مقدمة
إن حاجة الإنسان للتعامل مع محيطه كان أمراً حيوياً منذ وجود البشرية ،كما أن العبور إلى
القرن الواحد والعشرين لم يكن مجرد عبور من ألفية إلى أخرى إنما أيضاً عبوراً إلى عصر
جديد بكل ما يحمله من تقدم مهول في كافة المجالات وانعكاسات ذلك على الإنسان وبيئته.
ومع تع ّقد ظروف الحياة البشرية وتشابك المصالح سواءٌ على مستوى المجتمع أو ما
يحيطه من دول ومجتمعات فقد بات لزاماً على البشر التفكير والتخطيط ،ووضع التصورات
والبرامج والحلول لتلبية ما يحتاجونه لمواجهة مصاعب الحياة ،وتحقيق مزيداً من الرفاه
والسعادة .وهذا الأمر نشأ قبل ظهور الدولة القومية ،الإ أن نشوء الدولة بمفهومها الحديث
تطلب منها وضع السياسات العامة والتي تمثل أحد أهم مظاهر نجاحها أو فشلها وفي تبرير
وجودها كدولة رعاية.
ومما لا شك فيه « ،فإن المتغيرات التي طرأت في العقود الثلاثة الإخيرة قد ق َلبت عدد من
الموازين والمعتقدات وفي كافة الإتجاهات ،فمع انهيار الكتلة الشرقية ومعتقداتها وأساليب
عملها وفي موازاة ذلك هيمنة النظام الرأسمالي ومفاهيم وقضايا العولمة بمختلف مظاهرها،
فقد أخذ مفهوم تدخل الدولة وإحتكارها للسياسات العامة يتهاوى شيئاً فشيئاً بحجة
فشل الدولة في النجاح بإدارة الكثير من القطاعات الإقتصادية والتجارية وصولا ً إلى قطاعات
اجتماعية متعددة[[[.
كما أن ما أطلقة البروفسفور «كلاوس شوابس» رئيس ومؤسس المنتدى الإقتصادي
العالمي[[[ عام ،2016بأن الثورة الصناعية «الرابعة» ،هذه المرة مختلفة عن سابقاتها ،مغايرة
لأي تجربة عاشتها البشرية من قبل ،سريعة وعميقة وشديدة الإتساع ،تضرب في كل
القطاعات تقريباً ،على عكس الثورات الصناعية الماضية ،فثمة بحر رقمي عالي الإمواج،
وطباعة ثلاثية الإبعاد ،وذكاء اصطناعي ،وروبوتات ذكية ،وحرس حدود آليون ،بإستطاعتهم
1خليل حسين ،السياسات العامة في الدول النامية ،دار المنهل اللبناني ، 2007 ( ،ص 2و ) 3
2المنتدى الإقتصادي العالمي )World Economic Forum( :،هي منظمة دولية غير ربحية مستقلة منوطة بتطوير العالم عن طريق
تشجيع الأعمال والسياسات والنواحى العلمية وكل القادة المجتمعيين من اجل تشكيل العالمية ،وايضا الإجندات الإقليمية والصناعية.
تأسست على يد أستاذ الأعمال كلاوس شوابس عام 1971في كولوجنيا التابعة لجنيف في سويسرا كما افتتحت في عام 2006مكاتب
إقليمية في العاصمة الصينية بكين ونيويورك في الولايات المتحدة .
مقدمـة إلى الحوكمـة 4
بنظـرة العربيـة 2017
قنص من يحاول
تجاوز التخوم ،وسيارات ذاتية القيادة ،وكمبيوترات شديدة البراعة ،باستطاعتها أن تكتب
القصص وتنافس خيال رواد الروايات .وهذه الثورة الصناعية المتصلة بالتطور الصناعي
المضطرد ،أو «الأسي» ،أي المتصاعد شكلت تحدي على كافة العلوم لتطوير مفاهيمها
وموا كبة متطلبات وتحديات وفرص هذا الإنفجار الصناعي المتصاعد والغير قابل للتنبؤ بما
تعرضه التكنولوجيا في كل ساعة وكل يوم.
وهنا يهدف هذا العمل إلى التعرف على مفهوم الحوكمة وعناصرها ونماذجها ومنظومتها
والقضايا والتطبيقات الهامة فيها ،وعلى أهم المعطيات السياسية ،والإقتصادية ،والإدارية،
والإجتماعية التي تخدم العمل وأغراضه ،والتعرف على المعوقات والصعوبات الإدارية
والقانونية والسياسية والإقتصادية التي تحد من حراك فكر «الحوكمة الرشيدة» في الدول
كانت متقدمة أو نامية ،وعلى كافة مستوياتها من دولة ومؤسسات المجتمع المدني ،ومع
محيطها الإقليمي والدولي.
مقدمـة إلى الحوكمـة 5
بنظـرة العربيـة 2017
الجزء الأول
تطور مفهوم الحوكمة وإشكاليه وعلاقته
مع العلوم الإجتماعية
جراء التغيرات الهائلة التي أحاطت بالدول ومجتمعاتها ،فقد ظهرت الحاجة لنشوء
مصطلحات جديدة تكاد تكون مرادفة لطبيعة ومهام السياسات العامة لأي نظام سياسي،
ومن هذه المصطلحات ما يسمى «بالحوكمة» أو «الحاكمية» ويقابلها باللغة الإنجليزية
« »Governanceوبالفرنسية ” ،”Gouvernanceمع الإخذ بعين الإعتبار عدم إمكانية حسم
الجدل حول مفهوم الحوكمة ع ّما إذا كان هذا المصطلح قادراً على اخذ مكان السياسيات
العامة بمفهومها التقليدي أم لا.
وقد شاع استخدام الحوكمة فكر ًة واصطلاحا بشكل واسع مع بداية عقد التسعينات،
وكانت أول بوادر ظهور للمصطلح في منشورات وتقارير البنك الدولي عن كيفية تحقيق
التنمية الإقتصادية ،ومحاربة الفساد ،وتحسين مستوى الحياة في الدول الإفريقية جنوب
الصحراء ، ”Sub-Saharan Africa“،حيث تم الربط بين الكفاءة الإدارية الحكومية والنمو
الإقتصادي ،وبحيث تكفل السياسات العامة العدالة والمساواة [[[.
ولقد نما المفهوم ليعكس قدرة الدولة على قيادة المجتمع في إطار سيادة القانون ،وفي بداية
التسعينات أصبح التركيز على الإبعاد الديمقراطية للمفهوم من حيث تدعيم المشاركة،
وتفعيل المجتمع المدني [[[ ،وكل ما يجعل الدولة ممثلًا شرعياً لمواطنيها.
إن مفهوم الحوكمة يبشر بنظام حكم وأسلوب لصنع السياسة يتميز ،بعدة أمور أساسية،
أهمها درجة كبيرة من احترام سيادة القانون ،والشفافية في صنع القرار ،وتشجيع المشاركة
في الحياة العامة ،ويمكن القول أن هذا المفهوم أخذ بعدين متوازيين :أولهما فكر البنك
الدولي الذي يتبنى الجوانب الإدارية والإقتصادية للمفهوم ،أما البعد الثاني فيؤكد على الجانب
السياسي للمفهوم ،حيث يشمل –بجانب الإهتمام بالإصلاح والكفاءة الإدارية– التركيز
على منظومة القيم الديمقراطية بما تشتمل عليه من مفاهيم الشفافية ،وحقوق الإنسان،
والمجتمع المدني[[[.
وهناك مدرستان لمفهوم الحوكمة ،الأولى ترى أنه يعبر عن شكل سياسي لنظام الحكم
1خليل حسين ،مرجع سابق ،ص 14
2المجتمع المدني ( ،)Civil Societyيشير إلى الساحة الجماعية الإختيارية لمجموعة تربطها اهتمامات وقيم وأهداف مشتركة ،وضمن
صيغ مؤسسية مختلفة عن تلك الرسمية والحكومية أو الإقتصادية أو العائلية ،ومن أشهر التنظيمات المدنية هي :المؤسسات الخيرية،
التجمعات التطوعية ،المنظمات النسائية ،المنظمات الدينية ،النقابات المهنية ،اتحادات العمال ،الحركات الإجتماعية والتطوعية ،اتحادات
الأعمال والتجارة ،جماعات الضغط ،المصدر:
Governance for the future-Democracy and Development in the least De� »,)Gita Welch and Zahra Nura (Lead Editorss
United Nations Development Programme (UNDP) & UN Representative for the least Developed , »veloped Countries
.)175 .p ,2006( ,Countries & the Small Island Developing State
3سلوى شعراوي جمعة« ،مفهوم إدارة شؤون الدولة والمجتمع :إشكاليات نظرية» ،القاهرة ،مركز دراسات واستشارات الإدارة العامة،
( ،2001ص )3
مقدمـة إلى الحوكمـة 8
بنظـرة العربيـة 2017
وأسلوب صنع السياسة بما ينصرف إلى القواعد المألوفة للديمقراطية ،مثل سيادة القانون،
والتعددية السياسية والإجتماعية والتسامح والتعبير الحر ،والحريات وحقوق المواطنة،
وبالتالي فهو الأقرب إلى الصياغة الحديثة لمبادئ مستقرة.
أما الثانية فتعتبر المفهوم عنواناً لمنظومة أساليب وخطوات الإصلاح السياسي والإجتماعي
ككل ،مثل اعتماد آليات المحاسبة في مواجهة السلطات العامة ،والمطالبة بتوفير مظاهر
الشفافية في مؤسسات صنع القرار ،وتقديم نوعية الحكم من زاوية الإلتزام بسيادة القانون،
وقدرته على تعزيز فرص المشاركة ،واحترام حقوق الإنسان ومكافحة الفساد ،فهذه المدرسة
ترى مفهوم الحوكمة بشيراً ومؤشراً للإنتقال من التعامل النظري إلى التفكير العملي
الذرائعي ،وتحديد مؤشرات قابلة للقياس لتقويم حالة الحكم وصنع السياسة ،لا سيما في
الدول التي تشهد عمليات إصلاح اقتصادي وسياسي[[[.
وعلى الرغم من أن مفهوم الحوكمة يعكس تحولات واقعية ونظرية ،الا ّأنه ينطوي على العديد
من الإشكاليات ،بدءاً بمعضلة اختلاف تعريفات مفاهيم العلوم الإجتماعية للمفهوم بشكل
عام ومروراً بمشكلة الترجمة ،والى التعقيد والإبهام الذي يكتنف هذا المفهوم ،وشمولية
المفهوم وإمكانية تناوله لكافة جوانب الحياة ،فضلا ً على أنه يشكل حالة من «الإتوبيا»،
وأصبح شكلا ً من أشكال الموضة الإصطلاحية أو حتى ضرب من السياحة الفكرية عند
الحديث عن الحوكمة الرشيدة ودورها في التنمية [[[.
كما ويرى بيار كلام[[[ بأن الديمقراطية التمثيلية كنموذج مهيمن لم يعد يكفي في ظل
إنكفاء المواطنين عن الرغبة بالتصويت ،وبالتالي في عدم تمكن الدولة وممثليها المنتخبين
في المجالس المتعددة من تمثيل مصالح الجميع ،فضلا ً عن الشكوك التي ُتغلِّف الدولة
الحديثة على الرغم بكل ما تزينت به من فضائل الإ أنها أصبحت متهمة بكل ضروب الشرور،
وبأن هذا كله شكل تربة خصبة لنمو ما يسمى «الثورة النيو -ليبرالية» وتقويض الدولة
لصالح هيئات اصغر حجماً – حركة اللامركزية -أو هيئات ا كبر تماشياً مع المعاهدات
الدولية وسيطرة ظاهرة العولمة.
ويضيف «بيار كلام» بان هذه الثورة تتضمن مرحلتين متتاليتين الإولى :بالإنتقال من فكرة
«الإدارة العامة» أو الدولة إلى فكرة الحوكمة ،والثانية :تنطلق من واقع أن الحوكمة حالياً لا
4علي الصاوي« ،الصياغة التشريعية للحكم الجيد» ،ورقة خلفية ضمن برنامج إدارة الحكم في الدول العربية (�Program on Gover
، 2003( ،)nance in the Arab Region-POGARص .)3
)5.P ,2003( ,Philippe Moreau Defarages, « Que sais-je? La Gouvernance », Université de France 7
6بيار كلام « ،تف ّتت الديمقراطية من أجل ثورة في الحاكمية» ،ترجمة :شوقي الدويهي ،دار الفارابي ،2003( ،ص PIERRE.) ،)10-12-14
( 2003 ,CALAME, La Démocratie En Miettes – pour une révolution de la gouvernance
مقدمـة إلى الحوكمـة 9
بنظـرة العربيـة 2017
تتوافق مع حاجات المجتمع الراهنة.
كما ويذكر بأن الحوكمة كمصطلح تواجه إشكالية في الترجمة إلى اللغة العربية ،وهي نابعة
من اختلاف فقهاء اللغة حول كلمة واحدة مرادفة للمصطلح سواء المترجم من الإنجليزية
“ ”Governanceأو من الفرنسية إلى العربية “ .”Gouvernanceفقد وقع ،على سبيل المثال،
َم ْج َمع اللغة العربية في مصر اختياره على كلمة «حوكمة» ،فيما وقع اختيار مجمع اللغة
العربية في الإردن على كلمة «حاكمية»[[[.
كما ويشار إلى تراجم أخرى وهي :الحكم أو أسلوب الحكم ،أو ترجمة يراها خليل حسين[[[،
بأنها الإفضل للمصطلح وهي « إدارة شؤون الدولة والمجتمع» ،والتي تبنتها عدد من المرا كز
البحثية ،لأنه يعكس في محتواه المعنى الأساسي للكلمة التي تدل على العلاقة بين طرفي
المعادلة ،وهما الدولة من جانب والمجتمع من جانب آخر.
وبأن الحاكمية والتي تبنتها الأمم المتحدة في ترجمة المصطلح للعربية ،لا تتفق والمقصود
بها في اللغة العربية ،وتعطي دلالات معرفية وفلسفية لسياسة أو توجه ما ،وكذلك صبغة
دينية وتاريخية ،وما تشكله بالتالي هذه الترجمة من صعوبة فهم المقصود من المصطلح
الأصلي أمام أي شخص.
وعلى الرغم مما سبق ،فقد ارتأينا التعريف بالتراجم ،وإختيار ما نعتقد أنه الأنسب وهي
ترجمة المصطلح «بالحوكمة» ،معللين ذلك بسهولة وشيوع هذه الترجمة ،وعدم اختيارنا
لكلمة «حاكمية» والتي يلاحظ ارتباطها أ كثر بحاكمية الشركات «»Corporate Governance
وهي عملية الإشراف والمراقبة للتأكد من أن إدارة الشركة أو الهيئات التنفيذية تتصرف وفق
مصلحة المساهمين ،وإلى علاقة الشركات بمجالس إدارتها والهيئات التنفيذية والمساهمين
[[[.
هذا ،وقد ظهر مفهوم الحوكمة نهاية الثمانينات وبداية التسعينات وبشكل أساس لدى
مفردات البنك الدولي « ،»World Bankوبهدف معرفة كيف تؤثر الحوكمة الجيدة على الأداء
الإقتصادي ،وقد حدد البنك الدولي المفهوم بأنه[ « : [[1الطريقة التي تمارس بها السلطة في
إدارة الموارد الإقتصادية والمجتمعية لبلد ما من أجل تنميته ،ورسم الإبعاد الرئيسة للحوكمة
وهي :إدارة القطاع الحكومي ،المساءلة ،الإطار القانوني للتنمية ،الشفافية ،وحرية الوصول
7منتدى حاكميه الشركات في الإردن ،دار سندباد للنشر 22 ( ،شباط ،2005ص .)140
8خليل حسين ،مرجع سابق ،ص.17
Gita Welch and Zahra Nuraـ مرجع سابق ،ص 9 175
10 World Bank, governance and development Washington DC, 1992) , p.(22
مقدمـة إلى الحوكمـة 10
بنظـرة العربيـة 2017
إلى المعلومات» [.[[1
أما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ( )UNDPفيعرف الحوكمة بأنها« :ممارسة السلطة
الإقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون الدولة على كافة المستويات .كما وتعتبر
الحوكمة الجيدة حالة تعكس تقدم الإدارة وتطويرها أيضاً من إدارة تقليدية إلى إدارة تتجاوب
مع متطلبات المواطنين وتستخدم الآليات والعمليات المناسبة لتحقيق الأهداف المرجوة
من المشاريع بشفافية ومسؤولية أمام المواطنين[.»[[1
كما وهناك إهتمامات محددة تتبناها منظمات الأمم المتحدة ،حيث ترى المفوضية العليا
لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ( )UN High Commissioner for human Rightsبأن
الإمتحان الحقيقي للحوكمة هو في مستوى قدرتها على تحقيق حاجات حقوق الإنسان
الإساسية المتعارف عليها[.[[1
أما تعريف المفوضية الإوروبية للحوكمة فهو « :الإدارة الشفافة والمع َّرضة للمساءلة حول
كافة موارد الدولة والتي تهدف إلى الوصول لإقتصاد مستدام وتنمية اجتماعية ،ومن خلال
ستة عناصر :حقوق الإنسان ،ال َدمق َرطة (التحول إلى الديمقراطية) ،سيادة القانون ،تعزيز
المجتمع المدني وإصلاحات الإدارة العامة -بما فيها اللامركزية الإدارية.[[1[ « -
وهناك تعريف من قبل صندوق النقد الدولي ([[1[ )IMFبأن « :الحوكمة تحيط بكل مظاهر
طريقة حكم الدولة ،بما في ذلك السياسات الإقتصادية والإطار التنظيمي لها».
كما ويجدر ذكر كذلك تعريف منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية (« :[[1[)OECDبأن الحوكمة
هي استخدام السلطة السياسية وممارسة الرقابة في المجتمع بالعلاقة مع إدارة الدولة
لمصادرها من أجل تحقيق التنمية الإجتماعية والإقتصادية».
11حرية المعلومات ( ،)Access to Informationتشير مراجع الأمم المتحدةـ مرجع سابق ، Gita Welch and Zahra Nura ،ص ،174
بأن المسألة مرتبطة ليس فقط بتعزيز وحماية الوصول إلى المعلومات بل أيضاً بالتساوي مع تعزيز وحماية التواصل فيها أو استخدامها
ليعبر ك ًل عن صوته ورأيه وعلى كافة المستويات (المجتمع المحلي ،المستوى الوطني ،والإقليمي ،والعالمي) .كما ويرى Munyeme
، ,Hasanفي مقال « “ ، Right to Information-a powerful Social Accountability toolبأن الحق في الوصول إلى المعلومات أصبح
من الحقوق الإساسية لحقوق الإنسان ،والتي تجعل من المواطن مشارك نشط في فلسفة وتطبيقات الحوكمة ،من خلال معرفة مصير
الضرائب التي يدفعها ،كما وتمكنه المعرفة والمعلومات من تحسس مواطن الفساد ،وحالإت اساءة استخدام السلطة ،وسوء الإدارة في
الإجهزة الرسمية.
1997 ,7 .UNDP Policy Document, Governance for Sustainable Development, Op.cit. p 12
13مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان يرمز لها اختصارا ب UNHCH:وهي وكالة دولية تابعة لمنظمة الأمم
المتحدة تهدف للترويج وحماية حقوق الإنسان بحسب ما ورد في الإتفاقيات والمواثيق الدولية التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان العام .1948
14 European Commission, Draft EC Good Governance Manual, version created2003 ); p(17:
15صندوق النقد الدولي هو أول من قدم مفهوم الحوكمة الجيدة.
16منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية ،منظمة دولية ،نشأت عام ،1948وتضم مجموعة من البلدان المتقدمة ودول غير أوروبية.
11 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
وفي سياق التعريف بالمفهوم ،فيؤكد زهير الكايد «بأن ابسط وصف لفهم الحكمانية هو
أن الإهتمام والعناية بالإمور العامة هي ليست حكراً على الحكومة ،وبأن الحكمانية فكر ًة
وإصطلاحا شاع استخدامها بشكل واسع مع بداية التسعينات من قبل المنظمات الدولية
كمنهجية لتحقيق التنمية المجتمعية في الدول النامية نتيج ًة لقصور الإدارات الحكومية عن
تحقيق ذلك بفعالية وكفاية كافيتين ،وبأن الفاعلين الرئيسين الذين تتحدث عنهم تعريفات
الحوكمة هم الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني بما يسمى بمنظومة الحوكمة»[.[[1
ومنذ ظهور تعريف البنك الدولي لم تتوقف الإدبيات والتنظيمات المختصة والمفكرين في
محاولة تحسين أو تجويد التعريف ليصبح أ كثر شمولا ً وأ كثر تحديداً .كما أن العديد من
الدول المتقدمة قدمت تعريفات للمفهوم وفي نفس المنهج والإطار العام للمفهوم ،وبهدف
تحديد علاقات برامجها الخاصة بالمساعدات ولأغراض سياسية واقتصادية متنوعة [.[[1
لذا ،فقد حظي المفهوم وتطبيقاته باهتمام كبير من قبل العلماء والباحثين والمسؤولين
والمخططين في المجتمع.
