬

‫المواطنين‪ ،‬ضمن ميزات أخرى»[‪.[[2‬‬

‫وفي نفس إطار الحوكمة الرشيدة‪ ،‬فتستند العديد من المؤسسات الدولية‬
‫المانحة في منحها للقروض بنا ًء على مستوى الحوكمة الرشيدة وعناصرها‬
‫لتلك الدولة‪ ،‬وبالتالي تسعى الحوكمة الرشيدة إلى التأكد بأن مستوى‬
‫الفساد بكافة أنواعه في حده الأدنى‪ ،‬وأن أصوات الأقليات والمهمشين‬

‫مسموعة‪ ،‬وبأن هناك تلبية لحاضر ومستقبل المجتمع‪.‬‬

‫كما وأعتمدت الأمم المتحدة ثمانية عناصر رئيسة للحوكمة الرشيدة‬
‫وهي ‪ :‬المشاركة‪ ،‬سيادة القانون‪ ،‬الشفافية‪ ،‬الإستجابة‪ ،‬التوافق والإجماع‪،‬‬

‫‪,  , Gita Welch and Zahra Nura 20‬مرجع سابق‪.25 .p ‬‬

‫‪ 21‬زهير الكايد‪ ،‬الحكمانية «قضايا وتطبيقات»‪ ،‬عمان \ الأردن ‪ ،2003‬المنظمة العربية للعلوم‬
‫الإدارية‪ ،‬ص ‪ ،1‬كما ويضيف بأن تعبير وفكرة الحكمانية الجيدة قد تم استخدامها للتعبير‬
‫عن أهمية وضرورة الإنتقال بفكرة الإدارة الحكومية والحكمانية من الحالة التقليدية إلى الحالة‬
‫الأكثر تفاعلا ً وتكاملا ً بين الأركان والعناصر الرئيسية الم َّشكلة للحكمانية والتي تتكون بشكل‬
‫أساسي من‪ :‬الإدارة العامة للقطاع العام‪ ،‬إدارة القطاع الخاص بفعاليته المختلفة‪ ،‬إدارة مؤسسات‬

‫المجتمع المدني العديدة في المجتمع‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪14‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫المساواة والإندماج‪ ،‬الكفاءة والفعالية‪ ،‬والمساءلة[‪ .[[2‬ويجدر ذكره أن‬
‫برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد أضاف لاحقاً صفة تاسعة [‪ [[2‬للحوكمة‬

‫الجيدة وهي الرؤية الإستراتيجية“‪. ”Strategic Vision‬‬

‫كل ما سبق يدلل على أن إهتمام الحكومات وفئات المجتمع قد زاد‬
‫وتعمق بالحوكمة ودورها في التنمية على المستوى المحلي أو ما يسمى‬
‫بالحوكمة المحلية‪ .‬وفي موازاة ذلك‪ ،‬فإن الحوكمة كمفهوم وعناصر مصاحبه‬
‫له‪ ،‬أفرزتها عدد من المنظمات الدولية منذ ثلاثة عقود‪ ،‬وما زالت تسعى‬
‫لتطوير وملائمة هذا المفهوم مع متطلباتها‪ ،‬من ناحية‪ ،‬ومع حاجات أو‬
‫حتى أحياناً إعتراضات إدارات الدول النامية على متطلبات المنظمات‬
‫الدولية للحوكمة التي أصبحت شروط عليها وليست فقط كنوايا جيدة‬
‫من هذه المنظمات الدولية لتطوير إدارات الدول النامية مع مجتمعها من‬

‫ناحية أخرى‪.‬‬

‫الحوكمة‬ ‫ويلاحظ من الدراسات المتعلقة بالحوكمة تنوعاً مفرطاً في التعابير المصاحبة‬
‫الديمقراطية‬
‫والتي تختلف‬ ‫للحوكمة‪ ،‬وأهمها ما يسمى بالحوكمة الديمقراطية والتي تختلف عن‬
‫عن الحوكمة‬ ‫الحوكمة الجيدة كما ذكر عادل عبد اللطيف[‪ [[2‬بأن مركز و ُّجل اهتمام الحوكمة‬
‫الديمقراطية هو الحرية السياسية‪ ،‬وحقوق الإنسان‪ ،‬وإزالة كافة أشكال‬
‫الجيدة‬ ‫العنصرية‪ ،‬والتي تؤدي بالنهاية مجتمع ًة إلى الحوكمة الرشيدة‪ ،‬وفي حين‬

‫يتفق مفهوم الحوكمة الرشيدة مع الحوكمة الديمقراطية بأهمية الحريات‬
‫إلى أنه يراها كأحد العناصر والوسائل‪ ،‬وليس كنهاية‪ ،‬للوصول إلى الحوكمة‬

‫الجيدة وبالتالي للتنمية البشرية والتنمية المجتمعية بكافة مجالاتها‪.‬‬

‫عكس مفهوم‬ ‫ويشار إلى أن عكس مفهوم الحوكمة الرشيدة أو الجيدة هو الحوكمة‬
‫الحوكمة‬ ‫السيئة أو الناقصة “‪ ”Bad Governance‬لإدارة الدول‪ ،‬والتي يرى العديد‬
‫الجيدة هو‬ ‫من المختصين وخاصة من المنظمات الدولية بأنها تؤدي إلى اتجاهات‬
‫الحوكمة‬ ‫سلبية وقد تضر بالإنسان والمجتمع‪ ،‬أو تجعله ظاهرة لا يستطيع التحكم‬
‫السيئة‬ ‫في مصيرها ونتائجها‪ ،‬ومن هنا تظهر الحاجة أيضاً إلى التخطيط الجيد‬

‫“‪”Bad Govenance‬‬ ‫لإدارة وقيادة التغيير المنشود نحو الحوكمة الرشيدة والجيدة لأن ذلك‬

‫‪ 22‬الأمم المتحدة تعتمد ثمانية عناصر رئيسة للحوكمة الرشيدة‪ ،‬لطفا انظر الملحق( ‪ ، )1‬ص ‪341‬‬
‫‪ 23‬تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي‪«:‬الحاكمية للتنمية البشرية المستدامة»‪ ،1997 ( ،‬ص ‪)22‬‬

‫‪ 24‬ص‪ ،٧‬عادل عبداللطيف‪ ،‬ندوة «الحاكمية الرشيدة وعلاقتها بالديمقراطية والتنمية‬
‫الإقتصادية»‪) 2003 (،‬‬

‫‪15‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫ضرورة حتمية يفرضها ال ّت َغ ُّير السياسي والإجتماعي والإقتصادي في أي‬
‫مجتمع‪.‬‬

‫وكنتيجة‪ ،‬فأن الحوكمة الرشيدة هي الثورة الجديدة التي ستطال كافة الحوكمة‬

‫المجتمعات‪ ،‬وكذلك العلاقات الدولية‪ ،‬وكأنها نظام عالمي جديد وبديل الرشيدة‬
‫لفكر الديمقراطية كأفضل ما وصلت إليه البشرية[‪ .[[2‬و ُهنا لا يستبعد‬
‫هي الثورة‬ ‫في هذا الجدل حول الحوكمة بأن يمتد استخدامها لتشمل حياة الفرد‬

‫وعلاقاته مع عائلته وقبيلته ومجتمعه وكل محيطة‪ ،‬وبحيث تدخل في الجديدة التي‬

‫أدبيات علوم اجتماعية متخصصة‪ ،‬مثل مباحث علم النفس‪ ،‬وغيرها ستطال كافة‬

‫من العلوم الإجتماعية المختلفة‪ .‬وما يعوق ذلك الأن هو ربما لغموض المجتمعات‬

‫المفهوم أو بما هو المقصود من الحوكمة والفرق بينها وبين الحاكمية‬

‫أو الحكم الرشيد‪ ،‬ليس لقصور المتلقين له والمتأثرين به‪ ،‬من ناحية‪ ،‬بل‬
‫لتشعب المفهوم وكثرة تفسيراته كما تم ذكره مسبقاً‪.‬‬

‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فهناك مصطلحات واجهت مصاعب في بداياتها‬
‫متعلقة بالأيدولوجيا والفهم والفكر‪ ،‬بداي ًة بالديمقراطية‪ ،‬وآخرى مثل‬
‫«البلوريتاريا» و«الألوجاركية»‪ ،‬و«البروسترويكا»‪ ،‬وغيرها مما أنتجته‬
‫الحضارة الشرقية والغربية الحديثة‪ ،‬إلا أنها وجدت ضالتها‪ ،‬وأصبحت أ كثر‬
‫تداولاً وشيوعاً وفهماً فيما بعد‪ ،‬وبحسب قوة المفهوم ومدى القناعة‬
‫والإقتناع به‪ ،‬وحاجة الدولة والمجتمع له لما فيه خيرهم وصلاحهم‬

‫مجتمعين‪.‬‬

‫‪ -2‬اشكالية المصطلح ‪:‬‬

‫إن الحوكمة الرشيدة هي الحالة المثالية التي لم يتمكن البشر من الوصول كونية مبادئ‬

‫إليها بالمطلق رغم كل ما وصلهم من تعاليم سماوية وأفكار وضعية‪ .‬الحوكمة‬
‫واستطاعت‪ ،‬في نفس الوقت‪ ،‬دول معينة أن تتقدم على دول أخرى في هذا‬
‫والخصوصية‬ ‫المجال‪ ،‬كما وهناك إشكالية في كونية المبادئ والخصوصية في التطبيق‪،‬‬

‫حيث يصعب استيراد أفكار مهما كانت جيدة وتطبيقها للإختلاف الواضح في التطبيق؟‬

‫في الخصوصيات والمكونات المادية والمعنوية للمجتمعات‪ ،‬ولكن لا بد‬

‫هنا من إقتناع وإصرار الدول مع شعوبها انه يمكنها بالحوكمة الرشيدة أن‬

‫‪ 25‬بيار كلام مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪19‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪16‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫تجعل من الهدف حقيقة‪.‬‬

‫ول ّما كانت الحوكمة مرتبطة بعملية اتخاذ القرارات فإن الحكومة أ ٍي‬
‫كانت هي لاع ٌب أساس ورئيسي في إعداد وتنفيذ ومراقبة القرارات‪ ،‬في‬
‫حين يتنوع دور اللاعبين الأخرين حسب مستوى الحكومة وقراراها‪ ،‬حيث‬
‫يزداد تعقيد القرار ونوعية اللاعبين في المناطق المدنية والعواصم عنه في‬

‫المناطق الريفية والبوادي على سبيل المثال لا الحصر‪.‬‬

‫ولا تنفصل الحوكمة عن المفاهيم المرادفة والمرتبطة به‪ ،‬أو أنها تنكفئ عن‬
‫استخدام ما يتاح لها من أدوات الفكر الإجتماعي والإقتصادي والإداري المتاحة‪،‬‬
‫وخاصة بالنسبة لمفاهيم ال َت َغ ُّير الإجتماعي‪ ،‬والتي ينطلق منها ضرورة البحث‬
‫وإهتمامات الحوكمة بالمجمل‪ ،‬فالت ّغ ُير هو قانون الوجود‪ ،‬وهو في ذاته ظاهرة‬
‫طبيعية تخضع لها جميع مظاهر وشؤون الحياة‪ ،‬كما ُت ًّعرِفه دلال إستيتية‬
‫[‪ [[2‬بأن ال َت َغ ُّير الإجتماعي‪« :‬هو كل تحول يحدث في النظم والأنساق والأجهزة‬

‫الإجتماعية‪ ،‬سواء كان ذلك في البناء أو الوظيفة وخلال فترة زمنية محددة»‪.‬‬

‫وينطلق مفهوم «الحوكمة الرشيدة» من مفهوم التنمية في كافة ينطلق مفهوم‬

‫المجالات من أجل نقل المجتمع من حالة راهنة وواقع معين إلى حالة الحوكمة‬

‫أسمى وأرفع‪ ،‬ومن فكر الإصلاح الذي يسعى لتطوير المجتمع وتحديثه الرشيدة‬

‫وملائمته مع متطلبات القبول الداخلي والخارجي‪ ،‬و ُتح ِّدد فيه مستوى من مفهوم‬

‫التنمية في‬ ‫العلاقات بين الحكومات والقطاع الخاص (الأسواق والشركات الصغرى‬
‫كافة‬
‫والكبرى والمتعددة الجنسيات) وبين الحكومات والمواطنين‪ ،‬وبين‬
‫المجالات‬ ‫الحكومات والمجتمع الدولي‪ ،‬وبين الحكومات ومؤسسات المجتمع‬
‫المدني والأهلي (الأحزاب والنقابات المهنية والمنظمات الحقوقية والأهلية‬

‫وغيرها من مكونات المجتمع الغير حكومي‪ ،)Non-State Actor /‬وبين‬

‫الأشخاص المعينين والأشخاص المنتخبين‪ ،‬وبين المؤسسات المحلية‬

‫والمستفيدين منها في المناطق الريفية والمدنية‪ ،‬وبين المؤسسات‬

‫التشريعية والتنفيذية‪ ،‬وبين المؤسسات الوطنية ونظيراتها غير الوطنية‪.‬‬

‫ونظراً للتشارك بين مسألة تحديد هذا الموضوع وعرض أهميته وأهدافه‪،‬‬

‫فأنه ينتقل إلى التعريف بأهميته من واقع المفهوم‪ ،‬ومن ناحية إهتمامنا الحوكمة‬

‫به كحل جديد للمشاكل الناشئة بين طرفي الحكم‪ :‬الدولة والمجتمع‪ ،‬ومن بين طرفي‬

‫الحكم‪ :‬الدولة‬ ‫الجانبيين‪ :‬الأهمية النظرية‪ ،‬والأهمية التطبيقية‪.‬‬

‫والمجتمع‬

‫‪ 26‬دلال إستيتية‪ ،‬التغير الإجتماعي والثقافي‪ ،‬دار وائل للنشر‪ ،‬ع ّمان‪ ،‬الأردن‪ ، 2003 (،‬ص‪) 19‬‬

‫‪17‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫كما ان مسألة التنمية والتطوير والإصلاح والتغيير وتفعيل المشاركة وكل‬
‫عناصر الحوكمة الرشيدة لهي جزء لا يتجزأ من الفكر العالمي الليبرالي‬

‫والعصري والمقبول لحاجات المجتمعات الواعية والطموحة‪ ،‬وكذلك‬
‫في مبررات وجود الدولة كمنظم لحياة البشر وممتلكاتهم وواجباتهم‬

‫وحقوقهم‪ ،‬وبالعمل مع الفاعلين أو الشركاء في المجتمع‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬فإن كل ما ينبثق عن الدولة من حكومات يجب أن تهدف إلى تأمين‬
‫الحد الأدنى من العيش الكريم لأبنائها وتقديم الخدمات الضرورية‬
‫لمواطنيها‪ ،‬وبالتفاعل مع شركائها في المجتمع دون إحتكار للسياسيات‬

‫العامة التي يتأثر بها كافة مكونات المجتمع‪.‬‬

‫وبأهمية الكشف عن مضامين الوعي التنموي والإصلاحي بصورة متقابلة‬
‫تجمع بين صانعي القرار وبين التكوينات القائمة سواء في مستواها‬
‫المجتمعي أو المؤسساتي‪ ،‬وبما يساعد على الكشف عن مدى الإلتزام‬
‫بالمصلحة العامة‪ ،‬وكذلك بالنسبة إلى مستويات الإغتراب التي قد تتشكل‬

‫بفعل التمحور حول المصالح الخاصة‪.‬‬

‫وضمن إشكاليات المفهوم‪ ،‬فهناك تخوف مستمر للدول الصغرى من هناك تخوف‬

‫المصطلحات التي ت ُسوقها الدول الكبرى والتي ترى فيها مدخلاً للتدخل مستمر للدول‬

‫بسياساتها‪ ،‬لا سيما النامية منها‪ ،‬وعلى أنها شكل من أشكال الإستعمار الصغرى من‬

