The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

كيف تدير حياتك و تكون متميزاً ، كتاب لمن أراد التميز، يساعدك في العصف الذهني و يسهم في مسيرتك نحو التميز و الإبداع و النجاح، غبدأ برسم خارطة النجاح، كتاب أضعه بين أيدي قرائي لعله يحقق المتعة و الفائدة

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by ريما الخطيب, 2017-02-13 10:30:21

كيف تدير حياتك و تكون متميزاً

كيف تدير حياتك و تكون متميزاً ، كتاب لمن أراد التميز، يساعدك في العصف الذهني و يسهم في مسيرتك نحو التميز و الإبداع و النجاح، غبدأ برسم خارطة النجاح، كتاب أضعه بين أيدي قرائي لعله يحقق المتعة و الفائدة

‫مقدمة‬

‫الكاتبة ريما الخطيب‬

‫تعالوا معي اليوم من خلال كتابي هذا نجول في حياتنا و نتأمل فيها‪ ،‬هل نحن نسير بخطى‬
‫نرضى عنها‪ ،‬هل تأخذنا الحياة في طرق لا نريدها و مع ذلك لا نفعل شيئاً‪ ،‬هل نحن‬
‫تلقائيين نمشي مع التيار أم أننا فاعلين متحكمين في مسارنا و قراراتنا‪ ،‬هل حققنا و لو‬

‫جزءاً مما نطمح له أو مما لا بد من تحقيقه في حياتنا‪ ،‬أسئلة لا بد من الإجابة عليها‪ ،‬لقد‬
‫كنت في حياتي ممن يطرحون هذه الأسئلة على أنفسهم و شعرت منذ فترة أن لدي بعض‬

‫الخبرات المتواضعة التي قد تُسهم في العصف الذهني البشري‪ ،‬ليسى النجاح محدداً في‬
‫النجاح المادي وحده‪ ،‬يكفي أن يكون الإنسان راض عن مكانه في هذه الحياة‪ ،‬لذلك فإن‬
‫النجاح يمكن أن يقيسه كل إنسان لنفسه و لا يجوز تحديده بتعريف واحد‪ ،‬إن كنت مدركاً‬
‫لمسئولياتك و مدركاً لمكانتك كإنسان ومكانك في الكون فأنت ناجح‪ ،‬إن كنت تحاول و‬
‫تفكر و تقوم لعمل شيء ما و إنجاز ما‪ ،‬إن كنت تساعد غيرك و يعتمد غيرك عليك فأنت‬
‫ناجح‪ ،‬مدى النجاح و كيفية هذا النجاح له موازين أخرى لعلي في هذا الكتاب ألقي بعض‬

‫الضوء على جوانب لهذا الموضوع‪.‬‬

‫الذكاء العاطفي من أهم الأشياء التي تسهم في تكوين شخصية الإنسان‪ ،‬يحتاج كل شخص‬
‫في هذه الحياة أن يستكشف نفسه و يوجه لها أسئلة و يجري معها حوارآ يوميآ‪ ،‬نعم!‬

‫نفسك التي بين جنبيك تحتاج أن تكتشفها و تستكشفها‪ ،‬لا تستغرب ذلك فأنت في داخلك‬
‫عالم واسع لا يعلمه على حقيقته إلا خالقه‪ ،‬قد تسأل كيف أكتشف نفسي؟ أقول عبر التأمل‬

‫و التفكر و العصف الذهني مع النفس و الآخرين‪.‬‬

‫معظم الناس يعيشون حياتهم بلا تخطيط فينتهي هذا بإضاعة الكثير من الفرص لتحسين‬
‫حياتهم‪ ،‬و هذا بسبب عدم استكشاف مواهبهم و العمل على تطويرها و استثمارها‪ ،‬لا‬
‫يجوز أن يكون لدى الإنسان قدرات في نفسه و يهملها فلا يستفيد منها‪ ،‬و لا يفيد غيره‬

‫معتقداً أنه مجرد شخص واحد لا يُحدث فرقاً‪ ،‬هذه أكبر خرافة ابتدعها المثبطون الكُسالى‪،‬‬
‫شخص واحد يستطيع أن يغير العالم‪ ،‬لا تُ َص ّغر نفسك و لا تستهن بقوتك‪ ،‬أنت قادر على‬
‫المساهمة مع غيرك في التغيير و التأثير في مسار حياتك و حياة َمن حولك و مجتمعك و‬
‫العالم كله‪.‬‬

‫لديك مواهب و قدرات و أفكار ليست لأحد غيرك‪ ،‬أنت طبعة واحدة و بصمة خاصة لم و‬
‫لن تتكرر‪ ،‬لا أحد يستطيع أن يكتشفك على حقيقتك و يأخذك إلى كل أبعادك و احتمالاتك‬

‫سواك‪.‬‬

‫قد تطرح فكرة تعجب َمن يستمع إليك فيكررها لغيره و يتناقلها بعد ذلك غيرهم و تُحدث‬
‫أثراً لا تتخيله‪.‬‬

‫إن لم تكن قد بدأت بالحوار مع نفسك فابدأ الآن‪ ،‬و يأتي السؤال‪ :‬ما هي الأسئلة التي يجب‬
‫أن تسألها‪ ،‬و الأسئلة في العادة تكون عن َمن‪ ،‬ماذا‪ ،‬لماذا‪ ،‬كيف‪ ،‬ثم هل حققت ما يُفترض‬
‫تحقيقه و غيرها من الأسئلة أساسية كانت أم فرعية و سأطرح هنا تفاصيل ذلك بما يلي‪:‬‬

‫أولآ‪ :‬من أنا؟‬

‫إن تحديد هويتك و انتماءك من أهم الأمور التي تجعل لك مرجعية تقيس عليها مواقفك و‬
‫معاييرك‪ ،‬و هذه صفة خاصة بالجنس البشري دون الأجناس الأخرى‪ ،‬لا بد لك من‬

‫معايير للخطأ و الصواب تبني عليها قراراتك‪ ،‬قد تظن أنني أقصد المرجعية الدينية و هذا‬
‫ليسى ما أقصده‪ ،‬نعم المرجعية الدينية هي جزء من هذه المعايير و لكن ليست كلها‪ ،‬هنالك‬
‫أولآ نفسك أنت‪ ،‬ما الذي تريده‪ ،‬ما الذي ترفضه‪ ،‬بعض الأمور تقبلها و لا يقبلها غيرك و‬

‫العكس صحيح و ما في نفسك يتحدد من خلال مجموعة من العوامل تشكلك و تشكل‬
‫تفكيرك مثل عائلتك و بيئتك و دينك و منظومة الق َيم التي تؤمن بها‪ ،‬ثم هنالك البلد الذي‬
‫تعيش فيه و معاييره و قوانينه‪ ،‬ثم العالم الذي تعيش فيه و المعايير العامة في هذا العالم‪،‬‬
‫لقد أصبح العالم كله متصلآ خاصة مع التقدم الهائل لوسائل التواصل‪ ،‬ثم المرجعية الدينية‬

‫التي إن راعيتها و احترمتها خلق ذلك لك سلامآ داخليآ و منظومة أخلاقية‪.‬‬

‫إذن أنت جسد و عقل و روح‪ ،‬أصغرها الجسد فهو محدود بكل ما فيه فالقدرة البصرية و‬
‫السمعية و حاسة الشم و القوة العضلية و غيرها‪ ،‬كلها محدودة لدى البشر‪ ،‬و بالرغم من‬
‫ذلك فإن الجنس البشري هو الجنس السائد و المسيطر على الكرة الأرضية و السبب هو‬

‫العقل و النفس‪ ،‬اللذان يتخطيان قدرة الإنسان الجسدية بمراحل هائلة‪.‬‬

‫تتفاوت قدرات الناس كثيرآ في هذه الحياة‪ ،‬فتجد الملوك و القادة الكبار و تجد الخدم و‬
‫العاملين‪ ،‬و لا ننكر درجات الناس التي تتفاوت بشكل كبير على مر العصور‪ ،‬فما الذي‬

‫يحدد مكانة و مكان الإنسان في هذه الحياة؟‬

‫للإجابة على هذا السؤال المهم لا بد من الإحاطة بالمؤثرات و أولها ما هو خارج إرادة‬
‫الإنسان و هي الظروف التي ُولد فيها‪ ،‬كل إنسان فينا ليسى له حرية في اختيار أين ُوجد‬
‫و من أبوه و أمه و أي لغة يتكلم و البلد و الجنسية التي ُولد و وجد نفسه فيها‪ ،‬و هذا له‬
‫بعض التأثير و ليسى كله بما سيصبح عليه و بما سينتهي به المطاف‪ ،‬لأن تأثير ذلك عليه‬
‫يكون قويآ في البداية و يبدأ يضعف و يخبو كلما تقدم بعمره و تطور بقدراته‪ ،‬و تناقُص‬

‫تأثير هذا العامل على الإنسان يتفاوت حسب تطوره و تطور شخصيته و أخذه زمام‬
‫الأمور في القيام باكتشاف نفسه و قدراته و العالم حوله و إرادته للتغيير و الوصول إلى‬

‫أعلى ما يمكنه من إنجازات و المبادرة إلى إحداث التغيير في حياته و ظروفه‪ ،‬و مدى‬
‫تواصله مع محيطه المباشر و العالم‪.‬‬

‫الإستسلام للظروف التي وجد الإنسان فيها نفسه في هذه الدنيا هو قرار يتخذه هو سوا ًء‬
‫كان عن وعي أو عن عدم إدراك لما يتوجب عليه أن يفعله لإحداث التغيير المرغوب في‬
‫حياته‪ ،‬و هنا يأتي دور اكتشاف النفس و القدرات و هذا هو المؤثر الثاني الذي هو الأهم‪،‬‬

‫و إذا كنت تقرأ كتابي هذا فأنت ممن لديهم الإرادة للتغيير و التحسين و التطوير‪.‬‬

‫أعود هنا للحديث عن ما بدأت فيه من أهمية التوقف عن العيش بلا تخطيط و استكشاف‬
‫الذات و القدرات و توجيه الأسئلة اليومية للنفس للوصول إلى أفضل الخيارات و إحداث‬

‫التغيير الإيجابي‪ ،‬لا تفصل نفسك و عقلك و جسدك عن بعضها البعض‪ ،‬كلها مجتمعة‬
‫تشكل َمن أنت عليه و مجتمعة تكون أقوى و أفضل‪ ،‬إذا عشت حياةً جسدية فقط فتنام و‬
‫تصحو و تعمل و تأكل و تشرب فقط فإنك تقضي على فرصك في اكتشاف إمكانياتك و ما‬
‫تستطيع أن تتطور لتصبح عليه إذا توفر لك الذكاء لعمل ما لك القدرة عليه لكنك تجاهلته‬

‫و نحرته بسكين الروتين و القبول بالأمر الواقع و الكسل و التقليد‪.‬‬

‫أنت مميز بكل ما فيك‪ ،‬بجسدك‪ ،‬بظروفك‪ ،‬بقدراتك‪ ،‬بشخصيتك‪ ،‬ليسى لك مثيل لا قبلك و‬
‫لا بعدك‪ ،‬قم اليوم و اكتشف ما تبرع فيه و ابدأ الآن و كما قيل رحلة الألف ميل تبدأ‬
‫بخطوة‪ ،‬قم بخطوتك الآن‪.‬‬

‫ثم أن التغيير لا يكون بالضرورة في النواحي المادية فقط فانت لتحقق السعادة لا بد من‬
‫توافر التطور المادي كجزء فقط من جوانب متعددة‪ ،‬فالنضوج الروحي و الفكري هو‬
‫الأساس لتحقيق السعادة ثم يتبعه الظروف المادية و الجسدية‪ ،‬و ُمخطي ٌء من يظن أن‬
‫تحقيق الأهداف المادية و الجسدية يضمن للإنسان السعادة‪.‬‬

‫أنظر إلى كثير ممن حققوا النجاح المادي و المهني و الثروة كيف انتحر بعضهم و شكا‬
‫بعضهم من التعاسة و عدم التمتع بالسعادة‪ ،‬و هذا لا يأتي من فراغ‪ ،‬لا بد لنا من‬

‫الإعتراف بأهمية النواحي المعنوية في تحقيق السعادة على نفس القدر من اعترافنا بتأثير‬
‫الجوانب المادية إن لم تفقها أهمية‪ ،‬لكن الإنسان من طبيعته أن يرى أن ما ينقصه هو أهم‬
‫شيء و أنه إذا حصل عليه ستكتمل سعادته‪ ،‬لكنه بعد حصوله عليه بفترة من الزمن يعتاده‬

‫و لا يعود الأهم عنده بل يجد شيئاً جديداً ينقصه فيعتبره الأشد أهمية فقط لأنه ينقصه‪.‬‬

‫من أجل أن نحدد حجم تأثير كل عامل من العوامل لإعطاءه الأهمية التي يستحقها و‬
‫الرعاية التي يتوجب أن يستأثر بها لا بد من إجراء دراسات متعمقة و لا بد أن تكون‬
‫شاملة لمختلف المجتمعات و يؤخذ فيها عينات كبيرة من البشر من أجل تحديد تأثير كل‬
‫عامل من العوامل على السعادة و لا يجوز اتخاذ المال كعامل أساسي لقياس مدى سعادة‬

‫الأفراد و الشعوب‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬ماذا أفعل؟‬

‫كل إنسان يسير في حياته يستكشف ما عليه فعله‪ ،‬بعض الأشياء تكون واجبات و متطلبات‬
‫يكون عليه القيام بها و بعضها يختار هو القيام به لدوافع معينة عنده‪ ،‬مثلاً لا بد من العمل‬

‫لجني المال و علينا أن نحمل مسئوليات مادية من إنفاق على من نعولهم‪ ،‬كيف نجني‬
‫المال و كيف ننفقه و تفاصيل ذلك فيها الكثير من الحرية و السعة‪ ،‬كما أن السعي لزيادة‬
‫الدخل المادي و العيش برفاهية هو أيضاً خيار نتخذه بالاجتهاد و تطوير النفس و الإبداع‪.‬‬

‫إنجازات الناس في الحياة تتفاوت فمنهم َمن يعيش لنفسه فقط‪ ،‬يأكل و يشرب و ينام‪ ،‬حياته‬
‫لا تتعدى ذلك و لا يكاد يفعل شيئاً آخر‪ ،‬و هذا هو النوع الذي يحيا حياة خالية من الإبداع‪،‬‬

‫حضوره و عدمه واحد‪ ،‬لا يفتقده أحد إذا غاب و لا يضيف شيئاً إذا حضر‪ ،‬هذا هو‬
‫الشخص الذي لا يحتاج أن يطور نفسه و لا أن يوجه لها أسئلة‪ ،‬يعيش على هامش الحياة‪،‬‬
‫لا يكاد يكون هنالك إنجاز يُذكر خلال عمره‪ ،‬السلبية عنوان كبير لوجوده‪ ،‬اختار أن يكون‬

‫كذلك‪ ،‬هو بلا شك لديه قدرات و لكنه تجاهلها و لم يسعى لتحقيقها عاش كسول ًا و ترك‬
‫الحياة بلا أي أثر و لا ذكر‪.‬‬

‫تقع على عاتق كل إنسان مسئولية اكتشاف ما ُيحسن و تطوير نفسه للقيام بعمله‪ ،‬أنت‬
‫موجود كإنسان‪ ،‬أرقى المخلوقات‪ ،‬اخترت أن يكون لك أهداف تحققها‪ ،‬وجود هدف يعطي‬

‫الإنسان الدافع للنهوض و القيام في كل يوم‪ ،‬يعطيه الطاقة التي تدفعه للأمام و تجعله‬
‫ينظر للمستقبل على أمل تحقيق هدفه‪.‬‬

‫لا بد من الإبداع في اختيار الأهداف و جعلها متعددة لا تنتهي إلا بنهاية حياة الإنسان‪ ،‬إن‬
‫عدم وجود أهداف يجعل الحياة مملة و كئيبة‪ ،‬تفقد معناها و حتى أن هذا من أحد الأسباب‬

‫المؤدية للتفكير في الانتحار عند من ينتحرون أو يحاولون الانتحار‪.‬‬

‫إذن وجه لنفسك هذا السؤال الهام الذي يبدأ بماذا!‬

‫ثالثاً‪ :‬كيف أحقق أهدافي و ذاتي و كيف أدير حياتي و أصبح إنساناً ناجحاً‬
‫مميزاً و كيف أح ّسن من طريقة إدارتي لحياتي بحيث أحقق معادلة النجاح‬

‫و السعادة و الإنجازات المتميزة؟‬

‫هذا السؤال هو المحور الرئيسي لهذا الكتاب الذي أحاول فيه و ضع بعض الأفكار التي‬
‫تساهم في تطوير الذات و الوصول إلى الإنجازات التي يطمح لها المتميزون من الناس‪،‬‬
‫و سآتي على تفاصيل ذلك في فحوى الكتاب و فصوله المختلفة راجية تحقيق الفائدة لكل‬

‫َمن ي ّطلع عليه و يقرؤه‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬لماذا أقوم بأي شيء؟‬

‫يتوجب لمن أراد النجاح بحياته أن يسأل نفسه هذا السؤال باستمرار‪ ،‬يسأله بوعي و عن‬
‫قصد و الإجابة عن هذا السؤال تحقق الكثير من الأهداف فهنالك أشياء نضيع وقتنا و‬

‫جهدنا عليها و تكون بلا فائدة و لو فكرنا قليل ًا لابتعدنا عنها و تركناها لأنها إما لا تفيد أو‬
‫حتى تضر‪ ،‬مثلاً الجدال في موضوع محسوم و لا يمكن تغييره‪ ،‬الصراخ و الصياح و‬
‫الغضب من أمر تم و صار ماضياً لا يمكن تغييره أو عكسه‪ ،‬و هكذا نصرف طاقة في‬
‫أمور لا فائدة منها مما يجعل توجيهنا لهذا السؤال في غاية الأهمية‪ ،‬لماذا أفعل ما أفعله!‬

‫أي عمل نقوم به لا بد أن نعرف له سبباً و نمحص تصرفاتنا في عقولنا‪ ،‬لماذا؟ سؤال‬
‫يجب توجيهه قبل أي عمل نقوم به‪ ،‬لنتوقف عن العشوائية و الغوغائية و عن إضاعة‬
‫جزء غير يسير من حياتنا في القيام بأشياء لا طائل منها‪ ،‬مثل اجترار الماضي و الآلام و‬
‫الأحزان و تذكر مشاكل مع الناس مضت و مواقف عفا عليها الزمن و أ َك َل و َشر ْب‪،‬‬
‫نغضب لذكرى مشكلة مع أزواجنا نجتر الماضي كما يجتر البعير طعامه‪ ،‬فنعيد الذكريات‬
‫الحزينة و الأشياء التي تؤلمنا مراراً و تكراراً و لا نتوقف لنسأل أنفسنا لماذا و ما الفائدة‬

‫من ذلك‪.‬‬

‫هذا خطأ كبير يقع فيه كثير من الناس‪ ،‬لكن ليسى الناجحون منهم و المتميزون‪ ،‬اتخذ‬
‫قراراً الآن بوأد الماضي و نسيانه إلى الأبد‪ ،‬توقف عن العشوائية و صرف جهدك بردود‬
‫أفعال و القيام بأعمال و الدخول بنقاشات و مهاترات لا نتيجة منها سوى استنزاف وقتك‬

‫و طاقتك تكون ناجحاً‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬هل حققت ما أريد بما أفعل أم علي مراجعة خططي و إجراء‬
‫تغييرات؟‬

‫إن إجراء مراجعات دورية لخططنا في الحياة هو الطريقة المثلى لإحداث التغيير الإيجابي‬
‫في حياتنا و ليسى مجرد التغيير‪ ،‬تحسين الخطط و الأفعال يؤدي إلى الكمال في الأفعال‪،‬‬
‫و إن لم يوجد الكمال فإن الإمتياز و التميز قريب من الكمال‪ ،‬تكون هنالك خطط أساسية و‬

‫أثناء التنفيذ يتم تقييم الأمور بشكل دوري و تعديل الخطط بما يتناسب مع نتائج التقييم‪.‬‬

‫لا تمضي يوماً إلا و تراجع في نهايته أو أثنائه أفعالك و تصرفاتك‪ ،‬أين تقف الآن و ما‬
‫هي وجهتك‪ ،‬هل جهودك تؤتي الثمار التي تطمح لها‪ ،‬لا تضيع جهدك في طرق فشلت‬
‫من خلالها في تحقيق ما تريد بل اعمل على دراسة وضعك باستمرار و ايجاد طرق و‬

‫حلول جديدة و إبداعية و اسعى إلى التغيير و التحسين باستمرار‪.‬‬

‫و الأهم هو الوصول إلى هذه ال َملَ َكة من فهم الذات و استكشاف النفس و التأمل الدائم في‬
‫مكنوناتها و أسرارها و قيادتها نحو تحقيق الأهداف المختلفة و السعادة‪.‬‬

‫أتمنى للقاريء قراءة ممتعة تتحقق من خلالها الفائدة‪.‬‬

‫ريما الخطيب‬

‫فهرست‬
‫التخطيط ‪11 ................................................‬‬
‫الأدوار و الواجبات ‪15 ....................................‬‬
‫الجهد المبذول ‪20 .........................................‬‬

‫تنظيم و إدارة الوقت ‪21 ................................‬‬
‫وسائل التواصل ‪24 .......................................‬‬
‫الإدارة ‪29 ...................................................‬‬
‫الإيمان ‪32 ...................................................‬‬
‫محاسبة النفس ‪34 ........................................‬‬
‫النزاهة و الصدق ‪36 ......................................‬‬
‫العدل ‪38 .....................................................‬‬
‫التواضع و الإعتراف بالفضل ‪39 ........................‬‬

‫العمل الدؤوب و عدم انتظار الشكر ‪40 ..............‬‬
‫الترفع عن الصغائر و التمسك بمعالي‬

‫الأمور و ترك سفسافها‪42 ...............................‬‬

‫ترك الجدل غير المثمر و المراء ‪44 ...................‬‬
‫عدم الدخول بمعارك خاسرة ‪45 ......................‬‬

