The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

مجلة إنجيلية جامعة، أولى المجلات العربية، تأسّست عام 1863، ويصدرها السينودس الإنجيلي الوطني في سورية ولبنان

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Rabih Taleb, 2019-10-26 03:56:56

النشرة - الفصل الثالث 2019

مجلة إنجيلية جامعة، أولى المجلات العربية، تأسّست عام 1863، ويصدرها السينودس الإنجيلي الوطني في سورية ولبنان

‫درس كتاب‬

‫ُمق ّدمة إلى الأبوكريفا‪/‬‬
‫الأسفار القانونية الثانوية‬

‫القس د‪ .‬هادي غنطوس‬

‫مع انتهاء رحلتنا مع الأسفار القانونية في العهد القديم للكتاب‬
‫المقدس بنسخته الإنجيلية‪ ،‬سوف ُنخ ِّصص حلقَتْين كُملحق لدراستنا‬
‫هذه‪ ،‬لإلقاء نظرة سريعة على ما ُيعرف بأسفار الأبوكريفا‪ ،‬أو الأسفار‬
‫القانونية الثانوية‪ .‬كلمة "أبوكريفا" كلمة يونانية تعني " َمخف ّي"‪،‬‬
‫وُتستخدم عن مجموعة من الأسفار في النسخة اليونانية السبعينية‬
‫للعهد القديم‪ ،‬دون وجود ما يقابلها في النسخة العبرية للعهد القديم‪،‬‬
‫لأنها ُكِتَبت أسا ًسا باللغة اليونانية‪ .‬وبالَّتالي‪ ،‬فهي ُتعتبر أسفا ًرا غير‬
‫قانونية في النسخة الإنجيلية للكتاب المقدس‪ ،‬كما أنها غير قانونية‬
‫في الكتاب المقدس اليهودي‪ .‬وهاتان الُّنسختان‪ ،‬الكتاب المقدس‬
‫اليهودي والنسخة الُمعتمدة في الكنائس الإنجيلية للعهد القديم في‬
‫الكتاب المقدس المسيحي‪ ،‬هما َمن ُتطلقان اسم "أبوكريفا" على تلك‬
‫الأسفار‪ .‬في حين أن تلك النسخة الُمعتمدة في الكنائس الكاثوليكية‬
‫للعهد القديم تدعو تلك الأسفار بالأسفار "القانونية الثانوية"‪ ،‬وتعتبرها‬
‫قانونية لكن على درجة ثانية من الأهمية‪ .‬أما الكنائس الأرثوذكسية‬
‫البيزنطية (الروم الأرثوذكس) فتعتبر تلك الأسفار أسفا ًرا قانونية‬

‫بالكامل‪ ،‬وأنها على قدم المساواة مع بقية أسفار العهد القديم‪.‬‬
‫من المهم أن ُنمِّيز هنا بين "الأبوكريفا" وما ُيعرف بـ "الأسفار‬
‫المنحولة" ‪ ،"the Pseudepigrapha-‬التي تش ِّكل مجموعة كبيرة جًّدا‬

‫أدمكيتونرسمرتلخجنصة الصشفؤيوالنعالهكدنالسقّيدةيوما‪.‬لروحّية‪ ،‬راعي الكنيسة الإنجيلّية الوطنّية في منيارة‪49 ،‬‬

‫وغير محدودة من الأسفار المرفوضة من قبل جميع الكنائس في ِكلا‬

‫العه َدْين القديم والجديد‪ .‬فالأبوكريفا هي مجموعة محَّددة ومحدودة‬
‫من الأسفار التي‪ ،‬كما ذكرنا أعلاه‪ ،‬تنتمي إلى النسخة اليونانية‬

‫السبعينية للعهد القديم دون وجود مقابل لها في النسخة العبرية‪ .‬وهي‬

‫سبعة تتوَّزع بال َّشكل الّتالي‪ :‬أربعة في الأسفار "التاريخية" (طوبيا‪،‬‬
‫يهوديت‪ ،‬المكابيين الأول والمكابيين الثاني) ـ سفران في الأسفار‬

‫الأدبية والشعرية (ابن سيراخ‪ ،‬وسفر حكمة سليمان)‪ ،‬وسفر واحد في‬

‫الأسفار النبوية (سفر باروخ)‪ ،‬بالإضافة إلى أجزاء مضافة إلى أسفار‬

‫أخرى مثل إستير (‪ 107‬آيات إضافية)‪ ،‬إرميا (رسالة إرميا) ودانيال‬

‫("صلاة عزريا" و"نشيد الفتيان الثلاثة" و"قصة سوسنة" و"قصة بل‬

‫والأفعى")‪.‬‬

‫وقد اعتبرت اليهودية‪ ،‬عندما قامت ب َقْوَنَنة كتابها المقدس‪ ،‬تلك‬
‫الأسفار أسفا ًرا غير قانونية‪ .‬وبدورها استعملت المسيحية تلك‬
‫الأسفار في القرون الأولى للكنيسة‪ ،‬لأ ّن العهد الجديد قد كتب باللغة‬
‫اليونانية‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فعندما اقتبس كّتاب العهد الجديد من العهد‬
‫القديم قاموا باستخدام النسخة اليونانية السبعينية للعهد القديم‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬فقد اقتبس العهد الجديد من بعض تلك الأسفار التي ُكتبت‬
‫أسا ًسا باليونانية‪ ،‬كما يظهر أمثلة على ذلك في الجدول التالي‪.‬‬

‫مصدره‬ ‫النص في العهد الجديد‬

‫طوبيا ‪15 :4‬‬ ‫متى ‪12 :7‬‬
‫سفر الحكمة (حكمة سليمان) ‪24 :2‬‬
‫رو ‪19-12 :5‬؛ أف ‪( 3 :2‬الخطيئة‬
‫‪ 2‬مكابيين ‪12‬‬ ‫الأصلية)‬

‫‪ 1‬كو ‪( 29 :15‬الصلاة لأجل الموتى)‬

‫‪50‬‬

‫درس كتاب‬

‫‪ 1‬أخنوخ ‪9 :1‬‬ ‫يهوذا ‪15-14‬‬

‫ابن سيراخ‬ ‫سلسلة النسب في مت ‪17-1 :1‬‬

‫سفر عهد أيوب (وليس سفر أيوب)‬ ‫يع ‪( 11 :5‬أيوب كمثال للصبر)‬

‫يع ‪( 24-21 :2‬النظرة لتقديم ابراهيم سفر اليوبيل (وليس سفر التكوين)‬

‫لاسحاق كذبيحة)‬

‫لكن الكنيسة لم تَّتفق على قانونية تلك الأسفار عندما قامت‬
‫بتحديد الأسفار القانونية للكتاب المقدس المسيحي‪ .‬واستمّر وجود‬
‫تلك الأسفار على هامش الكتاب المقدس المسيحي حتى زمن‬

‫الإصلاح‪ ،‬حيث قام المصلحون الأوائل بترجمة الكتاب المقدس من‬

‫لغاته الأصلية‪ ،‬العبرية للعهد القديم واليونانية للعهد الجديد؛ الأمر‬

‫الذي أَّدى تلقائًّيا إلى اعتبار تلك الأسفار أسفا ًرا غير قانونية لعدم‬
‫وجودها في النسخة العبرية للعهد القديم‪ .‬وعند ذلك‪ ،‬قامت الكنيسة‬

‫الكاثوليكية‪ ،‬وكرّدة فعل على موقف الإصلاح‪ ،‬باعتبار تلك الأسفار‬
‫أسفا ًرا قانونية ثانوية‪ .‬أما الكنيسة الأرثوذكسية البيزنطية فلم تتصارع‬
‫مع ذلك ال ُّسؤال أسا ًسا‪ ،‬كون لغتها الليتورجية والكنسية هي اللغة‬
‫اليونانية‪ ،‬وبالتالي فقد استعملت دائ ًما النسخة اليونانية للعهد القديم‪،‬‬

‫والتي تنتمي إليها تلك الأسفار بشكل طبيعي‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬وكما ذكرنا منذ بداية دراستنا لمقدمات أسفار العهد‬

‫القديم‪ ،‬من الأفضل دعوة تلك الأسفار بالأسفار «التي كتبت أسا ًسا‬
‫باللغة اليونانية في السبعينية»‪ .‬لأن تلك الَّتسميات المختلفة وتلك‬
‫المواقف المختلفة من تلك الأسفار‪ ،‬هي تسميات ومواقف مبنَّية على‬
‫ظروف معينة في تاريخ الكنيسة‪ ،‬ولا تساهم في تعزيز الَّتقارب الحاصل‬
‫بين الكنائس المختلفة اليوم‪ .‬أما بالنسبة لنا كإنجيلّيين‪ ،‬فإن تلك‬

‫‪51‬‬

‫الأسفار ليست قانونية‪ ،‬وليس لها سلطة ومرجعية الأسفار القانونية‬
‫للكتاب المقدس‪ ،‬لكن دراستها تساعدنا في فهم عدة مفاهيم في العهد‬
‫الجديد من جهة أولى‪ ،‬وفي فهم الَّتطور اللاهوتي والروحي لشعب الله‬
‫في مرحلة من تاريخه من جهة ثانية‪ ،‬وفي فهم بعض المفاهيم والعقائد‬

‫الموجودة في الكنائس ال َّشقيقة من جهة ثالثة‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬سنقوم فيما يلي بإلقاء نظرة سريعة على الأسفار ال َّسبعة‬
‫التي كتبت أسا ًسا باليونانية في السبعينية‪ .‬ولكن تج ُدر الإشارة هنا إلى‬
‫أ ّن عدد أسفار «الأبوكريفا» التي تقبلها وتعترف بها الكنيسة الأثيوبية‬

‫في النسخة الخاصة بها للعهد القديم يرتفع إلى ‪ 15‬سفًرا‪.‬‬

‫سفر «ابن سيراخ»‬

‫سفر يشوع بن سيراخ‪ ،‬أو ما يعرف بسفر ابن سيراخ أو‬
‫‪ ،Ecclesiasticus‬هو أحد أقدم وأطول الأسفار التي كتبت أسا ًسا‬
‫باليونانية في السبعينية‪ .‬فبحسب ال ِّسفر نفسه‪ ،‬فإن سفر ابن سيراخ‬
‫يعود إلى حوالي سنة ‪ 180‬ق‪.‬م‪ ،‬حيث قام معلم محافظ للشريعة‬
‫(يشوع بن سيراخ) بكتابته في أورشليم للدفاع عن اليهودية في مواجهة‬

‫الثقافة الهيلينّية (الهلنستية) اليونانية‪.‬‬
‫نظرة أدبية‪:‬‬

‫ُيمّثل «ابن سيراخ» النموذج الأكمل لأدب الحكمة الكتابي‪ .‬فالسفر‬
‫مبني من حيث الشكل على نموذج سفر الأمثال‪ ،‬ويتضَّمن تعليمات‬
‫أخلاقّية وأمثال شعبّية وقصائد ومزامير تسبيح ورثاء‪ ،‬بالإضافة إلى‬
‫أفكار وتأ ُّملات لاهوتية وفلسفية ووجودية ونصوص وعظية‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫ليس من الُمستغَرب أ ّن ال ِّسفر كانت له شعبية كبيرة في التراَثْين‬
‫اليهودي والمسيحي‪ ،‬وترك آثا ًرا لا ُيستهان بها على أدب الأمثال‬

‫‪52‬‬

‫درس كتاب‬

‫الشعبية في الغرب‪ .‬وما لا نعرفه اليوم هو أ ّن كنيسة القرون الأولى‬
‫استخدمت «ابن سيراخ» بشكل كبير في ليتورجيتها الكنسّية‪ .‬أما فيما‬

‫يتعلق بالبنية الهيكلية للسفر‪ ،‬فيمكننا رسمها على الشكل التالي‪:‬‬

‫‪ .XX‬خداع المظاهر (‪)6-1 :11‬‬ ‫‪ .I‬مقدمة افتتاحية‬

‫‪ .XXI‬نصائح وتحذيرات (‪)28-7 :11‬‬ ‫‪ .II‬في مدح الحكمة (‪)30-1 :1‬‬

‫‪ .XXII‬الحذر في اختيار الأصدقاء (‪:11‬‬ ‫‪ .III‬واجبات تجاه الله (‪)18-1 :2‬‬

‫‪ .IV‬واجبات تجاه الأهل (‪)18 :12-29 )16-1 :3‬‬

‫‪ .XXIII‬توخي الحذر فيما يخص‬ ‫‪ .V‬التواضع (‪)29-17 :3‬‬

‫‪ .VI‬واجبات تجاه الفقراء والمظلومين الرفقة (‪)2 :14-1 :13‬‬

‫‪ .XXIV‬الاستخدام المسؤول للثروة‬ ‫(‪)10 :4—30 :3‬‬

‫(‪)19-3 :14‬‬ ‫‪ .VII‬مكافآت الحكمة (‪)31-11 :4‬‬

‫‪ .XXV‬فرح طلب الحكمة (‪:15-20 :14‬‬ ‫‪ .VIII‬توصيات للحياة اليومية (‪:5‬‬

‫‪)10 )4 :6—1‬‬

‫‪ .IX‬الصداقة الحقيقية والكاذبة (‪ .XXVI :6‬حرية الاختيار (‪)20-11 :15‬‬

‫‪ .XXVII‬عقاب الله للخطاة (‪:16‬‬ ‫‪)17-5‬‬

‫‪)23-1‬‬ ‫‪ .X‬بركات الحكمة (‪)37-18 :6‬‬

‫‪ .XXVIII‬حكمة الله معلنة في الخليقة‬ ‫‪ .XI‬نصائح متنوعة (‪)17-1 :7‬‬

‫‪ .XII‬علاقات مختلفة (‪)24 :17-24 :16( )36-18 :7‬‬

‫‪ .XIII‬التعُّقل والمنطق العام (‪ .XXIX )19-1 :8‬دعوة للتوبة (‪)32-25 :17‬‬
‫‪ .XXX‬عظمة الله (‪)14-1 :18‬‬

‫‪ .XIV‬نصائح متعلقة بالنساء (‪ .XXXI )9-1 :9‬الروح السليمة في تقديم المعونة‬

‫(‪)18-15 :18‬‬ ‫‪ .XV‬اختيار الأصدقاء (‪)16-10 :9‬‬

‫‪ .XVI‬بخصوص الحكام (‪ .XXXII :10—17 :9‬الحاجة للتأمل وضبط‬

‫النفس (‪)17 :19-19 :18‬‬ ‫‪)5‬‬

‫‪ .XVII‬خطيئة الكبرياء (‪ .XXXIII )18-6 :10‬الحكمة الحقيقة والكاذبة‬

‫‪ . XVIII‬الأشخاص ُمستحّقو التكريم (‪)30-20 :19‬‬
‫‪ .XXXIII‬الحكمة الحقيقة والكاذبة‬ ‫(‪)25-19 :10‬‬

‫(‪)30-20 :19‬‬ ‫‪ . XIX‬التواضع (‪)31-26 :10‬‬

‫‪53‬‬

‫‪ .LII‬في الاستعارة والديون (‪)20-1 :29‬‬ ‫‪ .XXXIV‬ال َّصمت والكلام (‪)8-1 :20‬‬
‫‪ .XXXV‬متناقضات (‪)17-9 :20‬‬
‫‪ .LIII‬المنزل والضيافة (‪)28-21 :29‬‬ ‫‪ .XXXVI‬الكلام غير المناسب‬
‫والكذب (‪)26-18 :20‬‬
‫‪ .LIV‬بخصوص الأولاد (‪)17-1 :30‬‬ ‫‪ .XXXVII‬أمثال (‪)31-27 :20‬‬
‫‪ .XXXVIII‬خطايا متنوعة (‪:21‬‬
‫‪ .LV‬بخصوص الطعام (‪)25-18 :30‬‬ ‫‪)10-1‬‬
‫‪ .LVI‬الموقف الصحيح من الغنى (‪:31‬‬
‫‪ .XXXIX‬الحكمة والغباء (‪:22-11 :21‬‬
‫‪)11-1‬‬ ‫‪)18‬‬
‫‪ .LVII‬آداب المائدة والولائم (‪:31‬‬
‫‪ .XL‬المحافظة على الصداقة (‪:22‬‬
‫‪)13 :32—12‬‬ ‫‪)26-19‬‬
‫‪ .LVIII‬التدبير الإلهي (‪)6 :33—14 :32‬‬
‫‪ .XLI‬صلاة للمساعدة ضد الخطيئة‬
‫‪ .LIX‬اختلافات في الطبيعة وفي‬ ‫(‪)6 :23-27 :22‬‬
‫الإنسانية (‪)19-7 :33‬‬
‫‪ .XLII‬تدريب اللسان والكلام الغبي‬
‫‪ .LX‬امتيازات الحرية ومعاملة العبيد‬ ‫(‪)15-7 :23‬‬
‫(‪)33-20 :33‬‬
‫‪ .XLIII‬بخصوص الخطايا الجنسية‬
‫‪ .LXI‬عدم تصديق الأحلام (‪)8-1 :34‬‬ ‫(‪)27-16 :23‬‬
‫‪ .LXII‬تجربة التعليم (‪)13-9 :34‬‬
‫‪ .LXIII‬مخافة الرب (‪)20-14 :34‬‬ ‫‪ .XLIV‬في مدح الحكمة (‪)22-1 :24‬‬
‫‪ .XLV‬الحكمة والشريعة (‪-23 :24‬‬
‫‪ .LXIV‬تقديم الذبائح والشريعة (‪:34‬‬
‫‪)13 :35—21‬‬ ‫‪)34‬‬
‫‪ .XLVI‬الذين يستحقون المدح (‪:25‬‬
‫‪ .LXV‬العدالة الإلهية (‪)26-14 :35‬‬
‫‪ .LXVI‬صلاة لأجل شعب الرب (‪:36‬‬ ‫‪)11-1‬‬
‫‪ .XLVII‬بعض أنماط الشر المتطرفة‬
‫‪)17-1‬‬
‫‪ .LXVII‬أهمية التمييز (‪:37—18 :36‬‬ ‫(‪)26-13 :25‬‬
‫‪ .XLVIII‬الزوجة الصالحة والزوجة‬
‫‪)15‬‬
‫‪ .LXVIII‬الحكمة الصحيحة والكاذبة‬ ‫الشريرة (‪)27-1 :26‬‬
‫‪ .XLIX‬تعليمات وأقوال متنوعة (‪:26‬‬
‫(‪)26-16 :37‬‬
‫‪ .LXIX‬بخصوص الاعتدال (‪:37‬‬ ‫‪)29 :27-28‬‬
‫‪ .L‬الغضب والانتقام (‪)11 :28-30 :27‬‬
‫‪)31-27‬‬
‫‪ .LXX‬بخصوص الأطباء والصحة (‪:38‬‬ ‫‪ .LI‬اللسان الشرير (‪)26-12 :28‬‬