وبالمحصلة فإن الحوكمة ليست بالمفهوم الجديد بالمطلق ،وإنما بمثابة منتج قديم وضع
في قالب جديد ،وبأنها تشكل محط اهتمام الباحثين والمشاركين منذ عهد المفكر اليوناني
أرسطو[ [[1إلى يومنا هذا ،وذلك لما لهذا الموضوع من أهمية بالغة ،وتأثير واضح على كيان
المجتمع من النواحي التنموية والإجتماعية والسياسية والثقافية ،فضلا ً على أن المسائل
الكبرى للحوكمة هي مسائل أزلية ومرتبطة بتأمين العيش معاً في سلام داخلي وخارجي
ومستدام لملايين النساء والرجال الذين يتقاسمون حيزاً مكانياً واحداً ،وتأمين التوازن بين
المجتمعات الإنسانية وبيئتها ،وإدارة الموارد الطبيعية على المدى الطويل كونها موارد قليلة
وسريعة العطب ،وتأمين الإستقلالية وحرية التفكير للأشخاص ونشاطاتهم مع المحافظة
على العدالة الإجتماعية ،والتماسك ،والمصلحة المشتركة ،وتوفير أ كبر قدر من فرص
الإنطلاق لكل شخص ،ولكامل الجماعة ،والسماح لتطور العلوم والتقنيات دون الإنجرار
وراء إغراء قوتها ،وتأمين شروط الحياة اللائقة للجميع ،والإعتراف بالتنوع وغنى الثقافات
17زهير الكايد ،الحكمانية «قضايا وتطبيقات» ،عمان \ الإردن ،2003 ،ص ، 1وهو رئيس الفريق الإستشاري الذي نهض بمشروع التقييم
المؤسسي للهيئة العامة للتخطيط والتطوير العمراني وحصل على جائزة الأمم المتحدة للخدمة العامة لعام 2008لتميزه في مجال
(الحكمانية) عن الإعوام 2008 – 2005ونجاحه في الشرا كة مع القطاعات المختلفة وإسهامه في التنمية الإقتصادية والإجتماعية وفق
معايير الشفافية والمساءلة وإدارة التحول.
18ومنها أستراليا ،النمسا ،كندا ،الدنمارك ،فنلندا ،ألمانيا ،أيرلندا ،هولندا ،السويد ،سويسرا ،المملكة المتحدة ،الولايات المتحدة الإمريكية
(برنامج المساعدات .)USAID-يضاف إلى ذلك العديد من الدراسات والإطروحات ومرا كز الحوكمة المنتشرة في دول العالم.
19أرسطو أو أرسطاطاليس ( 384ق م 322 -ق م) فيلسوف إغريقي ،تلميذ أفلاطون ومعلم الإسكندر الإكبر وكتب في العديد من المواضيع
بما في ذلك علوم الفيزياء والميتافيزيقا ،الشعر ،المسرح ،الموسيقى ،والمنطق والبلاغة والسياسة والحكومة ،والإخلاق ،والبيولوجيا ،وعلم
الحيوان.
مقدمـة إلى الحوكمـة 12
بنظـرة العربيـة 2017
والتقاليد ،والتأقلم مع تطورات العالم ،والمحافظة على الهوية في نفس الوقت[.[[2
كل ما سبق يعطي مفهوم الحوكمة مدلولا ً إيجابياً ،وبأن الحوكمة إرتبطت بمفاهيم إدارة
الموارد المالية الحكومية ،ولكن دون وجود فاصل واضح بين الحوكمة والحوكمة الإفضل أو
الجيدة أو الرشيدة.
كما و ُير َّجح بأن سبب عدم التفريق بين الحوكمة والحوكمة الجيدة نابع من تشعب المفهوم،
وحتى في القصور أحياناً في التفريق بين واقع علاقة الدولة بمجتمعها وبين سبل تجويد
وتحسين هذا الواقع ليكون أ كثر رشدانية وتَ ُّميز ،وكذلك في مدى التوافق مع الحوكمة
العالمية ومتطلباتها دون المساس بالخصوصية المجتمعية.
ومن الصعب بمكان مناقشة الحوكمة الجيدة بمعزل عن فهم علاقات القوى ودور القيادات
الوطنية ،والتي لها دور حاسم في تعزيز التغيير والنمو[ .[[2ومن هنا ،فان التزام الدول النامية
بتطبيق منهجية الحكمانية الجيدة أمراً في غاية الإهمية ،لما ينطوي عليه ذلك من تكامل
الأدوار الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني ،ومن خلال المشاركة
والتشارك لإعادة رسم الأدوار لك ٍل منها ،ليتسنى تحقيق التنمية المجتمعية ذات الكفاية
والفعالية والإستجابة للمواطنين وطموحاتهم ،وفق ما ترتكز عليه الحكمانية الجيدة من
مميزات تعكس الشفافية والمساءلة والتشارك في تحمل المسؤولية ،والمشاركة في رسم
السياسات ،وتعزيز دولة القانون واللامركزية لتقريب صنع القرار من المواطنين ،ضمن
ميزات أخرى»[.[[2
وفي نفس إطار الحوكمة الرشيدة ،فتستند العديد من المؤسسات الدولية المانحة في منحها
للقروض بناءاُ على مستوى الحوكمة الرشيدة وعناصرها لتلك الدولة ،وبالتالي تسعى
الحوكمة الرشيدة إلى التأكد بأن مستوى الفساد بكافة أنواعه في حده الأدنى ،وأن أصوات
الأقليات والمهمشين مسموعة ،وبأن هناك تلبية لحاضر ومستقبل المجتمع.
كما وأعتمدت الأمم المتحدة ثمانية عناصر رئيسة للحوكمة الرشيدة وهي :المشاركة ،سيادة
القانون ،الشفافية ،الإستجابة ،التوافق والإجماع ،المساواة والإندماج ،الكفاءة والفعالية،
,Pierre Calame 20مرجع سابق 20-19 p
, , Gita Welch and Zahra Nura 21مرجع سابق.25 .p
22زهير الكايد ،الحكمانية «قضايا وتطبيقات» ،عمان \ الإردن ،2003المنظمة العربية للعلوم الإدارية ،ص ،1كما ويضيف بأن تعبير
وفكرة الحكمانية الجيدة قد تم استخدامها للتعبير عن أهمية وضرورة الإنتقال بفكرة الإدارة الحكومية والحكمانية من الحالة التقليدية
إلى الحالة الإكثر تفاعلا ً وتكاملا ً بين الإركان والعناصر الرئيسية الم َّشكلة للحكمانية والتي تتكون بشكل أساسي من :الإدارة العامة
للقطاع العام ،إدارة القطاع الخاص بفعاليته المختلفة ،إدارة مؤسسات المجتمع المدني العديدة في المجتمع.
13 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
والمساءلة[ .[[2ويجدر ذكره أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد أضاف لاحقاً صفة تاسعة [[[2
للحوكمة الجيدة وهي الرؤية الإستراتيجية“. ”Strategic Vision
كل ما سبق يدلل على أن إهتمام الحكومات وفئات المجتمع قد زاد وتعمق بالحوكمة
ودورها في التنمية على المستوى المحلي أو ما يسمى بالحوكمة المحلية .وفي موازاة ذلك،
فإن الحوكمة كمفهوم وعناصر مصاحبه له ،أفرزتها عدد من المنظمات الدولية منذ ثلاثة
عقود ،وما زالت تسعى لتطوير وملائمة هذا المفهوم مع متطلباتها ،من ناحية ،ومع حاجات
أو حتى أحياناً إعتراضات إدارات الدول النامية على متطلبات المنظمات الدولية للحوكمة
التي أصبحت شروط عليها وليست فقط كنوايا جيدة من هذه المنظمات الدولية لتطوير
إدارات الدول النامية مع مجتمعها من ناحية أخرى.
ويلاحظ من الدراسات المتعلقة بالحوكمة تنوعاً مفرطاً في التعابير المصاحبة للحوكمة،
وأهمها ما يسمى بالحوكمة الديمقراطية والتي تختلف عن الحوكمة الجيدة كما ذكر عادل
عبد اللطيف[ [[2بأن مركز و ُّجل اهتمام الحوكمة الديمقراطية هو الحرية السياسية ،وحقوق
الإنسان ،وإزالة كافة أشكال العنصرية ،والتي تؤدي بالنهاية مجتمع ًة إلى الحوكمة الرشيدة،
وفي حين يتفق مفهوم الحوكمة الرشيدة مع الحوكمة الديمقراطية بأهمية الحريات إلى أنه
يراها كأحد العناصر والوسائل ،وليس كنهاية ،للوصول إلى الحوكمة الجيدة وبالتالي للتنمية
البشرية والتنمية المجتمعية بكافة مجالإتها.
ويشار إلى أن عكس مفهوم الحوكمة الرشيدة أو الجيدة هو الحوكمة السيئة أو الناقصة
“ ”Bad Governanceلإدارة الدول ،والتي يرى العديد من المختصين وخاصة من المنظمات
الدولية بأنها تؤدي إلى اتجاهات سلبية وقد تضر بالإنسان والمجتمع ،أو تجعله ظاهرة لا
يستطيع التحكم في مصيرها ونتائجها ،ومن هنا تظهر الحاجة أيضاً إلى التخطيط الجيد لإدارة
وقيادة التغيير المنشود نحو الحوكمة الرشيدة والجيدة لأن ذلك ضرورة حتمية يفرضها
ال ّت َغ ُّير السياسي والإجتماعي والإقتصادي في أي مجتمع.
وكنتيجة ،فأن الحوكمة الرشيدة هي الثورة الجديدة التي ستطال كافة المجتمعات ،وكذلك
العلاقات الدولية ،وكأنها نظام عالمي جديد وبديل لفكر الديمقراطية كأفضل ما وصلت إليه
البشر [[[2ية .و ُهنا لا يستبعد في هذا الجدل حول الحوكمة بأن يمتد استخدامها لتشمل حياة
23الأمم المتحدة تعتمد ثمانية عناصر رئيسة للحوكمة الرشيدة ،لطفا انظر الملحق( ، )1ص 341
24تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»:الحاكمية للتنمية البشرية المستدامة» ،1997 ( ،ص )22
25ص ،٧عادل عبداللطيف ،ندوة «الحاكمية الرشيدة وعلاقتها بالديمقراطية والتنمية الإقتصادية») 2003 (،
26بيار كلام مرجع سابق ،ص 19
مقدمـة إلى الحوكمـة 14
بنظـرة العربيـة 2017
الفرد وعلاقاته مع عائلته وقبيلته ومجتمعه وكل محيطة ،وبحيث تدخل في أدبيات علوم
اجتماعية متخصصة ،مثل مباحث علم النفس ،وغيرها من العلوم الإجتماعية المختلفة .وما
يعوق ذلك الإن هو ربما لغموض المفهوم أو بما هو المقصود من الحوكمة والفرق بينها
وبين الحاكمية أو الحكم الرشيد ،ليس لقصور المتلقين له والمتأثرين به ،من ناحية ،بل
لتشعب المفهوم وكثرة تفسيراته كما تم ذكره مسبقاً.
وعلى الرغم من ذلك ،فهناك مصطلحات واجهت مصاعب في بداياتها متعلقة بالإيدولوجيا
والفهم والفكر ،بداي ًة بالديمقراطية ،وآخرى مثل «البلوريتاريا» و»الإلوجاركية»،
و»البروسترويكا» ،وغيرها مما أنتجته الحضارة الشرقية والغربية الحديثة ،الإ أنها وجدت
ضالتها ،وأصبحت أ كثر تداولا ً وشيوعاً وفهماً فيما بعد ،وبحسب قوة المفهوم ومدى القناعة
والإقتناع به ،وحاجة الدولة والمجتمع له لما فيه خيرهم وصلاحهم مجتمعين.
-2اشكالية المصطلح :
إن الحوكمة الرشيدة هي الحالة المثالية التي لم يتمكن البشر من الوصول إليها بالمطلق
رغم كل ما وصلهم من تعاليم سماوية وأفكار وضعية.
واستطاعت ،في نفس الوقت ،دول معينة أن تتقدم على دول أخرى في هذا المجال ،كما
وهناك إشكالية في كونية المبادئ والخصوصية في التطبيق ،حيث يصعب استيراد أفكار
مهما كانت جيدة وتطبيقها للإختلاف الواضح في الخصوصيات والمكونات المادية والمعنوية
للمجتمعات ،ولكن لا بد هنا من إقتناع وإصرار الدول مع شعوبها انه يمكنها بالحوكمة
الرشيدة أن تجعل من الهدف حقيقة.
ول ّما كانت الحوكمة مرتبطة بعملية اتخاذ القرارات فإن الحكومة أ ٍي كانت هي لاع ٌب أساس
ورئيسي في إعداد وتنفيذ ومراقبة القرارات ،في حين يتنوع دور اللاعبين الإخرين حسب
مستوى الحكومة وقراراها ،حيث يزداد تعقيد القرار ونوعية اللاعبين في المناطق المدنية
والعواصم عنه في المناطق الريفية والبوادي على سبيل المثال لا الحصر.
ولا تنفصل الحوكمة عن المفاهيم المرادفة والمرتبطة به ،أو أنها تنكفئ عن استخدام ما
يتاح لها من أدوات الفكر الإجتماعي والإقتصادي والإداري المتاحة ،وخاصة بالنسبة لمفاهيم
ال َت َغ ُّير الإجتماعي ،والتي ينطلق منها ضرورة البحث وإهتمامات الحوكمة بالمجمل ،فالت ّغ ُير
هو قانون الوجود ،وهو في ذاته ظاهرة طبيعية تخضع لها جميع مظاهر وشؤون الحياة،
15 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
كما ُت ًّعرِفه دلال إستيتية[ [[2بأن ال َت َغ ُّير الإجتماعي»:هو كل تحول يحدث في النظم والأنساق
والأجهزة الإجتماعية ،سواء كان ذلك في البناء أو الوظيفة وخلال فترة زمنية محددة «.
وينطلق مفهوم « الحوكمة الرشيدة « من مفهوم التنمية في كافة المجالات من أجل نقل
المجتمع من حالة راهنة وواقع معين إلى حالة أسمى وأرفع ،ومن فكر الإصلاح الذي يسعى
لتطوير المجتمع وتحديثه وملائمته مع متطلبات القبول الداخلي والخارجي ،و ُتح ِّدد فيه
مستوى العلاقات بين الحكومات والقطاع الخاص )الأسواق والشركات الصغرى والكبرى
والمتعددة الجنسيات( ،وبين الحكومات والمواطنين ،وبين الحكومات والمجتمع الدولي،
وبين الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي (الإحزاب والنقابات المهنية والمنظمات
الحقوقية والأهلية وغيرها من مكونات المجتمع الغير حكومي ،)Non-State Actor /وبين
الإشخاص المعينين والأشخاص المنتخبين ،وبين المؤسسات المحلية والمستفيدين منها
في المناطق الريفية والمدنية ،وبين المؤسسات التشريعية والتنفيذية ،وبين المؤسسات
الوطنية ونظيراتها غير الوطنية.
ونظراً للتشارك بين مسألة تحديد هذا الموضوع وعرض أهميته وأهدافه ،فأنه ينتقل إلى
التعريف بأهميته من واقع المفهوم ،ومن ناحية إهتمامنا به كحل جديد للمشاكل الناشئة
بين طرفي الحكم :الدولة والمجتمع ،ومن الجانبيين :الأهمية النظرية ،والأهمية التطبيقية.
كما ان مسألة التنمية والتطوير والإصلاح والتغيير وتفعيل المشاركة وكل عناصر الحوكمة
الرشيدة لهي جزء لا يتجزأ من الفكر العالمي الليبرالي والعصري والمقبول لحاجات
المجتمعات الواعية والطموحة ،وكذلك في مبررات وجود الدولة كمنظم لحياة البشر
وممتلكاتهم وواجباتهم وحقوقهم ،وبالعمل مع الفاعلين أو الشركاء في المجتمع.
لذا ،فإن كل ما ينبثق عن الدولة من حكومات يجب أن تهدف إلى تأمين الحد الأدنى من
العيش الكريم لأبنائها وتقديم الخدمات الضرورية لمواطنيها ،وبالتفاعل مع شركائها في
المجتمع دون إحتكار للسياسيات العامة التي يتأثر بها كافة مكونات المجتمع.
وأهمية الكشف عن مضامين الوعي التنموي والإصلاح ي بصورة متقابلة تجمع بين صانعي
القرار وبين التكوينات القائمة سواء في مستواها المجتمعي أو المؤسساتي ،وبما يساعد على
الكشف عن مدى الإلتزام بالمصلحة العامة ،وكذلك بالنسبة إلى مستويات الإغتراب التي قد
تتشكل بفعل التمحور حول المصالح الخاصة.
27دلال إستيتية ،التغير الإجتماعي والثقافي ،دار وائل للنشر ،ع ّمان ،الإردن ، 2003 (،ص) 19
مقدمـة إلى الحوكمـة 16
بنظـرة العربيـة 2017
وضمن إشكاليات المفهوم ،فهناك تخوف مستمر للدول الصغرى من المصطلحات التي
ت ُسوقها الدول الكبرى والتي ترى فيها مدخلا ً للتدخل بسياساتها ،لا سيما النامية منها،
وعلى أنها شكل من أشكال الإستعمار التنموي (( colonisation développementفي عصر
العولمة ،والعلاقات الإقتصادية الجديدة بهدف السيطرة السياسية [.[[2
كما أن الغرب نفسه يرى اختلاف جوهري بينه وبين شعوب العالم ،ونقتبس هنا للكاتب
الأمريكي صاحب نظرية «صدام الحضارات»[ ،[[2حيث يقول « :بأن شعوب العالم غير الغربية
لا يمكن أن لها أن تدخل في النسيج الحضاري للغرب ،حتى وان إستهلكت البضائع الغربية
وإهتمت بالأفلام والموسيقى الغربية ،فروح أي حضارة هي اللغة والدين والقيم والعادات
والتقاليد»[Écouter Lire phonétiquement Dictionnaire.[[3
ويرى البعض أن التدخل في الدول النامية ليس بالضرورة أن يكون ذلك بشكل مباشر ،بقدر
ما يكون من خلال البرامج الخيرة للمنظمات الدولية مثل البنك الدولي ،والأمم المتحدة
وبرامجها المتصلة بالموضوع ،وخاصة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ،وبعض مؤسسات
المجتمع المدني ذات الصلة ،والتي تحكمها وتمولها بالإساس الدول العظمى وبالتالي
تستطيع اذا رغبت توظيفها طبقاً لمصالحها ،وضمن أُطر ومصطلحات مثل مفهومنا هنا
بالحوكمة.
لذا ،فيمكن أن ينظر البعض لهذا المفهوم على أنه سياسي بإمتياز ،خلافاً للظاهر بأنه مرتبط
بمصطلحات التنمية ،و ُمو َجه لتفعيل المشاركة بين الدولة وكافة فئات المجتمع ،وذلك
من خلال إضعاف الدولة المركزية وجعل وظائفها تدور في فلك مصالح الإقتصاد الليبرالي
العالمي[.[[3
,Afrique Orient ,»Gouvernance et Sociétés Civiles- Les Mutations Urbaines au Maghreb« ,Mostafa Kharoufi 28
(.186 .P ,)2000
29ظهرت النظرية في مقال للكاتب الأمريكي صموئيل ب .هنتنغتون عام ،1992بأن المصدر الرئيسي للصراع بعد الحرب الباردة سيكون
بسبب ال ُش َعب الثقافية والدينية الهويات ،وتوسعت لاحقا لأطروحة هنتنغتون في التاريخ كتاب 1996وصدام الحضارات وإعادة صنع النظام
العالمي.
.)28.p ,1996 .Nov./Oct( ,75 .Foreign Affairs No ,»The West: Unique, Not Universal « , Samuel P. Huntington 30
31تقوم فكرة الليبرالية الإقتصادية على منع الدولة من تولي وظائف صناعية أو تجارية ،وأنها لا يحق لها التدخل في العلاقات الإقتصادية
التي تقوم بين الإفراد والطبقات أو الإمم ،ويعد الإقتصادي (آدم سميث) ـ 1790 -1723ـ هو ال ُمن ّظر لهذه النظرية الليبرالية الإقتصادية.
17 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
3-الحوكمة الرشيدة والعلوم الإجتماعية
الحقيقة أن عملية البحث في المعضلات الإجتماعية عملية صعبة ومحفوفة بالمخاطر
ويكتنفها جوانب من التعقيد والغموض البحثي ،ولا يمكن فيها التوصل إلى يقي ٍن كامل .لذا،
فإن ذلك ُيص ّعب المسألة على غير المختصين لصعوبة الإلمام بكافة النظريات والدراسات
والمقاربات المتصلة بجزئيات العلوم الإجتماعية ،وعليه سيتناول هذا الكتاب ما يخصه
بالنسبة لعلاقة المجتمع بفرده ونُ ِظ ِمه ،وبما يفيد في فهم تأثير ذلك لتحقيق مزيد من
الحوكمة الجيدة والمفيدة لطرفي المعادلة الحوكمية.
وبفرضية ان العلوم الإجتماعية تتضافر لفهم ظاهرة ما ،وترتبط ببعضها البعض بمسافات
مختلفة ،حيث ترتبط وتتشابك التحديات السياسية الإجتماعية والإقتصادية والإدارية معا،
فالنسبة إلى علم الإجتماع فيهتم بدراسة كافة جوانب المجتمع ،بينما علم السياسة ُيكَّرِس
معظم إهتماماته لدراسة القوة المتجسدة في التنظيمات الرسمية ،وكذلك الحال بالنسبة
لتشابك وتداخل التحديات الإقتصادية من خلال إمتحان القدرة على إدارة الموارد البشرية
والطبيعية.
كما تتصل الحوكمة بالثقافة والتي هي أصلا مفهوم واسع ،وترتبط الحوكمة بسكيولوجيات
الفرد والمجتمعات .وكذلك الأمر مع الإيكولوجية (البيئية) والإقتصادية ،ومع الإدارة كعلم
من العلوم الإنسانية والذي يدور محور موضوعها الرئيسي حول الإنسان ،بإعتبار أن العنصر
البشري في الإدارة هو عنصر الحسم مهما تقدمت وسائل التكنولوجيا المختلفة .وعلية،
فالعلوم تنفذ كلها منها وإليها مهما إختلفت غايتها وتباينت الإولويات فيها ،ويصب كل ذلك
في الحوكمة أو ما يمكن أن نسميه بمنظومة الحوكمة.
حوكمة السياسة :وإن عناصر القوة وعناصر الضعف هي حالة طبيعية تعيشها المجتمعات
في كافة جوانبها الحياتية ،وكون السياسة هي فن تحقيق الممكن في إطار الإمكانات المتاحة،
وأنه لا يمكن احتواءها في اطار ضيق كونها من العلوم الإجتماعية التي تتطلب وعياً وإدراك[،[[3
وأصبحت شأناً يخص المجتمع ويؤثر فيه وتدور حول السياسات الفعلية والمطبقة.
