مقدمة
الكاتبة ريما الخطيب
تعالوا معي اليوم من خلال كتابي هذا نجول في حياتنا و نتأمل فيها ،هل نحن نسير بخطى
نرضى عنها ،هل تأخذنا الحياة في طرق لا نريدها و مع ذلك لا نفعل شيئاً ،هل نحن
تلقائيين نمشي مع التيار أم أننا فاعلين متحكمين في مسارنا و قراراتنا ،هل حققنا و لو
جزءاً مما نطمح له أو مما لا بد من تحقيقه في حياتنا ،أسئلة لا بد من الإجابة عليها ،لقد
كنت في حياتي ممن يطرحون هذه الأسئلة على أنفسهم و شعرت منذ فترة أن لدي بعض
الخبرات المتواضعة التي قد تُسهم في العصف الذهني البشري ،ليسى النجاح محدداً في
النجاح المادي وحده ،يكفي أن يكون الإنسان راض عن مكانه في هذه الحياة ،لذلك فإن
النجاح يمكن أن يقيسه كل إنسان لنفسه و لا يجوز تحديده بتعريف واحد ،إن كنت مدركاً
لمسئولياتك و مدركاً لمكانتك كإنسان ومكانك في الكون فأنت ناجح ،إن كنت تحاول و
تفكر و تقوم لعمل شيء ما و إنجاز ما ،إن كنت تساعد غيرك و يعتمد غيرك عليك فأنت
ناجح ،مدى النجاح و كيفية هذا النجاح له موازين أخرى لعلي في هذا الكتاب ألقي بعض
الضوء على جوانب لهذا الموضوع.
الذكاء العاطفي من أهم الأشياء التي تسهم في تكوين شخصية الإنسان ،يحتاج كل شخص
في هذه الحياة أن يستكشف نفسه و يوجه لها أسئلة و يجري معها حوارآ يوميآ ،نعم!
نفسك التي بين جنبيك تحتاج أن تكتشفها و تستكشفها ،لا تستغرب ذلك فأنت في داخلك
عالم واسع لا يعلمه على حقيقته إلا خالقه ،قد تسأل كيف أكتشف نفسي؟ أقول عبر التأمل
و التفكر و العصف الذهني مع النفس و الآخرين.
معظم الناس يعيشون حياتهم بلا تخطيط فينتهي هذا بإضاعة الكثير من الفرص لتحسين
حياتهم ،و هذا بسبب عدم استكشاف مواهبهم و العمل على تطويرها و استثمارها ،لا
يجوز أن يكون لدى الإنسان قدرات في نفسه و يهملها فلا يستفيد منها ،و لا يفيد غيره
معتقداً أنه مجرد شخص واحد لا يُحدث فرقاً ،هذه أكبر خرافة ابتدعها المثبطون الكُسالى،
شخص واحد يستطيع أن يغير العالم ،لا تُ َص ّغر نفسك و لا تستهن بقوتك ،أنت قادر على
المساهمة مع غيرك في التغيير و التأثير في مسار حياتك و حياة َمن حولك و مجتمعك و
العالم كله.
لديك مواهب و قدرات و أفكار ليست لأحد غيرك ،أنت طبعة واحدة و بصمة خاصة لم و
لن تتكرر ،لا أحد يستطيع أن يكتشفك على حقيقتك و يأخذك إلى كل أبعادك و احتمالاتك
سواك.
قد تطرح فكرة تعجب َمن يستمع إليك فيكررها لغيره و يتناقلها بعد ذلك غيرهم و تُحدث
أثراً لا تتخيله.
إن لم تكن قد بدأت بالحوار مع نفسك فابدأ الآن ،و يأتي السؤال :ما هي الأسئلة التي يجب
أن تسألها ،و الأسئلة في العادة تكون عن َمن ،ماذا ،لماذا ،كيف ،ثم هل حققت ما يُفترض
تحقيقه و غيرها من الأسئلة أساسية كانت أم فرعية و سأطرح هنا تفاصيل ذلك بما يلي:
أولآ :من أنا؟
إن تحديد هويتك و انتماءك من أهم الأمور التي تجعل لك مرجعية تقيس عليها مواقفك و
معاييرك ،و هذه صفة خاصة بالجنس البشري دون الأجناس الأخرى ،لا بد لك من
معايير للخطأ و الصواب تبني عليها قراراتك ،قد تظن أنني أقصد المرجعية الدينية و هذا
ليسى ما أقصده ،نعم المرجعية الدينية هي جزء من هذه المعايير و لكن ليست كلها ،هنالك
أولآ نفسك أنت ،ما الذي تريده ،ما الذي ترفضه ،بعض الأمور تقبلها و لا يقبلها غيرك و
العكس صحيح و ما في نفسك يتحدد من خلال مجموعة من العوامل تشكلك و تشكل
تفكيرك مثل عائلتك و بيئتك و دينك و منظومة الق َيم التي تؤمن بها ،ثم هنالك البلد الذي
تعيش فيه و معاييره و قوانينه ،ثم العالم الذي تعيش فيه و المعايير العامة في هذا العالم،
لقد أصبح العالم كله متصلآ خاصة مع التقدم الهائل لوسائل التواصل ،ثم المرجعية الدينية
التي إن راعيتها و احترمتها خلق ذلك لك سلامآ داخليآ و منظومة أخلاقية.
إذن أنت جسد و عقل و روح ،أصغرها الجسد فهو محدود بكل ما فيه فالقدرة البصرية و
السمعية و حاسة الشم و القوة العضلية و غيرها ،كلها محدودة لدى البشر ،و بالرغم من
ذلك فإن الجنس البشري هو الجنس السائد و المسيطر على الكرة الأرضية و السبب هو
العقل و النفس ،اللذان يتخطيان قدرة الإنسان الجسدية بمراحل هائلة.
تتفاوت قدرات الناس كثيرآ في هذه الحياة ،فتجد الملوك و القادة الكبار و تجد الخدم و
العاملين ،و لا ننكر درجات الناس التي تتفاوت بشكل كبير على مر العصور ،فما الذي
يحدد مكانة و مكان الإنسان في هذه الحياة؟
للإجابة على هذا السؤال المهم لا بد من الإحاطة بالمؤثرات و أولها ما هو خارج إرادة
الإنسان و هي الظروف التي ُولد فيها ،كل إنسان فينا ليسى له حرية في اختيار أين ُوجد
و من أبوه و أمه و أي لغة يتكلم و البلد و الجنسية التي ُولد و وجد نفسه فيها ،و هذا له
بعض التأثير و ليسى كله بما سيصبح عليه و بما سينتهي به المطاف ،لأن تأثير ذلك عليه
يكون قويآ في البداية و يبدأ يضعف و يخبو كلما تقدم بعمره و تطور بقدراته ،و تناقُص
تأثير هذا العامل على الإنسان يتفاوت حسب تطوره و تطور شخصيته و أخذه زمام
الأمور في القيام باكتشاف نفسه و قدراته و العالم حوله و إرادته للتغيير و الوصول إلى
أعلى ما يمكنه من إنجازات و المبادرة إلى إحداث التغيير في حياته و ظروفه ،و مدى
تواصله مع محيطه المباشر و العالم.
الإستسلام للظروف التي وجد الإنسان فيها نفسه في هذه الدنيا هو قرار يتخذه هو سوا ًء
كان عن وعي أو عن عدم إدراك لما يتوجب عليه أن يفعله لإحداث التغيير المرغوب في
حياته ،و هنا يأتي دور اكتشاف النفس و القدرات و هذا هو المؤثر الثاني الذي هو الأهم،
و إذا كنت تقرأ كتابي هذا فأنت ممن لديهم الإرادة للتغيير و التحسين و التطوير.
أعود هنا للحديث عن ما بدأت فيه من أهمية التوقف عن العيش بلا تخطيط و استكشاف
الذات و القدرات و توجيه الأسئلة اليومية للنفس للوصول إلى أفضل الخيارات و إحداث
التغيير الإيجابي ،لا تفصل نفسك و عقلك و جسدك عن بعضها البعض ،كلها مجتمعة
تشكل َمن أنت عليه و مجتمعة تكون أقوى و أفضل ،إذا عشت حياةً جسدية فقط فتنام و
تصحو و تعمل و تأكل و تشرب فقط فإنك تقضي على فرصك في اكتشاف إمكانياتك و ما
تستطيع أن تتطور لتصبح عليه إذا توفر لك الذكاء لعمل ما لك القدرة عليه لكنك تجاهلته
و نحرته بسكين الروتين و القبول بالأمر الواقع و الكسل و التقليد.
أنت مميز بكل ما فيك ،بجسدك ،بظروفك ،بقدراتك ،بشخصيتك ،ليسى لك مثيل لا قبلك و
لا بعدك ،قم اليوم و اكتشف ما تبرع فيه و ابدأ الآن و كما قيل رحلة الألف ميل تبدأ
بخطوة ،قم بخطوتك الآن.
ثم أن التغيير لا يكون بالضرورة في النواحي المادية فقط فانت لتحقق السعادة لا بد من
توافر التطور المادي كجزء فقط من جوانب متعددة ،فالنضوج الروحي و الفكري هو
الأساس لتحقيق السعادة ثم يتبعه الظروف المادية و الجسدية ،و ُمخطي ٌء من يظن أن
تحقيق الأهداف المادية و الجسدية يضمن للإنسان السعادة.
أنظر إلى كثير ممن حققوا النجاح المادي و المهني و الثروة كيف انتحر بعضهم و شكا
بعضهم من التعاسة و عدم التمتع بالسعادة ،و هذا لا يأتي من فراغ ،لا بد لنا من
الإعتراف بأهمية النواحي المعنوية في تحقيق السعادة على نفس القدر من اعترافنا بتأثير
الجوانب المادية إن لم تفقها أهمية ،لكن الإنسان من طبيعته أن يرى أن ما ينقصه هو أهم
شيء و أنه إذا حصل عليه ستكتمل سعادته ،لكنه بعد حصوله عليه بفترة من الزمن يعتاده
و لا يعود الأهم عنده بل يجد شيئاً جديداً ينقصه فيعتبره الأشد أهمية فقط لأنه ينقصه.
من أجل أن نحدد حجم تأثير كل عامل من العوامل لإعطاءه الأهمية التي يستحقها و
الرعاية التي يتوجب أن يستأثر بها لا بد من إجراء دراسات متعمقة و لا بد أن تكون
شاملة لمختلف المجتمعات و يؤخذ فيها عينات كبيرة من البشر من أجل تحديد تأثير كل
عامل من العوامل على السعادة و لا يجوز اتخاذ المال كعامل أساسي لقياس مدى سعادة
الأفراد و الشعوب.
ثانياً :ماذا أفعل؟
كل إنسان يسير في حياته يستكشف ما عليه فعله ،بعض الأشياء تكون واجبات و متطلبات
يكون عليه القيام بها و بعضها يختار هو القيام به لدوافع معينة عنده ،مثلاً لا بد من العمل
لجني المال و علينا أن نحمل مسئوليات مادية من إنفاق على من نعولهم ،كيف نجني
المال و كيف ننفقه و تفاصيل ذلك فيها الكثير من الحرية و السعة ،كما أن السعي لزيادة
الدخل المادي و العيش برفاهية هو أيضاً خيار نتخذه بالاجتهاد و تطوير النفس و الإبداع.
إنجازات الناس في الحياة تتفاوت فمنهم َمن يعيش لنفسه فقط ،يأكل و يشرب و ينام ،حياته
لا تتعدى ذلك و لا يكاد يفعل شيئاً آخر ،و هذا هو النوع الذي يحيا حياة خالية من الإبداع،
حضوره و عدمه واحد ،لا يفتقده أحد إذا غاب و لا يضيف شيئاً إذا حضر ،هذا هو
الشخص الذي لا يحتاج أن يطور نفسه و لا أن يوجه لها أسئلة ،يعيش على هامش الحياة،
لا يكاد يكون هنالك إنجاز يُذكر خلال عمره ،السلبية عنوان كبير لوجوده ،اختار أن يكون
كذلك ،هو بلا شك لديه قدرات و لكنه تجاهلها و لم يسعى لتحقيقها عاش كسول ًا و ترك
الحياة بلا أي أثر و لا ذكر.
تقع على عاتق كل إنسان مسئولية اكتشاف ما ُيحسن و تطوير نفسه للقيام بعمله ،أنت
موجود كإنسان ،أرقى المخلوقات ،اخترت أن يكون لك أهداف تحققها ،وجود هدف يعطي
الإنسان الدافع للنهوض و القيام في كل يوم ،يعطيه الطاقة التي تدفعه للأمام و تجعله
ينظر للمستقبل على أمل تحقيق هدفه.
لا بد من الإبداع في اختيار الأهداف و جعلها متعددة لا تنتهي إلا بنهاية حياة الإنسان ،إن
عدم وجود أهداف يجعل الحياة مملة و كئيبة ،تفقد معناها و حتى أن هذا من أحد الأسباب
المؤدية للتفكير في الانتحار عند من ينتحرون أو يحاولون الانتحار.
إذن وجه لنفسك هذا السؤال الهام الذي يبدأ بماذا!
ثالثاً :كيف أحقق أهدافي و ذاتي و كيف أدير حياتي و أصبح إنساناً ناجحاً
مميزاً و كيف أح ّسن من طريقة إدارتي لحياتي بحيث أحقق معادلة النجاح
و السعادة و الإنجازات المتميزة؟
هذا السؤال هو المحور الرئيسي لهذا الكتاب الذي أحاول فيه و ضع بعض الأفكار التي
تساهم في تطوير الذات و الوصول إلى الإنجازات التي يطمح لها المتميزون من الناس،
و سآتي على تفاصيل ذلك في فحوى الكتاب و فصوله المختلفة راجية تحقيق الفائدة لكل
َمن ي ّطلع عليه و يقرؤه.
رابعاً :لماذا أقوم بأي شيء؟
يتوجب لمن أراد النجاح بحياته أن يسأل نفسه هذا السؤال باستمرار ،يسأله بوعي و عن
قصد و الإجابة عن هذا السؤال تحقق الكثير من الأهداف فهنالك أشياء نضيع وقتنا و
جهدنا عليها و تكون بلا فائدة و لو فكرنا قليل ًا لابتعدنا عنها و تركناها لأنها إما لا تفيد أو
حتى تضر ،مثلاً الجدال في موضوع محسوم و لا يمكن تغييره ،الصراخ و الصياح و
الغضب من أمر تم و صار ماضياً لا يمكن تغييره أو عكسه ،و هكذا نصرف طاقة في
أمور لا فائدة منها مما يجعل توجيهنا لهذا السؤال في غاية الأهمية ،لماذا أفعل ما أفعله!
أي عمل نقوم به لا بد أن نعرف له سبباً و نمحص تصرفاتنا في عقولنا ،لماذا؟ سؤال
يجب توجيهه قبل أي عمل نقوم به ،لنتوقف عن العشوائية و الغوغائية و عن إضاعة
جزء غير يسير من حياتنا في القيام بأشياء لا طائل منها ،مثل اجترار الماضي و الآلام و
الأحزان و تذكر مشاكل مع الناس مضت و مواقف عفا عليها الزمن و أ َك َل و َشر ْب،
نغضب لذكرى مشكلة مع أزواجنا نجتر الماضي كما يجتر البعير طعامه ،فنعيد الذكريات
الحزينة و الأشياء التي تؤلمنا مراراً و تكراراً و لا نتوقف لنسأل أنفسنا لماذا و ما الفائدة
من ذلك.
هذا خطأ كبير يقع فيه كثير من الناس ،لكن ليسى الناجحون منهم و المتميزون ،اتخذ
قراراً الآن بوأد الماضي و نسيانه إلى الأبد ،توقف عن العشوائية و صرف جهدك بردود
أفعال و القيام بأعمال و الدخول بنقاشات و مهاترات لا نتيجة منها سوى استنزاف وقتك
و طاقتك تكون ناجحاً.
خامساً :هل حققت ما أريد بما أفعل أم علي مراجعة خططي و إجراء
تغييرات؟
إن إجراء مراجعات دورية لخططنا في الحياة هو الطريقة المثلى لإحداث التغيير الإيجابي
في حياتنا و ليسى مجرد التغيير ،تحسين الخطط و الأفعال يؤدي إلى الكمال في الأفعال،
و إن لم يوجد الكمال فإن الإمتياز و التميز قريب من الكمال ،تكون هنالك خطط أساسية و
أثناء التنفيذ يتم تقييم الأمور بشكل دوري و تعديل الخطط بما يتناسب مع نتائج التقييم.
لا تمضي يوماً إلا و تراجع في نهايته أو أثنائه أفعالك و تصرفاتك ،أين تقف الآن و ما
هي وجهتك ،هل جهودك تؤتي الثمار التي تطمح لها ،لا تضيع جهدك في طرق فشلت
من خلالها في تحقيق ما تريد بل اعمل على دراسة وضعك باستمرار و ايجاد طرق و
حلول جديدة و إبداعية و اسعى إلى التغيير و التحسين باستمرار.
و الأهم هو الوصول إلى هذه ال َملَ َكة من فهم الذات و استكشاف النفس و التأمل الدائم في
مكنوناتها و أسرارها و قيادتها نحو تحقيق الأهداف المختلفة و السعادة.
أتمنى للقاريء قراءة ممتعة تتحقق من خلالها الفائدة.
ريما الخطيب
فهرست
التخطيط 11 ................................................
الأدوار و الواجبات 15 ....................................
الجهد المبذول 20 .........................................
تنظيم و إدارة الوقت 21 ................................
وسائل التواصل 24 .......................................
الإدارة 29 ...................................................
الإيمان 32 ...................................................
محاسبة النفس 34 ........................................
النزاهة و الصدق 36 ......................................
العدل 38 .....................................................
التواضع و الإعتراف بالفضل 39 ........................
العمل الدؤوب و عدم انتظار الشكر 40 ..............
الترفع عن الصغائر و التمسك بمعالي
الأمور و ترك سفسافها42 ...............................
ترك الجدل غير المثمر و المراء 44 ...................
عدم الدخول بمعارك خاسرة 45 ......................
ترك السفهاء مع عدم احتقارهم 46 .........................
الحكم على الآخرين 47 .........................................
وجهات النظر 48 ..................................................
الحوار و فن الخلاف 49 .........................................
الإعجاب بالنفس و التمسك بالرأي 53 .......................
القدوة 56 ...........................................................
التعامل مع الخصوم 57 .........................................
الأسرة 59 ..........................................................
المال 60 ............................................................
الموهبة 61 .........................................................
الدراسة 65 .........................................................
السعادة 67 ........................................................
كيف تكون زوجاً متميزاً68….….……….....………….
كيف تكونين زوجة متميزة 71 .................................
كيف تكون والداً متميزاً74 ......................................
كيف تكونين أماً متميزة 78 .....................................
كيف نصبح عائلة متميزة 81 ....................................
نماذج من المتميزون عبر التاريخ85 ....................
الخاتمة 90 ...................................................