‫ترك السفهاء مع عدم احتقارهم ‪46 .........................‬‬
‫الحكم على الآخرين ‪47 .........................................‬‬
‫وجهات النظر ‪48 ..................................................‬‬
‫الحوار و فن الخلاف ‪49 .........................................‬‬
‫الإعجاب بالنفس و التمسك بالرأي ‪53 .......................‬‬
‫القدوة ‪56 ...........................................................‬‬
‫التعامل مع الخصوم ‪57 .........................................‬‬
‫الأسرة ‪59 ..........................................................‬‬
‫المال ‪60 ............................................................‬‬
‫الموهبة ‪61 .........................................................‬‬
‫الدراسة ‪65 .........................................................‬‬
‫السعادة ‪67 ........................................................‬‬
‫كيف تكون زوجاً متميزاً‪68….….……….....………….‬‬
‫كيف تكونين زوجة متميزة ‪71 .................................‬‬
‫كيف تكون والداً متميزاً‪74 ......................................‬‬
‫كيف تكونين أماً متميزة ‪78 .....................................‬‬
‫كيف نصبح عائلة متميزة ‪81 ....................................‬‬

‫نماذج من المتميزون عبر التاريخ‪85 ....................‬‬

‫الخاتمة ‪90 ...................................................‬‬

‫التخطيط‬

‫قال أحد الحكماء‪ :‬إن لم تكن لديك خطة كنت جزءاً من خطط الآخرين‬
‫من الأهمية بمكان أن يخطط الإنسان لحياته و أهدافه الصغيرة و الكبيرة‪ ،‬فالتخطيط هو‬

‫أساس أي عمل ناجح‪.‬‬
‫منذ بدء وعي الإنسان لحياته و وجوده تتكون لديه عادات يمضي فيها أوقاته و يصرف‬

‫عليها عمره الذي هو بمثابة رأس المال‪ ،‬إلا أن رأس المال في هذه الحالة لا يمكن‬

‫تعويض الأجزاء المضاعة منه‪ ،‬عمرنا نمضيه عادة إما في اللهو واللعب‪ ،‬أو حين نعي‬
‫المسئوليات نصرفه في جمع المال‪ ،‬و نمضي جزءآ منه في الكسل‪ ،‬ثم النوم و الأكل‪،‬‬
‫نعتني بأجسادنا قليلآ و ننتبه أحيانآ للصحة‪ ،‬تأخذنا الحماسة لممارسة الرياضة بشكل‬
‫متقطع‪ ،‬ربما نرعى علاقاتنا الأسرية و الاجتماعية متى استطعنا ولكن بلا روح حقيقية‬
‫بلا استمتاع حقيقي‪ ،‬ما الذي يجري؟ !‪ ،‬يجدر بنا أن نتوقف قليلآ و نعيد حساباتنا‪ ،‬الوقت‬
‫لا يتوقف لينتظرنا‪ ،‬إنه يجري بنا بسرعة تفوق انتباهنا لما نخسره من الوقت‪ ،‬و تمضي‬

‫الأيام و لا ندرك حجم ما خسرناه إلا بعد فوات الأوان‪.‬‬

‫لقد أُجريَت دراسة عن أكثر ما يندم عليه الناس في فترة الإحتضار في نهاية حياتهم‪،‬‬
‫أجاب معظمهم أنهم يندمون على أنهم لم يقوموا بإمضاء أوقات أطول مع عائلاتهم‪ ،‬كم‬
‫تصبح الرؤيا واضحة حين يصل الإنسان إلى مرحلة أن يعد أيامآ أو أشهرآ على النهاية‪،‬‬
‫ساعتها يدرك حقائق كثيرة‪ ،‬أهمها ما الذي يهم حقيقة‪ ،‬لن يأخذ معه أيآ من المال الذي‬
‫صرف جل عمره في جمعه‪ ،‬لن يستفيد من الوقت الذي مضى و كان فيه كسولآ لا يفعل‬

‫شيئآ‪ ،‬ما أصعب الانتباه للشيء بعد فوات الأوان‪ ،‬كم من الحسرة تتولد في قلبه على ما‬

‫كان يمكن إنجازه و لم يفعل‪.‬‬

‫الحياة فيها جوانب كثيرة لا يتوجب تجاهلها‪ ،‬علينا أن نعيشها بوعي لما نحن عليه‪ ،‬لماذا‬
‫جئنا و إلى أين سنصل‪ ،‬هل استمتعنا بعلاقاتنا كما يجب‪ ،‬هل نظرنا في وجوه من حولنا و‬
‫أعرناهم الإنتباه الحقيقي و أصغينا إليهم و فهمناهم بتركيز‪ ،‬هل استمتعنا بالطبيعة الجميلة‬
‫من خلال بعض الرحلات بانتظام‪ ،‬هل نظرنا إلى الكون بتفكر‪ ،‬هل كونا صداقات عميقة‬

‫و ركزنا على التواصل مع الناس حولنا‪ ،‬تعلمنا و علمنا‪ ،‬استفدنا و أفدنا… أسئلة كثيرة‬
‫أطرحها قبل فوات الأوان‪.‬‬

‫تظن أيها المسكين أنك جرم صغير‪ ،‬و فيك انطوى العالم الأكبر‪.‬‬

‫لم لا تكون لنا نظرة شمولية لحياتنا‪ ،‬نبحث و ننجز و نتواصل و نعبد الله‪ ،‬نقدم الخير و‬

‫نتعامل بصدق و عمق مع ما حولنا‪ ،‬نركز على الموضوع الذي أمامنا باهتمام‪ ،‬نتوقف‬

‫لننظر بعيني غيرنا و نجري أحاديثنا باهتمام و نسمع غيرنا سماعآ حقيقيآ‪.‬‬

‫أعرف شيئآ أكيدآ و هو أن وجودنا في هذه الحياة لا يجب أن يقتصر على جمع المال‪،‬‬

‫الأكل و الشرب و النوم فقط‪ ،‬لقد ُوجدنا لنقوم بأكثر من ذلك‪.‬‬

‫هنالك حقيقة يتفق عليها الجميع و هي حتمية لا ينكرها عاقل و هي أن حياتنا محدودة و‬
‫وجودنا في هذه الدنيا يسير نحو نهاية محتومة‪ ،‬مع ذلك نتناسى هذه الحقيقة و نضيع‬

‫أوقاتنا الثمينة بما لا يصنع فرقآ حقيقيآ و كأننا مخدرين‪ ،‬لقد ورثنا ميراثآ خاطئآ بتقدير ما‬
‫لا يهم على حساب الأهم‪ ،‬المال الذي هو مجرد وسيلة‪ ،‬جعلناه على رأس القائمة‪ ،‬نسينا‬
‫أنه وسيلة فأصبح غاية‪ ،‬و غايتنا الحقيقية هي الحياة بسعادة و ازدهار تركناها و أخذنا‬
‫نركض لجمع المال‪ ،‬تمضي الأيام و يتوفر لدينا المال‪ ،‬و لكننا هرمنا و تعبنا لدرجة أننا‬

‫لا نقدر على الاستمتاع بهذا المال‪ ،‬لا نقدر على الأكل كما نشاء فقد أصبنا بالأمراض التي‬
‫تجعل غذاءنا محدودآ‪ ،‬لا نستطيع القيام بالرحلات و الاستمتاع بذلك فقد وهنت العضلات‬
‫و المفاصل‪ ،‬مرت سنين طويلة من العلاقات الهشة مع من حولنا لأننا كنا مشغولين بجمع‬

‫المال فاعتادت عائلاتنا على غيابنا فمتنا من حياتهم بلا موت‪.‬‬

‫إن لم تكن لديك خطة فأنت جزء من خطط الآخرين‪ ،‬خطط لحياتك‪ ،‬ما هي واجباتك تجاه‬

‫استغلال حياتك كما يجب‪ ،‬لا بد من التخطيط ليومك‪ ،‬أسبوعك‪ ،‬شهرك‪.‬‬

‫لا بد أن تكون لديك خطةلعلاقاتك‪ ،‬واجباتك‪ ،‬عباداتك‪ ،‬نفسك‪ ،‬عقلك و روحك و جسدك‪ ،‬انت‬
‫لست جرم صغير‪ ،‬فيك انطوى العالم و أنت لا تدري‪.‬‬

‫إذن كيف نخطط؟‬

‫بعض الناس حتى من الموصوفين بالذكاء لا يخططون‪ ،‬يعيشون بتلقائية و لا ينتبهون إلى أنهم‬
‫يغفلون أهم سبب من أسباب النجاح لأن التخطيط يختصر الطريق و يقلل الوقوع في الأخطاء‪،‬‬
‫حين تخطط تُك ّون نظرة شمولية لما تريد أن تعمل‪ ،‬تحاول أن تحضر نفسك لكل الإحتمالات‪ ،‬تقوم‬
‫بوضع تصور لخطة بديلة في حال فشلت في تخطيطك الأساسي‪ ،‬بعض الحكماء قال إن عليك أن‬
‫تمضي نسبة كبيرة من وقتك للتخطيط‪ ،‬نسبة ذهب البعض إلى القول أنها يجب أن تأخذ ثمانين‬

‫بالمئة من وقتك المكرس للبدء بمشروع ما‪.‬‬

‫التخطيط لا يكون للأشياء الكبيرة و المشاريع فقط‪ ،‬بل هو أسلو ٌب في التفكير و ديناميكية للحركة‬
‫اليومية في كل عمل نقوم به صغيراً كان أم كبيراً‪ ،‬حتى عندما نقوم بتحضير الطعام إذا قمنا بعمل‬

‫خطة سريعة جداً في الدماغ لترتيب خطوات التحضير و العمل فإن هذا الترتيب يجعل العمل‬
‫سهلاً سلساً‪ ،‬مثلاً تحتاج في إعداد طعامك اليوم إلى طهي نوع من اللحوم مع الخضار و سيكون‬

‫طبقك الجانبي هو البطاطا المسلوقة و المهروسة‪ ،‬لو فكرت بالبدء بتقطيع الخضار يكون تفكيرك‬
‫خاطئاً و ستأخذ وقتاً أطول في إعداد الطعام لأن اللحم يأخذ أطول وقت من ضمن مكوناتك‬

‫للإستواء‪ ،‬إذن عليك أن تبدأ به‪ ،‬بالطبع هذا مثال بسيط على التخطيط‪ ،‬فلو أنك فكرت بصورة‬

‫سريعة لما ستكون عليه الوجبة و تصورت في عقلك كل المكونات فحضرتها و وضعتها أمامك ثم‬
‫رتبت سريعاً خطوات الإعداد في ذهنك‪ ،‬ثم بدأت فعلياً في التنفيذ فإن الخطوات ترتسم أمامك‬

‫كخارطة تمشي عليها فلا تتفاجأ بنسيان شيء و تقلل من عنصر المفاجأة الذي يكون عقبة و‬
‫يسبب التأخير و أحياناً الفشل و يترتب عليه إضاعة للجهد و الوقت‪.‬‬

‫يندر أن ينجح الأشخاص الذين لا يخططون و إن نجحوا يكون نجاحاً محدوداً و بجهد كبير و‬
‫تكون النتائج ضعيفة و بعيدة عن التميز أو النجاح الباهر‪.‬‬

‫حين تخطط عليك أن توسع دائرة التفكير فتخطط لبدائل عدة‪ ،‬نسمي‬ ‫ذلك ‪Plan B‬‬

‫الخطة البديلة‪ ،‬بالإنجليزية‬

‫و من الحكمة أيضاً أن تخطط كيف تتعامل مع الفشل إذا حدث و كيف ستطور نجاحك إذا نجحت‪،‬‬
‫كل هذا يجعلك دائماً ناجحاً‪ ،‬أنت جاهز لكل الإحتمالات‪ ،‬تملك مفاتيح مختلفة و عندك قدرة على‬

‫أن تتأقلم مع كل الأوضاع و كلما زادت المرونة في التعاطي مع الأمور‪ ،‬زادت فرص النجاح و‬
‫قلت احتمالات الإنكسار أمام أمواج الحياة و متغيراتها صعوداً و نزولاً‪.‬‬

‫إذن للتأكيد أعود و أقول أن التخطيط هو عبارة عن خارطة طريق تعطيك مدى أبعد للرؤية و‬
‫تجعل حركتك و عملك أسهل و أسرع و خطواتك في التنفيذ واثقة و شجاعة و سريعة يقل فيها‬

‫عنصر المفاجأة و التردد و الخوف‪.‬‬

‫الأدوار و الواجبات‬

‫هل فكرت يوماً في دورك أو مجموعة الأدوار المناطة إليك و التي يُفتَ َرض بك القيام بها‪،‬‬
‫معظم الواجبات التي يتوجب على الإنسان القيام بها تكون من ضمن النسيج الإجتماعي‬
‫فتكون تلقائية و لا يقوم بها الأفراد بنفس الجودة‪ ،‬بعض الناس يقومون بما عليهم على‬
‫أكمل وجه بل إنهم قد يتميزون و يُحلقون بأدائهم من تلقاء أنفسهم و بدوافع ذاتية‪ ،‬و‬

‫البعض يقومون بها بتثاقل و لا يُحسنون ذلك و يكون هنالك تقصي ٌر كبير في أداء واجباتهم‬
‫بسبب أو بدون سبب‪ ،‬يكون هنالك هشاشة في الأداء و في صعود و نزول‪ ،‬بل إن بعض‬
‫الناس قد يقومون بالتخلي عن واجباتهم فهنالك من الآباء و الأمهات مثلآ يتخلون عن‬
‫أبنائهم و لا يقومون بما يتوجب عليهم من رعاية و إنفاق و غيرها‪ ،‬هذا يعود لعدة عوامل‬

‫بعضها خارج عن إرادتهم و بعضهم لا يصلون إلى قدراتهم الحقيقية و لكن يهملونها على‬
‫جميع الأحوال‪ ،‬الكثير من هذه الحالات يمكن تجنبه و تكون هنالك إمكانية للقيام بدور‬

‫متميز في الحياة و لا يحصل ذلك و هذا برأيي المتواضع يمكن أن أعزوه بصورة رئيسية‬
‫إلى عدم الوعي بالذات و عدم التواصل مع النفس و التطور العقلي و الأخلاقي من خلال‬

‫مجموعة من المؤثرات من عدة أطراف‪.‬‬

‫مثلآ التربية تلعب دوراً مهماً في إعداد إنسان واع لأولوياته و دوره في الحياة‪ ،‬يضع‬
‫الأمور في نصابها و يقيم حياته بموازين واعية مدركة لحقيقة الوجود و كونه ُوجد ليقوم‬
‫بدوره أو أدواره‪ ،‬أيضاً تطوير القدرة على تقييم الأمور بما تستحق فلا يجعل جني المال‬

‫على حساب الحياة و الأسرة‪ ،‬الكثير من المجتمعات اليوم تعطي تقديراً كبيراً للمال‬
‫فيُصبح المال أعز من الأسرة و القيم الإجتماعية و الأخلاقية‪ ،‬يجب أن نغرس في نفوس‬
‫الناس القيم العليا و نعلمهم أن المال مهم و لكن هنالك من الأمور ما هو يأتي قبله أو حتى‬

‫موازياً له و هذا الدور لا بد أن يقوم به الوال َدين ثم المؤسسات التربوية و الإجتماعية‬
‫المختلفة و الإعلام و التربويين المختلفين بالإضافة لل ُكتّاب و غيرهم ممن يرسمون طريق‬

‫القيم للأفراد و المجتمعات و كل إنسان يتعلم أيضاً أن يستكشف نفسه بعمق و يقوم‬
‫باختيارات سليمة و يعطي كل شيء مكانته التي تليق به فلا يُعلي شيئاً على حساب شيء‬

‫آخر بل يدير حياته بدون ندم على ما فات و تضييع لما كان يتوجب عمله ضمن وقت‬
‫معين من حياته‪.‬‬

‫أخذ مسئولياتنا باهتمام و جدية أيضاً من القيم العليا التي حث عليها الحكماء و أصحاب‬
‫الفكر في المجتمعات و حثت عليها الأديان السماوية حيث أن تعاليم الأديان تنص على أن‬
‫كل إنسان سيُحا َسب على ما يُق ّدم في هذه الحياة و َسيُحا َسب إذا لم يُقدم ما عليه تقديمه من‬

‫واجبات من رعاية أسرته و أبنائه‪ ،‬و هذا بلا شك يُسهم إسهاماً كبيراً في تحسين أداء‬
‫بعض الناس الذين يحتاجون التحفيز بطرق مختلفة من مثل الثواب و العقاب بالإضافة إلى‬

‫الدوافع الذاتية الموجودة لديهم‪.‬‬

‫إن الإعتماد على الدوافع الذاتية وحدها أمر غير واقعي لأن طبيعة الإنسان تتطلب تعدد‬
‫أنواع المحفزات‪ ،‬فالحافز الذاتي يتفاوت بشكل كبير بين الناس ك ٌّل حسب شخصيته و‬
‫ظروفه و قدراته‪ ،‬كما أنها تتفاوت من وقت لآخر عند نفس الشخص ففي كثير من‬
‫القوانين في العالم اليوم إلزام قانوني للوال َدين برعاية أبنائهم و الإنفاق عليهم و لا يتم‬
‫اللجوء إليها إلا في بعض الحالات التي تتطلب ذلك و يلجأ الناس للقانون عند ظهور‬

‫مشكلة‪ ،‬لكن القاعدة العريضة من الناس يقومون بواجباتهم بطريقة تلقائية و دوافع ذاتية و‬
‫فطرية‪ ،‬و هم أيضاً يتفاوتون في جودة ما يقومون به‪.‬‬

‫الكثير من الحكماء حثو الناس بمواعظهم على أخذ الحياة ببساطة و حب و بناء العلاقات‬
‫الأسرية و الإستمتاع باللحظة و عدم المبالغة بالجري وراء الماديات حتمية الزوال‪.‬‬

‫من أقوال الحكماء في هذا المجال‪:‬‬
‫قال مايكل زاماكيوس‪ :‬لأن يموت الإنسان محتاجاً َمعوزاً أفضل من أن يموت و هو يأكل‬

‫المال‪.‬‬

‫مصطفى أمين‪ :‬أكثر الذين يجرون وراء المال يفقدون روحهم في الطريق‪ ،‬وما أتعس‬
‫الذين يعيشون بلا روح!‬

‫مصطفى محمود‪ :‬السعادة لا يمكن أن تكون في المال أو القوة أو السلطة بل هي في ((‬
‫ماذا نفعل بالمال و القوة و السلطة))‪.‬‬

‫و قال أيضاً‪ :‬ما هو أكثر شيء يسعدك في هذه الدنيا ‪..‬؟‬

‫المال ‪ ..‬الجاه ‪ ..‬النساء ‪ ..‬الحب ‪ ..‬الشهرة ‪ ..‬السلطة ‪ ..‬تصفيق الآخرين‬

‫إذا كنت جعلت سعادتك في هذه الأشياء فقد استودعت قلبك الأيدي التي تخون و تغدر و‬
‫أتمنت عليها الشفاه التي تنافق و تتلون‪.‬‬

‫و قال‪ :‬إذا جعلت من المال مصدر سعادتك فقد جعلتها في ما لا يدوم فالمال ينفد و‬
‫بورصة الذهب و الدولار لا تثبت على حال‪.‬‬

‫و إذا جعلت سعادتك في الجاه و السلطان ‪ ..‬فالسلطان كما علمنا التاريخ كالأسد أنت اليوم‬
‫راكبه و غدا أنت مأكوله‪.‬‬

‫و إذا جعلت سعادتك في تصفيق الآخرين فالآخرين يغيرون آراءهم كل يوم ‪.‬‬

‫علي بن أبي طالب‪ :‬المال يستر رذيلة الأغنياء ‪ ،‬و الفقر يغطي فضيلة الفقراء‪.‬‬

‫هوراس‪ :‬المال إما خادم أو سيد‪.‬‬

‫مثل تركي‪ :‬إن وضعت المال فوق رأسك خفضك ‪ ،‬و إن وضعته تحت قدمك رفعك‪.‬‬

‫مثل روسي‪ :‬عندما يتكلم المال يصمت الصدق‪.‬‬

‫جان جاك روسو‪ :‬إن المال الذي في يدك هو وسيلة إلى الحرية ‪ ،‬و أما المال الذي تسعى‬
‫إليه فهو طريق العبودية‪.‬‬

‫مثل عربي‪ :‬المال كوسخ الأذن ‪ ،‬إن أبقيته ضرك و إن أخرجته نفعك‪.‬‬

‫ألكسندر دوماس‪ :‬المال خادم جيد لكنه سيد فاسد‪.‬‬

‫محمد الغزالي‪ :‬هناك متكاسلون فى طلب الدنيا والكسل صفة رديئة‪ ،‬وعبادة الدنيا صفة‬
‫رديئة‪ ،‬والإسلام يحتاج إلى دنيا تخدمه‪ ،‬وتدفع عنه‪ ،‬وتمد رواقه‪ ،‬فكيف السبيل إلى جعل‬
‫القلب متعلقا بربه‪ ،‬يملك الدنيا كى يسخرها لخدمته‪ ،‬ويجمع المال والبنين ليكونا قوة للحق‪،‬‬
‫وسياجا يحتمى بهما؟ كيف يتحول ذكر الله بالغدو والآصال إلى مسلك إيجابى فعال‪ ،‬يجعل‬

‫أصحابه رهبانا بالليل فرسانا بالنهار‪.‬‬

‫جورج برناردشو‪ :‬أضمن طريقة لتدمير الرجل الذي لا يعرف إدارة ماله هي أن تعطيه‬
‫المزيد من المال‪.‬‬

‫و قال أيضاً‪ :‬حتى إذا امتلك الإنسان المال وتمتع بالصحة لن يتوقف عن التساؤل إن كان‬
‫سعيدا أم لا‪.‬‬

‫إبن القيم‪ :‬من استطاع منكم ان يجعل كنزه في السماء حيث لا يأكله السوس ولا يناله‬
‫السراق فليفعل فإن قلب الرجل مع كنزه‪ ،‬و قال‪ :‬إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغني انت‬
‫بالله وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله وإذا أنسوا بأحبابهم فاجعل أُنسك بالله وإذا تعرفوا‬
‫إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزه والرفعه فتعرف انت إلى الله وتودد‬