‫التنموي (‪ )colonisation développement‬في عصر العولمة‪ ،‬والعلاقات المصطلحات‬

‫التي ت ُسوقها‬ ‫الإقتصادية الجديدة بهدف السيطرة السياسية [‪.[[2‬‬
‫الدول الكبرى‬

‫كما أن الغرب نفسه يرى اختلاف جوهري بينه وبين شعوب العالم‪ ،‬والتي ترى‬

‫فيها مدخلاً‬ ‫ونقتبس هنا للكاتب الأمريكي صاحب نظرية «صدام الحضارات»[‪،[[2‬‬
‫للتدخل‬ ‫حيث يقول ‪« :‬بأن شعوب العالم غير الغربية لا يمكن أن لها أن تدخل في‬

‫بسياساتها‬ ‫النسيج الحضاري للغرب‪ ،‬حتى وان إستهلكت البضائع الغربية وإهتمت‬

‫‪Mostafa Kharoufi, «Gouvernance et Sociétés Civiles- Les Mutations Urbaines au 27‬‬
‫‪.186 .P ,)2000( ,Maghreb», Afrique Orient‬‬

‫‪ 28‬ظهرت النظرية في مقال للكاتب الأمريكي صموئيل ب‪ .‬هنتنغتون عام ‪ ،1992‬بأن المصدر‬
‫الرئيسي للصراع بعد الحرب الباردة سيكون بسبب ال ُش َعب الثقافية والدينية الهويات‪ ،‬وتوسعت‬
‫لاحقا لأطروحة هنتنغتون في التاريخ كتاب ‪ 1996‬وصدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪18‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫بالأفلام والموسيقىالغربية‪ ،‬فروح أي حضارة هي اللغة والدين والقيم‬
‫والعادات والتقاليد»[‪.[[2‬‬

‫ويرى البعض أن التدخل في الدول النامية ليس بالضرورة أن يكون ذلك‬

‫بشكل مباشر‪ ،‬بقدر ما يكون من خلال البرامج الخيرة للمنظمات الدولية‬
‫مثل البنك الدولي‪ ،‬والأمم المتحدة وبرامجها المتصلة بالموضوع‪ ،‬وخاصة‬
‫برنامج الأمم المتحدة الإنمائي‪ ،‬وبعض مؤسسات المجتمع المدني ذات‬
‫الصلة‪ ،‬والتي تحكمها وتمولها بالأساس الدول العظمى وبالتالي تستطيع‬
‫اذا رغبت توظيفها طبقاً لمصالحها‪ ،‬وضمن أُطر ومصطلحات مثل‬

‫مفهومنا هنا بالحوكمة‪.‬‬

‫ينظر البعض‬ ‫لذا‪ ،‬فيمكن أن ينظر البعض لهذا المفهوم على أنه سياسي بإمتياز‪ ،‬خلافاً‬
‫لمفهوم‬ ‫للظاهر بأنه مرتبط بمصطلحات التنمية‪ ،‬و ُمو َجه لتفعيل المشاركة بين‬
‫الدولة وكافة فئات المجتمع‪ ،‬وذلك من خلال إضعاف الدولة المركزية‬
‫الحوكمة على‬
‫أنه سياسي‬ ‫وجعل وظائفها تدور في فلك مصالح الإقتصاد الليبرالي العالمي[‪.[[3‬‬

‫بإمتياز‬ ‫‪ -3‬الحوكمة الرشيدة والعلوم الإجتماعية‬

‫الحقيقة أن عملية البحث في المعضلات الإجتماعية عملية صعبة‬

‫ومحفوفة بالمخاطر ويكتنفها جوانب من التعقيد والغموض البحثي‪ ،‬ولا‬

‫يمكن فيها التوصل إلى يقي ٍن كامل‪ .‬لذا‪ ،‬فإن ذلك ُيص ّعب المسألة على‬
‫غير المختصين لصعوبة الإلمام بكافة النظريات والدراسات والمقاربات‬

‫الحوكمة جزء‬ ‫المتصلة بجزئيات العلوم الإجتماعية‪ ،‬وعليه سيتناول هذا الكتاب ما‬
‫من العلوم‬
‫الإجتماعية‬ ‫يخصه بالنسبة لعلاقة المجتمع بفرده ونُظ ِمه‪ ،‬وبما يفيد في فهم تأثير ذلك‬
‫لتحقيق مزيد من الحوكمة الجيدة والمفيدة لطرفي المعادلة الحوكمية‪.‬‬

‫وبفرضية ان العلوم الإجتماعية تتضافر لفهم ظاهرة ما‪ ،‬وترتبط ببعضها التي تتضافر‬
‫البعض بمسافات مختلفة‪ ،‬حيث ترتبط وتتشابك التحديات السياسية لفهم ظاهرة‬
‫الإجتماعية والإقتصادية والإدارية معا‪ ،‬فالنسبة إلى علم الإجتماع فيهتم ما وترتبط‬
‫ببعضها البعض‬

‫بمسافات‬

‫مختلفة‬ ‫‪.Nov./Oct( ,75 .Samuel P. Huntington , « The West: Unique, Not Universal», Foreign Affairs No 29‬‬
‫‪.)28.p ,1996‬‬

‫‪ 30‬تقوم فكرة الليبرالية الإقتصادية على منع الدولة من تولي وظائف صناعية أو تجارية‪ ،‬وأنها‬
‫لا يحق لها التدخل في العلاقات الإقتصادية التي تقوم بين الأفراد والطبقات أو الأمم‪ ،‬ويعد‬

‫الإقتصادي (آدم سميث) ـ ‪ 1790 -1723‬ـ هو ال ُمن ّظر لهذه النظرية الليبرالية الإقتصادية‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫بدراسة كافة جوانب المجتمع‪ ،‬بينما علم السياسة ُيكَّرِس معظم‬
‫إهتماماته لدراسة القوة المتجسدة في التنظيمات الرسمية‪ ،‬وكذلك الحال‬
‫بالنسبة لتشابك وتداخل التحديات الإقتصادية من خلال إمتحان القدرة‬

‫على إدارة الموارد البشرية والطبيعية‪.‬‬

‫كما تتصل الحوكمة بالثقافة والتي هي أصلا مفهوم واسع‪ ،‬وترتبط الحوكمة‬
‫بسكيولوجيات الفرد والمجتمعات‪ .‬وكذلك الأمر مع الإيكولوجية (البيئية)‬
‫والإقتصادية‪ ،‬ومع الإدارة كعلم من العلوم الإنسانية والذي يدور محور‬
‫موضوعها الرئيسي حول الإنسان‪ ،‬بإعتبار أن العنصر البشري في الإدارة هو‬
‫عنصر الحسم مهما تقدمت وسائل التكنولوجيا المختلفة‪ .‬وعلية‪ ،‬فالعلوم‬
‫تنفذ كلها منها وإليها مهما إختلفت غايتها وتباينت الأولويات فيها‪ ،‬ويصب‬

‫كل ذلك في الحوكمة أو ما يمكن أن نسميه بمنظومة الحوكمة‪.‬‬

‫حوكمة‬ ‫حوكمة السياسة‪ :‬وإن عناصر القوة وعناصر الضعف هي حالة طبيعية‬
‫السياسة !‬ ‫تعيشها المجتمعات في كافة جوانبها الحياتية‪ ،‬وكون السياسة هي فن‬
‫تحقيق الممكن في إطار‪ ‬الإمكانات المتاحة‪ ،‬وأنه لا يمكن احتواءها في اطار‬
‫ضيق كونها من العلوم الإجتماعية التي تتطلب وعياً وإدراك[‪ ،[[3‬وأصبحت‬
‫شأناً يخص المجتمع ويؤثر فيه وتدور حول السياسات الفعلية والمطبقة‪.‬‬

‫حوكمة‬ ‫حوكمة التاريخ ‪ :‬وإن حوكمة التاريخ ‪ -‬إذا جاز التعبير‪ -‬من العناصر‬
‫التاريخ !‬ ‫الهامة لفهم سياسات الدول والحكومات والتفاعلات المختلفة بين أفراد‬
‫المجتمع ومرا كز القوى فيه‪ ،‬بما فيها فرضية أن التاريخ ليس حكراً لأحد‪،‬‬
‫وبأن التاريخ استند على ما وصله من معلومات قد تكون صحيحة وقد لا‬

‫تكون‪ ،‬وقد تحمل الحقيقة كل الحقيقة وقد لا تحمل إلا جزءاً منها‪.‬‬

‫الحوكمة الإجتماعية‪ :‬وقد ارتأينا التركيز على جانب هام وحيوي في مجال الحوكمة‬
‫الحوكمة الإجتماعية[‪ [[3‬وهي ظاهرة ال َت َغ ُّير الإجتماعي لإتصالها المباشر الإجتماعية‬
‫هنا‪ ،‬ومن أجل تفعيل هذه العلاقة ليصبح ال َت َغ ُّير الإجتماعي الحتمي رشيداً وظاهرة ال َت َغ ُّير‬
‫الإجتماعي !‬

‫‪Bernard Chantebout, « Le Pouvoir et L’Etat dans l, œuvre George Burdeau, édition Economica« 31‬‬
‫‪)67 .P 1993( ,‬‬

‫‪ 32‬مصطلح الحوكمة الإجتماعية هو ما ارتأيناه في دمج حزمة التنمية الإجتماعية مع عناصر‬
‫الحوكمة الجيدة‪ ،‬بمعنى أننا لم نجد هذا المصطلح في بحثنا بقدر ما نسعى إلى إضافته أو‬
‫تقديمه ضمن منطق مفهوم التنمية الإجتماعية المرتبط بالتغيير الإجتماعي الإيجابي مع‬

‫خصوصيات الحوكمة الرشيدة‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪20‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫ومحفزاً للعلاقة بين الدولة والمجتمع‪ .‬وال َت َغ ُّير الإجتماعي هو موضوع واسع ومتشعب‬
‫ويعتبر من المواضيع الأساسية في علم الإجتماع‪ ،‬ويظهر هذا بوضوح في إستخدام المفاهيم‬
‫التي تعبر عن الظاهرة في محاولة دراستها مثل النمو والتنمية والتق ّدم والتط ّور والإرتقاء‪.‬‬
‫ويمكن تعريف ال َت َغ ُّير الإجتماعي «بأنه كل تحول يقع في التنظيم الإجتماعي سواءاً في‬
‫بنائه أو في وظائفه خلال فترة زمنية معينة؛ ولذا فإن ال َت َغ ُّير الإجتماعي ين َصب على كل‬
‫تغير يحدث في أنماط العلاقات الإجتماعية أو في القيم والمعايير التي تؤثر في سلوك‬
‫الأفراد‪ ،‬والتي تحدد مكانتهم وأدوارهم في مختلف التنظيمات الإجتماعية التي ينتمون‬
‫إليها»[‪ .[[3‬ويتضمن مفهوم ال َت َغ ُّير الإجتماعي جميع المستويات الإجتماعية والثقافية‪،‬‬
‫سواء على مستوى الفرد نفسه وال َت َغ ُّيرات التي يمر بها أو على مستوى التنظيم والنظم‬
‫من فكر وفعل وسلوك ومصالح‪ .‬وهناك نظريات عديدة تفسر ظاهرة ال َت َغ ُّير الإجتماعي[‪[[3‬‬
‫‪ ،‬وكذلك إتجاهات ومسارات مختلفة‪ ،‬ومصدرين رئيسين للتغير هما المصدر داخلي‪،‬‬

‫والمصدر خارجي‪.‬‬

‫‪ 33‬عبد الباسط محمد حسن‪ :‬أصول البحث الإجتماعي‪ ،‬الطبعة الحادية عشر‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪.)22-1990،24 ( ،‬‬
‫‪ 34‬النظريات التي تفسر ال َت َغ ُّير الإجتماعي كثيرة ومتعددة فهي تشرح طبيعة هذا ال َت َغ ُّير وتحدد أبعاده وتكشف‬
‫عن اتجاهاته‪ ،‬ويذهب علماء الإجتماع في تصنيفهم لنظريات ال َت َغ ُّير الإجتماعي إلى فئتين عريضتين‪ :‬إحداهما تعالج‬
‫اتجاهات ال َت َغ ُّير‪ ،‬والأخرى تفسر عوامله وتشرح أسبابه‪ .‬ومن أهمها وأكثرها انتشاراً هي‪ :‬نظرية ابن خلدون (عبد‬
‫الرحمن بن خلدون)يرى أن ال َت َغ ُّير في المجتمع الإنساني سببه تبدل نحل المعاش‪ ،‬وعلى نمطين هما المجتمع البدوي‬
‫والمجتمع الحضري‪ ،‬وبأن الدولة تمر في عملية تغير محددة بمراحل‪ ،‬ويساهم في عملية ال َت َغ ُّير هنا اختلاط الشعوب‬
‫والثقافات من ناحية‪ ،‬وما يظهر بين الأجيال من اختلاف من ناحية أخرى‪ .‬ويربط ابن خلدون بين ال َت َغ ُّيرات الإجتماعية‬
‫وطبيعة الروابط الإجتماعية ممثلة بما اسماه « العصبية » التي تمثل أساس التجمع و قيام الدولة‪ ،‬وتسيير الحياة‬
‫الحضرية في النمو والإزدهار إلى أن تصل إلى مرحلة الترف مما يؤدي إلى فقدان العصبية الذي يؤدي بدوره إلى نهاية‬
‫الدولة على يد جماعة جديدة ذات عصبية جديدة‪ ،‬وهكذا تبدأ الدورة من جديد) ‪ .‬ونظرية كارل ماركس (المادية‬
‫التاريخية ‪ :.‬يعتقد ماركس أن عمليات ال َت َغ ُّير وحركة التاريخ ترتبطان بالقاعدة الإقتصادية وتغيرها في المجتمع‪ ،‬وهنا‬
‫يبدأ تشكيل الطبقات والصراع الطبقي والذي يعتبره ماركس مضمون ومظهر المجتمعات الإنسانية)‪ ،‬وكذلك يشار‬
‫إلى نظرية ماكس فيبر (الدور التاريخي للفكر والقيم في كتابه‪ :‬القيم البروتستانتية وروح الرأسمالية)‪ .‬كما ويمكن‬
‫دراسة التغير من خلال؛ نظريات التقدم‪ ،‬والنظريات الدورية‪ ،‬ونظرية المراحل المتتابعة‪ .‬النظريات أحادية الإتجاه تفسر‬
‫بأن كل العصور ترتبط معاً بسلسلة من الأسباب والنتائج بحيث تربط بين الوضع القائم في العالم المعاصر وبين‬
‫الأوضاع التي مرت عليه من قبل‪ .‬والنظريات الدائرية بان التغير يتجه صعوداً وهبوطاً في تموجات على شكل أنصاف‬
‫دوائر متتابعة وبنظام مطرد بحيث يعود المجتمع من حيث بدأ في دورة معينة‪ .‬ومن أصحاب النظريات الدائرية‪ :‬ابن‬
‫خلدون‪ .‬وفيكو‪ ،‬وباريتو‪ ،‬وشبنجلر‪ ،‬وتوينبي‪ .‬النظريات التي تتعلق بعوامل التغير تتصل بدراسة الميكنزمات المؤدية‬
‫إلى التغير‪ ،‬وبأن التغير يرجع إلى عامل واحد فقط قد يكون داخلياً أو خارجياً‪ ،‬ويشتمل ذلك على النظريات التالية‪:‬‬
‫النظرية التكنولوجية – النظرية الإقتصادية – نظرية الصراع – نظرية اللاتكامل – نظرية التكيف – النظرية الفعلية‬
‫(الفكرية) – نظرية التفاعل الثقافي‪ .‬نظريات التغير الثقافي‪ :‬على أساس أن لكل مجتمع ثقافته التي تميزه عن غيره‬
‫من المجتمعات فضلا ً عن أن الثقافة – بجوانبها المادية وغير المادية– توجه وتضبط سلوك الأفراد في المواقف‬
‫الإجتماعية المختلفة‪ .‬كما أن العلاقات الإجتماعية التي هي جوهر البناء الإجتماعي ما هي إلا أنماط منتظمة ومتكررة‬
‫من التفاعل بين الناس‪ .‬وهذه الأنماط تأخذ شكلها وانتظامها وتكرارها من خلال الثقافة ( من اوائل الكتب حول التغير‬
‫الإجتماعي ورواج هذا المصطلح كتاب «التغير الإجتماعي»‪ ،‬لمؤلفه ويليام أوجبرن‪ ،‬وهناك عدة مصادر منها مرجع‬