التخطيط
قال أحد الحكماء :إن لم تكن لديك خطة كنت جزءاً من خطط الآخرين
من الأهمية بمكان أن يخطط الإنسان لحياته و أهدافه الصغيرة و الكبيرة ،فالتخطيط هو
أساس أي عمل ناجح.
منذ بدء وعي الإنسان لحياته و وجوده تتكون لديه عادات يمضي فيها أوقاته و يصرف
عليها عمره الذي هو بمثابة رأس المال ،إلا أن رأس المال في هذه الحالة لا يمكن
تعويض الأجزاء المضاعة منه ،عمرنا نمضيه عادة إما في اللهو واللعب ،أو حين نعي
المسئوليات نصرفه في جمع المال ،و نمضي جزءآ منه في الكسل ،ثم النوم و الأكل،
نعتني بأجسادنا قليلآ و ننتبه أحيانآ للصحة ،تأخذنا الحماسة لممارسة الرياضة بشكل
متقطع ،ربما نرعى علاقاتنا الأسرية و الاجتماعية متى استطعنا ولكن بلا روح حقيقية
بلا استمتاع حقيقي ،ما الذي يجري؟ ! ،يجدر بنا أن نتوقف قليلآ و نعيد حساباتنا ،الوقت
لا يتوقف لينتظرنا ،إنه يجري بنا بسرعة تفوق انتباهنا لما نخسره من الوقت ،و تمضي
الأيام و لا ندرك حجم ما خسرناه إلا بعد فوات الأوان.
لقد أُجريَت دراسة عن أكثر ما يندم عليه الناس في فترة الإحتضار في نهاية حياتهم،
أجاب معظمهم أنهم يندمون على أنهم لم يقوموا بإمضاء أوقات أطول مع عائلاتهم ،كم
تصبح الرؤيا واضحة حين يصل الإنسان إلى مرحلة أن يعد أيامآ أو أشهرآ على النهاية،
ساعتها يدرك حقائق كثيرة ،أهمها ما الذي يهم حقيقة ،لن يأخذ معه أيآ من المال الذي
صرف جل عمره في جمعه ،لن يستفيد من الوقت الذي مضى و كان فيه كسولآ لا يفعل
شيئآ ،ما أصعب الانتباه للشيء بعد فوات الأوان ،كم من الحسرة تتولد في قلبه على ما
كان يمكن إنجازه و لم يفعل.
الحياة فيها جوانب كثيرة لا يتوجب تجاهلها ،علينا أن نعيشها بوعي لما نحن عليه ،لماذا
جئنا و إلى أين سنصل ،هل استمتعنا بعلاقاتنا كما يجب ،هل نظرنا في وجوه من حولنا و
أعرناهم الإنتباه الحقيقي و أصغينا إليهم و فهمناهم بتركيز ،هل استمتعنا بالطبيعة الجميلة
من خلال بعض الرحلات بانتظام ،هل نظرنا إلى الكون بتفكر ،هل كونا صداقات عميقة
و ركزنا على التواصل مع الناس حولنا ،تعلمنا و علمنا ،استفدنا و أفدنا… أسئلة كثيرة
أطرحها قبل فوات الأوان.
تظن أيها المسكين أنك جرم صغير ،و فيك انطوى العالم الأكبر.
لم لا تكون لنا نظرة شمولية لحياتنا ،نبحث و ننجز و نتواصل و نعبد الله ،نقدم الخير و
نتعامل بصدق و عمق مع ما حولنا ،نركز على الموضوع الذي أمامنا باهتمام ،نتوقف
لننظر بعيني غيرنا و نجري أحاديثنا باهتمام و نسمع غيرنا سماعآ حقيقيآ.
أعرف شيئآ أكيدآ و هو أن وجودنا في هذه الحياة لا يجب أن يقتصر على جمع المال،
الأكل و الشرب و النوم فقط ،لقد ُوجدنا لنقوم بأكثر من ذلك.
هنالك حقيقة يتفق عليها الجميع و هي حتمية لا ينكرها عاقل و هي أن حياتنا محدودة و
وجودنا في هذه الدنيا يسير نحو نهاية محتومة ،مع ذلك نتناسى هذه الحقيقة و نضيع
أوقاتنا الثمينة بما لا يصنع فرقآ حقيقيآ و كأننا مخدرين ،لقد ورثنا ميراثآ خاطئآ بتقدير ما
لا يهم على حساب الأهم ،المال الذي هو مجرد وسيلة ،جعلناه على رأس القائمة ،نسينا
أنه وسيلة فأصبح غاية ،و غايتنا الحقيقية هي الحياة بسعادة و ازدهار تركناها و أخذنا
نركض لجمع المال ،تمضي الأيام و يتوفر لدينا المال ،و لكننا هرمنا و تعبنا لدرجة أننا
لا نقدر على الاستمتاع بهذا المال ،لا نقدر على الأكل كما نشاء فقد أصبنا بالأمراض التي
تجعل غذاءنا محدودآ ،لا نستطيع القيام بالرحلات و الاستمتاع بذلك فقد وهنت العضلات
و المفاصل ،مرت سنين طويلة من العلاقات الهشة مع من حولنا لأننا كنا مشغولين بجمع
المال فاعتادت عائلاتنا على غيابنا فمتنا من حياتهم بلا موت.
إن لم تكن لديك خطة فأنت جزء من خطط الآخرين ،خطط لحياتك ،ما هي واجباتك تجاه
استغلال حياتك كما يجب ،لا بد من التخطيط ليومك ،أسبوعك ،شهرك.
لا بد أن تكون لديك خطةلعلاقاتك ،واجباتك ،عباداتك ،نفسك ،عقلك و روحك و جسدك ،انت
لست جرم صغير ،فيك انطوى العالم و أنت لا تدري.
إذن كيف نخطط؟
بعض الناس حتى من الموصوفين بالذكاء لا يخططون ،يعيشون بتلقائية و لا ينتبهون إلى أنهم
يغفلون أهم سبب من أسباب النجاح لأن التخطيط يختصر الطريق و يقلل الوقوع في الأخطاء،
حين تخطط تُك ّون نظرة شمولية لما تريد أن تعمل ،تحاول أن تحضر نفسك لكل الإحتمالات ،تقوم
بوضع تصور لخطة بديلة في حال فشلت في تخطيطك الأساسي ،بعض الحكماء قال إن عليك أن
تمضي نسبة كبيرة من وقتك للتخطيط ،نسبة ذهب البعض إلى القول أنها يجب أن تأخذ ثمانين
بالمئة من وقتك المكرس للبدء بمشروع ما.
التخطيط لا يكون للأشياء الكبيرة و المشاريع فقط ،بل هو أسلو ٌب في التفكير و ديناميكية للحركة
اليومية في كل عمل نقوم به صغيراً كان أم كبيراً ،حتى عندما نقوم بتحضير الطعام إذا قمنا بعمل
خطة سريعة جداً في الدماغ لترتيب خطوات التحضير و العمل فإن هذا الترتيب يجعل العمل
سهلاً سلساً ،مثلاً تحتاج في إعداد طعامك اليوم إلى طهي نوع من اللحوم مع الخضار و سيكون
طبقك الجانبي هو البطاطا المسلوقة و المهروسة ،لو فكرت بالبدء بتقطيع الخضار يكون تفكيرك
خاطئاً و ستأخذ وقتاً أطول في إعداد الطعام لأن اللحم يأخذ أطول وقت من ضمن مكوناتك
للإستواء ،إذن عليك أن تبدأ به ،بالطبع هذا مثال بسيط على التخطيط ،فلو أنك فكرت بصورة
سريعة لما ستكون عليه الوجبة و تصورت في عقلك كل المكونات فحضرتها و وضعتها أمامك ثم
رتبت سريعاً خطوات الإعداد في ذهنك ،ثم بدأت فعلياً في التنفيذ فإن الخطوات ترتسم أمامك
كخارطة تمشي عليها فلا تتفاجأ بنسيان شيء و تقلل من عنصر المفاجأة الذي يكون عقبة و
يسبب التأخير و أحياناً الفشل و يترتب عليه إضاعة للجهد و الوقت.
يندر أن ينجح الأشخاص الذين لا يخططون و إن نجحوا يكون نجاحاً محدوداً و بجهد كبير و
تكون النتائج ضعيفة و بعيدة عن التميز أو النجاح الباهر.
حين تخطط عليك أن توسع دائرة التفكير فتخطط لبدائل عدة ،نسمي ذلك Plan B
الخطة البديلة ،بالإنجليزية
و من الحكمة أيضاً أن تخطط كيف تتعامل مع الفشل إذا حدث و كيف ستطور نجاحك إذا نجحت،
كل هذا يجعلك دائماً ناجحاً ،أنت جاهز لكل الإحتمالات ،تملك مفاتيح مختلفة و عندك قدرة على
أن تتأقلم مع كل الأوضاع و كلما زادت المرونة في التعاطي مع الأمور ،زادت فرص النجاح و
قلت احتمالات الإنكسار أمام أمواج الحياة و متغيراتها صعوداً و نزولاً.
إذن للتأكيد أعود و أقول أن التخطيط هو عبارة عن خارطة طريق تعطيك مدى أبعد للرؤية و
تجعل حركتك و عملك أسهل و أسرع و خطواتك في التنفيذ واثقة و شجاعة و سريعة يقل فيها
عنصر المفاجأة و التردد و الخوف.
الأدوار و الواجبات
هل فكرت يوماً في دورك أو مجموعة الأدوار المناطة إليك و التي يُفتَ َرض بك القيام بها،
معظم الواجبات التي يتوجب على الإنسان القيام بها تكون من ضمن النسيج الإجتماعي
فتكون تلقائية و لا يقوم بها الأفراد بنفس الجودة ،بعض الناس يقومون بما عليهم على
أكمل وجه بل إنهم قد يتميزون و يُحلقون بأدائهم من تلقاء أنفسهم و بدوافع ذاتية ،و
البعض يقومون بها بتثاقل و لا يُحسنون ذلك و يكون هنالك تقصي ٌر كبير في أداء واجباتهم
بسبب أو بدون سبب ،يكون هنالك هشاشة في الأداء و في صعود و نزول ،بل إن بعض
الناس قد يقومون بالتخلي عن واجباتهم فهنالك من الآباء و الأمهات مثلآ يتخلون عن
أبنائهم و لا يقومون بما يتوجب عليهم من رعاية و إنفاق و غيرها ،هذا يعود لعدة عوامل
بعضها خارج عن إرادتهم و بعضهم لا يصلون إلى قدراتهم الحقيقية و لكن يهملونها على
جميع الأحوال ،الكثير من هذه الحالات يمكن تجنبه و تكون هنالك إمكانية للقيام بدور
متميز في الحياة و لا يحصل ذلك و هذا برأيي المتواضع يمكن أن أعزوه بصورة رئيسية
إلى عدم الوعي بالذات و عدم التواصل مع النفس و التطور العقلي و الأخلاقي من خلال
مجموعة من المؤثرات من عدة أطراف.
مثلآ التربية تلعب دوراً مهماً في إعداد إنسان واع لأولوياته و دوره في الحياة ،يضع
الأمور في نصابها و يقيم حياته بموازين واعية مدركة لحقيقة الوجود و كونه ُوجد ليقوم
بدوره أو أدواره ،أيضاً تطوير القدرة على تقييم الأمور بما تستحق فلا يجعل جني المال
على حساب الحياة و الأسرة ،الكثير من المجتمعات اليوم تعطي تقديراً كبيراً للمال
فيُصبح المال أعز من الأسرة و القيم الإجتماعية و الأخلاقية ،يجب أن نغرس في نفوس
الناس القيم العليا و نعلمهم أن المال مهم و لكن هنالك من الأمور ما هو يأتي قبله أو حتى
موازياً له و هذا الدور لا بد أن يقوم به الوال َدين ثم المؤسسات التربوية و الإجتماعية
المختلفة و الإعلام و التربويين المختلفين بالإضافة لل ُكتّاب و غيرهم ممن يرسمون طريق
القيم للأفراد و المجتمعات و كل إنسان يتعلم أيضاً أن يستكشف نفسه بعمق و يقوم
باختيارات سليمة و يعطي كل شيء مكانته التي تليق به فلا يُعلي شيئاً على حساب شيء
آخر بل يدير حياته بدون ندم على ما فات و تضييع لما كان يتوجب عمله ضمن وقت
معين من حياته.
أخذ مسئولياتنا باهتمام و جدية أيضاً من القيم العليا التي حث عليها الحكماء و أصحاب
الفكر في المجتمعات و حثت عليها الأديان السماوية حيث أن تعاليم الأديان تنص على أن
كل إنسان سيُحا َسب على ما يُق ّدم في هذه الحياة و َسيُحا َسب إذا لم يُقدم ما عليه تقديمه من
واجبات من رعاية أسرته و أبنائه ،و هذا بلا شك يُسهم إسهاماً كبيراً في تحسين أداء
بعض الناس الذين يحتاجون التحفيز بطرق مختلفة من مثل الثواب و العقاب بالإضافة إلى
الدوافع الذاتية الموجودة لديهم.
إن الإعتماد على الدوافع الذاتية وحدها أمر غير واقعي لأن طبيعة الإنسان تتطلب تعدد
أنواع المحفزات ،فالحافز الذاتي يتفاوت بشكل كبير بين الناس ك ٌّل حسب شخصيته و
ظروفه و قدراته ،كما أنها تتفاوت من وقت لآخر عند نفس الشخص ففي كثير من
القوانين في العالم اليوم إلزام قانوني للوال َدين برعاية أبنائهم و الإنفاق عليهم و لا يتم
اللجوء إليها إلا في بعض الحالات التي تتطلب ذلك و يلجأ الناس للقانون عند ظهور
مشكلة ،لكن القاعدة العريضة من الناس يقومون بواجباتهم بطريقة تلقائية و دوافع ذاتية و
فطرية ،و هم أيضاً يتفاوتون في جودة ما يقومون به.
الكثير من الحكماء حثو الناس بمواعظهم على أخذ الحياة ببساطة و حب و بناء العلاقات
الأسرية و الإستمتاع باللحظة و عدم المبالغة بالجري وراء الماديات حتمية الزوال.
من أقوال الحكماء في هذا المجال:
قال مايكل زاماكيوس :لأن يموت الإنسان محتاجاً َمعوزاً أفضل من أن يموت و هو يأكل
المال.
مصطفى أمين :أكثر الذين يجرون وراء المال يفقدون روحهم في الطريق ،وما أتعس
الذين يعيشون بلا روح!
مصطفى محمود :السعادة لا يمكن أن تكون في المال أو القوة أو السلطة بل هي في ((
ماذا نفعل بالمال و القوة و السلطة)).
و قال أيضاً :ما هو أكثر شيء يسعدك في هذه الدنيا ..؟
المال ..الجاه ..النساء ..الحب ..الشهرة ..السلطة ..تصفيق الآخرين
إذا كنت جعلت سعادتك في هذه الأشياء فقد استودعت قلبك الأيدي التي تخون و تغدر و
أتمنت عليها الشفاه التي تنافق و تتلون.
و قال :إذا جعلت من المال مصدر سعادتك فقد جعلتها في ما لا يدوم فالمال ينفد و
بورصة الذهب و الدولار لا تثبت على حال.
و إذا جعلت سعادتك في الجاه و السلطان ..فالسلطان كما علمنا التاريخ كالأسد أنت اليوم
راكبه و غدا أنت مأكوله.
و إذا جعلت سعادتك في تصفيق الآخرين فالآخرين يغيرون آراءهم كل يوم .
علي بن أبي طالب :المال يستر رذيلة الأغنياء ،و الفقر يغطي فضيلة الفقراء.
هوراس :المال إما خادم أو سيد.
مثل تركي :إن وضعت المال فوق رأسك خفضك ،و إن وضعته تحت قدمك رفعك.
مثل روسي :عندما يتكلم المال يصمت الصدق.
جان جاك روسو :إن المال الذي في يدك هو وسيلة إلى الحرية ،و أما المال الذي تسعى
إليه فهو طريق العبودية.
مثل عربي :المال كوسخ الأذن ،إن أبقيته ضرك و إن أخرجته نفعك.
ألكسندر دوماس :المال خادم جيد لكنه سيد فاسد.
محمد الغزالي :هناك متكاسلون فى طلب الدنيا والكسل صفة رديئة ،وعبادة الدنيا صفة
رديئة ،والإسلام يحتاج إلى دنيا تخدمه ،وتدفع عنه ،وتمد رواقه ،فكيف السبيل إلى جعل
القلب متعلقا بربه ،يملك الدنيا كى يسخرها لخدمته ،ويجمع المال والبنين ليكونا قوة للحق،
وسياجا يحتمى بهما؟ كيف يتحول ذكر الله بالغدو والآصال إلى مسلك إيجابى فعال ،يجعل
أصحابه رهبانا بالليل فرسانا بالنهار.
جورج برناردشو :أضمن طريقة لتدمير الرجل الذي لا يعرف إدارة ماله هي أن تعطيه
المزيد من المال.
و قال أيضاً :حتى إذا امتلك الإنسان المال وتمتع بالصحة لن يتوقف عن التساؤل إن كان
سعيدا أم لا.
إبن القيم :من استطاع منكم ان يجعل كنزه في السماء حيث لا يأكله السوس ولا يناله
السراق فليفعل فإن قلب الرجل مع كنزه ،و قال :إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغني انت
بالله وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله وإذا أنسوا بأحبابهم فاجعل أُنسك بالله وإذا تعرفوا
إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزه والرفعه فتعرف انت إلى الله وتودد
إليه تنل بذالك غاية العزه والرفعه.
و قال ستيف جوبز :كنت أملك أكثر من مليون دولار حين كان عمري 23عاماً ،و10
ملايين عندما كان عمري 24عاماً ،و 100مليون عندما كان عمري 25عاماً .لكن لم
يكن لذلك أي أهمية لأنني لم أكن أفعلها من أجل المال.
لقد عرف أولئك كيف يقيمون الأشياء على حقيقتها و توصلوا لحكمة تستحق التفكير و
الأخذ بعين اللاعتبار.
لقد أعجبني جداً قول لعباس محمود العقاد حيث يجمع الواقعية و الحكمة فقال :ظنوا أن
النبي لا يحزن ،كما ظن قو ٌم أن الشجاع لا يخاف ولا يحب الحياة ،وأن الكريم لا يعرف
قيمة المال .ولكن القلب الذي لا يعرف قيمة المال لا فضل له في الكرم ،والقلب الذي لا
يخاف لا فضل له في الشجاعة ،والقلب الذي لا يحزن لا فضل له في الصبر .إنما
الفضل في الحزن والغلبة عليه ،وفي الخوف والسمو عليه ،وفي معرفة المال والإيثار
عليه.
انتهى قول عباس محمود العقاد.
إذن السر هو وضع كل شيء في مكانته الحقيقية بلا زيادة أو نقصان و الاعتدال بكل
شيء فلا يطغى شيء على حساب الآخر و لو اختار الناس أن يأخذوا معهم شيئاً ما حين
موتهم فلن يختاروا المال لأن لاقيمة له حيث يذهبون.
