The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

مجلة إنجيلية جامعة، أولى المجلات العربية، تأسّست عام 1863، ويصدرها السينودس الإنجيلي الوطني في سورية ولبنان

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Rabih Taleb, 2019-10-26 03:56:56

النشرة - الفصل الثالث 2019

مجلة إنجيلية جامعة، أولى المجلات العربية، تأسّست عام 1863، ويصدرها السينودس الإنجيلي الوطني في سورية ولبنان

‫الفصل الثالث | ‪2019‬‬

‫صلاة ُمقتدرة‬
‫من أجل السلام‬

‫النشرة‬

‫َسلَا ِمي ُأ ْع ِطي ُك ْم‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ 2019‬سَ لاَمِ ي ُأعْ طِ يكُ مْ‬

‫الق ّوة في‬ ‫هل الصلاة ُتغ ّير‬
‫الخوف‬ ‫إرادة الله؟‬



‫رئيس التحرير‬
‫القس ربيع طالب‬

‫المسؤولية أمام‬ ‫هيئة التحرير‬

‫الجهات الرسمّية‬ ‫القس أمير إسحق‬
‫القس جورج ديب مراد‬ ‫القس بطرس زاعور‬
‫القس مفيد قره جيلي‬
‫الق ّسيسة نجلا ق ّصاب‬
‫الواعظة هالة بيطار‬
‫الشيخة إلهام أبو عبسي‬

‫مجّلة إنجيلّية جامعة‬
‫أولى المجلات العربية‪ ،‬تأ ّسست عام ‪1863‬يصدرها السينودس الإنجيلي الوطني في سورية ولبن‪1‬ان‬

‫الفصل الثالث ‪2019‬‬

‫َسلَا ِمي ُأ ْع ِطي ُك ْم‬ ‫‪١‬‬
‫‪٢‬‬
‫‪4‬‬ ‫تأصصّللماالةةا اُملتُمقتدوصارلةعحمةظانواألتجسللاامل����س�ل��ا��م��‪. .�.�.�.�.�.�.�.�.�.�.�.�.‬ا‪..‬ل‪..‬ق‪....‬س‪.....‬جاولرقجس أجبدريا ابلقبعوطيض‬ ‫‪٣‬‬
‫‪11‬‬
‫هل الصلاة صراع إرادات مع الله؟ ‪....................‬ح ّسان ديرعطاني ‪15‬‬

‫دراسات ومقالات‬
‫الصلاة واكتشاف الملكوت ���������������������������������� القس ربيع طالب ‪20‬‬
‫القّوة في الخوف������������������������������������������� القس د‪ .‬عيسى دياب ‪27‬‬
‫جئت لألقي سي ًفا�������������������������������������������������� القس أمير إسحق ‪40‬‬

‫درس كتاب‬
‫مقدمة إلى الأبوكريفا ‪ ���������������������������� 1‬القس د‪ .‬هادي غنطوس ‪49‬‬
‫سفر ابن سيراخ ‪52 ..............................................................................‬‬
‫سفر حكمة سليمان ‪57 ......................................................................‬‬
‫سفر باروخ ورسالة إرميا ‪60 ................................................................‬‬

‫ا(لامإلقوناللاجايدلةّيوتمنإنومعصرلذيارماءاحلّ‪0‬يعة‪7‬ذرا‪-‬ء‪.‬و‪.‬ا‪..‬ل‪..‬د‪.‬ة‪...‬ا‪.‬ل‪.‬إ‪.‬ل‪..‬ه‪..-....7...0..‬ا‪.‬ل‪..‬ب‪.‬ت‪..‬و‪..‬ل‪..‬ة‪ .‬اد‪.‬لداجئومرةج‪75‬صب‪-‬را ‪66‬‬ ‫‪٤‬‬
‫الحبل بلا دنس ‪ - 76‬انتقال العذراء ‪ - 77‬تكريم العذراء ‪)78‬‬

‫ألقْاخءَباالُررَناعاة والشيوخ ‪88 ..................................................................2019‬‬ ‫‪٥‬‬
‫خدمة رسامة القس ربيع طالب ‪89 .....................................................‬‬
‫‪91‬‬ ‫لخخقاددءاممةةتترادلساشسميينةنوادلمبقسن اىسلالجصيادييفّديسةأ‪.‬ل‪.‬و‪.‬ك‪..‬ن‪.‬سي‪....‬سط‪..‬ةه‪....‬ق‪.‬ج‪ّ.ّ.‬ب‪.‬بو‪..‬ار‪...‬ل‪....‬ي‪..‬ا‪........‬س‪..............................................................................................‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪93‬‬
‫‪95‬‬

‫‪ 1‬تأ ّملات وعظات‬

‫صلاة ُمقتدرة من أجل السلام‬
‫صلاة الُمصالحة والسلام‬
‫هل الصلاة صراع إرادات‬
‫مع الله؟‬

‫صلا ٌة ُمقتدر ٌة‬
‫من أجل السلام‬

‫القس أديب عوض*‬

‫« َو َر ُّب ال َّسلَا ِم َن ْف ُسُه ُي ْع ِطي ُكُم ال َّسلَا َم َداِئ ًما ِم ْن ُك ِّل َو ْجٍه‪ .‬الَّر ُّب‬
‫َم َع َج ِمي ِع ُك ْم‪َ .‬ال َّسلَا ُم ِبَي ِدي َأَنا ُبوُل َس‪ ،‬اَّل ِذي ُهَو َعلَا َمٌة ِفي ُك ِّل ِر َساَلٍة‪.‬‬

‫ه َك َذا َأَنا َأ ْكُت ُب» (‪ 2‬تسالونيكي ‪.)17-16 :3‬‬
‫ُتشير «ساعة يوم القيامة» (وأنا أكتب هذه التأ ّملات) إلى الدقيقة‬
‫الثالثة قبل الساعة الثانيَة ع ْشر َة‪ ،‬أي أننا نبع ُد ثلا َث درجات عن‬

‫ظروف الفناء الشامل‪.‬‬
‫«ساعة يوم القيامة» هي رمٌز يمّثل إمكانّية حدوث كارثة شاملة من‬
‫صنع الإنسان‪ ،‬تقضي على الحياة على كوكبنا وتد ّمُره‪ .‬أطلق الفكرَة‬
‫مجموعُة علماء نوويين‪ ،‬في العام ‪ ،1947‬أرادوها صورًة مجازّية للتهديدات‬
‫التي تواجه البشرّية نتيجة التقّدم العلمي والتقني غير المنضبط‪ .‬تلك‬
‫الساعة لها عقر ٌب واحد يقترب من الساعة الثانية ع ْشرة‪ ،‬ويبتعد‪ِ ،‬تب ًعا‬

‫للمناخات السياسّية والعسكرّية في العالم‪.‬‬

‫ُتذ ّكرنا أحداث هذه الأّيام‪ ،‬نحن المسيحيين في كل مكان‪ ،‬بالحاجة‬
‫إلى الصلاة الجّدية؛ نحتاج‪ ،‬أكثر من أي وقت مضى‪ ،‬لأن نصّلي من‬
‫أجل السلام‪ .‬لكن السؤال هو‪ :‬كيف يصّلي المسيحي؟ قد يكون‬
‫السؤال سهًل للمسيحي العادي‪ ،‬لكّنه ينطوي على إشكال بالنسبة‬
‫للمسيحيين الذين يؤمنون بمجيء المسيح الثاني‪ ،‬الذين لا يحاولون‬

‫‪ * 4‬رئيس سابق لتحرير النشرة‪ ،‬الُمّدة‪2017 - 2008 :‬‬

‫تأملات وعظات‬

‫تلميع «العلامات» التي قال الكتاب المقّدس إنها ستصاحب ذلك‬
‫المجيء‪ .‬وإ ْذ نعرف أ ّن العنف والحروب والإرهاب هي العلامات التي‬
‫سُتهّيئ لملكوت الله وظهو ِر رِّبنا يسوع المسيح‪ ،‬كيف يمكننا أن‬
‫نصّلي لهذه الُه ْدنات المؤ ّقتة بين الأمم‪ ،‬والتي تبدو في أحسن الأحوال‬
‫كالِّنكات التي ُتفا ِقم الأوضا َع وتؤ ّجج نوايا الأمم السّيئة بع ِضها ضَّد‬
‫بعض؟ كيف يمكن أن نستمّر في الصلاة من أجل السلام بين الأمم‬
‫سيح ّل بالأرض؟‬ ‫خ ّطة الله تتحّدث عن دما ٍر شامل‬ ‫ونحن ندرك أ ّن‬
‫أنا لا أعتقد هذا‪.‬‬ ‫اللُه حتمّيَة الإسكاتولوجيا الكتابّية؟‬ ‫هل نصّلي لُيغّير‬

‫ما نستطيع فعَله هو أن نصّلي لكي ُيجّد َد اللُه الَّتناغَم في القلوب‬
‫التي أصابها اليأ ُس في عالمنا هذا الذي مّزقته الحرو ُب‪ .‬يمكننا أن‬
‫نصّلي من أجل إخوتنا في زمن سياحتهم في الجسد‪ .‬يمكننا أن نبدأ‬

‫بالصلاة الرّبانية «‪ ...‬ليأ ِت ملكوُت َك»‪ ،‬ومن ثّم يمكننا أن ُنصيغ صلاتنا‬
‫من أجل السلام على مثال صلاة الحبيب بولس الرسول من أجل‬

‫إخوته في تسالونيكي‪َ « :‬و َر ُّب ال َّسلَا ِم َن ْف ُسُه ُي ْع ِطي ُكُم ال َّسلَا َم َداِئ ًما ِم ْن‬

‫‪5‬‬

‫ُك ِّل َو ْجٍه‪ .‬الَّر ُّب َم َع َج ِمي ِع ُك ْم» (‪ 2‬تسالونيكي ‪.)16 :3‬‬
‫هذه صلاة نموذجّية؛ بل أكثر من نموذجّية‪ُ .‬يحي ُك بولس في نسيجها‪،‬‬
‫إعلاًنا عن يسوع المسيح الذي‪ ،‬بشخصه وشخصّيِته‪ ،‬يؤ ّكد استجابَته‬
‫لصلواتنا‪ .‬يتك ّشف الرب يسوع‪ ،‬في هذه الصلاة‪ ،‬على أّنه ر ُّب السلام‪.‬‬

‫ماذا يعني هذا؟ إّنه يعني أ ّن يسوع هو‪:‬‬

‫أّوًل‪ ،‬رئي ُس السلام‪:‬‬
‫كثيرون من البشر عملوا من أجل السلام‪ ،‬وترأّسوا جلسات‬
‫ُمفاوضات سلام‪ ،‬وتو ّصلوا إلى إبرام اتفاقيات سلام؛ بع ٌض منهم نالوا‬
‫جوائز تقديًرا لجهودهم في هذا المضمار ‪ ...‬جمي ُعهم يستحّقون ثناَءنا‬