‫‪)15-1‬‬
‫‪ .LXXI‬في الحزن على الموتى (‪:38‬‬

‫‪)23-16‬‬

‫‪54‬‬

‫درس كتاب‬

‫‪ .LXXII‬في التجارة والتصنيع (‪ .LXXXVI :38‬اسحق ويعقوب (‪:44‬‬

‫‪)23-22‬‬ ‫‪)34-24‬‬

‫‪ .LXXIII‬نشاط الكاتب (‪ .LXXXVII )11-1 :39‬موسى (‪)5-1 :45‬‬

‫‪ .LXXIV‬قصيدة في تسبيح الله (‪ .LXXXVIII :39‬هارون (‪)22-6 :45‬‬

‫‪ .LXXXIX‬فينحاس (‪)26-23 :45‬‬ ‫‪)35-12‬‬

‫‪ .LXXV‬البؤس الإنساني (‪ .XC )11-1 :40‬يشوع وكالب (‪)10-1 :46‬‬

‫‪ .LXXVI‬الظلم لن يثمر (‪ .XCI )17-12 :40‬القضاة (‪)20-11 :46‬‬

‫‪ .LXXVII‬الأشياء المفرحة في الحياة ‪ .XCV‬رحبعام ويربعام (‪)25-23 :47‬‬

‫‪ .XCVI‬إيليا (‪)11-1 :48‬‬ ‫(‪)27-18 :40‬‬

‫‪ .XCVII‬إليشع (‪)16-12 :48‬‬ ‫‪ .LXXVIII‬مذلة الاستعطاء (‪:40‬‬

‫‪ .XCVIII‬حزقيا (‪)22-17 :48‬‬ ‫‪)30-28‬‬
‫‪ .XCIX‬إشعياء (‪)25-23 :48‬‬ ‫‪ .LXXIX‬بخصوص الموت (‪)4-1 :41‬‬
‫‪ .C‬يوشيا وآخرون (‪)13-1 :49‬‬ ‫‪ .LXXX‬مصير الأشرار (‪)8 :42—5 :41‬‬
‫‪ .LXXXI‬أعمال الله في الطبيعة(‪:42‬‬
‫‪ .CI‬استذكار (‪)16-14 :49‬‬
‫‪ .CII‬سمعان بن أونيا الكاهن (‪)21-1 :50‬‬ ‫‪)33 :43—9‬‬
‫‪ .LXXXII‬قصيدة في تكريم الآباء (‪:44‬‬
‫‪ .CIII‬بركة ختامية (‪)24-22 :50‬‬
‫‪ .CIV‬ملحق ختامي (‪)29-25 :50‬‬ ‫‪)15-1‬‬
‫‪ .CV‬صلاة يشوع بن سيراخ (‪)12-1 :51‬‬ ‫‪ .LXXXIII‬أخنوخ (‪)16 :44‬‬
‫‪ .CVI‬قصيدة على لسان الحكمة (‪:51‬‬ ‫‪ .LXXXIV‬نوح (‪)18-17 :44‬‬
‫‪ .LXXXV‬ابراهيم (‪)21-19 :44‬‬
‫‪)30-13‬‬

‫نظرة تاريخية‪:‬‬

‫تقليدًّيا‪ ،‬وكما ذكرنا أعلاه‪ ،‬تَّم تحديد تاريخ كتابة السفر اعتما ًدا‬
‫على المعلومات الموجودة في مقدمته‪ ،‬والتي ُيعلن فيها الكاتب أ ّن‬
‫هذا السفر هو «ترجمة» يونانية قام بكتابتها في الإسكندرية لسفر قام‬

‫جّده بكتابته باللغة العبرية قبل حوالي الخمسين سنة في أورشليم‪.‬‬
‫وبحسب النظرة التقليدية‪ ،‬واعتما ًدا على المعلومات والشخصيات‬
‫«التاريخية» التي يشير إليها السفر في مقدمة نسخته اليونانية‪ ،‬تعود‬

‫كتابة النسخة اليونانية إلى سنة ‪ 130‬ق‪.‬م تقريًبا‪ ،‬في حين أن «النسخة‬

‫‪55‬‬

‫الأصلية العبرية» تعود إلى سنة ‪ 180‬ق‪.‬م تقريًبا‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬أَّية قراءة نقدية حقيقية لل ِّسفر لا تستطيع إّل أن ترى أن‬
‫تلك المقدمة ُتعاني من مشاكل «تاريخية» عديدة‪ .‬وعليه فالدراسات‬
‫الحديثة تعتبر أ ّن كل تلك القصة الموجودة في مقدمة السفر‪ ،‬حول‬
‫« َجٍّد» كاتب والترجمة اليونانية للسفر‪ ،‬هي قصة غير حقيقّية تهدف‬
‫لمنح السفر مصداقية ومرجعية أكبر‪ ،‬وأن تلك النسخة اليونانية هي‬
‫في الحقيقة النسخة الأصلية للسفر‪ ،‬ولا وجود لأية نسخة عبرية‬

‫سابقة لها‪.‬‬
‫نظرة لاهوتية‪:‬‬
‫يتبَّنى سفر «ابن سيراخ» المفهوم التقليدي للحكمة‪ ،‬أي مفهوم‬
‫الُمجازاة أو الثواب والعقاب‪ ،‬حيث أن الباّر أو الحكيم ُيكافأ‪ ،‬والشرير‬
‫أو الجاهل ُيعاقب (راجع سفر الأمثال)‪ .‬ويتضَّمن السفر عد ًدا من‬
‫المفاهيم الأساسية التي تنطلق من ذلك المفهوم التقليدي للحكمة‬

‫من أهمها‪:‬‬
‫‪ُ .1‬يعّرف «ابن سيراخ» الحكمة على أّنها مخافة الرب‪ .‬فتعبير‬
‫«مخافة الرب» وما يعادله ويشت ّق منه َيِرد حوالي ‪ 60-55‬مرة في «ابن‬
‫سيراخ»؛ الأمر الذي لا يتفّوق عليه سوى سفر المزامير (‪ 79‬مرة)‪.‬‬
‫بدوره تعبير «الحكمة» يرد ‪ 55‬مرة في «ابن سيراخ»‪ .‬ومن مقّدمته‬
‫الافتتاحية وإصحاحاته الأولى يشرح السفر الحكمة على أنها مخافة‬
‫الرب‪ .‬ولكن من المهم أن نشير هنا إلى أنه بالنسبة لابن سيراخ فإن‬
‫الحكمة كمخافة الرب تتحقق بالالتزام بالشريعة وتطبيق الوصايا‪ ،‬كما‬
‫يعلن ابن سيراخ بوضوح لا لبس فيه «في َمخا َفِة الّر ٌب ُك ُّل ال ِحك َمِة‪،‬‬

‫و ُك ُّل ال ِحك َمِة الع َم ُل ِبال َّشري َعِة‪.)20 :19( ».‬‬
‫‪ .2‬الله هو الإله الوحيد الحقيقي‪ ،‬الأزلي‪ ،‬الذي يصلي ابن سيراخ أن‬

‫‪56‬‬

‫درس كتاب‬

‫تأتي كل الأمم لمعرفته وعبادته‪ .‬والله في «ابن سيراخ» هو خالق كل‬
‫الكون‪ ،‬بما في ذلك الحكمة‪ ،‬بكلمته كلَّية القدرة‪ ،‬وهو كلي المعرفة‪،‬‬
‫الذي يعرف كل أسرار الكون ويرى كل الأشياء حتى قبل أن تكون‪.‬‬
‫وبالنسبة لابن سيراخ‪ ،‬الله هو إله رحوم تجاه كل الأمم‪ ،‬لكنه قبل‬
‫كل شيء آخر إله باّر يجازي إسرائيل والأمم على شّرها بعدالة ودون‬

‫تمييز‪.‬‬
‫‪ .3‬يتبَّنى «ابن سيراخ» مفهو ًما واض ًحا عن الإرادة الحّرة‪ ،‬حيث‬
‫يعتبر أ ّن الإنسان إَّنما يرتكب الشر بملء إرادته الحّرة‪ ،‬ولا يستطيع أن‬
‫يلوم الله على خطيئته (انظر بشكل خاص الإصحاح ‪ .)15‬وبالتالي‪،‬‬
‫فإ ّن مفهوم المجازاة‪ ،‬أي الثواب والعقاب‪ ،‬يصبح مفهو ًما عادًل ويتّفق‬
‫مع عدالة الله بشكل كامل‪ .‬فالإنسان الباّر الحكيم الذي يلتزم‬
‫بالشريعة سيكافأ بالحياة الطويلة والصحة والسعادة والزواج والعائلة‬
‫الناجحة والذكر الطيب بعد موته‪ .‬والإنسان الخاطئ الجاهل الذي لا‬

‫يلتزم بالشريعة‪ ،‬بخياره الحّر‪ ،‬سيعا َقب بعكس ذلك تما ًما‪.‬‬

‫سفر حكمة سليمان‬

‫سفر حكمة سليمان‪ ،‬أو ما ُيعرف بسفر الحكمة‪ ،‬هو السفر الثاني‬
‫من الأسفار التي كتبت أسا ًسا باليونانية في مجموعة الأسفار الأدبية‬
‫والشعرية في النسخة السبعينية للعهد القديم‪ .‬والسفر الذي يحمل‬
‫اسم سليمان الملك‪ ،‬هو بوضوح لا علاقة له بسليمان‪ ،‬ولكنه عبارة‬
‫عن مجموعة من تقاليد الحكمة اليهودية الُمختلطة بأفكار يونانية‬
‫ومصرية‪ .‬أما نسبته إلى سليمان فتتبع التقليد الشائع في العصور‬
‫القديمة بنسب الكتابات لشخصيات مشهورة وهامة لمنحها أهمية‬

‫وشرعية أكبر‪.‬‬

‫‪57‬‬

‫نظرة أدبية‪:‬‬
‫سفر الحكمة هو أي ًضا من أسفار أدب الحكمة الكتابي‪ ،‬ويقدم‪ ،‬عبر‬
‫أقوال حكمية وأمثال وحكم ومقاطع فلسفية‪ ،‬تأمًل في أهمية الحكمة‬
‫وطبيعتها وقّوتها‪ ،‬و ِم ْن ثم قراءة تأملية لأهمية الحكمة في «تاريخ»‬
‫شعب الله وقصة خروجه من مصر‪ ،‬كما يظهر في البنية الهيكلية‬

‫للسفر أدناه‪:‬‬

‫‪ .III‬حكمة الله وعدالته في الخروج (‪:11‬‬ ‫‪ .I‬عطية الخلود التي تمنحها الحكمة (‪:1‬‬
‫‪)22 :19—1‬‬ ‫‪)21 :6 - 1‬‬

‫‪.a‬الحكمة قادت اسرائيل في الخروج من‬ ‫‪ .a‬دعوة للاستقامة وخطأ الشرير (‪:1‬‬
‫مصر وفي البرية (‪)14 :11—15 :10‬‬ ‫‪)24 :2—1‬‬
‫‪.b‬عقاب الشرير (‪)20-15 :11‬‬
‫‪ .b‬مصير البار ومصير الكافر (‪)13-1 :3‬‬
‫‪.c‬رحمة الله وقوته (‪)2 :12—21 :11‬‬ ‫‪ .c‬بخصوص عدم الإنجاب (‪:4—14 :3‬‬
‫‪ .d‬خطايا الكنعانيين (‪)11-3 :12‬‬
‫‪ .e‬عظمة الله (‪)18-12 :12‬‬ ‫‪)15‬‬
‫‪ .d‬نصرة البار (‪)19-16 :4‬‬
‫‪ .f‬دروس الله لإسرائيل (‪)22-19 :12‬‬ ‫‪ .e‬الدينونة الأخيرة (‪)14 :5—20 :4‬‬
‫‪ .g‬عقاب المصريين (‪)27-23 :12‬‬ ‫‪ .f‬مكافأة البار (‪)23-15 :5‬‬
‫‪ .g‬دعوة الملوك لطلب الحكمة (‪)11-1 :6‬‬
‫استطراد‪ :‬غباء عبادة الطبيعة وعبادة‬ ‫‪ .h‬وصف الحكمة (‪)21-12 :6‬‬
‫الأوثان وفوائد عبادة الإله الحقيقي (‪:13‬‬ ‫‪ .II‬طبيعة وقوة الحكمة وطلب سليمان‬

‫‪)17 :15—1‬‬ ‫لها (‪)14 :10—22 :6‬‬
‫‪ .h‬حيات في البرية (‪)14 :16—18 :15‬‬ ‫‪ .a‬تمهيد (‪)25-22 :6‬‬
‫‪ .i‬عواصف مدمرة تضرب مصر (‪)19-15 :16‬‬ ‫‪ .b‬الملك سليمان والحكمة (‪)21-1 :7‬‬
‫‪ .j‬المن ينزل على اسرائيل (‪)29-20 :16‬‬ ‫‪ .c‬طبيعة الحكمة (‪)1 :8—22 :7‬‬
‫‪ .k‬رعب يضرب المصريين في الليل (‪:17‬‬ ‫‪ .d‬محبة سليمان للحكمة (‪)8-2 :8‬‬
‫‪ .e‬لا بديل عن الحكمة للحكام (‪)21-9 :8‬‬
‫‪)21-1‬‬ ‫‪ .f‬صلاة سليمان لأجل الحكمة (‪)18-1 :9‬‬
‫‪ .l‬نور يشع على الشعب (‪)4-1 :18‬‬ ‫‪ .g‬عمل الحكمة من آدم إلى موسى (‪:10‬‬
‫‪ . m‬موت أبكار المصريين (‪)19-5 :18‬‬
‫‪ .n‬مواجهة خطر النهاية في البرية (‪:18‬‬ ‫‪)14-1‬‬

‫‪)25-20‬‬

‫‪58‬‬

‫درس كتاب‬

‫‪ .q‬عقاب المصريين (‪)17-13 :19‬‬ ‫‪ .o‬البحر الأحمر (‪)5-1 :19‬‬
‫‪ .r‬تناغم جديد في الطبيعة (‪)21-18 :19‬‬ ‫‪ .p‬الله يقود ويحمي شعبه (‪)12-6 :19‬‬

‫‪ .s‬خاتمة (‪)22 :19‬‬

‫نظرة تاريخية‪:‬‬
‫ليس هناك اتفاق بين الباحثين حول تاريخ كتابة سفر الحكمة‪،‬‬

‫الذي يّتفق الباحثون بشكل كبير على أنه كتب باللغة اليونانية على يد‬
‫يهود مثقفين بالثقافة الهيلينّية (الهلينيستية) اليونانية في الإسكندرية‪.‬‬
‫وتتراوح التواريخ الُمقترحة لكتابته إلى الفترة الُممتَّدة بين ‪ 220‬ق‪.‬م و‪50‬‬
‫م‪ .‬لكن إشارات ُمختلفة في السفر ُتشير إلى أّنه ُكِتب في الفترة التي‬
‫َتَلت الغزّو الروماني للإسكندرية في سنة ‪ 30‬ق‪.‬م؛ وهي الفترة التي‬
‫شهدت تحُّوًل في الموقف اليهودي من الحضارة اليونانية‪ ،‬وانتقاًل من‬
‫الَّتفاؤل بها إلى سيطرة شعور من خيبة الأمل والنقد تجاهها‪ ،‬وهو‬
‫الأمر الذي يعكسه سفر حكمة سليمان‪ .‬كما أ ّن الإشارة إلى حكام‬
‫زوايا الأرض الأربعة (‪ )1 :6‬من جهة أولى‪ ،‬وإلى اضطهاد كبير يواجهه‬

‫الشعب‪ ،‬والتأكيد على مكافأة البار الذي يصمد في وجهه (‪)23-16 :5‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬تشير إلى الحقبة الرومانية‪ .‬بالإضافة إلى ذلك‪ ،‬فإ ّن‬
‫العديد من الإثباتات اللغوية في السفر تشير إلى الفترة الرومانية‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬تعود كتابة السفر إلى نهاية القرن الأول ق‪.‬م أو إلى النصف‬

‫الأول للقرن الأول ميلادي‪.‬‬

‫نظرة لاهوتية‪:‬‬
‫يتبّنى سفر الحكمة بدوره أي ًضا‪ ،‬وكما رأينا مع سفر ابن سيراخ‪،‬‬
‫المفهوم التقليدي للحكمة‪ ،‬أي مفهوم المجازاة أو الثواب والعقاب‪.‬‬