‫إليه تنل بذالك غاية العزه والرفعه‪.‬‬

‫و قال ستيف جوبز‪ :‬كنت أملك أكثر من مليون دولار حين كان عمري ‪ 23‬عاماً‪ ،‬و‪10‬‬
‫ملايين عندما كان عمري ‪ 24‬عاماً‪ ،‬و‪ 100‬مليون عندما كان عمري ‪ 25‬عاماً‪ .‬لكن لم‬

‫يكن لذلك أي أهمية لأنني لم أكن أفعلها من أجل المال‪.‬‬

‫لقد عرف أولئك كيف يقيمون الأشياء على حقيقتها و توصلوا لحكمة تستحق التفكير و‬
‫الأخذ بعين اللاعتبار‪.‬‬

‫لقد أعجبني جداً قول لعباس محمود العقاد حيث يجمع الواقعية و الحكمة فقال‪ :‬ظنوا أن‬
‫النبي لا يحزن ‪ ،‬كما ظن قو ٌم أن الشجاع لا يخاف ولا يحب الحياة ‪ ،‬وأن الكريم لا يعرف‬
‫قيمة المال ‪ .‬ولكن القلب الذي لا يعرف قيمة المال لا فضل له في الكرم ‪ ،‬والقلب الذي لا‬

‫يخاف لا فضل له في الشجاعة ‪ ،‬والقلب الذي لا يحزن لا فضل له في الصبر ‪ .‬إنما‬
‫الفضل في الحزن والغلبة عليه ‪ ،‬وفي الخوف والسمو عليه ‪ ،‬وفي معرفة المال والإيثار‬

‫عليه‪.‬‬

‫انتهى قول عباس محمود العقاد‪.‬‬

‫إذن السر هو وضع كل شيء في مكانته الحقيقية بلا زيادة أو نقصان و الاعتدال بكل‬
‫شيء فلا يطغى شيء على حساب الآخر و لو اختار الناس أن يأخذوا معهم شيئاً ما حين‬

‫موتهم فلن يختاروا المال لأن لاقيمة له حيث يذهبون‪.‬‬

‫إذن رفع قيمة شيء على حساب الآخر يؤدي إلى عدم الوضوح في الرؤيا و اختلاط‬
‫الأمور و عطب في سلم الأولويات مما يجعل الإنسان مقصراً في دوره الذي يتوجب عليه‬

‫القيام به لأنه مشغول بملاحقة و متابعة أمور لا تستحق أن يضحي لأجلها بما هو أهم‬
‫منها‪.‬‬

‫ثم على الجانب الآخر يحتاج الإنسان للمال فعليه أن يخصص جزءاً لا بأس به من وقته و‬
‫جهده لتحصيله‪ ،‬و يكمن الذكاء في تنظيم الوقت و الجهد‪ ،‬و التخطيط السليم الذي يساعد‬

‫الإنسان على تحقيق أقصى قدراته و احتمالاته و يجد المعادلة و الوصفة الخاصة به للقيام‬
‫بما يستطيع فلا يترك مسئولياته و ي ّطلع بها و يحاول أن يفعل أفضل ما أمكنه بما لديه من‬

‫وقت و قدرات و مق ّدرات‪.‬‬

‫الجهد المبذول‬

‫يختلف الناس بقدرتهم على إنجاز حجم معين من العمل في وقت ُمسمى و جهد مبذول‬
‫معين‪ ،‬جزء من هذا قد نعزوه إلى القدرات التي هي موجودة لدى كل إنسان بطبيعته و‬

‫خلقته و منها ما يكون متعلقاً بالتدريب و الممارسة و الخبرة‪ ،‬و لحسن الحظ فإن هذه‬
‫مهارات يمكن تحسينها عبر التدريب و التعليم‪.‬‬

‫الجهد الذي يبذله إنسان في عمل شيء للمرة الأولى يكون عادة أكبر من الجهد الذي يبذله‬
‫عند تكرار عمل الشيء‪ ،‬فخبرة الشخص في كيفية القيام بعمل معين تقلل الحاجة إلى بذل‬

‫جهد فيه‪.‬‬

‫تُروى قصة رمزية عن فتاة أهداها والدها عجل ًا صغيراً فكانت كل يوم من فرط حبها له‬
‫تحمله عدة مرات و كبرت البنت الصغيرة و كبر العجل معها و هي تحمله كل يوم و‬

‫المدهش أنها استمرت تحمله كل يوم و هو ثور كبير ثقيل‪ ،‬و هذه القصة المقصود منها أن‬
‫الإنسان يتدرج في عمل الأشياء و لو ثابر على عملها زادت قوته و قدرته على عمل‬

‫المزيد تدريجياً فهي تعودت على حمل نفس الحمل كل يوم و تصاعد الوزن بالتدريج كل‬
‫يوم فلم تشعر بالفرق و استطاعت أن تحمل حمل ًا أكبر بدون بذل مجهود إضافي‪.‬‬

‫مما يُسهم أيضاً في تقليل الجهد المطلوب لإنجاز عمل ما هو عدم وجود الكسل و التقاعس‬
‫فالمتكاسل الذي لا يحب بذل الجهد يرى كل شيء صعباً و متعباً و بالتالي يشعر بحاجته‬
‫لبذل جهدكبير لإنجاز أي عمل مهما صغر‪ ،‬فهو يقوم بتعظيم مهماته في ذهنه و تفكيره‬
‫فيتعب الجسد في القيام بالمهمات‪ ،‬لكن صاحب الهمة العالية و الروح الوثّابة ينهض لعمله‬
‫و واجباته بدون بذل جهد نفسي فهو فقط يقوم بها و تكون لديه قوة نفسية بالإضافة لقوته‬
‫الجسدية فيتضاعف إنجازه و يقل الجهد المبذول في أي عمل‪ ،‬مما يُسهم في تقليل الجهد‬

‫المبذول أيضاً التمرين و التكرار فيُصبح العمل يتطلب جهداً ذهنياً أقل لكثرة الممارسة و‬
‫بالتالي يقل الجهد المبذول‪ ،‬و مما يُسهم في تقليل الجهد أيضاً التخطيط الذي تم الحديث‬

‫عنه مسبقاً حيث يُك ّون الإنسان صورة و خارطة عمل في ذهنه لما يريد إنجازه و بالتالي‬
‫تتكون لديه خبرة ذهنية و يقل احتمال ارتكاب الأخطاء و العودة لتصحيحها مما يجعل‬
‫الجهد لتحقيق الهدف أقل و يتحقق بصورة أسرع‪.‬‬

‫إذن مرن نفسك على القيام بالواجبات بلا كسل و تثاقل و كن صاحب همة عالية و خذ‬
‫على نفسك أن تنجز جزءاً من العمل على قدر ما تستطيع فلا ترهق نفسك و تبالغ‪ ،‬خذ‬

‫وقتك في إتقان العمل و التفكير بكل خطوة و رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة‪ ،‬فكر في‬
‫لحظتك التي أنت فيها و في الخطوة التي تخطوها الآن لأنك إذا ظللت تنظر إلى خط‬
‫النهاية فستراه بعيداً مما يثبط من عزيمتك‪ ،‬ركز على الخطوة التي أنت بصددها في هذه‬
‫اللحظة أنهيها و ابدأ بما بعدها و هكذا حين تنظر للخطوات التي قمت بها بعد فترة تجدها‬
‫تراكمت و َكثُرت و سرعان ما تجد نفسك وصلت لأهدافك و لخط النهاية بدون عناء‬

‫نفسي و عصبي‪.‬‬

‫إعلم أيضاً أن عمل اليوم لا بد من القيام به اليوم فأنت إذا أجلته للغد فإنك غداً سيكون‬
‫عليك القيام بضعف ما يجب القيام به فيزيد حملك و تضعف همتك‪ ،‬تذكر عمل اليوم لليوم‬

‫و عمل الغد مبني عليه فلا تؤجل عمل اليوم إلى الغد‪.‬‬

‫تنظيم و إدارة الوقت‬

‫من أهم أسباب النجاح و التميز و القدرة على إنجاز المهمات و الأدوار المختلفة هو‬
‫القدرة على تنظيم الوقت و استثماره بأفضل الطرق‪.‬‬

‫اليوم هو ساعات محددة معروفة للجميع و لا يختلف من شخص لآخر كمها و سرعة‬
‫مرورها‪ ،‬لكن الذي يختلف هو القدرة على الإنجاز و استثمار الوقت بأفضل الطرق‬
‫فبعض الناس ينجز أعمالاً قد لا يقدر على إنجازها مجموعة من الناس و لدى بعض‬
‫الناس القدرة على القيام بالتنسيق لإنجاز أعمال مختلفة بنفس الوقت بينما لا يستطيع‬
‫البعض أن يركز في ذات الوقت إلا على شيء واحد فقط‪ ،‬و الحقيقة أنه من الأفضل القيام‬

‫بشيء واحد في الوقت الواحد لتقليل نسبة الخطأ‪.‬‬

‫إختلاف و تفاوت القدرات أسبابه متعددة فمن الأسباب هي القدرة الفطرية و أسباب تأتي‬
‫مع الشخص تتعلق بقدراته و صفاته التي ُوجدت و ُخلقت معه و ليسى له يد فيها و‬
‫بعضها قدرات يمكن أن يُطورها و يُحسنها بالتع ُلّم و التمرين والتدريب‪.‬‬

‫إذن صفات مثل الذكاء لا يمكن التحكم فيها و لكن القدرة على التركيز يمكن تحسينها‪ ،‬و‬
‫استخدام و تطوير أساليب إدارة الوقت يمكن التدريب عليها و إيصالها بالتعليم إلى أفضل‬

‫الدرجات‪.‬‬

‫من الأشياء المهمة التي تساعد الإنسان على إدارة وقته و القيام بأشياء أكثر في الوقت‬
‫المتاح هي كما يلي و سأذكر بعضها و أهمها هنا و لكن كل فرد يكون له خصوصية في‬

‫إيجاد وسائل إضافية تساعده في استثمار وقته و من هذه الأشياء‪:‬‬

‫أولاً‪ :‬ترتيب الأولويات‬

‫هنا لا بد من معرفة ما هي المهمات التي لا بد من إعطاءها أولوية‪ ،‬فبعض الأشياء‬
‫محددة بوقت معين إذا لم يتم إنجازها ضمن ذلك الوقت يصبح إنجازها بعده بلا قيمة‪ ،‬و‬

‫هنالك مهام لا بد من إنجازها لأنه ينبني عليها بقية الأمور فلا بد أن تأتي أول ًا‪ ،‬ثم قد‬
‫تكون بعض المهام متعلقة بأمر شديد الأهمية بحيث لا بد من تأجيل كل شيء آخر و‬
‫إتمامها لأنها طارئة جداً و قد تكون المهمة متكاملة و نحتاج نتيجة لكل النشاطات و لا‬
‫تصلح إلا بإتمام كل المهام معاً و لكن بعض الأجزاء من التركيبة تكون معقدة و تأخذ وقتاً‬

‫و جهداً كبيرين و بعضها بسيط فيكون البدء و الأولوية طبقاً لذلك‪.‬‬

‫التدريب و إعطاء الأمثلة في هذه الحالات يفيد الشخص في تحسين قدرته‬

‫على ترتيب أولوياته‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬استخدام وسائل المساعدة المتاحة‪:‬‬

‫فإذا ُوجد أشخاص أو أشيا ٌء تساعد الشخص في إنجاز مهمته بجهد و زمن أقل فمن الذكاء‬
‫استخدامها لاختصار الوقت و الجهد مما يساعد في استثمار الوقت الناتج في عمل أشياء‬

‫أخرى و إنجاز مهام أكثر‪ ،‬و هنا لا بد من وجود عنصر الثقة بمن تتم إناطة المهمة إليه و‬
‫يكون هنالك عمل جماعي و معروف أن العمل كفريق يسهم في سرعة و وفرة الإنجاز‪،‬‬
‫لذلك على الشخص الناجح أن يحيط نفسه بفريق قوي له قدرات و مؤهلات جيدة يستطيع‬
‫أن يوزع عليهم المهام و هو مطمئن أنه سيتمكن من تحقيق الهدف بوقت مناسب و جودة‬
‫كافية‪.‬‬

‫كما أن استخدام الآلات و الإختراعات و الأجهزة بالتأكيد لها دور كبير في اختصار‬
‫الوقت و الجهد و الإنجاز‪.‬‬

‫لا بد أن يعرف الشخص الذي يريد أن يدير وقته بما هو متاح له من وسائل المساعدة و‬
‫لا يعتمد فقط على جهده وحده‪ ،‬أنظر كم تق ّد َمت البشرية عبر العصور و هذا التقدم لم يتم‬

‫من خلال شخص واحد بل كل إنسان أضاف شيئاً بسيطاً جداً مقارنة بإنجازات البشرية‬

‫مجتمعة لذا لا تتردد في إناطة المهام لغيرك و امنحهم الثقة للقيام بها فأنت و حدك لا‬
‫تنجز كما يُنجز فريق كامل و أفكارك تصبح أغنى و أفضل إذا استمعت لغيرك و تعلمت‬

‫منهم‪ ،‬لا تحتقر أي مساعدة أو فكرة مهما َصغُ َرت من أي أحد‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬عمل خطة و قائمة بالمهام التي لا بد من إنجازها‬

‫هذه القائمة قد يتم كتابتها خاصة إذا كانت الأمور التي يجب إنجازها متعددةو هذه القائمة‬
‫تقلل احتمال نسيان شيء مهم و من الذكاء أيضاً تجنب القيام بأكثر من شيء واحد في‬
‫نفس الوقت لتجنُّب التشتت في الإنتباه و ارتكاب الأخطاء‪ ،‬و لكل نقطة من النقاط في‬
‫القائمة لا بد من تحديد وقت محدد لإنجازها لئلا يطغى شيء على حساب الآخر و يتم‬
‫الفشل أو التأخير‪.‬‬

‫إذا كانت بعض الأشياء في القائمة يمكن الإستغناء عنها و ليسى لها لزوم فاحذفها من‬
‫القائمة فعملها إضاعة للوقت‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬لا تتوتر و تح ّمل نفسك فوق طاقتها‬

‫يجب أن تتعلم أن تقول لا للأشياء التي تعرف أنك لا تستطيع إنجازها بالتزامن مع بعض‬
‫المهام‪ ،‬إذا كان هناك من يطلب منك القيام بعمل لا يمكنك القيام به و هو ليسى من‬

‫المهمات التي يتوجب عليك القيام بها أو تستطيع وضعه على قائمة الإنتظار فافعل لأنك‬
‫إن لم تفعل ستفقد مصداقيتك من ناحية عدم إنجازه إن قبلته أو أنه يعطلك عن القيام بمهمة‬

‫هي من صميم مسئولياتك فتقصر فيها لقبولك بمهام جانبية هي ليست لك أصلاً‪.‬‬

‫قدرتك على إدارة وقتك تقلل التوتر و تساعدك على الإنجاز و التطور و تجعلك ناجحاً‬
‫في مهنتك و تنقلك من نجاح إلى الآخر‪.‬‬

‫وسائل التواصل‬

‫كيف تتواصل مع المحيطين بك و ما هي الطريقة و الكيفية لحوارك مع الآخرين‪ ،‬هل‬
‫لديك وضوح في الرسائل التي ترسلها و الكلام الذي تقوله‪ ،‬هل تواصلك مع الناس يحقق‬

‫ما تحتاج‪ ،‬هل يصل للمتلقي بالطريقة التي تريدها‪..‬‬

‫أسئلة لا بد أن يطرحها الإنسان على نفسه و غيرها من أجل أن يحقق النجاح المطلوب و‬
‫أن يتميز في أسلوبه في التواصل مع من حوله‪.‬‬

‫الإيجابية والتفاؤل في التعامل مع الأمور حين تكون ضمن فريق معدية وكذلك السلبية‬
‫محبطة و معدية للآخرين‪ ،‬إذا كنت ضمن فريق فإن من ضمن واجباتك التي يغفل عنها‬
‫الكثير من الناس بث الروح الإيجابية ضمن الفريق و تبني روح المبادرة و تشجيع َمن‬

‫حولك‪ ،‬إن السلبية و بث روح التخاذل تقلل من الإنجاز وبعض الناس بل الكثير منهم‬
‫يتأثرون بالطاقة السلبية و تحفزهم و تحسن إنجازهم الطاقة الإيجابية‪ ،‬يجب أن نؤكد‬
‫لبعضنا في الفريق أننا نستطيع أن ننجز مهامنا بل أن نبدع فيها إذا أردنا النجاح و التميز‪.‬‬

‫وجود السلبيين في الحياة يشكل خطورة على النواحي الأخلاقية أيضاً‪ ،‬فمثل ًا الظلم هو‬
‫أكبر معول هدم في المجتمعات و هو يؤدي إلى أن ينظر الناس نظرة سوداوية للحياة و‬
‫يقولون لأنفسهم لماذا أُنجز شيئاً بدون أن أُكافأ عليه و تكون لديهم مقومات الإبداع و لكنهم‬

‫لا يقومون بتفعيلها لأنهم لا يرون الفائدة من ذلك‪.‬‬

‫لذلك فإن َمن يقومون بممارسات مثل الظلم و التحيز لا بد من تقويمهم لأنهم يضرون‬
‫بمستوى الإنجاز و الإبداع فالبيئة المناسبة للإبداع هي التعرف على المبدعين و مكافأتهم‬

‫و تشجيعهم‪.‬‬

‫من المعروف أن وسائل التواصل بين الناس تتعدد و هي غالباً مرتبطة بالحواس‪ ،‬مثل‬
‫السمع و البصر و الشم و اللمس و التذوق‪ ،‬لذلك سأستغل هذه الحواس كمدخل للحديث‬
‫عن بعض جوانب التواصل و كيفية تقويتها و هي جوانب كثيرة جداً يمكن كتابة كتب و‬

‫موسوعات عنها نبحث منها في هذا المقام ما يتيسر‪.‬‬

‫السمع‪:‬‬

‫حين نفكر في حاسة السمع و نحاول ربطها بفنون الاتصال يمكن أن نفكر في تقوية ما‬
‫لدينا من مهارات تجعل من يستمعون إلينا راضين عن ما نقوله كمحتوى و كيفية‪ ،‬و هدفنا‬
‫هو الحصول على موافقتهم و دعمهم و رضاهم عن ما نطرح من أفكار‪ ،‬فلو أتينا للكيفية‬
‫يخطر ببالي مستوى ارتفاع الصوت فليسى علو الصوت محموداً عند جميع الناس تقريباً‬
‫ناهيك عن الصراخ‪ ،‬ثم لا بد من وضوح الكلام فلا يكون منخفضاً بحيث لا يُس َمع ما يُقال‬
‫و بعض المحترفين ممن يقدمون الحديث لمجموعة من الناس في القاعات المكتظة يسألون‬

‫في بداية حديثهم إن كان الكل يسمعهم جيداً و التكنولوجيا الحديثة فيها الكثير من الطرق‬
‫لإسماع البعيد و التحكم في الصوت أو الأصوات إلكترونياً و لهذا أهمية بالغة على جميع‬
‫المستويات‪ ،‬إذن من مواصفات الصوت المناسب للتواصل مع َمن حولنا أن يكون مناسباً‬
‫لسماع ال ُمتَلَ ّقي فلا يكون مرتفعاً زيادة عن الحاجة ولا منخفضاً بحيث لا يكون التواصل‬

‫واضحاً و إتقان هذه المهارة مهمة جداً لكل متواصل و متحدث‪ ،‬كما أن تغيير مستوى‬
‫الصوت صعوداً و نزول ًا حسب الحديث هي مهارة إضافية لجعل الحديث جاذباً للسامع فلا‬

‫يمل خاصة إذا كان حديثاً طويل ًا أو محاضرة علمية فيها الكثير من التفاصيل على سبيل‬
‫المثال‪.‬‬

‫ثم هنالك نبرة الصوت و التحكم فيها‪ ،‬و الإنسان كائن حساس دقيق و ذكي يستشعر من‬
‫خلال نبرة ُمح ّدثه بعض الأحاسيس مثل العداء أو الغضب أو الرضا و الدفء و غيرها‬
‫من المشاعر التي لا يحتاج إلا لنبرة الكلام لتحليلها‪ ،‬لذلك فإن المتح ّدث الذكي يعير انتباهه‬
‫لهذه المهارة فيُد ّرب نفسه على نبرة فيها دف ٌء و صدق و تعبر عن الإهتمام و الثقة و لا‬
‫بد أن تكون صادقة و قد قال الحكماء ما يخرج من القلب يصل إلى القلب و ما يخرج من‬

‫اللسان لا يتعدى الآذان‪.‬‬

‫ثم محتوى و فحوى الحديث يجب أن تكون كلمات أنيقة و اضحة توصل الفكرة بأقل و‬
‫أسهل الطرق و تكون بتركيز على موضوع الكلام فلا يقفز من فكرة إلى أُخرى و يدخل‬

‫في متاهات تنتهي بعيدة كل البعد عن فحوى الحديث المطلوب‪.‬‬

‫الجانب الآخر لحاسة السمع هي مهارة الإستماع للآ َخرين فلا نتكلم طوال الوقت و لا ندع‬
‫مجال ًا لغيرنا للحديث و فن الإستماع مع تقدير ما نسمع و الاهتمام بما لدى غيرنا من‬
‫أفكار هو من معايير النجاح الأساسية‪.‬‬

‫البصر‪:‬‬

‫حاسة البصر من الحواس التي تسهم فعلياً في تعزيز التواصل بين الناس ذلك أن لغة‬
‫الجسد يتم تحليلها من ق َبل المتلقي أثناء التوا ُصل معه و لغة الجسد فيها أسرار كثيرة و‬
‫مباحث جمة و سأطرح ما أعتقد أنه ببساطة يقوي أو يُضعف التواصل ‪ ،‬فالوقفة و الجلسة‬
‫و نظرة العين و الهيئة العامة لل ُمحاور في غاية الأهمية و قد تتعدى النظر إلى الإحساس‪،‬‬
‫و المظهر له أهمية في التواصل بين الناس شئنا أم أبينا‪ ،‬فلا يمكن لشخص أن يذهب إلى‬
‫اجتماع رسمي مع مديره في العمل على سبيل المثال و هو يرتدي الملابس التي يرتديها‬

‫في المساء لراحته في بيته‪ ،‬ثم يتعدى الأمر إلى اختيار الألوان التي تُناسبه و تجعل‬
‫مظهره مناسباً و مرتباً‪ ،‬و النظافة و المظهر اللائق تضيف بعداً إيجابياً للشخص‬