‫سابق للدكتوره دلال استستية‪ ،‬التغير الإجتماعي والثقافي)‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫ماهية‬ ‫الحوكمة الإجتماعية‪/‬السياسية ‪ :‬يعتبر علم الإجتماع السياسي[‪[[3‬‬
‫الحوكمة‬ ‫من أحد الفروع الرئيسة في علم الإجتماع والذي ظهر في أعقاب الحرب‬
‫الإجتماعية‪/‬‬
‫السياسية !‬ ‫العالمية الثانية ليسد الفراغ الموجود بين علم السياسة وعلم الإجتماع‪،‬‬

‫وهو ذلك العلم الذي يدرس العلاقة بين السياسة والواقع الإجتماعي‬
‫الذي يعتبر الحاوي للأحداث السياسية‪ ،‬وفي تأثير الأحداث السياسية على‬

‫البنية الإجتماعية والعكس‪.‬‬

‫كما هناك الترابط السياسي بالإجتماعي لان مسألة التكيف السياسي‬
‫مع المجتمع كصيرورة لترسيخ المعتقدات والمبادئ المتعلقة بالسلطة‬
‫وبمجموعات الإنتماء‪ ،‬وبالمحصلة لتكوين مجتمع سياسي يكون قابلا ً‬
‫للحياة ضمن حد أدنى من المعتقدات المشتركة المتعلقة في آ ٍن واحد‬
‫بشرعية الحكومة التي تحكم‪ .‬ومن خلال التعرف على مظاهر ال َت َغ ُّير‬
‫الإجتماعي والثقافي وعوائقه‪ ،‬وخاصة العوائق الإقتصادية‪ ،‬والإيكولوجية‪،‬‬
‫والسياسية‪ ،‬والسيكولوجية‪ ،‬والتي تشكل جملة هذه العوائق تحديات‬
‫لل َت َغ ُّير الإجتماعي المنشود الذي يساهم بدوره بتحقيق مزيد من الحوكمة‬
‫الرشيدة لمنظومة وعناصر ومستويات الحوكمة الرشيدة سواء بجزئياتها‬

‫أو بكلها مجتمعة‪.‬‬

‫الحوكمة‬ ‫الحوكمة الثقافية‪ :‬كما تترابط الحوكمة بالثقافة والتي خضعت لتعريفات‬
‫الثقافية !‬
‫متنوعة حسب الظروف والمع ّرفين لها‪ ،‬وبإختلاف الأزمان والأماكن‬
‫وإختلاف الشعوب والحضارات‪ .‬والحوكمة الثقافية‪ ،‬إن جاز القول‪ ،‬تفرض‬
‫نفسها جراء الغزو الثقافي والذي أدى إلى فقدان الثقة باللغات المحلية‪،‬‬
‫على الرغم من أن اللغة تمثل عنصراً أساسياً في تحديد الرموز الثقافية‪،‬‬

‫وهي التي تعطي معنى لوجودنا وتواصلنا مع الأخر[‪ ،[[3‬وتكمن أهمية‬
‫اللغة المحلية كونها لغة المجتمع وفي بعدها الروحي والحضاري‪ ،‬ومع‬
‫ذلك أصبحت اللغات الأجنبية وخاصة اللغة الإنجليزية مظهرا رئيساً‬

‫لمستوى ثقافة الفرد وتَم ّدنه وتح ّضره وتطورة في شتى المجالات‪.‬‬

‫‪ 35‬محمد علي محمد‪« ،‬أصول الإجتماع السياسي‪ ،‬السياسة والمجتمع في العالم الثالث»‪ ،‬الإسكندرية‪ ،‬دار‬
‫المعرفة الجامعية‪( ،‬ص ‪.)1985 ،37‬‬

‫‪ 36‬محمود الذوادي‪« ،‬اللغة العربية والثقافة في ظل العولمة‪ -‬الدولة والتحديث والمجتمع المدني‪ -‬نحن‬
‫والمتغيرات العالمية»‪ ،‬اصدارات منتدى الجاحظ ‪ ،‬تونس‪ ،2008( ،‬ص ‪.)67‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪22‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫الحوكمة‬ ‫الحوكمة السلوكية‪ :‬وتتشابك الحوكمة مع العلوم السيكولوجية‬
‫السلوكية !‬ ‫(النفسية)‪ ،‬وعلم النفس (‪ )Psychology‬هو علم دراسة السلوك والدراسة‬
‫العلمية على وظائف العقل البشري وسلوك الإنسان [‪ .[[3‬كما أن العلاقة‬
‫بين العوائق النفسية أو السيكولوجية وعوائق ال َت َغ ُّير الإجتماعي مرتبطة‬
‫بعلم النفس الإجتماعي[‪ ،[[3‬مما يزيد من تعقيدات وتشعبات العوائق‬

‫النفسية ويكثر الجدل حولها‪.‬‬

‫الحوكمة‬ ‫وكذلك الأمر مع الإيكولوجية (البيئية) والإقتصادية‪ ،‬وبالنسبة للإيكولوجيا‬
‫البيئية !‬ ‫أو علم البيئة فتوافر العناصر البيئية من طقس معتدل ومصادر طبيعية‬
‫تساعد على ال َت َغ ُّير الإجتماعي الإيجابي‪ ،‬في حين أن شح الموارد الطبيعية‬

‫يعيق عملية ال َت َغ ُّير وبناء حضارة مزدهرة وكبيرة‪.‬‬

‫الحوكمة‬ ‫الحوكمة السياسية والإصلاح‪ :‬لقد شكلت التنمية الإقتصادية والتنمية‬
‫السياسية‬ ‫الإدارية في الدول التي نالت إستقلالها بعد الحرب العالمية الثانية هدفاً‬
‫والإصلاح !‬ ‫أساسياً لحكوماتها‪ ،‬والتي لم تكن مهم ًة سهلة التحقيق‪ ،‬فعلى المستوى‬
‫المحلي‪ ،‬إصطدمت التنمية بعامة الناس الذين عاشوا لقرون طويلة في ظل‬
‫الجهل والتخلف والعادات والتقاليد البالية والتي تحولت إلى قوة مؤثرة في‬
‫صف معارضة سياسات التنمية‪ .‬ودولياً‪ ،‬دخلت برامج التنمية في دائرة الصراع‬

‫السياسي بين الدول الغنية والفقيرة‪ ،‬وفي جدلية الإستقلال والتبعية [‪.[[3‬‬

‫وقد جاء الإصلاح كحل نخبوي وكجهد فكري وعلمي وتقني لتحسين‬
‫الواقع وتوفير الشروط الضرورية اللازمة للنهوض به أو بقطاع من‬
‫قطاعاته الحيويّة المساعدة على الخروج بالأمة أو بشعب من شعوبها‬
‫من حال الضعف إلى حال امتلاك شروط القوة‪ ،‬ومن حال التبعية إلى حال‬

‫الإستقلال والريادة والسيادة[‪.[[4‬‬

‫‪ 37‬علم النفس هو أحد فروع العلوم الإنسانية‪ ،‬وهو ميدان واسع للدراسة ويستقصي طائفة كبيرة من‬
‫المسائل والأفكار والمشاعر والأفعال‪ ،‬وله أهمية بالغة في حياتنا كأشخاص‪ ،‬وحياة المجتمع الذي نعيش‬
‫فيه‪ .‬وعلم النفس هو العلم الذي يدرس جوانب نشاط الإنسان والسلوك والعمليات الذهنية‪ ،‬ويعتمد أي ًضا‬
‫على أعمال التفسير الرمزي والتحليل النقدي ودراسة مؤثرات العقل الباطن‪ .‬وهناك عشرات الكتب التي‬
‫تتحدث عنه وعن فروعه ومباحثه‪ ،‬ومن الكتاب العرب نذكر إبراهيم الفقيه‪ ،‬وكتبه العديدة في مجال تطوير‬

‫الذات البشرية‪.‬‬
‫‪ 38‬علم النفس الإجتماعي هو فرع من فروع علم النفس يدرس السلوك الإجتماعي للفرد والجماعة‪،‬‬

‫كاستجابات لمثيرات اجتماعية‪ ،‬وهدفه بناء مجتمع أفضل قائم على فهم سلوك الفرد والجماع‪.‬‬
‫‪ 39‬محمد عبد الهادي صالح الأسود‪ « ،‬مشكلات التنمية في البلدان العربية وأثر الديون الخارجية في‬

‫تفاقمها»‪ ،‬إصدارات‪ :‬مجلس الثقافة العام‪ ،‬القاهرة‪ ،2006( ،‬ص ‪.)17‬‬
‫‪ 40‬عبد الجليل الميساري‪« ،‬قيم الإصلاح والتحديث‪ ،‬في فكر أحمد بن أبي الضياف من خلال كتابة الإتحاف»‪،‬‬

‫المغاربية للطباعة والنشر والإشهار‪ ،1999( ،‬ص ‪.)40‬‬

‫‪23‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫والإصلاح لم يكن يوماً بالمهمة اليسيرة‪ ،‬فقد كان مهمة الأنبياء والمصلحين‬
‫وطبقة ال ُنخب والمثقفين‪ ،‬كما وشكل الهم الأكبر لترا كمات الفكر الإنساني‬
‫العالمي وفي كافة العصور‪ ،‬وتناوله المفكرين الفلاسفة القدماء اليونانين‬
‫والرومان والعرب وكافة الحضارات‪ ،‬وما زالت ليومنا هذا موطأً للتفكير‬

‫والبحث لإيجاد أفضل السبل لتحسين حياة البشر ونقلهم إلى الرفاه والسعادة‪.‬‬

‫وضمن منظور الحوكمة فأنه لا يمكن للدولة منفردة مواجهة التحديات لا يمكن‬

‫التنموية‪ ،‬حيث تقع مسؤولية مشتركة على اللاعبين الغير حكوميين‪ ،‬من للدولة منفردة‬
‫منظمات مجتمع مدني‪ ،‬وقطاع خاص لتحقيق الإصلاح المنشود‪.‬‬
‫مواجهة‬

‫التحديات‬

‫الحوكمة الإقتصادية والتنموية‪ :‬ولقد أثار مفهوم التنمية الكثير من الجدل التنموية‬

‫وعلى جميع المستويات النظرية والتطبيقية‪ .‬كما وتَح ِمل المؤلفات السياسية‬

‫الحوكمة‬ ‫والإقتصادية والإجتماعية العديد من التعاريف لهذا المصطلح‪ ،‬وكل منها تناوله‬
‫الإقتصادية‬ ‫من زاوية معينة حسب إختلاف الميادين والمناهج العلمية الخاصة بها‪ ،‬ويأتي‬
‫و التنموية‬ ‫كذلك منسجماً مع إختصاص كل باحث وميوله وأيديولوجيته‪ .‬كما ويمكن‬
‫القول بأن مفهوم التنمية يتشابه مع عدد من المفاهيم والمصطلحات‪ ،‬والتي‬

‫ُقصد منها تطور المجتمعات مثل‪ :‬التقدم‪ ،‬والتطور‪ ،‬والنمو‪ ،‬والإرتقاء[‪.[[4‬‬

‫وقد تطورت علوم التنمية تبعاً لتطور المجتمعات والحاجات‪ ،‬وتبعاً‬
‫لمصطلحات التخصص‪ ،‬وخاصة معادلة العرض والطلب‪ ،‬والموارد‬
‫المحدودة‪ ،‬والحاجات المتعددة‪ .‬ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية ظهر‬
‫فرع مستقل من النظرية الإقتصادية يطلق عليه اقتصاديات التنمية‪،‬‬
‫كما وطرحت مسألة التنمية في العديد من الدول وخاصة النامية منها‬

‫لإستكمال التحرر من الإستعمار والتبعية الإقتصادية‪.‬‬

‫‪ 41‬الت ّقدم (‪ )Progress‬يرتبط بتحسن دائم في ظروف المجتمع المادية واللامادية‪ ،‬وبأنه ينطوي على مراحل‬
‫ارتقائية‪ ،‬أي أن كل مرحلة تكون أفضل من سابقتها‪ .‬ومصطلح الت ّطور (‪ )evolution‬يشير إلى التحول المنظم‬
‫من الأشكال البسيطة إلى الأشكال الأكثر تعقيداً‪ ،‬ويستخدم لوصف التحولات في الحجم والبناء‪ .‬ويعني‬
‫مصطلح النمو‪ :‬النضج التدريجي والمستمر للكائن وزيادة حجمه‪ ،‬كما يشير إلى نوع معين من التغير‬
‫وهو التغير الكمي‪( .‬دلال استيتية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .)41-29‬كما أن مفهوم الإرتقاء يتصل بمفاهيم العلو‬

‫والإرتفاع والصعود‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪24‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫التنمية‬ ‫وجاء في الأمم المتحدة عام ‪ 1955‬تعريف للتنمية مفاده‪« :‬بأن التنمية هي‬
‫هي العملية‬ ‫العملية المرسومة لتقدم المجتمع جميعه إجتماعيا وإقتصاديا‪ ،‬إعتمادا‬
‫المرسومة‬
‫على إشتراك المجتمع المحلي ومبادأته»‪ .‬ثم عرفتها تعريفاً آخر‪« :‬بإعتبارها‬
‫لتقدم‬ ‫العمليات التي يمكن بها توحيد جهود المواطنين والحكومة لتحسين‬
‫المجتمع‬ ‫الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والثقافية في المجتمعات المحلية‬
‫جميعه‬ ‫ومساعدتها في الإندماج في حياة الأمة‪ ،‬والمساهمة في تقدمها بأقصى قدر‬

‫مستطاع»[‪.[[4‬‬

‫وهي العملية التي ينتج عنها زيادة في فرص حياة بعض الناس في مجتمع‬
‫ما دون نقصان فرص بعض آخر في نفس الوقت ونفس المجتمع[‪.[[4‬‬

‫أما كارل ماركس[‪ :[[4‬فيعرف التنمية على «أنها عملية ثورية‪ ،‬أي أنها‬
‫تتضمن تحولات شاملة في البناءات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية‬
‫والقانونية فضلا ً عن أساليب الحياة والقيم الثقافية‪ ،‬وبالتالي فإن البلد‬
‫الأكثر تقدماً من الناحية الصناعية يمثل المستقبل الخاص للبلد الأقل‬

‫تقدماً»‪.‬‬

‫وتشكل معوقات التنمية[‪ [[4‬تحديات أمام الإقتصاد القومي ومحاولات تشكل معوقات‬
‫التقدم للمجتمعات التي تعاني منها‪ ،‬ويعتبر البعض أن هناك معيارين التنمية‬

‫للتخلف‪ ،‬أحدهما كمي ويتمثل في متوسط الدخل الفردي أو انخفاض تحديات أمام‬

‫الناتج القومي أو انخفاض نصيب الفرد من الطاقة أو الخدمات‪ ،‬والأخر الإقتصاد‬
‫كيفي ويتمثل في مدى إرتفاع وإنخفاض نصيب الفرد من الطاقة الإنتاجية القومي‬