‫ولكن سفر الحكمة يقّدم عد ًدا من المفاهيم الجديدة‪ ،‬والتي أّثرت‬
‫بشكل كبير في المسيحية‪ ،‬حيث أ ّن هذا السفر كان سفًرا ُمحّبًبا جًّدا‬

‫‪59‬‬

‫لدى آباء الكنيسة‪ ،‬وساهم بشكل كبير في بناء العديد من المفاهيم‬
‫والعقائد المسيحية‪ .‬ونستطيع أن ُنل ّخص عد ًدا من أهم المفاهيم التي‬

‫يتضّمنها وُيعلنها السفر‪:‬‬
‫‪ .1‬الوجود الُمسبق للروح وخلودها‪ :‬سفر الحكمة يتبَّنى في هذا‬
‫السياق المفاهيم الأفلاطونية ويجمعها مع التقليد اليهودي ليقدم‬
‫مفهو ًما غريًبا عن العهد القديم‪ ،‬وينقل مفهوم المجازاة إلى ما بعد‬
‫هذه الحياة‪ ،‬وليس فقط خلالها‪ ،‬كما هو الحال مع جميع الأسفار‬

‫التي تتبَّنى هذا المفهوم في العهد القديم‪.‬‬
‫‪ .2‬الحكمة (صوفيا)‪ :‬الشخصية الرئيسية للسفر هي‪ ،‬دون منازع‪،‬‬
‫الحكمة أو صوفيا التي ُيش ْخ ِصنها السفر بصيغة مؤّنثة‪ ،‬وتظهر فيه‬
‫بأسماء متنوعة‪ .‬ويؤكد سفر الحكمة على أهمية الحكمة وبركاتها‬
‫الكثيرة لمن يجدها ويتبعها‪ .‬ويؤكد كاتب السفر على أن الحكمة هي‬
‫في ُمتناول من يطلبها‪ ،‬ويتحدث عن ُحّبه لها وسعيه لجعلها عرو ًسا‬
‫له‪ .‬ومن المهم أن نشير هنا إلى أ ّن التعابير المستخدمة لوصف‬
‫اتحاد «التلميذ» مع الحكمة تتوافق مع تلك المستخدمة لوصف‬
‫اتحاد الحكمة بالله‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فبالنسبة لسفر الحكمة‪ ،‬الهدف الأسمى‬
‫للإنسان هو الاتحاد مع الله‪ ،‬والذي لا يمكن تحقيقه إّل عبر الاتحاد‬

‫مع الحكمة‪ ،‬والتي هي أحد أبعاد الله‪.‬‬

‫سفر «باروخ» ورسالة إرميا‬

‫السفر الثالث بين الأسفار التي كتبت أسا ًسا باللغة اليونانية في‬
‫النسخة اليونانية السبعينية للعهد القديم والذي سنقوم بالقاء نظرة‬
‫عليه هو سفر «باروخ»‪ ،‬وهو سفر ُملحق تقليدًّيا بسفر إرميا‪ ،‬كونه‬
‫يحمل اسم باروخ بن نيريا الكاتب في سفر إرميا (إرميا ‪32‬؛ ‪36‬؛ ‪43‬؛‬

‫‪60‬‬

‫درس كتاب‬

‫‪ .)45‬لذلك‪ ،‬سُنلقي نظرة سريعة معه على جزء آخر ُملحق بسفر‬
‫إرميا في السبعينية‪ ،‬وهو ما يعرف برسالة إرميا‪ ،‬والذي عادة ما لا يتم‬
‫التعامل معه كسفر مستقل بحد ذاته‪ ،‬كما هو الحال مع باروخ‪ .‬لكن‬

‫كجزء من سفر إرميا أو كجزء من سفر باروخ‪.‬‬
‫ بالنسبة لسفر باروخ‪ ،‬فإن السفر لا يتضَّمن أ َّي ِذكر لإرميا‪،‬‬
‫والارتباط الوحيد بينه وبين سفر إرميا هو‪ ،‬كما ذكرنا أعلاه كونه‬
‫يحمل اسم باروخ بن نيريا‪ ،‬بالإضافة لكونه يتعامل مع دمار أورشليم‬
‫والسبي إلى بابل‪ .‬ويَّتفق الباحثون اليوم أن سفر باروخ لا علاقة‬
‫حقيقّية له مع باروخ بن نيريا‪ ،‬كاتب إرميا‪ ،‬أو مع سفر إرميا‪ ،‬ولكنه‬
‫سفر يعود تاريخ كتابته إلى القرن الثاني أو الأول ق‪.‬م‪ ،‬ويدعى سفر‬
‫باروخ أحياًنا بسفر باروخ الأول‪ ،‬وذلك للتمييز بينه وبين سفر ينتمي‬
‫إلى الأسفار المنحولة ويعرف بسفر «رؤيا باروخ» ويوجد منه نسخة‬

‫سريانية (تعرف بباروخ الثاني) ونسخة يونانية (باروخ الثالث)‪.‬‬
‫ يتأّلف سفر باروخ من أربعة أجزاء رئيسية‪ ،‬هناك اتفاق واسع‬
‫بين الباحثين بأ ّن كل جزء منها يعود إلى كاتب وتاريخ كتابة ُمختل َفْين‪،‬‬

‫وبالتالي سنقوم بإلقاء نظرة سريعة على كل جزء منها على حدة‪.‬‬
‫‪ُ .I‬مقدمة نثرية (‪ )14-1 :1‬تتأّلف ِم ْن ِجزَأْين رئيسَّيْين ُهما‪)a( :‬‬
‫رسالة إلى أورشليم (‪ ،)10-1 :1‬و(‪ )b‬باروخ واليهود في بابل (‪.)14-11 :1‬‬
‫هذه الُمقّدمة‪ ،‬التي من المفروض أنها ُتمّثل رسالة التقديم للسفر‪،‬‬
‫ُتعاني ِم ْن عدم تناسق وانسجام في محتواها‪ .‬فهي ُتعلن أ ّن باروخ بن‬
‫نيريا إّنما كتب هذا السفر في بابل في السنة الخامسة لما لا تحدد‬
‫ما هو (‪ ،)2-1 :1‬وأنه تلاه على مسامع الأعيان في بابل على نهر‬
‫غريب يدعوه السفر بنهر سود (آ ‪ .)4‬كما أ ّن هذه الُمقّدمة تعاني‬
‫من مشاكل تاريخية حقيقية‪ .‬فهي مثًل ُتعلن أ ّن باروخ شخصًّيا تسّلم‬

‫‪61‬‬

‫آنية بيت الرب من الملك البابلي نبوخذ نصر وأعادها إلى أورشليم‬

‫(آ ‪)8‬؛ وذلك خطأ تاريخي كبير ويتناقض حتى مع ما يعلنه الكتاب‬

‫المقدس نفسه‪ .‬فنبوخذ نصر هو من أخذ تلك الآنية إلى بابل‪ .‬لكن لم‬

‫تتم «إعادتها» إّل في مرحلة لاحقة عند إعادة بناء الهيكل في الفترة‬

‫الفارسية‪ .‬كما أ ّن باروخ ‪ 11 :1‬تجعل من حفيد نبوخذ نصر‪ ،‬بلشاصر‪،‬‬
‫ابًنا له عو ًضا عن نبونيدس أبيه؛ وهو خطأ تاريخي يشترك فيه باروخ‬
‫مع سفر دانيال (دا ‪)22 ،18 ،11 ،2 :5‬؛ الأمر الذي يقترح تاري ًخا ُمتقارًبا‬

‫لكتابة الاثنين‪ ،‬أي القرن الثاني ق‪.‬م (راجع سفر دانيال)‪.‬‬

‫من المهم أن نشير هنا إلى أ ّن نصيحة باروخ لليهود بالتعاون مع‬
‫البابلّيين والصلاة لأجل نبوخذ نصر في هذه المقدمة (با ‪،)11 :1‬‬
‫وإن كانت تتناغم مع نصيحة إرميا للمسبّيين (إرميا ‪8-6 :27‬؛ ‪:29‬‬
‫‪ ،)7-4‬إّل أّنها تتناقض بشكل صارخ مع الموقف الذي يّتخذه مزمور‬
‫الّتشجيع والرجاء الذي في الجزء الرابع من سفر باروخ (با ‪:5—5 :4‬‬
‫‪ ،)9‬والذي يّتخذ موق ًفا سلبًّيا بشكل واضح من البابليين (‪،16-15 :4‬‬
‫‪)35-31 ،26-25 ،21‬؛ الأمر الذي يشير إلى اختلاف اليد التي تقف‬

‫جزَأ ْين‬ ‫من‬ ‫أي ًضا‬ ‫بدورها‬ ‫تتألف‬ ‫‪)8‬‬ ‫الجزَأْين المختل َفْين‪.‬‬ ‫خلف‬
‫صلاة اعتراف (‪:3—15 :1‬‬ ‫‪.II‬‬

‫رئيسَّيْين هما‪ )a( :‬اعتراف بخطايا الباقين في الأرض (‪،)5 :2—15 :1‬‬
‫و(‪ )b‬تضُّرع لأجل المسبّيين (‪ .)8 :3—6 :2‬وكلا الجزئين يحملان‬
‫الكثير من علامات تأثير سفر إرميا عليهما (با ‪ // 15 :1‬إر ‪4 :4‬؛ ‪:11‬‬

‫‪9 ،2‬؛ ‪25 :17‬؛ ‪32 :32‬؛ ‪13 :35‬؛ با ‪ // 16 :1‬إر ‪32 :32‬؛ با ‪21 :1‬ب ‪//‬‬

‫إر ‪5-4 :26‬؛ با ‪ // 13 :2‬إر ‪24 :30‬؛ با ‪ // 19 :2‬إر ‪7 :36‬؛ با ‪21 :2‬‬

‫‪ //‬إر ‪12-11 :27‬؛ با ‪ // 23 :2‬إر ‪34 :7‬؛ با ‪ // 25 :2‬إر ‪30 :36‬؛ با‬

‫‪ // 32 :2‬إر ‪.)11 :43‬‬

‫‪62‬‬

‫درس كتاب‬

‫لكن‪ ،‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬من المهم أن ُنشير إلى أ ّن هذا الجزء من‬
‫سفر باروخ يظهر علامات ارتباط كبيرة بالصلاة الموجودة في دانيال‬
‫‪( 19-4 :9‬مثًل با ‪ // 15 :1‬دا ‪7 :9‬؛ با ‪ // 18 :1‬دا ‪10 :9‬؛ با ‪21 :1‬أ ‪//‬‬
‫دا ‪10 :9‬ب؛ با ‪1 :2‬أ ‪ //‬دا ‪12 :9‬أ؛ با ‪ // 2 :2‬دا ‪13-12 :9‬أ؛ با ‪8-7 :2‬‬
‫‪ //‬دا ‪13 :9‬؛ با ‪ // 10-9 :2‬دا ‪14 :9‬؛ با ‪ // 11 :2‬دا ‪10 :9‬؛ با ‪13 :2‬أ ‪//‬‬
‫دا ‪16 :9‬ب؛ با ‪17 :2‬ب ‪ //‬دا ‪18 :9‬ب؛ با ‪ // 19 :9‬دا ‪ .)18 :4‬وهذا‬
‫الارتباط الكبير بين الصلاَتْين يقترح أحد احتماَلْين اثنين لا ثالث لهما‪.‬‬
‫ُهما‪ ،‬إ َّما أ ّن إحداهما قد اعتمدت على الأخرى‪ ،‬أو أّنهما كلتاهما قد‬

‫اعتمدتا على مصدر واحد مشترك بينهما‪.‬‬
‫‪ .III‬قصيدة في مدح الحكمة (‪ ،)4 :4—9 :3‬وهي جزء يختلف‬
‫بوضوح عن الجزَأْين الل َذْين يسبقانه في السفر من حيث الشكل‬
‫والمضمون‪ ،‬وإن كان يدور مثلهما في سياق السبي‪ .‬فهذا الجزء الثالث‬
‫هو عبارة عن جزء شعري وليس نثري؛ وهو يدور بشك ٍل أسا ٍس حول‬

‫موضوع الحكمة ويبتعد بشكل كبير عن الأدب النبوي‪.‬‬
‫وتتضَّمن هذه القصيدة الكثير من المفاهيم والَّتعابير التي ُتمّيز أدب‬
‫الحكمة اليهودي المتأ ّخر كابن سيراخ وحكمة سليمان؛ الأمر الذي‬
‫يقترح أنها ُكتبت بتاريخ قريب لتاريخ كتابة ه َذْين السفَرْين‪ ،‬أي القرن‬

‫الثاني أو الأول ق‪.‬م‪ ،‬أو حتى بعد ذلك‪.‬‬
‫‪ .IV‬مزمور تشجيع ورجاء (‪ )9 :5—5 :4‬يتأّلف هو أي ًضا من‬
‫جزَأْين رئيسَّيْين‪ )a( ،‬تشجيع لإسرائيل (‪ ،)29-5 :4‬و(‪ )b‬تأكيد العون‬
‫لأورشليم (‪ .)9 :5—30 :4‬وبالتالي‪ ،‬فهذا الجزء‪ ،‬الذي يتضّمن مراجعة‬
‫للماضي وتو ُّق ًعا للمستقبل‪ ،‬ينتقل من مخاطبة «المسبّيين» إلى‬
‫مخاطبة «أ ّمهم» أورشليم نفسها‪ .‬ويتضمن هذا الجزء الكثير من‬
‫التعابير والصور المأخوذة بوضوح من إشعياء الثاني‪ ،‬ويَّتفق الباحثون‬

‫‪63‬‬

‫على التاريخ الُمتأ ّخر لكتابته‪ ،‬والذي يعود إلى القرن الأول ق‪.‬م‪ .‬أو‬
‫حتى القرن الأول الميلادي‪.‬‬

‫أ ّما فيما يتعّلق برسالة إرميا‪ ،‬والتي كما قلنا أعلاه لا يتّم التعامل‬
‫معها عادة كسفر مستق ّل‪ ،‬ولكن كجزء ملحق بسفر إرميا أو بسفر‬
‫باروخ‪ ،‬فهي ليست رسالة وليست مكتوبة من قبل كاتب إرميا‪ .‬حيث‬
‫أ ّن هذا الَّنص ليس رسالة‪ ،‬لكنه ُخطبة أو قصيدة هجاء ضد عبادة‬
‫الأوثان‪ ،‬حيث أنها تتألف من ‪ 3‬أجزاء رئيسية‪ )a( :‬الشعب يواجه سبًيا‬
‫طويًل (آآ ‪ )b( ،)6-1‬عدم جدوى الأوثان (آآ ‪ ،)38-7‬و(‪ )c‬غباء عبادة‬
‫الأوثان (آآ ‪ .)72-39‬وتتألف القصيدة من ‪ 10‬أبيات أو مقاطع مختلفة‬
‫الطول‪ ،‬تنتهي جميعها باستثناء المقطع الأول والأخير بنسخة معَّدلة‬

‫من القرار نفسه «بهذا نعرف أنها ليست آلهة‪ ،‬فلا تخافوها»‪.‬‬
‫ورغم أ ّن الرسالة تتضَّمن في بعض تعابيرها وصورها ارتبا ًطا واض ًحا‬
‫بسفر إرميا‪ ،‬خا ّصة (إر ‪ ،)15-2 :10‬إّل أ ّن الأفكار والصور واللغة التي‬
‫تتضّمنها الرسالة ترتبط أي ًضا بشكل واضح بنصوص كتابّية أخرى‬
‫ُكتبت في مرحلة لاحقة لزمن كتابة إرميا‪ ،‬كإشعياء الثاني (‪20-9 :44‬؛‬
‫‪ )7-5 :46‬وتثنية (‪ ،)28-27 :4‬وبعض المزامير الُمتأخرة (مزمور ‪:115‬‬
‫‪8-3‬؛ ‪ .)17-15 ،7-6 :135‬كما أ ّن هذه الرسالة هي بوضوح أقل أدبًّيا‬

‫وفكرًّيا من سفر إرميا‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يَّتفق الباحثون اليوم على أ ّن «رسالة إرميا» يجب أن تكون‬
‫قد ُكتبت قبل بداية القرن الأول ق‪.‬م‪ ،‬بما أّنه قد تّم العثور على جزء‬
‫منها يعود إلى سنة ‪ 100‬ق‪.‬م ضمن مخطوطات البحر الميت‪ .‬ويعتقد‬
‫الباحثون اليوم أن هذه الرسالة قد مَّرت برحلة طويلة خلال تأليفها‪،‬‬
‫بدأت في بدايات القرن الثالث ق‪.‬م وامتدت إلى حوالي مئتي سنة‪،‬‬

‫حيث بلغت شكلها النهائي في نهايات القرن الثاني ق‪.‬م‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫‪ 4‬مقالات إصلاح ّية‬

‫الإنجيلّيون ومريم العذراء‬

‫(الولادة من عذراء ‪ -‬والدة الإله ‪-‬‬
‫البتولة الدائمة ‪ -‬الحبل بلا دنس ‪-‬‬

‫انتقال العذراء ‪ -‬تكريم العذراء)‬

‫الإنجيل ّيون‬
‫ومريم العذراء‪1‬‬

‫د‪ .‬جورج صبرا*‬

‫ُيجاَبه الإنجيلي في حديثه مع غير الإنجيلي في بلادنا سري ًعا بالسؤال‬
‫عن مكانة العذراء عنده‪ ،‬وذلك لأ َّن السيدة العذراء مهَّمة ج ًدا للتقوى‬
‫والروحانية في الكنائس الشرقية‪ ،‬لدرجة أ َّن غيابها من الروحانية‬
‫واللاهوت الإنجيلَّيْين يشكل‪ ،‬في نظر بعضهم‪ ،‬تشكي ًكا أساسًّيا في‬
‫شرعية المسيحية الإنجيلية‪ .‬ولا عجب‪ ،‬فإ ّن التقوى وبعض العقائد‬
‫المريمّية ُولدت وترعرعت وازدهرت في الشرق الأوسط‪ ،‬و َطَب َعت‬