‫ال ُمتَواصل و كونها مناسبة تكون مدعاة لتقبُّل المتلقي و رضاه عن التواصل مع الآ َخر‪،‬‬
‫كما أن الابتسامة الرقيقة و الصادقة تعطي الإحساس بالأُلفة و التقبل و الراحة‪ ،‬العبوس و‬

‫التجهم يسبب بناء حاجز بين المتواصلين‪ ،‬و تعابير الإنزعاج لها أثر سلبي كبير أيضاً‪،‬‬
‫التثاؤب و المظهر المتعب يؤدي إلى شعور المتلقي بعدم الراحة و أنه يُثقل على محاوره‪،‬‬
‫وعلى النقيض من ذلك كله المبالغة في المظهر العام واللبس المبالغ فيه أو الضحك بدون‬
‫موضع الضحك و عدم المواءمة مع الوضع يؤثر أيضاً سلبياً و لا بد من وجود تناسق و‬

‫تناسب و وسطية في المظهر و ردود الأفعال و كل ما يراه المتلقي من المتواصل‪ ،‬إذن‬
‫المظهر العام له من الأهمية ما له و هذا جزء بسيط من هذا المبحث‪.‬‬

‫الشم‪:‬‬

‫النظافة و الرائحة الزكية رغم أنها غير ملموسة لها أهمية كبيرة في التعبير عن شخصية‬
‫الإنسان و تؤثر على تق ُّبل الناس له‪ ،‬و المبالغة في وضع العطور على الطرف الآخر أو‬
‫على النقيض كما يُقال له أثر سلبي أيضاً فالمطلوب أن يكون الإنسان محافظاً على نظافته‬
‫و لا تفوح منه روائح كريهة و أيضاً لا يبالغ في استخدام العطور ذات الرائحة القوية مما‬

‫يعزز من شخصيته و تقبل المتواصلين معه له‪.‬‬

‫اللمس‪:‬‬

‫في هذه الحاسة أستطيع أن أقول أنه لا بد من توافر مسافة مناسبة بين المتحاورين تسمى‬
‫المسافة الشخصية فلا يقترب أحد المتواصلين زيادة من الشخص الآخر و هذا يُعتبر‬

‫انتهاكاً للمسافة الشخصية التي تحيط بكل إنسان و لا يجوز لمس محاورك أو لكزه لأن‬
‫هذا يؤ َخذ في معظم الثقافات على أنه اعتداء أو تهديد و إبقاء مسافة مناسبة أيضاً يتضمن‬

‫عدم البعد عن الشخص الذي نتواصل معه بحيث لا يكون التواصل واضحاً و مناسباً و‬
‫المسافة قد تختلف حسب جلسة الحوار فهي تختلف حين يكون هنالك محاضرة أو اجتماع‬

‫أو اثنين فقط يتواصلان أم مجموعة وهكذا‪.‬‬

‫التذوق‪:‬‬

‫ألف هنا حول معنى التذوق إلى الذوق‪ ،‬اللباقة و القدرة على جذب الناس إلى أفكارك و‬
‫حثهم على الاستماع إليك و هذه مهارة فردية يطورها كل إنسان بما يُناسب قدراته و‬
‫شخصيته‪ ،‬فمثلاً تذكر الأسماء يعطي بعداً شخصياً للتواصل و يُشعر الذي نحاوره‬

‫بأهميته‪ ،‬و يتعدى ذلك إلى أن نُشعر من نحاوره بالصدق و الاهتمام و نعطيه ما يكفي من‬
‫الوقت و الانتباه ليعبر عن نفسه و يدلي بدلوه باحترام و بدون سخرية و بتقبل صادق‬

‫لأفكاره و عدم الحكم المسبق و التمسك الزائد بالرأي و التدقيق على التفاصيل غير المهمة‬
‫أو احتقار المحاور و عدم الإهتمام برأيه و تجاهله كلها أشياء تضر بالتواصل فالحوار‬
‫الأخلاقي و الإيجابية تضفي على المتواصل مصداقية و احترام و تقبل من الطرف‬
‫المقابل‪.‬‬

‫لا بد من التدريب على وسائل الإتصال و تطويرها و البحث دائماً على الوسائل التي‬
‫تحسنها و هي مهارات يمكن تمريرها للآخرين و تدريبهم عليها الذكاء النفسي و‬
‫الاجتماعي و مهارات الحديث و التواصل كلها علوم تُ َد َّرس و يمكن تطويرها‪.‬‬

‫الإدارة‬

‫مصطلح يندرج تحته الكثير من العلوم و الدراسات و المهارات فهل أنت إداري ناجح‬
‫لأمور حياتك المختلفة‪ ،‬سؤال لا بد من طرحه لمن أراد أن ينجح في حياته و مساعيه و‬

‫شئونه كلها‬

‫يجب على كل واحد منا أن يتوقف في مرحلة من حياته هنيهة و يسأل نفسه عدة أسئلة‬
‫تكون إجاباتها تحدد له أين يقف و أين يُفترض به أن يكون و ما الذي يفعله ليصل إلى‬

‫أهدافه‪.‬‬

‫توقف الآن و راجع خططك‪ ،‬هل أنت عشوائي أم منظم‪ ،‬هل لديك أهداف محددة تسعى‬
‫لتحقيقها أم أنك تعيش على هامش الحياة و تمشي مع التيار‪ ،‬هل أنت فاعل أم مفعول به‪،‬‬
‫عليك أن تقيم قدراتك و مدى طموحك و ما الذي ستفعله في لحظتك التي أنت بها الآن‪ ،‬ثم‬

‫يومك‪ ،‬ثم أسبوعك فشهرك فسنتك فحياتك‪.‬‬

‫هنالك أهداف صغيرة جزئية يومية‪ ،‬و هنالك أهداف عامة كبيرة‪.‬‬

‫حياتك و وقتك هو رأس المال الذي تملكه في هذه الحياة‪ ،‬أنت محكوم بالوقت و ما يحيط‬
‫بهذا الوقت من ظروف‪ ،‬فمثلآ حين تكون طالباً في المدرسة تختلف أهدافك عن تلك حين‬
‫تتخرج من الدراسة و تبدأ حياتك العملية‪ ،‬كما تختلف قدراتك الجسدية و النفسية و العقلية‪،‬‬

‫هنالك عوامل عدة مثل وضعك المادي و استقلاليتك من عدمها‪ ،‬مسئولياتك و حاجاتك‪.‬‬

‫لا ينتظرك الزمن حتى تصحو من غفلتك‪ ،‬و كل يوم يضيع بدون تخطيط أو إنجاز يضيع‬
‫للأبد و لا يمكنك استرجاعه‪ ،‬و من المؤكد أنك إن لم تملك هذه الطبيعة و الحكمة لتنتبه‬
‫لمسئوليتك تجاه إدارة حياتك فعلى المجتمع و الوالدين تقع مسئولية الأخذ بيدك و تنبيهك‬
‫إلى ضرورة إدارة حياتك بأفضل ما تستطيع لكي لا تضيع الفرص المنوطة بالوقت و‬

‫الظروف‪ ،‬أو على الأقل تقليل الخسائر و عدم وجود ندم على إضاعة الفرص المتاحة في‬
‫الحياة‪.‬‬

‫لا بد من الإعتراف بأن هنالك تفاوت بين الناس في القدرة على التخطيط و النجاح و‬
‫تحقيق الأهداف‪ ،‬لكن تطوير النفس و المهارات و التدرب على إدارة الحياة بأسلوب سليم‬
‫هي بلا شك مما يزيد فرص الإنسان للنجاح و رفع سقف إنجازاته‪ ،‬مما يمكنه من تحقيق‬

‫أقصى إمكانياته‪.‬‬

‫إذن إن كنت تقرأ كتابي هذا فأنت لديك من التاريخ القدر المناسب ليجعلك تستثمر حياتك‬
‫و تحسن إنجازاتك و تدير حياتك بطريقة أفضل من السابق فأنت قد بذلت الجهد لتقرأ و‬
‫تستنير و لديك من الإرادة أن تحسن استخدام مواردك و تريد أن تكون ناجحاً و الإرادة‬

‫للتغيير هي أول خطوة نحو النجاح و العمل المثمر‪.‬‬

‫من أجل أن تدير حياتك لا بد من اتباع خطوات أساسية لكل من أراد أن ينجح كما يلي‪:‬‬

‫وضع الأهداف‪:‬‬

‫لا بد من تحديد الأهداف التي نريد تحقيقها‪ ،‬و لا بد أن تكون واقعية و قابلة للتطبيق و‬
‫تتوفر الظروف التي تساعد على تحقيقها‪ ،‬كما لا بد أن تكون محددة بوقت تقريبي‬
‫لإنجازها‪.‬‬

‫هذه الأهداف قد تكون مادية أو معنوية‪ ،‬تنجز من خلالها خطط حياتك على محاورها‬
‫المختلفة‪ ،‬بعضها يكون في ذهنك و لا يحتاج خطة مكتوبة مثل علاقاتك الإجتماعية و‬
‫تطورك الروحي و النفسي‪ ،‬و بعضها خطط تساعدك كتابتها على إنجازها و هي خطط‬
‫عملية مثل عمل ميزانية‪ ،‬أو خارطة طريق لعمل تجاري أو البدء بمشروع اقتصادي‪.‬‬

‫وضع آلية التنفيذ‪:‬‬

‫ما هي الطرق و الوسائل التي ستستخدمها لتحقيق الأهداف و كيفية التنفيذ‪ ،‬فلا بد من‬
‫وضع خطوات عملية لتنفيذ الأهداف‪ ،‬و الأفضل أن تكون خطة مكتوبة ليتمكن الشخص‬

‫من الإحاطة بكل جزئياتها و مراجعتها و تعديلها كلما لزم الأمر‪ ،‬فمثلاً إذا كان أحد‬
‫الأهداف توفير رأس مال لعمل مشروع أو للبدء بمشروع فلا بد من وضع ميزانية‬
‫للموارد و المصارف للدخل المادي و كم من المال يمكن توفيره من هذه الموارد‪ ،‬وجود‬
‫خطة عملية مكتوبة يتيح إدارتها و تعديلها و الإضطلاع عليها و يعطي ذلك و ضوحاً‬
‫للخطة و يسهل إمكانية تعديلها للأفضل كلما لزم الأمر مما يجعلها أقوى و قابلة للتطبيق و‬

‫شاملة لكل الجوانب‪.‬‬

‫أبقي خطتك المكتوبة في متناول يدك أو احتفظ بنسخة منها لتتمكن من مراجعتها لتتجنب‬
‫نسيان شيء من تفاصيلها أو إغفاله‪ ،‬و قد تتراود إليك بعض الأفكار فتكتبها لئلا تنساها و‬

‫تضيفها لاحقاً على الخطة الأساسية‪.‬‬

‫مراجعة النتائج و مقارنتها بالخطة‪:‬‬

‫ماذا كانت الخطة الأصلية نظرياً‪ ،‬ما الذي تم تحقيقه منها و أين نقف الآن و ما هي‬
‫الخطوة التالية‪ ،‬لا بد من المراجعة الدائمة للنتائج و إعادة التقييم كل فترة و أخرى من‬
‫البدء بالعمل و هذا يساعد على تصحيح المسار و تعديل الخطط و إضافة أو حذف بعض‬
‫النقاط لتعزيز النتائج و الحصول على ما نبتغي و نحتاج لتحقيق الأهداف‪ ،‬فليسى عيباً أن‬
‫يكون هنالك بعض التأخيرات أو الإخفاقات في التفاصيل ما دامت يتم تداركها و ما دامت‬
‫الخطة العامة و الأهداف الكبيرة لا تزال ممكنة التحقيق‪ ،‬فالأخطاء و الصعوبات في‬

‫مسار أي تخطيط و تنفيذ هو شيء طبيعي و صحي ما دام لا يقوض دعائم النتيجة النهائية‬
‫و الخطة الأساسية‪ ،‬لا بأس أحياناً من بعض التأخير من أجل تحقيق نتائج أفضل و اليأس‬
‫هو العدو الأكبر لأي إنجاز‪ ،‬إن توقع الصعوبات يساعد في إبقاء الهمة عالية لأنه شيء‬
‫يُن َظر إليه على أنه مجرد عقبات صغيرة في الطريق تزيدنا خبرة و قوة و قدرة أكبر على‬

‫تحقيق أهداف جديدة و خطوات أكبر في هذه الحياة‪.‬‬

‫وضع خطة للتطور و عدم الوقوف عند أهداف جامدة‪:‬‬

‫الطموح للتطور من أهم أسباب النجاح‪ ،‬إن أصعب مرحلة هي تحقيق الهدف الأساسي‬
‫لأنه بداية و تأسيس‪ ،‬و غالباً يكون جديداً و صعباً‪ ،‬ثم تأتي مرحلة التحسين و التطوير و‬
‫في خلال هذه المرحلة تكون قد تشكلت خبرة و قدرات أفضل و أقوى كما توفر أساس و‬
‫بنا ٌء مبدئي لذا من المنطق أن التطوير و التحسين يكون أسهل لتوافر الأساس الذي سنبني‬

‫عليه خطط المستقبل‪ ،‬الجمود و المراوحة في نفس المكان و القبول بنفس المستوى من‬
‫الإنجاز هو خطأ كبير و عدم وجود طموح و إرادة للتطور هو ظلم للنفس‪ ،‬معرفة‬

‫إمكانياتك و تطويرها و العمل على تحسينها و الوصول إلى أبعد ما لديك من إمكانيات‬
‫للتطور هو القرار الصحيح و السليم‪.‬‬

‫فن إدارتك لحياتك يحدد من أنت و ما ستكون عليه و يحدد نجاحك من فشلك‪ ،‬و يجعل‬
‫لديك تصوراً لما تريد أن تحقق و تنجز في مدة حياتك المتاحة‪ ،‬كن دائماً شخصاً فاعلاً‬
‫نشيطاً‪ ،‬لديه وضوح في الرؤيا و يدير موارده بطريقة ذكية تَ ْسعَد بحياتك و تقوم بما ق ّدر‬

‫لك الله من إنجازات و تستثمر طاقاتك بما ينفعك و ينفع من حولك‪.‬‬

‫الإيمان‬

‫في الثقافة المسيحية قصة رمزية لرحمة الله بعباده و رعايته لهم‪ ،‬فحواها أن رجلآ بعد‬
‫موته نظر على الرمال أمامه على شاطيء البحر فرأى مسار حياته على شكل ُخطى و‬

‫آثار أقدام‪ ،‬كانت مرسومة على رمال الشاطيء آثا ٌر لأربعة أقدام متجاورة‪ ،‬يفهم هذا‬
‫الرجل منها أن زوجآ من هذه الأقدام له‪ ،‬و الزوج الآخر يرمز لله سبحانه و تعالى بجانبه‬

‫أغلب فترات حياته‪ ،‬و لكنه لاحظ أنه في خلال أصعب فترات حياته كانت هنالك آثا ٌر‬
‫لزوج واحد من الأقدام حيث اختفى من المشهد الزوج الآخر‪ ،‬فقال لله‪ :‬أنا عاتب عليك يا‬

‫ربي‪ ،‬فأنت في أصعب أوقات حياتي تخليت عني فلا أرى سوى آثار أقدامي أثناء تلك‬
‫الأوقات العصيبة من حياتي‪ ،‬فرد عليه الله قائلآ‪ :‬بل هذه يا عبدي آثار أقدامي أنا حيث‬

‫كن ُت في أصعب أوقات حياتك أحملك فلم تظهر آثار أقدامك على الرمال‪.‬‬

‫كفى الله البشر أشياء كثيرة ثقيلة لا يلقون لها بالآ و يعتبرونها من المسلمات‪ ،‬فرغم أن‬
‫البشر يتباهون أنهم خلفاء الله في الأرض فقد كفاهم الله إدارة الكون‪ ،‬تكفل الله بالخلق و‬
‫طلوع الشمس و المطر‪ ،‬تولى موت الناس و ولادتهم و حياتهم‪ ،‬ما الذي كلفنا الله إياه من‬
‫التكاليف‪ ،‬كل ما طلبه منا هو أن نتحلى بالأخلاق و الصدق و المحبة و القيام بعبادته‪،‬‬
‫نحن جنس البشر مدللين و لا يعجبنا شيء‪ ،‬لقد كلف الله ملَك الموت بقبض الأرواح ‪ ،‬لم‬
‫يكلفنا الله ما لا نطيق‪ ،‬حتى ُرسُ َلهُ من أولي العزم مثل إبراهيم عليه السلام حين أوحى له‬
‫بذبح ابنه من باب التمحيص و الإختبار‪ ،‬لم يأمره صراحة بذلك‪ ،‬بل َجعله يرى رؤيا‪ ،‬و‬
‫لكن إبراهيم أتم كلمات ربه لأنه يعلم أن رؤياه حق لأنه نب ٌي يوحى إليه‪ ،‬لقد ترك الله له‬
‫مجالآ من رحمته ليقول هو مجرد حلم‪ ،‬لكن إبراهيم استحق أن يكون حبيب الرحمن‪ ،‬و‬

‫حين أراد أن ينفذ ذلك كفاه الله هذا الأمر العصيب و أرسل الكبش فدا ًء لابنه‪.‬‬

‫لو أن الله أمرنا بما لا نطيق لربما لم نستطع لمحدوديتنا أن نمتثل لأوامره‪ ،‬علم الله ضعفنا‬
‫و هو الغفور‪ ،‬و برغم قلة ما كلفنا بعمله جعل الجزاء عظيمآ‪ ،‬و جعل مغفرته و رحمته‬
‫تسبقان غضبه فَقَبل توبة ال ُمسيء و أوبة الجاحد و عودة الشارد‪.‬‬

‫كفى الله عباده المؤمنين شر الأشرار فجعل له كيدآ يكيدهم فيه‪ ،‬ليسى عليك أن تكون‬
‫ُم َح َنكآ لتنتصر على عدو يتربص بك‪ ،‬ليسى مطلوبآ منك أن تقضي وقتك تكيد و تخطط‪،‬‬

‫يكفي أن تُ َنقي سريرتك و تكن مع الله و هو سيحميك و سيكفيك العناء‪.‬‬

‫حين يتخاصم اثنين ظال َمين تكون الغلبة للأقوى و للأشد كيدآ‪ ،‬لكن حين يتخاصم مظلوم‬
‫مع طاغية فإن الغلبة تكون للمظلوم فالظالم لا يحارب المظلوم بل يحارب الله القوي فأنى‬

‫له ال َغلَبة‪.‬‬

‫يعمل الله بطريقة خفية في حياتنا‪ ،‬يجنبنا الشرور و الويلات و نحن لا نشكر‪ ،‬يعطينا‬
‫ويرزقنا فنقابل ذلك بالنكران‪ ،‬يرزق المسيء و الصالح فلا يمنع رزقه و رعايته عن غير‬

‫المؤمنين به‪ ،‬يمد لنا و يعطينا الفرصة تلو الفرصة‪ ،‬حتى إذا عدنا إليه فرح بعودتنا و‬
‫توبتنا فرحآ شديدآ‪.‬‬

‫كن مع الله في كل أحوالك‪ ،‬كن مع الله و لا تبالي‪ ،‬إن قَ ُص َر سمعك سمع عنك و إن ضعف‬
‫بصرك أبصر لك‪ ،‬وإن خارت قواك حملك و رحمك‪ ،‬و إن كنت ضعيفآ كاد للظالم‬

‫فنصرك‪ ،‬لا يحتاجك الله بشيء و أنت تحتاجه بكل شيء‪ ،‬مع ذلك يتقرب إليك و يرحمك‬
‫و يكون وليآ لك‪ ،‬فلا تخف و لا تحزن و كن دومآ معه‪ ،‬لا تتكل على حولك و قوتك فأنت‬

‫ضعيف‪ ،‬احتمي بحماه و كن منيعآ ب َمنَعَته‪.‬‬

‫إن توكلك على الله ليسى ضعفآ بل أنت تقوم بكل ما في وسعك‪ ،‬تطلب الرزق‪ ،‬تسعى في‬
‫مناكب الأرض لكنك لا تحمل الهم الذي قد يُثقل كاهلك‪ ،‬ما عليك إلا أن تسعى ثم ترمي‬

‫الحمل عن ظهرك لأن لك حبلآ متينآ و ظهرآ لا يُكسر مستمدآ القوة من القوي العزيز‪،‬‬
‫الذي لم يطلب منك سوى السعي و تكفل لك بالنتائج‪.‬‬

‫محاسبة النفس‬

‫من السهل المضي في هذه الحياة بدون محاكمة للنفس و الإعتقاد أنك محق في كل ما‬
‫تفعل و أن الآخرين عليهم القبول بك كما أنت‪ ،‬و هذا هو الطريق السهل و لكن البطولة‬
‫هي أن تحاسب نفسك و تحكم عليها و على تصرفاتك لأنك ببساطة إنسان يريد التميز و‬

‫النجاح و يريد أن لا يأخذ الطريق السهل الذي لن يوصله إلى تحقيق التميز و الحق و‬
‫العدل و النجاح الحقيقي غير المزيف‪ ،‬هنالك حقيقة مطلقة للأمور و هنالك حقيقتنا التي‬

‫نريد لها أن تكون حقيقة‪.‬‬

‫من صفات الإنسان الناجح و المميز أنه دائم البحث عن الحقيقة المطلقة و ليسى الحقيقة‬
‫التي يزينها له الناس أو تزينها له نفسه و رغباته‪ ،‬فإن كنت هذا الشخص الذي يريد التميز‬

‫و يريد أن يحيا حياة يحكمها الحق و العدل و الصدق فلا بد لك من أن تحاكم نفسك و‬
‫تصرفاتك و قراراتك‪ ،‬لا بد لك من أن تُخضع نفسك و حياتك لمقاييس معينة لا تحيد عنها‬

‫لترضي هواك أو نفسك و ترضي الأنا دون اعتبار لما يجب أن تكون عليه الأمور‪.‬‬

‫إن من أسماء الله ال ُحسنى الحق و العدل‪ ،‬و لكي يكون الله معك يرعاك و يحفظك لا بد لك‬
‫من أن تكون على الجانب الصحيح و تكون أحكامك التي تطلقها لها معايير معينة‪ ،‬معايير‬