حوكمة التاريخ :وإن حوكمة التاريخ -إذا جاز التعبير -من العناصر الهامة لفهم سياسات
الدول والحكومات والتفاعلات المختلفة بين أفراد المجتمع ومرا كز القوى فيه ،بما فيها
فرضية أن التاريخ ليس حكراً لأحد ،وبأن التاريخ استند على ما وصله من معلومات قد تكون
صحيحة وقد لا تكون ،وقد تحمل الحقيقة كل الحقيقة وقد لا تحمل الإ جزءاً منها.
الحوكمة الإجتماعية :وقد ارتأينا التركيز على جانب هام وحيوي في مجال الحوكمة الإجتماعية[[[3
وهو ظاهرة ال َت َغ ُّير الإجتماعي لإتصالها المباشر هنا ،ومن أجل تفعيل هذه العلاقة ليصبح
ال َت َغ ُّير الإجتماعي الحتمي رشيداً ومحفزاً للعلاقة بين الدولة والمجتمع .وال َت َغ ُّير الإجتماعي
هو موضوع واسع ومتشعب ويعتبر من المواضيع الإساسية في علم الإجتماع ،ويظهر هذا
بوضوح في إستخدام المفاهيم التي تعبر عن الظاهرة في محاولة دراستها مثل النمو والتنمية
والتق ّدم والتط ّور والإرتقاء .ويمكن تعريف ال َت َغ ُّير الإجتماعي «بأنه كل تحول يقع في التنظيم
)32 Bernard Chantebout, « Le Pouvoir et L’Etat dans l, œuvre George Burdeau, édition Economica , (1993 P. 67
33مصطلح الحوكمة الإجتماعية هو ما ارتأيناه في دمج حزمة التنمية الإجتماعية مع عناصر الحوكمة الجيدة ،بمعنى أننا لم نجد هذا
المصطلح في بحثنا بقدر ما نسعى إلى إضافته أو تقديمه ضمن منطق مفهوم التنمية الإجتماعية المرتبط بالتغيير الإجتماعي الإيجابي مع
خصوصيات الحوكمة الرشيدة.
مقدمـة إلى الحوكمـة 18
بنظـرة العربيـة 2017
الإجتماعي سواءاً في بنائه أو في وظائفه خلال فترة زمنية معينة؛ ولذا فإن ال َت َغ ُّير الإجتماعي
ين َصب على كل تغير يحدث في أنماط العلاقات الإجتماعية أو في القيم والمعايير التي تؤثر في
سلوك الإفراد ،والتي تحدد مكانتهم وأدوارهم في مختلف التنظيمات الإجتماعية التي ينتمون
إليها»[ .[[3ويتضمن مفهوم ال َت َغ ُّير الإجتماعي جميع المستويات الإجتماعية والثقافية ،سواء
على مستوى الفرد نفسه وال َت َغ ُّيرات التي يمر بها أو على مستوى التنظيم والنظم من فكر
وفعل وسلوك ومصالح .وهناك نظريات عديدة تفسر ظاهرة ال َت َغ ُّير الإجتماعي[ ، [[3وكذلك
إتجاهات ومسارات مختلفة ،ومصدرين رئيسين للتغير هما المصدر داخلي ،والمصدر خارجي.
الحوكمة الإجتماعية/السياسية :يعتبر علم الإجتماع السياسي[ [[3من أحد الفروع الرئيسة
في علم الإجتماع والذي ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية ليسد الفراغ الموجود بين
علم السياسة وعلم الإجتماع ،وهو ذلك العلم الذي يدرس العلاقة بين السياسة والواقع
الإجتماعي الذي يعتبر الحاوي للأحداث السياسية ،وفي تأثير الإحداث السياسية على البنية
الإجتماعية والعكس.
كما هناك الترابط السياسي بالإجتماعي لان مسألة التكيف السياسي مع المجتمع كصيرورة
لترسيخ المعتقدات والمبادئ المتعلقة بالسلطة وبمجموعات الإنتماء ،وبالمحصلة لتكوين
مجتمع سياسي يكون قابلا ً للحياة ضمن حد أدنى من المعتقدات المشتركة المتعلقة في
آ ٍن واحد بشرعية الحكومة التي تحكم .ومن خلال التعرف على مظاهر ال َت َغ ُّير الإجتماعي
والثقافي وعوائقه ،وخاصة العوائق الإقتصادية ،والإيكولوجية ،والسياسية ،والسيكولوجية،
والتي تشكل جملة هذه العوائق تحديات لل َت َغ ُّير الإجتماعي المنشود الذي يساهم بدوره
بتحقيق مزيد من الحوكمة الرشيدة لمنظومة وعناصر ومستويات الحوكمة الرشيدة سواء
بجزئياتها أو بكلها مجتمعة.
34عبد الباسط محمد حسن :أصول البحث الإجتماعي ،الطبعة الحادية عشر ،مكتبة وهبة ،القاهرة.)22-1990،24 ( ،
35النظريات التي تفسر ال َت َغ ُّير الإجتماعي كثيرة ومتعددة فهي تشرح طبيعة هذا ال َت َغ ُّير وتحدد أبعاده وتكشف عن اتجاهاته ،ويذهب
علماء الإجتماع في تصنيفهم لنظريات ال َت َغ ُّير الإجتماعي إلى فئتين عريضتين :إحداهما تعالج اتجاهات ال َت َغ ُّير ،والإخرى تفسر عوامله وتشرح
أسبابه .ومن أهمها وأ كثرها انتشاراً هي :نظرية ابن خلدون (عبد الرحمن بن خلدون :يرى أن ال َت َغ ُّير في المجتمع الإنساني سببه تبدل نحل
المعاش ،وعلى نمطين هما المجتمع البدوي والمجتمع الحضري ،وبأن الدولة تمر في عملية تغير محددة بمراحل ،ويساهم في عملية
ال َت َغ ُّير هنا اختلاط الشعوب والثقافات من ناحية ،وما يظهر بين الإجيال من اختلاف من ناحية أخرى .ويربط ابن خلدون بين ال َت َغ ُّيرات
الإجتماعية وطبيعة الروابط الإجتماعية ممثلة بما اسماه « العصبية « التي تمثل أساس التجمع و قيام الدولة ،وتسير الحياة الحضرية في
النمو والإزدهار إلى أن تصل إلى مرحلة الترف مما يؤدي إلى فقدان العصبية الذي يؤدي بدوره إلى نهاية الدولة على يد جماعة جديدة ذات
عصبية جديدة ،وهكذا تبدأ الدورة من جديد) .ونظرية كارل ماركس (المادية التاريخية :.يعتقد ماركس أن عمليات ال َت َغ ُّير وحركة التاريخ
ترتبطان بالقاعدة الإقتصادية وتغيرها في المجتمع ،وهنا يبدأ تشكيل الطبقات والصراع الطبقي والذي يعتبره ماركس مضمون ومظهر
المجتمعات الإنسانية) ،وكذلك يشار إلى نظرية ماكس فيبر (الدور التاريخي للفكر والقيم في كتابه :القيم البروتستانتية وروح الرأسمالية).
كما ويمكن دراسة التغير من خلال؛ نظريات التقدم ،والنظريات الدورية ،ونظرية المراحل المتتابعة .النظريات أحادية الإتجاه تفسر بأن كل
العصور ترتبط معاً بسلسلة من الإسباب والنتائج بحيث تربط بين الوضع القائم في العالم المعاصر وبين الإوضاع التي مرت عليه من قبل.
والنظريات الدائرية بان التغير يتجه صعوداً وهبوطاً في تموجات على شكل أنصاف دوائر متتابعة وبنظام مطرد بحيث يعود المجتمع من
حيث بدأ في دورة معينة .ومن أصحاب النظريات الدائرية :ابن خلدون .وفيكو ،وباريتو ،وشبنجلر ،وتوينبي .النظريات التي تتعلق بعوامل
التغير تتصل بدراسة الميكنزمات المؤدية إلى التغير ،وبأن التغير يرجع إلى عامل واحد فقط قد يكون داخلياً أو خارجياً ،ويشتمل ذلك
على النظريات التالية :النظرية التكنولوجية – النظرية الإقتصادية – نظرية الصراع – نظرية اللاتكامل – نظرية التكيف – النظرية الفعلية
(الفكرية) – نظرية التفاعل الثقافي .نظريات التغير الثقافي :على أساس أن لكل مجتمع ثقافته التي تميزه عن غيره من المجتمعات فضلا ً
عن أن الثقافة – بجوانبها المادية وغير المادية– توجه وتضبط سلوك الإفراد في المواقف الإجتماعية المختلفة .كما أن العلاقات الإجتماعية
التي هي جوهر البناء الإجتماعي ما هي الإ أنماط منتظمة ومتكررة من التفاعل بين الناس .وهذه الإنماط تأخذ شكلها وانتظامها وتكرارها
من خلال الثقافة ( من اوائل الكتب حول التغير الإجتماعي ورواج هذا المصطلح كتاب «التغير الإجتماعي» ،لمؤلفه ويليام أوجبرن ،وهناك
عدة مصادر منها مرجع سابق للدكتوره دلال استستية ،التغير الإجتماعي والثقافي).
36محمد علي محمد« ،أصول الإجتماع السياسي ،السياسة والمجتمع في العالم الثالث» ،الإسكندرية ،دار المعرفة الجامعية( ،ص .)1985 ،37
19 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
الحوكمة الثقافية :كما تترابط الحوكمة بالثقافة والتي خضعت لتعريفات متنوعة حسب
الظروف والمع ّرفين لها ،وبإختلاف الأزمان والأماكن وإختلاف الشعوب والحضارات .والحوكمة
الثقافية ،إن جاز القول ،تفرض نفسها جراء الغزو الثقافي والذي أدى إلى فقدان الثقة باللغات
المحلية ،على الرغم من أن اللغة تمثل عنصراً أساسياً في تحديد الرموز الثقافية ،وهي
التي تعطي معنى لوجودنا وتواصلنا مع الإخر[ ،[[3وتكمن أهمية اللغة المحلية كونها لغة
المجتمع وفي بعدها الروحي والحضاري ،ومع ذلك أصبحت اللغات الأجنبية وخاصة اللغة
الإنجليزية مظهرا رئيساً لمستوى ثقافة الفرد وتَم ّدنه وتح ّضره وتطورة في شتى المجالإت.
الحوكمة السلوكية :وتتشابك الحوكمة مع العلوم السيكولوجية (النفسية) ،وعلم النفس
( )Psychologyهو علم دراسة السلوك والدراسة العلمية على وظائف العقل البشري
وسلوك الإنسان [ .[[3كما أن العلاقة بين العوائق النفسية أو السيكولوجية وعوائق ال َت َغ ُّير
الإجتماعي مرتبطة بعلم النفس الإجتماعي[ ،[[3مما يزيد من تعقيدات وتشعبات العوائق
النفسية ويكثر الجدل حولها.
وكذلك الأمر مع الإيكولوجية (البيئية) والإقتصادية ،وبالنسبة للإيكولوجيا أو علم البيئة
فتوافر العناصر البيئية من طقس معتدل ومصادر طبيعية تساعد على ال َت َغ ُّير الإجتماعي
الإيجابي ،في حين أن شح الموارد الطبيعية يعيق عملية ال َت َغ ُّير وبناء حضارة مزدهرة وكبيرة.
الحوكمة السياسية والإصلاح :لقد شكلت التنمية الإقتصادية والتنمية الإدارية في الدول
التي نالت إستقلالها بعد الحرب العالمية الثانية هدفاً أساسياً لحكوماتها ،والتي لم تكن
مهم ًة سهلة التحقيق ،فعلى المستوى المحلي ،إصطدمت التنمية بعامة الناس الذين عاشوا
لقرون طويلة في ظل الجهل والتخلف والعادات والتقاليد البالية والتي تحولت إلى قوة مؤثرة
في صف معارضة سياسات التنمية .ودولياً ،دخلت برامج التنمية في دائرة الصراع السياسي
بين الدول الغنية والفقيرة ،وفي جدلية الإستقلال والتبعية [.[[4
وقد جاء الإصلاح كحل نخبوي وكجهد فكري وعلمي وتقني لتحسين الواقع وتوفير الشروط
الضرورية اللازمة للنهوض به أو بقطاع من قطاعاته الحيويّة المساعدة على الخروج بالأمة
أو بشعب من شعوبها من حال الضعف إلى حال امتلاك شروط القوة ،ومن حال التبعية إلى
حال الإستقلال والريادة والسيادة[.[[4
والإصلاح لم يكن يوماً بالمهمة اليسيرة ،فقد كان مهمة الإنبياء والمصلحين وطبقة ال ُنخب
والمثقفين ،كما وشكلت الهم الأكبر لمترا كمات الفكر الإنساني العالمي وفي كافة العصور،
زالت وما والرومان والعرب وكافة الحضارات، لويتنوامونلاهاهاذلاممفوكرطأًي لنلتالففكليارسوافلةب احلقثد لمإايءجاالدي أونفانيضنل
الرفاه إلى السبل لتحسين حياة البشر ونقلهم
37محمود الذوادي« ،اللغة العربية والثقافة في ظل العولمة -الدولة والتحديث والمجتمع المدني -نحن والمتغيرات العالمية» ،اصدارات
منتدى الجاحظ ،تونس ،2008( ،ص .)67
38علم النفس هو أحد فروع العلوم الإنسانية ،وهو ميدان واسع للدراسة ويستقصي طائفة كبيرة من المسائل والإفكار والمشاعر
والإفعال ،وله أهمية بالغة في حياتنا كأشخاص ،وحياة المجتمع الذي نعيش فيه .وعلم النفس هو العلم الذي يدرس جوانب نشاط الإنسان
والسلوك والعمليات الذهنية ،ويعتمد أي ًضا على أعمال التفسير الرمزي والتحليل النقدي ودراسة مؤثرات العقل الباطن .وهناك عشرات
الكتب التي تتحدث عنه وعن فروعه ومباحثه ،ومن الكتاب العرب نذكر إبراهيم الفقيه ،وكتبه العديدة في مجال تطوير الذات البشرية.
39علم النفس الإجتماعي هو فرع من فروع علم النفس يدرس السلوك الإجتماعي للفرد والجماعة ،كاستجابات لمثيرات اجتماعية،
وهدفه بناء مجتمع أفضل قائم على فهم سلوك الفرد والجماع.
40محمد عبد الهادي صالح الإسود « ،مشكلات التنمية في البلدان العربية وأثر الديون الخارجية في تفاقمها» ،إصدارات :مجلس الثقافة
العام ،القاهرة ،2006( ،ص .)17
41عبد الجليل الميساري« ،قيم الإصلاح والتحديث ،في فكر أحمد بن أبي الضياف من خلال كتابة الإتحاف» ،المغاربية للطباعة والنشر
والإشهار ،1999( ،ص .)40
مقدمـة إلى الحوكمـة 20
بنظـرة العربيـة 2017
والسعادة.
وضمن منظور الحوكمة فأنه لا يمكن للدولة منفردة مواجهة التحديات التنموية ،حيث تقع
مسؤولية مشتركة على اللاعبين الغير حكوميين ،من منظمات مجتمع مدني ،وقطاع خاص
لتحقيق الإصلاح المنشود.
الحوكمة الإقتصادية والتنموية :ولقد أثار مفهوم التنمية الكثير من الجدل وعلى جميع
المستويات النظرية والتطبيقية .كما وتَح ِمل المؤلفات السياسية والإقتصادية والإجتماعية
العديد من التعاريف لهذا المصطلح ،وكل منها تناوله من زاوية معينة حسب إختلاف
الميادين والمناهج العلمية الخاصة بها ،ويأتي كذلك منسجماً مع إختصاص كل باحث
وميوله وأيديولوجيته .كما ويمكن القول بأن مفهوم التنمية يتشابه مع عدد من المفاهيم
والمصطلحات ،والتي ُقصد منها تطور المجتمعات مثل :التقدم ،والتطور ،والنمو ،والإرتقاء[.[[4
وقد تطورت علوم التنمية تبعاً لتطور المجتمعات والحاجات ،وتبعاً لمصطلحات التخصص،
وخاصة معادلة العرض والطلب ،والموارد المحدودة ،والحاجات المتعددة .ومنذ نهاية الحرب
العالمية الثانية ظهر فرع مستقل من النظرية الإقتصادية يطلق عليه اقتصاديات التنمية،
كما وطرحت مسألة التنمية في العديد من الدول وخاصة النامية منها لإستكمال التحرر من
الإستعمار والتبعية الإقتصادية.
وجاء في الأمم المتحدة عام 1955تعريف للتنمية مفاده« :بأن التنمية هي العملية المرسومة
لتقدم المجتمع جميعه إجتماعيا وإقتصاديا ،إعتمادا على إشتراك المجتمع المحلي ومبادأته».
ثم عرفتها تعريفاً آخر« :بإعتبارها العمليات التي يمكن بها توحيد جهود المواطنين والحكومة
لتحسين الإوضاع الإجتماعية والإقتصادية والثقافية في المجتمعات المحلية ومساعدتها في
الإندماج في حياة الإمة ،والمساهمة في تقدمها بأقصى قدر مستطاع»[ .[[4وهي العملية التي
ينتج عنها زيادة في فرص حياة بعض الناس في مجتمع ما دون نقصان فرص بعض آخر في
نفس الوقت ونفس المجتمع[.[[4
أما كارل ماركس[ :[[4فيعرفها على «أنها عملية ثورية ،أي أنها تتضمن تحولات شاملة في
البناءات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والقانونية فضلا ً عن أساليب الحياة والقيم
الثقافية ،وبالتالي فإن البلد الإكثر تقدماً من الناحية الصناعية يمثل المستقبل الخاص للبلد
الإقل تقدماً».
وتشكل معوقات التنمية[ [[4تحديات أمام الإقتصاد القومي ومحاولات التقدم للمجتمعات
42الت ّقدم ( )Progressيرتبط بتحسن دائم في ظروف المجتمع المادية واللامادية ،وبأنه ينطوي على مراحل ارتقائية ،أي أن كل مرحلة
تكون أفضل من سابقتها .ومصطلح الت ّطور ( )evolutionيشير إلى التحول المنظم من الإشكال البسيطة إلى الإشكال الإكثر تعقيداً،
ويستخدم لوصف التحولات في الحجم والبناء .ويعني مصطلح النمو :النضج التدريجي والمستمر للكائن وزيادة حجمه ،كما يشير إلى
نوع معين من التغير وهو التغير الكمي( .دلال استيتية ،مرجع سابق ،ص .)41-29كما أن مفهوم الإرتقاء يتصل بمفاهيم العلو والإرتفاع
والصعود.
43محمد شفيق ،التنمية الإجتماعية « دراسات في قضايا التنمية ومشكلات المجتمع» ،الإسكندرية ،المكتب الجامعي الحديث ،ص 13
44عبد الهادي الجوهري وآخرون ،دراسات في التنمية الإجتماعية (مدخل إسلامي) ،الإسكندرية ،المكتب الجامعي الحديث،1999( ،ص .)17
45كارل ماركس ( 5مايو 1818إلى 14مارس .)1883فيلسو ًفا ألمان ًيا ،سياسي ،وصحفي ،ومن ّظر اجتماعي .قام بتأليف العديد من
المؤلفات الإ أن نظريته المتعلقة بالرأسمالية وتعارضها مع مبدأ أجور العمال هو ما أ كسبه شهرة عالمية .لذلك يعتبر مؤسس الفلسفة
الماركسية ،ويعتبر مع صديقه فريدريك إنجلز المنظرين الرسميين الإساسيين للفكر الشيوعي.
46في شهر يوليو /تموز 2008أصدر برنامج الأمم المتحدة تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009تحت عنوان «تحديات أمن الإنسان
في البلدان العربي» ،وهو التقرير الخامس من سلسلة تقارير تم إصدار العدد الإول منها في العام ،2000وفي هذا التقرير تم طرح 7معوقات
أساسية تعوق التنمية الإنسانية الشاملة في الوطن العربي وهذه المعوقات هي :الضغوط على الموارد البيئية ،و أداء الدولة في أمن الإنسان
أو تقويضه ،وانعدام الإمن الشخصي للفئات الضعيفة ،بالإضافة إلى التعرض للمخاطر الإقتصادية ،والفقر والبطالة ،والإمن الغذائي والتغذية،
والصحة وأمن الإنسان ،والإنعدام المنهجي للأمن من جراء الإحتلال والتدخل العسكري الخارجي.
21 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
التي تعاني منها ،ويعتبر البعض أن هناك معيارين للتخلف ،أحدهما كمي ويتمثل في متوسط
الدخل الفردي أو انخفاض الناتج القومي أو انخفاض نصيب الفرد من الطاقة أو الخدمات،
والأخر كيفي ويتمثل في مدى إرتفاع وإنخفاض نصيب الفرد من الطاقة الإنتاجية لمجتمع
ما على حجم ودرجة نمو وتطور قوى الإنتاج السائدة به ،بشقيها المادي المتمثل في الآلات
والمعدات والمنشآت والشق الإخر البشري ،أي القوى العاملة المنتجة وما ا كتسبته من
خبرات ومهارات متنوعة[.[[4
ويرى البعض الإخر[ [[4بأن دول العالم الثالث تعاني حالياً مأزقاً على الصعيد الإقتصادي كما
هو على الصعيد الإجتماعي والسياسي ،فإقتصاد هذه البلدان ممزق وغير مترابط ،يستتبعه
عجزٌ مزمن في الموازنة العامة ،وعدم القدرة على تأمين المواد الغذائية للمواطنين ،وهذا ما
يترك العالم الثالث فريسة التبعية للدول الصناعية المتقدمة .وبأن المفكرين الغربيين
وضعوا العديد من النظريات التي تفسر الوضع القائم وتحاول إبعاد مسؤولية الغربيين عنه،
وإلقاءها على كاهل الدول النامية وشعوبها ،مفاده بأن تخلف الدول النامية متعلق بأسباب
عدة أهمها المناخ[ ،[[4والبعض الإخر بأن السبب عائد إلى ضعف الطاقات ورداءة الخواص
الطبيعية ،وهناك من المفكرين من يقول بأن التخلف فيها عائد إلى الإديان ،حيث تسيطر في
هذه الدول الديانات القدرية.