‫المسيحية الشرقية بطابع خاص‪.‬‬

‫لا يقدر الإنجيلّيون أن يتواجدوا في هذا الشرق ويتجاهلوا هذا‬
‫الوجه الهام للمسيحية الشرقية‪ .‬والتاريخ ُيظهر أنهم لم يتجاهلوا‬
‫هذا الواقع‪ .‬فمنذ مجيء الُمرسلين الأميركيين الأّولين‪ ،‬وغيرهم من‬
‫الُمرسلين الإنجيلّيين‪ ،‬وحتى هذا اليوم‪ ،‬واجه الإنجيلّيون المسائل‬
‫المريمّية الُمتعلقة بشفاعة العذراء وعقائد أخرى بشكل جّدي وبمواقف‬
‫سلبية‪ .‬كان الموقف الإنجيلي‪ ،‬ولم يزل إلى حٍّد كبير‪ ،‬دفاعًّيا وجدلًّيا‬
‫حول كل المسائل المريمّية‪ .‬كان الهدف ُمحاربة الآخرين وإثبات أَّننا‬
‫على ح ٍّق و ُهم على خطأ‪ .‬وقد بادل المسيحيون الآخرون الإنجيليين‬

‫هذا الهدف وذاك الموقف الدفاعي‪.‬‬

‫لكَّننا اليوم نحيا في عصر مسكوني‪ ،‬والفكر اللاهوتي المسؤول في‬
‫* رئيس كلّية اللاهوت للشرق الأدنى‬

‫‪ 1‬محاضرة ألقيت في مؤتمر السيدات ‪ -‬السينودس الإنجيلي الوطني في سورية ولبنان‪ ،‬في مركز المؤتمرات‪،‬‬

‫ضهور الشوير في ‪ 7‬آب‪ .2019 ،‬وهي مبنّية في معظمها على ما نشر أصلًا في ‪ :‬جورج صبرا‪« ،‬الإنجيليون ومريم‬ ‫‪66‬‬
‫العذراء»‪ :‬في سبيل الحوار المسكوني‪( ،‬بيروت‪ :‬دار النفير‪ ،)2001 ،‬ص ‪.188-171‬‬

‫مقالات إصلاح ّية‬

‫أيامنا إ َّما يكون مسكونًّيا أو لا يكون‪ .‬إ ّن إعادة النظر المسكونية في‬
‫موضوع ِخلافّي كهذا‪ ،‬إَّنما تتّم في روح تختلف عن روح العصور التي‬
‫مضت‪ .‬الموقف الأَّولي في الُمقاربة المسكونية ليس موقف ال َّشك‬
‫والِّدفاع والانتقاد‪ ،‬وإَّنما هو موقف الاحترام والانفتاح والمحبة‪ .‬وكما‬
‫يقول اللاهوتي الإنجيلي الشهير «كارل بارت» في إطار ُمعالجته‬
‫لموضوع ُمثير للجدل بين المسيحيين‪« :‬يجب أن نحترم شهادة الذين‬
‫كانوا قبلنا في الكنيسة والذين هم معنا الآن فيها لأنها شهادة آبائنا‬

‫واخوتنا الذين نحترم ونحب»‪.2‬‬
‫لكن يجب أن يكون الأمر واض ًحا منذ البداية‪ ،‬أ ّن الموقف الإنجيلي‬
‫الأساسي من التقوى والعقائد المريمّية لم ينُتج عن موقف ُمسَبق من‬
‫شخص العذراء‪ ،‬أو عن مزاج هذا أو ذاك من اللاهوتيين الإنجيليين‪،‬‬
‫أو من روحانية هذا أو ذاك من آباء الإصلاح‪ .‬بل إَّنه ُيف َّسر وُيف َهم‬
‫على أساس المبدأ الإنجيلي الثابت القائل بأن كلمة الله المشهود لها‬
‫في الأسفار المقدسة القانونية هي المقياس الِّنهائي والَمرجع الوحيد‬
‫لك ّل تعليم أو لاهوت أو فكر أخلاقي أو نظام أو عبادة أو روحانية‪.‬‬
‫لقد ارتضى الإنجيليون لأنفسهم َمرج ًعا واح ًدا نهائًيا ‪ -‬كلمة الله‬
‫الُموحاة والمشهود لها في الأسفار القانونية‪ .‬هذا هو منبع ومصدر‬
‫ك ّل إصلاح وتغيير حدث‪ ،‬وكل إصلاح وتغيير يحدث‪ ،‬وسيحدث‬
‫في الكنائس الإنجيلية ذاتها‪ .‬لقد شعر الإنجيليون عبر العصور بأن‬
‫الكنائس المسيحية الأخرى‪ ،‬وبالأخ ّص الكنيسة الرومانية الكاثوليكية‪،‬‬
‫قد تخ َّطت شهادة كلمة الله المكتوبة في بعض نواحي التقوى‬
‫المريمية‪ ،‬وفي بعض العقائد المريمية أي ًضا‪ .‬فكان رّد فعل الإنجيليين‬
‫أَّنهم تحفظوا ج ًدا حول معظم المواضيع التي تتعَّلق بمريم العذراء‪.‬‬
‫فصارت مريم العذراء مرتبطة بقصة الميلاد فقط‪ ،‬فقَّلما يؤَتى على‬
‫ذكرها خارج إطار مناسبة الميلاد‪ .‬ورأى الإنجيليون أن ثمة تبريًرا‬

‫‪ 2‬كما وردت في‪H. Oberman, “The Virgin Mary in Evangelical Perspective” The Journal of :‬‬
‫‪ ,)1964( 1 Ecumenical Studies‬ص‪67 273 .‬‬

‫لموقفهم هذا في العهد الجديد ذاته الذي يتضَّمن مقاطع وأقواًل إما‬
‫لا ُتبرز أهمية مريم العذراء الخاصة‪ ،‬أو ُتظهرها في ُبعدها عن يسوع‪.‬‬
‫فإنجيل مرقس‪ ،‬مثًل‪ ،‬يرسم صورة سلبية لعلاقة يسوع بعائلته‪ ،‬بأمه‬
‫واخوته‪ .‬إنني أشير إلى الفصل الثالث من هذا الإنجيل حيث نقرأ أ ّن‬
‫يسوع كان يعّلم الجموع‪ ،‬فقيل له إ َّن أمه وأخوته خار ًجا يطلبونه‪،‬‬
‫فأجاب قائًل‪َ « :‬فَأ َجاَب ُه ْم ِقاِئًل‪َ « :‬م ْن ُأ ِّمي َوِإ ْخَوِتي؟» ُثَّم َن َظَر َحْوَلُه ِإَلى‬
‫ا ْل َجاِل ِسي َن َو َقا َل‪َ « :‬ها ُأ ِّمي َوِإ ْخَوِتي‪ ،‬لَأ َّن َم ْن َي ْصَنُع َم ِشيَئَة اللِه ُهَو َأ ِخي‬
‫َوُأ ْخِتي َوُأ ِّمي»‪( ».‬مرقس ‪ ،35-31 :3‬أيضا مّتى ‪ 50-46 :12‬؛ لوقا ‪:8‬‬
‫‪ .)21 - 19‬أو في لوقا ‪ 28-27 :11‬حين صرخت امرأة من الجمع قائلة‪:‬‬
‫« ُطوَبى ِلْلَب ْط ِن اَّل ِذي َح َمَل َك َوالَّث ْدَيْي ِن الَّل َذْي ِن َر ِض ْعَت ُه َما» أما يسوع‬
‫فقال‪َ« :‬ب ْل ُطوَبى ِلَّل ِذي َن َي ْس َم ُعو َن َكلَا َم اللِه َوَي ْح َف ُظوَنُه»‪ .‬وإذا أضفنا‬
‫إلى هذا صمت الرسول بولس في رسائله حول مريم العذراء وكل‬
‫القصص الميلادية‪ ،‬وصمت القرون الأولى للمسيحية وغياب التقوى‬
‫المريمية منها‪ ،‬بحيث‪ ،‬مثًل‪ ،‬لا نجد ذكًرا لترانيم أو أناشيد أو صلوات‬
‫مريمية‪ ،‬ولا أعياد مريمية قبل القرن الرابع ‪ -‬في الغرب تحدي ًدا قبل‬
‫القديس أوغسطينوس‪ .‬وأ ّن الأعياد المريمية‪ ،‬مثل البشارة والرقاد‬
‫وميلاد العذراء والتطهير‪ ،‬لم ُتعَت َمد في الغرب المسيحي حتى القرن‬
‫السابع‪ ،‬وأ َّن لا ذكر لقصص عن قدرة مريم العجائبية قبل القرن‬
‫العاشر ميلادي ‪ -‬ك ّل هذه المعطيات تساعدنا أن نفهم لماذا لم يشعر‬
‫الإنجيليون بأَّنهم يهملون ُبع ًدا مهًّما للبشارة المسيحّية الأساسية في‬

‫عدم إيلائهم موضوع مريم اهتما ًما خا ًصا‪ ،‬أو في صمتهم حولها‪.‬‬
‫إن الموقف الإنجيلي من العذراء مريم هو‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬بشكل عام موقف‬
‫يكتفي بالحّد الأدنى لجهة الإشارة إليها في الكنائس‪ .‬يتجاهل الإنجيلّيون‬
‫هذا الموضوع إلى حٍّد كبير‪ ،‬بل ُهم صامتون حوله‪ .‬هناك ارتباك‬
‫لدى الإنجيليين حين ُتذكر مريم بشكل إيجابي خارج إطار قصة‬

‫‪68‬‬

‫مقالات إصلاح ّية‬

‫الميلاد‪ .‬ولع ّل هذا ال َّصمت وهذا الارتباك ُمبَّرران حين نراهما كرّد‬
‫فعل على تعُّبد مريمي ُمفِرط‪ ،‬وعلى لاهوت عقائدي مريمي يشِّدد‬
‫على مركزّيتها في التقوى والعبادة‪ .‬فبقدر ما يتزايد كلام المسيحيين‬

‫الآخرين عن مريم‪ ،‬بقدر ما يتعَّمق ال َّصمت الإنجيلي حولها‪.‬‬
‫يخرق هذا الصمت في شرقنا العربي بضعة كتابات أذكر منها‪:‬‬
‫‪ .1‬مقالات بروتستنتية في العذراء‪ :‬هي مقالات لإنجيليين غربّيين‬
‫ظهرت أّوًل في مجلة «الوحدة في الإيمان» باللغة الفرنسية‪ ،‬وعّربها‬
‫الأب نقولا أبو حنا المخلصي‪ ،‬ونشرها دير الُمخلص سنة ‪.1972‬‬
‫‪ .2‬كتاب مريم الرب ورمز الكنيسة لأحد مؤ ّسسي رهبنة تيزي‬
‫الإنجيلية ماكس توريان‪ ،‬والذي ُعّرب وُنشر في دار المشرق سنة ‪.1992‬‬
‫‪ .3‬مقال لي بعنوان «الإنجيليون ومريم العذراء» في كتاب أصدرته‬
‫عام ‪ 2001‬في «سبيل الحوار المسكوني»‪ .‬وأبني على هذا المقال معظم‬

‫موضوعي اليوم‪.‬‬
‫‪ . 4‬كتّيب للقس المعمداني‪ ،‬تشارلي قسطه ‪ -‬مريم العذراء ‪-‬‬
‫صدر عام ‪ ،2009‬وهو مجموعة عظات حول مريم العذراء وبعض‬

‫ألقابها الكتابية والكنسية‪.‬‬
‫الكلام الإنجيلي العربي في العذراء مريم إ ًذا قليل ج ًدا‪ .‬لكن قبل‬
‫أن ُنحاول الإجابة عن السؤال عَّما إذا كان هذا الموقف الإنجيلي‬
‫الُمتحِّفظ ج ًدا حول العذراء مريم سلي ًما ومدعو ًما تاريخًّيا في تراث‬
‫كنائس الإصلاح‪ ،‬وكتابًيا في شهادة كلمة الله‪ ،‬أوّد أن أحِّدد المسائل‬

‫المريمية التي تواجه المسيحية الإنجيلية‪.‬‬
‫ينبغي أوًل أن ُنمِّيز بين التقوى المريمية والعقيدة المريمية‪ ،‬هذا‬
‫مع العلم بأن التقوى والعقيدة ُمرتبطتان مع بعضهما البعض‪ .‬عندما‬
‫نتحدث عن التقوى المريمية إنما نشير إلى أمرين‪ :‬الأول هو تكريم‬
‫العذراء مريم وتعظيمها في ترانيم وصلوات وتأملات وعظات‪ .‬أما‬

‫‪69‬‬

‫الثاني فهو الُّدعاء إليها طلًبا للشفاعة لدى ابنها المسيح‪ .‬التكريم‬
‫شيء والّدعاء طلًبا للشفاعة شيء آ َخر‪ ،‬ف ِمن الُممكن أن نكِّرم العذراء‬
‫مريم دون طلب الشفاعة‪ ،‬لكن العكس غير صحيح‪ .‬أما المسائل‬

‫الإيمانّية والعقيدية فهي خمسة‪ :‬‬
‫الولادة من عذراء‪ :‬الإيمان المسيحي يصّرح بأن يسوع ولد من‬
‫مريم الفتاة العذراء‪ .‬وهذا الاعتقاد مبني على قصص الميلاد كما‬
‫وردت في إنجيلي متى (‪ )25-18 :1‬ولوقا (‪ .)31-26 :1‬لقد أصبح هذا‬
‫الجزء من قصة الميلاد عقيدة‪ ،‬أو موضوع إيمان‪ ،‬حين ُأد ِخل إلى‬
‫قانون الإيمان النيقاوي في القرن الرابع‪ .‬فصار المسيحيون يؤكدون‬

‫إيمانهم بالقول‪ ...« :‬وتج َّسد بالروح القدس من مريم العذراء‪»...‬‬
‫إ ّن ولادة يسوع من عذراء ليست عقيدة تفصل بين الإنجيليين‬
‫وسائر المسيحيين‪ .‬الكتاب المقدس يقول بها والإنجيلّيون يعتبرون‬
‫الكتاب المقدس السلطة النهائية للعقيدة واللاهوت فأَّنى لهم أن‬

‫يرفضوها؟‬
‫عقيدة والدة الإله (‪ :)theotokos‬خلال الصراع اللاهوتي حول‬
‫طبيعة المسيح في القرن الرابع أ َّكد الآباء المجتمعون في المجمع‬
‫المسكوني الثالث في أفسس (‪431‬م) أ ّن مريم هي والدة الإله‪ .‬وقد‬
‫ثّبت المجمع المسكوني الرابع في خلقيدونية (‪451‬م) هذا التعليم حين‬
‫ن َّص في صيغته الكريستولوجية بأن المسيح «مولود من الآب قبل كل‬
‫الدهور بحسب ألوهيته‪ ،‬ولكن في هذه الأيام الأخيرة‪ ،‬ولأجلنا نحن‬
‫البشر‪ُ ،‬وِلد من مريم العذراء‪ ،‬والدة الإله بحسب إنسانيته»‪ .3‬بعد‬
‫ه َذْين المجمعين أصبح القول بأن مريم «والدة الإله» تعلي ًما عقائدًيا‬
‫لكل الكنائس المسيحية آنذاك‪ ،‬ما عدا الكنيسة المسماة «نسطورية»‬
‫التي رفضت هذا اللقب لمريم والفكر الكريستولوجي الذي يفترضه‬

‫وُيمليه‪.‬‬

‫‪ 3‬الترجمة للكاتب على أساس النص اليوناني الموجود في ‪Denzinger - Schoenmetzerö (DS), Enchiridion‬‬
‫‪.301 # ,Symbolorum Definitionum et Declarationum de rebus fidei et morum. editio XXXVI 70‬‬

‫مقالات إصلاح ّية‬

‫هل يستطيع الإنجيليون أن يعترفوا بأن مريم العذراء هي‬
‫«والدة الإله» كما عَّلمت المجامع‪ ،‬وكما تعتقد الكنائس الكاثوليكية‬
‫والأرثوذكسية؟ هذا سؤال ُيساء فهمه كثيًرا لدى معظم الإنجيليين‪.‬‬
‫أظ ّن أن الأكثرية الساحقة من الإنجيليين ‪ -‬ليس هنا في الشرق‬
‫فحسب بل في أمكنة أخرى أي ًضا ‪ -‬لو ُسئَلت هذا السؤال لأجابت‬
‫بالَّنفي‪ .‬الكل ُمستعدون أن يسّموها والدة المسيح‪ ،‬أ ّم يسوع‪ ،‬ولكن‬
‫ليس والدة الإله‪ .‬إّل أ ّن التراث الإنجيلي الإصلاحي الأصيل يفاجئنا‬
‫مرة ُأخرى‪ :‬مارتن لوثر والتراث اللوثري من بعده‪ 4،‬وأولريخ زوينغلي‬
‫والتراث الُمصَلح من بعده‪ 5،‬وإلى حد كبير جون كالفن الُمتحِّفظ حول‬
‫هذا اللقب‪ ،6‬قِبلوا هذا اللقب وأصّروا عليه‪ .‬لكن الإنجيلّيين ليسوا‬
‫ُملزمين بشكل مطلق بما قاله الُمصلحون إّل إذا كان ما قاله وعلمه‬
‫هؤلاء متواف ًقا مع كلمة الله المشهود لها في الكتاب المقدس‪ .‬فهل‬