‫لمجتمع ما على حجم ودرجة نمو وتطور قوى الإنتاج السائدة به‪ ،‬بشقيها‬

‫‪ 42‬محمد شفيق‪ ،‬التنمية الإجتماعية « دراسات في قضايا التنمية ومشكلات المجتمع»‪ ،‬الإسكندرية‪،‬‬
‫المكتب الجامعي الحديث‪ ،‬ص ‪13‬‬

‫‪ 43‬عبد الهادي الجوهري وآخرون‪ ،‬دراسات في التنمية الإجتماعية (مدخل إسلامي)‪ ،‬الإسكندرية ‪ ،‬المكتب‬
‫الجامعي الحديث‪،1999( ،‬ص ‪.)17‬‬

‫‪ 44‬كارل ماركس ( ‪ 5‬مايو ‪ 1818‬إلى ‪ 14‬مارس ‪ .)1883‬فيلسو ًفا ألمان ًيا‪ ،‬سياسي‪ ،‬وصحفي‪ ،‬ومن ّظر اجتماعي‪.‬‬
‫قام بتأليف العديد من المؤلفات إلا أن نظريته المتعلقة بالرأسمالية وتعارضها مع مبدأ أجور العمال هو‬
‫ما أكسبه شهرة عالمية‪ .‬لذلك يعتبر مؤسس الفلسفة الماركسية‪ ،‬ويعتبر مع صديقه فريدريك إنجلز‬

‫المنظرين الرسميين الأساسيين للفكر الشيوعي‪.‬‬
‫‪ 45‬في شهر يوليو‪ /‬تموز ‪ 2008‬أصدر برنامج الأمم المتحدة تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام ‪ 2009‬تحت‬
‫عنوان «تحديات أمن الإنسان في البلدان العربي»‪ ،‬وهو التقرير الخامس من سلسلة تقارير تم إصدار العدد‬
‫الأول منها في العام ‪ ،2000‬وفي هذا التقرير تم طرح ‪ 7‬معوقات أساسية تعوق التنمية الإنسانية الشاملة في‬
‫الوطن العربي وهذه المعوقات هي ‪ :‬الضغوط على الموارد البيئية‪ ،‬و أداء الدولة في أمن الإنسان أو تقويضه‪،‬‬
‫وانعدام الأمن الشخصي للفئات الضعيفة‪ ،‬بالإضافة إلى التعرض للمخاطر الإقتصادية‪ ،‬والفقر والبطالة‪،‬‬
‫والأمن الغذائي والتغذية‪ ،‬والصحة وأمن الإنسان‪ ،‬والإنعدام المنهجي للأمن من جراء الإحتلال والتدخل‬

‫العسكري الخارجي‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫المادي المتمثل في الآلات والمعدات والمنشآت والشق الأخر البشري‪ ،‬أي القوى العاملة‬
‫المنتجة وما ا كتسبته من خبرات ومهارات متنوعة[‪.[[4‬‬

‫ويرى البعض الأخر[‪ [[4‬بأن دول العالم الثالث تعاني حالياً مأزقاً على الصعيد الإقتصادي‬
‫كما هو على الصعيد الإجتماعي والسياسي‪ ،‬فإقتصاد هذه البلدان ممزق وغير مترابط‪،‬‬
‫يستتبعه عجزٌ مزمن في الموازنة العامة‪ ،‬وعدم القدرة على تأمين المواد الغذائية للمواطنين‪،‬‬
‫وهذا ما يترك العالم الثالث فريسة التبعية للدول الصناعية المتقدمة‪ .‬وبأن المفكرين‬
‫الغربيين وضعوا العديد من النظريات التي تفسر الوضع القائم وتحاول إبعاد مسؤولية‬
‫الغربيين عنه‪ ،‬وإلقاءها على كاهل الدول النامية وشعوبها‪ ،‬مفاده بأن تخلف الدول النامية‬
‫متعلق بأسباب عدة أهمها المناخ[‪ ،[[4‬والبعض الأخر بأن السبب عائد إلى ضعف الطاقات‬
‫ورداءة الخواص الطبيعية‪ ،‬وهناك من المفكرين من يقول بأن التخلف فيها عائد إلى‬

‫ايدلوجيات و افكار تسيطر على هذه الدول‪.‬‬

‫ونشير مجدداً هنا بأن قضية التنمية – بوجه عام‪ -‬تعد قضية معقدة ومتشابكة الجوانب‪،‬‬
‫وبنظرة عامة للمجتمعات المدنية التي تحيط بنا‪ ،‬سواء بالمنطقة العربية أو الأفريقية‪ ،‬أو‬
‫بالمحيط الدولي‪ ،‬نجد أن التنمية الإقتصادية في الدول التي أصابها قدر عال منها‪ ،‬لم تتقدم‬
‫إلى الأمام إلا َّ لتوفر عنصري السلام الإجتماعي والهوية الوطنية‪ ،‬وبالتالي كانت النتيجة أن‬
‫فرص التطور الإقتصادي نفسه تنعكس في البناء والتعمير والتقدم‪ ،‬محروساً بالسلام‬

‫الإجتماعي‪ ،‬وخاضعاً للهوية الوطنية‪.‬‬

‫ويلاحظ هنا الإرتباط الكبير بين مفهوم وتعريفات التنمية مع مفاهيم وتعريفات الحوكمة‬
‫الرشيدة حيث يشترك كلاهما في هدف تطوير وتحديث المجتمعات‪ ،‬بينما تأتي الحوكمة‬
‫كمفهوم متقدم مصطلحاً ومضموناً عن التنمية بحكم إشتراطها لإنخراط الدولة والمجتمع‬

‫في مسيرة التنمية‪.‬‬

‫‪ 46‬مجدي حجازي‪ ،‬التنمية الإجتماعية‪ : ‬رؤية نقدية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬عام ‪1985‬‬
‫‪ 47‬إبراهيم مشورب‪ ،‬التخلف والتنمية‪ :‬دراسات اقتصادية‪ ،‬دار المنهل اللبناني‪ ،2009( ،‬ص ‪.)16‬‬

‫‪( 48‬جنوب الكرة الأرضية‪ ،‬أي مناطق حارة واستوائية)‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪26‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫الحوكمة الإدارية‪ :‬تتداخل وتتشابك الإدارة مع الحوكمة كعلم من العلوم الحوكمة‬

‫الإنسانية‪ ،‬والتي يدور محور موضوعها الرئيسي حول الإنسان‪ ،‬بإعتبار الإدارية !‬

‫أن العنصر البشري في الإدارة هو عنصر الحسم مهما تقدمت وسائل‬
‫التكنولوجيا المختلفة‪ .‬وهناك تعاريف متعددة للإدارة تبعاً لتطور تشابك الإدارة‬
‫المفهوم وإختلاف ُمع ِّرفيه‪ ،‬ومن أبرز التعاريف‪ “ ،‬فإن الإدارة[‪ [[4‬عملية‬
‫مع الحوكمة‬ ‫ذهنية وسلوكية تسعى إلى الإستخدام الأمثل للموارد البشرية والمادية‬
‫كعلم من‬ ‫لبلوغ أهداف المنظمة والعاملين بها بأقل تكلفة وأعلى جودة‪ ،‬وعن‬

‫طريق مجموعة من الوظائف أهمها‪ :‬التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة العلوم‬
‫والتقويم‪ .‬كما وينظر لها بأنها علم وفن وموهبة شخصية‪ ،‬وتنقسم إلى الإنسانية‬

‫الإدارة العامة والى إدارة الإعمال‪ ،‬وكل قسم له العديد من الفروع والوظائف‪.‬‬

‫وقد ظهرت الإدارة كعلم مستقل بدأت بما سمي بالإدارة العلمية [‪[[5‬‬
‫المرتبطة بالمعرفة الدقيقة لما تريده من الأفراد أن يقوموا بعمله‪ ،‬في الوقت‬
‫الذي كان فيه العالم منشغل بإيجاد أفضل السبل الإدارية التي ُتخلّص‬

‫المجتمعات من سلبيات البيروقراطية‪ ،‬والجمود الإداري‪ ،‬والتعامل والتواصل‬

‫مع الجمهور‪ ،‬والعديد من القضايا والمعضلات الإدارية التي تلامس مباشرة‬

‫مصالح القطاع العام والقطاع الخاص وحاجات المجتمع اليومية‪.‬‬

‫ولفهم الإدارة في اي دولة عربية لا بد من الإشارة إلى محيطها الإداري الذي‬
‫تتأثر و ُتأثر فيه‪ ،‬آلا وهو الإدارة في الدول النامية بالعموم وفي الدول العربية‬
‫بالخصوص‪ .‬فهناك سوء للإدارة في عدد من الدول العربية‪ ،‬حيث يوصف‬
‫الجهاز البيروقراطي فيها بأنه أصبح خادماً للفئوية‪ ،‬وليس جهازاً للخدمة‬
‫العامة‪ ،‬وبأن سكان العالم العربي في حيرة من أمرهم‪ ،‬فدور الدولة محوري‬
‫في كل مجالات الحياة‪ ،‬ولكن المخاوف والشكوك تحيط بقدراتها وإمكانياتها‬

‫وسياساتها في كل مكان[‪.[[5‬‬

‫‪ 49‬منتديات العلوم الإقتصادية والتجارية‪ ،‬الموقع‪http://etudiantdz.net :‬‬
‫‪ 50‬فريدريك تايلور‪ :) 1915 – 1856( ،‬مؤسس الإدارة العلمية‪ ،‬نشر أفكاره في كتاب «الإدارة العلمية» عام ‪،1911‬‬
‫وأوضح أن الهدف الرئيسي للإدارة هو الحصول على أكبر قدر من الرفاهية لصاحب العمل والعمال‪ ،‬وركز‬
‫تايلور على الجانب الفني من العمل ولم يعتني بالجانب البشري على الرغم من إدراكه لأهمية هذا الجانب‪،‬‬
‫وكانت الفكرة الرئيسية لمدرسة الإدارة العلمية أنه يمكن تحقيق زيادة الإنتاجية عن طريق إتباع أسلوب‬
‫علمي قوامه التخصص والتدريب الفني وتحليل العمل إلى جزئياته ودراسة كل جزئية على حده حتى تحدد‬
‫حركاته الأساسية والزمن الذي يستغرقه أداؤه‪ ،‬وتصميم المصنع بالشكل الذي يضمن انسياب الخامات‬

‫للالات وتحرك العامل لأداء واجبه (المصدر‪)html.http://www.hrdiscussion.com/hr25686 :‬‬
‫‪ 51‬ندوة ‪« :‬الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية»‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ 23-20 ،‬أيلول‪/‬‬

‫سبتمبر ‪.2004‬‬

‫‪27‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫كما أن[‪ [[5‬الإدارة العربية ينقصها في معظم الدول العربية قادة إداريون الإدارة العربية‬
‫ملهمون ومحفزون‪ ،‬في حين ترى الإدارة الغربية العمل مكاناً للمنافسة ينقصها في‬
‫الشريفة وتحقيق الذات عن طريق الإنجاز‪ ،‬وبأن الإدارة في الغرب تتفوق معظم الدول‬
‫على الإدارة العربية ‪-‬من ناحية تنظيمية‪ -‬بتحمل المسؤولية والقدرة العربية قادة‬
‫على صناعة القرار‪ ،‬وإستخدام الأساليب العلمية في العمل والإعتماد على إداريون‬
‫التخطيط الإستراتيجي‪ ،‬وتوافر روح العمل الجماعي‪ ،‬والإعتماد على معايير ملهمون‬
‫موضوعية في الأداء والتقييم‪ ،‬والبعد عن الرسمية في عمليات الإتصال ومحفزون‬

‫والتعامل مع الأخرين‪ ،‬والقدرة على الإنضباط والدقة‪ ،‬وتفادي الروتين‪،‬‬
‫والمبادرة بهدف التحسين والتطوير المستمر‪ ،‬وإحترام التخصص‪.‬‬

‫الحوكمة والفساد ‪ :‬وتبقى أ كبر معضلة إدارية تواجه الدول كافة هي الحوكمة‬
‫الفساد المالي والإداري‪ ،‬وتعتبر ظاهرة الفساد[‪ [[5‬بشقيها الإداري والمالي و الفساد‪:‬‬
‫ظاهرة عالمية شديدة الإنتشار‪ ،‬وذات جذور عميقة تأخذ أبعاداً واسعة أ كبر معضلة‬
‫تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها‪ ،‬وتختلف درجة إدارية تواجها‬
‫شموليتها من مجتمع إلى آخر‪ ،‬وقد حظيت ظاهرة الفساد في الآونة الأخيرة الدول !‬

‫باهتمام الباحثين في مختلف الإختصاصات‪.‬‬

‫ويرى البعض بأنه ليس هناك للفساد اصطلاحاً‪ ،‬لكن هناك اتجاهات‬
‫مختلفة تتفق في كون الفساد هو إساءة استعمال السلطة العامة أو‬

‫الوظيفة العامة للكسب الخاص[‪.[[5‬‬

‫كما ولا يوجد إجماع نهائي على تعريف الفساد‪ ،‬إلا ان الطريقة المتعارف‬
‫عليها للتعرف عليه مرتبط بحجمه‪ ،‬حيث يوجد ما يسمى بالفساد الصغير‬
‫والمتصل بالممارسات اليومية التي يلحظها المواطن العادي في تعاملاته‬
‫اليومية‪ ،‬وما يسمى بالفساد الكبير أو السياسي والمرتبط بمبالغ مالية‬

‫كبيرة ومؤثرة على الدولة وشرعية الحكومة فيها[‪.[[5‬‬
‫وهناك[‪ [[5‬تعاريف متشددة للفساد منها بأنه «مجموعة من الأعمال‬

‫‪ 52‬معدي بن محمد آل مذهب‪« ،‬بين المدير العربي والمدير الغربي‪ ،‬ما الفرق» ؟‪ ،‬صحيفة الرياض‪2010 ،‬‬
‫‪ 53‬الفساد في معاجم اللغة هو في (فسد) ضد َص ُل َح‪ ،‬والفساد لغة البطلان‪ :‬فيقال فسد الشيء أي ب ُط َل واضمحل‪.‬‬
‫‪ 54‬ياسر خالد بركات الوائلي‪ ،‬الفساد الإداري « مفهومه ومظاهره وأسبابه» ‪ ،‬مركز المستقبل للدراسات والبحوث‪.‬‬

‫‪Raymound June, lead Author, «A user’s guide to Measuring Corruption, «Editors: UNDP Oslo 55‬‬
‫‪.)6 .P ,2008( ,Governance center‬‬

‫‪ 56‬سليمان الجريش‪ ،‬الفساد الإداري وجرائم إساءة استعمال السلطة الوظيفية‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الملك فهد‬
‫الوطنية‪ ،2003( ،‬ص ‪.)112-117‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪28‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫المخالفة للقوانين‪ ،‬والهادفة إلى التأثير بسير الإدارة العامة أو قراراتها أو‬
‫أنشطتها‪ ،‬بهدف الإستفادة المادية المباشرة‪ ،‬أو الإنتفاع غير المباشر»‬
‫أو هو «استغلال موظفي الدولة لمواقعهم وصلاحيتهم للحصول على‬
‫كسب غير مشروع‪ ،‬أو منافع يتعذر تحقيقها بطرق مشروعة»‪ ،‬وهناك‬
‫تعاريف أقل تشدداً بأنه «تصرف استثنائي أفرزته بعض الظروف»‪ ،‬وأخرى‬
‫متساهلة بأنه «سلوك إداري غير رسمي»‪ ،‬أو حتى أنه «تصرف مقبول‬
‫من قبل طرفين تعجز الطرق الرسمية والأساليب التقليدية عن تحقيق‬