ونشير مجدداً هنا بأن قضية التنمية – بوجه عام -تعد قضية معقدة ومتشابكة الجوانب،
وبنظرة عامة للمجتمعات المدنية التي تحيط بنا ،سواء بالمنطقة العربية أو الإفريقية ،أو
بالمحيط الدولي ،نجد أن التنمية الإقتصادية في الدول التي أصابها قدر عال منها ،لم تتقدم إلى
الإمام إلا َّ لتوفر عنصري السلام الإجتماعي والهوية الوطنية ،وبالتالي كانت النتيجة أن فرص
التطور الإقتصادي نفسه تنعكس في البناء والتعمير والتقدم ،محروساً بالسلام الإجتماعي،
وخاضعاً للهوية الوطنية.
ويلاحظ هنا الإرتباط الكبير بين مفهوم وتعريفات التنمية مع مفاهيم وتعريفات الحوكمة
الرشيدة حيث يشترك كلاهما في هدف تطوير وتحديث المجتمعات ،بينما تأتي الحوكمة
كمفهوم متقدم مصطلحاً ومضموناً عن التنمية بحكم إشتراطها لإنخراط الدولة والمجتمع
في مسيرة التنمية.
الحوكمة الإدارية :وتتداخل وتتشابك الإدارة مع الحوكمة كعلم من العلوم الإنسانية ،والتي
يدور محور موضوعها الرئيسي حول الإنسان ،بإعتبار أن العنصر البشري في الإدارة هو عنصر
الحسم مهما تقدمت وسائل التكنولوجيا المختلفة .وهناك تعاريف متعددة للإدارة تبعاً
لتطور المفهوم وإختلاف ُمع ِّرفيه ،ومن أبرز التعاريف “ ،فإن الإدارة[ [[5عملية ذهنية وسلوكية
تسعى إلى الإستخدام الأمثل للموارد البشرية والمادية لبلوغ أهداف المنظمة والعاملين
بها بأقل تكلفة وأعلى جودة ،وعن طريق مجموعة من الوظائف أهمها :التخطيط والتنظيم
والتوجيه والرقابة والتقويم .كما وينظر لها بأنها علم وفن وموهبة شخصية ،وتنقسم إلى
الإدارة العامة والى إدارة الإعمال ،وكل قسم له العديد من الفروع والوظائف.
47مجدي حجازي ،التنمية الإجتماعية : رؤية نقدية ،القاهرة ،عام 1985
48إبراهيم مشورب ،التخلف والتنمية :دراسات اقتصادية ،دار المنهل اللبناني ،2009( ،ص .)16
( 49جنوب الكرة الإرضية ،أي مناطق حارة واستوائية).
50منتديات العلوم الإقتصادية والتجارية ،الموقعnet.etudiantdz//:http :
مقدمـة إلى الحوكمـة 22
بنظـرة العربيـة 2017
وقد ظهرت الإدارة كعلم مستقل بدأت بما سمي بالإدارة العلمية [ [[5المرتبطة بالمعرفة
الدقيقة لما تريده من الأفراد أن يقوموا بعمله ،في الوقت الذي كان فيه العالم منشغل
بإيجاد أفضل السبل الإدارية التي ُتخلّص المجتمعات من سلبيات البيروقراطية ،والجمود
الإداري ،والتعامل والتواصل مع الجمهور ،والعديد من القضايا والمعضلات الإدارية التي
تلامس مباشرة مصالح القطاع العام والقطاع الخاص وحاجات المجتمع اليومية .ولفهم
الإدارة في اي دولة عربية لا بد من الإشارة إلى محيطها الإداري الذي تتأثر و ُتأثر فيه ،الإ وهو
الإدارة في الدول النامية بالعموم وفي الدول العربية بالخصوص.
فهناك سوء في معظم الأقطار العربية للإدارة في الدول العربية ،حيث يوصف الجهاز
البيروقراطي بأنه أصبح خادماً للفئوية ،وليس جهازاً للخدمة العامة ،وبأن سكان العالم العربي
في حيرة من أمرهم ،فدور الدولة محوري في كل مجالإت الحياة ،ولكن المخاوف والشكوك
تحيط بقدراتها وإمكانياتها وسياساتها في كل مكان[.[[5
كما أن[ [[5الإدارة العربية ينقصها في معظم الدول العربية قادة إداريون ملهمون ومحفزون،
في حين ترى الإدارة الغربية العمل مكاناً للمنافسة الشريفة وتحقيق الذات عن طريق
الإنجاز ،وبأن الإدارة في الغرب تتفوق على الإدارة العربية -من ناحية تنظيمية -بتحمل
المسؤولية والقدرة على صناعة القرار ،وإستخدام الإساليب العلمية في العمل والإعتماد
على التخطيط الإستراتيجي ،وتوافر روح العمل الجماعي ،والإعتماد على معايير موضوعية
في الإداء والتقييم ،والبعد عن الرسمية في عمليات الإتصال والتعامل مع الإخرين ،والقدرة
على الإنضباط والدقة ،وتفادي الروتين ،والمبادرة بهدف التحسين والتطوير المستمر ،وإحترام
التخصص.
الحوكمة والفساد :وتبقى أ كبر معضلة إدارية تواجه الدول كافة هي الفساد المالي والإداري،
وتعتبر ظاهرة الفساد[ [[5بشقيها الإداري والمالي ظاهرة عالمية شديدة الإنتشار ،وذات جذور
عميقة تأخذ أبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها ،وتختلف درجة
شموليتها من مجتمع إلى آخر ،وقد حظيت ظاهرة الفساد في الإونة الإخيرة باهتمام الباحثين
في مختلف الإختصاصات.
ويرى البعض بأنه ليس هناك للفساد اصطلاحاً ،لكن هناك اتجاهات مختلفة تتفق في كون
الفساد هو إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص[.[[5
كما ولا يوجد إجماع نهائي على تعريف الفساد ،الإ ان الطريقة المتعارف عليها للتعرف
عليه مرتبط بحجمه ،حيث يوجد ما يسمى بالفساد الصغير والمتصل بالممارسات اليومية
التي يلحظها المواطن العادي في تعاملاته اليومية ،وما يسمى بالفساد الكبير أو السياسي
51فريدريك تايلور( 1915 – 1856( ،مؤسس الإدارة العلمية ،نشر أفكاره في كتاب «الإدارة العلمية» عام ،1911وأوضح أن الهدف الرئيسي
للإدارة هو الحصول على أ كبر قدر من الرفاهية لصاحب العمل والعمال ،وركز تايلور على الجانب الفني من العمل ولم يعتني بالجانب
البشري على الرغم من إدرا كه لأهمية هذا الجانب ،وكانت الفكرة الرئيسية لمدرسة الإدارة العلمية أنه يمكن تحقيق زيادة الإنتاجية عن
طريق إتباع أسلوب علمي قوامه التخصص والتدريب الفني وتحليل العمل إلى جزئياته ودراسة كل جزئية على حده حتى تحدد حركاته
الإساسية والزمن الذي يستغرقه أداؤه ،وتصميم المصنع بالشكل الذي يضمن انسياب الخامات للالإت وتحرك العامل لأداء واجبه
(المصدر)html.http://www.hrdiscussion.com/hr25686 :
52ندوة « :الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية» ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت 23-20 ،أيلول/سبتمبر .2004
53معدي بن محمد آل مذهب« ،بين المدير العربي والمدير الغربي ،ما الفرق» ؟ ،صحيفة الرياض2010 ،
54الفساد في معاجم اللغة هو في (فسد) ضد َص ُل َح ،والفساد لغة البطلان :فيقال فسد الشيء أي ب ُط َل واضمحل.
55ياسر خالد بركات الوائلي ،الفساد الإداري « مفهومه ومظاهره وأسبابه» ،مركز المستقبل للدراسات والبحوث.
23 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
والمرتبط بمبالغ مالية كبيرة ومؤثرة على الدولة وشرعية الحكومة فيها[.[[5
وهناك[ [[5تعاريف متشددة للفساد منها بأنه «مجموعة من الأعمال المخالفة للقوانين،
والهادفة إلى التأثير بسير الإدارة العامة أو قراراتها أو أنشطتها ،بهدف الإستفادة المادية
المباشرة ،أو الإنتفاع غير المباشر» أو هو «استغلال موظفي الدولة لمواقعهم وصلاحيتهم
للحصول على كسب غير مشروع ،أو منافع يتعذر تحقيقها بطرق مشروعة» ،وهناك تعاريف
أقل تشدداً بأنه «تصرف استثنائي أفرزته بعض الظروف» ،وأخرى متساهلة بأنه « سلوك
إداري غير رسمي « ،أو حتى أنه «تصرف مقبول من قبل طرفين تعجز الطرق الرسمية
والأساليب التقليدية عن تحقيق مصالحهما».
وللفساد عدة أسباب أهمها عدم احترام القوانين؛ وتدني الرواتب مع ارتفاع تكاليف المعيشة؛
والفارق في الدخل بين القطاعين العام والخاص؛ وانعدام الشفافية؛ وانتشار الفقر؛ وغياب
أخلاقيات العمل؛ وضعف معايير السلوك؛ والضغوط الخارجية التي يمارسها أصحاب
المصالح .كما وهناك أثاراً للفساد تتمثل في فقدان ثقة المواطن بالحكومة وبأجهزة الدولة؛
والتأثير على الديمقراطية؛ وإضعاف سيادة القانون؛ وتأخير التنمية السياسية؛ والإضرار
بمبادئ الحوكمة الرشيدة؛ وضعف حجم الإستثمارات؛ وتراجع المنح والمساعدات؛ وضعف
القيم الإخلاقية؛ وانتشار الجريمة؛ وشعور المواطن بعدم العدالة؛ وانتشار الحقد والكراهية.
وتتمثل أنماط الفساد وأدواته في ،الرشوة والإرتشاء ،والسرقات والإختلاسات؛ وإساءة
استعمال الصلاحيات ،وإستغلال النفوذ؛ والإبتزاز؛ والتحيز والمحاباة؛ والتقصير والإهدار؛
والإساءة للمنظمة وللإدارة؛ والهدايا والغلول[.[[5
والفساد وبكافة أشكاله يعتبر أهم عنصر من عناصر قياس الحوكمة الرشيدة ،ومؤشر
هام تستخدمه المؤسسات النقدية والمالية والسياسية ،مثل صندوق النقد الدولي وتقرير
الشفافية الدولية ،وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي يصدر دراسات حول دول العالم ويضع
مؤشرات متنوعة لقياس الفساد[ .[[5كما وأن أ كثر أنواع الفساد المنتشر في العالم العربي هو
الفساد الإداري المتمثل بالواسطة والمحسوبية ،وعدم التق ّيد بالقوانين والإنظمة[.[[6
الأوضاع الإدارية في العالم العربي تجابه ظروفاً دولية متسارعة ،وتبدلات هائلة في أنماط
وأساليب الإدارة ،وسط ثورة ُمعاشة في مجال المعلومات والإتصالإت ،فالعالم كله في إدارته
المستقبلية ،متوجه إلى تنظيمات ذات سمات «لا بيروقراطية»[.[[6
,Editors: UNDP Oslo Governance center« ,A user’s guide to Measuring Corruption« ,Raymound June, lead Author 56
(.)6 .P ,2008
57سليمان الجريش ،الفساد الإداري وجرائم إساءة استعمال السلطة الوظيفية ،الناشر :مكتبة الملك فهد الوطنية ،2003( ،ص .)112-117
58سليمان الجريش ،المرجع السابق ،الفساد الإداري وجرائم إساءة استعمال السلطة الوظيفية ،ص 140-189
,26-23مرجع سابق59 Raymound June, «A user’s guide to Measuring Corruption «, P.
60صدرت إرادة ملكية في عمان بتاريخ 2007/2/7شكل بموجبها أعضاء هيئة مكافحة الفساد بحيث تتبع العاهل الإردني مباشرة ولن
يكون عليها الإ سلطان نفسها وسلطان القضاء الإردني.
« 61البيروقراطية» Bureaucracyعرفها العالم الإلماني ماكس ويبر ( )1920 - 1864بأنها هي «تنظيم المكاتب الذي يتبع مبدأ الهيكلية
المكاتبية» ،وهي مفهوم يستخدم في العلوم الإنسانية ويشير إلى تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظمة .وتعتمد هذه الإنظمة
على الإجراءات الموحدة وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية والعلاقات الشخصية .ومن المتعارف عليه لدى الجميع أن البيروقراطية هي
الروتين الممل والإجراءات المعقدة التي ليس لها فائدة سوى تأخير المعاملات في حين أن التعريف الصحيح للكلمة ،الإغريقية الإصل،
أنها مكونة من مقطعين :الإول Bureauوهي تعني مكتب والثاني Cracyومعناها The Strongأي القوة ،والكلمة في مجموعها تعني:
قوة المكتب أو سلطة المكتب.
مقدمـة إلى الحوكمـة 24
بنظـرة العربيـة 2017
وللإدارة في المستقبل القريب سمات منها «التفكير الإستراتيجي» بديلا ً عن التصور الوقتي،
وتبني النظام الإداري المفتوح المتفاعل مع البيئة بدلا ً من النظام المغلق ،وتأصيل المنهج
اللامركزي ،والتركيز على فريق العمل.
25 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
الجزء الثاني
عناصر الحوكمة الرشيده
مما لا شك فيه ،فإن هناك العديد من الوسائل والتحولات التي تساهم بدورها في رفع
التحديات والصعوبات التي تواجه الدول ،والتي بدورها تعزز وتعمق الإنتقال إلى حوكمة جيدة
بعناصرها الركنية والرئيسة ،ومنها ما أقرته منظمات دولية ،كما جاء في مقدمة الكتاب ،بأن
الأمم المتحدة قد أقرت عدد من عناصر الحوكمة الجيدة وهي سيادة القانون ،الشفافية،
الإستجابة ،التوافق والإجماع ،المساواة والإندماج ،الكفاءة والفعالية ،المساءلة والرؤية
الإستراتيجية.
هذا ،ويرى مختصين بأن [ [[6أن الحوكمة ليس لها محتوى معياري (،)Normative content
فيمكن إضافة عناصر وخصوصيات كثيرة للحوكمة الجيدة إضافة لما اتفقت عليه الأمم
المتحدة ،كما يمكن الحديث عن خصوصيات الحوكمة الرشيدة من خلال الديمومة؛ الشرعية
والقبول من طرف السكان؛ القدرة على تنمية الموارد وطرق الحاكمية؛ الحث على التوازن بين
الإجناس؛ التسامح وتقبل مختلف الإراء الإخرى؛ القدرة على تعبئة الموارد لأغراض اجتماعية؛
تقوية الإليات الإصيلة وتأهيل المواطنة؛ لإستخدام العقلاني والفعال للموارد؛ توليد وتحفيز
الإحترام والثقة؛ المسؤولية؛ القدرة على تعريف الحلول العقلانية والتكفل بها؛ التشجيع
على تحمل المسؤوليات والتسهيلات؛ الضبط أ كثر من الرقابة؛ القدرة على معالجة المسائل
الزمنية؛ التوجيه نحو الخدمة.
كما وأن الحوكمة الجيدة تكون نحو تحقيق النتائج المرغوبة من جانب ،ونحو تحقيقها
بالطريقة الصحيحة من جانب آخر ،حيث أنها منسجمة ،بطريقة أو بأخرى ،مع القيم
المعيارية ( )Normative Valuesللديمقراطية والعدالة الإجتماعية ،ومن خلال الإصلاح
الشامل وتطوير نَس ْق الإدارة.
وهذا الإتفاق الحوكمي ينسحب على حقيقة أنها ليست مرتبطة بمعيار «اتوماتيكي» أو
تلقائي ( ،[[6[ )Automatic Normative connotationحيث أن بعضاً من نماذج الحوكمة
أفضل من البعض الإخر في تحقيق النتائج ،كما أن التأكيد ال ُمعطى لمكونات الحوكمة الجيدة
تختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر وفقاً لما يق ّيمه أعضاء ذلك المجتمع كنتائج مطلوبة أو
إيجابية بصورة تختلف عما يقيمه مجتمع آخر.
وفي النتيجة فإن فهم الحوكمة وخصوصيتها هو حسب كل دولة واحتياجاتها الملحة والمتعلقة
بالحوكمة الجيدة أو الرشيدة تتطلب إصلاحا جذرياً وشاملا ً في علاقة الدولة مع نفسها ثم
مع المجتمع المحيط بها .ويأخذ الحديث عن مفهوم الإصلاح عدة جوانب مختلفة في إطار
البحث عن تعريفه وتطوره ومدلولاته والنطاق الزمني والمكاني له ،حيث ينظر إليه على أنه
التغيير في أنماط وسلوكيات قائمة بشكل جذري أو تدريجي خلال فترة زمنية محددة [،[[6
فهو كمفهوم شامل ،يشمل صو ًرا عدة منها ،الإصلاح السياسي ،والإقتصادي ،والإجتماعي،
والثقافي ،والإداري ،وفي كافة المجالإت.
62زهير الكايد ،الحكمانية «قضايا وتطبيقات» ،مرجع سابق ،ص 15
63زهير الكايد ،مرجع سابق ،الحكمانية «قضايا وتطبيقات» ،ص .17
64رضوان محمود المجالي“ ،الإصلاح السياسي في المنطقة العربية :ضرورة داخلية أم مطلب دولي” ،مجلة شؤون عربية ،جامعة الدول
العربية ،2008( ،ص) 1
مقدمـة إلى الحوكمـة 28
بنظـرة العربيـة 2017
ولقد بات الإصلاح فكرة عالمية ارتبطت بالتطورات التي شهدها العالم بعد انتهاء الحرب
الباردة منذ نهاية عقد الثمانينات وبداية مطلع التسعينات من القرن العشرين ،وانعكس
تأثيرها على مختلف دول العالم وبالذات دول العالم الثالث ،فيما يتعلق بالثورة الهائلة في
مجال تكنولوجيا المعلومات والإتصالإت ،وظهور تأثيرات العولمة التي جعلت العالم كقرية
صغيرة يتم فيها تبادل المعلومات بشكل كبير وسريع.
فأصبحت المعلومات سب ًبا رئيس ًيا في تغيير نمط الحياة ،وتزداد أهميتها كمورد أساسي
في كافة المجالإت ،مما دفع بكثير من الدول إلى تغير سياستها وإعادة النظر بخططها
واستراتيجياتها لموا كبة التطورات التي تشهدها ميادين المعرفة ،والعمل على الإستغلال
الإمثل للمعلومات وصناعتها واستثمارها .
إن فكرة الإصلاح في المنطقة العربية هي فكرة قديمة وحديثة ،وكانت على الدوام عملية
متشابكة ومتوالية ومعقدة ،كما وينقصها نوعاً من َجلدٌ صادق للذات أو ثورة بيضاء حقيقية
على الموروث من السلبيات وإستبدالها بايجابيات تتسم بعالمية المباديء وخصوصية
التطبيق ،أو إن جاز القول بحوكمة مستدامة.
وبهذا الإطار ،فإن هناك عناصر وخصوصيات كمية أو يسهل قياسها وأخرى نوعية ،كما
وينظر إلى عنصر المشاركة والتشارك من ناحية وعنصر تمكين القانون مع تفعيل المساءلة
والشفافية بأنها أعمدة وأركان رئيسة لتجويد الحوكمة في الدول ،وبأن تحقيق العدالة
والمساواة والإنصاف هي عناصر تحتاجهما الإدارات اليوم بأكثر مما مضى ،وكل هذه العناصر
بحاجة إلى محرك يقود مركب الحوكمة الجيدة ،فيأتي هنا عنصري الفعالية والكفاءة ،وهما
من العناصر النوعية التي تساهم بإحداث تفاعل ايجابي في إدارة شؤون الدولة والمجتمع،
ويعززان من فرص نجاح الحوكمة بمفهومها الشامل.
29 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
أولا :المـشاركـة
لم تعد تكفي مصطلحات الإصلاح والتجديد والتحديث ،وما شابهها من مصطلحات متقاربة
تسعى الى التغيير والتطلع نحو الإحسن والإفضل [ [[6لمواجهة التحديات المختلفة التي
تفرض نفسها على الدول المختلفة ،وبشكل خاص على الدول النامية ،لا سيما في ظل
حركات الإحتجاجات المستمرة والحراك الإجتماعي المتنامي.
وأصبح أمرا لا مفر منه أن يأخذ بتوجيهات مختلفة حول كيفية إدارة حكوماتها ،وهذه يستدعي
في ظل البيئة العالمية الحديثة أن تأخذ الدول نحو إدماج المواطن والمؤسسات المدنية
في المجتمع والقطاع الخاص في عملية صنع السياسات والقرارات ،وتح ُّمل المسؤوليات
بمنهجية تكامل الأدوار من أجل خلق التنمية الشمولية ،وإدامتها كمطلب أساسي لتحقيق
الحوكمة الجيدة.
وتشير الدراسات والإبحاث والمقالات إلى أن تفعيل عنصر المشاركة يَتأَتّى بوسائل وأساليب
شتى متنوعة ومتداخلة ،ونرى هنا إمكانية إبراز الجوانب التي تهم خصوصية ومرحلة عمر
الدولة ،لا سيما بالنسبة لدور الحكومة في تفعيل المشاركة من برامج حكومية منتقاة
وبتفعيل عناصر الإستجابة ،والتوافق والإجماع ،والمساواة والإندماج ،والكفاءة والفعالية.