‫هذه التسمية للعذراء مقبولة لاهوتًيا وكتابًيا لدى الإنجيليين؟‬
‫في الأصل اليوناني «‪ »theotokos‬مر َّكبة من «‪( »theos‬الله)‬
‫و«‪ »tokos‬التي هي ُمستخرجة من فعل ‪ tikto‬ويعني «حمل» أو‬
‫«ولد» أو «أنجب»‪ ،‬لذلك فالكلمة المركبة تعني «حاملة الإله» أو‬
‫«والدة الإله»‪ .‬يفيدنا المؤرخون بأن لقب «والدة الإله» اسُتعمل قبل‬
‫القرن الخامس عند بعض اللاهوتيين وفي بعض نصوص ليتورجية‪7.‬‬
‫ولكنه ارتقى إلى مستوى العقيدة عند وروده في مجمعي أفسس‬
‫وخلقيدونية‪ .‬مهم ج ًدا أن نعلم أن عبارة «والدة الإله» والخلافات‬
‫حولها في القرن الخامس تبرز في إطار بحث لاهوتي حول شخص‬
‫المسيح‪ .‬فهي ليست تعلي ًما عن مريم بقدر ما هي عن المسيح‪.‬‬
‫فقبولنا أو رفضنا لها إنما هو قبول أو رفض لمفهو ِم معَّين لهوية‬

‫‪ 4‬انظر ‪ ,Gritsch‬ص‪26 .‬‬
‫‪ 5‬انظر ‪TRE vol. 22, p. 135‬وأي ًضا ‪ ،Second Helvetic Confession‬الفصل الحادي عشر حيث يعلن‬

‫الأيمان المصلح صراحة بأن الكنائس المصلحة تقبل بعقائد المجامع المسكونية الأربعة الأولى‪.‬‬
‫‪ 6‬كالفن قبل تعليم المجامع القديمة حول الكريستولوجيا‪ :‬انظر ‪ TRE vol. 22‬ص‪ 136 .‬وأيضا كتابه ‪Institutes IV, IX‬‬
‫‪ 7‬انظر‪ ,Gritsch, The One Mediator :‬ص‪71 179 .‬‬

‫المسيح ولماهية التج ُّسد‪ .‬عندما يقول المسيحيون إن مريم العذراء‬
‫هي والدة الإله لا يعنون بأّنها ولدت الله من حيث ألوهته‪ .‬لو كان‬
‫هذا هو المقصود لتحَّول الإنجيل إلى أسطورة‪ .‬العذراء مريم ليست‬
‫في الثالوث‪ ،‬فهي كانت ولم تزل مخلوقة‪ ،‬ولا يمكنها أن تلد الإله من‬
‫حيث ألوهته‪ .‬ولكن من ال َّضروري أن نستطيع القول بأّنها ولدت‬
‫إنسانية يسوع المسيح التي كانت ُمَّتحدة اتحا ًدا جوهرًيا بألوهته‪ ،‬أي‬
‫أن ابن مريم هو الابن الأزلي للآب‪ ،‬كما يعلمنا الكتاب المقدس عن‬
‫التج ُّسد‪ .‬لماذا ضرورة هذا التأكيد؟ للإجابة عن هذا السؤال علينا أن‬
‫نعود إلى الخلاف الذي ساد في القرن الخامس ميلادي وانتهى بإعلان‬
‫مريم «والدة الإله»‪ .‬كان هناك تعليم ُنسب إلى نسطوريس (مات‬
‫حوالي ‪451‬م)‪ ،‬و ُعرف بالنسطورية‪ ،‬بأن مريم كانت ُأم المسيح الإنسان‬
‫وأن الأقنوم الثاني للثالوث اَّتحد مع المسيح الإنسان الذي حملته‬
‫مريم في أحشائها‪ 8.‬بحسب التعاليم الُمسماة نسطورية‪ ،‬كل طبيعة‬
‫إنسانية هي أي ًضا شخص إنساني‪ ،‬فإذا كان في المسيح طبيعة إنسانية‬
‫فهو أي ًضا شخص إنساني‪ ،‬وهذا الشخص يتمّيز عن الشخص الإلهي‬
‫للطبيعة الإلهية‪ ،‬ولكنه ُمَّتحد معه‪ .‬الاتحاد في المسيح‪ ،‬إذن‪ ،‬ليس بين‬
‫الطبيعَتْين (الإنسانية والإلهية) فقط‪ ،‬بل هو اتحاد بين ال َّشخ َصْين‬
‫أي ًضا‪ .‬يسوع الإنسان وكلمة الله اَّتحدا في علاقة نعمة خاصة‪ ،‬ومريم‬
‫هي أ ّم المسيح الإنسان فقط‪ .‬فإذا سألنا من هو الذي حملته مريم في‬
‫أحشائها وولدته‪ ،‬يقول أتباع هذا الَّتعليم إنه المسيح الإنسان‪ ،‬وإ ّن الله‬
‫لم يوَلد كإنسان بل اَّتحد مع إنسان كان موجو ًدا كشخص إنساني قبل‬
‫الاتحاد‪ .‬هذا عنى للكنيسة الجامعة آنذاك أ ّن الله لم يتج َّسد حًّقا‬
‫بمعنى أّنه ولد كإنسان‪ ،‬كأي إنسان‪ .‬وهذا تعليم ينطوي على رفض‬
‫جذري للتج ُّسد الحقيقي لأن التج ُّسد الح ّق يتضَّمن ولادة إنسانية‬
‫حقيقية ويفترض ُأ ّما بشرية حقيقية‪ .‬رأت الكنيسة‪ ،‬وعن ح ٍّق‪ ،‬أن‬

‫‪ 8‬إن الشرح اللاهوتي الذي يلي معتمد الى حد كبير ومكثف على كتاب ماكس توريان‪ ،‬مريم أم الرب ورمز‬
‫‪ 72‬الكنيسة (بيروت‪ :‬دار المشرق‪ ،)1992 ،‬ص ‪87-85‬‬

‫مقالات إصلاح ّية‬

‫تعليم الَّنساطرة يهدد وحدة المسيح وحقيقة التج ُّسد‪.‬‬
‫جاء الَّرد على هذا التعليم في مجمع أفسس الذي جئنا على‬
‫ذكره ساب ًقا حيث أ َّكدت الكنيسة أن الاتحاد في المسيح هو بين‬
‫الطبيعَتْين مع أنهما تبقيان ُمتمايزَتْين‪ .‬إلا أ َّن هناك شخ ًصا واح ًدا‬
‫ومسي ًحا واح ًدا‪ ،‬وليس شخ َصْين‪ .‬ف ِمن الخطأ القول إذن إ ّن الذي ُولد‬
‫من العذراء هو إنسان اَّتحد به كلمة الله‪ .‬الصواب هو أن الله َقِب َل‬
‫أ ْن يولد كأ ّي إنسان‪ ،‬أي أ ْن يولد ولادة جسدية وتكون تلك ولادته‬
‫الشخصية‪ .‬الله صار إنساًنا ح ًقا وخرج من رحم امرأة بشرية ح ّق‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬فإن مريم هي والدة الإله‪ .‬إذا كان الله صار إنساًنا في التج ُّسد‪،‬‬
‫وإذا اَّتحدت الطبيعتان في شخص واحد‪ ،‬فلا يجوز القول إن مريم‬
‫هي فقط أ ّم المسيح الإنسان وكأن إنسانيته ُمنفصلة عن ألوهته‪ .‬إن‬
‫مريم هي والدة شخص واحد‪ ،‬الله الُمتج ِّسد في يسوع الَّناصري‪ ،‬الإله‬
‫الح ّق والإنسان الحق‪ .‬هكذا نرى أن الاعتراف بأن مريم العذراء هي‬
‫والدة الإله يحمي إنسانية المسيح ويكشفها‪ ،‬وكذلك يؤ ّكد تج ُّسد الله‬
‫الحقيقي الكامل في طبيعتنا البشرية‪ .‬فلا عجب إذن إذا وجدنا أ َّن‬
‫المصلحين واللاهوتيين الإنجيليين الكبار قبلوا هذا الاعتراف وأصروا‬
‫عليه‪ ،‬لأنهم رأوا فيه مح ًكا للاعتقاد ال َّصحيح حول المسيح وتج ُّسد‬

‫الله فيه‪9.‬‬
‫طالما أ ّن هذه العبارة ُتف َهم وُتستعمل في إطار تأكيد لاهوتي لهوية‬
‫المسيح فهي ضرورّية وصحيحة‪ ،‬ولا يمكن للإنجيليين أن يرفضوها‬
‫دون أن يعِّرضوا إيمانهم بالمسيح للَّتشويه‪ 10.‬ولكن عندما يصير هذا‬
‫الاعتراف عن مريم‪ ،‬لا عن يسوع‪ ،‬ويَّتخذ ُبع ًدا مريمًيا مستقًل وبعي ًدا‬
‫عن معناه الكريستولوجي الأصيل‪ ،‬يصبح مشكلة للإنجيليين‪ ،‬أي إذا‬
‫اسُتخ ِدم هذا اللقب على أساس أنه يعطي مريم امتيا ًزا خاصا ُيم ِّكنها‬

‫‪ 9‬كارل بارت‪ ،‬اللاهوتي الإنجيلي الكبير‪ ،‬أ ّكد أن عبارة «والدة الإله» ذات معنى وضرورية كقول كريستولوجي‬
‫مساعد (‪ )auxiliary‬فهي تحمي إنسانية يسوع من هرطقة الظاهرية (‪ )docetism‬بإصرارها على انتماء يسوع‬
‫الى البشر‪ ،‬كما أنها تدحض النسطورية بإصرارها على وحدة شخص يسوع المسيح‪ ،‬ابن الله وابن الإنسان‪ .‬إنها‬
‫تقول بأن الذي حملته مريم كان ابن الله ذاته وليس كائنا آخر‪73 1952 2/Church Dogmatics I .‬‬

‫من طلب الوساطة أو الشفاعة لدى ابنها‪ ،‬يصير عثرة حقيقية في‬
‫طريق المؤمن الإنجيلي‪ .‬عندما تصبح مريم هي محور هذا اللقب‬
‫يتحَّفظ الإنجيليون حوله‪ ،‬تما ًما كما فعل المصلح جون كالفن‪ .‬فمع أن‬
‫كالفن َقِب َل بالكريستولوجيا التي حَّددها مجمعا أفسس وخلقيدونية‪،‬‬
‫والتي تسمح بعبارة «والدة الإله»‪ ،‬إّل أنه اعتبر أن ثمة خطورة في‬
‫استخدام هذا اللقب لمريم‪ ،‬لأنه لا ُبَّد أن ُيستع َمل لدعم دورها‬
‫الشفاعي والوساطي لدى المسيح‪ 11.‬فالأ ّم‪ ،‬بفضل علاقة الأمومة‬
‫مع ابنها‪ ،‬تستطيع أن تطلب منه وتشفع لغيرها‪ .‬لقد رفض كالفن‬
‫هذه النتائج العملية لهذا اللقب‪ ،‬ولكن هذا لا يعني أن الحقيقة‬
‫الكريستولوجية فيه ليست شرعية‪ .‬وهنا تجدر الإشارة إلى تمييز هام‬
‫يقول به اللاهوت الإنجيلي المعاصر بين لقب «والدة الإله» و «أ ّم‬
‫الله»‪ .‬إن اللقب الأصلي هو «والدة الإله» أو «حاملة الإله»‪ ،‬وليس «أم‬
‫الله»‪ .‬فالكلمة اليونانية المستخدمة لم تكن ‪( μητήρ‬أ ّم)‪« .‬الأمومة»‬
‫تتضَّمن معاني أوسع من الولادة أو الحمل‪ .‬إن عبارة «والدة الإله»‬
‫موقف كريستولوجي من هوية ذاك الذي كان في أحشائها وول َدْته‪،‬‬
‫بينما عبارة «أ ّم الله» تتعَّدى ذلك لتد َّل على علاقة مميزة وخاصة‬
‫بين مريم والله م َّما قد ُيس ِّهل الانتقال من الكريستولوجيا إلى شفاعة‬
‫مريم‪ .‬الاعتقاد بأن لمريم علاقة خاصة بالله تُم ِّكنها من الشفاعة لديه‬
‫بواسطة ابنها‪ ،‬إَّنما هو اعتقاد خلافي‪ .‬إن القراءة الإنجيلية للأناجيل‬
‫لا تقودنا إلى علاقة مميزة بهذا المعنى‪ ،‬لا بل إن علاقة الدم وروابط‬
‫القربى لا ُتعطى أهمية لدى يسوع‪ .‬إنه القائل إن أمه وأخواته وأخوته‬
‫هم ك ّل الذين يصنعون مشيئة أبيه السماوي (مرقس ‪ /35 :3‬متى‬
‫‪ /50-49 :12‬لوقا ‪ .)21-19 :8‬إ ّن اللاهوت الإنجيلي ُيؤِثر أن يتحدث‬

‫‪ 10‬إن ما يبرر استخدام عبارة «والدة الإله» لاهوتيا هو المبدأ ذاته الذي يسمح للرسول بولس بأن يقول إن‬
‫اليهود «صلبوا رب المجد» (‪1‬كورنثوس ‪ :)8:2‬بما أن المخلص هو شخص واحد وفاعل واحد فهو حامل كل‬
‫الصفات الإلهية والإنسانية‪ .‬إذا كان مسموحا أن يقال أن الله صلب‪ ،‬فبالمنطق ذاته يمكن أن نقول بأنه ولد‪،‬‬

‫وتاليًا فإن مريم هي والدة الإله‪.‬‬

‫‪ 11 74‬انظر ماكس توريان‪ ،‬مريم أم الرب‪ ...‬ص ‪28‬‬

‫مقالات إصلاح ّية‬

‫عن «والدة الإله» أو «حاملة الإله»‪ ،‬وليس عن «أ ّم الله» لهذه‬
‫الأسباب‪ ،‬مع التأكيد على أن الاعتراف بأن مريم هي والدة الإله‬
‫هو اعتراف لاهوتي شرعي وضروري للاعتقاد الصحيح حول هوية‬
‫يسوع المسيح‪( 12.‬الإنجيلّيون هنا ينسجمون في المصطلح مع التراث‬

‫الأرثوذكسي العربي)‪.‬‬
‫عقيدة البتولة الدائمة‪ :‬عقد المجمع المسكوني الخامس سنة‬
‫‪553‬م في القسطنطينية للبحث في مسائل كريستولوجية أي ًضا‪ .‬أعاد‬
‫المجمع التأكيد على تج ُّسد كلمة الله من القديسة مريم «والدة‬
‫الإله»‪ ،‬وأضاف «الَّدائمة البتولة»‪ .‬نجد هنا أقدم ن ّص كنسي رسمي‬
‫يؤكد أن مريم ليست فقط «والدة الإله» وإنما هي أيضا «دائمة‬
‫البتولة»‪ ،‬أي أنها لم تعرف رجلها حتى بعد أن وَل َدت يسوع‪ .‬هذه‬
‫الصفة لم ت ُكن بجديدة كلًيا‪ ،‬فقد كانت مدار بحث ونقاش بين بعض‬
‫اللاهوتيين وآباء الكنيسة‪ ،‬وقد أصَّر عليها بعضهم َقْبل إعلانها في‬
‫المجمع المسكوني الخامس‪ .‬المسألة هي إذا ما كانت مريم قد أن َجَبت‬
‫أولا ًدا غير يسوع‪ .‬كل محاولة للإجابة عن هذا السؤال يجب أن‬
‫توا ِجه ما يقوله العهد الجديد عن «أخوة يسوع وأخواته»‪ .‬منذ القرن‬
‫السادس أصبحت «بتولة مريم الدائمة» عقيدة في الكنيسة واستمرت‬
‫كذلك في الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية التي ف َّسرت «اخوة يسوع‬

‫وأخواته» على أنهم أقرباؤه‪.‬‬
‫إ ّن بتولة مريم الدائمة مسألة بحاجة إلى بعض التوضيح‪ .‬لقد‬
‫نشأ اعتقاد في الكنيسة القديمة بأ ّن مريم بقيت بتوًل بعد أن ولدت‬
‫يسوع فلم تعرف يوسف ولم تن ِجب منه أولا ًدا بعد ولادة يسوع‪.‬‬
‫الكتاب المقدس لا ين ّص صراحة على هذا الأمر‪ ،‬كما أنه لا ينفيه‪.‬‬
‫وإذا ما ُسِئل أصحاب هذا الاعتقاد عن معنى عبارة «أخوة يسوع»‬
‫في الأناجيل ُيجيبون إّنها تعني أقرباءه وأنسباءه وليس أخوته برابط‬

‫‪ 12‬كارل بارث يؤكد انه في ضوء لوقا ‪ 43:1‬وغلاطية ‪ 4:4‬لا يمكن اعتبار «والدة الإله» قولا غير كتابي‪ :‬انظر‬
‫‪ ,Church Dogmatics I/2‬ص‪75 140 .‬‬

‫الدم‪ .‬ويستشهدون بآباء ومفسرين قالوا الشيء عينه‪ ،‬وأي ًضا بشواهد‬
‫من الكتاب المقدس حيث تستخدم كلمة «أخ أو أخت» للدلالة على‬