‫لا تتجزأ و لا تتغير‪ ،‬المعايير المزدوجة في الحكم على الأمور هي عين الظلم و مجانبة‬
‫للحق و العدل‪ ،‬فكما تحكم على تصرفات من هم حولك لا بد لك من الحكم على نفسك أول ًا‬

‫فتلتزم جادة الصواب‪.‬‬

‫من أين نستقي معاييرنا في الحكم على الأشياء؟‬

‫هنالك القوانين و المعايير الإلهية الموجودة في تعاليم الأديان‪ ،‬هنالك أيضاً القوانين‬
‫الرسمية التي تحكم البلاد و العباد‪ ،‬ثم هنالك معايير شخصية لكل فرد يكونها خلال مدة‬

‫حياته و بنا ًء على قناعاته و خبراته و أفكاره و منظومة القيم التي يؤمن بها‪.‬‬

‫تقع على عاتق كل إنسان مسئولية اكتشاف هذه المعايير و استكشاف نفسه و أين يقف‬
‫منها‪ ،‬ما الذي يؤمن به منها و ما الذي يحتاج لفهمه‪ ،‬ما الذي يرفضه منها و لماذا‪ ،‬ثم‬
‫تتكون لديه معايير معظمها ثابتة و بعضها قد يتغير بنا ًء على ما تتكشف له من حقائق قد‬

‫تكون خفيت عنه من قبل‪.‬‬

‫حين تكون هنالك معايير للخطأ و الصواب لا يبقى سوى جعلها معياراً و مقياساً للأشياء‬
‫في الحياة و لا يتوجب أن يكون هنالك فرق سوا ًء كان الحيد عنها من قبل الشخص نفسه‬

‫أو من قبل غيره من الناس‪ ،‬بالتالي لا بد من أن تكون هنالك جلسة لكل إنسان مع نفسه‬
‫في الوقت و الزمان و الظرف الذي يلائمه من أجل أن يراجع أفعاله و أقواله و مواقفه‪،‬‬

‫ثم يقوم بالحكم عليها و تصحيحها‪.‬‬

‫في ذهن كل واحد منا تجري محاكمات و قرارات و إطلاق أحكام و في كل تصرف لمن‬
‫حولنا نتفق أو نختلف معهم‪ ،‬قد نفصح عن الخلاف إن ُوجد و قد لا نفصح عنه‪ ،‬لكن بلا‬

‫شك عقولنا تقوم بعقد جلسة و محاكمة لتصرفات غيرنا من الناس بالأخص إذا كانت‬
‫تمسنا أو تؤثر علينا‪.‬‬

‫من باب أولى أن نحاكم أنفسنا و نطلق الأحكام على تصرفاتنا فنعقد جلسة المحاكمة و‬
‫نطلق حكماً يتم من خلاله تصحيح المسار و هذا مما يجعلنا متميزين و ينقلنا خطوات‬
‫ضوئية إلى الأمام فتقل أخطاؤنا و نتجنب ظلم غيرنا و نعتذر عن ما نسببه للناس من أذى‬

‫فيرضى عنا الله و يزرع محبتنا في قلوب خلق الله‪.‬‬

‫هذه من الأخلاق التي يحملها المتميزون الناجحون الذين يصنعون التغيير و النجاح في‬
‫مسيرة الحياة‪.‬‬

‫النزاهة و الصدق‬

‫في علم البسطاء قاعدة تقول أن أقصر خط بين نقطتين هو الخط المستقيم الواصل بينهما‪،‬‬
‫و هذه حقيقة علمية يمكن لنا استثمارها في حياتنا و تعاملاتنا فهي إن صحت في الفيزياء‬
‫يمكن بدرجة كبيرة أن تنطبق على حياتنا و بهذا نستثمر علم الفيزياء و حقائق الطبيعة في‬
‫نظرياتنا وتعاملنا مع الأمور المعنوية أيضاً و هذا بلا شك منطقي و عملي و مبني على‬

‫حقيقة من حقائق العلم و ليسى مجرد كلام نظري‪.‬‬

‫في لغة الناس البسيطة حين نتحدث عن الإنسان الذي يتحلى بالنزاهة و الصدق نصفه بأنه‬
‫إنسان مستقيم‪ ،‬و لا بد أن المعنى للاستقامة مأخوذ من بعضه فالقاعدة واحدة للفظ و‬
‫للمعنيين‪.‬‬

‫لا يحتاج َمن يريد أن يصل إلى الحقيقة أن يلف و يلتف حول الأمور‪ ،‬هو واضح و‬
‫طريقه واضحة و لا يحتاج أن يغير الحقائق‪ ،‬الصدق و النزاهة هي من أكبر عوامل‬
‫النجاح في أي عمل‪ ،‬فإذا كان هنالك تاج ٌر بلا صدق و لا نزاهة فسرعان ما يُك َش ُف امره‬
‫و تبور تجارته‪ ،‬و إن ُوجد صان ٌع يغش في صنعته فما يفعله سرعان ما لا يجد رواجاً و‬

‫يفشل و حتى لو حقق نجاحاً مبدئياً فإن هذا نجا ٌح لا يدوم‪.‬‬

‫بعض الناس ممن ينجحون نجاحاً باهراً ثم يطمعون فيقومون بتغيير معايير الجودة و‬
‫تقليلها من أجل أن يستمروا بالربح أو يزيدوه فيقللون مصاريفهم على منتجاتهم فيبدأون‬
‫بشراء مواد أولية أرخص مما بدأوا بها و أيدي عاملة رخيصة و أقل مهارة‪ ،‬سرعان ما‬
‫يتحول نجاحهم إلى الفشل أو على أقل تقدير لا ينمو هذا النجاح و يراوح مكانه فلا يصعد‬
‫و بالكاد يستمر‪ ،‬هذا أكبر خطأ يرتكبه َمن يريد النجاح‪ ،‬فمعايير الجودة من أهم عوامل‬
‫الإستمرارية و التطور‪ ،‬كلما أنفقت المزيد عليها كلما طالت مدة نجاحك و زادت أرباحك‪،‬‬
‫لا تظلم الناس الذين يشترون منتجاتك أو خدماتك بتغيير هذه المعايير فهذا نوع من الغش‪،‬‬

‫و سوف تحصد نتائجه بالفشل و تحول النجاح و الربح إلى الخسارة و فقدان الثقة‪.‬‬

‫إجعل شعارك في حياتك و عملك و كل ما تقوم به هو الصدق و النزاهة‪ ،‬أول ًا و أساساً‬
‫كقيمة أخلاقية إنسانية عظيمة و كسبب رئيسي للنجاح و الاستمرار و التطور الدائم و‬
‫ديمومة هذا النجاح حتى بعد مماتك و ما تورثه لأبنائك و الأجيال التي تليك‪.‬‬

‫كن صادقاً حتى لو شعرت أن هذا الصدق قد يبدو أحياناً ضدك و لكن في المحصلة‬
‫النهائية تأكد أنك ستربح و سيكون النجاح حليفك لأن هذا وعد أن الصادقين سوف يُ َو َّفون‬

‫أجورهم‪ ،‬لا تتحول عن الصدق مهما واجهت من صعوبات فالكذب و الغش و التدليس‬
‫ورطة لا بد من دفع ثمنها و الكذب أسوأ خيار و أظلم طريق و قال الحكماء الكذب حبله‬
‫قصير‪ ،‬كما قالوا إنك تستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت و كل الناس بعض الوقت‬

‫و لكنك لا تستطيع خداع كل الناس كل الوقت‪.‬‬

‫إعلم أن هنالك رقيب عليك هو الله و لن يذهب صدقك و سوف يعينك و إن استمرأت‬
‫الكذب و اتخذته طريقاً لك و لتعاملاتك فإنه سوف يكشفك و لن يوفقك‪ ،‬آمن تأمن‪ ،‬حارب‬
‫الدنيا بصدقك و ستنتصر فأنت قوي بصدقك ضعيف إن كذبت فالكذب أساسه ركي ٌك ه ٌّش‬
‫ضعي ٌف و الحق و الصدق قوي بذاته يستمد قوته من أساسه المتين و من الحقيقة المطلقة‪.‬‬

‫هذا ليسى كلا ٌم نظري بل هو كلا ٌم علمي و عملي تثبت صحته كل التجارب‬

‫الإنسانية عبر التاريخ البشري‪.‬‬

‫العدل‬

‫العدل أساس الملك كما تقول الحكمة البشرية‪.‬‬

‫المعنى الكبير للعدل يمكن تطبيقه على كثير من نواحي الحياة‪ ،‬فأنت إذا كنت عادل ًا فصفة‬
‫العدل سوف تُلزمك بأن تشهد بالحق إذا طُلب منك ذلك حتى لو تعارضت هذه الشهادة مع‬
‫مصالحك‪ ،‬أو إذا كانت تُنصف مظلوماً ضعيفاً ضد ظالم قوي‪ ،‬كما يُلزمك العدل أن تعطي‬

‫للناس حقوقهم فتقوم بواجباتك في أسرتك و في عملك الذي تتقاضى عليه أجراً‪ ،‬و إذا‬
‫استأجرت خدمة من إنسان فإنك تؤدي حقه كامل ًا و تكون عادلاً فلا تبخسه ما أدى إليك‬

‫من خدمة أو عمل فلا تستغل حاجته للعمل بإعطاءه ثمن بخس مقابل عمله‪.‬‬

‫العدل قيمة كبيرة فالعادل قد يدين نفسه و يحكم لغيره في نزاع ما حتى لو على نفسه إذا‬
‫رأى أنه مخطي ٌء أو لغيره حق عنده و هذا يتطلب الشفافية و الصدق مع النفس و منظومة‬

‫قيم لها أساس أخلاقي و ديني عميق يكون من خلالها الإنسان رقيب على نفسه‪.‬‬

‫إذا كان العدل يُكسب الإنسان المتحري للعدل بعض المال أو بعض العلاقات فإنه بالمقابل‬
‫في الصورة الكاملة يُكسبه الرضا و السعادة و يضمن له الفوز في الدنيا و الآخرة‪ ،‬و‬

‫هنالك نماذج كثيرة عبر التاريخ لنهاية الطغاة و الظالمين‪ ،‬لم يدم طغيان و لم يدم ظلم أبداً‪،‬‬
‫مهما طال نجاح الظالم و بدا أنه غالب تأتي لحظة الحقيقة و دفع ثمن الظلم فلا تكن‬
‫ظالماً‪.‬‬

‫قد تقول هذا على مستوى الدول و الحضارات و الطغاة من أمثال عاد و ثمود و فرعون‬
‫و قارون‪ ،‬كلا إنك إن بحثت ستجد هذه سنة في الكون و قاعدة ثابتة لا يعتريها شك‪ ،‬بأن‬

‫الظالم يدفع ثمن ظلمه‪.‬‬

‫أعطي كل ذي حق حقه‪ ،‬لجسدك حق بالراحة‪ ،‬كما أن عليك أن تعمل بقدر ما تستطيع فلا‬
‫تتكاسل و أنت قادر على تأدية واجباتك‪ ،‬كما أن لعملك عليك حق فأدي عملك بأفضل ما‬
‫تستطيع‪ ،‬لأهلك و عائلتك عليك حقوق لا بد من تأديتها‪ ،‬عليك لربك الذي أنعم عليك بنعم‬
‫لا تعد و لا تُحصى حق العبادة‪ ،‬و غيرها من الواجبات‪ ،‬قبل أن تسأل عن ما لك من‬
‫حقوق تأكد من تأدية واجباتك و هذا من أكبر مقتضيات العدل في هذه الحياة‪.‬‬

‫إذا أردت النجاح الحقيقي الدائم الذي يقوم على دعائم قوية و أساسات متينة فعليك بقيمة‬
‫العدل و كن أنت الرقيب على نفسك لتطبيقها في كل مناحي حياتك‪.‬‬

‫التواضع و الاعتراف بالفضل‬

‫من أجمل الصفات التي يمكن أن يتحلى بها الإنسان خاصة إذا كان ذو مركز مرموق و‬
‫كلمة مسموعة هي صفة التواضع‪ ،‬و حين يتكبر شخص فقير أو مستضعَف قد لا يشكل‬
‫ذلك فرقاً بل أنه قد يكون مذموما لأن كل مقومات التواضع تكون متوفرة لديه و يعمل‬

‫بعكسها و التكبر دائماً مذموم على كل الأحوال‪ ،‬فهو يدل على الشعور بالنقص و عدم‬
‫إدراك الضعف الذي ُجبل عليه البشر كما أنه خداع للنفس و عيش بالوهم‪ ،‬و من توافرت‬

‫لديه أسباب القوة و ال َمنَعة و توا َضع بصدق بلا تص ُّنع نال احترام ال َخلق و تقديرهم لأن‬

‫هذا دليل على رجاحة عقله و إدراكه لحقوق غيره و شكره لنعمة الله عليه و اعترا ٌف منه‬
‫بأن الفضل كله لله و أن هذه الحياة فانية بما عليها و المناصب و الفضل فيها مجرد‬
‫أعراض زائلة‪.‬‬

‫لقد ضرب محمد صلى الله عليه و سلم أروع الأمثلة بالتواضع و لو ُح َّق لأحد من البشر‬
‫أن يتكبر فهو‪ ،‬لقد كانت تأتي الجارية الصغيرة تأخذ بيده في أنحاء المدينة و يتبعها‬

‫ليقضي حاجتها‪ ،‬كان إذا هابه أحد قال له ما أنا إلا ابن امرأة كانت تأكل الثريد في مكة و‬
‫حين دخل مكة فاتحاً كاد رأسه يلامس رقبة بعيره مطأطيء الرأس تواضعاً لله‪ ،‬رغم أنه‬

‫أكرم البشر و سيد ولد آدم صلى الله عليه و سلم‪.‬‬

‫علا َم نتكبر و نحن نعلم ضعفنا و حاجتنا و فاقتنا إلى الله‪ ،‬حين ننظر لمن هم دوننا ماذا‬
‫نرى‪ ،‬أليسوا بشراً لهم حقوق و هم من خلق الله مثلنا تماماً‪ ،‬أيضمن أحدنا أن يستمر‬

‫بالنعمة التي هو فيها‪ ،‬لقد استعاذ الرسول صلى الله عليه و سلم بالله من فجاءة نقمته و‬
‫تح ُّول عافيته‪ ،‬قد يصاب الإنسان بمرض عُضال يُحي ُجه لأضعف الخلق‪ ،‬قد يحدث معه‬
‫حادث يجعل له خروجاً سريعاً من الحياة و ما يتمرغ فيه من النعم‪ ،‬كما أن أقوياء اليوم‬

‫هم ضعفاء الغد يهدهم العمر و الزمن‪.‬‬

‫العمل الدؤوب و عدم انتظار الشكر‬

‫حين يقوم الإنسان بأي عمل صغيراً كان أم كبيراً يكون إما عملاً يريد هو القيام به لدافع‬
‫شخصي أو أنه عمل لا بد له من القيام به لأنه من ضمن واجباته و ضروريات حياته‪ ،‬قد‬

‫يكون ملزماً بأداء هذا العمل و عدم تأديته يشكل تبعات فورية مثل فقدانه لعمله إذا كان‬
‫موظفاً و نحو ذلك و قد يترتب عليه تبعات متأخرة إذا كان مدى حريته أكبر في أدائه إذا‬

‫كان على مستوى أسرته أو عباداته أو علاقاته بالناس‪.‬‬

‫بعض الأشياء تكون تبعاتها في الآخرة يوم الحساب حين نقف بين يدي الله‪ ،‬و للأسف هي‬
‫أكثر ما نستهين به لأن تبعاتها ليست فورية و لا توجد جهة منظورة تحاسبنا عليها‪ ،‬هذا‬

‫يحتاج لمن أراد التميز أن يقف عنده و يعطيه الكثير من المراجعة و التدقيق و عمل خطة‬
‫لتصحيحه‪ ،‬فهذه الحياة المنظورة زائلة بلا شك‪َ ،‬من ينكر أن نهاية كل منا الموت‪ ،‬من‬
‫ي ّدعي أن هذه الحياة تدوم‪ ،‬لا أحد‪ ،‬إعمل لدار البقاء التي لا تزول و اصرف جزءاً من‬
‫وقتك و طاقتك لتعمرها و هذا ما يفعله الناجح الحصيف‪.‬‬

‫سواء كان العمل له تبعات مباشرة و أساسية على حياة الشخص مثل الوظيفة و الحضور‬
‫اليومي لمكان العمل أو إجادة هذا العمل فقد يلتزم الشخص بالحضور إلى عمله بانتظام و‬
‫لكنه لا يؤدي هذا العمل بطريقة جيدة لها نتائج مطلوبة لاستمراره في العمل فتأتي التبعات‬

‫في وقت لاحق‪ ،‬مثلاً عندما يتغيب عن العمل يكون لديه فترة معينة للتغيب ثم يفقد العمل‪،‬‬
‫أو كان التقصير بسبب نوعية العمل و قلة الإنتاج و عدم تحقيق النتائج المتوقعة ففقدان‬

‫العمل يأخذ فترة أطول‪ ،‬و بعض أنواع التقصير المتعلقة بالواجبات الأسرية و صلة الرحم‬
‫مثل ًا و العلاقات الإجتماعية و واجب الوالد و الوالدة نحو أسرهم و أطفالهم يكون التقصير‬

‫فيها له تبعات مختلفة و نتائجها أيضاً مختلفة‪.‬‬

‫الإنسان المتميز الذي يسعى للنجاح في هذه الحياة لا يعاني من هذه التبعات‪ ،‬إنه ببساطة‬
‫إنسا ٌن فاعل متميز في أدائه لأعماله حريص على أداء واجباته سوا ًء العملية أو الأسرية‬
‫أو الدينية‪ ،‬هو مرتاح في أداء الأعمال يؤديها بإجادة تامة و بنوعية لأنه أخذ على عاتقه‬
‫إتقان العمل منطلقاً من إيمانه بأن هذه هي الطريقة الفُضلى و المثلى‪ ،‬هو يحصد المكافآت‬
‫من جميع الإتجاهات‪ ،‬ينجح في عمله فيتقدم في وظيفته إذا كان موظفاً و تزدهر تجارته و‬
‫تزداد أرباحه إذا كان تاجراً‪ ،‬منتجاته متقنة الصنع إذا كان صانعاً‪ ،‬علاقاته الأسرية مع‬

‫أسرته من زوجته و أبنائه مزدهرة و حميمة و سعيدة و مع أسرته الممتدة و مجتمعه‬
‫علاقة إيجابية ينال من خلالها حب الجميع و دعوات الوالدين و احترام الأصدقاء و‬
‫الجيران و المجتمع‪ ،‬هو إنسان أخذ على عاتقه إتقان أي عمل يو َكل إليه و يعطي أهمية‬
‫لأي واجب عليه و يتقن كل شيء لا لأنه ينتظر الأجر بل الأجر تحصيل حاصل يأتي‬
‫طبيعياً بسبب إتقان كل ما يقوم به‪ ،‬بل هو يقوم بذلك لقيمة إتقان الواجب‪ ،‬هذه وحدها قيمة‬
‫من أعلى القيم الأخلاقية الإنسانية‪ ،‬و ما المكافآت و لا النجاحات إلا نتيجة طبيعية لهذا‬

‫الإتقان‪.‬‬

‫أتقن عملك لا كأجير ينتظر الأجر بل كفاعل يريد أن يُعلي قيمة من القيم العظيمة و هي‬
‫قيمة إتقان العمل تكون متميزاً و ناجحاً‪.‬‬

‫خذ وقتك في أداء واجباتك بتركيز و حب و إرادة حقيقية لإنجاز ما بين يديك بأفضل ما‬
‫تستطيع‪ ،‬إذا تحدثت مع شخص و تواصلت معه تحدث بحميمية و صدق أعطه وقتك و‬
‫اهتمامك و انظر في عينيه‪ ،‬كن صادقاً حقيقياً و لا تفعل شيئاً فقط لتتخلص منه‪ ،‬إجعل‬

‫هنالك متعة خاصة في أداء أي عمل و اعلم أنك سواء أتقنت العمل أم لم تتقنه سيكون‬
‫الوقت الذي تصرفه له متقارب فلم لا تتقن عملك‪ ،‬كما أن قيامك بالأشياء بلا تؤدة و متعة‬
‫يجعلها مملة و صعبة لكنك لو أحببت ما تقوم به فإنك ستستمتع بكل شيء و سيصبح كل‬
‫عملك و حياتك متعة فأنت مرتاح سعيد تأخذ خطواتك و أعمالك بتوازن و حب و إتقان‪،‬‬

‫إتقان في الإنجاز و في العلاقات و في ردود الأفعال لا تتسرع فلا تخطيء‪ ،‬أو تكون‬
‫نسبة أخطاءك بسيطة‪.‬‬

‫إذن المستفيد الأكبر من إتقان العمل هو َمن يقوم بهذا العمل لأن فوائد إتقان العمل تعود‬
‫عليه بشتى أنواع المكافآت و تمنحه الشعور بالسعادة و الرضا فلا ينتظر الشكر من أحد و‬

‫يعلم أنه لو لم يتم تقديره من الناس فله أيضاً مكافآت من الله على إتقانه لعمله فهنيئاً لمن‬
‫إتقان العمل ديدنه و ممارسته الدائمة فهو الرابح الأكبر في هذه المعادلة بلا أدنى شك‪.‬‬

‫الترفع عن الصغائر و التمسك بمعالي الأمور و ترك سفسافها‬

‫التجاهل و التغاضي فن من فنون التعامل الذكي مع عدة أمور و هو مفتاح من مفاتيح‬
‫فنون التعامل و التواصل مع الآخرين لمن أجاد هذا الفن و استخدم هذه المهارة‪ ،‬فلا‬
‫يتوجب على الإنسان أن يُعلق على كل كلمة تُقال و على كل تصرف من الآخرين َص ُغر‬

‫أم َكبُر‪.‬‬

‫حين نتجاهل صغائر الأمور و نركز تفكيرنا على ما يهمنا حقاً نقلل الجهد ال ُمضاع و‬
‫يكون جهدنا منصباً على ما نحتاج تحقيقه حقاً‪ ،‬التصرف العشوائي و ردود الأفعال و‬
‫الإنفعال لأتفه الأسباب يجعل الإنسان ُعرضة للتلاعُب فلا يكون له مواقف متينة تتسم‬

