The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.
Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by , 2016-06-01 06:20:53

issus-7

issus-7

‫الثقافـي‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪50‬‬

‫وفنونها وطعامها وح�ضارتها وتاريخها وريفها ومدنها‬
‫الجميلة التي تتميز كل واحدة بتفرد عجيب في العادات‬
‫واللكنات والم�أكل والم�شرب ومو�سيقاها ورق�صاتها ال�شعبية‪.‬‬
‫في الحقيقة لا تكون اللغة �إلا عام ًل م�ساع ًدا للتقرب والتعمق‬

‫في الثقافة الفرن�سية‪.‬‬

‫هل ترجمت مو�ضوعات أ�و كت ًبا �أو ما �شابه من‬
‫اللغة العربية �إلى اللغة الفرن�سية؟‬

‫قمت بالعديد من الترجمات الر�سمية المختلفة من العربية‬
‫إ�لى الفرن�سية �أو العك�س بحكم عملي في ال�سابق لدى ال�سفارة‬
‫الفرن�سية‪ ،‬ترجمت عد ًدا من الم ؤ�تمرات واللقاءات‪� ،‬أ�ضف‬
‫�إلى ذلك عد ًدا من مواقع ا إلنترنت والوثائق والمرا�سلات‬
‫الحكومية والخا�صة‪ .‬ولدي كذلك بع�ض المحاولات المتوا�ضعة‬

‫في ترجمة بع�ض ا أل�شعار الراكنة في مكتبي‪.‬‬

‫كيف ترى ا�ستعداد العمانيين لتعلم اللغة‬
‫الفرن�سية؟‬

‫العمانيون بطبعهم وبحكم اختلاطهم با آلخر �شعب يتحدث‬
‫العديد من اللغات‪ .‬بالن�سبة للفرن�سية هناك العديد من‬
‫ال�شباب الذين ي�شار �إليهم بالبنان لما حققوه من م�ستوى‬
‫لافت في تعلم الفرن�سية‪ .‬أ�فتخر كثيرا عندما �أدر�س �شابا‬
‫عمانيا من ا ألبجدية و أ�تحدث معه بالفرن�سية في وقت‬
‫لاحق‪� ،‬شعور با إلنجاز لا يقاوم‪ .‬وبع�ض ال�شباب لديهم‬
‫ملكات لغوية وي�ستطيعون أ�ن يتعلموا اللغة في وقت وجيز‬
‫جدا وهناك البع�ض الذي تحدى من �شغفه ال�صعوبات‪� ،‬إلا‬

‫�أن الفروق الفردية تلعب دورا مهما في اتقان اللغة‪.‬‬

‫تطلعاتك ‪� ..‬شيء لم تحققه �إلى الآن؟‬
‫أ�تمنى أ�ن ي ؤ�خذ بيد ال�شباب العمانيين المجيدين وما أ�كثرهم!‬

‫أ�تمنى أ�ن تتاح ل�شبابنا فر�ص تعلم لغات أ�جنبية �أكثر‪.‬‬
‫وال�شيء الذي لم أ�حققه و�أتمنى تحقيقه هو ترجمة �أ�شعار‬
‫ال�شاعر الفرن�سي جاك بريفير من الفرن�سية إ�لى العربية‪.‬‬
‫كما أ�تمنى أ�ن أ�خدم بلدي الغالي في مجال تخ�ص�صي‪ ،‬فكم‬
‫يحز في نف�سي أ�ن ت�ستثمر طاقات الإن�سان وابداعاته في بلد‬

‫�آخر غير بلده في حين �أن بلده �أحوج �إليه‪.‬‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪53‬‬ ‫الثقافـي‬

‫الحمراء‪ .‬يا َلجمال بلادي هتفت في أ�عماقي‪ .‬في تلك‬ ‫يو�سف عبد العزيز‬
‫اللحظة تم ّنيت لو لم �أذهب �إلى ع ّمان‪ ،‬أ�و إ�لى أ�ي مكان‬
‫آ�خر في الدنيا‪ ،‬و�أن أ�ظل إ�لى الأبد بجوار �صديقاتي‬ ‫(�شاعر فل�سطيني)‬

‫ال�شجرات ال�ساحرات‪.‬‬
‫في ع ّمان ق ّ�ضيت �سنوات طويلة و�أنا أ��س�أل عنها‪ .‬وعرفت‬
‫أ� ّن ا�سمها أ��شجار ال ِبن�سيان‪ .‬لقد كانت تلك الأ�شجار‬
‫بمثابة �سفيرات للحنين‪ ،‬يو�صلنني بفل�سطين وال�شعر‬
‫والجمال‪ .‬فما إ�ن ت�ضيق بي الدنيا و أ��صل حافة الي أ��س‪،‬‬
‫حتى تبرز من تحت جلدي �أغ�صان تلك الأ�شجار الحبيبة‪،‬‬

‫وتمنحني القدرة على الحب وال�صمود‪.‬‬

‫محمد العبا�س‬ ‫أ��شجار البِن�سيان التي في (�أريحا)‬

‫(ناقد �سعودي)‬ ‫بعد �شهر من انتهاء حرب يونيو في العام ‪،1967‬‬
‫وبعد دخول إ�حدى دوريات الجي�ش ال�صهيوني قريتنا‬
‫حالة ق�صوى من الابتهاج‬ ‫(ق َط َّنة) الواقعة �شمال غربي القد�س‪ ،‬لاعتقال مجموعة‬
‫من الرجال‪ ،‬ومنهم والدي‪ ،‬قررنا ال ّذهاب �إلى ع ّمان‪.‬‬
‫يمكنني ت أ�ريخ ع�شقي لل�سفر وانفتاحي على العالم‬ ‫كانت الوالدة تقول �سوف نقيم في ع ّمان �أ�سبو ًعا أ�و‬
‫ب�سفرتي الأولى �إلى �سوريا‪ .‬كل �شيء في تلك الرحلة كان‬ ‫�أ�سبوعين ريثما تهد أ� ا ألحوال في ال�ضفة‪ ،‬ومن ث ّم نعود‬
‫جدي ًدا ومده�ًشا بالن�سبة لكائن لم يعرف من الوجود �إلا‬
‫قريته ال�صغيرة وعالمها المحدود‪ .‬هناك‪ ،‬في دم�شق‬ ‫�إلى القرية‪.‬‬
‫وحلب واللاذقية‪ ،‬حيث تجولت مع �أحد �أ�صدقائي �ضمن‬ ‫�صعدنا ال�شاحنة التي �ستق ّلنا إ�لى ع ّمان مع �أفراد �أربعة‬
‫هذا المثلث الفاتن‪ ،‬تعرفت على معنى المدينة المنفتحة‬ ‫من العائلات‪ .‬في تلك الأثناء انتابتني م�شاعر خادعة‬
‫المتح�ضرة‪ .‬عرفت ال�شوارع الف�سيحة المزدحمة‬ ‫من الفرح‪ .‬كان الجميع يبكي ويولول‪ ،‬بينما كنت �سعيدا‬
‫بالب�شر‪ ،‬المكتبات المكتظة بالكتب‪ ،‬المتاحف المعب�أة‬ ‫بال�سفر �إلى ع ّمان‪ ،‬تلك المدينة ال�ساحرة التي لم أ�رها‬
‫بكنوز الح�ضارات‪ ،‬دور ال�سينما ال�ضاجة بالحياة‪،‬‬
‫الأ�سواق الطافحة بعجائب الب�ضائع والمعرو�ضات‪،‬‬ ‫من قبل‪.‬‬
‫لافتات ال�شعارات ال�سيا�سية ال�ضخمة‪ ،‬المقاهي الناب�ضة‬ ‫ظ ّلت م�شاعر الفرح الخادعة تدغدني‪ ،‬إ�لى �أن دخلت بنا‬
‫ال�شاحنة مدينة أ�ريحا‪ ،‬حيث انتابني الفزع‪ ،‬وانخرط ُت‬
‫العدد(‪)7‬‬ ‫في نوبة عا�صفة من البكاء‪ .‬كان الذي جذب انتباهي‪،‬‬
‫ور ّجني من الأعماق‪ ،‬هو ذلك الم�شهد ال�ّساحر لطراز‬
‫عجيب من الأ�شجار‪ ،‬التي كانت تح ّف بال�شوارع‪ .‬هبطنا‬
‫من ال�شاحنة‪ ،‬فيما ر�أيت قلبي يف ّز من بين �أ�ضلاعي‬
‫ليلعب بين �أغ�صان تلك ا أل�شجار‪� .‬أ�شجار عملاقة كانت‪،‬‬
‫بمظ ّلت هائلة من الخ�ضرة وعناقيد كثيفة من الأزهار‬

‫الثقافـي‬ ‫أبريل ‪2016‬م ‪ /‬جمادى الآخر ‪1437‬ه‬ ‫‪52‬‬

‫التجربة ا ألولى لل�سفر لدىالمبدعين‪:‬‬

‫غواية العوالم النائية‬

‫تمثل التجربة ا ألولى لل�سفر لدى المرء ده�شة خا�صة‪ ،‬في الخطوة ا ألولى يفتح‬
‫عينيه على عوالم �شتى‪ ،‬ليكت�شف حيوات مغايرة و�شعوبا متعددة‪ ،‬ب أ�لوان متباينة‬
‫ولغات مختلفة وعادات وقيما أ�خرى غير التي �ألفها واعتادها في محيط مجتمعه‬
‫وحدود عالمه ال�ضيق‪ .‬و إ�ذا كان الأمر كذلك بالن�سبة للمرء العادي ف إ�ن التجربة‬
‫الأولى لل�سفر لدى المثقف تكت�سب �أهمية خا�صة‪ ،‬تغويه بذكرياتها وتفا�صيلها وتلبي‬
‫لديه طموح الك�شف ورغبة المعرفة‪ .‬وبالتالي تظل للتجربة ا ألولى لل�سفر حنينها‬
‫الخا�ص‪ ،‬الذي يطل في �صورة عتيقة �أو رقم هاتف قديم أ�و ق�صا�صة ورقة مهملة في‬
‫دفتر من�سي‪ .‬تطل معه لحظات ووجوه وطرقات هاجعة في ا ألم�س الق�صي‪( .‬التكوين)‬
‫قلبت أ�وراق عدد من المبدعين العمانيين والعرب‪ ،‬وجعلتهم ينف�ضون الغبار عن تلك‬

‫ال�صور القديمة‪ ،‬لي�ستعيدوها ويتحدثوا عنها كل وفق تجربته الخا�صة‪.‬‬

‫التكوين‪ :‬عوا�صم‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪55‬‬ ‫الثقافـي‬

‫منى ال�صفار‬ ‫د‪ .‬بثينة خالدي‬

‫(�شاعرة بحرينية)‬ ‫( قا�صة و أ�كاديمية تون�سية)‬

‫تجرب ٌة تمر عبر الباب الخلفي للحياة‬ ‫�ستانفرد ‪ ..‬مدينة الم�سنين والمتقاعدين‬

‫قدماي غائرتان في الرمل‪ ،‬كل �شئ يبدو آ�منا حيث‬ ‫كانت رحلتي ا ألولى �إلى مدينة �ستانفرد في إ�نجلترا‬
‫�أقف‪ ،‬لذا لا �أحلق كثير ًا‪� ،‬أتفقد جناحي بحكم العادة‪ ،‬كل‬ ‫فاتحة للكتابة ا إلبداعية‪ .‬كانت غرابة المكان الجديد‪،‬‬
‫ولربما ده�شتي الأولى �إزاء ما �أراه غريبا ن�سبيا على‬
‫الأ�شياء تمر ب�ساع ٍة تت�أخر كلما حاولت �ضبطها‪.‬‬ ‫تون�سية مثلي وراء ذلك الح�س بلزوم كتابة ق�صة ق�صيرة‪.‬‬
‫لذلك يبدو �أن تجربتي ا ألولى تجرب ٌة تمر عبر الباب‬ ‫كانت �ستانفرد مدينة م�سنين ومتقاعدين‪ .‬وكنا نحن‬
‫الخلفي للحياة‪ ،‬كعادة كل التجارب المت أ�خرة التي ن أ�خذ‬ ‫الطلبة ن�سكن مع هذه العوائل ونزاول درا�سة الانجليزية‬
‫وقتا كافيا لتنف�سها‪ ،‬بعد أ�ن ي�صد أ� المكان‪ ،‬ويبدو الأمر‬ ‫بالمعهد العالي في المدينة‪ .‬كان حظي عائلة جيم�س‬
‫مغامرة عجوز‪ .‬إ�ن أ�ول وجه ٍة لرحل ٍة حقيقية �أعتقد ب أ�نها‬ ‫بلفرد‪ .‬بدا كل �شيء طبيعيا‪ ،‬لكنه غريب �أي�ضا‪ .‬ف�أحاديث‬
‫كانت رحلتي لـ(�إ�سطنبول)‪ ،‬البوابة القريبة حيث لا غربة‬ ‫ال�سيد جيم�س وزوجه تتمعن في �شخ�صي وبلادي‪ ،‬و�أنا‬
‫في المكان‪ .‬الوجوه ا ألليفة‪ ،‬ا ألحجار التي تم�س كفيك‬
‫برفق لتحكي حكاياتها كالجدات‪ ،‬كل ا أل�شياء متزنة في‬ ‫�أريد منهما مزيد ًا عن مدينتهما وحياتهما‪.‬‬
‫مكانها‪ ،‬حيث بوابة العالم التي تم�سك ال�شرق والغرب‬ ‫لا �أعني بذلك وجود عالمين متناق�ضين‪� :‬شرق وغرب‪.‬‬
‫في كل طر ٍف من أ�طرافها «تق�سيم» التي تعبرها مقهى‬ ‫هناك رغبات �إن�سانية متفاوتة في البحث عن المعرفة‪.‬‬
‫مقهى‪ ،‬الغائبون عن بلادهم يهيمون في �شوارعها‪،‬‬ ‫لكن بلفرد كان يحملق كثير ًا في وجهي‪ .‬ا�ستغربت نظرته‬
‫محلاتها المفتوحة عن آ�خرها ت�ستقبل الآخر ب�صد ٍر‬ ‫بادئ الأمر‪ .‬تلم�ست وجهي مرار ًا‪ .‬لم يكن هناك ما يدعو‬
‫مفتوح‪ ،‬بعينين تجولان في الوجوه الغريبة ‪»/‬ت�شوك‬ ‫�إلى ذلك‪ .‬لكني ل�سبب أ�و آلخر بادلته النظر‪ .‬ر�أيت �شيئا‬
‫�أحمر في عينيه‪ :‬كنت �أ�شبهه بما �أعرف من فاكهة في‬
‫غوزال» وتبت�سم‪.‬‬ ‫تون�س‪ :‬أ�هي حبة عنب أ�م كرز؟ لا‪ ،‬تبادر إ�لى ذهني �صورة‬
‫لا�شيء مثل �أن تتحدث عن مدينة مبنية بالحجر ت�صعد‬
‫حثيثا‪ ،‬يتك�سر البحر عند قدميها‪� ،‬أبنا ؤ�ها في جري‬ ‫ر َمانة‪ .‬لا أ�دري �سبب ذلك‪.‬‬
‫م�ستمر‪ ،‬ال�شجر‪ ،‬البحر‪ ،‬م�ضيق( البو�سفور)‪ ،‬الق�صور‬ ‫أ�دركت بعد حين �أنها �صورة لازمتني منذ قراءة �ألف‬
‫ليلة وليلة‪ :‬رمانة تنفرط حباتها وتتناثر وت�شغل ا آلخرين‬
‫المع ّتقة‪ ،‬ا أل�سواق الفاردة ذراعيها‪ ،‬المقاهي ا ألليفة‪.‬‬
‫روائح القهوة تفوح من كرا�سيها‪ ،‬رتم ال�شاي التركي‪،‬‬ ‫بجمعها‪� ،‬ش�أن ق�صتي «عينا ال�سيد بلفرد»‪.‬‬
‫�صخب ا ألرجيلة‪ ،‬الغناء الذي ي�ضج في كل زاوية‪،‬‬
‫مو�سيقى‪ ،‬مو�سيقى‪ ..‬كل الزوايا �شاعرة‪ ،‬كل الأ�شجار‬
‫القديمة المتغ�ضنة في ذاتها ق�صائد يحكيها المكان‪ ،‬هو‬
‫المكان الذي تقيم به كلوحة وتتنف�س فيه طعم خ�ضارها‪،‬‬

‫وتنظر برفق لل�سلالم التي ت أ�خذك في حواريها‪.‬‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫الثقافـي‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪54‬‬

‫عزيزة رحموني‬ ‫بالحوارات‪ .‬وغيرها من م�شاهد الحداثة و�أ�صوات‬
‫الكائنات المح ّبة للحياة التي اندلقت في حوا�سي‪،‬‬
‫(�شاعرة ومترجمة من المغرب)‬ ‫ب�إيقاعاتها المدنية ال�صاخبة‪ .‬إ�ذ كان هذا �أول لقاءاتي‬
‫ب�صوت مدينة كبرى‪ ،‬لها ارتداداتها التاريخية البعيدة‪،‬‬
‫�سعيد هو الذي ِمثْل عولي�س‬ ‫و�صدى ح�ضورها الع�صري‪ .‬كما كان ذلك أ�ول تما�سي‬
‫بمخلوقات طالما نظرت �إليها ب إ�كبار و�إعجاب بموجب‬
‫ال�سفر هروب كبير‪ .‬وذكريا ُت ُه مكتبة خا ّ�صة‪ ...‬أ�ن تظ ّل‬ ‫قراءاتي‪ ،‬وبمقت�ضى انت�صارات أ�بطال �أكتوبر‪ .‬حيث‬
‫مكانك ف�أن َت موجود‪ ،‬أ�ن ت�سافر فت ْل َك الحياة‪�« .‬سعيد هو‬ ‫كانت المدن ال�سورية في ثمانينيات القرن الما�ضي تعي�ش‬
‫ا ّلذي‪ِ ،‬م ْثل عولي�س قام برحلة جميلة»! ك ْيف لي أ�ن �أتذ ّك َر‬ ‫أ�مجاد هزيمة العدو ال�صهيوني‪ .‬وبالتالي كنت محظوظا‬
‫أ� ّول �سف َر وق ْد كن ُت بالكا ِد تجاوز ُت ال�شهرين؟ م ْن ُذها و أ�نا‬ ‫بالتما�س مع �إن�سان يعي�ش لحظة تاريخية متوهجة‪،‬‬
‫ليتطابق ما �سمعته عنه مع ما �شاهدته‪ .‬فقد كان من‬
‫في �َسفر م�ستم ّر‪.‬‬ ‫الوا�ضح آ�نذاك أ�ن المجتمع وثقافته وفنونه ومجمل‬
‫ك ّل �س َفر تحفيز للتفكير في الحياة‪ ،‬للقبول بفر�ضي ِة ف ْق ِد‬ ‫�سياقاته المعا�شية ت�سير بهذا الاتجاه‪� .‬أي توطين ح� ّس‬
‫ال�ّساحل للو�صو ِل إ�لى �أ ْفق جديد‪� .‬سافر ُت و�أ�سا ِفر في ك ّل‬ ‫العزة والكرامة والبطولة في وجدان الإن�سان ال�سوري‪.‬‬
‫�أنواع الموا�صلات‪ ،‬لا �أح ّب البواخ َر‪ِ ،‬قطة‪�،‬أنا‪ ،‬تخ�شى‬ ‫ومن الطبيعي �أن ت�صيبني لفحة من ذلك الطق�س‬
‫الغرق‪ .‬لا أ��ستمتع بالطائرة‪ ،‬ق ْل ُبها �ض ّيق بك ّل �صرامة‬ ‫المهيمن‪ ،‬و إ�ن كنت عابرا‪ .‬وقد كنت في حالة ق�صوى‬
‫يدعو ِل ِح ْفـظ تعاليم النجاة ِمن كمامة ا ألوك�سجين �إلى‬ ‫من الابتهاج بما اخترق حوا�سي حينها من ا ألغاني‬
‫ط ْوق البحر‪ ،‬تعطي الانطباع ب�أنها ك�سولة جدا تقف في‬ ‫والم�سرحيات وا ألفلام وال�شعارات ال�سيا�سية‪ .‬كما كنت‬
‫في حالة من الانت�شاء بوجودي على الأر�ض التي تنبت‬
‫الهواء‪ ،‬لتتح ّرك ا ألر�ض ت ْحـتها ولا ت�سم ُح لك بالتف ّرج‪.‬‬ ‫فيها ا ألبطال‪ ،‬وت ؤ�دي فرو�ض الثقافة على كل الم�ستويات‬
‫أ�ع�َش ُق القطا َر الفائق ال�ّسرعة‪ ،‬يطير فعلا‪�...‬أ ّول مرة‬ ‫بكفاءة عالية‪ ،‬وب�شكل مغاير تمام ًا لاعتياداتي‪ .‬حيث‬
‫ر ِك ْب ُته ب ْين باري�س وبروك�ِسل‪ ،‬أ�ح�س�ْس ُت بال ّزه ِو‪ .‬لا ت�س أ�لوني‬ ‫المجلات المترجمة عن الرو�سية‪ ،‬والكتب الحافلة بالفكر‬
‫لماذا‪ .‬فقط �أذ ُك ُر أ� ّني كن ُت م�شدوهة بالمناظر الطبيعية‬ ‫وا ألدب‪ ،‬وال�صحف التي تنطق بلغة فائرة‪ .‬وهي بع�ض‬
‫تطير عن يميني �شديدة الو�ضوح‪ ،‬لا أ�زيز محركات‬ ‫مراداتي ك�شاب يتهجى ا ألفكار الكبرى ويخطو برغبة‬
‫ت ْه ِد ُر ولا أ�جنحة ت�شو�ش الر�ؤية‪ ،‬ولا إ�ح�سا�س بال�ض ْيق في‬ ‫واندها�ش في حقل الفنون‪ .‬وهذا هو ما ا�ست�شعرته بفرح‬
‫التنف�س‪ .‬في ال�ّسفر ت َر ّب ْت حوا�ّسي الخم�س‪� ،‬أدواتي التي‬ ‫و إ��صرار على ارت�شاف الوقت قطرة قطرة‪ .‬حيث تغير‬
‫ي�ّس َر ْت مروري من الم�شاهدة �إلى ال ّر ؤ�ية‪ ،‬من الملا َحظة‬ ‫إ�ح�سا�سي بالزمان والمكان‪ .‬وذلك من خلال الطريقة‬
‫إ�لى �إدراك ن�سبية ك ّل �شيء‪ ...‬بالحوا� ّس الخم�س انت�صر‬ ‫التي خاطبتني بها طرقات ومقاهي ومتاحف و إ�ن�سان‬
‫عولي�س على غناء الحوريات وك ّل المخاطر الأخرى كي‬ ‫�سوريا‪ .‬فكل �شيء كان يهم�س لي ب أ�ن ال�سفر �إلى هنا‬
‫يعني التوا�صل مع التاريخ‪ ،‬مع المدينة‪ ،‬مع ا ألحا�سي�س‬
‫يجد هويته ووطنه و أ�هله‪.‬‬ ‫النا�ضجة وا ألفكار المنفلتة من عقالها‪ .‬ك�أن تلك ال�سفرة‬
‫الافتتاحية كانت تقول لي‪ :‬لكي تفهم العالم وتتعرف على‬
‫ذاتك‪ ،‬لا بد �أن تمر على �سوريا‪ .‬ولا بد �أن يكون ال�سفر‬
‫جزء ًا من بنائك لذاتك ولجهاز مفاهيمك إ�زاء الوجود‪.‬‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪57‬‬ ‫الثقافـي‬

‫و�أرغفة من قلق‬ ‫تملكتني الغابة‬

‫دحرجة الوقت بين دخول الم�سافة وارتقاء النخيل‬ ‫في الغابة �أثر‬
‫هنا للأ�سامي �سلام‬ ‫يحدث �أن يكون‪..‬‬
‫فكل ا أل�سامي غريب‬
‫لفيل‬
‫غريب يمر ولا يلتفت‬ ‫للبو ة‬
‫غريب يمر وفي القلب مليون خارطة‬ ‫لآدم‬
‫لأفعى‬
‫�ضائع لا طريق‬ ‫ل�سحا بة‬
‫غريب يكابد �صوت الم�سافة‬ ‫لمو جة‬
‫غريب يل ّوح للوقت والوقت في فلك الانبهار العظيم‬ ‫للزبد الغامر‬
‫غريب يئن على وطن ُمتع ٍب في الحنين‬ ‫لحبة رمل‬
‫غريب يهيم على وجهه �صارخا في الفراغ‬ ‫لجد يلة‬
‫لن�سيم‬
‫هنا للمحطات �صوت الخواء‬ ‫لورقة خريفية‬
‫هنا النب�ض في قلق دائم‬ ‫لع�شبة خ�ضراء‬
‫ألطراف �أ�صابع َك‬
‫تعثر في غيمة من ف�ضاء بعيد‬
‫تئن الحروف‬ ‫فاطمة مح�سن‬