‫قريب أو قريبة‪.‬‬

‫فما موقف الإنجيليين من هذه العقيدة؟ لا يعتبر الإنجيليون أ ّن‬
‫هذه مسألة عقيدية إيمانية‪ ،‬فإنها تتعّلق بسؤال تاريخي وتفسيري‬

‫حول عبارة «أخوة يسوع»‪ ،‬ولا يرى الإنجيلّيون أسا ًسا كتابًّيا واض ًحا‬
‫لا ش َّك فيه يقول ببتولة مريم الدائمة‪ ،‬إّل أ ّن منهم من قال‪ ،‬وما زال‬
‫يقول‪ ،‬إن لا شيء يمنع الاعتقاد بأن أخوة يسوع هم أبناء عّمه أو‬
‫خالته أو ما إليه‪ .‬ولع ّل الكثيرين من الإنجيليين اليوم لا يعلمون بأ ّن‬
‫آباء الإصلاح الإنجيلي‪ ،‬أعني مارتن لوثر وأولريخ زوينغلي وجون كالفن‬

‫كّلهم اعتقدوا بأن مريم كانت دائمة البتولة‪ ،‬وعّلموا ذلك واعتبروا أ ّن‬
‫«أخوة يسوع» تعني أقرباءه‪ 13.‬القول إذن بأن مريم هي دائمة البتولة‬

‫ليس مسألة أساسية يختلف عليها الإنجيليون مع سائر المسيحيين‪14.‬‬

‫عقيدة الحبل بلا دنس‪ :‬في القرن التاسع عشر وبالتحديد سنة‬

‫‪ 1854‬أعلن البابا بيوس التاسع عقيدة «الحبل بلا دنس» على النحو‬

‫التالي‪:‬‬

‫«إننا ُنعلن ونؤ ِّكد ونحِّدد‪ :‬إ َّن العقيدة القائلة بأن العذراء مريم‬
‫الفائقة القداسة ُح ِفظت من لطخة الخطيئة الأصلية منذ اللحظة‬
‫الأولى للحَبل بها‪ ،‬وذلك بواسطة نعمة وامتياز فري َدْين من الله الكلي‬

‫‪ 13‬انظر لموقف لوثر‪E. Gritsch, The One Mediator, The Saints and Mary. Lutherans and Catholics :‬‬
‫‪ ،in Dialogue VIII Ed. H. G. Anderson et al. Minneapolis: Augsburg Fortress, 1992‬ص‪239 .‬‬

‫ولموقف أولريخ زوينغلي انظر‪ M. Heymel, Maria entdecken. Freiburg: Herder, 1991 :‬ص‪26 .‬‬
‫ولكالفن انظر‪ ,Heymel. :‬ص‪ 28 .‬في شرحه لمتى ‪ 1 :25.‬لم يشجع كالفن المؤمنين أب ًدا على التنظير في مسألة‬

‫بتولة مريم الدائمة‪.‬‬

‫‪ 14‬لا يستطيع الإنجيليون ان يعتبروا تعليما ما ُملزما للعقيدة إذا كان الكتاب المقدس لا يحتويه‪ .‬لذلك فالإنجيليون غير‬ ‫‪76‬‬
‫ملزمين بالاعتقاد ببتولة مريم الدائمة مع أن المجمع الخامس (‪ )553‬أكدها وبعض الاعترافات اللوثرية تضمنتها‪.‬‬
‫يقول لوثر في هذا المجال‪« :‬يجب ان يكون واضحاً دائما بأننا هنا نتحدث عن كرامة المسيح وليس عن مريم‪ ،‬وإذا‬
‫كان ثمة قول مريمي لا ينص عليه الكتاب المقدس فلسنا ملزمين أن نعتقد به أو نكرز به‪ .‬التفكير بلا ضريبة‪،‬‬
‫ولكل أن يفكر ما يشاء ولكن غير مقبول أن نجعل من هذا الأمر (بتولة مريم الدائمة) بند إيمان ‪Theologische‬‬

‫‪ ,Realenzyclopedie (TRE) vol. 22‬ص‪.139 .‬‬

‫مقالات إصلاح ّية‬

‫القدرة‪ ،‬وبالَّنظر الى استحقاقات المسيح يسوع كمخلص للجنس‬
‫البشري‪ ،‬هي عقيدة موحاة من الله‪ ،‬لذا يجب ان يعتنقها كل المؤمنين‬

‫بكل ثبات وأمانة»‪15.‬‬
‫لقد اعتبرت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية أ ّن إعلان هذه العقيدة‬
‫تتويج لسنين طويلة من الإعداد‪ ،‬وأ ّن الكنيسة لم ُت ِصغ عقيدة جديدة‬
‫وإَّنما أعلنت رسمًّيا ما كانت تعتقده دائ ًما حول نقاوة العذراء من‬
‫الخطيئة الأصلية‪ .‬ما تريد هذه العقيدة قوله هو أ ّن طهارة المسيح‬
‫من الخطيئة تبرز ويمكن فهمها أفضل في ضوء كون مريم محفوظة من‬
‫لطخة الخطيئة الأصلية‪ ،‬بذلك تكون مريم أول المفدّيين الُمخّلصين‪.‬‬
‫فيما يتعلق بعقيدة الحبل بلا دنس إ ّن الموقف الإنجيلي صريح‬
‫وواضح‪ .‬لا يرى الإنجيليون أ ّي أساس لها في الكتاب المقدس‪ ،‬أو أَّية‬
‫ضرورة لاهوتية إيمانية لها‪ .‬وهذه العقيدة التي ُأعلنت رسمًّيا في القرن‬
‫التاسع عشر بعد الميلاد لم تكن مقبولة من كثيرين من اللاهوتيين‬
‫في التراث الكاثوليكي الغربي‪ ،‬وعلى رأسهم القديس توما الإكويني‬
‫(والبرتس الكبير) الذي عَّلم صراحة أ ّن لا ضرورة لها‪ .‬فإذا كان القصد‬
‫منها حفظ المسيح من الخطيئة فالله قادر أن يفعل ذلك حتى لو‬
‫كانت مريم ولدت بدنس الخطيئة الأصلية‪ .‬ولا يختلف الإنجيلّيون‬
‫هنا عن الكنيسة الأرثوذكسية من حيث عدم إقرارهم بهذه العقيدة‪.‬‬
‫عقيدة انتقال العذراء إلى السماء بالجسد والَّنفس‪ :‬بعد‬
‫حوالي قرن من إعلان عقيدة الحبل بلا دنس أعلن البابا بيوس الثاني‬
‫عشر في ‪ 1‬تشرين الأول ‪ 1950‬عقيدة انتقال العذراء إلى السماء على‬

‫أنها عقيدة إيمانية‪:‬‬
‫«إَّننا ‪ُ ...‬نعلن ونؤ ِّكد ونحِّدد كعقيدة موحاة من الله‪ :‬إن أ ّم الله‬
‫الطاهرة مريم الّدائمة البتولة‪ ،‬بعد حياتها على الأرض انتقلت بالجسد‬

‫والنفس إلى مجد السماء»‪16.‬‬

‫‪ 15‬النص العربي هو ترجمة للكاتب من الإنكليزية كما وردت في‪The Church Teaches. Documents of the :‬‬
‫‪ Church in English Translation. B. Herder Book Co. 1955‬ص‪510 # ,208 .‬‬

‫‪ 16‬المصدر ذاته‪ :‬ص‪77 520 # ,213 .‬‬

‫هذا الإعلان لا يبت في مسألة موت مريم أو عدمه‪ ،‬أي هل انتقلت‬
‫إلى السماء وهي حَّية أ ْم بعد موتها‪ .‬لكن البابا بيوس الثاني عشر قّدم‬
‫لهذا الإعلان بالتأكيد على أنه استجابة لطلبات من أساقفة وكهنة‬
‫ومؤمنين أرادوا أن تحَّدد هذه العقيدة‪ .‬وهي‪ ،‬بحسب البابا‪« ،‬مبنية‬
‫على الأسفار المقدسة و ُمتأ ِّصلة في قلوب المؤمنين‪ ،‬ومقبولة في عبادة‬
‫الكنيسة منذ أقدم الأزمان»‪ 17.‬لقد منح الله مريم هذا الامتياز العظيم‬
‫لأنها َقِبَلت أ ْن تكون أ ّمه‪ ،‬كما يشرح اللاهوتّيون الكاثوليك‪ .18‬تريد‬
‫الكنيسة الرومانية الكاثوليكية القول من خلال هذه العقيدة بأ ّن‬
‫العذراء مريم هي أّول الُمخّلصين‪ .‬وحدها ‪ -‬بعد المسيح طب ًعا ‪-‬‬
‫ُم ِّجدت من الله بهذا الشكل الجسدي‪ ،‬بينما على جميع المؤمنين‬
‫الآخرين أن ينتظروا القيامة العامة في الدينونة الأخيرة‪ .‬إ ّن مريم هي‬

‫إذن رجاء الخلاص للإنسانية‪.‬‬
‫إ ّن الموقف الانجيلي من عقيدة انتقال العذراء إلى السماء‪ ،‬التي‬
‫أعلنها البابا بيوس الثاني عشر سنة ‪ ،1950‬ون َّصت على أن العذراء مريم‬
‫انتقلت‪ ،‬بعد حياتها على الأرض‪ ،‬جس ًدا ونف ًسا إلى مجد السماء‪ ،‬هو‬
‫كما من سابقتها‪ :‬لا أساس لهذه العقيدة في شهادة كلمة الله‪ .‬فالعذراء‬
‫مريم تختفي من الصورة بعد الفصل الأول من أعمال الرسل (‪،)14 :1‬‬
‫حيث نجدها ُمجتمعة مع الرسل والنساء وهم مواظبون على الصلاة‬
‫بنفس واحدة‪ .‬يرى الإنجيليون أنه تعظيم لمريم غير مدعوم كتابًيا ولا‬

‫مبَّررا لاهوتًّيا‪.‬‬
‫تكريم مريم العذراء‪ :‬نأتي الآن إلى مسائل التقوى المريمية‪ ،‬وأّولها‪،‬‬
‫تكريم العذراء‪ .‬هل يقدر الإنجيليون أن يكِّرموا العذراء مريم دون ربط‬
‫ذلك بالُّدعاء إليها بهدف نيل الشفاعة لدى ابنها؟ بالنسبة لإصلاح‬
‫القرن السادس عشر لم يكن تكريم العذراء يشكل أّية مشكلة‪ .‬لقد‬
‫أبقى بعض المصِلحين الكبار على كثير من الأعياد المريمية‪ ،‬ولم تغب‬

‫‪ 17‬المصدر ذاته‪ :‬ص‪519 # ,213 .‬‬

‫‪ 18 78‬المصدر ذاته (‪ :)Preface‬ص‪212 .‬‬

‫مقالات إصلاح ّية‬

‫العذراء عن التقوى والروحانية الإنجيلّيَتْين إّل تدري ًجا عندما احتدم‬
‫الصراع بين الإنجيليين والكاثوليك في أوروبا‪ ،‬وعندما صار الكاثوليك‬
‫يطِّورون عقيدة مريمية شبه مستقلة في ذاتها وذلك منذ أواخر القرن‬
‫السادس عشر‪ .‬فبقدر ما بات الفريق الكاثوليكي ُيعِّرف نفسه بالانتماء‬
‫إلى مريم العذراء‪ ،‬ق َّل اهتمام الإنجيليين بها كرد فعل‪ .‬لكن هذا التطور‬
‫التاريخي الُمتعِّلق بأوضاع ُمعّينة في بلدان ُمعّينة يجب أّل ُيش ّكل قانوًنا‬
‫أبدًّيا للإنجيلّيين‪ .‬فإذا كان هناك أساس كتابي وكريستولوجي لتكريم‬
‫العذراء‪ ،‬فلا يجوز التخلي عنه فقط لأ ّن الآخرين غالوا في مواقفهم‪.‬‬

‫ولكن ماذا نعني بتكريم العذراء؟‬
‫التكريم لا يعني العبادة ولا التعُّبد‪ .‬التعليم الأرثوذكسي والكاثوليكي‬
‫واضح في هذا المجال‪ ،‬فهو يميز بين التكريم والعبادة‪ .‬العبادة (‪)λατρεία‬‬
‫الحق هي للثالوث وحده ولا ُيشرك فيها أي مخلوق‪ .‬أما التكريم‬
‫(‪ )δουλεία‬فهو لمريم وللقديسين‪ .‬هذا هو التعليم الرسمي والموقف‬
‫الصحيح لتلك الكنائس‪ .‬لكن السؤال حول التطبيق الصحيح في‬
‫ممارسة الناس أمر آخر‪ .‬المهم أ ّن التكريم لا يعني العبادة‪ ،‬ويجب أّل‬
‫يتضَّمن أَّية عبادة وسجود‪( .‬الاستخدام الشعبي والرسمي أحياّنا لكلمة‬
‫«تعّبد» ُمضِّلل ومنِّفر للإنجيليين)‪ .‬ثم إ ّن التكريم بالمعنى الإنجيلي لا‬
‫يقود بالضرورة إلى طلب الشفاعة من مريم العذراء والدعاء إليها‪.‬‬
‫تكريم شخص يعني تعظيمه‪ ،‬والتغني بصفاته الحميدة‪ ،‬وإبراز فضائله‪،‬‬
‫واحترامه‪ ،‬وتذ ُّكره (أي إقامة تذكار له) وإعطاءه قيمة‪ .‬هذا المفهوم‬
‫للتكريم ليس بلا أساس كتابي‪ .‬إ ّن الفصل الأول من إنجيل لوقا يشير‬
‫إليه صراحة‪ .‬نقرأ أن أليصابات‪ ،‬لّما سمعت سلام مريم‪ ،‬امتلأت‬
‫من الروح القدس وصرخت بصوت عظيم وقالت‪ُ « :‬مَبا َر َكٌة َأْن ِت ِفي‬
‫الِّن َساِء َو ُمَبا َر َكٌة ِه َي َث َمَرُة َب ْطِن ِك!»‪ .‬وكان جواب مريم‪ُ« :‬ت َع ِّظُم َن ْف ِسي‬
‫الَّر َّب‪َ ،‬وَتْبَت ِه ُج ُرو ِحي ِباللِه ُم َخِّل ِصي‪ ،‬لَأَّنُه َن َظَر ِإَلى اِّت َضا ِع َأ َمِتِه‪َ .‬ف ُهَو َذا‬

‫‪79‬‬

‫ُمْن ُذ الآ َن َج ِميُع الَأ ْجَيا ِل ُت َطِّوُبِني»‪( .‬لوقا ‪.)48-46 ،42-41 :1‬‬
‫وفي معرض الَّنقد الذاتي أقول‪ :‬إ ّن الإنجيلّيين في بلادنا يكّرمون‬
‫ويحتفلون بمناسبات وأفكار وشخصيات وأعياد شّتى‪ ،‬ولكن مريم‬
‫العذراء ُمستثناة من ذلك‪ُ .‬كُت ُب الترانيم الإنجيلية تحتوي على عدة‬
‫ترانيم تع ِّظم الكتاب المقدس‪ ،‬أي أ ّن هناك ترانيم عن الكتاب‪ ،‬وهذا‬
‫شيء عظيم وهام لأ ّن الكتاب وسيط نعمة‪ ،‬بواسطته تأتينا كلمة‬
‫الله‪ .‬لكن هل ُيكِّرم الإنجيلّيون مريم التي بواسطتها صار الله بشًرا‬
‫لأجلنا؟ كنائس إنجيلية كثيرة تحتفل بعيد الأم في خدمة العبادة ولكن‬
‫ليس ثمة يوم للاحتفال بعيد أ ّم يسوع‪ .‬الإنجيلّيون ُيكِّرمون الوطن‬
‫وعندهم ترانيم عَّدة تم ِّجد الوطن و ُحَّبه اللازم على المؤمنين‪ ،‬ولكن‬
‫ليس هناك ترنيمة واحدة مخ َّصصة لمريم‪ .‬يقيم الإنجيليون تذكا ًرا‬
‫لشخصيات كتابية كثيرة‪ ،‬لكن دون ذكر مريم وكأَّنها ليست مذكورة‬
‫في الكتاب المقدس‪ .‬بديهي القول إ ّن أ ّي تكريم إنجيلي للعذراء يجب‬
‫أن يكون ذا أساس كتابي‪ ،‬وواضح أ ّن الاهتمام بمريم في الكتاب المقدس‬
‫لا يخرج عن علاقته بدور المسيح الخلاصي‪ .‬فليس هناك ما يمنع‬
‫الإنجيليين من قبول صلوات تذكر مريم العذراء وترانيم عنها‪ ،‬ما‬

‫دامت هي صلوات وترانيم كتابية وكريستولوجية‪.‬‬
‫ما قيل عن تكريم العذراء في الصلوات والترانيم ينطبق أي ًضا على‬
‫تكريمها في الوعظ والتأمل‪ .‬عظات الإنجيليين تتناول الشخصيات‬
‫الكتابية شتى مثل يوحنا المعمدان وبطرس وبولس ويوحنا‪ ،‬لكن ناد ًرا ما‬
‫تكون مريم موضو ًعا لعظة‪ .‬العظات الإنجيلية تتناول أي ًضا شخصيات‬
‫من العهد القديم‪ ،‬ابراهيم وموسى وداود‪ ،‬لكن قَّلما يؤتى على ذكر‬
‫مريم‪ .‬والُمربك بعض الأحيان أن عظات بعض الرعاة الإنجيليين في‬
‫الشرق الأوسط الُمعاصر ُتع ِّظم رؤساء وملو ًكا وتكِّرمهم‪ ،‬ولكن مريم لا‬
‫تحظى بتكريم منهم‪ .‬لم ي ُكن هذا موقف الإصلاح الإنجيلي في القرن‬

