The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.
Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Testing source, 2017-08-16 01:18:26

smaple ٣ test full story

smaple ٣ test full story

‫مقدمة‬

‫إن حاجة الإنسان للتعامل مع محيطه كان أمراً حيوياً منذ وجود البشرية‪ ،‬كما أن العبور إلى‬
‫القرن الواحد والعشرين لم يكن مجرد عبور من ألفية إلى أخرى إنما أيضاً عبوراً إلى عصر‬
‫جديد بكل ما يحمله من تقدم مهول في كافة المجالات وانعكاسات ذلك على الإنسان وبيئته‪.‬‬

‫ومع تع ّقد ظروف الحياة البشرية وتشابك المصالح سواءٌ على مستوى المجتمع أو ما‬
‫يحيطه من دول ومجتمعات فقد بات لزاماً على البشر التفكير والتخطيط‪ ،‬ووضع التصورات‬
‫والبرامج والحلول لتلبية ما يحتاجونه لمواجهة مصاعب الحياة‪ ،‬وتحقيق مزيداً من الرفاه‬
‫والسعادة‪ .‬وهذا الأمر نشأ قبل ظهور الدولة القومية‪ ،‬الإ أن نشوء الدولة بمفهومها الحديث‬
‫تطلب منها وضع السياسات العامة والتي تمثل أحد أهم مظاهر نجاحها أو فشلها وفي تبرير‬

‫وجودها كدولة رعاية‪.‬‬

‫ومما لا شك فيه‪ « ،‬فإن المتغيرات التي طرأت في العقود الثلاثة الإخيرة قد ق َلبت عدد من‬
‫الموازين والمعتقدات وفي كافة الإتجاهات‪ ،‬فمع انهيار الكتلة الشرقية ومعتقداتها وأساليب‬
‫عملها وفي موازاة ذلك هيمنة النظام الرأسمالي ومفاهيم وقضايا العولمة بمختلف مظاهرها‪،‬‬
‫فقد أخذ مفهوم تدخل الدولة وإحتكارها للسياسات العامة يتهاوى شيئاً فشيئاً بحجة‬
‫فشل الدولة في النجاح بإدارة الكثير من القطاعات الإقتصادية والتجارية وصولا ً إلى قطاعات‬

‫اجتماعية متعددة[[[‪.‬‬
‫كما أن ما أطلقة البروفسفور «كلاوس شوابس» رئيس ومؤسس المنتدى الإقتصادي‬
‫العالمي[[[ عام ‪ ،2016‬بأن الثورة الصناعية «الرابعة»‪ ،‬هذه المرة مختلفة عن سابقاتها‪ ،‬مغايرة‬
‫لأي تجربة عاشتها البشرية من قبل‪ ،‬سريعة وعميقة وشديدة الإتساع‪ ،‬تضرب في كل‬
‫القطاعات تقريباً‪ ،‬على عكس الثورات الصناعية الماضية‪ ،‬فثمة بحر رقمي عالي الإمواج‪،‬‬
‫وطباعة ثلاثية الإبعاد‪ ،‬وذكاء اصطناعي‪ ،‬وروبوتات ذكية‪ ،‬وحرس حدود آليون‪ ،‬بإستطاعتهم‬

‫‪ 1‬خليل حسين‪ ،‬السياسات العامة في الدول النامية‪ ،‬دار المنهل اللبناني‪ ، 2007 ( ،‬ص‪ 2‬و‪ ) 3‬‬
‫‪ 2‬المنتدى الإقتصادي العالمي‪ )World Economic Forum( :،‬هي منظمة دولية غير ربحية مستقلة منوطة بتطوير العالم عن طريق‬
‫تشجيع الأعمال والسياسات والنواحى العلمية وكل القادة المجتمعيين من اجل تشكيل العالمية‪ ،‬وايضا الإجندات الإقليمية والصناعية‪.‬‬
‫تأسست على يد أستاذ الأعمال كلاوس شوابس عام ‪ 1971‬في كولوجنيا التابعة لجنيف في سويسرا كما افتتحت في عام ‪ 2006‬مكاتب‬

‫إقليمية في العاصمة الصينية بكين ونيويورك في الولايات المتحدة‪ .‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪4‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫قنص من يحاول‬
‫تجاوز التخوم‪ ،‬وسيارات ذاتية القيادة‪ ،‬وكمبيوترات شديدة البراعة‪ ،‬باستطاعتها أن تكتب‬
‫القصص وتنافس خيال رواد الروايات‪ .‬وهذه الثورة الصناعية المتصلة بالتطور الصناعي‬
‫المضطرد‪ ،‬أو «الأسي»‪ ،‬أي المتصاعد شكلت تحدي على كافة العلوم لتطوير مفاهيمها‬
‫وموا كبة متطلبات وتحديات وفرص هذا الإنفجار الصناعي المتصاعد والغير قابل للتنبؤ بما‬

‫تعرضه التكنولوجيا في كل ساعة وكل يوم‪.‬‬
‫وهنا يهدف هذا العمل إلى التعرف على مفهوم الحوكمة وعناصرها ونماذجها ومنظومتها‬
‫والقضايا والتطبيقات الهامة فيها‪ ،‬وعلى أهم المعطيات السياسية‪ ،‬والإقتصادية‪ ،‬والإدارية‪،‬‬
‫والإجتماعية التي تخدم العمل وأغراضه‪ ،‬والتعرف على المعوقات والصعوبات الإدارية‬
‫والقانونية والسياسية والإقتصادية التي تحد من حراك فكر «الحوكمة الرشيدة» في الدول‬
‫كانت متقدمة أو نامية‪ ،‬وعلى كافة مستوياتها من دولة ومؤسسات المجتمع المدني‪ ،‬ومع‬

‫محيطها الإقليمي والدولي‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪5‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬



‫الجزء الأول‬
‫تطور مفهوم الحوكمة وإشكاليه وعلاقته‬

‫مع العلوم الإجتماعية‬

‫جراء التغيرات الهائلة التي أحاطت بالدول ومجتمعاتها‪ ،‬فقد ظهرت الحاجة لنشوء‬
‫مصطلحات جديدة تكاد تكون مرادفة لطبيعة ومهام السياسات العامة لأي نظام سياسي‪،‬‬
‫ومن هذه المصطلحات ما يسمى «بالحوكمة» أو «الحاكمية» ويقابلها باللغة الإنجليزية‬
‫«‪ »Governance‬وبالفرنسية ”‪ ،”Gouvernance‬مع الإخذ بعين الإعتبار عدم إمكانية حسم‬
‫الجدل حول مفهوم الحوكمة ع ّما إذا كان هذا المصطلح قادراً على اخذ مكان السياسيات‬

‫العامة بمفهومها التقليدي أم لا‪.‬‬

‫وقد شاع استخدام الحوكمة فكر ًة واصطلاحا بشكل واسع مع بداية عقد التسعينات‪،‬‬
‫وكانت أول بوادر ظهور للمصطلح في منشورات وتقارير البنك الدولي عن كيفية تحقيق‬
‫التنمية الإقتصادية‪ ،‬ومحاربة الفساد‪ ،‬وتحسين مستوى الحياة في الدول الإفريقية جنوب‬
‫الصحراء‪ ، ”Sub-Saharan Africa“،‬حيث تم الربط بين الكفاءة الإدارية الحكومية والنمو‬

‫الإقتصادي‪ ،‬وبحيث تكفل السياسات العامة العدالة والمساواة [[[‪.‬‬

‫ولقد نما المفهوم ليعكس قدرة الدولة على قيادة المجتمع في إطار سيادة القانون‪ ،‬وفي بداية‬
‫التسعينات أصبح التركيز على الإبعاد الديمقراطية للمفهوم من حيث تدعيم المشاركة‪،‬‬

‫وتفعيل المجتمع المدني [[[‪ ،‬وكل ما يجعل الدولة ممثلًا شرعياً لمواطنيها‪.‬‬

‫إن مفهوم الحوكمة يبشر بنظام حكم وأسلوب لصنع السياسة يتميز‪ ،‬بعدة أمور أساسية‪،‬‬
‫أهمها درجة كبيرة من احترام سيادة القانون‪ ،‬والشفافية في صنع القرار‪ ،‬وتشجيع المشاركة‬
‫في الحياة العامة‪ ،‬ويمكن القول أن هذا المفهوم أخذ بعدين متوازيين‪ :‬أولهما فكر البنك‬
‫الدولي الذي يتبنى الجوانب الإدارية والإقتصادية للمفهوم‪ ،‬أما البعد الثاني فيؤكد على الجانب‬
‫السياسي للمفهوم‪ ،‬حيث يشمل –بجانب الإهتمام بالإصلاح والكفاءة الإدارية– التركيز‬
‫على منظومة القيم الديمقراطية بما تشتمل عليه من مفاهيم الشفافية‪ ،‬وحقوق الإنسان‪،‬‬

‫والمجتمع المدني[[[‪.‬‬

‫وهناك مدرستان لمفهوم الحوكمة‪ ،‬الأولى ترى أنه يعبر عن شكل سياسي لنظام الحكم‬

‫‪ 1‬خليل حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪14‬‬
‫‪ 2‬المجتمع المدني (‪ ،)Civil Society‬يشير إلى الساحة الجماعية الإختيارية لمجموعة تربطها اهتمامات وقيم وأهداف مشتركة‪ ،‬وضمن‬
‫صيغ مؤسسية مختلفة عن تلك الرسمية والحكومية أو الإقتصادية أو العائلية‪ ،‬ومن أشهر التنظيمات المدنية هي‪ :‬المؤسسات الخيرية‪،‬‬
‫التجمعات التطوعية‪ ،‬المنظمات النسائية‪ ،‬المنظمات الدينية‪ ،‬النقابات المهنية‪ ،‬اتحادات العمال‪ ،‬الحركات الإجتماعية والتطوعية‪ ،‬اتحادات‬

‫الأعمال والتجارة‪ ،‬جماعات الضغط‪ ،‬المصدر‪:‬‬
‫‪Governance for the future-Democracy and Development in the least De� »,)Gita Welch and Zahra Nura (Lead Editorss‬‬
‫‪United Nations Development Programme (UNDP) & UN Representative for the least Developed , »veloped Countries‬‬

‫‪.)175 .p ,2006( ,Countries & the Small Island Developing State‬‬
‫‪ 3‬سلوى شعراوي جمعة‪« ،‬مفهوم إدارة شؤون الدولة والمجتمع‪ :‬إشكاليات نظرية»‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مركز دراسات واستشارات الإدارة العامة‪،‬‬

‫( ‪ ،2001‬ص ‪)3‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪8‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫وأسلوب صنع السياسة بما ينصرف إلى القواعد المألوفة للديمقراطية‪ ،‬مثل سيادة القانون‪،‬‬
‫والتعددية السياسية والإجتماعية والتسامح والتعبير الحر‪ ،‬والحريات وحقوق المواطنة‪،‬‬

‫وبالتالي فهو الأقرب إلى الصياغة الحديثة لمبادئ مستقرة‪.‬‬

‫أما الثانية فتعتبر المفهوم عنواناً لمنظومة أساليب وخطوات الإصلاح السياسي والإجتماعي‬
‫ككل‪ ،‬مثل اعتماد آليات المحاسبة في مواجهة السلطات العامة‪ ،‬والمطالبة بتوفير مظاهر‬
‫الشفافية في مؤسسات صنع القرار‪ ،‬وتقديم نوعية الحكم من زاوية الإلتزام بسيادة القانون‪،‬‬
‫وقدرته على تعزيز فرص المشاركة‪ ،‬واحترام حقوق الإنسان ومكافحة الفساد‪ ،‬فهذه المدرسة‬
‫ترى مفهوم الحوكمة بشيراً ومؤشراً للإنتقال من التعامل النظري إلى التفكير العملي‬
‫الذرائعي‪ ،‬وتحديد مؤشرات قابلة للقياس لتقويم حالة الحكم وصنع السياسة‪ ،‬لا سيما في‬

‫الدول التي تشهد عمليات إصلاح اقتصادي وسياسي[[[‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن مفهوم الحوكمة يعكس تحولات واقعية ونظرية‪ ،‬الا ّأنه ينطوي على العديد‬
‫من الإشكاليات‪ ،‬بدءاً بمعضلة اختلاف تعريفات مفاهيم العلوم الإجتماعية للمفهوم بشكل‬
‫عام ومروراً بمشكلة الترجمة‪ ،‬والى التعقيد‪ ‬والإبهام الذي يكتنف هذا المفهوم‪ ،‬وشمولية‬
‫المفهوم وإمكانية تناوله لكافة جوانب الحياة‪ ،‬فضلا ً على أنه يشكل حالة من «الإتوبيا»‪،‬‬
‫وأصبح شكلا ً من أشكال الموضة الإصطلاحية أو حتى ضرب من السياحة الفكرية عند‬

‫الحديث عن الحوكمة الرشيدة ودورها في التنمية [[[‪.‬‬

‫كما ويرى بيار كلام[[[ بأن الديمقراطية التمثيلية كنموذج مهيمن لم يعد يكفي في ظل‬
‫إنكفاء المواطنين عن الرغبة بالتصويت‪ ،‬وبالتالي في عدم تمكن الدولة وممثليها المنتخبين‬
‫في المجالس المتعددة من تمثيل مصالح الجميع‪ ،‬فضلا ً عن الشكوك التي ُتغلِّف الدولة‬
‫الحديثة على الرغم بكل ما تزينت به من فضائل الإ أنها أصبحت متهمة بكل ضروب الشرور‪،‬‬
‫وبأن هذا كله شكل تربة خصبة لنمو ما يسمى «الثورة النيو‪ -‬ليبرالية» وتقويض الدولة‬
‫لصالح هيئات اصغر حجماً – حركة اللامركزية ‪ -‬أو هيئات ا كبر تماشياً مع المعاهدات‬

‫الدولية وسيطرة ظاهرة العولمة‪.‬‬

‫ويضيف «بيار كلام» بان هذه الثورة تتضمن مرحلتين متتاليتين الإولى‪ :‬بالإنتقال من فكرة‬
‫«الإدارة العامة» أو الدولة إلى فكرة الحوكمة‪ ،‬والثانية‪ :‬تنطلق من واقع أن الحوكمة حالياً لا‬

‫‪ 4‬علي الصاوي‪« ،‬الصياغة التشريعية للحكم الجيد»‪ ،‬ورقة خلفية ضمن برنامج إدارة الحكم في الدول العربية (�‪Program on Gover‬‬
‫‪ ، 2003( ،)nance in the Arab Region-POGAR‬ص ‪.)3‬‬

‫‪)5.P ,2003( ,Philippe Moreau Defarages, « Que sais-je? La Gouvernance », Université de France 7‬‬
‫‪ 6‬بيار كلام‪ « ،‬تف ّتت الديمقراطية من أجل ثورة في الحاكمية»‪ ،‬ترجمة‪ :‬شوقي الدويهي‪ ،‬دار الفارابي‪ ،2003( ،‬ص ‪PIERRE.) ،)10-12-14‬‬

‫‪( 2003 ,CALAME, La Démocratie En Miettes – pour une révolution de la gouvernance‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪9‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫تتوافق مع حاجات المجتمع الراهنة‪.‬‬

‫كما ويذكر بأن الحوكمة كمصطلح تواجه إشكالية في الترجمة إلى اللغة العربية‪ ،‬وهي نابعة‬
‫من اختلاف فقهاء اللغة حول كلمة واحدة مرادفة للمصطلح سواء المترجم من الإنجليزية‬
‫‪ “ ”Governance‬أو من الفرنسية إلى العربية “‪ .”Gouvernance‬فقد وقع‪ ،‬على سبيل المثال‪،‬‬
‫َم ْج َمع اللغة العربية في مصر اختياره على كلمة «حوكمة» ‪ ،‬فيما وقع اختيار مجمع اللغة‬

‫العربية في الإردن على كلمة «حاكمية»[[[‪.‬‬

‫كما ويشار إلى تراجم أخرى وهي ‪ :‬الحكم أو أسلوب الحكم‪ ،‬أو ترجمة يراها خليل حسين[[[‪،‬‬
‫بأنها الإفضل للمصطلح وهي « إدارة شؤون الدولة والمجتمع»‪ ،‬والتي تبنتها عدد من المرا كز‬
‫البحثية‪ ،‬لأنه يعكس في محتواه المعنى الأساسي للكلمة التي تدل على العلاقة بين طرفي‬

‫المعادلة‪ ،‬وهما الدولة من جانب والمجتمع من جانب آخر‪.‬‬

‫وبأن الحاكمية والتي تبنتها الأمم المتحدة في ترجمة المصطلح للعربية‪ ،‬لا تتفق والمقصود‬
‫بها في اللغة العربية‪ ،‬وتعطي دلالات معرفية وفلسفية لسياسة أو توجه ما‪ ،‬وكذلك صبغة‬
‫دينية وتاريخية‪ ،‬وما تشكله بالتالي هذه الترجمة من صعوبة فهم المقصود من المصطلح‬

‫الأصلي أمام أي شخص‪.‬‬

‫وعلى الرغم مما سبق‪ ،‬فقد ارتأينا التعريف بالتراجم‪ ،‬وإختيار ما نعتقد أنه الأنسب وهي‬
‫ترجمة المصطلح «بالحوكمة»‪ ،‬معللين ذلك بسهولة وشيوع هذه الترجمة‪ ،‬وعدم اختيارنا‬
‫لكلمة «حاكمية» والتي يلاحظ ارتباطها أ كثر بحاكمية الشركات «‪»Corporate Governance‬‬
‫وهي عملية الإشراف والمراقبة للتأكد من أن إدارة الشركة أو الهيئات التنفيذية تتصرف وفق‬
‫مصلحة المساهمين‪ ،‬وإلى علاقة الشركات بمجالس إدارتها والهيئات التنفيذية والمساهمين‬

‫[[[‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد ظهر مفهوم الحوكمة نهاية الثمانينات وبداية التسعينات وبشكل أساس لدى‬
‫مفردات البنك الدولي «‪ ،»World Bank‬وبهدف معرفة كيف تؤثر الحوكمة الجيدة على الأداء‬
‫الإقتصادي‪ ،‬وقد حدد البنك الدولي المفهوم بأنه[‪ « : [[1‬الطريقة التي تمارس بها السلطة في‬
‫إدارة الموارد الإقتصادية والمجتمعية لبلد ما من أجل تنميته‪ ،‬ورسم الإبعاد الرئيسة للحوكمة‬
‫وهي ‪ :‬إدارة القطاع الحكومي‪ ،‬المساءلة‪ ،‬الإطار القانوني للتنمية‪ ،‬الشفافية‪ ،‬وحرية الوصول‬

‫‪ 7‬منتدى حاكميه الشركات في الإردن‪ ،‬دار سندباد للنشر‪ 22 ( ،‬شباط ‪ ،2005‬ص ‪.)140‬‬
‫‪ 8‬خليل حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.17‬‬

‫‪Gita Welch and Zahra Nura‬ـ مرجع سابق‪ ،‬ص ‪9 175‬‬
‫‪10 World Bank, governance and development Washington DC, 1992) , p.(22‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪10‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫إلى المعلومات» [‪.[[1‬‬

‫أما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (‪ )UNDP‬فيعرف الحوكمة بأنها‪« :‬ممارسة السلطة‬
‫الإقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون الدولة على كافة المستويات‪ .‬كما وتعتبر‬
‫الحوكمة الجيدة حالة تعكس تقدم الإدارة وتطويرها أيضاً من إدارة تقليدية إلى إدارة تتجاوب‬
‫مع متطلبات المواطنين وتستخدم الآليات والعمليات المناسبة لتحقيق الأهداف المرجوة‬

‫من المشاريع بشفافية ومسؤولية أمام المواطنين[‪.»[[1‬‬

‫كما وهناك إهتمامات محددة تتبناها منظمات الأمم المتحدة‪ ،‬حيث ترى المفوضية العليا‬
‫لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة (‪ )UN High Commissioner for human Rights‬بأن‬
‫الإمتحان الحقيقي للحوكمة هو في مستوى قدرتها على تحقيق حاجات حقوق الإنسان‬

‫الإساسية المتعارف عليها[‪.[[1‬‬

‫أما تعريف المفوضية الإوروبية للحوكمة فهو‪ « :‬الإدارة الشفافة والمع َّرضة للمساءلة حول‬
‫كافة موارد الدولة والتي تهدف إلى الوصول لإقتصاد مستدام وتنمية اجتماعية‪ ،‬ومن خلال‬
‫ستة عناصر‪ :‬حقوق الإنسان‪ ،‬ال َدمق َرطة (التحول إلى الديمقراطية)‪ ،‬سيادة القانون‪ ،‬تعزيز‬

‫المجتمع المدني وإصلاحات الإدارة العامة‪ -‬بما فيها اللامركزية الإدارية‪.[[1[ « -‬‬

‫وهناك تعريف من قبل صندوق النقد الدولي (‪[[1[ )IMF‬بأن ‪« :‬الحوكمة تحيط بكل مظاهر‬
‫طريقة حكم الدولة‪ ،‬بما في ذلك السياسات الإقتصادية والإطار التنظيمي لها»‪.‬‬

‫كما ويجدر ذكر كذلك تعريف منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية (‪« :[[1[)OECD‬بأن الحوكمة‬
‫هي استخدام السلطة السياسية وممارسة الرقابة في المجتمع بالعلاقة مع إدارة الدولة‬

‫لمصادرها من أجل تحقيق التنمية الإجتماعية والإقتصادية»‪.‬‬

‫‪ 11‬حرية المعلومات (‪ ،)Access to Information‬تشير مراجع الأمم المتحدةـ مرجع سابق‪ ، Gita Welch and Zahra Nura ،‬ص ‪،174‬‬
‫بأن المسألة مرتبطة ليس فقط بتعزيز وحماية الوصول إلى المعلومات بل أيضاً بالتساوي مع تعزيز وحماية التواصل فيها أو استخدامها‬
‫ليعبر ك ًل عن صوته ورأيه وعلى كافة المستويات (المجتمع المحلي‪ ،‬المستوى الوطني‪ ،‬والإقليمي‪ ،‬والعالمي)‪ .‬كما ويرى ‪Munyeme‬‬
‫‪ ، ,Hasan‬في مقال « “ ‪ ، Right to Information-a powerful Social Accountability tool‬بأن الحق في الوصول إلى المعلومات أصبح‬
‫من الحقوق الإساسية لحقوق الإنسان‪ ،‬والتي تجعل من المواطن مشارك نشط في فلسفة وتطبيقات الحوكمة‪ ،‬من خلال معرفة مصير‬
‫الضرائب التي يدفعها‪ ،‬كما وتمكنه المعرفة والمعلومات من تحسس مواطن الفساد‪ ،‬وحالإت اساءة استخدام السلطة‪ ،‬وسوء الإدارة في‬

‫الإجهزة الرسمية‪.‬‬
‫‪1997 ,7 .UNDP Policy Document, Governance for Sustainable Development, Op.cit. p 12‬‬
‫‪ 13‬مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان يرمز لها اختصارا ب‪ UNHCH:‬وهي وكالة دولية تابعة لمنظمة الأمم‬
‫المتحدة تهدف للترويج وحماية حقوق الإنسان بحسب ما ورد في الإتفاقيات والمواثيق الدولية التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق‬

‫الإنسان العام ‪.1948‬‬
‫‪14 European Commission, Draft EC Good Governance Manual, version created2003 ); p(17:‬‬

‫‪ 15‬صندوق النقد الدولي هو أول من قدم مفهوم الحوكمة الجيدة‪.‬‬
‫‪ 16‬منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية‪ ،‬منظمة دولية‪ ،‬نشأت عام ‪ ،1948‬وتضم مجموعة من البلدان المتقدمة ودول غير أوروبية‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫وفي سياق التعريف بالمفهوم‪ ،‬فيؤكد زهير الكايد «بأن ابسط وصف لفهم الحكمانية هو‬
‫أن الإهتمام والعناية بالإمور العامة هي ليست حكراً على الحكومة‪ ،‬وبأن الحكمانية فكر ًة‬
‫وإصطلاحا شاع استخدامها بشكل واسع مع بداية التسعينات من قبل المنظمات الدولية‬
‫كمنهجية لتحقيق التنمية المجتمعية في الدول النامية نتيج ًة لقصور الإدارات الحكومية عن‬
‫تحقيق ذلك بفعالية وكفاية كافيتين‪ ،‬وبأن الفاعلين الرئيسين الذين تتحدث عنهم تعريفات‬

‫الحوكمة هم الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني بما يسمى بمنظومة الحوكمة»[‪.[[1‬‬

‫ومنذ ظهور تعريف البنك الدولي لم تتوقف الإدبيات والتنظيمات المختصة والمفكرين في‬
‫محاولة تحسين أو تجويد التعريف ليصبح أ كثر شمولا ً وأ كثر تحديداً‪ .‬كما أن العديد من‬
‫الدول المتقدمة قدمت تعريفات للمفهوم وفي نفس المنهج والإطار العام للمفهوم‪ ،‬وبهدف‬

‫تحديد علاقات برامجها الخاصة بالمساعدات ولأغراض سياسية واقتصادية متنوعة [‪.[[1‬‬

‫لذا‪ ،‬فقد حظي المفهوم وتطبيقاته باهتمام كبير من قبل العلماء والباحثين والمسؤولين‬
‫والمخططين في المجتمع‪.‬‬

‫وبالمحصلة فإن الحوكمة ليست بالمفهوم الجديد بالمطلق‪ ،‬وإنما بمثابة منتج قديم وضع‬
‫في قالب جديد‪ ،‬وبأنها تشكل محط اهتمام الباحثين والمشاركين منذ عهد المفكر اليوناني‬
‫أرسطو[‪ [[1‬إلى يومنا هذا‪ ،‬وذلك لما لهذا الموضوع من أهمية بالغة‪ ،‬وتأثير واضح على كيان‬
‫المجتمع من النواحي التنموية والإجتماعية والسياسية والثقافية‪ ،‬فضلا ً على أن المسائل‬
‫الكبرى للحوكمة هي مسائل أزلية ومرتبطة بتأمين العيش معاً في سلام داخلي وخارجي‬
‫ومستدام لملايين النساء والرجال الذين يتقاسمون حيزاً مكانياً واحداً‪ ،‬وتأمين التوازن بين‬
‫المجتمعات الإنسانية وبيئتها‪ ،‬وإدارة الموارد الطبيعية على المدى الطويل كونها موارد قليلة‬
‫وسريعة العطب‪ ،‬وتأمين الإستقلالية وحرية التفكير للأشخاص ونشاطاتهم مع المحافظة‬
‫على العدالة الإجتماعية‪ ،‬والتماسك‪ ،‬والمصلحة المشتركة‪ ،‬وتوفير أ كبر قدر من فرص‬
‫الإنطلاق لكل شخص‪ ،‬ولكامل الجماعة‪ ،‬والسماح لتطور العلوم والتقنيات دون الإنجرار‬
‫وراء إغراء قوتها‪ ،‬وتأمين شروط الحياة اللائقة للجميع‪ ،‬والإعتراف بالتنوع وغنى الثقافات‬

