The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

كيف تدير حياتك و تكون متميزاً ، كتاب لمن أراد التميز، يساعدك في العصف الذهني و يسهم في مسيرتك نحو التميز و الإبداع و النجاح، غبدأ برسم خارطة النجاح، كتاب أضعه بين أيدي قرائي لعله يحقق المتعة و الفائدة

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by ريما الخطيب, 2017-02-13 10:30:21

كيف تدير حياتك و تكون متميزاً

كيف تدير حياتك و تكون متميزاً ، كتاب لمن أراد التميز، يساعدك في العصف الذهني و يسهم في مسيرتك نحو التميز و الإبداع و النجاح، غبدأ برسم خارطة النجاح، كتاب أضعه بين أيدي قرائي لعله يحقق المتعة و الفائدة

‫هنالك آية في القرآن الكريم يقول الله فيها (و أَ َنّهُ هُ َو أَ ْض َح َك و أَ ْب َكى)‪ ،‬أخذتني هذه الآيه‬
‫دوماً إلى نوع من الدهشة و التفكر و منحتني الكثير من مشاعر لا أستطيع تحديدها و‬

‫لكنها كثيراً ما تعود إلي و تعصف بي ربما لأن فيها شي ٌء يُعلمني عن الله و هي تخصه‬
‫بصورة مباشرة‪ ،‬هل يمكن أن تكون السعادة في الأساس شيء ينبع من النفس غير متعلق‬

‫بالتأثيرات الأخرى المادية و الظروف المحيطة؟ أم أنها مزيج من العام َلين؟ نعم فالكثير‬
‫من الفقراء تراهم بدت عليهم السعادة و الراحة يضحكون و يلعبون و يمرحون‪ ،‬راضون‬

‫بما لديهم و لا يعبأون بما لا يملكون‪ ،‬في نفس الوقت ترى ممن يملكون الأموال الطائلة‬
‫يشكون من أمور شتى و ينتحر بعضهم من يأسه‪ ،‬و هنالك ممن يملكون الأموال سعداء و‬
‫ممن هم فقراء و تعساء‪ ،‬هذا يثبت على الأقل أن الظروف المادية ليست وحدها التي تحدد‬

‫السعادة‪ ،‬أو هل السعادة مرتبطة بوجود هدف يدفعنا للمضي قُ ُدماً و الخطوات التي‬
‫نخطوها نحو أهدافنا تمنحنا رضى و سعادة‪ ،‬إن كان ذلك أحد العوامل فمن الذكاء و‬
‫الحكمة أن نرسم دائماً لأنفسنا أهدافاً نسعى لتحقيقها فتكون دافعاً لنا للاستمرار و السعادة‪.‬‬

‫أنتقل الآن للسؤال الذي لا بد منه و هو هل أنا سعيد‪ ،‬سؤال لا بد من توجيهه‪ ،‬إن كنت‬
‫سعيداً فلماذا و ما السبب و إن كنت تعيساً ما الذي يتوجب علي فعله لأصبح سعيداً‪.‬‬

‫إذا أردت أن تكون إنساناً ناجحاً و متميزاً عليك أن تساهم في إسعاد غيرك و تستكشف‬
‫الطرق لتكون سعيداً و تتخذ خطوات عملية إيجابية نحو تحقيق هذه الأهداف‪.‬‬

‫كيف تكون زوجاً متميزاً‬

‫على الرجل تقع مسئولية القيادة الواعية للأسرة‪ ،‬إبدأ حياتك الزوجية بالوعي التام لهذا‬
‫الدور المناط إليك‪ ،‬أنت قد اعتدت معظم حياتك السابقة أن تكون فردآ في عائلة‪ ،‬الآن‬

‫ستقع عليك مسئولية القيادة‪.‬‬

‫من الممكن أن يتم التحول بين يوم و ليلة من تابع إلى من هو في مقدمة المسئولية‪ ،‬تذكر‬
‫أن لديك بعض المهارات التي تؤهلك للبدء بدورك الجديد كقائد و مدير للعائلة الناشئة‪ ،‬مع‬

‫تطور عائلتك و نمو مسئولياتك التدريجي لا بد أن تتطور مهاراتك‪.‬‬

‫مثل أي مهارة تكون الإدارة لحياتك في أسرتك قابلة للتطوير و التحسين‪ ،‬لا بد من‬
‫حضور تدريب منهجي و مسبق عن تكوين الأسرة و القيادة للعلاقات الأسرية و الزوجية‪،‬‬

‫كما أن وضوح الرؤيا و التصور عن ما ترغب أن تكون عليه حياتك و علاقاتك ضمن‬
‫أسرتك و وجود منهج مدروس يتم اتباعه سيسهم بلا شك بتجنب العقبات التي تحدث في‬

‫البدايات و تحمل الأسرة إلى شواطيء الإستقرار و الرفاه و الحياة المبنية على أسس‬
‫متينة من التعاون و وضوح الرؤية و الأهداف‪.‬‬

‫أخطر مرحلة في الحياة الزوجية هي العلاقة الجديدة الناشئة بين الزوجين‪ ،‬كن واقعيآ في‬
‫تصوراتك لحياتك مع زوجتك‪ ،‬لا ترفع سقف توقعاتك ظانآ أن كل لحظة من حياتك‬

‫ستكون مثل أول لحظة‪ ،‬إن الحياة كما نحن و أمزجتنا و نفسياتنا متفاوته‪ ،‬قد تكون هنالك‬
‫أوقات من الصمت‪ ،‬فمن غير المتوقع أن يكون هنالك دائمآ ما يقال‪ ،‬إبحث هذه التوقعات‬
‫معها‪ ،‬استمرا في ممارسة الهوايات و الأشياء الفردية التي كنتما تمارسانها‪ ،‬لا تحاول أن‬
‫تقطع نهج حياتها و اهتماماتها‪ ،‬و لا اهتماماتك‪ ،‬إجعل العلاقة بينكما متجددة و غير مملة‪،‬‬

‫فزيادة التركيز على العلاقة و قطع الإهتمامات الأخرى يجعل علاقتكما مملة و فيها‬
‫استحواذ ضار له نتائج عكسية‪ ،‬تفاعلا مع بعضكما كما أنتما و لا تطلبا من بعضكما‬
‫التغير بالضغط و الإكراه‪ ،‬إفهما أن علاقتكما بأسرتيكما مستمرة و لا تدعا الغيرة تدمر و‬
‫تقطع العلاقات الأسرية و استثمرا الكثير من الصبر و التفهم‪ ،‬هذه مرحلة انتقالية في‬
‫حياتكما تحتاج نصحآ مستمرآ من مستشار أو مستشارة لديهم الحكمة والخبرة و السرية‬
‫التامة لتقديم النصح و الإرشاد و إنارة الطريق كلما تطلب الأمر‪ ،‬حتى تصلا إلى الخبرة‬
‫المطلوبة دون المرور بما قد يدمر العلاقة من بدايتها‪ ،‬و هذا إما أن يسبب الطلاق أو‬
‫يستمر الزواج و لكن على أساس خاطيء و تعاسة لبقية الحياة‪ ،‬فبدل أن تكون أسرة‬
‫ناجحة‪ ،‬تكون أسرة مشوهة خالية من مقومات السعادة رغم وجود فرص قوية لكل الأسر‬
‫للوصول إلى السعادة لو تم التعامل مع هذه المرحلة بحكمة و دراية و إدارة سليمة‪ ،‬هذه‬
‫العلاقة هي أهم مشروع في حياتك و ليسى من الحكمة أن لا يتم الإستعداد لها بما يناسب‬

‫أهميتها و لا يتوجب أخذها كمسلمات‪.‬‬

‫لا تتخلى عن دورك القيادي في الأسرة‪ ،‬لا تختر القعود و الركون إلى الراحة و تسلم‬
‫الدفة لزوجتك فتثقل كاهلها‪ ،‬عليك أن تدرك أن دورك في هذه الأسرة هو ما أنت موجود‬
‫لأجله في هذا العالم‪ ،‬عش يومآ بيوم و ابدأ يومك بنشاط و همة و تفاؤل‪ ،‬بدايتك قوية فقد‬

‫أعددت العدة‪ ،‬ركز في عملك و مصدر رزقك و تعامل مع تفاصيل حياتك اليومية‬
‫باستخدام البوصلة التي ستختارها لنفسك‪ ،‬مسئوليتك في أسرتك لا تعني التسلط و الأمر و‬
‫النهي بل الحب و توفير الأمان و الرحمة لأسرتك‪ ،‬لا ترى و تفرض نفسك كسيد مطاع‬