‫بالتركيز‪.‬‬

‫حين نحدد أهدافنا و ما نريد حقاً لا ننشغل بالأمور التي لا يكون لها تأثير على هذه‬
‫الأهداف‪ ،‬هنالك دائماً َمن يسعى لوضع عقبات أمام تحقيق الأهداف ربما لتضارب‬
‫المصالح أو حتى بلا هدف‪ ،‬من الذكاء أن نُ َح ّيد الأشخاص من هذه النوعية و نخرجهم من‬
‫المعادلة لأن الإنشغال بهم يكون عائقاً أو عامل تأخير و تثبيط أمام تحقيق ما نريد من‬

‫أهداف و يتم استنزاف طاقتنا فيما لا يفيد‪.‬‬

‫إنك حين تتجاهل سفاسف الأمور و تتمسك بالمعالي منها تتولد لديك لذة خاصة و شعوراً‬
‫بأنك انتصرت على نفسك بشكل أساسي لأنك استطعت أن تضبط ردود أفعالك و كانت لك‬
‫اليد الطولى و القرار الأول في كيفية التعامل مع ما يحزبك من أمور عارضة‪ ،‬بالمحصلة‬

‫أنت الذي ترسم خارطة الطريق لنفسك و لا تدع أفعالك في مهب ريح المتغيرات و‬
‫تصرفات الآخرين‪.‬‬

‫يكون ذلك عبر عملية ذهنية سريعة تدرب نفسك عليها من خلال الممارسة و التعامل مع‬
‫الآخرين و التعلم من الأخطاء من خلال جلسات من التأمل تقوم بها بشكل دوري فلا تمر‬

‫بك تجربة إلا تعلمت شيئاً منها‪ ،‬فمثلاً انفعلت مرة من موقف استفزك فيه أحد الناس ثم‬
‫ندمت على انفعالك أو تضررت من خلال انفعالك و لم تحقق ما أردت تحقيقه بسبب ذلك‪،‬‬

‫يمر عليك موقف مشابه له فتنفعل مرة أخرى و تنسى ما حصل قبلها من تجربة سابقة‪،‬‬
‫موقف مثل هذا يدل على أنك لا تقوم بالتأمل و التعلم من أفعالك السابقة و يتعين عليك‬
‫مراجعة نفسك و العمل على التدرب لتكون ردود أفعالك مفيدة و تصب في مصلحتك لا‬
‫في مصلحة خصمك أو من يريد أهدافاً عكس أهدافك و تتعارض مصالحه مع مصالحك‪.‬‬

‫أترك الصغائر و ابتعد عنها‪ ،‬ركز على أهدافك العالية و لا تضيع وقتك و جهدك على‬
‫الصغائر تكن ناجحاً و متميزاً في حياتك‪.‬‬

‫ترك الجدل غير المثمر و المراء‬

‫في كثير من الأحيان ندخل في أحاديث و نقاشات مع الناس الذين نتفاعل معهم في حياتنا‬
‫اليومية و قد تكون هذه النقاشات فكرية فلسفية جدلية و قد تكون متعلقة بالعمل يتم بناء‬
‫قرارات بنا ًء عليها‪.‬‬

‫إذا دخلت في نقاش فكري قد يكون عن المباديء أو العقيدة أو تحليلات تاريخية أو‬
‫سياسية أو اجتماعية أو غيرها من الحوارات التي يستمتع الناس في الحديث عنها و‬
‫يطورون أفكارهم و يتبادلون من خلالها العصف الفكري فينضجون و يتعلمون من‬
‫بعضهم البعض و يشكلون أجزاء من شخصياتهم و يبلورون مواقفهم و مبادئهم من خلال‬
‫هذه النقاشات و غيرها من وسائل التطور الفكري مثل البحث و القراءة و التفكر و التعمق‬
‫في المعلومات التي تتوفر لديهم‪ ،‬و هذا شيء محمود و مفيد حيث أن الجنس البشري تميز‬
‫بالنواحي الفكرية و القيمية عن غيره من الأجناس‪ ،‬كما تميزت الشعوب و الحضارات‬
‫بمقدار ما توصل إليه علماؤها و مفكروها من أفكار و مباديء و قيم‪ ،‬و كلما زاد عدد‬
‫المفكرين و الفلاسفة و العلماء في مجتمع ما كلما زادت فرص تقدم و تطور و ُرقي هذا‬

‫المجتمع‪.‬‬

‫إذن نتوصل أن الهدف من هذه الأحاديث و هذا العصف الفكري هو مشاركة الأفكار و‬
‫التوصل إلى توسيع الأفق و من فوائده استكشاف المزيد من الخيارات و الطرق للتعامل‬
‫مع أحداث الحياة‪ ،‬و هنالك أمور يمكن القول عنها أنها صحيحة أو خاطئة و لا بأس في‬
‫النقاش للتوصل إلى أرضية مشتركة من خلال النقاش و تحديد الصواب من الخطأ‪ ،‬و لا‬

‫نتحكم في تغيير رأي ُمحاورنا‪ ،‬قد تقتضي الحكمة التبليغ فقط و لا يجوز إلزام غيرنا‬
‫بشيء حتى لو كان ديناً فقد ع ّلمنا ربُنا فقال (لا إكره في الدين)‪ ،‬كما أن هنالك أمور فيها‬
‫وجهات نظر مختلفة و ليسى فيها خطأ أو صواب إنما هي أفكار يأخذ منها ك ٌل ما يناسبه‪،‬‬

‫و لو تطابق و تشابه الناس في أفكارهم و مبادئهم و خبراتهم لما كان ذلك التنوع بين‬
‫الناس و التميز لكل إنسان‪.‬‬

‫إذا أردت أن تكون ناجحاً و متميزاً عليك أن تطور مهاراتك بحيث تنثني عن الجدل العقيم‬
‫و تكون ذكياً بحيث تكتشف من يريد الجدل و لا يهدف للعصف الذهني و لا يبحث عن‬
‫الحقائق و متعصب فلا يغير رأيه حتى لو رأى الحق‪ ،‬فعليك في هذه الحالة أن تترك‬
‫جداله فهو عقيم لا يوصلك لشيء و يستنزف طاقتك و يضيع و قتك بلا طائل‪ ،‬و لا تكن‬

‫أنت ذلك الشخص المجادل بل استمع لغيرك و أبق ذهنك منفتحاً متقبلاً للأفكار المختلفة‬
‫عن أفكارك لكي يبقى لك مجال لتتعلم جديداً كل يوم و تتطور فكرياً و أخلاقياً و علمياً‬

‫فتتأثر و تؤثر‪.‬‬

‫عدم الدخول بمعارك خاسرة‬

‫قيل انتقي معاركك‪ ،‬و هذا قول غاية في الروعة و الحكمة‪ ،‬على كل منا أن يستكشف نقاط‬
‫ضعفه و نقاط قوته‪ ،‬و في بعض الأحيان يكون محقاً و لكنه لا يستطيع في وقت معين أن‬

‫يثبت ذلك الحق نتيجة لتضافر عدة أسباب‪ ،‬لا بد أن نمتلك مهارة انتقاء ما نحارب من‬
‫أجله و إن كان يستحق بذل الجهد و ما سيترتب عليه من نتائج إيجابية أو سلبية‪.‬‬

‫لا تدخل معركة محكوم عليها بالفشل لمجرد أنك ترى أنك على حق‪ ،‬قد تكون مخطئاً‪ ،‬قد‬
‫تكون بحاجة إلى مراجعة معلوماتك و التأكد من بعض الأمور‪ ،‬قد يكون الحق معك و‬
‫لكن نقاش الموضوع يؤدي إلى نتائج أنت بغنى عنها‪.‬‬

‫انتقي معاركك و لا تدخل في معارك محتومة الفشل و الخسارة أو لا تفيدك و لا تضيف‬
‫إليك شيئاً‪ ،‬درب نفسك على الصمت حين يُتوقع منك الكلام‪ ،‬و على الحلم حين يُتوقع منك‬

‫الغضب‪ ،‬و كلما قللت عدد المعارك التي تخوضها كلما قللت خسائرك‪.‬‬

‫إجعل هدفك مصادقة الناس و التفاعل معهم عوضاً عن معاداتهم‪ ،‬إكسب صديقاً بدلاً من‬
‫أن تجعل لك عدواً‪ ،‬و لا تستدر كره و معاداة الناس بالدخول في معارك مع كل من‬

‫يخالفك الرأي بل ابحث باستمرار عن نقاط الاتفاق بينك و بين الناس و تجاوز الخلافات‪.‬‬

‫المعارك الوحيدة التي يجب أن تخوضها هي لمنع ضرر أو لإصلاح أو لشيء خاطيء‬
‫يتعارض مع مباديء الحق و العدل و الصواب‪ ،‬عدا عن ذلك لا يتوجب استدرار عداوة‬

‫من حولك بل اكسبهم إلى صفك بذكاء و محبة و حلم‪.‬‬

‫لا تكن ممن يريدون فقط أن يختلفوا مع غيرهم لمجرد الخلاف‪ ،‬دائماً غاضب و ساخط‬
‫على شيء ما أو أحد ما‪ ،‬لا يعجبه شيء و لا يرضيه شيء‪ ،‬الخلاف هدف له و مزاجه‬
‫دائماً معكر‪ ،‬لا يفعل شيئاً ليغير ما حوله و لكنه دائم الشكوى من كل شيء و كل أحد‪،‬‬

‫سلبي و ُمثبط للهمم‪ ،‬بالتأكيد هذه ليست من صفات َمن يريد النجاح و التميز‪.‬‬

‫ترك السفهاء مع عدم احتقارهم‬

‫حين تحدثنا عن انتقاء المعارك ذكرنا أنك قد تكون محقاً أو أن أحداً ما اعتدى عليك أو‬
‫ضايقك‪ ،‬و لكنك تختار الصمت و التجاهل‪.‬‬

‫نعم‪ ،‬إذا حاول أحد إغضابك متعمداً أو كان مجرد إنسان بسيط أو سفيه فمن الأفضل تركه‬
‫و تجاهل الإساءة التي وجهها إليك‪.‬‬

‫بعض الناس يحفزهم إظهار ضيقك أو ردة فعلك العنيفة تجاه أذاهم لك أو خطأهم في‬
‫حقك‪ ،‬فيأخذون من وقتك و يستنزفون طاقتك و في النهاية لا تستفيد أي شيء بل تتعب‬
‫أعصابك و يصيبك الصداع و لا يُفرق َمن لا يعرف القصة أيكما السفيه‪ ،‬إن علمت سفاهة‬

‫في شخص و تعمده إيذاءك فاتركه و لا تعطيه الحافز الذي يجعله يعود لما يقوم به‪.‬‬

‫كلما زدت جرعة التجاهل لتصرفاته كلما عجلت بتوقفه عن ما يضايقك‪ ،‬بالعامية (ط ّنش)‪،‬‬
‫و لكن لا تحتقره و لا تتجاهله كشخص و لكن تجاهل تصرفاته و كلامه الذي يضايقك‪ ،‬و‬

‫إذا استطعت أن لا تتضايق منه أصلاً فذلك قمة الذكاء و هنا يأتي دور الترفع عن‬
‫الصغائر من غير تكبر على الناس‪ ،‬إنها معادلة دقيقة عليك أن تجدها بالتأمل و التفكير‪،‬‬
‫فأنت تتجاهل التصرف و الكلام و ليسى الأشخاص و تترفع عن سفاسف الأشياء و لكن‬

‫لا تتكبر و تُحسن لمن أساء إليك من غير إذلال لنفسك‪.‬‬

‫كن ذكياً بردود أفعالك و مرن نفسك بالتف ُّكر بالمواقف و التعلم منها بحيث لا تكرر الخطأ‬
‫مرتين‪ ،‬لا بأس من الخطأ أحياناً لكن عليك التعلم من أخطاءك و التطور و التغير‬
‫باستمرار نحو الأفضل تكن ناجحاً في حياتك و تعاملاتك‪.‬‬

‫الحكم على الآخرين‬

‫من يملك الحق في تصنيف الناس و الحكم عليهم‪ ،‬هذه فرصة لبحث جزئية الموضوع‬
‫السابق عن السفهاء من الناس‪ ،‬فحين نحدد أن هنالك إنسان سفيه قد نكون ظالمين في‬

‫حكمنا و قد نكون محقين‪.‬‬

‫دعنا نتفق هنا أننا سنحكم على التصرفات و الأفعال و ليسى الأشخاص حتى لا نكون‬
‫ممن يحتقرون الناس و يصنفونهم‪ ،‬فالناس تختلف تصرفاتهم و ردود أفعالهم من موقف‬

‫لآخر‪ ،‬و من الأفضل للإنسان أن يربأ بنفسه و مشاعره عن تصنيف الناس و الحكم‬
‫عليهم‪.‬‬

‫هكذا قرار يجعل للإنسان صفا ًء في الذهن و القلب و السريرة و النية فيرتاح من عبء‬
‫الحقد و الكراهية و يربأ بنفسه عن التعالي و التكبر على خلق الله‪ ،‬و معرفة معلومة سلبية‬

‫عن شخص لا يجب أن تحدد نظرتنا إليه‪ ،‬فلا نشغل أنفسنا بعيوب الناس و ننسى الإشتغال‬
‫بعيوبنا‪.‬‬

‫إذن لتكون ناجحاً اتخذ قراراً بالحكم على المواقف و الأوضاع و ليسى الأشخاص‪ ،‬و حين‬
‫تناقش لا تضع اللوم على الأفراد بل على الموقف الذي حصل و احصر نقاشك بإيجاد‬

‫حلول بدل البكاء على الماضي أو على ما فات‪ ،‬إجعل هدفك تغيير المواقف لا الأشخاص‬
‫تكون ناجحاً ناضجاً محبوباً و مرتاح البال‪.‬‬

‫انشغل بنفسك و صحح أخطاءك و ركز على أعمالك و لا تصرف وقتك و جهدك بتحليل‬
‫الناس و ماذا قصد فلان من الناس و ماذا يُخفي عل ّان‪ ،‬احتفظ بطاقتك و أعصابك للتركيز‬

‫على مهماتك و انسى غيرك و دعهم لأنفسهم أو لربهم‪ ،‬لم يُنَ ّصبك أح ٌد َح َكماً على الناس‬
‫فلا تُعطي نفسك ذلك الحق تعش مرتاح البال سعيداً و لا تراقب الناس و لا تنتظر آراءهم‬

‫فتموت هماً و كمداً‪.‬‬

‫وجهات النظر‬

‫قيل إن الخلاف أو بتعبير أصح الإختلاف لا يفسد للود قضية‪ ،‬إذا كان لديك رأي يعارض‬
‫رأي غيرك فلا تحكم فوراً لنفسك بالحق‪ ،‬حاول استكشاف ما لدى غيرك من آراء‪،‬‬
‫فللحقيقة أوجه متعددة أنت تراها من زاويتك و غيرك يراها من زاويته هو‪ ،‬حاول‬

‫التعرف على ما لديه و تعلم أن تنظر لكل شيء بشمولية أكبر و تقبل أن الآخر أيضاً‬
‫متمسك برأيه و مقتنع به‪.‬‬

‫لا تدخل حواراً لا تسمع فيه إلا نفسك و صوتك و لا ترى فيه إلا رأيك‪ ،‬هذا تعنت و يقلل‬
‫عندك الإستعداد للتعلم و استكشاف أشياء قد تضيف لك الكثير فتقضي على فرصك بالتعلم‬

‫من الآخرين‪.‬‬

‫خلق الله لكل إنسان فماً واحداً و أذنين اثنتين‪ ،‬إذن المنطق يقول أن علينا أن نسمع على‬
‫الأقل ضعف ما نقول‪ ،‬لا يكن همك أن تصب عليه آراؤك صباً و حين يفعل كلاكما نفس‬
‫الشيء فلن يكون ذلك حواراً بل هو زعيق و صراخ لا يسمع أحد فحواه و يضيع و يذهب‬

‫أدراج الرياح و لا تتحقق الفائدة منه‪ ،‬إذا كنت تريد و تأمل أن يستمع إليك الناس فعليك‬
‫أنت أيضاً أن تعطي ذلك الحق للناس‪.‬‬

‫أعطي الفرصة للآخر للكلام و استمع له بتقبل و محبة و أشعره أنك مهتم بسماع رأيه و‬
‫توصل إلى أرضية مشتركة و اقبل آراءه إن كانت منطقية و اترك الساحة تتسع لأكثر من‬

‫حل و أكثر من رأي تكون ناجحاً‪.‬‬

‫الحوار و فن الخلاف‬

‫سؤال مهم لا بد من توجيهه ‪ :‬كيف تكون محاوراً ناجحاً و شخصاً مؤثراً؟ و سؤال آخر‪:‬‬
‫الحكمة و الموعظة الحسنة ‪ ...‬ضعف؟!‬

‫فن الكلام و الخطاب هو بالفعل فن بكل ما تحمل الكلمة من معنى‪ ،‬سوا ًء كان الخطاب‬
‫مع من يحمل نفس الفكر و المباديء أو مع المخالف‪.‬‬

‫الحديث يتنوع بتنوع المنبر و طبيعة الجمهور المستمع و الهدف من الحوار و لا بد أن‬
‫يُنوع المتحدث أسلوبه إن أراد أن يكون متحدثآ ناجحآ يحقق النتائج المرجوة من حواره‪ ،‬و‬
‫كما قالت العرب‪ :‬لكل مقام مقال‪ ،‬ففي الخطبة مثلآ يكون الكلام موجهآ لجمهور يعلم أن له‬
‫فقط أن يستمع و لا يوجد مجال للنقاش أو الأخذ و الرد‪ ،‬كما يعلم الخطيب أنه يستطيع أن‬

‫يتكلم من خلال خطبته بما أراد دون مقاطعة‪ ،‬و يحق له ذلك‪ ،‬لكن هذا لا ينطبق على‬
‫حوار مع شخص معين عن موضوع ما يكون لكلا الطرفين حق في الكلام و هنا يصبح‬
‫الإسهاب و الإطالة و التفرد المسموح بها في الخطبة شيء ممجوج و ممقوت و يجعلنا‬
‫نرى هذا المحاور غير ناجح في حواره و يثير حفيظة الطرف الآخر للحوار و الجمهور‬

‫على حد سواء‪.‬‬

‫ينطبق هذا الكلام حين تحاور مؤيدآ لآرائك أو مخالفآ على حد سواء‪ ،‬ففي حالة الحوار مع‬
‫طرف آخر تختلف نتائج الحوار و نجاحه باختلاف مهارة المتحدثين‪ ،‬و لا بد في هذه‬

‫الحالة أن يكون هنالك عناية بفنون عديدة مثل فن الإستماع و فن التعامل مع الخلاف و‬
‫تحقيق الهدف من الحوار يكون أفضل كلما كان المحاورون أكثر مهارة و فطنة و معرفة‬

‫بما يتوجب لهم و ما يتوجب عليهم‪.‬‬

‫إذا كان الحوار مقابلة يُسأل فيها خبير في شأن ما فمن الحكمة أن يستمع للأسئلة و يجيب‬
‫عليها بتركيز و لا يجيب بما ليسى له صلة بالموضوع المطروح كما أن مثل هذه‬

‫الحوارات من مثل البرامج التلفزيونية يكون لها وقت محدود و خطة مسبقة لا بد من‬
‫مراعاتها و الإلتزام بها‪ ،‬هي في الغالب مقيدة و يديرها شخص لا بد من احترام دوره و‬

‫التوقف عند طلبه و الإستماع إليه ليتم تحقيق الغرض من هذا اللقاء‪.‬‬

‫اليوم أردت أن أركز على الحوار مع المخالف في الرأي لما لهذا الموضوع من أهمية‬
‫لمن أراد أن ينشر فكرآ و يقود الناس إلى الخير و يتطور هو نفسه من ناحية العمق في‬

‫إدراك مواقفه و ثوابته و متغيراته‪.‬‬

‫إن المحاور الناجح يعلم أن لديه ثوابت و لديه متغيرات‪ ،‬يدرك أنه قد يرى الحق عند‬
‫الطرف الآخر و لا بد أن يتبناه فور إدراكه أنه الحق و تتلخص الطريقة العلمية لأي‬

‫نشاط بأن يمر الشيء بالخطوات التالية‪:‬‬

‫اولآ‪:‬‬

‫تحديد الأهداف؛ ما الذي تريده من هذا الحوار‪ ،‬أنت لم تحضر لمجرد الكلام فالكلام كثير‬
‫لكنك تركز على أهداف معينة تريد تحقيقها من حوارك‪ ،‬هي ليست جلسة دردشة تقفز‬

‫خلالها من موضوع لآخر بلا تركيز و لا هدف‪ ،‬لا بد من تركيز كلامك كله في محاور‬
‫الموضوع الذي أنت بصدده‬

‫ثانيآ‪:‬‬

‫تحديد استراتيجية للحوار؛ ما هو الأسلوب الذي ستتبعه في الحوار‪ ،‬كم ستتكلم من‬
‫الوقت‪ ،‬هل سيكون الحوار أخذ و رد أم سيستمع كل للآخر ثم بعدها يرد عليه‪ ،‬و‬
‫استرتيجية الحوار مهمة جدآ لأنها ستحدد إن كان المحاور ناجحآ في حواره أم لا‬

‫فلو حاورت مخالفآ لك يكون هدفك بشكل عام إقناعه بوجهة نظرك‪ ،‬لكن من الحكمة أن‬
‫يكون هدفك أسمى من ذلك و هو التعاون مع المخالف لتجد معه الحق بمشاركته و‬

‫مشاركتك معآ‪ ،‬كثيرآ ما يستل المتحاورون سيوفهم لإثبات آرائهم و حتى لو رأو الحق‬
‫فإنهم ينكروه فيتحول الحوار إلى جدال عقيم‬

‫علينا أن نجد أولآ نقاط الاتفاق مع مخالفنا‪ ،‬ندخل الحوار بذهن منفتح و بدون أحكام‬
‫مسبقة‪ ،‬لا ينجح الحوار إذا كان الهدف تلقين المخالف درسآ و توعده بالخزي و الهزيمة و‬

‫المحاولة بشتى الطرق للنيل منه و إسقاطه و احتقاره فأنت بهذا تكون خاسرآ لأنك لم‬
‫تحقق ما جئت من أجله‪.‬‬