‫تل ّح على قيدها أ�ن ي�سافر في اللا �سفر‬ ‫غيمة في رغيف القلق‬
‫فتدخل في قهوة الحرف‬
‫ت�شرب �شاي ًا من الحزن‬ ‫هنا للمحطات �صوت ال�صليل‬
‫ملعقة من هواء نظيف‬ ‫وللقلب �أرجوحة من �أنين الوداع‬
‫كوبا من الا�شتياق‬
‫و�صحنا كبير من الكلمات‬ ‫و�شو�شات من البرد‬
‫زجاجة ماء‬
‫ثم تغادر من دون معطفها الورقي‬
‫من دون ر�سم الدخول‬
‫وتن�سى المحطات‬
‫تن�سى التذاكر‬
‫تن�سى جواز �سفر‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫الثقافـي‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪56‬‬

‫لا تكاد تنف�صل حتى تتداخل‬ ‫عيناك ت�سرقان ما يمكن �سرقته من �صورها الباذخة‪،‬‬
‫كما ع�شاق أ�لف ليلة‬ ‫من ُقبل ع�شاقها‪ ،‬من ق�صائدها التي تهطل من ال�سماء‪،‬‬
‫لك ّن‬ ‫و أ�نا قدماي غائرتان في م�ساحة �آمنة‪ ،‬في مدينة يت�ساقط‬

‫ا ألخ�ضر دبو�س يخرم عينيك في تلك التخوم‬ ‫فيها الثلج برفق ليم�ّسك ثم يتجمع على كتفيك‪.‬‬
‫ا ألزرق �شهوة عليك �أن تمتطيها لتبلغ المنتهى‬

‫حين ر أ�يت الغابة ألول مرة‪ ،‬في أ�فريقيا؛ في تنزانيا‬ ‫زاهر ال�اسلمي‬
‫بالتحديد‬
‫(�شاعر عماني)‬
‫كان انخطافا ي�شبه تيا ًرا كهرب ًيا ي�سري فج أ�ة في الج�سد‬
‫ا ل�صغير‬ ‫�أنْ ُظ ُر الغابة‬

‫لم يهيئني �أحد لهذه التجربة‬ ‫في ال�سابعة من عمري‪ ،‬ر�أيت الغابة لأول مرة‬
‫كنت �أكبر �إخوتي‬ ‫تلك الغابة؛ لم تكن م�شه ًدا في تلفاز‪ ،‬ولم تكن ق�صة‬

‫لا أ�ذكر من الرحلة إ�لى دار ال�سلام �إل ّا بع�ض م�شاهد‬ ‫ُت ْح َكى ل ألطفال‬
‫كعكة الجبن بال�شوكولا في طيران الخليج‪ ،‬وم�سا ًء على‬ ‫حيث ولدت‪ ،‬في «الظاهر»؛ قرية �شرقي عمان‪ ،‬حينما‬

‫كورني�ش دبي‬ ‫ي�سقط المطر‪،‬‬
‫بعد ها‬ ‫ويهبط الوادي على بطحاء القرية‪ ،‬كان ال�سيل النازل‪،‬‬

‫�أرى نف�سي وعائلتي ال�صغيرة في قطار يقطع لب الغابة‬ ‫عيدا لنا نحن الأطفال‬
‫عي ًدا مائ ًّيا‬
‫ما زلت �أذكر تلك اللحظة طازجة‪:‬‬
‫كان القطار منطل ًقا كر�صا�صة �سكتون‪ ،‬داخل نفق‬ ‫ثم يعود اليبا�س‪ ،‬ليم أل الرئة والعيون‬

‫لم يكن نف ًقا جبل ًيا ولا ا�سمنتيا‬ ‫حين ر�أيت الغابة لأول مرة‪ ،‬كنت طفلا‪ ،‬قادما من‬
‫نف ٌق �أخ�ضر‪ ،‬طوله الغابة اللامتناهية الطول‬ ‫الغبيراء‬

‫حينها‬ ‫والغبيراء؛‬
‫ر�أت عيني ما لم تر عين طفل البداة؛‬ ‫مجبولة على الانزواء‬
‫في انزوائها مجبولة على التمرد والجنون‬
‫الغابة‬ ‫مجبولة على الع�شق‬
‫الكون ا ألخ�ضر‬ ‫في رحمها تتراود ا أللوان‪ .‬الغبيراء فخ الألوان‬
‫�أر�ض خ�ضراء‪� .‬سماء خ�ضراء‪ .‬طغيان �أخ�ضر‬ ‫ُب ّن ا ألر�ض‪َ ،‬ذ َهب الكثبان‪ُ ،‬برونز الجبال‬
‫تن�شقته‪ ،‬لام�سته ب أ�هدابي‬
‫ومن خلال نافذة القطار المت�سارع؛ لوحت لزمرة من‬ ‫�ألوان‬

‫ا أل�سود‬ ‫العدد(‪)7‬‬
‫وب�أرنبة �أنفي داعبت وجه الزرافات‬

‫هكذا‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪59‬‬ ‫الثقافـي‬

‫العماني الحديث» الع�صر الحديث الذي يبد أ� من قيام الدولة‬ ‫الح�ضارة؛ إ�ذ ت�ص ُف أ�نماط ال�شعوب وعاداتها وتقاليدها‬
‫البو�سعيدية ‪1744‬م في ُعمان وتو�سعها في �شرقي �أفريقيا‬ ‫ونظم الحياة والحكم‪ ،‬وتتطرق للوثائق التاريخية‪ ،‬وتعر�ض‬
‫إ�لى وقتنا الحا�ضر‪ ،‬وتحليل الأ�سباب الرئي�سية لازدهار‬ ‫�صو ًرا جلية عنها‪ ،‬كما تمثل النواحي الجغرافية؛ ومن هنا‬
‫الرحلات العمانية في عهد الدولة البو�سعيدية الممتدة من‬ ‫ت�ؤكد مريم الغافرية‪� ،‬أنه بف�ضل رحلات العمانيين إ�لى القارة‬
‫الوطن ا ألم ُعمان حتى الجناح ال�شرقي ألفريقيا‪ .‬أ�ما الف�صل‬ ‫ا ألفريقية‪ ،‬تم التعرف على بلدانها والتعرف على م�سالكها‬
‫الثاني الذي جاء بعنوان «دوافع الرحلة العمانية»‪ ،‬فيت�ضمن‬
‫الحديث عن الدوافع المتعددة للرحلة العمانية‪ ،‬حيث تق�سم‬ ‫وممالكها والانتفاع بخيراتها‪.‬‬
‫الباحثة الدوافع ح�سب الرحلات المتوفرة ال�شعرية والنثرية‪،‬‬ ‫ت�أ�س�س �أدب الرحلة العمانية الحديثة ‪ -‬ح�سب ر أ�ي الباحثة‬
‫الداخلية والخارجية؛ فعلى �سبيل المثال الرحلات الدينية‪،‬‬ ‫‪ -‬في المهجر الأفريقي‪ ،‬حيث الم ؤ�ثرات المختلفة ح�ضار ًيا‬
‫هي التي تكون بغر�ض أ�داء فري�ضة الحج والعمرة وزيارة‬ ‫وثقاف ًيا؛ بالإ�ضافة إ�لى تعدد دوافع الرحلة المختلفة‪ ،‬ف�أعطى‬
‫ا ألماكن المقد�سة �أو الرحلات ال�سياحية‪ ،‬وهي التي يكون‬ ‫ك ُّل ذلك ال�صدارة لهذا ا ألدب ليبرز ويظهر �إلى النور‪ .‬وقد‬
‫غر�ضها ال�سياحة والتنزه؛ والنوع الثالث الرحلات الر�سمية‪،‬‬ ‫�أدى تو�سع الدولة العمانية في �شرق وو�سط �أفريقيا لازدهار‬
‫وهي التي يرافق فيها الر ّحالة الملوك ورجال الدولة في‬ ‫الرحلات العمانية الخارجية‪ ،‬فتعددت رحلات العماني من‬
‫وطنه الأم عمان إ�لى وطن ا ألحبة في ال�شرق ا ألفريقي والعك�س‬
‫أ��سفارهم الر�سمية‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬ثم خروج هذه الرحلات من نطاق ا إلقليمية �إلى نطاق‬
‫ويت�ضمن الف�صل الثالث «الرحلات العمانية �إلى �أوروبا»‬ ‫العالمية‪ ،‬و�ش َّكل �أهل ال�شرقية في ُعمان أ�غلب ر ّحالة القرنين‬
‫الحديث عن الرحلات العمانية �إلى أ�وروبا وعر�ض أ�هم‬ ‫التا�سع ع�شر والع�شرين إ�لى زنجبار و�أوروبا؛ ويعود �سبب ذلك‬
‫الرحلات التي توجهت �إلى أ�وروبا في الع�صر الحديث‪،‬‬
‫و�أهمها رحلة ال�سلطان برغ�ش الم�سماة «تنزيه الأب�صار في‬ ‫�إلى ي�سر حالهم‪.‬‬
‫رحلة �سلطان زنجبار»‪ ،‬ورحلة ال�سلطان خليفة بن حارب‬ ‫ومن جملة أ�هداف الدرا�سة التي قدمتها الباحثة مريم‬
‫�إلى أ�وروبا ‪1960-1936‬م‪ ،‬ورحلات ال�شيخ �سعيد بن حمد‬ ‫الغافرية‪� ،‬إبراز أ�دب الرحلات العمانية على ال�ساحة الأدبية‬
‫الحارثي إ�لى دول أ�وروبا‪ ،‬ورحلة ال�شاعر محمد الحارثي‬ ‫العربية‪ ،‬والك�شف عن أ�همية الرحلات ال�شعرية في �إثراء‬
‫�إلى أ��سبانيا‪ ،‬ورحلات الكاتب محمد بن �سيف الرحبي �إلى‬ ‫أ�دب الرحلات العمانية‪ ،‬ومعرفة الدوافع الخا�صة للرحلات‬
‫العمانية الداخلية والخارجية‪ ،‬ثم البحث عن ميزة يقدمها‬
‫بع�ض دول أ�وروبا‪.‬‬ ‫�أدب الرحلات العمانية للمكتبة العربية‪ ،‬ي�ضاف إ�لى ذلك‬
‫التعرف على مدى الت أ�ثر والت أ�ثير في رحلات العمانيين‬
‫العدد(‪)7‬‬
‫الخارجية إ�لى أ�وروبا وبقية دول العالم‪.‬‬
‫ينق�سم كتاب «�أدب الرحلات العمانية ‪ -‬رحلة ال�سلطان خليفة‬
‫بن حارب �إلى �أوروبا نموذ ًجا» إ�لى �أربعة ف�صول وخاتمة‪ ،‬تم‬
‫فيها ا�ستعرا�ض �أهم النتائج التي ترتبت عليها هذه الدرا�سة‪،‬‬
‫ويت�ضمن الف�صل ا ألول المعنون بـ «ت أ�ريخ الرحلات العمانية‪،‬‬
‫ومراحل ازدهارها» �شر ًحا عن مراحل ازدهار �أدب الرحلات‬
‫العمانية‪ ،‬وا�ستق�صائها في ك ِّل حقبة تاريخية‪ ،‬والتعرف‬
‫على أ��سباب ازدهارها‪ ،‬وتنطلق مرحلة ا�ستق�صاء الرحلات‬
‫العمانية بالحديث عن المرحلة ا ألولى وهي التي �سمتها‬
‫الباحثة «الرحلة في ا ألدب العماني القديم»‪ ،‬وت�شمل مرحلة ما‬
‫بعد ظهور ا إل�سلام وتمتد لت�شمل الدولة النبهانية‪ ،‬وتنتهي �إلى‬
‫الدولة اليعربية‪ .‬وت�شمل المرحلة الثانية «الرحلة في الأدب‬

‫الثقافـي‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪58‬‬

‫العمانيون‪..‬‬
‫و أ�دب الرحلات‬

‫زاهر بن حارث المحروقي‬

‫بحقائق عن تجارب كثيرة في مختلف الميادين‪ ،‬وتترجم‬ ‫ن�ستطيع �أن نقول بك ِّل ب�ساطة‪ ،‬إ� ّن العمانيين هم أ�كثر �شعوب‬
‫�شواهد أ�دبية راقية ألحداث مميزة في حياة الإن�سان‬ ‫المنطقة تجارب في هذه الحياة؛ فالموق ُع الجغراف ُّي الفريد‬
‫العماني‪ ،‬ويمثل هذا الأدب جانب ًا توثيقي ًا لحياة الإن�سان‬ ‫ل ُعمان جعل العمانيين روا ًدا للبحر‪ ،‬فو�صلوا �إلى أ�قا�صي‬
‫العماني‪ ،‬وهذا بدوره يحتم الاهتمام بدرا�سته ون�شره‬ ‫ا ألر�ض في آ��سيا و أ�فريقيا و أ�مريكا‪ ،‬وتعرفوا على ثقافات‬
‫وتوظيفه في المجالات العلمية والأدبية والاجتماعية‪،‬‬ ‫وح�ضارات وتقاليد غيرهم‪ ،‬م ّما كان له الأثر البارز في البناء‬
‫وال�شواه ُد تد ُّل على أ� ّن الرحلة بالن�سبة للإن�سان العماني‬
‫هي قديمة جد ًا؛ لكنها لم تح َظ بذلك الاهتمام من‬ ‫الح�ضاري العماني‪.‬‬
‫حيث تدوينها ودرا�ستها درا�سة تخ�ص�صية‪ ،‬ولكن هناك‬ ‫وعلى مدى التاريخ ف�إ ّن العمانيين لم يد ِّونوا الكثير من‬
‫م�ؤ�شرات إ�يجابية الآن بد أ�ت تظهر باهتمام بع�ض الباحثين‬ ‫تجاربهم في هذه الحياة؛ وهي التجار ُب التي كان يمكن أ�ن‬
‫ت�ستفيد منها ا ألجيال الجديدة‪ ،‬ب أ�ن ت�ستلهم من ذلك العطاء‬
‫في التنقيب عن الرحلات العمانية وتوثيقها‪.‬‬ ‫ا إلن�ساني داف ًعا وحاف ًَزا للمزيد من الرقي والتطوير والبناء‪،‬‬
‫*****‬ ‫لأ ّن مقولة «من لي�س له ما�ض‪ ..‬لي�س له حا�ضر وم�ستقبل»‬
‫هي مقولة �صحيحة‪ ،‬وقد أ� َّرقت الكثيرين ممن يبحثون عن‬
‫لقد قامت الباحثة مريم بنت حميد الغافرية‪ ،‬بجهد كبير‬
‫لتوثيق �أدب الرحلات عند العمانيين‪ ،‬فجاءت درا�ستها �شاملة‬ ‫التاريخ‪ ،‬رغم أ� ّن حا�ضرهم لا غبار عليه‪.‬‬
‫لما كتبه الرحالة العمانيون عن رحلاتهم �سواء كان �شع ًرا أ�م‬ ‫هناك بع�ض الكتابات ظهرت‪ ،‬تتناول الرحلات التي قام‬
‫نث ًرا‪ ،‬وذلك من خلال كتابها «�أدب الرحلات العمانية ‪ -‬رحلة‬ ‫بها العمانيون إ�لى �أقا�صي الأر�ض‪ ،‬ت�ؤرخ للدور الح�ضاري‬
‫ال�سلطان خليفة بن حارب �إلى �أوروبا نموذ ًجا»‪ ،‬ال�صادر عن‬ ‫العماني عبر التاريخ‪ ،‬وهي م�ؤ�شر وا�ضح على �أ ّن �أحفاد �أولئك‬
‫م ؤ��س�سة بيت الغ�شام للن�شر والترجمة؛ و�صحيح �أنها اتخذت‬ ‫الرواد من هذا ال�شعب‪ ،‬الذين �ساهموا في بناء الح�ضارة‬
‫من رحلة ال�سلطان خليفة بن حارب إ�لى �أوروبا نموذ ًجا؛‬ ‫الإن�سانية‪ ،‬ي�ستطيعون أ�ن يعيدوا تلك ا ألمجاد إ�ذا تم ت أ�هيلهم‬
‫إ�لا �أ ّن درا�ستها تناولت الرحلات العمانية التي تناثرت‬ ‫لذلك‪ ،‬ولترك حياة «الدعة» و»الاتكالية» اللتين أ��صيبوا بهما‬
‫تفا�صيلها بين كتابات الرحالة العمانيين وبين المخطوطات‬ ‫مع ظهور النفط؛ �إذ بظهوره حقق نو ًعا من الرفاهية‪ ،‬ولكنه‬
‫التي لم تجد طريقها للتحقيق‪ ،‬وكذلك في الدواوين ا ألدبية‬ ‫قتل إ�بداعات الإن�سان ف أ��صبح م�ستهل ًكا غير منتج‪ ،‬و أ��صبح‬
‫العمانية‪ ،‬وترى الباحثة �أ ّن هذه الرحلات لم تح َظ بالدرا�سة‬ ‫«التفكير» لديه من المهمات الم�ستحيلة‪� ،‬إذ �أ ّن ك َّل �شيء‬
‫التخ�ص�صية رغم تنوعها بين رحلات �شعرية ورحلات نثرية‪،‬‬ ‫متوفر وب�سهولة‪ ،‬فما الداعي �إذن للتفكير وللتعب؛ حتى تفاج أ�‬
‫و�أ ّن الجانب الفني للرحلات العمانية غير مدرو�س ب�صورة‬ ‫النا�س أ�نهم كانوا مجرد م�ستهلكين لما أ�نتجته الح�ضارة‬
‫كافية‪ ،‬رغم ان�صراف الكثير من الرحالة العمانيين لتدوين‬ ‫الغربية‪ ،‬فخ�سروا ما�ضيهم وحا�ضرهم وبالت�أكيد م�ستقبلهم‪.‬‬
‫رحلاتهم المختلفة خا�صة في عهد الدولة البو�سعيدية؛ وهذه‬ ‫تكمن أ�همية كتب الرحلات العمانية‪ ،‬في قيمتها الفنية‬
‫الرحلات تمثل �سجل ًا تاريخ ًيا و أ�دب ًيا و�شاه ًدا من �شواهد‬ ‫والعلمية والأدبية والتاريخية‪ ،‬وهي تزود الجيل الحا�ضر‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪61‬‬ ‫الثقافـي‬

‫الم�سكري الذي أ�كرم مثواه‪ ،‬وهو يعي�ش في مو�ضع خارج‬ ‫وا�ستغرقت �ستة �أ�شهر �إلا خم�سة أ�يام‪ ،‬وهي الرحلة التي‬
‫المدينة ي�سمى هنبلي‪ ،‬وقد اتخذ في ذلك المو�ضع ب�ستا ًنا‬ ‫و�صفها الباحث د‪ .‬محمد المحروقي في درا�سة تحليلية ب�أنها‬
‫رحلة فكرية يمكن إ�يجازها في عبارة «البحث عن أ�مة واحدة»‪.‬‬
‫غر�سه كله ب�شجر النخل ُت�سقى بماء البئر‪.‬‬ ‫تتلخ�ص المواقف الثلاثة أ� ّن ال�شيخ محمد البرواني عندما‬
‫هذه ثلاثة مواقف عن التوا�صل التاريخي بين العمانيين‬ ‫و�صل �إلى بيروت‪ ،‬بعد �أن و�صف رحلته بالتف�صيل والأماكن‬
‫وا آلخرين واردة في كتاب واحد فقط‪ ،‬فماذا لو تحدثنا‬ ‫التي زارها‪ ،‬يتفاج�أ بوجود ابن عمه را�شد بن محمد البرواني‬
‫عن الذين �سافروا إ�لى ال�صين والهند وال�سند وماليزيا‬ ‫في الفندق نف�سه‪ ،‬ويقول «ف�ُس ّر ك ُّل واحد منا بر ؤ�ية أ�خيه‪،‬‬
‫و أ�خبرني �أنه ورد المدينة منذ أ�حد ع�شر يو ًما من دم�شق»‪،‬‬
‫و�أمريكا و�أوروبا؟‬ ‫ولا يطيل ال�شيخ في ذكر تفا�صيل اللقاء‪ ،‬ولكن اللقاء في‬
‫*****‬ ‫بيروت يد ُّل على �أ ّن العمانيين كانوا قد أ�لفوا الرحلات و�ألفوا‬
‫لقد خطت الباحثة مريم الغافرية خطوة مهمة في التنقيب‬ ‫التوا�صل مع ا آلخرين‪� ،‬أما الموقف الثاني فيحكي فيه ال�شيخ‬
‫عن �أدب الرحلات عند العمانيين‪ ،‬والمطلوب ا آلن هو ت�ضافر‬ ‫البرواني في ال�صفحة ‪� ،147‬أنه بعد زيارة الأنبياء عليهم‬
‫الجهود لإبراز ذلك الموروث من خلال و�سائل الإعلام‬ ‫ال�صلاة وال�سلام في الخليل‪ ،‬رجع �إلى القد�س ال�شريف‪،‬‬
‫المختلفة‪ ،‬لأ ّن ك َّل تلك التجارب �إنما هي ح ٌّق للأجيال‬ ‫وهناك قام بزيارة بع�ض الم�شاهد‪ ،‬منها قبر �سيدنا «�سليمان»‬
‫الحا�ضرة والقادمة‪ ،‬وهناك الكثير من تلك التجارب اختفت‬ ‫عليه ال�سلام‪ ،‬ويقول إ�نه «وجد على قبر النب ّي �سليمان ك�سوة‪،‬‬
‫وطواها الن�سيان‪ ،‬ففي إ�حد الم�ؤتمرات ا إل�سلامية التي‬ ‫وعليها ا�سم �صاحبة ال�سيرة الم ْر�ضية‪ ،‬واله ّمة ال�َسن ّية بنت‬
‫ُعقدت في ماليزيا ‪ -‬على �سبيل المثال ‪ ،-‬تم التعريف بالدور‬ ‫�سالم بن �سعيد الحارثية‪ ،‬والدة ال�شيخ �سالم بن �سلطان‬
‫الذي لعبه العمانيون في ن�شر ا إل�سلام هناك‪ ،‬وقد تم �أخذ‬ ‫الريامي‪ ،‬ف إ�نها ل ّما قدمت إ�لى القد�س ال�شريف ك�ست القبر‬
‫الم�شاركين في الم�ؤتمر �إلى م�سجد «عبد الرحمن العماني»‬ ‫بهذه الك�سوة‪ ،‬وعملتها على نفقتها الخا�صة‪ ،‬تقرب ًا لله»‪ ،‬وهي‬
‫الذي ُبني قبل ‪ 800‬عام‪ .‬وفي بومبي بالهند‪ ،‬هناك في و�سط‬ ‫دلالة كبرى على �أ ّن العمانيين توا�صلوا مع ا آلخرين‪ ،‬وتعدى‬
‫ال�سوق م�سجد بناه العمانيون الذين كانوا ي�سافرون إ�لى بقاع‬ ‫ا ألمر الرجال �إلى الن�ساء‪� .‬أما الموقف الثالث فيحكي ال�شيخ‬
‫ا ألر�ض المختلفة ي�سمى «قهوة خانة» يعود تاريخه �إلى عام‬ ‫«البرواني» �أنه أ�ثناء عودته إ�لى زنجبار ر�ست ال�سفينة في‬
‫‪ ،1913‬وهي فترة قد لا تكون طويلة إ�لا أ� ّن بناءه في الهند‬ ‫ميناء جيبوتي‪ ،‬وهناك قابل عمان ّيا هو ال�شيخ �صالح بن أ�حمد‬
‫يعود �إلى توا�صل العمانيين منذ القدم مع الثقافات العالمية‬
‫ا ألخرى‪� ،‬أما في جزر القمر فهناك بلدة قديمة ت�سمى ُعمان‪،‬‬
‫�أ�س�سها العمانيون منذ أ�كثر من أ�لف �سنة‪.‬‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫الثقافـي‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪60‬‬