‫بل كقائد ملهم و مسئول محب و مضحي‪.‬‬

‫لديك كل القدرة على مجاملة رئيسك في العمل و الناس في الشارع‪ ،‬لديك صبر عجيب‬
‫على المصاعب و القدرة على الإبتسام و الرحمة و التؤدة والمجاملة‪ ،‬لا تمنح هذه المهارة‬
‫للغرباء و تحرم أسرتك منها‪ ،‬إجعل ظاهرك كباطنك‪ ،‬كن نفسك أينما كنت‪ ،‬غير ما ترى‬

‫أنه سلبي ولا تستسلم لعاداتك السيئة‪ ،‬طور مهارة الصبر لديك‪ ،‬لا تجعل لسانك يسبق‬
‫تفكيرك‪ ،‬لا تسبب الإمتعاض غير الضروري لدى زوجتك فهي أكبر داعم لك و أكبر‬

‫مصدر للمساعدة‪ ،‬اكسب ودها و ولاءها الكامل بذكاء و إدارة‪ ،‬زوجتك هي الداعم‬
‫الأساسي لك فقم بتحفيزها و تقديرها و قدم لها ما تستحق من اهتمام‪ ،‬إستمع لها و كن‬
‫صريحآ و صادقآ معها‪ ،‬تعرف عليها و اتفق معها على الصدق و فتح قنوات التواصل‬

‫بينكما‪ ،‬ضع أسسآ مسبقة للتعامل معها في ساعات الرضى و ليسى في ساعات الغضب‪،‬‬
‫إتفق معها مثلآ انك ستخبرها عن ما يضايقك بصراحة‪ ،‬قل لها مثلآ (اتدرين يا زوجتي‬
‫العزيزة أنني اليوم بالذات أشعر بالضيق وأشعر أنني بحاجة للراحة فلا أرغب اليوم في‬

‫الثرثرة و الإستماع للكثير من هموم الحياة‪ ،‬هل يمكننا أن نؤجل حديثنا ليوم العطلة‬
‫الأسبوعية)‪ ،‬إنك بهذا تقوم بتنظيم علاقاتك و توزيع مسئولياتك على النحو الذي يرضيك‬

‫و لا يسبب لك و لأسرتك المزيد من الضيق‪ ،‬إنه نفس المطلب الذي قد تصيح به في‬
‫وجهها قائلآ (اسكتي‪ ،‬لقد سئمت من سماع الثرثرة التي بلا طائل‪ ،‬و أنا متعب من العمل‪،‬‬

‫وفري لي الجو الهاديء!‪ ،‬نفس الرسالة و لكن الأسلوب الأول يحبب زوجتك و يجعلها‬
‫تبذل كل الوسع في توفير الجو المناسب لك و الآخر يسبب الإمتعاض و البغضاء‪ ،‬و قس‬

‫على ذلك كل الأمور‪.‬‬

‫ضع لنفسك معايير معينة و مدروسة للتعامل مع حالاتك المزاجية‪ ،‬ففي كثير من الأحيان‬
‫لا يكون الخطأ بالظروف المحيطة بنا و لكن بكيفية تعاملنا معها‪ ،‬أدرس ردود أفعالك و‬
‫ضع منهجآ لتصرفاتك في الحالات التي قد تفقد فيها توازنك فتغضب أو تقول أشياء تندم‬
‫عليها لاحقآ‪ ،‬كن أنت العاقل المتسامح الذي يقول و يفعل أفضل ما يمكن في الملمات و‬
‫المواقف الصعبة التي قد يفقد فيها الآخرون توازنهم‪ ،‬و المكافآت من وراء هذا كبيرة و‬

‫متعددة و الرضا عن النفس الذي يتبعها كبير‪.‬‬

‫ضع برنامجآ شاملآ لكل مسئولياتك و لا تغفل عن شيء منها فإن مكانتك تتحدد بمدى‬
‫التزامك بما عليك من واجبات‪ ،‬لم لا و أنت قد حباك الله بما حباك من قدرات‪ ،‬لماذا تختار‬

‫التخلي عن ما وجدت لأجله بسبب الكسل و العجز و قلة المروءة‪ ،‬أنت قادر بعون الله‬
‫على الحفاظ على مكانتك و القيام بدورك على أكمل وجه‪ ،‬ستجد لذة و سعادة في تحقيق‬
‫ما يفترض بك القيام به و ستجد أن هنالك متعة كبيرة في كل خطوة و ستكون الثمار التي‬

‫تجنيها من وراء ذلك كبيرة‪.‬‬

‫ستكتشف عالمآ واسعآ من المكافآت‪ ،‬و كلما زاد عطاؤك زادت هذه المكافآت الحسية و‬
‫المادية و الروحية و المعنوية‪.‬‬

‫كيف تكونين زوجة متميزة‬

‫لا زالت الحياة في بداياتها و لا زالت أمام البنت أمور كثيرة لا بد أن تتعلمها و تستكشفها‬
‫في بداية الحياة الزوجية‪.‬‬

‫كم هو جميل أن تكون هنالك مساحة بيضاء كبيرة على ورقتك كبنت لتكتبي عليها قصة‬
‫نجاح أسرة تبدأ صغيرة و تكبر بالصدق و الحب و العطاء و الإيمان‪.‬‬

‫تقع على عاتقك أنت بنسبة كبيرة مسئولية نجاح العلاقة الناشئة بينك و بين زوجك‪ ،‬أنت‬
‫مدللة عند عائلتك و لك مكانة عند والدك و والدتك‪ ،‬فأنت طفلتهم الصغيرة المحبوبة‪ ،‬لكنك‬

‫بالنسبة لزوجك الحبيبة التي ستملأ حياته بالحب و العطف و الإيجابية‪ ،‬أنت حلمه الذي‬
‫طالما انتظره بشوق‪ ،‬ولكن كأي حلم لدى البشر متى ما تحقق أصبح شيئآ روتينيآ طبيعيآ‪.‬‬

‫لست أحاول أن أكسر أحلامك الوردية على شواطيء الواقع‪ ،‬لكن أحاول أن أنبهك أن‬
‫علاقتك الزوجية ستمر بمراحل و تغيرات كثيرة‪ ،‬الرومانسية و الدلال الزوجي لا ينتهي‬
‫إن عرفت كيف تديرين دفة الحياة الزوجية لصالحك و استطعت بذكاء أن تتعرفي على‬
‫مراحل تطورها و تمحورها‪ ،‬لا تنسي أن جرعة الدلال تكون في أوجها في أثناء الخطبة‬
‫و المرحلة الأولى من الزواج‪ ،‬ثم تمر بمراحل مختلفة من الصعود و الهبوط كما أي شيء‬

‫في الحياة‪.‬‬

‫بداية علاقتك بزوجك يجب أن تكون في معظمها دراسة و اكتشاف لإنسان لم تري منه إلا‬
‫المثالية حتى هذه اللحظة‪ ،‬تقبلك لبشريته و نواقصه أهم عمل لك الآن‪ ،‬اكتشفي أخطاءه‬
‫بحب و تقبل و اخترعي ميكانيكية خاصة للتعامل معها‪ ،‬أبذلي جهدآ واعيآ و مخلصآ‬

‫لتعدلي عاداتك بما يتناسب مع مسئولياتك الجديدة‪ ،‬إن كنت كسولة‪ ،‬جدي طريقة لتصبحي‬
‫أنشط‪ ،‬إن كنت لم تعتادي على العمل في البيت‪ ،‬عودي نفسك‪ ،‬تبني كل الصفات التي‬
‫تشكل الزوجة الناجحة‪.‬‬

‫على عتبات بيتك الجديد اخلعي الأنا و الأنانية‪ ،‬أنت الآن اخترتي أن تأخذي دورآ مختلفآ‬
‫في الحياة‪ ،‬لم تعودي فردآ‪ ،‬أنت زوجة مسئولة و واعية و أنت مشروع أم‪.‬‬

‫حافظي على سرك و بيتك‪ ،‬إن توفر لك من ينصحك و يرشدك من خارج نطاق العائلة‬
‫ممن تثقين بإرشادها و دينها فافعلي‪ ،‬أو اعرضي استشارتك بطريقة ذكية بدون إفشاء‬
‫أسرار أسرتك‪ ،‬تعلمي من كل شيء‪ ،‬اقرأي‪ ،‬دربي نفسك و اعملي جاهدة على إنجاح‬
‫تجربتك‪ ،‬كوني صادقة و سيشعر زوجك بصدقك و تفانبك‪ ،‬كوني معطاءة و كبيرة و‬

‫ترفعي عن الصغائر‪ ،‬لا تؤذي زوجك بذكر أي من أفراد عائلته بالسوء‪ ،‬احبيهم و‬
‫أكرميهم لأجله‪ ،‬لا تجبريه على الإختيار بين رضاهم و رضاك فهذه معركة خاسرة‬

