يوم معقوف
جاءني الأب شاول يستفسرني عن عدم وجودي
يوم الأحد الماضي في الكنيسة ويبدي لي كيف
أفتقدني ذلك اليوم بعد أن يأس من العثور علي .
وأخبرته عن ذهابي خارج المدينة واستمتاعي بأُمنا
الطبيعة بل منحة السماء لأهل الأرض كما قال
هوميروس .
طفق يحدثني عن خطبته التي القاها وكانت حول
آلآم السيد المسيح ونهايته المفجعة على الصليب .
فرددت عليه قائلا :
ـــ ان المسيح تألم ألماً جسدياً ،وانتهت ألآمه بعد
فترة وجيزة من الزمن ،حيث حلقت روحه الى اللاكيان
،فأين منه الذي علكه الألم نفسياً ،ومضغه الحزن
عقلياً ،عندما فجعه بأعز ما يحب وأغلى ما يملك ..
وما انفك بعين الآلام والتعاسة كل يوم ،لأن كل ما
51
يربطه مع الحياة قد انقطع ،وصار قلبه وكبده يتآكلان
كل لحظة ذكرى ..فلا هو بمنتٍه ولا الذاكرة تموت .
دهش من قولي ،ونظر في وجهي بامعان كمن
يحاول أن يسبر أغوار نفسي ويكشف ب ارقع قلبي .
وقال بتلهف :
ـــ من يكون هذا بحق المسيح ؟
ـــ إنه ماثل أمامك يا صديقي ،كثمرة تعطب جوفها
وأمست خاوية على عرشها فعند أول لمسة أو هزة
ستتحطم الى أشلاء مبعثرة ،ولكن كيف للزمن أن
يرحم ويعجل بانامله ليخلع ما تبقى ويواريه العدم
الاسمر ،حيث لا أضواء ساطعة ولا رياح اركضة ولا
أرض مغتصبة .
وتركني الأب شاول بعد أن دمدم بكلام لم أسمعه
جيداً ..فناجي ُت نفسي قائلا لها :
52
( أصبري أيتها الروح لجسمك المصلوب على
الصليب المعقوف ..فقد ُكتب عليك أن تتعذبي في
الدنيا لكي تذوقي طعم الحرية شهداً في الآخرة ) .
ورح ُت أدون :
( سأركب عربة الغ ارم وألهب ظهر قلبي بالسياط لكي
تركض بخيولها في ساحة الحبيب ،فان وجدت كثي اًر
من العربات تتسابق في هذه الساحة ،أجعل السوط
يلهب ظهر قلبي أكثر واقسو عليه لينهب الساحة نهبًا
،وأن ُرشق ُت بسهام الاعداء فسوف أصدها بصدري
بكل ج أرة وأتركها تغور في جسمي ليقطر قلبي دماً
أكثر وأكثر ،ويطير بالعربة ويسبق باقي العربات ،
عند ذاك أصل الى من أُحبها دامي الجسد منهوك
القوى ،وأفوز بقلبها ،وتبدأ بيديها الرقيقتين تزيل
السهام وتضمد الج ارح بالحب والحنان ) .
53
يوم ملون
تكاثرت في هذا اليوم أعداد الزهور المتفتحة حتى
ليكاد الناظر أن لا يرفع بصره عنها لحظة ،لان
العيون قلما ترى مثل هذه الاو ارد الجميلة ال ازهية بكل
الالوان وشتى الاحجام والاشكال واستذكرت قول
الشاعر :
تمتع من شميم ع ارر نجد
فما بعد العشية من ع ارر
ولكن فرحتي بورودي هذه ستكون مثل فرحتي ببناتي
التي لم تدم طويلاً ،وما أن أتممت هذا الخاطر حتى
أبصرُت حارس البوابة يجني من الزهور الأجمل
والأبهى والأشد عط اًر والأكثر جاذبية دون حياء من
أحد أو أرفة بالجمال ..وحين أبصرني لم يأبه بي
فكأنه يمتلك تلك الزهور وهو أحق بذبحها من غيره .
دمعت عيناي فاخفيت دمعي باط ارقة الى الارض
،وانتشلني من ضعف عاطفتي صوت ق ٍس فالتف ُت اليه
54
بعد أن كفكفت أدمعي ،و ارح يعّرفني بنفسه ،عرف ُت
إن إسمه (أدور) وعرض علي لوحة رسمها لتوه لتلك
الزهور المنتشرة المشرقة .
غصصت بالكلام ولم أستطع أن أُعبر له عن شيء
،فانا أرى الانسان يسعى الى الخلود بشتى الطرق وما
الرسم الا دليل على ذلك .
طلب أريي في الصورة وال َّح علي فقلت له :
ـــ يا بني ان لك ب ارعة في تقليد الطبيعية مما يدل
على دقـة ملاحظتك وجمال ذوقك ورشاقة فرشاتك
بوضع الالوان ،ولكن البشر لا يهتمون لما يرونه
اعتيادياً بل يميلون الى اللوحة المعبرة عن موقف
انساني شامل وتسلب مشاعرهم الكامنة فتدهشهم
وتعريهم على حقيقتهم دون ان يشعروا بذلك اذ لو
شعروا لصلبوك .
ــــ يا سيدي ان لك أرياً غريباً هلا أفصحت لي عن
طريقة أنتهجها في الرسم .
55
ــــ أسلك كل طرق الرسامين قبل أن تحدد طريقتك ..
خذ مواقف غويا ،ودقة ديلاكروا ،ورموز بيكاسو ،
وتخطيطات دافنشي ،ومزج الالوان عند فان كوخ ،
وتكوينات سلفادور دالي ،والب ارءة عند سي ازن وماتيس
كل هؤلاء اجعلهم وسيلة الى التكامل الذاتي لكي
تتجاوز به مرحلاتهم الفنية وتتسم أنت بطابع خاص ،
لان البشر يميلون الى ما يشدهم نحو أعماقهم وحلمهم
وآمالهم أكثر ما يميلون الى واقعهم القاحل ..بل خذ
واقعهم وارحل به عبر السماء .
وشكرني وترك لي الصورة هدية ،حملتها الى
غرفتي معت اًز بها ،فهي خير وسيلة لشد الروح عبر
نافذة تطل أبدًا على مهديها .
يوم قاتم
أتى صديقي الشماس وأنا منشغل فى الحديقة
الخلفية وطلب منى أن أتهيىء للذهاب معهم الى قصر
السيدة ( ماري ) حيث دعت الجميع لتناول الغداء ،
فاعتذرُت منه لعدم رغبتي في تلبية الدعوة ،فلي
56
مشاغلي ،وطلب ُت منه أن يعتذر لي ،فتركني على
أمل الاعتذار .
كن ُت أعرف صاحبة الدعوة فهي نفس الم أرة التي
داعبت قلبي في الايام الخوالي ولم أقترن بها لان الله
بعث لي إم أرة أجمل وأطهر وأطيب ولكن كيف للقدر
أن يدع الاحياء سعداء بعد هبات الله ،وهو المشهور
بفضاعة مقالبه ،لم لم يدعني هانىء القلب والخاطر
بزوجتي وبناتي حتى قصم ظهري وقطع نياط قلبي ،
فواحسرتاه لفقدهم ،ويا لتعاستي من بعدهم .