‫«الأرجوزة ا إل�سلامية للقارة الأمريكية» أ�روع و أ�دق الرحلات‬ ‫�أما الف�صل الرابع فتركز فيه الباحثة على رحلة ال�سلطان‬
‫النظمية ت�صوي ًرا للأزمنة والأمكنة‪ ،‬وهي من نظم ال�شيخ‬ ‫خليفة بن حارب �أنموذ ًجا للدرا�سة؛ فتناول التقديم المادي‬
‫للرحلة و�أهميتها و�أ�سباب اختيارها أ�نموذ ًجا للدرا�سة‬
‫�سعيد بن حمد الحارثي ‪ -‬رحمه الله ـ‪.‬‬ ‫والتحليل‪ ،‬كذلك درا�سة الخ�صائ�ص الأدبية لرحلة ال�سلطان‬
‫وهناك جانب مهم �أ�شارت إ�ليه الباحثة مريم الغافرية‬ ‫خليفة بن حارب‪ ،‬والحديث عن المنهج الذي �سار عليه‬
‫هو عدم خلو أ�دب الرحلات في ُعمان من وجود رحلات‬ ‫الكاتب في و�صف تلك الرحلة‪ ،‬والأ�سلوب الذي ا�ستعان به‬
‫ن�سائية مكتوبة‪ ،‬مثل رحلة عائ�شة بنت محمد بن عي�سى‬ ‫كاتب الرحلة في �إي�صال ال�صور المختلفة؛ كما تعرج على‬
‫الحارثية إ�لى الحج‪ ،‬وهذه ميزة أ�خرى ت�ضاف إ�لى ر�صيد‬
‫درا�سة العنا�صر الفنية للرحلة‪.‬‬
‫أ�دب الرحلات العمانية‪.‬‬ ‫وتو�صلت الباحثة مريم الغافرية في كتابها « أ�دب الرحلات‬
‫ويخل�ص البحث �إلى �أ ّن الرحلات الدينية جاءت في �صدارة‬ ‫العمانية‪ ..‬رحلة ال�سلطان خليفة بن حارب �أنموذ ًجا»‪ ،‬إ�لى‬
‫مجمل رحلات العمانيين‪ ،‬وبعدها ت�أتي الرحلات ال�سياحية‪،‬‬ ‫مجموعة من النتائج هي أ� ّن أ�دب الرحلات في عمان كان‬
‫ومن ثم الرحلات الق�ضائية‪ ،‬وبعدها الرحلات العلاجية‪،‬‬ ‫أ�د ًبا يقوم على الم�شافهة‪ ،‬حاله كحال بقية الألوان النثرية‬
‫ومن ثم الرحلات العلمية‪ ،‬و�أخير ًا الرحلات الدبلوما�سية‬ ‫وال�شعرية ا ألخرى التي ن�ش�أت من قديم الزمان؛ فلم يكن له‬
‫وال�صحفية؛ وتمثلت الرحلات الدبلوما�سية في رحلات‬ ‫حظ من التدوين‪ ،‬فانتقل عن طريق الرواية ال�شفهية؛ مما‬
‫الحكام وال�سلاطين‪ .‬وت أ�تي رحلتا ال�سلطان خليفة بن حارب‬ ‫�أدى لفقدان الكثير من التراث الأدبي للرحلات العمانية‬
‫إ�لى أ�وروبا عامي ‪ 1936‬و ‪1960‬م‪ ،‬في مرتبة ال�صدارة في‬ ‫القديمة‪ ،‬كما أ� ّن أ�ول رحلة عمانية مكتوبة وجدت في القرن‬
‫الرحلات العمانية الدبلوما�سية‪ ،‬فقد رحل ال�سلطان خليفة‬ ‫الثالث الهجري منت�صف القرن التا�سع الميلادي هي رحلة‬
‫لي�شهد منا�سبتين قوميتين في �أوروبا بدعوى ر�سمية والمتمثلة‬ ‫«محمد بن مداد بن ف�ضالة الناعبي»‪ ،‬وهي رحلة إ�لى بلاد‬
‫في تتويج الملك جورج ال�ساد�س عام ‪1936‬م‪ ،‬وح�ضور حفل‬ ‫الحجاز‪ ،‬لأداء «حج الفري�ضة»‪ ،‬وهذه أ�ول رحلة يتم تدوينها‬
‫مبك ًرا‪ ،‬أ�ما الرحلة في الع�صر النبهاني فتقول الباحثة إ� ّنها‬
‫تتويج الملكة إ�ليزابيث الثانية عام ‪1953‬م‪.‬‬ ‫لم تكن وا�ضحة ب�شروطها الأدبية‪ ،‬لأن معظمها تركز على‬
‫*****‬ ‫ق�صائد مدح الملوك‪ ،‬وو�ص ِف ال�سير إ�لى الحج‪ ،‬وزيارة‬
‫الأماكن المقد�سة في مكة والمدينة‪ ،‬والبع�ض الآخر أ�فرد‬
‫�إ ّن توا�صل العمانيين مع الثقافات والمجتمعات الخارجية‬
‫حدث منذ قرون كثيرة‪ ،‬لذا فقد و�صلوا �إلى ال�صين وماليزيا‬ ‫الحديث في مدائحه للرحلة الحجازية و�أكث َر الحديث‪.‬‬
‫والهند وال�سند وتركيا و أ�مريكا و�أوروبا و�أفريقيا‪� ،‬سواء‬ ‫وت�شير الباحثة إ�لى أ� ّن هناك رحلات منظومة على هيئة‬
‫ك�أ�شخا�ص أ�و كدولة‪ ،‬ومنهم من تبو�أ مراكز كبيرة في الأماكن‬ ‫أ�راجيز تظهر براعة العمانيين في هذا المجال‪ ،‬فكانت‬
‫الرحلة الواحدة تتجاوز �أكثر من مائة بيت‪ ،‬وت أ�تي في مقدمة‬
‫التي و�صلوا �إليها‪.‬‬ ‫هذه الرحلات «الرحلة ا ألدبية ل ألقطار الأفريقية» وهي‬
‫وفي كتاب «رحلة �أبي الحارث» لل�شيخ ا ألديب محمد بن علي‬ ‫�أطول منظومة في أ�دب الرحلات العمانية‪ ،‬حيث تت�ألف من‬
‫بن خمي�س البرواني‪ ،‬ثلاثة مواقف ت�شير إ�لى �سبق العمانيين‬ ‫�سبعمائة وت�سعة ع�شر بي ًتا‪ .‬وقد مثلت الرحلات النظمية‬
‫في التوا�صل مع العالم؛ وقد �صدر الكتاب أ�ول مرة في زنجبار‬ ‫الجزء الأكبر في �أدب الرحلات العمانية‪ ،‬وهذا يميز‬
‫عام ‪1915‬م‪ ،‬عن رحلة الم�ؤلف التي انطلقت من زنجبار يوم‬ ‫الرحلات العمانية ب�صورة خا�صة‪ ،‬وهذا التميز ي�ضيف ألدب‬
‫الجمعة ‪1914/4/17‬م‪ ،‬على باخرة �ألمانية‪ ،‬للاطلاع على‬ ‫الرحلات في الأدب العربي التوازن بين دفتيه ال�شعر والنثر‪،‬‬
‫بلدان العالم ا إل�سلامي‪ ،‬وفي هذه الرحلة �سافر البرواني إ�لى‬ ‫فمن المعروف �أ ّن �أغلب الرحلات العربية كتبت نث ًرا‪ ،‬وعليه‬
‫م�صر وال�شام‪ ،‬حيث انطلقت رحلته من زنجبار‪ ،‬واتجهت إ�لى‬ ‫ف�إ ّن وجود هذا الكم من الرحلات ال�شعرية يعمل على تحقيق‬
‫تانجا‪ ،‬ثم ممبا�سا‪ ،‬وعدن‪ ،‬وال�سوي�س‪ ،‬وبور�سعيد‪ ،‬والقاهرة‪،‬‬ ‫توازن بين دفتين تكاد �إحداهما تطغى على الأخرى‪ .‬وتمثل‬
‫وبيروت‪ ،‬ودم�شق‪ ،‬ويافا‪ ،‬ثم العودة إ�لى بور �سعيد‪ ،‬والقاهرة‪،‬‬
‫وجيبوتي‪ ،‬وعدن وممبا�سا وحتى �صلت إ�لى زنجبار‪ ،‬وغطت‬
‫الرحلة م�ساحة ا�سعة من المدن الواقعة في المحيط الهندي‪،‬‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪63‬‬ ‫الثقافـي‬

‫خ�ص�صها لقراءة وتفكيك ونقد م�شروع المفكر الراحل محمد‬ ‫ففولتير يعود �إلى وطنه بعد غياب طويل ليتفاج أ� به �شرطي‬
‫عابر الجابري (نقد العقل العربي)‪ .‬وقد �سمى طرابي�شي‬ ‫الجمارك حين ي أ�تي لتفتي�ش المركبة التي تقله في�سمع �صوت‬
‫م�شروعه (نقد نقد العقل العربي) وطرحه في أ�ربعة �أجزاء‪،‬‬ ‫فولتير قائلا له‪« :‬لا �شيء منو ٌع داخل المركبة �سواي»! في�صرخ‬
‫تناول الجزء ا ألول (نظرية العقل العربي)‪ ،‬فيما تناول الجزء‬ ‫ال�شرطي في ذهول‪« :‬يا �إلهي �إنه م�سيو فولتير»!‪ .‬يقول أ�حمد‬
‫الثاني (�إ�شكاليات العقل العربي)‪ ،‬وتناول الجزء الثالث‬ ‫ال�شواني في كتابه (عظماء وم�شاهير معاقون غيروا مجرى‬
‫(وحدة العقل العربي)‪� ،‬أما الجزء الرابع فتناول (العقل‬ ‫التاريخ) عن فولتير بعد عودته �إلى باري�س‪« :‬وا�ستقبلته‬
‫باري�س ا�ستقبالا رائعا‪ ،‬وفتحت ا ألكاديمية ا ألهلية التي حاربته‬
‫الم�ستقيل في ا إل�سلام)‪.‬‬ ‫طويلا ذراعيها لذلك ا ألديب الثائر العظيم»‪ .‬ويقول‪« :‬وكان‬
‫ورغم ما قام به طرابي�شي من جهد وما بذله من نقد في‬ ‫خير جزاء ناله فولتير حين قامت الثورة الفرن�سية و�أخرج‬
‫منجر الجابري �إلا �أنه يقول في توا�ضع العلماء والكبار‪« :‬و إ�ني‬ ‫النا�س جثته وو�ضعوا نع�شه فوق (�سجن) البا�ستيل مدة ليلة‪،‬‬
‫ألقولها �صراحة اليوم‪ :‬إ�ني �أعترف‪  ‬للجـابري‪ ،‬ا ّلذي ق�ضيت‬ ‫فقد كان ليديه ال�ضعيفتين الف�ضل في الق�ضاء على هذا ال�سن‬
‫معه ربع قرن بكامله و�أنا �أقر ؤ�ه و أ�قر�أ مراجعه‪ ‬ومئات المراجع‬
‫في التراث ا إل�سلامي ومن قبله الم�سيحي ومن قبلهما التراث‬ ‫العتيد الرهيب»‪.‬‬
‫اليوناني وكل ما ي�ستوجبه الحوار مع م�شروعه‪ ،‬إ�ني �أق ّر له‪،‬‬ ‫أ�ما العربي جورج طرابي�شي فلا الوطن م�ستعد لا�ستقباله‬
‫و أ�عترف أ�مامكم‪ ،‬أ� ّنه أ�فادني �إفادة كبيرة‪ ،‬و أ�نه أ�رغمني علــى‬ ‫�أو احت�ضانه وتكريمه‪ ،‬ولا الثورات الظلامية الطائفية‬
‫إ�عادة بناء ثقـافتي التراثية ‪ .‬ف أ�نــا له أ�دين‪  ‬بالكثير رغم ك ّل‬ ‫والتكفيرية لديها من الت�سامح والفكر لا�ستقبال مفكر‬
‫عقلاني حر يحمل م�شعل التنوير والنقد ومحاربة الخرافة‬
‫النقد ا ّلذي و ّجهته �إليه»‪.‬‬ ‫والزيف والتع�صب المقيت‪ .‬لذا ف�إنه بالرغم من ا آلمال‬
‫و�إننا إ�ذ نودع اليوم المفكر العربي الكبير جورج طرابي�شي‬ ‫التي كان يراهن بها طرابي�شي على هذه الثورات‪ ،‬إ�لا أ�نه‬
‫ف إ�ننا نودع علما من أ�علام الفكر ومنارات الثقافة ال�سامقة‬ ‫�سرعان ما خذلته أ�حلامه و�أ�صيب با إلحباط والخيبة‬
‫في عالمنا العربي‪ ،‬فكان مثالا ل إلخلا�ص ألمته العربية‬ ‫تجاهها‪ ،‬إ�ذ تبين له خطورتها والم آ�ل الذي ت�سوق الوطن‬
‫وثقافتها وح�ضارتها التي �سيظل ا�سمه محفورا في ذاكرتها‬ ‫�إليه‪ .‬فها هو يقول في مقالته ا آلنفة الذكر‪ ..« :‬وكما �أثبت‬
‫التطور اللاحق ل ألحداث‪ ،‬ف إ�ن ما قام البرهان على �أنه‬
‫�إلى ا ألبد‪.‬‬ ‫كان في محله هو توج�سي بالذات‪ :‬فالربيع العربي لم يفتح‬
‫من �أبواب أ�خرى غير �أبواب الجحيم والر ّدة �إلى ما قبل‬
‫العدد(‪)7‬‬ ‫الحداثة‪  ‬الم أ�مولة والغرق من جديد في م�ستنقع‪  ‬القرون‬

‫الو�سطى ال�صليبية‪/‬الهلالية»‪.‬‬
‫ترك جورج طرابي�شي للمكتبة العربية إ�رثا عظيما من الكتب‬
‫المهمة والترجمات‪ ،‬فقد ترجم لكبار الفلا�سفة والكتاب‬
‫والمبدعين مثل �سيجموند فرويد وهيغل وجان بول �سارتر‬
‫ونيكو�س كازانتزاكي�س وغيرهم‪ .‬كما قدم العديد من الكتب‬
‫في الفل�سفة والفكر ال�سيا�سي والتراث والنقد ا ألدبي‪ ،‬ما‬

‫عك�س عمق ثقافته و إ�خلا�صه لم�شروعه الثقافي الكبير‪.‬‬
‫أ�ما ال�سنوات الخم�س والع�شرون ا ألخيرة من عمره فقد‬

‫الثقافـي‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪62‬‬

‫رحيل جورج طرابي�شي‬

‫الموت في �شكله الفجائعي‬

‫ح�سن المطرو�شي‬

‫هي محطة التوقف وال�صمت وال�شلل التام عن الكتابة‪ :‬محطة‬ ‫«يبقى أ�ن �أختم ف�أقول �إن �شللي عن الكتابة‪� ،‬أنا الذي لم �أفعل‬
‫ا أللم ال�سوري المتوا�صل منذ نحو �أربع �سنوات بدون أ�ن يلوح‬ ‫�شيئا آ�خر في حياتي �سوى �أن أ�كتب‪ ،‬هو بمثابة موت‪ .‬ولكنه‬
‫يبقى على كل حال مو ًتا �صغي ًرا على هام�ش ما قد يكونه‬
‫في ا ألفق �أي ب�شير بنهاية له»‪.‬‬
‫بعد هذه ا أل�سطر ب�شهور قليلة يحل القدر المحتوم ليختطف‬ ‫الموت الكبير الذي هو موت الوطن»‪.‬‬
‫روح المفكر ال�سوري العربي الكبير جورج طرابي�شي في منفاه‬ ‫بهذه العبارات الفجائعية التي تفي�ض ح�سرة وتقطر �ألما‬
‫الاختياري باري�س الذي ا�ضطر للجوء إ�ليه فرارا من جحيم‬ ‫يختتم المفكر العربي الراحل جورج طرابي�شي مقالته‬
‫الحرب الأهلية في بيروت التي جاء �إليها ب أ�حلامه الكبرى‬ ‫الطويلة التي ن�شرها العام الما�ضي على موقع «�أثير» تحت‬
‫عام ‪1972‬م‪ ،‬محملا ب�إرث كبير من الثقافة والوعي والتجارب‬
‫ال�سيا�سية وال�سجون والأحزاب والأيديولوجيات التي اعتنقها‬ ‫عنوان (�ست محطات في حياتي)‪.‬‬
‫القارئ له المقالة الرثائية ي�ست�شعر من خلالها وك أ�نها‬
‫وتبناها والقيم التي نا�ضل من أ�جلها‪.‬‬ ‫تلويحة وداع نهائية من طرابي�شي للعالم‪ ،‬أ�و هي وثيقة‬
‫إ�ن هذا الموت بهذه ال�صورة الم�ؤلمة التي انتهت بها حياة‬ ‫رحيل �أخيرة‪ ،‬ينعى طرابي�شي من خلالها نف�سه بمرارة‬
‫جورج طرابي�شي تحيلنا �إلى كتاب (لو كان فولتير عربيا)‬ ‫عميقة و أ��سى كبير‪ ،‬لي�س لإح�سا�سه بنهاية نفق العمر‪ ،‬و�إنما‬
‫وهو الكتاب الذي يقدم فيه الم ؤ�لف الدكتور وليد محمود‬ ‫حزنا وكمدا على ما أ��صاب وطنه «�سوريا» جراء الفتنة التي‬
‫خال�ص قراءات معمقة في م�شروع الطرابي�شي لي�ؤكد من‬ ‫تحل بها ما أ�دخلها في حرب �ضرو�س بلغت خم�س �سنوات‬
‫خلاله‪ « :‬إ�ن ما قدمه طرابي�شي للثقافة العربية يوازي ما‬
‫قدمه فولتير لفرن�سا و أ�وروبا‪ ،‬مع التنويه أ�ن طرابي�شي‬ ‫متوا�صلة أ�كلت ا ألخ�ضر والياب�س‪.‬‬
‫ي�شتغل في مناخ أ�كثر تع�صبا وقتامة من ذلك الذي ا�ستظل‬ ‫في هذه المقالة ق�سم جورج طرابي�شي حياته �إلى �ست‬
‫فولتير بظلاله»‪ .‬و�إذ ي�شير الدكتور وليد محمود خال�ص إ�لى‬ ‫محطات مف�صلية �أثرت في تكوينه الثقافي والفكري و�شكلت‬
‫الاختلاف في المناخين اللذين كان يعمل في ظلهما كل من‬ ‫تجربته الكبرى التي قدم من خلالها نتاجا فكريا ونقديا قل‬
‫فولتير وطرابي�شي‪ ،‬ف إ�ننا هنا ن�شير �إلى الاختلاف أ�ي�ضا في‬ ‫نظيره‪ .‬ونجده في هذا المقال يبد�أ بذكر الموت ويختتمه‬
‫بهذه العبارة الم�ؤلمة التي تج�سد المحطة ال�ساد�سة والأخيرة‬
‫النهايتين التي انتهت بهما حياة كل منهما‪.‬‬ ‫في حياته حيث يقول‪« :‬لكن المحطة ال�ساد�سة كانت بالمقابل‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪65‬‬ ‫الثقافـي‬

‫إ�ذ ًا‪ ،‬بعد �أن تعرفنا على ت�شوم�سكي دعنا ندخل في‬ ‫الحياة الاجتماعية تجد أ�ن جميع كتبه على نف�س الم�ستوى‬
‫الكتاب‪.‬ولنبد�أبالتعريفيناللذينيقدمهمات�شوم�سكي‬ ‫من الأهمية‪.‬‬

‫للديمقراطية‪ ،‬و�أحد هذين التعريف طريف‬ ‫بما فيها هذا الكتاب الذي نتناوله ا آلن‬
‫نعم‪ .‬طبعا العنوان ا ألول للكتاب هو «ال�سيطرة على ا إلعلام»‪،‬‬ ‫لا �شك‪ ..‬لأنه يزيل عن عينيك غ�شاوة كنت ت�ضعهاعلى نظم‬
‫وثمة عنوان جانبي هو «ا إلنجازات الهائلة للبروباجندا»‪.‬‬ ‫معينة تظهر لنا ب�صورة معينة في ا إلعلام‪ ،‬لكنها في الواقع‬
‫ومثلما قلت ف إ�ن نعوم ت�شوم�سكي ي�صدمك في الكتاب ب أ�نه‬ ‫مختلفة جدا‪ .‬هناك لاعبون من خلف الم�شهد يتحكمون‬
‫يبرز تعري َف ْين للديمقراطية‪ ،‬يبد أ�هما بالتعريف ال�شائع‬ ‫فيه‪ ،‬وهو يتحدث عن هذا ال�شكل الديمقراطي الذي ي�صفه‬
‫وهو �أن يكون للعامة القدرة على امتلاك زمام أ�مورهم‬
‫والم�س�ؤوليات‪ ،‬و�أي�ضا أ�ن تكون لهم الحرية في الو�صول‬ ‫بتف�صيل كبير في هذا الكتاب‪.‬‬
‫للمعلومة من خلال و�سائل الإعلام‪ .‬هذا هو التعريف الأول‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬و�سن�صل إ�لى هذا التف�صيل‪ .‬ولكن دعنا �أول ًا‬
‫ولكنه يطرح تعريفا آ�خر للديمقراطية‪ :‬أ�ن ُيق َّيد ه ؤ�لاء العامة‬
‫و�أن ُيمنعوا من الو�صول إ�لى و�سائل الإعلام‪ ،‬هذا هو النوع‬ ‫نتعرف أ�كثر على نعوم ت�شوم�سكي‬
‫نعوم ت�شوم�سكي مواطن أ�مريكي ُولد في ‪ 7‬دي�سمبر ‪1928‬م‬
‫الثاني من الديمقراطية كما يقول ت�شوم�سكي‪.‬‬ ‫في ولاية فيلادلفيا‪ ،‬وهو أ��ستاذالل�سانيات وفيل�سوف �أمريكي‪،‬‬
‫طبع ًا ال�سيطرة على و�سائل الإعلام ت�ؤدي‬ ‫با إل�ضافة �إلى أ�نه عالم إ�دراكي وعالم بالمنطق‪ ،‬وهو م�ؤرخ‬
‫بال�ضرورة إ�لى إ�دارة الر أ�ي العام‪ .‬أ�تمنى أ�ن تف ّ�صل‬ ‫وناقد ونا�شط �سيا�سي‪ ،‬ولديه �أكثر من مائة كتاب‪ ،‬و َك َت َب في‬
‫الحرب وال�سيا�سة وو�سائل ا إلعلام‪ .‬هذا ب�شكل عام‪ .‬لكن‬
‫في هذه النقطة‪.‬‬ ‫هناك أ�ي�ضا �إ�ضافة جميلة‪ :‬وفقا لقائمة ا إلحالات في الفن‬
‫قبل �أن يدخل ت�شوم�سكي في تفا�صيل كيف تتم �إدارة الر�أي‬ ‫والعلوم الإن�سانية التي �صدرت عام ‪ 1992‬فقد تم الا�ست�شهاد‬
‫العام يبين لك كيف ن�ش�أ النظام الديمقراطي الأمريكي الذي‬ ‫بت�شوم�سكي كمرجع �أكثر من أ�ي عالم �آخر خلال الفترة ما‬
‫هو محل الدرا�سة في هذا الكتاب‪ ،‬ففي البداية يو ِّ�صف كيف‬ ‫بين عامي ‪ 1980‬و‪ ،1992‬كما �صنف بالمرتبة الثامنة ألكثر‬
‫ن�ش�أ هذا ال�شكل الديمقراطي‪ ،‬فيقول إ�نه بحكم الخلفية‬ ‫المراجع التي يتم الا�ست�شهاد بها على الإطلاق في قائمة‬

‫العدد(‪)7‬‬ ‫ت�ضم ا إلنجيل وكارل مارك�س وغيرهم‪.‬‬

‫الثقافـي‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪64‬‬

‫في هذه الم�ساحة نعر�ض في كل عدد كتاب ًا من الكتب التي‬ ‫كتاب أ�عجبني‬
‫عر�ضها البرنامج ا إلذاعي «كتاب أ�عجبني» الذي بد�أت اذاعة‬
‫�سلطنة ُعمان بثه في أ�كتوبر ‪ .2010‬ومنذ ذلك الحين ا�ست�ضاف‬
‫فيه معده ومقدمه �سليمان المعمري ع�شرات القراء الذين عر�ضوا‬
‫مئات الكتب‪ .‬في هذا العدد نعر�ض كتاب «ال�سيطرة على الإعلام»‬