‫وتقديَرنا‪ ،‬أ ّما يسوع فهو رئيس السلام‪.‬‬
‫عندما نصّلي ليسوع من أجل السلام‪ ،‬لسنا نسأل شخ ًصا يرجو‬
‫السلام ويتمّناه؛ لسنا نأمل في شخص يفاوض‪ ،‬أو يعقد صفقًة‪ ،‬أو‬
‫يساوم من أجل السلام‪ .‬نحن نصّلي ليسوع من أجل السلام لأ ّن يسوع‬
‫مصدُر كل سلام حقيقي‪( .‬إشعياء ‪ )6 :9‬يدعوه رئي َس السلام؛ وبولس‬
‫يدعوه في الصلاة موضو ِع تأ ّملاتنا َر َّب السلام؛ يس ّجل لوقا أنه هَّدأ‬

‫الِّريح والأنواَء في البحر بأمٍر ُمبا َشٍر منه‪.‬‬
‫بالتأكيد‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬صلواتنا من أجل السلام هي في ِعهد ِة ر ِّب ورئيس‬

‫السلام‪ .‬أي ًضا تكشف صلاُة بولس أ ّن يسوع هو‪:‬‬

‫ثانًيا‪ ،‬مان ُح السلام‪:‬‬
‫ما أتعسنا لو أ ّن تحقيق السلام مرهو ٌن بمساعينا‪ ،‬مهما ت ُكن مضنيًة‬

‫‪6‬‬

‫تأملات وعظات‬

‫وصادقة! أجرؤ فأقول‪ ،‬لن يحّقق الإنسا ُن السلا َم بعقله وجهده‬
‫وطبيعته الخاطئة‪ .‬لكن‪ ،‬يا َللبركة عندما ُندرك أن يسوع المسيح هو‬
‫مان ُح السلام‪ ،‬هو سلا ُمنا! يقول بولس‪َ « :‬و َر ُّب ال َّسلَا ِم َن ْف ُسُه ُي ْع ِطي ُكُم‬
‫ال َّسلَا َم َداِئ ًما ِم ْن ُك ِّل َو ْجٍه»‪ .‬تشير هذه الصلاة إلى أ ّن السلام هو‬
‫عطّية من الله‪ .‬إّنما هناك سلاٌم يجب أن نجتهد لتحقيقه؛ فقد وعد‬
‫يسوع بالطوبى (البركة) لصانعي السلام‪ .‬كلمة «صانعي» تفترض‬
‫ضمًنا الجهد‪ ،‬العمل ‪ ...‬لذلك‪ ،‬عندما يتعّلق الموضوع بالسلام مع‬

‫أخواتنا وإخوتنا‪ ،‬علينا أن نعمل‪ ،‬نجته َد في سبيل ذلك‪.‬‬
‫لك ّن تناغم أنفسنا لا يتحّقق نتيجًة لجهودنا؛ بل‪ ،‬كلما اجتهدنا في‬
‫محاولاتنا للحصول على السلام الداخلي‪ ،‬جاَنَبنا وابتعد عّنا‪ .‬فيا‬
‫َلغبطتنا عندما ندرك أن الله يهبنا السلام الداخلي م ّجاًنا! بل يع ُظم‬
‫فر ُحنا عندما ندرك أن الر َّب نف َسه يقّدم لنا هذه الهدّية‪ .‬يقول بولس‪:‬‬

‫« َر ُّب ال َّسلَا ِم َن ْف ُسُه ُي ْع ِطي ُكُم ال َّسلَا َم َداِئ ًما»‪.‬‬
‫عندما كنت في الكّلية كان والدي يرسل لي المصروف الشهري مع‬
‫«شوفير الخ ّط»‪ ،‬كما كانوا يسّمونه‪ .‬لكن‪ ،‬في يوم من الأيام فاجأني‬
‫والدي بحضوره شخصًّيا إلى بيروت لتسليمي المصروف الشهري‬
‫والاطمئنان عني‪ .‬إن وجود والدي معي كان أهّم بكثير جًّدا من مجّرد‬
‫المصروف؛ أح َس ْست أنني غني وقوي وعزيز! اللمسة الشخصّية التي‬
‫أضافها والدي إلى «المصروف» صنعت ك َّل الفارق بالنسبة لي‪ .‬اليوم‬
‫أنا‪ ،‬وأنتم‪ ،‬في موقع الأغنياء ‪ ...‬الأقوياء ‪ ...‬الأعّزاء‪ ،‬لأن الله ‪ -‬شخصًّيا‬

‫‪ -‬يحضر بروح المسيح ويهبنا سلا َمه الذي يفوق ك َّل عقل‪.‬‬
‫يسوع المسيح هو‪ ،‬أي ًضا‪:‬‬

‫‪7‬‬

‫ثالًثا‪ ،‬حاف ُظ سلا ِمنا‪:‬‬

‫السلام الذي ينشده العالم سلاٌم فارغ‪ ،‬لأنه غير مضمون‪ ،‬يقو ُم‬
‫اليوم ويسقط غ ًدا‪ .‬سلا ُم العالم سلاٌم غام ٌض ملغوٌم مخادع‪ ،‬والأمثلة‬
‫لا ُتحصى ‪ ...‬لا يقود بع َد إلا إلى حرو ٍب جديدة ‪ ...‬والأمثلة أي ًضا لا‬
‫ُتحصى! فقط عندما ُولد الطفل يسوع سمع العالم وع َد السماء‬

‫«على الأرض السلام»‪.‬‬
‫لا يلزمنا سلاٌم مؤ ّقت‪ ،‬سلاٌم فارٌغ ملغوٌم بك ِّل أسباب الحروب‪.‬‬
‫يستطيع الإنسان الَّتمّت َع بسلام الله في الزمن الحاضر؛ هذا ما تشير‬
‫إليه صلاة بولس‪َ « :‬و َر ُّب ال َّسلَا ِم َن ْف ُسُه ُي ْع ِطي ُكُم ال َّسلَا َم َداِئ ًما»‪ .‬هذا‬
‫السلام دائم‪ ،‬ليس ظرفًيا‪ ،‬أو في الذاكرة نتح ّسر عليه‪ ،‬أو خياًل نأمل أن‬

‫‪8‬‬

‫تأملات وعظات‬

‫يتحّقق يو ًما ما‪ .‬إلى كنيسة فيلبي يكتب الرسول بولس‪َ « :‬و َسلَا ُم اللِه‬
‫اَّل ِذي َيُفو ُق ُك َّل َع ْقل‪َ ،‬ي ْح َف ُظ ُقُلوَب ُك ْم َوَأ ْف َكا َر ُك ْم ِفي ا ْل َم ِسي ِح َي ُسو َع»‪.‬‬

‫هناك عنصر آخر لهذه الصلاة؛ يسوع هو‪:‬‬

‫راب ًعا‪ُ ،‬شمو ُل سلا ِمنا‪:‬‬
‫هل تَرونها؟ إّنها واضحة كعين الشمس في صلاة بولس ‪ -‬ثلاث‬
‫كلمات‪« :‬من ك ِّل وجه»‪ .‬لا تدعها تفوُتك؛ لأننا‪ ،‬عندما نجعل هذه‬
‫الكلمات الثلاث جزًءا من صلاتنا الشخصّية‪ُ ،‬نبدي إيماًنا عظي ًما‬
‫وُنض ًجا روحًّيا‪ .‬في الجوهر‪ ،‬نثق بحكمة الله فيما يتعّلق بطريقة‬
‫استجابته لصلاتنا‪ ،‬أجاءت الاستجابة في سياق فر ٍح أو حزن‪ ،‬ص ّحة أو‬
‫اعتلال‪ِ ،‬غنى أو فقر‪ .‬مسألُة سلا ِمنا هي في ِعهدة الله كّلي الحكمة‪،‬‬
‫الذي نثق به كام َل الثقة‪ .‬نعلم أنه يعمل ك َّل الأشياء لخيرنا‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫كأطفال صغار واثقين‪ ،‬نقول‪ :‬لتكن مشيئُت َك من ك ِّل وجه‪ .‬أي (بالدارج)‬

‫«شو ما كان»‪.‬‬
‫أما آخر كلمات هذه الصلاة فهي المحور الذي تدور حوله باقي‬
‫الكلمات؛ إنها كلمات السّر التي تستجمع قّو َة هذه الصلاة‪ .‬في الجوهر‪،‬‬

‫تخبرنا هذه الكلمات الأخيرة أ ّن يسوع هو‪:‬‬

‫خام ًسا‪ ،‬ضمانُة سلا ِمنا‪:‬‬
‫«الَّر ُّب َم َع َج ِمي ِع ُك ْم»‪ .‬إن لم يك ِن الر ُّب معنا‪ ،‬فحقيقة أنه رئي ُس‬
‫ومان ُح وحاف ُظ و ُشمو ُل سلامنا لا يكفي‪ .‬الحقيقة هي أنه‪ ،‬عندما يكون‬
‫الر ُّب معنا‪ ،‬تكون ك ُّل بركات حضوره من نصيِبنا‪« .‬إن كان الله معنا‪،‬‬
‫فمن علينا؟»‪ .‬يا لها من حقيقة رائعة أ ّن الر َّب يسوع معنا! ومع ذلك‪،‬‬

‫‪9‬‬

‫كثيرون من المسيحيين لا يس َعْون للاستفادة منها‪ .‬بسبب الاهتمامات‬
‫الدنيوّية يفقدون الشعو َر بحضور الله‪ .‬تذكرون أن هذا حدث لاثَنْين‬
‫من تلاميذ الرب بعد ال َّصلب‪ ،‬وهم في الطريق إلى قرية عمواس‪ .‬كان‬
‫الر ُّب معهم‪ ،‬يسير ويتحّدث معهم‪ ،‬لكنهم افتقروا إلى سلام القلب لأن‬
‫أفكارهم كانت ُمشَّتَتة في أحداث الأيام الثلاثة الماضية‪ .‬لكن‪ ،‬عندما‬
‫ُأعيد توجيُه أفكا ِرهما‪ ،‬عَرفوا الر َّب واختبروا السلام من جديد‪ .‬قال‬
‫النبي إشعياء‪ُ« :‬ذو الَّرْأ ِي ا ْلُم َم َّك ِن َت ْح َف ُظُه َساِل ًما‪ ،‬لَأَّنُه َعَلْي َك ُمَتَو ِّكٌل»‬