إذن رفع قيمة شيء على حساب الآخر يؤدي إلى عدم الوضوح في الرؤيا و اختلاط
الأمور و عطب في سلم الأولويات مما يجعل الإنسان مقصراً في دوره الذي يتوجب عليه
القيام به لأنه مشغول بملاحقة و متابعة أمور لا تستحق أن يضحي لأجلها بما هو أهم
منها.
ثم على الجانب الآخر يحتاج الإنسان للمال فعليه أن يخصص جزءاً لا بأس به من وقته و
جهده لتحصيله ،و يكمن الذكاء في تنظيم الوقت و الجهد ،و التخطيط السليم الذي يساعد
الإنسان على تحقيق أقصى قدراته و احتمالاته و يجد المعادلة و الوصفة الخاصة به للقيام
بما يستطيع فلا يترك مسئولياته و ي ّطلع بها و يحاول أن يفعل أفضل ما أمكنه بما لديه من
وقت و قدرات و مق ّدرات.
الجهد المبذول
يختلف الناس بقدرتهم على إنجاز حجم معين من العمل في وقت ُمسمى و جهد مبذول
معين ،جزء من هذا قد نعزوه إلى القدرات التي هي موجودة لدى كل إنسان بطبيعته و
خلقته و منها ما يكون متعلقاً بالتدريب و الممارسة و الخبرة ،و لحسن الحظ فإن هذه
مهارات يمكن تحسينها عبر التدريب و التعليم.
الجهد الذي يبذله إنسان في عمل شيء للمرة الأولى يكون عادة أكبر من الجهد الذي يبذله
عند تكرار عمل الشيء ،فخبرة الشخص في كيفية القيام بعمل معين تقلل الحاجة إلى بذل
جهد فيه.
تُروى قصة رمزية عن فتاة أهداها والدها عجل ًا صغيراً فكانت كل يوم من فرط حبها له
تحمله عدة مرات و كبرت البنت الصغيرة و كبر العجل معها و هي تحمله كل يوم و
المدهش أنها استمرت تحمله كل يوم و هو ثور كبير ثقيل ،و هذه القصة المقصود منها أن
الإنسان يتدرج في عمل الأشياء و لو ثابر على عملها زادت قوته و قدرته على عمل
المزيد تدريجياً فهي تعودت على حمل نفس الحمل كل يوم و تصاعد الوزن بالتدريج كل
يوم فلم تشعر بالفرق و استطاعت أن تحمل حمل ًا أكبر بدون بذل مجهود إضافي.
مما يُسهم أيضاً في تقليل الجهد المطلوب لإنجاز عمل ما هو عدم وجود الكسل و التقاعس
فالمتكاسل الذي لا يحب بذل الجهد يرى كل شيء صعباً و متعباً و بالتالي يشعر بحاجته
لبذل جهدكبير لإنجاز أي عمل مهما صغر ،فهو يقوم بتعظيم مهماته في ذهنه و تفكيره
فيتعب الجسد في القيام بالمهمات ،لكن صاحب الهمة العالية و الروح الوثّابة ينهض لعمله
و واجباته بدون بذل جهد نفسي فهو فقط يقوم بها و تكون لديه قوة نفسية بالإضافة لقوته
الجسدية فيتضاعف إنجازه و يقل الجهد المبذول في أي عمل ،مما يُسهم في تقليل الجهد
المبذول أيضاً التمرين و التكرار فيُصبح العمل يتطلب جهداً ذهنياً أقل لكثرة الممارسة و
بالتالي يقل الجهد المبذول ،و مما يُسهم في تقليل الجهد أيضاً التخطيط الذي تم الحديث
عنه مسبقاً حيث يُك ّون الإنسان صورة و خارطة عمل في ذهنه لما يريد إنجازه و بالتالي
تتكون لديه خبرة ذهنية و يقل احتمال ارتكاب الأخطاء و العودة لتصحيحها مما يجعل
الجهد لتحقيق الهدف أقل و يتحقق بصورة أسرع.
إذن مرن نفسك على القيام بالواجبات بلا كسل و تثاقل و كن صاحب همة عالية و خذ
على نفسك أن تنجز جزءاً من العمل على قدر ما تستطيع فلا ترهق نفسك و تبالغ ،خذ
وقتك في إتقان العمل و التفكير بكل خطوة و رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة ،فكر في
لحظتك التي أنت فيها و في الخطوة التي تخطوها الآن لأنك إذا ظللت تنظر إلى خط
النهاية فستراه بعيداً مما يثبط من عزيمتك ،ركز على الخطوة التي أنت بصددها في هذه
اللحظة أنهيها و ابدأ بما بعدها و هكذا حين تنظر للخطوات التي قمت بها بعد فترة تجدها
تراكمت و َكثُرت و سرعان ما تجد نفسك وصلت لأهدافك و لخط النهاية بدون عناء
نفسي و عصبي.
إعلم أيضاً أن عمل اليوم لا بد من القيام به اليوم فأنت إذا أجلته للغد فإنك غداً سيكون
عليك القيام بضعف ما يجب القيام به فيزيد حملك و تضعف همتك ،تذكر عمل اليوم لليوم
و عمل الغد مبني عليه فلا تؤجل عمل اليوم إلى الغد.
تنظيم و إدارة الوقت
من أهم أسباب النجاح و التميز و القدرة على إنجاز المهمات و الأدوار المختلفة هو
القدرة على تنظيم الوقت و استثماره بأفضل الطرق.
اليوم هو ساعات محددة معروفة للجميع و لا يختلف من شخص لآخر كمها و سرعة
مرورها ،لكن الذي يختلف هو القدرة على الإنجاز و استثمار الوقت بأفضل الطرق
فبعض الناس ينجز أعمالاً قد لا يقدر على إنجازها مجموعة من الناس و لدى بعض
الناس القدرة على القيام بالتنسيق لإنجاز أعمال مختلفة بنفس الوقت بينما لا يستطيع
البعض أن يركز في ذات الوقت إلا على شيء واحد فقط ،و الحقيقة أنه من الأفضل القيام
بشيء واحد في الوقت الواحد لتقليل نسبة الخطأ.
إختلاف و تفاوت القدرات أسبابه متعددة فمن الأسباب هي القدرة الفطرية و أسباب تأتي
مع الشخص تتعلق بقدراته و صفاته التي ُوجدت و ُخلقت معه و ليسى له يد فيها و
بعضها قدرات يمكن أن يُطورها و يُحسنها بالتع ُلّم و التمرين والتدريب.
إذن صفات مثل الذكاء لا يمكن التحكم فيها و لكن القدرة على التركيز يمكن تحسينها ،و
استخدام و تطوير أساليب إدارة الوقت يمكن التدريب عليها و إيصالها بالتعليم إلى أفضل
الدرجات.
من الأشياء المهمة التي تساعد الإنسان على إدارة وقته و القيام بأشياء أكثر في الوقت
المتاح هي كما يلي و سأذكر بعضها و أهمها هنا و لكن كل فرد يكون له خصوصية في
إيجاد وسائل إضافية تساعده في استثمار وقته و من هذه الأشياء:
أولاً :ترتيب الأولويات
هنا لا بد من معرفة ما هي المهمات التي لا بد من إعطاءها أولوية ،فبعض الأشياء
محددة بوقت معين إذا لم يتم إنجازها ضمن ذلك الوقت يصبح إنجازها بعده بلا قيمة ،و
هنالك مهام لا بد من إنجازها لأنه ينبني عليها بقية الأمور فلا بد أن تأتي أول ًا ،ثم قد
تكون بعض المهام متعلقة بأمر شديد الأهمية بحيث لا بد من تأجيل كل شيء آخر و
إتمامها لأنها طارئة جداً و قد تكون المهمة متكاملة و نحتاج نتيجة لكل النشاطات و لا
تصلح إلا بإتمام كل المهام معاً و لكن بعض الأجزاء من التركيبة تكون معقدة و تأخذ وقتاً
و جهداً كبيرين و بعضها بسيط فيكون البدء و الأولوية طبقاً لذلك.
التدريب و إعطاء الأمثلة في هذه الحالات يفيد الشخص في تحسين قدرته
على ترتيب أولوياته.
ثانياً :استخدام وسائل المساعدة المتاحة:
فإذا ُوجد أشخاص أو أشيا ٌء تساعد الشخص في إنجاز مهمته بجهد و زمن أقل فمن الذكاء
استخدامها لاختصار الوقت و الجهد مما يساعد في استثمار الوقت الناتج في عمل أشياء
أخرى و إنجاز مهام أكثر ،و هنا لا بد من وجود عنصر الثقة بمن تتم إناطة المهمة إليه و
يكون هنالك عمل جماعي و معروف أن العمل كفريق يسهم في سرعة و وفرة الإنجاز،
لذلك على الشخص الناجح أن يحيط نفسه بفريق قوي له قدرات و مؤهلات جيدة يستطيع
أن يوزع عليهم المهام و هو مطمئن أنه سيتمكن من تحقيق الهدف بوقت مناسب و جودة
كافية.
كما أن استخدام الآلات و الإختراعات و الأجهزة بالتأكيد لها دور كبير في اختصار
الوقت و الجهد و الإنجاز.
لا بد أن يعرف الشخص الذي يريد أن يدير وقته بما هو متاح له من وسائل المساعدة و
لا يعتمد فقط على جهده وحده ،أنظر كم تق ّد َمت البشرية عبر العصور و هذا التقدم لم يتم
من خلال شخص واحد بل كل إنسان أضاف شيئاً بسيطاً جداً مقارنة بإنجازات البشرية
مجتمعة لذا لا تتردد في إناطة المهام لغيرك و امنحهم الثقة للقيام بها فأنت و حدك لا
تنجز كما يُنجز فريق كامل و أفكارك تصبح أغنى و أفضل إذا استمعت لغيرك و تعلمت
منهم ،لا تحتقر أي مساعدة أو فكرة مهما َصغُ َرت من أي أحد.
ثالثاً :عمل خطة و قائمة بالمهام التي لا بد من إنجازها
هذه القائمة قد يتم كتابتها خاصة إذا كانت الأمور التي يجب إنجازها متعددةو هذه القائمة
تقلل احتمال نسيان شيء مهم و من الذكاء أيضاً تجنب القيام بأكثر من شيء واحد في
نفس الوقت لتجنُّب التشتت في الإنتباه و ارتكاب الأخطاء ،و لكل نقطة من النقاط في
القائمة لا بد من تحديد وقت محدد لإنجازها لئلا يطغى شيء على حساب الآخر و يتم
الفشل أو التأخير.
إذا كانت بعض الأشياء في القائمة يمكن الإستغناء عنها و ليسى لها لزوم فاحذفها من
القائمة فعملها إضاعة للوقت.
رابعاً :لا تتوتر و تح ّمل نفسك فوق طاقتها
يجب أن تتعلم أن تقول لا للأشياء التي تعرف أنك لا تستطيع إنجازها بالتزامن مع بعض
المهام ،إذا كان هناك من يطلب منك القيام بعمل لا يمكنك القيام به و هو ليسى من
المهمات التي يتوجب عليك القيام بها أو تستطيع وضعه على قائمة الإنتظار فافعل لأنك
إن لم تفعل ستفقد مصداقيتك من ناحية عدم إنجازه إن قبلته أو أنه يعطلك عن القيام بمهمة
هي من صميم مسئولياتك فتقصر فيها لقبولك بمهام جانبية هي ليست لك أصلاً.
قدرتك على إدارة وقتك تقلل التوتر و تساعدك على الإنجاز و التطور و تجعلك ناجحاً
في مهنتك و تنقلك من نجاح إلى الآخر.
وسائل التواصل
كيف تتواصل مع المحيطين بك و ما هي الطريقة و الكيفية لحوارك مع الآخرين ،هل
لديك وضوح في الرسائل التي ترسلها و الكلام الذي تقوله ،هل تواصلك مع الناس يحقق
ما تحتاج ،هل يصل للمتلقي بالطريقة التي تريدها..
أسئلة لا بد أن يطرحها الإنسان على نفسه و غيرها من أجل أن يحقق النجاح المطلوب و
أن يتميز في أسلوبه في التواصل مع من حوله.
الإيجابية والتفاؤل في التعامل مع الأمور حين تكون ضمن فريق معدية وكذلك السلبية
محبطة و معدية للآخرين ،إذا كنت ضمن فريق فإن من ضمن واجباتك التي يغفل عنها
الكثير من الناس بث الروح الإيجابية ضمن الفريق و تبني روح المبادرة و تشجيع َمن
حولك ،إن السلبية و بث روح التخاذل تقلل من الإنجاز وبعض الناس بل الكثير منهم
يتأثرون بالطاقة السلبية و تحفزهم و تحسن إنجازهم الطاقة الإيجابية ،يجب أن نؤكد
لبعضنا في الفريق أننا نستطيع أن ننجز مهامنا بل أن نبدع فيها إذا أردنا النجاح و التميز.
وجود السلبيين في الحياة يشكل خطورة على النواحي الأخلاقية أيضاً ،فمثل ًا الظلم هو
أكبر معول هدم في المجتمعات و هو يؤدي إلى أن ينظر الناس نظرة سوداوية للحياة و
يقولون لأنفسهم لماذا أُنجز شيئاً بدون أن أُكافأ عليه و تكون لديهم مقومات الإبداع و لكنهم
لا يقومون بتفعيلها لأنهم لا يرون الفائدة من ذلك.
لذلك فإن َمن يقومون بممارسات مثل الظلم و التحيز لا بد من تقويمهم لأنهم يضرون
بمستوى الإنجاز و الإبداع فالبيئة المناسبة للإبداع هي التعرف على المبدعين و مكافأتهم
و تشجيعهم.
من المعروف أن وسائل التواصل بين الناس تتعدد و هي غالباً مرتبطة بالحواس ،مثل
السمع و البصر و الشم و اللمس و التذوق ،لذلك سأستغل هذه الحواس كمدخل للحديث
عن بعض جوانب التواصل و كيفية تقويتها و هي جوانب كثيرة جداً يمكن كتابة كتب و
موسوعات عنها نبحث منها في هذا المقام ما يتيسر.
السمع:
حين نفكر في حاسة السمع و نحاول ربطها بفنون الاتصال يمكن أن نفكر في تقوية ما
لدينا من مهارات تجعل من يستمعون إلينا راضين عن ما نقوله كمحتوى و كيفية ،و هدفنا
هو الحصول على موافقتهم و دعمهم و رضاهم عن ما نطرح من أفكار ،فلو أتينا للكيفية
يخطر ببالي مستوى ارتفاع الصوت فليسى علو الصوت محموداً عند جميع الناس تقريباً
ناهيك عن الصراخ ،ثم لا بد من وضوح الكلام فلا يكون منخفضاً بحيث لا يُس َمع ما يُقال
و بعض المحترفين ممن يقدمون الحديث لمجموعة من الناس في القاعات المكتظة يسألون
في بداية حديثهم إن كان الكل يسمعهم جيداً و التكنولوجيا الحديثة فيها الكثير من الطرق
لإسماع البعيد و التحكم في الصوت أو الأصوات إلكترونياً و لهذا أهمية بالغة على جميع
المستويات ،إذن من مواصفات الصوت المناسب للتواصل مع َمن حولنا أن يكون مناسباً
لسماع ال ُمتَلَ ّقي فلا يكون مرتفعاً زيادة عن الحاجة ولا منخفضاً بحيث لا يكون التواصل
واضحاً و إتقان هذه المهارة مهمة جداً لكل متواصل و متحدث ،كما أن تغيير مستوى
الصوت صعوداً و نزول ًا حسب الحديث هي مهارة إضافية لجعل الحديث جاذباً للسامع فلا
يمل خاصة إذا كان حديثاً طويل ًا أو محاضرة علمية فيها الكثير من التفاصيل على سبيل
المثال.
ثم هنالك نبرة الصوت و التحكم فيها ،و الإنسان كائن حساس دقيق و ذكي يستشعر من
خلال نبرة ُمح ّدثه بعض الأحاسيس مثل العداء أو الغضب أو الرضا و الدفء و غيرها
من المشاعر التي لا يحتاج إلا لنبرة الكلام لتحليلها ،لذلك فإن المتح ّدث الذكي يعير انتباهه
لهذه المهارة فيُد ّرب نفسه على نبرة فيها دف ٌء و صدق و تعبر عن الإهتمام و الثقة و لا
بد أن تكون صادقة و قد قال الحكماء ما يخرج من القلب يصل إلى القلب و ما يخرج من
اللسان لا يتعدى الآذان.
ثم محتوى و فحوى الحديث يجب أن تكون كلمات أنيقة و اضحة توصل الفكرة بأقل و
أسهل الطرق و تكون بتركيز على موضوع الكلام فلا يقفز من فكرة إلى أُخرى و يدخل
في متاهات تنتهي بعيدة كل البعد عن فحوى الحديث المطلوب.
الجانب الآخر لحاسة السمع هي مهارة الإستماع للآ َخرين فلا نتكلم طوال الوقت و لا ندع
مجال ًا لغيرنا للحديث و فن الإستماع مع تقدير ما نسمع و الاهتمام بما لدى غيرنا من
أفكار هو من معايير النجاح الأساسية.
البصر:
حاسة البصر من الحواس التي تسهم فعلياً في تعزيز التواصل بين الناس ذلك أن لغة
الجسد يتم تحليلها من ق َبل المتلقي أثناء التوا ُصل معه و لغة الجسد فيها أسرار كثيرة و
مباحث جمة و سأطرح ما أعتقد أنه ببساطة يقوي أو يُضعف التواصل ،فالوقفة و الجلسة
و نظرة العين و الهيئة العامة لل ُمحاور في غاية الأهمية و قد تتعدى النظر إلى الإحساس،
و المظهر له أهمية في التواصل بين الناس شئنا أم أبينا ،فلا يمكن لشخص أن يذهب إلى
اجتماع رسمي مع مديره في العمل على سبيل المثال و هو يرتدي الملابس التي يرتديها
في المساء لراحته في بيته ،ثم يتعدى الأمر إلى اختيار الألوان التي تُناسبه و تجعل
مظهره مناسباً و مرتباً ،و النظافة و المظهر اللائق تضيف بعداً إيجابياً للشخص
ال ُمتَواصل و كونها مناسبة تكون مدعاة لتقبُّل المتلقي و رضاه عن التواصل مع الآ َخر،
كما أن الابتسامة الرقيقة و الصادقة تعطي الإحساس بالأُلفة و التقبل و الراحة ،العبوس و
التجهم يسبب بناء حاجز بين المتواصلين ،و تعابير الإنزعاج لها أثر سلبي كبير أيضاً،
التثاؤب و المظهر المتعب يؤدي إلى شعور المتلقي بعدم الراحة و أنه يُثقل على محاوره،
وعلى النقيض من ذلك كله المبالغة في المظهر العام واللبس المبالغ فيه أو الضحك بدون
موضع الضحك و عدم المواءمة مع الوضع يؤثر أيضاً سلبياً و لا بد من وجود تناسق و
تناسب و وسطية في المظهر و ردود الأفعال و كل ما يراه المتلقي من المتواصل ،إذن
المظهر العام له من الأهمية ما له و هذا جزء بسيط من هذا المبحث.