طفق ُت أبكي بصمت وبلا دموع حتى شعرت أن
فؤادي يتفطر ويتمزق ،وأن نفسي تدلهم ويضيق بها
جسمي ،وكأن الدنيا حلم مزعج مظلم ،آنذاك هرب
الفجر من عيوني وزرعت الظلام فى دمي فلم تـنبت
أشجاره وحلقت الآلام في سماء نفسي و ارحت تقتات
الخير والسلام وترقص على دقات طبول الموت معلنة
الحداد على الاحياء والاموات وعلي أنا الميت الحي .
57
وبينما أنا كذلك اذا بيد تربت على كتفي وبصوت
الاب شاول يقول هون عليك أيها الشيخ والا ينفجر
فؤادك من الألم !
ورفع ُت أرسي نحوه وقل ُت والعبرة تخنقني :
-يا ليته ينفجر وأنتهي ..اتركني أرجوك فلي مع
نفسي سجال دموي .
وعاودت قرع طبول الحرب مع روحي ،عندما
تهرب الاف ارح من جزيرة قلبي ويخيم الظلام في أرجاء
فؤادي وتهجم الغيوم السوداء وتلبد الشغاف وترعد ألما
وتبرق حسرة ،وتطير الش ار ارت لتحرق السويداء ،
آنذاك أصيح في أعماق نفسي ( الهي يا ُمنزل الم َّن
والسلوى رحمتك ..ما هذا الألم الذي يجتاحني ،ما
هذه التعاسة التى تذيبني ،أ ك ّل الاحياء ُخلقوا مثلي ،
علام تعصر فؤادي بقوة وأنا أعرفك رؤوفاً رحيمًا ،
علام تطرق قلبي بمطارقك القاسية ولا تمسده بيدك
الحنون ،علام تقلب لي الحب وهماً والحبيب خيالاً ،
58
علام الورود تصير أسوداً مفترسة ..إلهي رفقاً رفقًا
وألف ألف رف ٍق ).
يوم فقاعي
الحياة رتابة دهرية تعطي بلمح البصر وتسلب
برمشة عين ،فقبل أيام خلت كانت زهرة الارجوان بين
الورود يانعة مغناجاً ،أما اليوم فقد خنقها العدم
ويبست وذرتها الرياح ،فيا لعاقبة الانبثاق والتنفس ..
واصل ُت عملي بدون رغبة ،وجاء صديقي الشماس مع
القس كلبرت واخب ارني أن السيدة ماري افتقدتـني طوال
الوقت الذي مكثوه في قصرها ،وكانت ما تفتأ تسألهما
عني وتوصيهما خي اًر بي ،وقد اخبرتهما إنها من نفس
حارتي في بيسان .
فاجبتهما بقولي :
ــــ عندما يفقد الانسان العالم يبدأ بعض الناس
بتقديس ذك اره ،وحين كان بينهم وقريباً منهم لم يعيروه
أدنى أهمية ،يا صديق َّي إنها لا تذكرني بل تحاول أن
59
تخدع نفسها لتتخيل إنها باقية على شبابها فهي قد
قاربت دخول العدم ،وأنا قد ودعت الدنيا منحد اًر
بسرعة الى بحر الفناء وما زل ُت أنزل ،وهي تخاف أن
يمحى من ذاكرتها شريط الصبا الملون المعطر ،أما
أنا فقد فقد ُت ذكريات الشباب الى الأبد ولم تبق سوى
ذكرى آلآم الرجولة والشيخوخة .
دهشا من كلامي ،ولا أدري هل فقها ما أرمي اليه
أم لا ،لكن الشماس التفت الى كلبرت قائلا له :
ــــ أي شيخ قاس شيخنا ..ليحمه الرب من نفسه .
كأن خنج ًار غرز في صفحة قلبي فأدماه ،وليتـني
كنت بلا لسان لما دخلت غابة الكلام صارخاً معب اًر
عن همومي فتسمعني الوحوش الكاسرة وتهجم علي
وتقطعني بأنياب اللفظ وبمخالب الحروف ،فتباً لك يا
فم بما تجلبه من مصائب جارحة .
60
بقي كلبرت واقفاً بعد أن انصرف الاب شاول ينظر
الي بعين ثاقبة كأنه يريد أن يخترق أعماقي ويكشف
سريرتي ثم بادرني قائلًا:
ـــ سيدي الشيخ هل نبتت الحبوب ؟
كنت قد نسيتها حقا ،فاجبته :
ـــ هيا بنا ننظرها .
تمعن في التربة لم يبصر شيئاً ،لكني أبصرت
إرتفاع التربة في بعض الاماكن فقلت له :
ــــ أظن إنها ستنب ُت عن قريب فأصبر أكثر .
وبعد أن تركني قلت في نفسي لتكن تجربة له تعلمه
الصبر في معرفة الحقيقة المؤلمة ..خلعت قلبي
وزرعته على الصخر وأنا أدري إنه لن يخضوضر لذا
سازرع الصخر في قلبي الى الأبد .
باضافري ساحرث مزرعتي وسأشتل فيها بقايا حبي
وأُسقيها بالدموع ،فان نبتت الاشجار بلا ثمر أمسك
61
فأسي وأنهال على جذوعها قطعاً ،وأنهش جذورها
نهشاً ،ثم أبث النار لتقضم مزرعة حب غير مثمر
وتحيله الى رماد .
يوم زنجي
تحت زنود الليل احتضنت طاولتي السوداء ،
ومسكت مح ارث الورق لازرع بمداده لغز الكلمات ،
وكان المصباح يطرد بنوره أشباح الظلام فيأتلق الورق
فوق الطاولة كأسنان الزنجي .
يرسو عند مسامعي نغم الكون المدوي بخفوت ،ولا
يقطعه سوى وقع خطوات القسيسين في الممر .
كم عسيرة هي الافكار الجديدة ،فاليوم الذي مررت
به لم يكن جديداً تحت الشمس ،فليس فى فكري سوى
أصداء الماضي ومن يحب أن يؤلم نفسه بنفسه
فليستخرج الصفحات الحزينة ويق أرها ..فكل ذكرى
أستذكرها مسمار قديم يدق في شغاف قلبي ،فكم أنت
62
لذيذة يا مسامير الذكريات حينما تغرزين في تابوت
الدماء ،فأنت تسلية حياتي الضائعة .
طرقني منظر شتوي ،حيث كنت في عش الزوجية
الذهبي أجلس قرب المدفأة على كرسي وثير ،وكانت
زوجتي تربض على بساط الغرفة بقربي واضعة أرسها
ــ ذا الشعر الاسيل ـــ على حجري وكان يتموج أبنوساً
يميل الى البنفسجي ،وكانت لذتي الوحيدة هي النظر
الى محاسن وجهها المتورد وسط هذا البحر من السواد
الذي تخضبه ألسنة الني ارن بأشعتها ،فتتسلل أصابعي
مبحرة في طياته الناعمة .
آه كأن تنفسها أحس به الآن ،فيا للمنظر ،لو
أعدته في مخيلتي م ار اًر لما مللت ..وما السعادة الا
كطيور فى غابة السلام تتـنقل من غصن الى غصن ،
كل ما يغريها من ثمر يكون داني القطوف ،وكل ما
يرويها يكون سهل المنهل ،فتستظل تحت الاو ارق
الطرية ،لا عمل يتعبها غير أن تزق الحب زقاً ،
ويداعب الحبيب الحبيبة .