‫‪ 17‬زهير الكايد‪ ،‬الحكمانية «قضايا وتطبيقات»‪ ،‬عمان \ الإردن ‪ ،2003 ،‬ص‪ ، 1‬وهو رئيس الفريق الإستشاري الذي نهض بمشروع التقييم‬
‫المؤسسي للهيئة العامة للتخطيط والتطوير العمراني وحصل على جائزة الأمم المتحدة للخدمة العامة لعام ‪ 2008‬لتميزه في مجال‬
‫(الحكمانية) عن الإعوام ‪ 2008 – 2005‬ونجاحه في الشرا كة مع القطاعات المختلفة وإسهامه في التنمية الإقتصادية والإجتماعية وفق‬

‫معايير الشفافية والمساءلة وإدارة التحول‪.‬‬
‫‪ 18‬ومنها أستراليا‪ ،‬النمسا‪ ،‬كندا‪ ،‬الدنمارك‪ ،‬فنلندا‪ ،‬ألمانيا‪ ،‬أيرلندا‪ ،‬هولندا‪ ،‬السويد‪ ،‬سويسرا‪ ،‬المملكة المتحدة‪ ،‬الولايات المتحدة الإمريكية‬

‫(برنامج المساعدات‪ .)USAID-‬يضاف إلى ذلك العديد من الدراسات والإطروحات ومرا كز الحوكمة المنتشرة في دول العالم‪.‬‬
‫‪ 19‬أرسطو أو أرسطاطاليس ( ‪ 384‬ق م‪ 322 -‬ق م) فيلسوف إغريقي‪ ،‬تلميذ أفلاطون ومعلم الإسكندر الإكبر وكتب في العديد من المواضيع‬
‫بما في ذلك علوم الفيزياء والميتافيزيقا‪ ،‬الشعر‪ ،‬المسرح‪ ،‬الموسيقى‪ ،‬والمنطق والبلاغة والسياسة والحكومة‪ ،‬والإخلاق‪ ،‬والبيولوجيا‪ ،‬وعلم‬

‫الحيوان‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪12‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫والتقاليد‪ ،‬والتأقلم مع تطورات العالم‪ ،‬والمحافظة على الهوية في نفس الوقت[‪.[[2‬‬

‫كل ما سبق يعطي مفهوم الحوكمة مدلولا ً إيجابياً‪ ،‬وبأن الحوكمة إرتبطت بمفاهيم إدارة‬
‫الموارد المالية الحكومية‪ ،‬ولكن دون وجود فاصل واضح بين الحوكمة والحوكمة الإفضل أو‬

‫الجيدة أو الرشيدة‪.‬‬

‫كما و ُير َّجح بأن سبب عدم التفريق بين الحوكمة والحوكمة الجيدة نابع من تشعب المفهوم‪،‬‬
‫وحتى في القصور أحياناً في التفريق بين واقع علاقة الدولة بمجتمعها وبين سبل تجويد‬
‫وتحسين هذا الواقع ليكون أ كثر رشدانية وتَ ُّميز‪ ،‬وكذلك في مدى التوافق مع الحوكمة‬

‫العالمية ومتطلباتها دون المساس بالخصوصية المجتمعية‪.‬‬

‫ومن الصعب بمكان مناقشة الحوكمة الجيدة بمعزل عن فهم علاقات القوى ودور القيادات‬
‫الوطنية‪ ،‬والتي لها دور حاسم في تعزيز التغيير والنمو[‪ .[[2‬ومن هنا‪ ،‬فان التزام الدول النامية‬
‫بتطبيق منهجية الحكمانية الجيدة أمراً في غاية الإهمية‪ ،‬لما ينطوي عليه ذلك من تكامل‬
‫الأدوار الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني‪ ،‬ومن خلال المشاركة‬
‫والتشارك لإعادة رسم الأدوار لك ٍل منها‪ ،‬ليتسنى تحقيق التنمية المجتمعية ذات الكفاية‬
‫والفعالية والإستجابة للمواطنين وطموحاتهم‪ ،‬وفق ما ترتكز عليه الحكمانية الجيدة من‬
‫مميزات تعكس الشفافية والمساءلة والتشارك في تحمل المسؤولية‪ ،‬والمشاركة في رسم‬
‫السياسات‪ ،‬وتعزيز دولة القانون واللامركزية لتقريب صنع القرار من المواطنين‪ ،‬ضمن‬

‫ميزات أخرى»[‪.[[2‬‬

‫وفي نفس إطار الحوكمة الرشيدة‪ ،‬فتستند العديد من المؤسسات الدولية المانحة في منحها‬
‫للقروض بناءاُ على مستوى الحوكمة الرشيدة وعناصرها لتلك الدولة‪ ،‬وبالتالي تسعى‬
‫الحوكمة الرشيدة إلى التأكد بأن مستوى الفساد بكافة أنواعه في حده الأدنى‪ ،‬وأن أصوات‬

‫الأقليات والمهمشين مسموعة‪ ،‬وبأن هناك تلبية لحاضر ومستقبل المجتمع‪.‬‬

‫كما وأعتمدت الأمم المتحدة ثمانية عناصر رئيسة للحوكمة الرشيدة وهي ‪ :‬المشاركة‪ ،‬سيادة‬
‫القانون‪ ،‬الشفافية‪ ،‬الإستجابة‪ ،‬التوافق والإجماع‪ ،‬المساواة والإندماج‪ ،‬الكفاءة والفعالية‪،‬‬

‫‪ ,Pierre Calame 20‬مرجع سابق ‪20-19 p‬‬
‫‪,  , Gita Welch and Zahra Nura 21‬مرجع سابق‪.25 .p ‬‬
‫‪ 22‬زهير الكايد‪ ،‬الحكمانية «قضايا وتطبيقات»‪ ،‬عمان \ الإردن ‪ ،2003‬المنظمة العربية للعلوم الإدارية‪ ،‬ص ‪ ،1‬كما ويضيف بأن تعبير‬
‫وفكرة الحكمانية الجيدة قد تم استخدامها للتعبير عن أهمية وضرورة الإنتقال بفكرة الإدارة الحكومية والحكمانية من الحالة التقليدية‬
‫إلى الحالة الإكثر تفاعلا ً وتكاملا ً بين الإركان والعناصر الرئيسية الم َّشكلة للحكمانية والتي تتكون بشكل أساسي من‪ :‬الإدارة العامة‬
‫للقطاع العام‪ ،‬إدارة القطاع الخاص بفعاليته المختلفة‪ ،‬إدارة مؤسسات المجتمع المدني العديدة في المجتمع‪.‬‬

‫‪13‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫والمساءلة[‪ .[[2‬ويجدر ذكره أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد أضاف لاحقاً صفة تاسعة [‪[[2‬‬
‫للحوكمة الجيدة وهي الرؤية الإستراتيجية“‪. ”Strategic Vision‬‬

‫كل ما سبق يدلل على أن إهتمام الحكومات وفئات المجتمع قد زاد وتعمق بالحوكمة‬
‫ودورها في التنمية على المستوى المحلي أو ما يسمى بالحوكمة المحلية‪ .‬وفي موازاة ذلك‪،‬‬
‫فإن الحوكمة كمفهوم وعناصر مصاحبه له‪ ،‬أفرزتها عدد من المنظمات الدولية منذ ثلاثة‬
‫عقود‪ ،‬وما زالت تسعى لتطوير وملائمة هذا المفهوم مع متطلباتها‪ ،‬من ناحية‪ ،‬ومع حاجات‬
‫أو حتى أحياناً إعتراضات إدارات الدول النامية على متطلبات المنظمات الدولية للحوكمة‬
‫التي أصبحت شروط عليها وليست فقط كنوايا جيدة من هذه المنظمات الدولية لتطوير‬

‫إدارات الدول النامية مع مجتمعها من ناحية أخرى‪.‬‬

‫ويلاحظ من الدراسات المتعلقة بالحوكمة تنوعاً مفرطاً في التعابير المصاحبة للحوكمة‪،‬‬
‫وأهمها ما يسمى بالحوكمة الديمقراطية والتي تختلف عن الحوكمة الجيدة كما ذكر عادل‬
‫عبد اللطيف[‪ [[2‬بأن مركز و ُّجل اهتمام الحوكمة الديمقراطية هو الحرية السياسية‪ ،‬وحقوق‬
‫الإنسان‪ ،‬وإزالة كافة أشكال العنصرية‪ ،‬والتي تؤدي بالنهاية مجتمع ًة إلى الحوكمة الرشيدة‪،‬‬
‫وفي حين يتفق مفهوم الحوكمة الرشيدة مع الحوكمة الديمقراطية بأهمية الحريات إلى أنه‬
‫يراها كأحد العناصر والوسائل‪ ،‬وليس كنهاية‪ ،‬للوصول إلى الحوكمة الجيدة وبالتالي للتنمية‬

‫البشرية والتنمية المجتمعية بكافة مجالإتها‪.‬‬

‫ويشار إلى أن عكس مفهوم الحوكمة الرشيدة أو الجيدة هو الحوكمة السيئة أو الناقصة‬
‫“‪ ”Bad Governance‬لإدارة الدول‪ ،‬والتي يرى العديد من المختصين وخاصة من المنظمات‬
‫الدولية بأنها تؤدي إلى اتجاهات سلبية وقد تضر بالإنسان والمجتمع‪ ،‬أو تجعله ظاهرة لا‬
‫يستطيع التحكم في مصيرها ونتائجها‪ ،‬ومن هنا تظهر الحاجة أيضاً إلى التخطيط الجيد لإدارة‬
‫وقيادة التغيير المنشود نحو الحوكمة الرشيدة والجيدة لأن ذلك ضرورة حتمية يفرضها‬

‫ال ّت َغ ُّير السياسي والإجتماعي والإقتصادي في أي مجتمع‪.‬‬

‫وكنتيجة‪ ،‬فأن الحوكمة الرشيدة هي الثورة الجديدة التي ستطال كافة المجتمعات‪ ،‬وكذلك‬
‫العلاقات الدولية‪ ،‬وكأنها نظام عالمي جديد وبديل لفكر الديمقراطية كأفضل ما وصلت إليه‬
‫البشر [‪[[2‬ية ‪ .‬و ُهنا لا يستبعد في هذا الجدل حول الحوكمة بأن يمتد استخدامها لتشمل حياة‬

‫‪ 23‬الأمم المتحدة تعتمد ثمانية عناصر رئيسة للحوكمة الرشيدة‪ ،‬لطفا انظر الملحق( ‪ ، )1‬ص ‪341‬‬
‫‪ 24‬تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي‪»:‬الحاكمية للتنمية البشرية المستدامة»‪ ،1997 ( ،‬ص ‪)22‬‬
‫‪ 25‬ص‪ ،٧‬عادل عبداللطيف‪ ،‬ندوة «الحاكمية الرشيدة وعلاقتها بالديمقراطية والتنمية الإقتصادية»‪) 2003 (،‬‬

‫‪ 26‬بيار كلام مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪19‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪14‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫الفرد وعلاقاته مع عائلته وقبيلته ومجتمعه وكل محيطة‪ ،‬وبحيث تدخل في أدبيات علوم‬
‫اجتماعية متخصصة‪ ،‬مثل مباحث علم النفس‪ ،‬وغيرها من العلوم الإجتماعية المختلفة‪ .‬وما‬
‫يعوق ذلك الإن هو ربما لغموض المفهوم أو بما هو المقصود من الحوكمة والفرق بينها‬
‫وبين الحاكمية أو الحكم الرشيد‪ ،‬ليس لقصور المتلقين له والمتأثرين به‪ ،‬من ناحية‪ ،‬بل‬

‫لتشعب المفهوم وكثرة تفسيراته كما تم ذكره مسبقاً‪.‬‬

‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فهناك مصطلحات واجهت مصاعب في بداياتها متعلقة بالإيدولوجيا‬
‫والفهم والفكر‪ ،‬بداي ًة بالديمقراطية‪ ،‬وآخرى مثل «البلوريتاريا» و»الإلوجاركية»‪،‬‬
‫و»البروسترويكا»‪ ،‬وغيرها مما أنتجته الحضارة الشرقية والغربية الحديثة‪ ،‬الإ أنها وجدت‬
‫ضالتها‪ ،‬وأصبحت أ كثر تداولا ً وشيوعاً وفهماً فيما بعد‪ ،‬وبحسب قوة المفهوم ومدى القناعة‬

‫والإقتناع به‪ ،‬وحاجة الدولة والمجتمع له لما فيه خيرهم وصلاحهم مجتمعين‪.‬‬

‫‪ -2‬اشكالية المصطلح ‪:‬‬

‫إن الحوكمة الرشيدة هي الحالة المثالية التي لم يتمكن البشر من الوصول إليها بالمطلق‬
‫رغم كل ما وصلهم من تعاليم سماوية وأفكار وضعية‪.‬‬

‫واستطاعت‪ ،‬في نفس الوقت‪ ،‬دول معينة أن تتقدم على دول أخرى في هذا المجال‪ ،‬كما‬
‫وهناك إشكالية في كونية المبادئ والخصوصية في التطبيق‪ ،‬حيث يصعب استيراد أفكار‬
‫مهما كانت جيدة وتطبيقها للإختلاف الواضح في الخصوصيات والمكونات المادية والمعنوية‬
‫للمجتمعات‪ ،‬ولكن لا بد هنا من إقتناع وإصرار الدول مع شعوبها انه يمكنها بالحوكمة‬

‫الرشيدة أن تجعل من الهدف حقيقة‪.‬‬

‫ول ّما كانت الحوكمة مرتبطة بعملية اتخاذ القرارات فإن الحكومة أ ٍي كانت هي لاع ٌب أساس‬
‫ورئيسي في إعداد وتنفيذ ومراقبة القرارات‪ ،‬في حين يتنوع دور اللاعبين الإخرين حسب‬
‫مستوى الحكومة وقراراها‪ ،‬حيث يزداد تعقيد القرار ونوعية اللاعبين في المناطق المدنية‬

‫والعواصم عنه في المناطق الريفية والبوادي على سبيل المثال لا الحصر‪.‬‬

‫ولا تنفصل الحوكمة عن المفاهيم المرادفة والمرتبطة به‪ ،‬أو أنها تنكفئ عن استخدام ما‬
‫يتاح لها من أدوات الفكر الإجتماعي والإقتصادي والإداري المتاحة‪ ،‬وخاصة بالنسبة لمفاهيم‬
‫ال َت َغ ُّير الإجتماعي‪ ،‬والتي ينطلق منها ضرورة البحث وإهتمامات الحوكمة بالمجمل‪ ،‬فالت ّغ ُير‬
‫هو قانون الوجود‪ ،‬وهو في ذاته ظاهرة طبيعية تخضع لها جميع مظاهر وشؤون الحياة‪،‬‬

‫‪15‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫كما ُت ًّعرِفه دلال إستيتية[‪ [[2‬بأن ال َت َغ ُّير الإجتماعي‪»:‬هو كل تحول يحدث في النظم والأنساق‬
‫والأجهزة الإجتماعية‪ ،‬سواء كان ذلك في البناء أو الوظيفة وخلال فترة زمنية محددة «‪.‬‬

‫وينطلق مفهوم « الحوكمة الرشيدة « من مفهوم التنمية في كافة المجالات من أجل نقل‬
‫المجتمع من حالة راهنة وواقع معين إلى حالة أسمى وأرفع‪ ،‬ومن فكر الإصلاح الذي يسعى‬
‫لتطوير المجتمع وتحديثه وملائمته مع متطلبات القبول الداخلي والخارجي‪ ،‬و ُتح ِّدد فيه‬
‫مستوى العلاقات بين الحكومات والقطاع الخاص )الأسواق والشركات الصغرى والكبرى‬
‫والمتعددة الجنسيات(‪ ،‬وبين الحكومات والمواطنين‪ ،‬وبين الحكومات والمجتمع الدولي‪،‬‬
‫وبين الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي (الإحزاب والنقابات المهنية والمنظمات‬
‫الحقوقية والأهلية وغيرها من مكونات المجتمع الغير حكومي‪ ،)Non-State Actor /‬وبين‬
‫الإشخاص المعينين والأشخاص المنتخبين‪ ،‬وبين المؤسسات المحلية والمستفيدين منها‬
‫في المناطق الريفية والمدنية‪ ،‬وبين المؤسسات التشريعية والتنفيذية‪ ،‬وبين المؤسسات‬

‫الوطنية ونظيراتها غير الوطنية‪.‬‬

‫ونظراً للتشارك بين مسألة تحديد هذا الموضوع وعرض أهميته وأهدافه‪ ،‬فأنه ينتقل إلى‬
‫التعريف بأهميته من واقع المفهوم‪ ،‬ومن ناحية إهتمامنا به كحل جديد للمشاكل الناشئة‬

‫بين طرفي الحكم‪ :‬الدولة والمجتمع‪ ،‬ومن الجانبيين‪ :‬الأهمية النظرية‪ ،‬والأهمية التطبيقية‪.‬‬

‫كما ان مسألة التنمية والتطوير والإصلاح والتغيير وتفعيل المشاركة وكل عناصر الحوكمة‬
‫الرشيدة لهي جزء لا يتجزأ من الفكر العالمي الليبرالي والعصري والمقبول لحاجات‬
‫المجتمعات الواعية والطموحة‪ ،‬وكذلك في مبررات وجود الدولة كمنظم لحياة البشر‬

‫وممتلكاتهم وواجباتهم وحقوقهم‪ ،‬وبالعمل مع الفاعلين أو الشركاء في المجتمع‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬فإن كل ما ينبثق عن الدولة من حكومات يجب أن تهدف إلى تأمين الحد الأدنى من‬
‫العيش الكريم لأبنائها وتقديم الخدمات الضرورية لمواطنيها‪ ،‬وبالتفاعل مع شركائها في‬

‫المجتمع دون إحتكار للسياسيات العامة التي يتأثر بها كافة مكونات المجتمع‪.‬‬

‫وأهمية الكشف عن مضامين الوعي التنموي والإصلاح ي بصورة متقابلة تجمع بين صانعي‬
‫القرار وبين التكوينات القائمة سواء في مستواها المجتمعي أو المؤسساتي‪ ،‬وبما يساعد على‬
‫الكشف عن مدى الإلتزام بالمصلحة العامة‪ ،‬وكذلك بالنسبة إلى مستويات الإغتراب التي قد‬

‫تتشكل بفعل التمحور حول المصالح الخاصة‪.‬‬

‫‪ 27‬دلال إستيتية‪ ،‬التغير الإجتماعي والثقافي‪ ،‬دار وائل للنشر‪ ،‬ع ّمان‪ ،‬الإردن‪ ، 2003 (،‬ص‪) 19‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪16‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫وضمن إشكاليات المفهوم‪ ،‬فهناك تخوف مستمر للدول الصغرى من المصطلحات التي‬
‫ت ُسوقها الدول الكبرى والتي ترى فيها مدخلا ً للتدخل بسياساتها‪ ،‬لا سيما النامية منها‪،‬‬
‫وعلى أنها شكل من أشكال الإستعمار التنموي ((‪ colonisation développement‬في عصر‬

‫العولمة‪ ،‬والعلاقات الإقتصادية الجديدة بهدف السيطرة السياسية [‪.[[2‬‬

‫كما أن الغرب نفسه يرى اختلاف جوهري بينه وبين شعوب العالم‪ ،‬ونقتبس هنا للكاتب‬
‫الأمريكي صاحب نظرية «صدام الحضارات»[‪ ،[[2‬حيث يقول ‪« :‬بأن شعوب العالم غير الغربية‬
‫لا يمكن أن لها أن تدخل في النسيج الحضاري للغرب‪ ،‬حتى وان إستهلكت البضائع الغربية‬
‫وإهتمت بالأفلام والموسيقى الغربية‪ ،‬فروح أي حضارة هي اللغة والدين والقيم والعادات‬

‫والتقاليد»[‪Écouter Lire phonétiquement Dictionnaire.[[3‬‬

‫ويرى البعض أن التدخل في الدول النامية ليس بالضرورة أن يكون ذلك بشكل مباشر‪ ،‬بقدر‬
‫ما يكون من خلال البرامج الخيرة للمنظمات الدولية مثل البنك الدولي‪ ،‬والأمم المتحدة‬
‫وبرامجها المتصلة بالموضوع‪ ،‬وخاصة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي‪ ،‬وبعض مؤسسات‬
‫المجتمع المدني ذات الصلة‪ ،‬والتي تحكمها وتمولها بالإساس الدول العظمى وبالتالي‬
‫تستطيع اذا رغبت توظيفها طبقاً لمصالحها‪ ،‬وضمن أُطر ومصطلحات مثل مفهومنا هنا‬

‫بالحوكمة‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬فيمكن أن ينظر البعض لهذا المفهوم على أنه سياسي بإمتياز‪ ،‬خلافاً للظاهر بأنه مرتبط‬
‫بمصطلحات التنمية‪ ،‬و ُمو َجه لتفعيل المشاركة بين الدولة وكافة فئات المجتمع‪ ،‬وذلك‬
‫من خلال إضعاف الدولة المركزية وجعل وظائفها تدور في فلك مصالح الإقتصاد الليبرالي‬

‫العالمي[‪.[[3‬‬

‫‪,Afrique Orient ,»Gouvernance et Sociétés Civiles- Les Mutations Urbaines au Maghreb« ,Mostafa Kharoufi 28‬‬
‫(‪.186 .P ,)2000‬‬

‫‪ 29‬ظهرت النظرية في مقال للكاتب الأمريكي صموئيل ب‪ .‬هنتنغتون عام ‪ ،1992‬بأن المصدر الرئيسي للصراع بعد الحرب الباردة سيكون‬
‫بسبب ال ُش َعب الثقافية والدينية الهويات‪ ،‬وتوسعت لاحقا لأطروحة هنتنغتون في التاريخ كتاب ‪ 1996‬وصدام الحضارات وإعادة صنع النظام‬

‫العالمي‪.‬‬
‫‪.)28.p ,1996 .Nov./Oct( ,75 .Foreign Affairs No ,»The West: Unique, Not Universal « , Samuel P. Huntington 30‬‬
‫‪ 31‬تقوم فكرة الليبرالية الإقتصادية على منع الدولة من تولي وظائف صناعية أو تجارية‪ ،‬وأنها لا يحق لها التدخل في العلاقات الإقتصادية‬
‫التي تقوم بين الإفراد والطبقات أو الإمم‪ ،‬ويعد الإقتصادي (آدم سميث) ـ ‪ 1790 -1723‬ـ هو ال ُمن ّظر لهذه النظرية الليبرالية الإقتصادية‪.‬‬

‫‪17‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫ ‪ 3-‬الحوكمة الرشيدة والعلوم الإجتماعية‬
‫الحقيقة أن عملية البحث في المعضلات الإجتماعية عملية صعبة ومحفوفة بالمخاطر‬
‫ويكتنفها جوانب من التعقيد والغموض البحثي‪ ،‬ولا يمكن فيها التوصل إلى يقي ٍن كامل‪ .‬لذا‪،‬‬
‫فإن ذلك ُيص ّعب المسألة على غير المختصين لصعوبة الإلمام بكافة النظريات والدراسات‬
‫والمقاربات المتصلة بجزئيات العلوم الإجتماعية‪ ،‬وعليه سيتناول هذا الكتاب ما يخصه‬
‫بالنسبة لعلاقة المجتمع بفرده ونُ ِظ ِمه‪ ،‬وبما يفيد في فهم تأثير ذلك لتحقيق مزيد من‬

‫الحوكمة الجيدة والمفيدة لطرفي المعادلة الحوكمية‪.‬‬
‫وبفرضية ان العلوم الإجتماعية تتضافر لفهم ظاهرة ما‪ ،‬وترتبط ببعضها البعض بمسافات‬
‫مختلفة‪ ،‬حيث ترتبط وتتشابك التحديات السياسية الإجتماعية والإقتصادية والإدارية معا‪،‬‬
‫فالنسبة إلى علم الإجتماع فيهتم بدراسة كافة جوانب المجتمع‪ ،‬بينما علم السياسة ُيكَّرِس‬
‫معظم إهتماماته لدراسة القوة المتجسدة في التنظيمات الرسمية‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة‬
‫لتشابك وتداخل التحديات الإقتصادية من خلال إمتحان القدرة على إدارة الموارد البشرية‬

‫والطبيعية‪.‬‬
‫كما تتصل الحوكمة بالثقافة والتي هي أصلا مفهوم واسع‪ ،‬وترتبط الحوكمة بسكيولوجيات‬
‫الفرد والمجتمعات‪ .‬وكذلك الأمر مع الإيكولوجية (البيئية) والإقتصادية‪ ،‬ومع الإدارة كعلم‬
‫من العلوم الإنسانية والذي يدور محور موضوعها الرئيسي حول الإنسان‪ ،‬بإعتبار أن العنصر‬
‫البشري في الإدارة هو عنصر الحسم مهما تقدمت وسائل التكنولوجيا المختلفة‪ .‬وعلية‪،‬‬
‫فالعلوم تنفذ كلها منها وإليها مهما إختلفت غايتها وتباينت الإولويات فيها‪ ،‬ويصب كل ذلك‬

‫في الحوكمة أو ما يمكن أن نسميه بمنظومة الحوكمة‪.‬‬
‫حوكمة السياسة‪ :‬وإن عناصر القوة وعناصر الضعف هي حالة طبيعية تعيشها المجتمعات‬
‫في كافة جوانبها الحياتية‪ ،‬وكون السياسة هي فن تحقيق الممكن في إطار‪ ‬الإمكانات المتاحة‪،‬‬
‫وأنه لا يمكن احتواءها في اطار ضيق كونها من العلوم الإجتماعية التي تتطلب وعياً وإدراك[‪،[[3‬‬

