من هدوء الرهبنة فى الصحراء إلى وجيه صبحى
صخب مسئوليات الكرسى البابوى،
تغيرت حياة البابا تواضروس الثانى ،بابا
الإسكندرية ،بطريرك الكرازة المرقسية،
الذى لم يكن يتوقع مطل ًقا أن يصبح
يو ًما ما رأ ًسا للكنيسة المصرية بعراقتها
الممتدة فى التاريخ.
لكن بين طيات هذا التحول فى حياة
الرجل الجالس على كرسى كاروز الديار
المصرية «مار مرقس» ،هناك تفاصيل
حياتية غير معروفة للكثيرين ،إنها
ذكريات وحكايات وأحلام وهوايات خاصة
بالطفل والصبى والشاب والرجل ،وجيه
صبحى باقى سليمان ،الاسم الأصلى
للبابا.
«الدستور» ترصد كيف تبدو حياة رأس
الكنيسة المصرية عندما يخلع الزى
البطريركى ويضع عصا البابوية جان ًبا
وينزل عن رأسه القلنسوة المهيبة.
مايكل عادل
ما لا تعرفه
عن البابا
تواضروس
1975
حصل على بكالوريوس الصيدلة من جامعة الإسكندرية
تعلم فى مدرسة أبويوسف وهبى بسوهاج..
وأسرته أخفت عنه خبر وفاة والده
التحق بمدرسة «عبدالله وهبى» الابتدائية ،التى كانت مدرسة والد طفولة البابا تواضروس مليئة بالتفاصيل ،بعضها يبدو شبيها
الممثل الـرائـد يـوسـف وهـبـى .وفـى المحافظة الصعيدية ارتبط بحياة الكثير من الأطـفـال المصريين ،وبعضها الآخـر يميزه عن
بالكنيسة التى كانت بجوار منزل أسرته ،خاصة بكاهنها القمص
غيره ،وينبئ بما أصبح عليه فى المستقبل.
شنودة. فـى طفولته ،سـاعـدت البيئة الاجتماعية «الـبـابـا» ،الـمـولـود فى
بعد ذلـك انتقلوا إلـى مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة ،حيث نوفمبر ،1952على الاستقامة؛ لم تكن هناك طاقة ضائعة ،وكان
واصـل الطفل دراسـتـه والتحق بالصف الـرابـع الابتدائى بمدرسة المجتمع والثقافة العامة والـحـيـاة برمتها هـادئـة ،وبـرغـم وجـود
«الأقباط الخيرية» بشارع «المحبة»« ،عرابى» حال ًيا ،كانت شقيقتا
البابا كيرلس السادس -وقتذاك -تعملان فى المدرسة« :شفيقة» مواقف مؤثرة فى حياته ،حظى بأوقات «شقاوة» كثيرة.
نـاظـرة والأسـتـاذة «عـزيـزة» ُمـد ِّرسـة ،وجمعت الـصـداقـة بين والـدة كان أكثر شىء يضايق الطفل «وجيه» فى مدينته المنصورة ،وجود
«وجـيـه» والـنـاظـرة ،وكانتا تذهبان م ًعا إبـان ظهور السيدة العذراء سجن على الطريق المؤدى إلى مدرسته ،ولفترة من الوقت لازمه
للسهر م ًعا لمشاهدة الظهورات ،وكذلك كانتا تزوران البابا «كيرلس». إحساس بالحزن والخوف من ذلك المكان ،أخفاه داخله ،حتى قرر
متحر ًكا وشق ًيا كـان «وجـيـه» فـى طفولته؛ مـ ّيـا ًل للابتكار ،يفك الكشف عنه لأسرته ،فقال لهم« :مدرستى حلوة بس لولا السجن
جها ًزا لمعرفة أسراره من الداخل وير ّكبه مرة أخرى ،فى الإعدادية
مث ًل قـال لأسـرتـه ،كـأى طفل مصرى« :عايزين نعمل تليفون» ،ثم ده».