‫خصوصآ الآن‪.‬‬

‫اعلمي أن والدة زوجك هي من أنجبته و ربته و أحبته فلا تنافسيها عليه فيومآ ما ستفهمين‬
‫شعور الأم‪ ،‬أسعديه بوجودك و وجودها في حياته و تذكري أن لك أنت أيضآ أم‪ ،‬لقد كان‬

‫ولدآ عند أمه‪ ،‬و لكنه في حياتك رجل‪ ،‬الأم تربي ولدآ و الزوجة تصنع رجلآ‪.‬‬

‫مهما اعتقدت أنك الأذكى فلست كذلك‪ ،‬مهما ظننت أنك الأقوى لست كذلك‪ ،‬و حتى لو‬
‫كان‪ ..‬تظاهري بعكس ذلك‪ ،‬لا تأخذي مقعد القيادة من زوجك‪ ،‬فتحرمي نفسك من فرصة‬
‫نضوجه كقائد و متحمل لأعباء القيادة في الأسرة‪ ،‬شاركي بطريقة خفية و ذكية في صنع‬

‫القرار في الأسرة بدون إثارة امتعاضه‪ ،‬إن زوجك هو أكبر هدية و أعظم رزق رزقك‬
‫إياه الله بعد معرفة الله‪ ،‬لا تفسدي هذا الكنز بسوء إدارتك‪ ،‬إبقي دائمآ في الظل خلف‬

‫زوجك تنعمي‪ ،‬إن كنت تبحثين عن دورك في أسرتك فلا تقلقي‪ ،‬دورك كبير و ثقيل و‬
‫أعباءه ستكون كثيرة‪ ،‬ولكن الجوائز أيضآ كثيرة‪ ،‬لا تتقمصي دور زوجك و مسئولياته فلا‬

‫تستطيعين القيام بما يفترض أن تقومي به و في نفس الوقت تحرمي زوجك من ممارسة‬
‫دوره و تأخذي منه فرصته للتدريب ليصبح قادرآ على حمل المسئوليات لاحقآ‪ ،‬و انتبهي‬
‫أن بعض الرجال إذا اعتادو الراحة و لم يشعرو بالحاجة للقيام بأدوارهم و مسئولياتهم و‬

‫وجدو من يقوم بها بدلآ عنهم‪ ،‬تنحو جانبآ و استسلمو للكسل و الراحة و الفشل‪.‬‬

‫داعمك الأساسي زوجك‪ ،‬أبقيه سعيدآ راضيآ و دعيه يشعر بحاجتك إليه و إلى دعمه‪ ،‬لا‬
‫تقطعي أمرآ بدون استشارته و لو لم يعجبك قراره‪ .‬لا تجادليه إلا بالتي هي أحسن و‬

‫أحسني إليه بصدق و حب‪ ،‬كوني له أمة يكن لك خادمآ‪ ،‬يمكنك أن تحاولي تغيير رأيه في‬
‫أمر ما بالحسنى و في الوقت المناسب‪ ،‬و إلا فليكن ما أراد إلا إذا كان في معصية الخالق‪.‬‬

‫حياتك مع زوجك ممتدة لباقي العمر فلا تثيري امتعاضه و كراهيته‪ ،‬كوني الزوجة و‬
‫الحبيبة و الصديقة و الحضن الدافيء الحنون ما استطعت‪ ،‬و لا تتواني بالتضحية بدون‬

‫انتظار مقابل‪ ،‬و صدقيني ستتم مكافأتك بشتى الطرق‪( ،‬لا يذهب العرف بين الله و‬
‫الناس)‪.‬‬

‫لا يجوز أن تطلبي أجرك مرتين‪ ،‬لقد ضمنت أجرك من الله عن عملك و تضحيتك‬
‫لأسرتك‪ ،‬فارتاحي و لا تكوني كالأجير الذي ينتظر أن يدفعو له لقاء عمله و لا تشكي و‬

‫تتبرمي‪ ،‬هذه أسرتك و نجاحها منوط بك و فشلها معلق برقبتك و هو فشل لك‪ ،‬كوني‬
‫خادمة في بيتك تصبحي ملكة متوجة و تذكري لا يؤتي الأجر مرتين إلا الله‪ ،‬تعلقي بالله و‬

‫اطلبي الأجر و المثوبة منه وحده‪.‬‬

‫وزعي مسئولياتك على يومك و أسبوعك و سنتك‪ ،‬حاولي أن لا تقصري في أي منها‪،‬‬
‫قاومي غضبك و تقلبات مزاجك و لا تقولي إلا طيبآ‪ ،‬نظمي وقتك و جهدك و كوني جميلة‬

‫و ذكية بتواضع و محبة‪ ،‬كوني اقتصادية ناجحة قادرة على عمل ميزانية و لا تكن‬
‫حاجاتك أكثر من دخلك‪ ،‬امنحي زوجك الرومانسية و اجعليه يرى فراشة تحوم في بيته‬
‫تنبض بالحياة و النشاط و المتعة‪ ،‬إعرفي متى تتكلمي و كم‪ ،‬إعرفي متى تصمتي و كيف‪،‬‬
‫لا تقابليه و تبادريه بالأخبار فور وصوله إلى البيت حتى لو كانت مفرحة‪ ،‬اجعليه يشعر‬
‫أن دخوله بيته بعد غياب النهار هو أهم حدث في يومك بكل هدوء و دعة‪ ،‬تكلمي بصوت‬

‫خفيض يسمعه هو وحده‪.‬‬

‫كلما زاد عطاؤك زادت مكافآتك‪ ،‬فاستعيني بالله و عيشي يومآ بيوم‪ ،‬بعقل و قلب منفتحين‬
‫و معطاءين و محبين و تقبلي الصعوبات و التحديات اليومية بصدر رحب و إيمان بالله و‬

‫اعتماد كامل و توكل عليه وحده‪.‬‬

‫كيف تكون والداً متميزا‬

‫أغلب الآباء في عالمنا اليوم لا يجدون مساعدة ممنهجة لوضع أرجلهم على بداية الطريق‬
‫كآباء‪ ،‬فهم فقط يجدون أنفسهم ملزمين بهذا الدور الذي أُنيط إليهم بطريقة طبيعية تلقائية‪،‬‬

‫كما أن أغلب الشباب لا يفكرون بهذا الدور مسبقآ‪ ،‬بل يتعاملون معه يومآ بيوم بدون‬
‫تخطيط و بدون إرادة واعية لتحقيق أهداف مدروسة لهم في هذه المهمة‪.‬‬

‫إن هذا خلل كبير في أنظمتنا الإجتماعية و الأسرية‪ ،‬ذلك أن للأب دور كبير و فاعل في‬
‫حياة أبنائه‪ ،‬و قد يُسهم بصورة كبيرة في تشكيل شخصياتهم و اتجاهاتهم على جميع‬
‫الأصعدة‪.‬‬

‫معظم الآباء في عالمنا اليوم‪ ،‬حتى في الدول المتقدمة‪ ،‬لا يعرفون طبيعة دورهم في حياة‬
‫الأسرة‪ ،‬و يأتي دورهم متأخرآ جدآ بالنسبة لدور الأم‪ ،‬و قد لا يأتي إلا بصورة مشوهة و‬
‫غير فاعلة‪ ،‬يتم فيها إسقاط التجارب الشخصية سلبية كانت أم إيجابية‪ ،‬و لا تكون هنالك‬

‫أي منهجية في التعامل مع هذا الدور الجديد الهام و المحوري في حياة أي أسرة و‬
‫مجتمع‪.‬‬

‫و السؤال الهام هنا‪ ،‬متى يبدأ دور الأب في حياة أبناءه؟!‬

‫إن دور الأب يبدأ قبل أن يتزوج باختيار الزوجة المناسبة التي يرى فيها القيم و العقل‬
‫الراجح‪ ،‬و حين يتم اختيار الزوجة وفق المعايير الأخلاقية العالية‪ ،‬يتوسم فيها الرجل أن‬

‫تكون أمآ صالحة قادرة على القيام بدور الأم التي تُسهم في تربية أبناء أسوياء و أسرة‬
‫قائمة على القيم و المباديء ‪ ،‬أسرة فيها رعاية جسدية و روحية لأبنائها‪ ،‬واعية لدورها‬

‫في هذه الحياة كإنسانة صاحبة مباديء و تربية سليمة و صحية‪.‬‬

‫ثم إن الزوج في بداية حياته الزوجية يتوجب أن يكون مدركآ لدوره في التخطيط للحمل و‬
‫المساهمة مع زوجته بإعداد البيئة المناسبة لاستقبال طفلهما الأول‪ ،‬فهو لا بد أن يحرص‬
‫مهما كانت مشاغله على الذهاب مع زوجته عند متابعتها للحمل و يرى تطورات الجنين‬