الشم:
النظافة و الرائحة الزكية رغم أنها غير ملموسة لها أهمية كبيرة في التعبير عن شخصية
الإنسان و تؤثر على تق ُّبل الناس له ،و المبالغة في وضع العطور على الطرف الآخر أو
على النقيض كما يُقال له أثر سلبي أيضاً فالمطلوب أن يكون الإنسان محافظاً على نظافته
و لا تفوح منه روائح كريهة و أيضاً لا يبالغ في استخدام العطور ذات الرائحة القوية مما
يعزز من شخصيته و تقبل المتواصلين معه له.
اللمس:
في هذه الحاسة أستطيع أن أقول أنه لا بد من توافر مسافة مناسبة بين المتحاورين تسمى
المسافة الشخصية فلا يقترب أحد المتواصلين زيادة من الشخص الآخر و هذا يُعتبر
انتهاكاً للمسافة الشخصية التي تحيط بكل إنسان و لا يجوز لمس محاورك أو لكزه لأن
هذا يؤ َخذ في معظم الثقافات على أنه اعتداء أو تهديد و إبقاء مسافة مناسبة أيضاً يتضمن
عدم البعد عن الشخص الذي نتواصل معه بحيث لا يكون التواصل واضحاً و مناسباً و
المسافة قد تختلف حسب جلسة الحوار فهي تختلف حين يكون هنالك محاضرة أو اجتماع
أو اثنين فقط يتواصلان أم مجموعة وهكذا.
التذوق:
ألف هنا حول معنى التذوق إلى الذوق ،اللباقة و القدرة على جذب الناس إلى أفكارك و
حثهم على الاستماع إليك و هذه مهارة فردية يطورها كل إنسان بما يُناسب قدراته و
شخصيته ،فمثلاً تذكر الأسماء يعطي بعداً شخصياً للتواصل و يُشعر الذي نحاوره
بأهميته ،و يتعدى ذلك إلى أن نُشعر من نحاوره بالصدق و الاهتمام و نعطيه ما يكفي من
الوقت و الانتباه ليعبر عن نفسه و يدلي بدلوه باحترام و بدون سخرية و بتقبل صادق
لأفكاره و عدم الحكم المسبق و التمسك الزائد بالرأي و التدقيق على التفاصيل غير المهمة
أو احتقار المحاور و عدم الإهتمام برأيه و تجاهله كلها أشياء تضر بالتواصل فالحوار
الأخلاقي و الإيجابية تضفي على المتواصل مصداقية و احترام و تقبل من الطرف
المقابل.
لا بد من التدريب على وسائل الإتصال و تطويرها و البحث دائماً على الوسائل التي
تحسنها و هي مهارات يمكن تمريرها للآخرين و تدريبهم عليها الذكاء النفسي و
الاجتماعي و مهارات الحديث و التواصل كلها علوم تُ َد َّرس و يمكن تطويرها.
الإدارة
مصطلح يندرج تحته الكثير من العلوم و الدراسات و المهارات فهل أنت إداري ناجح
لأمور حياتك المختلفة ،سؤال لا بد من طرحه لمن أراد أن ينجح في حياته و مساعيه و
شئونه كلها
يجب على كل واحد منا أن يتوقف في مرحلة من حياته هنيهة و يسأل نفسه عدة أسئلة
تكون إجاباتها تحدد له أين يقف و أين يُفترض به أن يكون و ما الذي يفعله ليصل إلى
أهدافه.
توقف الآن و راجع خططك ،هل أنت عشوائي أم منظم ،هل لديك أهداف محددة تسعى
لتحقيقها أم أنك تعيش على هامش الحياة و تمشي مع التيار ،هل أنت فاعل أم مفعول به،
عليك أن تقيم قدراتك و مدى طموحك و ما الذي ستفعله في لحظتك التي أنت بها الآن ،ثم
يومك ،ثم أسبوعك فشهرك فسنتك فحياتك.
هنالك أهداف صغيرة جزئية يومية ،و هنالك أهداف عامة كبيرة.
حياتك و وقتك هو رأس المال الذي تملكه في هذه الحياة ،أنت محكوم بالوقت و ما يحيط
بهذا الوقت من ظروف ،فمثلآ حين تكون طالباً في المدرسة تختلف أهدافك عن تلك حين
تتخرج من الدراسة و تبدأ حياتك العملية ،كما تختلف قدراتك الجسدية و النفسية و العقلية،
هنالك عوامل عدة مثل وضعك المادي و استقلاليتك من عدمها ،مسئولياتك و حاجاتك.
لا ينتظرك الزمن حتى تصحو من غفلتك ،و كل يوم يضيع بدون تخطيط أو إنجاز يضيع
للأبد و لا يمكنك استرجاعه ،و من المؤكد أنك إن لم تملك هذه الطبيعة و الحكمة لتنتبه
لمسئوليتك تجاه إدارة حياتك فعلى المجتمع و الوالدين تقع مسئولية الأخذ بيدك و تنبيهك
إلى ضرورة إدارة حياتك بأفضل ما تستطيع لكي لا تضيع الفرص المنوطة بالوقت و
الظروف ،أو على الأقل تقليل الخسائر و عدم وجود ندم على إضاعة الفرص المتاحة في
الحياة.
لا بد من الإعتراف بأن هنالك تفاوت بين الناس في القدرة على التخطيط و النجاح و
تحقيق الأهداف ،لكن تطوير النفس و المهارات و التدرب على إدارة الحياة بأسلوب سليم
هي بلا شك مما يزيد فرص الإنسان للنجاح و رفع سقف إنجازاته ،مما يمكنه من تحقيق
أقصى إمكانياته.
إذن إن كنت تقرأ كتابي هذا فأنت لديك من التاريخ القدر المناسب ليجعلك تستثمر حياتك
و تحسن إنجازاتك و تدير حياتك بطريقة أفضل من السابق فأنت قد بذلت الجهد لتقرأ و
تستنير و لديك من الإرادة أن تحسن استخدام مواردك و تريد أن تكون ناجحاً و الإرادة
للتغيير هي أول خطوة نحو النجاح و العمل المثمر.
من أجل أن تدير حياتك لا بد من اتباع خطوات أساسية لكل من أراد أن ينجح كما يلي:
وضع الأهداف:
لا بد من تحديد الأهداف التي نريد تحقيقها ،و لا بد أن تكون واقعية و قابلة للتطبيق و
تتوفر الظروف التي تساعد على تحقيقها ،كما لا بد أن تكون محددة بوقت تقريبي
لإنجازها.
هذه الأهداف قد تكون مادية أو معنوية ،تنجز من خلالها خطط حياتك على محاورها
المختلفة ،بعضها يكون في ذهنك و لا يحتاج خطة مكتوبة مثل علاقاتك الإجتماعية و
تطورك الروحي و النفسي ،و بعضها خطط تساعدك كتابتها على إنجازها و هي خطط
عملية مثل عمل ميزانية ،أو خارطة طريق لعمل تجاري أو البدء بمشروع اقتصادي.
وضع آلية التنفيذ:
ما هي الطرق و الوسائل التي ستستخدمها لتحقيق الأهداف و كيفية التنفيذ ،فلا بد من
وضع خطوات عملية لتنفيذ الأهداف ،و الأفضل أن تكون خطة مكتوبة ليتمكن الشخص
من الإحاطة بكل جزئياتها و مراجعتها و تعديلها كلما لزم الأمر ،فمثلاً إذا كان أحد
الأهداف توفير رأس مال لعمل مشروع أو للبدء بمشروع فلا بد من وضع ميزانية
للموارد و المصارف للدخل المادي و كم من المال يمكن توفيره من هذه الموارد ،وجود
خطة عملية مكتوبة يتيح إدارتها و تعديلها و الإضطلاع عليها و يعطي ذلك و ضوحاً
للخطة و يسهل إمكانية تعديلها للأفضل كلما لزم الأمر مما يجعلها أقوى و قابلة للتطبيق و
شاملة لكل الجوانب.
أبقي خطتك المكتوبة في متناول يدك أو احتفظ بنسخة منها لتتمكن من مراجعتها لتتجنب
نسيان شيء من تفاصيلها أو إغفاله ،و قد تتراود إليك بعض الأفكار فتكتبها لئلا تنساها و
تضيفها لاحقاً على الخطة الأساسية.
مراجعة النتائج و مقارنتها بالخطة:
ماذا كانت الخطة الأصلية نظرياً ،ما الذي تم تحقيقه منها و أين نقف الآن و ما هي
الخطوة التالية ،لا بد من المراجعة الدائمة للنتائج و إعادة التقييم كل فترة و أخرى من
البدء بالعمل و هذا يساعد على تصحيح المسار و تعديل الخطط و إضافة أو حذف بعض
النقاط لتعزيز النتائج و الحصول على ما نبتغي و نحتاج لتحقيق الأهداف ،فليسى عيباً أن
يكون هنالك بعض التأخيرات أو الإخفاقات في التفاصيل ما دامت يتم تداركها و ما دامت
الخطة العامة و الأهداف الكبيرة لا تزال ممكنة التحقيق ،فالأخطاء و الصعوبات في
مسار أي تخطيط و تنفيذ هو شيء طبيعي و صحي ما دام لا يقوض دعائم النتيجة النهائية
و الخطة الأساسية ،لا بأس أحياناً من بعض التأخير من أجل تحقيق نتائج أفضل و اليأس
هو العدو الأكبر لأي إنجاز ،إن توقع الصعوبات يساعد في إبقاء الهمة عالية لأنه شيء
يُن َظر إليه على أنه مجرد عقبات صغيرة في الطريق تزيدنا خبرة و قوة و قدرة أكبر على
تحقيق أهداف جديدة و خطوات أكبر في هذه الحياة.
وضع خطة للتطور و عدم الوقوف عند أهداف جامدة:
الطموح للتطور من أهم أسباب النجاح ،إن أصعب مرحلة هي تحقيق الهدف الأساسي
لأنه بداية و تأسيس ،و غالباً يكون جديداً و صعباً ،ثم تأتي مرحلة التحسين و التطوير و
في خلال هذه المرحلة تكون قد تشكلت خبرة و قدرات أفضل و أقوى كما توفر أساس و
بنا ٌء مبدئي لذا من المنطق أن التطوير و التحسين يكون أسهل لتوافر الأساس الذي سنبني
عليه خطط المستقبل ،الجمود و المراوحة في نفس المكان و القبول بنفس المستوى من
الإنجاز هو خطأ كبير و عدم وجود طموح و إرادة للتطور هو ظلم للنفس ،معرفة
إمكانياتك و تطويرها و العمل على تحسينها و الوصول إلى أبعد ما لديك من إمكانيات
للتطور هو القرار الصحيح و السليم.
فن إدارتك لحياتك يحدد من أنت و ما ستكون عليه و يحدد نجاحك من فشلك ،و يجعل
لديك تصوراً لما تريد أن تحقق و تنجز في مدة حياتك المتاحة ،كن دائماً شخصاً فاعلاً
نشيطاً ،لديه وضوح في الرؤيا و يدير موارده بطريقة ذكية تَ ْسعَد بحياتك و تقوم بما ق ّدر
لك الله من إنجازات و تستثمر طاقاتك بما ينفعك و ينفع من حولك.
الإيمان
في الثقافة المسيحية قصة رمزية لرحمة الله بعباده و رعايته لهم ،فحواها أن رجلآ بعد
موته نظر على الرمال أمامه على شاطيء البحر فرأى مسار حياته على شكل ُخطى و
آثار أقدام ،كانت مرسومة على رمال الشاطيء آثا ٌر لأربعة أقدام متجاورة ،يفهم هذا
الرجل منها أن زوجآ من هذه الأقدام له ،و الزوج الآخر يرمز لله سبحانه و تعالى بجانبه
أغلب فترات حياته ،و لكنه لاحظ أنه في خلال أصعب فترات حياته كانت هنالك آثا ٌر
لزوج واحد من الأقدام حيث اختفى من المشهد الزوج الآخر ،فقال لله :أنا عاتب عليك يا
ربي ،فأنت في أصعب أوقات حياتي تخليت عني فلا أرى سوى آثار أقدامي أثناء تلك
الأوقات العصيبة من حياتي ،فرد عليه الله قائلآ :بل هذه يا عبدي آثار أقدامي أنا حيث
كن ُت في أصعب أوقات حياتك أحملك فلم تظهر آثار أقدامك على الرمال.
كفى الله البشر أشياء كثيرة ثقيلة لا يلقون لها بالآ و يعتبرونها من المسلمات ،فرغم أن
البشر يتباهون أنهم خلفاء الله في الأرض فقد كفاهم الله إدارة الكون ،تكفل الله بالخلق و
طلوع الشمس و المطر ،تولى موت الناس و ولادتهم و حياتهم ،ما الذي كلفنا الله إياه من
التكاليف ،كل ما طلبه منا هو أن نتحلى بالأخلاق و الصدق و المحبة و القيام بعبادته،
نحن جنس البشر مدللين و لا يعجبنا شيء ،لقد كلف الله ملَك الموت بقبض الأرواح ،لم
يكلفنا الله ما لا نطيق ،حتى ُرسُ َلهُ من أولي العزم مثل إبراهيم عليه السلام حين أوحى له
بذبح ابنه من باب التمحيص و الإختبار ،لم يأمره صراحة بذلك ،بل َجعله يرى رؤيا ،و
لكن إبراهيم أتم كلمات ربه لأنه يعلم أن رؤياه حق لأنه نب ٌي يوحى إليه ،لقد ترك الله له
مجالآ من رحمته ليقول هو مجرد حلم ،لكن إبراهيم استحق أن يكون حبيب الرحمن ،و
حين أراد أن ينفذ ذلك كفاه الله هذا الأمر العصيب و أرسل الكبش فدا ًء لابنه.
لو أن الله أمرنا بما لا نطيق لربما لم نستطع لمحدوديتنا أن نمتثل لأوامره ،علم الله ضعفنا
و هو الغفور ،و برغم قلة ما كلفنا بعمله جعل الجزاء عظيمآ ،و جعل مغفرته و رحمته
تسبقان غضبه فَقَبل توبة ال ُمسيء و أوبة الجاحد و عودة الشارد.
كفى الله عباده المؤمنين شر الأشرار فجعل له كيدآ يكيدهم فيه ،ليسى عليك أن تكون
ُم َح َنكآ لتنتصر على عدو يتربص بك ،ليسى مطلوبآ منك أن تقضي وقتك تكيد و تخطط،
يكفي أن تُ َنقي سريرتك و تكن مع الله و هو سيحميك و سيكفيك العناء.
حين يتخاصم اثنين ظال َمين تكون الغلبة للأقوى و للأشد كيدآ ،لكن حين يتخاصم مظلوم
مع طاغية فإن الغلبة تكون للمظلوم فالظالم لا يحارب المظلوم بل يحارب الله القوي فأنى
له ال َغلَبة.
يعمل الله بطريقة خفية في حياتنا ،يجنبنا الشرور و الويلات و نحن لا نشكر ،يعطينا
ويرزقنا فنقابل ذلك بالنكران ،يرزق المسيء و الصالح فلا يمنع رزقه و رعايته عن غير
المؤمنين به ،يمد لنا و يعطينا الفرصة تلو الفرصة ،حتى إذا عدنا إليه فرح بعودتنا و
توبتنا فرحآ شديدآ.
كن مع الله في كل أحوالك ،كن مع الله و لا تبالي ،إن قَ ُص َر سمعك سمع عنك و إن ضعف
بصرك أبصر لك ،وإن خارت قواك حملك و رحمك ،و إن كنت ضعيفآ كاد للظالم
فنصرك ،لا يحتاجك الله بشيء و أنت تحتاجه بكل شيء ،مع ذلك يتقرب إليك و يرحمك
و يكون وليآ لك ،فلا تخف و لا تحزن و كن دومآ معه ،لا تتكل على حولك و قوتك فأنت
ضعيف ،احتمي بحماه و كن منيعآ ب َمنَعَته.
إن توكلك على الله ليسى ضعفآ بل أنت تقوم بكل ما في وسعك ،تطلب الرزق ،تسعى في
مناكب الأرض لكنك لا تحمل الهم الذي قد يُثقل كاهلك ،ما عليك إلا أن تسعى ثم ترمي
الحمل عن ظهرك لأن لك حبلآ متينآ و ظهرآ لا يُكسر مستمدآ القوة من القوي العزيز،
الذي لم يطلب منك سوى السعي و تكفل لك بالنتائج.
محاسبة النفس
من السهل المضي في هذه الحياة بدون محاكمة للنفس و الإعتقاد أنك محق في كل ما
تفعل و أن الآخرين عليهم القبول بك كما أنت ،و هذا هو الطريق السهل و لكن البطولة
هي أن تحاسب نفسك و تحكم عليها و على تصرفاتك لأنك ببساطة إنسان يريد التميز و
النجاح و يريد أن لا يأخذ الطريق السهل الذي لن يوصله إلى تحقيق التميز و الحق و
العدل و النجاح الحقيقي غير المزيف ،هنالك حقيقة مطلقة للأمور و هنالك حقيقتنا التي
نريد لها أن تكون حقيقة.
من صفات الإنسان الناجح و المميز أنه دائم البحث عن الحقيقة المطلقة و ليسى الحقيقة
التي يزينها له الناس أو تزينها له نفسه و رغباته ،فإن كنت هذا الشخص الذي يريد التميز
و يريد أن يحيا حياة يحكمها الحق و العدل و الصدق فلا بد لك من أن تحاكم نفسك و
تصرفاتك و قراراتك ،لا بد لك من أن تُخضع نفسك و حياتك لمقاييس معينة لا تحيد عنها
لترضي هواك أو نفسك و ترضي الأنا دون اعتبار لما يجب أن تكون عليه الأمور.
إن من أسماء الله ال ُحسنى الحق و العدل ،و لكي يكون الله معك يرعاك و يحفظك لا بد لك
من أن تكون على الجانب الصحيح و تكون أحكامك التي تطلقها لها معايير معينة ،معايير
لا تتجزأ و لا تتغير ،المعايير المزدوجة في الحكم على الأمور هي عين الظلم و مجانبة
للحق و العدل ،فكما تحكم على تصرفات من هم حولك لا بد لك من الحكم على نفسك أول ًا
فتلتزم جادة الصواب.
من أين نستقي معاييرنا في الحكم على الأشياء؟
هنالك القوانين و المعايير الإلهية الموجودة في تعاليم الأديان ،هنالك أيضاً القوانين
الرسمية التي تحكم البلاد و العباد ،ثم هنالك معايير شخصية لكل فرد يكونها خلال مدة
حياته و بنا ًء على قناعاته و خبراته و أفكاره و منظومة القيم التي يؤمن بها.