‫لا مانع من أن تغير رأيك و توافق مع محاورك و تتواضع تواضع العلماء فهذا لا ينتقص‬
‫منك بل يعلي من شأنك و يجعل محاورك يحترمك و يعاملك بالمثل إلا إذا كان هدفه‬

‫الجدال فاترك ذاك و لا تحاوره فحواره جهد مضاع لا يستحق وقتك و جهدك و طاقتك‪.‬‬

‫لا بد من إقناع محاورك بذكاء أنك صديق لا عدو و لا تثر حفيظته أو تهينه أو تستهزيء‬
‫بكلامه‪ ،‬بل استمع له باهتمام و انظر بعينيه و أشعره بالإحترام‪ ،‬إجعله يحبك و يحترمك‬
‫فالبغضاء أدعى أن توسع الهوة بينكما فيزيد الخلاف و تفشل في حوارك و لا تزيده إلا‬

‫إصرارآ على رأيه فتأخذه العزة بالإثم و قد تكون سببآ في ضلاله‪.‬‬

‫لا بد لصاحب المباديء الباحث عن الحق أن يجعل الأنا عنده متقلصة مضمحلة و يقدم‬
‫عليها فكره و منطقه و مبادئه‪ ،‬من يريد النزال و القتال و إهانة الناس فمكانه ليسى منابر‬

‫العلم و العلماء و لا مهمته نشر الحق بل مكانه ساحة المعارك و الحروب‪.‬‬

‫لا يجب أن يغضب من هو على الحق‪ ،‬هو مرتاح مطمئن فالحق قوي بذاته و كل ما عليه‬
‫أن يصدح به بكل ثقة و أدب و احترام ‪ ،‬إن لم يفعل يظلم الحق و يكون مانعآ لنشره بدل‬
‫أن يكون من دعاته‪ ،‬يتكلم من على الحق بثقة و إيمان لا يتعصب فصوت الحق عال بلا‬

‫صراخ‪ ،‬الصراخ و الشتم للضعفاء الذين لا يمتلكون الحكمة و لغة الحوار التي تليق‬
‫بالحق لغة محترمة راقية‪ ،‬الحق جميل واضح ينبري له من هو مؤهل و لديه أدوات‬

‫مناسبة لإظهاره و المنافحة عنه‪.‬‬

‫من الذكاء أن توصل لمحاورك شعورآ بصفاء سريرتك و إشعاره بالحميمية و أنك لست‬
‫عدوآ له _ ولو كنت فظآ غليظ القلب لانفضو من حولك_‪ ،‬ليكن لديك حس الفكاهة و‬

‫التسامح و القرب من محاورك‪ ،‬و هذا ضرب من القوة و ليسى الضعف كما يفهم البعض‪.‬‬

‫ثالثآ‪:‬‬

‫نتيجة الحوار؛ ليسى بالضرورة أن يتم الإتفاق في النهاية بين أطراف الحوار‪ ،‬هي آراء‬
‫يعرض ك ٌل رأيه و يترك التأثير لربه فالداعي إلى الحق ليسى عليه أن يقلق بالنتائج فهذه‬

‫لله سبحانه و تعالى فهو يدعو بالحكمة و الموعظة الحسنة و يحاور بالتي هي أحسن و‬
‫الهدى على الله يهدي من يشاء و يضل من يشاء‪.‬‬

‫من أعظم قصص الحوار قصة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم مع عمرو بن هشام حين‬
‫ابتعثه كفار قريش ليحاول إقناع النبي بترك الدعوة و أغراه بكل ما أوتي و حتى أن ذلك‬
‫كان مهينآ بالنسبة للنبي عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم‪ ،‬مع ذلك انتظر الرسول العظيم‬
‫بصبر و ثقة و إيمان حتى فرغ محاوره من كلامه تمامآ ثم قال له‪ :‬أفرغ َت يا أبا الوليد؟‬

‫سبحان الله هو محمد بن عبد الله معلم الناس الخير و الحق و ال ُرقي‪ ،‬ثم ماذا كانت النتيجة‪،‬‬
‫حين عاد أبو الوليد قال الكفار لبعضهم بعضآ أنه عاد بوجه غير الذي ذهب فيه‪ ،‬لقد‬

‫استطاع صلى الله عليه و سلم بوقت و جيز أن يغير وجه محاوره و يريه الحق بكل إيجاز‬
‫فلنتعلم منه فن الحوار صلى الله عليه و سلم‪ ،‬كما أن النتيجة النهائية هي أن عمرو لم يسلم‬
‫و هذا لا ينتقص من حوار الرسول فهو قد اقتنع و آمن و لكن بغيه و كفره منعه عن رؤية‬

‫الحق‪.‬‬

‫رابعآ‪:‬‬

‫لا يجب الظن أن الحوار المهذب و اللين في الخطاب و تقديم بعض التنازلات هو ضعف‬
‫بل هو قوة و ثقة و مثال ذلك في صلح الحديبية حين أصر المفاوض من قريش على عدم‬

‫ذكر أن محمد رسول الله فطلب الرسول من علي محوها‪ ،‬هل كان ضعيفآ صلى الله عليه‬
‫و سلم بذلك حاشا و كلا بل هي القوة و الحكمة و الإيمان بنصر الله و التعالي عن أمور‬
‫اقل أهمية من أجل تحقيق الهدف الأسمى‪ ،‬و كفى به معلمآ للبشرية صلى الله عليه و سلم‪،‬‬

‫لقد كان أشجع الناس و أجرأهم لكنه كان محاورآ عظيمآ‬

‫الإعجاب بالنفس و التمسك بالرأي‬

‫إن هنالك حقيقة مطلقة لكل شيء بلا شك‪ ،‬و الذي يدرك هذه الحقيقة المطلقة هو من يحيط‬
‫بالشيء إحاطة تامة‪ ،‬و يأخذ كل تفاصيله من كل الجوانب فيتمكن من الحكم عليه حكمآ‬
‫صحيحآ كاملآ ليسى فيه شك‪.‬‬

‫من يتسنى له ذلك؟‪.‬‬

‫سؤال قد تكون إجابته واضحة‪ ،‬فالله سبحانه هو الوحيد الذي يحيط بكل شيء علمآ‪ ،‬و‬
‫طرحي لهذا السؤال هو محاولة لطرح موضوع قد يسهم في إثراء تقبل آراء الآخرين و‬
‫محاولة تقريب وجهات النظر بين الناس‪ ،‬و تقليل حدة النقاشات و المواجهات بين الناس‪،‬‬
‫فكلما زاد عدد المقتنعين بحقيقة أن آراءهم ممتازة و لكنها تحتاج لإكمالها‪ ،‬و النظر لها‬

‫بعيون الآخرين‪ ،‬مما قد يكشف جوانب كثيرة كانت غائبة عنهم حين بنو أفكارهم و‬
‫أحكامهم‪.‬‬

‫لا يتوجب أن يقطع إنسان بفكرة حسب رأيه فقط‪ ،‬لا بأس من تكوين قناعات معينة و لكن‬
‫قناعته أنه قد تتكشف له حقائق و جوانب أخرى كانت غائبة عنه‪ ،‬تولد لديه الإستعداد‬
‫للأخذ و الرد و النقاش المنفتح و الذهن المرن لتقبل آراء الآخرين‪.‬‬

‫أضرب هنا مثلآ قصة سيدنا موسى عليه الصلاة و السلام مع العبد الصالح‪ ،‬و يبدو أنه‬
‫كان هنالك موعد مسبق للقاء بينهما‪ ،‬و كان معروفآ صلاح هذا العبد لسيدنا موسى‪ ،‬لم‬
‫يتوقع هذا العبد الصالح أن تكون لدى نبي الله موسى القدرة على الصبر على ما سيختبره‬
‫معه‪ ،‬و بالفعل ذلك ما حصل‪ ،‬لأن الإنسان في جبلته رؤية الأمور من وجهة نظره و بنا ًء‬

‫على ما يتوفر لديه من معطيات‪ ،‬ثم يحكم عليها من خلال منظوره وحده‪.‬‬

‫ما نحتاج أن نتعلمه و نتمرن عليه هو أن هنالك الكثير من الحقائق و الجوانب تخفى عنا‬
‫في كثير من الأمور فلنترك مساحة لرأي الآخرين‪.‬‬

‫بما أننا أثبتنا إلى الآن قصورنا و عدم قدرتنا على الإحاطة بموضوع ما إحاطة تامة و‬
‫بالتالي حكمنا عليه قد يحتمل الخطأ‪ ،‬إذن من المنطقي الآن أن نتخذ قرارآ بإبقاء قنوات‬

‫الإتصال مع الآخرين مفتوحة‪ ،‬فنطور ما عطلناه منها و نعيد استخدامه بشكل فعال‪.‬‬

‫مهارة الإستماع بذهن منفتح و تقبل كامل لما نسمع من الآراء سوا ًء كانت مخالفة لنا أو‬
‫موافقة معنا‪ ،‬من أهم وسائل التعلم‪ ،‬فالرأي المخالف يضيف لنا أبعادآ أخرى لفهم‬

‫الموضوع من جوانب كانت غائبة عنا‪ ،‬و الرأي الموافق يضيف لنا نقاطآ تعزز رأينا و‬
‫تفتح أفقآ أوسع و أرحب لموضوع البحث‪.‬‬

‫الكثير من الخلافات التي نواجهها في حياتنا اليومية لا ضرورة لها‪ ،‬ففي كثير من الأحيان‬
‫نتشارك في الأهداف و رغم ذلك تتصاعد الخلافات‪ ،‬و الحق يقال أن الخلافات لا تكون‬
‫خلافات حقيقية و إنما نفتعلها لأن الأنا تتكلم و تصرخ و يعلو صوتها على الحقيقة و‬
‫الحق‪ ،‬و المضحك أن بعضنا أحيانآ نكون متفقين و لكننا (نتجادل) فقط لأننا نريد أن لا‬
‫نتفق‪ ،‬نحن متعودون على الجدل و الصياح و كل منا يريد استعراض عضلات لسانه و‬
‫يريد أن يكسب الجولة‪ ،‬فهو دائمآ المنتصر‪.‬‬

‫إذن هنالك فرق كبير بين النقاش من أجل الوصول إلى أفضل الخيارات المتاحة‪ ،‬أو‬
‫الجدال الذي لا يرتبط إلا بإرادة كل فرد على إثبات رأيه‪ ،‬و صب رده عل نظيره صبآ‪،‬‬
‫فيكون نقاشآ عقيمآ لا يتمخض عنه فوائد‪ ،‬بل هو عبارة عن صراع و استنفاذ للطاقات‪ ،‬و‬

‫لا أحد يخرج منه منتصرآ‪.‬‬

‫أما الصورة المقابلة المشرقة للموضوع‪ ،‬فهي أُناس همهم البحث عن مكامن الحقائق‬
‫وإيجاد الحكمة أينما وجدت‪ ،‬و بغض النظر عمن صدرت‪ ،‬تدهشهم الحقيقة و تلجمهم‪ ،‬و‬
‫يصفقون لها‪ ،‬كيف لا و هي الهدف من التحاور و التشاور‪ ،‬إنهم حين يلقون بما لديهم و‬

‫يدلون بدلوهم‪ ،‬يعرفون ابتدا ًء أن ما يقدمونه هو رأي من الآراء فلا يعلو صوتهم على‬
‫أصوات الآخرين‪ ،‬بل يستمعون أكثر مما يتكلمون‪ ،‬لأنهم مدركون أن لا بد لهم من تبادل‬

‫الآراء و استكشاف ما لدى الآخرين‪.‬‬

‫إن عدم القدرة على الإستماع للآخرين بفاعلية لعائق كبير أمام التعلم‪ ،‬لا يمكن للإنسان أن‬
‫يتعلم بدون أن يكون هنالك مدخلات و من أعظم وسائل الحصول على هذه المدخلات هي‬
‫القدرة على الإستماع للآخرين‪ ،‬و يجب أن يكون استماعآ فاعلآ‪ ،‬بمعنى أنه يحقق الغرض‬

‫منه و هو النظر فيه بذهن منفتح متقبل لا يهدف إلى إجهاضه و إنكاره‪ ،‬فيحقق المرسل‬
‫هدفه الحقيقي في إيصال معلومته بدون أن يتم تشويهها من قبل المتلقي‪ ،‬فلا يجب أن‬

‫تكون هنالك أحكام مسبقة أو أغراض خفية أو إصرار مسبق على عدم الإتفاق مع المتكلم‬
‫مهما قال من الحقائق‪ ،‬لأن هذه المعوقات إن وجدت‪ ،‬فهي تجعل طريق النقاش مسدودآ‪ ،‬و‬

‫يخرج طرفي النقاش منه بلا فائدة‪ ،‬و لا يحقق النقاش الغاية المرجوة منه‪ ،‬لأنه عقيم‪.‬‬

‫من ضمن آداب الاستماع الإنصات و إشعار الطرف الآخر بذلك و عدم الاستهزاء برأيه‪،‬‬
‫بل و التأكيد على نقاط الاتفاق‪ ،‬و إشعار الطرف الآخر بأن الهدف هو الحقيقة‪ ،‬و‬

‫الشخص الذكي هو الذي يعرف إن كان من يحاوره يهدف إلى الجدال‪ ،‬فالأولى له أن‬
‫يتركه و لا يناقشه‪ ،‬لأن نقاشه هو مضيعة للوقت‪ ،‬ويمكن استخدام وسائل أخرى للتواصل‬
‫معه غير النقاش‪ ،‬فلا تتركه لوهمه و جهله و لكن تحاول أن تعلمه بالتدريج كيف يحاور‪.‬‬

‫للأسف كثير من الناس لا يهتمون بانتقاء كلامهم‪ ،‬فيختارون الألفاظ البذيئة في الخطاب‪،‬‬
‫ويعتقدون أن هذه الطريقة تجعل انتباه المستمع أكبر أو أن هذه الكلمة تعبر عما يعتمل في‬
‫صدر المتكلم من انفعال‪ ،‬و هذا خطأ كبير يقع فيه بعض المحاورين‪ ،‬لا بد من أن يطور‬
‫كل متكلم (فلترآ) لكلامه‪ ،‬فينتقي الكلمات الجميلة التي تنم عن احترام الآخرين‪ ،‬و اللغات‬
‫غنية ببدائل كثيرة فلم نستخدم البدائل السيئة؟‪ ،‬إن الهدوء في النقاش و وضوح الأهداف‪،‬‬

‫و العلم بأن الأمور ليست بالضرورة كما نرى‪ ،‬و أن للحقيقة أوجه كثيرة‪ ،‬هذه و غيرها‬
‫تجعل من خطابنا أرقى و تنقلنا إلى عوالم كثيرة غنية من معرفة الآخرين و تتيح لنا التعلم‬

‫منهم و التأثر فيهم‪.‬‬

‫الكلمات ليست ( مجرد كلام ) كما يحلو لبعض الناس أن يقولو بعد أن يُخطئو‪ ،‬الكلام مهم‬
‫و له وقع و تأثير َكبي َرين‪ ،‬أليسى القرآن الكريم كلامآ! و هو أعظم ما تمتلكه البشرية اليوم‬

‫لو َع َق ْلنا‪.‬‬

‫القدوة‬

‫َمن هو قدوتك في حياتك و هل هو شخصية واحدة أم عدة شخصيات‪ ،‬لم نوجد في هذه‬
‫الحياة عالمين بكل شيء فلا بد لنا من أن نتعلم من غيرنا‪ ،‬و البشرية بمجموعها لها من‬
‫الإرث الثقافي و العلمي ما لا يمكن لشخص واحد الإحاطة به‪ ،‬لكن نستطيع أن نحصل‬
‫على ما يلزمنا في أيامنا هذه من العلم و المعرفة الشيء الكثير‪ ،‬كما بإمكاننا الإطلاع على‬
‫موروث هائل من التجارب في جميع المجالات فبضغطة صغيرة على محرك البحث في‬

‫الشبكة العنكبوتية نجد إجابات لكل أسئلتنا تقريباً‪.‬‬

‫يستطيع الإنسان أن يتعلم من شتى الأشخاص الذين ُوجدوا في هذه الحياة و يمكنه أن‬
‫يستخدم من الحلول لما يعترضه من مسائل الشيء الكثير‪ ،‬و هذا شي ٌء محمود و يتيح لنا‬
‫الحصول على عدة حلول لمسألة واحدة و عدة طرق للتعامل مع شتى الأمور في حياتنا‪.‬‬

‫في كثير من الأشياء هنالك عدة طرق متاحة و لكن يبقى سؤال هو هل اخترنا الطريقة‬
‫ال ُمثلى أم اتخذنا طريقة مناسبة لكنها لا تتماشى مع ما نريد حقاً و مفهوم القدوة هو أن‬
‫تتخذ من الناس شخصاً أو أشخاص تحذو حذوهم في معظم تصرفاتك و حياتك و قراراتك‬

‫و حتى أخلاقك‪.‬‬

‫تستطيع أن تتعلم حتى من عدو لك أو مخالف لك في الرأي و تتبع أساليبه في حل بعض‬
‫أمورك و لكن هذا ليسى هو مفهوم القدوة‪ ،‬فالمطلح قدوة يتضمن المحبة و الإتباع لخطى‬
‫َمن تقتدي به‪ ،‬و تتمثل طرقه في تعاملاته و حياته و تصرفاته‪ ،‬فهو شخص تحبه و يمثل‬

‫لك خطوة إلى الأعلى تطمح للوصول إليها‪.‬‬

‫قدوتك قد يكون نبياً أو صحابياً أو قائداً‪ ،‬قد يكون والدك أو جدك‪ ،‬إنه الشخص الذي تسأل‬
‫نفسك ما الذي كان يمكن أن يفعله لو مر في هذا الموقف‪ ،‬قد تمضي حياتك و أنت لم تفكر‬

‫في اتخاذ قدوة أو مجموعة من القدوات‪ ،‬لكني أوصيك باتخاذ مثال أعلى أو أكثر ممن‬
‫وصلوا إلى إنجازات كبيرة في حياتهم حتى تعلم أن ما يستطيع واحد من البشر تحقيقه‬

‫ليسى عصياً على آ َخر‪.‬‬

‫لقد جعل الله الأنبياء و الرسل من البشر لكي يرينا أنهم منا و مثلنا و مع ذلك وصلوا إلى‬
‫أبعد ما يمكن أن يصل إليه بشر على جميع الأصعدة و أنجزوا و حققوا ما يطمح إليه كثير‬
‫من الناس فجعلنا نتوق إلى أن نعلو في همتنا و أخلاقنا و إنجازاتنا فهم سبقونا بذلك و هم‬

‫بشر من جنسنا‪.‬‬

‫علينا أن نسعى دائماً نحو الأفضل و اختيار أفضل الطرق لتحقيق أهدافنا ضمن منظومة‬
‫أخلاقية راقية ترضي أرواحنا و تعلو بها و بنا‪.‬‬

‫إذا أردت أن تتميز و تكون ناجحاً ادرس إرثك البشري و اتخذ قدوات لتمشي على خطاهم‬
‫و بنفس الوقت ترسم طريقك المميز و تترك بصمتك لغيرك علّك في يوم من الأيام تصبح‬

‫أنت قدوة لغيرك‪.‬‬

‫التعامل مع الخصوم‬

‫هل الخصومة هي نفسها العداوة أم أنها قد تحمل معاني مختلفة و هل يصح لفظ خصم‬
‫لكل َمن نختلف معه في الرأي؟‬

‫الخصام هو درجة من درجات الخلاف و قد لا يكون من الشدة بحيث يكون عدا ًء‪ ،‬فقد‬
‫نخاصم أعز الناس علينا‪ ،‬إذن الخصام لا يحمل معنى العداء‪ ،‬إنما هو خلاف تفاقَم فوصل‬

‫إلى حد َج َع َل طرفي الخلاف يصلان إلى مرحلة من الغضب و ربما القطيعة‪.‬‬

‫مما لا شك فيه أن الخلافات تحصل بين الناس لأسباب مختلفة‪ ،‬و لا بد لنا من تكوين‬
‫وجهة نظر في هذه الأمور فنوجه لأنفسنا بعض الأسئلة‪ ،‬مثلاً لماذا نختلف و على أي‬
‫أمور‪ ،‬ثم كيف ندير هذا الخلاف و كيف نتعامل معه‪ ،‬الخلاف مشكلة‪ ،‬فقد تباينت الآراء و‬

‫تعارضت المصالح حتى وصلت إلى درجة الخلاف‪.‬‬

‫لكي تكون إنساناً متميزاً ناجحاً عليك في كل مرة تختلف فيها مع غيرك أن تطور من‬
‫طريقتك في التعامل و التعاطي مع هذا الخلاف‪ ،‬فإن كان هذا الشخص قريباً أو حبيباً‪ ،‬من‬

‫أهلك أو أصدقائك فإن هذه فرصة لتقوية العلاقات لا لتقويضها‪ ،‬فإن لم يكن الخلاف‬
‫جوهرياً و لا يترتب أذى من التسامح و التساهل فافعل‪ ،‬أولى الناس بتنازلك و تغاضيك و‬

‫تسامحك هم أقرب الناس إليك‪ ،‬و إذا كان الخلاف مع أحد على مسألة تتعارض فيها‬
‫المصالح و لا بد من المضي في بحث المواضيع و متابعتها و الوصول إلى نتيجة فلا‬
‫بأس بذلك و لكن هنا أيضاً لا بد من الرقي في المعاملة و الخطاب و أن تُري خصمك من‬
‫نفسك تواضعاً و أدباً فلا يتطور هذا إلى عداوة‪ ،‬و إن كان الكذب ينجي فالصدق أنجى و‬
‫أولى‪ ،‬فأنت حين تختلف مع الناس بأخلاق عالية تُعَ ّلمهم و تكون قدوة لهم و قد يكون ذلك‬

‫سبباً مباشراً في حل الخلاف و عدم تطوره إلى الأسوأ‪.‬‬

‫قال رسول الله صلى الله عليه و س ّلم في وصف المنافق من ضمن ما وصفه أنه إذا خاصم‬
‫َف َج ْر‪َ .‬عبّر بخلافك مع غيرك عن رقيك و عن عقلك الراجح و أدبك فأنت لا تمثل في‬
‫الخلافات نفسك فقط‪ ،‬بل قد تمثل عائلتك أو بلدك أو دينك‪ ،‬أنت تمثل آيديولوجية يو َصم‬
‫من خلالها غيرك بنا ًء على تعاملك مع َمن تخاصم‪.‬‬