‫في الصور فوق الصوتية‪ ،‬بهذا تتشكل رابطة مبكرة‪ ،‬و مشاعر نحو هذا الجنين الذي‬
‫سيكون عما قريب إبنه‪.‬‬

‫إن تفكير الإنسان و التأمل و تصور ما سيكون عليه كأب قبل أن يكون كذلك‪ ،‬يساعده‬
‫بالاستعداد‪ ،‬و يفتح له مجالآ للتذكر كيف كانت طفولته‪ ،‬ما الذي أعجبه في معاملة والده‬
‫له‪ ،‬ما الذي يحب أن يتميز به و يختلف عن والده‪ ،‬ما هو مفهوم الأبوة و البنوة عنده‪ ،‬هل‬
‫له منظور صحي و تصور صحيح لما يجب عليه فعله‪ ،‬هل يحتاج إلى جلسات أو دروس‬
‫أو هل يحتاج أن يثقف نفسه في هذه المواضيع‪ ،‬و غيرها كثير من الإستعدادات لهذا الدور‬

‫المهم‪.‬‬

‫على الأب أن يفهم أن دوره أساسي و محوري في بيته و مع عائلته‪ ،‬لا يتوجب عليه أن‬
‫يعتقد أن هذه المرحلة ( أعني الحمل و الولادة ) هي شأن المرأة وحدها‪ ،‬عليه أن يُنشيء‬

‫حوارآ مع زوجته و نقاشات توسع دائرة المعرفة لكليهما‪ ،‬يأخذ بيد زوجته في هذه‬
‫اللحظات المهمة من حياة أسرتهما‪ ،‬يقرآن معآ‪ ،‬يتناقشان و يتصارحان‪ ،‬يبكيان و‬
‫يضحكان‪ ،‬قد يحضرا بعض المحاضرات معآ عن دورهما الجديد‪ ،‬فيكون داعمآ رئيسيآ‬

‫لها في أهم لحظات تكوين الأسرة‪.‬‬

‫عند الولادة يكون معها‪ ،‬يساعدها‪ ،‬يهدئها‪ ،‬و ينتظر بشوق إطلالة ابنته أو ابنه‪ ،‬يسجل هذه‬
‫اللحظات الغالية بالتصوير و غيره‪ ،‬فيضفي جو الفرح و الألفة على َمقدم هدية الله لهما‪.‬‬

‫هذه لحظات غالية في تاريخ الأسرة و إذا ذهبت لا تُ َع َوض‪ ،‬لذا لا يجب التضحية بها من‬
‫أجل عمل آخر‪ ،‬يجب أن يفرغ نفسه في مثل هذا اليوم‪ ،‬و كل الناس تتفهم كم هذه لحظات‬

‫مهمة فيعذروه‪ ،‬لا يوجد أي عذر للتخلي عن أسرته في هذه اللحظات‪.‬‬

‫ثم بعد ولادة الطفل يعتقد كثير من الآباء أن الأم هي التي يجب أن تعتني بالمولود وحدها‪،‬‬
‫كلا‪ ،‬يجب أن يكون للأب حضورآ واضحآ في حياة الطفل منذ اللحظة الأولى للولادة‪،‬‬

‫يحمله‪ ،‬يضمه‪ ،‬يقبله‪ ،‬يقوم بالطقوس الدينية و العادات المتبعة حسب ثقافته‪ ،‬يساهم بالعناية‬
‫اليومية بالطفل‪ ،‬فيعطي ذلك رض ًى داخليآ كبيرآ‪ ،‬و دفئآ لا يتوفر في أي مكان غير‬
‫أسرتهم‪.‬‬

‫تنشأ الروابط الأسرية بهذا على أساس متين من الدعم من كلا الزوجين و المشاركة‬
‫الرائعة بينهما‪ ،‬هذا الجو المليء بالحب و الغني بالعناية و الدفء الأسري‪ ،‬يشكل حضنآ‬
‫صحيآ و أساسآ متينآ لتنشئة الطفل القادم‪ ،‬إن الحب و الدفء و الرعاية الصحية و النفسية‬
‫لهذا الناشيء تسهم بشكل كبير منذ نعومة أظفاره بتشكيل إنسان صحيح الجسم و الروح‪،‬‬

‫يخرج لهذا العالم بأفكار إيجابية و محبة و تقبل للآخرين‪ ،‬لأنه َخ َبر و اختبر المعاملة‬
‫الإيجابية من وال َديه فأصبح قادرآ على منحها للآخرين‪.‬‬

‫كم من الأمراض النفسية سببه عدم التربية السليمة في البيت‪ ،‬على الأب أن تكون له خطة‬
‫للمثال الذي يريد أن يكونه لطفله‪ ،‬عليه أن يحرص في كل الأوقات على ضبط أقواله و‬

‫أفعاله أمام هذا الطفل‪ ،‬فالطفل ذكي و يرصد التناقضات التي تصدر عن والده و يتأثر أيما‬

‫تأثر فيها‪ ،‬على الأب أن يكون مثالآ يُحتذى لهذا الطفل‪ ،‬لا يكذب و لا يتناقض و يراقب‬
‫ألفاظة فلا يتفوه بالكلام النابي‪ ،‬ففي مرحلة الطفولة المبكرة‪ ،‬يتعلم الطفل من خلال تقليد‬
‫َمن حوله‪ ،‬فلا يفرق بين الغث و السمين‪ ،‬و على الوالدين أن يحرصا أن تكون مدخلات‬

‫الطفل صحيحة لينشأ طفلهما بالطريقة التي يتمنيان أن يرياها‪.‬‬

‫لا بأس بأن يتم إعطاء الطفل جرعة من الدلال‪ ،‬و لكن لا بد أن يتعلم التمييز بين الصح و‬
‫الخطأ فلا يتم إعطاءه الحق بأذية الأطفال الآخرين‪ ،‬الطفل ذكي و يفهم الكلام جيدآ و يتعلم‬
‫القيَم منذ الصغر‪ ،‬يجب أن يتعلم الصدق و الأمانة و الرحمة و العدل و كل المثل العليا من‬

‫أول يوم‪ ،‬فلا يتم إعطاؤه ما ليسى حقآ له من باب الدلال‪ ،‬و لا يتم تشجيعه على الأفعال‬
‫السلبية بالضحك عليها و تقبلها‪ ،‬بل لا بد من إيضاح كل شيء و شرح كل شيء له‪.‬‬

‫يجب أن يتعلم الإيثار‪ ،‬فإذا اصطحبه والده للعب مثلآ فلا يجب تعليمه أن يستأثر بالأشياء‬
‫لنفسه‪ ،‬يجب أن يتعلم المشاركة و التضحية و العطاء‪ ،‬فيقوم مثلآ بترك لعبة يلعبها ليدع‬

‫مجالآ و دورآ لغيره‪ ،‬فإن لم يتعلم هذه الأخلاق في صغره‪ ،‬لن يمارسها في كبره‪.‬‬

‫إذن أيها الأب الفاضل‪ ،‬عليك القيام بدور فاعل في تشكيل أبناءك‪ ،‬و هذه مسئولية كبيرة‪،‬‬
‫لا بد من تحسين النشء القادم‪ ،‬للقيام بدور أفضل من جيلنا و بعض الأجيال التي سبقتنا‪،‬‬
‫فمن الواضح أن البشرية تمر بأزمة أخلاق و أزمة قيم و مباديء‪ ،‬و الطريقة الوحيدة لحل‬
‫هذه المشكلات هي بأن يكون هنالك أجيا ٌل يتم تربيتها على المباديء و الأخلاق التي قد‬

‫تنتشل البشرية من الحروب و الويلات التي تعانيها‪.‬‬

‫كيف تكونين أماً متميزة‬

‫تبدأ الفتاة مبكرآ في حياتها معظم الأحيان بلعب دور الأم‪ ،‬سوا ًء باللعب أو حين تساعد‬
‫أمها‪ ،‬فالمرأة في أغلب الأحيان تغلب عليها العاطفة و الحس المرهف‪ ،‬و هنالك الكثير من‬

‫العاطفة و الحس المرهف في الأمومة‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬كانت هنالك خبرات بسيطة و بعض الأفكار المسبقة عما قد يكون عليه دورها حين‬
‫تصبح أُمآ‪ ،‬لكن هذا الدور في بداية الزواج يكون غير واضح المعالم و غير متبلور‬

‫بالكامل‪ ،‬فكيف يتوجب إعداد المرأة لنفسها لتكون أمآ مميزة تصنع فرقآ‪ ،‬و يكون لها دور‬
‫إيجابي في حياة أطفالها و دور فاعل في تنشئة جيل يقوم بدور إيجابي في مستقبل‬
‫البشرية؟!‬