تقع على عاتق كل إنسان مسئولية اكتشاف هذه المعايير و استكشاف نفسه و أين يقف
منها ،ما الذي يؤمن به منها و ما الذي يحتاج لفهمه ،ما الذي يرفضه منها و لماذا ،ثم
تتكون لديه معايير معظمها ثابتة و بعضها قد يتغير بنا ًء على ما تتكشف له من حقائق قد
تكون خفيت عنه من قبل.
حين تكون هنالك معايير للخطأ و الصواب لا يبقى سوى جعلها معياراً و مقياساً للأشياء
في الحياة و لا يتوجب أن يكون هنالك فرق سوا ًء كان الحيد عنها من قبل الشخص نفسه
أو من قبل غيره من الناس ،بالتالي لا بد من أن تكون هنالك جلسة لكل إنسان مع نفسه
في الوقت و الزمان و الظرف الذي يلائمه من أجل أن يراجع أفعاله و أقواله و مواقفه،
ثم يقوم بالحكم عليها و تصحيحها.
في ذهن كل واحد منا تجري محاكمات و قرارات و إطلاق أحكام و في كل تصرف لمن
حولنا نتفق أو نختلف معهم ،قد نفصح عن الخلاف إن ُوجد و قد لا نفصح عنه ،لكن بلا
شك عقولنا تقوم بعقد جلسة و محاكمة لتصرفات غيرنا من الناس بالأخص إذا كانت
تمسنا أو تؤثر علينا.
من باب أولى أن نحاكم أنفسنا و نطلق الأحكام على تصرفاتنا فنعقد جلسة المحاكمة و
نطلق حكماً يتم من خلاله تصحيح المسار و هذا مما يجعلنا متميزين و ينقلنا خطوات
ضوئية إلى الأمام فتقل أخطاؤنا و نتجنب ظلم غيرنا و نعتذر عن ما نسببه للناس من أذى
فيرضى عنا الله و يزرع محبتنا في قلوب خلق الله.
هذه من الأخلاق التي يحملها المتميزون الناجحون الذين يصنعون التغيير و النجاح في
مسيرة الحياة.
النزاهة و الصدق
في علم البسطاء قاعدة تقول أن أقصر خط بين نقطتين هو الخط المستقيم الواصل بينهما،
و هذه حقيقة علمية يمكن لنا استثمارها في حياتنا و تعاملاتنا فهي إن صحت في الفيزياء
يمكن بدرجة كبيرة أن تنطبق على حياتنا و بهذا نستثمر علم الفيزياء و حقائق الطبيعة في
نظرياتنا وتعاملنا مع الأمور المعنوية أيضاً و هذا بلا شك منطقي و عملي و مبني على
حقيقة من حقائق العلم و ليسى مجرد كلام نظري.
في لغة الناس البسيطة حين نتحدث عن الإنسان الذي يتحلى بالنزاهة و الصدق نصفه بأنه
إنسان مستقيم ،و لا بد أن المعنى للاستقامة مأخوذ من بعضه فالقاعدة واحدة للفظ و
للمعنيين.
لا يحتاج َمن يريد أن يصل إلى الحقيقة أن يلف و يلتف حول الأمور ،هو واضح و
طريقه واضحة و لا يحتاج أن يغير الحقائق ،الصدق و النزاهة هي من أكبر عوامل
النجاح في أي عمل ،فإذا كان هنالك تاج ٌر بلا صدق و لا نزاهة فسرعان ما يُك َش ُف امره
و تبور تجارته ،و إن ُوجد صان ٌع يغش في صنعته فما يفعله سرعان ما لا يجد رواجاً و
يفشل و حتى لو حقق نجاحاً مبدئياً فإن هذا نجا ٌح لا يدوم.
بعض الناس ممن ينجحون نجاحاً باهراً ثم يطمعون فيقومون بتغيير معايير الجودة و
تقليلها من أجل أن يستمروا بالربح أو يزيدوه فيقللون مصاريفهم على منتجاتهم فيبدأون
بشراء مواد أولية أرخص مما بدأوا بها و أيدي عاملة رخيصة و أقل مهارة ،سرعان ما
يتحول نجاحهم إلى الفشل أو على أقل تقدير لا ينمو هذا النجاح و يراوح مكانه فلا يصعد
و بالكاد يستمر ،هذا أكبر خطأ يرتكبه َمن يريد النجاح ،فمعايير الجودة من أهم عوامل
الإستمرارية و التطور ،كلما أنفقت المزيد عليها كلما طالت مدة نجاحك و زادت أرباحك،
لا تظلم الناس الذين يشترون منتجاتك أو خدماتك بتغيير هذه المعايير فهذا نوع من الغش،
و سوف تحصد نتائجه بالفشل و تحول النجاح و الربح إلى الخسارة و فقدان الثقة.
إجعل شعارك في حياتك و عملك و كل ما تقوم به هو الصدق و النزاهة ،أول ًا و أساساً
كقيمة أخلاقية إنسانية عظيمة و كسبب رئيسي للنجاح و الاستمرار و التطور الدائم و
ديمومة هذا النجاح حتى بعد مماتك و ما تورثه لأبنائك و الأجيال التي تليك.
كن صادقاً حتى لو شعرت أن هذا الصدق قد يبدو أحياناً ضدك و لكن في المحصلة
النهائية تأكد أنك ستربح و سيكون النجاح حليفك لأن هذا وعد أن الصادقين سوف يُ َو َّفون
أجورهم ،لا تتحول عن الصدق مهما واجهت من صعوبات فالكذب و الغش و التدليس
ورطة لا بد من دفع ثمنها و الكذب أسوأ خيار و أظلم طريق و قال الحكماء الكذب حبله
قصير ،كما قالوا إنك تستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت و كل الناس بعض الوقت
و لكنك لا تستطيع خداع كل الناس كل الوقت.
إعلم أن هنالك رقيب عليك هو الله و لن يذهب صدقك و سوف يعينك و إن استمرأت
الكذب و اتخذته طريقاً لك و لتعاملاتك فإنه سوف يكشفك و لن يوفقك ،آمن تأمن ،حارب
الدنيا بصدقك و ستنتصر فأنت قوي بصدقك ضعيف إن كذبت فالكذب أساسه ركي ٌك ه ٌّش
ضعي ٌف و الحق و الصدق قوي بذاته يستمد قوته من أساسه المتين و من الحقيقة المطلقة.
هذا ليسى كلا ٌم نظري بل هو كلا ٌم علمي و عملي تثبت صحته كل التجارب
الإنسانية عبر التاريخ البشري.
العدل
العدل أساس الملك كما تقول الحكمة البشرية.
المعنى الكبير للعدل يمكن تطبيقه على كثير من نواحي الحياة ،فأنت إذا كنت عادل ًا فصفة
العدل سوف تُلزمك بأن تشهد بالحق إذا طُلب منك ذلك حتى لو تعارضت هذه الشهادة مع
مصالحك ،أو إذا كانت تُنصف مظلوماً ضعيفاً ضد ظالم قوي ،كما يُلزمك العدل أن تعطي
للناس حقوقهم فتقوم بواجباتك في أسرتك و في عملك الذي تتقاضى عليه أجراً ،و إذا
استأجرت خدمة من إنسان فإنك تؤدي حقه كامل ًا و تكون عادلاً فلا تبخسه ما أدى إليك
من خدمة أو عمل فلا تستغل حاجته للعمل بإعطاءه ثمن بخس مقابل عمله.
العدل قيمة كبيرة فالعادل قد يدين نفسه و يحكم لغيره في نزاع ما حتى لو على نفسه إذا
رأى أنه مخطي ٌء أو لغيره حق عنده و هذا يتطلب الشفافية و الصدق مع النفس و منظومة
قيم لها أساس أخلاقي و ديني عميق يكون من خلالها الإنسان رقيب على نفسه.
إذا كان العدل يُكسب الإنسان المتحري للعدل بعض المال أو بعض العلاقات فإنه بالمقابل
في الصورة الكاملة يُكسبه الرضا و السعادة و يضمن له الفوز في الدنيا و الآخرة ،و
هنالك نماذج كثيرة عبر التاريخ لنهاية الطغاة و الظالمين ،لم يدم طغيان و لم يدم ظلم أبداً،
مهما طال نجاح الظالم و بدا أنه غالب تأتي لحظة الحقيقة و دفع ثمن الظلم فلا تكن
ظالماً.
قد تقول هذا على مستوى الدول و الحضارات و الطغاة من أمثال عاد و ثمود و فرعون
و قارون ،كلا إنك إن بحثت ستجد هذه سنة في الكون و قاعدة ثابتة لا يعتريها شك ،بأن
الظالم يدفع ثمن ظلمه.
أعطي كل ذي حق حقه ،لجسدك حق بالراحة ،كما أن عليك أن تعمل بقدر ما تستطيع فلا
تتكاسل و أنت قادر على تأدية واجباتك ،كما أن لعملك عليك حق فأدي عملك بأفضل ما
تستطيع ،لأهلك و عائلتك عليك حقوق لا بد من تأديتها ،عليك لربك الذي أنعم عليك بنعم
لا تعد و لا تُحصى حق العبادة ،و غيرها من الواجبات ،قبل أن تسأل عن ما لك من
حقوق تأكد من تأدية واجباتك و هذا من أكبر مقتضيات العدل في هذه الحياة.
إذا أردت النجاح الحقيقي الدائم الذي يقوم على دعائم قوية و أساسات متينة فعليك بقيمة
العدل و كن أنت الرقيب على نفسك لتطبيقها في كل مناحي حياتك.
التواضع و الاعتراف بالفضل
من أجمل الصفات التي يمكن أن يتحلى بها الإنسان خاصة إذا كان ذو مركز مرموق و
كلمة مسموعة هي صفة التواضع ،و حين يتكبر شخص فقير أو مستضعَف قد لا يشكل
ذلك فرقاً بل أنه قد يكون مذموما لأن كل مقومات التواضع تكون متوفرة لديه و يعمل
بعكسها و التكبر دائماً مذموم على كل الأحوال ،فهو يدل على الشعور بالنقص و عدم
إدراك الضعف الذي ُجبل عليه البشر كما أنه خداع للنفس و عيش بالوهم ،و من توافرت
لديه أسباب القوة و ال َمنَعة و توا َضع بصدق بلا تص ُّنع نال احترام ال َخلق و تقديرهم لأن
هذا دليل على رجاحة عقله و إدراكه لحقوق غيره و شكره لنعمة الله عليه و اعترا ٌف منه
بأن الفضل كله لله و أن هذه الحياة فانية بما عليها و المناصب و الفضل فيها مجرد
أعراض زائلة.
لقد ضرب محمد صلى الله عليه و سلم أروع الأمثلة بالتواضع و لو ُح َّق لأحد من البشر
أن يتكبر فهو ،لقد كانت تأتي الجارية الصغيرة تأخذ بيده في أنحاء المدينة و يتبعها
ليقضي حاجتها ،كان إذا هابه أحد قال له ما أنا إلا ابن امرأة كانت تأكل الثريد في مكة و
حين دخل مكة فاتحاً كاد رأسه يلامس رقبة بعيره مطأطيء الرأس تواضعاً لله ،رغم أنه
أكرم البشر و سيد ولد آدم صلى الله عليه و سلم.
علا َم نتكبر و نحن نعلم ضعفنا و حاجتنا و فاقتنا إلى الله ،حين ننظر لمن هم دوننا ماذا
نرى ،أليسوا بشراً لهم حقوق و هم من خلق الله مثلنا تماماً ،أيضمن أحدنا أن يستمر
بالنعمة التي هو فيها ،لقد استعاذ الرسول صلى الله عليه و سلم بالله من فجاءة نقمته و
تح ُّول عافيته ،قد يصاب الإنسان بمرض عُضال يُحي ُجه لأضعف الخلق ،قد يحدث معه
حادث يجعل له خروجاً سريعاً من الحياة و ما يتمرغ فيه من النعم ،كما أن أقوياء اليوم
هم ضعفاء الغد يهدهم العمر و الزمن.
العمل الدؤوب و عدم انتظار الشكر
حين يقوم الإنسان بأي عمل صغيراً كان أم كبيراً يكون إما عملاً يريد هو القيام به لدافع
شخصي أو أنه عمل لا بد له من القيام به لأنه من ضمن واجباته و ضروريات حياته ،قد
يكون ملزماً بأداء هذا العمل و عدم تأديته يشكل تبعات فورية مثل فقدانه لعمله إذا كان
موظفاً و نحو ذلك و قد يترتب عليه تبعات متأخرة إذا كان مدى حريته أكبر في أدائه إذا
كان على مستوى أسرته أو عباداته أو علاقاته بالناس.
بعض الأشياء تكون تبعاتها في الآخرة يوم الحساب حين نقف بين يدي الله ،و للأسف هي
أكثر ما نستهين به لأن تبعاتها ليست فورية و لا توجد جهة منظورة تحاسبنا عليها ،هذا
يحتاج لمن أراد التميز أن يقف عنده و يعطيه الكثير من المراجعة و التدقيق و عمل خطة
لتصحيحه ،فهذه الحياة المنظورة زائلة بلا شكَ ،من ينكر أن نهاية كل منا الموت ،من
ي ّدعي أن هذه الحياة تدوم ،لا أحد ،إعمل لدار البقاء التي لا تزول و اصرف جزءاً من
وقتك و طاقتك لتعمرها و هذا ما يفعله الناجح الحصيف.
سواء كان العمل له تبعات مباشرة و أساسية على حياة الشخص مثل الوظيفة و الحضور
اليومي لمكان العمل أو إجادة هذا العمل فقد يلتزم الشخص بالحضور إلى عمله بانتظام و
لكنه لا يؤدي هذا العمل بطريقة جيدة لها نتائج مطلوبة لاستمراره في العمل فتأتي التبعات
في وقت لاحق ،مثلاً عندما يتغيب عن العمل يكون لديه فترة معينة للتغيب ثم يفقد العمل،
أو كان التقصير بسبب نوعية العمل و قلة الإنتاج و عدم تحقيق النتائج المتوقعة ففقدان
العمل يأخذ فترة أطول ،و بعض أنواع التقصير المتعلقة بالواجبات الأسرية و صلة الرحم
مثل ًا و العلاقات الإجتماعية و واجب الوالد و الوالدة نحو أسرهم و أطفالهم يكون التقصير
فيها له تبعات مختلفة و نتائجها أيضاً مختلفة.
الإنسان المتميز الذي يسعى للنجاح في هذه الحياة لا يعاني من هذه التبعات ،إنه ببساطة
إنسا ٌن فاعل متميز في أدائه لأعماله حريص على أداء واجباته سوا ًء العملية أو الأسرية
أو الدينية ،هو مرتاح في أداء الأعمال يؤديها بإجادة تامة و بنوعية لأنه أخذ على عاتقه
إتقان العمل منطلقاً من إيمانه بأن هذه هي الطريقة الفُضلى و المثلى ،هو يحصد المكافآت
من جميع الإتجاهات ،ينجح في عمله فيتقدم في وظيفته إذا كان موظفاً و تزدهر تجارته و
تزداد أرباحه إذا كان تاجراً ،منتجاته متقنة الصنع إذا كان صانعاً ،علاقاته الأسرية مع
أسرته من زوجته و أبنائه مزدهرة و حميمة و سعيدة و مع أسرته الممتدة و مجتمعه
علاقة إيجابية ينال من خلالها حب الجميع و دعوات الوالدين و احترام الأصدقاء و
الجيران و المجتمع ،هو إنسان أخذ على عاتقه إتقان أي عمل يو َكل إليه و يعطي أهمية
لأي واجب عليه و يتقن كل شيء لا لأنه ينتظر الأجر بل الأجر تحصيل حاصل يأتي
طبيعياً بسبب إتقان كل ما يقوم به ،بل هو يقوم بذلك لقيمة إتقان الواجب ،هذه وحدها قيمة
من أعلى القيم الأخلاقية الإنسانية ،و ما المكافآت و لا النجاحات إلا نتيجة طبيعية لهذا
الإتقان.
أتقن عملك لا كأجير ينتظر الأجر بل كفاعل يريد أن يُعلي قيمة من القيم العظيمة و هي
قيمة إتقان العمل تكون متميزاً و ناجحاً.
خذ وقتك في أداء واجباتك بتركيز و حب و إرادة حقيقية لإنجاز ما بين يديك بأفضل ما
تستطيع ،إذا تحدثت مع شخص و تواصلت معه تحدث بحميمية و صدق أعطه وقتك و
اهتمامك و انظر في عينيه ،كن صادقاً حقيقياً و لا تفعل شيئاً فقط لتتخلص منه ،إجعل
هنالك متعة خاصة في أداء أي عمل و اعلم أنك سواء أتقنت العمل أم لم تتقنه سيكون
الوقت الذي تصرفه له متقارب فلم لا تتقن عملك ،كما أن قيامك بالأشياء بلا تؤدة و متعة
يجعلها مملة و صعبة لكنك لو أحببت ما تقوم به فإنك ستستمتع بكل شيء و سيصبح كل
عملك و حياتك متعة فأنت مرتاح سعيد تأخذ خطواتك و أعمالك بتوازن و حب و إتقان،
إتقان في الإنجاز و في العلاقات و في ردود الأفعال لا تتسرع فلا تخطيء ،أو تكون
نسبة أخطاءك بسيطة.
إذن المستفيد الأكبر من إتقان العمل هو َمن يقوم بهذا العمل لأن فوائد إتقان العمل تعود
عليه بشتى أنواع المكافآت و تمنحه الشعور بالسعادة و الرضا فلا ينتظر الشكر من أحد و
يعلم أنه لو لم يتم تقديره من الناس فله أيضاً مكافآت من الله على إتقانه لعمله فهنيئاً لمن
إتقان العمل ديدنه و ممارسته الدائمة فهو الرابح الأكبر في هذه المعادلة بلا أدنى شك.
الترفع عن الصغائر و التمسك بمعالي الأمور و ترك سفسافها
التجاهل و التغاضي فن من فنون التعامل الذكي مع عدة أمور و هو مفتاح من مفاتيح
فنون التعامل و التواصل مع الآخرين لمن أجاد هذا الفن و استخدم هذه المهارة ،فلا
يتوجب على الإنسان أن يُعلق على كل كلمة تُقال و على كل تصرف من الآخرين َص ُغر
أم َكبُر.
حين نتجاهل صغائر الأمور و نركز تفكيرنا على ما يهمنا حقاً نقلل الجهد ال ُمضاع و
يكون جهدنا منصباً على ما نحتاج تحقيقه حقاً ،التصرف العشوائي و ردود الأفعال و
الإنفعال لأتفه الأسباب يجعل الإنسان ُعرضة للتلاعُب فلا يكون له مواقف متينة تتسم
بالتركيز.
حين نحدد أهدافنا و ما نريد حقاً لا ننشغل بالأمور التي لا يكون لها تأثير على هذه
الأهداف ،هنالك دائماً َمن يسعى لوضع عقبات أمام تحقيق الأهداف ربما لتضارب
المصالح أو حتى بلا هدف ،من الذكاء أن نُ َح ّيد الأشخاص من هذه النوعية و نخرجهم من
المعادلة لأن الإنشغال بهم يكون عائقاً أو عامل تأخير و تثبيط أمام تحقيق ما نريد من
أهداف و يتم استنزاف طاقتنا فيما لا يفيد.