‫للمفكر والفيل�سوف ا ألمريكي نعوم ت�شوم�سكي‪.‬‬

‫عر�ض الكاتب‪ :‬إ��سماعيل المقبالي‬

‫هكذا ي�سيطر الغرب‬
‫«الديمقراطي» على ا إلعلام!‬

‫لماذا اختر َت كتاب «ال�سيطرة على الإعلام»؟‬ ‫يقول م�ؤلف كتابنا في حلقة اليوم‪�« :‬صورة العالم التي تقدم‬
‫بداي ًة �أخي �سليمان؛ �إذا كنا �سنق�سم الكتب من حيث القيمة‬ ‫لعامة الجمهور �أبعد ما تكون عن الحقيقة‪ ،‬وحقيقة ا ألمر‬
‫�سنجد أ�ن بع�ض الكتب ت�ستمد قيمتها من الموا�ضيع التي‬ ‫عادة ما يتم دفنها تحت طبقة وراء طبقة من الأكاذيب‪،‬‬
‫تطرحها‪ ،‬وهناك كتب أ�خرى ت�ستمد قيمتها من الكاتب الذي‬ ‫وكان هذا نجاحا مبهرا‪ ،‬حيث �أنه منع التهديد الذي تمثله‬
‫كتبها‪ .‬على �سبيل المثال يعرف الجميع �أن كتاب «الأمير»‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬وتم إ�نجازه في إ�طار من الحرية‪ ،‬وهو أ�مر في‬
‫هو للإيطالي نيقولا ميكيافيللي‪ ،‬ولكن ربما لا يعرفون أ�ن له‬ ‫غاية من الت�شويق‪ ،‬فهو لي�س مثل الدولة ال�شمولية حيث تطبق‬
‫م ؤ�لفات �أخرى مثل كتاب «فن الحرب» وكتاب «المطارحات»‬
‫ألن قيمة الكتاب أ�و المو�ضوع الذي طرقه في تلك الفترة‬ ‫بالقوة‪ ،‬و إ�نما هذه المنجزات تتم في �إطار من الحرية»‪.‬‬
‫كانت له �أهمية كبرى‪ ،‬لكن تجد كتب ًا �أخرى ت�ستمد قيمتها‬ ‫كان هذا مقتطف ًا من كتاب «ال�سيطرة على الإعلام» للمفكر‬
‫من قيمة الكاتب‪ ،‬ككتب أ�ر�سطو و أ�فلاطون التي نجد �أن‬ ‫والفيل�سوف الأمريكي نعوم ت�شوم�سكي‪ ،‬الذي �صدرت ترجمته‬
‫جميعها لها نف�س القيمة والأهمية‪ .‬هذا هو �أي�ضا ما يميز‬ ‫إ�لى العربية عن مكتبة ال�شروق الدولية‪ ،‬بترجمة �أميمة‬
‫كتب نعوم ت�شوم�سكي‪ ،‬بحكم قيمته الفكرية و إ��سهاماته في‬ ‫عبداللطيف‪ ..‬هذا الكتاب �سنتناوله في هذه الحلقة ب�صحبة‬

‫الكاتب إ��سماعيل المقبالي‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪67‬‬ ‫الثقافـي‬

‫وهو عبارة‬ ‫الكتاب‪.‬‬ ‫من‬ ‫الأخير‬ ‫نععنم‪.‬مطحباع ًا�ضرهةذا�أُلهقيو ْاتلجعازمء‬
‫«فير» التي‬ ‫م ؤ��س�سة‬ ‫في‬ ‫‪2002‬‬
‫تعنى بالدقة والو�ضوح في التغطية ال�صحفية‪ .‬هو يتخيل‬
‫أ�ن �صحفي ًا جاء من المريخ ودر�س طبع ًا المبادئ والقيم‬
‫ال�سامية التي يقوم عليها المجتمع الغربي في الع�صر‬
‫الحديث‪ ،‬من حرية وعدالة وم�ساواة‪ ،‬الخ‪ ،‬ثم ذهب إ�لى‬
‫الأر�ض وبد أ� يغطي ا ألحداث التي ح�صلت هناك‪ ،‬ف�سوف‬
‫يجد هذا ال�صحفي أ�ن مو�ضوع «الحرب على ا إلرهاب»‬
‫الذي ظهر لنا فج�أة �سنة ‪ 2001‬تقريبا لي�س هو أ�ول‬
‫نلخ�صها في كلمة واحدة‪« :‬النفاق»‪ ،‬و�أن ال�سيطرة‬ ‫حديث عن الحرب على ا إلرهاب‪ .‬لأنه �سنة ‪ 1985‬في عهد‬
‫على ا إلعلام هي التي ت�ؤدي �إلى توجيه الر�أي العام‬ ‫الرئي�س رونالد ريغان كانت هناك حملة كبرى ت�صدر ْت‬
‫و�سائل ا إلعلام هي «حملة الحرب على ا إلرهاب»‪ ،‬وكانت‬
‫إ�لى وجهة نظر معينة يريدها ال�سا�سة‬ ‫على ال�شرق ا ألو�سط‪ .‬لكن ألن ذاكرة الر أ�ي العام ق�صيرة‬
‫لا �شك‪ .‬هذا هو ب�شكل عام هو لب الكتاب‪ .‬وهناك �أي�ضا‬ ‫جدا فهي لا تذكر هذا الأمر‪ ،‬فهو �سيجد أ�ن هذا المو�ضوع‬
‫م�شاهد �أخرى و أ�مثلة مثيرة للا�ستغراب لم نكن ندركها في‬ ‫تكرر �أي�ضا‪ .‬ثم �سيجد أ�مر ًا غريبا؛ أ�ن الأ�شخا�ص الذين‬
‫�ُش ّنت عليهم الحرب في ال�سنوات الأخيرة كانوا في تلك‬
‫هذا المو�ضوع‬ ‫الفترة (منت�صف الثمانينيات) هم ر�سل الحرية‪ ،‬فعلى‬
‫حبذا لو ت�ضرب مثالا قبل أ�ن نختم هذا الحوار‪.‬‬ ‫�سبيل المثال نظام �صدام ح�سين كان الغرب يدعمه بكل‬
‫ذكر ت�شوم�سكي مو�ضوع مذكرات ال�سجين الكوبي‬ ‫الطرق‪ ،‬لأن النظام ا إليراني خرج عن �سيطرة الغرب‬
‫�أرماندوفالديز التي ن�شرت �سنة ‪ .1986‬ولأن تلك الفترة‬ ‫الذي وجد النظام العراقي منا�سب ًا لكبح جماح �إيران‪،‬‬
‫هي فترة الخلاف بين �أمريكا وكوبا فقداح ُت ِفيبهذا‬ ‫بل و�أطلقوا عليه لقب حار�س الحرية‪ ،‬ثم تحول هذا‬
‫ال�شخ�ص‪ ،‬وا�س ُتق ِبل في البيت الأبي�ض‪ ،‬و ُع ِّين في مقعد‬ ‫الحليف‪ /‬ال�صديق فج�أة في حرب الخليج �إلى �شيطان‪،‬‬
‫أ�مريكا في لجنة حقوق ا إلن�سان با ألمم المتحدة‪ ،‬ودافع‬ ‫حتى إ�ن ت�شوم�سكي ي�سخر من هذه الفكرة؛ كيف يتحول‬
‫عن ال�سيا�سات الأمريكية التي كانت تتبعها مع النظا َم ْين‬ ‫�شخ�ص بهذه القدرات الب�سيطة‪� ،‬إلى �شخ�ص قادر على‬
‫الحاك َم ْين في ال�سلفاور ونيكاراغوا‪ ،‬على الرغم من أ�ن‬ ‫غزو العالم‪ ،‬في حين �أن أ�مريكا نف�سها هي من �صنعته‬
‫النظام الذي تدعمه �أمريكا في ال�سلفادور في ذلك الوقت‬ ‫و أ�نتجته من خلال مخابراتها‪ ،‬هذه هي الفكرة العامة‬
‫اعتقل قرابة ‪ 432‬محامي ًا مدافع ًا عن حقوق ا إلن�سان‬ ‫في هذا الباب‪ ،‬وهناك أ�ي�ضا تناق�ضات أ�خرى يذكرها‬
‫و ُع َّذبوا ب�شتى �صنوف التعذيب‪ ،‬حتى إ�ن الم ؤ�لف يقول �إنه‬ ‫ت�شوم�سكي مع المبادئالتي يدر�سها العالم ب�شكل عام‪،‬‬
‫لو قورن تعذيب ه�ؤلاء بما تعر�ض له ال�سجين الكوبي ف�إنه‬ ‫والمجتمع الأمريكي ب�شكل خا�ص‪ ،‬في الكليات والجامعات‬
‫تعذيبه يعتبر كحبة �أ أ� أ� أ�مام جبل‪ .‬وعندما ك�شف �سجين في‬ ‫وو�سائل ا إلعلام العامة التي تختلف تماما عما يح�صل‬
‫ال�سلفادور وا�سمه هربرت دنايا ف�ضيحة التعذيب هذه التي‬ ‫على ا ألر�ض‪ ،‬و�أي�ضا لا يخفى عليك مو�ضوع العلاقات‬
‫تورط فيها نظام ال�سلفادور الذي كانت تدعمه أ�مريكا لم‬ ‫الإ�سرائيلية ا ألمريكية والازدواجية في التعامل معه‪ ،‬وهو‬
‫ي�سانده وزملاءه أ�حد‪ ،‬ولم ُيع َط نف�س الاهتمام الذي ناله‬ ‫يذكر م�شاهد و أ�مثلة كثيرة حول هذا المو�ضوع‪.‬‬
‫ال�سجين الكوبي‪ ،‬بل �إنه فوق ذلك ُق ِتل ب�شكل غام�ض‪،‬‬
‫واتجهت أ��صابع الاتهام لل�سلفادور في ذلك الوقت‪ .‬فهذه‬ ‫نعم‪ .‬والخلا�صة من هذه الم�شاهد يمكن أ�ن‬

‫هي الازدواجية التي يتحدث عنها ت�شوم�سكي‪.‬‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫الثقافـي‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪66‬‬

‫لي�ست بتلك القتامة‪ .‬فهو من الف�صل ا ألول �إلى الرابع يف ّ�صل‬ ‫التاريخية للنظام الأمريكي المتمثل في ن�ش أ�ة �شركات �صناعية‬
‫لك كيف تعمل هذه المنظومة‪ ،‬وكيف ت�ؤدي دورها‪ .‬ولكنه‬ ‫كبرى ن�ش أ� نوع من طبقة النخبة‪ ،‬وهم �أقلية في المجتمع‪،‬‬
‫في هذا الباب يريد أ�ن يظهر �أنه بالرغم من هذه ال�سيطرة‬ ‫ولكنهم يتحكمون في الأفكار وو�ضع الا�ستراتيجيات‪ ،‬وه ؤ�لاء‬
‫لكن ظهرت هناك بوادر ان�شقاق عن هذه المنظومة‪،‬‬ ‫�أوجدوا طبقة أ�خرى هي طبقة ال�سيا�سيين والمنتفعين‬
‫ون�ش�أت حركات احتجاجية معار�ضة لهذه المنظومة التي‬ ‫أ��صحاب النفوذ الذين يعملون في ال�سيا�سة أ�و في المجالات‬
‫تتحكم في �سيل المعلومات المقدمة للجمهور وتطويعها‬ ‫القريبة منها‪ ،‬ثم الطبقة العامة‪ ،‬وهم الأغلبية الذين يراد‬
‫فقط لخدمة م�صالح هذه المنظومة؛ فظهرت منظمات‬ ‫لهم �ألا يكون لهم �صوت فاعل وم ؤ�ثر في الحياة ال�سيا�سية‪،‬‬
‫ت�سمى جماعات ال�ضغط‪ ،‬كمنظمات البيئة‪ ،‬والمنظمات‬ ‫والأمر الوحيد الذي يراد منهم هو أ�ن ي�صوتوا لما تريده‬
‫الن�سوية‪ ،‬والمنظمات المناه�ضة للأ�سلحة‪ ،‬وهي منظمات‬ ‫لهم طبقة النخبة التيتمار�س دورها من خلال الطبقة‬
‫ن�ش�أت بعد حرب فيتنام‪ ،‬و�أ�صبح لها قوة فاعلة الآن‪ .‬ولو‬
‫لاحظت في الفترة الأخيرة فقد ن�ش�أت حركة «احتلوا وول‬ ‫المتخ�ص�صة‪ .‬هذا ب�شكل عام‪.‬‬
‫�ستريت» (�سنة ‪ ،) 2011‬وكان نعوم ت�شوم�سكي من أ�كبر‬ ‫طبعا قد يظن البع�ض أ�ن ال�سيطرة على و�سائل‬
‫الم�ساندين لها‪ ،‬فهو يعتبر �أن أ�حد و�سائل الخروج من‬ ‫الإعلام بد�أت فقط في الآونة ا ألخيرة بعد حرب‬
‫هذه المنظومة المهيمنة �إيجادحركات خارجة عن �سيطرة‬ ‫الخليج وحرب العراق‪ ،‬لكننا نكت�شف من كتاب‬

‫الإعلام تقوم بتو�صيل الحقيقة للر أ�ي العام‪.‬‬ ‫ت�شوم�سكي أ�ن هذه ال�سيطرة قديمة‪.‬‬
‫نعم‪ ..‬هو يذكر في البداية ب�أن هذا المو�ضوع بد�أ خلال‬
‫وهناك �أي�ضا حديث عن «ا�ستعرا�ض الأعداء»‬ ‫الحرب العالمية الأولى‪.‬فكما نعرف �أن الولايات المتحدة‬
‫نعم‪ .‬هذا باب جميل جدافي هذا الكتاب‪ .‬فهو يذكر أ�ن أ�حد‬ ‫الأمريكية دخلت الحرب العالمية ا ألولى مت�أخرة‪ ،‬إ�ذ �أن هناك‬
‫الأ�ساليب التي ت�ستخدمها هذه الآلة الدعائية الملتحفة‬ ‫نزعة لدى ا ألمريكيين لعدم خو�ض الحروب‪ ،‬بحكم الحالة‬
‫بالديمقراطية هي عن طريق «وح�شنة العدو»‪ .‬فبدل ًا من‬ ‫المدنية التي مروا بها لفترة طويلة ود�ستور الحريات الذي‬
‫ان�شغال المواطنين بالق�ضايا الملحة في المجتمع‪ ،‬من �صحة‬ ‫أ��س�سوا عليه‪.‬وكان دخول أ�مريكا الحرب العالمية ا ألولى �سنة‬
‫وتعليم وت�أمين وغيرها‪ ،‬يتم إ��شغالهم ب أ�عداء خارجيين‬ ‫‪ 1916‬في عهد الرئي�س ودرو ويل�سون‪ .‬ولكي يغير الر�أي العام‬
‫مزعومين و أ�ن عليهم التهي ؤ� لهم‪ ،‬وبالتالي ي�شكل هذا نوع ًا‬ ‫تجاه الحرب أ�ن�ش�أ لجنة ا�سمها «لجنة كريل» ( ن�سبة �إلى‬
‫من ا إللهاء ل ألفراد والا�ستنزاف للموارد‪ .‬وهناك �أي�ضا نقطة‪.‬‬ ‫رئي�سها ‪� ) George Creel‬ضمت العديد من ال�شخ�صيات‬
‫فبعد أ�ن �سقط الاتحاد ال�سوفييتي �أو ما يعرف بـ»الخطر‬ ‫الم�ؤثرة من بينهم جون ديوي أ�حد الفلا�سفة البراغماتيين‬
‫الأحمر»‪ ،‬ظهر كتاب «�صدام الح�ضارات (ل�صموئيل‬ ‫في تلك الفترة‪ ،‬فنجحت هذه اللجنة خلال �ستة �أ�شهر فقط‬
‫هنتنجتون) و أ�وجد مفهوم «الخطر الأخ�ضر» أ�ي الخطر‬ ‫في تحويل الر أ�ي العام ا ألمريكي من مناه�ض للحرب إ�لى‬
‫ا إل�سلامي‪ .‬ولقد كنت منده�ش ًا في تلك الفترة و أ��س�أل نف�سي‪:‬‬ ‫م�ؤيد لها بنوع من اله�ستيريا وراغب في تدمير العدو الألماني‬
‫لماذا يريدون عد ّو ًا دائما؟‪ ،‬حتى قر�أت هذا الكتاب و�أدرك ُت‬ ‫في تلك الفترة‪ .‬وهذا �أبهر �صناع القرار في أ�مريكا ونبههم‬

‫�أن هذه المنظومة لا بد �أن ُت�ش َغل بعدو من الخارج‪.‬‬ ‫إ�لى قوة ا إلعلام في تغيير الر أ�ي العام‪.‬‬
‫ومن هنا بد�أت إ�دارة الر�أي العام بهذه الطريقة‪.‬‬
‫نعم‪« ..‬ال�صحفي القادم من المريخ» هو عنوان‬ ‫لكن إ�دارة الر�أي العام تكون �أي�ضا في بع�ض الأحيان‬
‫محا�ضرة لت�شوم�سكي وردت في الكتاب‪ .‬حبذا �أي�ضا‬
‫عن طريق «ثقافة الان�شقاق»‬
‫لو ت�سلط ال�ضوء عليها‪.‬‬ ‫نعم‪ .‬هنا في هذا الباب من الكتاب يذكر لك �أن ال�صورة‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪69‬‬ ‫الثقافـي‬

‫بن خمي�س الخرو�صي في القرن الثالث ع�شر الحجري و أ�بي‬ ‫ت�أتي اهمية م�سابقة كهذه‪ ،‬لانا تك�شف لنا جدية الا�صوات‬
‫م�سلم الرواحي في القرن الرابع ع�شر الهجري وكتب العلامة‬ ‫الجديدة وت�ضعها أ�مام �ضوء ال�شم�س‪ ،‬ما يعني النظر اليها‬
‫الفلكي عمر بن م�سعود المنذري في القرن العا�شر الهجري‬
‫مو�سوعته الفلكية في ت�أمل الكواكب ودرا�سة حركتها في‬ ‫نقديا من ر ؤ�ى واتجاهات مختلفة‪.‬‬
‫ا�شكالية أ�ولى ان معظم الق�صائد تتغذى ا�سا�سا من المنبت‬
‫مو�سوعته علم الاجرام ال�سماوية‪.‬‬ ‫المدر�سي‪ ،‬وحيث ان التعليم المدر�سي في بلادنا يت�سم‬
‫ف�ضلا عن ع�شرات الامثلة التي مع ت أ�ملها ودرا�ستها تت�سع‬ ‫بال�ضعف والمحافظة والتقليد‪ ،‬ف إ�نه عو�ضا عن ان يفتح لنا‬
‫أ�مام ال�شاعر النا�شئ طرق الادراك والتفكير متفاعلا بذلك‬ ‫الابواب للقاء مواهب جديدة ويغذيها ‪ ،‬يقوم على العك�س‬
‫ب إ�بقائها في حوزته ال�ضعيفة‪ ،‬محا�صرا نبوغها في حدود ما‬
‫مع روافد الفكر الان�ساني في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫هو قادر على العطاء المحدود فح�سب‬
‫‪ -١‬ق�صيدة (تراتيل لغريب ما)‬ ‫هل لذلك معظم كتابات النا�شئة تتجه الى ال�شعر العمودي؟‬
‫ربما ‪ ...‬لكن هذه الملاحظة لي�ست �سلبية تماما‪ ،‬التجربة هنا‬
‫�شعر‪ :‬نا�صر الغ�ساني‬ ‫تغذي ال�شاعر النا�شئ بالثراء اللغوي والمو�سيقي ال�ضروري‪،‬‬
‫ال�شاعر يرثي مدينة تندثر‪ ،‬من خلال رثائه فراق امر أ�ة‪،‬‬ ‫خا�صة وال�شاعر في بداياته‪ .‬بل وحتى مع ا�ستمراره بطريقة‬
‫ر�أى الحياة في ح�ضورها والموت في غيابها‪ ،‬ذلك م أ�لوف‬ ‫كتابته هذه ‪ ،‬فذلك خيار له علينا احترامه وتقبله‪ .‬الأمر يكون‬
‫في ال�شعر العربي والعالمي �أي�ض ًا‪ ،‬المر�أة عندما تكون دائرة‬ ‫�سلبيا حالة وقوفة معاديا لتجارب الكتابة ال�شعرية ا ألخرى‬
‫�صغيرة ما تلبث هذه الدائرة في الات�ساع �إلى دوائر أ�كبر‬ ‫كال�شعر التفعيلي و�شعر النثر‪� ،‬سلبيا عليه بالطبع‪ ،‬ألن موقفه‬
‫هذا يبعده هو عن ما هو �ضروري معرفيا‪ ،‬يبعده عن اكت�ساب‬
‫ف أ�كبر‪ ،‬منتقل ًا بنا ال�شاعر من الذاتي �إلى المو�ضوعي‪.‬‬ ‫ثقافة جديدة تتجدد يوما بعد �آخر‪ ،‬وتتجدد بذلك طرائق‬
‫التوجه ال�صوفي نحو المر�أة‪ ،‬يظهر جليا ابتدا ًء من المقطع‬
‫التعبير بها وعنها‪.‬‬
‫الثاني من الق�صيدة عندما يوجه خطابه إ�ليها‪:‬‬ ‫من حيث انه اي�ضا في ال�شعر ثمة �شجرة واحدة فقط‪ ،‬هي‬
‫�صبي هواك‬ ‫�شجرة ال�شعر الان�ساني‪ ،‬مع تفرع أ�غ�صانها وتنوع ثمارها‪.‬‬
‫لذلك ما هو �ضروري لنا معرفة ا آلخر‪ ،‬فتح نوافذنا وابوابنا‬
‫نبيذا ملء �صومعتي‬ ‫أ�مام تجارب ال�شعر العالمي‪ ،‬لنجد الآخر دون �شك أ�خا‬
‫حتى �أراني بدين الع�شق متحد ًا‬ ‫و�شقيقا لنا‪ .‬في ال�شعر بل في الفن عامة ت�سقط الحواجز‬
‫العرقية والدينية‪ ،‬نعود جميعا الى الجذر الان�ساني الم�شترك‬
‫حتى أ�رى الله‬ ‫الذي انحدرنا جميعا وما علينا البدء به هو ترك الحذر‬
‫فيك الآن منعك�س ًا‬ ‫من الت�صوف والفل�سفة‪ ،‬خوفا مثلما نعتقد أ�ن اتجاهات‬
‫و�أخلع ال�شك والأوهام والرمدا‬ ‫هدامة الحادية تكمن بها‪ .‬فلا �شعر ابدا عندما يخلو خيال‬
‫المر�أة التي كانت الع�شق الروحي والج�سدي تت�سع دائرتها‪،‬‬ ‫ال�شاعر من ت أ�مل الكون ولا �شعر عندما نرف�ض روح الت�صوف‬
‫حتى تذهب ابتدا ًء من المقطع الثالث إ�لى الأمومة‬ ‫الخلاقة‪ .‬لقد قدم ال�شعراء العمانيون تجارب ابداعية في‬
‫ونخب دمعك يا �أماه‬ ‫الت أ�مل الكوني وال�صوفي‪ ،‬وهي أ�عمق من ان ن�شير اليها في‬
‫هذه العجالة‪� ،‬إذا رتفعت ا�صواتهم بالحب الالهي العميق منذ‬
‫يحر�سني‬ ‫أ�حمد بن النظر في القرن الخام�س الهجري‪ ،‬حتى جاعد‬
‫لولا دعا�ؤك فا�ض الوهن من قلبي‬
‫التجربة تجربة ع�شق ان�ساني محبط‪ ،‬لذلك يعود ال�شاعر‬
‫�شاكي ًا باحث ًا عن الله‪ ،‬الذي عندما لا يجد نوره في الأر�ض‬
‫يذهب باحث ًا عنه في عتمات روحه البعيدة‪.‬‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫الثقافـي‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪68‬‬

‫برعاية م�ؤ�س�سة الزبير‬

‫إ�علان نتائج الدورة الأولى من م�سابقة بيت‬

‫الغ�شام ا ألدبية لل�شباب(ال�شعر الف�صيح)‬

‫المركز الثاني‪ :‬ق�صيدة (ن�صف إ�ن�اسن) لل�شاعر‬ ‫ي�سر مجلة التكوين أ�ن تزف الب�شرى والتهنئة لل�شعراء‬
‫الفائزين بالمراكز ا ألولى وال�شعراء الذين ح�صلوا على‬
‫حمود بن �اسلم ال�سعدي‪.‬‬ ‫الإ�شادة والتنويه من قبل لجنة التحكيم‪ ،‬في م�سابقة‬
‫بيت الغ�شام الأدبية لل�شباب‪ ،‬مجال ال�شعر الف�صيح‪ ،‬في‬
‫المركز الثالث‪ :‬ق�صيدة (عرق الأنبياء) لل�شاعر خالد‬ ‫دورتها الأولى التي أ�علن عنها في العدد الثالث من مجلة‬
‫التكوين‪ ،‬ال�صادر في يناير ‪2016‬م‪ ،‬والتي ت�أتي برعاية‬
‫بن محمد العريمي‪.‬‬
‫م ؤ��س�سة الزبير‪.‬‬
‫كما �أ�شادت لجنة التحكيم بثلاثة ن�صو�ص تنويها بم�ستواها‬ ‫تلقت الم�ؤ�س�سة ‪ 18‬ن�صا �شعريا للم�شاركة في الم�سابقة‪،‬‬
‫وت�شجيعا ل�شعرائها الذين يمتلكون مواهب واعدة‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫وقد ت�أهلت جميعها للمناف�سة نظرا للم�ستوى العالي الذي‬
‫ــ ق�صيدة (البعد) لل�شاعر معت�صم بن محمد الخرو�صي‪.‬‬ ‫تميزت به الق�صائد‪ ،‬ما يعك�س �أ�صالة المواهب وقدرتها‬