‫على عاتقك أيتها المرأة تقع مسئولية المساهمة بنسبة لا يُستهان بها تشكيل شخصية النشء‬
‫القادم الذي سيقود البشرية و يستلم زمام الأمور في الحياة في الحقبة القادمة‪ ،‬فكبار‬

‫العظماء و العلماء و القادة و المفكرين و المصلحين كانت خلفهم أمهات ر َبينَ ُهم ليكونو ما‬
‫كانو عليه‪ ،‬و تقع على أعتاق أمهات بعضآ ممن تسببو بالمآسي للجنس البشري جز ٌء من‬
‫المسئولية‪ ،‬ذلك أن الأم لها دور كبير في تعليم أبنائها و تشكيل شخصياتهم و إيماناتهم و‬
‫مبادئهم‪ ،‬و لا أنكر أن بعض الأمهات يبذلن مجهودآ لا بأس به في التربية‪ ،‬و مع ذلك لا‬

‫تستطيع أن تتحكم بمسار حياة أبنائها و اتجاهاتهم‪ ،‬و لكني هنا لا أتحدث عن الحالات‬
‫النادرة‪ ،‬فعلى الأغلب‪ ،‬إذا تلقى الإنسان تربية صحيحة مدروسة و تم إعطاؤه بجرعات‬
‫مناسبة حسب مراحل حياته و عمره منظومة قيَم مدروسة‪ ،‬و تمت تربيته بعمق و معرفة‬
‫و التزام و مسئولية‪ ،‬فإن ذلك على الأغلب سيكون له كبير الأثر في حياته و كيفية تعاطيه‬

‫مع شئون حياته كلها‪.‬‬

‫لتحقيق التربية السليمة للأبناء لا بد من توافر و تضافر عدة أشياء‪ ،‬فالإنسان يتعرض لعدة‬
‫ُمدخلات‪ ،‬و تتلخص بالبيت‪ ،‬ثم البيئة المحيطة به بما فيها كل وسائل التواصل المباشرة و‬

‫غير المباشرة‪ ،‬و المدخلات المباشرة‪ ،‬أعني بها التماس المباشر مع الناس المحيطين به‬
‫من العائلة‪ ،‬الأقارب‪ ،‬المدرسة‪ ،‬الشارع‪ ،‬و غير المباشرة‪ ،‬من مثل التلفاز و الشبكة‬
‫العنكبوتية و الكتب‪ ،‬و غيرها‪...‬‬

‫هنا يأتي دور الأم في التواصل الواعي المسئول و الحوار مع أبنائها لتقوم بدور الفلتر‬
‫لكل ما يرونه و يسمعونه‪ ،‬ويتفاوت دور الأم في كيفية هذه (ال َفلترة) بحسب عمر الطفل‪،‬‬

‫فطفلها الصغير صاحب السنين التي تعدها على أصابع اليد الواحدة‪ ،‬تستطيع السيطرة‬
‫بنسبة شبه كاملة على المؤثرات و ال ُمد َخلات بالنسبة له‪ ،‬و كلما كبر الطفل عدلت الأم من‬
‫أساليبها و خططها للتعامل معه بما يناسب قدراته العقلية‪ ،‬واستيعابه‪ ،‬و مقدار الحرية التي‬

‫لا بد من رفع سقفها كلما َكبُر في العمر‪.‬‬

‫و عودآ على بدء أقول‪ :‬إن الأمومة سر إلهي‪ ،‬إنها من أسمى العلاقات التي أوجدها الله‬
‫بين البشر‪ ،‬فالأم يجب أن تتمثل بها كل المعاني السامية‪ ،‬من الرحمة و العطف و‬

‫التضحية‪ ،‬الحب‪ ،‬الدفء‪ ،‬الحنان‪ ،‬و الأمان‪ ،‬و غيرها كثير‪ ،‬إنها التي تُقدم بلا انتظار‬
‫مقابل‪ ،‬كل همها أن ترى أبناءها سُعداء‪ ،‬ناجحين‪ ،‬حتى ولو كان ذلك على حساب راحتها‪،‬‬
‫لا بد أن يصل هذا الشعور للأبناء‪ ،‬لأن صحتهم النفسية تبدأ من خلال هذا الشعور‪ ،‬فالأم‬

‫ليست شخصآ عاديآ بالنسبة للأبناء‪ ،‬إنها أيضآ معنى و قيمة‪ ،‬ستصاحبهم بقية حياتهم‪،‬‬
‫حتى بعد مماتها‪ ،‬و رحم الله شوقي حين وصفها بأنها مدرسة لا بد من إعدادها و فهم أنك‬

‫بإعدادها تُعد شعبآ و أُمة‪( ،‬الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبآ طيب الأعراق)‪.‬‬

‫هذا الدعم النفسي و المعنوي للأبناء‪ ،‬هو ما يبني الثقة في نفوسهم‪ ،‬إنه الأساس المتين و‬
‫القاعدة الثابتة التي ينطلقون منها لمواجهة الحياة بصعوباتها و تقلباتها‪ ،‬إنها الحائط المتين‬
‫الذي يستظلون به كلما َح َزبهم أمر‪ ،‬هم من خلال أمهم يؤمنون بوجود الحب و العطاء و‬

‫التسامح في هذا العالم‪ ،‬إنه ما نشئو عليه‪ ،‬و ستكون لديهم القدرة على منحه لمن حولهم‬
‫لأنهم تعلموه و رضعوه‪ ،‬لذا لا بد أن يكون ثابتآ و دائمآ و مستمرآ طوال حياتهم‪.‬‬

‫نأتي الآن على جانب آخر في غاية الأهمية و هو زرع القيم و منظومتها في نفوس‬
‫الأبناء‪ ،‬هذا هو الجانب الرئيسي الذي نسعى لتحقيقه لخير هذه البشرية‪ ،‬إن زرع منظومة‬
‫القيم الصحيحة في نفوس أفراد المجتمع‪ ،‬تشكل في المحصلة المجتمع السليم الذي نطمح‬
‫إليه‪ ،‬و لو قام كل مجتمع بتأسيس إعداد الأمهات ليقمن بهذا الدور الحساس‪ ،‬فإن البشرية‬
‫جمعاء ستنتقل إلى الإزدهار و السلام‪ ،‬قد يظن البعض أن هذا كلام نظري‪ ،‬و لكنه ليسى‬

‫كذلك‪ ،‬أنا أؤمن بأن العالم اليوم‪ ،‬عبارة عن قرية صغيرة‪ ،‬فوسائل التواصل متاحة و قد‬
‫قربت الأفكار و المسافات‪ ،‬و لو تم اتباع مناهج سليمة‪ ،‬لأمكن الإصلاح‪ ،‬و كل هذا يتحقق‬
‫بتضافر الجهود و محاولات الإصلاح و التواصل الإيجابي و الواعي بين كل مجتمع على‬

‫حدة‪ ،‬ثم المجتمعات المختلفة‪.‬‬

‫أطرح هنا دعوة لكل أم و لكل زوجة‪ ،‬تخطط لتصبح أمآ‪ ،‬أن تقوم بتحضير نفسها لهذا‬
‫الدور‪ ،‬بحيث تتشكل لديها قدرات لتكون مثالآ ُيحتذى‪ ،‬و تتحضر نفسيآ و معرفيآ للقيام‬

‫بأهم دور في حياتها‪ ،‬و يكون لديها وعي بأهمية‪ ،‬بل بخطورة هذا الدور‪.‬‬

‫لا أحد يعرف كل شيء‪ ،‬و فوق كل ذي علم عليم‪ ،‬فاستشارة أمهات سبقنها بالأمومة و‬
‫رأت نجاحآ في تربية أبنائها يمكن أن تكون من مصادر تدريبها‪ ،‬بالإضافة للقراءة و‬

‫الاضطلاع على أساليب التربية و استخدام ما ينفعها منها‪ ،‬و ما يتناسب معها‪ ،‬كما أنها‬
‫تستطيع حضور محاضرات و برامج تدريب لإعداد الأمهات‪ ،‬هذا بالإضافة لمحاولة‬
‫تفريغ نفسها لهذا الدور إن أمكنها ذلك‪.‬‬

‫إن إبقاء قنوات التواصل و الحوار مع الأبناء من أفضل ما يمكن أن تقوم به الأم‪ ،‬فهي‬
‫متواجدة بنشاط في حياة أبنائها‪ ،‬هي أقرب صديقة صدوقة لأبنائها‪ ،‬تدعمهم و تعطيهم‬
‫حرية مسئولة‪ ،‬تراقب تطورهم الفكري و القيمي و ال َع َقدي‪ ،‬تدخل معهم في نقاشات َبناءة‬
‫تتشكل من خلالها القيم الإنسانية و الفكرية‪ ،‬تكون داعية لهم للإصلاح و الصلاح‪ ،‬تحاول‬
‫بكل ما أوتيت أن توجه أنظارهم و أفعالهم و أفكارهم إلى ما فيه الخير و الحق و العدل‪.‬‬