أحـضـر كوبين وثقبهما وربطهما بحبل ،وأعـطـى طـر ًفـا لشقيقته فـكـر الأب فـى احـتـواء طفله وإخـراجـه مـن خـوفـه ،فاصطحبه،
وأمسك بالآخر ،وتحدثا .فى المقابل ،كانت هناك مواقف حزينة بمعرفة صديق له يعمل بالسجن ،إلـى هناك ليقضى يو ًما كام ًل
بالطبع ،منها أنه عندما توفى والده ،فى أحد أيام امتحاناته بالصف داخـل المكان الـذى كان سر قلقه وخوفه .أكل من أكل المساجين،
الأول الإعـدادى ،أخفت الأسـرة النبأ عنه حتى يكمل امتحانه دون ولعب فى حديقة السجن ،فانكسر حاجز الخوف عند «وجيه» بعد
ضغوط أو ألم. تلك الزيارة.
انتقلت عائلة «وجـيـه» إلـى محافظة سـوهـاج لـظـروف عمل الأب
الـذى كـان مهندس مساحة ،واستقروا فيها لثلاث سـنـوات ،وهناك
1985
حصل على زمالة هيئة الصحة العالمية بإنجلترا
البابا كيرلس تنبأ بـ«عظمة شأنه»..
وارتبط بـ«ميس آنجيل» حتى وفاتها
منذ وفـاة والـده ،تأثر البابا بعدد من الأفـراد فى طـوال دراسـتـه فـى الابـتـدائـيـة والإعـداديـة ،كان
حياته ،على رأسـهـم جـده وجـدتـه الـلـذان كانا من حلمه أن يصبح «كيميائ ًيا» ،متأث ًرا بالصيدليات
الـشـخـصـيـات الـفـاعـلـة مـن الـنـاحـيـتـيـن العلمية القديمة التى كانت بها معامل لتركيب الأدوية ،إذ
والــروحــانــيــة .كـمـا أخــذ مــن أعـمـامـه حـمـاسـهـم رغب أن يكون واحدا مثل هؤلاء الذين يح ّضرون
والتزامهم بالعمل ومواعيد النوم والاستيقاظ، الـدواء ،وعندما دخل الثانوية تبلورت الفكرة فى
حتى إنه يقول إن «الأطفال عندما ينمون وسط
عـائـلـة بـهـا شـخـصـيـات بـــارزة وقــويــة فـهـذا يـؤثـر رأسه بشكل آخر وبات حلمه أن يكون صيدل ًيا.
فـى الـشـخـصـيـة» .أيـضـا ارتـبـط الـبـابـا تـواضـروس قـبـل امـتـحـانـاتـه فـى الـثـانـويـة ،ذهـبـت والـدتـه
ب ُمد ِّرسته «آنـجـيـل» ،إلـى أن وافتها المنية .كانت مع صديقاتها إلـى البابا كيرلس الـسـادس لأخذ
تـد ِّرس له من الصف الثالث إلى الصف السادس البركة ،وطلبت منه الدعاء لـ«وجيه» بالنجاح فى
الابتدائى ،وطوال هذه السنوات كان الطفل يحب الامتحانات ،فر ّد عليها البابا« :متقلقيش عليه،
ابتسامتها التى تشيع مشاعر الفرح والمحبة .فى
إحدى المرات ،بعد تخرجه -وكان يعمل فى أحد هيبقى له شأن عظيم».
مصانع الأدويـة -جـاءت «آنجيل» ومعها عـدد من حـقـق الــشــاب «وجــيــه» حـلـمـه والـتـحـق بـكـلـيـة
طـاب الـمـدرسـة فـى زيـارة للمصنع ،فتولى شرح الصيدلة ،جامعة الإسكندرية ،وتخرج فيها سنة
تفاصيل العمل لهم ،بينما كانت هى تحدثهم عن 1975بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف ،وأثناء
دراسـتـه تم ّيز بالنشاط وابـتـكـار أشـيـاء مختلفة،
حياته عندما كان تلميذا لها.