‫ــ ق�صيدة (النهر الخالد) لل�شاعر �سالم بن محمد الرحبي‪.‬‬ ‫وتمكنها من أ�دواتها ال�شعرية‪.‬‬
‫ــ ق�صيدة (حين تك�سرت الروح) لل�شاعر إ��سماعيل بن‬ ‫وبعد مراجعة الن�صو�ص وتقييمها من قبل لجنة التحكيم‬

‫محمد الرواحي‪.‬‬ ‫جاءت نتائج الم�سابقة على النحو التالي‪:‬‬
‫جدير بالذكر أ�ن م�ؤ�س�سة بيت الغ�شام لل�صحافة والن�شر‬
‫والترجمة وا إلعلان �ستقيم حفل تكريم للفائزين‪ ،‬م�ساء‬ ‫المركز الأول‪ :‬ق�صيدة (تراتيل لغريب ما) لل�شاعر‬
‫ا ألحد الموافق ‪ 15‬مايو الجاري‪ ،‬وذلك بمقرها الكائن بغلا‪.‬‬
‫نا�صر الغ�اسني‪.‬‬

‫قراءة في �شعر النا�شئة‬

‫�سماء عي�سى‬ ‫(‪ 1‬ـ ‪)2‬‬

‫واثراء الحوار حولها‪ .‬عبرها اي عبر تتبع الا�صوات‬ ‫ملامح عامة‬
‫النا�شئة‪ ،‬التي جاءت وتجيء �صادقة بريئة حاملة الينا‬ ‫الحديث عن الا�صوات ال�شعرية النا�شئة في عمان‪ ،‬وهذه‬
‫هويتها الذاتية والمو�ضوعية‪ ،‬وما هو مطلوب هنا الان�صات‬ ‫الا�صوات الثمانية ع�شر من بينها بالطبع‪ ،‬حديث ي�ستدعي‬
‫الم�ستمر �إليها ومتابعة عطائها تجربة ف أ�خرى‪ .‬هكذا‬ ‫الكثير من الملاحظات التي علينا وعليهم الالتفات �إليها‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪71‬‬ ‫الثقافـي‬

‫�صبر وقهر طويل‪ ،‬لذلك فهو حري�ص على ا�ستمراريتها وعدم‬ ‫مدر�سة �أبولو ومدر�سة �شعراء المهجر ا ألمريكي‪ .‬مو�ضوع‬
‫توقف جريان نهرها‪.‬‬ ‫الق�صيدة‪ :‬عزلة ا إلن�سان ووحدته و�أ�ساه‪ ،‬ت�شكل روح تجربة‬
‫ال�شاعر الوليدة وتغذيتها �شعر ًا وفكر ًا وثقاف ًة وترحال ًا‪،‬‬
‫أ� ُيها النه ُر �ِسر وط ِه ْر ُف ؤ�ادا‬ ‫�ستك�سب ال�شاعر م�ستقبل ًا تجارب تميز نادر في القادم من‬
‫�سا َم ُه ال ُعم ُر م ْن عوادي ِه ق ْهرا‬ ‫الأيام‪ .‬الثيمات هذه المعبر عنها في هذا الن�ص‪ ،‬ت�شكل‬
‫وا�س ُك ِب ال ُح�س َن حي ُث وافيت ُقبح ًا‬ ‫حا�ضر وم�ستقبل الحياة في البلاد العربية عامة‪ ،‬حيث‬
‫وا�س ُك ِب الخي َر حي ُث وافي َت �ش َّرا‬ ‫تتفكك علاقاته الاجتماعية‪ ،‬وينحو الإن�سان به نحو حياة‬
‫وكااقنطب ِاع اَأللمَّد� ِرسبفنيحي َوِد ُاحللوٍمه َبِمعيقٍدفرا‬
‫العزلة والوحدة والجفاف العاطفي‪.‬‬
‫‪٦‬ـ ق�صيدة (حين تك�سرت الروح)‬ ‫يعود ال�شاعر إ�لى مثوى جده‪ ،‬رمز الما�ضي‪ ،‬محاول ًا الت�شبث‬
‫به كغريق‪�« :‬أ�سير في بحر أ��شلائي ومجدفتي‪ ،‬تدك في البحر‬
‫�شعر‪ :‬ا�سماعيل حمد الرواحي‬ ‫حتى هاج وانفلقا» �إلا �أن ذلك محال‪ ،‬مثلما يدرك ال�شاعر‬
‫الق�صيدة تميل الى تجربة الع�شق ال�صوفي‪ ،‬اذ نجد أ�ثره‬ ‫ذلك لاحق ًا‪« :‬للراحلين إ�لى تلك الحياة �أنا مح�ض من الموت‬
‫وا�ضحا خا�صة في المعجم اللغوي مثل كعبة الهوى‪ ،‬ربه‬
‫الحب‪ ،‬الهائم ال�صب‪ .‬لذلك يحاول ال�شاعر عبر روح الع�شق‬ ‫�أما العي�ش قد �سبقا»‪.‬‬
‫ال�صوفي فتح آ�فاق أ�و�سع لتجربته‪ ،‬ذاهبا بها �أبعد من تجربته‬ ‫تح�ضر وبجمال أ�خاذ رموز الطبيعة‪ :‬الريح‪ ،‬ال�شم�س‪ ،‬البحر‪،‬‬
‫الغيم‪ ،‬النار ‪� .....‬ألخ خالق ًا منها ال�شاعر �صور ًا تطفح بعذاب‬
‫الذاتية في الع�شق‪:‬‬
‫�أي�ؤ�سر من �صلى الى كعبة الهوى‬ ‫الوحدة وال�ضياع ما هو حق ًا م�صير الإن�سان م�ستقبل ًا‪.‬‬
‫أ�ي�ؤجر من يهوى وربه الحب‬
‫كفرت اذن بالعا�شقين ودينهم‬ ‫‪ - 5‬ق�صيدة (النهر الخالد)‬
‫ف إ�ن دعائي ما ا�ستجاب له الرب‬
‫ف�ضلا عن غرفه من الاحداث الب�شرية الكبرى‪ ،‬التي وثقتها‬ ‫�شعر‪� :‬سالم الرحبي‬
‫الكتب ال�سماوية المقد�سة كالقر آ�ن الكريم‪:‬‬ ‫الق�صيدة مهداة إ�لى أ�بي القا�سم ال�شابي‪ ،‬بل هي منحدرة‬
‫غرقت وفي الطوفان موت محتمل‬ ‫منه‪ ،‬وال�شاعر يربط تجربة ال�شابي ال�شعرية ب�أحداث الربيع‬
‫�سفينة نوح غادرت وبها ال�صحب‬ ‫العربي‪ ،‬خا�صة و أ�ن منبع التجربتين ال�شعرية والثورية هي‬
‫موجها كلامه الى المع�شوقة‪ ،‬م�صعدا‪ ،‬تجربة مريم العذراء‬ ‫تون�س‪ .‬ال�شاعر يقدم لنا ال�شابي �شاعر ًا للحرية والجمال في‬
‫كنموذج من القران الكريم اي�ضا‬ ‫آ�ن‪ .‬لا يكتفي ب أ�نه قدم �شعر ًا ا�ستنها�ضي ًا كان بمثابة قناديل‬
‫ولو انت حاولتي ا�صتناع خ�شونة‬ ‫تنير طريق ال�شباب العربي الجديد المتطلع �إلى الحرية‪ ،‬بل‬
‫من النخلة الخ�شناء ي�ساقط الرطب‬ ‫هو أ�ي�ضا قدم تجربة �شعرية فائ�ضة الجمال وهذا �سبب خلود‬
‫ومن ثم فان ال�شاعر ينهي ق�صيدته متو�سلا المع�شوقة العودة‬ ‫�شعره‪ .‬الق�صيدة تزخر بمفردات ق�صائد ال�شابي‪ ،‬بل وتجارب‬
‫ال�شعر الرومان�سي العربي عموم ًا‪ ،‬الذي جاء في مرحلة‬
‫الى و�صاله كخاتمة للن�ص‪:‬‬ ‫تحديثية �سابقة في ال�شعر العربي‪ ،‬كان ال�شابي رغم �صغر‬
‫فعودي الى و�صلى ف�إني معدم‬ ‫�سنه أ�حد رموزها‪ ،‬وحول ثورة ال�شباب العربي الذي يتعاطف‬
‫وكيف �سينجو دونك الهائم ال�صب‬ ‫معها ال�شاعر الرحبي‪ ،‬ي�أتي تعاطفه مزيجا بتعاطفه مع ثورة‬
‫ال�شابي ال�شعرية‪ ،‬ويدرك ال�شاعر �أن هذه الثورة جاءت بعد‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫الثقافـي‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪70‬‬

‫الان�سان به‪.‬‬ ‫والآن أ��شرب‬
‫نخب الله في قلق‬
‫‪ -٣‬ق�صيدة (عرق ا ألنبياء)‬ ‫مفت�ش ًا عنه في روحي وفي ريب‪.‬‬
‫الاطالة �أخرت بتوهج الن�ص و�سمحت لكثير من الكلام‬
‫�شعر‪ :‬خالد العريمي‬ ‫الت�سلل �إليه‪ ،‬والكلام مثلما نعرف جميعا عدو ال�شعر الأول‪،‬‬
‫الق�صيدة دفاع �شجي عن الدين الا�سلامي‪ ،‬الذي يتعر�ض‬ ‫ما يحافظ دائما على الن�ص في وهجه هو التكثيف‪ ،‬الذي‬
‫لكراهية و�أحقاد تنبع من كارهي الح�ضارة الا�سلامية‪ .‬يذكر‬ ‫عليه يقع عاتق طرد الفائ�ض من الكلام‪ ،‬ويبقى الن�ص في‬
‫ال�شاعر بالرموز الدينية الكبرى‪ ،‬عائد َا إ�لى القر�آن الكريم‬ ‫عتمته بعيد ًا عن ال�شرح والا�ستفا�ضه‪.‬‬
‫مثل النبي ادري�س‪ ،‬جبل الطور �سيناء‪ ،‬التين والزيتون‪ ،‬هدهد‬
‫النبي �سليمان والملكة بلقي�س‪ .‬يتجه إ�لى خاتم الأنبياء ‪ ،‬في‬ ‫‪٢‬ـ ق�صيدة (ن�صف �إن�سان)‬

‫الق�صيدة خاتم النور‪ ،‬موجه ًا نداءه ال�شجي إ�ليه‪:‬‬ ‫�شعر‪ :‬حمود بن �سالم ال�سعدي‬
‫ياخا ِت َم النو ِر ُظلم ًا‪� ,‬ضا َق َم�س ِج ُدنا ‪ ‬‬ ‫يتجلى في هذه الق�صيدة‪ ،‬عن غيرها من ق�صائد هذه‬
‫المجموعه‪ ،‬عدم حدة التعبير العاطفي المبا�شر‪ ،‬الأمر‬
‫فالإل ُف في ل ْي ِل ُك ْم �سا َر ْت به العي� ُس‬ ‫الذي يفتح المجال‪� ،‬أمام النظرة العقليه للحياة‪ ،‬لأحداثها‬
‫وتكويناتها لذلك تقترب الق�صيدة من ان تكون اللغة بها‬
‫على َجبي ِن ال َّت آ�خي أ�َنبت ْت َعرق ًا‬ ‫حادة محددة اللفظه‪ ،‬اي ان ال�شاعر يريد ان ينقل الينا مالا‬
‫تل َك المعاني فما ُتغني ال َقوامي� ُس‬ ‫ت�سمح اللغة بت أ�ويله‪ ،‬وفقا وحتى نهايتها لمدارك القارئ‪.‬‬
‫الرمز للعام للن�ص هو الماء‪ ،‬به تتجدد الحياه وبغيابه �أي�ضا‬ ‫فهو محدد الفكر‪ ،‬محدد اللغة‪ ،‬ك أ�ن الق�صيدة بحث يقوم به‬
‫ينت�شر القحط‪ .‬غياب الماء هو ما �أدى �إلى أ�ن الان�سان يرتوي‬ ‫ال�شاعر بحثا عن نف�سه‪ ،‬عن ما غاب عن ومنه‪ ،‬عند ن�صفه‬
‫الكوابي�س عو�ض ًا عنه‪ .‬مع عودته تعود الحياة التي لا يرى‬
‫ال�شاعر عودة لها إ�لا بالعنف‪ ،‬ذلك أ�نه اللغة الوحيدة التي‬ ‫مثلما افتتح بذلك ق�صيدته‪:‬‬
‫يدركها الع�صر ويتفاهم بها‪ ،‬لكن العنف المنادى به هنا ما‬ ‫غيبت ن�صفي واكتفيت بن�صفي‪.‬‬
‫نعرفه بالعنف الثوري القريب �إلى مفهوم الجهاد المقد�س‬ ‫هل اهتدى ال�شاعر عبر بحثه الى طريق يو�صله �إلى ا�ستكانة‬
‫وا�ستقرار روحي ما؟ منهيا بذلك �شتات �ضياعه ومنفاه‬
‫الا�سلامي‪ ،‬ألن م�صدره الحب والماء و أ�بواب ال�سماء‪.‬‬ ‫واغترابه؟ لا يت�ضح ذلك من �سياق تدفق ال�صور ال�شعرية‬
‫�َسيرتدي الح ُّب في َجنب ْي ِه ُقنبل ًة‬ ‫المتميزه في عبر �أبيات الن�ص و�صولا الى خاتمته‪:‬‬
‫الان �سقط من ق�صيدتي ال�شتاء‬
‫لي ْق ُت َل الق ْح َط كي تحيا ال َفرادي� ُس‬ ‫ولا رذاذ غير محل ال�صيف‬

‫‪ - 4‬ق�صيدة (البعد)‬ ‫أ�لقيت حجر النرد كل تمائمي‬
‫وتركتني عطر فويق الرف‪.‬‬
‫�شعر‪ :‬معت�صم بن محمد الخرو�صي‬ ‫القلق الوجودي الذي ي�ساور ال�شاعر‪ ،‬م�صدر التوتر في �شعره‪.‬‬
‫الق�صيدة ترتبط بالحديث عن �ضياع الإن�سان في ا ألر�ض‪� ،‬أي‬ ‫هو الذي يقود موهبته الى التفجر جملا �شعرية م�شحونة‬
‫�إنها تخرج من التجربة الذاتية متجهة بنقاء بالغ �إلى التجربة‬ ‫بغرابة الانتماء وحيرة الوجود‪ .‬ذلك ما تخبئه موهبة هذا‬
‫ال�شاعر القادم من غمو�ض ا�سرار الكون وغمو�ض حياة‬
‫المو�ضوعية ابتدا ًء من افتتاحيتها‪:‬‬
‫�أنا الر�ضيع الذي من مهده �سرقا‬ ‫العدد(‪)7‬‬

‫تنف�س الآه من دنياه فاختنقا‬
‫وما هو وا�ضح من �سياق الق�صيدة لاحق ًا‪ ،‬ت أ�ثر ال�شاعر‬
‫الوا�ضح بمدار�س تجديد ال�شعر العربي الرومان�سية خا�صة‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪73‬‬ ‫الثقافـي‬

‫َُُلللييبفففَُْوولْهَيطهلنَِْخحمُزآطنقاَّلييِْيترادَفويُايُخيَنئايَبُُراُِملَكنلشصأألقفقلقتافأهغِّصليلااييعاطبميلولٌاليوُبمعٌاصعُلَاشادلقْصبحصِتَدمبياهِمبِمُِيبقُِِّتهروِتركُّةُيبضََزَقَِحقْىتةجْاهِّفادالمدِأُااَلذأُملغيلُامرأهََُرٌلمبِححاسََِصللٌحقرَةجَفحقاغزاِضااري؟ِْهنواتَيالِببأُرلالدُلفوَاقملاىَق َسلََتغق ِارَحقاي ِل‬ ‫ُُُننينأااَمْللفْرٌِّنتتتخخخُُقذ ُُُييقلاَبببقفلاْمااااودللللياففقحمادتلنِحادةيااِصُةفاوحبَاَئْدالِصزيََِدَلأرلُنحْهقََِّْتمتاظِارَِكمجطٌةنسقوُاثلْلدُّبقر ِْيعيب ِب‬
‫أنا المساف ُر‬ ‫ِنقُهع ََّطخذاشُاُر ٌيبأقرابلح َؤهالماناَِاماحِلهََِّْطقجمَاتْ َحِفم ُِتعيطواأاَّلوِكلو ِالنَّد ْكرالِ ُّبس ْح ِب‬

‫بليا َنميالنا َجءهَيا ْ ِجتم ُتع ِنش َّيظى ال ُع ْم ُر وا ْف َت َرَقا‬ ‫ُُيننننأفلمَوووفاااَْفلخخخخِّيِّحصتُآكقَلعًُناَُُُأَْدارنشمنَرببببُامووَريأََواااااُْنآلللنيِع ُثِألْشمِنَلفممَابهيحَُِنرهنرْسعلفاججَُاحيَهفىااًءَاُتبنيطدَكهيُُياَُيرهَيغمِِقمَََُِْنركلنهرراٍَْلْخْبصمقوُِافتِقتَرهحوََيالجَيةَعاْلاتولَِّفمَسِْجةيرْذِاَلر ِبُْيجب ِ ِّبب‬
‫َف(كووهَ ْضَم‪٥‬يذحاض)َاُُعدكعَيِّعْميلشْسُأُنتف ََحيتيفحيِنُِّأٍُدْدةبينَُهِااقُحلُحظُْرلفكملُِّامُديمليبااىلليحمرٍقرووي ُيِِحنَتحياواِلصُِّرر ُيه ِح‬ ‫بف(رممولَلاا‪٤‬ييْيِمُ)ززحلَاليَشِاُاللجر أْتفلقِدةحُلسمبفزْاِلذىنيي ََقكُصامَْلَمسرَصَتِم ِبرِدْحتيلتًىامنشس ًيماًساوُم ْولخ َات ِنَفََقل َاقا‬
‫ََينأفْكولاَ َمصقوحمْاحقياِدوُدعاَُعلَااهاتل َيلادُغُمأمحفيْنََرزهِاِنَْصييْسبداب ِااِي َرلهفةلُاديجيهفلُصاالجبلَُُّيِتمزرٌَبنُترفاِْليَلرى ُِيهيوِكاَْنوحَوْاتقحٌَأعظلْيرس(ُىتتلن ُاهوَونِااح ٌَميتْوًلتاغري ٍب ما )‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫الثقافـي‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪72‬‬

‫تراتي ٌل لغري ٍب ما‬

‫نا�صر الغ�ساني‬

‫ُتأفَْ(وولَهأِمَْ‪٢‬قهيْْيطل)أ ََفَّلَأنأسنن ِمماِملااط ِتُِولَزحكلَأءنلََِّغاِبَْتفنغِاتتيوَا؟اِسظبايآِلريمدِات َييلال ُّورالوَ َم َحد َدواال َج َس َدا؟‬ ‫َُنإق(مْوووههََنللْ‪١‬مدْْجذذذا)مميفوََََُتياتمغييْعُِارعاَعََْااْأضُدبللدْدحْرُِْممتُْ ٍَّرفهتتتددابييوبب ُننَُتهاعَُُّحعتاةةَْلِتهََبَضاكمََىأِلتشُيَُلأْهُُرنفءاِتقواِرعيآلَلتَْننَتى ِأاظ ُلورف َقرَا ِم ُغر‬
‫ُتلاَمَْله ِوحاْتشلَِ ُمالعكايََُْنتق ْالفِحغُت ِيففتياِيترأياياتليلَآررتنفُياكِِيقحفَِهكميَطوَاِلألغ َلَْكحٌةَتلم َاِكمداا ِل؟ُّكش ْاهل َِّن َبك َدا‬ ‫َِنقممْوَْللاوداْ َُمترحَ ََيرُحُاَعكلسَّْطل ْديا ْالتللتلوَأهعبي ِمودُشوهااَىن ُِاطجفِ َئَنقَنْاياد ُفََْذرشا َِّطصََنًةاب َأ َث ُر‬
‫نفوُبيأححصي ًِّْتتِبخذ َكلاىىيَعِاأأمهآاررلالَِنولَّانَى ِءشيُكاَّملْبنلَكَصهدعيوَِوِماك َنًعأ ِلستاالويعها َشم ِقوا ُل َّم َّرتَم َِحدَادا‬ ‫َكككاْمَين َايْنَْاترلَِغجظ َْيرعُت ُاِلب ُكَعي ُمُْصرِل ُب ِني‬
‫(‪)٣‬‬
‫نخ ُب الخيانا ِت‬ ‫َب ْوووهااعْغنَثذَآيَتلَُرَْهتميِننىار‪.‬لي‪.‬اولم َ‪.‬قح‪َ.‬سداُيفراب ُماتِءالالتيصباَِّتر َ َيس َْنعَه ِْم ُترما بيننا‬
‫ََُلقفمْوْغُْمنديعَُتصَْيربمِرِبظََّرتًُحارقباتيملوأب ٍَنحيموْاتت ِدفُش‪.‬ح ْ‪.‬ييزيِن َبهاوُألا ْيجغاأِنلسِيمٍِةرسز َماي ْلانُ َرمدِثوُوراِلتوت ُر‬
‫ننونخخخَُ ُببباال أملماغوفا ِانتَيتوالم ُاح َق ِّْدب َظ َّل من غيبي‬
‫َاق ْولنتد َخأْيب َُعآ َيبدق َاداُْعمآَِلهعَانِبكردييماَحُأي َاملا ُهخو ِف وال َّذْن ِب‬
‫َلي ْولح ِار ُ ُدسنَعايؤ ِك فا َض ال َو ْه ُن من قلبي‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪75‬‬ ‫الثقافـي‬

‫حمود بن �سالم ال�سعدي‬ ‫ِن ْ�ص ُف إ�ِ ْن�َسـْا ٍن‬

‫َغ ّي ْبـــ ُت نـ ْصــــفي واكـتــــفي ُت بـنــــص ِف‬ ‫فـــي ُع ْمقـــ َي المائـــ ِّي ذا َت قصيـــد ٍة‬
‫ألقـــى َشـــبيه ْي فـــي ال َمـــكا ِن الح ْرفـــ ْي‬ ‫غـــادر ُت أطـــرا َف ال َمـــكا ِن لع ّلنـــي‬
‫لـــم تـعــــتر ْف بالريـــ ِح ُر ْغـــ َم‬ ‫ولعبـــ ُت دوَر الظـــ ِّل‪ِ ،‬فـــ ّي مدينـــ ٌة‬
‫ال َع ْصـــ ِف‬ ‫حيـــ َن احتــــفل ُت بغيم َتيـــ ِن‬ ‫مـــا اختارنـــي ا إلنســـا ُن إلا مـــ ّر ًة‬
‫و َط ْيـــ ِف‬ ‫أرَقـــى إلـــى الق ّديـــ ِس ثـــ ّم ُيعيدنـــي‬
‫يـــا ُموغـــا فـــي ال ّتيـــ ِه ق ْلـــل ْي َمـــ ْن‬
‫مـ ْعــــنا َي الـــذي‪ ..‬وال َعـــ ْز ِف‬ ‫للنـــا ِي‬ ‫لـــم أبتعـــ ْد إلا م َســـاف َة أســـ ُط ٍر‬
‫يعصـــ ُر الزي ُتـــو َن يمـــ أُ� َكفـــي!‬ ‫بر ِّبـــ َك‬ ‫َح ّدقـــت فـــي الذ ْكـــرى ت َك ّســـر َوْق َتهـــا‬
‫الشـــ ْم ُع ُيقرأنـــي ال ّســـاَم؛ ألّننـــي‬
‫لا‪َ ..‬شاعــــ ٌر قلبـــ ْي و ُيتقـــن و ْصفـــ ْي‬ ‫صادقـــ ُت ِن ْصـــ َف ا أل ْصدقـــا ِء فلاَمنـــي‬
‫ذنـــ ُب المســـاكي ِن ال َحيـــارى أّنهـــم‬
‫د ْمــــعي‪ ،،‬تك ّســـر فـــ َّي َحـــ َّد ال ّنـــ ْز ِف‬ ‫مـــا ُكنـــت بالمو ُهـــوب َيومـــا واحـــدا‬
‫ص ّليـــ ُت فـــي المن َفـــى و ُح ْلمـــ ْي خ ْلفـــ ْي‬
‫ُع ْمـــ ٌر مـــ َن ا إلصغـــا ِء ُيثقـــل كاهلـــي‬
‫ك َســـروا الز َجـــا َج‪َ ،‬صلاُتهـــ ْم لا َت ْكفـــ ْي‬ ‫ا آل َن يســـ ُقط مـــ ْن قصيدتـــ َي ال ّشـــتا ُء‬
‫ألقيـــ ُت َح ْجـــر ال ّنـــ ْر ِد‪ ،‬ك َّل ت َمائمـــي‬
‫جبـــرا ُن وحـــد ْي بيـــ َن لم َحـــ ِة َطـــ ْر ِف‬
‫ح ّتـــى ُأجال َســـن ْي؛ ِل َكونـــي ال َم ْنفـــ ْي‬
‫بيـــ َن ال ّنـــدى وا ألر ِض يك ُمـــ ُن َض ْعفـــ ْي‬
‫ولا رذا ٌذ غيـــ َر َم ْحـــ ِل ال ّصيـــ ِف‬
‫وَت َرك ُتنـــي عطـــ ُرا ُفويـــ َق الـــر ِّف‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫الثقافـي‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪74‬‬