63
ليتك يا سعادة قلبي بقيت ترفرفين علينا ،وليت
مقص الزمن تكسر قبل قصك .
لم استطع النوم فخرجت الى الحديقة الخلفية
لاسترق السمع لموسيقى الليل الكونية ..صرير
عش ارت الص ارصير يقطعه نقيق ضفدع ،حفيف
سعفات النخيل يتخلله نباح كلب من بعيد يعقبه هدير
شاحنة ..وخلف كل هذه الاصوات هناك صوت
هرموني كوني هائل ،حقا انها لسمفونية بعيدة الاغوار.
طرق سمعي صوت أحد القساوسة وهو يحاول أن
ينظم بعض بيات الشعر ويتوقف عند المقطع ويعيده
بصوت حزين ..اقتربت من مكانه فوجدته جالساً على
المصطبة الخشبية ينظر الى أشعة القمر الزورقي .
حييته ،كأن تحيتي تيار كهربي مسه ،فإرتجف
جافلاً من صوتي ورد علي تحيتي بحروف متقطعة ،
فإعتذرُت منه لقطعي سلسلة مشاعره ،لكنه إبتسم
برضى بعد أن سيطر على إرتباكه وقال :
64
ـــ أبداً ..أنا أنظم قصيدة وقد عصت علي الالفاظ
الدقيقة فلعلك ترشدني اليها فقد اخبرني أخوتي عن
درجتك العلمية والأدبية ،والحق أنا أريد أن أكلمك منذ
فترة .
حدجته بنظرة فاحصة ،فقد كان شاباً خجولاً ،
باسم الوجه بعينين حزينتين تتكسر نظ ارتهما كلما التقتا
بعيني ..قلت في نفسي حقاً إنه يحمل صفات الشاعر
أسرع ُت وقلت له :
ــــ تفضل ستجد عندي ما يسرك .
قال :منذ سنوات وأنا أنظم الشعر ،وقد قلدت
الشع ارء الاقدمين ،لكني كرهت قيود القافية ،وملت
الى الشعر الحر ،فتأثرت بالرواد العرب علماً إني
أحسن الفرنسية وأتذوق شعر ارمبو وفيرلين ،وقد
نظمت قصائد كثيرة وارسلتها الى الصحف والمجلات
وما علمت إني أرميها فى نهٍر جاٍر ..ولا أعرف سبباً
لرفضهم قصائدي ؟!
65
ـــ أسمعني شيئاً ؟
ارح يق أر لي بعضاً مما يحفظه من نظمه ،عرف ُت
،أن له أذناً موسيقية ويتحسس النغم بدقة وعذوبة وهذه
أولى علامات الشاعرية.
كما أعجبني إستخدامه للالفاظ بشكل جديد يوحي
بمعا ٍن مجنحة تسلب الخيال بسرعة ،وتأخذه الى
عوالم غريبة ساحرة وهذه ثاني الشاعرية ،وطابع
الحزن غالب على شعره فقلت له :
ـــ أني أجد الشاعرية مكتملة عندك فهلا أسمعتني
قصيدة نظمتها بعد تجربة عنيفة هزت قلبك وأحاسيسك
وتجدها أقرب الى مشاعرك.
و ارح ينشدني شع اًر كشعر أودونيس حفظت منه
هذا المقطع :
لغتي خشب ولست كالأشجار
لكنني من مدن غريبة أتيتكم
66
عبرت في عيونكم مفاوز القصدير والنساء
أبحرت من بحاري البعيدة المسار
وجئت حيث خطت الع ارفة الضريرة
وبعد ما عَّلقت في مدينتي أعوامي العشرين
في مشنقة
تستقبل الجفاف والزوار
أتيت يا ملهمتي لأنني مسافر بضاعتي الاح ازن
أعرضها أبيعها بحزني الغريب
أصرها في جزر غريبة عليك
ففي غد وها هنا اذ تنضج الاثمار
وتسأل الطيور عن أغصانها
وأن ِت في عينيك عن جزيرتي
ملهمتي لا تتعبي السؤال
67
إنني ولدت مثل طائر ومت كالنهار .
قل ُت له عندما إنتهى :أخرج من معطف أودونيس
..أترك الفاظه وعبا ارته فشاعريتك قوية وجارفة ،
ابحث لها عن عبا ارت والفاظ جديدة لم تخطر ببال أي
شاعر ..وسيكون النجاح حليفك .
شكرني بألم ..وودعني على ليلة هانئة ..وبقي ُت
أحاسب نفسي وأنتظر نجمة الصباح لعلها تخفف من
ص ارع أفكاري .
يوم موحش
سوف تهاجر أس ارب الطيور من الجزيرة
الخض ارء ،ويعم السكون فؤاد الجزيرة ،لا نغمة طائر
ولا خفقة جناح ،وتبكي الغد ارن وتنتحب الشلالات ،
اذ لا بلبل يشرب من منابعها ومعينها ولا عصفور
يكركر مع قط ارت مائها ،نافضاً ريشه بسعادة ،كما
تلطم الأشجار خدودها أسفاً وحسرة ،اذ لا حمامة
تعشعش فى وكناتها ،ولا ببغاء تتأرجح بأغصانها ،
68
ولا ه ازر يغرد بين زهورها ،عندها تهجم الاشباح تبث
الرعب في نفس الجزيرة ،فتتأوه الجزيرة وحشة والماً ،
ولا تجد منجاة من وحدتها الكأداء فتغطس الى قاع
البحر للأبد وتبقى فى سباتها حيث ترقص فوقها
الأمواج والتيا ارت .
فما أن أنهيت تأملاتي بجزيرة حياتي حتى إقترب
الأب شاول وحياني واطمأن على أحوالي ثم أردف
قائلاً بجٍد :
ــــ سيدي ال ارهب أننا قد وضعنا أنفسنا لخدمة الرب ،
وخدمته لا تتم الا بعد خدمة المجتمع معنوياً ومادياً
وبما أني أ ارك ضعيف النفس متألم الذات ،فهل تسمح
لي أن أبث فيك روح السعادة ؟
ــــ وما هي السعادة في نظرك ؟
ــــ هي ارحة البال ،وطمأنينة النفس .
ــــ وما هي وسائل ال ارحة ؟!
ــــ أن يقنع بما وهبه الله .
69
ــــ اذا كانت ال ارحة أن يرضى بما يعطيه الله ،فان
الله أخذ مني كل شيء ،فمن أين ستأتيني ارحة النفس
،والسعادة إستردها الله مني ورزقني بدلها الشقاء
الأبدي .
ختم الصمت افواهنا لهنيهة ثم بادرني الأب شاول
متسائلاً :
ــــ ولكن ألا تخبرني ما الذي جرده منك الرب ؟
ــــ لقد أخذ مني بناتي وزوجتي وداري ومزرعتي
ووطني ولفظني من هذه الحياة لفظ النواة .
ــــ أظن أن الحياة قد ساوت بيننا !