‫تميّز بالأخلاق و الإستقامة و الأدب عوضاً عن أن تتميز بالسفاهة و الفجور‪.‬‬

‫الأسرة‬

‫أسرتك المباشرة و أسرتك الممتدة و دورهما في حياتك و دورك في حياتهم يُسهم إسهاماً‬
‫كبيراً في تحديد هويتك و مبادئك و مرجعيتك‪ ،‬انتماءك يجعلك تحدد إحداثياتك‪ ،‬مكانك‪،‬‬
‫مكانتك‪.‬‬

‫هذا لا يعني أن تتبعهم على الحق و الباطل سواء‪ ،‬لكنه يجعلك تشكل تصوراً لهويتك‪،‬‬
‫دعمك لهم و دعمهم لك و علاقاتك بهم تجعل لوجودك معاني متنوعة و لا يكون‬

‫محصوراً بك فقط كشخص‪ ،‬هؤلاء مجتمعك الذين اختارهم الله لك لتوجد بينهم‪ ،‬فشكلك‬
‫يشبههم و لغتك هي لغتهم و تتشاركون بالمكان و الزمان و الهوية‪ ،‬هم داعمون لك إن‬
‫أحسنت بعلاقاتك معهم‪ ،‬أعنهم و ساعدهم و كن متواجداً بحياتهم‪ ،‬قدم لهم النصيحة و‬

‫ع ّلمهم و ادعمهم مادياً إن استطعت‪.‬‬

‫قال الشاعر‪:‬‬

‫و من يَ ُك ذا فضل فيبخل بفضله‬

‫على قومه يُستَ ْغ َن عنه و يُذ َمم‬

‫إذا م ّيزك الله بعلم فانفعهم به‪ ،‬أو بمال أعط منه ما تستطيع أو بأي نوع من أنواع الفضل‪،‬‬
‫كن كشجرة مثمرة حتى َلو ُرميَت بالحجارة طرحت الثمر‪ ،‬لا تتعالى عليهم فأنت منهم‪،‬‬

‫ادعم قضاياهم و ق ّو ْم ُهم و ساعدهم بكل ما تستطيع‪ ،‬و إذا احتجتهم أطلبهم و الجماعة دوماً‬
‫أقوى بتعاضدها و تماسكها‪ ،‬كن جزءاً لا يتجزأ منهم و لا تتخلى عنهم عند حاجتهم لك‬
‫كسلاً أو بخلا أو لؤماً‪ ،‬بهذا تتميز و تصبح أقوى و لك مرجعية و أساس‪ ،‬و بنا ٌء متين‪.‬‬

‫و قال شاع ٌر‪:‬‬

‫أخا َك أخا َك إن َمن لا أخاً له‬

‫كساع إلى ال َهيجا بغير سلاح‬

‫المال‬

‫أين يقع المال في حياتك و على سلم أولوياتك و ما هي أهمية المال و دوره في حياة‬
‫الناس‪.‬‬

‫في معرض حديثي عن المال أتناوله من زاوية مختلفة عن ما تم بحثه في فصل سابق في‬
‫كتابي هذا‪.‬‬

‫للمال أهمية كبيرة لا ينكرها عاقل في حياة الناس و قد ذكره الله في القرآن الكريم قبل‬
‫الأبناء فقال عز من قائل (المال و البنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند‬
‫ربك)‪ ،‬فالمال لحاجته و له دور أساسي في حياة الناس كوسيلة للتعامل و تبادل المنافع و‬

‫الحاجات‪.‬‬

‫من أجل أن تنجح في حياتك لا بد لك من كسب المال و السعي من أجل تأمين حاجات‬
‫أسرتك من خلال الكسب و توفير قدر ما تستطيع من رفاهية‪ ،‬و هذا ليسى عيباً‪ ،‬بل هو‬

‫ضرورة لا بد منها لتستقيم الحياة‪.‬‬

‫معظم الوقت من حياتنا نقضيه بالسعي لجمع المال اللازم لإدارة الحياة و تأمين الحاجات‬
‫الأساسية و إن أمكن الرفاهية لأنفسنا و أهلنا‪.‬‬

‫لكي تعتبر نفسك ناجحاً في حياتك عليك أن تجد وسيلة تناسبك و تناسب مواهبك لكسب‬
‫المال الكافي لك و لأسرتك‪ ،‬فأنت مسئول عن إعالتهم‪ ،‬و كلما زاد المال لديك كلما‬
‫استطعت أن تؤمن لنفسك و لأسرتك حياة أفضل‪.‬‬

‫الكسل و القعود مع الإستطاعة لا تجوز في حقك لأن أحد واجباتك الأساسية هي أن تقوم‬
‫بهذا الدور ال ُمتَ َوقّع منك في كل المجتمعات‪ ،‬و البطولة أن يكون كسبك حلال لا تظلم فيه‬

‫غيرك و لا يكون هنالك طمع بالمزيد من المال على حساب علاقاتك بأسرتك و بقية‬
‫نواحي حياتك‪.‬‬

‫كما أن هناك أصول لكسب المال بالطرق المشروعة و الصحيحة‪ ،‬و حين تتقاضى أجراً‬
‫مقابل عمل تقوم به يتوجب عليك تأدية هذا العمل بتميز و إتقان و تقوم بتطوير مهاراتك‬
‫لتحسين أدائك لعملك فلا تكون على الهامش بل تعمل باستمرار لتحسين أدائك بحضور‬

‫دورات تدريبية و كسب المزيد من العلم و مراجعة أخطاءك و تَ َق ُّبل النقد البناء‪.‬‬

‫يتم التماس عذر لك إن انشغلت كثيراً لتأمين الحاجات الضرورية بالإضافة إلى شيء من‬
‫الرفاهية‪ ،‬لكن إذا وصلت لمرحلة تجعل فيها كسب المال شغلك الشاغل الذي لا تنفك عنه‬

‫ليل ًا ولا نهاراً برغم توفر المال لديك فأنت بهذا تصبح عبداً للمال و يكون المال سيدك‬
‫المطاع‪ ،‬و يدخل المال و يتسلل حبه إلى قلبك و وجدانك فتتحول من سيد للمال و الموقف‬

‫إلى عبد مأمور و بدل أن يكون المال وسيلة يصبح غاية وبدل أن تبقيه في يدك تجعله‬
‫في روحك و وجدانك فلا ترى غيره و تكون مذهول ًا فاقداً لعلاقاتك المهمة مع أسرتك و‬

‫أولادك و شريكة حياتك فتتخلى من أجل المال عن مسئولياتك الأخرى‪.‬‬

‫استطاعتك أن تؤمن المال لأسرتك هي نعمة كبيرة و عظيمة و النجاح و التميز منوط‬
‫بإيجاد التوازن بين جمع المال و كسبه و بين الحفاظ على علاقاتك و لعبك دوراً كبيراً في‬

‫حياة أسرتك و حضورك معهم في الأوقات التي يحتاجونك بها في حياتهم‪.‬‬

‫إجمع المال بتوازن و استمتع بحياتك و طور نفسك و علاقاتك و كن سيداً للمال تديره لا‬
‫عبداً يديرك المال كيف يشاء‪.‬‬

‫الموهبة‬

‫يسعى النظام المجتمعي الذي نعيش فيه اليوم إلى الإبقاء على التفكير النمطي في التربية و‬
‫التعليم و إعداد النشء من أبنائنا للحياة من خلال منظومة درجت عليها المجتمعات‬

‫الحديثة‪ ،‬فبعد ولادة الأطفال ببضع سنين يلتحقون بالتعليم في المدارس ثم الجامعات و‬
‫يكون هنالك نظام للعلامات و المجموع مما يؤهل الطلاب للتوجه لدراسة ما حسب‬

‫تحصيلهم الدراسي و حسب عوامل أخرى تتحكم في ذلك مثل الطلب المكثف لدراسة مواد‬
‫معينة و تخصصات مختلفة فيكون الإقبال على دراسة معينة سبباً في ارتفاع المعدل‬
‫المطلوب للالتحاق بها‪ ،‬فمثل ًا الطب و الهندسة تصل المعدلات المقبولة للدراسة فيها‬
‫مستويات عالية جداً‪ ،‬و أصبحت الدراسة و التخصصات أشبه بالعرض و الطلب‪ ،‬قد‬

‫يكون هذا النظام له بعض الأوجه من الإيجابية بحيث أنه نظم هذه العملية و سهلها و‬
‫أصبحت نظاماً ُمتبعاً تقريباً في جميع أنحاء العالم‬

‫باعتقادي أن هنالك إشكالاً أساسياً في هذا النظام و هو أننا نحرم أنفسنا من وضع‬
‫الأشخاص المناسبين في الأماكن المناسبة و بالتالي لا يكون هنالك ما يكفي من المبدعين‬
‫القادرين على إدارة دفة التطور بحدها الأعلى و قد تموت المواهب في مهدها فلا يكتشف‬

‫صاحب الموهبة موهبته في الوقت المناسب و حتى لو اكتشفها فإنها لا تلقى الدعم‬
‫المناسب في الوقت المناسب‬

‫معظم الناس عباقرة لو أُتيحت لهم الفرصة لاكتشاف أنفسهم و ما هم قادرون على القيام‬
‫به‪ ،‬و لو أن لدينا نظاماً متطوراً تربوياً و مجتمعياً يشجع على معرفة ما يحسن كل إنسان‬

‫ثم مساعدته لتطوير المهارة التي لديه و تعزيزها بالتدريب و التعليم مبكراً في حياته‬
‫لحققت البشرية الشيء الكثير في وقت أقل و لاستطاع كل إنسان أن يحقق في حياته أهدافاً‬

‫و نتائج أفضل‪ ،‬لقد قال العالم الكبير آنشتاين و هو من ضمن الكثيرين من العلماء الذين‬
‫عانو بسبب هذا النظام الموجود و المسيطر‪ ،‬قال‪( :‬لو أنك حكمت على سمكة بقدرتها على‬

‫)تسلق الأشجار لعاشت حياتها معتقدة أنها حمقاء‬

‫لقد آن الأوان لإعادة النظر في هذه الأنظمة و الإبداع في العملية التربوية و التعليمية‬

‫كان هذا هو مدخلي للموضوع الذي أنا بصدد بحثه اليوم و هو أن لكل إنسان القدرة و‬
‫الإمكانية للنجاح في هذه الحياة و تحقيق ما يطمح إليه حتى لو أنه أراد أن يصبح مليونيراً‬

‫فلم لا لو أنه عرف طريقه و كانت لديه استراتيجية و تم دعمه و تطوير مواهبه و‬
‫توجيهها توجيهاً سليماً بدءاً بالبيت ثم النظام التعليمي ثم من ق َبل نفسه حين يتكون لديه‬
‫الوعي بذلك فلا يضيع وقته بما لا يُحسن‪ ،‬يستثمر كل طاقاته فيما يحسن و فيما يحب‬

‫الجانب الآخر و الذي هو في غاية الأهمية أن يكون للإنسان خطة‪ ،‬فإن لم تكن لديك خطة‬
‫فانت جزء من خطط الآخرين‪ ،‬يتوجب علينا أن نعلم أن الوظيفة و العمل لدى الآخرين قد‬
‫تمنح الإنسان حياةً متوسطة و لكنها نادراً ما تحقق له الثراء‪ ،‬من يطمح للثراء فإن طريقه‬

‫هو التخطيط و العمل على تأسيس فكرته و استثمار موهبته في العمل الحر‪ ،‬الوظيفة‬
‫تمنحه فقط حياةً مقبولة و في بعض الأحيان يشكو حتى من الفقر‪ ،‬و العمل الحر في‬
‫مراحله التأسيسية يحتاج للعمل الدؤوب و بذل مجهود كبير من أجل إنجاحه و هنالك أمور‬

‫تساعد على هذا النجاح كما يلي‪:‬‬

‫أولاً‪:‬‬

‫إكتشاف ما تُحسن و إيجاد الفكرة التي ستبني عليها عملك و البدء مبكراً في ذلك في‬
‫أوائل العشرينات و حتى يُفضل قبل ذلك و يمكنك البدء بدايات متواضعة جداً فأنت في‬

‫هذه المرحلة تكون لا تزال تحت رعاية أسرتك و لا توجد عليك أعبا ٌء ماديةٌ و لا‬
‫مسئوليا ٌت كبيرة‪ ،‬و هذه الفكرة لا بد أن تكون هنالك حاجة لها و تؤدي خدمة للزبائن‬
‫المحتملين لديك فتقوم باستثمار موهبتك و تطويرها و تبدأ صغيراً ثم تكبر‪ ،‬و من الأفضل‬

‫أن تكون مستمتعاً بما تفعل و تجيده و تبحث باستمرار عن طرق تطويره‪ ،‬بهذا تبدأ‬
‫بصورة عملية و بالتدريج بتحقيق أهدافك التي تبدأ صغيرة و تكبر و تقوى لأنها تبني‬
‫لديك خبرة عملية لا يستهان بها و يكون أساسها متيناً فتعرف كل تفاصيلها و خباياها و‬
‫نقاط القوة و الضعف فيها فتتمكن من التعامل معها مستثمراً معرفتك الدقيقة فيها و خبرتك‬

‫العملية التي تكبر كل يوم من ممارستك لها‬

‫ثانياً‪:‬‬

‫السعي للتطوير المستمر و إجراء التغييرات بحسب تطور السوق فتحدد لنفسك أهدافاً‬
‫جديدة لتكبير مشروعك و العمل على إيجاد فرص و أشخاص آخرين و أسواق أخرى‬
‫فالعالم اليوم قرية صغيرة مفتوحة أمام الجميع‪ ،‬فالركون إلى نجاح صغير حققته و عدم‬
‫إجراء التطوير والتحديث يجعلك محدوداً و يقلل فرص النمو لديك‪ ،‬كما يجب أن تحافظ‬
‫على مستوى الجودة وتزيده لا أن تنقصه و تبدع فيما تفعل و تظل مستمتعاً به و لا يكون‬

‫هدفك الربح فقط‬

‫ثالثاً‪:‬‬

‫كن مستعداً للمشاركة مع الآخرين و إجراء تحالفات و تعاون مع َمن قد يساعدونك و‬
‫تساعدهم في نفس المجال و تكون شراكات مدروسة قانونية و تحقق لك النماء و تجعل‬

‫انتشارك أكبر‪ ،‬لا تعزل نفسك و تعمل وحدك‬

‫رابعا ً‪:‬‬

‫كن مقداماً و شجاعاً في اتخاذ قرارات التطوير بعد دراستها جيداً و لا تتردد كثيراً إذا‬
‫رأيت أن هنالك فرص إيجابية فاقتنصها و حتى لو كان فيها بعض المخاطرة المحسوبة و‬

‫المدروسة‬

‫خامساً‪:‬‬

‫لا تعش في وهم أنك لن تجد صعوبات أو إخفاقات في طريقك‪ ،‬فقد تنجح مرة و تخسر‬
‫مرات و لكن عليك دائماً النهوض و العمل الجاد و عدم الخوف من الفشل فالفشل هو‬

‫خبرة تكتسبها و تقويك و تعلمك أن تتجنبها في المستقبل فما لا يقتلك يقويك‬

‫سادساً‪:‬‬

‫كن صاحب همة و نشاط و ابدأ يومك مبكراً‪ ،‬نم أيضاً مبكراً فالنوم و الراحة أثناء الليل‬
‫يجددان عزيمتك و نشاطك للمواصلة و العمل الدؤوب‪.‬‬

‫سابعاً‪:‬‬

‫لا تجعل كل حياتك عمل ًا فقط بل استمتع بحياتك و خذ إجازة للاستجمام و كافيء نفسك‬
‫بعمل ما يريحك فأنت في النهاية يجب أن توظف نجاحك لراحتك و سعادتك لا أن تكون‬
‫عبداً لهذا المال و العمل و تنسى علاقاتك و أهلك و أن تبني أسرة تعيش معها بسعادة و‬

‫هناء‪.‬‬

‫الدراسة‬

‫حين أتحدث عن الدراسة هنا أعني بها الدراسة الأكاديمية في المدارس و الجامعات‪ ،‬و‬
‫هي بلا شك ذات أهمية في حياتنا‪ ،‬بعض الناس لم يتمكنوا بسبب تضافر عدة أسباب من‬
‫أن ينخرطوا في الدراسة الأكاديمية و لم يستطيعوا الحصول على درجات علمية تؤهلهم‬
‫لأعمال معينة مرتبطة بالتعليم الأكاديمي‪ ،‬هل يعني ذلك الفشل؟ و الجواب الثابت هو لا‪.‬‬

‫للتعليم الأكاديمي أهمية قصوى لا ينكرها عاقل و هي من ضمن العوامل الهامة للنجاح و‬
‫توسع خيارات الدارسين و تفتح لهم أبوباً قد توصد في وجوههم إن لم يكونوا قد حصلوا‬
‫على هذه الدرجات العلمية و الشهادات‪ ،‬لكن هذا لا يمنع أن الشهادة الدراسية هي واحد‬
‫من عوامل متعددة‪ ،‬و كم من الناس من حصل على الشهادات و لم يستفد منها و كم من‬

‫الناجحين ممن لم يُتموا تعليمهم الأكاديمي‪.‬‬

‫سأخاطب هنا ثلاثة فئات من الناس‪:‬‬

‫الفئة الأولى لا زالوا على مقاعد الدراسة‪ ،‬لا بد من بذل الجهد لتحقيق ما تستطيع خلال‬
‫هذه المرحلة‪ ،‬أنت الآن في وقت أفضل ما تفعله هو الدراسة‪ ،‬لديك عائلتك لتدعمك و‬
‫ليسى لديك مسئوليات‪ ،‬ركز قدر الإمكان في النجاح و اختر المجال الذي يناسبك و لا‬
‫تنسى أن العالم اليوم يتطلب ذلك النوع من المؤهلات‪ ،‬إن لم ترغب بذلك و لديك خطة‬

‫مختلفة تذكر أن لا ضرر من بذل أقصى الوسع في تحقيق هدفك بالحصول على مؤهل‬
‫أكاديمي خصوصاً مع توفر العوامل المساعدة عليه‪.‬‬

‫الفئة الثانية هم ممن حصلوا على شهادات أكاديمية و انخرطوا في سوق العمل بنا ًء على‬
‫هذه المؤهلات‪ ،‬فإن تطويرها و الحصول على تدريب و تعليم يُسهم في إثراء فرصهم في‬

‫عملهم و تطورهم مما يجعلهم الخيار الأمثل لمن يبحثون عن ترقية عمالهم و موظفيهم‪،‬‬

‫فلو تساوى مع شخص بجودة العمل و تفوق أكاديمياً فسيكون ذلك سبباً لتفضيله و يكون‬
‫أقدر على المنافسة في السلم الوظيفي‪.‬‬

‫الفئة الثالثة هم ممن تخطو هذه المرحلة و انخرطوا بنشاطات حرة بعيدة عن الدراسة‬
‫الأكاديمية و الشهادات‪ ،‬ينقسمون إلى قسمين‪ ،‬أحدهما قد مضى في طريقه و نجح و عمل‬

‫و اجتهد‪ ،‬طور نفسه و آمن بقدراته و استطاع أن يكون ذو مهنة‪ ،‬احترفها و أتقنها و‬
‫طورها أو انخرط في تجارة أو صناعة معينة و خطط حياته بنا ًء عليها و لا بأس بذلك‬
‫فهذا نجاح قد يوازي أو حتى يفوق نجاح الدارسين أكاديمياً و القسم الآخر ترك الدراسة‬

‫لأي سبب كان ثم ندم في مرحلة متأخرة و بقي ينظر للخلف و يتباكى على فرصه‬
‫المضاعة و كأن النجاح منوط فقط في الدراسة‪ ،‬و هذا خطأ كبير قد يكون سبباً مباشراً‬
‫لفشله و عدم تحقيق الحياة التي يطمح لها‪ ،‬في هذه الحالة لا بد من المضي قُ ُدماً و التطلع‬
‫إلى الأمام و التطور في مجال آخر و التركيز عليه من أجل تحقيق أهدافه و الحياة التي‬

‫يطمح لها‪.‬‬

‫إذا أردت أن تكون ناجحاً متميزاً لا تحصر تعليمك في الكتب بل تعلّم من الحياة و لا‬
‫تجعل الشهادات الأكاديمية مقياسك الوحيد في تقييم نفسك و غيرك‪.‬‬

‫السعادة‬

‫لقد اختلف الناس كثيراً في تحديد مفهوم السعادة‪ ،‬هل السعادة مبنية على الظروف‬
‫المحيطة أم هي متعلقة بصفات الشخص نفسه‪ ،‬هل السعادة شعور أم أسلوب حياة‪ ،‬هل هي‬

‫شيء يمكن التحكم فيه و تغييره أم هو أمر محسوم‪ ،‬يقوم المجتمع البشري في أيامنا هذه‬
‫بمحاولات لقياس مؤشر السعادة في البلدان المختلفة و هذا الأمر لا زال غير دقيق تماماً‬
‫لأن معايير قياسه غير ُمتّفَق عليها و هي على الأغلب حالياً مرتبطة بالحالة الإقتصادية‬

‫بشكل كبير‪.‬‬

‫سأناقش هنا بعضاً من النقاط التي قد تلقي الضوء على مفهوم السعادة‪.‬‬

‫لقد تكلم العلماء عن الهرم الغذائي و هرم الحاجات البشرية‪ ،‬و الهرم بمفهومه أنه له قاعدة‬
‫عريضة أساسية يُبنى عليها الحاجات الأقل ضرورة كلما ارتفعنا بالهرم و لكنها أيضاً‬
‫تصبح لها مدلولات معنوية أقوى و قد نربطها بالمفاهيم العليا أيضاً مثل السعادة و‬
‫الروحانية و الأخلاقية و الإنسانية و دائماً يكون أسفل الهرم ضروري للجسد و كلما‬
‫ارتفعنا أصبحت الحاجة نفسية و روحية و إنسانية‪ ،‬هذا بشكل أساسي هو مفهوم الهرم‪.‬‬


Click to View FlipBook Version