‫(‪.)3 :26‬‬
‫ليس مطلوًبا مَّنا أن نصّلي كما يريدنا العالم أن نصّلي‪ .‬وليس‬
‫مطلوًبا مَّنا أن يكون فينا فكُر العالم‪ .‬أحد أصدقائي «المؤمنين» كان‬
‫يطلب مّني كل بضعة أسابيع أن أصّلي شيًئا محّد ًدا من أجله؛ كان‬
‫يقول‪« :‬أديب‪ ،‬صّليلي حتى الله يخّلي البنت الفلانّية تحّبني»‪ .‬وكل‬
‫بضعة أسابيع كانت هناك بنًتا جديدة‪ .‬كنت ُأجيبه كل مّرة‪« :‬شوف‪،‬‬
‫يا ‪...‬؛ سأصّلي لأن تكون مشيئة الله في علاقتك مع هذه البنت»‪.‬‬
‫كان يج ّن جنوُنه‪ ،‬ويصرخ‪« :‬هّلق بّدك تصّليلي متل ما إنت بّدك‪َ ،‬ولَّا‬

‫متل ما أنا بّدي؟؟»‪.‬‬
‫المطلوب أن نصّلي كما يري ُدنا الفادي أن نصّلي‪ ،‬لا كما يريدنا‬
‫العالم‪ ،‬ولا حتى كما يري ُدنا أصدقاؤنا‪ .‬ما أقوى كلمات الصلاة الربانية‪،‬‬
‫«لتكن مشيئُتك»! خصو ًصا إذا أضفنا إليها صلاة بولس من أجل‬
‫السلام « َو َر ُّب ال َّسلَا ِم َن ْف ُسُه ُي ْع ِطي ُكُم ال َّسلَا َم َداِئ ًما ِم ْن ُك ِّل َو ْجٍه‪ .‬الَّر ُّب‬

‫َم َع َج ِمي ِع ُك ْم» ‪ -‬آمين‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫تأملات وعظات‬

‫صلاة ال ُمصالحة‬
‫والسلام‬

‫القس جورج جبرا القبطي*‬

‫«لَأَّنُه َحْيُث َما ا ْجَت َم َع اْثَنا ِن َأ ْو َثلَاَثٌة ِبا ْس ِمي َف ُهَنا َك َأ ُكو ُن ِفي َو ْس ِط ِه ْم»‬
‫(مّتى ‪)20 :18‬‬

‫عاد ًة ما نقتبس هذه الآية دلالًة على أ ّن الصلاة المسيحّية لا‬
‫تحتاج إلى أكثر ِمن هذا العدد ِلتكو َن صلاة جماعّية‪ ،‬وأ ّن المسيحيين‬
‫مدعّوون ِليجدوا لهم شركاء في الصلاة‪ ،‬بالإضافة لحضور الكنيسة‬
‫أسبوعًّيا‪ .‬أذ ُكر عندما كن ُت في بداية خدمتي الرعوّية أّني سأل ُت أحد‬
‫الزملاء الُمتقّدمين في الخدمة‪« :‬هل يص ّح أن أحت ِف َل بالشركة الُم َقّدسة‬
‫(العشاء الرّباني) مع مريض‪ /‬مريضة وح َدنا؟»‪ .‬فكان جواُبُه اقتبا ًسا‬
‫للآية أعلاه‪ .‬اقتبا ٌس للدلالة على «الاجتماع للصلاة» حيث يسمع الله‬
‫صلاَتنا باسم المسيح الذي يكون في وسط الُمصّلين‪ ،‬يرجع إلى بدايات‬

‫المسيحّية على الأغَل ْب‪.‬‬
‫في صلاة القّديس يوحّنا الذهبّي الفّم‪ ،‬التي تَّم تضميُنها في كتاب‬
‫الصلاة العا ّمة الذي ُي ْسَت ْخ َدم في الكنيسة الأسُقفّية من ُذ عام ‪ 1662‬م‪،‬‬
‫كإشارة ِمن إحدى الكنائس الغربّية لأهمّية التراث المسيحي الشرقي‬
‫وعربوًنا ِللانفتاح على تراث الآ َخِرين‪ُ .‬ي َصّلي الذهبّي الفّم‪:‬‬
‫«اللهّم القدير الذي وهْب َت َلنا نعّمًة في هذا الوقت ِلُنّقِّد َم َل َك‬
‫باّتحا ٍد‪ ،‬أدعَيَتنا العا ّمة‪ .‬ووع ْد َت بأّنه إذا اجت َم َع اثنان أو ثلاثة باس ِم َك‪،‬‬
‫تستجيب ِطْلباَت ُهم‪ ...‬حّقق الل ُهَّم رغائب عبا ِد َك ‪ ...‬إلخ‪( .‬كتاب الصلاة‬
‫الاوسط‪،‬‬
‫والشرق‬ ‫القدس‬ ‫القدس للكنيسة الاسقفية في‬ ‫ر*اعقيسيكنسيسخةا ادلمقفديي مس بطورالنّيسة‬
‫الأسقفّية في الأشرفّية‪ -‬عّمان‬
‫‪11‬‬

‫العا ّمة صفحة ‪ .)25‬وقد أفا َد الُمف ِّسر في كتاب «التفسير العربي‬
‫الُمعا ِصر للكتاب المقّدس» الصا ِدر حديًثا عن ُنخبة ِمن اللاهوتيين‬
‫الكتابيين في الوطن العربي وعن دار الثقافة العام الماضي ‪ 2018‬ما‬

‫يلي في تفسير هذه الآية‪:‬‬
‫«ينهي هذان العددان (متى ‪ )20 - 19 :18‬القسم الأّول ِمن ال ِعظة‬
‫الرابعة في إنجيل مّتى‪ .‬الإشارة إلى الاّتفاق بين الإخوة حول ما ي ْسألوَنه‬
‫ِمن الله‪ ،‬تعني ح ًقا الصلاة‪ ...‬وهذا التوا ُجد مع الكنيسة‪ ،‬ومع أعضائها‬
‫فْر ًدا فْر ًدا‪ُ ،‬يعطي الُمؤ ِمنين د ْف ًعا‪ ،‬وُيف ِهم القّراء حجم ما َو َع َد ُهم به‬
‫يسوع‪ .‬هذا كُّلُه نتيجة الاجتماع والصلاة الُمَو َّج َهْين با ْسِم يسوع‪ .‬وهذه‬

‫هي مكانة الصلاة الجماعّية في الكنيسة» (صفحة ‪.)1722‬‬
‫لكن الُمتف ّحص للن ّص الإنجيلي في (مّتى ‪ ،)20 - 15 :18‬يجد أ ّن‬
‫الن ّص لا يتكّلم عن موضوع الصلاة‪ .‬طْب ًعا لي َس خطأ أو خطّية أن‬
‫نقتب َس هذا الن َص للتأكيد على أهمّية الصلاة الجماعّية والحضور إلى‬
‫الكنيسة وإيجاد شركاء في الصلاة‪ ،‬لكن هل ف ْعًل هذا هو الُمراد ِمن‬

‫هذا الن ّص‪.‬‬
‫الن ّص في (متى ‪ )20 - 15 :18‬يتكّلم ع ْن الُمصاَلحة والغ ْفران بين‬

‫‪12‬‬

‫تأملات وعظات‬

‫الإخوة‪ .‬بل إ ّن هذا الإصحاح كله يتكّلم عن مْبدأ الُمصاَلحة والابتعاد‬
‫عن العثرات والاهتمام بالخروف الضا ّل‪ ،‬ويأتي قبل سؤال بطرس «كم‬
‫مّرة يخطئ إلّي أخي‪ ،‬وأنا أغ ِفر له؟ هل إلى سبع مّرات؟» لأ ّن الهدف‬
‫ِمن الغفران والُمصاَلحة هو أن «تك َس ْب أخاك» و»أن لا تعُثُره» حّتى‬
‫وإن غفْر َت له سبعين مّرة سبُع مّرات‪ ،‬فالغفران والسلام بين الإخوة‬

‫هو ق ّصٌد إلهي وم ْطَل ٌب مسيح ّي عا ِدل‪.‬‬
‫وكما هي العادة‪ ،‬فإ ّن الر ّب يسوع ُيفا ِجئنا بتعاليم الملكوت الإلهي‬
‫الذي يق ِفز فوق العادات الاجتماعّية والأعراف الُمَّتَب َعة في الُمجتمعات‪،‬‬

‫خاصة حيث ُوِل َد الإنجيل‪ .‬أي في هذا الشرق‪.‬‬
‫«إن أخطأ إليك أخوك‪ ،‬فا ْذ َه ْب وعاِتْبُه بيَن َك وبْيَنه و ْح َد ُكما‪ .‬إن‬
‫سم َع ِمْن َك فقد َرِب ْح َت أخاك‪ ...‬وإ ْن لم يسمع ُخ ْذ م َعك‪ ...‬إلخ‪ ».‬في‬
‫ال ُعْرف البشري‪ ،‬الُمعَتدى عليه يتو ّقع ِمن الُم ْعَتدي أ ْن يأتي إليه تائًبا‬
‫طلًبا للُمصاَلحة‪ .‬وفي الّنظام العشائري ال َقَبلي‪ ،‬لا تتّم الُمصاَلحة إلّا‬
‫ِمن خلال جا ِهة‪ /‬وجهاء الِمْنطقة يأتون مع الُم ْعتدي‪ /‬الُمخطئ‪،‬‬

‫ِلُيصاِلحوا الُم ْعَتدى علْيه‪ /‬الذي وق َع بحّقِه الخطأ‪.‬‬
‫في تعليم الملكوت‪ ،‬إن كان هُّم َك وهد ُف َك أن «ترَبح أخاك»‪ ،‬ليس‬
‫ُم ِه ًما إن جاء هو طاِلًبا السلام والص ْفح‪ ،‬ب ْل إن ُكْن َت أوعى ِمنه رو ِحًّيا‬
‫وإيماِنًّيا‪َ ،‬فبا ِدر أن َت إلى الُمصاَل َحة ع ْن طريق ال َعَتب‪ ،‬أو الواسطة ِمن‬
‫أشخا ٍص أ ِعّزاء أو الكنيسة‪ .‬الن ّص ي ُحُّثنا أّل نخسر أخانا بسبب خطأ‪،‬‬
‫ب ْل وي ُحُّثنا أن نربح أخانا بك ّل الوسائل‪ .‬وهذا هو لاهوت التج ُّسد‪ ،‬لقد‬
‫با َد َر الله ِلُمصاَلحِتنا نحن البشر الذين أ ْخ َطأنا ِبحّقِه وابتع ْدنا عنُه‬
‫وَلم ُن ْد ِرك أّننا نحتاج إلى الغفران والُمصاَل َحة‪ .‬لقد با َد َر الله بالمسيح‬

‫يسوع‪ ،‬الله الُمَت َج ّسد‪ِ ،‬لُيصاِل َحنا ِلنف ِسِه‪ِ ،‬ليْرَب َحنا إلى الحياة الأب ِدّية‪.‬‬
‫« َوِإ ْن َل ْم َي ْس َم ْع ِم َن ا ْل َكِني َسِة َفْلَي ُك ْن ِعْن َد َك َكا ْلَوَثِن ِّي َوا ْل َع َّشا ِر» (مّتى‬