‫عرق الانبياء‬

‫خالد بن محمد العريمي‬

‫نموااهععــدــــهواــَرُدـةليٌِوقادرااَّلِميقأــعقلــْــْمـحــِجِــةُـمــلدِـصننُــتااـإللفعاَّـنطـشـــَّــاـإآـرلَمزورَِنىرريَُـهـتسـَف‪َ،‬ـإحـح‪،‬بــاـاللقـَحـــرـمـَــســمتـدـ َـتِوالحٌَُِققخصـنُِتلــمدبَـُهرِـهتـَــبرــولـْتـم ُْقنتهميفســـيـــــ ُيـسُُ!سس!‬ ‫نم ايها الما ُء الذي َص َّب الم َنا ُم علي ِه طي َن ْه‪..‬‬
‫ياخاِتـــ َم النـــور فـــي الم ْحـــرا ِب ماِئـــ َد ٌة‬ ‫نم فال َّزما ُن ُمشوٌه‪.‬‬
‫ِب َيــكـ ٌوعَث َر ُهــوتـ ْقمديـــ ُس‬
‫كا ِه ِنهـــا‬ ‫صلـــوات‬ ‫فرووولاُغلوُبدساكحًُوارخوَُُاهمنُففنَيين َْهني ِاشفمليُل ُخصعطـناسدَاِِرقنكِائاتاطلل ًأأفالمٍ َ‪:‬زِعسلماننلرًىزَةِ‪.‬مكل‪.‬ميثاارلدئيٌيرحدو‪ْ.‬هدم‪ً.‬ي‪.‬ا ُ‪.‬دسلنيكن ْيه‪ُ.‬ي‪.‬فيد ْه‪.‬‬
‫ينـــا لله‬ ‫وكـــذا َك َتكبي ُر‬ ‫فلك ْم تم َّزَق َفج ُر ُه‪..‬‬
‫ف َت ْنحنـــي نح َونـــا إلفـــًا نواقيـــ ُس‬
‫ياعلـخــاِتــىـ َتمفَلاـجاـإلبـلنيلـَـــــــكُوِِانرلف ُمافظلـعَّلـتاآنميــــــخًلاْـ‪,‬يـِليـ ُفكيضـــمـْـَـأـمانـ َابتقُستـــَــغمانَ ْـرـســتْــتِي َعجب ُاــلردَقنقهـاـوـااً‪ ‬المعيـيــــ ُُسس‬ ‫وتساقط ْت أنوا ُر ُه و ْحيًا يتيمًا في َفمي‪،،‬‬
‫لاتوقضـــوا المـــاء كـــي لا يســـتوي بشـــ ًرا‬ ‫لتقوَم من ل َغتي َقصيد ْه ‪  ‬‬
‫َســـيرت لدلياْقيزُاتلـــاــلـَ ِلحـتـاـلقُّا ْلبـحــــفُّــرـَـوط ُيحكــَتـ َجرنيب ْويتيــهــح ِـهيــاـُـقانابالللـََـفكـرًواةابدييــــــ ُُسس‬
‫َتتفتعــصـو ٌيدـقـعـــمذــفُـةوـَْاضتلناجاخلجنبـَـَـقـعـْـحْت ُـوحةهــِــــــرفا ِالوطِ ِسحأــعْفــلرـــ*ـبفـ*ٌـِّاـر*لـبىِّسىـأضاــْفلـذـْيَلـِـكَّسـْمــتلـِههــيِـإمطـرْبِائِلرـسيــــــاـاــلَ َُأقذملَُنلنمٌسةااانلييــــــ ُُسس‬
‫حتـــى َتوعلمخــ َّــثـــاـــى َرتـاـفلــَـقـراراءيبيبـىـــــ ِالنـِــبُهكاالل ُبغاسلـرــبـخمــاــ ِـاءِ ِّنُط‪,‬دعـتإــًدادنرييــــــ ُُسس‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪77‬‬ ‫الثقافـي‬

‫يا اللــــه‬

‫�شحذت الهمة أ�بحث عن التناف�س الذي قال فيه الله‬ ‫تهفو روحي لر�ضاك تهتدي �إليك في ظلمات الي�أ�س‬
‫جل وعلا ( وفي ذلك فليتناف�س المتناف�سون) ذلك‬ ‫والألم �أبحث عنك ف�أجدك نورا يقطن ب�أعماق الروح‬
‫هو التناف�س‪ ،‬ور َبي‪ ،‬حينما تغ�شاك رحمة الله ومغفرته‬ ‫�سعادة لا تعادلها �سعادة أ�ية دنيا تلك التي تبعدني‬
‫لت�صل إ�لى ر�ضوان الله هنا فقط أ�يقنت تمام اليقين‬ ‫عنك و أ�نت يا ربي جمال يغمر القلب راحة تتبدد‬
‫ب�أنه لا �سعادة �إطلاقا إ�ذا لم ي�ست�شعر ذلك القلب معنى‬ ‫عندها كل المتاعب أ�ملا يملأ �أرجاء حياتي ن�شوة‬
‫حب الله ومر�ضاته إ�ذا لم يكن ل إليمان مكان في ذلك‬
‫وان�شراحا وطم أ�نينة‪.‬‬
‫القلب إ�ذا لم يكن الله هو ا ألول ولي�س قبله �شيء‪.‬‬ ‫كلما ابتعدت عنك و�شغلتني الدنيا وجدتني �أتخبط‬
‫با إليمان تخ�شى الجوارح مع�صية الله فلا ي�شغلها‬ ‫بين متاهات الحياة �أبحث عن �شيء ومنفذ يعيد لتلك‬
‫�شاغل وت�ست�صغر النف�س توافه الأمور لتظل تلك النف�س‬ ‫النف�س الممتلئة حزنا وهما وك�أن جبالا من الهموم‬
‫الم�ؤمنة تواقة لمر�ضاة خالقها ترتقي ب�إن�سانيتها‬ ‫قد تواترت عليها من كل حدب‪� ،‬شيئ ًا ما يعت�صر قلبي‬
‫وبا إليمان تنت�شي الروح وت�صفى القلوب وتت�سامح ومع‬ ‫يفقدني لذة ال�سعادة وجمال اللحظات التي أ�عي�شها‬
‫الله تحلو الحياة وتبتهج القلوب حينها فقط ن�ست�شعر‬ ‫رغم أ�ن كل ما حولي ي�سرد ق�صة أ�جمل عن �سابقتها‬
‫حياة تترجم ال�سعادة المفقودة أ�عي�شها فلا أ��شعر بها‬
‫كل نعمة �أنعمها الله علينا لم نكن نلقي لها بالا‪.‬‬ ‫حينها فقط أ�دركت ب�أنني ان�شغلت عن �أذكاري �أخذتني‬
‫�سبحانك يا إ�لهي كيف أ�ن ذكرك يغ�سل القلوب من‬ ‫الدنيا في جمالياتها ومتعها ف أ�ن�ساني ما اعتدت عليه‬
‫ا ألدران كيف أ�ن خ�شيتك تمنح طاقات مفعمة با ألمل‬ ‫من ذكر وت�سبيح وقر�آن يت�سلل إ�لى �أعماق القلب فيجلي‬
‫بالر�ضى بال�سعادة والجمال و أ�ي جمال إ�نه جمال‬ ‫ما به من غ�شاوة‪ ،‬عدت �إلى ذاكرتي أ��ستح�ضر يومي‬
‫الحب الإلهي حينما يت�سلل إ�لى أ�عماق القلب فيعطر‬ ‫بل أ�يامي التي �أخذتني فيها الدنيا بين ذنب وتق�صير‬
‫الحياة وينثر ا ألمل ليظل حبك يا الله نبرا�سا ي�ضيء‬ ‫وغفلة فوجدتني �أبحث عن منازل ا ألتقياء ألرتقي إ�لى‬

‫قلوبنا وعلى نوره نهتدي‪.‬‬ ‫تلك المراتب و�أنا ما زلت هي �أنا‪.‬‬

‫زينة بنت �سعيد الندابية‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫الثقافـي‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪76‬‬

‫هدوء‬ ‫طفلي‬
‫هدوئي �سر لا يعرفه احد‪..‬‬
‫وجودي عالم لا يعرفه احد‪،‬‬ ‫اجل�س بجانبي يا طفلي و�س�أحكي لك عن ال�سلام‬
‫حروفي تمتد الى زوايا كثيرة‪.‬‬
‫حلمي يعي�ش معي وحدي‪،‬‬ ‫عن لعبتك التي تلعبها‬
‫�صمتي ي�سكن داخل قلبي‪،‬‬
‫�ساعات تم�ضي ما بين وجودي وهروبي‪.‬‬ ‫و أ�رجوحة كنت تتدلى منها بعناد تام‬
‫ليالي تعانق حروفي وكلماتي ال�صامتة‪،‬‬
‫�سحب كر�سيه الذي أ�حبه وقال يا �أمي‬
‫وجودي لا يعرفه احد‪..‬‬
‫�صمتي يعي�ش بين حلمي وهدوئي‪.‬‬

‫حالمة‬
‫حالمة تبحث عن طريق العودة‬
‫تحاول الرحيل‪..‬‬
‫تتبعثر من حولها أ��شياء كثيرة‬
‫وتتراق�ص بجانبها زوايا عديدة‪.‬‬

‫راحلة الى مكان بعيد‬ ‫اذن لما �أ�صبح بيتنا حطام‬
‫الى مدينة ت�شبه وجوه غريبة‬
‫وكتب ا�سم والدي في دوامة الإجرام‬
‫الى بقايا كبرياء‪،‬‬
‫وهدوء أ�نثى حزين‪.‬‬ ‫لما هاجرت طيور الحمام‬
‫كاتبة تم�سك بقلب غريب‪،‬‬
‫وتروي حكاية منتهية‪،‬‬ ‫و أ�ين هو �أخي و�سام‬
‫وتكتب حروف متناثرة‪..‬‬
‫تعانق ورود الحياة‬ ‫توقفت عن �سرد حكايتها‬
‫وت�شعل �شموع اللقاء‪.‬‬
‫وم�سحت دموعا كتمتها‬

‫و�أعطته رغيفا من كومة خب أ�تها‬

‫لتتمعن في ذاك الغمام‬

‫نورة محمد‬ ‫منال الخرو�صية‬ ‫وتحلم �أن يعي�ش هو ب�سلام‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫‪»æØdG‬‬‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪79‬‬

‫ال�سفر‪..‬‬
‫فا�صلة مو�سيقية على �أ�صوات المغ ّنين‬

‫أ�حمد الطوقي‬
‫�صورة واحدة تعلّم ما لا تعلّمه آ�لاف الكلمات‬

‫معر�ض فني في ماليزيا بري�شة‬
‫ثلاثة فنانين عمانيين‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬المثق‪/‬افرـجيب ‪1437‬ه‬ ‫‪78‬‬

‫برعاية م ؤ��س�سة الزبير‬

‫دعوة للم�شاركة في م�سابقة بيت الغ�شام‬

‫الأدبية لل�شباب‬

‫بالتعاون مع م ؤ��س�سة الزبير ي�سر م ؤ��س�سة بيت الغ�شام لل�صحافة والن�شر والترجمة والإعلان دعوة‬ ‫الق�صة الق�صيرة‬
‫ال�شباب العماني للم�شاركة في م�سابقة بيت الغ�شام الأدبية لل�شباب‪ ،‬وهي م�سابقة ف�صلية‪ ،‬مجال‬

‫الق�صة الق�صيرة‪ ،‬وفقا لل�شروط التالية‪:‬‬
‫�أولا‪ :‬الم�شاركة متاحة لكافة الكتاب من ال�شباب العمانيين من الجن�سين‪ ،‬وغير مقيدة بمو�ضوع محدد‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬لا يجوز الم�شاركة ب�أكثر من ق�صة واحدة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬لا تزيد �صفحات الق�صة على �صفحتين‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬يتوجب �أن تكون الق�صة جديدة‪ ،‬ولم ي�سبق ن�شرها �صحفيا �أو إ�لكترونيا‪� ،‬أو التقدم بها �إلى‬

‫م�سابقة مماثلة‪.‬‬
‫خام�سا‪ :‬تقدم الق�ص�ص مطبوعة على نظام (وورد)‪ ،‬حجم ‪.16‬‬
‫�ساد�سا‪� :‬سيتم قبول الق�ص�ص الم�شاركة اعتبارا من تاريخ ن�شر هذا الإعلان‪ ،‬وحتى العا�شر من يونيو‪،‬‬

‫ولن ينظر في �أي م�شاركة ترد بعد انق�ضاء الفترة المحددة‪.‬‬
‫�سابعا‪� :‬سيعلن عن الق�ص�ص الفائزة عبر المجلة‪.‬‬

‫ثامنا‪� :‬سيتم اختيار ثلاثة فائزين من مجموع الم�شاركين‪.‬‬
‫تا�سعا‪ :‬الق�ص�ص الفائزة ملك للمجلة‪ ،‬ولا يجوز ن�شرها أ�و الت�صرف بها إ�لا بموافقتها‪ ،‬و�سيتم توثيق‬

‫جميع الق�ص�ص الم�شاركة‪.‬‬
‫عا�شرا‪ :‬يتعين الالتزام بال�شروط وال�ضوابط المو�ضحة أ�علاه‪ ،‬ولن ينظر في �أي م�شاركة ترد‬

‫مخالفة لذلك‪.‬‬
‫الحادي ع�شر‪ :‬يجب �ألا يتجاوز عمر المت�سابق ‪ 30‬عاما‪ ،‬على أ�ن يرفق مع الم�شاركة �صورة البطاقة‬

‫ال�شخ�صية أ�و جواز ال�سفر‪.‬‬
‫الثاني ع�شر‪ :‬تر�سل الم�شاركات عبر البريد ا إللكتروني للمجلة‪[email protected] :‬‬
‫لمزيد من الا�ستف�سار يرجى التوا�صل عبر الهاتف رقم‪ )24591649( :‬أ�و عن طريق البريد‬

‫ا إللكتروني �أعلاه‪.‬‬
‫الجوائز‪:‬‬

‫الجائزة الأولى‪ 250 :‬ريالا مع مجموعة إ��صدارات من الم�ؤ�س�سة بقيمة ‪ 50‬ريالا‪.‬‬
‫الجائزة الثانية‪ 150 :‬ريالا مع مجموعة إ��صدارات من الم ؤ��س�سة بقيمة ‪ 50‬ريالا‪.‬‬
‫الجائزة الثالثة‪ 100 :‬ريال مع مجموعة إ��صدارات من الم ؤ��س�سة بقيمة ‪ 50‬ريالا‪.‬‬
‫والله ولي التوفيق‬

‫العدد(‪)7‬‬ ‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪81‬‬ ‫الفــني‬

‫لا لا تعذر و�ش تفيد المعاذير‬ ‫لا ت�سافر‬
‫م�سموح ما بيني و بينك ملامه‬ ‫لكن �أحمد فتحي يرف�ض فكرة ال�سفر نهائيا‪« ..‬لا ت�سافر» ففي‬
‫«لا تل ّوح للم�سافر‪ ،‬الم�سافر راح»‪ ..‬كلمات أ�طلقها الفنان‬ ‫عدم ال�سفر هدف‪ ،‬ينادي به حبيبه‪« :‬خ ّلنا نرتاح من لهيب‬
‫را�شد الماجد‪ ،‬ك أ�نما نرى المغني في محطة القطار‪ ،‬الكلمات‬ ‫ال�شوق في ليل ال�سفر ‪ /‬لا ت�ص ّحي في حنايا القلب �أجرا�س‬
‫بذلك المعنى العميق كتبها ال�شاعر الكبير بدر عبدالمح�سن‪،‬‬ ‫الخطر»‪ ..‬ويم�ضي في القب�ض على عود المعنى‪ ،‬محركا‬
‫وم ّرت عليها ع�شر �سنوات‪ ،‬إ�نما تبقى �أيقونة للمنتظر‪ ،‬يلمح‬
‫ري�شته بع�صف لحني ي�شتعل ب�ضوء المو�سيقى والكلمات‪:‬‬
‫القطار المغادر‪:‬‬ ‫لا تخليني حبيبي مثل ري�شة في مهب الريح‬
‫لا تل ّوح للم�سافر‪ /‬الم�سافر راح‪ /‬ولا تنادي للم�سافر‪/‬‬ ‫أ�و كزهرة كوتها ال�شم�س بعد هجران المطر‪.‬‬
‫الم�سافر راح‪ ..‬ويا �ضياع أ��صواتنا‪ /‬في المدى والريح ‪/‬‬ ‫لا ت�سافر يا حبيبي‪..‬‬
‫خ ّلنا بالله نرتاح من ق�ساوات الزمن‬
‫القطار وفاتنا‪ /‬والم�سافر راح‪.‬‬ ‫خلها النيران تهد أ�‪ ..‬و�سط جوفي‪،‬‬
‫يلا يا قلبي تعبنا ‪ /‬آ�ه تعبنا من الوقوف‪ /‬ما بقى بالليل‬ ‫لا تر ّجعني لخوفي‪،‬‬
‫نجمة ولا طيوف‪ /‬ذبلت انوار ال�شوارع‪ /‬وانطفي ظي‬ ‫خ ّلنا نن�سى مواويل ال�شجن‪.‬‬
‫الحروف‪ /‬يلا يا قلبي �سرينا ‪� /‬ضاقت الدنيا علينا‬ ‫الم�سافر‪ ..‬والقطار‬

‫القطار وفاتنا ‪ /‬والم�سافر راح‪.‬‬ ‫وعرف الطرب الخليجي �أيقونات غنائية �صدحت بال�سفر‬
‫ما ادري باكر هالمدينة ‪ /‬هالمدينة و�ش تكون ‪ /‬النهار والورد‬ ‫والغربة‪ ،‬منذ «�سافروا وما ودعوني» والتي غ ّناها الكثيرون من‬
‫ا أل�صفر والغ�صون ‪ /‬هذا وجهك يالم�سافر ‪ /‬لما كانت لي‬ ‫مطربي الخليج‪ ،‬ابت�سام لطفي وو�صولا �إلى عبادي الجوهر‪.‬‬
‫عيون ‪ /‬وينها عيوني حبيبي ‪� /‬سافرت مثلك حبيبي ‪ /‬القطار‬ ‫وت أ�نقت أ�غنية محمد عبده «�سافر وترجع» في ك�شف معاني‬

‫وفاتنا والم�سافر راح‪.‬‬ ‫جديدة حيث لا منا�ص من ال�سفر‪ ..‬وال�صبر‪..‬‬
‫�سافر و ترجع يا حبيبي على خير‬
‫العدد(‪)7‬‬ ‫و ا�شوفكم عقب ال�سفر بال�سلامه‬
‫ع�سى ال�سفر لك يا عيوني م�ساهير‬
‫يكفي عن التوديع منك ابت�سامه‬
‫ما دامت الفرقى علينا مقادير‬
‫معذور لو ع�ضيت كف الندامه‬

‫الفــني‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪80‬‬

‫ال�سفر‪..‬‬

‫فا�صلة مو�سيقية‬
‫على أ��صوات المغ ّنين‬

‫يا م�سافر وحدك ‪ ..‬يا م�سافر وحدك ‪ ..‬وفايتني‬ ‫ان�شغل ال�شعراء بمفردة ال�سفر‪ ،‬بما يعنيه من وداع موجع‬
‫ليه تبعد عني ‪ ..‬ليه تبعد عني ‪ ..‬وت�شغلني‬ ‫وغياب يح ّز في الروح كلما طال �أكثر و�أكثر‪ ..‬فما وجد‬
‫المطربون كال�سفر ي�أخذونه من ق�صائد ال�شعراء ومواجعهم‬
‫هي ذات مخاوف الجال�س في وحدته يع�صر مرارة‬ ‫ليعيدوا عزفه على نوتات القلوب‪ ،‬من أ�جل �أن تت�ص ّبر الروح‪،‬‬
‫الرحيل منتظرا‪:‬‬ ‫ولعل الكبد يق ّل نزفها‪ ،‬حيث �إن هناك إ�بنا غائبا تنتظره‬
‫أ�م‪ ،‬أ�و حبيبا م�سافرا ت�ض ّم عا�شقته حروف ا�سمه في منديل‬
‫على نار ال�شوق انا حا�ستنى‬ ‫حريري‪ ،‬أ�و كباقة ورد تكاد تزهر على يديها كلما ه ّلت العيون‬
‫وا�ص ّبر قلبي واتمنى‬
‫بالدمع أ�كثر‪.‬‬
‫على بال ما تجيني‪ ..‬واته ّنى ‪..‬‬ ‫في الأغنيات القديمة نلمح ال�سفر حا�ضرا بحكم طبيعة‬
‫وهي ذات المخاوف‪ ،‬أ�ن يم�ضي الم�سافر في الرحيل أ�كثر‬ ‫الحياة‪ ،‬حيث لا يمكن ت�ص ّورها بدون هذه البكائيات‬
‫مما يحتمل القلب‪ ،‬أ�ن يمكث هناك حيث الغربة تتخلى عن‬ ‫الحزينة‪ ..‬ب�سبب حبيب يغادر‪ ،‬أ�و فرائحية مبهرة ألن هناك‬
‫مرارتها‪ ،‬والقلب يتغ ّير تجاه منتظريه الذين يع ّدون الأيام‬
‫حبيبا عاد‪..‬‬
‫لعله يعود‪:‬‬ ‫يختار مو�سيقار ا ألجيال محمد عبدالوهاب ق�صيدة ح�سين‬
‫خايف لا الغربة تحلالك‬ ‫ال�سيد «يا م�سافر وحدك» لي�صنع منها رائعته التي حملت‬
‫والبعد يغ ّير �أحوالك ولا يطلب �سوى «خليني دايما‪ ..‬دايما على‬ ‫ذات الا�سم‪ ،‬ل ّحنها‪ ،‬لتغنيها نجاة ال�صغيرة‪ ،‬وعرفتها الذائقة‬
‫بالك» مع وعد أ�بدي للمغترب «مهما كان بعدك حيط ّول‪ /‬دانا‬
‫قلبي عمرو ما يتح ّول ‪ /‬حفتكرك �أكتر من ا ألول»‪.‬‬ ‫الغنائية أ�ي�ضا ب�صوت ملحنها‪:‬‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪83‬‬ ‫الفــني‬