-دور الحكومة في تفعيل المشاركة ( )Participationوالتشارك:
انطلاقا مما قدمه البحث حول الحوكمة الجيدة التي تتطلع إليها كافة الدول ،بما يعني
تنازلها عن احتكار صناعة السياسات العامة والإنفراد بالقرارات التي يتأثر بها المجتمع ،فكان
لزاماً عليها التوجه إلى عنوان الحوكمة الديمقراطية المتعلقة بالمشاركة والتشارك مع كافة
فئات المجتمع ،بخواصه وبكل مكوناته المجتمعية والشعبية بما فيها من أحزاب سياسية
ونقابات واتحادات ومكونات المجتمع المدني.
وقد ارتأينا تناول هذا العنصر الذي يعتبر مدخلا ً مناسباً لهذا المبحث ،وكأولوية للسير في
طريق الحوكمة الجيدة ،وباتجاهين الأول بتفعيل المشاركة السياسية ،والثاني بدور الحكومة
في تفعيل المشاركة المجتمعية والشعبية.
1-تفعيل المشـاركة السياســية :
كانت المشاركة السياسية حتى العصر الحديث مقتصرة في الغالب على أثرياء القوم
ووجهائهم من أصحاب المولد النبيل ،أما الإغلبية الساحقة فكانت بعيدة عن المشاركة ،ومنذ
65عبد الجليل الميساري« ،قيم الإصلاح والتحديث ،في فكر أحمد بن أبي الضياف من خلال كتابة الإتحاف» ،المغاربية للطباعة والنشر
والإشهار ،1999( ،ص .)30-25كما يجدر ذكر بعض التعاريف التي جاء بها هذا المرجع ،حيث يشير إلى أنه شاع في أدبيات الخطاب العربي
الحديث استعمال مصطلحات اليقظة والنهضة والفكر الإصلاح ي والمنزع الإصلاح ي ،وبأن التجديد هو أقدم المصطلحات الحضارية وقد
ظل مهيمناً على الساحة الفكريّة العربية الإسلامية ،أ ّما اليقظة فهي في اللغة انتباه بعد غفلة واستفاقة بعد ركود تتعطل فيه المدارك
وتنعدم فيه الحيوية والنشاط ،أ ّما النهضة فهي جملة المنجزات الفكرية والمادية التي تم تحقيقها عملياً على مستوى مناهج التفكير أو
على مستوى التقنيات ووسائل العمل المستحدثة في ميادين العلم ومناهج التعليم .وعلى هذا المعنى فقد يكون الإصلاح مجرد ترميم
يعود بالشيء المصلح إلى وضع يماثل وضعه السابق وتصويب الإخطاء ،وتحسين الواقع لجعله أقدر على الإستجابه لمتطلبات اللحظة
الراهنة وذلك هو التحديث.
مقدمـة إلى الحوكمـة 30
بنظـرة العربيـة 2017
مطلع عصر النهضة حتى القرن السابع عشر بدأ الإتجاه نحو مزيد من المشاركة السياسية،
حتى بلغ هذا الإتجاه ذروته أثناء الثورة الصناعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر[.[[6
وأصبحت المشاركة من العناصر الرئيسية للحوكمة الرشيدة ،وسم ًة جوهرية من سمات
العصر ووصفاته المحببة ،وهي التي نعيشها لحظ ًة بلحظ ًة من خلال ما قدمته التكنولوجيا
وثورة الإتصال لصالح هذا العنصر الجوهري للحوكمة الديمقراطية ،ومن خلال ما أتاحته من
تجميع للشباب وكل الفئات العمرية بسرعة وفاعلية وبتكلفة محدودة جداً ،والذي ساهم
مع عدد من العوامل الإخرى بتفجير بركان الثورات ،وزلزل الحرا كات الإجتماعية الغير
مسبوقة في عدد من الدول العربية ،بغض النظر لما ينظر لها البعض من التيارات المحافظة
أنها أفضت إلى نتائج مغايرة وحتى مضرة لمنظومة الحوكمة وعلى كافة مستوياتها.
كل ما سبق يذكرنا برأي مفاده صعوبة التنبؤ بمستقبل المنطقة العربية ضمن الحسابات
السياسية الإعتيادية ،وصعوبة التكهن أو معرفة ماذا يخبأ الزمان لها .لذا ،فإن ما تشهده
المنطقة العربية تَجا َوز مصطلحات الحراك والإصلاح وأصبحت الحاجة ملحة من أجل
التغيير الحقيقي ،وليس بالطريقة التي تتوخاها الأنظمة العربية كرد على موجة الإحتجاجات
التي إجتاحت بعض الدول وما تشهده بعضها من حروب طاحنة وخاصة سوريا واليمن،
وأزمات سياسية تعصف بالمنطقة وخاصة في منطقة الخليج العربي.
وتأتي المقاربة هنا بثورة الحاكمية – إذا جاز التعبير -كنتيجة منطقية لمواجهة كل ما أورده
هذا البحث من تحديات ،كما وتعتبر مسألة تفعيل المشاركة بين الدولة والمجتمع في قلب
ثورة الحوكمة الجيدة والفعالة .وثورة المشاركة كركن أساسي للحوكمة الرشيدة كانت الهدف
من وراء إقامة العقد الإجتماعي الإفتراضي عبر التاريخ[ ،[[6ومن اجل إيجاد علاقة موضوعية
بين الحاكم والمحكوم ،ورغبة في إقامة مجتمع منظم وفق قواعد ثابتة ،وصياغة منظمة
لمفهوم الحق الطبيعي للبشر للتوصل إلى مجتمع على أساس ثابت يقوم على العدل
والإنصاف ،والإبتعاد عن الصراع الشرس الذي خاضه الإنسان مع بني جلدته ومع الطبيعة
على مر العصور.
الإ أن الإدارات في العالم ،لا سيما في الدول النامية يبدو أنها بحاجة إلى تفعيل بنود هذا
العقد الإجتماعي الإفتراضي ،ومن خلال تعميق عناصره المتعلقة بالمشاركة والتشاركية
بين الحاكم والمحكوم ،وما بينهما من مؤسسات إتفق عليها الطرفين.
وأصبحت الحاجة ملحة لإعادة صياغة العقد الإجتماعي ،ولكن بما يتفق مع مفاهيم العصر
الجديد وما صاحبه من عولمة وثورة اتصالات ومعلومات ،كما وأصبحت قضايا المشاركة
قضية حوكمة بامتياز ،لا سيما بعد أن أخلَّت الدولة بمفهومها التقليدي بالعديد من التزاماتها،
وأصبحت في العديد من دول العالم النامي كما يقال بالعامية «حاميها حراميها» ،ففي
66سيد عليوة ،منى محمود« ،مفهوم المشاركة السيـاسية» ،مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية ،2008( ،ص .)1-3
67يتردد مصطلح العقد الإجتماعي على امتداد تاريخ أدبيات الفكر الإنساني منذ القدم وفي ع ّدة مجالإت مختلفة منه ،ابتدا ًء من ظهوره
في فلسفات (سقراط وأفلاطون 400ق.م) ,ومن ث ّم دراسته وبلورته بشكل «نظرية علمية» علي يد بعض علماء الإجتماع أمثال توماس
هوبز ،1679-1588وجون لوك ،1704-1632وجان جاك روسو ،1778-1712لتظهر في ما بعد ذلك انعكاساته كرمز مح ّرك لأحداث سياسية
غيرت مجرى التاريخ مثل الثورة الفرنسية .1789
31 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
الوقت الذي اتفقت عليه الجموع على إعطاء فئة صغيرة منتخبة الحق في تنظيم وحماية
المجتمع أصبحت هذه الفئة هي الفئة الظالمة والمن َتفعة من هذا التنازل الشعبي ،والحق
الممنوح لها ،وبما يتناقض كل عناصر المشاركة.
دور الحكومة في تفعيل المشاركة أصبح إجبارياً وليس مسألة اختيارية أو انتقائية ،فلا
تستطيع أي حكومة عربية منعه ،وإذا فعلت فستواجه بإعتراضات من الداخل وانتقادات
لاذعة من الخارج .ونقتبس هنا مقولة لعالم الكيمياء المصري احمد زويل[ [[6الحاصل على
شهادة نوبل في الكيمياء بأن «السلطات العربية لا تستطيع أن تمارس سياسات الإغلاق في
ظل سموات مفتوحة» ،والتي تذكرنا كذلك بجدلية السيد والعبد لميكافيلي وهيغل وماركس
وكذلك بالمقولة الشهيرة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب “ متى استعبدتم الناس وقد
ولدتهم أمهاتهم أحراراً ” .
وقد فرضت وسائل الإتصال الحديث وخاصة «الإنترنت» ومواقع التواصل الإجتماعي نفسها
وبقوة ،سوا ًء استخدمت بعقلانية أو ضمن إطار سياسة السموات المفتوحة بين ما كنا نعتقد
أنهم شباب الإنترنت و»الشات-الدردشة» ،تلك الفئة الضالة أو الجاهلة أمام طبقة النخبة
والعقلاء ،أو تم إستغلالها أو تجييرها من تجمعات غير عفوية ومنظمة وتنفذ من خلال
أدوات وأيدولوجيات ومبررات تتناسب مع نواقص المجتمعات وإحتياجاتها ،وفي الظاهر ما
هي إلا َّ تجمعات تهدف إلى خدمة أهدافها ومصالحها على حساب المجتمع بعامته.
وضمن هذا السياق ،وعلى اختلاف مسميات المشاركة فهناك العديد من الآليات التي
يمكن للإدارة الحكومية اتخاذها للتغيير باتجاه المشاركة الفاعلة والبناءة وعلى كافة ال ُصعد
والمستويات الإدارية والسياسية والإجتماعية والتنموي ،فهناك من يطلق عليها المشاركة
الجماهيرية ،وهناك من يسميها المشاركة الشعبية ،أو المشاركة العامة.
وبالرغم من اختلاف هذه المسميات الإ أنها تدور كلها حول معنى واحد الا وهو مساهمة
كل فرد من أفراد المجتمع في كل الأعمال وفى كل المستويات ،وفى مختلف مجالإت الحياة
السياسية والإقتصادية والإجتماعية وغيرها ،أي المشاركة المباشرة للجماهير في شؤون
المجتمع ،وليس عن طريق المشاركة النيابية كممثلي الشعب أو المجالس المنتخبة والتي
تعتبر مشاركة غير مباشرة.
لقد حاولنا من خلال الأفكار والأراء الواردة التأكيد على دور الحكومة في تفعيل المشاركة
انطلاقاً بما تملكه من سلطة ومن أجهزة رسمية وأدوات ،وبداي ًة على صعيد الإدارة الحكومية
نفسها وبين الشركاء الحكوميين أنفسهم ،حيث تتميز الدول النامية بحالة من التنافر وأحيانا
التآمر بين شركاء الحكم ،جراء غياب فصل وتعاون مقنع بين السلطات ،ووجود استراتيجيات
عليا أو مجلس سياسات أعلى يتحدث بصوت واحد أمام الحاكم ،بدلا ً مما يتيحه المجال
الأن لكل شريك حكومي بال َت ْغييب المقصود للآخر ،والتدخل بإختصاصاته ،وأحياناً التآمر
والإنتقاص من انجازاته والكيل له بالإتهامات .كل ذلك يخلق حالة من الإرباك لدى أعلى
سلطة في البلاد ،ويدفع بها أحياناً إلى قرارات متسرعة وانفعالية وحتى بارتكاب أخطاء ومن
68أحمد حسن زويل ويلقب بكبير العلماء العرب ،هو كيميائي مصري -أمريكي حاصل على جائزة نوبل في الكيمياء لسنة .1999
مقدمـة إلى الحوكمـة 32
بنظـرة العربيـة 2017
الممكن أن تكون فادحة أو قاتلة.
وهناك العديد من نماذج الحوكمة الجيدة للمشاركة ،وتلامس كل جوانب الإدارة العامة ،نذكر
منها ما يتعلق بالمشاركة السياسية التي تطرحها ظروف كل بلد وتختص بها جهات حكومية
مثل وزارات التخطيط؛ وجهات دولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ( )UNDPالذي
يصدر تقارير الدول ( )country reportمن خلال مجموعة كبيرة من الخبراء والمختصين
في كل مفاصل الإدارة العامة الجيدة ،بما فيها استقدام برامج حكومية متطورة ،وإصلاح
أنظمة الخدمة المدنية ،وإدارة النفقات العامة بشفافية ومسائلة ،وإعادة الإعمار ،وتشجيع
الإبداع ،وزيادة ميزانيات البحث العلمي ،والتفاعل الإيجابي مع الإعلام ،والفصل والتعاون بين
السلطات ،وتطبيق اللامركزية بما يخدم المشاركة.
- 2دور الحكـومة في تفعـيل المشـاركة مع المجتمـع :
سيظل العقد الماضي عالقاً في الذا كرة ،في مختلف أرجاء المغرب العربي والمنطقة العربية
بل وفي كل العالم ،كبداية لمرحلة من التأقلمات الصعبة مع عدد من الحقائق الجديدة
والمؤثرة في إعادة صياغة دور الدولة في صناعة القرار السياسي والإقتصادي[.[[6
ففي كل بلدان المنطقة العربية ،غ َدت الدولة بالألية المؤسساتية ال ُمع َر َفة بها تهدف إلى
الحصول على الموارد وتوزيعها ،والمحافظة على القانون والنظام ،لكن هذا الحضور لم يكن
يتساوى دائماً مع القدرة والإمكانات ،حيث اضطر ممثلو الدول إلى التوصل إلى نتيجة وهي
أن الدولة لم ت ُعد تستطيع بعد الإن أن تلعب الدور أو المسيطر على كل الإمور ،بل يجب
أن تتفاعل بإنفتاح مع كل الإتجاهات الموازية في المجتمع ،ومع الواقع المتمثل في أن دور
الدولة الطاغي جعل منها محوراً للتناقضات أ كثر منها وسيطاً بين هذه التناقضات[ ،[[7ومن
هذه المقتطفات الذي صدرت طبعته الإولى عام 1987فيبدو أن الوضع لم يتغير كثيراً في
العلاقة التشاركية الواجبة بين الدولة والمجتمع في الإقطار العربية.
ففي العديد من الدول العربية ،تعلن الخطابات الرسمية في كل المناسبات بأن مسألة تفعيل
دور القطاع الخاص يعد من أهم أولويات التنمية في ظل تبني سياسة الإنفتاح الإقتصادي
والإندماج في الإقتصاد العالمي ،وبأنه لا يمكن الإرتقاء بالإقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة
دون بناء شرا كة حقيقة بين القطاعين العام والخاص يكون بموجبها القطاع الخاص هو
المحرك والموجه الرئيسي للنشاطات الإقتصادية ،وبناء استراتيجيات وسياسات الإصلاح
الإقتصادي بمختلف جوانبه الإقتصادية والمالية والتشريعية والقضائية والتعليمية وغيرها.
كما وتتحدث المؤسسات الإقتصادية الرسمية العربية عن توسيع دور القطاع الخاص من
خلال إطار تشريعي مشجع لهذا القطاع ،وعن منحه المزيد من الحوافز لتهيأة المناخ لنموه
وازدهاره ،وبأن الحكومات تبنت برنامج الخصخصة والتي من خلالها حل القطاع الخاص محل
العديد من المشاريع التي كانت تملكها الحكومة أو التي كانت تساهم فيها بشكل كبير حيث
69الهرماسي (محمد عبد الباقي) ،المجتمع والدولة في المغرب العربي ،نشر مركز الدراسات الوحدة العربية ،بيروت) ،1992ص .) 139
70الهرماسي (محمد عبد الباقي) ،نفس المرجع السابق ،ص . 141-139
33 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
نتج عن ذلك أن أصبح القطاع الخاص هو المستثمر الرئيسي والمساهم الأكبر في الناتج
المحلي الإجمالي ،والمستوعب الأكبر للعمالة .ويساهم القطاع الخاص من خلال ممثليه
(غرف الصناعة والتجارة ،الجمعيات واتحادات رجال الأعمال والمصدرين والمستوردين
والنقابات المهنية) في صياغة التشريعات والقوانين الجديدة ورسم السياسات الإقتصادية
المختلفة.
ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي سفن الحكومة وخطاباتها ،وكذلك أطروحات القطاع الخاص
المبالغ فيها ،والتي لا تخدم فئة المشاريع المتوسطة وصغيرة الحجم محرك التنمية بقدر
ما تخدم النخب.
وقد أثبتت لغة الإرقام عن تفاقم المديونية والبطالة ومستويات الفساد وغياب المساءلة،
أطلقتها االلعسيرابيسةا ختلاالإلقاتلعصاقددي اة،لمونبأصنرمحلزممةتأتاليإ أُصكللاهحاا ،كتماالإقولتمصاتردتيقة ايلتإليى ومما افشل ُجل
مفاهيم معظم الحكومات
الحوكمة الجيدة والمشاركة الديمقراطية بين فئات المجتمع والمتأثرين من القطاع الخاص
ومؤسسات المجتمع المدني ،وكانت ِحكراً على نخبة فرضت نفسها على الإدارة الرسمية
لتحقيق مصالح اقتصادية تخدم هذه النخبة أولا ً وأخيراً.
وبأن الإشخاص الذين ينفذون سياسات الإصلاح باتوا غير مؤثرين أو مقنعين لدى الشريحة
الأوسع في المجتمع ،والذي ينظر إليهم على أنهم مختصون فقط في اتخاذ القرارات القاسية
المتعلق معظمها بزيادة الأسعار وتحقيق أجندات خاصة ،وبأن عملية الإصلاح افتقدت
إلى الإجماع أو المشاركة الحقيقة من مؤسسات الدولة خاصة الدستورية منها[ .[[7كما وأن
العقبة الرئيسية التي ساهمت في فشل الحفاظ على زخم الإصلاح هي فقدان ُجل الحكومات
العربية ومؤسساتها إلى آلية واضحة لتقييم تلك البرامج التنموية ،وتعزيز مبدأ المساءلة
في حال الإخفاق ،لذا باتت هذه البرامج كمن يفعل ما يريد من دون حسيب أو رقيب ،مما
أضعف مصداقية تلك البرامج لدى الشارع العام ،ومن السياسات العامة المرتبطة برؤية
الدولة للمشاركة ،ننتقل بأكثر تخصيصاً فيما يتعلق بداي ًة بتفعيل المشاركة مع القطاع
الخاص.
-3ليات لتفعيل دور الحكومة مع القطاع الخاص:
من اجل أن يكون للسياسات الإقتصادية جدوى وقدرة على الإقناع لا بد من مراعاة مسألة
المشاركة ،كما أن القرار الإقتصادي العربي يواجه عاد ًة بإشكالية تعدد المؤسسات الإقتصادية
والإستثمارية ،وعدم وجود مؤسسة عليا تجمعهم وتوحدهم مما يجعل من هذه المؤسسات
متنافرة ومتخاصمة في سياساتها وأرقامها ،وبما ينعكس بالنتيجة على حياة ومعيشة
وتطلعات المواطنين.
كما يثير اهتمام الحكومات العربية المفرط بالإستثمار الأجنبي بعض التساؤلات ،والذي يأتي
أحياناً على حساب الإهتمام بالمستثمر المحلي ،ويفسر ذلك البعض كون الإستثمار الخارجي
71سلامة الدرعاوي ،نفس المقال « الإردن في التقارير الدولية ..خطوة للأمام وخطوتان للوراء» ،تاريخ ٢٠١٠/٨/١٨
مقدمـة إلى الحوكمـة 34
بنظـرة العربيـة 2017
لا يوا َجه بنفس آليات محاسبة المستثمرين المحليين ،بما يعني فرصة أ كبر لاستشراء
الفساد والرشوة.
يضاف إلى ذلك معضلة الخصخصة[ ،[[7والتي أنتهجتها عدد من الدول العربية ،وبشكل
مختلف ومتقطع أحياناً .ويرى بعض المختصين في مجال بيع ممتلكات الحكومة للقطاع
الخاص بأن الخصخصة مستحيلة وفقاً للظروف الحالية لأغلب الدول العربية ،وذلك بسبب
تفشي الفساد ،وبسب تطور جوهري تمثل بالإنتقال من نظام الإقطاع الإقتصادي الذي ُرفض
في ظل نظام الإقتصاد الحر ،إلى أسلوب جديد من بيع ممتلكات الدولة لمصالح حفنة من
أصحاب الثروات الجدد المرتبطين شخصياً بمرا كز اتخاذ القرار ،وبما يكفل لهم فرض جملة
من الشروط النوعية التي تحدث فجوة هائلة بين العرض والطلب أو تحقق عملية إذعان
وخلال فترة زمنية معينة بما يكفل لهم الحصول على أرباح احتكارية خيالية ،هذا مع الإشارة
لغياب المصلحة الحقيقية لهؤلاء في التطور والإرتقاء بمستوى الأداء الإقتصادي ومستوى
الكفاءة الإنتاجية وجودة السلعة أو الخدمة وذلك لغياب المنافسة الحقيقية[.[[7
كما ويلاحظ عدم وجود تركيز وإيلاء أهمية كافية من قبل الحكومة في دعم وتمويل المشاريع
المتوسطة وصغيرة الحجم والتي تشكل عمود الإقتصادات الوطنية ،في حين تحظى المشاريع
الكبرى بعناية فائقة من الإدارة العربية وتتشكل لديها وزارات وهيئات متخصصة دون فهم
مجتمعي لما تقوم به هذه الوزارات والهيئات وكيفية مسائلتها ومراقبة أعمالها أو أسباب
الغائها متى رغبت الحكومة.
بمعنى أخر ،فأن الحكومات العربية تنأى -في الغالب -بنفسها عن صغار التجار والصناعيين،
وتفضل التعاطي والتحاور والإستماع إلى كبار التجار والإقتصاديين ،في حين يرى الإقتصاديين،
وفي شتى فروع علم الإقتصاد ،بأن هناك أهمية كبيرة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة
الحجم[ ،[[7وبأن تطوير المشاريع الصغيرة وتشجيع إقامتها وكذلك المشاريع المتوسطة يعد
من أهم روافد عملية التنمية الإقتصادية والإجتماعية في الدول بشكل عام ،والدول النامية
بشكل خاص ،وذلك باعتبارها منطلقاً أساسياً لزيادة الطاقة الإنتاجية من ناحية ،والمساهمة
في معالجة مشكلتي الفقر والبطالة من ناحية أخرى .ولذلك أولت دول كثيرة هذه المشاريع
اهتماماً متزايداً ،وقدمت لها العون والمساعدة بمختلف السبل ووفقاً للإمكانيات المتاحة،
وخاصة في الدول الغربية والدول المتقدمة صناعياً.