‫‪13‬‬

‫‪ .)17 :18‬هذه ليس ْت دعوة للتخّلي عن المصاَلحة والغفران‪ ،‬إّنها‬
‫برأيي تد ّخل ضمن إطار ما فعَله يسوع مع الع ّشارين وال ُخطاة‪ ،‬أولئك‬
‫الذين أ ْسَلموا أْنُف َس ُهم للطمع (عبادة الأوثان) وارتهنوا أنف َسهم للسرقة‬
‫والعمالة للُم ْحَت ّل‪ ،‬أولئك يحتاجون إلى محّبة ُمضا َع َفة و ُمحاولات‬
‫ُمَت َكّر َرة (سبعون مّرة سبع مّرات) ِلبناء السلام مع ُهم‪ .‬لا نْنسى أ ّن‬
‫إحدى تعاليم الملكوت على فم الر ّب يسوع هي‪« :‬أ ِحّبوا أعداء ُكم»‪،‬‬
‫فكم بالأحرى أخاك الذي ارَت َك َب ِبحّق َك ذْنًبا بق ْصد أو عن غير قصد!‬
‫بقّية الن ّص من مّتى ‪ 20 - 18 :18‬يبقى ن ًّصا مخًتَل ًفا عليه بالنسبة‬
‫ِلمفهوم السلطان الم ْمنوح للتلاميذ‪ /‬الكنيسة‪ .‬ولا أرى دا ٍع للدخول‬
‫فيه‪ .‬لكن ما أراه في هذا الن ّص أ ّن الكنيسة التي تتد ّخل للمصاَلحة‬
‫وبناء السلام بين أ َّخْين ُمتحارَبْين و ُمتخا ِص َمْين‪ ،‬إن استطاع ْت‬
‫الوساطة بينهما وإكمال المصالحة والسلام‪ ،‬فهذا الذي تَّم هو بمباركة‬
‫وخْتم إلهَّيْين‪ ،‬وهو مربوط بالسماء لأّنه صار عليه اتفاق على أساس‬

‫«تربح أخاك»‪.‬‬

‫ِلهذا‪ ،‬حيُثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسم يسوع ِمن أجل إعادة ِبناء‬
‫السلام والُمصاَلحة بين ُمتخا ِص َمْين‪ ،‬يسوع يكون هناك مبا ِر ًكا هذا‬
‫الاتفاق الذي ينتهي عاد ًة بالصلاة والدعاء إلى الله العِل ّي القدير‬
‫لي ْمن َح الُمتصاِل َحْين رو َحه القّدوس‪ ،‬فيكون غفرانهما ِلبع ِض ِهما الب ْعض‬
‫غفراًنا را ِس ًخا في المسيح يسوع‪ ،‬الذي هو ملك الملوك القدير الذي‬
‫بصليبه وقيا َمِتِه غفر لنا ك َّل ال َدْين الُمْلقى على عوا ِهِلنا‪ُ ،‬محِّر ًرا إّيانا‬
‫ِمن العداوة والخصام‪ ،‬ها ِد ًما حائط السياج المتو ّسط‪ ،‬حائط الأنانّية‬

‫وروح الانتقام‪.‬‬

‫حيُثما اجتم َع اثنان أو ثلاثة باسمي ِمن أج ِل الُمصاَل َحة والسلام‬
‫والصلاة والمحّبة والغفران‪ ،‬في سبيل أن «ترَب َح أ ًخا ضاًّل أو ُمسيًئا‪.‬‬

‫هناك‪ ،‬يقول يسوع «أكو ُن في و ْس ِط ِهم»‪ .‬آمين‬

‫‪14‬‬

‫تأملات وعظات‬

‫هل الصلاة صراع‬
‫إرادات مع الله؟‬

‫ح ّسان ديرعطاني*‬

‫هل صلواتنا تصنع فار ًقا؟ هل تغِّير إرادة الله! وبالتالي هل علينا‬
‫أن ُنصلي؟ وإذا أردنا الصلاة على نّية أمر ما‪ ،‬فكم علينا إمهال‬
‫الله من الوقت حتى يتد َّخل؟ هل نصلي ُقَبْيل أمر ما على وشك‬
‫الحدوث أ ْم بعد حدوثه؟ هذه الأسئلة وغيرها قد تستوقفنا‪ ،‬أو ربما‬
‫نتعرض لبعضها في عالم اليوم الذي يبتعد شيًئا فشيًئا عن الَّتدُّين‪.‬‬
‫موضوع جدوى الصلاة وتأثيرها لطالما نو ِقش في الأوساط اللاهوتية‬

‫من جهة العقيدة‪ :‬الصلاة من حيث علاقتها بسلطان الله وإرادته‬

‫فيكل ّهيذاالاملعمرقافلة‬ ‫كون الله‬ ‫الإلهية الأزلية (خاصة في غمار الحديث عن‬
‫العقائدية‬ ‫والسلطان والوجود)‪ .‬ولس ُت بصدد المناقشة‬

‫المخت َصر‪.‬‬
‫حول المفهوم العام للصلاة والعبادة‪ ،‬نقول إ ّن ممارسة الصلاة لم‬
‫تبدأ كما نعرفها اليوم كمسيحّيين‪ .‬فالصلاة والتعُّبد‪ ،‬على مختلف‬
‫أشكالهما‪ ،‬كانتا منذ بدايات التاريخ البشري أحد وسائل التقُّرب من‬
‫قوى وعناصر الطبيعة التي تعَّبد لها الإنسان‪ ،‬والتي تَّمت شخصنتها‬
‫لاح ًقا لتصبح آلهة ُمتعِّددة‪ ،‬سواء لكسب وِّدها وَنْيل بعض المكاسب‬
‫كالخصوبة والحماية‪ ،‬أو لتجُّنب غضبها وبالتالي درء عقابها‪ .‬لكن‪،‬‬
‫ومع توالي إعلانات الله وتطُّور تعاملاته مع الإنسان عبر تاريخ‬
‫الخلاص‪ ،‬تبلور مفهوم الصلاة وتعَّمق ليتو َّجه نحو الله الح ّي‪ ،‬الواحد‪،‬‬

‫* طالب في كلّية اللاهوت للشرق الأدنى ‪ -‬سنة أخيرة ‪15‬‬

‫الخالق‪ ،‬الذي يحفظ خليقته ويحِّرر شعبه ويدخل معهم في عهود‬
‫شخصية بلغت ذروتها في تجسد كلمة الله الح ّي‪ ،‬في شخص الرب‬
‫يسوع المسيح‪ .‬لتنتقل بذلك علاقتنا بالله‪ ،‬ومعها صلاتنا‪ ،‬إلى مستوى‬
‫أعمق‪ ،‬فصرنا نصلي بالروح كأبناء لله الذي أظهر من خلال الصليب‬

‫ملء لنا نحن البشر الخطاة‪.‬‬
‫من الجدير بالذكر أننا نلاحظ في بعض الأوساط المسيحية‬
‫المعاصرة انتشار فكر لاهوتي ُيعرف بإنجيل الرخاء ‪The Prosperity‬‬
‫‪ ،gospel‬الذي يختصر بكثير من أشكاله معنى الصلاة لمجرد وسيلة‬
‫يلجأ المؤمن إليها لنيل بعض البركات المادية من الله‪ .‬هذا تطبيق‬
‫ُمجتزأ للصلاة‪ ،‬لا نجده ُمنسج ًما مع تعاليم أو حياة أو صلوات المسيح‬
‫يسوع‪ ،‬الذي عّلمنا أن نصلي باستمرار كما دأب هو أي ًضا على ذلك‪،‬‬

‫بحسب ما نقرأ في العهد الجديد‪.‬‬
‫كان يسوع يمضي كثيًرا من الأوقات في الصلاة (متى ‪،23: 14‬‬

‫‪16‬‬

‫تأملات وعظات‬

‫مرقس ‪ ،35 :1‬لوقا ‪ ،16 :5‬يوحنا ‪ .)26-1 :17‬كما أنه عّلمنا الصلاة‬
‫الربانية التي تعتبر صياغة تل ِّخص نوعية الحياة المسيحية‪ :‬بماذا‬
‫نؤمن وكيف نعيش رجاءنا‪ .‬لقد عّلمنا ضرورة الاستمرار والمثابرة في‬
‫الصلاة من خلال مثل الأرملة وقاضي ال ُّظلم (لوقا ‪ ،)8-1 :18‬كما‬
‫يف ّسر لنا البشير لوقا في بداية سرده هذا المثل‪ .‬وليس مثل الفريسي‬
‫وجابي الضرائب (لوقا ‪ )14 - 9 :18‬سوى نموذج عن روحانية الصلاة‬
‫الحقيقية‪ ،‬وكيفية ُمقاربتها بإيمان عميق‪ .‬كيف لا ويسوع نفسه أمضى‬
‫اللحظات الأخيرة قبل إلقاء القبض عليه وهو ُيصّلي بحرارة ولجاجة‬

‫بحسب (لوقا ‪ )46 - 39 :22‬كما في باقي الأناجيل‪.‬‬
‫عند قراءة تفاصيل صلاة يسوع الأخيرة هذه‪ ،‬يلجأ بع ٌض لُمحاولة‬
‫فهم موقف يسوع وتبرير ما ظهر في الَّنص من تماُيز بين الخطة‬
‫الإلهية‪ ،‬في أنه على ابن الانسان أن ُير َفض ويتأَّلم وُيقَتل وفي اليوم‬
‫الثالث يقوم (لوقا ‪ ،)7: 24 ،22 :9‬وبين الإرادة الإنسانية ليسوع في‬
‫طلبه إبعاد تلك الكأس‪ ،‬إلى التذكير بضعف الطبيعة البشرية التي‬
‫ترهب أمام هول الصليب والموت‪ .‬هذا التماُيز أظهره البشير لوقا‬
‫للمرة الأولى والأخيرة‪ ،‬للتأكيد على أنه على الكنيسة دو ًما ان تتمَّثل‬
‫بالمسيح يسوع في طلب مشيئة الله والعمل على تحقيقها‪ .‬فهو القادر‬
‫على بعث حياة وقيامة من الموت‪ ،‬فخطة الله للخلاص مستمّرة‬
‫دون تو ّقف‪ .‬تماُيز قد يعطينا الفرصة للنظر إلى ذواتنا البشرية وكيفية‬

‫مقاربتنا لموضوع الصلاة‪.‬‬
‫كثيًرا ما نتقدم بالصلاة إلى الله بطلباتنا واحتياجاتنا أوًل‪ .‬بل كثيًرا‬
‫ما نتذ َّكر أن نصلي فقط عندما نتعَّرض لمشكلة او حاجة معينة‪.‬‬
‫عندها فقط نعود إلى الله بالصلاة‪ .‬أنا مؤمن أن الله يستمع لصلواتنا‬
‫ويسّدد احتياجاتنا بطرق قد لا ندركها دائ ًما‪ .‬ليست المشكلة في ان‬
‫تتمايز ارادتنا مع الله في بعض الأحيان‪ ،‬فنحن نعي أننا بشر وأننا‬