إنك حين تتجاهل سفاسف الأمور و تتمسك بالمعالي منها تتولد لديك لذة خاصة و شعوراً
بأنك انتصرت على نفسك بشكل أساسي لأنك استطعت أن تضبط ردود أفعالك و كانت لك
اليد الطولى و القرار الأول في كيفية التعامل مع ما يحزبك من أمور عارضة ،بالمحصلة
أنت الذي ترسم خارطة الطريق لنفسك و لا تدع أفعالك في مهب ريح المتغيرات و
تصرفات الآخرين.
يكون ذلك عبر عملية ذهنية سريعة تدرب نفسك عليها من خلال الممارسة و التعامل مع
الآخرين و التعلم من الأخطاء من خلال جلسات من التأمل تقوم بها بشكل دوري فلا تمر
بك تجربة إلا تعلمت شيئاً منها ،فمثلاً انفعلت مرة من موقف استفزك فيه أحد الناس ثم
ندمت على انفعالك أو تضررت من خلال انفعالك و لم تحقق ما أردت تحقيقه بسبب ذلك،
يمر عليك موقف مشابه له فتنفعل مرة أخرى و تنسى ما حصل قبلها من تجربة سابقة،
موقف مثل هذا يدل على أنك لا تقوم بالتأمل و التعلم من أفعالك السابقة و يتعين عليك
مراجعة نفسك و العمل على التدرب لتكون ردود أفعالك مفيدة و تصب في مصلحتك لا
في مصلحة خصمك أو من يريد أهدافاً عكس أهدافك و تتعارض مصالحه مع مصالحك.
أترك الصغائر و ابتعد عنها ،ركز على أهدافك العالية و لا تضيع وقتك و جهدك على
الصغائر تكن ناجحاً و متميزاً في حياتك.
ترك الجدل غير المثمر و المراء
في كثير من الأحيان ندخل في أحاديث و نقاشات مع الناس الذين نتفاعل معهم في حياتنا
اليومية و قد تكون هذه النقاشات فكرية فلسفية جدلية و قد تكون متعلقة بالعمل يتم بناء
قرارات بنا ًء عليها.
إذا دخلت في نقاش فكري قد يكون عن المباديء أو العقيدة أو تحليلات تاريخية أو
سياسية أو اجتماعية أو غيرها من الحوارات التي يستمتع الناس في الحديث عنها و
يطورون أفكارهم و يتبادلون من خلالها العصف الفكري فينضجون و يتعلمون من
بعضهم البعض و يشكلون أجزاء من شخصياتهم و يبلورون مواقفهم و مبادئهم من خلال
هذه النقاشات و غيرها من وسائل التطور الفكري مثل البحث و القراءة و التفكر و التعمق
في المعلومات التي تتوفر لديهم ،و هذا شيء محمود و مفيد حيث أن الجنس البشري تميز
بالنواحي الفكرية و القيمية عن غيره من الأجناس ،كما تميزت الشعوب و الحضارات
بمقدار ما توصل إليه علماؤها و مفكروها من أفكار و مباديء و قيم ،و كلما زاد عدد
المفكرين و الفلاسفة و العلماء في مجتمع ما كلما زادت فرص تقدم و تطور و ُرقي هذا
المجتمع.
إذن نتوصل أن الهدف من هذه الأحاديث و هذا العصف الفكري هو مشاركة الأفكار و
التوصل إلى توسيع الأفق و من فوائده استكشاف المزيد من الخيارات و الطرق للتعامل
مع أحداث الحياة ،و هنالك أمور يمكن القول عنها أنها صحيحة أو خاطئة و لا بأس في
النقاش للتوصل إلى أرضية مشتركة من خلال النقاش و تحديد الصواب من الخطأ ،و لا
نتحكم في تغيير رأي ُمحاورنا ،قد تقتضي الحكمة التبليغ فقط و لا يجوز إلزام غيرنا
بشيء حتى لو كان ديناً فقد ع ّلمنا ربُنا فقال (لا إكره في الدين) ،كما أن هنالك أمور فيها
وجهات نظر مختلفة و ليسى فيها خطأ أو صواب إنما هي أفكار يأخذ منها ك ٌل ما يناسبه،
و لو تطابق و تشابه الناس في أفكارهم و مبادئهم و خبراتهم لما كان ذلك التنوع بين
الناس و التميز لكل إنسان.
إذا أردت أن تكون ناجحاً و متميزاً عليك أن تطور مهاراتك بحيث تنثني عن الجدل العقيم
و تكون ذكياً بحيث تكتشف من يريد الجدل و لا يهدف للعصف الذهني و لا يبحث عن
الحقائق و متعصب فلا يغير رأيه حتى لو رأى الحق ،فعليك في هذه الحالة أن تترك
جداله فهو عقيم لا يوصلك لشيء و يستنزف طاقتك و يضيع و قتك بلا طائل ،و لا تكن
أنت ذلك الشخص المجادل بل استمع لغيرك و أبق ذهنك منفتحاً متقبلاً للأفكار المختلفة
عن أفكارك لكي يبقى لك مجال لتتعلم جديداً كل يوم و تتطور فكرياً و أخلاقياً و علمياً
فتتأثر و تؤثر.
عدم الدخول بمعارك خاسرة
قيل انتقي معاركك ،و هذا قول غاية في الروعة و الحكمة ،على كل منا أن يستكشف نقاط
ضعفه و نقاط قوته ،و في بعض الأحيان يكون محقاً و لكنه لا يستطيع في وقت معين أن
يثبت ذلك الحق نتيجة لتضافر عدة أسباب ،لا بد أن نمتلك مهارة انتقاء ما نحارب من
أجله و إن كان يستحق بذل الجهد و ما سيترتب عليه من نتائج إيجابية أو سلبية.
لا تدخل معركة محكوم عليها بالفشل لمجرد أنك ترى أنك على حق ،قد تكون مخطئاً ،قد
تكون بحاجة إلى مراجعة معلوماتك و التأكد من بعض الأمور ،قد يكون الحق معك و
لكن نقاش الموضوع يؤدي إلى نتائج أنت بغنى عنها.
انتقي معاركك و لا تدخل في معارك محتومة الفشل و الخسارة أو لا تفيدك و لا تضيف
إليك شيئاً ،درب نفسك على الصمت حين يُتوقع منك الكلام ،و على الحلم حين يُتوقع منك
الغضب ،و كلما قللت عدد المعارك التي تخوضها كلما قللت خسائرك.
إجعل هدفك مصادقة الناس و التفاعل معهم عوضاً عن معاداتهم ،إكسب صديقاً بدلاً من
أن تجعل لك عدواً ،و لا تستدر كره و معاداة الناس بالدخول في معارك مع كل من
يخالفك الرأي بل ابحث باستمرار عن نقاط الاتفاق بينك و بين الناس و تجاوز الخلافات.
المعارك الوحيدة التي يجب أن تخوضها هي لمنع ضرر أو لإصلاح أو لشيء خاطيء
يتعارض مع مباديء الحق و العدل و الصواب ،عدا عن ذلك لا يتوجب استدرار عداوة
من حولك بل اكسبهم إلى صفك بذكاء و محبة و حلم.
لا تكن ممن يريدون فقط أن يختلفوا مع غيرهم لمجرد الخلاف ،دائماً غاضب و ساخط
على شيء ما أو أحد ما ،لا يعجبه شيء و لا يرضيه شيء ،الخلاف هدف له و مزاجه
دائماً معكر ،لا يفعل شيئاً ليغير ما حوله و لكنه دائم الشكوى من كل شيء و كل أحد،
سلبي و ُمثبط للهمم ،بالتأكيد هذه ليست من صفات َمن يريد النجاح و التميز.
ترك السفهاء مع عدم احتقارهم
حين تحدثنا عن انتقاء المعارك ذكرنا أنك قد تكون محقاً أو أن أحداً ما اعتدى عليك أو
ضايقك ،و لكنك تختار الصمت و التجاهل.
نعم ،إذا حاول أحد إغضابك متعمداً أو كان مجرد إنسان بسيط أو سفيه فمن الأفضل تركه
و تجاهل الإساءة التي وجهها إليك.
بعض الناس يحفزهم إظهار ضيقك أو ردة فعلك العنيفة تجاه أذاهم لك أو خطأهم في
حقك ،فيأخذون من وقتك و يستنزفون طاقتك و في النهاية لا تستفيد أي شيء بل تتعب
أعصابك و يصيبك الصداع و لا يُفرق َمن لا يعرف القصة أيكما السفيه ،إن علمت سفاهة
في شخص و تعمده إيذاءك فاتركه و لا تعطيه الحافز الذي يجعله يعود لما يقوم به.
كلما زدت جرعة التجاهل لتصرفاته كلما عجلت بتوقفه عن ما يضايقك ،بالعامية (ط ّنش)،
و لكن لا تحتقره و لا تتجاهله كشخص و لكن تجاهل تصرفاته و كلامه الذي يضايقك ،و
إذا استطعت أن لا تتضايق منه أصلاً فذلك قمة الذكاء و هنا يأتي دور الترفع عن
الصغائر من غير تكبر على الناس ،إنها معادلة دقيقة عليك أن تجدها بالتأمل و التفكير،
فأنت تتجاهل التصرف و الكلام و ليسى الأشخاص و تترفع عن سفاسف الأشياء و لكن
لا تتكبر و تُحسن لمن أساء إليك من غير إذلال لنفسك.
كن ذكياً بردود أفعالك و مرن نفسك بالتف ُّكر بالمواقف و التعلم منها بحيث لا تكرر الخطأ
مرتين ،لا بأس من الخطأ أحياناً لكن عليك التعلم من أخطاءك و التطور و التغير
باستمرار نحو الأفضل تكن ناجحاً في حياتك و تعاملاتك.
الحكم على الآخرين
من يملك الحق في تصنيف الناس و الحكم عليهم ،هذه فرصة لبحث جزئية الموضوع
السابق عن السفهاء من الناس ،فحين نحدد أن هنالك إنسان سفيه قد نكون ظالمين في
حكمنا و قد نكون محقين.
دعنا نتفق هنا أننا سنحكم على التصرفات و الأفعال و ليسى الأشخاص حتى لا نكون
ممن يحتقرون الناس و يصنفونهم ،فالناس تختلف تصرفاتهم و ردود أفعالهم من موقف
لآخر ،و من الأفضل للإنسان أن يربأ بنفسه و مشاعره عن تصنيف الناس و الحكم
عليهم.
هكذا قرار يجعل للإنسان صفا ًء في الذهن و القلب و السريرة و النية فيرتاح من عبء
الحقد و الكراهية و يربأ بنفسه عن التعالي و التكبر على خلق الله ،و معرفة معلومة سلبية
عن شخص لا يجب أن تحدد نظرتنا إليه ،فلا نشغل أنفسنا بعيوب الناس و ننسى الإشتغال
بعيوبنا.
إذن لتكون ناجحاً اتخذ قراراً بالحكم على المواقف و الأوضاع و ليسى الأشخاص ،و حين
تناقش لا تضع اللوم على الأفراد بل على الموقف الذي حصل و احصر نقاشك بإيجاد
حلول بدل البكاء على الماضي أو على ما فات ،إجعل هدفك تغيير المواقف لا الأشخاص
تكون ناجحاً ناضجاً محبوباً و مرتاح البال.
انشغل بنفسك و صحح أخطاءك و ركز على أعمالك و لا تصرف وقتك و جهدك بتحليل
الناس و ماذا قصد فلان من الناس و ماذا يُخفي عل ّان ،احتفظ بطاقتك و أعصابك للتركيز
على مهماتك و انسى غيرك و دعهم لأنفسهم أو لربهم ،لم يُنَ ّصبك أح ٌد َح َكماً على الناس
فلا تُعطي نفسك ذلك الحق تعش مرتاح البال سعيداً و لا تراقب الناس و لا تنتظر آراءهم
فتموت هماً و كمداً.
وجهات النظر
قيل إن الخلاف أو بتعبير أصح الإختلاف لا يفسد للود قضية ،إذا كان لديك رأي يعارض
رأي غيرك فلا تحكم فوراً لنفسك بالحق ،حاول استكشاف ما لدى غيرك من آراء،
فللحقيقة أوجه متعددة أنت تراها من زاويتك و غيرك يراها من زاويته هو ،حاول
التعرف على ما لديه و تعلم أن تنظر لكل شيء بشمولية أكبر و تقبل أن الآخر أيضاً
متمسك برأيه و مقتنع به.
لا تدخل حواراً لا تسمع فيه إلا نفسك و صوتك و لا ترى فيه إلا رأيك ،هذا تعنت و يقلل
عندك الإستعداد للتعلم و استكشاف أشياء قد تضيف لك الكثير فتقضي على فرصك بالتعلم
من الآخرين.
خلق الله لكل إنسان فماً واحداً و أذنين اثنتين ،إذن المنطق يقول أن علينا أن نسمع على
الأقل ضعف ما نقول ،لا يكن همك أن تصب عليه آراؤك صباً و حين يفعل كلاكما نفس
الشيء فلن يكون ذلك حواراً بل هو زعيق و صراخ لا يسمع أحد فحواه و يضيع و يذهب
أدراج الرياح و لا تتحقق الفائدة منه ،إذا كنت تريد و تأمل أن يستمع إليك الناس فعليك
أنت أيضاً أن تعطي ذلك الحق للناس.
أعطي الفرصة للآخر للكلام و استمع له بتقبل و محبة و أشعره أنك مهتم بسماع رأيه و
توصل إلى أرضية مشتركة و اقبل آراءه إن كانت منطقية و اترك الساحة تتسع لأكثر من
حل و أكثر من رأي تكون ناجحاً.
الحوار و فن الخلاف
سؤال مهم لا بد من توجيهه :كيف تكون محاوراً ناجحاً و شخصاً مؤثراً؟ و سؤال آخر:
الحكمة و الموعظة الحسنة ...ضعف؟!
فن الكلام و الخطاب هو بالفعل فن بكل ما تحمل الكلمة من معنى ،سوا ًء كان الخطاب
مع من يحمل نفس الفكر و المباديء أو مع المخالف.
الحديث يتنوع بتنوع المنبر و طبيعة الجمهور المستمع و الهدف من الحوار و لا بد أن
يُنوع المتحدث أسلوبه إن أراد أن يكون متحدثآ ناجحآ يحقق النتائج المرجوة من حواره ،و
كما قالت العرب :لكل مقام مقال ،ففي الخطبة مثلآ يكون الكلام موجهآ لجمهور يعلم أن له
فقط أن يستمع و لا يوجد مجال للنقاش أو الأخذ و الرد ،كما يعلم الخطيب أنه يستطيع أن
يتكلم من خلال خطبته بما أراد دون مقاطعة ،و يحق له ذلك ،لكن هذا لا ينطبق على
حوار مع شخص معين عن موضوع ما يكون لكلا الطرفين حق في الكلام و هنا يصبح
الإسهاب و الإطالة و التفرد المسموح بها في الخطبة شيء ممجوج و ممقوت و يجعلنا
نرى هذا المحاور غير ناجح في حواره و يثير حفيظة الطرف الآخر للحوار و الجمهور
على حد سواء.
ينطبق هذا الكلام حين تحاور مؤيدآ لآرائك أو مخالفآ على حد سواء ،ففي حالة الحوار مع
طرف آخر تختلف نتائج الحوار و نجاحه باختلاف مهارة المتحدثين ،و لا بد في هذه
الحالة أن يكون هنالك عناية بفنون عديدة مثل فن الإستماع و فن التعامل مع الخلاف و
تحقيق الهدف من الحوار يكون أفضل كلما كان المحاورون أكثر مهارة و فطنة و معرفة
بما يتوجب لهم و ما يتوجب عليهم.
إذا كان الحوار مقابلة يُسأل فيها خبير في شأن ما فمن الحكمة أن يستمع للأسئلة و يجيب
عليها بتركيز و لا يجيب بما ليسى له صلة بالموضوع المطروح كما أن مثل هذه
الحوارات من مثل البرامج التلفزيونية يكون لها وقت محدود و خطة مسبقة لا بد من
مراعاتها و الإلتزام بها ،هي في الغالب مقيدة و يديرها شخص لا بد من احترام دوره و
التوقف عند طلبه و الإستماع إليه ليتم تحقيق الغرض من هذا اللقاء.
اليوم أردت أن أركز على الحوار مع المخالف في الرأي لما لهذا الموضوع من أهمية
لمن أراد أن ينشر فكرآ و يقود الناس إلى الخير و يتطور هو نفسه من ناحية العمق في
إدراك مواقفه و ثوابته و متغيراته.
إن المحاور الناجح يعلم أن لديه ثوابت و لديه متغيرات ،يدرك أنه قد يرى الحق عند
الطرف الآخر و لا بد أن يتبناه فور إدراكه أنه الحق و تتلخص الطريقة العلمية لأي
نشاط بأن يمر الشيء بالخطوات التالية:
اولآ:
تحديد الأهداف؛ ما الذي تريده من هذا الحوار ،أنت لم تحضر لمجرد الكلام فالكلام كثير
لكنك تركز على أهداف معينة تريد تحقيقها من حوارك ،هي ليست جلسة دردشة تقفز
خلالها من موضوع لآخر بلا تركيز و لا هدف ،لا بد من تركيز كلامك كله في محاور
الموضوع الذي أنت بصدده
ثانيآ:
تحديد استراتيجية للحوار؛ ما هو الأسلوب الذي ستتبعه في الحوار ،كم ستتكلم من
الوقت ،هل سيكون الحوار أخذ و رد أم سيستمع كل للآخر ثم بعدها يرد عليه ،و
استرتيجية الحوار مهمة جدآ لأنها ستحدد إن كان المحاور ناجحآ في حواره أم لا
فلو حاورت مخالفآ لك يكون هدفك بشكل عام إقناعه بوجهة نظرك ،لكن من الحكمة أن
يكون هدفك أسمى من ذلك و هو التعاون مع المخالف لتجد معه الحق بمشاركته و
مشاركتك معآ ،كثيرآ ما يستل المتحاورون سيوفهم لإثبات آرائهم و حتى لو رأو الحق
فإنهم ينكروه فيتحول الحوار إلى جدال عقيم
علينا أن نجد أولآ نقاط الاتفاق مع مخالفنا ،ندخل الحوار بذهن منفتح و بدون أحكام
مسبقة ،لا ينجح الحوار إذا كان الهدف تلقين المخالف درسآ و توعده بالخزي و الهزيمة و
المحاولة بشتى الطرق للنيل منه و إسقاطه و احتقاره فأنت بهذا تكون خاسرآ لأنك لم
تحقق ما جئت من أجله.
لا مانع من أن تغير رأيك و توافق مع محاورك و تتواضع تواضع العلماء فهذا لا ينتقص
منك بل يعلي من شأنك و يجعل محاورك يحترمك و يعاملك بالمثل إلا إذا كان هدفه
الجدال فاترك ذاك و لا تحاوره فحواره جهد مضاع لا يستحق وقتك و جهدك و طاقتك.