‫وأصبحت شأناً يخص المجتمع ويؤثر فيه وتدور حول السياسات الفعلية والمطبقة‪.‬‬
‫حوكمة التاريخ ‪ :‬وإن حوكمة التاريخ‪ -‬إذا جاز التعبير‪ -‬من العناصر الهامة لفهم سياسات‬
‫الدول والحكومات والتفاعلات المختلفة بين أفراد المجتمع ومرا كز القوى فيه‪ ،‬بما فيها‬
‫فرضية أن التاريخ ليس حكراً لأحد‪ ،‬وبأن التاريخ استند على ما وصله من معلومات قد تكون‬

‫صحيحة وقد لا تكون‪ ،‬وقد تحمل الحقيقة كل الحقيقة وقد لا تحمل الإ جزءاً منها‪.‬‬
‫الحوكمة الإجتماعية‪ :‬وقد ارتأينا التركيز على جانب هام وحيوي في مجال الحوكمة الإجتماعية[‪[[3‬‬
‫وهو ظاهرة ال َت َغ ُّير الإجتماعي لإتصالها المباشر هنا‪ ،‬ومن أجل تفعيل هذه العلاقة ليصبح‬
‫ال َت َغ ُّير الإجتماعي الحتمي رشيداً ومحفزاً للعلاقة بين الدولة والمجتمع‪ .‬وال َت َغ ُّير الإجتماعي‬
‫هو موضوع واسع ومتشعب ويعتبر من المواضيع الإساسية في علم الإجتماع‪ ،‬ويظهر هذا‬
‫بوضوح في إستخدام المفاهيم التي تعبر عن الظاهرة في محاولة دراستها مثل النمو والتنمية‬
‫والتق ّدم والتط ّور والإرتقاء‪ .‬ويمكن تعريف ال َت َغ ُّير الإجتماعي «بأنه كل تحول يقع في التنظيم‬

‫)‪32 Bernard Chantebout, « Le Pouvoir et L’Etat dans l, œuvre George Burdeau, édition Economica , (1993 P. 67‬‬
‫‪ 33‬مصطلح الحوكمة الإجتماعية هو ما ارتأيناه في دمج حزمة التنمية الإجتماعية مع عناصر الحوكمة الجيدة‪ ،‬بمعنى أننا لم نجد هذا‬
‫المصطلح في بحثنا بقدر ما نسعى إلى إضافته أو تقديمه ضمن منطق مفهوم التنمية الإجتماعية المرتبط بالتغيير الإجتماعي الإيجابي مع‬

‫خصوصيات الحوكمة الرشيدة‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪18‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫الإجتماعي سواءاً في بنائه أو في وظائفه خلال فترة زمنية معينة؛ ولذا فإن ال َت َغ ُّير الإجتماعي‬
‫ين َصب على كل تغير يحدث في أنماط العلاقات الإجتماعية أو في القيم والمعايير التي تؤثر في‬
‫سلوك الإفراد‪ ،‬والتي تحدد مكانتهم وأدوارهم في مختلف التنظيمات الإجتماعية التي ينتمون‬
‫إليها»[‪ .[[3‬ويتضمن مفهوم ال َت َغ ُّير الإجتماعي جميع المستويات الإجتماعية والثقافية‪ ،‬سواء‬
‫على مستوى الفرد نفسه وال َت َغ ُّيرات التي يمر بها أو على مستوى التنظيم والنظم من فكر‬
‫وفعل وسلوك ومصالح‪ .‬وهناك نظريات عديدة تفسر ظاهرة ال َت َغ ُّير الإجتماعي[‪ ، [[3‬وكذلك‬
‫إتجاهات ومسارات مختلفة‪ ،‬ومصدرين رئيسين للتغير هما المصدر داخلي‪ ،‬والمصدر خارجي‪.‬‬
‫الحوكمة الإجتماعية‪/‬السياسية ‪ :‬يعتبر علم الإجتماع السياسي[‪ [[3‬من أحد الفروع الرئيسة‬
‫في علم الإجتماع والذي ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية ليسد الفراغ الموجود بين‬
‫علم السياسة وعلم الإجتماع‪ ،‬وهو ذلك العلم الذي يدرس العلاقة بين السياسة والواقع‬
‫الإجتماعي الذي يعتبر الحاوي للأحداث السياسية‪ ،‬وفي تأثير الإحداث السياسية على البنية‬

‫الإجتماعية والعكس‪.‬‬
‫كما هناك الترابط السياسي بالإجتماعي لان مسألة التكيف السياسي مع المجتمع كصيرورة‬
‫لترسيخ المعتقدات والمبادئ المتعلقة بالسلطة وبمجموعات الإنتماء‪ ،‬وبالمحصلة لتكوين‬
‫مجتمع سياسي يكون قابلا ً للحياة ضمن حد أدنى من المعتقدات المشتركة المتعلقة في‬
‫آ ٍن واحد بشرعية الحكومة التي تحكم‪ .‬ومن خلال التعرف على مظاهر ال َت َغ ُّير الإجتماعي‬
‫والثقافي وعوائقه‪ ،‬وخاصة العوائق الإقتصادية‪ ،‬والإيكولوجية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬والسيكولوجية‪،‬‬
‫والتي تشكل جملة هذه العوائق تحديات لل َت َغ ُّير الإجتماعي المنشود الذي يساهم بدوره‬

‫بتحقيق مزيد من الحوكمة الرشيدة لمنظومة وعناصر ومستويات الحوكمة الرشيدة سواء‬
‫بجزئياتها أو بكلها مجتمعة‪.‬‬

‫‪ 34‬عبد الباسط محمد حسن‪ :‬أصول البحث الإجتماعي‪ ،‬الطبعة الحادية عشر‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪.)22-1990،24 ( ،‬‬
‫‪ 35‬النظريات التي تفسر ال َت َغ ُّير الإجتماعي كثيرة ومتعددة فهي تشرح طبيعة هذا ال َت َغ ُّير وتحدد أبعاده وتكشف عن اتجاهاته‪ ،‬ويذهب‬
‫علماء الإجتماع في تصنيفهم لنظريات ال َت َغ ُّير الإجتماعي إلى فئتين عريضتين‪ :‬إحداهما تعالج اتجاهات ال َت َغ ُّير‪ ،‬والإخرى تفسر عوامله وتشرح‬
‫أسبابه‪ .‬ومن أهمها وأ كثرها انتشاراً هي‪ :‬نظرية ابن خلدون (عبد الرحمن بن خلدون‪ :‬يرى أن ال َت َغ ُّير في المجتمع الإنساني سببه تبدل نحل‬
‫المعاش‪ ،‬وعلى نمطين هما المجتمع البدوي والمجتمع الحضري‪ ،‬وبأن الدولة تمر في عملية تغير محددة بمراحل‪ ،‬ويساهم في عملية‬
‫ال َت َغ ُّير هنا اختلاط الشعوب والثقافات من ناحية‪ ،‬وما يظهر بين الإجيال من اختلاف من ناحية أخرى‪ .‬ويربط ابن خلدون بين ال َت َغ ُّيرات‬
‫الإجتماعية وطبيعة الروابط الإجتماعية ممثلة بما اسماه « العصبية « التي تمثل أساس التجمع و قيام الدولة‪ ،‬وتسير الحياة الحضرية في‬
‫النمو والإزدهار إلى أن تصل إلى مرحلة الترف مما يؤدي إلى فقدان العصبية الذي يؤدي بدوره إلى نهاية الدولة على يد جماعة جديدة ذات‬
‫عصبية جديدة‪ ،‬وهكذا تبدأ الدورة من جديد) ‪ .‬ونظرية كارل ماركس (المادية التاريخية ‪ :.‬يعتقد ماركس أن عمليات ال َت َغ ُّير وحركة التاريخ‬
‫ترتبطان بالقاعدة الإقتصادية وتغيرها في المجتمع‪ ،‬وهنا يبدأ تشكيل الطبقات والصراع الطبقي والذي يعتبره ماركس مضمون ومظهر‬
‫المجتمعات الإنسانية)‪ ،‬وكذلك يشار إلى نظرية ماكس فيبر (الدور التاريخي للفكر والقيم في كتابه‪ :‬القيم البروتستانتية وروح الرأسمالية)‪.‬‬
‫كما ويمكن دراسة التغير من خلال؛ نظريات التقدم‪ ،‬والنظريات الدورية‪ ،‬ونظرية المراحل المتتابعة‪ .‬النظريات أحادية الإتجاه تفسر بأن كل‬
‫العصور ترتبط معاً بسلسلة من الإسباب والنتائج بحيث تربط بين الوضع القائم في العالم المعاصر وبين الإوضاع التي مرت عليه من قبل‪.‬‬
‫والنظريات الدائرية بان التغير يتجه صعوداً وهبوطاً في تموجات على شكل أنصاف دوائر متتابعة وبنظام مطرد بحيث يعود المجتمع من‬
‫حيث بدأ في دورة معينة‪ .‬ومن أصحاب النظريات الدائرية‪ :‬ابن خلدون‪ .‬وفيكو‪ ،‬وباريتو‪ ،‬وشبنجلر‪ ،‬وتوينبي‪ .‬النظريات التي تتعلق بعوامل‬
‫التغير تتصل بدراسة الميكنزمات المؤدية إلى التغير‪ ،‬وبأن التغير يرجع إلى عامل واحد فقط قد يكون داخلياً أو خارجياً‪ ،‬ويشتمل ذلك‬
‫على النظريات التالية‪ :‬النظرية التكنولوجية – النظرية الإقتصادية – نظرية الصراع – نظرية اللاتكامل – نظرية التكيف – النظرية الفعلية‬
‫(الفكرية) – نظرية التفاعل الثقافي‪ .‬نظريات التغير الثقافي‪ :‬على أساس أن لكل مجتمع ثقافته التي تميزه عن غيره من المجتمعات فضلا ً‬
‫عن أن الثقافة – بجوانبها المادية وغير المادية– توجه وتضبط سلوك الإفراد في المواقف الإجتماعية المختلفة‪ .‬كما أن العلاقات الإجتماعية‬
‫التي هي جوهر البناء الإجتماعي ما هي الإ أنماط منتظمة ومتكررة من التفاعل بين الناس‪ .‬وهذه الإنماط تأخذ شكلها وانتظامها وتكرارها‬
‫من خلال الثقافة ( من اوائل الكتب حول التغير الإجتماعي ورواج هذا المصطلح كتاب «التغير الإجتماعي»‪ ،‬لمؤلفه ويليام أوجبرن‪ ،‬وهناك‬

‫عدة مصادر منها مرجع سابق للدكتوره دلال استستية‪ ،‬التغير الإجتماعي والثقافي)‪.‬‬
‫‪ 36‬محمد علي محمد‪« ،‬أصول الإجتماع السياسي‪ ،‬السياسة والمجتمع في العالم الثالث»‪ ،‬الإسكندرية‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪( ،‬ص ‪.)1985 ،37‬‬

‫‪19‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫الحوكمة الثقافية‪ :‬كما تترابط الحوكمة بالثقافة والتي خضعت لتعريفات متنوعة حسب‬
‫الظروف والمع ّرفين لها‪ ،‬وبإختلاف الأزمان والأماكن وإختلاف الشعوب والحضارات‪ .‬والحوكمة‬
‫الثقافية‪ ،‬إن جاز القول‪ ،‬تفرض نفسها جراء الغزو الثقافي والذي أدى إلى فقدان الثقة باللغات‬
‫المحلية‪ ،‬على الرغم من أن اللغة تمثل عنصراً أساسياً في تحديد الرموز الثقافية‪ ،‬وهي‬
‫التي تعطي معنى لوجودنا وتواصلنا مع الإخر[‪ ،[[3‬وتكمن أهمية اللغة المحلية كونها لغة‬
‫المجتمع وفي بعدها الروحي والحضاري‪ ،‬ومع ذلك أصبحت اللغات الأجنبية وخاصة اللغة‬
‫الإنجليزية مظهرا رئيساً لمستوى ثقافة الفرد وتَم ّدنه وتح ّضره وتطورة في شتى المجالإت‪.‬‬
‫الحوكمة السلوكية‪ :‬وتتشابك الحوكمة مع العلوم السيكولوجية (النفسية)‪ ،‬وعلم النفس‬
‫(‪ )Psychology‬هو علم دراسة السلوك والدراسة العلمية على وظائف العقل البشري‬
‫وسلوك الإنسان [‪ .[[3‬كما أن العلاقة بين العوائق النفسية أو السيكولوجية وعوائق ال َت َغ ُّير‬
‫الإجتماعي مرتبطة بعلم النفس الإجتماعي[‪ ،[[3‬مما يزيد من تعقيدات وتشعبات العوائق‬
‫النفسية ويكثر الجدل حولها‪.‬‬
‫وكذلك الأمر مع الإيكولوجية (البيئية) والإقتصادية‪ ،‬وبالنسبة للإيكولوجيا أو علم البيئة‬
‫فتوافر العناصر البيئية من طقس معتدل ومصادر طبيعية تساعد على ال َت َغ ُّير الإجتماعي‬
‫الإيجابي‪ ،‬في حين أن شح الموارد الطبيعية يعيق عملية ال َت َغ ُّير وبناء حضارة مزدهرة وكبيرة‪.‬‬
‫الحوكمة السياسية والإصلاح ‪ :‬لقد شكلت التنمية الإقتصادية والتنمية الإدارية في الدول‬
‫التي نالت إستقلالها بعد الحرب العالمية الثانية هدفاً أساسياً لحكوماتها‪ ،‬والتي لم تكن‬
‫مهم ًة سهلة التحقيق‪ ،‬فعلى المستوى المحلي‪ ،‬إصطدمت التنمية بعامة الناس الذين عاشوا‬
‫لقرون طويلة في ظل الجهل والتخلف والعادات والتقاليد البالية والتي تحولت إلى قوة مؤثرة‬
‫في صف معارضة سياسات التنمية‪ .‬ودولياً‪ ،‬دخلت برامج التنمية في دائرة الصراع السياسي‬
‫بين الدول الغنية والفقيرة‪ ،‬وفي جدلية الإستقلال والتبعية [‪.[[4‬‬
‫وقد جاء الإصلاح كحل نخبوي وكجهد فكري وعلمي وتقني لتحسين الواقع وتوفير الشروط‬
‫الضرورية اللازمة للنهوض به أو بقطاع من قطاعاته الحيويّة المساعدة على الخروج بالأمة‬
‫أو بشعب من شعوبها من حال الضعف إلى حال امتلاك شروط القوة‪ ،‬ومن حال التبعية إلى‬
‫حال الإستقلال والريادة والسيادة[‪.[[4‬‬
‫والإصلاح لم يكن يوماً بالمهمة اليسيرة‪ ،‬فقد كان مهمة الإنبياء والمصلحين وطبقة ال ُنخب‬
‫والمثقفين‪ ،‬كما وشكلت الهم الأكبر لمترا كمات الفكر الإنساني العالمي وفي كافة العصور‪،‬‬
‫زالت‬ ‫وما‬ ‫والرومان والعرب وكافة الحضارات‪،‬‬ ‫لويتنوامونلاهاهاذلاممفوكرطأًي لنلتالففكليارسوافلةب احلقثد لمإايءجاالدي أونفانيضنل‬
‫الرفاه‬ ‫إلى‬ ‫السبل لتحسين حياة البشر ونقلهم‬

‫‪ 37‬محمود الذوادي‪« ،‬اللغة العربية والثقافة في ظل العولمة‪ -‬الدولة والتحديث والمجتمع المدني‪ -‬نحن والمتغيرات العالمية»‪ ،‬اصدارات‬
‫منتدى الجاحظ ‪ ،‬تونس‪ ،2008( ،‬ص ‪.)67‬‬

‫‪ 38‬علم النفس هو أحد فروع العلوم الإنسانية‪ ،‬وهو ميدان واسع للدراسة ويستقصي طائفة كبيرة من المسائل والإفكار والمشاعر‬
‫والإفعال‪ ،‬وله أهمية بالغة في حياتنا كأشخاص‪ ،‬وحياة المجتمع الذي نعيش فيه‪ .‬وعلم النفس هو العلم الذي يدرس جوانب نشاط الإنسان‬
‫والسلوك والعمليات الذهنية‪ ،‬ويعتمد أي ًضا على أعمال التفسير الرمزي والتحليل النقدي ودراسة مؤثرات العقل الباطن‪ .‬وهناك عشرات‬

‫الكتب التي تتحدث عنه وعن فروعه ومباحثه‪ ،‬ومن الكتاب العرب نذكر إبراهيم الفقيه‪ ،‬وكتبه العديدة في مجال تطوير الذات البشرية‪.‬‬
‫‪ 39‬علم النفس الإجتماعي هو فرع من فروع علم النفس يدرس السلوك الإجتماعي للفرد والجماعة‪ ،‬كاستجابات لمثيرات اجتماعية‪،‬‬

‫وهدفه بناء مجتمع أفضل قائم على فهم سلوك الفرد والجماع‪.‬‬
‫‪ 40‬محمد عبد الهادي صالح الإسود‪ « ،‬مشكلات التنمية في البلدان العربية وأثر الديون الخارجية في تفاقمها»‪ ،‬إصدارات‪ :‬مجلس الثقافة‬

‫العام‪ ،‬القاهرة‪ ،2006( ،‬ص ‪.)17‬‬
‫‪ 41‬عبد الجليل الميساري‪« ،‬قيم الإصلاح والتحديث‪ ،‬في فكر أحمد بن أبي الضياف من خلال كتابة الإتحاف»‪ ،‬المغاربية للطباعة والنشر‬

‫والإشهار‪ ،1999( ،‬ص ‪.)40‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪20‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫والسعادة‪.‬‬
‫وضمن منظور الحوكمة فأنه لا يمكن للدولة منفردة مواجهة التحديات التنموية‪ ،‬حيث تقع‬
‫مسؤولية مشتركة على اللاعبين الغير حكوميين‪ ،‬من منظمات مجتمع مدني‪ ،‬وقطاع خاص‬

‫لتحقيق الإصلاح المنشود‪.‬‬
‫الحوكمة الإقتصادية والتنموية‪ :‬ولقد أثار مفهوم التنمية الكثير من الجدل وعلى جميع‬
‫المستويات النظرية والتطبيقية‪ .‬كما وتَح ِمل المؤلفات السياسية والإقتصادية والإجتماعية‬
‫العديد من التعاريف لهذا المصطلح‪ ،‬وكل منها تناوله من زاوية معينة حسب إختلاف‬
‫الميادين والمناهج العلمية الخاصة بها‪ ،‬ويأتي كذلك منسجماً مع إختصاص كل باحث‬
‫وميوله وأيديولوجيته‪ .‬كما ويمكن القول بأن مفهوم التنمية يتشابه مع عدد من المفاهيم‬
‫والمصطلحات‪ ،‬والتي ُقصد منها تطور المجتمعات مثل‪ :‬التقدم‪ ،‬والتطور‪ ،‬والنمو‪ ،‬والإرتقاء[‪.[[4‬‬
‫وقد تطورت علوم التنمية تبعاً لتطور المجتمعات والحاجات‪ ،‬وتبعاً لمصطلحات التخصص‪،‬‬
‫وخاصة معادلة العرض والطلب‪ ،‬والموارد المحدودة‪ ،‬والحاجات المتعددة‪ .‬ومنذ نهاية الحرب‬
‫العالمية الثانية ظهر فرع مستقل من النظرية الإقتصادية يطلق عليه اقتصاديات التنمية‪،‬‬
‫كما وطرحت مسألة التنمية في العديد من الدول وخاصة النامية منها لإستكمال التحرر من‬

‫الإستعمار والتبعية الإقتصادية‪.‬‬
‫وجاء في الأمم المتحدة عام ‪ 1955‬تعريف للتنمية مفاده‪« :‬بأن التنمية هي العملية المرسومة‬
‫لتقدم المجتمع جميعه إجتماعيا وإقتصاديا‪ ،‬إعتمادا على إشتراك المجتمع المحلي ومبادأته»‪.‬‬
‫ثم عرفتها تعريفاً آخر‪« :‬بإعتبارها العمليات التي يمكن بها توحيد جهود المواطنين والحكومة‬
‫لتحسين الإوضاع الإجتماعية والإقتصادية والثقافية في المجتمعات المحلية ومساعدتها في‬
‫الإندماج في حياة الإمة‪ ،‬والمساهمة في تقدمها بأقصى قدر مستطاع»[‪ .[[4‬وهي العملية التي‬
‫ينتج عنها زيادة في فرص حياة بعض الناس في مجتمع ما دون نقصان فرص بعض آخر في‬

‫نفس الوقت ونفس المجتمع[‪.[[4‬‬
‫أما كارل ماركس[‪ :[[4‬فيعرفها على «أنها عملية ثورية‪ ،‬أي أنها تتضمن تحولات شاملة في‬
‫البناءات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والقانونية فضلا ً عن أساليب الحياة والقيم‬
‫الثقافية‪ ،‬وبالتالي فإن البلد الإكثر تقدماً من الناحية الصناعية يمثل المستقبل الخاص للبلد‬

‫الإقل تقدماً»‪.‬‬
‫وتشكل معوقات التنمية[‪ [[4‬تحديات أمام الإقتصاد القومي ومحاولات التقدم للمجتمعات‬

‫‪ 42‬الت ّقدم (‪ )Progress‬يرتبط بتحسن دائم في ظروف المجتمع المادية واللامادية‪ ،‬وبأنه ينطوي على مراحل ارتقائية‪ ،‬أي أن كل مرحلة‬
‫تكون أفضل من سابقتها‪ .‬ومصطلح الت ّطور (‪ )evolution‬يشير إلى التحول المنظم من الإشكال البسيطة إلى الإشكال الإكثر تعقيداً‪،‬‬
‫ويستخدم لوصف التحولات في الحجم والبناء‪ .‬ويعني مصطلح النمو‪ :‬النضج التدريجي والمستمر للكائن وزيادة حجمه‪ ،‬كما يشير إلى‬
‫نوع معين من التغير وهو التغير الكمي‪( .‬دلال استيتية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .)41-29‬كما أن مفهوم الإرتقاء يتصل بمفاهيم العلو والإرتفاع‬

‫والصعود‪.‬‬
‫‪ 43‬محمد شفيق‪ ،‬التنمية الإجتماعية « دراسات في قضايا التنمية ومشكلات المجتمع»‪ ،‬الإسكندرية‪ ،‬المكتب الجامعي الحديث‪ ،‬ص ‪13‬‬
‫‪ 44‬عبد الهادي الجوهري وآخرون‪ ،‬دراسات في التنمية الإجتماعية (مدخل إسلامي)‪ ،‬الإسكندرية ‪ ،‬المكتب الجامعي الحديث‪،1999( ،‬ص ‪.)17‬‬
‫‪ 45‬كارل ماركس ( ‪ 5‬مايو ‪ 1818‬إلى ‪ 14‬مارس ‪ .)1883‬فيلسو ًفا ألمان ًيا‪ ،‬سياسي‪ ،‬وصحفي‪ ،‬ومن ّظر اجتماعي‪ .‬قام بتأليف العديد من‬
‫المؤلفات الإ أن نظريته المتعلقة بالرأسمالية وتعارضها مع مبدأ أجور العمال هو ما أ كسبه شهرة عالمية‪ .‬لذلك يعتبر مؤسس الفلسفة‬

‫الماركسية‪ ،‬ويعتبر مع صديقه فريدريك إنجلز المنظرين الرسميين الإساسيين للفكر الشيوعي‪.‬‬
‫‪ 46‬في شهر يوليو‪ /‬تموز ‪2008‬أصدر برنامج الأمم المتحدة تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام ‪ 2009‬تحت عنوان «تحديات أمن الإنسان‬
‫في البلدان العربي»‪ ،‬وهو التقرير الخامس من سلسلة تقارير تم إصدار العدد الإول منها في العام ‪ ،2000‬وفي هذا التقرير تم طرح ‪ 7‬معوقات‬
‫أساسية تعوق التنمية الإنسانية الشاملة في الوطن العربي وهذه المعوقات هي ‪ :‬الضغوط على الموارد البيئية‪ ،‬و أداء الدولة في أمن الإنسان‬
‫أو تقويضه‪ ،‬وانعدام الإمن الشخصي للفئات الضعيفة‪ ،‬بالإضافة إلى التعرض للمخاطر الإقتصادية‪ ،‬والفقر والبطالة‪ ،‬والإمن الغذائي والتغذية‪،‬‬

‫والصحة وأمن الإنسان‪ ،‬والإنعدام المنهجي للأمن من جراء الإحتلال والتدخل العسكري الخارجي‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫التي تعاني منها‪ ،‬ويعتبر البعض أن هناك معيارين للتخلف‪ ،‬أحدهما كمي ويتمثل في متوسط‬
‫الدخل الفردي أو انخفاض الناتج القومي أو انخفاض نصيب الفرد من الطاقة أو الخدمات‪،‬‬
‫والأخر كيفي ويتمثل في مدى إرتفاع وإنخفاض نصيب الفرد من الطاقة الإنتاجية لمجتمع‬
‫ما على حجم ودرجة نمو وتطور قوى الإنتاج السائدة به‪ ،‬بشقيها المادي المتمثل في الآلات‬
‫والمعدات والمنشآت والشق الإخر البشري‪ ،‬أي القوى العاملة المنتجة وما ا كتسبته من‬

‫خبرات ومهارات متنوعة[‪.[[4‬‬
‫ويرى البعض الإخر[‪ [[4‬بأن دول العالم الثالث تعاني حالياً مأزقاً على الصعيد الإقتصادي كما‬
‫هو على الصعيد الإجتماعي والسياسي‪ ،‬فإقتصاد هذه البلدان ممزق وغير مترابط‪ ،‬يستتبعه‬
‫عجزٌ مزمن في الموازنة العامة‪ ،‬وعدم القدرة على تأمين المواد الغذائية للمواطنين‪ ،‬وهذا ما‬
‫يترك العالم الثالث فريسة التبعية للدول الصناعية المتقدمة‪ .‬وبأن المفكرين الغربيين‬
‫وضعوا العديد من النظريات التي تفسر الوضع القائم وتحاول إبعاد مسؤولية الغربيين عنه‪،‬‬
‫وإلقاءها على كاهل الدول النامية وشعوبها‪ ،‬مفاده بأن تخلف الدول النامية متعلق بأسباب‬
‫عدة أهمها المناخ[‪ ،[[4‬والبعض الإخر بأن السبب عائد إلى ضعف الطاقات ورداءة الخواص‬
‫الطبيعية‪ ،‬وهناك من المفكرين من يقول بأن التخلف فيها عائد إلى الإديان‪ ،‬حيث تسيطر في‬