‫الأم ليست غائبة أبدآ عن أي مشهد من حياة أبنائها‪ ،‬لكن بحكمة و عقل‪ ،‬ففي المراحل‬
‫الأولى من حياتهم لها الحق بالتدخل‪ ،‬و لكن هذا التدخل يتناقص كلما كبرو‪ ،‬ليصبح بعدها‬
‫بالدعاء لهم بالتوفيق‪ ،‬و بإسداء النصيحة بالحكمة و الموعظة الحسنة‪ ،‬و قد تقلل حتى من‬
‫النصيحة إذا شعرت أن بعض القرارات لهم الحق الكامل باتخاذها‪ ،‬فيبقى دورها فاعلآ في‬

‫حياتهم‪ ،‬و تبقى بحكمتها طوال الوقت لها ذلك الحضور الإيجابي و التأثير الصحيح في‬
‫حياة أبناءها‪.‬‬

‫الحديث عن دور الأم لا ينتهي‪ ،‬وفق الله كل الأمهات لما فيه خير أبنائهن‪ ،‬و خير البشرية‬
‫جمعاء‪.‬‬

‫كيف نصبح عائلة متميزة‬

‫لطالما تمسكنا بإبقاء العلاقات الأسرية ضمن منظومة عاطفية غير محددة المعالم بطريقة‬
‫بحتة‪ ،‬و هذا مفهوم و ُمب َرر لأن الحياة في الأسرة تحتاج أن تكون بسيطة‪ ،‬سهلة‪ ،‬سلسة‪،‬‬
‫فيها أقل ما يمكن من الأنظمة و القوانين التي قد تفرغها من محتواها العاطفي الدافيء‪ ،‬و‬
‫من كونها الملاذ الآمن للإنسان‪ ،‬حيث الدعة و الراحة و الإسترخاء من أعباء و متطلبات‬

‫الحياة‪.‬‬

‫أنا إذ أدعو هنا إلى مأسسة العلاقات الأسرية‪ ،‬لا أدعو بأي شكل إلى إفراغها من هذا البعد‬
‫الضروري‪ ،‬فالجانب العاطفي و سلاسة قوانين الأسرة هي حجر بناء أساسي و معنى‬
‫رئيسي لإبقاء خصائص الأسرة على حالها من كونها مصدر راحة نفسية و سعادة‬
‫لأفرادها‪.‬‬

‫أريد اليوم أن أضيف البعد المؤسسي للأسرة كعنصر يسهم في نجاحها و جعلها زاخرة‬
‫بالعلاقات الإيجابية لأنها حجر الأساس في تكوين المجتمع الناجح الذي يحقق طموحات‬
‫الأفراد فيه لحياة أكثر ازدهارآ و سعادة‪ ،‬و قد كثر حديث العالم عن مؤشر السعادة الذي‬

‫يسعى كل مجتمع في العالم لتحقيقه‪.‬‬

‫من متطلبات نجاح أي مؤسسة برأيي هو أمرين قد يبدوان متناقضين و هما التخصص و‬
‫في نفس الوقت الشمولية‪ ،‬فيتم إعطاء كل فرد عملآ خاصآ به يكون هو تخصصه و‬

‫مسئوليته و يكون هنالك البعد الشمولي حيث تتداخل الأدوار و تتعاون لتكوين تناغم بين‬
‫أجزاءها المختلفة من خلال التفاعل بين الأدوار فتكون كخلية النحل‪ ،‬كل فرد يعرف دوره‬

‫تمامآ و المحصلة جسم متكامل متناغم يكون نتاجه السعادة و الرخاء لكل أفراد الأسرة‪.‬‬

‫تحدثنا فيما سبق عن دور الزوج في مرحلة التأسيس و دور الزوجة أيضآ‪ ،‬ولا بد من‬
‫دمج الدورين معآ و بذل جهد واع و موجه لتوفير دعائم قوية للبدء بتكوين النواة للأسرة‪،‬‬
‫هذه البداية تكون قوية عبر التدريب لكل من الزوجين‪ ،‬فالزوج هو القائد و الإداري الذي‬
‫سيقوم بالمصادقة على القرارات النهائية بعد التشاور و التناصح بينه و بين زوجته‪ ،‬التي‬
‫ستقوم بدورها في المساهمة في اتخاذ القرارات و دعمها و القيام بالتعاون على تنفيذها و‬
‫مراجعتها و تقييمها و تقديم المقترحات‪ ،‬و لتحقيق هذا و ذاك لا بد من نظام للتواصل قائم‬
‫على الإحترام المتبادل لدور كل منهما مع وجود الصدق و الوضوح في الرسائل و متابعة‬

‫التنفيذ بشكل دائم و منهجي‪.‬‬

‫يتم وضع أهداف للأسرة بما يتناسب مع الإمكانيات المتاحة و الموارد المتوفرة و يتم‬
‫تحديد مصادر التمويل و مجالات الإنفاق‪ ،‬هل سيعمل كلاهما خارج البيت أم واحد منهما‪،‬‬
‫ما دور كل منهما في كل من الواجبات‪ ،‬ما هي الخطة الموضوعة للترفيه‪ ،‬فالحياة ليست‬
‫فقط عمل‪ ،‬سيكون هنالك مراجعة دورية للخطط و و القرارات‪ ،‬و هي قابلة للتغيير و فق‬
‫الظروف‪ ،‬فالمرونة و إمكانية إعادة النظر في أي شيء لا بد منها بعد التشاور و التحاور‪،‬‬

‫للوصول إلى أفضل النتائج‪ ،‬فلا شيء محفور على الصخر و لا شيء غير قابل للتغيير‬
‫حسب ما تقتضيه المصلحة بعد التشاور و التحاور‪.‬‬

‫تنظيم هذه العملية و تطبيقها لا بد أن يكون بطريقة تناسب التكوين الأسري الفريد و‬
‫الخاص‪ ،‬بذكاء و تدريب مسبق فلا يعقل أن تكون هناك اجتماعات رسمية كما في‬

‫الشركات و لكن يتم توظيف أسلوب يناسب كل أسرة حسب خصوصيتها بحيث لا يتم‬
‫إفراغها من المعنى العاطفي و الأسري المميز‪.‬‬

‫لا بد من الأخذ بعين الإعتبار تحقيق الحاجات العاطفية لكل فرد و إشباع الطموحات‬
‫الفردية و تبقى قنوات التواصل مفتوحة مع ما يتخللها من الحب و الألفة و التفهم و‬
‫الرحمة و المرونة‪ ،‬فمثلآ رغم أن الزوج هو قائد الأسرة إلا أنه قد يكون في أحيان كثيرة‬
‫(في مهنة أهله) ‪ ،‬كما علمنا قدوتنا سيد الخلق صلى الله عليه وسلم‪ ،‬و ليتذكر كل من يأنف‬
‫عن خدمة أهله و زوجته‪ ،‬أن من هو سيد للخلق صلى الله عليه و سلم كان ذلك و أكثر‪.‬‬

‫الزوجة هي الرجل الثاني في البيت و أعني بالرجل هنا بُعد المسئولية و ليسى المعنى‬
‫الذكوري للكلمة بالطبع! فالمرأة حاضرة دائمآ و لكن لا بد من وجود قائد و ربان للسفينة‬
‫يوجهها و يراقب بقاءها على المسار الصحيح‪ ،‬و يستعين بمن حوله جامعآ لكل ما يحتاج‬

‫من معلومات للحفاظ على المسار‪ .‬كلاهما حريص و له حضور كامل في حياة الآخر‬
‫اليومية‪ ،‬مهما كانت المشاغل لا بد من هذا التواصل المستمر و الدعم لبعضهما و مساندة‬

‫الآخر و التغطية لدوره و مساعدته إذا لزم الأمر‪ ،‬مع وجود التفهم و التماس الأعذار‪،‬‬
‫فنحن بشر يعترينا الخطأ و النقص و القصور‪.‬‬

‫كلما زادت مهارات الزوجة و حباها الله بالتميز‪ ،‬زادت فرص النجاح للأسرة‪ ،‬لذا لا بد‬
‫من العمل على تحضير و تدريب المرأة للقيام بدور أفضل في أسرتها‪ ،‬فنقلل من عامل‬