‫«هب الهوا وناداني»‬
‫وداعـا ‪...‬‬

‫�صالح الحريبي‬

‫ح�سن المطرو�شي‬

‫الف�ضائيات والو�سائل الحديثة‪.‬‬ ‫كلنا نتذكر حفل زواج (قحطة) من (نبوية) في الم�سل�سل‬
‫في �سنواته الأخيرة اتجه الحريبي إ�لى جمع وتوثيق الأعمال‬ ‫الكويتي ال�شهير (درب الزلق)‪ ،‬ونتذكر ذلك المطرب الذي‬
‫التراثية الخليجية ليقدمها عبر برنامجه (محمل الفنون)‬ ‫يرتدي الطربو�ش الأحمر مغنيا للعرو�سين «على بلد المحبوب‬
‫الذي كانت تبثه قناة الكويت الف�ضائية‪ .‬وقد كان ذلك‬
‫البرنامج بحق ثريا في مادته ب�سيطا في طرحه م�شوقا وغنيا‬ ‫وديني» و «دقوا المزاهر»‪.‬‬
‫في محتواه‪� .‬إذ كان الحريبي ي�ضع مقدمات تعريفية للق�صيدة‬ ‫ولكن ربما الكثير منا لا يعرفون ـ لا �سيما من �أجيال اليوم ـ‬
‫المغناة ويذكر ا�سم �شاعرها ويلقيها ب�صوته ال�شجي‪ ،‬كما‬ ‫من هو ذلك الفنان‪ ،‬الخليجي الأ�سمر‪ ،‬ب�صوته ال�شجي‪ ،‬الذي‬
‫يذكر ملحنها والمقام المو�سيقي الذي لحنت عليه والفن‬ ‫يفي�ض عذوبة ونقاء‪ .‬إ�نه باخت�صار الفنان الكويتي ا أل�صيل‬
‫الذي تنتمي له‪ ،‬ثم يقوم بغنائها بم�صاحبة فرقة تخت �شرقي‬ ‫�صالح الحريبي‪ ،‬الذي يعد �إحدى القامات الغنائية في‬
‫الكويت والخليج العربي‪ .‬وهو من مجددي ا ألغنية الخليجية‪،‬‬
‫من العازفين المهرة‪.‬‬ ‫�إلى جانب ثلة من رفاقه من مطربي ال�ستينيات من القرن‬
‫لقد كان يقوم بذلك كله انطلاقا من حبه الكبير وع�شقه‬ ‫الما�ضي‪ ،‬مثل عو�ض الدوخي و�شادي الخليجي وغريد‬
‫ال�صادق للفن وال�شعر وا ألدب‪ ،‬لذا ف�إنه حدث كثيرا خلال‬ ‫ال�شاطئ وم�صطفى أ�حمد وعبدالمح�سن المهنا وح�سين‬
‫البرنامج �أن يتفاعل ويتمايل الحريبي متنهدا مع الق�صيدة‬
‫�أثناء إ�لقائها‪ ،‬بل �إنه مرة لم يتمالك دموعه وهو يتلو إ�حدى‬ ‫جا�سم وعائ�شة المرطة‪ ،‬وغيرهم الكثير‪.‬‬
‫الق�صائد التي جلبت معها الكثير من ذكريات الزمن الجميل‬ ‫بعد رحلة عطاء جاوزت خم�سين عاما يترجل فار�س ا ألغنية‬
‫ونك�أت الجراح لديه‪ ،‬فانهارت دموعه بغزارة �أمام الكاميرا‬ ‫ا أل�صيلة �صالح الحريبي الذي وافته المنية بتاريخ ‪ 18‬مار�س‬
‫التي تفنن المخرج في توظيفها إلخراج م�شهد فني إ�بداعي‬ ‫الما�ضي �إثر �صراع مع المر�ض‪ ،‬تاركا خلفه إ�رثا زاخرا من‬
‫مليء بال�صدق والده�شة‪ .‬وتعد مثل هذه المواقف �أ�صدق‬ ‫الأعمال الفنية الخالدة‪ ،‬مثل أ�غنيته ال�شهيرة (هب الهوا‬
‫تعبير عن �إخلا�ص هذا الرجل وحبه لفنه‪ ،‬وهو الذي يقول ‪:‬‬ ‫وناداني) و(تحريتك) و(لي�ش ب�س يعني) و(ا�سمك حبيبي)‬
‫و(يا �صاحبي) و(قولوا لحبيبي) و(من كثر �شوقي)‪� ،‬إلى‬
‫«�أحب الفن للفن من دون النظر �إلى المردود المادي»‪.‬‬ ‫جانب الكثير من المو�شحات والابتهالات الدينية وا ألعمال‬
‫وها نحن نودع مبدعا �آخر من الذين م ألوا حياتنا غناء‬ ‫الوطنية والق�صائد المغناة في �شتى ا أللوان الغنائية‬
‫ومو�سيقى وفرحا جميلا‪ ،‬لير�سو ربان «محمل الفنون»‪ ،‬تاركا‬ ‫الخليجية ا أل�صيلة التي يعد الحريبي أ�حد الذين �أ�سهموا في‬
‫�صوته يرن في �آذاننا‪ ،‬ليرحل هو محققا نبوءته القديمة‪:‬‬ ‫حفظها و�صونها وتجديدها وتقديمها للجمهور ب�أ�سلوب جديد‬
‫ومبتكر‪ ،‬كان له بالغ الأثر في نقلها ل ألجيال ال�شابة عبر‬
‫«هب الهوا وناداني»!‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫الفــني‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪82‬‬

‫م�سافر‪ ..‬عماني‬ ‫هو الرحيل‬
‫من �أغاني الزمن الجميل‪ ،‬زمن �سالم علي �سعيد �أغنيته‬ ‫هذا الم�سافر الذي (راح) تاركا مدينة لا ت�شبه تلك المدينة‬
‫ال�شهيرة «م�سافر»‪ ،‬كانت أ�يقونة فنية في زمن ك ّنا لا نعرف‬ ‫التي كانت به كل �شيء‪ ،‬والعيون التي تراها‪ ،‬إ�نما الحنين له‬
‫فيه هذا ال�ضجيج الفني المنبعث من كل حدب و�صوب‪ ،‬إ�نما‬ ‫نكهة ال�شوق ال�صاخب في القلب‪ ،‬فيغدو الرحيل نارا ت�صقل‬
‫كانت حنجرة �سالم علي الذهبية قادرة على �صياغة تحفة‬ ‫جذوة ذهب القلب إ�ذ يحترق به‪ ،‬هكذا عندما يخاف الفنان‬
‫طربية لافتة أ�بدعها الملحن ال�سيد خالد بن حمد البو�سعيدي‪:‬‬ ‫العراقي �سعدون جابر من «�آخر كلمة وياك»‪ ،‬هي كلمة الوداع‪،‬‬
‫بعدها ي�أتي الرحيل في وطن اعتاد على بكائيات الغياب‪ ،‬ت أ�تي‬
‫م�سافر‪ ،‬م�سافر‪ ...‬لين الم�ساء غ ّطى جناحه‬ ‫الأغنية بكلمات عراقية اللهجة‪ ..‬والحزن‪ ،‬وب�صوت فنان ي أ�تي‬
‫وا أللم ما طاع ينزاح‪..‬‬
‫من ف�ضاء الزمن الطربي الجميل‪:‬‬
‫م�سافر‪ ..‬م�سافر‪ ..‬دام الهواء غ ّنى جراحه‬ ‫لا ترحل يا حب ّيب لالا‪ ..‬لاترحل‪.‬‬
‫والفرح من دنيتي راح‪.‬‬ ‫غ ّدارة الدنيا وخاف ّنك ما تندل‪.‬‬

‫م�سافر عك�س الهواء ط ّوى �شراعه‬ ‫وخاف أ�ت�ضيع و�أنا �أحتار‪ ..‬والمن أ��س�أل ؟‬
‫وانطوى في خافقي جناحه‪.‬‬ ‫وتغدي الغربة ‪ /‬كل�ش �صعبة ‪ /‬وموجك عالي وماكو ا�شراع ‪/‬‬
‫مبحر و�أحزاني �شراع‪،‬‬
‫ما�شي بلا كلمة وداع‪..‬‬ ‫و آ�خر كلمة أ�وياك أ�ت�صير‪ ..‬هي افراق وهي اوداع‪.‬‬
‫من العراق ت�أتي أ�غنية أ�خرى ب�شجن معذب‪� ،‬صوت يا�س‬
‫مجبور �أ�سافر والذي في البال في البال‪..‬‬ ‫خ�ضر حينما يختار ق�صيدة «لات�سافر» لناظم ال�سماوي‪ ،‬ومن‬
‫مجبور أ��سافر‪ ..‬والزمن أ�حوال‪.‬‬ ‫�ألحان يا�سين الراوي‪ ،‬حتى مع المفردات التي ال�ضاربة في‬

‫كان �سالم بن علي رمزا فنيا‪ ،‬لا يعرفه جيل �شباب اليوم‪ ،‬لكن‬ ‫اللهجة العراقية ف إ�ن وجعها نازف لا يخفى‪:‬‬
‫أ�غنياته كانت محيطا دافئا تطرق �أمواجه أ�بواب ال�سامرين‬ ‫لات�سافر مو خل�ص �صبر المكاتيب الحزينه والدفاتر‬
‫لات�سافر وح�شه اعيونك مثل طير الغريب ابليله حاير‬
‫ليقر أ� عليهم «ع�ش �سعيد» و»لك يوم»‪.‬‬
‫كثيرون غنوا لل�سفر‪ ،‬وللغياب‪ ،‬وللترحال‪� ..‬أبو بكر �سالم‪،‬‬ ‫ويلي كل �ضحكه علا ا�شفافك ق�صيده وانا �شاعر‬
‫وديع ال�صافي‪ ،‬طلال المداح‪ ،‬وما لا تح�صى من ا أل�سماء‪..‬‬ ‫لات�سافر يا حبيبي لات�سافر‬
‫إ�نما تبقى الحكاية وجعا ي�ستحق الغناء‪ ،‬لدى منتظر يترقب‬
‫العدد(‪)7‬‬
‫م�سافرا‪ ..‬يغادر �أو لعله يعود‪.‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪85‬‬ ‫الفــني‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه الفــني‬ ‫‪84‬‬

‫�أحمد الطوقي‪� :‬صورة واحدة‬
‫تعلّم ما لا تعلّمه �آلاف الكلمات‬

‫لي�س أ�حمد الطوقي واح ًدا من الم�صورين‬
‫الذين يمكن �أن تن�ساهم وتن�سى �أعمالهم الفنية‬
‫بعد م�ضي لحظات من أ�ول لقاء‪ .‬بل هو أ�حد‬
‫الأ�سماء التي حالما تجل�س �إليها تحاورها‬
‫وتناق�شهافيالفنوالإبداعالت�صويريتجد أ�نك‬
‫تبحر �إلى تلك الده�شة الجميلة التي يفر�ضها‬
‫عليك عمل مميز ومبهر‪ .‬ولي�ست جمالية‬
‫ال�صورة وحدها ما يمكن �أن يجذبك إ�لى �أحمد‬
‫الطوقي‪ ،‬بل روحه ا إلن�سانية التي تنعك�س على‬
‫تلك الأعمال التي يلتقطها‪� ،‬أعمال فنية لا‬
‫توثقالجمالالعمانيفح�سب‪،‬بلتعيداكت�شافه‬
‫وتقدمهللعالمبطريقةمبهرةتجعلمنال�صعب‬
‫على المتفح�ص في العمل الإبداعي ترك تلك‬
‫الأعمال للنظر إ�لى غيرها‪ .‬عن أ�حمد الطوقي‪،‬‬
‫وم�سيرته الإبداعية‪ ،‬والت�صوير‪ ،‬ورفاق ال�ضوء‪،‬‬
‫وعمان اللوحة الإبداعية الأجمل التي كانت‬
‫�سر كثير من الم�صورين العمانيين؛ كان هذا‬

‫اللقاء وهذا الحوار‪....‬‬

‫حوار‪ :‬هلال البادي‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪87‬‬ ‫الفــني‬

‫الفني لمختلف الحياة العمانية وخ�صو�صا التقليدية منها‬ ‫العماني في التراث والطبيعة والوجوه‪ ،‬لماذا هذا‬
‫قبل ان تمر ال�سنين وتطغى المدنية على كل �شيء‪.‬‬ ‫الولع بالمفردات العمانية؟‬

‫تبدو �أكثر ولعا بالتقاط فنيات الحياة الطبيعية‬ ‫دائما أ�ذكر أل�صدقائي الم�صورين �أن الكثير من الكنوز‬
‫العمانية من جبال و�سهول ووديان و�صحا ٍر‪ ،‬هل ألنها‬ ‫الثقافية والتراثية والطبيعية في عمان لم تحظ بن�صيب‬
‫الموا�ضيع التي تبدو �سهلة ودائمة الوجود‪� ،‬أم لأن‬ ‫وافر من الت�صوير والتغطية ال�ضوئية‪ ،‬ونحن كم�صورين‬
‫الطبيعة العمانية هي لوحة �إبداعية حقيقية‪ ،‬لم‬ ‫و أ�بناء هذا البلد العظيم لابد أ�ن تكون لنا ب�صمة في‬
‫هذا البلد لا نكتفي فقط بمجرد الفوز في الم�سابقات‬
‫نلتفت إ�ليها بعد؟‬ ‫والح�صول على ميدالية من هنا وهناك‪ ،‬ولكن لابد ان‬
‫ربما لا توجد منطقة في العالم العربي مثل عمان بها هذا‬ ‫تكون لنا م�ساهمة فاعلة في إ�خراج هذه الكنوز لهذا العالم‬
‫التنوع الطبيعي العجيب‪ ،‬فلدينا ال�سهول والجبال والوديان‬ ‫وتعريفهم بعمان وتاريخها وتراثها وطبيعتهاب�أ�سلوب‬
‫وال�صحراء والبحر وال�شواطئ وكلها م�صدر �إلهام لنا‬ ‫فوتوغرافي جديد ومعا�صر يتما�شى مع الم�ستوى الفني‬
‫كم�صورين‪ ،‬فعلى �سبيل المثال �صحراء الربع الخالي‬ ‫العالمي‪.‬ويوجد من الم�صورين العمانيين من يقومون‬
‫الممتدة من محافظة ظفار إ�لى ولاية عبري أ�عتبرها‬ ‫بهذا العمل بطريقة مذهلة من �أمثال �إبراهيم البو�سعيدي‬
‫بالن�سبة لي مكاني المف�ضل لق�ضاء بع�ض الأيام بعيدا‬ ‫و�أحمد ال�شكيلي وغيرهما من الم�صورين‪ .‬وهناك �صوت‬
‫عن �صخب المدينة ورنات الهاتف النقال‪ ،‬فهناك أ��ستمتع‬ ‫يهم�س في �أذني يخبرني با إل�سراع والتكثيف من التوثيق‬
‫بال�صمت ال�صاخب لل�صحراء ورمال كثبانها العالية‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫الفــني‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪86‬‬

‫كثيرة ومكررة لعر�ضة الجمال‪ .‬ومنذ ا أليام الأولى‬ ‫�أخي ًرا حققت جائزة عالمية‪ ،‬هي جائزة‬
‫لم�شاركتي في الم�سابقة تم اختيارها ك إ�علان للم�سابقة‬ ‫نا�شونال جرافيك عن �صورتك التي توثق لحظة‬
‫وتم ن�شرها في موقع نا�شيونال جيوغرافيك وفي ح�ساب‬ ‫ذهبية لانطلاق �سباق للهجن العمانية‪ ،‬لنتحدث‬
‫تويتر والان�ستغرام وغيرها من المواقع‪.‬وتم ا إلعلان عن‬ ‫عن هذه التجربة‪ ،‬تجربة الم�شاركة في مثل‬
‫الفائزين في قناة ‪ CBS‬ا ألمريكية وهي الراعي ا إلعلامي‬ ‫هذه الم�سابقة‪ ،‬و�شعورك و أ�نت ت�صل �إلى المحطة‬
‫للم�سابقة وكان لدي �شعور رائع عند م�شاهدتي إلعلان‬
‫الفائزين وذكر ا�سمي وعمان في القناة‪� ..‬أعتقد أ�ن الثمرة‬ ‫النهائية و�إعلان فوزك‪.‬‬
‫الكبيرة لهذا الفوز هي �أن هناك الآلاف وربما الملايين‬ ‫أ�عتقد أ�ن الو�صول إ�لى نا�شيونال جيوغرافيك هو �أمنية‬
‫من النا�س في العالم �سمعوا بدولة ا�سمها �سلطنة عمان‬ ‫عظيمة لكل م�صور ب أ�ي و�سيلة كانت �سواء عن طريق‬
‫ألول مرة و�أنا مت�أكد أ�ن الكثيرين قاموا بالبحث عن عمان‬ ‫الفوز في م�سابقتها ال�سنوية �أو عن طريق ن�شر الأعمال‬
‫في المجلة المعروفة‪ .‬وفي حقيقة ا ألمر لم يخطر ببالي‬
‫في محركات البحث ا إللكترونية‪.‬‬ ‫�أن �أحقق هذا الفوز خ�صو�صا �أن فكرة الا�شتراك في‬
‫الم�سابقة جاءت باقتراح من �أحد الأ�صدقاء الم�صورين‬
‫تمثل �صور الطوقي و�أعماله الفنية لحظات‬ ‫والمعجب ب�شدة ب�صورة عر�ضة الجمال وكان دائما‬
‫متعددة من الحياة العمانية‪ ،‬لحظات تذهب إ�لى‬ ‫يردد أ�ن ال�صورة مختلفة تماما ع ّما ن�شاهده من �صور‬
‫النب�ش وراء الما�ضي واكت�شاف أ��سرار الجمال‬
‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪89‬‬ ‫الفــني‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫الفــني‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪88‬‬

‫الذهبية‪ ،‬وبالليل هناك متعة �أخرى ب�صحبة مجرة درب‬
‫التبانة وفيها تجبر لا �إراديا بالتفكر في عظمة الخالق‬
‫�سبحانه وتعالى و إ�بداعه في خلق هذا الكون الوا�سع‬
‫الممتد‪.‬والت�صوير ال�ضوئي في ال�صحراء له ميزته وهي‬
‫القدرة على التقاط ال�صور في كل وقت‪.‬ففي ال�صباح‬
‫نلتقط �ضوء �أ�شعة ال�شم�س الملام�س للرمال م�شكل ًا الألوان‬
‫الذهبية وفي الظهيرة نلتقط الظلال والخطوط المت�شكلة‬

‫من الكثبان وبالليل نلتقط �صور النجوم‪.‬‬
‫الطبيعة العمانية هي القا�سم الم�شترك بينك‬
‫وبين الم�صورين ال�ضوئيين �أحمد ال�شكيلي و�سالم‬
‫الوردي‪ ،‬ومع ذلك لكل واحد منكم ب�صمته الخا�صة‬
‫وطريقته في تقديم هذه اللوحة العمانية‬
‫الجميلة‪ ،‬ما ال�سر يا ترى في هذا الاختلاف مع‬
‫العلم أ�نكم غالبا تذهبون �سوية لرحلات الت�صوير‬

‫إ�لى الأماكن ذاتها؟‬
‫الفن ب�شكل عام متعلق ب�شخ�ص الفنان الناجح وحده‬
‫ومهما ت�أثر هذا الفنان بغيره من الفنانين والمدار�س‬
‫الفنية ف�سوف تظل لديه ب�صمته الخا�صة في �أعماله‪،‬‬
‫وكذلك الت�صوير ال�ضوئي‪،‬فنجد �أن معظم الم�صورين‬
‫الناجحين لديهم أ��سلوبهم وب�صمتهم الخا�صة في إ�خراج‬
‫�أعمالهم‪ .‬فمثلا قد نقوم نحن الثلاثة (الطوقي والوردي‬
‫وال�شكيلي ) بت�صوير نف�س المنظر في نف�س المكان‬
‫والتوقيت ولكن ننتج �صورا مختلفة‪ ،‬قد يرجع الاختلاف‬
‫إ�لى نوعية العد�سة الم�ستخدمة �أو إ�عدادات الت�صوير أ�و‬

‫حتى طريقة و أ��سلوب المعالجة الرقمية‪.‬‬
‫لنتحدث عن البدايات‪:‬هل كنت تتوقع في يوم ما‬
‫أ�ن تكون م�صورا فوتوغرافيا؟ �ألم ترغب في �شيء‬

‫آ�خر من الفنون غير الت�صوير؟‬
‫في بداية درا�ستي الابتدائية وا إلعدادية كانت ميولي‬
‫فنية‪ ،‬فب�شكل �سنوي كنت أ�ح�صل على تكريم من المدر�سة‬
‫في مجال التربية الفنية‪ ،‬بعدها انتقلت للت�صميم الرقمي‬
‫والجرافك�س ولكني لم �أ�ستمر طويلا‪ ،‬و�شرارة الت�صوير‬
‫الأولى كانت عندما م�سكت مجلة بريطانية متخ�ص�صة‬
‫في الت�صوير ‪ Digital Camera World‬في ‪٢٠٠٧‬‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪91‬‬ ‫الفــني‬

‫العماني لا�ستخدام ال�صور في أ�حد أ�بحاثه وم�شاريعه‪،‬‬ ‫و�أعجبت �أيما �إعجاب بال�صور المعرو�ضة فيها وطريقة‬
‫�أما البداية الحقيقية والجادة فكانت في ‪ ٢٠٠٧‬عندما‬ ‫التقاطها‪ ،‬وفي نف�س الوقت كنت من متابعي موقع‬
‫كنت موظفا في وزارة الاقت�صاد الوطني وقمت ب�شراء‬ ‫‪betterphoto.com‬الذي يحتوي على م�سابقة �شهرية‬
‫�أول كاميرا كانون أ�حادية العد�سة ومبا�شرة التحقت‬ ‫للم�صورين الم�شتركين في هذا الموقع وكنت �أتابع نتائج‬
‫بنادي الت�صوير ال�ضوئي وكان لا�شتراكي فيه نقلة كبيرة‬ ‫هذه الم�سابقة �شهرا ب�شهر‪ ،‬وفي ‪ ٢٠٠٨‬ا�شتركت في هذا‬
‫في تنمية مهاراتي ال�ضوئية والفائدة الكبرى هي التعرف‬ ‫الموقع و�شاركت بعدد من ال�صور فازت �إحداها بالمركز‬
‫والاختلاط بالم�صورين العمانيين‪ .‬وكانت �أول م�شاركة‬ ‫ا ألول وكان ذلك هو الفوز الأول في م�سيرتي ال�ضوئية‪.‬‬
‫لي هي عمل عر�ض �شرائح ل�صور قمت بالتقاطها‬ ‫وما زلت أ�تابع المعار�ض الفنية للر�سامين العمانيين‬
‫في ماليزيا‪ .‬وفي ‪ ٢٠٠٩‬تفرغت ألعمالي الخا�صة في‬ ‫و�أحاول قدر ا إلمكان ح�ضور هذه المعار�ض والا�ستفادة‬
‫من تجارب الر�سامين ومتابعة ميولهم و�أ�ساليبهم الفنية‬
‫الت�صوير بعد ا�ستقالتي من الوظيفة الحكومية‪.‬‬
‫مـــاذا عـــن دور الــجــمــعــيــة الـعـمـانــيـة‬ ‫لاعتقادي التام ان الفن يك ّمل بع�ضه البع�ض‪.‬‬
‫كيف كانت بداية الت�صوير؟‬
‫للت�صوير الفوتوغرافي؟‬
‫مجتمع الت�صوير الفوتوغرافي العماني الحقيقي يوجد‬ ‫�أول كاميرا رقمية اقتنيتها كانت في ‪٢٠٠٢‬م وكانت‬
‫في جمعية الت�صوير ال�ضوئي‪ ،‬والمتعة الحقيقية في‬ ‫نيكون بجودة ‪ ٢‬ميجابك�سل و أ�ذكر �أني قمت بت�صوير قرية‬
‫الت�صوير هي بالاختلاط بمجموعة من الم�صورين الذين‬ ‫المنزفة لأحد الأ�صدقاء الباحثين في التراث والتاريخ‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫الفــني‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪90‬‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪93‬‬ ‫الفــني‬

‫العدد(‪)7‬‬ ‫دول العالم و أ�برز ما يميز هذا ال�شعب من ثقافة وتاريخ‬
‫وطبيعة واثناء التجوال يقوم بالتقاط مجموعة من ال�صور‬
‫وهو �أ�سلوب رائع إلي�صال معلومة مهمة وهي المعاناة التي‬
‫يعانيها الم�صور من أ�جل الح�صول على �صورة واحدة‪،‬‬
‫واي�ضا �أ�سلوب جيد لتعليم الم�صور المبتدئ كيفية‬

‫التقاط ال�صور من تعري�ض‬
‫لنتحدث عن تجربة ت أ�ليف كتاب في الت�صوير‬
‫الفوتوغرافي‪ ،‬لماذا �سعيت �إلى ت�أليف كتاب‬
‫متخ�ص�ص في الت�صوير ال�ضوئي؟ علما ب�أن كتبا‬