‫مصالحهما»‪.‬‬

‫وللفساد عدة أسباب أهمها عدم احترام القوانين؛ وتدني الرواتب مع‬
‫ارتفاع تكاليف المعيشة؛ والفارق في الدخل بين القطاعين العام والخاص؛‬
‫وانعدام الشفافية؛ وانتشار الفقر؛ وغياب أخلاقيات العمل؛ وضعف معايير‬

‫السلوك؛ والضغوط الخارجية التي يمارسها أصحاب المصالح‪.‬‬

‫كما وهناك أثاراً للفساد تتمثل في فقدان ثقة المواطن بالحكومة وبأجهزة‬
‫الدولة؛ والتأثير على الديمقراطية؛ وإضعاف سيادة القانون؛ وتأخير التنمية‬
‫السياسية؛ والإضرار بمبادئ الحوكمة الرشيدة؛ وضعف حجم الإستثمارات؛‬
‫وتراجع المنح والمساعدات؛ وضعف القيم الأخلاقية؛ وانتشار الجريمة؛‬
‫وشعور المواطن بعدم العدالة؛ وانتشار الحقد والكراهية‪ .‬وتتمثل أنماط‬
‫الفساد وأدواته في‪ :‬الرشوة والإرتشاء‪ ،‬والسرقات والإختلاسات؛ وإساءة‬
‫استعمال الصلاحيات‪ ،‬وإستغلال النفوذ؛ والإبتزاز؛ والتحيز والمحاباة؛‬

‫والتقصير والإهدار؛ والإساءة للمنظمة وللإدارة؛ والهدايا والغلول[‪.[[5‬‬

‫الفساد وبكافة‬ ‫والفساد وبكافة أشكاله يعتبر أهم عنصر من عناصر قياس الحوكمة‬
‫أشكاله يعتبر‬
‫أهم عنصر من‬ ‫الرشيدة‪ ،‬ومؤشر هام تستخدمه المؤسسات النقدية والمالية والسياسية‪،‬‬
‫عناصر قياس‬ ‫مثل صندوق النقد الدولي وتقرير الشفافية الدولية‪ ،‬وبرنامج الأمم‬
‫المتحدة الإنمائي الذي يصدر دراسات حول دول العالم ويضع مؤشرات‬
‫مستويات‬ ‫متنوعة لقياس الفساد[‪ .[[5‬كما وأن أ كثر أنواع الفساد المنتشر في العالم‬
‫الحوكمة‬
‫الرشيدة‬

‫‪ 57‬سليمان الجريش‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الفساد الإداري وجرائم إساءة استعمال السلطة الوظيفية‪ ،‬ص‬
‫‪140-189‬‬

‫‪ P,26-23. , Raymound June, «A user’s guide to Measuring Corruptio 58‬مرجع سابق‬

‫‪29‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫العربي هو الفساد الإداري المتمثل بالواسطة والمحسوبية‪ ،‬وعدم التق ّيد بالقوانين والأنظمة‪..‬‬

‫الأوضاع الإدارية في العالم العربي تجابه ظروفاً دولية متسارعة‪ ،‬وتبدلات هائلة في أنماط‬
‫وأساليب الإدارة‪ ،‬وسط ثورة ُمعاشة في مجال المعلومات والإتصالات‪ ،‬فالعالم كله في إدارته‬
‫المستقبلية متوجه إلى تنظيمات ذات سمات «لا بيروقراطية»[‪ .[[5‬وللإدارة في المستقبل‬
‫القريب سمات منها «التفكير الإستراتيجي» بديلا ً عن التصور الوقتي‪ ،‬وتبني النظام‬
‫الإداري المفتوح المتفاعل مع البيئة بدلا ً من النظام المغلق‪ ،‬وتأصيل المنهج اللامركزي‪،‬‬

‫والتركيز على فريق العمل‪.‬‬

‫‪« 59‬البيروقراطية» ‪ Bureaucracy‬عرفها العالم الإلماني ماكس ويبر ( ‪ )1920 - 1864‬بأنها هي «تنظيم المكاتب الذي يتبع مبدأ‬
‫الهيكلية المكاتبية»‪ ،‬وهي مفهوم يستخدم في العلوم الإنسانية ويشير إلى تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظمة‪.‬‬
‫وتعتمد هذه الأنظمة على الإجراءات الموحدة وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية والعلاقات الشخصية‪ .‬ومن المتعارف عليه لدى‬
‫الجميع أن البيروقراطية هي الروتين الممل والإجراءات المعقدة التي ليس لها فائدة سوى تأخير المعاملات في حين أن التعريف‬
‫الصحيح للكلمة‪ ،‬الإغريقية الأصل‪ ،‬أنها مكونة من مقطعين‪ :‬الأول ‪ Bureau‬وهي تعني مكتب والثاني ‪ Cracy‬ومعناها ‪The Strong‬‬

‫أي القوة‪ ،‬والكلمة في مجموعها تعني‪ :‬قوة المكتب أو سلطة المكتب‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪30‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫‪31‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬



‫الجزء الثاني‬

‫عناصر الحوكمة الرشيدة‬

‫مما لا شك فيه‪ ،‬فإن هناك العديد من الوسائل والتحولات التي تساهم‬
‫بدورها في رفع التحديات والصعوبات التي تواجه الدول‪ ،‬والتي بدورها‬
‫تعزز وتعمق الإنتقال إلى حوكمة جيدة بعناصرها الركنية والرئيسة‪ ،‬ومنها‬
‫ما أقرته منظمات دولية‪ ،‬كما جاء في مقدمة الكتاب‪ ،‬بأن الأمم المتحدة‬
‫قد أقرت عدد من عناصر الحوكمة الجيدة وهي سيادة القانون‪ ،‬الشفافية‪،‬‬
‫الإستجابة‪ ،‬التوافق والإجماع‪ ،‬المساواة والإندماج‪ ،‬الكفاءة والفعالية‪،‬‬

‫المساءلة والرؤية الإستراتيجية‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ويرى مختصين بأن [‪ [[6‬الحوكمة ليس لها محتوى معياري الحوكمة ليس‬

‫لها محتوى‬ ‫(‪ ،)Normative content‬فيمكن إضافة عناصر وخصوصيات كثيرة‬
‫معياري‬ ‫للحوكمة الجيدة إضافة لما اتفقت عليه الأمم المتحدة‪ ،‬كما يمكن الحديث‬
‫عن خصوصيات الحوكمة الرشيدة من خلال الديمومة؛ الشرعية والقبول‬

‫من طرف السكان؛ القدرة على تنمية الموارد وطرق الحاكمية؛ الحث على‬

‫التوازن بين الأجناس؛ التسامح وتقبل مختلف الأراء الأخرى؛ القدرة على‬

‫تعبئة الموارد لأغراض اجتماعية؛ تقوية الأليات الأصيلة وتأهيل المواطنة؛‬
‫الإستخدام العقلاني والفعال للموارد؛ توليد وتحفيز الإحترام والثقة؛‬

‫المسؤولية؛ القدرة على تعريف الحلول العقلانية والتكفل بها؛ التشجيع‬

‫على تحمل المسؤوليات والتسهيلات؛ الضبط أ كثر من الرقابة؛ القدرة على‬

‫معالجة المسائل الزمنية؛ التوجيه نحو الخدمة‪.‬‬

‫كما وأن الحوكمة الجيدة تكون نحو تحقيق النتائج المرغوبة من جانب‪،‬‬

‫ونحو تحقيقها بالطريقة الصحيحة من جانب آخر‪ ،‬حيث أنها منسجمة‪،‬‬

‫بطريقة أو بأخرى‪ ،‬مع القيم المعيارية (‪ )Normative Values‬للديمقراطية‬
‫والعدالة الإجتماعية‪ ،‬ومن خلال الإصلاح الشامل وتطوير نَ َس ْق الإدارة‪.‬‬

‫وهذا الإتفاق الحوكمي ينسحب على حقيقة أنها ليست مرتبطة بمعيار‬
‫«اتوماتيكي» أو تلقائي (‪،[[6[)Automatic Normative connotation‬‬
‫حيث أن بعضاً من نماذج الحوكمة أفضل من البعض الأخر في تحقيق‬
‫النتائج‪ ،‬كما أن التأكيد ال ُمعطى لمكونات الحوكمة الجيدة تختلف من‬
‫مجتمع إلى مجتمع آخر وفقاً لما يق ّيمه أعضاء ذلك المجتمع كنتائج‬

‫‪ 60‬زهير الكايد‪ ،‬الحكمانية «قضايا وتطبيقات»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪15‬‬
‫‪ 61‬زهير الكايد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الحكمانية «قضايا وتطبيقات»‪ ،‬ص ‪.17‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪34‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫مطلوبة أو إيجابية بصورة تختلف عما يقيمه مجتمع آخر‪.‬‬

‫وفي النتيجة فإن فهم الحوكمة وخصوصيتها هو حسب كل دولة واحتياجاتها‬
‫الملحة والمتعلقة بالحوكمة الجيدة أو الرشيدة تتطلب إصلاحا جذرياً‬
‫وشاملاً في علاقة الدولة مع نفسها ثم مع المجتمع المحيط بها‪ .‬ويأخذ‬
‫الحديث عن مفهوم الإصلاح عدة جوانب مختلفة في إطار البحث عن تعريفه‬
‫وتطوره ومدلولاته والنطاق الزمني والمكاني له‪ ،‬حيث ينظر إليه على أنه‬
‫التغيير في أنماط وسلوكيات قائمة بشكل جذري أو تدريجي خلال فترة‬
‫زمنية محددة [‪ ،[[6‬فهو كمفهوم شامل‪ ،‬يشمل صو ًرا عدة منها‪ ،‬الإصلاح‬
‫السياسي‪ ،‬والإقتصادي‪ ،‬والإجتماعي‪ ،‬والثقافي‪ ،‬والإداري‪ ،‬وفي كافة المجالات‪.‬‬

‫ولقد بات الإصلاح فكرة عالمية ارتبطت بالتطورات التي شهدها العالم‬
‫بعد انتهاء الحرب الباردة منذ نهاية عقد الثمانينات وبداية مطلع‬
‫التسعينات من القرن العشرين‪ ،‬وانعكس تأثيرها على مختلف دول‬
‫العالم وبالذات دول العالم الثالث‪ ،‬فيما يتعلق بالثورة الهائلة في مجال‬
‫تكنولوجيا المعلومات والإتصالات‪ ،‬وظهور تأثيرات العولمة التي جعلت‬

‫العالم كقرية صغيرة يتم فيها تبادل المعلومات بشكل كبير وسريع‪.‬‬

‫فأصبحت المعلومات سب ًبا رئيس ًيا في تغيير نمط الحياة‪ ،‬وتزداد أهميتها‬
‫كمورد أساسي في كافة المجالات‪ ،‬مما دفع بكثير من الدول إلى تغير‬
‫سياستها وإعادة النظر بخططها واستراتيجياتها لموا كبة التطورات التي‬
‫تشهدها ميادين المعرفة‪ ،‬والعمل على الإستغلال الأمثل للمعلومات‬

‫وصناعتها واستثمارها ‪.‬‬

‫الحوكمة‬ ‫إن فكرة الإصلاح في المنطقة العربية هي فكرة قديمة وحديثة‪ ،‬وكانت‬
‫المستدامة‬ ‫على الدوام عملية متشابكة ومتوالية ومعقدة‪ ،‬كما وينقصها نوعاً من‬
‫َجلدٌ صادق للذات أو ثورة بيضاء حقيقية على الموروث من السلبيات‬
‫وإستبدالها بايجابيات تتسم بعالمية المباديء وخصوصية التطبيق‪ ،‬أو إن‬

‫جاز القول بحوكمة مستدامة‪.‬‬

‫‪ 62‬رضوان محمود المجالي‪“ ،‬الإصلاح السياسي في المنطقة العربية‪ :‬ضرورة داخلية أم مطلب دولي”‪ ،‬مجلة‬
‫شؤون عربية‪ ،‬جامعة الدول العربية‪ ،2008( ،‬ص‪) 1‬‬

‫‪35‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫وبهذا الإطار‪ ،‬فإن هناك عناصر وخصوصيات كمية أو يسهل قياسها وأخرى هناك عناصر‬

‫نوعية‪ ،‬كما وينظر إلى عنصر المشاركة والتشارك من ناحية وعنصر تمكين وخصوصيات‬
‫القانون مع تفعيل المساءلة والشفافية بأنها أعمدة وأركان رئيسة لتجويد‬
‫كمية للحوكمة‬ ‫الحوكمة في الدول‪ ،‬وبأن تحقيق العدالة والمساواة والإنصاف هي عناصر‬

‫تحتاجهما الإدارات اليوم بأكثر مما مضى‪ ،‬وكل هذه العناصر بحاجة إلى يسهل قياسها‬
‫محرك يقود مركب الحوكمة الجيدة‪ ،‬فيأتي هنا عنصري الفعالية والكفاءة‪ ،‬وأخرى نوعية‬
‫وهما من العناصر النوعية التي تساهم بإحداث تفاعل ايجابي في إدارة شؤون‬

‫الدولة والمجتمع‪ ،‬ويعززان من فرص نجاح الحوكمة بمفهومها الشامل‪.‬‬

‫أولا ً ‪ :‬المـشاركـة‬

‫لم تعد تكفي مصطلحات الإصلاح والتجديد والتحديث‪ ،‬وما شابهها من‬
‫مصطلحات متقاربة تسعى الى التغيير والتطلع نحو الأحسن والأفضل[‪[[6‬‬

‫لمواجهة التحديات المختلفة التي تفرض نفسها على الدول المختلفة‪،‬‬
‫وبشكل خاص على الدول النامية‪ ،‬لا سيما في ظل حركات الإحتجاجات‬

‫المستمرة والحراك الإجتماعي المتنامي‪ ،‬التي تشهدها عدد من دول‬

‫العالم بخاصة الدول النامية‪.‬‬

‫وأصبح أمرا لا مفر منه أن ُيأخذ بتوجيهات مختلفة حول كيفية إدارة‬
‫حكوماتها‪ ،‬وهذا يستدعي في ظل البيئة العالمية الحديثة أن تأخذ الدول‬

‫نحو إدماج المواطن والمؤسسات المدنية في المجتمع والقطاع الخاص إدماج المواطن‬

‫في عملية صنع السياسات والقرارات‪ ،‬وتحمل المسؤليات بمنهجية والمؤسسات‬
‫تكامل الأدوار من أجل خلق التنمية الشمولية‪ ،‬وإدامتها كمطلب أساسي‬
‫المدنية مع‬ ‫لتحقيق الحوكمة الجيدة‪.‬‬

‫المجتمع‬

‫والقطاع الخاص‬

‫‪ 63‬عبد الجليل الميساري‪« ،‬قيم الإصلاح والتحديث‪ ،‬في فكر أحمد بن أبي الضياف من خلال كتابة الإتحاف»‪،‬‬
‫المغاربية للطباعة والنشر والإشهار‪ ،1999( ،‬ص ‪ .)30-25‬كما يجدر ذكر بعض التعاريف التي جاء بها هذا‬
‫المرجع‪ ،‬حيث يشير إلى أنه شاع في أدبيات الخطاب العربي الحديث استعمال مصطلحات اليقظة والنهضة‬
‫والفكر الإصلاحي والمنزع الإصلاحي‪ ،‬وبأن التجديد هو أقدم المصطلحات الحضارية وقد ظل مهيمناً على‬
‫الساحة الفكريّة العربية الإسلامية‪ ،‬أ ّما اليقظة فهي في اللغة انتباه بعد غفلة واستفاقة بعد ركود تتعطل‬
‫فيه المدارك وتنعدم فيه الحيوية والنشاط‪ ،‬أ ّما النهضة فهي جملة المنجزات الفكرية والمادية التي تم‬
‫تحقيقها عملياً على مستوى مناهج التفكير أو على مستوى التقنيات ووسائل العمل المستحدثة في‬
‫ميادين العلم ومناهج التعليم‪ .‬وعلى هذا المعنى فقد يكون الإصلاح مجرد ترميم يعود بالشيء المصلح‬
‫إلى وضع يماثل وضعه السابق وتصويب الأخطاء‪ ،‬وتحسين الواقع لجعله أقدر على الإستجابه لمتطلبات‬