لا بد من إقناع محاورك بذكاء أنك صديق لا عدو و لا تثر حفيظته أو تهينه أو تستهزيء
بكلامه ،بل استمع له باهتمام و انظر بعينيه و أشعره بالإحترام ،إجعله يحبك و يحترمك
فالبغضاء أدعى أن توسع الهوة بينكما فيزيد الخلاف و تفشل في حوارك و لا تزيده إلا
إصرارآ على رأيه فتأخذه العزة بالإثم و قد تكون سببآ في ضلاله.
لا بد لصاحب المباديء الباحث عن الحق أن يجعل الأنا عنده متقلصة مضمحلة و يقدم
عليها فكره و منطقه و مبادئه ،من يريد النزال و القتال و إهانة الناس فمكانه ليسى منابر
العلم و العلماء و لا مهمته نشر الحق بل مكانه ساحة المعارك و الحروب.
لا يجب أن يغضب من هو على الحق ،هو مرتاح مطمئن فالحق قوي بذاته و كل ما عليه
أن يصدح به بكل ثقة و أدب و احترام ،إن لم يفعل يظلم الحق و يكون مانعآ لنشره بدل
أن يكون من دعاته ،يتكلم من على الحق بثقة و إيمان لا يتعصب فصوت الحق عال بلا
صراخ ،الصراخ و الشتم للضعفاء الذين لا يمتلكون الحكمة و لغة الحوار التي تليق
بالحق لغة محترمة راقية ،الحق جميل واضح ينبري له من هو مؤهل و لديه أدوات
مناسبة لإظهاره و المنافحة عنه.
من الذكاء أن توصل لمحاورك شعورآ بصفاء سريرتك و إشعاره بالحميمية و أنك لست
عدوآ له _ ولو كنت فظآ غليظ القلب لانفضو من حولك_ ،ليكن لديك حس الفكاهة و
التسامح و القرب من محاورك ،و هذا ضرب من القوة و ليسى الضعف كما يفهم البعض.
ثالثآ:
نتيجة الحوار؛ ليسى بالضرورة أن يتم الإتفاق في النهاية بين أطراف الحوار ،هي آراء
يعرض ك ٌل رأيه و يترك التأثير لربه فالداعي إلى الحق ليسى عليه أن يقلق بالنتائج فهذه
لله سبحانه و تعالى فهو يدعو بالحكمة و الموعظة الحسنة و يحاور بالتي هي أحسن و
الهدى على الله يهدي من يشاء و يضل من يشاء.
من أعظم قصص الحوار قصة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم مع عمرو بن هشام حين
ابتعثه كفار قريش ليحاول إقناع النبي بترك الدعوة و أغراه بكل ما أوتي و حتى أن ذلك
كان مهينآ بالنسبة للنبي عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم ،مع ذلك انتظر الرسول العظيم
بصبر و ثقة و إيمان حتى فرغ محاوره من كلامه تمامآ ثم قال له :أفرغ َت يا أبا الوليد؟
سبحان الله هو محمد بن عبد الله معلم الناس الخير و الحق و ال ُرقي ،ثم ماذا كانت النتيجة،
حين عاد أبو الوليد قال الكفار لبعضهم بعضآ أنه عاد بوجه غير الذي ذهب فيه ،لقد
استطاع صلى الله عليه و سلم بوقت و جيز أن يغير وجه محاوره و يريه الحق بكل إيجاز
فلنتعلم منه فن الحوار صلى الله عليه و سلم ،كما أن النتيجة النهائية هي أن عمرو لم يسلم
و هذا لا ينتقص من حوار الرسول فهو قد اقتنع و آمن و لكن بغيه و كفره منعه عن رؤية
الحق.
رابعآ:
لا يجب الظن أن الحوار المهذب و اللين في الخطاب و تقديم بعض التنازلات هو ضعف
بل هو قوة و ثقة و مثال ذلك في صلح الحديبية حين أصر المفاوض من قريش على عدم
ذكر أن محمد رسول الله فطلب الرسول من علي محوها ،هل كان ضعيفآ صلى الله عليه
و سلم بذلك حاشا و كلا بل هي القوة و الحكمة و الإيمان بنصر الله و التعالي عن أمور
اقل أهمية من أجل تحقيق الهدف الأسمى ،و كفى به معلمآ للبشرية صلى الله عليه و سلم،
لقد كان أشجع الناس و أجرأهم لكنه كان محاورآ عظيمآ
الإعجاب بالنفس و التمسك بالرأي
إن هنالك حقيقة مطلقة لكل شيء بلا شك ،و الذي يدرك هذه الحقيقة المطلقة هو من يحيط
بالشيء إحاطة تامة ،و يأخذ كل تفاصيله من كل الجوانب فيتمكن من الحكم عليه حكمآ
صحيحآ كاملآ ليسى فيه شك.
من يتسنى له ذلك؟.
سؤال قد تكون إجابته واضحة ،فالله سبحانه هو الوحيد الذي يحيط بكل شيء علمآ ،و
طرحي لهذا السؤال هو محاولة لطرح موضوع قد يسهم في إثراء تقبل آراء الآخرين و
محاولة تقريب وجهات النظر بين الناس ،و تقليل حدة النقاشات و المواجهات بين الناس،
فكلما زاد عدد المقتنعين بحقيقة أن آراءهم ممتازة و لكنها تحتاج لإكمالها ،و النظر لها
بعيون الآخرين ،مما قد يكشف جوانب كثيرة كانت غائبة عنهم حين بنو أفكارهم و
أحكامهم.
لا يتوجب أن يقطع إنسان بفكرة حسب رأيه فقط ،لا بأس من تكوين قناعات معينة و لكن
قناعته أنه قد تتكشف له حقائق و جوانب أخرى كانت غائبة عنه ،تولد لديه الإستعداد
للأخذ و الرد و النقاش المنفتح و الذهن المرن لتقبل آراء الآخرين.
أضرب هنا مثلآ قصة سيدنا موسى عليه الصلاة و السلام مع العبد الصالح ،و يبدو أنه
كان هنالك موعد مسبق للقاء بينهما ،و كان معروفآ صلاح هذا العبد لسيدنا موسى ،لم
يتوقع هذا العبد الصالح أن تكون لدى نبي الله موسى القدرة على الصبر على ما سيختبره
معه ،و بالفعل ذلك ما حصل ،لأن الإنسان في جبلته رؤية الأمور من وجهة نظره و بنا ًء
على ما يتوفر لديه من معطيات ،ثم يحكم عليها من خلال منظوره وحده.
ما نحتاج أن نتعلمه و نتمرن عليه هو أن هنالك الكثير من الحقائق و الجوانب تخفى عنا
في كثير من الأمور فلنترك مساحة لرأي الآخرين.
بما أننا أثبتنا إلى الآن قصورنا و عدم قدرتنا على الإحاطة بموضوع ما إحاطة تامة و
بالتالي حكمنا عليه قد يحتمل الخطأ ،إذن من المنطقي الآن أن نتخذ قرارآ بإبقاء قنوات
الإتصال مع الآخرين مفتوحة ،فنطور ما عطلناه منها و نعيد استخدامه بشكل فعال.
مهارة الإستماع بذهن منفتح و تقبل كامل لما نسمع من الآراء سوا ًء كانت مخالفة لنا أو
موافقة معنا ،من أهم وسائل التعلم ،فالرأي المخالف يضيف لنا أبعادآ أخرى لفهم
الموضوع من جوانب كانت غائبة عنا ،و الرأي الموافق يضيف لنا نقاطآ تعزز رأينا و
تفتح أفقآ أوسع و أرحب لموضوع البحث.
الكثير من الخلافات التي نواجهها في حياتنا اليومية لا ضرورة لها ،ففي كثير من الأحيان
نتشارك في الأهداف و رغم ذلك تتصاعد الخلافات ،و الحق يقال أن الخلافات لا تكون
خلافات حقيقية و إنما نفتعلها لأن الأنا تتكلم و تصرخ و يعلو صوتها على الحقيقة و
الحق ،و المضحك أن بعضنا أحيانآ نكون متفقين و لكننا (نتجادل) فقط لأننا نريد أن لا
نتفق ،نحن متعودون على الجدل و الصياح و كل منا يريد استعراض عضلات لسانه و
يريد أن يكسب الجولة ،فهو دائمآ المنتصر.
إذن هنالك فرق كبير بين النقاش من أجل الوصول إلى أفضل الخيارات المتاحة ،أو
الجدال الذي لا يرتبط إلا بإرادة كل فرد على إثبات رأيه ،و صب رده عل نظيره صبآ،
فيكون نقاشآ عقيمآ لا يتمخض عنه فوائد ،بل هو عبارة عن صراع و استنفاذ للطاقات ،و
لا أحد يخرج منه منتصرآ.
أما الصورة المقابلة المشرقة للموضوع ،فهي أُناس همهم البحث عن مكامن الحقائق
وإيجاد الحكمة أينما وجدت ،و بغض النظر عمن صدرت ،تدهشهم الحقيقة و تلجمهم ،و
يصفقون لها ،كيف لا و هي الهدف من التحاور و التشاور ،إنهم حين يلقون بما لديهم و
يدلون بدلوهم ،يعرفون ابتدا ًء أن ما يقدمونه هو رأي من الآراء فلا يعلو صوتهم على
أصوات الآخرين ،بل يستمعون أكثر مما يتكلمون ،لأنهم مدركون أن لا بد لهم من تبادل
الآراء و استكشاف ما لدى الآخرين.
إن عدم القدرة على الإستماع للآخرين بفاعلية لعائق كبير أمام التعلم ،لا يمكن للإنسان أن
يتعلم بدون أن يكون هنالك مدخلات و من أعظم وسائل الحصول على هذه المدخلات هي
القدرة على الإستماع للآخرين ،و يجب أن يكون استماعآ فاعلآ ،بمعنى أنه يحقق الغرض
منه و هو النظر فيه بذهن منفتح متقبل لا يهدف إلى إجهاضه و إنكاره ،فيحقق المرسل
هدفه الحقيقي في إيصال معلومته بدون أن يتم تشويهها من قبل المتلقي ،فلا يجب أن
تكون هنالك أحكام مسبقة أو أغراض خفية أو إصرار مسبق على عدم الإتفاق مع المتكلم
مهما قال من الحقائق ،لأن هذه المعوقات إن وجدت ،فهي تجعل طريق النقاش مسدودآ ،و
يخرج طرفي النقاش منه بلا فائدة ،و لا يحقق النقاش الغاية المرجوة منه ،لأنه عقيم.
من ضمن آداب الاستماع الإنصات و إشعار الطرف الآخر بذلك و عدم الاستهزاء برأيه،
بل و التأكيد على نقاط الاتفاق ،و إشعار الطرف الآخر بأن الهدف هو الحقيقة ،و
الشخص الذكي هو الذي يعرف إن كان من يحاوره يهدف إلى الجدال ،فالأولى له أن
يتركه و لا يناقشه ،لأن نقاشه هو مضيعة للوقت ،ويمكن استخدام وسائل أخرى للتواصل
معه غير النقاش ،فلا تتركه لوهمه و جهله و لكن تحاول أن تعلمه بالتدريج كيف يحاور.
للأسف كثير من الناس لا يهتمون بانتقاء كلامهم ،فيختارون الألفاظ البذيئة في الخطاب،
ويعتقدون أن هذه الطريقة تجعل انتباه المستمع أكبر أو أن هذه الكلمة تعبر عما يعتمل في
صدر المتكلم من انفعال ،و هذا خطأ كبير يقع فيه بعض المحاورين ،لا بد من أن يطور
كل متكلم (فلترآ) لكلامه ،فينتقي الكلمات الجميلة التي تنم عن احترام الآخرين ،و اللغات
غنية ببدائل كثيرة فلم نستخدم البدائل السيئة؟ ،إن الهدوء في النقاش و وضوح الأهداف،
و العلم بأن الأمور ليست بالضرورة كما نرى ،و أن للحقيقة أوجه كثيرة ،هذه و غيرها
تجعل من خطابنا أرقى و تنقلنا إلى عوالم كثيرة غنية من معرفة الآخرين و تتيح لنا التعلم
منهم و التأثر فيهم.
الكلمات ليست ( مجرد كلام ) كما يحلو لبعض الناس أن يقولو بعد أن يُخطئو ،الكلام مهم
و له وقع و تأثير َكبي َرين ،أليسى القرآن الكريم كلامآ! و هو أعظم ما تمتلكه البشرية اليوم
لو َع َق ْلنا.
القدوة
َمن هو قدوتك في حياتك و هل هو شخصية واحدة أم عدة شخصيات ،لم نوجد في هذه
الحياة عالمين بكل شيء فلا بد لنا من أن نتعلم من غيرنا ،و البشرية بمجموعها لها من
الإرث الثقافي و العلمي ما لا يمكن لشخص واحد الإحاطة به ،لكن نستطيع أن نحصل
على ما يلزمنا في أيامنا هذه من العلم و المعرفة الشيء الكثير ،كما بإمكاننا الإطلاع على
موروث هائل من التجارب في جميع المجالات فبضغطة صغيرة على محرك البحث في
الشبكة العنكبوتية نجد إجابات لكل أسئلتنا تقريباً.
يستطيع الإنسان أن يتعلم من شتى الأشخاص الذين ُوجدوا في هذه الحياة و يمكنه أن
يستخدم من الحلول لما يعترضه من مسائل الشيء الكثير ،و هذا شي ٌء محمود و يتيح لنا
الحصول على عدة حلول لمسألة واحدة و عدة طرق للتعامل مع شتى الأمور في حياتنا.
في كثير من الأشياء هنالك عدة طرق متاحة و لكن يبقى سؤال هو هل اخترنا الطريقة
ال ُمثلى أم اتخذنا طريقة مناسبة لكنها لا تتماشى مع ما نريد حقاً و مفهوم القدوة هو أن
تتخذ من الناس شخصاً أو أشخاص تحذو حذوهم في معظم تصرفاتك و حياتك و قراراتك
و حتى أخلاقك.
تستطيع أن تتعلم حتى من عدو لك أو مخالف لك في الرأي و تتبع أساليبه في حل بعض
أمورك و لكن هذا ليسى هو مفهوم القدوة ،فالمطلح قدوة يتضمن المحبة و الإتباع لخطى
َمن تقتدي به ،و تتمثل طرقه في تعاملاته و حياته و تصرفاته ،فهو شخص تحبه و يمثل
لك خطوة إلى الأعلى تطمح للوصول إليها.
قدوتك قد يكون نبياً أو صحابياً أو قائداً ،قد يكون والدك أو جدك ،إنه الشخص الذي تسأل
نفسك ما الذي كان يمكن أن يفعله لو مر في هذا الموقف ،قد تمضي حياتك و أنت لم تفكر
في اتخاذ قدوة أو مجموعة من القدوات ،لكني أوصيك باتخاذ مثال أعلى أو أكثر ممن
وصلوا إلى إنجازات كبيرة في حياتهم حتى تعلم أن ما يستطيع واحد من البشر تحقيقه
ليسى عصياً على آ َخر.
لقد جعل الله الأنبياء و الرسل من البشر لكي يرينا أنهم منا و مثلنا و مع ذلك وصلوا إلى
أبعد ما يمكن أن يصل إليه بشر على جميع الأصعدة و أنجزوا و حققوا ما يطمح إليه كثير
من الناس فجعلنا نتوق إلى أن نعلو في همتنا و أخلاقنا و إنجازاتنا فهم سبقونا بذلك و هم
بشر من جنسنا.
علينا أن نسعى دائماً نحو الأفضل و اختيار أفضل الطرق لتحقيق أهدافنا ضمن منظومة
أخلاقية راقية ترضي أرواحنا و تعلو بها و بنا.
إذا أردت أن تتميز و تكون ناجحاً ادرس إرثك البشري و اتخذ قدوات لتمشي على خطاهم
و بنفس الوقت ترسم طريقك المميز و تترك بصمتك لغيرك علّك في يوم من الأيام تصبح
أنت قدوة لغيرك.
التعامل مع الخصوم
هل الخصومة هي نفسها العداوة أم أنها قد تحمل معاني مختلفة و هل يصح لفظ خصم
لكل َمن نختلف معه في الرأي؟
الخصام هو درجة من درجات الخلاف و قد لا يكون من الشدة بحيث يكون عدا ًء ،فقد
نخاصم أعز الناس علينا ،إذن الخصام لا يحمل معنى العداء ،إنما هو خلاف تفاقَم فوصل
إلى حد َج َع َل طرفي الخلاف يصلان إلى مرحلة من الغضب و ربما القطيعة.
مما لا شك فيه أن الخلافات تحصل بين الناس لأسباب مختلفة ،و لا بد لنا من تكوين
وجهة نظر في هذه الأمور فنوجه لأنفسنا بعض الأسئلة ،مثلاً لماذا نختلف و على أي
أمور ،ثم كيف ندير هذا الخلاف و كيف نتعامل معه ،الخلاف مشكلة ،فقد تباينت الآراء و
تعارضت المصالح حتى وصلت إلى درجة الخلاف.
لكي تكون إنساناً متميزاً ناجحاً عليك في كل مرة تختلف فيها مع غيرك أن تطور من
طريقتك في التعامل و التعاطي مع هذا الخلاف ،فإن كان هذا الشخص قريباً أو حبيباً ،من
أهلك أو أصدقائك فإن هذه فرصة لتقوية العلاقات لا لتقويضها ،فإن لم يكن الخلاف
جوهرياً و لا يترتب أذى من التسامح و التساهل فافعل ،أولى الناس بتنازلك و تغاضيك و
تسامحك هم أقرب الناس إليك ،و إذا كان الخلاف مع أحد على مسألة تتعارض فيها
المصالح و لا بد من المضي في بحث المواضيع و متابعتها و الوصول إلى نتيجة فلا
بأس بذلك و لكن هنا أيضاً لا بد من الرقي في المعاملة و الخطاب و أن تُري خصمك من
نفسك تواضعاً و أدباً فلا يتطور هذا إلى عداوة ،و إن كان الكذب ينجي فالصدق أنجى و
أولى ،فأنت حين تختلف مع الناس بأخلاق عالية تُعَ ّلمهم و تكون قدوة لهم و قد يكون ذلك
سبباً مباشراً في حل الخلاف و عدم تطوره إلى الأسوأ.
قال رسول الله صلى الله عليه و س ّلم في وصف المنافق من ضمن ما وصفه أنه إذا خاصم
َف َج ْرَ .عبّر بخلافك مع غيرك عن رقيك و عن عقلك الراجح و أدبك فأنت لا تمثل في
الخلافات نفسك فقط ،بل قد تمثل عائلتك أو بلدك أو دينك ،أنت تمثل آيديولوجية يو َصم
من خلالها غيرك بنا ًء على تعاملك مع َمن تخاصم.