وتعتبر مسألة العمالة الأجنبية في العديد من الدول العربية من المسائل الشائكة في دور
الحكومات في تفعيل المشاركة مع القطاع الخاص ،والتي يمكن أن تعزى إلى عدم توافر
الإرادة الإقتصادية الحكومية الكافية والفاعلة والقادرة لتغيير خارطة العمالة الأجنبية لصالح
العمالة المحلية ،أو لإنكفاء المواطنيين المحليين عن العديد من الأعمال والقطاعات وخاصة
الإنشائية واليدوية والخدمات العامة.
72للمزيد حول الخصخصة لطفاً انظر ص 157
73المصدر :الموسوعة العالمية الإمريكية ،ويكيبيديا
74ماهر حسن المحروق وأيهاب مقابله « :المشروعات الصغيرة والمتوسطة ،أهميتها ومعوقاتها»( ،أيار ،2006ص )4-6
35 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
كما ويأتي موضوع التشغيل والتدريب المهني من الحلول الهامة لهذه المعضلة ،ومن أجل
إحلال عمالة محلية بدلا ً من الآلاف من العمالة العربية والأجنبية ،والتي تستنزف إحتياطات
العملة الصعبة ،وتزيد من البطالة ،والإحتقان المجتمعي ،والتي نرى أن فقدان الحكومة
لإرادة المشاركة ،مع نقابات العمل والشغل والنقابات المهنية المعنية ،هو ما يعيق َجم ْع
المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني للخروج بسياسات وقوانين تحد
من العمالة الأجنبية و ُتشغل و ُتدرب العمالة المحلية.
وتب ّرر أحياناً الحكومات العربية إجراءاتها بحجة إحجام المواطنيين المحليين عن القيام
بالأعمال المهنية البسيطة أـو جراء التحديات إجتماعية المتصلة بثقافة العيب ،إلا ّ أن إتجا ًه
معاكس يرى أن تشابك الفساد والمصالح الحكومية مع فئات منتفعة من جلب العمالة
الأجنبية ،إضافة إلى عوامل جانبية معيقة أهمها سلبيات البيروقراطية ،كلها تشكل عوائق
كبيرة أمام دور حكومي لتفعيل المشاركة بين الدولة والمجتمع لهذه المسائل الإقتصادية
الوطنية الملحة.
وبالنسبة للهيئات الإعلامية الخاصة والعامة كأحد مكونات المجتمع بل وسلطته رابعة،
ُيذكر بأن السياسة الإعلامية للمحطات التلفزيونية العربية الخاصة متقدمة على نظيراتها
الحكومية ،وتحاول أن تشرح الحقيقة الغائبة التي يحجبها الإعلام الرسمي ،الإ أن العامل
المشترك في كل المحطات العامة والخاصة هو أولا ً وجود خطوط حمراء ممنوع تتجاوزها،
وهي المتعلقة بإنتقاد النظام وبما يسمى إغتيال الشخصيات العامة ،والعامل الثاني هو
تغلغل الإمن في الإعلام بصورة تدفعه إلى التركيز على حالة إحتفالية لا تتوقف ،وتصفيق
مستمر لمؤسسة الحكم ،والإشادة بانجازات الحكومة ،وكلها لا نعتقد هنا بأن الإدارة أو حتى
النظام بحاجة لها وخاصة إذا كانت على حساب الحقيقة والصالح العام.
وبعد التع ّرض إلى دور الحكومة في تفعيل المشاركة مع القطاع الخاص ،يأتي دورها في تفعيل
المشاركة مع الشق الثاني من المجتمع المتصل بمؤسسات المجتمع المدني.
-4دور الحكومة في تفعيل المشاركة مع مؤسسات المجتمع المدني:
تعتبر مسألة تفعيل المشاركة مع هيئات المجتمع المدني وفعالياته أحد الكوابيس المزعجة
للحكومات العربية ،لا سيما في الفترات التي تنشط فيها النقابات المهنية كأحد المنابر الهامة
بية الحكم العر التي ُتؤرِق مؤسسات والمشاركة المجتمعية ،وهي المسائل للتعبير الشعبي
لها أو المهادنة الشخصيات الموالية السبل والوسائل ،وتحاول دائماً تزكية وتحاربها بشتى
ولسياساتها لرئاسة هذه النقابات والإتحادات لإدرا كها مدى خطورتها وتأثيرها على المجتمع.
ولتحقيق ذلك كانت الإدارات العربية تفعل أي شيء ،وتَن َش ْط في العمل الإمني والإستخباري
بين صفوف النقابيين والناشطين المنخرطين بهيئات المجتمع المدني وخاصة النقابية
والسياسية والحقوقية منها.
وبالرغم عن كل ما سبق ،فقد تنبهت الحكومات العربية في السنوات الإخيرة لمدى أهمية
وتأثير مؤسسات المجتمع المدني في التعبير عن مطالب واحتياجات ورغبات المجتمع ،وما
يتطلبه ذلك من تفعيل أدوات وسبل المشاركة مع هذه المؤسسات وإتاحة المجال لها
مقدمـة إلى الحوكمـة 36
بنظـرة العربيـة 2017
للمشاركة في صناعة السياسات العامة ،وبالتالي لتحقيق التوازن بين مستويات الحوكمة
لتكون ديمقراطية ورشيدة.
كما وهناك أهمية لمتابعة التقارير العالمية المختصة بحقوق الإنسان والمشاركة مع
المجتمع ،فيشار إلى تقرير منظمة[ [[7حقوق الإنسان السنوي لعام 2010الصادر عن وزارة
الخارجية الإمريكية[ [[7والذي وجه إنتقادات لاذعة لعدد من الدول العربية التي ارتكبت
انتهاكات حقوق الإنسان في عام ،2010كما وتطالب عدد من المنظمات الحقوقية إلغاء
عقوبة الإعدام وتتهم السلطات الإمنية بممارسة التعذيب ،ويطالب العديد منها بإطلاق
سجناء الرأي .فضلا ً عن ما يشاهده العالم بأسره وترصدة منظمات الإنسان بكافة صنوفها من
ممارسات فظيعة ترتكبها الإنظمة العربية والمعارضات السياسية والعسكرية إزاء شعوبها،
وما تعيشة من حالة صراع أهلي وأقليمي وعالمي ولحينه في الصراع الدامي في الدولة
السورية ،وأيضاً في الإزمة اليمنية ،والصعوبات التي تواجهها دول تباعاً مثل ليبيا ومصر
وتونس ،وآخرها الأزمة مع دولة قطر.
ومهما تقارب أو تباعد ِسجل الدول العربية من أساسيات حقوق الإنسان ،مقارنة بدول
أخرى ،الإ أن ذلك يتطلب منها الإستماع بشكل دائم إلى أي ممارسات خاطئة بحق المجتمع
المدني ومنتسبيه ،والمتابعة الدقيقة لأي انتقادات توجه من التقارير الدولية أو الحقوقية أو
حتى النشطاء ضد الدولة أو أجهزتها الرسمية.
وهناك مسألة مرتبطة بعدم وضوح صورة منظمات المجتمع المدني ،والصورة الذهنية
المرتبطة بأنها تسعى لتحقيق أغراض سياسية والحصول على تمويل لذلك عبر برامجها
المتصلة بها ،وما يعنيه ذلك من غياب لدورها في شرح برامجها وتعزيز التوعية الشعبية،
ناهيك عن سطوة الحكومة على مفاصل الإعلام مما يضعف من فرص مشاركتها في بث
الوعي العام حول المشاكل التي تعتري المجتمع ،ويضعف بالتالي من عنصر مشاركتها بما
يتفق مع الحوكمة الديمقراطية.
ويشار كذلك أن الحكومة شبه غائبة أو ربما متخوفة من بث فكر التطوع ()Volunteer
للخدمة العامة بين المواطنين والمؤسسات الأهلية التي تضطلع بها ،وهو الأمر المنتشر في
الدول المتقدمة ،ويعتبر من أهم علامات المواطنة الصالحة والشرا كة بين الدولة والمواطن
لتحقيق المصلحة العامة ،ويف ّعل الحوكمة الجيدة في مجال المشاركة بين الدولة والمجتمع
بكافة فئاته.
وبالنسبة للبحث العلمي ،فإن مرا كز البحوث العلمية هي محور استقطاب العلماء ،ومكاناً
يلبي فيه طموحه العلمي والثقافي ،وقد يؤمن له موقعاً للإبداع والتطور ،بينما يجد في وطنه
غياب كل ذلك ،بل الإكثر من ذلك غياب التخطيط السليم ،واعتبار البحوث العلمية ترفاً
لا حاجة له ،وحتى إذا استطاع العالِم أن يجد له مكاناً في البحوث العلمية أو الجامعات في
75لمزيد من الإطلاع رجاء النظر إلى صفحة منظمة مراقبة حقوق الإنسان (http://www.hrw.org/ar/home )Human Right Watch
76لمزيد من الإطلاع رجاء النظر إلى صفحة وزارة الخارجية الإمريكية /تقارير الدول بخصوص حقوق الإنسان
htm.index/nea/2010/hrrpt/rls/drl/g/gov.state.www//:http
37 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
الوطن العربي ،فأنه يلقى الكثير من التنافس والمعوقات التي تجعل منه شخصاً هامشياً،
وإذا لم يصادف العالِم مثل هذه الصعوبات وهذا نادر ،فإنه لا يجد الإطار العلمي والفني أو
التجهيزات والمخابر.
كما أن العالِم في الوقت الحاضر يمضي قرابة 90%من وقته لملاحقة متطلبات الحياة
اليومية ،وبالتالي فإن إنتاجيته ومردوده العلمي يكون ضعيفاً ومتواضعاً ،والتي يمكن أن
تعزى إلى عدم التفات الحكومة الكافي للبحث العلمي ،و ُتفضل شراء التكنولوجيا والصناعة
الجاهزة جراء ضعف التقنية الصناعية والبنيان الصناعي عموماً ،إضافة إلى ما تضمنه البحث
في التحديات الإقتصادية والضغوط الإقتصادية الخارجية التي تمارس على الدول النامية
لتبقى مستهلكة وتابعة ومعتمده على الخارج.
وتشير الإرقام الحكومية بان نسبة البحث العلمي في ميزانية الدول العربية لا تزيد عن
،3% -2والمفارقة في ذلك تتعلق بالميزانية العسكرية والتي تشكل نسبة عالية لا يمكن
اعتماد ما ينشر عنها نظراً لان الميزانية العسكرية ينضوي فيها كل المصروفات التي لا
ترغب الدولة بإطلاع الشعب وجهاته الرقابة عليها .كما وأصبحت الميزانية العسكرية معضلة
حوكمية تستطيع المؤسسات الدولية فهم تركيبة الدولة من خلالها ،وخاصة لكونها تأتي على
حساب ميزانيات التنمية الوطنية ،وتصب في مصلحة النظام على حساب معيشة المواطن
وتطلعاته.
وبهذا الصدد ،فتطالب هيئات وبرامج الأمم المتحدة المتصلة بقضايا الحوكمة التشاركية بأن
يكون للمواطنيين وهيئات المجتمع المدني والهيئات المحلية والبلدية دور فاعل في توزيع
المخصصات المالية وإعداد الميزانيات والرقابة عليها ،ومن خلال منظومة لا مركزية في الإدارة
تراعي في النهاية الإحتياحات الحيوية للمواطنيين[.[[7
وهناك برامج هامة ومتعددة في مجال تعزيز دور الحكومة في المشاركة والتي يمكن للإدارات
الحكومية العربية الإستفادة منها[ ،[[7لا سيما أن عدد من الدول النامية قد أخذت بها أيضاً،
وقد تم تصميم هذه الإليات من قبل معهد التنمية الإقتصادية في البنك الدولي ،والتي ارتأينا
تبويبها في خانة الملاحظات نظراً لأهميتها وإمكانية الإستفادة منها في مجال هذا البند المتصل
People Participation in the Budget Legislation Process-Participatory Planning« ,Emilia T. Boncodin 77
Editor: United Nation-Department of Economic & Social ,»and Budgeting at the Sub-national Level
.)160-155 .P ,2005( ,Affaires, New York
78الدكتور زهير الكايد ،الحكمانية »، Governanceقضايا وتطبيقات» ،مرجع سابق ،2003 (،ص )79-116
مقدمـة إلى الحوكمـة 38
بنظـرة العربيـة 2017
بدور الحكومة في تعزيز المشاركة والتشارك[.[[7
وبعد التعرض إلى ما سبق من أفكار مرتبطة بتفعيل المشاركة مع المجتمع المؤلف من
القطاع خاص وهيئات المجتمع المدني ،ننتقل إلى دراسة عناصر حوكمية أخرى لها تأثير
حيوي ومباشر على تفعيل المشاركة بين طرفي الحوكمة ومرتبطة بتسلسله المنهجي ،حيث
سنتناول في المبحث التالي المشاركة من خلال تفعيل عنصري المساواة والإنصاف وعنصر
الإستجابة.
1- : 79برنامج إدارة القطاع العام والحوكمة ،)Governance and Public Sector Management program( ،والذي يهدف إلى التغيير
في نهج الإدارة بشكل جوهري ،وتحقيق مزيد من المشاركة ،والتي إذا ما بادرت الدولة في التغيير ومن ذاتها وبمبادرة منها فإنها ستكون
مكرهة على التغيير أو ال َت َغ ُّير وفي أسوأ الظروف ،وذلك لموا كبة التطورات العالمية والإقليمية والمحلية ،وفيما يلي ملخص للبرامج العاملة
في برنامج ال-حاكسمتانطيلةاعفاي تت تطوقيدري امل اقلطخادعمالةعواإم:شراك المجتمع المدني :تَ ْعم ْد استطلاعات الرأي العام حول مستوى تقديم الخدمات إلى
لتحقيق الرضا من قبل المواطنين عن خدمات الحكومة ت حسين هذا-االلممسستاءولةى
للفساد المناهضة الجهود لكافة المشترك العامل والشفافية :هناك عناصر كثيرة فاسدة في القطاع العام ،وبأن
سواء تضمنت إصلاح البرامج العامة ،أو إعادة تنظيم الحكومة ،أو تعزيز سلطات أجهزة تطبيق القوانين ،هو أنها يجب أن تتمتع بدعم
التي ستبحث بشكل موسع في الفصل الثاني من هذا المبحث. ال جمهور .ويأت-إيصهلاذاحالالمخودضموةعالمضدنمينة :إعنان الصره ادلحفوالكإمسةا السريشيمدةن
والكفاية، إصلاح الخدمة المدنية ينطوي على تحسين مستوى الإستجابة،
والنزاهة في الخدمة المدنية ،مع إعادة النظر بدور الحكومة ،وتبني أنظمة رواتب ومكافآت أ كثر واقعية ،وتحسين مستوى التدريب
للموارد البشرية ،وإتباع نهج الإدارة بالنتائج ،وتأمين الوظائف والمهن لتاركي المدارس ،والإبتعاد عن الترقيات السريعة لغير المؤهلين،
في الخدمة المدنية. ور فع الروح ا-لالمنعنشورياةل لملععلاومملايتين
القطاع وإدارة الحكمانية عن الدولي البنك مشروع يقوم : )Multimedia للمعلومات (Dissemination
العام بإنتاج ونشر النتائج والإمثلة للممارسات الإدارية المتميزة من خلال ورش العمل أو المؤتمرات والمحاضرات بهدف الترويج
والتعزيز للنزاهة والكفاية والفعالية في القطاع العام للدول المختلفة .كما وتساعد تكنولوجيا المعلومات والإتصالإت على تحسين
الحوكمة من خلال توفير دخول المواطن للخدمات والمعلومات الحكومية ،مثلما تصبح تكنولوجيا المعلومات والإتصالإت أساسية في
العالمي ومجتمع المعرفة العالمي (. )Global Knowledge Society خ لق وتحقي-قإدامرةجتالمنعف اقلامتعاللوعماامةت
النامية والدول والصرف، وصنع قرار الإستثمار :لقد تركت الدول المتقدمة النماذج القديمة للموازنات
بحاجة أيضا لتقوية قدراتها ،وتطوير أطر موازناتها ،لتصب في تحقيق مصلحة المواطنين ،وتقلل من الإنفاق الذي لا يحقق النتائج
المرجوة .ولعل ما تعاني منه الكثير من الدول النامية ومنها الإردن من صعوبات داخلية متنوعة وصراعات إقليمية مجاورة مما يرفع من
نسبة الموازنة. النفقا -ت الع2س نكرميوةذفجي كلفة
إعادة اختراع الحكومة:
التالي: النحو التي يبنى عليها هذا النموذج على النموأاذلجحفكيوالموةلاايلاحاتفازلةمtتnحeدةmالnإrمeرvيoكيGةst،وyيlمtaكaن،Cتححدكيودمالةإ تسقاودسيبادلات هذ-ا تطوير تم
حاجة هناك كانت من أن تج َّدف ،ولا تفترض ،بأنه إذا ً
لخدمات معينة بأن تقدمها المؤسسات العامة ،ولكن يمكن تقديمها من قبل مجموعة من المؤسسات الحكومية
-باولالحخاي الصةشواعلبتيطيومعتيلة أكوالبأحيكوممجةمtوnعeةmمnنrها ،: Community-Owned Gov.eالتمكين بدلاً من الخدمات المباشرة ،فإن
دور المؤسسات العامة والحكمانية هو خلق الظروف الصحيحة لحل المشاكل بدلا ً من القيام بها مباشر ًة وغالباً ما
يتم إشراك وإدماج الإحياء الشعبية بحل المشاكل.
ج -حكومة منافسة :Competitive Governmentإدخال التنافسية إلى تقديم الخدمات ،بين المؤسسات العامة أو مع مؤسسات بديلة
لتزويد الخدمات.
د -حكومة توجهها الرؤية ،Mission – Driven Government :التحويل من حكومة تدار بالقواعد والإنظمة وسيطرة البيروقراطية
واستبدالها بأنظمة ت َّوجه وفق الرؤية والقيم.
ه -حكومة تدار بالنتائج ،: Result –oriented Governmentبأي بالتركيز على تمويل النتائج وليس المدخلات.
و -حكومة يقودها المستهلك ،Customer-Driven Government :أي بتحقيق احتياجات المستهلك والإستماع إلى احتياجات ورغبات
المتلقين للخدمات العامة.
ز -حكومة تعمل بنهج المشاريع ،Enterprising Governmentأي حكومة تكسب بدلاً من أن تنفق -تبحث عن الفرص للمؤسسات العامة.
ح – حكومة تنزع إلى ال َت ُّوقع ،Anticipatory Government :المنع بدلا ً من العلاج ،حكومة تحاول التعرف على أسباب المشاكل الحالية
والمستقبلية ،والتعامل معها ،بدلا ً من التعامل مع المشاكل الناتجة عنها.
ط -حكومة يحركها السوق ،Market Oriented Government :تحرك التغيير من خلال السوق – تستخدم الوسائل المتنوعة لتحاول
إعادة توجيه الإسواق لمعالجة المشاكل الإجتماعية .وهذا النموذج ينطوي على اختلافات حيث أن الخصخصة Privatizationليست
بالضرورة الحل الوحيد أو الإكثر ملائمة ،وأهمية اختيار الدول النامية لآليات ومنهجيات القطاع الخاص مع المحافظة على خصوصية
القطاع العام ونظمه وتشريعاته.
ي -حكومة لا مركزية ،Decentralized Government :وتعمل بشكل أساسي بمبدأ الإنتقال من الهرمية إلى المشاركة وعمل الفريق.
39 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
ثانياً :عناصر المساواة والإنصاف وعنصر الإستجابة:
كان المطلب الإول للشعوب المستع َمرة طيلة مرحلة الإربعينات والخمسينات وأوائل
الستينات يتمثل في أن يكون الحاكم من أهل نفس البلد ،لكن المفارقة عندنا ،أنه بمجرد أن
طال زمن الدولة تح ّول جهاز الحكم إلى نوع من التملك ّية الفردية والإستفرادية و»الزبونية»،
يعني بدل أن تستجيب هذه الدولة لتطلعات المجتمع ورغباته ،و ُتوسع المشاركة ،وتعمقها
تدريجياً ،تراجعت بإتجاه الزبونية أي مجموعة المصالح والعلاقات باتجاه الإستفراد بالسلطة،
وسوء توزيع الثروة وعملية صناعة القرار [.[[8
ولقد تسارعت الإحداث في عالمنا العربي حتى وصلت إلى مرحلة ملفتة من اللفظ والرفض
إلى الإقصاء والإستغلال ،حيث طالت الإحتجاجات العديد من الدول العربية وتبعها نزاعات
مسلحة في عدد من الدول ،ومما يتطلب صراحة ومكاشفة ،ومساءلة ،واستجابة ،وتمكين
للقانون ،ومشاركة متكافئة للمرأة والإقليات ،ومساواة وعدالة ،وكفاءة وفعالية ،ورؤية
إستراتيجية.
أي كما ذكرنا في مناسبات سابقة ،ثورة حوكمية تعمل على تفكيك البنية الإدارية للدولة
ومن ثم إعادة بنائها على أسس الحوكمة الرشيدة والفعالة ،وبحيث تكون فيها الدولة خادماً
للمجتمع ،ويشترك المجتمع بمسؤولية مطلقة في صياغة السياسات العامة.
ومن هنا ،يتحمل هذه المبحث عبء تناول عدد من عناصر الحوكمة الرشيدة حسب ما
تمكّن البحث من تقسيمه لتجاوز الصعوبات المنهجية والشكلية ،حيث سنتناول تالياً مسألة
الإنصاف والمساواة ،ثم عنصر الإستجابة.