‫اللحظة الراهنة وذلك هو التحديث‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪36‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫‪37‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫وتشير الدراسات والأبحاث والمقالات إلى أن تفعيل عنصر المشاركة‬
‫يَتأَتّى بوسائل وأساليب شتى متنوعة ومتداخلة‪ ،‬ونرى هنا إمكانية إبراز‬
‫الجوانب التي تهم خصوصية ومرحلة عمر الدولة‪ ،‬لا سيما بالنسبة لدور‬
‫الحكومة في تفعيل المشاركة من برامج حكومية منتقاة وبتفعيل عناصر‬

‫الإستجابة‪ ،‬والتوافق والإجماع‪ ،‬والمساواة والإندماج‪ ،‬والكفاءة والفعالية‪.‬‬

‫ ‪-‬دور الحكومة في تفعيل المشاركة (‪)Participation‬‬
‫والتشارك‪:‬‬

‫انطلاقا مما قدمه البحث حول الحوكمة الجيدة التي تتطلع إليها كافة‬

‫الدول‪ ،‬بما يعني تنازلها عن احتكار صناعة السياسات العامة والإنفراد‬
‫بالقرارات التي يتأثر بها المجتمع‪ ،‬فكان لزاماً عليها التوجه إلى عنوان‬

‫الحوكمة الديمقراطية المتعلقة بالمشاركة والتشارك مع كافة فئات الحوكمة‬

‫الديمقراطية‬ ‫المجتمع‪ ،‬بخواصه وبكل مكوناته المجتمعية والشعبية بما فيها من‬
‫أحزاب سياسية ونقابات واتحادات ومكونات المجتمع المدني‪.‬‬

‫وقد ارتأينا تناول هذا العنصر الذي يعتبر مدخلاً مناسباً لهذا المبحث‪،‬‬
‫وكأولوية للسير في طريق الحوكمة الجيدة‪ ،‬وباتجاهين الأول بتفعيل‬
‫المشاركة السياسية‪ ،‬والثاني بدور الحكومة في تفعيل المشاركة المجتمعية‬

‫والشعبية‪.‬‬

‫‪ -١‬تفعيل المشـاركة السياســية ‪:‬‬

‫كانت المشاركة السياسية حتى العصر الحديث مقتصرة في الغالب على‬
‫أثرياء القوم ووجهائهم من أصحاب المولد النبيل‪ ،‬أما الأغلبية الساحقة‬

‫فكانت بعيدة عن المشاركة‪ ،‬ومنذ مطلع عصر النهضة حتى القرن السابع‬

‫عشر بدأ الإتجاه نحو مزيد من المشاركة السياسية‪ ،‬حتى بلغ هذا الإتجاه‬
‫ذروته أثناء الثورة الصناعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر[‪.[[6‬‬

‫‪ 64‬سيد عليوة‪ ،‬منى محمود‪« ،‬مفهوم المشاركة السيـاسية»‪ ،‬مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق‬
‫المدنية‪ ،2008( ،‬ص ‪.)1-3‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪38‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫المشاركة‬ ‫وأصبحت المشاركة من العناصر الرئيسية للحوكمة الرشيدة‪ ،‬وسم ًة‬
‫من العناصر‬ ‫جوهرية من سمات العصر ووصفاته المحببة‪ ،‬وهي التي نعيشها‬
‫لحظ ًة بلحظ ًة من خلال ما قدمته التكنولوجيا وثورة الإتصال لصالح‬
‫الرئيسية‬ ‫هذا العنصر الجوهري للحوكمة الديمقراطية‪ ،‬ومن خلال ما أتاحته من‬
‫للحوكمة‬ ‫تجميع للشباب وكل الفئات العمرية بسرعة وفاعلية وبتكلفة محدودة‬
‫الرشيدة‬ ‫جداً‪ ،‬والذي ساهم مع عدد من العوامل الأخرى بتفجير بركان الثورات‪،‬‬
‫وزلزل الحرا كات الإجتماعية الغير مسبوقة في عدد من الدول العربية‪،‬‬
‫وما اسفرت عنه من نتائج احياناً مغايرة وحتى مضرة لمنظومة الحوكمة‬

‫وعلى كافة مستوياتها‪.‬‬

‫وتأتي المقاربة هنا بثورة الحاكمية – إذا جاز التعبير‪ -‬كنتيجة منطقية ثورة الحاكمية‬

‫لمواجهة كل ما أورده هذا البحث من تحديات‪ ،‬كما وتعتبر مسألة تفعيل‬
‫المشاركة بين الدولة والمجتمع في قلب ثورة الحوكمة الجيدة والفعالة‪.‬‬

‫وثورة المشاركة كركن أساسي للحوكمة الرشيدة كانت الهدف من وراء‬
‫إقامة العقد الإجتماعي الإفتراضي عبر التاريخ[‪ ،[[6‬ومن اجل إيجاد علاقة‬
‫موضوعية بين الحاكم والمحكوم‪ ،‬ورغبة في إقامة مجتمع منظم وفق‬

‫قواعد ثابتة‪ ،‬وصياغة منظمة لمفهوم الحق الطبيعي للبشر للتوصل‬
‫إلى مجتمع على أساس ثابت يقوم على العدل والإنصاف‪ ،‬والإبتعاد عن‬

‫الصراع الشرس الذي خاضه الإنسان مع بني جلدته ومع الطبيعة على‬

‫مر العصور‪.‬‬

‫إلا أن الإدارات في العالم‪ ،‬لا سيما في الدول النامية يبدو أنها بحاجة إلى‬
‫تفعيل بنود هذا العقد الإجتماعي الإفتراضي‪ ،‬ومن خلال تعميق عناصره‬
‫المتعلقة بالمشاركة والتشاركية بين الحاكم والمحكوم‪ ،‬وما بينهما من‬

‫مؤسسات إت َف َق عليها الطرفين‪.‬‬

‫‪ 65‬يتردد مصطلح العقد الإجتماعي على امتداد تاريخ أدبيات الفكر الإنساني منذ القدم وفي ع ّدة مجالات‬
‫مختلفة منه‪ ،‬ابتدا ًء من ظهوره في فلسفات (سقراط وأفلاطون ‪ 400‬ق‪.‬م)‪ ,‬ومن ث ّم دراسته وبلورته بشكل‬
‫«نظرية علمية» علي يد بعض علماء الإجتماع أمثال توماس هوبز ‪ ،1679-1588‬وجون لوك ‪ ،1704-1632‬وجان‬
‫جاك روسو ‪ ،1778-1712‬لتظهر في ما بعد ذلك انعكاساته كرمز مح ّرك لأحداث سياسية غيرت مجرى التاريخ‬

‫مثل الثورة الفرنسية ‪.1789‬‬

‫‪39‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫وأصبحت الحاجة ملحة لإعادة صياغة العقد الإجتماعي‪ ،‬ولكن بما الحاجة ملحة‬

‫يتفق مع مفاهيم العصر الجديد وما صاحبه من عولمة وثورة اتصالات لإعادة صياغة‬
‫ومعلومات‪ ،‬كما وأصبحت قضايا المشاركة قضية حوكمية بإمتياز‪ ،‬لا‬
‫العقد الإجتماعي‬ ‫سيما بعد أن أخلَّت الدولة بمفهومها التقليدي بالعديد من التزاماتها‪،‬‬

‫ففي الوقت الذي اتفقت عليه الجموع على إعطاء فئة صغيرة منتخبة بما يتفق مع‬

‫الحق في تنظيم وحماية المجتمع أصبحت هذه الفئة هي الفئة الظالمة مفاهيم العصر‬

‫والمن َتفعة من هذا التنازل الشعبي‪ ،‬والحق الممنوح لها‪ ،‬وبما يتناقض مع الجديد‬
‫كل عناصر المشاركة‪.‬‬

‫دور الحكومة في تفعيل المشاركة أصبح إجبارياً وليس مسألة اختيارية‬

‫أو انتقائية‪ ،‬فلا تستطيع أي حكومة عربية منعه‪ ،‬وإذا فعلت فستواجه‬

‫بإعتراضات من الداخل وانتقادات لاذعة من الخارج‪ .‬ونقتبس هنا مقولة‬
‫لعالم الكيمياء المصري احمد زويل[‪ [[6‬الحاصل على شهادة نوبل في‬

‫الكيمياء بأن «السلطات العربية لا تستطيع أن تمارس سياسات الإغلاق‬
‫في ظل سموات مفتوحة»‪ ،‬والتي تذكرنا كذلك بجدلية السيد والعبد‬

‫لميكافيلي وهيغل وماركس وكذلك بالمقولة الشهيرة لأمير المؤمنين‬
‫عمر بن الخطاب “ متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ”‪.‬‬

‫وقد فرضت وسائل الإتصال الحديث وخاصة «الإنترنت» ومواقع التواصل فرضت وسائل‬

‫الإجتماعي نفسها وبقوة‪ ،‬سوا ًء استخدمت بعقلانية أو ضمن إطار سياسة الإتصال‬
‫السموات المفتوحة بين ما كنا نعتقد أنهم شباب الإنترنت و«الشات‪ -‬الحديث وخاصة‬

‫الدردشة»‪ ،‬تلك الفئة الضالة أو الجاهلة أمام طبقة النخبة والعقلاء‪ ،‬أو «الإنترنت»‬
‫تم إستغلالها أو تجييرها من تجمعات غير عفوية ومنظمة وتنفذ من ومواقع التواصل‬

‫خلال أدوات وأيدولوجيات ومبررات تتناسب مع نواقص المجتمعات الإجتماعي‬
‫وإحتياجاتها‪ ،‬وفي الظاهر ما هي إلا َّ تجمعات تهدف إلى خدمة أهدافها نفسها وبقوة‬

‫ومصالحها على حساب المجتمع بعامته‪.‬‬

‫وضمن هذا السياق‪ ،‬وعلى اختلاف مسميات المشاركة فهناك العديد‬
‫من الآليات التي يمكن للإدارة الحكومية اتخاذها للتغيير باتجاه المشاركة‬
‫الفاعلة والبناءة وعلى كافة ال ُصعد والمستويات الإدارية والسياسية‬

‫‪ 66‬أحمد حسن زويل ويلقب بكبير العلماء العرب‪ ،‬هو كيميائي مصري ‪ -‬أمريكي حاصل على جائزة نوبل‬
‫في الكيمياء لسنة ‪.1999‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪40‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫والإجتماعية والتنموي‪ ،‬فهناك من يطلق عليها المشاركة الجماهيرية‪،‬‬
‫وهناك من يسميها المشاركة الشعبية‪ ،‬أو المشاركة العامة‪.‬‬

‫وبالرغم من اختلاف هذه المسميات إلا أنها تدور كلها حول معنى واحد آلا‬

‫وهو مساهمة كل فرد من أفراد المجتمع في كل الأعمال وفى كل المستويات‪،‬‬

‫وفى مختلف مجالات الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية وغيرها‪،‬‬

‫أي المشاركة المباشرة للجماهير في شؤون المجتمع‪ ،‬وليس عن طريق المشاركة‬

‫المشاركة النيابية كممثلي الشعب أو المجالس المنتخبة والتي تعتبر المباشرة‬

‫للجماهير في‬ ‫مشاركة غير مباشرة‪.‬‬

‫شؤون المجتمع‬

‫لقد حاولنا من خلال الأفكار والأراء الواردة التأكيد على دور الحكومة‬
‫في تفعيل المشاركة انطلاقاً بما تملكه من سلطة ومن أجهزة رسمية‬
‫وأدوات‪ ،‬وبداي ًة على صعيد الإدارة الحكومية نفسها وبين الشركاء‬
‫الحكوميين أنفسهم‪ ،‬حيث تتميز الدول النامية بحالة من التنافر وأحيانا‬
‫التآمر بين شركاء الحكم‪ ،‬جراء غياب فصل وتعاون مقنع بين السلطات‪،‬‬
‫ووجود استراتيجيات عليا أو مجلس سياسات أعلى يتحدث بصوت واحد‬
‫أمام الحاكم‪ ،‬بدلا ً مما يتيحه المجال الأن لكل شريك حكومي بال َت ْغييب‬
‫المقصود للآخر‪ ،‬والتدخل بإختصاصاته‪ ،‬وأحياناً التآمر والإنتقاص من‬
‫انجازاته والكيل له بالإتهامات‪ .‬كل ذلك يخلق حالة من الإرباك لدى أعلى‬
‫سلطة في البلاد‪ ،‬ويدفع بها أحياناً إلى قرارات متسرعة وانفعالية وحتى‬

‫بارتكاب أخطاء ومن الممكن أن تكون فادحة أو قاتلة‪.‬‬

‫وهناك العديد من نماذج الحوكمة الجيدة للمشاركة‪ ،‬وتلامس كل جوانب‬
‫الإدارة العامة‪ ،‬نذكر منها ما يتعلق بالمشاركة السياسية التي تطرحها‬
‫ظروف كل بلد وتختص بها جهات حكومية مثل وزارات التخطيط؛‬
‫وجهات دولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (‪ )UNDP‬الذي يصدر‬
‫تقارير الدول (‪ )country report‬من خلال مجموعة كبيرة من الخبراء‬
‫والمختصين في كل مفاصل الإدارة العامة الجيدة‪ ،‬بما فيها استقدام برامج‬
‫حكومية متطورة‪ ،‬وإصلاح أنظمة الخدمة المدنية‪ ،‬وإدارة النفقات العامة‬
‫بشفافية ومسائلة‪ ،‬وإعادة الإعمار‪ ،‬وتشجيع الإبداع‪ ،‬وزيادة ميزانيات‬
‫البحث العلمي‪ ،‬والتفاعل الإيجابي مع الإعلام‪ ،‬والفصل والتعاون بين‬

‫السلطات‪ ،‬وتطبيق اللامركزية بما يخدم المشاركة‪.‬‬

‫‪41‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫‪ -٢‬دور الحكـومة في تفعـيل المشـاركة مع المجتمـع ‪:‬‬

‫سيظل العقد الماضي عالقاً في الذا كرة‪ ،‬في مختلف أرجاء المغرب العربي‬
‫والمنطقة العربية بل وفي كل العالم‪ ،‬كبداية لمرحلة من التأقلمات الصعبة‬
‫مع عدد من الحقائق الجديدة والمؤثرة في إعادة صياغة دور الدولة في‬

‫صناعة القرار السياسي والإقتصادي[‪.[[6‬‬

‫دور الدولة‬ ‫ففي كل بلدان المنطقة العربية‪ ،‬غ َدت الدولة بالألية المؤسساتية‬
‫ال ُمع َر َفة بها تهدف إلى الحصول على الموارد وتوزيعها‪ ،‬والمحافظة على‬
‫الطاغي جعل‬ ‫القانون والنظام‪ ،‬لكن هذا الحضور لم يكن يتساوى دائماً مع القدرة‬
‫منها محوراً‬ ‫والإمكانات‪ ،‬حيث اضطر ممثلو الدول إلى التوصل إلى نتيجة وهي أن‬
‫الدولة لم ت ُعد تستطيع بعد الأن أن تلعب دور المسيطر على كل الأمور‪،‬‬
‫للتناقضات‬ ‫بل يجب أن تتفاعل بإنفتاح مع كل الإتجاهات الموازية في المجتمع‪ ،‬ومع‬
‫الواقع المتمثل في أن دور الدولة الطاغي جعل منها محوراً للتناقضات‬
‫أ كثر منها‬ ‫أ كثر منها وسيطاً بين هذه التناقضات[‪ ،[[6‬ومن هذه المقتطفات الذي‬
‫وسيطاً‬ ‫صدرت طبعته الأولى عام ‪ 1987‬فيبدو أن الوضع لم يتغير كثيراً في العلاقة‬