‫‪17‬‬

‫نخطئ‪ .‬وليست المشكلة أي ًضا في أن نضع احتياجاتنا المادية أمام‬
‫أبانا السماوي‪ .‬لكن المشكلة الحقيقية هي أن نصلي بطريقة (حديث‬

‫الطرشان)!‬

‫إن مجموعة الأسئلة التي طرحتها في بداية هذا المقال عن‬
‫الصلاة تعكس بالحقيقة مفهو ًما ناق ًصا عنها‪ ،‬فيعكس إدرا ًكا منقو ًصا‬
‫عن معنى وعمق الصلاة‪ .‬فالصلاة ليست مساحة لرمي الطلبات‬

‫والحاجات أمام الله ومن ثم نغادر‪ .‬علينا أّل نأتي إلى الله «بأجندتنا»‬
‫المسبقة‪ .‬بمعنى آخر الصلاة ليست خطاًبا فردًّيا نتلوه أمام الله ثم‬
‫نعود إلى حياتنا اليومية منتظرين تد ُّخل الله كما نريد‪ .‬فتبدو الصلاة‬
‫وكأنها مسافة تفصلنا عن الله بدل أن تكون فرصة نتقرب بها منه‪.‬‬

‫للنلمتّوكنالما‪،‬لأروو أح ّحي‪،‬ياًناالكصملااةقالهيت‬ ‫هي حوار وفرصة‬ ‫صلاتنا كمسيحيين‬
‫الله‪ :‬للاستماع كما‬ ‫فرصة لدخول محضر‬

‫الأم تيريزا‪« :‬فرصة للخشوع بصمت»‪ .‬إننا بحاجة اليوم أن نتعلم‬

‫الاستماع لله بالروح القدس‪ ،‬أن نضع ذواتنا بين يديه حتى يلمس‬

‫أعماق قلوبنا ويملأ فراغ ذواتنا بسلامه وبحضوره الذي يغني أرادتنا‬

‫البشرية ويقوينا كما تقّوى يسوع بالملاك عند صلاته الاخيرة‪ .‬قد لا‬
‫ننال بالصلاة جميع الطلبات التي نريد بالشكل الذي نراه مناسًبا‬
‫وفي التوقيت الذي نرغب‪ .‬لكّننا بالصلاة ننال التعزية والسلام‪ ،‬ونحن‬
‫ماضون في مواجهة تحديات الحياة‪ .‬الصلاة ليست ساحة صراع‬

‫إرادات مع الله‪ ،‬وإنما هي ساحة انسجام وتوا ُفق يغني نفوسنا ويبلور‬
‫إراداتنا البشرية المحدودة‪ .‬آمــين‬

‫‪18‬‬

‫‪ 2‬دراسات ومقالات‬

‫الصلاة واكتشاف الملكوت‬
‫القّوة في الخوف‬

‫جئت لألقي سي ًفا‬

‫الصلاة‬
‫واكتشاف الملكوت‪1‬‬

‫القس ربيع طالب*‬

‫النص الكتابي‪ :‬لوقا ‪8-1 :18‬‬

‫مثل الأرملة وقاضي ال ُّظلم ِمن الأمثال المعروفة عند الناس‪ ،‬لذا‪،‬‬

‫فعاد ًة ما يكون لدينا جميعنا تفسيًرا ما لهذا المثل‪ .‬لكني أدعوكم في‬
‫هذا الدرس لترك تفسيراتكم السابقة جانًبا‪ ،‬حتى نحاول م ًعا فهم‬

‫الن ّص بطريقة أعمق‪.‬‬
‫إ ّن التفسير التقليدي للن ّص يقول إ ّن الأرملة ترمز لك ّل مؤمن‪ ،‬الذي‬
‫عليه أن ُيصّلي بلجاجة وإلحاح لله‪ ،‬دون أ ّي ملل‪ ،‬حّتى ُيصغي الله‬
‫لطلبه وُينصفه‪ .‬فإن كان القاضي ال ّظالم ُينصف أحياًنا من يقصده‪،‬‬
‫بفضل الإلحاح‪ ،‬فكم بالأحرى الله الذي خلقنا‪ .‬لذلك‪ ،‬علينا أن ُنصّلي‬
‫للرب دون كلل أو ملل‪ ،‬فلو أن تلك الأرملة مَّلت واستسلمت‪ ،‬لما‬

‫أنصفها القاضي‪ .‬ولمحاولة فهم المثل بطريقة أعمق‪ ،‬دعونا ننتبه‬

‫لبعض النقاط الها ّمة‪:‬‬
‫أّوًل‪ ،‬وبالمبدأ‪ ،‬ك ّل أمثال المسيح تأتي في إطار إيصال رسالة للجموع‪.‬‬
‫صحيح أ ّن ال ّسياق الذي يوضع فيه النص في الأناجيل قد يغّير الرسالة‬
‫الأساسّية التي قصدها المسيح عندما قال المثل للناس‪ ،‬لكن في‬
‫حالة مثل "الأرملة وقاضي ال ُظلم" فالتشديد على أهمّية السياق أمٌر‬

‫* رئيس تحرير «النشرة»‪ ،‬راعي بيت الُمسّنين هملين‬

‫الإنجيلي‬ ‫املؤإتنمجريالليسلّيلدامؤتتمارالذتي‪-‬نظضمههوارل السينشوويدر‪.‬س‬ ‫في ‪ 9‬آب ‪ ،2019‬في‬ ‫ا‪1‬لودرطنسيكفتيابسوُقرِّيدةم‬
‫ولبنان‪ ،‬في المركز‬

‫‪20‬‬

‫دراسات ومقالات‬

‫ضروري‪ ،‬لأ ّن المثل موجود فقط في إنجيل لوقا‪ ،‬ما يدفعنا لنسأل‬
‫أنفسنا‪ :‬ما هي الرسالة الها ّمة التي أراد الكاتب إيصالها من خلال‬

‫تفّرده بكتابة هذا المثل؟‬
‫يأتي المثل في مكان مهّم جًّدا‪ ،‬وضمن موضوع أسا ٍس للمؤمن‪ ،‬وهو‬
‫"ملكوت الله"‪ .‬في (لوقا ‪ )20 :17‬يبدأ الموضوع بطريقة واضحة‪َ " :‬وَلَّما‬
‫َسَأَلُه ا ْل َفِّري ِسُّيو َن‪َ « :‬مَتى َيْأِتي َمَل ُكو ُت اللِه؟»"‪ .‬يستمّر هذا الموضوع في‬
‫الإصحاح الثامن عشر‪ ،‬الذي يبدأ آياته بقوله‪َ " :‬و َقا َل َل ُه ْم َأْي ًضا"‪ .‬إ ّن‬
‫واو العطف هنا مهّمة‪ ،‬حيث هناك ربط واضح بين الموضو َعْين‪ .‬إن‬
‫موضوع المثل ليس "الصلاة" وحسب‪ ،‬إّنما "الصلاة" و"الملكوت"‪ .‬هذا‬
‫يو ّضح لنا سبب ذكر المسيح في الآية ‪َ" :8‬أ ُقو ُل َل ُك ْم‪ِ :‬إَّنُه ُيْن ِصُف ُه ْم َسِري ًعا!‬

‫َول ِك ْن َمَتى َجاَء اْب ُن الِإْن َسا ِن‪َ ،‬أَل َعَّلُه َي ِج ُد الِإيَما َن َعَلى الَأ ْر ِض؟»"‪.‬‬
‫عندما نقرأ الآيات (‪ )8-1‬دون الانتباه للسياق‪ ،‬قد نتساءل‪ :‬وما‬
‫دخل مجيء ابن الانسان؟ نحن نتحّدث عن الصلاة والطلبات! بل‬
‫وأكثر من ذلك‪ ،‬عندها سوف نفهم عبارة "َيْنَب ِغي َأ ْن ُي َصَّلى ُك َّل ِحي ٍن‬
‫َولَا ُي َم َّل" الموجودة في الآية الأولى‪ .‬فالملل ليس من الصلاة وحسب‪،‬‬

‫‪21‬‬

‫بل أي ًضا من انتظار الملكوت‪ ،‬ومجيء المسيح الثاني (علينا أّل ننسى‬
‫أ ّن الإنجيل مكتوب لكنيسة اختبرت موت وقيامة وصعود المسيح‪،‬‬

‫وسمعت وعده بالمجيء الثاني والملكوت)‪.‬‬
‫إ ّن ملل المؤمنين في الكنيسة الأولى وش ّكهم في مجيء المسيح الثاني‬
‫أمٌر واضح في العديد من النصوص‪ ،‬أهّمها رسالَتي بولس الرسول إلى‬
‫كنيسة تسالونيكي‪ .‬في الرسالة الأولى يسمع بولس من المؤمنين في‬
‫تسالونيكي استفسارهم عن كيفية مجيء المسيح الثاني‪ ،‬فيقول لهم‪:‬‬
‫" َوَأ َّما الَأ ْز ِمَنُة َوالَأ ْو َقا ُت َفلَا َحا َجَة َل ُك ْم َأُّي َها الِإ ْخَوُة َأ ْن َأ ْكُت َب ِإَلْي ُك ْم‬
‫َعْن َها‪ ،‬لَأَّن ُك ْم َأْنُت ْم َت ْعَلُمو َن ِبالَّت ْح ِقي ِق َأ َّن َيْو َم الَّر ِّب َكِل ٍّص ِفي الَّلْي ِل‬
‫ه َك َذا َي ِجيُء‪1( ".‬تس ‪ .)2-1 :5‬لكن الظاهر أ ّن المؤمنين بسبب طول‬
‫الانتظار أصابهم الملل‪ ،‬وأحياًنا الش ّك‪ ،‬وتزعزع إيمانهم‪ .‬لذلك كتب في‬
‫الرسالة الثانية أمًرا آخر‪ُ" :‬ثَّم َن ْسَأُل ُك ْم َأُّي َها الِإ ْخَوُة ِم ْن ِج َهِة َم ِجيِء َرِّبَنا‬
‫َي ُسو َع ا ْل َم ِسي ِح َوا ْجِت َما ِعَنا ِإَلْيِه‪َ ،‬أ ْن لَا َتَتَز ْعَز ُعوا َسِري ًعا َع ْن ِذ ْهِن ُك ْم‪َ ،‬ولَا‬
‫َتْرَتا ُعوا‪ ،‬لَا ِبُرو ٍح َولَا ِب َكِل َمٍة َولَا ِبِر َساَلٍة َكَأَّن َها ِمَّنا‪َ :‬أ ْي َأ َّن َيْو َم ا ْل َم ِسي ِح‬
‫َق ْد َح َضَر‪ .‬لَا َي ْخ َد َعَّن ُك ْم َأ َحٌد َعَلى َطِري َقٍة َما‪ ،‬لَأَّنُه لَا َيْأِتي ِإ ْن َل ْم َيْأ ِت‬
‫الا ْرِت َداُد َأَّوًل‪َ ،‬وُي ْسَت ْعَل ْن ِإْن َسا ُن ا ْل َخ ِطَّيِة‪ ،‬اْب ُن ا ْل َهلَا ِك" (‪ 2‬تس ‪.)3-1 :2‬‬
‫هذا يبِّين لنا أهمّية هذا الموضوع في للكنيسة الأولى‪ .‬وجواب المسيح‬
‫لّلذين ينتظرون الملكوت‪ ،‬بحسب (لوقا ‪ )8-1 :18‬هو أن يصّلوا‬
‫بلجاجة دون ملل‪ .‬لكن لماذا الصلاة؟ هل ليبّدل الله حكمه بحّقنا‪،‬‬
‫كما بّدل القاضي ال ُحكم بح ّق تلك الأرملة؟ والسؤال الأساس‪ ،‬هل‬