ـــــ كلا فأنت إنتهجت هذا الطريق وفق ظروفك ،أو
رغبتك ،أما أنا فقد اعتدت على أن أبني مستقبلي
وأمهد الطريق لبناتي وأسعد زوجتي وأخدم وطني ،فاذا
كل شيء يتهدم في طرفة عين بعد اتمام البناء ،
وأمست الأهداف س ارباً ،فكيف سنتعادل أنت رجل
ترتفع أما أنا فرجل يهبط الى الأغوار المظلمة .
70
فرد الأب شاول وعلى سيمائه ذهول التفكير
العميق :
ــــ ألم تعلم أن الرجل لا يكون عظيماً إلا أن يقاسي
ألماً عظيماً .
ــــ يالها من كلمات خادعة وإن تحققت فان العظمة
ستأتي على الهامش بعد أن يكون المرء قد وا اره
الت ارب.
ــــ ولكن الذكرى الطيبة هي المجد والخلود وهذا ما
يسعى اليه الانسان .
ــــ أجل ..ولكن أظنك أردت أن تقول ( لا يكون
الانسان عظيماً إلا أن يبني بنياناً عظيماً ويقاسي من
و ارئه الماً عظيماً ) ..أما أنا يا صديقي فقد بنيت
البنيان وقاسيت الألم وعند الكمال إنهار ك ُّل شيء
وذهبت ك ُّل آمالي أد ارج الرياح ،وأمسي ُت وحيداً تائهاً
ليس لبقائي معنى ،بل لموتي ألف معنى في نفسي ،
وحين أرحل عن الحياة لن أجد دمعة تسكب فوق
71
قبري ،لان أعز ما الى روحي وقلبي سبقوني وبكيت
عليهم .
ــــ ولكننا خدم الرب سنبكي عليك ونذكرك دائماً
ونصلي من أجلك ،داعين الله لك بالغفرآن .
ــــ الغفرآن !! وهل قمت بذنب أستحق عليه الغفرآن ؟
أنا انسان لا أحتاج الغف ارن قط ،فأنا لا أطمع في دنيا
أو في آخرة ..أطلبوا الغفرآن للذين سرقوا الدنيا
ويريدون أن يسرقوا الآخرة .
ــــ لقد أعييتني ..إذن ليبق الحمل تائهاً عن القطيع .
يوم مموسق
جاءني منذ الفجر ــــ وعيناي لم تغتسل بالنور ــــ
الأب شاول وهو يحمل نفس الصندوق الحديد ..
ووضعه على المنضدة بالقرب من سريري وقال :
ــــ يا أبتي خذ هذه الامانة فى عهدتك ،ا ّطلع عليها
لترى إننا متساويان ..ثم خرج دون أن أبدي له
ممانعتي ،وكيف أُظهر رفضي وأنا أشعر بأني وحدي
72
الضائع في الحياة ،والآن أريد أن أعرف هل حقاً
يوجد انسان مثلي ويساويني .
رحت أرمق الصنــدوق الحديد ،الذي كان من
ط ارز القرن الثامن عشر .حيث اكتظ بالزخارف
الخارجية ،واثر الت ارب والصدأ ما برحا ظاهرين على
أضلاعه ..فبدأ الفضول يحز في نفسي ح از ،ولكني
كنت عازماً اليوم على نقل بقايا الاح ارش النباتية الى
خارج الكنيسة ،لذلك قررت أن أطالع على محتوياته
غداً ،حيث يصادف يوم است ارحتي المقررة .
حملت الصندوق وأخفيته في درج الخ ازنة ،ثم هبب ُت
للعمل لكي تذيب طاقة الشمس سلاسل الخمول .
بينما أنا مشغول بجمع الاح ارش ،بعد أن أقلعها مع
جذورها لمحت الحارس جالساً أمام باب غرفته الصغيرة
الملاصقة للبوابة كأنه يحرس سجناً لا بيتاً للرب .
لا أدري لماذا شعرت أن حارس باب الجنة سيكون
من الشياطين وليس من الملائكة و ارجعت نفسي
73
متسائلاً :لماذا ؟ ..أ لقسوة ملامحه أم لص ارمته
وخشونة الفاظه ،فتذكرت حينما قدمت الى الكنيسة مع
صديقي الشماس حيث فتح الحارس لنا الباب و ارح
يطيل بي النظر ويتفرس في ملامحي كما يفعل رجال
الحدود .
في هذا اليوم كان الوقت قبل الظهيرة ومعظم
القساوسة يدرسون فى المدرسة المحاذية للكنيسة ،
وعلى غير عادة الحارس كانت بوابة الكنيسة مفتوحة
على مص ارعيها ،دخلت مجموعة من الاطفال الصغار
اركضة ،وكان يداعب أحدهم الآخر بضح ٍك وزعيق
لطيف ،فزجرهم الحارس مانعاً تقدمهم الى الداخل
بصوت عا ٍل خشن .
فتجمع الاطفال بعضهم الى بعض مثل الكتاكيت
الخائفة ،وظهرت بعدهم ارهبة حّيت الحارس واتفقت
معه بكلام لم أسمعه وأسرعت اركضة الى السيارة التي
ظهرت واقفة في الشارع عبر البوابة .
74
ناداني الحارس بقوله :أيها ال ارهب هلا رعيت
هؤلاء الأطفال لحين أُنادي على القس يوسف .
أومأت له ب أرسي بالقبول وناديتهم أن هلموا الى
افت ارش حشائش الحديقة تحت سيدة الأشجار الوارفة
الظلال ..ركض الاطفال ولا أدري كيف ت ارءى لي
بناتي وهن يركضن نحوي ،دمعت عيوني فرحاً اذ أن
أصواتهن هي هي لم تتغير ووجوههن هي هي لم
تتبدل .
أية زنابق بيضاء حَّلت في الحديقة ..سألوني أسئلة
طفولية أجبت عنها برقة ولكنها أخرجتـني من خيالي
وبرهنت لي أن الاطفال لا يعرفوني قطعاً .
جاء القس يوسف مسـرعـاً ،وذهب الحارس الى
مكانه قرب البوابة ،حياني القس باضط ارب وهو ينظر
الى الاطفال العشر ،ويردد مع نفسه :
ــــ ماذا أعلمهم بحق المسيح ؟ .
بدون شعور قلت له :الموسيقى !
75
تعجب من جوابى وتهللت أساريره وقال :
ـــــ كيف ذلك يا أبتي ؟ ،فقد طلبوا مني أن أُعلمهم
كل يوم ساعة واحدة وأنا لا عهد لي بتدريس الصغار
..اذ بماذا ابدأ وكيف أنتهي أجبته :
ـــــ إستخدم شعر الاطفال الغنائي فهو خير وسيلة
لتقوية حافظتهم وكلما لحنته بالحان عذبة كلما رققت
مشاعرهم .
فسأل بتلهف كغريق وجد قارب النجاة :
ــــ وأي الشع ارء تفضل شعره لهؤلاء الاطفال ؟
أجبته بسرعة :
ـــــ سليمان العيسى في «غنوا يا أطفال» ولكن على
شرط أن يكون درس الموسيقى والنشيد ليوم واحد في
الأسبوع .
ـــــ وماذا فى بقية أيام الأسبوع ،وهي ساعة واحدة
في كل يوم .