تميّز بالأخلاق و الإستقامة و الأدب عوضاً عن أن تتميز بالسفاهة و الفجور.
الأسرة
أسرتك المباشرة و أسرتك الممتدة و دورهما في حياتك و دورك في حياتهم يُسهم إسهاماً
كبيراً في تحديد هويتك و مبادئك و مرجعيتك ،انتماءك يجعلك تحدد إحداثياتك ،مكانك،
مكانتك.
هذا لا يعني أن تتبعهم على الحق و الباطل سواء ،لكنه يجعلك تشكل تصوراً لهويتك،
دعمك لهم و دعمهم لك و علاقاتك بهم تجعل لوجودك معاني متنوعة و لا يكون
محصوراً بك فقط كشخص ،هؤلاء مجتمعك الذين اختارهم الله لك لتوجد بينهم ،فشكلك
يشبههم و لغتك هي لغتهم و تتشاركون بالمكان و الزمان و الهوية ،هم داعمون لك إن
أحسنت بعلاقاتك معهم ،أعنهم و ساعدهم و كن متواجداً بحياتهم ،قدم لهم النصيحة و
ع ّلمهم و ادعمهم مادياً إن استطعت.
قال الشاعر:
و من يَ ُك ذا فضل فيبخل بفضله
على قومه يُستَ ْغ َن عنه و يُذ َمم
إذا م ّيزك الله بعلم فانفعهم به ،أو بمال أعط منه ما تستطيع أو بأي نوع من أنواع الفضل،
كن كشجرة مثمرة حتى َلو ُرميَت بالحجارة طرحت الثمر ،لا تتعالى عليهم فأنت منهم،
ادعم قضاياهم و ق ّو ْم ُهم و ساعدهم بكل ما تستطيع ،و إذا احتجتهم أطلبهم و الجماعة دوماً
أقوى بتعاضدها و تماسكها ،كن جزءاً لا يتجزأ منهم و لا تتخلى عنهم عند حاجتهم لك
كسلاً أو بخلا أو لؤماً ،بهذا تتميز و تصبح أقوى و لك مرجعية و أساس ،و بنا ٌء متين.
و قال شاع ٌر:
أخا َك أخا َك إن َمن لا أخاً له
كساع إلى ال َهيجا بغير سلاح
المال
أين يقع المال في حياتك و على سلم أولوياتك و ما هي أهمية المال و دوره في حياة
الناس.
في معرض حديثي عن المال أتناوله من زاوية مختلفة عن ما تم بحثه في فصل سابق في
كتابي هذا.
للمال أهمية كبيرة لا ينكرها عاقل في حياة الناس و قد ذكره الله في القرآن الكريم قبل
الأبناء فقال عز من قائل (المال و البنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند
ربك) ،فالمال لحاجته و له دور أساسي في حياة الناس كوسيلة للتعامل و تبادل المنافع و
الحاجات.
من أجل أن تنجح في حياتك لا بد لك من كسب المال و السعي من أجل تأمين حاجات
أسرتك من خلال الكسب و توفير قدر ما تستطيع من رفاهية ،و هذا ليسى عيباً ،بل هو
ضرورة لا بد منها لتستقيم الحياة.
معظم الوقت من حياتنا نقضيه بالسعي لجمع المال اللازم لإدارة الحياة و تأمين الحاجات
الأساسية و إن أمكن الرفاهية لأنفسنا و أهلنا.
لكي تعتبر نفسك ناجحاً في حياتك عليك أن تجد وسيلة تناسبك و تناسب مواهبك لكسب
المال الكافي لك و لأسرتك ،فأنت مسئول عن إعالتهم ،و كلما زاد المال لديك كلما
استطعت أن تؤمن لنفسك و لأسرتك حياة أفضل.
الكسل و القعود مع الإستطاعة لا تجوز في حقك لأن أحد واجباتك الأساسية هي أن تقوم
بهذا الدور ال ُمتَ َوقّع منك في كل المجتمعات ،و البطولة أن يكون كسبك حلال لا تظلم فيه
غيرك و لا يكون هنالك طمع بالمزيد من المال على حساب علاقاتك بأسرتك و بقية
نواحي حياتك.
كما أن هناك أصول لكسب المال بالطرق المشروعة و الصحيحة ،و حين تتقاضى أجراً
مقابل عمل تقوم به يتوجب عليك تأدية هذا العمل بتميز و إتقان و تقوم بتطوير مهاراتك
لتحسين أدائك لعملك فلا تكون على الهامش بل تعمل باستمرار لتحسين أدائك بحضور
دورات تدريبية و كسب المزيد من العلم و مراجعة أخطاءك و تَ َق ُّبل النقد البناء.
يتم التماس عذر لك إن انشغلت كثيراً لتأمين الحاجات الضرورية بالإضافة إلى شيء من
الرفاهية ،لكن إذا وصلت لمرحلة تجعل فيها كسب المال شغلك الشاغل الذي لا تنفك عنه
ليل ًا ولا نهاراً برغم توفر المال لديك فأنت بهذا تصبح عبداً للمال و يكون المال سيدك
المطاع ،و يدخل المال و يتسلل حبه إلى قلبك و وجدانك فتتحول من سيد للمال و الموقف
إلى عبد مأمور و بدل أن يكون المال وسيلة يصبح غاية وبدل أن تبقيه في يدك تجعله
في روحك و وجدانك فلا ترى غيره و تكون مذهول ًا فاقداً لعلاقاتك المهمة مع أسرتك و
أولادك و شريكة حياتك فتتخلى من أجل المال عن مسئولياتك الأخرى.
استطاعتك أن تؤمن المال لأسرتك هي نعمة كبيرة و عظيمة و النجاح و التميز منوط
بإيجاد التوازن بين جمع المال و كسبه و بين الحفاظ على علاقاتك و لعبك دوراً كبيراً في
حياة أسرتك و حضورك معهم في الأوقات التي يحتاجونك بها في حياتهم.
إجمع المال بتوازن و استمتع بحياتك و طور نفسك و علاقاتك و كن سيداً للمال تديره لا
عبداً يديرك المال كيف يشاء.
الموهبة
يسعى النظام المجتمعي الذي نعيش فيه اليوم إلى الإبقاء على التفكير النمطي في التربية و
التعليم و إعداد النشء من أبنائنا للحياة من خلال منظومة درجت عليها المجتمعات
الحديثة ،فبعد ولادة الأطفال ببضع سنين يلتحقون بالتعليم في المدارس ثم الجامعات و
يكون هنالك نظام للعلامات و المجموع مما يؤهل الطلاب للتوجه لدراسة ما حسب
تحصيلهم الدراسي و حسب عوامل أخرى تتحكم في ذلك مثل الطلب المكثف لدراسة مواد
معينة و تخصصات مختلفة فيكون الإقبال على دراسة معينة سبباً في ارتفاع المعدل
المطلوب للالتحاق بها ،فمثل ًا الطب و الهندسة تصل المعدلات المقبولة للدراسة فيها
مستويات عالية جداً ،و أصبحت الدراسة و التخصصات أشبه بالعرض و الطلب ،قد
يكون هذا النظام له بعض الأوجه من الإيجابية بحيث أنه نظم هذه العملية و سهلها و
أصبحت نظاماً ُمتبعاً تقريباً في جميع أنحاء العالم
باعتقادي أن هنالك إشكالاً أساسياً في هذا النظام و هو أننا نحرم أنفسنا من وضع
الأشخاص المناسبين في الأماكن المناسبة و بالتالي لا يكون هنالك ما يكفي من المبدعين
القادرين على إدارة دفة التطور بحدها الأعلى و قد تموت المواهب في مهدها فلا يكتشف
صاحب الموهبة موهبته في الوقت المناسب و حتى لو اكتشفها فإنها لا تلقى الدعم
المناسب في الوقت المناسب
معظم الناس عباقرة لو أُتيحت لهم الفرصة لاكتشاف أنفسهم و ما هم قادرون على القيام
به ،و لو أن لدينا نظاماً متطوراً تربوياً و مجتمعياً يشجع على معرفة ما يحسن كل إنسان
ثم مساعدته لتطوير المهارة التي لديه و تعزيزها بالتدريب و التعليم مبكراً في حياته
لحققت البشرية الشيء الكثير في وقت أقل و لاستطاع كل إنسان أن يحقق في حياته أهدافاً
و نتائج أفضل ،لقد قال العالم الكبير آنشتاين و هو من ضمن الكثيرين من العلماء الذين
عانو بسبب هذا النظام الموجود و المسيطر ،قال( :لو أنك حكمت على سمكة بقدرتها على
)تسلق الأشجار لعاشت حياتها معتقدة أنها حمقاء
لقد آن الأوان لإعادة النظر في هذه الأنظمة و الإبداع في العملية التربوية و التعليمية
كان هذا هو مدخلي للموضوع الذي أنا بصدد بحثه اليوم و هو أن لكل إنسان القدرة و
الإمكانية للنجاح في هذه الحياة و تحقيق ما يطمح إليه حتى لو أنه أراد أن يصبح مليونيراً
فلم لا لو أنه عرف طريقه و كانت لديه استراتيجية و تم دعمه و تطوير مواهبه و
توجيهها توجيهاً سليماً بدءاً بالبيت ثم النظام التعليمي ثم من ق َبل نفسه حين يتكون لديه
الوعي بذلك فلا يضيع وقته بما لا يُحسن ،يستثمر كل طاقاته فيما يحسن و فيما يحب
الجانب الآخر و الذي هو في غاية الأهمية أن يكون للإنسان خطة ،فإن لم تكن لديك خطة
فانت جزء من خطط الآخرين ،يتوجب علينا أن نعلم أن الوظيفة و العمل لدى الآخرين قد
تمنح الإنسان حياةً متوسطة و لكنها نادراً ما تحقق له الثراء ،من يطمح للثراء فإن طريقه
هو التخطيط و العمل على تأسيس فكرته و استثمار موهبته في العمل الحر ،الوظيفة
تمنحه فقط حياةً مقبولة و في بعض الأحيان يشكو حتى من الفقر ،و العمل الحر في
مراحله التأسيسية يحتاج للعمل الدؤوب و بذل مجهود كبير من أجل إنجاحه و هنالك أمور
تساعد على هذا النجاح كما يلي:
أولاً:
إكتشاف ما تُحسن و إيجاد الفكرة التي ستبني عليها عملك و البدء مبكراً في ذلك في
أوائل العشرينات و حتى يُفضل قبل ذلك و يمكنك البدء بدايات متواضعة جداً فأنت في
هذه المرحلة تكون لا تزال تحت رعاية أسرتك و لا توجد عليك أعبا ٌء ماديةٌ و لا
مسئوليا ٌت كبيرة ،و هذه الفكرة لا بد أن تكون هنالك حاجة لها و تؤدي خدمة للزبائن
المحتملين لديك فتقوم باستثمار موهبتك و تطويرها و تبدأ صغيراً ثم تكبر ،و من الأفضل
أن تكون مستمتعاً بما تفعل و تجيده و تبحث باستمرار عن طرق تطويره ،بهذا تبدأ
بصورة عملية و بالتدريج بتحقيق أهدافك التي تبدأ صغيرة و تكبر و تقوى لأنها تبني
لديك خبرة عملية لا يستهان بها و يكون أساسها متيناً فتعرف كل تفاصيلها و خباياها و
نقاط القوة و الضعف فيها فتتمكن من التعامل معها مستثمراً معرفتك الدقيقة فيها و خبرتك
العملية التي تكبر كل يوم من ممارستك لها
ثانياً:
السعي للتطوير المستمر و إجراء التغييرات بحسب تطور السوق فتحدد لنفسك أهدافاً
جديدة لتكبير مشروعك و العمل على إيجاد فرص و أشخاص آخرين و أسواق أخرى
فالعالم اليوم قرية صغيرة مفتوحة أمام الجميع ،فالركون إلى نجاح صغير حققته و عدم
إجراء التطوير والتحديث يجعلك محدوداً و يقلل فرص النمو لديك ،كما يجب أن تحافظ
على مستوى الجودة وتزيده لا أن تنقصه و تبدع فيما تفعل و تظل مستمتعاً به و لا يكون
هدفك الربح فقط
ثالثاً:
كن مستعداً للمشاركة مع الآخرين و إجراء تحالفات و تعاون مع َمن قد يساعدونك و
تساعدهم في نفس المجال و تكون شراكات مدروسة قانونية و تحقق لك النماء و تجعل
انتشارك أكبر ،لا تعزل نفسك و تعمل وحدك
رابعا ً:
كن مقداماً و شجاعاً في اتخاذ قرارات التطوير بعد دراستها جيداً و لا تتردد كثيراً إذا
رأيت أن هنالك فرص إيجابية فاقتنصها و حتى لو كان فيها بعض المخاطرة المحسوبة و
المدروسة
خامساً:
لا تعش في وهم أنك لن تجد صعوبات أو إخفاقات في طريقك ،فقد تنجح مرة و تخسر
مرات و لكن عليك دائماً النهوض و العمل الجاد و عدم الخوف من الفشل فالفشل هو
خبرة تكتسبها و تقويك و تعلمك أن تتجنبها في المستقبل فما لا يقتلك يقويك
سادساً:
كن صاحب همة و نشاط و ابدأ يومك مبكراً ،نم أيضاً مبكراً فالنوم و الراحة أثناء الليل
يجددان عزيمتك و نشاطك للمواصلة و العمل الدؤوب.
سابعاً:
لا تجعل كل حياتك عمل ًا فقط بل استمتع بحياتك و خذ إجازة للاستجمام و كافيء نفسك
بعمل ما يريحك فأنت في النهاية يجب أن توظف نجاحك لراحتك و سعادتك لا أن تكون
عبداً لهذا المال و العمل و تنسى علاقاتك و أهلك و أن تبني أسرة تعيش معها بسعادة و
هناء.
الدراسة
حين أتحدث عن الدراسة هنا أعني بها الدراسة الأكاديمية في المدارس و الجامعات ،و
هي بلا شك ذات أهمية في حياتنا ،بعض الناس لم يتمكنوا بسبب تضافر عدة أسباب من
أن ينخرطوا في الدراسة الأكاديمية و لم يستطيعوا الحصول على درجات علمية تؤهلهم
لأعمال معينة مرتبطة بالتعليم الأكاديمي ،هل يعني ذلك الفشل؟ و الجواب الثابت هو لا.
للتعليم الأكاديمي أهمية قصوى لا ينكرها عاقل و هي من ضمن العوامل الهامة للنجاح و
توسع خيارات الدارسين و تفتح لهم أبوباً قد توصد في وجوههم إن لم يكونوا قد حصلوا
على هذه الدرجات العلمية و الشهادات ،لكن هذا لا يمنع أن الشهادة الدراسية هي واحد
من عوامل متعددة ،و كم من الناس من حصل على الشهادات و لم يستفد منها و كم من
الناجحين ممن لم يُتموا تعليمهم الأكاديمي.
سأخاطب هنا ثلاثة فئات من الناس:
الفئة الأولى لا زالوا على مقاعد الدراسة ،لا بد من بذل الجهد لتحقيق ما تستطيع خلال
هذه المرحلة ،أنت الآن في وقت أفضل ما تفعله هو الدراسة ،لديك عائلتك لتدعمك و
ليسى لديك مسئوليات ،ركز قدر الإمكان في النجاح و اختر المجال الذي يناسبك و لا
تنسى أن العالم اليوم يتطلب ذلك النوع من المؤهلات ،إن لم ترغب بذلك و لديك خطة
مختلفة تذكر أن لا ضرر من بذل أقصى الوسع في تحقيق هدفك بالحصول على مؤهل
أكاديمي خصوصاً مع توفر العوامل المساعدة عليه.
الفئة الثانية هم ممن حصلوا على شهادات أكاديمية و انخرطوا في سوق العمل بنا ًء على
هذه المؤهلات ،فإن تطويرها و الحصول على تدريب و تعليم يُسهم في إثراء فرصهم في
عملهم و تطورهم مما يجعلهم الخيار الأمثل لمن يبحثون عن ترقية عمالهم و موظفيهم،
فلو تساوى مع شخص بجودة العمل و تفوق أكاديمياً فسيكون ذلك سبباً لتفضيله و يكون
أقدر على المنافسة في السلم الوظيفي.
الفئة الثالثة هم ممن تخطو هذه المرحلة و انخرطوا بنشاطات حرة بعيدة عن الدراسة
الأكاديمية و الشهادات ،ينقسمون إلى قسمين ،أحدهما قد مضى في طريقه و نجح و عمل
و اجتهد ،طور نفسه و آمن بقدراته و استطاع أن يكون ذو مهنة ،احترفها و أتقنها و
طورها أو انخرط في تجارة أو صناعة معينة و خطط حياته بنا ًء عليها و لا بأس بذلك
فهذا نجاح قد يوازي أو حتى يفوق نجاح الدارسين أكاديمياً و القسم الآخر ترك الدراسة
لأي سبب كان ثم ندم في مرحلة متأخرة و بقي ينظر للخلف و يتباكى على فرصه
المضاعة و كأن النجاح منوط فقط في الدراسة ،و هذا خطأ كبير قد يكون سبباً مباشراً
لفشله و عدم تحقيق الحياة التي يطمح لها ،في هذه الحالة لا بد من المضي قُ ُدماً و التطلع
إلى الأمام و التطور في مجال آخر و التركيز عليه من أجل تحقيق أهدافه و الحياة التي
يطمح لها.
إذا أردت أن تكون ناجحاً متميزاً لا تحصر تعليمك في الكتب بل تعلّم من الحياة و لا
تجعل الشهادات الأكاديمية مقياسك الوحيد في تقييم نفسك و غيرك.
السعادة
لقد اختلف الناس كثيراً في تحديد مفهوم السعادة ،هل السعادة مبنية على الظروف
المحيطة أم هي متعلقة بصفات الشخص نفسه ،هل السعادة شعور أم أسلوب حياة ،هل هي
شيء يمكن التحكم فيه و تغييره أم هو أمر محسوم ،يقوم المجتمع البشري في أيامنا هذه
بمحاولات لقياس مؤشر السعادة في البلدان المختلفة و هذا الأمر لا زال غير دقيق تماماً
لأن معايير قياسه غير ُمتّفَق عليها و هي على الأغلب حالياً مرتبطة بالحالة الإقتصادية
بشكل كبير.
سأناقش هنا بعضاً من النقاط التي قد تلقي الضوء على مفهوم السعادة.
لقد تكلم العلماء عن الهرم الغذائي و هرم الحاجات البشرية ،و الهرم بمفهومه أنه له قاعدة
عريضة أساسية يُبنى عليها الحاجات الأقل ضرورة كلما ارتفعنا بالهرم و لكنها أيضاً
تصبح لها مدلولات معنوية أقوى و قد نربطها بالمفاهيم العليا أيضاً مثل السعادة و
الروحانية و الأخلاقية و الإنسانية و دائماً يكون أسفل الهرم ضروري للجسد و كلما
ارتفعنا أصبحت الحاجة نفسية و روحية و إنسانية ،هذا بشكل أساسي هو مفهوم الهرم.