‫صلاتنا ُتغّير إرادة الله وقصده؟‬
‫عندما بدأ ُت دراسة هذا الن ّص‪ ،‬وضعت ك ّل الحيثّيات أمامي‪،‬‬
‫فتفاجأت بأمر رأيته للمّرة الأولى‪ ،‬وأوّد مشاركتكم إّياه في درس الكتاب‪:‬‬

‫وجه ال َّشبه الكبير بين هذه المحاكمة ومحاكمة المسيح‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫دراسات ومقالات‬

‫برأيي‪ ،‬ليس بال ُّصدفة وضع لوقا مثًل عن ُمحاكمة و ُحكم‪،‬‬
‫في الإصحاح نفسه الذي يتحّدث فيه المسيح عن دخوله المدينة‬
‫(أورشليم)‪ ،‬وتسليمه للأمم (ُيستهزأ به وُيشَتم وُيحكم عليه وُيجلد‬

‫وُيقتل‪ ،‬وفي اليوم الثالث يقوم) (لو ‪.)34-31 :18‬‬
‫‪ .1‬يبدأ وجه الشبه في مكان المحاكمة‪ ،‬وهي المدينة وليس الهيكل‪.‬‬
‫فالمسيح الذي سيدخل أورشليم سُيحكم عليه في هذه المدينة بالموت‬
‫صلًبا‪ .‬أ ّما المثل فيبدأه المسيح بالكلمات التالية‪َ " :‬كا َن ِفي َم ِديَنٍة‬

‫َقا ٍض" (ع ‪.)2‬‬
‫‪ .2‬القاضي في الَمَثل لا يخاف الله ولا يهاب إنساًنا‪ .‬في الُمقابل‪،‬‬
‫بيلاطس الحاكم لا يخاف الله (لأّنه أمم ّي)‪ ،‬ولا يهاب إنساًنا (لأّنه‬

‫الحاكم)‪.‬‬
‫‪ . 3‬قاضي الظلم أصدر الحكم بإنصاف الأرملة‪ ،‬ليس على اقتناع‬
‫بالأمر‪ ،‬بل بسبب ضغطها وإصرارها ولجاجتها‪ .‬في المقابل‪ ،‬بيلاطس‬
‫أصدر الحكم بالموت للمسيح صلًبا‪ ،‬ليس لأّنه ُمقتنع بذلك‪ ،‬بل بسبب‬

‫لجاجة الشعب وإصرارهم على الأمر‪.‬‬
‫‪ . 4‬الأرملة أخذت الحكم لصالحها عن طريق الإلحاح واللجاجة‪،‬‬

‫‪23‬‬

‫والشعب أخذ الحكم لصالحه بالطريقة نفسها‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬ما الذي دفع قاضي ال ُّظلم من جهة وبيلاطس من جهة‬
‫أخرى لتغيير الحكم‪ ،‬مع أ ّن السلطة كانت معهما؟ في المثل فكرة لا‬
‫نستطيع اكتشافها إّل إذا د ّققنا في معاني الكلمات اليونانّية‪ ،‬التي ُكتب‬
‫بها الن ّص‪ .‬في الآية الخامسة‪ ،‬يذكر القاضي سبب إنصافه الأرملة‪،‬‬

‫وهو‪ِ" :‬لَئلَّا َتْأِت َي َداِئ ًما َفَت ْق َم َعِني!"‪.‬‬
‫كلمة " َفَت ْق َم َعِني" في اللغة الأصلية تعني حرفًّيا‪ :‬ضربة على العين‪،‬‬
‫سواد تحت العين! فالمسألة ليست فقط ازعاج‪ ،‬بل أكثر من ذلك‪.‬‬
‫ماذا يعني أن تترك الأرملة للقاضي سوا ًدا تحت عينه؟ ما هذه‬
‫الرمزّية؟ الأرملة في الكتاب الُمقّدس‪ ،‬لها رمزّيتها الخا ّصة‪ .‬فهي الامرأة‬

‫التي يجب حمايتها‪ ،‬وهذه أمثلة‪:‬‬
‫ • لَا ُت ِسي ْء ِإَلى َأ ْر َمَلٍة َما َولَا َيِتيٍم‪ِ .‬إ ْن َأ َسْأ َت ِإَلْيِه َفِإِّني ِإ ْن َصَر َخ‬
‫ِإَل َّي َأ ْس َمُع ُصَرا َخُه‪َ ،‬فَي ْح َمى َغ َضِبي َوَأ ْقُتُل ُك ْم ِبال َّسْي ِف‪َ ،‬فَت ِصيُر ِن َساُؤ ُك ْم‬

‫َأ َرا ِم َل‪َ ،‬وَأ ْولَاُد ُك ْم َيَتا َمى‪( .‬خروج ‪)24-22 :22‬‬
‫• أُبْو الَيَتا َم ْى و َقا ِض ْي الأ َرا ِم ْل‪ ،‬الله ِف ْي َم ْس ِك ِن ُق ْد ِسِه‪( .‬مزمور‬

‫‪)5 :68‬‬
‫• الرب يحفظ الغرباء‪ .‬يعضد اليتيم والأرملة‪ ،‬أما طريق الأشرار‬

‫فيعوجه‪( .‬مزمور ‪)9 :146‬‬
‫ • َت َعَّلُموا َف ْع َل ا ْل َخْيِر‪ .‬ا ْطُلُبوا ا ْل َح َّق‪ .‬اْن ِصُفوا ا ْل َم ْظُلو َم‪ .‬ا ْق ُضوا‬

‫ِلْلَيِتيِم‪َ .‬حا ُموا َع ِن الَأ ْر َمَلِة‪( .‬إشعياء ‪)17 :1‬‬
‫فالقاضي ال َّظالم الذي لا يحمي الأرملة يكسر الناموس‪ ،‬ورغم أ ّن‬
‫ال ُّسلطة معه‪ ،‬وهو لا يؤمن بالله‪ ،‬لك ّن رّد الأرملة الوحيدة التي تطَّلب‬
‫الإنصاف‪ ،‬سيجلب له المشاكل مع الشعب‪ ،‬فتكون العلامة السوداء‬

‫تحت عينه كرمز للعار‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫دراسات ومقالات‬

‫بالنسبة لبيلاطس‪ ،‬المسألة ُمتشابهة أي ًضا‪ .‬ما الذي دفع بيلاطس‬
‫لصلب المسيح؟ مع أ ّن ال ُسلطة كانت معه‪ ،‬وهو قال بأّنه لا يراه‬
‫ُمذنًبا‪ ،‬وغسل يديه من دم المسيح البار‪ .‬بيلاطس مثل قاضي ال ُّظلم‪،‬‬
‫لم يشأ أن يحكم إلى زمان‪ ،‬لكن يوجد ما دفعه لذلك وهو ال َّضغط‪،‬‬
‫فضغط الشعب ورؤساء الكهنة على بيلاطس لصلب المسيح كان‬

‫محبو ًكا جًّدا وهو‪:‬‬
‫بالنسبة لقاضي ال ُّظلم كان الضغط هو كسره الناموس‪ .‬أ ّما بالنسبة‬
‫لبيلاطس‪ ،‬فكان الضغط بكسره الناموس (القانون) الروماني‪ ،‬الذي‬
‫كان ُيقّدس "السلام الروماني" ‪ .Pax Romana‬فهذه الإمبراطورّية‬
‫الرومانّية التي حكمت أوروبا‪ ،‬بالإضافة لجزء من آسيا وأفريقيا‪ ،‬لحوالي‬
‫الخمسة قرون (‪ 500‬سنة)‪ ،‬كانت تؤمن بأ ّن السلام الروماني هو الح ّل‬
‫لاستمرار الحكم‪ ،‬الأمر الذي جعلها صارمة في هذه المسألة‪ ،‬فيجب‬
‫أّل تحدث ثورات و ِفَتن وانقلابات‪ ،‬وفي حال حدوث ذلك‪ ،‬ستكون‬

‫العواقب وخيمة‪ ،‬منها تغيير الحاكم‪.‬‬
‫هذا الأمر كان معلو ًما عند اليهود‪ ،‬الذين استفادوا من الموضوع‬
‫للضغط على بيلاطس باتجاه صلب يسوع‪ ،‬من خلال وسيلَتْين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫الاحتجاجات الشعبّية‪ ،‬فجّيش الكهنة الشعب ضّد يسوع‪ ،‬وأل ّحوا‬
‫على قرارهم‪ .‬الُّتهمة السياسّية‪ ،‬إ ْذ اّتهموا يسوع بأّنه يقول عن نفسه‬
‫إّنه "ملك اليهود"‪ ،‬وكأّنهم يقولون إّنه ُيح ّضر لعملّية انقلاب على‬

‫الإمبراطورّية الرومانّية‪.‬‬
‫هذا الضغط كان كالضربة على عين بيلاطس‪ ،‬فكان ال َّسواد‬
‫المشابه للسواد الذي تحت عين قاضي ال ُّظلم‪ .‬فلا أحد منهما يريد‬

‫أن يحمل العار‪ ،‬ويتحّمل المسؤولّية‪ .‬فتغّير القرار‪.‬‬
‫هذا ُيف ّسر لنا بطريقة واضحة‪ ،‬كيف ُتّتخذ القرارات في الأنظمة‬

‫‪25‬‬

‫البشرّية‪ ،‬في كثير من الأحيان‪" :‬بالضغط"‪ ،‬سواًء كانت جّيدة كالتي‬
‫ح ّصلتها الأرملة لنفسها‪ ،‬أ ْم ظالمة كالتي ح ّصلها الشعب ضّد المسيح‪.‬‬
‫فالإلحاح واللجاجة والطلب الُمتكّرر دون فقدان الأمل ُيعطي ثماره‬
‫في عالمنا‪ ،‬عبر تغيير القرارات لصالح أصحابها‪ .‬لكن‪ ،‬هل اللجاجة‬
‫والإلحاح والصلاة الُمتكّررة دون فقدان الأمل‪ُ ،‬تغّير فكر الله‪ ،‬وتجعله‬