‫هذه الدول الديانات القدرية‪.‬‬
‫ونشير مجدداً هنا بأن قضية التنمية – بوجه عام‪ -‬تعد قضية معقدة ومتشابكة الجوانب‪،‬‬
‫وبنظرة عامة للمجتمعات المدنية التي تحيط بنا‪ ،‬سواء بالمنطقة العربية أو الإفريقية‪ ،‬أو‬
‫بالمحيط الدولي‪ ،‬نجد أن التنمية الإقتصادية في الدول التي أصابها قدر عال منها‪ ،‬لم تتقدم إلى‬
‫الإمام إلا َّ لتوفر عنصري السلام الإجتماعي والهوية الوطنية‪ ،‬وبالتالي كانت النتيجة أن فرص‬
‫التطور الإقتصادي نفسه تنعكس في البناء والتعمير والتقدم‪ ،‬محروساً بالسلام الإجتماعي‪،‬‬

‫وخاضعاً للهوية الوطنية‪.‬‬
‫ويلاحظ هنا الإرتباط الكبير بين مفهوم وتعريفات التنمية مع مفاهيم وتعريفات الحوكمة‬
‫الرشيدة حيث يشترك كلاهما في هدف تطوير وتحديث المجتمعات‪ ،‬بينما تأتي الحوكمة‬
‫كمفهوم متقدم مصطلحاً ومضموناً عن التنمية بحكم إشتراطها لإنخراط الدولة والمجتمع‬

‫في مسيرة التنمية‪.‬‬
‫الحوكمة الإدارية‪ :‬وتتداخل وتتشابك الإدارة مع الحوكمة كعلم من العلوم الإنسانية‪ ،‬والتي‬
‫يدور محور موضوعها الرئيسي حول الإنسان‪ ،‬بإعتبار أن العنصر البشري في الإدارة هو عنصر‬
‫الحسم مهما تقدمت وسائل التكنولوجيا المختلفة‪ .‬وهناك تعاريف متعددة للإدارة تبعاً‬
‫لتطور المفهوم وإختلاف ُمع ِّرفيه‪ ،‬ومن أبرز التعاريف‪ “ ،‬فإن الإدارة[‪ [[5‬عملية ذهنية وسلوكية‬
‫تسعى إلى الإستخدام الأمثل للموارد البشرية والمادية لبلوغ أهداف المنظمة والعاملين‬
‫بها بأقل تكلفة وأعلى جودة‪ ،‬وعن طريق مجموعة من الوظائف أهمها‪ :‬التخطيط والتنظيم‬
‫والتوجيه والرقابة والتقويم‪ .‬كما وينظر لها بأنها علم وفن وموهبة شخصية‪ ،‬وتنقسم إلى‬

‫الإدارة العامة والى إدارة الإعمال‪ ،‬وكل قسم له العديد من الفروع والوظائف‪.‬‬

‫‪ 47‬مجدي حجازي‪ ،‬التنمية الإجتماعية‪ : ‬رؤية نقدية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬عام ‪1985‬‬
‫‪ 48‬إبراهيم مشورب‪ ،‬التخلف والتنمية‪ :‬دراسات اقتصادية‪ ،‬دار المنهل اللبناني‪ ،2009( ،‬ص ‪.)16‬‬

‫‪( 49‬جنوب الكرة الإرضية‪ ،‬أي مناطق حارة واستوائية)‪.‬‬
‫‪ 50‬منتديات العلوم الإقتصادية والتجارية‪ ،‬الموقع‪net.etudiantdz//:http :‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪22‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫وقد ظهرت الإدارة كعلم مستقل بدأت بما سمي بالإدارة العلمية [‪ [[5‬المرتبطة بالمعرفة‬
‫الدقيقة لما تريده من الأفراد أن يقوموا بعمله‪ ،‬في الوقت الذي كان فيه العالم منشغل‬
‫بإيجاد أفضل السبل الإدارية التي ُتخلّص المجتمعات من سلبيات البيروقراطية‪ ،‬والجمود‬
‫الإداري‪ ،‬والتعامل والتواصل مع الجمهور‪ ،‬والعديد من القضايا والمعضلات الإدارية التي‬
‫تلامس مباشرة مصالح القطاع العام والقطاع الخاص وحاجات المجتمع اليومية‪ .‬ولفهم‬
‫الإدارة في اي دولة عربية لا بد من الإشارة إلى محيطها الإداري الذي تتأثر و ُتأثر فيه‪ ،‬الإ وهو‬

‫الإدارة في الدول النامية بالعموم وفي الدول العربية بالخصوص‪.‬‬
‫فهناك سوء في معظم الأقطار العربية للإدارة في الدول العربية‪ ،‬حيث يوصف الجهاز‬
‫البيروقراطي بأنه أصبح خادماً للفئوية‪ ،‬وليس جهازاً للخدمة العامة‪ ،‬وبأن سكان العالم العربي‬
‫في حيرة من أمرهم‪ ،‬فدور الدولة محوري في كل مجالإت الحياة‪ ،‬ولكن المخاوف والشكوك‬

‫تحيط بقدراتها وإمكانياتها وسياساتها في كل مكان[‪.[[5‬‬
‫كما أن[‪ [[5‬الإدارة العربية ينقصها في معظم الدول العربية قادة إداريون ملهمون ومحفزون‪،‬‬
‫في حين ترى الإدارة الغربية العمل مكاناً للمنافسة الشريفة وتحقيق الذات عن طريق‬
‫الإنجاز‪ ،‬وبأن الإدارة في الغرب تتفوق على الإدارة العربية ‪-‬من ناحية تنظيمية‪ -‬بتحمل‬
‫المسؤولية والقدرة على صناعة القرار‪ ،‬وإستخدام الإساليب العلمية في العمل والإعتماد‬
‫على التخطيط الإستراتيجي‪ ،‬وتوافر روح العمل الجماعي‪ ،‬والإعتماد على معايير موضوعية‬
‫في الإداء والتقييم‪ ،‬والبعد عن الرسمية في عمليات الإتصال والتعامل مع الإخرين‪ ،‬والقدرة‬
‫على الإنضباط والدقة‪ ،‬وتفادي الروتين‪ ،‬والمبادرة بهدف التحسين والتطوير المستمر‪ ،‬وإحترام‬

‫التخصص‪.‬‬
‫الحوكمة والفساد ‪ :‬وتبقى أ كبر معضلة إدارية تواجه الدول كافة هي الفساد المالي والإداري‪،‬‬
‫وتعتبر ظاهرة الفساد[‪ [[5‬بشقيها الإداري والمالي ظاهرة عالمية شديدة الإنتشار‪ ،‬وذات جذور‬
‫عميقة تأخذ أبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها‪ ،‬وتختلف درجة‬
‫شموليتها من مجتمع إلى آخر‪ ،‬وقد حظيت ظاهرة الفساد في الإونة الإخيرة باهتمام الباحثين‬

‫في مختلف الإختصاصات‪.‬‬
‫ويرى البعض بأنه ليس هناك للفساد اصطلاحاً‪ ،‬لكن هناك اتجاهات مختلفة تتفق في كون‬

‫الفساد هو إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص[‪.[[5‬‬
‫كما ولا يوجد إجماع نهائي على تعريف الفساد‪ ،‬الإ ان الطريقة المتعارف عليها للتعرف‬
‫عليه مرتبط بحجمه‪ ،‬حيث يوجد ما يسمى بالفساد الصغير والمتصل بالممارسات اليومية‬
‫التي يلحظها المواطن العادي في تعاملاته اليومية‪ ،‬وما يسمى بالفساد الكبير أو السياسي‬

‫‪ 51‬فريدريك تايلور‪( 1915 – 1856( ،‬مؤسس الإدارة العلمية‪ ،‬نشر أفكاره في كتاب «الإدارة العلمية» عام ‪ ،1911‬وأوضح أن الهدف الرئيسي‬
‫للإدارة هو الحصول على أ كبر قدر من الرفاهية لصاحب العمل والعمال‪ ،‬وركز تايلور على الجانب الفني من العمل ولم يعتني بالجانب‬
‫البشري على الرغم من إدرا كه لأهمية هذا الجانب‪ ،‬وكانت الفكرة الرئيسية لمدرسة الإدارة العلمية أنه يمكن تحقيق زيادة الإنتاجية عن‬
‫طريق إتباع أسلوب علمي قوامه التخصص والتدريب الفني وتحليل العمل إلى جزئياته ودراسة كل جزئية على حده حتى تحدد حركاته‬
‫الإساسية والزمن الذي يستغرقه أداؤه‪ ،‬وتصميم المصنع بالشكل الذي يضمن انسياب الخامات للالإت وتحرك العامل لأداء واجبه‬

‫(المصدر‪)html.http://www.hrdiscussion.com/hr25686 :‬‬

‫‪ 52‬ندوة ‪« :‬الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية»‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ 23-20 ،‬أيلول‪/‬سبتمبر ‪.2004‬‬
‫‪ 53‬معدي بن محمد آل مذهب‪« ،‬بين المدير العربي والمدير الغربي‪ ،‬ما الفرق» ؟‪ ،‬صحيفة الرياض‪2010 ،‬‬

‫‪ 54‬الفساد في معاجم اللغة هو في (فسد) ضد َص ُل َح‪ ،‬والفساد لغة البطلان‪ :‬فيقال فسد الشيء أي ب ُط َل واضمحل‪.‬‬
‫‪ 55‬ياسر خالد بركات الوائلي‪ ،‬الفساد الإداري « مفهومه ومظاهره وأسبابه» ‪ ،‬مركز المستقبل للدراسات والبحوث‪.‬‬

‫‪23‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫والمرتبط بمبالغ مالية كبيرة ومؤثرة على الدولة وشرعية الحكومة فيها[‪.[[5‬‬
‫وهناك[‪ [[5‬تعاريف متشددة للفساد منها بأنه «مجموعة من الأعمال المخالفة للقوانين‪،‬‬
‫والهادفة إلى التأثير بسير الإدارة العامة أو قراراتها أو أنشطتها‪ ،‬بهدف الإستفادة المادية‬
‫المباشرة‪ ،‬أو الإنتفاع غير المباشر» أو هو «استغلال موظفي الدولة لمواقعهم وصلاحيتهم‬
‫للحصول على كسب غير مشروع‪ ،‬أو منافع يتعذر تحقيقها بطرق مشروعة»‪ ،‬وهناك تعاريف‬
‫أقل تشدداً بأنه «تصرف استثنائي أفرزته بعض الظروف»‪ ،‬وأخرى متساهلة بأنه « سلوك‬
‫إداري غير رسمي «‪ ،‬أو حتى أنه «تصرف مقبول من قبل طرفين تعجز الطرق الرسمية‬

‫والأساليب التقليدية عن تحقيق مصالحهما»‪.‬‬
‫وللفساد عدة أسباب أهمها عدم احترام القوانين؛ وتدني الرواتب مع ارتفاع تكاليف المعيشة؛‬
‫والفارق في الدخل بين القطاعين العام والخاص؛ وانعدام الشفافية؛ وانتشار الفقر؛ وغياب‬
‫أخلاقيات العمل؛ وضعف معايير السلوك؛ والضغوط الخارجية التي يمارسها أصحاب‬
‫المصالح‪ .‬كما وهناك أثاراً للفساد تتمثل في فقدان ثقة المواطن بالحكومة وبأجهزة الدولة؛‬
‫والتأثير على الديمقراطية؛ وإضعاف سيادة القانون؛ وتأخير التنمية السياسية؛ والإضرار‬
‫بمبادئ الحوكمة الرشيدة؛ وضعف حجم الإستثمارات؛ وتراجع المنح والمساعدات؛ وضعف‬
‫القيم الإخلاقية؛ وانتشار الجريمة؛ وشعور المواطن بعدم العدالة؛ وانتشار الحقد والكراهية‪.‬‬
‫وتتمثل أنماط الفساد وأدواته في‪ ،‬الرشوة والإرتشاء‪ ،‬والسرقات والإختلاسات؛ وإساءة‬
‫استعمال الصلاحيات‪ ،‬وإستغلال النفوذ؛ والإبتزاز؛ والتحيز والمحاباة؛ والتقصير والإهدار؛‬

‫والإساءة للمنظمة وللإدارة؛ والهدايا والغلول[‪.[[5‬‬
‫والفساد وبكافة أشكاله يعتبر أهم عنصر من عناصر قياس الحوكمة الرشيدة‪ ،‬ومؤشر‬
‫هام تستخدمه المؤسسات النقدية والمالية والسياسية‪ ،‬مثل صندوق النقد الدولي وتقرير‬
‫الشفافية الدولية‪ ،‬وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي يصدر دراسات حول دول العالم ويضع‬
‫مؤشرات متنوعة لقياس الفساد[‪ .[[5‬كما وأن أ كثر أنواع الفساد المنتشر في العالم العربي هو‬

‫الفساد الإداري المتمثل بالواسطة والمحسوبية‪ ،‬وعدم التق ّيد بالقوانين والإنظمة[‪.[[6‬‬
‫الأوضاع الإدارية في العالم العربي تجابه ظروفاً دولية متسارعة‪ ،‬وتبدلات هائلة في أنماط‬
‫وأساليب الإدارة‪ ،‬وسط ثورة ُمعاشة في مجال المعلومات والإتصالإت‪ ،‬فالعالم كله في إدارته‬

‫المستقبلية‪ ،‬متوجه إلى تنظيمات ذات سمات «لا بيروقراطية»[‪.[[6‬‬

‫‪,Editors: UNDP Oslo Governance center« ,A user’s guide to Measuring Corruption« ,Raymound June, lead Author 56‬‬
‫(‪.)6 .P ,2008‬‬

‫‪ 57‬سليمان الجريش‪ ،‬الفساد الإداري وجرائم إساءة استعمال السلطة الوظيفية‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الملك فهد الوطنية‪ ،2003( ،‬ص ‪.)112-117‬‬
‫‪ 58‬سليمان الجريش‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الفساد الإداري وجرائم إساءة استعمال السلطة الوظيفية‪ ،‬ص ‪140-189‬‬
‫‪ ,26-23‬مرجع سابق‪59 Raymound June, «A user’s guide to Measuring Corruption «, P.‬‬

‫‪ 60‬صدرت إرادة ملكية في عمان بتاريخ ‪ 2007/2/7‬شكل بموجبها أعضاء هيئة مكافحة الفساد بحيث تتبع العاهل الإردني مباشرة ولن‬
‫يكون عليها الإ سلطان نفسها وسلطان القضاء الإردني‪.‬‬

‫‪« 61‬البيروقراطية» ‪ Bureaucracy‬عرفها العالم الإلماني ماكس ويبر ( ‪ )1920 - 1864‬بأنها هي «تنظيم المكاتب الذي يتبع مبدأ الهيكلية‬
‫المكاتبية»‪ ،‬وهي مفهوم يستخدم في العلوم الإنسانية ويشير إلى تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظمة‪ .‬وتعتمد هذه الإنظمة‬
‫على الإجراءات الموحدة وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية والعلاقات الشخصية‪ .‬ومن المتعارف عليه لدى الجميع أن البيروقراطية هي‬
‫الروتين الممل والإجراءات المعقدة التي ليس لها فائدة سوى تأخير المعاملات في حين أن التعريف الصحيح للكلمة‪ ،‬الإغريقية الإصل‪،‬‬
‫أنها مكونة من مقطعين‪ :‬الإول ‪ Bureau‬وهي تعني مكتب والثاني ‪ Cracy‬ومعناها ‪ The Strong‬أي القوة‪ ،‬والكلمة في مجموعها تعني‪:‬‬

‫قوة المكتب أو سلطة المكتب‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪24‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫وللإدارة في المستقبل القريب سمات منها «التفكير الإستراتيجي» بديلا ً عن التصور الوقتي‪،‬‬
‫وتبني النظام الإداري المفتوح المتفاعل مع البيئة بدلا ً من النظام المغلق‪ ،‬وتأصيل المنهج‬

‫اللامركزي‪ ،‬والتركيز على فريق العمل‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬



‫الجزء الثاني‬
‫عناصر الحوكمة الرشيده‬

‫مما لا شك فيه‪ ،‬فإن هناك العديد من الوسائل والتحولات التي تساهم بدورها في رفع‬
‫التحديات والصعوبات التي تواجه الدول‪ ،‬والتي بدورها تعزز وتعمق الإنتقال إلى حوكمة جيدة‬
‫بعناصرها الركنية والرئيسة‪ ،‬ومنها ما أقرته منظمات دولية‪ ،‬كما جاء في مقدمة الكتاب‪ ،‬بأن‬
‫الأمم المتحدة قد أقرت عدد من عناصر الحوكمة الجيدة وهي سيادة القانون‪ ،‬الشفافية‪،‬‬
‫الإستجابة‪ ،‬التوافق والإجماع‪ ،‬المساواة والإندماج‪ ،‬الكفاءة والفعالية‪ ،‬المساءلة والرؤية‬

‫الإستراتيجية‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ويرى مختصين بأن [‪ [[6‬أن الحوكمة ليس لها محتوى معياري (‪،)Normative content‬‬
‫فيمكن إضافة عناصر وخصوصيات كثيرة للحوكمة الجيدة إضافة لما اتفقت عليه الأمم‬
‫المتحدة‪ ،‬كما يمكن الحديث عن خصوصيات الحوكمة الرشيدة من خلال الديمومة؛ الشرعية‬
‫والقبول من طرف السكان؛ القدرة على تنمية الموارد وطرق الحاكمية؛ الحث على التوازن بين‬
‫الإجناس؛ التسامح وتقبل مختلف الإراء الإخرى؛ القدرة على تعبئة الموارد لأغراض اجتماعية؛‬
‫تقوية الإليات الإصيلة وتأهيل المواطنة؛ لإستخدام العقلاني والفعال للموارد؛ توليد وتحفيز‬
‫الإحترام والثقة؛ المسؤولية؛ القدرة على تعريف الحلول العقلانية والتكفل بها؛ التشجيع‬
‫على تحمل المسؤوليات والتسهيلات؛ الضبط أ كثر من الرقابة؛ القدرة على معالجة المسائل‬

‫الزمنية؛ التوجيه نحو الخدمة‪.‬‬

‫كما وأن الحوكمة الجيدة تكون نحو تحقيق النتائج المرغوبة من جانب‪ ،‬ونحو تحقيقها‬
‫بالطريقة الصحيحة من جانب آخر‪ ،‬حيث أنها منسجمة‪ ،‬بطريقة أو بأخرى‪ ،‬مع القيم‬
‫المعيارية (‪ )Normative Values‬للديمقراطية والعدالة الإجتماعية‪ ،‬ومن خلال الإصلاح‬

‫الشامل وتطوير نَس ْق الإدارة‪.‬‬

‫وهذا الإتفاق الحوكمي ينسحب على حقيقة أنها ليست مرتبطة بمعيار «اتوماتيكي» أو‬
‫تلقائي (‪ ،[[6[ )Automatic Normative connotation‬حيث أن بعضاً من نماذج الحوكمة‬
‫أفضل من البعض الإخر في تحقيق النتائج‪ ،‬كما أن التأكيد ال ُمعطى لمكونات الحوكمة الجيدة‬
‫تختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر وفقاً لما يق ّيمه أعضاء ذلك المجتمع كنتائج مطلوبة أو‬

‫إيجابية بصورة تختلف عما يقيمه مجتمع آخر‪.‬‬

‫وفي النتيجة فإن فهم الحوكمة وخصوصيتها هو حسب كل دولة واحتياجاتها الملحة والمتعلقة‬
‫بالحوكمة الجيدة أو الرشيدة تتطلب إصلاحا جذرياً وشاملا ً في علاقة الدولة مع نفسها ثم‬
‫مع المجتمع المحيط بها‪ .‬ويأخذ الحديث عن مفهوم الإصلاح عدة جوانب مختلفة في إطار‬
‫البحث عن تعريفه وتطوره ومدلولاته والنطاق الزمني والمكاني له‪ ،‬حيث ينظر إليه على أنه‬
‫التغيير في أنماط وسلوكيات قائمة بشكل جذري أو تدريجي خلال فترة زمنية محددة [‪،[[6‬‬
‫فهو كمفهوم شامل‪ ،‬يشمل صو ًرا عدة منها‪ ،‬الإصلاح السياسي‪ ،‬والإقتصادي‪ ،‬والإجتماعي‪،‬‬

‫والثقافي‪ ،‬والإداري‪ ،‬وفي كافة المجالإت‪.‬‬

‫‪ 62‬زهير الكايد‪ ،‬الحكمانية «قضايا وتطبيقات»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪15‬‬
‫‪ 63‬زهير الكايد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الحكمانية «قضايا وتطبيقات»‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ 64‬رضوان محمود المجالي‪“ ،‬الإصلاح السياسي في المنطقة العربية‪ :‬ضرورة داخلية أم مطلب دولي”‪ ،‬مجلة شؤون عربية‪ ،‬جامعة الدول‬

‫العربية‪ ،2008( ،‬ص‪) 1‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪28‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫ولقد بات الإصلاح فكرة عالمية ارتبطت بالتطورات التي شهدها العالم بعد انتهاء الحرب‬
‫الباردة منذ نهاية عقد الثمانينات وبداية مطلع التسعينات من القرن العشرين‪ ،‬وانعكس‬
‫تأثيرها على مختلف دول العالم وبالذات دول العالم الثالث‪ ،‬فيما يتعلق بالثورة الهائلة في‬
‫مجال تكنولوجيا المعلومات والإتصالإت‪ ،‬وظهور تأثيرات العولمة التي جعلت العالم كقرية‬

‫صغيرة يتم فيها تبادل المعلومات بشكل كبير وسريع‪.‬‬
‫فأصبحت المعلومات سب ًبا رئيس ًيا في تغيير نمط الحياة‪ ،‬وتزداد أهميتها كمورد أساسي‬
‫في كافة المجالإت‪ ،‬مما دفع بكثير من الدول إلى تغير سياستها وإعادة النظر بخططها‬
‫واستراتيجياتها لموا كبة التطورات التي تشهدها ميادين المعرفة‪ ،‬والعمل على الإستغلال‬

‫الإمثل للمعلومات وصناعتها واستثمارها ‪.‬‬
‫إن فكرة الإصلاح في المنطقة العربية هي فكرة قديمة وحديثة‪ ،‬وكانت على الدوام عملية‬
‫متشابكة ومتوالية ومعقدة‪ ،‬كما وينقصها نوعاً من َجلدٌ صادق للذات أو ثورة بيضاء حقيقية‬
‫على الموروث من السلبيات وإستبدالها بايجابيات تتسم بعالمية المباديء وخصوصية‬

‫التطبيق‪ ،‬أو إن جاز القول بحوكمة مستدامة‪.‬‬
‫وبهذا الإطار‪ ،‬فإن هناك عناصر وخصوصيات كمية أو يسهل قياسها وأخرى نوعية‪ ،‬كما‬
‫وينظر إلى عنصر المشاركة والتشارك من ناحية وعنصر تمكين القانون مع تفعيل المساءلة‬
‫والشفافية بأنها أعمدة وأركان رئيسة لتجويد الحوكمة في الدول‪ ،‬وبأن تحقيق العدالة‬
‫والمساواة والإنصاف هي عناصر تحتاجهما الإدارات اليوم بأكثر مما مضى‪ ،‬وكل هذه العناصر‬
‫بحاجة إلى محرك يقود مركب الحوكمة الجيدة‪ ،‬فيأتي هنا عنصري الفعالية والكفاءة‪ ،‬وهما‬
‫من العناصر النوعية التي تساهم بإحداث تفاعل ايجابي في إدارة شؤون الدولة والمجتمع‪،‬‬

‫ويعززان من فرص نجاح الحوكمة بمفهومها الشامل‪.‬‬

‫‪29‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫أولا ‪ :‬المـشاركـة‬

‫لم تعد تكفي مصطلحات الإصلاح والتجديد والتحديث‪ ،‬وما شابهها من مصطلحات متقاربة‬
‫تسعى الى التغيير والتطلع نحو الإحسن والإفضل [‪ [[6‬لمواجهة التحديات المختلفة التي‬
‫تفرض نفسها على الدول المختلفة‪ ،‬وبشكل خاص على الدول النامية‪ ،‬لا سيما في ظل‬

‫حركات الإحتجاجات المستمرة والحراك الإجتماعي المتنامي‪.‬‬
‫وأصبح أمرا لا مفر منه أن يأخذ بتوجيهات مختلفة حول كيفية إدارة حكوماتها‪ ،‬وهذه يستدعي‬
‫في ظل البيئة العالمية الحديثة أن تأخذ الدول نحو إدماج المواطن والمؤسسات المدنية‬
‫في المجتمع والقطاع الخاص في عملية صنع السياسات والقرارات‪ ،‬وتح ُّمل المسؤوليات‬
‫بمنهجية تكامل الأدوار من أجل خلق التنمية الشمولية‪ ،‬وإدامتها كمطلب أساسي لتحقيق‬

‫الحوكمة الجيدة‪.‬‬
‫وتشير الدراسات والإبحاث والمقالات إلى أن تفعيل عنصر المشاركة يَتأَتّى بوسائل وأساليب‬
‫شتى متنوعة ومتداخلة‪ ،‬ونرى هنا إمكانية إبراز الجوانب التي تهم خصوصية ومرحلة عمر‬
‫الدولة‪ ،‬لا سيما بالنسبة لدور الحكومة في تفعيل المشاركة من برامج حكومية منتقاة‬

‫وبتفعيل عناصر الإستجابة‪ ،‬والتوافق والإجماع‪ ،‬والمساواة والإندماج‪ ،‬والكفاءة والفعالية‪.‬‬
‫ ‪-‬دور الحكومة في تفعيل المشاركة (‪ )Participation‬والتشارك‪:‬‬

‫انطلاقا مما قدمه البحث حول الحوكمة الجيدة التي تتطلع إليها كافة الدول‪ ،‬بما يعني‬
‫تنازلها عن احتكار صناعة السياسات العامة والإنفراد بالقرارات التي يتأثر بها المجتمع‪ ،‬فكان‬
‫لزاماً عليها التوجه إلى عنوان الحوكمة الديمقراطية المتعلقة بالمشاركة والتشارك مع كافة‬
‫فئات المجتمع‪ ،‬بخواصه وبكل مكوناته المجتمعية والشعبية بما فيها من أحزاب سياسية‬