‫بين هذه‬ ‫التشاركية الواجبة بين الدولة والمجتمع في الإقطار العربية‪.‬‬

‫التناقضات‬ ‫وفي العديد من الدول العربية‪ ،‬تعلن الخطابات الرسمية في كل المناسبات‬
‫بأن مسألة تفعيل دور القطاع الخاص يعد من أهم أولويات التنمية في‬
‫ظل تبني سياسة الإنفتاح الإقتصادي والإندماج في الإقتصاد العالمي‪،‬‬
‫وبأنه لا يمكن الإرتقاء بالإقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة دون بناء‬
‫شرا كة حقيقة بين القطاعين العام والخاص يكون بموجبها القطاع‬
‫الخاص هو المحرك والموجه الرئيسي للنشاطات الإقتصادية‪ ،‬وبناء‬
‫استراتيجيات وسياسات الإصلاح الإقتصادي بمختلف جوانبه الإقتصادية‬

‫والمالية والتشريعية والقضائية والتعليمية وغيرها‪.‬‬

‫كما وتتحدث المؤسسات الإقتصادية الرسمية العربية عن توسيع دور‬
‫القطاع الخاص من خلال إطار تشريعي مشجع لهذا القطاع‪ ،‬وعن منحه‬

‫‪ 67‬الهرماسي (محمد عبد الباقي)‪ ،‬المجتمع والدولة في المغرب العربي‪ ،‬نشر مركز الدراسات الوحدة‬
‫العربية‪ ،‬بيروت) ‪،1992‬ص ‪.) 139‬‬

‫‪ 68‬الهرماسي (محمد عبد الباقي)‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 141-139‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪42‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫المزيد من الحوافز لتهيأة المناخ لنموه وازدهاره‪ ،‬وبأن الحكومات تبنت برنامج الخصخصة‬

‫والتي من خلالها حل القطاع الخاص محل العديد من المشاريع التي كانت تملكها‬

‫الحكومة أو التي كانت تساهم فيها بشكل كبير حيث نتج عن ذلك أن أصبح القطاع‬
‫الخاص هو المستثمر الرئيسي والمساهم الأكبر في الناتج المحلي الإجمالي‪ ،‬والمستوعب‬

‫الأكبر للعمالة‪ .‬ويساهم القطاع الخاص من خلال ممثليه (غرف الصناعة والتجارة‪،‬‬
‫الجمعيات واتحادات رجال الأعمال والمصدرين والمستوردين والنقابات المهنية) في‬

‫صياغة التشريعات والقوانين الجديدة ورسم السياسات الإقتصادية المختلفة‪.‬‬

‫ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي سفن الحكومة وخطاباتها‪ ،‬وكذلك أطروحات القطاع‬
‫الخاص المبالغ فيها‪ ،‬والتي لا تخدم فئة المشاريع المتوسطة وصغيرة الحجم محرك‬

‫التنمية بقدر ما تخدم النخب‪.‬‬

‫وقد أثبتت لغة الأرقام عن تفاقم المديونية والبطالة ومستويات الفساد وغياب المساءلة‪،‬‬

‫أطلقتها‬ ‫وممعمظا امفالشحلكو ُجمالتالالسعيرابيساةتخلاالإلق اتلعصاقددي اة‪،‬لمونبأصنرمحلزممةتأاتلإي أُصلكالهحاا‪ ،‬كت املاإقولتمصتاردتيقة ايلتإليى‬
‫مفاهيم‬

‫الحوكمة الجيدة والمشاركة الديمقراطية بين فئات المجتمع والمتأثرين من القطاع‬
‫الخاص ومؤسسات المجتمع المدني‪ ،‬وكانت ِحكراً على نخبة فرضت نفسها على الإدارة‬
‫الرسمية لتحقيق مصالح اقتصادية تخدم هذه النخبة أولا ً وأخيراً‪.‬‬

‫وبأن الأشخاص الذين ينفذون سياسات الإصلاح باتوا غير مؤثرين أو مقنعين لدى‬
‫الشريحة الأوسع في المجتمع‪ ،‬والذي ينظر إليهم على أنهم مختصون فقط في اتخاذ‬

‫القرارات القاسية المتعلق معظمها بزيادة الأسعار وتحقيق أجندات خاصة‪ ،‬وبأن عملية‬
‫الإصلاح افتقدت إلى الإجماع أو المشاركة الحقيقة من مؤسسات الدولة خاصة الدستورية‬
‫منها[‪ .[[6‬كما وأن العقبة الرئيسية التي ساهمت في فشل الحفاظ على زخم الإصلاح هي‬
‫فقدان ُجل الحكومات العربية ومؤسساتها إلى آلية واضحة لتقييم تلك البرامج التنموية‪،‬‬
‫وتعزيز مبدأ المساءلة في حال الإخفاق‪ ،‬لذا باتت هذه البرامج كمن يفعل ما يريد من دون‬

‫حسيب أو رقيب‪ ،‬مما أضعف مصداقية تلك البرامج لدى الشارع العام‪ ،‬ومن السياسات‬
‫العامة المرتبطة برؤية الدولة للمشاركة‪ ،‬ننتقل تالياً بأكثر تخصيصاً فيما يتعلق بداي ًة‬

‫بتفعيل المشاركة مع القطاع الخاص‪.‬‬

‫‪ 69‬سلامة الدرعاوي‪ ،‬نفس المقال « الأردن في التقارير الدولية‪ ..‬خطوة للأمام وخطوتان للوراء»‪ ،‬تاريخ ‪٢٠١٠/٨/١٨‬‬

‫‪43‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫‪ -٣‬آليات لتفعيل دور الحكومة مع القطاع الخاص‪:‬‬

‫من اجل أن يكون للسياسات الإقتصادية جدوى وقدرة على الإقناع لا بد من مراعاة‬
‫مسألة المشاركة‪ ،‬كما أن القرار الإقتصادي العربي يواجه عاد ًة بإشكالية تعدد المؤسسات‬
‫الإقتصادية والإستثمارية‪ ،‬وعدم وجود مؤسسة عليا تجمعهم وتوحدهم مما يجعل من‬
‫هذه المؤسسات متنافرة ومتخاصمة في سياساتها وأرقامها‪ ،‬وبما ينعكس بالنتيجة على‬

‫حياة ومعيشة وتطلعات المواطنين‪.‬‬

‫كما يثير اهتمام الحكومات العربية المفرط بالإستثمار الأجنبي بعض التساؤلات‪ ،‬والذي‬
‫يأتي أحياناً على حساب الإهتمام بالمستثمر المحلي‪ ،‬ويفسر ذلك البعض كون الإستثمار‬
‫الخارجي لا يوا َجه بنفس آليات محاسبة المستثمرين المحليين‪ ،‬بما يعني فرصة أ كبر‬

‫لاستشراء الفساد والرشوة‪.‬‬

‫يضاف إلى ذلك معضلة الخصخصة‪ ،‬والتي أنتهجتها عدد من الدول العربية‪ ،‬وبشكل‬
‫مختلف ومتقطع أحياناً‪ .‬ويرى بعض المختصين في مجال بيع ممتلكات الحكومة للقطاع‬
‫الخاص بأن الخصخصة مستحيلة وفقاً للظروف الحالية لأغلب الدول العربية‪ ،‬وذلك‬
‫بسبب تفشي الفساد‪ ،‬وبسب تطور جوهري تمثل بالإنتقال من نظام الإقطاع الإقتصادي‬
‫الذي ُرفض في ظل نظام الإقتصاد الحر‪ ،‬إلى أسلوب جديد من بيع ممتلكات الدولة لمصالح‬
‫حفنة من أصحاب الثروات الجدد المرتبطين شخصياً بمرا كز اتخاذ القرار‪ ،‬وبما يكفل لهم‬
‫فرض جملة من الشروط النوعية التي تحدث فجوة هائلة بين العرض والطلب أو تحقق‬
‫عملية إذعان وخلال فترة زمنية معينة بما يكفل لهم الحصول على أرباح احتكارية خيالية‪،‬‬
‫هذا مع الإشارة لغياب المصلحة الحقيقية لهؤلاء في التطور والإرتقاء بمستوى الأداء‬
‫الإقتصادي ومستوى الكفاءة الإنتاجية وجودة السلعة أو الخدمة وذلك لغياب المنافسة‬

‫الحقيقية[‪.[[7‬‬

‫كما ويلاحظ عدم وجود تركيز وإيلاء أهمية كافية من قبل بعض الحكومات العربية في‬
‫دعم وتمويل المشاريع المتوسطة وصغيرة الحجم والتي تشكل عمود الإقتصادات‬
‫الوطنية‪ ،‬في حين تحظى المشاريع الكبرى بعناية فائقة من الإدارة العربية وتتشكل لديها‬
‫وزارات وهيئات متخصصة دون فهم مجتمعي لما تقوم به هذه الوزارات والهيئات وكيفية‬

‫مسائلتها ومراقبة أعمالها أو أسباب الغائها متى رغبت الحكومة‪.‬‬

‫‪ 70‬المصدر‪ :‬الموسوعة العالمية الأمريكية‪ ،‬ويكيبيديا‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪44‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫هناك أهمية‬ ‫بمعنى أخر‪ ،‬فأن الحكومات العربية تنأى ‪ -‬في الغالب ‪ -‬بنفسها عن صغار‬
‫كبيرة لدعم‬ ‫التجار والصناعيين‪ ،‬وتفضل التعاطي والتحاور والإستماع إلى كبار التجار‬
‫المشروعات‬ ‫والإقتصاديين‪ ،‬في حين يرى الإقتصاديين‪ ،‬وفي شتى فروع علم الإقتصاد‪،‬‬
‫الصغيرة‬ ‫بأن هناك أهمية كبيرة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم[‪،[[7‬‬
‫والمتوسطة‬
‫وبأن تطوير المشاريع الصغيرة وتشجيع إقامتها وكذلك المشاريع‬
‫الحجم‬ ‫المتوسطة يعد من أهم روافد عملية التنمية الإقتصادية والإجتماعية في‬
‫الدول بشكل عام‪ ،‬والدول النامية بشكل خاص‪ ،‬وذلك باعتبارها منطلقاً‬
‫أساسياً لزيادة الطاقة الإنتاجية من ناحية‪ ،‬والمساهمة في معالجة مشكلتي‬

‫الفقر والبطالة من ناحية أخرى‪ .‬ولذلك أولت دول كثيرة هذه المشاريع‬
‫اهتماماً متزايداً‪ ،‬وقدمت لها العون والمساعدة بمختلف السبل ووفقاً‬
‫للإمكانيات المتاحة‪ ،‬وخاصة في الدول الغربية والدول المتقدمة صناعياً‪.‬‬

‫وتعتبر مسألة العمالة الأجنبية في العديد من الدول العربية من المسائل تعتبر مسألة‬

‫الشائكة في دور الحكومات في تفعيل المشاركة مع القطاع الخاص‪ ،‬العمالة الأجنبية‬
‫والتي يمكن أن تعزى إلى عدم توافر الإرادة الإقتصادية الحكومية الكافية‬
‫في العديد من‬ ‫والفاعلة والقادرة لتغيير خارطة العمالة الأجنبية لصالح العمالة المحلية‪،‬‬

‫أو لإنكفاء المواطنيين المحليين عن العديد من الأعمال والقطاعات الدول العربية‬

‫من المسائل‬ ‫وخاصة الإنشائية واليدوية والخدمات العامة‪.‬‬

‫الشائكة‬

‫كما ويأتي موضوع التشغيل والتدريب المهني من الحلول الهامة لهذه‬
‫المعضلة‪ ،‬ومن أجل إحلال عمالة محلية بدلا ً من الآلاف من العمالة‬
‫العربية والأجنبية‪ ،‬والتي تستنزف إحتياطات العملة الصعبة‪ ،‬وتزيد من‬
‫البطالة‪ ،‬والإحتقان المجتمعي‪ ،‬والتي نرى أن فقدان الحكومة لإرادة‬
‫المشاركة مع نقابات العمل والشغل والنقابات المهنية المعنية‪ ،‬هو ما‬
‫يعيق َجم ْع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني‬
‫للخروج بسياسات وقوانين تحد من العمالة الأجنبية و ُتشغل و ُتدرب‬

‫العمالة المحلية‪.‬‬

‫وتب ّرر أحياناًالحكومات العربية إجراءاتها بحجة إحجام المواطنيين المحليين‬
‫عن القيام بالأعمال المهنية البسيطة أو جراء تحديات إجتماعية متصلة‬
‫بثقافة العيب‪ ،‬إلا ّ أن إتجاهاً معاكساً يرى أن تشابك الفساد والمصالح‬

‫‪ 71‬ماهر حسن المحروق وأيهاب مقابله ‪« :‬المشروعات الصغيرة والمتوسطة ‪ ،‬أهميتها ومعوقاتها»‪،‬‬
‫(أيار ‪ ،2006‬ص ‪)4-6‬‬

‫‪45‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫الحكومية مع فئات منتفعة من جلب العمالة الأجنبية‪ ،‬إضافة إلى عوامل جانبية معيقة‬
‫أهمها سلبيات البيروقراطية‪ ،‬كلها تشكل عوائق كبيرة أمام دور حكومي لتفعيل المشاركة‬

‫بين الدولة والمجتمع لهذه المسائل الإقتصادية الوطنية الملحة‪.‬‬

‫وبالنسبة للهيئات الإعلامية الخاصة والعامة كأحد مكونات المجتمع بل وسلطته رابعة‪،‬‬

‫ُيذكر بأن السياسة الإعلامية للمحطات التلفزيونية العربية الخاصة متقدمة على نظيراتها‬
‫الحكومية‪ ،‬وتحاول أن تشرح الحقيقة الغائبة التي يحجبها الإعلام الرسمي‪ ،‬إلا أن العامل‬
‫المشترك في كل المحطات العامة والخاصة هو أولا ً وجود خطوط حمراء ممنوع تتجاوزها‪،‬‬
‫وهي المتعلقة بإنتقاد النظام وبما يسمى إغتيال الشخصيات العامة‪ ،‬والعامل الثاني هو‬
‫تغلغل الأمن في الإعلام بصورة تدفعه إلى التركيز على حالة إحتفالية لا تتوقف‪ ،‬وتصفيق‬

‫مستمر لمؤسسة الحكم‪ ،‬والإشادة بانجازات الحكومة‪ ،‬وكلها لا نعتقد هنا بأن الإدارة أو‬

‫حتى النظام بحاجة لها وخاصة إذا كانت على حساب الحقيقة والصالح العام‪.‬‬

‫وبعد التع ّرض إلى دور الحكومة في تفعيل المشاركة مع القطاع الخاص‪ ،‬يأتي دورها في‬
‫تفعيل المشاركة مع الشق الثاني من المجتمع المتصل بمؤسسات المجتمع المدني‪.‬‬

‫‪ -٤‬دور الحكومة في تفعيل المشاركة مع مؤسسات المجتمع المدني‪:‬‬

‫تعتبر مسألة تفعيل المشاركة مع هيئات المجتمع المدني وفعالياته أحد الكوابيس‬
‫المزعجة للحكومات العربية‪ ،‬لا سيما في الفترات التي تنشط فيها النقابات المهنية كأحد‬
‫المنابر الهامة للتعبير الشعبي والمشاركة المجتمعية‪ ،‬وهي المسائل التي ُتؤرِق مؤسسات‬
‫الحكم العربية وتحاربها بشتى السبل والوسائل‪ ،‬وتحاول دائماً تزكية الشخصيات الموالية‬
‫أو المهادنة لها ولسياساتها لرئاسة هذه النقابات والإتحادات لإدرا كها مدى خطورتها‬
‫وتأثيرها على المجتمع‪ .‬ولتحقيق ذلك كانت الإدارات العربية تفعل أي شيء‪ ،‬وتَن َش ْط‬
‫في العمل الأمني والإستخباري بين صفوف النقابيين والناشطين المنخرطين بهيئات‬