1-المسـاواة والإنصـاف (: )Equity and Equality
ثنائية المساواة والإنصاف قديمةٌ جداً ،فمنذ القدم فرضت فكرة المساواة نفسها على القانون،
وخاصة في سير الحياة اليومية في الحضارة الهيلينية (الإغريقية) القديمة .كما وتواجدت فكرة
الإنصاف عند أرسطو واستعملها بكثرة ويراها كفضيلة لإصلاح نقائص القانون الوضعي[.[[8
كما ويشار بالأهمية إلى إسهامات الفلاسفة والمفكرين التي لا يمكن حصرها في مجال هذا
البحث ،ولكن يشار بالبنان إلى ظهور المدينة ،وتأثيرها على اهتمام الفلاسفة للتفكير بحقوق
الإنسان نتيجة للمنازعات الداخلية والعهود الطويلة من الظلم والطغيان ،حيث أظهر أفلاطون
لنا مبادئ حقوق الإنسان والمدينة الفاضلة وهي الدول ُة التي يسود فيها العقل ،لا الرغبات
والشهوات ،وتكون مبنية على العدل والمساواة.
كما وشبه أرسطو الدول بكيان عضوي « التضامن العضوي» ،وأ كد على مبادئ حقوق
80المنصف وناس« ،الدولة والتحديث والمجتمع المدني -نحن والمتغيرات العالمية» ،اصدارات منتدى الجاحظ ،تونس ،2008( ،ص .)17
Aristote, Ethique à Nicomaque, V, 1137 ,10, a 31 sq.; Rhétorique, 1347 ,13 ,1 a 26 b23 .81
مقدمـة إلى الحوكمـة 40
بنظـرة العربيـة 2017
الإنسان من خلال رؤيته إلى دور الدولة في توفير الحق والعدل والمساواة لكل المواطنين
ورفض العدوان والحرب والإستعباد.
وعلى الرغم من أن المبادئ الإلهية ،والميتافيزيقية (علم الغيبيات) ،لا يمكن إخضاعها
لقواعد المنطق المحسوس وللأبعاد الفيزيائية المعروفة مهما تزايدت أو نقصت ولِعلم
الفيزياء التطبيقية شؤونه في ذلك ،الإ أننا نرغب هنا بذكر َفضل ومساهمة الديانات السماوية
في تعزيز الوعي بحرية الإنسان ،وحقه في العيش الحر الكريم ،حيث أن هذه الإديان ذات
المصدر الواحد ،جعلت الإنسان هو مدار الكون ومناط التكريم بصفته الإنسانية ،وعززت من
مفاهيم الإنصاف والعدل والمساواة بين البشر.
فقد اهتمت الديانة اليهودية بحقوق الإنسان من خلال الوصايا العشر التي كلم الله (سبحانه
وتعالى) بها النبي موسى والتي اشتملت على :حق الإنسان في الحياة ،الحق في الملكية،
النهى عن القتل ،والنهى عن السرقة .كما وأ كدت الديانة المسيحية على حقوق الإنسان
من خلال المحبة ،العدالة ،المساواة والإحسان .وقد إهتم الدين الإسلامي بفهم[ [[8وتكريم
الإنسان[ [[8من خلال خلافته للأرض ،وبالمساواة بين الناس ،ونبذ التمييز بسبب الجنس
أو اللون أو العقيدة أو الوضع الإجتماعي أو الإقتصادي ،ولكن بخشية الله ومراقبته[،[[8
وقدم منظومة عقائدية وتشريعية وأخلاقية من أجل الإنسان ،وبغرض تنظيم حياته وإصلاح
أحواله[.[[8
كما اعتمد فلاسفة مدرسة القانون الطبيعي أو ما سمي بالعقد الإجتماعي ،أمثال هوبز
ولوك وجان جاك روسو[ [[8بأن الإنسان له حقوق طبيعية سابقة على الوجود السياسي ،وأنه
لا يوجد أي تناقض بين سلطة الجماعة ،كما وأ كد المفكر مونتسيكيو[ [[8على مسألة مبدأ
الفصل بين السلطات.
إضافة لذلك ،فإن الإنصاف يعتبر من مكونات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر
في ،1789حيث ي ُّنص الفصل الإول من الإعلان على المساواة في القانون ،والفصل الثاني
المساواة أمام الضريبة .كما وت ُّنص بعض النصوص الدولية على الإنصاف ،بينما لا ُيف َرض
الإنصاف فيها بالضرورة على أي تصرف معين على السلطة التي تتخذ القرار ،بقدر ما تصف
حالة ملموسة ناتجة عن تطبيق قاعدة قانونية والتي تبين بدورها أن هذا الوضع مقبول ،أو
82القرآن الكريمَ »،ونَ ْف ٍس َو َما َس َّوا َهاَ ،فأَ ْل َه َم َها ُف ُجو َر َها َوتَ ْق َوا َها» ،سورة الشمس ،الإية 8و9
َ « 83و َل َق ْد كَ َّر ْم َنا بَ ِني آ َدم « ،سورة الإسراء ،الإية 70القرآن الكريم،
84القرآن الكريم« ،إِ َّن أَ ْك َر َمكُ ْم ِع ْن َد اَِّلل أَ ْت َقاكُ ْم» ،سورة الحجرات ،الإية 13
85أنور الحمد ،تمام الصباغ ومحمد المختار« ،الحوار مع الإخر-المنطلقات والثوابت»،اصدارات :مجلة الوعي الإسلامي -وزارة الشؤون
الإسلامية في الكويت2006( ،ـ ص .)144
86العقد الإجتماعي وأعلامه تعرضنا له في ص .209
87شارل لوي دي سيكوندا المعروف باسم مونتيسكيو (بالإنجليزيةMontesquieu :)؛ ( 18يناير 10 - 1689فبراير ،)1755فيلسوف
فرنسي صاحب نظرية فصل السلطات الذي تعتمده غالبية الإنظمة حاليا ،ولد مونتسكيو في فرنسا 1689حيث تعلّم الحقوق وأصبح
عضو برلمان عام ،1714وفي عام 1748نشر مونتيسكيو أهم كتبه «روح القوانين» في جنيف وأضحى من أبرز المراجع في العلوم السياسية.
41 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
جائز ،وبالتالي مطابق لإحساس مشترك لما يجب أن تكون عليه المساواة [.[[8
وبهذا الصدد ،يشار إلى تعريفات[ [[8للمساواتيه أو مذهب المساواة بأنه« :دعوة سياسية
ليست واضحة المعالم تدعو إلى المساواة السياسية والإجتماعية بين كل المواطنين منذ
الولادة ،ولا يقصد هنا التساوي المعيشي بل التساوي في منح الفرص بحيث لا يكون هناك
أفضلية لشخص على آخر ،ويكون الجميع سواسي ًة تحت مظلة القانون ،ويعتبر هذا المذهب
في وقتنا الراهن الركيزة الإساسية التي تقوم عليها سياسات الحقوق المدنية الحديثة «.
وفي خضم الزخم الهائل للكتابات في هذا المجال« ،فإن مأزق اللامساواة بين الإشخاص
والطبقات والثقافات والدول هي التي تثير انزعاج الإنسان من الإخر ،وان عار الفوارق
الإجتماعية هو الذي س ّبب الإ ِعراض عن القيم الإخلاقية ،والنظر باشمئزاز إلى القوانين
السياسية [ .[[9وأن الإختلاف في القدرات الطبيعية وال َم َلكَات الإدرا كية هو الذي يجعل الفرد
يتحدى القدر وينتفض ويطلق العنان لروح التساؤل ويتحرك عنده هاجس التفكير .كما أن
درجة الحيرة والإندهاش تزداد عندما يرصد ال ِفكر التناقض البادي للعيان بين حالة الإنسان
في الواقع المعاش ،والفاقدة لمقومات الإنسانية ،وال ُم َداهم بالفقر والمرض والجهل والقهر
وبين ما يؤكده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدساتير والقوانين في كل أرجاء العالم [.»[[9
يتضح مما سبق أن المصطلحات المتعلقة بالحرية والديمقراطية إضافة إلى أنها ُتعبر عن
مفاهيم فلسفية وتعبوية عامة فقد أصبحت ُت َع ْد من المؤشرات النوعية الهامة في مجال
قياس مستوى التنمية البشرية في أقطار العالم كافة ،ومن العناصر الرئيسة لمكونات
الحوكمة الرشيدة.
كما ويرتبط الإنصاف بكافة شؤون العلاقة بين الدولة بالمجتمع ،حيث تبرز الفقرة تالياً عناصر
التقاطع والتفاعل بين الإنصاف والتنمية البشرية وحقوق الإنسان ،ومن ثم مسألة الإنصاف
والمساواة بين النوع الإجتماعي بما يسمى الجندرية (.)Genderism
-الإنصاف والتنمية البشرية:
يعتمد دليل التنمية البشرية[ [[9على مؤشرات كمية للقياس هي « الدخل ،التعليم ،الصحة»،
ولكن لوحظ أن هذه المؤشرات الكمية غير كافية ،حيث من الضروري الإهتمام بالمؤشرات
النوعية للتنمية البشرية وفي المقدمة منها « التمكين[ ،[[9الإنصاف ،الإستدامة» ،أي العناصر
المرتبطة بمقومات حرية الإنسان في عيش الحياة الكريمة التي ينشدها وفي المقدمة منها
8 8
89الموسوعة العربية العالمية ،ويمكن الإطلاع على الموقعhttp://ar.wikipedia.org/wiki :
90زهير الخويلدي( :على ُخ َطى ابن اغسطين وابن خلدون :العدالة والإنصاف)» ،مدونة «رواق الفلسفة ،تاريخ 06يونيو 2010
91زهير الخويلدي :العدالة والإنصاف ،نفس المرجع2010 .
92محسن ابو رمضان« ،قراءة في تقرير التنمية البشرية 2010 -الثروة الحقيقية للأمم :مسارات إلى التنمية البشرية» 17 ،فيفري 2011
93التمكين ،يعني توسيع قدرات البشر وإختياراتهم ،بحيث يصبح الإنسان مركز إهتمام عملية التنمية ،وبأن الهدف هو إعطاء الناس
القوة ،والقدرة ،والإمكانيات والمدخل الضروري ليتمكنوا من تغيير حياتهم ومجتمعاتهم والتأثير على مصائرهم ،وبالتالي يجب أن لا يكون
الإنسان عنصر متلقي بل مشارك في تقرير مصيرة وقادر على تغير حياته ومجتمعه ،مرجع سابق ،Gita Welch & Zahra Nura ،ص .174
مقدمـة إلى الحوكمـة 42
بنظـرة العربيـة 2017
الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ،والبيئة ،والرفاه ،المشاركة.
وعليه ،فإن مفهوم الإنصاف[ [[9يقع في قلب مفهوم التنمية البشرية المستدامة ،باعتباره احد
المكونات النوعية الإكثر أهمية ،والتي تتميز عن نظريات النمو الإقتصادي ونظريات التنمية
التقليدية ،وبانه أصبح يستخدم كمصطلح بديل عن مصطل ّحي المساواة والعدالة الأقرب إلى
الخطاب الإجتماعي الذي سا َد في ُح َقب سابقة.
كما ويتميز مفهوم الإنصاف عن المفاهيم الإخرى بكونه يركز على تكافؤ الفرص والوسائل
والمدخلات لا على النتائج والمخرجات ،ويلتزم بمبدأ تحميل الفرد مسؤولية الإفادة منها،
وذلك كي لا يأتي المفهوم متعارضا مع الميل السائد نحو تقليص دور الدولة كمسؤول شبه
حصري عن تأمين الحاجات الإساسية وتأمين العدالة ،الإ أن مفهوم الإنصاف ،مع محدودية
اعتباره وسيلة متكافئة في الوصول إلى الفرص بشكل متكافئ ،فانه يتطلب إعادة هيكلة
جذرية في علاقات القوة في المجتمع.
وقد تعرضت هذه الفقرة سابقاً إلى ضرورة إقامة هيكلة جذرية في علاقات القوة في المجتمع
و ُق ِدمت بعض المقترحات لتحقيق مزيد من الإنصاف في المجتمع .الإ أن الإنصاف غاية في
التعقيد ،وصع ٌب في التحقيق ،كيف لا وهو المرتبط بمعنى الحياة والوجود ،وبعذابات البشر
منذ نشأة الخليقة ،فالظلم هو نقيض الإنصاف ،ومما يجعل من الصعب بمكان لأي إنسان
نسيان الظلم إذا ما وقع عليه ،سوا ًء كان من صنع البشر أو من مل ّمات القدر أو من نار
السلطة مهما كانت مبرراتها.
إن التغير كما تعرضنا له هو حتمي وهو سمة الحياة ،وإن الإنتقال من الظلم إلى الإنصاف
يجب أن يكون حتمي كذلك ،وهو ما تسعى الحوكمة الرشيدة إلى تحقيقيه عبر تحقيق
المساواة والإنصاف وكافة العناصر الإخرى.
ومن هذا الظلم ما يتعلق بالنوع الإجتماعي نظراً للفوارق بين الرجل والمرأة ،ولكن ليس
كمنظور للفرق بين الجنسين بل بالفرق في الدور والمسؤولية والإضطهاد الإجتماعي ،وهو ما
نتاوله تالياً لفهم أبعاد الإنصاف والمساواة على مستوى مفهوم الجندرية.
-الإنصاف والجندرية ) النوع الإجتماعي([: [[9
مهما قيل من أن الإصل في المجتمع كان أمومياً ،الإ أن الرجل كان هو صاحب السلطة
والضبط ،وبقي الأمر كذلك حتى القرن العشرين إذ ظهرت بعض البرجوازيات المتحل ّيات
94التنمية البشرية المفهوم ...المكونات ،« جريدة الصباح ،تاريخ 2006/5/11
95يرجع استخدام مصطلح «الجندر» إلى منظمة العمل الدولية ،وهو مصطلح يشير إلى العلاقات والفروقات بين الرجل والمرأة التي
ترجع إلى الإختلاف بين المجتمعات والثقافات ،والتي هي عرضة طوال الوقت للتغيير .ومصطلح “الجندر» لا يعد بديلا» لمصطلح «
الجنس» الذي يشير بدوره إلى الإختلافات البيولوجية بين الرجال والنساء .وبمعنى آخر فإنه يمكن استخدام مصطلح الجنس في التعدادات
الإحصائية أما « الجندر» فيستخدم في تحليل الأدوار والمسؤوليات والحاجات الخاصة لكل من الرجال والنساء في كل مكان وفي أي سياق
إجتماعي .كما يشار إلى أن تعزيز المساواة الجندرية وتمكين المرأة من الإهداف الإلفية التي أقرتها الأمم المتحدة لغاية عام 2015The
،) ) Millennium Development Goals-MDGGللمزيد حول الإهداف الإلفية يمكن الإطلاع على موقع http://www.un.org/millen� :
niumgoals
43 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
بالوعي السياسي[[9[ ،حيث ربطن نضاله ّن بنضال حزب سياسي محدد ،وأصبح ّن يطالبن
بحق المرأة والعمل وممارسة الحقوق السياسية ،والمطالبة بحماية الإمومة.
وقد تطورت المفاهيم والمصطلحات تماشياً مع متطلبات المجتمعات وتطورها ،حيث أن
المسألة أصبحت مرتبطة بالنوع الإجتماعي أ كثر منها بالتركيبة الجسدية للرجل والمرأة
بما سمي بالجندرية ( )[[9[genderismوالتي تشير إلى «التوقعات السلوكية التي تكتسب
من التعلم من المجتمع والمرتبطة بالجنسين ،ويشير إلى الأدوار الإجتماعية المتنوعة
والسمات التي ُتعزى إلى ثقافة الرجل والمرأة ،والى الحقوق والواجبات والإلتزامات والعلاقات
والمسؤوليات والصور ومكانة المرأة والرجل ،والتي يتم تحديدها اجتماعياً وثقافياً عبر التطور
التاريخي لمجتمع ما»[.[[9
وانطلاقاً من مفهوم النوع الإجتماعي بإعتباره يعكس الأدوار والعلاقات الإجتماعية المكتسبة،
كما ويفرض على كل من الرجل والمرأة التصرف بأسلوب محدد بناء على العناصر المختلفة
في المجتمع ،وعلى تقسيم العمل على المستوى العام والخاص بينهما ،والذي يؤدي بحد
ذاته إلى تحديد مدى وصول الإفراد إلى الموارد والمعلومات والفرص[.[[9
وبما أن المجتمعات الإنسانية هي المحرك الإساسي الذي يدفع عجلة التنمية إلى الأمام،
والتي لا يمكن لها بأن تتطور إلا َّ بتعاون وتشارك نصفي القوى البشرية فيها ،أي النساء
والرجال معاً ،وبالتالي فإن تحسين مكانة المرأة في المجتمع مسألة أساسية بالنسبة
لتحقيق قدر أ كبر من المشاركة والإنصاف والفعالة ،كما أن تشجيع مشاركة المرأة في
مشاريع التنمية ،ووضع مشاريع تنمية محورها حاجات المرأة ،وتشجيع التنمية بصفتها
من المكونات الإساسية لدور المرأة في الحياة العامة ،جميعها خطوات تسهم في تعزيز مكانة
المرأة ووضعها في المجتمع [.[[10
96حنان جميل هلسا « ،سيكولوجية المرأة الإردنية» ،نشر وزارة الثقافة الإردنية ،2004 ( ،ص 70و .)73
genderism” as a politic, a social order, a philosophy, and an ideology which seeks, in its human manifestations and 97
expressions, to distort and demean humanity in profound and destructive ways in order to create and maintain the
genocidal/ecocidal reality of male supremacist societies and their culture.
98منى مؤتمن وآخرون « ،تدقيق واقع إدماج النوع الإجتماعي في القطاع العام في الإردن» ،نشر اللجنة الوطنية لشؤون المرأة،2010( ،
ص ،)51ويشار إلى أن هذه اللجنة تأسست عام ،1992وترأسها الإميرة بسمة بنت طلال ،وتعتبر مرجع لدى جميع الجهات الرسمية فيما
يتعلق بالإنشطة النسائية وشؤون المرأة في الإردن.
99منى مؤتمن وآخرون ،نفس المرجع أعلاه ،ص .33
100رضوان زيادة ،واقع الحوكمة في سوريا ،دراسة بإشراف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ،ص 8
مقدمـة إلى الحوكمـة 44
بنظـرة العربيـة 2017
وفي مجال تحسين مكانة المرأى في المنطقة العربية :
•بأهمية تطوير القوانين والتشريعات المتصلة بحقوق المرأة ومساواتها مع الرجل
وفي كافة الميادين.
•وتغيير الممارسات الإجتماعية الخاطئة بحقها ،وتصحيح الصورة النمطية السلبية
التي تنتقص من حقوقها.
•وزيادة مساهمة المرأة في النشاط الإقتصادي وجعلها شريك للرجل في التنمية.
•ودعم المرأة في نسب مقبولة في المجالس المنتخبة ،وفي موقع صنع القرار الرسمية.
•وضمان مبدأ تكافؤ الفرص في إجراءات التعيين والترقية والتدريب في المؤسسات
العامة والخاصة.
وفي إطار الإنصاف للمرأة ،وبشكل أ كثر وضوحاً ،فيرى العديد من الناشطين والمختصين في
العالم العربي وخارجة بأن أ كثر المسائل المثيرة للجدل هي مسألة « قتل الشرف» ،في بعض
في مقال لها بأن الإردن[[[10 بشتبعكدةي قلانالونمياديِّة تشير منتدى في الأردن حيث الدول العربية ومنها
قانون العقوبات 340من في عام 2001 جانب تشريعي الحكومة قامت من
على الحصول الشرف عن الدفاع بقضايا القتل المرتبطة أالحتكيامكامنختف تفتةي،حوأَلدمخرَلتكتبتيعدجيلراائتم
قانونية مؤقتة.
والمسألة متفاوته ،ففي بلدان مثل الإمارات العربية المتحدة يصل عدد الوزيرات عام 2016
إلى ثلث أعضاء الحكومة ويتمتعن بحقوق كبيرة ،وهو ذات الأمر في دول مدنية عميقة مثل
تونس وحتى خليجية صغيرة مثل البحرين وما تشهده من قوانين وتشريعات الى جانب
المرأة ويمنع فيها هذه الممارسات المتصلة بقتل الشرف المذكور.
و َع َرضت ندوة [ [[10حول « المرأة في الإسلام « عن سوء الفهم المرتبط بمصطلح الجندر
وانه ذو علاقة بالمرأة فقط ،وع ّرفت الجندرية بأنها مجموعة الأدوار الإجتماعية التي يقوم بها
الرجال والنساء ،وأن المشكلة برزت في الصراع على القيام بهذه الإفكار ،وتم تصنيفها حسب
التركيبة الإجتماعية بأدوار مخصصة بالنساء وأخرى مخصصة بالرجال .وبأن النوع الإجتماعي
مرتبط بالبيئة التي تنحدر منها هذه الأدوار للرجال والنساء ،وهي متغيرة بتغير الحياة والتقدم
الفكري ،وأنها تتأثر بالظروف السياسية والإجتماعية والإقتصادية القائمة .وبأن الحديث عن
الجندر وربطه بالمرأة فقط يتسبب بالظلم لها ،مما يتطلب التركيز على أن الظلم الواقع على
المرأة هو نفسه الواقع على الإنسان ،ولا بد من مناصرة الإنسان الذي وقع عليه الظلم ،وأن
النوع الإجتماعي لا يعني الحديث عن دور المرأة فقط بل الرجل والمرأة.
101الإردن :تعديل على قانون كان يتيح العذر المخفف في ‹›جرائم الشرف’’ ،موقع شبكة قانونييِّ الإردن الإخباري.