‫ونقابات واتحادات ومكونات المجتمع المدني‪.‬‬
‫وقد ارتأينا تناول هذا العنصر الذي يعتبر مدخلا ً مناسباً لهذا المبحث‪ ،‬وكأولوية للسير في‬
‫طريق الحوكمة الجيدة‪ ،‬وباتجاهين الأول بتفعيل المشاركة السياسية‪ ،‬والثاني بدور الحكومة‬

‫في تفعيل المشاركة المجتمعية والشعبية‪.‬‬
‫ ‪ 1-‬تفعيل المشـاركة السياســية ‪:‬‬

‫كانت المشاركة السياسية حتى العصر الحديث مقتصرة في الغالب على أثرياء القوم‬
‫ووجهائهم من أصحاب المولد النبيل‪ ،‬أما الإغلبية الساحقة فكانت بعيدة عن المشاركة‪ ،‬ومنذ‬

‫‪ 65‬عبد الجليل الميساري‪« ،‬قيم الإصلاح والتحديث‪ ،‬في فكر أحمد بن أبي الضياف من خلال كتابة الإتحاف»‪ ،‬المغاربية للطباعة والنشر‬
‫والإشهار‪ ،1999( ،‬ص ‪ .)30-25‬كما يجدر ذكر بعض التعاريف التي جاء بها هذا المرجع‪ ،‬حيث يشير إلى أنه شاع في أدبيات الخطاب العربي‬
‫الحديث استعمال مصطلحات اليقظة والنهضة والفكر الإصلاح ي والمنزع الإصلاح ي‪ ،‬وبأن التجديد هو أقدم المصطلحات الحضارية وقد‬
‫ظل مهيمناً على الساحة الفكريّة العربية الإسلامية‪ ،‬أ ّما اليقظة فهي في اللغة انتباه بعد غفلة واستفاقة بعد ركود تتعطل فيه المدارك‬
‫وتنعدم فيه الحيوية والنشاط‪ ،‬أ ّما النهضة فهي جملة المنجزات الفكرية والمادية التي تم تحقيقها عملياً على مستوى مناهج التفكير أو‬
‫على مستوى التقنيات ووسائل العمل المستحدثة في ميادين العلم ومناهج التعليم‪ .‬وعلى هذا المعنى فقد يكون الإصلاح مجرد ترميم‬
‫يعود بالشيء المصلح إلى وضع يماثل وضعه السابق وتصويب الإخطاء‪ ،‬وتحسين الواقع لجعله أقدر على الإستجابه لمتطلبات اللحظة‬

‫الراهنة وذلك هو التحديث‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪30‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫مطلع عصر النهضة حتى القرن السابع عشر بدأ الإتجاه نحو مزيد من المشاركة السياسية‪،‬‬
‫حتى بلغ هذا الإتجاه ذروته أثناء الثورة الصناعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر[‪.[[6‬‬

‫وأصبحت المشاركة من العناصر الرئيسية للحوكمة الرشيدة‪ ،‬وسم ًة جوهرية من سمات‬
‫العصر ووصفاته المحببة‪ ،‬وهي التي نعيشها لحظ ًة بلحظ ًة من خلال ما قدمته التكنولوجيا‬
‫وثورة الإتصال لصالح هذا العنصر الجوهري للحوكمة الديمقراطية‪ ،‬ومن خلال ما أتاحته من‬
‫تجميع للشباب وكل الفئات العمرية بسرعة وفاعلية وبتكلفة محدودة جداً‪ ،‬والذي ساهم‬
‫مع عدد من العوامل الإخرى بتفجير بركان الثورات‪ ،‬وزلزل الحرا كات الإجتماعية الغير‬
‫مسبوقة في عدد من الدول العربية‪ ،‬بغض النظر لما ينظر لها البعض من التيارات المحافظة‬

‫أنها أفضت إلى نتائج مغايرة وحتى مضرة لمنظومة الحوكمة وعلى كافة مستوياتها‪.‬‬

‫كل ما سبق يذكرنا برأي مفاده صعوبة التنبؤ بمستقبل المنطقة العربية ضمن الحسابات‬
‫السياسية الإعتيادية‪ ،‬وصعوبة التكهن أو معرفة ماذا يخبأ الزمان لها‪ .‬لذا‪ ،‬فإن ما تشهده‬
‫المنطقة العربية تَجا َوز مصطلحات الحراك والإصلاح وأصبحت الحاجة ملحة من أجل‬
‫التغيير الحقيقي‪ ،‬وليس بالطريقة التي تتوخاها الأنظمة العربية كرد على موجة الإحتجاجات‬
‫التي إجتاحت بعض الدول وما تشهده بعضها من حروب طاحنة وخاصة سوريا واليمن‪،‬‬

‫وأزمات سياسية تعصف بالمنطقة وخاصة في منطقة الخليج العربي‪.‬‬
‫وتأتي المقاربة هنا بثورة الحاكمية – إذا جاز التعبير‪ -‬كنتيجة منطقية لمواجهة كل ما أورده‬
‫هذا البحث من تحديات‪ ،‬كما وتعتبر مسألة تفعيل المشاركة بين الدولة والمجتمع في قلب‬
‫ثورة الحوكمة الجيدة والفعالة‪ .‬وثورة المشاركة كركن أساسي للحوكمة الرشيدة كانت الهدف‬
‫من وراء إقامة العقد الإجتماعي الإفتراضي عبر التاريخ[‪ ،[[6‬ومن اجل إيجاد علاقة موضوعية‬
‫بين الحاكم والمحكوم‪ ،‬ورغبة في إقامة مجتمع منظم وفق قواعد ثابتة‪ ،‬وصياغة منظمة‬
‫لمفهوم الحق الطبيعي للبشر للتوصل إلى مجتمع على أساس ثابت يقوم على العدل‬
‫والإنصاف‪ ،‬والإبتعاد عن الصراع الشرس الذي خاضه الإنسان مع بني جلدته ومع الطبيعة‬

‫على مر العصور‪.‬‬
‫الإ أن الإدارات في العالم‪ ،‬لا سيما في الدول النامية يبدو أنها بحاجة إلى تفعيل بنود هذا‬
‫العقد الإجتماعي الإفتراضي‪ ،‬ومن خلال تعميق عناصره المتعلقة بالمشاركة والتشاركية‬

‫بين الحاكم والمحكوم‪ ،‬وما بينهما من مؤسسات إتفق عليها الطرفين‪.‬‬

‫وأصبحت الحاجة ملحة لإعادة صياغة العقد الإجتماعي‪ ،‬ولكن بما يتفق مع مفاهيم العصر‬
‫الجديد وما صاحبه من عولمة وثورة اتصالات ومعلومات‪ ،‬كما وأصبحت قضايا المشاركة‬
‫قضية حوكمة بامتياز‪ ،‬لا سيما بعد أن أخلَّت الدولة بمفهومها التقليدي بالعديد من التزاماتها‪،‬‬
‫وأصبحت في العديد من دول العالم النامي كما يقال بالعامية «حاميها حراميها»‪ ،‬ففي‬

‫‪ 66‬سيد عليوة‪ ،‬منى محمود‪« ،‬مفهوم المشاركة السيـاسية»‪ ،‬مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية‪ ،2008( ،‬ص ‪.)1-3‬‬
‫‪ 67‬يتردد مصطلح العقد الإجتماعي على امتداد تاريخ أدبيات الفكر الإنساني منذ القدم وفي ع ّدة مجالإت مختلفة منه‪ ،‬ابتدا ًء من ظهوره‬
‫في فلسفات (سقراط وأفلاطون ‪ 400‬ق‪.‬م)‪ ,‬ومن ث ّم دراسته وبلورته بشكل «نظرية علمية» علي يد بعض علماء الإجتماع أمثال توماس‬
‫هوبز ‪ ،1679-1588‬وجون لوك ‪ ،1704-1632‬وجان جاك روسو ‪ ،1778-1712‬لتظهر في ما بعد ذلك انعكاساته كرمز مح ّرك لأحداث سياسية‬

‫غيرت مجرى التاريخ مثل الثورة الفرنسية ‪.1789‬‬

‫‪31‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫الوقت الذي اتفقت عليه الجموع على إعطاء فئة صغيرة منتخبة الحق في تنظيم وحماية‬
‫المجتمع أصبحت هذه الفئة هي الفئة الظالمة والمن َتفعة من هذا التنازل الشعبي‪ ،‬والحق‬

‫الممنوح لها‪ ،‬وبما يتناقض كل عناصر المشاركة‪.‬‬
‫دور الحكومة في تفعيل المشاركة أصبح إجبارياً وليس مسألة اختيارية أو انتقائية‪ ،‬فلا‬
‫تستطيع أي حكومة عربية منعه‪ ،‬وإذا فعلت فستواجه بإعتراضات من الداخل وانتقادات‬
‫لاذعة من الخارج‪ .‬ونقتبس هنا مقولة لعالم الكيمياء المصري احمد زويل[‪ [[6‬الحاصل على‬
‫شهادة نوبل في الكيمياء بأن «السلطات العربية لا تستطيع أن تمارس سياسات الإغلاق في‬

‫ظل سموات مفتوحة»‪ ،‬والتي تذكرنا كذلك بجدلية السيد والعبد لميكافيلي وهيغل وماركس‬
‫وكذلك بالمقولة الشهيرة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب “ متى استعبدتم الناس وقد‬

‫ولدتهم أمهاتهم أحراراً ” ‪.‬‬
‫وقد فرضت وسائل الإتصال الحديث وخاصة «الإنترنت» ومواقع التواصل الإجتماعي نفسها‬
‫وبقوة‪ ،‬سوا ًء استخدمت بعقلانية أو ضمن إطار سياسة السموات المفتوحة بين ما كنا نعتقد‬
‫أنهم شباب الإنترنت و»الشات‪-‬الدردشة»‪ ،‬تلك الفئة الضالة أو الجاهلة أمام طبقة النخبة‬
‫والعقلاء‪ ،‬أو تم إستغلالها أو تجييرها من تجمعات غير عفوية ومنظمة وتنفذ من خلال‬
‫أدوات وأيدولوجيات ومبررات تتناسب مع نواقص المجتمعات وإحتياجاتها‪ ،‬وفي الظاهر ما‬

‫هي إلا َّ تجمعات تهدف إلى خدمة أهدافها ومصالحها على حساب المجتمع بعامته‪.‬‬
‫وضمن هذا السياق‪ ،‬وعلى اختلاف مسميات المشاركة فهناك العديد من الآليات التي‬
‫يمكن للإدارة الحكومية اتخاذها للتغيير باتجاه المشاركة الفاعلة والبناءة وعلى كافة ال ُصعد‬
‫والمستويات الإدارية والسياسية والإجتماعية والتنموي‪ ،‬فهناك من يطلق عليها المشاركة‬

‫الجماهيرية‪ ،‬وهناك من يسميها المشاركة الشعبية‪ ،‬أو المشاركة العامة‪.‬‬
‫وبالرغم من اختلاف هذه المسميات الإ أنها تدور كلها حول معنى واحد الا وهو مساهمة‬
‫كل فرد من أفراد المجتمع في كل الأعمال وفى كل المستويات‪ ،‬وفى مختلف مجالإت الحياة‬
‫السياسية والإقتصادية والإجتماعية وغيرها‪ ،‬أي المشاركة المباشرة للجماهير في شؤون‬
‫المجتمع‪ ،‬وليس عن طريق المشاركة النيابية كممثلي الشعب أو المجالس المنتخبة والتي‬

‫تعتبر مشاركة غير مباشرة‪.‬‬
‫لقد حاولنا من خلال الأفكار والأراء الواردة التأكيد على دور الحكومة في تفعيل المشاركة‬
‫انطلاقاً بما تملكه من سلطة ومن أجهزة رسمية وأدوات‪ ،‬وبداي ًة على صعيد الإدارة الحكومية‬
‫نفسها وبين الشركاء الحكوميين أنفسهم‪ ،‬حيث تتميز الدول النامية بحالة من التنافر وأحيانا‬
‫التآمر بين شركاء الحكم‪ ،‬جراء غياب فصل وتعاون مقنع بين السلطات‪ ،‬ووجود استراتيجيات‬
‫عليا أو مجلس سياسات أعلى يتحدث بصوت واحد أمام الحاكم‪ ،‬بدلا ً مما يتيحه المجال‬
‫الأن لكل شريك حكومي بال َت ْغييب المقصود للآخر‪ ،‬والتدخل بإختصاصاته‪ ،‬وأحياناً التآمر‬
‫والإنتقاص من انجازاته والكيل له بالإتهامات‪ .‬كل ذلك يخلق حالة من الإرباك لدى أعلى‬
‫سلطة في البلاد‪ ،‬ويدفع بها أحياناً إلى قرارات متسرعة وانفعالية وحتى بارتكاب أخطاء ومن‬

‫‪ 68‬أحمد حسن زويل ويلقب بكبير العلماء العرب‪ ،‬هو كيميائي مصري ‪ -‬أمريكي حاصل على جائزة نوبل في الكيمياء لسنة ‪.1999‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪32‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫الممكن أن تكون فادحة أو قاتلة‪.‬‬
‫وهناك العديد من نماذج الحوكمة الجيدة للمشاركة‪ ،‬وتلامس كل جوانب الإدارة العامة‪ ،‬نذكر‬
‫منها ما يتعلق بالمشاركة السياسية التي تطرحها ظروف كل بلد وتختص بها جهات حكومية‬
‫مثل وزارات التخطيط؛ وجهات دولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (‪ )UNDP‬الذي‬
‫يصدر تقارير الدول (‪ )country report‬من خلال مجموعة كبيرة من الخبراء والمختصين‬
‫في كل مفاصل الإدارة العامة الجيدة‪ ،‬بما فيها استقدام برامج حكومية متطورة‪ ،‬وإصلاح‬
‫أنظمة الخدمة المدنية‪ ،‬وإدارة النفقات العامة بشفافية ومسائلة‪ ،‬وإعادة الإعمار‪ ،‬وتشجيع‬
‫الإبداع‪ ،‬وزيادة ميزانيات البحث العلمي‪ ،‬والتفاعل الإيجابي مع الإعلام‪ ،‬والفصل والتعاون بين‬

‫السلطات‪ ،‬وتطبيق اللامركزية بما يخدم المشاركة‪.‬‬
‫‪ - 2‬دور الحكـومة في تفعـيل المشـاركة مع المجتمـع ‪:‬‬

‫سيظل العقد الماضي عالقاً في الذا كرة‪ ،‬في مختلف أرجاء المغرب العربي والمنطقة العربية‬
‫بل وفي كل العالم‪ ،‬كبداية لمرحلة من التأقلمات الصعبة مع عدد من الحقائق الجديدة‬

‫والمؤثرة في إعادة صياغة دور الدولة في صناعة القرار السياسي والإقتصادي[‪.[[6‬‬

‫ففي كل بلدان المنطقة العربية‪ ،‬غ َدت الدولة بالألية المؤسساتية ال ُمع َر َفة بها تهدف إلى‬
‫الحصول على الموارد وتوزيعها‪ ،‬والمحافظة على القانون والنظام‪ ،‬لكن هذا الحضور لم يكن‬
‫يتساوى دائماً مع القدرة والإمكانات‪ ،‬حيث اضطر ممثلو الدول إلى التوصل إلى نتيجة وهي‬
‫أن الدولة لم ت ُعد تستطيع بعد الإن أن تلعب الدور أو المسيطر على كل الإمور‪ ،‬بل يجب‬
‫أن تتفاعل بإنفتاح مع كل الإتجاهات الموازية في المجتمع‪ ،‬ومع الواقع المتمثل في أن دور‬
‫الدولة الطاغي جعل منها محوراً للتناقضات أ كثر منها وسيطاً بين هذه التناقضات[‪ ،[[7‬ومن‬
‫هذه المقتطفات الذي صدرت طبعته الإولى عام ‪ 1987‬فيبدو أن الوضع لم يتغير كثيراً في‬

‫العلاقة التشاركية الواجبة بين الدولة والمجتمع في الإقطار العربية‪.‬‬
‫ففي العديد من الدول العربية‪ ،‬تعلن الخطابات الرسمية في كل المناسبات بأن مسألة تفعيل‬
‫دور القطاع الخاص يعد من أهم أولويات التنمية في ظل تبني سياسة الإنفتاح الإقتصادي‬
‫والإندماج في الإقتصاد العالمي‪ ،‬وبأنه لا يمكن الإرتقاء بالإقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة‬
‫دون بناء شرا كة حقيقة بين القطاعين العام والخاص يكون بموجبها القطاع الخاص هو‬
‫المحرك والموجه الرئيسي للنشاطات الإقتصادية‪ ،‬وبناء استراتيجيات وسياسات الإصلاح‬
‫الإقتصادي بمختلف جوانبه الإقتصادية والمالية والتشريعية والقضائية والتعليمية وغيرها‪.‬‬
‫كما وتتحدث المؤسسات الإقتصادية الرسمية العربية عن توسيع دور القطاع الخاص من‬
‫خلال إطار تشريعي مشجع لهذا القطاع‪ ،‬وعن منحه المزيد من الحوافز لتهيأة المناخ لنموه‬
‫وازدهاره‪ ،‬وبأن الحكومات تبنت برنامج الخصخصة والتي من خلالها حل القطاع الخاص محل‬
‫العديد من المشاريع التي كانت تملكها الحكومة أو التي كانت تساهم فيها بشكل كبير حيث‬

‫‪ 69‬الهرماسي (محمد عبد الباقي)‪ ،‬المجتمع والدولة في المغرب العربي‪ ،‬نشر مركز الدراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت) ‪،1992‬ص ‪.) 139‬‬
‫‪ 70‬الهرماسي (محمد عبد الباقي)‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 141-139‬‬

‫‪33‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫نتج عن ذلك أن أصبح القطاع الخاص هو المستثمر الرئيسي والمساهم الأكبر في الناتج‬
‫المحلي الإجمالي‪ ،‬والمستوعب الأكبر للعمالة‪ .‬ويساهم القطاع الخاص من خلال ممثليه‬
‫(غرف الصناعة والتجارة‪ ،‬الجمعيات واتحادات رجال الأعمال والمصدرين والمستوردين‬
‫والنقابات المهنية) في صياغة التشريعات والقوانين الجديدة ورسم السياسات الإقتصادية‬

‫المختلفة‪.‬‬

‫ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي سفن الحكومة وخطاباتها‪ ،‬وكذلك أطروحات القطاع الخاص‬
‫المبالغ فيها‪ ،‬والتي لا تخدم فئة المشاريع المتوسطة وصغيرة الحجم محرك التنمية بقدر‬

‫ما تخدم النخب‪.‬‬

‫وقد أثبتت لغة الإرقام عن تفاقم المديونية والبطالة ومستويات الفساد وغياب المساءلة‪،‬‬
‫أطلقتها‬ ‫االلعسيرابيسةا ختلاالإلقاتلعصاقددي اة‪،‬لمونبأصنرمحلزممةتأتاليإ أُصكللاهحاا‪ ،‬كتماالإقولتمصاتردتيقة ايلتإليى‬ ‫ومما افشل ُجل‬
‫مفاهيم‬ ‫معظم الحكومات‬
‫الحوكمة الجيدة والمشاركة الديمقراطية بين فئات المجتمع والمتأثرين من القطاع الخاص‬
‫ومؤسسات المجتمع المدني‪ ،‬وكانت ِحكراً على نخبة فرضت نفسها على الإدارة الرسمية‬
‫لتحقيق مصالح اقتصادية تخدم هذه النخبة أولا ً وأخيراً‪.‬‬

‫وبأن الإشخاص الذين ينفذون سياسات الإصلاح باتوا غير مؤثرين أو مقنعين لدى الشريحة‬
‫الأوسع في المجتمع‪ ،‬والذي ينظر إليهم على أنهم مختصون فقط في اتخاذ القرارات القاسية‬
‫المتعلق معظمها بزيادة الأسعار وتحقيق أجندات خاصة‪ ،‬وبأن عملية الإصلاح افتقدت‬
‫إلى الإجماع أو المشاركة الحقيقة من مؤسسات الدولة خاصة الدستورية منها[‪ .[[7‬كما وأن‬
‫العقبة الرئيسية التي ساهمت في فشل الحفاظ على زخم الإصلاح هي فقدان ُجل الحكومات‬
‫العربية ومؤسساتها إلى آلية واضحة لتقييم تلك البرامج التنموية‪ ،‬وتعزيز مبدأ المساءلة‬
‫في حال الإخفاق‪ ،‬لذا باتت هذه البرامج كمن يفعل ما يريد من دون حسيب أو رقيب‪ ،‬مما‬
‫أضعف مصداقية تلك البرامج لدى الشارع العام‪ ،‬ومن السياسات العامة المرتبطة برؤية‬
‫الدولة للمشاركة‪ ،‬ننتقل بأكثر تخصيصاً فيما يتعلق بداي ًة بتفعيل المشاركة مع القطاع‬

‫الخاص‪.‬‬
‫‪ -3‬ليات لتفعيل دور الحكومة مع القطاع الخاص‪:‬‬

‫من اجل أن يكون للسياسات الإقتصادية جدوى وقدرة على الإقناع لا بد من مراعاة مسألة‬
‫المشاركة‪ ،‬كما أن القرار الإقتصادي العربي يواجه عاد ًة بإشكالية تعدد المؤسسات الإقتصادية‬
‫والإستثمارية‪ ،‬وعدم وجود مؤسسة عليا تجمعهم وتوحدهم مما يجعل من هذه المؤسسات‬
‫متنافرة ومتخاصمة في سياساتها وأرقامها‪ ،‬وبما ينعكس بالنتيجة على حياة ومعيشة‬

‫وتطلعات المواطنين‪.‬‬
‫كما يثير اهتمام الحكومات العربية المفرط بالإستثمار الأجنبي بعض التساؤلات‪ ،‬والذي يأتي‬
‫أحياناً على حساب الإهتمام بالمستثمر المحلي‪ ،‬ويفسر ذلك البعض كون الإستثمار الخارجي‬

‫‪ 71‬سلامة الدرعاوي‪ ،‬نفس المقال « الإردن في التقارير الدولية‪ ..‬خطوة للأمام وخطوتان للوراء»‪ ،‬تاريخ ‪٢٠١٠/٨/١٨‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪34‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫لا يوا َجه بنفس آليات محاسبة المستثمرين المحليين‪ ،‬بما يعني فرصة أ كبر لاستشراء‬
‫الفساد والرشوة‪.‬‬

‫يضاف إلى ذلك معضلة الخصخصة[‪ ،[[7‬والتي أنتهجتها عدد من الدول العربية‪ ،‬وبشكل‬
‫مختلف ومتقطع أحياناً‪ .‬ويرى بعض المختصين في مجال بيع ممتلكات الحكومة للقطاع‬
‫الخاص بأن الخصخصة مستحيلة وفقاً للظروف الحالية لأغلب الدول العربية‪ ،‬وذلك بسبب‬
‫تفشي الفساد‪ ،‬وبسب تطور جوهري تمثل بالإنتقال من نظام الإقطاع الإقتصادي الذي ُرفض‬
‫في ظل نظام الإقتصاد الحر‪ ،‬إلى أسلوب جديد من بيع ممتلكات الدولة لمصالح حفنة من‬
‫أصحاب الثروات الجدد المرتبطين شخصياً بمرا كز اتخاذ القرار‪ ،‬وبما يكفل لهم فرض جملة‬
‫من الشروط النوعية التي تحدث فجوة هائلة بين العرض والطلب أو تحقق عملية إذعان‬
‫وخلال فترة زمنية معينة بما يكفل لهم الحصول على أرباح احتكارية خيالية‪ ،‬هذا مع الإشارة‬
‫لغياب المصلحة الحقيقية لهؤلاء في التطور والإرتقاء بمستوى الأداء الإقتصادي ومستوى‬

‫الكفاءة الإنتاجية وجودة السلعة أو الخدمة وذلك لغياب المنافسة الحقيقية[‪.[[7‬‬

‫كما ويلاحظ عدم وجود تركيز وإيلاء أهمية كافية من قبل الحكومة في دعم وتمويل المشاريع‬
‫المتوسطة وصغيرة الحجم والتي تشكل عمود الإقتصادات الوطنية‪ ،‬في حين تحظى المشاريع‬
‫الكبرى بعناية فائقة من الإدارة العربية وتتشكل لديها وزارات وهيئات متخصصة دون فهم‬
‫مجتمعي لما تقوم به هذه الوزارات والهيئات وكيفية مسائلتها ومراقبة أعمالها أو أسباب‬

‫الغائها متى رغبت الحكومة‪.‬‬

‫بمعنى أخر‪ ،‬فأن الحكومات العربية تنأى ‪ -‬في الغالب ‪ -‬بنفسها عن صغار التجار والصناعيين‪،‬‬
‫وتفضل التعاطي والتحاور والإستماع إلى كبار التجار والإقتصاديين‪ ،‬في حين يرى الإقتصاديين‪،‬‬
‫وفي شتى فروع علم الإقتصاد‪ ،‬بأن هناك أهمية كبيرة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة‬
‫الحجم[‪ ،[[7‬وبأن تطوير المشاريع الصغيرة وتشجيع إقامتها وكذلك المشاريع المتوسطة يعد‬
‫من أهم روافد عملية التنمية الإقتصادية والإجتماعية في الدول بشكل عام‪ ،‬والدول النامية‬
‫بشكل خاص‪ ،‬وذلك باعتبارها منطلقاً أساسياً لزيادة الطاقة الإنتاجية من ناحية‪ ،‬والمساهمة‬
‫في معالجة مشكلتي الفقر والبطالة من ناحية أخرى‪ .‬ولذلك أولت دول كثيرة هذه المشاريع‬
‫اهتماماً متزايداً‪ ،‬وقدمت لها العون والمساعدة بمختلف السبل ووفقاً للإمكانيات المتاحة‪،‬‬

‫وخاصة في الدول الغربية والدول المتقدمة صناعياً‪.‬‬

‫وتعتبر مسألة العمالة الأجنبية في العديد من الدول العربية من المسائل الشائكة في دور‬
‫الحكومات في تفعيل المشاركة مع القطاع الخاص‪ ،‬والتي يمكن أن تعزى إلى عدم توافر‬
‫الإرادة الإقتصادية الحكومية الكافية والفاعلة والقادرة لتغيير خارطة العمالة الأجنبية لصالح‬
‫العمالة المحلية‪ ،‬أو لإنكفاء المواطنيين المحليين عن العديد من الأعمال والقطاعات وخاصة‬