‫يحكم لصالحنا؟ هل هذا ما يقوله المسيح؟‬
‫في الآية السابعة الجواب‪َ" :‬أ َفلَا ُيْن ِص ُف اللُه ُم ْخَتا ِريِه‪ ،‬ال َّصا ِر ِخي َن‬
‫ِإَلْيِه َن َها ًرا َوَلْيًل‪َ ،‬و ُهَو ُمَت َم ِّهٌل َعَلْي ِه ْم؟"‪ .‬الشعب ُيصّلي لله الذي سبق‬
‫واختارهم‪ ،‬وهو أصًل ُمتم ّهل عليهم! هنا ك ّل الفرق يا أحّبة! صلاتنا‬
‫بلجاجة كالأرملة ليس لتغيير الله وخططه لحياتنا‪ ،‬فالقرار أصًل‬
‫ُمّتخذ بالنعمة لصالحنا! لكّننا ُنصّلي لنتغّير نحن وليس الله! فالصلاة‬
‫هي ُصراخ من القلب‪ ،‬نها ًرا وليًل؛ هي مشاعر تفيض وتتد ّفق لتبقي‬
‫إيماننا ملتهًبا غير بارد‪ .‬إّنها الصلاة التي سُتبقي على إيماننا حّتى‬
‫مجيء المسيح الثاني‪َ " :‬ول ِك ْن َمَتى َجاَء اْب ُن الِإْن َسا ِن‪َ ،‬أَل َعَّلُه َي ِج ُد الِإيَما َن‬

‫َعَلى الَأ ْر ِض؟" (لوقا ‪.)8 :18‬‬
‫ُنصّلي من القلب‪ ،‬من داخلنا يخرج الصراخ‪ ،‬فنسترجع الاختبارات‬
‫التي ُتذ ّكرنا بأّنه معنا‪ ،‬بأّنه رحمنا‪ ،‬بأّنه أخرجنا من مصر‪ ،‬بأّنه أعادنا‬
‫من السبي‪ ،‬بأّنه تج ّسد من أجلنا‪ ،‬بأّنه ُصلب ومات عّنا‪ ،‬وبأّنه قام‬
‫من بين الأموات ليعطينا نحن الرجاء‪ُ .‬نصّلي لنتغّير‪ ،‬فنكتشف بأ ّن‬
‫الملكوت الذي ننتظره‪ ،‬والذي نكاد نم ّل من انتظاره‪ ،‬موجود في مكان‬
‫قريب جًّدا من كل شخص مّنا‪ ،‬فمن جواب المسيح للفّريسّيين في (لوقا‬
‫‪ ،)21-20 :17‬نأخذ الجواب‪َ " :‬وَلَّما َسَأَلُه ا ْل َفِّري ِسُّيو َن‪َ « :‬مَتى َيْأِتي َمَل ُكو ُت‬
‫اللِه؟» َأ َجاَب ُه ْم َو َقا َل‪« :‬لَا َيْأِتي َمَل ُكو ُت اللِه ِبُمَرا َقَبٍة‪َ ،‬ولَا َيُقوُلو َن‪ُ :‬هَو َذا‬

‫ه ُهَنا‪َ ،‬أ ْو‪ُ :‬هَو َذا ُهَنا َك! لَأ ْن َها َمَل ُكو ُت اللِه َدا ِخَل ُك ْم»"‪ .‬آمــين‬

‫‪26‬‬

‫دراسات ومقالات‬

‫الق ّوة في الخوف‪1‬‬

‫القس د‪ .‬عيسى دياب‬

‫الن ّص الكتابي‪ :‬متى ‪10 - 1 :28‬‬

‫أوًل‪ :‬دراسة النص‬
‫َوَب ْع َد ال َّسْب ِت‪ِ ،‬عْن َد َف ْجِر َأَّو ِل الُأ ْسُبو ِع‪ :‬بعد انقضاء السبت‪ ،‬أي‬
‫بعد الساعة الثانية عشر بحسب التوقيت اليهودي آنذاك (الساعة‬

‫‪ 6‬مساء بتوقيت اليوم)‪ .‬عند انبلاج فجر الأحد‪ ،‬تو َّجهت المريمتان‬
‫صوب القبر‪ ،‬ومعهما ما يلزم لأداء المهمة التي كانتا تريدان إتمامها‪.‬‬

‫كان السبت يوم تو ُّقف تام عن كل الأعمال‪ ،‬ولم يكن بالإمكان إتمام‬
‫هذا العمل خلاله‪.‬‬

‫الأجواء النفسية هي أجواء يوم ال َّصلب‪ ،‬حيث يسيطر الحزن‬
‫على القلوب بسبب موت يسوع‪ ،‬والخوف على النفوس بسبب تهديد‬

‫اليهود لأتباع يسوع‪ .‬وكان التلاميذ كلهم قد هربوا واختبأوا خو ًفا على‬
‫حياتهم‪ ،‬ولم يب َق هناك إلا المريمات وربما يوحنا الحبيب‪.‬‬

‫َجاَء ْت َمْرَيُم ا ْل َم ْج َدِلَّيُة َو َمْرَيُم الُأ ْخَرى‪ :‬هما المجدلية ومريم أم‬
‫يعقوب ويوسي (‪ ،)61 ،56 :27‬وهما بين اللواتي بقيتا عند الصليب‬

‫* راعي الكنيسة الإنجيلية الوطنية في جديدة المتن‪ .‬متخصص في اللاهوت‪ ،‬وتاريخ‬
‫االلجادكيتماانعاةب اتاللاقملدقيسدامسّيسية‪،‬وموعساتلمففدك(ارللايدلإىسوساللاعايتمة)حيادوواكالللييدهةووالدليليا‪،‬لهووجلمغتاعيالتل اتشلاركلتقاكاتلاأبدابنلاىم‪.‬لقمدقدس‪.‬س‪.‬خبوييردّرترسجمفية‬

‫الإنجيلي‬ ‫املؤإتنمجريالليسلّيلدامؤتتمارالذتي‪-‬نظضمههوارل السينشوويدر‪.‬س‬ ‫في ‪ 9‬آب ‪ ،2019‬في‬ ‫‪ 1‬درس كتاب ُقِّدم‬
‫ولبنان‪ ،‬في المركز‬ ‫الوطني في سورية‬
‫‪27‬‬

‫حتى اللحظة الأخيرة (‪ .)61 :27‬لماذا لم يذكر الكاتب اسم الأخرى؟‬
‫إنه أسلوب أدبي استعمله كتبة الأناجيل في أكثر من مكان‪ ،‬حيث ُيذكر‬
‫اسم شخص‪ ،‬وُيترك اسم الآخر لكي يتسنى للقارئ أن ُيد ِخل اسمه‬

‫في القصة فَيدخل في الحدث ويصير من أبطاله‪.‬‬
‫‪ِ ...‬لَتْن ُظَرا ا ْل َقْبَر‪ :‬ما إن مضى السبت وح َّل الأحد حتى هّبت‬
‫المجدلية ورفيقتها للذهاب "ِلَتْن ُظَرا ا ْل َقْبَر"‪ .‬كانت العادات اليهودية‬
‫تقضي بأنه عند الَّدفن‪ ،‬يذهب فقط الرجال‪ ،‬وأما النساء فينتظرن‬
‫في البيت‪ ،‬ويذهبن لزيارة القبر في الأيام التالية‪ .‬وما زالت هذه العادة‬
‫مطبقة في عدد من القرى في الشرق الأوسط‪ ،‬خاصة في بلاد الشام‪.‬‬
‫لم يحّدد الَّنص الغرض من زيارة القبر‪ ،‬قال الكاتب فقط "لتنظرا‬
‫القبر"‪ .‬لكن في أناجيل أخرى يتكلم الَّنص عن وضع حنوط وأطياب‬
‫(أنظر مثًل مرقس ‪ .)1 :16‬وكان يسوع قد أسلم الروح يوم الجمعة‬
‫متأ ّخًرا (على الأغلب الجمعة الساعة ‪ 9‬بالتوقيت القديم‪ ،‬الساعة ‪3‬‬
‫ب‪.‬ظ‪ .‬بتوقيت اليوم)‪ ،‬وكان يجب أن يتّم الَّدفن قبل حلول السبت‬

‫‪28‬‬

‫دراسات ومقالات‬

‫عند الساعة الثانية عشرة (الساعة ‪ 6‬ب‪.‬ظ‪ .).‬فلم يتس َّن للنساء أن‬
‫يُقمن بالواجب تجاه جثمان يسوع‪ ،‬وتم الَّدفن على عجل‪ .‬وبحسب‬
‫العادات اليهودية‪ ،‬النساء في عائلة الفقيد ه ّن َمن ُيهيئن الجثمان‬
‫للَّدفن‪ ،‬فيدهَّنه بالأطايب‪ ،‬ومن ثَّم ُيك ِفّنه‪ ،‬ويحمله الرجال إلى القبر‪.‬‬
‫بحسب رواية متى‪ ،‬ما إن مضى السبت وح َّل الأحد حتى َهّبت‬
‫المجدلية ورفيقتها للذهاب «ِلَتْن ُظَرا ا ْل َقْبَر»‪ .‬ما إن سنحت لهما‬
‫الفرصة حتى انطلقتا‪ .‬إنها ُمخاطرة‪ ،‬لكّنها حلوة إ ْذ كانت في سبيل‬
‫شخص ُتحبانه؛ هو ال َّشوق إلى الحبيب يسوع الذي دفعهما إلى الذهاب‬

‫بهذه العجلة‪.‬‬
‫َوِإ َذا َز ْلَزَلٌة َع ِظي َمٌة َح َدَث ْت‪ ...‬وص ٌف لمشهد ُمدهش‪ :‬زلزلة عظيمة؛‬
‫الحجر العظيم ُمدحَرج عن باب القبر؛ كائٌن سماوي جالس على‬
‫"الحجر العظيم"؛ الحراس سقطوا كأموات‪ .‬يفيد الَّنص بأن هذا كله‬