76
ـــــ أعرف أنها ساعة واحدة ،لأن الطفل يضجر من
نمط واحد ،فعليك التنويع ،اليوم تُحّفظ الاطفال
مقطعاً غنائياً ُمل ّحناً وفي الغد تعلمهم الرسم الحر ،
وفي اليوم الثالث تعلمهم الز ارعة ،وأنا مستعد أن أُحدد
لكل منهم مت اًر مربعاً خاصاً به لز ارعته في الحديقة
الخلفية ،واليوم ال اربع تعلمهم عمل الاشكال الطينية
واليوم الخامس الرياضة الحرة ،وفي اليوم السادس
المطالعة المصورة ،فابتسم بفرح شديد وقال وكله ثقة
بنفسه:
ــــ إذن ستعينني على ذلك يا أبتي ال ارهب ؟.
ـــــ على الرحب والسعة .
فأخذهم وإتجه بهم الى البوابة الخاصة بمدرسة
الكنيسة .
وبعد أن أخرج ُت كثابين الأدغال ورميتها في
موضع النفايات خارج الكنيسة ..قضيت بعد الظهر
معظم وقتي في حمام الكنيسة وكنت التُّذ كالاطفال
77
بالماء حينما أسكبه فوق جسمي ..وما فتأ ُت أنصت
لموسيقى المياه المنسكبة على أرسي المتزحلقة على
جسـدي والمصطدمة بأرضية الحمام ،فكأن روحي
تسيل مع كل قطرة فترقص ،وعقلي يذوب مع كل
نغمة فيطرب ،وما الموسيقى الا هلاهل الجمادات
معبرة عن سرها فكيف للسمع أن يفقه وهو مسحور
بالصوت ؟ .
يوم صوفي
خرجت من الكنيسة بعد أن ارتديت ملابسي
القديمة ،وإتجهت الى مقبرة من مقابر المسلمين لان
ظاهرة الموت تبرز بها أكثر من بقية المقابر ،فالقبور
تلال على حجم الانسان ال ارقد تحت ت اربها ،فما أن
شارفتها حتى توغل ُت الى وسطها مبتعداً عن ضوضاء
المدينة ،وهناك تحت نخلة حولها فسيلتين جلس ُت ،
و ارحت نظ ارتي تمسح القبور المت ارصة ثم ترتد ساقطة
على النخلة وفسائلها ..فاذا بالآلام تتقاطر في قلبي ،
وانكفأ ُت على وجهي ،ودخل ُت في غفوة فكرية أبعدتني
78
عن ضوء الوجود الى ظلام سرمدي ،لا أعلم هل
كنت أتمتم أم أصلي ،لكني شعرت بحواسي أجمع
تندمج بظل كثيف لطيف ،فبدأت أنتحب كطفل وحيد
في غرفة مظلمة ،وأنكشف لي اللاوجود تدريجياً ،
كأن مرآة صافية ازلت عنها الغشاوة ،صرت أشاهد
وجوه بناتي واحدة تلو الآخرى ،وجوه مشدوهة تصرخ
مستنجدة ،ثم ظهر وجه زوجتي واسعاً قد شبت به
النار وبجسم مشوه مقطع ،وهي تزعق كالمجنونة وقد
جحظت عيناها ،فازددت بكا ًء ،وعفرُت وجهي
بالت ارب ،وكأن غاشية الظلام قد رقدت فوقي فلم أهدأ
إلا بعد أن أري ُت قبساً من النور إنسكب في نفسي ،
وطافت روحي في كيانه واستكانت .
لم أنتشل من اللاشعور الا على يدين غليظتين
تمسكان بي وتجلساني ،حينئذ أفق ُت وطالعني وجه
غريب لرجل بدين بملابس متهرئة قذرة ،فما أن لمح
وجهي حتى إسترسل في القهقهة ،فنهضت ونفض ُت
ملابسي ،ومسح ُت ووجهي بعمرة أرسي ،ثم قلت له
وأنا أغادر المكان :
79
ـــــ سمن جسمك للديدان ! .
توقف عن الضحك وقال :
ـــــ أعذرني ما ضحكت عليك ،ولكني لمحت وجهك
وهو معفر بالت ارب فخلتك شبحاً من أشباح المقبرة .
ـــــ وهل الاشباح مضحكة ؟
ـــــ بالنسبة لي مضحكة فأنا ما أريت شيئاً غريباً الا
وضحك ُت وكما تعلم الضحك خير من الخوف ..
ولكني أظنك لم تعلم شفتيك الضحك .
ـــــ أنك على حق فهو ت اربط طبيعي بين السمن
والضحك والضعف والحزن .
ـــــ لكن الا تخبرني ما سبب حزنك وبكائك ؟ .
ـــــ أنا لست حزيناً انما أبكي رهبة من عظمة ربي .
ـــــ إذن أنت من المتصوفة ؟ ! .
تركته ولم أجبـه بشيء ولا أعلم لماذا فسرت له
حزني بهذه الصورة ربما هرباً من تدفق الاسئلة ،وأنا
80
غير مستعٍد للاجابة ،أو ربما جاء الكلام على طرف
لساني وأطلقه من دون ترٍو فأندم على ذلك ،ورحت
حادث عقلي :
ــــ أنك كائن غريب الاطوار في هذه الارض ،تشعر
بالوحدة وسط هذا الكون ،تبحث عن ذاتك في اقطار
السماوات وفي أعماق البحار والغابات والصحارى
والوديان وحين يحل بك التعب تتقوقع باحثاً عن ذاتك
داخل نفسك ،ويتفصد من جسمك العرق دون جدوى
فتركض شرقًا وغرباً مخترعاً شتى الوسائل الموصلة
الى أي بعٍد تريد ،متطلعاً تارة فى وجود الآخرين من
بني جنسك ،وتارة أخرى متمعناً في وجه الطبيعة ،
يأسرك الجمال في لحظته ،وتأسرك الهموم في
لحظات كثيرة ،وتشعر بالدوار ،بالضحالة ،فتصرخ
ملء فمك في فضاء نفسك :من أنت ؟ ولم جئت ؟
ومن أين ولاجل ماذا ؟ وعلام تعاني ما تعاني ؟ ولم
هذا الضياع ؟ وهل من نتيجة لبحثك ولألمك ؟ .
81
يوم مكنوز
اليوم أخرجت صندوق الحديد وفتحته وأخرج ُت
منه رزمة الأو ارق والصور ،وعزل ُت مجموعة الأو ارق
عن مجموعة الصور وأخذ ُت أطالع الأخيرة ،وكانت
تتسلسل من منظر طفل صغير مع والدته حتى نموه
الى شاب يافع وكانت كل صورة قد دون خلفها اسم
شاول مع والدته بمواقف شتى ومناسبات محددة
بالزمان والمكان ،وكانت الأم في كل صورة مبتسمة
تحتضن وليدها فى صغره وتطوقه بحنان في فتوته ،
كانت ام أرة ضعيفة البنية ،دقيقة القسمات ،رشيقة
القوام ،تتكلف السعادة تكلفاً على ما يبدو ،فمن
قسمات وجهها الشاحب وجسمها الناحل قد هدتها الايام
،واتعبتها السنون .