‫الإنشائية واليدوية والخدمات العامة‪.‬‬

‫‪ 72‬للمزيد حول الخصخصة لطفاً انظر ص ‪157‬‬
‫‪ 73‬المصدر‪ :‬الموسوعة العالمية الإمريكية‪ ،‬ويكيبيديا‬
‫‪ 74‬ماهر حسن المحروق وأيهاب مقابله ‪« :‬المشروعات الصغيرة والمتوسطة ‪ ،‬أهميتها ومعوقاتها»‪( ،‬أيار ‪ ،2006‬ص ‪)4-6‬‬

‫‪35‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫كما ويأتي موضوع التشغيل والتدريب المهني من الحلول الهامة لهذه المعضلة‪ ،‬ومن أجل‬
‫إحلال عمالة محلية بدلا ً من الآلاف من العمالة العربية والأجنبية‪ ،‬والتي تستنزف إحتياطات‬
‫العملة الصعبة‪ ،‬وتزيد من البطالة‪ ،‬والإحتقان المجتمعي‪ ،‬والتي نرى أن فقدان الحكومة‬
‫لإرادة المشاركة‪ ،‬مع نقابات العمل والشغل والنقابات المهنية المعنية‪ ،‬هو ما يعيق َجم ْع‬
‫المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني للخروج بسياسات وقوانين تحد‬

‫من العمالة الأجنبية و ُتشغل و ُتدرب العمالة المحلية‪.‬‬

‫وتب ّرر أحياناً الحكومات العربية إجراءاتها بحجة إحجام المواطنيين المحليين عن القيام‬
‫بالأعمال المهنية البسيطة أـو جراء التحديات إجتماعية المتصلة بثقافة العيب‪ ،‬إلا ّ أن إتجا ًه‬
‫معاكس يرى أن تشابك الفساد والمصالح الحكومية مع فئات منتفعة من جلب العمالة‬
‫الأجنبية‪ ،‬إضافة إلى عوامل جانبية معيقة أهمها سلبيات البيروقراطية‪ ،‬كلها تشكل عوائق‬
‫كبيرة أمام دور حكومي لتفعيل المشاركة بين الدولة والمجتمع لهذه المسائل الإقتصادية‬

‫الوطنية الملحة‪.‬‬

‫وبالنسبة للهيئات الإعلامية الخاصة والعامة كأحد مكونات المجتمع بل وسلطته رابعة‪،‬‬
‫ُيذكر بأن السياسة الإعلامية للمحطات التلفزيونية العربية الخاصة متقدمة على نظيراتها‬
‫الحكومية‪ ،‬وتحاول أن تشرح الحقيقة الغائبة التي يحجبها الإعلام الرسمي‪ ،‬الإ أن العامل‬
‫المشترك في كل المحطات العامة والخاصة هو أولا ً وجود خطوط حمراء ممنوع تتجاوزها‪،‬‬
‫وهي المتعلقة بإنتقاد النظام وبما يسمى إغتيال الشخصيات العامة‪ ،‬والعامل الثاني هو‬
‫تغلغل الإمن في الإعلام بصورة تدفعه إلى التركيز على حالة إحتفالية لا تتوقف‪ ،‬وتصفيق‬
‫مستمر لمؤسسة الحكم‪ ،‬والإشادة بانجازات الحكومة‪ ،‬وكلها لا نعتقد هنا بأن الإدارة أو حتى‬

‫النظام بحاجة لها وخاصة إذا كانت على حساب الحقيقة والصالح العام‪.‬‬
‫وبعد التع ّرض إلى دور الحكومة في تفعيل المشاركة مع القطاع الخاص‪ ،‬يأتي دورها في تفعيل‬

‫المشاركة مع الشق الثاني من المجتمع المتصل بمؤسسات المجتمع المدني‪.‬‬

‫‪ -4‬دور الحكومة في تفعيل المشاركة مع مؤسسات المجتمع المدني‪:‬‬

‫تعتبر مسألة تفعيل المشاركة مع هيئات المجتمع المدني وفعالياته أحد الكوابيس المزعجة‬
‫للحكومات العربية‪ ،‬لا سيما في الفترات التي تنشط فيها النقابات المهنية كأحد المنابر الهامة‬
‫بية‬ ‫الحكم العر‬ ‫التي ُتؤرِق مؤسسات‬ ‫والمشاركة المجتمعية‪ ،‬وهي المسائل‬ ‫للتعبير الشعبي‬
‫لها‬ ‫أو المهادنة‬ ‫الشخصيات الموالية‬ ‫السبل والوسائل‪ ،‬وتحاول دائماً تزكية‬ ‫وتحاربها بشتى‬
‫ولسياساتها لرئاسة هذه النقابات والإتحادات لإدرا كها مدى خطورتها وتأثيرها على المجتمع‪.‬‬
‫ولتحقيق ذلك كانت الإدارات العربية تفعل أي شيء‪ ،‬وتَن َش ْط في العمل الإمني والإستخباري‬
‫بين صفوف النقابيين والناشطين المنخرطين بهيئات المجتمع المدني وخاصة النقابية‬
‫والسياسية والحقوقية منها‪.‬‬

‫وبالرغم عن كل ما سبق‪ ،‬فقد تنبهت الحكومات العربية في السنوات الإخيرة لمدى أهمية‬
‫وتأثير مؤسسات المجتمع المدني في التعبير عن مطالب واحتياجات ورغبات المجتمع‪ ،‬وما‬
‫يتطلبه ذلك من تفعيل أدوات وسبل المشاركة مع هذه المؤسسات وإتاحة المجال لها‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪36‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫للمشاركة في صناعة السياسات العامة‪ ،‬وبالتالي لتحقيق التوازن بين مستويات الحوكمة‬
‫لتكون ديمقراطية ورشيدة‪.‬‬

‫كما وهناك أهمية لمتابعة التقارير العالمية المختصة بحقوق الإنسان والمشاركة مع‬
‫المجتمع‪ ،‬فيشار إلى تقرير منظمة[‪ [[7‬حقوق الإنسان السنوي لعام ‪ 2010‬الصادر عن وزارة‬
‫الخارجية الإمريكية[‪ [[7‬والذي وجه إنتقادات لاذعة لعدد من الدول العربية التي ارتكبت‬
‫انتهاكات حقوق الإنسان في عام ‪ ،2010‬كما وتطالب عدد من المنظمات الحقوقية إلغاء‬
‫عقوبة الإعدام وتتهم السلطات الإمنية بممارسة التعذيب‪ ،‬ويطالب العديد منها بإطلاق‬
‫سجناء الرأي‪ .‬فضلا ً عن ما يشاهده العالم بأسره وترصدة منظمات الإنسان بكافة صنوفها من‬
‫ممارسات فظيعة ترتكبها الإنظمة العربية والمعارضات السياسية والعسكرية إزاء شعوبها‪،‬‬
‫وما تعيشة من حالة صراع أهلي وأقليمي وعالمي ولحينه في الصراع الدامي في الدولة‬
‫السورية‪ ،‬وأيضاً في الإزمة اليمنية‪ ،‬والصعوبات التي تواجهها دول تباعاً مثل ليبيا ومصر‬

‫وتونس‪ ،‬وآخرها الأزمة مع دولة قطر‪.‬‬
‫ومهما تقارب أو تباعد ِسجل الدول العربية من أساسيات حقوق الإنسان‪ ،‬مقارنة بدول‬
‫أخرى‪ ،‬الإ أن ذلك يتطلب منها الإستماع بشكل دائم إلى أي ممارسات خاطئة بحق المجتمع‬
‫المدني ومنتسبيه‪ ،‬والمتابعة الدقيقة لأي انتقادات توجه من التقارير الدولية أو الحقوقية أو‬

‫حتى النشطاء ضد الدولة أو أجهزتها الرسمية‪.‬‬

‫وهناك مسألة مرتبطة بعدم وضوح صورة منظمات المجتمع المدني‪ ،‬والصورة الذهنية‬
‫المرتبطة بأنها تسعى لتحقيق أغراض سياسية والحصول على تمويل لذلك عبر برامجها‬
‫المتصلة بها‪ ،‬وما يعنيه ذلك من غياب لدورها في شرح برامجها وتعزيز التوعية الشعبية‪،‬‬
‫ناهيك عن سطوة الحكومة على مفاصل الإعلام مما يضعف من فرص مشاركتها في بث‬
‫الوعي العام حول المشاكل التي تعتري المجتمع‪ ،‬ويضعف بالتالي من عنصر مشاركتها بما‬

‫يتفق مع الحوكمة الديمقراطية‪.‬‬
‫ويشار كذلك أن الحكومة شبه غائبة أو ربما متخوفة من بث فكر التطوع (‪)Volunteer‬‬
‫للخدمة العامة بين المواطنين والمؤسسات الأهلية التي تضطلع بها‪ ،‬وهو الأمر المنتشر في‬
‫الدول المتقدمة‪ ،‬ويعتبر من أهم علامات المواطنة الصالحة والشرا كة بين الدولة والمواطن‬
‫لتحقيق المصلحة العامة‪ ،‬ويف ّعل الحوكمة الجيدة في مجال المشاركة بين الدولة والمجتمع‬

‫بكافة فئاته‪.‬‬
‫وبالنسبة للبحث العلمي‪ ،‬فإن مرا كز البحوث العلمية هي محور استقطاب العلماء‪ ،‬ومكاناً‬
‫يلبي فيه طموحه العلمي والثقافي‪ ،‬وقد يؤمن له موقعاً للإبداع والتطور‪ ،‬بينما يجد في وطنه‬
‫غياب كل ذلك‪ ،‬بل الإكثر من ذلك غياب التخطيط السليم‪ ،‬واعتبار البحوث العلمية ترفاً‬
‫لا حاجة له‪ ،‬وحتى إذا استطاع العالِم أن يجد له مكاناً في البحوث العلمية أو الجامعات في‬

‫‪ 75‬لمزيد من الإطلاع رجاء النظر إلى صفحة منظمة مراقبة حقوق الإنسان (‪http://www.hrw.org/ar/home )Human Right Watch‬‬
‫‪ 76‬لمزيد من الإطلاع رجاء النظر إلى صفحة وزارة الخارجية الإمريكية‪ /‬تقارير الدول بخصوص حقوق الإنسان‬
‫‪htm.index/nea/2010/hrrpt/rls/drl/g/gov.state.www//:http‬‬

‫‪37‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫الوطن العربي‪ ،‬فأنه يلقى الكثير من التنافس والمعوقات التي تجعل منه شخصاً هامشياً‪،‬‬
‫وإذا لم يصادف العالِم مثل هذه الصعوبات وهذا نادر‪ ،‬فإنه لا يجد الإطار العلمي والفني أو‬

‫التجهيزات والمخابر‪.‬‬

‫كما أن العالِم في الوقت الحاضر يمضي قرابة ‪ 90%‬من وقته لملاحقة متطلبات الحياة‬
‫اليومية‪ ،‬وبالتالي فإن إنتاجيته ومردوده العلمي يكون ضعيفاً ومتواضعاً‪ ،‬والتي يمكن أن‬
‫تعزى إلى عدم التفات الحكومة الكافي للبحث العلمي‪ ،‬و ُتفضل شراء التكنولوجيا والصناعة‬
‫الجاهزة جراء ضعف التقنية الصناعية والبنيان الصناعي عموماً‪ ،‬إضافة إلى ما تضمنه البحث‬
‫في التحديات الإقتصادية والضغوط الإقتصادية الخارجية التي تمارس على الدول النامية‬

‫لتبقى مستهلكة وتابعة ومعتمده على الخارج‪.‬‬

‫وتشير الإرقام الحكومية بان نسبة البحث العلمي في ميزانية الدول العربية لا تزيد عن‬
‫‪ ،3% -2‬والمفارقة في ذلك تتعلق بالميزانية العسكرية والتي تشكل نسبة عالية لا يمكن‬
‫اعتماد ما ينشر عنها نظراً لان الميزانية العسكرية ينضوي فيها كل المصروفات التي لا‬
‫ترغب الدولة بإطلاع الشعب وجهاته الرقابة عليها‪ .‬كما وأصبحت الميزانية العسكرية معضلة‬
‫حوكمية تستطيع المؤسسات الدولية فهم تركيبة الدولة من خلالها‪ ،‬وخاصة لكونها تأتي على‬
‫حساب ميزانيات التنمية الوطنية‪ ،‬وتصب في مصلحة النظام على حساب معيشة المواطن‬

‫وتطلعاته‪.‬‬

‫وبهذا الصدد‪ ،‬فتطالب هيئات وبرامج الأمم المتحدة المتصلة بقضايا الحوكمة التشاركية بأن‬
‫يكون للمواطنيين وهيئات المجتمع المدني والهيئات المحلية والبلدية دور فاعل في توزيع‬
‫المخصصات المالية وإعداد الميزانيات والرقابة عليها‪ ،‬ومن خلال منظومة لا مركزية في الإدارة‬

‫تراعي في النهاية الإحتياحات الحيوية للمواطنيين[‪.[[7‬‬
‫وهناك برامج هامة ومتعددة في مجال تعزيز دور الحكومة في المشاركة والتي يمكن للإدارات‬
‫الحكومية العربية الإستفادة منها[‪ ،[[7‬لا سيما أن عدد من الدول النامية قد أخذت بها أيضاً‪،‬‬
‫وقد تم تصميم هذه الإليات من قبل معهد التنمية الإقتصادية في البنك الدولي‪ ،‬والتي ارتأينا‬
‫تبويبها في خانة الملاحظات نظراً لأهميتها وإمكانية الإستفادة منها في مجال هذا البند المتصل‬

‫‪People Participation in the Budget Legislation Process-Participatory Planning« ,Emilia T. Boncodin 77‬‬
‫‪Editor: United Nation-Department of Economic & Social ,»and Budgeting at the Sub-national Level‬‬
‫‪.)160-155 .P ,2005( ,Affaires, New York‬‬

‫‪ 78‬الدكتور زهير الكايد‪ ،‬الحكمانية ‪»، Governance‬قضايا وتطبيقات»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،2003 (،‬ص ‪)79-116‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪38‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫بدور الحكومة في تعزيز المشاركة والتشارك[‪.[[7‬‬
‫وبعد التعرض إلى ما سبق من أفكار مرتبطة بتفعيل المشاركة مع المجتمع المؤلف من‬
‫القطاع خاص وهيئات المجتمع المدني‪ ،‬ننتقل إلى دراسة عناصر حوكمية أخرى لها تأثير‬
‫حيوي ومباشر على تفعيل المشاركة بين طرفي الحوكمة ومرتبطة بتسلسله المنهجي‪ ،‬حيث‬
‫سنتناول في المبحث التالي المشاركة من خلال تفعيل عنصري المساواة والإنصاف وعنصر‬

‫الإستجابة‪.‬‬

‫‪ 1- : 79‬برنامج إدارة القطاع العام والحوكمة‪ ،)Governance and Public Sector Management program( ،‬والذي يهدف إلى التغيير‬
‫في نهج الإدارة بشكل جوهري‪ ،‬وتحقيق مزيد من المشاركة‪ ،‬والتي إذا ما بادرت الدولة في التغيير ومن ذاتها وبمبادرة منها فإنها ستكون‬
‫مكرهة على التغيير أو ال َت َغ ُّير وفي أسوأ الظروف‪ ،‬وذلك لموا كبة التطورات العالمية والإقليمية والمحلية‪ ،‬وفيما يلي ملخص للبرامج العاملة‬

‫في برنامج ال‪-‬حاكسمتانطيلةاعفاي تت تطوقيدري امل اقلطخادعمالةعواإم‪:‬شراك المجتمع المدني ‪ :‬تَ ْعم ْد استطلاعات الرأي العام حول مستوى تقديم الخدمات إلى‬
‫لتحقيق الرضا من قبل المواطنين عن خدمات الحكومة‬ ‫ت حسين هذا‪-‬االلممسستاءولةى‬
‫للفساد‬ ‫المناهضة‬ ‫الجهود‬ ‫لكافة‬ ‫المشترك‬ ‫العامل‬ ‫والشفافية‪ :‬هناك عناصر كثيرة فاسدة في القطاع العام‪ ،‬وبأن‬
‫سواء تضمنت إصلاح البرامج العامة‪ ،‬أو إعادة تنظيم الحكومة‪ ،‬أو تعزيز سلطات أجهزة تطبيق القوانين‪ ،‬هو أنها يجب أن تتمتع بدعم‬
‫التي ستبحث بشكل موسع في الفصل الثاني من هذا المبحث‪.‬‬ ‫ال جمهور‪ .‬ويأت‪-‬إيصهلاذاحالالمخودضموةعالمضدنمينة‪ :‬إعنان الصره ادلحفوالكإمسةا السريشيمدةن‬
‫والكفاية‪،‬‬ ‫إصلاح الخدمة المدنية ينطوي على تحسين مستوى الإستجابة‪،‬‬
‫والنزاهة في الخدمة المدنية‪ ،‬مع إعادة النظر بدور الحكومة‪ ،‬وتبني أنظمة رواتب ومكافآت أ كثر واقعية‪ ،‬وتحسين مستوى التدريب‬
‫للموارد البشرية‪ ،‬وإتباع نهج الإدارة بالنتائج‪ ،‬وتأمين الوظائف والمهن لتاركي المدارس‪ ،‬والإبتعاد عن الترقيات السريعة لغير المؤهلين‪،‬‬
‫في الخدمة المدنية‪.‬‬ ‫ور فع الروح ا‪-‬لالمنعنشورياةل لملععلاومملايتين‬
‫القطاع‬ ‫وإدارة‬ ‫الحكمانية‬ ‫عن‬ ‫الدولي‬ ‫البنك‬ ‫مشروع‬ ‫يقوم‬ ‫‪:‬‬ ‫‪)Multimedia‬‬ ‫للمعلومات (‪Dissemination‬‬
‫العام بإنتاج ونشر النتائج والإمثلة للممارسات الإدارية المتميزة من خلال ورش العمل أو المؤتمرات والمحاضرات بهدف الترويج‬
‫والتعزيز للنزاهة والكفاية والفعالية في القطاع العام للدول المختلفة‪ .‬كما وتساعد تكنولوجيا المعلومات والإتصالإت على تحسين‬
‫الحوكمة من خلال توفير دخول المواطن للخدمات والمعلومات الحكومية‪ ،‬مثلما تصبح تكنولوجيا المعلومات والإتصالإت أساسية في‬
‫العالمي ومجتمع المعرفة العالمي (‪. )Global Knowledge Society‬‬ ‫خ لق وتحقي‪-‬قإدامرةجتالمنعف اقلامتعاللوعماامةت‬
‫النامية‬ ‫والدول‬ ‫والصرف‪،‬‬ ‫وصنع قرار الإستثمار‪ :‬لقد تركت الدول المتقدمة النماذج القديمة للموازنات‬
‫بحاجة أيضا لتقوية قدراتها‪ ،‬وتطوير أطر موازناتها‪ ،‬لتصب في تحقيق مصلحة المواطنين‪ ،‬وتقلل من الإنفاق الذي لا يحقق النتائج‬
‫المرجوة‪ .‬ولعل ما تعاني منه الكثير من الدول النامية ومنها الإردن من صعوبات داخلية متنوعة وصراعات إقليمية مجاورة مما يرفع من‬
‫نسبة الموازنة‪.‬‬ ‫النفقا ‪-‬ت الع‪2‬س نكرميوةذفجي‬ ‫كلفة‬
‫إعادة اختراع الحكومة‪:‬‬
‫التالي‪:‬‬ ‫النحو‬ ‫التي يبنى عليها هذا النموذج على‬ ‫النموأاذلجحفكيوالموةلاايلاحاتفازلةم‪t‬ت‪n‬ح‪e‬دة‪m‬ال‪n‬إ‪r‬م‪e‬ر‪v‬ي‪o‬كي‪G‬ة‪st،‬و‪y‬ي‪l‬م‪ta‬ك‪a‬ن‪،C‬تححدكيودمالةإ تسقاودسيبادلات‬ ‫ هذ‪-‬ا‬ ‫تطوير‬ ‫تم‬
‫حاجة‬ ‫هناك‬ ‫كانت‬ ‫من أن تج َّدف‪ ،‬ولا تفترض‪ ،‬بأنه إذا‬ ‫ً‬
‫لخدمات معينة بأن تقدمها المؤسسات العامة‪ ،‬ولكن يمكن تقديمها من قبل مجموعة من المؤسسات الحكومية‬
‫ ‪ -‬باولالحخاي الصةشواعلبتيطيومعتيلة أكوالبأحيكوممجةم‪t‬و‪n‬ع‪e‬ة‪m‬م‪n‬ن‪r‬ها‪ ،: Community-Owned Gov.e‬التمكين بدلاً من الخدمات المباشرة ‪ ،‬فإن‬
‫دور المؤسسات العامة والحكمانية هو خلق الظروف الصحيحة لحل المشاكل بدلا ً من القيام بها مباشر ًة وغالباً ما‬
‫يتم إشراك وإدماج الإحياء الشعبية بحل المشاكل‪.‬‬
‫ج‪ -‬حكومة منافسة ‪ :Competitive Government‬إدخال التنافسية إلى تقديم الخدمات‪ ،‬بين المؤسسات العامة أو مع مؤسسات بديلة‬
‫لتزويد الخدمات‪.‬‬
‫د‪ -‬حكومة توجهها الرؤية‪ ،Mission – Driven Government :‬التحويل من حكومة تدار بالقواعد والإنظمة وسيطرة البيروقراطية‬
‫واستبدالها بأنظمة ت َّوجه وفق الرؤية والقيم‪.‬‬
‫ه‪ -‬حكومة تدار بالنتائج ‪ ،: Result –oriented Government‬بأي بالتركيز على تمويل النتائج وليس المدخلات‪.‬‬
‫و‪ -‬حكومة يقودها المستهلك‪ ،Customer-Driven Government :‬أي بتحقيق احتياجات المستهلك والإستماع إلى احتياجات ورغبات‬
‫المتلقين للخدمات العامة‪.‬‬
‫ز‪ -‬حكومة تعمل بنهج المشاريع ‪ ،Enterprising Government‬أي حكومة تكسب بدلاً من أن تنفق‪ -‬تبحث عن الفرص للمؤسسات العامة‪.‬‬
‫ح – حكومة تنزع إلى ال َت ُّوقع‪ ،Anticipatory Government :‬المنع بدلا ً من العلاج‪ ،‬حكومة تحاول التعرف على أسباب المشاكل الحالية‬
‫والمستقبلية‪ ،‬والتعامل معها‪ ،‬بدلا ً من التعامل مع المشاكل الناتجة عنها‪.‬‬
‫ط‪ -‬حكومة يحركها السوق‪ ،Market Oriented Government :‬تحرك التغيير من خلال السوق – تستخدم الوسائل المتنوعة لتحاول‬
‫إعادة توجيه الإسواق لمعالجة المشاكل الإجتماعية‪ .‬وهذا النموذج ينطوي على اختلافات حيث أن الخصخصة ‪ Privatization‬ليست‬
‫بالضرورة الحل الوحيد أو الإكثر ملائمة‪ ،‬وأهمية اختيار الدول النامية لآليات ومنهجيات القطاع الخاص مع المحافظة على خصوصية‬
‫القطاع العام ونظمه وتشريعاته‪.‬‬
‫ي ‪ -‬حكومة لا مركزية‪ ،Decentralized Government :‬وتعمل بشكل أساسي بمبدأ الإنتقال من الهرمية إلى المشاركة وعمل الفريق‪.‬‬

‫‪39‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫ثانياً ‪ :‬عناصر المساواة والإنصاف وعنصر الإستجابة‪:‬‬

‫كان المطلب الإول للشعوب المستع َمرة طيلة مرحلة الإربعينات والخمسينات وأوائل‬
‫الستينات يتمثل في أن يكون الحاكم من أهل نفس البلد‪ ،‬لكن المفارقة عندنا‪ ،‬أنه بمجرد أن‬
‫طال زمن الدولة تح ّول جهاز الحكم إلى نوع من التملك ّية الفردية والإستفرادية و»الزبونية»‪،‬‬
‫يعني بدل أن تستجيب هذه الدولة لتطلعات المجتمع ورغباته‪ ،‬و ُتوسع المشاركة‪ ،‬وتعمقها‬
‫تدريجياً‪ ،‬تراجعت بإتجاه الزبونية أي مجموعة المصالح والعلاقات باتجاه الإستفراد بالسلطة‪،‬‬

‫وسوء توزيع الثروة وعملية صناعة القرار [‪.[[8‬‬
‫ولقد تسارعت الإحداث في عالمنا العربي حتى وصلت إلى مرحلة ملفتة من اللفظ والرفض‬
‫إلى الإقصاء والإستغلال‪ ،‬حيث طالت الإحتجاجات العديد من الدول العربية وتبعها نزاعات‬
‫مسلحة في عدد من الدول‪ ،‬ومما يتطلب صراحة ومكاشفة‪ ،‬ومساءلة‪ ،‬واستجابة‪ ،‬وتمكين‬
‫للقانون‪ ،‬ومشاركة متكافئة للمرأة والإقليات‪ ،‬ومساواة وعدالة‪ ،‬وكفاءة وفعالية‪ ،‬ورؤية‬

‫إستراتيجية‪.‬‬
‫أي كما ذكرنا في مناسبات سابقة‪ ،‬ثورة حوكمية تعمل على تفكيك البنية الإدارية للدولة‬
‫ومن ثم إعادة بنائها على أسس الحوكمة الرشيدة والفعالة‪ ،‬وبحيث تكون فيها الدولة خادماً‬

‫للمجتمع‪ ،‬ويشترك المجتمع بمسؤولية مطلقة في صياغة السياسات العامة‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬يتحمل هذه المبحث عبء تناول عدد من عناصر الحوكمة الرشيدة حسب ما‬
‫تمكّن البحث من تقسيمه لتجاوز الصعوبات المنهجية والشكلية‪ ،‬حيث سنتناول تالياً مسألة‬

‫الإنصاف والمساواة‪ ،‬ثم عنصر الإستجابة‪.‬‬
‫ ‪ 1-‬المسـاواة والإنصـاف (‪: )Equity and Equality‬‬