‫المجتمع المدني وخاصة النقابية والسياسية والحقوقية منها‪.‬‬

‫وبالرغم عن كل ما سبق‪ ،‬فقد تنبهت الحكومات العربية في السنوات الأخيرة لمدى أهمية وتأثير‬
‫مؤسسات المجتمع المدني في التعبير عن مطالب واحتياجات ورغبات المجتمع‪ ،‬وما يتطلبه‬
‫ذلك من تفعيل أدوات وسبل المشاركة مع هذه المؤسسات وإتاحة المجال لها للمشاركة في‬
‫صناعة السياسات العامة‪ ،‬وبالتالي لتحقيق التوازن بين مستويات الحوكمة لتكون ديمقراطية‬

‫ورشيدة‪.‬‬

‫كما وهناك أهمية لمتابعة التقارير العالمية المختصة بحقوق الإنسان والمشاركة مع‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪46‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫المجتمع‪ ،‬فيشار إلى تقرير منظمة[‪ [[7‬حقوق الإنسان السنوي لعام ‪2010‬‬
‫الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية[‪ [[7‬والذي وجه إنتقادات لاذعة لعدد‬
‫من الدول العربية التي ارتكبت انتهاكات حقوق الإنسان في عام ‪،2010‬‬
‫كما وتطالب عدد من المنظمات الحقوقية إلغاء عقوبة الإعدام وتتهم‬
‫السلطات الأمنية بممارسة التعذيب‪ ،‬ويطالب العديد منها بإطلاق سجناء‬
‫الرأي‪ .‬فضلا ً عن ما يشاهده العالم بأسره وترصدة منظمات الإنسان بكافة‬
‫صنوفها من ممارسات فظيعة ترتكبها بعض الأنظمة العربية والمعارضات‬
‫السياسية والعسكرية لها‪ ،‬كلاهما إزاء شعوبهما‪ ،‬وما تعيشة من حالة صراع‬
‫أهلي وأقليمي وعالمي ولحينه في الصراع الدامي في الدولة السورية‪ ،‬وأيضاً‬
‫في الأزمة اليمنية‪ ،‬والصعوبات التي تواجهها دول تباعاً مثل ليبيا ومصر‬

‫وتونس‪ ،‬وآخرها الأزمة مع دولة قطر‪.‬‬

‫ومهما تقارب أو تباعد ِسجل الدول العربية من أساسيات حقوق الإنسان‪،‬‬
‫مقارنة بدول أخرى‪ ،‬إلا أن ذلك يتطلب منها الإستماع بشكل دائم إلى أي‬
‫ممارسات خاطئة بحق المجتمع المدني ومنتسبيه‪ ،‬والمتابعة الدقيقة لأي‬

‫انتقادات توجه من التقارير الدولية أو الحقوقية أو حتى النشطاء ضد‬

‫الدولة أو أجهزتها الرسمية‪.‬‬

‫وهناك مسألة مرتبطة بعدم وضوح صورة منظمات المجتمع المدني‪ ،‬الصورة الذهنية‬

‫والصورة الذهنية المرتبطة بأنها تسعى لتحقيق أغراض سياسية والحصول المرتبطة‬

‫على تمويل لذلك عبر برامجها المتصلة بها‪ ،‬وما يعنيه ذلك من غياب لدورها بمنظمات‬
‫في شرح برامجها وتعزيز التوعية الشعبية‪ ،‬ناهيك عن سطوة الحكومة على المجتمع المدني‬

‫مفاصل الإعلام مما يضعف من فرص مشاركتها في بث الوعي العام حول بأنها تسعى‬
‫المشاكل التي تعتري المجتمع‪ ،‬ويضعف بالتالي من عنصر مشاركتها لتحقيق أغراض‬

‫بما يتفق مع الحوكمة الديمقراطية‪ .‬ويشار كذلك أن الحكومة شبه غائبة سياسية‬

‫أو ربما متخوفة من بث فكر التطوع (‪ )Volunteer‬للخدمة العامة بين‬

‫المواطنين والمؤسسات الأهلية التي تضطلع بها‪ ،‬وهو الأمر المنتشر في الحكومة شبه‬
‫الدول المتقدمة‪ ،‬ويعتبر من أهم علامات المواطنة الصالحة والشرا كة بين غائبة في بث‬

‫فكر التطوع‬

‫للخدمة العامة‬ ‫‪ 72‬لمزيد من الإطلاع رجاء النظر إلى صفحة منظمة مراقبة حقوق الإنسان (‪Human Right Watch) http://‬‬
‫‪www.hrw.org/ar/home‬‬

‫‪ 73‬لمزيد من الإطلاع رجاء النظر إلى صفحة وزارة الخارجية الإمريكية‪ /‬تقارير الدول بخصوص حقوق الإنسان‬

‫‪http://www.state.gov/g/drl/rls/hrrpt/2010،/nea/index.htm Emilia T. Boncodin, «People Participa-‬‬

‫‪tion in the Budget Legislation Process-Participatory Planning and Budgeting at the Sub-national‬‬
‫‪.)160-155 .P ,2005( ,Level», Editor: United 73 Nation-Department of Economic & Social Affaires, New York‬‬

‫‪47‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫الدولة والمواطن لتحقيق المصلحة العامة‪ ،‬ويف ّعل الحوكمة الجيدة في‬
‫مجال المشاركة بين الدولة والمجتمع بكافة فئاته‪.‬‬

‫وبالنسبة للبحث العلمي‪ ،‬فإن مرا كز البحوث العلمية هي محور استقطاب ضعف في‬
‫العلماء‪ ،‬ومكاناً يلبي فيه طموحه العلمي والثقافي‪ ،‬وقد يؤمن له موقعاً دعم البحث‬
‫للإبداع والتطور‪ ،‬بينما يجد في وطنه غياب كل ذلك‪ ،‬بل الأكثر من ذلك‬
‫العلمي‬ ‫غياب التخطيط السليم‪ ،‬واعتبار البحوث العلمية ترفاً لا حاجة له‪ ،‬وحتى‬
‫والعلماء‬ ‫إذا استطاع العالِم أن يجد له مكاناً في البحوث العلمية أو الجامعات في‬

‫الوطن العربي‪ ،‬فأنه يلقى الكثير من التنافس والمعوقات التي تجعل منه‬
‫شخصاً هامشياً‪ ،‬وإذا لم يصادف العالِم مثل هذه الصعوبات وهذا نادر‪،‬‬

‫فإنه لا يجد الإطار العلمي والفني أو التجهيزات والمخابر‪.‬‬

‫كما أن العالِم في الوقت الحاضر يمضي ُج َل وقته لملاحقة متطلبات‬
‫الحياة اليومية‪ ،‬وبالتالي فإن إنتاجيته ومردوده العلمي يكون ضعيفاً‬
‫ومتواضعاً‪، .‬هذا يمكن أن يعزى إلى عدم التفات الحكومة الكافي للبحث‬
‫العلمي‪ ،‬و ُتفضل شراء التكنولوجيا والصناعة الجاهزة جراء ضعف التقنية‬
‫الصناعية والبنيان الصناعي عموماً‪ ،‬إضافة إلى ما تضمنه البحث بالنسبة‬
‫إلى الضغوط الإقتصادية الخارجية التي تمارس على الدول النامية‬

‫لتبقى مستهلكة وتابعة ومعتمده على الخارج‪.‬‬

‫أصبحت‬ ‫وتشير الأرقام الحكومية بان نسبة البحث العلمي في ميزانية الدول‬
‫الميزانية‬ ‫العربية لا تزيد عن ‪ ،%٣-٢‬والمفارقة في ذلك تتعلق بالميزانية العسكرية‬
‫العسكرية‬ ‫والتي تشكل نسبة عالية لا يمكن اعتماد ما ينشر عنها نظراً لان الميزانية‬
‫معضلة‬ ‫العسكرية ينضوي فيها كل المصروفات التي لا ترغب الدولة بإطلاع‬
‫حوكمية‬ ‫الشعب وجهاته الرقابة عليها‪ .‬كما وأصبحت الميزانية العسكرية معضلة‬
‫حوكمية تستطيع المؤسسات الدولية فهم تركيبة الدولة من خلالها‪،‬‬
‫وخاصة لكونها تأتي على حساب ميزانيات التنمية الوطنية‪ ،‬وتصب في‬

‫مصلحة النظام على حساب معيشة المواطن وتطلعاته‪.‬‬

‫وبهذا الصدد‪ ،‬فتطالب هيئات وبرامج الأمم المتحدة المتصلة بقضايا‬
‫الحوكمة التشاركية بأن يكون للمواطنيين وهيئات المجتمع المدني‬
‫والهيئات المحلية والبلدية دور فاعل في توزيع المخصصات المالية‬
‫وإعداد الميزانيات والرقابة عليها‪ ،‬ومن خلال منظومة لا مركزية في الإدارة‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪48‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫تراعي في النهاية الإحتياحات الحيوية للمواطنيين‪.‬‬

‫وهناك برامج هامة ومتعددة في مجال تعزيز دور الحكومة في المشاركة والتي يمكن‬
‫للإدارات الحكومية العربية الإستفادة منها‪ ،‬لا سيما أن عدد من الدول النامية قد أخذت‬
‫بها أيضاً‪ ،‬وقد تم تصميم هذه الأليات من قبل معهد التنمية الإقتصادية في البنك الدولي‪.‬‬

‫وبعد التعرض إلى ما سبق من أفكار مرتبطة بتفعيل المشاركة مع المجتمع المؤلف من‬
‫القطاع خاص وهيئات المجتمع المدني‪ ،‬ننتقل إلى دراسة عناصر حوكمية أخرى لها تأثير‬
‫حيوي ومباشر على تفعيل المشاركة بين طرفي الحوكمة ومرتبطة بتسلسله المنهجي‪،‬‬
‫حيث سنتناول في المبحث التالي المشاركة من خلال تفعيل عنصري المساواة‬

‫والإنصاف وعنصر الإستجابة‪.‬‬

‫ثانياً ‪ :‬عناصر المساواة والإنصاف وعنصر الإستجابة‪:‬‬

‫كان المطلب الأول للشعوب المستع َمرة طيلة مرحلة الأربعينات والخمسينات وأوائل‬
‫الستينات يتمثل في أن يكون الحاكم من أهل نفس البلد‪ ،‬لكن المفارقة التي حصلت‬
‫في العديد من هذه الدول أنه بمجرد أن طال زمن الدولة تح ّول جهاز الحكم إلى نوع من‬
‫التملك ّية الفردية والإستفرادية و«الزبونية»‪ ،‬أو بمعنى أنه بدل أن تستجيب هذه الدول‬
‫لتطلعات المجتمع ورغباته‪ ،‬و ُتوسع المشاركة‪ ،‬وتعمقها تدريجياً‪ ،‬تراجعت بإتجاه الزبونية‬
‫أي مجموعة المصالح والعلاقات باتجاه الإستفراد بالسلطة‪ ،‬وسوء توزيع الثروة وعملية‬

‫صناعة القرار [‪.[[7‬‬

‫ولقد تسارعت الأحداث في عالمنا العربي حتى وصلت إلى مرحلة ملفتة من اللفظ والرفض‬
‫إلى الإقصاء والإستغلال‪ ،‬حيث طالت الإحتجاجات العديد من الدول العربية وتبعها نزاعات‬
‫مسلحة في عدد من الدول‪ ،‬ومما يتطلب صراحة ومكاشفة‪ ،‬ومساءلة‪ ،‬واستجابة‪ ،‬وتمكين‬
‫للقانون‪ ،‬ومشاركة متكافئة للمرأة والأقليات‪ ،‬ومساواة وعدالة‪ ،‬وكفاءة وفعالية‪ ،‬ورؤية‬

‫إستراتيجية‪.‬‬

‫‪ 74‬المنصف وناس‪« ،‬الدولة والتحديث والمجتمع المدني‪ -‬نحن والمتغيرات العالمية»‪ ،‬اصدارات منتدى الجاحظ ‪ ،‬تونس‪ ،2008( ،‬ص ‪.)17‬‬

‫‪49‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫أي كما ذكرنا في مناسبات سابقة‪ ،‬ثورة حوكمية تعمل على تفكيك البنية‬
‫الإدارية للدولة ومن ثم إعادة بنائها على أسس الحوكمة الرشيدة والفعالة‪،‬‬

‫وبحيث تكون فيها الدولة خادماً للمجتمع‪ ،‬ويشترك المجتمع بمسؤولية‬

‫مطلقة في صياغة السياسات العامة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يتحمل هذه المبحث عبء‬
‫تناول عدد من عناصر الحوكمة الرشيدة حسب ما تمكّن البحث من تقسيمه لتجاوز‬
‫الصعوبات المنهجية والشكلية‪ ،‬حيث سنتناول تالياً مسألة الإنصاف والمساواة‪ ،‬ثم‬

‫عنصر الإستجابة‪.‬‬

‫‪ -١‬المسـاواة والإنصـاف (‪: )Equity and Equality‬‬

‫ثنائية المساواة والإنصاف قديمةٌ جداً‪ ،‬فمنذ القدم فرضت فكرة المساواة‬
‫نفسها على القانون‪ ،‬وخاصة في سير الحياة اليومية في الحضارة الهيلينية‬

‫(الإغريقية) القديمة‪ .‬كما وتواجدت فكرة الإنصاف عند أرسطو واستعملها‬
‫بكثرة ويراها كفضيلة لإصلاح نقائص القانون الوضعي[‪.[[7‬‬

‫ويشار هنا بالأهمية إلى إسهامات الفلاسفة والمفكرين التي لا يمكن‬
‫حصرها في مجال هذا البحث‪ ،‬وإلى دورهم في ظهور المدينة وتأثيرها على‬
‫اهتمام الفلاسفة للتفكير بحقوق الإنسان نتيجة للمنازعات الداخلية‬

‫والعهود الطويلة من الظلم والطغيان‪ ،‬حيث أظهر أفلاطون لنا مبادئ‬
‫حقوق الإنسان والمدينة الفاضلة وهي الدول ُة التي يسود فيها العقل‪ ،‬لا‬

‫الرغبات والشهوات‪ ،‬وتكون مبنية على العدل والمساواة‪.‬‬

‫َفضل‬ ‫كما وشبه أرسطو الدول بكيان عضوي «التضامن العضوي»‪ ،‬وأ كد على‬
‫ومساهمة‬ ‫مبادئ حقوق الإنسان من خلال رؤيته إلى دور الدولة في توفير الحق‬

‫والعدل والمساواة لكل المواطنين ورفض العدوان والحرب والإستعباد‪.‬‬

‫الديانات‬ ‫ونؤكد هنا على َفضل ومساهمة الديانات السماوية في تعزيز الوعي بحرية‬
‫الإنسان‪ ،‬وحقه في العيش الحر الكريم‪ ،‬حيث أن هذه الأديان ذات المصدر‬
‫السماوية في‬
‫تعزيز الوعي‬ ‫الواحد‪ ،‬جعلت الإنسان هو مدار الكون ومناط التكريم بصفته الإنسانية‪،‬‬

‫بحرية الإنسان‬ ‫وعززت من مفاهيم الإنصاف والعدل والمساواة بين البشر‪.‬‬

‫‪75. b23 26 a 1347 ,13 ,1 ,sq.; Rhétorique 31 a ,1137 ,10 ,Aristote, Ethique à Nicomaque, V‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪50‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬


Click to View FlipBook Version