102ندوة شارك فيها مختصين حول « المرأة في الإسلام» عقدت في 2009/3/25بتنظيم من المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية
وشبكة المرأة لدعم المرأة ،ويمكن الإطلاع على كافة وثائق الندوة على الموقعhttp://www.sigi-jordan.org :
45 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
ما سبق يعزز افتراضنا بأن مجتمع الرجال في المجتمع العربي له معاناته كذلك من لا مساواة
جندرية حيث أن التنميط الجنسي أو الجنسوية ( [[10[)Sexismsتعني امكانية «التمييز بين
الذكورة والإنوثة على أساس جنسي» ،لا سيما في مجال التنافس للحصول على الوظائف،
ومعاملة الحكومة التفضيلية أحيانا للمرأة في كلا القطاعين العام والخاص.
كما ويتداول العديد من الشباب الذكور في الدول العربية حوادث كثيرة وفي مواقع وأماكن
مختلفة تدل على اضطهادهم ومعاملتهم بشكل عدائي واستفزازي ،ومن خلال ما يتيحه
القانون بالنسبة إلى تهم ممكن أن تنسب ومنها « مقاومة رجال الإمن» أو «سب الذات الإلهة
« أو «إطالة اللسان على النظام» .وهناك اعتقاد سائد لدى فئة الشباب الذكور ،بأن الدولة
والمجتمع تمارس عليهم التمييز ،ومن خلال تفضيل الإناث على الشباب الذكور في الكثير
من الوظائف ،وتخصيص أماكن في بعض المقاهي والإماكن العامة للفتيات والعائلات،
وعدم السماح للشباب الذكور بدخولها ،إضافة إلى التمييز الذي يلاحظه الشباب الذكور في
التعاملات اليومية ،وفي الإدارات ،وعلى مقاعد الدراسة في المعاهد والجامعات.
يضاف إلى ذلك عدم وجود منابر كافية تشجع الإبداع وتدعمه ،ومما يؤدي بالشباب العرب
الذكور للبحث عن وسيلة للهجرة إلى الدول الغربية بحثاً عن المزيد من المساواة والإنصاف
والحياة الكريمة .لذا ،فإن الكتابات التي تنشر وحتى تلك المحايدة التي تصدرها منظمات
دوليةُ ،تغفل في غالب الإحيان مسألة إنصاف الجنسين ،وتركز على الصعوبات التي تعيشها
الإناث ،متناسية أن فئة الشباب الذكور هي التي خرجت إلى الساحات والشوارع والميادين
في أرجاء العالم العربي تطالب بالإنصاف ورفع الظلم ،وهي التي أصبحت رأس حربة للحروب
الدائرة في عدد من الدول العربية ،بل وضحية للإرهاب والتطرف بشكل سواء ،ومما يتطلب
من مراصد البحث إيجاد حواضن إجتماعية وإقتصادية تساوي الذكور وتنصفهم وتقدم
لص ّناع القرار إطار ومرجعيات صحيحة لمشكلاتهم وسبل حلها.
ونرى ان الحكومات العربية بالمجمل لم تو ِل الإهتمام الكافي بفئة الشباب لقناعتها بأن
الكبار في السن هم الأجدر لقيادة المجتمع ،وبإعتمادهم على النظرية الأبوية في الإدارة ،وما
يسمى بالثقافة التقليدية ،والتي ُتجل الكبار مهما كان مستوى تعليمهم أو تفكيرهم أو
خبراتهم ،وهو الأمر الذي يتوافق مع العادات والتقاليد والمنهج القبلي العشائري ،فالكهول
هم القادريين على إدارة دفة البلاد .كل ذلك خلق صراع أجيال لا يستهان به وحالة من
الشعور بالضيم والظلم عند الشباب ،وخاصة الذكور منهم.
هذه المعضلات المرتبطة بأهمية إدماج النوع الإجتماعي في الحياة العامة أي الرجل والمرأة،
تدخل في إطار مسائل العدل والإنصاف وتحتاج إلى أبحاث ودراسات معمقة من كافة الجهات
103لميس كنجي « ،التنميط الجنسي في المجتمع وفي أدب الإطفال -الإنحياز ضد المرأة تاريخي ...والجنسانية والعنصرية توأمان بين
التنميط الظاهر والتنميط المستتر» ،مقال صادر في صحيفة الطليعة ،الكويت ،يناير ،2000وملخص لكتاب « Down with Stereotypes
»”Sexism from Children,s literuture eliminatingللكاتب ، )Andree Michel (Authorوالذي يشير بأن مفهوم الجنسوية أو التنميط
الجنسي يعني «التمييز بين الذكورة والإنوثة على أساس جنسي» ،وبمعنى أشد وضوحا تدل الجنسوية على زمرة من الإفعال المميزة
لجنس على حساب جنس آخر ،والمثال التقليدي السائد هو أن التنميط يفضل جنس الرجال على جنس النساء ،كما ان التنميط يستند الى
البنية البيولوجية للرجال أو النساء ،وتبعا لهذه البنى تنسب إليهم القدرات العقلية أو العاطفية ،وما يتقبله المجتمع من طروحات تفرضها
الفئات المختلفة من الناس ،وان هناك تنميط ظاهر وآخر مستتر تبعاً للمجتمعات وإختلافها ويظهر في المواقف الإجتماعية والسلوكيات
التي تختلف استنادا الى موقف الفرد الشخصي من نوع الجنس ذكرا كان أو أنثى.
مقدمـة إلى الحوكمـة 46
بنظـرة العربيـة 2017
لبناء جسر متين ومترابط بين كافة الأجيال يحكمه العلم والمعرفة وطرفي الحوكمة الرشيدة،
-الدولة والمجتمع ،-بما فيها أهمية حسن الإستجابة لمطالب المجتمع كعنصر رئيسي في
الحوكمة الجيدة ،مدار بحث الفقرة التالية.
-2الإستجـابـة (:)Responsiveness
الإستجابة كمصطلح لها مدلولاتها ،فهي السلوك الذي يأتيه الإنسان كرد فعل لمثير ما،
وهي صفة من صفات الإنسان فإذا سألت إنسانا يجيبك وإن سألته حاجة يعطيك .كما
وتشكل الإستجابة أحد العناصر النوعية الهامة للحوكمة الرشيدة ،وسرعة الإستجابه بأن
تكون العمليات والمؤسسات مواتية لكل الفاعلين[.[[10
وقد أصبحت استجابة الحكومات العربية ُملّحة أ كثر من أي وقت مضى ،لا سيما جراء
طوفان الإحتجاجات والحروب والنزاعات التي تجتاح المنطقة العربية ،والذي سقط خلال بدء
جريانه أنظمة للحكم في تونس ومصر وليبيا واليمن ،وأدى الى نتائج غير متوقعة بإستمرار
حروب أهلية ودول أصبحت ساحات لصراعات إقليمية ودولية وتحديداً في سوريا واليمن
وليبيا ،وإستمرار لحالة لا إستقرار وقلاقل في مصر وتونس ،فضلا ً عن صراع تاريخي مفتوح
بين الفلسطينين والإسرائيلين ،ولا مؤشرات لحلول قريبة لهذه الأزمات التي أصبحت مزمنة
ولا يمكن التنبؤ بمستقبلها.
وما يجعل إستجابة الدول العربية لأزماتها تتصف بالإضطراب والتخبط وحتى حالة من
الإنفصام (الشيزوفرينيا) السياسي بين مطرقة الشعب وسندان الحكم ،ولا تعرف كيف ..أو
متى ..أو في أي موقع ومساحة تستجيب ..وأين ..ومتى؟ وكيف تستجيب لمطالب الشعب
على حساب إستجاباتها لضغوط مصالح الحكم والإشخاص والعائلات والجماعات المرتبطة
بها ؟.
ولا ننكر هنا بأن لكل إستجابة أو حوارٍ ثقافته ،حيث لا يوجد حوار واحد لكل المتطلبات،
لكن يوجد خصائص لعملية الحوار مرتبطة أولا ً بالإندماج لكل الفئات المعنية ،وثم التركيز
في الحوار على الإكتشاف والتحقيق والإبتكار لا على الإملاء والجدل والرغبة بالإقناع ،وأيضاً
محاولة خلق إجابات جديدة وبناء علاقات ايجابية بدلا ً من الإفكار والأحكام المعدة سلفاً،
وكذلك فهم المشاركون المعنى من الحوار وأي حوارٍ يحتاجون لتحقيق أهدافهم والمساهمة
في التغيير[.[[10
ولكن يتضح للعديد من المراقبين لأزمات المنطقة العربية بأن الحكومات العربية تقوم
بالإلتفاف على المطالب من خلال الدعوة إلى الحوار بهدف إشغال الناس بقضايا جانبية
بدلا ً من الإستجابه الإستباقية ( ،)proactive responsesوهي المرتبطة بالتفكير الإيجابي
السليم الذي يكون عاد ًة استباقي وجاهز[ ،[[10وتحقيق العناصر الحقيقية للحوار الفعال
104طارق نوير « ،تعزيز القدرات الإحصائية والحوكمة الرشيدة ،حالة مصر» ،المؤتمر الإحصائي العربي الإول ،ع ّمان ،2007( ،ص )5
Bettye Pruitt and Philip Thomas, “Democratic Dialogue- a Handbook for practitioners”P 19 , 107مرجع سابق
106شفيق الدويك ،مقال بعنوان «عليكم بالإستباقية ( )Proactivityيا أصحاب المعالي الوزراء» ،وكالة سرايا للأنباء ،تاريخ 2/8/2010
47 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
المرتبط بإدماج كل الفئات والهيئات المتأثرة به ،وضمن عملية منظمة ومستمرة .كما
وتقوم الحكومات العربية بتفصيل مقاس استجابي حسب مصالحها ،واستجابة للضغوطات
والقضايا والمعضلات المطروحة على الساحة لا سيما بالنسبة لمعضلتي الإصلاح والتنمية
وقضايا الفساد الشائكة .إذاً ،يبدو أن هناك حالة من اليقظة والديناميكية الرسمية لإخراج
أفضل السيناريوهات التي تناسب الحكومات العربية بالموازاة مع امتصاص أو محاولة
تسويف وإخماد للمطالب التي لا تستطيع أو ترغب بتلبيتها أ ٍي كانت الإسباب.
ما سبق ربما يترافق مع اعتقاد الإدارات العربية بأن الإمور لن تسوء ،وهو ما يثبته حالة من
بطء واسترخاء حكومي غير مبرر في قيادة مسيرة الحوكمة بما فيها هذا المجال المتعلق
بالإستجابه .وهذا العنصر متصل مباشرة بالإحتياجات الإعتيادية ،ويدور في فلك خصوصيات
العائلة الحوكمية التي هي مدار البحث وقلبه النابض ،ومن هنا يخرج علينا مصطلح
الإستجابة الحوكمي ليفرض نفسه بأكثر من أي وقت مضى ،وبنفس القدر كمصطلح جذاب
ُيح ّفزنا لسبر أغواره والخوض في مكنوناته ،وهو المرتبط بالحوار الديمقراطي وثقافة الحوار
التي تتطلب حل النزاعات بالوسائل السلمية ،والقدرة على خلق أجندة اندماجية للعمل،
وإشرا ٍك للمواطنين ،وعمل حقيقي وهادف ،وتعلّم مستمر من الحوار ،وبعد انسانـي ،ونظرة
مستقبلية طويلة ،وبالمجموع من أجل جعل الديمقراطية الحكومية مستدامة وممكنة[.[[10
-الإستجابة المجتمعية كطرف مقابل لمكونات الحوكمة:
الإستجابة سواء كانت سلبية أو ايجابية أو ضمن استراتيجيات تنتهجها الإدارة بالإحتواء أو
بالإهمال أو بالعنف واستخدام القوة ،كل ذلك هي استجابات تستخدمها كافة الدول ،وخاصة
النامية منها لمعالجة قضاياها والتي لا تكون بالضرورة تخدم عناصر الحوكمة الرشيدة
والجيدة بقدر ما تخدم مصالح الفئة الحاكمة وبطانتها.
فأنه ليس من السهل بمكان لأي باحث في مجالإت العلوم الإنسانية إنكار أو إغفال أفعال
الإستجابة السلبية التي تنتهجها الدول ،وخاصة تلك التي تخطط لها أجهزة المخابرات
والإستخبارات ،والتي هي أجهزة رسمية وتنشط بدرجة أ كبر في الدول النامية.
وفي الكثير من المناسباتُ ،يع ّبر المجتمع العربي ،وخاصة فئة الشباب عن امتعاضهم من
التدخل الواسع لأجهزة الإمن والمخابرات في الشأن العام والحياة اليومية ،وفي المقابل ترى
السلطة الرسمية أن لذلك ما يبرره نظراً للتركيبة السياسية والظروف الإقتصادية وديناميكية
التغير الإجتماعي في البلاد ،علاوة على مؤثرات وضغوطات المحيط الإقليمي والعالمي ،أي
أن هناك استجابات سلبية يحتاجها المجتمع حتى لو َجهلها وأنكرها ،كونها تخدم في النتيجة
مصلحة المجتمع ،وتتماشى مع الظروف الداخلية ،وظروف المنطقة العربية المتشابكة والمعقدة.
كما وأن الإستجابة السلبية َلهي مسائل تتبعها كافة الدول ،وتط ّرقت لها ما يسمى المدرسة
,13-10.Bettye Pruitt and Philip Thomas, “Democratic Dialogue- a Handbook for practitioners, P 107مرجع سابق
مقدمـة إلى الحوكمـة 48
بنظـرة العربيـة 2017
النفعية ومبادئ الواقعية السياسية ورائدها السياسي الإيطالي نيكولو مكيافي ّلي[ ،[[10وكتابه
الإمير والذي َه َد َف منه تقديم تعليمات للحكام ،وأيد فيه فكرة أن ما هو مفيد فهو ضروري،
وبأن الغاية تبرر الوسيلة ،فهو يرى بأن الهدف النبيل السامي يضفي صفة المشروعية
لجميع السبل والوسائل التي تؤهل الوصول لهذا الهدف مهما كانت قاسية أو ظالمة ،ودون
النظر لمدى أخلاقية الوسيلة المتبعة لتحقيق الهدف ،وإنما إلى مدى ملائمة هذه الوسيلة
لتحقيق هذا الهدف.
ومع ذلك فإن العديد من المفكرين تحدثوا بأسلوب مغاير للفكر النفعي ،وأ كدوا على
المدرسة الإخلاقية والقيمية في العمل السياسي وأهمهم «المواردي» في كتابه «الإحكام
السلطانية»[ ،[[10وكذلك بالنسبة للفكر التنويري في أوروبا الذي لم ُي َّسلم للفكر ال َنفعي،
حميواثكبأاًَخل َذلثوترتاليمنعارلفمةعترتفيعةم وقالفعيل امليقة،رنو اعللثاىم مندعىشارلقلرينينس فشيئاً واستمر بالتحرك شيئاً
عشر، السادس عشر والسابع
كنظرية معرفة حسب ،بل كنظرية للإنسان والمجتمع[.[[11
وبدورها ،فقد بدأت شعوب العالم العربي والإسلامي بالإستجابة والإرتقاء بدورها كطرف
حوكمي مقابل للحكومات ،ومن خلال عملية الإصرار على التغيير في كل المجالإت ،حيث
شهدت المنطقة العربية ثورات بأدوات القرن الواحد والعشرين ،صارت فيها لمواقع التواصل
الإجتماعي الدور الإبرز في كسر هيمنة السلطة على الإعلام العمومي والخاص ،وعبرت هذه
الإحتجاجات الشعبية عن رفض السلطة المطلقة ،وبالتالي للفكر النفعي والميكافيلي
الضيق ،والذي ما زال يشكل في منطقتنا إستراتيجية رئيسية للاستجابة لمطالب الشعوب.
وقابل ذلك إستجابة مضادة من الإنظمة ومن ناحية أخرى إستغلال هذه الإحتجاجات من
قبل مؤسسات دينية شعبية متشددة إستطاعت أن تخطف نتائج الإحتجاجات وتجيرها
لمأربها السياسية ،ومما أدى إلى ثورات مضادة مدعومة من الأنظمة الرسمية وأطراف
محلية وأقليمية وعالمية ذات مصالح متشابكة ،وبالنتيجة حروب وتطرف ونشوء منظمات
وعصابات إرهابية إستقطبت المتطرفين والعاطلين عن العمل والمجرميين والقتلة لتصبح
الإستجابات السلبية من الدول ومجتمعاتها كمصفوفة رياضية متوالية يصعب فهمها،
وككرة ثلجية متدحرجة تستحوذ على كل ما تلقاه أمامها.
ومع ذلك ،فنرى أن الإستجابة السلبية والعنيفة ليس لها ما يبررها الأن ،وهي التي استبدلتها
108نيكولو دي برناردو دي مكيافي ّلي ،ولد في فلورنسا ،1469وتوفي فيها ،1527كان مفكرا وفيلسوفا سياسيا إيطاليا إبان عصر النهضة،
وأصبح مكيافيلي الشخصية الرئيسية والمؤسس للنفعية وللتنظير السياسي الواقعي ،والذي أصبحت فيما بعد عصب دراسات العلم
السياسي ،وأشهر كتبه على الإطلاق ،كتاب الإمير ،والذي كان عملا ً هدف مكيافيلي منه أن كتيب تعليمات للحكام ،نُش َر الكتاب بعد
موته .وفيما بعد أصبحت مقولة شائعة أنت إنسـان ميكافيلي ،أو صاحب قرارات ميكافيلية ،ويطلق هذا اللقب على كل من اتبع مبادئ
ميكافيللي النفعية .أ ّما نقيض ميكلفيللي فهو الماوردي وما تضمنه كتابه الإحكام السلطانية حيث أسس لنظرية «الإخلاقية» السياسية».
109الماوردي ،أبو الحسن الماوردي ( 1058ميلادية) ،يعتبر من أ كبر قضاة آخر الدولة العباسية ،وكان ذا علاقات مع رجال الدولة العباسية،
ولديه كتابات كثيرة في الفقه والدين والفقه السياسي ،وأهمها في هذا المجال ،أدب الدنيا والدين ،الإحكام السلطانية ،قانون الوزارة .وما
تضمنه كتابه الإحكام السلطانية حيث أسس لنظرية «الإخلاقية» السياسية» ،في حين أسس ميكافيللي لنظرية «الواقعية» اللا أخلاقية في
السياسة ،كما والتزم المواردي بالمرجعية الدينية والمنظومة القيمية للمجتمع الذي هو منه ،و ميكافيللي كان برجماتيا متحررا من مبدأ
القيمة في السياسة.
110احمد ابراهيم العتوم ،فلاسفة النهضة والتنوير الإوروبي ..لماذا تقدم الغرب؟
49 مقدمـة إلى الحوكمـة
بنظـرة العربيـة 2017
الإنظمة السياسية الغربية الحديثة بثقافة الحوار الديمقراطي والعدالة الإنتقالية من أجل
تحقيق استجابة مستدامة ومن خلال مواجهة التحديات المتصلة بالقدرة على التعاطي مع
التعقيدات المرتبطة بالحوار ،وإيجاد وسائل لها ذات معنى ،والتي لا تتحقق إلا َّ بإدماج كافة
الفئات والجماعات من مختلف التجارب والمصالح والثقافات والنظرة إلى العالم والجماعات
المتنازعة ،وقدرة الحوار كذلك على انتاج للإبتكار ،وإيجاد مساحة ملائمة وممكنة لمداولة
الإفكار ،وبالنتيجة لإنتاج مخرجات مستدامة[.[[11
وينتقل البحث ضمن مبرراته التسلسلية السابقة ،ومن خلال ما تمكّن من رصده من أفكار
ومن تحليل ،إلى أخر فصل في البحث المتعلق بتمكين عناصر القانون والمساءلة والشفافية
وعناصر التوافق والكفاءة والفعالية.
- 2عنصر القانون :
تكمن المعضلة الإساسية التي يتصدى لها البحث في كيفية الوصول إلى حوكمة جيدة وحوار
ديمقراطي وتنفيذ عناصر الحوكمة الفعالة ،كما وتَب َّين بأن هذه المعضلة تحتاج إلى أدوات
ووسائل ُتستمد من بحور العلوم الإجتماعية والإنسانية دون استثناء ،ومن خلال إرادة وإدارة
حكومية متفاعلة مع مكونات مجتمعها ،إلا َّ أن واقع العالم الثالث تتعارض مصالح أنظمته
السياسية في الغالب مع هذا التفاعل ،لِت ُخو ِفها من أن يفقدها ذلك مركزيتها حول ذاتها،
وبالتالي فقدانها لسطوتها ومصالحها الحيوية والإقتصادية ومعها بطانتها التي تدور في فلكها.
وينتقل البحث في مبحثه الإخير إلى عناصر حوكمية نرى أنها غاية في الحيوية والصعوبة،
وتتربع على هرم المطالب الشعبية هذه الإيام ،وهي تلك المتعلقة بمسألة تمكين القانون،
والقدرة على المساءلة ،وتحقيق الشفافية وحرية تبادل المعلومات ،وآخر العناصر ما يشكل
نتيجة امتحان نجاح كل هذه العناصر وما سبقها مجتمعة من خلال دراسة مدى كفاءة
وفعالية عمل منظومة الإدارة مع المجتمع وبِكلا الإتجاهين.
ومع أن هذه العناصر لها نكهتها الخاصة ،وتدعم عنصر التشويق في البحث ،الإ أنها تفاقم من
المسؤولية الملقاة على كاهل البحث بِر َم ُته ،حيث يدرك المتابع للشأن العربي مدى حساسية
وصعوبة رصد كيفية تناول الإدارات العربية وأجهزتها الرسمية لهذه العناصر والخصوصيات،
وخاصة في هذه المرحلة من الصراع والأزمات المتلاحقة والحروب التي لا تنتهي.
فلا يختلف اثنان في منطقتنا العربية على أن سيادة القانون تشكل معضلة دستورية
وحكومية واقتصادية وشعبية ومجتمعية.
Bettye Pruitt and Philip Thomas, “Democratic Dialogue- a Handbook for practitioners”, P. 18-.4, 111مرجع سابق
مقدمـة إلى الحوكمـة 50
بنظـرة العربيـة 2017