‫ثنائية المساواة والإنصاف قديمةٌ جداً‪ ،‬فمنذ القدم فرضت فكرة المساواة نفسها على القانون‪،‬‬
‫وخاصة في سير الحياة اليومية في الحضارة الهيلينية (الإغريقية) القديمة‪ .‬كما وتواجدت فكرة‬
‫الإنصاف عند أرسطو واستعملها بكثرة ويراها كفضيلة لإصلاح نقائص القانون الوضعي[‪.[[8‬‬
‫كما ويشار بالأهمية إلى إسهامات الفلاسفة والمفكرين التي لا يمكن حصرها في مجال هذا‬
‫البحث‪ ،‬ولكن يشار بالبنان إلى ظهور المدينة‪ ،‬وتأثيرها على اهتمام الفلاسفة للتفكير بحقوق‬
‫الإنسان نتيجة للمنازعات الداخلية والعهود الطويلة من الظلم والطغيان‪ ،‬حيث أظهر أفلاطون‬
‫لنا مبادئ حقوق الإنسان والمدينة الفاضلة وهي الدول ُة التي يسود فيها العقل‪ ،‬لا الرغبات‬

‫والشهوات‪ ،‬وتكون مبنية على العدل والمساواة‪.‬‬

‫كما وشبه أرسطو الدول بكيان عضوي « التضامن العضوي»‪ ،‬وأ كد على مبادئ حقوق‬

‫‪ 80‬المنصف وناس‪« ،‬الدولة والتحديث والمجتمع المدني‪ -‬نحن والمتغيرات العالمية»‪ ،‬اصدارات منتدى الجاحظ ‪ ،‬تونس‪ ،2008( ،‬ص ‪.)17‬‬
‫‪Aristote, Ethique à Nicomaque, V, 1137 ,10, a 31 sq.; Rhétorique, 1347 ,13 ,1 a 26 b23 .81‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪40‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫الإنسان من خلال رؤيته إلى دور الدولة في توفير الحق والعدل والمساواة لكل المواطنين‬
‫ورفض العدوان والحرب والإستعباد‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن المبادئ الإلهية‪ ،‬والميتافيزيقية (علم الغيبيات)‪ ،‬لا يمكن إخضاعها‬
‫لقواعد المنطق المحسوس وللأبعاد الفيزيائية المعروفة مهما تزايدت أو نقصت ولِعلم‬
‫الفيزياء التطبيقية شؤونه في ذلك‪ ،‬الإ أننا نرغب هنا بذكر َفضل ومساهمة الديانات السماوية‬
‫في تعزيز الوعي بحرية الإنسان‪ ،‬وحقه في العيش الحر الكريم‪ ،‬حيث أن هذه الإديان ذات‬
‫المصدر الواحد‪ ،‬جعلت الإنسان هو مدار الكون ومناط التكريم بصفته الإنسانية‪ ،‬وعززت من‬

‫مفاهيم الإنصاف والعدل والمساواة بين البشر‪.‬‬

‫فقد اهتمت الديانة اليهودية بحقوق الإنسان من خلال الوصايا العشر التي كلم الله (سبحانه‬
‫وتعالى) بها النبي موسى والتي اشتملت على ‪ :‬حق الإنسان في الحياة‪ ،‬الحق في الملكية‪،‬‬
‫النهى عن القتل‪ ،‬والنهى عن السرقة‪ .‬كما وأ كدت الديانة المسيحية على حقوق الإنسان‬
‫من خلال المحبة‪ ،‬العدالة‪ ،‬المساواة والإحسان‪ .‬وقد إهتم الدين الإسلامي بفهم[‪ [[8‬وتكريم‬
‫الإنسان[‪ [[8‬من خلال خلافته للأرض‪ ،‬وبالمساواة بين الناس‪ ،‬ونبذ التمييز بسبب الجنس‬
‫أو اللون أو العقيدة أو الوضع الإجتماعي أو الإقتصادي‪ ،‬ولكن بخشية الله ومراقبته[‪،[[8‬‬
‫وقدم منظومة عقائدية وتشريعية وأخلاقية من أجل الإنسان‪ ،‬وبغرض تنظيم حياته وإصلاح‬

‫أحواله[‪.[[8‬‬

‫كما اعتمد فلاسفة مدرسة القانون الطبيعي أو ما سمي بالعقد الإجتماعي‪ ،‬أمثال هوبز‬
‫ولوك وجان جاك روسو[‪ [[8‬بأن الإنسان له حقوق طبيعية سابقة على الوجود السياسي‪ ،‬وأنه‬
‫لا يوجد أي تناقض بين سلطة الجماعة‪ ،‬كما وأ كد المفكر مونتسيكيو[‪ [[8‬على مسألة مبدأ‬

‫الفصل بين السلطات‪.‬‬

‫إضافة لذلك‪ ،‬فإن الإنصاف يعتبر من مكونات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر‬
‫في ‪ ،1789‬حيث ي ُّنص الفصل الإول من الإعلان على المساواة في القانون‪ ،‬والفصل الثاني‬
‫المساواة أمام الضريبة‪ .‬كما وت ُّنص بعض النصوص الدولية على الإنصاف‪ ،‬بينما لا ُيف َرض‬
‫الإنصاف فيها بالضرورة على أي تصرف معين على السلطة التي تتخذ القرار‪ ،‬بقدر ما تصف‬
‫حالة ملموسة ناتجة عن تطبيق قاعدة قانونية والتي تبين بدورها أن هذا الوضع مقبول‪ ،‬أو‬

‫‪ 82‬القرآن الكريم‪َ »،‬ونَ ْف ٍس َو َما َس َّوا َها‪َ ،‬فأَ ْل َه َم َها ُف ُجو َر َها َوتَ ْق َوا َها»‪ ،‬سورة الشمس‪ ،‬الإية ‪ 8‬و‪9‬‬
‫‪َ « 83‬و َل َق ْد كَ َّر ْم َنا بَ ِني آ َدم «‪ ،‬سورة الإسراء‪ ،‬الإية ‪ 70‬القرآن الكريم‪،‬‬

‫‪ 84‬القرآن الكريم‪« ،‬إِ َّن أَ ْك َر َمكُ ْم ِع ْن َد اَِّلل أَ ْت َقاكُ ْم»‪ ،‬سورة الحجرات‪ ،‬الإية ‪13‬‬
‫‪ 85‬أنور الحمد‪ ،‬تمام الصباغ ومحمد المختار‪« ،‬الحوار مع الإخر‪-‬المنطلقات والثوابت»‪،‬اصدارات‪ :‬مجلة الوعي الإسلامي‪ -‬وزارة الشؤون‬

‫الإسلامية في الكويت‪2006( ،‬ـ ص ‪.)144‬‬

‫‪ 86‬العقد الإجتماعي وأعلامه تعرضنا له في ص ‪.209‬‬

‫‪ 87‬شارل لوي دي سيكوندا المعروف باسم مونتيسكيو (بالإنجليزية‪Montesquieu :‬‏)؛ (‪ 18‬يناير ‪ 10 - 1689‬فبراير ‪ ،)1755‬فيلسوف‬
‫فرنسي صاحب نظرية فصل السلطات الذي تعتمده غالبية الإنظمة حاليا‪ ،‬ولد مونتسكيو في فرنسا ‪ 1689‬حيث تعلّم الحقوق وأصبح‬
‫عضو برلمان عام ‪ ،1714‬وفي عام ‪ 1748‬نشر مونتيسكيو أهم كتبه «روح القوانين» في جنيف وأضحى من أبرز المراجع في العلوم السياسية‪.‬‬

‫‪41‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫جائز‪ ،‬وبالتالي مطابق لإحساس مشترك لما يجب أن تكون عليه المساواة [‪.[[8‬‬
‫وبهذا الصدد‪ ،‬يشار إلى تعريفات[‪ [[8‬للمساواتيه أو مذهب المساواة بأنه‪« :‬دعوة سياسية‬
‫ليست واضحة المعالم تدعو إلى المساواة السياسية والإجتماعية بين كل المواطنين منذ‬
‫الولادة‪ ،‬ولا يقصد هنا التساوي المعيشي بل التساوي في منح الفرص بحيث لا يكون هناك‬
‫أفضلية لشخص على آخر‪ ،‬ويكون الجميع سواسي ًة تحت مظلة القانون‪ ،‬ويعتبر هذا المذهب‬

‫في وقتنا الراهن الركيزة الإساسية التي تقوم عليها سياسات الحقوق المدنية الحديثة «‪.‬‬
‫وفي خضم الزخم الهائل للكتابات في هذا المجال‪« ،‬فإن مأزق اللامساواة بين الإشخاص‬
‫والطبقات والثقافات والدول هي التي تثير انزعاج الإنسان من الإخر‪ ،‬وان عار الفوارق‬
‫الإجتماعية هو الذي س ّبب الإ ِعراض عن القيم الإخلاقية‪ ،‬والنظر باشمئزاز إلى القوانين‬
‫السياسية [‪ .[[9‬وأن الإختلاف في القدرات الطبيعية وال َم َلكَات الإدرا كية هو الذي يجعل الفرد‬
‫يتحدى القدر وينتفض ويطلق العنان لروح التساؤل ويتحرك عنده هاجس التفكير‪ .‬كما أن‬
‫درجة الحيرة والإندهاش تزداد عندما يرصد ال ِفكر التناقض البادي للعيان بين حالة الإنسان‬
‫في الواقع المعاش‪ ،‬والفاقدة لمقومات الإنسانية‪ ،‬وال ُم َداهم بالفقر والمرض والجهل والقهر‬
‫وبين ما يؤكده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدساتير والقوانين في كل أرجاء العالم [‪.»[[9‬‬
‫يتضح مما سبق أن المصطلحات المتعلقة بالحرية والديمقراطية إضافة إلى أنها ُتعبر عن‬
‫مفاهيم فلسفية وتعبوية عامة فقد أصبحت ُت َع ْد من المؤشرات النوعية الهامة في مجال‬
‫قياس مستوى التنمية البشرية في أقطار العالم كافة‪ ،‬ومن العناصر الرئيسة لمكونات‬

‫الحوكمة الرشيدة‪.‬‬
‫كما ويرتبط الإنصاف بكافة شؤون العلاقة بين الدولة بالمجتمع‪ ،‬حيث تبرز الفقرة تالياً عناصر‬
‫التقاطع والتفاعل بين الإنصاف والتنمية البشرية وحقوق الإنسان‪ ،‬ومن ثم مسألة الإنصاف‬

‫والمساواة بين النوع الإجتماعي بما يسمى الجندرية (‪.)Genderism‬‬

‫ ‪-‬الإنصاف والتنمية البشرية‪:‬‬
‫يعتمد دليل التنمية البشرية[‪ [[9‬على مؤشرات كمية للقياس هي « الدخل‪ ،‬التعليم‪ ،‬الصحة»‪،‬‬
‫ولكن لوحظ أن هذه المؤشرات الكمية غير كافية‪ ،‬حيث من الضروري الإهتمام بالمؤشرات‬
‫النوعية للتنمية البشرية وفي المقدمة منها « التمكين[‪ ،[[9‬الإنصاف‪ ،‬الإستدامة»‪ ،‬أي العناصر‬
‫المرتبطة بمقومات حرية الإنسان في عيش الحياة الكريمة التي ينشدها وفي المقدمة منها‬

‫‪8 8‬‬
‫‪ 89‬الموسوعة العربية العالمية‪ ،‬ويمكن الإطلاع على الموقع‪http://ar.wikipedia.org/wiki :‬‬
‫‪ 90‬زهير الخويلدي‪( :‬على ُخ َطى ابن اغسطين وابن خلدون ‪:‬العدالة والإنصاف)»‪ ،‬مدونة «رواق الفلسفة‪ ،‬تاريخ ‪ 06‬يونيو ‪2010‬‬

‫‪ 91‬زهير الخويلدي‪ :‬العدالة والإنصاف‪ ،‬نفس المرجع‪2010 .‬‬

‫‪ 92‬محسن ابو رمضان‪« ،‬قراءة في تقرير التنمية البشرية ‪ 2010 -‬الثروة الحقيقية للأمم‪ :‬مسارات إلى التنمية البشرية» ‪ 17 ،‬فيفري ‪2011‬‬
‫‪ 93‬التمكين‪ ،‬يعني توسيع قدرات البشر وإختياراتهم‪ ،‬بحيث يصبح الإنسان مركز إهتمام عملية التنمية‪ ،‬وبأن الهدف هو إعطاء الناس‬
‫القوة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والإمكانيات والمدخل الضروري ليتمكنوا من تغيير حياتهم ومجتمعاتهم والتأثير على مصائرهم‪ ،‬وبالتالي يجب أن لا يكون‬
‫الإنسان عنصر متلقي بل مشارك في تقرير مصيرة وقادر على تغير حياته ومجتمعه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،Gita Welch & Zahra Nura ،‬ص ‪.174‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪42‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان‪ ،‬والبيئة‪ ،‬والرفاه‪ ،‬المشاركة‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإن مفهوم الإنصاف[‪ [[9‬يقع في قلب مفهوم التنمية البشرية المستدامة‪ ،‬باعتباره احد‬
‫المكونات النوعية الإكثر أهمية‪ ،‬والتي تتميز عن نظريات النمو الإقتصادي ونظريات التنمية‬
‫التقليدية‪ ،‬وبانه أصبح يستخدم كمصطلح بديل عن مصطل ّحي المساواة والعدالة الأقرب إلى‬

‫الخطاب الإجتماعي الذي سا َد في ُح َقب سابقة‪.‬‬
‫كما ويتميز مفهوم الإنصاف عن المفاهيم الإخرى بكونه يركز على تكافؤ الفرص والوسائل‬
‫والمدخلات لا على النتائج والمخرجات‪ ،‬ويلتزم بمبدأ تحميل الفرد مسؤولية الإفادة منها‪،‬‬
‫وذلك كي لا يأتي المفهوم متعارضا مع الميل السائد نحو تقليص دور الدولة كمسؤول شبه‬
‫حصري عن تأمين الحاجات الإساسية وتأمين العدالة‪ ،‬الإ أن مفهوم الإنصاف‪ ،‬مع محدودية‬
‫اعتباره وسيلة متكافئة في الوصول إلى الفرص بشكل متكافئ‪ ،‬فانه يتطلب إعادة هيكلة‬

‫جذرية في علاقات القوة في المجتمع‪.‬‬
‫وقد تعرضت هذه الفقرة سابقاً إلى ضرورة إقامة هيكلة جذرية في علاقات القوة في المجتمع‬
‫و ُق ِدمت بعض المقترحات لتحقيق مزيد من الإنصاف في المجتمع‪ .‬الإ أن الإنصاف غاية في‬
‫التعقيد‪ ،‬وصع ٌب في التحقيق‪ ،‬كيف لا وهو المرتبط بمعنى الحياة والوجود‪ ،‬وبعذابات البشر‬
‫منذ نشأة الخليقة‪ ،‬فالظلم هو نقيض الإنصاف‪ ،‬ومما يجعل من الصعب بمكان لأي إنسان‬
‫نسيان الظلم إذا ما وقع عليه‪ ،‬سوا ًء كان من صنع البشر أو من مل ّمات القدر أو من نار‬

‫السلطة مهما كانت مبرراتها‪.‬‬
‫إن التغير كما تعرضنا له هو حتمي وهو سمة الحياة‪ ،‬وإن الإنتقال من الظلم إلى الإنصاف‬
‫يجب أن يكون حتمي كذلك‪ ،‬وهو ما تسعى الحوكمة الرشيدة إلى تحقيقيه عبر تحقيق‬

‫المساواة والإنصاف وكافة العناصر الإخرى‪.‬‬
‫ومن هذا الظلم ما يتعلق بالنوع الإجتماعي نظراً للفوارق بين الرجل والمرأة‪ ،‬ولكن ليس‬
‫كمنظور للفرق بين الجنسين بل بالفرق في الدور والمسؤولية والإضطهاد الإجتماعي‪ ،‬وهو ما‬

‫نتاوله تالياً لفهم أبعاد الإنصاف والمساواة على مستوى مفهوم الجندرية‪.‬‬

‫‪ -‬الإنصاف والجندرية ) النوع الإجتماعي([‪: [[9‬‬
‫مهما قيل من أن الإصل في المجتمع كان أمومياً‪ ،‬الإ أن الرجل كان هو صاحب السلطة‬
‫والضبط‪ ،‬وبقي الأمر كذلك حتى القرن العشرين إذ ظهرت بعض البرجوازيات المتحل ّيات‬

‫‪ 94‬التنمية البشرية المفهوم ‪ ...‬المكونات‪ ،« ‬جريدة الصباح‪ ،‬تاريخ ‪2006/5/11‬‬
‫‪ 95‬يرجع استخدام مصطلح «الجندر» إلى منظمة العمل الدولية‪ ،‬وهو مصطلح يشير إلى العلاقات والفروقات بين الرجل والمرأة التي‬
‫ترجع إلى الإختلاف بين المجتمعات والثقافات‪ ،‬والتي هي عرضة طوال الوقت للتغيير‪ .‬ومصطلح “الجندر» لا يعد بديلا» لمصطلح «‬
‫الجنس» الذي يشير بدوره إلى الإختلافات البيولوجية بين الرجال والنساء‪ .‬وبمعنى آخر فإنه يمكن استخدام مصطلح الجنس في التعدادات‬
‫الإحصائية أما « الجندر» فيستخدم في تحليل الأدوار والمسؤوليات والحاجات الخاصة لكل من الرجال والنساء في كل مكان وفي أي سياق‬
‫إجتماعي‪ .‬كما يشار إلى أن تعزيز المساواة الجندرية وتمكين المرأة من الإهداف الإلفية التي أقرتها الأمم المتحدة لغاية عام ‪2015The‬‬
‫‪ ،) ) Millennium Development Goals-MDGG‬للمزيد حول الإهداف الإلفية يمكن الإطلاع على موقع ‪http://www.un.org/millen� :‬‬

‫‪niumgoals‬‬

‫‪43‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫بالوعي السياسي‪[[9[ ،‬حيث ربطن نضاله ّن بنضال حزب سياسي محدد‪ ،‬وأصبح ّن يطالبن‬
‫بحق المرأة والعمل وممارسة الحقوق السياسية‪ ،‬والمطالبة بحماية الإمومة‪.‬‬

‫وقد تطورت المفاهيم والمصطلحات تماشياً مع متطلبات المجتمعات وتطورها‪ ،‬حيث أن‬
‫المسألة أصبحت مرتبطة بالنوع الإجتماعي أ كثر منها بالتركيبة الجسدية للرجل والمرأة‬
‫بما سمي بالجندرية (‪ )[[9[genderism‬والتي تشير إلى «التوقعات السلوكية التي تكتسب‬
‫من التعلم من المجتمع والمرتبطة بالجنسين‪ ،‬ويشير إلى الأدوار الإجتماعية المتنوعة‬
‫والسمات التي ُتعزى إلى ثقافة الرجل والمرأة‪ ،‬والى الحقوق والواجبات والإلتزامات والعلاقات‬
‫والمسؤوليات والصور ومكانة المرأة والرجل‪ ،‬والتي يتم تحديدها اجتماعياً وثقافياً عبر التطور‬

‫التاريخي لمجتمع ما»[‪.[[9‬‬
‫وانطلاقاً من مفهوم النوع الإجتماعي بإعتباره يعكس الأدوار والعلاقات الإجتماعية المكتسبة‪،‬‬
‫كما ويفرض على كل من الرجل والمرأة التصرف بأسلوب محدد بناء على العناصر المختلفة‬
‫في المجتمع‪ ،‬وعلى تقسيم العمل على المستوى العام والخاص بينهما‪ ،‬والذي يؤدي بحد‬

‫ذاته إلى تحديد مدى وصول الإفراد إلى الموارد والمعلومات والفرص[‪.[[9‬‬
‫وبما أن المجتمعات الإنسانية هي المحرك الإساسي الذي يدفع عجلة التنمية إلى الأمام‪،‬‬
‫والتي لا يمكن لها بأن تتطور إلا َّ بتعاون وتشارك نصفي القوى البشرية فيها‪ ،‬أي النساء‬
‫والرجال معاً‪ ،‬وبالتالي فإن تحسين مكانة المرأة في المجتمع مسألة أساسية بالنسبة‬
‫لتحقيق قدر أ كبر من المشاركة والإنصاف والفعالة‪ ،‬كما أن تشجيع مشاركة المرأة في‬
‫مشاريع التنمية‪ ،‬ووضع مشاريع تنمية محورها حاجات المرأة‪ ،‬وتشجيع التنمية بصفتها‬
‫من المكونات الإساسية لدور المرأة في الحياة العامة‪ ،‬جميعها خطوات تسهم في تعزيز مكانة‬

‫المرأة ووضعها في المجتمع [‪.[[10‬‬

‫‪ 96‬حنان جميل هلسا‪ « ،‬سيكولوجية المرأة الإردنية»‪ ،‬نشر وزارة الثقافة الإردنية‪ ،2004 ( ،‬ص ‪70‬و ‪.)73‬‬
‫‪genderism” as a politic, a social order, a philosophy, and an ideology which seeks, in its human manifestations and 97‬‬
‫‪expressions, to distort and demean humanity in profound and destructive ways in order to create and maintain the‬‬

‫‪genocidal/ecocidal reality of male supremacist societies and their culture.‬‬
‫‪ 98‬منى مؤتمن وآخرون‪ « ،‬تدقيق واقع إدماج النوع الإجتماعي في القطاع العام في الإردن»‪ ،‬نشر اللجنة الوطنية لشؤون المرأة‪،2010( ،‬‬
‫ص ‪ ،)51‬ويشار إلى أن هذه اللجنة تأسست عام ‪ ،1992‬وترأسها الإميرة بسمة بنت طلال‪ ،‬وتعتبر مرجع لدى جميع الجهات الرسمية فيما‬

‫يتعلق بالإنشطة النسائية وشؤون المرأة في الإردن‪.‬‬
‫‪ 99‬منى مؤتمن وآخرون‪ ،‬نفس المرجع أعلاه‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪ 100‬رضوان زيادة‪ ،‬واقع الحوكمة في سوريا‪ ،‬دراسة بإشراف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي‪ ،‬ص ‪8‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪44‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫وفي مجال تحسين مكانة المرأى في المنطقة العربية ‪:‬‬
‫ •بأهمية تطوير القوانين والتشريعات المتصلة بحقوق المرأة ومساواتها مع الرجل‬

‫وفي كافة الميادين‪.‬‬

‫ •وتغيير الممارسات الإجتماعية الخاطئة بحقها‪ ،‬وتصحيح الصورة النمطية السلبية‬
‫التي تنتقص من حقوقها‪.‬‬

‫ •وزيادة مساهمة المرأة في النشاط الإقتصادي وجعلها شريك للرجل في التنمية‪.‬‬

‫ •ودعم المرأة في نسب مقبولة في المجالس المنتخبة‪ ،‬وفي موقع صنع القرار الرسمية‪.‬‬

‫ •وضمان مبدأ تكافؤ الفرص في إجراءات التعيين والترقية والتدريب في المؤسسات‬
‫العامة والخاصة‪.‬‬

‫وفي إطار الإنصاف للمرأة‪ ،‬وبشكل أ كثر وضوحاً‪ ،‬فيرى العديد من الناشطين والمختصين في‬
‫العالم العربي وخارجة بأن أ كثر المسائل المثيرة للجدل هي مسألة « قتل الشرف»‪ ،‬في بعض‬
‫في مقال لها بأن‬ ‫الإردن[‪[[10‬‬ ‫بشتبعكدةي قلانالونمياديِّة‬ ‫تشير منتدى‬ ‫في الأردن حيث‬ ‫الدول العربية ومنها‬
‫قانون العقوبات‬ ‫‪ 340‬من‬ ‫في عام ‪2001‬‬ ‫جانب تشريعي‬ ‫الحكومة قامت من‬
‫على‬ ‫الحصول‬ ‫الشرف‬ ‫عن‬ ‫الدفاع‬ ‫بقضايا‬ ‫القتل المرتبطة‬ ‫أالحتكيامكامنختف تفتةي‪،‬حوأَلدمخرَلتكتبتيعدجيلراائتم‬
‫قانونية مؤقتة‪.‬‬

‫والمسألة متفاوته‪ ،‬ففي بلدان مثل الإمارات العربية المتحدة يصل عدد الوزيرات عام ‪2016‬‬
‫إلى ثلث أعضاء الحكومة ويتمتعن بحقوق كبيرة‪ ،‬وهو ذات الأمر في دول مدنية عميقة مثل‬
‫تونس وحتى خليجية صغيرة مثل البحرين وما تشهده من قوانين وتشريعات الى جانب‬

‫المرأة ويمنع فيها هذه الممارسات المتصلة بقتل الشرف المذكور‪.‬‬

‫و َع َرضت ندوة [‪ [[10‬حول‪ « ‬المرأة في الإسلام «‪ ‬عن سوء الفهم المرتبط بمصطلح الجندر‬
‫وانه ذو علاقة بالمرأة فقط‪ ،‬وع ّرفت الجندرية بأنها‪ ‬مجموعة الأدوار الإجتماعية التي يقوم بها‬
‫الرجال والنساء‪ ،‬وأن المشكلة برزت في الصراع على القيام بهذه الإفكار‪ ،‬وتم تصنيفها حسب‬
‫التركيبة الإجتماعية بأدوار مخصصة بالنساء وأخرى مخصصة بالرجال‪ .‬وبأن النوع الإجتماعي‬
‫مرتبط بالبيئة التي تنحدر منها هذه الأدوار للرجال والنساء‪ ،‬وهي متغيرة بتغير الحياة والتقدم‬
‫الفكري‪ ،‬وأنها تتأثر بالظروف السياسية والإجتماعية والإقتصادية القائمة‪ .‬وبأن الحديث عن‬
‫الجندر وربطه بالمرأة فقط يتسبب بالظلم لها‪ ،‬مما يتطلب التركيز على أن الظلم الواقع على‬
‫المرأة‪ ‬هو نفسه الواقع على الإنسان‪ ،‬ولا بد من مناصرة الإنسان الذي وقع عليه الظلم‪ ،‬وأن‬

‫النوع الإجتماعي لا يعني الحديث عن دور المرأة فقط بل الرجل والمرأة‪.‬‬

‫‪ 101‬الإردن‪ :‬تعديل على قانون كان يتيح العذر المخفف في ‹›جرائم الشرف’’‪ ،‬موقع شبكة قانونييِّ الإردن الإخباري‪.‬‬
‫‪ 102‬ندوة شارك فيها مختصين حول « المرأة في الإسلام» عقدت في ‪ 2009/3/25‬بتنظيم من المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية‬