‫‪80‬‬

‫مقالات إصلاح ّية‬

‫السادس عشر‪ .‬لقد كَّرم الإصلاح الإنجيلي مريم العذراء في الوعظ‬
‫وإعلان الكلمة وهما الأساس والمركز في خدمات العبادة وفي الروحانية‬
‫الإنجيلية‪ .‬إ ّن التطورات التاريخية والخلافات الحاَّدة بين الكنائس‬
‫َط َم َست هذا الُبعد للتكريم الإنجيلي لمريم العذراء‪ .‬إّل أ ّن زوال حالة‬
‫العداء بين الكنائس وحلول المناخ المسكوني من شأنهما أن يفسحا‬
‫في المجال أمام الجميع لإعادة النظر في رَّدات فعلهم الُمتطرفة‪ِ .‬من‬
‫هذا المنطلق يستطيع الإنجيلّيون أن يعودوا إلى تراثهم الإصلاحي‬
‫ويتعَّرفوا على عمق الَّتعاطي اللاهوتي الإنجيلي وغناه مع شخصية‬
‫العذراء مريم‪ .‬لقد بات المفسرون واللاهوتيون الإنجيليون يعلمون أ ّن‬
‫ليس ثمة صورة واحدة للعذراء في الأناجيل‪ .‬فإنجيل مرقس الذي‬
‫يرسم علاقتها بيسوع بشيء من السلبية‪ ،‬ليس هو المقياس ولا هو‬
‫المرجع الوحيد‪ .‬وإنجيل متى يبرزها بصورة أقل سلبية‪ .‬أما إنجيل‬
‫لوقا فيضعها في إطار إيجابي جًّدا وكذلك إنجيل يوحنا حيث تصبح‬
‫مريم مثال التلمذة الحقيقية‪ .‬هذه أمور عرفها الإصلاح الإنجيلي في‬
‫أوائله وتحدث عنها بإسهاب‪ ،‬ويمكن أن نتعلم الكثير من الالتفات إلى‬
‫ما قاله آباء الإصلاح الإنجيلي في هذا المجال‪ .‬وهنا أود أن أعطي‬
‫فكرة موجزة عن الخطاب المريمي ‪ -‬إذا ص َّح التعبير ‪ -‬للُمصلحين‬

‫الكبار‪.‬‬
‫مارتن لوثر ‪ -‬أبو الإصلاح في أوروبا ‪ -‬أّلف كتاًبا حول «نشيد مريم»‬
‫في إنجيل لوقا وتحدث عن «العذراء المجيدة» وعن «والدة الإله‬

‫الوديعة المتواضعة»‪ ،‬التي كانت لا شيء أمام الله‪ ،‬بل إناًء لنعمته‪.‬‬
‫يؤكد لوثر أ ّن مريم العذراء ليست مثال المؤمن المسيحي فحسب‪،‬‬
‫بل هي مثال الكنيسة‪ .‬إنها رمز الكنيسة في إطاعتها لأمر الروح‬
‫القدس‪ ،‬وفي تواضعها وفي دعوتها العظيمة‪ .‬وهي تالًيا تجسيم للنعمة‬

‫غير الُمست َحَّقة‪20.‬‬

‫‪ 19‬انظر ‪ ,22 .H. Grote, TRE, vol‬ص‪135 .‬‬
‫‪ 20‬انظر ‪ ,The One Mediator‬ص‪81 40.‬‬

‫أما مساعد لوثر ويده اليمنى في الإصلاح‪ ،‬فيليب ملانكثون‪ ،‬فقد‬

‫أ َّكد على كون مريم العذراء مثاًل للكنيسة‪ .‬وقد اعتمد في ذلك على‬

‫(يوحنا ‪ )26 :19‬حيث يوصي يسوع التلميذ الذي كان يحبه بأمه‪.‬‬

‫ملانكثون رأى في ذلك‪ ،‬كغيره من اللاهوتيين عبر العصور‪ ،‬أن لهذه‬

‫الحادثة مدلوًل رمزًّيا‪ .‬في نهاية إنجيل يوحنا تصبح مريم تلميذة ليسوع‬
‫‪ -‬لا كما في إنجيل مرقس‪ .‬وفي قوله للتلميذ الحبيب‪« :‬هوذا أ ّمك‬
‫تأكيد على أنها ‪ -‬كأم التلميذ المثالي ‪ -‬تصبح مثاًل للتلمذة الحقيقية‬

‫وللإيمان‪ 21.‬ورمزية مريم للكنيسة ُيقرأ أي ًضا من إنجيل لوقا حيث هي‬
‫الإنسان الذي يقف أمام الله بلا شيء ولا يأتي إلى الله بشيء‪ ،‬بل‬

‫يستلم كل ما له وكل ما هو من الله‪ :‬تلك هي الكنيسة الح ّق‪.‬‬
‫المصلح السويسري أولريخ زوينغلي والتراث الُمصلح من بعده أصَّر‬
‫على أن أفضل طريقة لتكريم «والدة الإله» هي في التمُّثل بفضائلها‬

‫وصفاتها‪ 22.‬وفي جوابه عن السؤال‪ ،‬كيف نستطيع أن نكرم العذراء‬

‫بطريقة صحيحة‪ ،‬أعطى زوينغلي جواًبا عمي ًقا ذا أبعاد اجتماعية‬
‫ثوروية إذ قال‪« :‬ليس بالشموع والبخور والأغاني‪ ...‬فهي لا تحتاج إلى‬

‫كنوزنا‪ ،‬ولا حتى لتدشين كنائس على اسمها‪ ،‬بل هي تريد أن ُتكَّرم‬
‫وتُمدح في نساء هذا العالم وبناته‪ .‬نكِّرمها بإعطاء المال الذي نصرفه‬
‫على الشموع من أجل الحفاظ على كرامة النساء والفتيات الفقيرات‬

‫اللواتي شوه الفقر جماله ّن»‪23.‬‬
‫تكريم مريم العذراء إذن يكون بالالتفات إلى الفقراء‪ ،‬لأن مريم وابنها‪،‬‬

‫يقول زوينغلي‪ ،‬هما ُقرب الفقراء منذ ميلاد يسوع‪ 24.‬نرى هنا مريم‬

‫في كونها ناطقة باسم فقراء شعب الله‪ ،‬باسم المقهورين والمساكين‬

‫والمهَّمشين‪ .‬وكما يرسمها لوقا‪ ،‬هي رمز لأولئك الذين يطيعون كلمة‬
‫الله‪ ،‬للبقية التي ترث الملكوت‪.‬‬

‫‪ 21‬انظر ‪Mary in the New Testatment. Edited by R. Brown et al. Philadelphia: Fortress Press,‬‬ ‫‪82‬‬
‫‪ ,)1978‬ص‪.288f .‬‬

‫‪ 22‬انظر ‪ ,Obermann‬ص‪290 .‬‬
‫‪ 23‬كما وردت في ‪ ,Heymel‬ص‪28 .‬‬

‫‪ 24‬المصدر ذاته‪.‬‬

‫مقالات إصلاح ّية‬

‫وأخيًرا الُمصلح الفرنسي الشهير جون كالفن صَّور مريم ومعناها‬
‫للإيمان المسيحي بطريقة أخلاقّية فقال إنها «معّلمتنا» واعتبرها‬
‫مثاًل ُيحَتذى في التلمذة وفي معرفة الكتاب وفي تمجيد الله والشهادة‬
‫للناس‪ .‬تكريم كالفن لمريم كان ذا من ًحى أخلاقي وتعليمي ُمرتكز على‬
‫الأناجيل وخصو ًصا بداية إنجيل لوقا‪ 25.‬ففي تفسيره (لوقا ‪)42 :1‬‬
‫كتب‪« :‬لا نقدر اليوم أن نحتفل بالبركة المعطاة لنا في المسيح من‬
‫دون أن نتذ َّكر في الوقت ذاته ال َّشرف الرفيع الذي منحه الله لمريم‬

‫التي اختارها لتكون أ ًّما لابنه الوحيد»‪26.‬‬
‫لوثر‪ ،‬وملانكثون‪ ،‬وزوينغلي‪ ،‬وكالفن هم بع ٌض من كثيرين في التراث‬
‫اللاهوتي الإنجيلي يرونا كيف ُيمكن أ ْن نتعاطى بشكل خّلق وإيجابي‬
‫مع موضوع مريم العذراء ضمن المبادئ الإنجيلية الأساسية‪ .‬طب ًعا‪،‬‬
‫ليس المطلوب أو الُممكن الآن تحويل الفكر اللاهوتي أو تطوير‬
‫الروحانية الإنجيلية بين ليلة وضحاها‪ ،‬ولكن اكتشاف العقائد المريمّية‬
‫المشتركة‪ ،‬والتكريم المريمي المقبول في تراثنا الإنجيلي ُيم ِّكننا من أن‬
‫نفهم ونتفهم التراثات المسيحية الأخرى في عقائدها وتقواها المريمية‪،‬‬
‫بل وأن ُنثِّمن ذلك عندها‪ .‬فليس كل شيء عن مريم عند الآخرين هو‬
‫عثرة للإنجيلية‪ .‬فأن يسموها مثًل «والدة الإله» ليس أمًرا كاثوليكًيا‬
‫أو أرثوذكسًيا مح ًضا‪ ،‬بل هو ضرورة لاهوتية مسيحية مشتركة‪ .‬وأن‬
‫يكِّرمها ويعظمها الآخرون فليس من خصائصهم وحدهم‪ ،‬لأنه مورس‬
‫عندنا وموجود لدينا‪« .‬مريم العذراء» ليست كاثوليكية أو أرثوذكسية‬
‫فقط بل هي إنجيلّية أي ًضا‪ .‬في ِخضّم ال ّصراعات بين الكنائس نسينا‬
‫هذه الحقيقة‪ ،‬ولكَّننا في هذا العصر المسكوني مدعّوون لننظر إليها‬
‫كما ينظر إليها العهد الجديد‪ :‬أ ّم يسوع‪ ،‬بشٌر مثلنا في كل شيء‪ ،‬قريبة‬
‫جًّدا ليسوع مع إّنها بعيدة أحياًنا عنه‪ ،‬ال َّسامع المثالي لكلمة الله‪،‬‬
‫وصنيعة الرب‪ ،‬والتي تقول نعم لمشيئة الله‪ ،‬الُمن ِعم عليها‪ ،‬التي هي‬

‫‪ 25‬انظر ‪ ,Heymel‬ص‪30-28 .‬‬
‫‪ 26‬انظر ‪83 90 . ,Oberman‬‬

‫لا شيء من ذاتها ولكّنها كل الأشياء بواسطة الله‪ .‬هكذا نرى أن مريم‬
‫في العهد الجديد هي نموذج البشر المؤمنين الذين يقبلون عطية الله‬

‫ولا يغلقون قلوبهم له‪ ،‬إنها مثال الكنيسة‪28.‬‬
‫تبقى المسألة الأخيرة وهي مكانة مريم الشفاعية والوساطية في‬
‫اللاهوت والُممارسة الكاثوليكية‪ ،‬وإلى حٍّد ما في اللاهوت والممارسة‬
‫الأرثوذكسية‪ .‬هذه مسألة شائكة إذا ُف ِه َمت على أنها تعني الصلاة‬
‫إلى مريم العذراء للحماية وللخلاص وللتو ُّسط مع ابنها‪ ،‬أو إذا ُف ِه َمت‬

‫على أنها شريكة الفادي أو فا ٍد شريك (‪.)Co-redemptrix‬‬
‫في مقالة لسيادة المطران جورج خضر «المسيح الوسيط»‪ُ ،‬نشرت‬
‫في الَّنهار‪ ،‬كتب بكل وضوح‪ :‬إن يسوع المسيح هو الوسيط الوحيد‬
‫بين الله الآب والبشر‪ ،‬لأنه ابن الله وابن البشر‪ .‬وحده الإله المتج ّسد‬
‫يستطيع أن يكون وسي ًطا بين الله والبشر‪ ،‬لأ ّن الوساطة «هي‬
‫الخلاص الذي تّم مّرة واحدة وفي زمان واحد»‪ .‬هذا موقف لاهوتي‬
‫مسيحي وإنجيلي سليم لا يحتمل الُمساومة‪ .‬إ ًذا‪ ،‬يستنتج سيادته أ ّن‬
‫«لا معنى للقول الشائع في الغرب (الكاثوليكي) إ ّن مريم ُمشاركة في‬
‫الفداء»‪ .‬لا فعل لمريم في الخلاص لأنها بشًرا َمح ًضا‪ .‬يصف سيادته‬
‫الكلام عن مشاركة مريم في الفداء بأنه كلام « ِش ْعري» لا مكان له‬
‫في اللاهوت المسيحي لأنه «ينفي عن السيد حصرّية الخلاص فيه»‪.‬‬
‫لا مانع عند الإنجيلّيين من الصلاة مع مريم العذراء ولكن الصلاة‬
‫إليها لأنها شفيعٌة ووسيطٌة‪ ،‬فهذا أمر غير مقبول كتابًّيا ولاهوتًّيا في‬

‫التراث الإنجيلي على تعدد فروعه‪.‬‬
‫يرى الإنجيليون أ ّن يسو َع وحده هو الجسُر بين السماء والأرض‪،‬‬
‫وبين الألوهية والإنسانية‪ .‬وحده الكلمة الذي صار بشًرا باستطاعته‬
‫أن يعرف فكَر الآب ويفهم محدوديَتنا البشرية‪ .‬وحده الاب ُن المتج ِّسد‬
‫باستطاعته أن ُيج ِّسم ح َّب الآب ويضَّم ضع َفنا إلى صدره‪ .‬أما مريم‪،‬‬

‫‪84‬‬

‫مقالات إصلاح ّية‬

‫فبغ ِّض النظر عن دعوتها الهامة في حياتها الأرضية وعن امتيازها‬
‫الكبير في الحياة السماوية‪ ،‬فلم تكن هي التي تأَّلمت «مرة واحدة من‬
‫أجل الخطايا»‪ ،‬الباَّرة «من أجل الأثمة لكي (تقّربنا) من الله» (‪1‬‬

‫بطرس ‪.)18 :3‬‬
‫ثانًيا‪ ،‬يسوع ُمستمر في شفاعته لنا عند الآب وفي إعطائنا ثما َر موته‬
‫وتقدمة ذاته الوحيدة‪ .‬قَّدم نفسه ذبيحة عنا وهو يمنحنا ثمار فدائه‪.‬‬

‫ليس لمريم دوٌر في هذه المسألة‪ ،‬حيث الاب ُن يشفع لنا عند الآب‪.‬‬
‫ثالًثا‪ ،‬إن المسيح قري ٌب مّنا‪ ،‬ونتجاسر أن نتقدم إليه «لأنه قادر أن‬
‫يرثي لضعفاتنا» وهو ُمجر ٌّب في كل شيء مثلنا بلا خطيئة (عبرانيين‬
‫‪ :)15 :4‬إذن‪ ،‬فلنتقَّدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة وعونا‬
‫في حينه (عبرانيين ‪ .)16 :4‬يسوع لا يشفع بنا ويتشفع لنا فقط‪ ،‬بل‬

‫يشعر معنا أي ًضا‪.‬‬
‫ماذا يمكن أن تعني مريم العذراء للإنجيلّيين؟‬
‫لعّلنا بسبب غيرتنا على الإنجيل قد تجاهلنا‪ ،‬نحن الإنجيليين‪،‬‬
‫مريَم العذراء كثيًرا‪ .‬لكّنها لعبت دو ًرا ها ًما في خطة الله الخلاصّية‪.‬‬
‫فهي التي ُاخِتيرت لتحم َل الكلمَة الإلهية‪ .‬إن َح ّث الإنجيليين على‬
‫إيلاء العذراء مريم اهتما ًما أكبر‪ ،‬أمٌر ُمست َح ّب وضروري‪ .‬فكما أ ّن‬
‫الكنيسَة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية تأّثرتا إيجاًبا بتشديد حركة‬
‫الإصلاح على الكتاب المقدس ومركزّيته‪ ،‬لأنه الشاه ُد الأولي لكلمة‬
‫الله‪ ،‬هكذا أي ًضا ينبغي على الإنجيلّيين أن يتعّلموا من الكنيسَتْين‬
‫الكاثوليكية والأرثوذكسية تكريم العذراء والتأم َل بشخصها ومثالها‬
‫ومكانتها في عمل الله الخلاصي‪ ،‬فهي أي ًضا إناٌء لكلمة الله وحاملة‬
‫له‪ .‬الكلمة الإلهي أتانا بواسطة مريم‪ ،‬ويأتينا بواسطة الكتاب المقدس‪.‬‬
‫إنها الأولى في التاريخ التي ر َّحبت بالكلمة وقبلته في حياته وفي‬
‫أحشائه‪ ،‬وهي على رأس الخطاة المخّلصين‪ ،‬الُمبَّررين بالنعمة بواسطة‬