‫الحظ‪ ،‬فبعض الناس حباهم الله بالحكمة و القدرات التي تساعدهم على النجاح ابتداءآ‬
‫لحكمة يعلمها سبحانه(و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرآ كثيرآ)‪ ،‬فهي أي الحكمة جزء من‬
‫رزق الله‪ ،‬إلا أن الحكمة و المهارة والحمدلله أيضآ قابلة للنقل و التدريب‪ ،‬و معروف دور‬

‫الأم عبر التاريخ حيث كانت الأم سببآ أساسيآ في تميز أبناءها من مثل أم الإمام الشافعي‬
‫رحمه الله و أم العالم توماس أديسون و غيرهم كثير‪.‬‬

‫إن نضوج الأنثى و استعدادها لتكوين أسرة يكون أحيانآ سابقآ للرجل فيكون لها السبق في‬
‫المساهمة بتكوين الأسرة و دعم زوجها ليضع رجله على بداية الطريق لقيادة الأسرة‪،‬‬

‫فالمرأة المتفهمة الناضجة تعين زوجها على التحول من ولد إلى رجل‪ ،‬و سعيد من ارتبط‬
‫بامرأة ذات عقل راجح لدورها الخطير في المراحل التأسيسية للأسرة‪ ،‬لقد تنبه العبقري‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا فأوصى الرجال قائلآ(تخيروا لنطفكم)‪.‬‬

‫قد تغفل بعض الأمهات عن إعداد أولادها كأزواج و لكن المرأة العاقلة هي التي تأخذ‬
‫على عاتقها رأب الصدع فتأخذ بيد زوجها و تعينه بدون أن تجعل دورها يطغى على‬
‫دوره فتكسب بهذا زوجآ ناجحآ قويآ داعمآ لها‪ ،‬فكم من النساء كن وراء عظمة و تميز‬

‫أزواجهن من وراء الكواليس‪.‬‬

‫لا يوجد في الأسرة دور صغير و دور كبير فكلا الدورين له أهميته مع تميزه عن الدور‬
‫الآخر و هذا طبيعي فكل من الرجل و المرأة يختلف في خصائصه و( كل ميسر لما خلق‬
‫له)‪ ،‬للرجل صفات جسدية و نفسية تؤهله للحركة في المجتمع الخارجي و للمرأة القدرات‬

‫النفسية و الجسدية التي تؤهلها لتكون فاعلة في الداخل حيث الحركة الناعمة و العاطفة‬
‫الدافئة و غيرها من الصفات التي تلزم للأسرة‪.‬‬

‫عندما تقوم الأسرة على دعائم قوية تصبح تربة خصبة و بيئة صالحة لتربية أفراد فاعلين‬
‫في مجتمع صالح بمجمله‪ ،‬فيه يتم تحقيق ما أراده الله من إعمار و خلافة في الكون و هو‬

‫سبب من أسباب خلق الله للبشر مصداقآ لقوله تعالى ( إني جاعل في الأرض خليفة )‪.‬‬

‫نماذج من المتميزين عبر التاريخ‬

‫محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم‬

‫محمد رسول الله صلى الله عليه و سلّم هو سيد المتميزين و قدوة الناجحين‪ ،‬و لن تفيه حقه‬
‫كلماتي في هذا المقام‪ ،‬لقد ُولد يتيماً و تربى فقيراً‪ ،‬عانى من فقدان معظم أهله و أحبابه في‬
‫حياته‪ ،‬و لم يذق طعماً للراحة ولا الرفاهية منذ اللحظة التي بُعث بها‪ ،‬مع ذلك كان أشجع‬
‫الناس و أعلاهم همة و أكثرهم تفاؤلاً‪ ،‬كان أرحم الناس و أكثرهم تواضعاً‪ ،‬قائداً ُم ْل َهماً و‬

‫قدوة في كل شيء‪ ،‬مثال الصدق و الرحمة و الدفء‪ ،‬أعظم أب للأمة‪ ،‬قدوة للأزواج و‬
‫معلم للزوجات‪ ،‬زاهد عابد‪ ،‬علّم البشرية كلها العفو و المحبة‪ ،‬نقل العرب من قبائل‬

‫متحاربة إلى حضارة من أعظم الحضارات التي عرفتها البشرية‪ ،‬اعترف بفضله حتى‬
‫أعداؤه و مخالفيه فتم ُّيزه لا ينكره عاقل‪ ،‬و لا يملك َمن يسمع به سوى أن يُع َجب به‪.‬‬

‫محمد سيد الكون و الناس و شفيعهم‪ ،‬س ّي ُد ولد آدم صلى الله عليه و سلم‪.‬‬

‫موسى بن متّى عليه السلام‬

‫لقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه و س ّلم عن تم ُيّز سيدنا موسى عليه السلام‪ ،‬كان عليه‬
‫السلام شجاعاً و ّقافاً مع الحق‪ ،‬محباً لربه و شعبه‪ ،‬مثا ٌل للصبر و التحمل و العفو‪ ،‬باحثاً‬
‫عن الحقائق ساعياً لها‪ ،‬مسافراً و مهاجراً في سبيل الله‪ ،‬لا تأخذه في الحق لومة لائم عالي‬
‫الهمة‪ ،‬صاحي الضمير‪ ،‬ملتزماً بالعهد‪ ،‬قوي الجسد و الروح‪ ،‬مقتحماً لأصعب المواقف‪.‬‬

‫موسى عليه السلام أول َمن يفيق من الصعقة يوم القيامة و هذه ميزة لا بد أن لها أسباباً قد‬
‫لا نعلمها و لكنها تدل على تم ُّيزه عليه السلام‪ ،‬ذكر الله قصصاً عديدة في القرآن الكريم‬

‫عنه و استأثر بنصيب كبير من الذكر كرسول عظيم و نبي من أنبياء الله في القرآن و هذا‬
‫إن د ّل فإنما يدل على أن ربنا ميزه و أراد منا أن نتعلم منه و من تجاربه و قصصه‬
‫العظيمة‪.‬‬

‫آلبرت آنشتاين‬

‫نال ألبرت آنشتاين العالم المتميز شهرة واسعة‪ ،‬و ُح َّق له ذلك‪ ،‬لقد أضاف الكثير للإرث‬
‫المعرفي الإنساني‪.‬‬

‫لم يكن آنشتاين طفلاً متميزاً أكاديمياً حتى أنه كان يو َصف بالغباء من مدرسيه‪ ،‬لم يتم‬
‫مدحه و تشجيعه على الإنجاز‪ ،‬لم يلاحظ أحد أنه طفل مميز فلقي رعاية حتى و صل‬
‫للإبداع‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬و هنا يأتي تميز آلبرت‪ ،‬هو لم يعبأ بما قيل عنه‪ ،‬لقد تبع فطرته‬
‫و ظهرت عبقريته بتلقائية‪ ،‬عاش أفكاره و لم يسجنها بل ع ّبر عنها‪ ،‬خرج بأعظم نظريات‬
‫العلوم و كان يفعل ذلك لأنه ببساطة تبع ما لديه من مواهب و طورها و اشتغل عليها‪ ،‬لم‬

‫يشغل نفسه بالعالم و لم يعبأ بما يقول الناس أو يفعلون‪.‬‬

‫أكبر درس نستطيع استنباطه من حياة آنشتاين إلى جانب علمه هو أن الإنسان ليسى ما‬
‫يُقال عنه‪ ،‬بل هو شيء مختلف تماماً‪ ،‬لا يجب أن نعبأ بما يُقال و لا يجب أن نحكم على‬

‫الناس من خلال ما نسمع عنهم‪.‬‬

‫محمد علي كلاي‬

‫لم يغب محمد علي كلاي عن الإعلام رغم غيابه عن الرياضة التي يمارسها و مرضه‬
‫الذي عايشه سنين طويلة‪ ،‬محمد علي كلاي الذي كلما ذُكر اسمه ُوصف بأنه أسطورة في‬

‫عالم الملاكمة‪.‬‬

‫أسطورية محمد كلاي و نجوميته امتدت إلى كونه إنسان أسطوري كان عبارة عن نسيج‬
‫متميز بكل أبعاده الإنسانية‪.‬‬

‫لم يمر علي كلاي على هذه الحياة كأي إنسان‪ ،‬حضوره في هذا الكون كان له صوت‬
‫عالي و قصته لم تكن كأي قصة عابرة لإنسان ُولد و عاش و مات‪ ،‬أبى علي إلا أن يترك‬

‫بصمته الواضحة ليسى في بلده فحسب‪ ،‬بل للعالم و الإنسانية جمعاء‪.‬‬

‫مارس الملاكمة ففاجأ العالم بقهر َمن كانو متمكنين و أقوياء و ظل يفاجيء الجمهور‬
‫بإنجازات غير متوقعة‪ ،‬و لو لم يتفوق علي بالملاكمة فإني أعتقد أنه كان سيتألق في شيء‬
‫آخر و الصفات التي لديه تؤهله للتألق و النجومية و أنا أزعم هذا بسبب ما شعرت به من‬