‫وشبكة المرأة لدعم المرأة ‪ ،‬ويمكن الإطلاع على كافة وثائق الندوة على الموقع‪http://www.sigi-jordan.org :‬‬

‫‪45‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫ما سبق يعزز افتراضنا بأن مجتمع الرجال في المجتمع العربي له معاناته كذلك من لا مساواة‬
‫جندرية حيث أن التنميط الجنسي أو الجنسوية (‪ [[10[)Sexisms‬تعني امكانية «التمييز بين‬
‫الذكورة والإنوثة على أساس جنسي»‪ ،‬لا سيما في مجال التنافس للحصول على الوظائف‪،‬‬

‫ومعاملة الحكومة التفضيلية أحيانا للمرأة في كلا القطاعين العام والخاص‪.‬‬

‫كما ويتداول العديد من الشباب الذكور في الدول العربية حوادث كثيرة وفي مواقع وأماكن‬
‫مختلفة تدل على اضطهادهم ومعاملتهم بشكل عدائي واستفزازي‪ ،‬ومن خلال ما يتيحه‬
‫القانون بالنسبة إلى تهم ممكن أن تنسب ومنها « مقاومة رجال الإمن» أو «سب الذات الإلهة‬
‫« أو «إطالة اللسان على النظام»‪ .‬وهناك اعتقاد سائد لدى فئة الشباب الذكور‪ ،‬بأن الدولة‬
‫والمجتمع تمارس عليهم التمييز‪ ،‬ومن خلال تفضيل الإناث على الشباب الذكور في الكثير‬
‫من الوظائف‪ ،‬وتخصيص أماكن في بعض المقاهي والإماكن العامة للفتيات والعائلات‪،‬‬
‫وعدم السماح للشباب الذكور بدخولها‪ ،‬إضافة إلى التمييز الذي يلاحظه الشباب الذكور في‬

‫التعاملات اليومية‪ ،‬وفي الإدارات‪ ،‬وعلى مقاعد الدراسة في المعاهد والجامعات‪.‬‬
‫يضاف إلى ذلك عدم وجود منابر كافية تشجع الإبداع وتدعمه‪ ،‬ومما يؤدي بالشباب العرب‬
‫الذكور للبحث عن وسيلة للهجرة إلى الدول الغربية بحثاً عن المزيد من المساواة والإنصاف‬
‫والحياة الكريمة‪ .‬لذا‪ ،‬فإن الكتابات التي تنشر وحتى تلك المحايدة التي تصدرها منظمات‬
‫دولية‪ُ ،‬تغفل في غالب الإحيان مسألة إنصاف الجنسين‪ ،‬وتركز على الصعوبات التي تعيشها‬
‫الإناث‪ ،‬متناسية أن فئة الشباب الذكور هي التي خرجت إلى الساحات والشوارع والميادين‬
‫في أرجاء العالم العربي تطالب بالإنصاف ورفع الظلم‪ ،‬وهي التي أصبحت رأس حربة للحروب‬
‫الدائرة في عدد من الدول العربية‪ ،‬بل وضحية للإرهاب والتطرف بشكل سواء‪ ،‬ومما يتطلب‬
‫من مراصد البحث إيجاد حواضن إجتماعية وإقتصادية تساوي الذكور وتنصفهم وتقدم‬

‫لص ّناع القرار إطار ومرجعيات صحيحة لمشكلاتهم وسبل حلها‪.‬‬

‫ونرى ان الحكومات العربية بالمجمل لم تو ِل الإهتمام الكافي بفئة الشباب لقناعتها بأن‬
‫الكبار في السن هم الأجدر لقيادة المجتمع‪ ،‬وبإعتمادهم على النظرية الأبوية في الإدارة‪ ،‬وما‬
‫يسمى بالثقافة التقليدية‪ ،‬والتي ُتجل الكبار مهما كان مستوى تعليمهم أو تفكيرهم أو‬
‫خبراتهم‪ ،‬وهو الأمر الذي يتوافق مع العادات والتقاليد والمنهج القبلي العشائري‪ ،‬فالكهول‬
‫هم القادريين على إدارة دفة البلاد‪ .‬كل ذلك خلق صراع أجيال لا يستهان به وحالة من‬

‫الشعور بالضيم والظلم عند الشباب‪ ،‬وخاصة الذكور منهم‪.‬‬

‫هذه المعضلات المرتبطة بأهمية إدماج النوع الإجتماعي في الحياة العامة أي الرجل والمرأة‪،‬‬
‫تدخل في إطار مسائل العدل والإنصاف وتحتاج إلى أبحاث ودراسات معمقة من كافة الجهات‬

‫‪ 103‬لميس كنجي‪ « ،‬التنميط الجنسي في المجتمع وفي أدب الإطفال ‪ -‬الإنحياز ضد المرأة تاريخي‪ ...‬والجنسانية والعنصرية توأمان بين‬
‫التنميط الظاهر والتنميط المستتر»‪ ،‬مقال صادر في صحيفة الطليعة‪ ،‬الكويت‪ ،‬يناير ‪ ،2000‬وملخص لكتاب « ‪Down with Stereotypes‬‬
‫‪ »”Sexism from Children,s literuture eliminating‬للكاتب‪ ، )Andree Michel (Author‬والذي يشير بأن مفهوم الجنسوية أو التنميط‬
‫الجنسي يعني «التمييز بين الذكورة والإنوثة على أساس جنسي»‪ ،‬وبمعنى أشد وضوحا تدل الجنسوية على زمرة من الإفعال المميزة‬
‫لجنس على حساب جنس آخر‪ ،‬والمثال التقليدي السائد هو أن التنميط يفضل جنس الرجال على جنس النساء‪ ،‬كما ان التنميط يستند الى‬
‫البنية البيولوجية للرجال أو النساء‪ ،‬وتبعا لهذه البنى تنسب إليهم القدرات العقلية أو العاطفية‪ ،‬وما يتقبله المجتمع من طروحات تفرضها‬
‫الفئات المختلفة من الناس‪ ،‬وان هناك تنميط ظاهر وآخر مستتر تبعاً للمجتمعات وإختلافها ويظهر في المواقف الإجتماعية والسلوكيات‬

‫التي تختلف استنادا الى موقف الفرد الشخصي من نوع الجنس ذكرا كان أو أنثى‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪46‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫لبناء جسر متين ومترابط بين كافة الأجيال يحكمه العلم والمعرفة وطرفي الحوكمة الرشيدة‪،‬‬
‫‪-‬الدولة والمجتمع‪ ،-‬بما فيها أهمية حسن الإستجابة لمطالب المجتمع كعنصر رئيسي في‬

‫الحوكمة الجيدة‪ ،‬مدار بحث الفقرة التالية‪.‬‬
‫ ‪ -2‬الإستجـابـة (‪:)Responsiveness‬‬

‫الإستجابة كمصطلح لها مدلولاتها‪ ،‬فهي السلوك الذي يأتيه الإنسان كرد فعل لمثير ما‪،‬‬
‫وهي صفة من صفات الإنسان فإذا سألت إنسانا يجيبك وإن سألته حاجة يعطيك‪ .‬كما‬
‫وتشكل الإستجابة أحد العناصر النوعية الهامة للحوكمة الرشيدة‪ ،‬وسرعة الإستجابه بأن‬

‫تكون العمليات والمؤسسات مواتية لكل الفاعلين[‪.[[10‬‬
‫وقد أصبحت استجابة الحكومات العربية ُملّحة أ كثر من أي وقت مضى‪ ،‬لا سيما جراء‬
‫طوفان الإحتجاجات والحروب والنزاعات التي تجتاح المنطقة العربية‪ ،‬والذي سقط خلال بدء‬
‫جريانه أنظمة للحكم في تونس ومصر وليبيا واليمن‪ ،‬وأدى الى نتائج غير متوقعة بإستمرار‬
‫حروب أهلية ودول أصبحت ساحات لصراعات إقليمية ودولية وتحديداً في سوريا واليمن‬
‫وليبيا‪ ،‬وإستمرار لحالة لا إستقرار وقلاقل في مصر وتونس‪ ،‬فضلا ً عن صراع تاريخي مفتوح‬
‫بين الفلسطينين والإسرائيلين‪ ،‬ولا مؤشرات لحلول قريبة لهذه الأزمات التي أصبحت مزمنة‬

‫ولا يمكن التنبؤ بمستقبلها‪.‬‬
‫وما يجعل إستجابة الدول العربية لأزماتها تتصف بالإضطراب والتخبط وحتى حالة من‬
‫الإنفصام (الشيزوفرينيا) السياسي بين مطرقة الشعب وسندان الحكم‪ ،‬ولا تعرف كيف ‪ ..‬أو‬
‫متى ‪ ..‬أو في أي موقع ومساحة تستجيب ‪ ..‬وأين ‪ ..‬ومتى؟ وكيف تستجيب لمطالب الشعب‬
‫على حساب إستجاباتها لضغوط مصالح الحكم والإشخاص والعائلات والجماعات المرتبطة‬

‫بها ؟‪.‬‬
‫ولا ننكر هنا بأن لكل إستجابة أو حوارٍ ثقافته‪ ،‬حيث لا يوجد حوار واحد لكل المتطلبات‪،‬‬
‫لكن يوجد خصائص لعملية الحوار مرتبطة أولا ً بالإندماج لكل الفئات المعنية‪ ،‬وثم التركيز‬
‫في الحوار على الإكتشاف والتحقيق والإبتكار لا على الإملاء والجدل والرغبة بالإقناع‪ ،‬وأيضاً‬
‫محاولة خلق إجابات جديدة وبناء علاقات ايجابية بدلا ً من الإفكار والأحكام المعدة سلفاً‪،‬‬
‫وكذلك فهم المشاركون المعنى من الحوار وأي حوارٍ يحتاجون لتحقيق أهدافهم والمساهمة‬

‫في التغيير[‪.[[10‬‬
‫ولكن يتضح للعديد من المراقبين لأزمات المنطقة العربية بأن الحكومات العربية تقوم‬
‫بالإلتفاف على المطالب من خلال الدعوة إلى الحوار بهدف إشغال الناس بقضايا جانبية‬
‫بدلا ً من الإستجابه الإستباقية (‪ ،)proactive responses‬وهي المرتبطة بالتفكير الإيجابي‬
‫السليم الذي يكون عاد ًة استباقي وجاهز[‪ ،[[10‬وتحقيق العناصر الحقيقية للحوار الفعال‬

‫‪ 104‬طارق نوير‪ « ،‬تعزيز القدرات الإحصائية والحوكمة الرشيدة ‪ ،‬حالة مصر»‪ ،‬المؤتمر الإحصائي العربي الإول‪ ،‬ع ّمان‪ ،2007( ،‬ص ‪)5‬‬
‫‪ Bettye Pruitt and Philip Thomas, “Democratic Dialogue- a Handbook for practitioners”P 19 , 107‬مرجع سابق‬

‫‪ 106‬شفيق الدويك‪ ،‬مقال بعنوان «عليكم بالإستباقية ( ‪ )Proactivity‬يا أصحاب المعالي الوزراء»‪ ،‬وكالة سرايا للأنباء‪ ،‬تاريخ ‪2/8/2010‬‬

‫‪47‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫المرتبط بإدماج كل الفئات والهيئات المتأثرة به‪ ،‬وضمن عملية منظمة ومستمرة‪ .‬كما‬
‫وتقوم الحكومات العربية بتفصيل مقاس استجابي حسب مصالحها‪ ،‬واستجابة للضغوطات‬
‫والقضايا والمعضلات المطروحة على الساحة لا سيما بالنسبة لمعضلتي الإصلاح والتنمية‬
‫وقضايا الفساد الشائكة‪ .‬إذاً‪ ،‬يبدو أن هناك حالة من اليقظة والديناميكية الرسمية لإخراج‬
‫أفضل السيناريوهات التي تناسب الحكومات العربية بالموازاة مع امتصاص أو محاولة‬

‫تسويف وإخماد للمطالب التي لا تستطيع أو ترغب بتلبيتها أ ٍي كانت الإسباب‪.‬‬
‫ما سبق ربما يترافق مع اعتقاد الإدارات العربية بأن الإمور لن تسوء‪ ،‬وهو ما يثبته حالة من‬
‫بطء واسترخاء حكومي غير مبرر في قيادة مسيرة الحوكمة بما فيها هذا المجال المتعلق‬
‫بالإستجابه‪ .‬وهذا العنصر متصل مباشرة بالإحتياجات الإعتيادية‪ ،‬ويدور في فلك خصوصيات‬
‫العائلة الحوكمية التي هي مدار البحث وقلبه النابض‪ ،‬ومن هنا يخرج علينا مصطلح‬
‫الإستجابة الحوكمي ليفرض نفسه بأكثر من أي وقت مضى‪ ،‬وبنفس القدر كمصطلح جذاب‬
‫ُيح ّفزنا لسبر أغواره والخوض في مكنوناته‪ ،‬وهو المرتبط بالحوار الديمقراطي وثقافة الحوار‬
‫التي تتطلب حل النزاعات بالوسائل السلمية‪ ،‬والقدرة على خلق أجندة اندماجية للعمل‪،‬‬
‫وإشرا ٍك للمواطنين‪ ،‬وعمل حقيقي وهادف‪ ،‬وتعلّم مستمر من الحوار‪ ،‬وبعد انسانـي‪ ،‬ونظرة‬
‫مستقبلية طويلة‪ ،‬وبالمجموع من أجل جعل الديمقراطية الحكومية مستدامة وممكنة[‪.[[10‬‬

‫ ‪-‬الإستجابة المجتمعية كطرف مقابل لمكونات الحوكمة‪:‬‬

‫الإستجابة سواء كانت سلبية أو ايجابية أو ضمن استراتيجيات تنتهجها الإدارة بالإحتواء أو‬
‫بالإهمال أو بالعنف واستخدام القوة‪ ،‬كل ذلك هي استجابات تستخدمها كافة الدول‪ ،‬وخاصة‬
‫النامية منها لمعالجة قضاياها والتي لا تكون بالضرورة تخدم عناصر الحوكمة الرشيدة‬

‫والجيدة بقدر ما تخدم مصالح الفئة الحاكمة وبطانتها‪.‬‬

‫فأنه ليس من السهل بمكان لأي باحث في مجالإت العلوم الإنسانية إنكار أو إغفال أفعال‬
‫الإستجابة السلبية التي تنتهجها الدول‪ ،‬وخاصة تلك التي تخطط لها أجهزة المخابرات‬

‫والإستخبارات‪ ،‬والتي هي أجهزة رسمية وتنشط بدرجة أ كبر في الدول النامية‪.‬‬

‫وفي الكثير من المناسبات‪ُ ،‬يع ّبر المجتمع العربي‪ ،‬وخاصة فئة الشباب عن امتعاضهم من‬
‫التدخل الواسع لأجهزة الإمن والمخابرات في الشأن العام والحياة اليومية‪ ،‬وفي المقابل ترى‬
‫السلطة الرسمية أن لذلك ما يبرره نظراً للتركيبة السياسية والظروف الإقتصادية وديناميكية‬
‫التغير الإجتماعي في البلاد‪ ،‬علاوة على مؤثرات وضغوطات المحيط الإقليمي والعالمي‪ ،‬أي‬
‫أن هناك استجابات سلبية يحتاجها المجتمع حتى لو َجهلها وأنكرها‪ ،‬كونها تخدم في النتيجة‬
‫مصلحة المجتمع‪ ،‬وتتماشى مع الظروف الداخلية‪ ،‬وظروف المنطقة العربية المتشابكة والمعقدة‪.‬‬

‫كما وأن الإستجابة السلبية َلهي مسائل تتبعها كافة الدول‪ ،‬وتط ّرقت لها ما يسمى المدرسة‬

‫‪ ,13-10.Bettye Pruitt and Philip Thomas, “Democratic Dialogue- a Handbook for practitioners, P 107‬مرجع سابق‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪48‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫النفعية ومبادئ الواقعية السياسية ورائدها السياسي الإيطالي نيكولو مكيافي ّلي[‪ ،[[10‬وكتابه‬
‫الإمير والذي َه َد َف منه تقديم تعليمات للحكام‪ ،‬وأيد فيه فكرة أن ما هو مفيد فهو ضروري‪،‬‬
‫وبأن الغاية تبرر الوسيلة‪ ،‬فهو يرى بأن الهدف النبيل السامي يضفي صفة المشروعية‬
‫لجميع السبل والوسائل التي تؤهل الوصول لهذا الهدف مهما كانت قاسية أو ظالمة‪ ،‬ودون‬
‫النظر لمدى أخلاقية الوسيلة المتبعة لتحقيق الهدف‪ ،‬وإنما إلى مدى ملائمة هذه الوسيلة‬

‫لتحقيق هذا الهدف‪.‬‬

‫ومع ذلك فإن العديد من المفكرين تحدثوا بأسلوب مغاير للفكر النفعي‪ ،‬وأ كدوا على‬
‫المدرسة الإخلاقية والقيمية في العمل السياسي وأهمهم «المواردي» في كتابه «الإحكام‬
‫السلطانية»[‪ ،[[10‬وكذلك بالنسبة للفكر التنويري في أوروبا الذي لم ُي َّسلم للفكر ال َنفعي‪،‬‬
‫حميواثكبأاًَخل َذلثوترتاليمنعارلفمةعترتفيعةم وقالفعيل امليقة‪،‬رنو اعللثاىم مندعىشارلقلرينينس‬ ‫فشيئاً‬ ‫واستمر بالتحرك شيئاً‬
‫عشر‪،‬‬ ‫السادس عشر والسابع‬
‫كنظرية معرفة حسب‪ ،‬بل كنظرية للإنسان والمجتمع[‪.[[11‬‬

‫وبدورها‪ ،‬فقد بدأت شعوب العالم العربي والإسلامي بالإستجابة والإرتقاء بدورها كطرف‬
‫حوكمي مقابل للحكومات‪ ،‬ومن خلال عملية الإصرار على التغيير في كل المجالإت‪ ،‬حيث‬
‫شهدت المنطقة العربية ثورات بأدوات القرن الواحد والعشرين‪ ،‬صارت فيها لمواقع التواصل‬
‫الإجتماعي الدور الإبرز في كسر هيمنة السلطة على الإعلام العمومي والخاص‪ ،‬وعبرت هذه‬
‫الإحتجاجات الشعبية عن رفض السلطة المطلقة‪ ،‬وبالتالي للفكر النفعي والميكافيلي‬
‫الضيق‪ ،‬والذي ما زال يشكل في منطقتنا إستراتيجية رئيسية للاستجابة لمطالب الشعوب‪.‬‬
‫وقابل ذلك إستجابة مضادة من الإنظمة ومن ناحية أخرى إستغلال هذه الإحتجاجات من‬
‫قبل مؤسسات دينية شعبية متشددة إستطاعت أن تخطف نتائج الإحتجاجات وتجيرها‬
‫لمأربها السياسية‪ ،‬ومما أدى إلى ثورات مضادة مدعومة من الأنظمة الرسمية وأطراف‬
‫محلية وأقليمية وعالمية ذات مصالح متشابكة‪ ،‬وبالنتيجة حروب وتطرف ونشوء منظمات‬
‫وعصابات إرهابية إستقطبت المتطرفين والعاطلين عن العمل والمجرميين والقتلة لتصبح‬
‫الإستجابات السلبية من الدول ومجتمعاتها كمصفوفة رياضية متوالية يصعب فهمها‪،‬‬

‫وككرة ثلجية متدحرجة تستحوذ على كل ما تلقاه أمامها‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فنرى أن الإستجابة السلبية والعنيفة ليس لها ما يبررها الأن‪ ،‬وهي التي استبدلتها‬

‫‪ 108‬نيكولو دي برناردو دي مكيافي ّلي‪ ،‬ولد في فلورنسا ‪ ،1469‬وتوفي فيها ‪ ،1527‬كان مفكرا وفيلسوفا سياسيا إيطاليا إبان عصر النهضة‪،‬‬
‫وأصبح مكيافيلي الشخصية الرئيسية والمؤسس للنفعية وللتنظير السياسي الواقعي‪ ،‬والذي أصبحت فيما بعد عصب دراسات العلم‬
‫السياسي‪ ،‬وأشهر كتبه على الإطلاق‪ ،‬كتاب الإمير‪ ،‬والذي كان عملا ً هدف مكيافيلي منه أن كتيب تعليمات للحكام‪ ،‬نُش َر الكتاب بعد‬
‫موته‪ .‬وفيما بعد أصبحت مقولة شائعة أنت إنسـان ميكافيلي‪ ،‬أو صاحب قرارات ميكافيلية‪ ،‬ويطلق هذا اللقب على كل من اتبع مبادئ‬
‫ميكافيللي النفعية‪ .‬أ ّما نقيض ميكلفيللي فهو الماوردي وما تضمنه كتابه الإحكام السلطانية حيث أسس لنظرية «الإخلاقية» السياسية»‪.‬‬
‫‪ 109‬الماوردي‪ ،‬أبو الحسن الماوردي (‪ 1058‬ميلادية)‪ ،‬يعتبر من أ كبر قضاة آخر الدولة العباسية‪ ،‬وكان ذا علاقات مع رجال الدولة العباسية‪،‬‬
‫ولديه كتابات كثيرة في الفقه والدين والفقه السياسي‪ ،‬وأهمها في هذا المجال‪ ،‬أدب الدنيا والدين‪ ،‬الإحكام السلطانية‪ ،‬قانون الوزارة‪ .‬وما‬
‫تضمنه كتابه الإحكام السلطانية حيث أسس لنظرية «الإخلاقية» السياسية»‪ ،‬في حين أسس ميكافيللي لنظرية «الواقعية» اللا أخلاقية في‬
‫السياسة‪ ،‬كما والتزم المواردي بالمرجعية الدينية والمنظومة القيمية للمجتمع الذي هو منه‪ ،‬و ميكافيللي كان برجماتيا متحررا من مبدأ‬

‫القيمة في السياسة‪.‬‬
‫‪ 110‬احمد ابراهيم العتوم‪ ،‬فلاسفة النهضة والتنوير الإوروبي‪ ..‬لماذا تقدم الغرب؟‬

‫‪49‬‬ ‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬

‫الإنظمة السياسية الغربية الحديثة بثقافة الحوار الديمقراطي والعدالة الإنتقالية من أجل‬
‫تحقيق استجابة مستدامة ومن خلال مواجهة التحديات المتصلة بالقدرة على التعاطي مع‬
‫التعقيدات المرتبطة بالحوار‪ ،‬وإيجاد وسائل لها ذات معنى‪ ،‬والتي لا تتحقق إلا َّ بإدماج كافة‬
‫الفئات والجماعات من مختلف التجارب والمصالح والثقافات والنظرة إلى العالم والجماعات‬
‫المتنازعة‪ ،‬وقدرة الحوار كذلك على انتاج للإبتكار‪ ،‬وإيجاد مساحة ملائمة وممكنة لمداولة‬

‫الإفكار‪ ،‬وبالنتيجة لإنتاج مخرجات مستدامة[‪.[[11‬‬

‫وينتقل البحث ضمن مبرراته التسلسلية السابقة‪ ،‬ومن خلال ما تمكّن من رصده من أفكار‬
‫ومن تحليل‪ ،‬إلى أخر فصل في البحث المتعلق بتمكين عناصر القانون والمساءلة والشفافية‬

‫وعناصر التوافق والكفاءة والفعالية‪.‬‬
‫ ‪ - 2‬عنصر القانون ‪:‬‬

‫تكمن المعضلة الإساسية التي يتصدى لها البحث في كيفية الوصول إلى حوكمة جيدة وحوار‬
‫ديمقراطي وتنفيذ عناصر الحوكمة الفعالة‪ ،‬كما وتَب َّين بأن هذه المعضلة تحتاج إلى أدوات‬
‫ووسائل ُتستمد من بحور العلوم الإجتماعية والإنسانية دون استثناء‪ ،‬ومن خلال إرادة وإدارة‬
‫حكومية متفاعلة مع مكونات مجتمعها‪ ،‬إلا َّ أن واقع العالم الثالث تتعارض مصالح أنظمته‬
‫السياسية في الغالب مع هذا التفاعل‪ ،‬لِت ُخو ِفها من أن يفقدها ذلك مركزيتها حول ذاتها‪،‬‬
‫وبالتالي فقدانها لسطوتها ومصالحها الحيوية والإقتصادية ومعها بطانتها التي تدور في فلكها‪.‬‬
‫وينتقل البحث في مبحثه الإخير إلى عناصر حوكمية نرى أنها غاية في الحيوية والصعوبة‪،‬‬
‫وتتربع على هرم المطالب الشعبية هذه الإيام‪ ،‬وهي تلك المتعلقة بمسألة تمكين القانون‪،‬‬
‫والقدرة على المساءلة‪ ،‬وتحقيق الشفافية وحرية تبادل المعلومات‪ ،‬وآخر العناصر ما يشكل‬
‫نتيجة امتحان نجاح كل هذه العناصر وما سبقها مجتمعة من خلال دراسة مدى كفاءة‬

‫وفعالية عمل منظومة الإدارة مع المجتمع وبِكلا الإتجاهين‪.‬‬
‫ومع أن هذه العناصر لها نكهتها الخاصة‪ ،‬وتدعم عنصر التشويق في البحث‪ ،‬الإ أنها تفاقم من‬
‫المسؤولية الملقاة على كاهل البحث بِر َم ُته‪ ،‬حيث يدرك المتابع للشأن العربي مدى حساسية‬
‫وصعوبة رصد كيفية تناول الإدارات العربية وأجهزتها الرسمية لهذه العناصر والخصوصيات‪،‬‬

‫وخاصة في هذه المرحلة من الصراع والأزمات المتلاحقة والحروب التي لا تنتهي‪.‬‬
‫فلا يختلف اثنان في منطقتنا العربية على أن سيادة القانون تشكل معضلة دستورية‬

‫وحكومية واقتصادية وشعبية ومجتمعية‪.‬‬

‫‪ Bettye Pruitt and Philip Thomas, “Democratic Dialogue- a Handbook for practitioners”, P. 18-.4, 111‬مرجع سابق‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪50‬‬
‫بنظـرة العربيـة ‪2017‬‬


Click to View FlipBook Version