أما شاول وهو طفل فقد كان جميل الملامح ،حلو
الهندام إبن عز وأُبهة ،وكان في جميع ادوار حياته
حتى دور الشباب حيوياً نشطاً معتدل سمنة الجسم .
82
فما أن إنتهيت من الصور حتى انتقل ُت الى
الرسائل وكانت كلها بقلم الأب شاول إلا ورقة واحدة
كانت محررة من والدته وهي ـــ على ما أظن ـــ
وصيتها الأخيرة ..اذ تقول فيها (ويبدو إنها على وشك
الرحيل) :
شاول ولدي الحبيب
أنت نوري على الارض أتبـارك به ..وأنت أملي
الـذي سيبقى محط أنظار روحي ،أنظر لعينيك
العميقتين فأحس بالهناء من بعد العناء ،وأرنو الى
ضحكتك الفجرية المشعة أنجماً فأشعر أن الدنيا تبتسم
عن مهرجان عذ ٍب .
أي شاول لقـد قاسي ُت ـــ من أجـل أن أهـز بك الايام ـــ
شتى المصاعب ،وكانت هي لذتي في الحياة ،فكم
كنت سميري في وحدتي الربداء ،وكم كنت مؤنسي
في وحشتي الكأداء ،أبكي فتمسح بقبلاتك دموعي ،
عاصرنا الفقر سوية ،وذقنا الليالي الباردة تحت سقف
83
واحد ،ولم يدفئني سوى شخصك المرح ،ولم تغنني
سوى روحك الذهبية .
أواه شاول لقد كنت أتمنى أن أشاهد شريكة حياتك
في المستقبل ،وأحضر زفافك لكي أ ارك تختال
كطاووس ،فأفتخر بك بين النساء ،وأحس أن حياتي
لم تكن عبثاً ،فتملأ الدنيا عيني بمنظرك ،ولكن القدر
يأبى أن أسعد بذلك ،فان خفقات قلبي بدأت تقل ،
وأني أنتظر ال ارحة الأبدية بين خيوط الفجر ،والدنيا
أمست تظلُّم في بصري كلما أضفت كلمة الى
وصيتي ،وأخذت روحي تنهصر بشدة ،اذ أين
القصور والأموال التي تتمناها كل أم لابنها ،فانا لا
أملك سوى أن أوصي بحبي لك الى الأبد ،ودعائي
في سبيل أن تسعـد مدى العمر سأملأ به السماوات
والارض .شاول ابني ..قلبي ..الوداع..أمك الحنون.
إنتقلت الى رسـائـل شاول وكانت قط ارت مائية قد
أسالت حروفها ،فمضي ُت ألتهم سطورها بنظري التهامًا،
فما ذقت طعماً للغة مثل لغة الشعور بالألم والعواطف
84
الحزينة ،فقد إنبرى يبكي ويستبكي حروفه ،فشعرت
بكلماته تلطم حزناً ،وأحسس ُت بأفكاره تـنوح شوقاً ،فما
عرف ُت انساناً له مثل هذا القلب الرقيق ،وهذه النفس
المحترقة ،يبث مشاعره تجاه أمه كطفل رضيع يولول
لفقدان والدته الحنون ،وكحبيب يناجي حبيبته وهى
مسجاة بين يديه جثة هامدة .
كانت أمـه هي دنياه ،وحين رحلت طفق يندب
حظه البائس ،ويش ُّن حملة على الزمن الذي قصم
ظهره حين سلب منه أعز ما في وجوده ،ويتوعد
بالويل للأيام التي أشقته ،فكانت ثورة مكبوتة في نفسه
لا يطلق حممها الا بكتاباته ولا يلطف من هيجانها الا
بمناجاته لأمه الرؤوم .
وما هذه القط ارت التى أسالت الحروف الا دموعه
المنثالة فاختلطت دموعي مع دموعه ،فقد فتحت
كلماته أبواب الحزن من جديد ..ورحت أتأمل أفكاري
( ما الدنيا إلا كنز عظيم في أعماق البحر لا يصله
الا من جازف وتعب ،حتى اذا ما امتلكه وحاول
85
الخروج امتدت أذرع اخطبوط وقيدت جسمه ،فلا هو
قادر على الخلاص والنجاة ،ولا هو يستطيع أن يدفع
الكنز ثمناً لحياته كتعويض ) .
أن الركض و ارء الأمل حلو ،وعدم تحقيقه أحلى ،
ونيله وتحقيقه الأحلى ،وأن الذي بلا أمل تعيس ،
والذي أمامه الأمل ولا يسعى صوبه أتعس ،والذي
حقق الأمل وفجأة يتبخر ويتلاشى من أمامه الأتعس
والأب شاول على الأرجح بلا أمل فلذلك ظن أننا
نتساوى بالشقاء ،ولكن محال أن يعادل الربيع الخريف
وأن يعادل النهر الصح ارء .
يوم قيثاري
التقيت بالأب شاول في حديقة الكنيسة ،وكانت
نظا ارته المتسائلة تبحث في وجهي عن تأثير محتويات
الصندوق ،لكني لذت بالصمت لفترة من الوقت ثم
قلت له :
86
ــــ آه ..أيها الأب شاول ،ما خلتك طفلاً كبي اًر ولكن
تشبثك بأمك أثبت لي ذلك ،فيا لقلبك الصغير الذي
زعزعته فاجعة الحياة الطبيعية ،أن تعلقك بوالدتك أمر
طبيعي لا مفر منه ،ولكن تعظيم هذا الأمر ما هو إلا
دليل على ضعفك أمام الحياة والموت ،فيا لوهن
عزيمتك ! .
فأجاب الأب شاول وهو مطرق الى الارض :
ـــــ أنا لست ضعيفاً يا سيدي ،بل إني مفجوع بفقدان
الكائن الوحيد الذي تربطني واياه أواصر المحبة
والعطف والحنان ،فحينما خلفتني وحيداً في بحر
الحياة المصطخب ،غرقت في مستنقع الوجود لعفن
وشعرت بألم يقطع نياط قلبي ،فأمسيت قيثارة بلا
الحان ،آدم بلا جنة ،فكيف لا أحن الى ذلك الفؤاد
الواسع والعين الساهرة ،والثغر المشرق ،والنفس
الحنون ،واليد الشفوق .
قال ذلك بحسرة مرة كأنها تخرج من قلب كسير
مقطوع الاوردة ،وبعد أن استرجع عبرته أردف :
87
ــــ فكيف تريدني أن لا أقدس ذك ارها ،فأنا في قلبها
وهي في قلبي ،ونف ُسها ما زل ُت أحس بها نفسي ،أواه
فلن أجد بديلها ما حييت ،كان أملي أن أُسعدها ولكن
المرض الذي سرقها مني حطم حلمي الوحيد ،فلا
يوجد طموح بعدها ،فانا كطير كسير الجناحين ،
وشعور في أعماقي يقول :إنني نكرة فى هذه الحياة ،
الا أخبرني أيها ال ارهب هل تعادلنا في هذه الدنيا
القاسية ؟ .