‫خلال القراءة عن مسيرة حياته المفعمة بالحياة و النابضة بالنشاط و من خلال رؤية‬
‫صوره التي تكاد تنطق بالتميز و الإرادة و العزيمة ‪.‬‬

‫كان علي يدعى كاسيوس مرسيليوس كلاي جونيور عاش ما يقارب الأربع و السبعين‬
‫سنة َملأَها بالحيوية و الإنجازات‪ ،‬لم يقهره المرض بل تحداه و تحدى أكثر منه‪ ،‬بقي هو‬

‫علي‪ ،‬أضعف المرض جسده و لكن روحه كانت أقوى من اليأس‪.‬‬

‫أزعم أن علي كان على كل الأحوال سيكون أسطورة و يترك بصمته الواضحة في هذا‬
‫العالم للأسباب التالية‪:‬‬

‫أولآ‪ :‬الطفولة الدائمة‪.‬‬

‫من خلال متابعتي لمحمد علي كلاي و صوره و حواراته لمست فيه طفولة و براءة‬
‫استمرت حتى آخر حياته‪ ،‬استمتع بالحياة و كان دائم اللعب و احتفظ بروح المغامرة‪،‬‬
‫حتى لو كان َمن حوله في قمة الجدية لمست فيه عدم انخراطه بالعادة بل بقي يظهر ذلك‬

‫الطفل الذي يرغب باللعب محتفظآ بحيوية الطفولة و براءتها‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬الروح الوثابة التي تتحدى و لا تستسلم بل تقوم و تنهض و تصنع الأمل و‬
‫النجاح‪ ،‬قال عن نفسه أنه يطير كالفراشة و يلسع كالنحلة‪.‬‬

‫بعض الملاكمين الذين هزمهم كانوا أبطال ًا أقوياء بل أقوى و أضخم منه‬

‫جسديآ إلا أنه كانت له إرادة فولاذية مكنته من تحقيق الفوز و مفاجأة العالم بذلك الفوز‬
‫الذي كان يكسر كل التوقعات و المنطق بنظر الجميع فكانت إنجازاته ظاهرة لا يمكن‬

‫التغاضي عنها و تجاهلها‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬الوضوح في الرؤيا و التمسك بما يؤمن به‬

‫كان يعلن أنه لا يساوم على إسمه أو دينه‪ ،‬رفض الانضمام للجيش في حرب فيتنام رغم‬
‫الضغوط‪ ،‬تم سحب لقب البطولة منه لهذا السبب لكنه لم يساوم و أعلن أن دينه لا يسمح‬

‫له بقتل الأبرياء‪ ،‬كما أنه كان عصياً على أن تتم برمجته فحتى حين اختلف بالمبدأ مع‬
‫بعض الجماعات الإسلامية في أمريكا برغم الهيمنة الفكرية لها في ذلك الوقت إلا أنه‬
‫حين شعر بأنهم شذو و شتو عن الطريقة المثلى التي فهمها للدين لم يساوم على إيمانه و‬

‫رؤيته و انفصل عنهم فهو لا يُ َعلب و لا يُ َدجن‪ ،‬علي روح حرة‪.‬‬

‫برغم ذلك سجل التاريخ الأمريكي علي كرمز من رموزه و اعترف به كواحد من أهم‬
‫رجال الوطن فروح الدستور الأمريكي تقدس الحرية و الحق و العدل و الإنجاز فعاد علي‬

‫إلى المكانة التي يستحقها و لم يدفن رأسه في الرمال بل فرض حضوره و إنجازاته و‬
‫مبادئه على الدنيا كلها و نال ما يستحق من الإحترام و التقدير‪ ،‬حتى أن زعماء العالم‬

‫حرصو على حضور جنازته و تشييعه إلى مثواه الأخير‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬صفاء القلب و نقاء السريرة‬

‫حيث رويت عنه قصة مع أحد الملاكمين يُدعى إيرني تيريل و كان تيريل يدعوه متعمدآ‬
‫في وسائل الإعلام باسمه الأصلي كاسياس كلاي‪ ،‬و حقق علي فوزاً ساحقاً عليه و قال له‬

‫في الحلبة بعد أن هزمه أنا إسمي محمد علي كلاي يتوجب عليك احترام إسمي و سألته‬
‫وسائل الإعلام إن كان يكرهه فأجاب أنه لا يكرهه أبداً و هذه رياضة لكن هنالك أمرين لا‬

‫يُساوم عليهما و هما إسمه و دينه‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬روح التحدي و الإنجاز و النشاط‬

‫فقد احتفظ بحيويته رغم ما كان يعاني و بقي يحقق الإنجاز تلو الإنجاز‪ ،‬لا تسقط عزيمته‬
‫حتى آخر أيام حياته و كان له حضور في الأحداث الرياضية العالمية و في الإعلام و‬
‫مستعد دائماً للتصوير‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬الحكمة و الرؤيا الثاقبة‬

‫فكان علي يتحلى بالقدرة على الحكم على الأمور من خلال ما يؤمن به و لا يساوم على‬
‫ذلك مهما كانت النتائج و يتخذ مواقف واضحة لا يخشى فيها لومة لائم‪ ،‬و حين تم سحب‬
‫لقب البطولة منه لرفضه لحرب فيتنام تمسك بمبدئه و تنبأ بأن هذه الحرب خطأ تاريخي و‬

‫ستكبد الجيش الأمريكي و الشعب خسائر فادحة و كان بالفعل ما تنبأ به‪.‬‬

‫سابعاً‪ :‬عرف قيمته كإنسان مفكر حر‬

‫فكان يعيش مرتاح الضمير و لا ينظر وراءه و لا يدع شيئاً يتحكم به و يغير َمن هو‬
‫عليه‪.‬‬

‫عاش علي في هذه الحياة بكل ما أوتي من إنسانية صادقة حقيقية‪ ،‬عاش بكل أبعاده التي‬
‫أتاحتها له هذه الدنيا‪.‬‬

‫أتخيل علي في موته كما في حياته مبتسمآ مفارقاً هذا العالم قائلاً لنفسه هذه ليست النهاية‪.‬‬
‫ذكري لما أعتقد أنه من أسباب تميُّز علي بالتفصيل هي بلا شك معايير للتميز و العبقرية‬
‫و لذلك فصلت فيها لأنه نموذج من عصرنا عاش بيننا و في ظروفنا و حقق التميز‪ ،‬فإن‬

‫فعلها هو فلم لا نتميز مثله‪ ،‬ما يحققه إنسان يستطيع غيره تحقيقه فهو بشر مثلنا‪.‬‬

‫الخاتمة‬

‫كما لاحظت عزيزي القاريء جز ٌء كبير من كتابي المتواضع هذا يتحدث عن الأخلاق و‬
‫الجزء الآخر يتحدث عن طرق عملية للنجاح‪.‬‬

‫إذن نجاح الإنسان يعتمد بصورة كبيرة على تطوره الأخلاقي و صدقه في هذه الحياة و‬
‫حتى لو نجح الإنسان لفترة من الزمن أو بدا لنا ناجحاً دون أن يتمثل الأخلاق العالية فإن‬
‫هذا النجاح أقل ما يُقال عنه هو أنه نجا ٌح مبتور أو ُمصطنع غير كامل‪ ،‬إنه نوع من الفشل‬

‫في حقيقته لأن النجاح لا يُعتبر نجاحاً إلا إذا تحققت فيه الشروط التالية‪:‬‬
‫أولاً‪:‬‬

‫أن يكون هذا النجاح مبنياً على أساس أخلاقي سليم و على الحق و العدل‪ ،‬فالغاية لا تبرر‬
‫الوسيلة و لا يجوز لنا أن يكون المعيار هو النجاح بل كيفية تحقيقه هي الأهم‪.‬‬

‫ثانياً‪:‬‬
‫أن يكون مستداماً‪ ،‬بمعنى متابعته و الحفاظ عليه و عدم تركه يفشل و يسقط بالإهمال و‬

‫الكسل‪.‬‬
‫ثالثاً‪:‬‬

‫أن يكون متطوراً‪ ،‬أي يتم العمل عل تطويره و تغييره بحيث يتناسب مع الظروف‬
‫المحيطة فلا يصبح بالياً عتيقاً‪ ،‬فيتعرض للفشل‪.‬‬

‫قال ربنا تبارك و تعالى في القرآن الكريم (اعملوا آ َل داوو َد ُش ْكرا)‪ ،‬و هذه آية عظيمة‬
‫تدل أن الشكر لا يكون بالكلام و بالحمد فقط بل بالعمل و هذا خير ما أختم فيه‪.‬‬


Click to View FlipBook Version