‫مماثلة موجودة رغم �أنها مترجمة؟‬
‫نعم هناك الكثير من الم ؤ�لفات الأجنبية في مجال‬
‫الت�صوير ال�ضوئي‪ ،‬ولكن الكتب العربية في هذا المجال‬
‫قليلة جدا و إ�ن وجدت فهي كتب تحتوي على درو�س لمعدات‬
‫قديمة �أو أ�نها كتب �أكاديمية مملة وقد تنفر الم�صور‬
‫المبتدئ من عالم الت�صوير‪ .‬لذا جاءت الفكرة بت�أليف‬
‫كتاب ب أ��سلوب �سهل وممتع يحبب الم�صور الراغب في‬
‫تعلم الت�صوير‪ ،‬وفي كتابة الدرو�س اتبعت ا أل�سلوب ال�سهل‬
‫والممتع بحيث ي�ستمر الم�صور في متابعة قراءة الكتاب‬
‫�إلى النهاية‪.‬ويحتوي الكتاب على الكثير من ال�صور نظرا‬
‫لأهمية ال�صورة ال�ضوئية في التغذية الب�صرية‪ ،‬وقد تع ّلم‬
‫�صورة واحدة ما لا تع ّلمه �آلاف الكلمات‪.‬غالبية ال�صور‬
‫الموجودة في الكتاب تم التقاطها في عمان وهذا در�س‬
‫للم�صورين المبتدئين ب أ�ن ال�صورة موجودة في كل مكان‬
‫فلي�ست هناك حاجة لل�سفر خارج عمان من �أجل الح�صول‬

‫على �صورة فنية إ�بداعية‪.‬‬
‫فيكلمتين‪،‬ماذاتعنيكاميراكانون ألحمدالطوقي؟‬

‫�شغف ممتع‬
‫أ�خيرا‪ ،‬فيم يفكر أ�حمد الطوقي حاليا؟‬
‫اتجاهاتي الأخيرة اختلفت عن ال�سابق حيث كنت أ�قوم‬
‫بالت�صوير ب�شكل ع�شوائي مرة في ال�صحراء ومرة في‬
‫الجبل ومرة في الأ�سواق بداعي المتعة ولهفة الخروج‬
‫بنتيجة مر�ضية‪�.‬أما الآن ف أ�قوم بالعمل والتخطيط‬
‫إلخراج مجموعة من ا إل�صدارات الم�صورة العمانية‬

‫بع�ضها متخ�ص�ص وبع�ضها عام‪.‬‬

‫الفــني‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪92‬‬

‫العبرة بقيمة و�إمكانيات هذه الكاميرا بقدر كمية ال�شغف‬ ‫يحملون نف�س ال�شغف ال�ضوئي‪ ،‬ووجود جمعية الت�صوير‬
‫الموجود لدى هذا الم�صور‪.‬فالكاميرا هي مجرد �أداة‬ ‫ال�ضوئي له الدور الكبير في ن�شر ثقافة الت�صوير ال�ضوئي‬
‫تدخل فيها الا�ضاءة وتت�شكل ال�صورة‪ ،‬ولكن العمل الأكبر‬ ‫في عمان‪ ،‬والقائمون على جمعية الت�صوير ال�ضوئي‬
‫هو لدى الم�صور وهل هو قادر على م�شاهدة وتخيل‬ ‫وعلى ر�أ�سهم إ�براهيم البو�سعيدي رئي�س مجل�س الإدارة‬
‫اللحظة ال�ضوئية التي أ�مامه‪.‬نعم هناك الكثير والكثير‬ ‫و أ�حمد البو�سعيدي مدير الجمعية لهم دور كبير في قيام‬
‫من الم�صورين في هذه ا أليام ولكن كثرتهم مثل الزبد‬ ‫الجمعية بدورها على أ�كمل وجه من خلال �إقامة المعار�ض‬
‫القليل منهم من يبهر الم�شاهدين والبع�ض ي�شتري‬ ‫الجماعية وال�شخ�صية للم�صورين والم�سابقات والحلقات‬
‫الكاميرا بداعي التوثيق والبع�ض ا آلخر من أ�جل أ�عماله‬ ‫والدورات المجانية وغيرها من الخدمات المجانية التي‬
‫التجارية ومنهم من يحب اقتناء معدات الت�صوير ك�شغف‬ ‫تقدمها كل ذلك في �سبيل الرقي ون�شر ثقافة الت�صوير‬

‫حب اقتناء ال�سيارات والهواتف وغيرها‪.‬‬ ‫ال�ضوئي لمختلف �شرائح المجتمع‪.‬‬

‫من الم�صور الفوتوغرافي الذي يعده أ�حمد‬ ‫اليوم يبدو فن الت�صوير فنا �سهلا لانت�شار آ�لات‬
‫الطوقي مثالا له؟ ولماذا؟‬ ‫الت�صوير ا ألحادية‪ ،‬وكاميرات الهواتف النقالة‬
‫ووجود برامج التعديل على الحوا�سيب‪ ،‬و�أي�ضا‬
‫‪ ART WOLFE‬م�صور �أمريكي مهتم بت�صوير ثقافات‬ ‫ال�شبكات الاجتماعية المتخ�ص�صة في ال�صورة‪ ،‬أ�لا‬
‫ال�شعوب والحياة البرية و أ�ي�ضا المناظر الطبيعية‪ ،‬وهو‬ ‫ي�شكل هذا ا ألمر تحديا �أمام الم�صور الفوتوغرافي‬
‫�أحد �أبرز م�صوري العالم خلال القرن الما�ضي‪ .‬لـ ‪ART‬‬ ‫المبدع؟ وكيف يمكن �أن تكون التقنية وثورتها‬
‫‪� WOLFE‬سل�سة تلفزيونية م�شهورة ا�سمها ‪TRAVELS‬‬
‫‪ TO THE EDGE‬ي�ستعر�ض في كل حلقة زيارة لإحدى‬ ‫عاملا م�ساندا له؟‬
‫الكاميرا عند الم�صور هي بمثابة ري�شة الر�سام‪ ،‬فلي�ست‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪95‬‬ ‫الفــني‬

‫العدد(‪)7‬‬ ‫ال�ص ّديق الذي ح ّولها إ�لى فيلم �سينمائي جميل عام‪1976‬‬
‫م‪ ،‬و أ��سند الدور للممثل ال�سوداني «علي مهدي» جعل «الزين»‬
‫يقفز من الورق �إلى ال�شا�شة الكبيرة‪،‬ولي�صل للجمهور العري�ض‬
‫الذي حين خرج ظ ّل يتل ّفت باحثا في الزوايا الهام�ش ّية من‬

‫حياتنا على �شخ�ص ّيات �شبيهة بـ «الزين»‬
‫ورغم إ� ّن «خدرو» لم ينعم بما نعم به «الزين» بطل رواية‬
‫الط ّيب �صالح‪ ،‬من نهاية �سعيدة‪ ،‬فجاء الاحتفاء به بعد‬

‫رحيله‪ ،‬لك ّن ذكراه تح ّولت �إلى عر�س ف ّني و�إبداعي‪.‬‬
‫وقد يت ّم �شحن هذه ال�شخ�ص ّيات بطاقة عدوان ّية بت أ�ثير‬
‫المحيط الذي يقوم بتجاهلها‪ ،‬واحتقارها‪،‬والاقلال من‬
‫�ش�أنها كما جرى لـ «ق ّناوي» في فيلم «باب الحديد» للمخرج‬
‫الكبير يو�سف �شاهين‪ ،‬وهو الفيلم الذي تم ت�صنيفه في‬
‫المركز الرابع �ضمن أ�ف�ضل ‪ 100‬فيلم في تاريخ ال�سينما‬
‫الم�صرية في ا�ستفتاء النقاد‪ ،‬ويعد �أول فيلم عربي و�إفريقي‬
‫يطرح للت أ�هل لجائزة ا ألو�سكار‪ ،‬وبه أ� ّدى يو�سف �شاهين‬
‫دور «ق ّناوي» بائع الجرائد غير المتزن عقليا الذي يلقى‬
‫جفاء من «هنومة» (هند ر�ستم) وحين تتجاهله لتتزوج‬
‫�آخر‪ ،‬يق ّرر قتلها‪ ،‬فيقتل فتاة أ�خرى عن طريق الخط أ�‪،‬‬
‫وفي النهاية تنك�شف الجريمة‪،‬ويتم القب�ض عن قناوي لا‬
‫لز ّجه في ال�سجن‪،‬بل لحجزه في احدى الم�ص ّحات العقل ّية‬
‫كمري�ض نف�سي‪ ،‬أ�ما «خدرو» فالو�ضع معه يبدو مختلفا‪،‬‬
‫�إذ لم يتح ّول إ�لى �شخ�ص ّية عدوان ّية‪ ،‬على �ضوء التقدير‬
‫الاجتماعي الذي كان يحظى به من قبل المحيطين به‪ ،‬وهو‬
‫تقدير �ساهم في تحريك الطاقة الايجاب ّية‪ ،‬وبلوغها أ�ق�صى‬
‫ما يمكن‪ ،‬لذا عا�ش حياته مح ّبا للخير‪� ،‬ساعيا في �صنعه‪،‬‬
‫وقد �ساعد تق ّبل المجتمع لخدماته‪ ،‬وت�شجيعها في موا�صلته‬
‫ذلك الم�سعى‪ ،‬فالحالات الإيجاب ّية تحتاج دائما إ�لى بيئة‬

‫�إيجاب ّية لتتكامل‪ ،‬وتتح ّول �إلى ظواهر‪.‬‬
‫هذه النماذج ت�ستح ّق الالتفات إ�ليها‪ ،‬كونها تعي�ش حياتها‬
‫جاعلة من ال�شوارع‪ ،‬ميدانا لحركتها اليوم ّية‪ ،‬وحياة النا�س‬
‫م�سرحا لها‪ ،‬لا تهمي�شها‪،‬وا إلقلال من �ش أ�نها‪ ،‬بل رعايتها‪،‬كما‬
‫نرى في العالم المتق ّدم‪ ،‬للخروج بمعطيات إ�يجاب ّية نراها‪،‬‬

‫ونلم�سها كما لم�سها أ�هل دهوك في الراحل «خدرو»‪ .‬‬

‫الفــني‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪94‬‬

‫الحداد يليق‬
‫بـ «خدرو»‬

‫عبدالر ّزاق الربيعي‬

‫به‪ ،‬لذا طالب من عرفه الجهات المعنية ب�ضرورة �إقامة‬ ‫لم يكن يدور بخلد «خدرو» �أ ّنه بعد رحيله‪� ،‬سترفع �شوارع‬
‫تمثال أ�و ت�سمية مكان عام با�سم «خدرو»‪.‬‬ ‫«دهوك» �شمالي العراق لافتات الحزن حدادا على خل ّوه‬
‫منها‪ ،‬و�إن �شباب منطقته �سيحيون حفلا ت أ�بين ّيا له‪ ،‬قبل �أن‬
‫مثل هذه النماذج الب�شر ّية موجودة في الكثير من‬ ‫يجف تراب قبره‪،‬بم�شاركة ‪ ‬عدد من ال�شعراء الذين ع ّدوه في‬
‫المدن‪،‬بخا ّ�صة ال�شعب ّية منها‪ ،‬وقد عرفت بع�ضا منها‪،‬‬ ‫ن�صو�صهم‪ ،‬رمزا من رموز المدينة‪ ،‬ورفع أ��صحاب المحلات‬
‫فكانت تن�شر المرح في حياتنا‪ ،‬لك ّنها تعي�ش حياتها على‬ ‫�صوره تخليدا لذكراه‪،‬كما جاء في الأخبار الواردة من هناك‪.‬‬
‫هام�ش المجتمع‪ ،‬فك أ� ّنها ذلك الممثل الكوميدي الذي ي�سعد‬ ‫و «خدرو» لم يكن قائدا ع�سكر ّيا‪،‬ولا �شيخ ع�شيرة‪،‬ولا من‬
‫الجمهور في م�سرحية ت�شيخوف «طائر التم»‪ ,‬لكن حين‬ ‫وجهاء المدينة‪ ،‬ولا يمتلك أ� ّية موهبة‪ ،‬بل كان رجلا ب�سيطا‪،‬‬
‫ينتهي العر�ض‪ ،‬تعود �إلى عزلتها‪ ،‬و�أحزانها‪ ،‬و�أ�شجانها‪ ،‬وقد‬ ‫لا يم ّيزه عن ا آلخرين �شيء‪ ،‬بل �إ ّنه كان م�صابا بمر�ض عقلي‪،‬‬
‫جعل «الط ّيب �صالح» من �أحدها بطلا لروايته «عر�س الزين»‪،‬‬ ‫وهذا كان من الممكن �أن تودي به إ�لى م�ص ّحة عقل ّية‪� ،‬أو‬
‫فـ «الزين» الدميم‪ ،‬والغريب ال�شكل‪� ،‬شخ�صية هزلية كان‬ ‫ت�ضعه على هام�ش الحياة‪ ،‬إ�ذا كانت حالته ال�صح ّية ت�سمح له‬
‫«يم�شي و�سط زفة كبيرة من ال�ش ّبان‪ ،‬وال�صبيان ال�صغار‪،‬‬ ‫بعدم الاقامة في م�ص ّحة‪ ،‬كما هو الحال مع �صاحبنا الط ّيب‬
‫يت�ضاحكون من حوله‪ ،‬وهو يختال مزه ًوا بينهم‪ ،‬ي�ضرب‬ ‫«خدرو» «فكان» متواجدا في �شوارع و�أزقة دهوك من ال�صباح‬
‫هذا على كتفه‪ ،‬ويقر�ص هذه في خدها‪ ،‬ويقفز في الهواء‪،‬‬ ‫الباكر و إ�لى الم�ساء‪ ،‬كما ي�ؤ ّكد من عرفه‪ ،‬وفي المح ّ�صلة‬
‫وكلما ر أ�ى �شجرة من �أ�شجار الطلع‪،‬على قارعة الطريق ن ّط‬ ‫النهائ ّية هو �شخ�ص م�سالم لم يلحق ال�ضرر ب�أحد‪ ،‬بما يذ ّكر‬
‫فوقها‪ ،‬و�سرعان ما �شاع خبره‪ ،‬حتى �أ�صبح الجميع يخطب‬
‫و ّده‪ ،‬ولا�سيما الن�ساء‪ ،‬و�أ�صبح ذكره فيما بعد‪ ،‬في المجتمع‪،‬‬ ‫ببيت المتن ّبي ال�شهير‪:‬‬
‫يتردد على كل ل�سان»‪،‬ويرى د‪.‬محمد خليل إ� ّنه «كان عامل‬ ‫والظلم من �شيم النفو�س ف�إن تجد‬
‫توحيد لا تفريق‪ ،‬وعن�صر محبة لا كراهية‪ ،‬لذا فزواجه تح ّول‬ ‫ذا ع ّفة‪ ،‬فلع ّلة لا يظلم‬
‫�إلى مهرجان «للم�صالحة الوطنية انت�صرت فيه روح الت�سامح‬ ‫ولكم أ�ن تتخ ّيلوا‪ :‬مدينة‪،‬ب�س ّكانها‪ ،‬و�شبابها‪ ،‬و�شعرائها‪،‬‬
‫والحب والتعا�ضد‪ ،‬على روح البغ�ضاء‪ ،‬والفرقة‪ ،‬والبغ�ضاء!»‬ ‫تحتفي برجل ع ّد �أ�شهر مجنون في دهوك‪ ،‬لك ّن عاهته العقل ّية‬
‫هذه الرواية التي أ�عيدت طباعتها ع ّدة م ّرات‪،‬ونالت تقدير‬ ‫لم ت�صنع منه �شخ�صا عدوان ّيا‪ ،‬ولم تفقده اتزانه الاجتماعي‪،‬‬
‫النقاد واهتمامهم‪ ،‬ولو بدرجة أ�قل من رواية الطيب «مو�سم‬ ‫في تعاملاته‪ ،‬بل جعلته‪� ،‬شخ�ص ّية م�سالمة‪ ،‬محبوبة من قبل‬
‫الهجرة �إلى ال�شمال» لك ّن التفات المخرج الكويتي خالد‬ ‫الجميع‪ ،‬لأ ّنها ت�ساهم في �صنع ال�سعادة في المكان الذي تح ّل‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪97‬‬ ‫الفــني‬

‫أ�ما طالبة الدكتوراة والكاتبة ال�سهاد البو�سعيدية فقد تميزت‬
‫بقدرتها على تحويل مو�ضوع عملها الفني من واقعي ملمو�س‬
‫الى خيالي بحت با�ستخدام التقنية الرقمية باحترافية‬
‫مميزة‪ ،‬اللوحات المطبوعة على (كنف�س) �أعطت منظو ًرا‬
‫اخر للم�شاهد و مجا ًل للتبحر في مغزى العمل الفني والفنانة‬
‫هي في الا�صل كاتبة ت�ستطيع ان تو�صل فكرتها ور�سالتها‬

‫للم�شاهد با�سلوب را ٍق‪.‬‬
‫افتتح المعر�ض نائب رئي�س البعثة البلوما�سية العمانية‬
‫بماليزيا ريا�ض مكي وبح�ضور رئي�س جامعه ليمكوكوينج تان‬
‫�سري والملحق الثقافي العماني بماليزيا الدكتور خمي�س بن‬
‫�صالح البلو�شي‪ ،‬وجمع من الدبلوما�سيين من الدول ال�صديقة‬
‫و ال�شقيقة إ��ضافة إ�لى الطلبة العمانيين وا ألجانب‪ ،‬وتخلل‬
‫المعر�ض عر�ض فيلم وثائقي عن ال�سلطنة يو�ضح جمال‬

‫الطبيعة و �سحر المكان‪.‬‬
‫وع ّبرت نائبة رئي�س الجامعة داتو فجوره عن �سعادتها‬
‫لا�ست�ضافه هذا المعر�ض الذي يقام لأول مرة في مقر‬
‫الجامعة‪ ،‬منوهة ب�أهمية التبادل الثقافي بين البلدين‪،‬‬
‫م�شيرة �إلى الدور المهم الذي يقوم به المعر�ض في تعريف‬

‫الطلبة والح�ضور بالفن الت�شكيلي العماني‪.‬‬
‫و�ضمن فعاليات المعر�ض قدمت الت�شكيلية طاهرة فداء‬
‫عر ً�ضا مرئ ًيا عن تطور الحركة الت�شكيلية في ال�سلطنة‬
‫مو�ضحة بع�ض رموز و�أعلام الفن الت�شكيلي العماني واختلاف‬
‫المدار�س الفنية‪� ،‬إ�ضافة إ�لى الحديث عن أ�هم مراحل‬
‫م�سيرتها الفنية‪ ،‬وبعدها �سرد الفنان �سعيد العلوي تجربته‬

‫مع الفن الت�شكيلي وكيفية ت�أثرة ببيئته المحلية‪.‬‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫الفــني‬ ‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه‬ ‫‪96‬‬

‫معر�ض فني في ماليزيا بري�شة‬
‫ثلاثة فنانين عمانيين‬

‫وتنتمي الفنانة الت�شكيلية طاهرة فداء للمدر�سة الانطباعية‬ ‫بدعوة من الملحقية الثقافية العمانية في ماليزيا اقام ثلاثة‬
‫المعا�صرة‪ ،‬وانتما ؤ�ها الاخير لهذه المدر�سة وا�ضح في‬ ‫فنانين عمانيين معر ً�ضا م�شتر ًكا في مقر جامعة ليمكوكوينج‬
‫معار�ضها الفردية‪� ،‬أما �ألوانها في هذه المجموعة فهي ترابية‬ ‫في كوالالمبور لمدة يومين حمل توقيع الفنانة الت�شكيلية‬
‫لتعبرعن التراث والا�صالة ولكي تعطي ت أ�ثير الزمن على‬ ‫طاهرة فداء والفنان الت�شكيلي �سعيد العلوي والفنانه الكاتبة‬
‫�سطوع العمل با�ستخدامها تقنية التعتيق ال�سطحي للون وو�ضع‬
‫ت أ�ثيرات التق�شير عليه‪ ،‬حيث تمنح الفنانة زوار المعر�ض‬ ‫ال�سهاد البو�سعيدية‪.‬‬
‫إ�ح�سا�سا جميلا بالما�ضي‪ ،‬وك أ�نها توجه دعوة مفتوحة لل�شعب‬ ‫وفي الجامعة التي ت�شتهر ب�أ�صالتها وعراقتها وا�ستيعابها‬
‫الماليزي وللطلبة ا ألجانب لملام�سة عراقة مدينة مطرح‬ ‫عدد ًا كبي ًرا من الطلبة العمانيين في مختلف التخ�ص�صات‬
‫و�أي�ضا طلبة من مختلف الجن�سيات تلونت ال�صالة الكبرى‬
‫والتمتع بجمالها المعماري الأخاذ‪.‬‬ ‫للعر�ض بحوالي ‪ 51‬عم ًل فنيا في مختلف الموا�ضيع‬
‫�أما الفنان الت�شكيلي �سعيد العلوي فقد قدم عرو�ضا‬ ‫والأ�ساليب الفنية للفنانين الثلاثة حيث قدم كل فنان ما‬
‫راق�صة من الفلكلور العماني‪ ،‬وكانت �أعماله الفنية عبارة‬
‫عن رق�صات �شعبية من مختلف ولايات ال�سلطنة‪ ،‬فلقد‬ ‫يقارب من ‪ 17‬عم ًل فنيا‪.‬‬
‫كانت الرزحة واالليوه حا�ضرة في الاعمال وما يرافقها من‬ ‫وتميزت �أعمال الفنانة طاهرة فداء ببروز الجمال المعمار‬
‫اللبا�س التقليدي‪ ،‬كل ذلك مج�سد ب�ألوان الاكريليك على لوح‬ ‫العماني الا�سلامي الأ�صيل‪ ،‬حيث ج�سدت �شبابيك ونوافذ‬
‫(كنف�س) وك�أنه يدعو ال�شعب الماليزي للم�شاركة في هذه‬ ‫مدينة مطرح الأثرية با�سلوب معا�صر‪ ،‬وعالجت موا�ضيعها‬
‫الاهازيج ال�شعبية‪ ،‬ويدعوه ليرق�ص رق�صة الت�سامح والمحبة‬ ‫با�ستخدام المواد المختلفة والتي تعطي الت�أثير الثلاثي‬
‫الأبعاد للعمل الفني لما فيها من �إظهار العمق والبروز‬
‫بين ال�شعبين ال�شقيقين‪.‬‬
‫ال�سطحي للعمل الفني‪.‬‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪99‬‬ ‫الفــني‬

‫زج به في لعبة التمثيل التي لا يجيدها‪ ،‬ولا علاقة له بال�سيا�سة‬ ‫�ضمن عرو�ض مهرجان الكويت الدولي للمونودراما ‪ -‬دورة‬
‫فهو مجرد بائع خ�ضار‪ ،‬لكنه تورط‪ ،‬لينهي العر�ض بالقول إ�نه‬ ‫الفنان القدير �سعد الفرج‪ ،‬قدمت فرقة م�سرح الدن للثقافة‬
‫يحب النور‪ ،‬ولا يحب الف�ساد ولا النفاق‪ ،‬ينادي بعدم ت�صديق‬ ‫والفن م�سرحية «هذه المدينة لا تحب الخ�ضار» من ت أ�ليف‬
‫ال�شعارات ألنها كاذبة‪ ،‬فين�سحب من اللعبة التي زج فيها‪،‬‬ ‫محمد بن �سيف الرحبي‪ ،‬و�سينوغرافيا و إ�خراج طالب‬

‫مفاخر ًا بوطنيته وعروبته‪.‬‬ ‫البلو�شي وتمثيل‪ :‬محمد ال�ضبعوني‪.‬‬
‫�أظهر هذا العمل إ�مكانات وقدرات جيدة لدى الممثل محمد‬ ‫يقدم العر�ض �شخ�صية بائع الخ�ضار الذي يج�سد �شخ�صيات‬
‫ال�ضبعوني‪ ،‬إ��ضافة إ�لى ح�ضوره الكوميدي الجميل‪ ،‬كما‬ ‫الم�سرحية‪ ،‬ال�ضعيف أ�مام المقابل المادي الذي عر�ضه عليه‬
‫ا�ستطاع المخرج طالب البلو�شي �أن يقدم ر�ؤية جميلة لولا‬ ‫مخرج العمل‪ ،‬وهو بدوره لا يعرف ماهية الرمزية وال�سريالية‬
‫بع�ض الهنات والم�ؤثرات الب�صرية‪ ،‬وفي ملء ف�ضاء الم�سرح‪،‬‬ ‫ولا التمثيل أ�ي�ض ًا‪ ،‬فالعر�ض م�ستمر‪ ،‬وهو لي�س من �صنعه‪ ،‬وقد‬

‫يمكنه تفاديها �أثناء عر�ضها في المرة القادمة‪.‬‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه الفــني‬ ‫‪98‬‬

‫«هذه المدينة لا تحب الخ�ضار»‬
‫قدمتها فرقة الدن في الكويت‬

‫العدد(‪)7‬‬

‫مايو ‪2016‬م ‪ /‬رجب ‪1437‬ه ‪101‬‬

‫العدد(‪)7‬‬


Click to View FlipBook Version