نظرت اليه بامعان وتبسمت ،وقلت :
ــــ أنا أرثي لحالك ،فأنك الآن انسان يعيش بلا أمل ،
حادثة بسيطة رجتك رجاً ،وهي من الحتميات التي
تمر على كل انسان ،فكيف لأعظم حادثة بالنسبة
لرب أسرة وعمل ،وأقول لك إن فكرة الامومة قد قيدتك
منذ الطفولة لحد الآن ،ولك السماح في فترة الطفولة
لان الأم مكملة لشخصية الطفل ،أما في فترة الرجولة
فلن أستمحيك عذ اًر لتفكيرك بأنك مازلت بحاجة الى أُم
مع العلم إنها لو كانت على قيد الحياة لاجبرتك على
88
أن تجد شخصاً آخر تشاطره حياتك ،وذلك مما أ اردته
في وصيتها ،أما بالنسبة الى حوادث الدهر فما ساوت
بيننا والحمد لله ،فأنت كنهر جمد ماؤه فلا هو ارجع
الى منبعه ولا هو سائر صوب مصبه ،أما أنا فانسان
وصل الى جنة الخلد بعد جهود جبارة ومعاناة قاسية ،
وحين دخلها سقط في جحيم الني ارن واحترق قلباً ونفسًا
،وبقي جسداً معذباً ،فأنت حتماً ستطلع عليك الشمس
من جديد وتذيب الجليد فيجري نهرك ثانية ،أما أنا
فاحمل جمر جهنم فوق ظهري ،وهيهات أن أعود من
حيث جئت فما بقي بيني واللحد الا أيام معدودات .
دهش الأب شاول من حديثي وسألني وكله حسرة :
ــــ بروح القدس الا تخبرني بفحوى حكايتك ؟
ــــ سوف أخبرك في الوقت المناسب ،فقصتي تحتاج
الى وقت لكي أسردها لك .
89
ودعني وذهب ،وانشغل ُت بالحديقة ،وفي تلك
اللحظة جاء صديقي الشماس وهو يقول والابتسامة
تضىء محياه :
ـــــ لقد جمع الرب النفوس فى النهاية بعد أن فرقها
الشيطان بالبداية ! ثم سلم علي وواصل طريقه .
جعلتني كلماته أنجذل وأتعمق في معانيها فقد
كانت كمزنة هطلت فوق صح ارء عطشى .
يوم مقدس
لأول مرة أدخل قاعة الكنيسة منذ قدومي اليها لحد
الآن ،كان الوقت فج اًر والشموع مات ازل موقدة ذؤاباتها
تضيء ارجاء القاعة بنور ساحر ،وروائح عطرة
تضوع المكان ،ولمحت صليباً كبي اًر موضوعاً في
أعالي واجهة الجدار الأمامي ،وقد تجسد سيدنا
المسيح مصلوباً عليه ،فأمعنت النظر فيه وأنا أقترب
منه ،ف أريت أجفانه مسبلة ،كأنه غارق فى سبات
عميق ،وثم هالة خلف أرسه ,كانت تشع ببريق
90
ساطع ،وكأن وجهه قرص الشمس عند فجرها ،وكأن
إكليل الشوك الذي يطوق هامته تاج يذكره بآلآم الحياة
،وما هذه الآلام سوى الوسيلة التي تمزج روحه بالذات
الألهية .
خشعت روحي لهذا المشهد الجليل ،وجلست على
ركبتي ،وأنا أردد ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وشعوري
بأني أحمل الصليب على كتفي مثلما حمله سيدي
المسيح ..ولأن قلبي قد ق ّطع وكل قطعة منه قد
سمرت على صليب ،ولذا أخال مصيبتي أفضع من
مصيبة صلب سيدنا المسيح ،فهو قد تخلص من
آلآمه بين ليلة وضحاها ..أما أنا فما ازل الحزن
يقطعني بسكينة صدئة ،وما برحت روحي تتأرجح بين
الحياة والموت كطير ي ارفس بعد حزة في رقبته لم
تكتمل ..كم أحتاج الى طلقة الرحمة لتريحني من هذا
العذاب .
بقيت أقارن بيني وبين الروح القدسية .
وحادثت نفسي قائلاً :
91
( ان أعمال سيدي المسيح قد بقيت من بعده ،
وتداول البشر شريعته جيلا بعد جيل ،أما أنا فان جميع
أعمالي وأتعابي أمست وقبض الريح ،وليتني لم أر
الشمس )
طفقت عيناي تترقرقان بالدموع ،و ارحت غاشية
تغشي نظري ،وحدقت صوب الصليب وسمرت
مقلتاي هنالك في النور الفضي ،واذا بسيدي المسيح
يفتح عينيه ويرنو صوبي ويبتسم لي ،وبعدها انحدر
من أعالي الصليب الى الارض برشاقة النسيم ،وسار
نحوي بتؤدة ،فإرتعشت من هول المشهد ،وأكثرت
عيناي من ذرف أنهار الدموع ،وحين قاربني شعرت
أني قد جمدت في مكاني ،وقد رفع أذيال مئزره
الابيض بيده اليمنى ومسح دموعي المنهمرة وأنا في
وجوم تام والدهشة قد نزعت روحي من جسدي ،أنظر
الى محياه المشرق فتزداد لهفتي اليه شوقاً وانبها اًر
وهيبة ورهبة ..ثم ازدادت ابتسامته سح ًار ،فشعرت أن
أبواب السماء والجنان قد فتحت في وجهي .
92
انكفأ ُت قرب قدميه ورح ُت في نحيب أجش لم أفق
منه الا على أشعة الشمس وهي تتسرب من الشبابيك
الكبيرة وتنير القاعة .
رفعت أرسي لأنظر فاذا سيدي المسيح ما ي ازل
على الصليب غارقاً فى سباته العميقة ،وتلف ُت حولي
فاذا جمع من القساوسة على جانبي وخلفي يصلون
بخشوع ومن بينهم الشماس والأب شاول ،برحت
القاعة على عجل قبل ان ينهوا صلاتهم وفي سريرتي
إحساس قوي عميق ،بأني لم أخلق عبثاً ،وثمة حكمة
في خلقي لم أفهمها ،لكن سيدي المسيح يفهمها جيداً
،وقد عبر لي عنها بابتسامة وطمأنني بمسح أدمعي .
أن وجودي ليكن تافهاً في نظري لكنه ــــ كما أشعر ــــ
مهم في عين الله .
أيتها الأيام ولولي تحت أسترة المستقبل والطمي
خدودك أيتها الليالي أسفاً وحسرة ،وأمض أيتها النفس
باحداق تخرق الحجب ،وفتشي عن أيدي الزمن الذي
استباح حرمات نجومك ولم يبق شيئا للخلود بعد أن
93
غربل في عاصفة الفناء أعز ما تهوين ،وانسج أيها
اللسان القصائد مواويل للموت ،واثمل أيها العقل
المختل بخمرة موسيقى الاكوان ..لأن طيور قلبي في
السماء تطير بوحي افكاري ،وزهور محبتي تعرق
خجلاً من شهوتي ،وتبقى الاطياف تسبح في بحيرة
قلبي تت ارشق بالعواطف ،فيلثم الحنان الحقد ،ويقبل
الالم السعادة ،آنذاك ذب ُت في إ اردة اللا إ اردة .