‫‪85‬‬

‫الإيمان بالمسيح‪ .‬مريم ذاتها قالت‪َ « :‬وَتْبَت ِه ُج ُرو ِحي ِباللِه ُم َخِّل ِصي»‬
‫(لوقا ‪ .)47 :1‬وهي مثال الاستجابة لله‪ .‬من المؤسف أن المغالاة‬
‫في مسألة مريم أشاحت بالنظر نحو التأمل في دورها في التعاون في‬
‫الخلاص (وكأن الإنسان يشارك في عملية خلاصه!)‪ .‬بينما من الواضح‬
‫في الإنجيل أ ّن مريم هي مثال التعاون في الخدمة والفضيلة‪ُ « :‬هَو َذا َأَنا‬
‫َأ َمُة الَّر ِّب‪ِ .‬لَي ُك ْن ِلي َك َقْوِل َك» (لوقا ‪ .)38 :1‬فيجب أن يكون عنوان‬
‫حياة ك ّل مسيحي‪ .‬إّنها حًّقا مثال للتواضع‪ ،‬وهذا يعني أّنها لا تنتقص‬
‫من رسالة ابنها وعمله الذي لا يثّمن‪ .‬فلنَّتبع قولها حين أشارت إلى‬
‫الخَّدام في عرس قانا الجليل‪َ « :‬م ْه َما َقا َل َل ُك ْم َفا ْف َعُلوُه» (يوحنا ‪.)5 :2‬‬
‫ومريم يمكن أن ينظر إليها الإنجيليون أي ًضا على أنها رمز الكنيسة‪،‬‬
‫كما قال أبو الإصلاح مارتن لوثر‪ .‬وأوّد أن أختم بكلمات ِق ّس إنجيلي‬

‫معاصر عن مريم مثال الكنيسة كتبها ُمخاطًبا الرب يسوع‪:‬‬
‫«على مثال كنيستك حيثما كن َت كانت معك‪ ،‬وقد لاز َمتك من‬
‫مذودك إلى صليبك‪ .‬فلا المجوس استطاعوا أن يلهوها عن المذود‪،‬‬

‫ولا الجنود أن يبعدوها عن الصليب‪...‬‬
‫سيظ ّل أجمل أدوارها وقوفها قرب صليبك‪ ،‬ستظ ّل عظمتها‬

‫الحقيقية تنبع من ُجرأتها على البقاء واقفة عند قدميك‪27».‬‬

‫‪ 27‬جان دي سوسير‪« ،‬العذراء رمز الكنيسة»‪ ،‬مقالات‪ ،...‬ص ‪.36 ، 31.‬‬
‫‪86‬‬

‫غلاف وشعار النشرة عام ‪1947‬‬ ‫‪ 5‬أ ْخ َبا ُرَنا‬

‫لقاء الرعاة والشيوخ ‪2019‬‬

‫خدمة رسامة القس ربيع طالب‬

‫خدمة رسامة القس الياس‬
‫أوسطه جبور‬

‫لقاءات السينودس الصيفّية‬

‫خدمة تدشين مبنى جديد‬
‫لكنيسة قب الياس‬

‫لقاء الرعاة والشيوخ ‪2019‬‬

‫أقام السينودس الإنجيلي الوطني في سورية ولبنان‪ ،‬لقاء الرعاة‬
‫والشيوخ ‪ ،2019‬وهو من تنظيم لجنة الشؤون الكنسّية والروحّية في‬

‫السينودس‪.‬‬
‫استمّر اللقاء من يوم الثلاثاء في ‪ 25‬حزيران‪ ،‬وحّتى يوم الجمعة في‬
‫‪ .28‬حضر اللقاء عدد من رعاة السينودس وشيوخه‪ ،‬وتضّمن التدريب‬
‫الحلقات التالية‪ :‬النظام المشيخي ونظام السينودس ‪ -‬القس أديب‬
‫عوض؛ درس كتاب من العهد الجديد ‪ -‬القس سليم فرح؛ ما الذي‬
‫تتو ّقع كنائسنا من رعاتها وشيوخها ‪ -‬ندوة (راعَيْين وشي َخْين)؛ نماذج‬
‫لأنظمة ُمصلحة في العالم ‪ -‬القسيسة نجلا قصاب؛ هل كنائسنا هي‬
‫كنائس تتجه نحو هدف معين ‪ -‬د‪ .‬بيري شو؛ درس كتاب من العهد‬
‫القديم ‪ -‬القس هادي غنطوس؛ النظام المشيخي والشرق الأوسط ‪-‬‬
‫القس جوزيف ق ّصاب؛ العمل الفريقي ‪ -‬د‪ .‬مايك باسوس؛ كيف نكون‬
‫قادة فاعلين ومؤثرين ‪ -‬د‪ .‬مايك باسوس؛ ما الذي نحتاجه لنكون‬

‫كنيسة أكثر حضو ًرا وفاعلّية ‪ -‬حلقات حوار‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫أ ْخ َبا ُر َنا‬

‫خدمة رسامة القس ربيع طالب‬

‫يوم الخميس الواقع في ‪ 25‬تّموز ‪ ،2019‬تّم رسامة القس ربيع طالب‪،‬‬
‫في الكنيسة الإنجيلّية الوطنّية في منيارة ‪ -‬ع ّكار‪ ،‬وهي كنيسته الأم‪.‬‬
‫نذكر بأ ّن القس ربيع هو رئيس تحرير مجّلة «النشرة»‪ ،‬وراعي بيت‬

‫الُمسّنين ‪ -‬هملين‪.‬‬
‫حضر خدمة الّرسامة ‪ -‬إضافة للمؤمنين والمؤمنات‪ ،‬والآباء والرعاة‬
‫من الكنائس الشقيقة ‪ -‬القس جوزيف ق ّصاب‪ ،‬رئيس المجمع الأعلى‬
‫للطائفة الإنجيلية في سورية ولبنان وأمين عام السينودس‪ ،‬القس‬
‫بطرس زاعور رئيس السينودس وراعي كنيسة دمشق‪ ،‬القس فؤاد‬
‫أنطون نائب رئيس السينودس وراعي كنستي مرجعيون وابل السقي‪،‬‬
‫القس هادي غنطوس أمين سر لجنة الشؤون الكنسّية والروحّية‬
‫وراعي كنيسة منيارة‪ ،‬القس أمير إسحق أمين سر لجنة الإعلام‬
‫والنشر وراعي كنيستي علما الشعب وصور‪ ،‬القس سهيل س ّعود أمين‬
‫سر لجنة الخدمات الاجتماعية والطبية وراعي كنيسة رأس بيروت‪،‬‬
‫القسيسة نجلا ق ّصاب مديرة دائرة التربية المسيحّية ورئيسة الشركة‬
‫العالمية للكنائس الُمصلحة‪ ،‬القسيسة رولا سليمان راعية كنيسة‬
‫طرابلس‪ ،‬إضافة للقس ليوناردو دي جيزيس والقس جورج نيفيز اللذين‬
‫يخدمان في السينودس‪ ،‬من الكنيسة الإنجيلية المشيخية في البرازيل‪.‬‬

‫‪89‬‬

90

‫أ ْخ َبا ُر َنا‬

‫خدمة رسامة القس الياس أوسطه ج ّبور‬

‫يوم الأحد الواقع في ‪ 4‬آب ‪ ،2019‬تّم رسامة القس الياس أوسطه‬
‫جّبور‪ ،‬راعي الكنيسة الإنجيلية الوطنّية في اليازدية‪.‬‬

‫حضر خدمة الّرسامة ‪ -‬إضافة للمؤمنين والمؤمنات‪ ،‬والآباء‬
‫والرعاة من الكنائس الشقيقة ‪ -‬القس جوزيف ق ّصاب‪ ،‬رئيس المجمع‬
‫الأعلى للطائفة الإنجيلية في سورية ولبنان وأمين عام السينودس‪،‬‬
‫القس بطرس زاعور رئيس السينودس وراعي كنيسة دمشق‪ ،‬القس‬
‫هادي غنطوس أمين سر لجنة الشؤون الكنسّية والروحّية وراعي‬
‫كنيسة منيارة‪ ،‬القس يوسف جّبور راعي كنيسة حمص‪ ،‬القس سلام‬
‫حّنا راعي كنيسة اللاذقية‪ ،‬القس يعقوب صّباغ راعي كنيسة فيروزة‪،‬‬
‫القسيسة رولا سليمان راعية كنيسة طرابلس‪ ،‬والقس ميشال بوغوص‪.‬‬

‫‪91‬‬

92

‫أ ْخ َبا ُر َنا‬

‫لقاءات السينودس الصيف ّية‬

‫كما في ك ّل سنة‪ ،‬يقيم السينودس لقاءات صيفّية متنّوعة‪ ،‬لمختلف‬
‫الأعمار والفئات‪.‬‬

‫بدأ أّوًل لقاء الأطفال‪ ،‬الذي يضّم الأطفال بعمر ‪ 12-8‬سنة‪ ،‬في‬
‫مركز ضهور الشوير الإنجيلي للمؤتمرات‪ ،‬من ‪ 15‬وحتى ‪ 20‬تّموز‪.‬‬

‫اللقاء الثاني كان لقاء الشبيبة الثانوّيين‪ ،‬من عمر ‪ 17-13‬سنة‪،‬‬
‫والذي أقيم أي ًضا في مركز ضهور الشوير‪ ،‬من ‪ 29‬تّموز وحتى ‪ 3‬آب‪.‬‬

‫أ ّما اللقاء الثالث فكان لقاء السّيدات العام‪ ،‬في مركز ضهور الشوير‪،‬‬
‫والذي أقيم في فترة ‪ 10-5‬آب‪.‬‬

‫واختتمت اللقاءات الصيفّية بلقاء الشبيبة الجامعّيين‪ ،‬الذي يضم‬
‫شبيبة بأعمار فوق ‪ ،18‬وأقيم هذه السنة في عمار الحصن ‪ -‬سورية‪.‬‬

‫لقاء الأطفال ‪2019‬‬

‫‪93‬‬

‫لقاء‬ ‫لقاء‬
‫الثانوّيين‬ ‫السّيدات‬

‫‪2019‬‬ ‫العام‬
‫‪2019‬‬
‫لقاء‬
‫الشبيبة‬
‫العام‬

‫‪2019‬‬

‫‪94‬‬

‫أ ْخ َبا ُر َنا‬

‫خدمة تدشين مبنى جديد لكنيسة قب الياس‬

‫مساء يوم الأحد الواقع في ‪ 1‬أيلول ‪ ،2019‬الساعة السادسة والنصف مساًء‪،‬‬
‫شهدت بلدة قب الياس خدمة تدشين مبنى جديد للكنيسة الإنجيلّية الوطنّية‬
‫فيها‪ ،‬داخل حرم المدرسة الإنجيلّية الوطنّية ‪ -‬قب الياس‪ .‬إذ د ّشن السينودس‬
‫الانجيلي الوطني في سورية و لبنان‪ ،‬وراعي وعمدة الكنيسة الانجيلية في قب‬

‫الياس‪ ،‬مبنى الكنيسة الجديد‪.‬‬
‫كان الحضور كثي ًفا‪ ،‬كما تو ّقع القّيمون على الخدمة‪ ،‬فتّم وضع شاشة عملاقة‬
‫في الباحة أمام الكنيسة‪ .‬كما تم نقل الخدمة الى صالة الكنيسة أي ًضا عبر وضع‬

‫شاشة لهذه الغاية‪.‬‬
‫حضر الخدمة الوقور القس جوزيف ق ّصاب‪ ،‬رئيس المجمع الأعلى للطائفة‬
‫الإنجيلّية وأمين عام السينودس الإنجيلي الوطني في سورية ولبنان؛ الوقور‬
‫القس بطرس زاعور‪ ،‬رئيس السينودس؛ والوقور القس فؤاد أنطون‪ ،‬نائب رئيس‬

‫السينودس‪.‬‬
‫ر ّحبت بلدة ق ّب الياس بزيارة رئيس المجمع الأعلى‪ ،‬القس جوزيف ق ّصاب‪،‬‬

‫عبر رفع يافطات ترحيب من البلدّية‪ ،‬المدرسة الإنجيلية الوطنية‪ ،‬والكنيسة‪.‬‬
‫إضافة لراعي الكنيسة القس رمزي أبو عسلي وباقي الرعاة والشيوخ‪،‬‬

‫والمؤمنون والمؤمنات‪ ،‬حضر الخدمة أي ًضا‪ :‬كهنة من الكنائس الشقيقة؛‬
‫سعادة السفير سامي حّداد؛ سيادة قائد الدرك‪ ،‬العميد مروان سليلاتي؛ رئيس‬
‫بلدّية قب الياس ‪ -‬وادي الدلم‪ ،‬الأستاذ جهاد المعلم؛ فعالّيات سياسّية وأمنّية؛‬
‫رؤساء مدارس وجمعيات؛ مغتربين‪ ،‬وعلى رأسهم الفاضل حبيب ندره فلفلي‬

‫وعائلته‪.‬‬

‫‪95‬‬

‫بعد خدمة العبادة قدم رئيس بلدية قب الياس‪ -‬وادي الدلم الاستاذ جهاد‬
‫المعّلم در ًعا تكريمًّيا للوقور القس جوزيف ق ّصاب‪ ،‬رئيس المجمع الأعلى للطائفة‬
‫الإنجيلية وأمين عام السينودس الإنجيلي الوطني في سورية و لبنان‪ ،‬لرعايته حفل‬
‫التدشين‪ .‬كما قّدمت الكنيسة الإنجيلية في قب الياس در َعْين تكريمَّيْين‪ ،‬الأول‬
‫للوقور القس جوزيف ق ّصاب تقديًرا لجهوده‪ ،‬والثاني للأستاذ الفاضل حبيب‬
‫فلفلي‪ ،‬عرفاًنا بالجميل لمساهمته المالية القّيمة في مشروع البناء‪ .‬وبكلمات‬
‫وجدانية أعاد الاستاذ فلفلي ليقدم الدرع للشيخ جوزيف فلفلي تقديًرا لجهوده‬

‫الُم ْضنية في متابعة مشروع البناء‪.‬‬
‫نذكر بأنه قد تّم وضع نصب تذكارية في باحة الكنيسة‪ ،‬لك ّل من الراقدين‬
‫في الرب‪ :‬شفيق جوزيف فلفلي‪ ،‬ربيع حبيب فلفلي‪ ،‬كريم ندره فلفلي‪ ،‬وحكمت‬

‫ندره فلفلي‪.‬‬

‫اختتمت المناسبة بحفل كوكتيل أقيم احتفاًل بمبنى الكنيسة الجديد‪ ،‬في‬
‫إحدى قاعات المدرسة الانجيلية‪.‬‬

‫تشكر الكنيسة كل الذين ساهموا في بناء مبنى الكنيسة‪ ،‬وهم‪ :‬السينودس‬
‫الإنجيلي الوطني في سورية ولبنان‪ ،‬الفاضل حبيب فلفلي وعائلته‪ ،‬الشيخ جوزيف‬
‫شفيق فلفلي‪ ،‬سيمون نبيه فلفلي‪ ،‬رياض مراد فلفلي‪ ،‬زاهي مراد فلفلي‪ ،‬وزياد‬

‫جوزيف فلفلي‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫للمساهمة في المج ّلة‬

‫بالبريد‬ ‫المجّلة‬ ‫إلى‬ ‫المساهمات والمراسلات‬ ‫جميع‬ ‫ُترسل‬
‫الإلكتروني‪:‬‬
‫‪[email protected]‬‬

‫أو يمكن إرساُلها باسم رئيس التحرير‪ ،‬القس ربيع طالب‪ ،‬إلى‬
‫العنوان البريدي التالي‪:‬‬

‫السينودس الإنجيلي الوطني في سورية ولبنان ‪ -‬مجّلة النشرة‬

‫ص‪ .‬ب‪70-890 .‬‬

‫أنطلياس ‪ -‬لبنان‬

‫هاتف النشرة‪)+961( 5-531921 :‬‬

‫هاتف رئيس التحرير‪)+961( 76-311544 :‬‬

‫لدعم المج ّلة‬

‫تشكر النشرة محبتكم‪ ،‬كما تش ّجعكم على دعم‬
‫رسالتها الروحّية‪ ،‬عبر إرسال تبرعاتكم باسم المجّلة على‬

‫البريد التالي‪:‬‬
‫السينودس الإنجيلي الوطني في سورية ولبنان ‪ -‬مجّلة‬

‫النشرة‬
‫ص‪ .‬ب‪70-890 .‬‬
‫أنطلياس ‪ -‬لبنان‬

‫‪www.annashra.org‬‬
‫‪Facebook.com/annashra.org‬‬

‫صلاة لملك وملكة الإنكليز‬

‫الملك جورج السادس وزوجته‬
‫‫إليزابيث باوز ليون‬

‫(ُنشرت في النشرة قبل حوالي السنة‬
‫من اندلاع الحرب العالم ّية الثانية في‬

‫‪ 1‬أيلول ‪)1939‬‬

‫لنص ّل لله ليسكن بروحه أهواء النفوس وطغيانها‬
‫لصون السلام وحفظه‪:‬‬

‫فيا أّيها الإله الصالح الذي يح ّب الصلاح‪ ،‬أنظر‬
‫برحمتك إلى عالمنا الضال المضطرب‪ ،‬وأرنا جمي ًعا‬
‫مواطن أغلاطنا وأخطائنا‪ ،‬وأزل العماوة من عيوننا‪،‬‬
‫والحقد والتع ّصب والطغيان من قلوبنا‪ ،‬وكن أنت‬
‫صانع السلام‪ ،‬وخّلصنا بحكمتك في الوقت المناسب‪،‬‬
‫لكي نجتاز إلى أرض الوئام والإّتفاق‪ ،‬حًّبا بر ّب السلام‬

‫يسوع المسيح ابنك الإلهي‪ .‬آمين‬

‫(النشرة‪ ،‬عدد تشرين الثاني ‪)1938‬‬

‫‪www.annashra.org‬‬
‫‪facebook.com/annashra.org‬‬


Click to View FlipBook Version