مثل تصميم وسائل إيضاح للخدمة بالكنيسة.
بعد أمه التى تحملت مسئولية تعليمه وتربيته
23
ديسمبر 1989
ُر ِّسم ق ًسا ثم انتقل
إلى الخدمة بمحافظة
البحيرة
20
أغسطس 1986ذهب إلى دير الأنبا بيشوى
بوادى النطرون من أجل الرهبنة
يحب صلاح ..يسمع فيروز وعمر خيرت
و«الزعيم» ممثله المفضل
ولا يــزال قــراءة الـسـيـر الـذاتـيـة لـأشـخـاص الـعـاديـيـن مـن غير لـلـبـابـا تـواضـروس هـوايـات ومـفـ ّضـات فـى حـيـاتـه المشغولة
القديسين ،إذ يرى أن هذه الكتب مهمة للغاية لأنها تضرب مثا ًل بالتزاماته كـرأس للكنيسة ،لكن هـذا لـم يمنعه مـن المواظبة
ونموذ ًجا ليقتدى بها الشباب الآخرون. عليها إلى الآن ،بينما انقطع عن أخرى.
يحب «البابا» «النكتة» ،يسمعها من زملائه وأقاربه ،لذلك هو سألته فـى حـوار ُنشر فـى «الـدسـتـور» عـن علاقته بكرة القدم،
عاشق للأفلام الكوميدية ،ويعتبر «الزعيم» عـادل إمـام ،ممثله فحكى هذه القصة« :مرة وأنا صغير ،فى الإعدادية ،كنت أرتدى
الـمـفـضـل ،كـمـا يـحـب أيـ ًضـا نجيب الـريـحـانـى وفــؤاد المهندس ساعة جديدة جاتلى هدية ،ول ّما رحت ألعب كـورة مع أصحابى
وقـفـت حـارس مـرمـى ،فـوقـعـت ،والـسـاعـة الـهـديـة اتـكـسـرت ،ومـن
وإسعاد يونس وهانى رمزى.
بالنسبة للموسيقى ،فإن «البابا» مقتنع تماما بأهميتها فى وقتها اتعقدت من الكورة».
حياة الناس ،ويقول إنه «لو كل البشر تعلموا الموسيقى لاختفت لكن ماذا عن التشجيع؟ هل البابا «زملكاوى» أم «أهلاوى»؟! يرد:
الخطيئة مـن الـعـالـم» ،ومـن أبـرز مـن يسمع لهم عـازف البيانو «ماكنتش أعـرف حاجة اسمها زملكاوى و ّل أهـاوى ،لكن بقيت
العالمى عمر خـيـرت ،كما يحب موسيقى الأخـويـن «رحـبـانـى»، مصراوى وبشجع منتخب بـادى ،لا أميز بين الفرق الرياضية
ويـرى أن أغـنـيـة «زهــرة الـمـدائـن» للسيدة «فـيـروز» «بـهـا نـوع من
ولست مشج ًعا لفريق بعينه لكننى أحب فنيات اللعبة».
الصلاة». ويحب البابا محمد صلاح ،جناح المنتخب الوطنى وليفربول
أخـيـرا ،فـى صـغـره ،كــان يـحـب الـمـراسـلـة ،وهــى هـوايـة كـانـت الإنجليزى ،ويعبر عن إعجابه بما يفعله «مو» فى فنيات الكرة،
منتشرة قبل عقود ،وذات يـوم ،راسـل نيل أرمسترونج ،أول رائد
وفى بطولة كأس العالم الأخيرة ،تابع مباريات «الفراعنة».
فضاء يسير على سطح القمر. البابا مثقف من الطراز الفريد فى عدة مجالات ،لكنه اعتاد