يوم رباني
اليوم وأنا أعمل وأفكر شغلتني أفكار عديدة ،
فكرت بالأحياء كافة التي تعيش معظم حياتها فى
صمت ،وتـنقل صغارها من مكان الى آخر بصمت ،
وتعمل ليل نهار من أجل نيل قوتها بلا وهن وبهدوء
حتى أنها تتوالد وتتكاثر وتموت بصمت ،عكس
الانسان الذي يعيش حياته بصخب منذ ولادته حتى
مماته ،حمدت الله على أنه دفعني الى بقعة هادئة
بعض الشيء ،لأن خارج الكنيسة الناس تد ُّب
والغوغاء تـنحت كيانهم الى أن تلاشيهم وهم لا
94
يشعرون ،غوغاء مرة من أجل المال الوسيلة التي
انقلبت هدفاً وأخرى من أجل السعادة الكلمة الساحرة
التي يسعى اليها الانسان منذ أن وجد على الارض ،
لكن محال أن يجدها الا بعد الموت ،ومرة أخرى من
أجل اللذة الجسدية التي لا تـنتهي الا في جوف القبر،
وأخي اًر من أجل الطموح ال ازئف والمجد الس اربي .
استرسلت بعملي في الحديقة الخلفية بجد ونشاط
لأن عملي ليس من أجل المال ولا من أجل المجد
إنما هو من أجل باطل الأباطيل .
جاءني القس يوسف مع مجموعة الاطفال ،وطلب
مني ما وعدته بتدريب الاطفال على الز ارعة ،أخذتهم
الى ركن من أركان الحديقة وكنت قد قسمت المساحة
الى عشرة اقسام متساوية وحددتها باللوائح المقرنصة ،
وكان القس يوسف قد صنع لكل منهم علماً جميلًا
بلون مختلف عن الآخر وكتب إسم الطفل بلون آخر ،
وغرز كل طفل علمه بقطعة أرضه الز ارعية ،وذهبت
الى غرفتي جلب ُت لهم مجارف خشبية صنعتها لهم
95
خصيصاً مع بعض الحبوب المنوعة وسلمتها الى
القس يوسف ليوزعها عليهم واخبرته أن يعلمهم كيف
يقلبون التربة أولا ثم ينثرون الحبوب بعمق إصبع .
كان يوماً مشهوداً فقد رحت أعلم قسمًا من
الاطفال والقسم الآخر يعلمهم القس يوسف ...وبعد أن
إنتهينا سقينا الأرض ،وفرح الأطفال بذلك كثي اًر ،
واغتبط ُت بمنظرهم وهم يعملون ..حتى انتهت ساعتهم
وذهبوا .
وعند الظهيرة برحت الكنيسة ،وتوجهت صوب
جامع من جوامع المسلمين وهنالك دلفت وكان المؤذن
يردد كلمة (الله اكبر) من أعالي المنارة ،فأحسست
لصدى صوته عظمة رفعت روحي وحلقت بها في
أجواء السماء الازوردية ،فصلي ُت صلاة الجمعة مع
جمع غفير ،مروضاً جسمي برياضة ربانية .
وحينماعدت الى الكنيسة صادفني صديقي الشماس
فبادرني سائلا :
96
ــــ أين كنت يا صديقي ؟ فاجبته بأني كنت في مسجد
المسلمين أصلي .
فقال لي وعليه اما ارت الدهشة :
ــــ ولكنك لن تكون ذا دين معين ،وهذا لن يرضي
الرب !
ـــــ سوف يرضيه لأن إيماني به في أعماقي ،وما
الدين سوى وسيلة ليه ،والتتنوع الوسائل فالهدف واحد
أحد ..فلا تتعجب فالفلسطيني أيوب زمانه ..سكت ،
وافترقنا كل الى غايته .
وشعرت ب ارحة عظيمة حينما استلقيت على ثيل
الحديقة الخلفية ناظ ًار الى السماء مفك اًر بالله بذاته
السرمدية التي لا تدركها الا النفس السامية الكاملة ،
أما الحواس فلا تتمكن أن تحيط بهذه الذات العظيمة
الا اذا وصلت لكمالها ونضوجها ،حينما تصير
بسيطة كل البساطة ،وديعة كل الوداعة ،صغيرة فى
عين ذاتها كل الصغر ،هادئة لدى الخطوب والآلام
97
بهدوء مثالي ،وسمحاء مترفعة فى كافة الملمات
والمغريات .
واذا بداخلي يثور تفكير آخر كأنه شخص آخر
يحاورني قائلا :
ــــ يالك من ضعيف ،كيف تريد أن يلَّم بذات الله
انسان كما تصفه وهو أقرب الى الحيوانات الاليفة
الوادعة منه الى الانسان الذي اعطاه الله العقل لكي
يفكر مثله ويبدع مثله .
ــــ ولكن هنالك ش اًر يجب تجنبه واتباع الرب الذي كله
خير .
ــــ ما أد ارك أن ك َّل شر تظنه أنما هو مكمل للخير
الذي ينقصك .
تعب عقلي وغفوت .
98
يوم طفيلي
بينما كن ُت أمد أغصان العنب فوق المشبكات
القمرية فوجئ ُت بتوافد الناس ودخولهم الى قاعة الكنيسة
،مع العلم لم يكن اليوم من أيام الآحاد ،وهم يرمون
علي التحية وأ ُرّد عليهم واحداً واحداً أريت الأب شاول
يخرج من غرفته مرتدياً مسوح القساوسة ويسير متوجهًا
الى البوابة الخلفية للقاعة سأل ُت أحد القساوسة عما
يحدث اليوم فأجابني اجتماع خاص مع مسيحيي
المنطقة .
قررت مع نفسي أن أتطفل على المجتمعين ،
لارى ما فحوى الاجتماع هذا وما جدواه .
ارن صمت جليدي على الجميع بعد أن جلسوا
بخشوع ،وجلس خلف الطاولة المقابلة الشماس وعدد
من القساوسة ،رتل الشماس ترتيلة الاجتماع ثم أردف
قائلا :
99
ــــ يا حض ارت الأخوة الحضور ،دعوناكم للاجتماع
من أجل ح ٍّل لقضية أختنا جانيت ،هذه الفتاة (يشير
لفتاة تجلس وحيدة في الطرف الأمامي ) ابنة يعقوب
السكرآن حيث تمادى والدها في شرب الخمر كل يوم
وصار لا يميز بين الحلال والح ارم فحاول الاعتداء
على عفاف ابنته الوحيدة عدة م ارت في منتصف الليل
،وقد حاولنا أن نزوجه بعد وفاة زوجته انقاذاً لسمعته
وحلا لمشكلته ولكن جميع عوانس الجالية رفضنه
لادمانه على الخمرة بشكل مقرف .
وكم بعثناه الى مستشفى معالجة الادمان وكان
يهرب منها ك َّل مرة ،لذا جمعناكم من أجل تزويج ابنته
هذه وانقاذها من والدها الذي باع نفسه لشيطان
الخمور ،فطالما جعلها تفر هاربة منه في ظلام الليل
ملتجئة للجي ارن ،وكلكم يعرف هذه الفتاة الطاهرة
الاذيال العصامية النفس ،فمن لديه ابن ي اره أهلاً لها
ويستطيع أن يتأهل بها فليبادر بطلب يدها وسيكون
عمله هذا مخلداً في تاريخ الكنيسة ،فمن منكم من
يسارع الى هذا العمل الجليل ؟
100