‫كان قد حدث قبل وصول المرأَتْين‪.‬‬
‫لا يقصد الكاتب كتابة تقرير علمي عن ظاهرة طبيعية حدثت‪،‬‬
‫بل رسم لنا صورة مشحونة بالرموز والَّدلالات اللاهوتية‪ ،‬وعلينا نحن‬
‫القراء تفكيكها‪ .‬تقول الصورة بالخط العريض إن المسيح قام‪ ،‬ولم‬
‫يستطع‪ ،‬لا القبر المنحوت في الصخر‪ ،‬ولا الحجر العظيم‪ ،‬ولا أختام‬
‫الإمبراطورية الرومانية‪ ،‬ولا حَّراس ال ُّسلطَتْين الدينية والمدنية‪ ،‬أن‬
‫تمنع حدوث هذا لأنه حدث بقّوة الله‪ ،‬وأن قّوة الله أعظم من أ ّي‬
‫تدبير بشري‪ .‬هذا هو المعنى الذي أراد الكاتب أن يوصله إلى القارئ‪،‬‬

‫فأرسله بصورة ظاهرة طبيعية حدثت‪.‬‬
‫في مناسبات كثيرة يتكلم الكتاب عن حدوث زلازل‪ :‬في صورة نزول‬
‫الشريعة الموسوية (أنظر خروج ‪ 19‬و‪)20‬؛ عند ال َّصلب (متى ‪-51 :27‬‬
‫‪ .)52‬تتكلم الزلازل‪ ،‬في رمزية اللغة الكتابية‪ ،‬عن زعزعة الله لأنظمة‬
‫دينية عتيقة ليح ّل محلها نظام جديد‪ .‬فعند الصلب والقيامة‪ ،‬تعني‬

‫‪29‬‬

‫الزلازل أن الله‪ ،‬بقوته‪ ،‬زعزع المؤسسة الدينية اليهودية‪ ،‬التي غالت في‬
‫التفسير الحرفي للشريعة‪ ،‬واستغلت الدين لتحقيق مصالح شخصية‪،‬‬
‫ليح ّل محلها عمل المسيح وتعاليمه‪ .‬في سفر الرؤيا المليء بحدوث‬

‫الزلازل‪ ،‬قوة الله تزعزع السلطَتْين الدينة والمدنية الُمضط ِهدة‪.‬‬
‫هذه أي ًضا زلزلة روحية حدثت في قلب المجدلية وقلب مريم‬
‫الأخرى‪ ،‬فد َّمرت الحزن والخوف فيهما‪ ،‬وأحّلت الشجاعة والفرح‬
‫الناتج عن التسليم بقوة الله العاملة‪ .‬بل هذه أي ًضا زلزلة روحية‬
‫حدثت في الكنيسة الَمّتاوية فنقلتها من عهد الشريعة الموسوية إلى‬

‫العهد الجديد بالمسيح‪.‬‬
‫َفَأ َجا َب ا ْل َملَا ُك َو َقا َل ِلْل َمْرَأَتْي ِن‪« :‬لَا َت َخا َفا َأْنُت َما‪َ ،‬فِإِّني َأ ْعَلُم َأَّن ُك َما‬
‫َت ْطُلَبا ِن َي ُسو َع ا ْل َم ْصُلو َب‪ :‬عند رؤية المريمتان هذا المشهد‪ُ ،‬أصيبتا‬
‫بالَّدهشة مع نوع من الخوف لئّل يحصل لهما ما حصل للحراس‪،‬‬
‫فصار فيهما خوف على خوف‪ .‬لذلك خ َّصهما الملاك برسالة تشجيع‪:‬‬
‫"لا تخافا"‪ ،‬وقوله "أنُتما" ُيفيد الَّتخصيص‪ ،‬وذلك لعلمه بخوفهما‬
‫المسيطر في القلب‪ ،‬وبخوفهما لهذا المشهد الغريب‪ :‬لن يحدث لكما‬
‫ما حدث للحَّراس! إن سبب الخوف هو أن المرأَتْين تعيشان في‬
‫عالم تريان فيه انتصار العالم الديني التقليدي‪ ،‬والسلطة السياسية‬
‫المناهضة للمسيح وتعاليمه‪ ،‬فلا عجب إ ًذا من استسلامهما للخوف‪.‬‬
‫أما الخلاص من الخوف فيلزمه الخروج من عالم الصليب والدخول‬

‫في عالم القيامة‪.‬‬
‫َلْي َس ُهَو ه ُهَنا‪ ،‬لَأَّنُه َقا َم َك َما َقا َل! أنتما تطلبان يسوع‪ ،‬حسًنا تفعلان‪،‬‬
‫لكنكما تبحثان عنه في المكان الخطأ‪ ،‬لقد ترك عالم الموت‪ ،‬وذهب‬
‫إلى عالم الحياة‪ .‬إذا أردتما أن تجداه‪ ،‬فاذهبا إلى عالمه‪ .‬العالم الذي‬
‫َس َجْنُتم أنفس ُك ّن فيه غير موجود في عالم الله‪ ،‬لقد أصبح عالًما‬

‫افتراضًّيا من صنع الخوف‪ .‬يجب الانتقال إلى العالم الجديد‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫دراسات ومقالات‬

‫َوا ْذ َهَبا َسِري ًعا ُقولَا ِلَتلَا ِمي ِذ ِه‪ِ :‬إَّنُه َق ْد َقا َم ِم َن الَأ ْمَوا ِت‪ :‬أخرجا من‬
‫سجن الموت الرهيب‪ ،‬ادخلا عالم القيامة الرحب‪ ،‬ومهّمتكما منذ‬
‫الآن أن تشهدا للقائم من بين الأموات‪ .‬إ ّن كل عودة إلى عالم الموت‬
‫ُتدخلكما في الخوف‪ ،‬أما الخروج منه إلى عالم القيامة‪ ،‬ففيه قوة‬

‫تنتصر على الخوف‪.‬‬
‫َها ُهَو َي ْسِبُق ُك ْم ِإَلى ا ْل َجِلي ِل‪ُ .‬هَنا َك َتَر ْوَنُه‪َ .‬ها َأَنا َق ْد ُقْل ُت َل ُك َما‪:‬‬
‫الجليل كمكان جغرافّي‪ ،‬هو مهد الدعوة‪ ،‬وموطن الأتباع الأولين‪ .‬أما‬
‫بالمعنى الروحي‪ ،‬فالَّدعوة للذهاب إلى "الجليل" هي دعوة للعودة إلى‬
‫المبادئ الأولية الأصيلة‪ ،‬إلى القرار الأول باتباع المسيح‪" .‬الجليل" هو‬
‫الاختبارات الأولى مع المسيح‪ ،‬والصفوف الأولى في مدرسته‪ .‬وعندما‬
‫يعود المؤمن إلى الإيمان الأصيل النقي البسيط‪ ،‬ينعم بمشاهدة الرب‬

‫ببصيرته الروحية‪.‬‬
‫‪َ 8‬ف َخَر َجَتا َسِري ًعا ِم َن ا ْل َقْبِر ِب َخْو ٍف َو َفَر ٍح َع ِظيٍم‪َ ،‬را ِك َضَتْي ِن ِلُت ْخِبَرا‬
‫َتلَا ِمي َذُه‪ :‬بقدر الإيمان بالقيامة والانخراط في مشروع الشهادة سوف‬
‫تنتقلان من الخوف إلى الفرح العظيم‪ .‬يبقى الخوف ممزوٌج بالفرح‬
‫لفترة‪ ،‬لحين ثبات الإيمان بالقيامة‪ .‬وبقدر الَّتم ّكن من الخروج من‬
‫حالة الموت‪ ،‬يتّم الخروج من الخوف‪ .‬وبقدر الدخول في حالة القيامة‬

‫والانخراط في مهمة الشهادة للُمقام‪ ،‬يتّم الدخول في الفرح‪.‬‬
‫‪َ 9‬و ِفي َما ُه َما ُمْن َطِل َقَتا ِن ‪ِ ...‬إ َذا َي ُسو ُع لَا َقا ُه َما َو َقا َل‪َ " :‬سلَاٌم َل ُك َما"‪.‬‬
‫َفَت َقَّد َمَتا َوَأ ْم َس َكَتا ِب َق َد َمْيِه َو َس َج َدَتا َلُه‪ :‬في ِخ َضِّم الانخراط في الشهادة‬
‫للُمقام‪ ،‬ظهر لهما الُمقام ليؤكد لهما الدعوة للشهادة‪ .‬رأتاه فسجدتا‬
‫له؛ وسجدتا له فتعَّمقتا في رؤيته والشركة معه‪ .‬إن سقوط المرأَتْين‬
‫عند قدمي يسوع يختلف عن سقوط الحَّراس‪ ،‬فهذا سقوط للسجود‬

‫وذاك سقوط للخضوع‪.‬‬
‫‪َ 10‬ف َقا َل َل ُه َما َي ُسو ُع‪" :‬لَا َت َخا َفا‪ِ .‬ا ْذ َهَبا ُقولَا لِإ ْخَوِتي َأ ْن َي ْذ َهُبوا ِإَلى‬

‫‪31‬‬

‫ا ْل َجِلي ِل‪َ ،‬و ُهَنا َك َيَر ْوَنِني"‪ :‬طلب إليهما الر ّب الُمقام بأن يشاركا إخوتهما‬
‫في الخبر ال َّسار‪ ،‬وال َّطلب إليهم بأن يذهبوا هم أي ًضا إلى "جليلهم"‬
‫لكي يروا الرب الُمقام‪ .‬الذي أخرجه يسوع من عالم الموت والحزن‬
‫والخوف‪ ،‬وأدخله عالم الحياة والفرح والقوة‪ ،‬واجبه أن يشارك أخوته‬
‫بهذا الاختبار ويدعوهم إلى العودة إلى مبادئ الإيمان الأولى‪ ،‬الأصيلة‬

‫والنقية‪ ،‬لكي يلتقوا بالرب‪.‬‬

‫ثانًيا‪ :‬الخوف وأسبابه‬
‫بأبسط تعريف‪" :‬الخوف هو الشعور الَّناجم عن انعدام الأمان‪،‬‬
‫والخطر الذي يهِّدد الحياة أو الأملاك‪ ،‬أو البيئة الُمطمئنة"‪ .‬الخوف‬
‫حالة تتوَّلد مع الوعي على خطر ُمداهم‪ ،‬والوعي على حالة الضعف‬

‫والعجز عن مواجهة هذا الخطر‪.‬‬
‫الشعور بالخوف يتعَّلق إذن بمقدار الوعي على الخطر الُمحدق‬
‫والعجز عن مواجهته‪ .‬من لا يعي الخطر لا يخاف حتى ولو كان‬
‫الخطر موجو ًدا حقيقة‪ .‬كانت المريمتان واعيتان للخطر الُمحدق بهما‬

‫بسبب قتل اليهود والرومان المسي َح‪ ،‬وتهديدهم أتباعه كلهم‪.‬‬
‫الشعور بالخوف يتعلق بطبع القلق الذي يزيد من الشعور بالخوف‬
‫كرَّدة فعل طبيعية على الخطر الَّداهم‪ .‬لا نستطيع أن نعرف‪ ،‬من‬

‫الَّنص‪ ،‬طبع المريمَتْين‪.‬‬
‫الشعور بالخوف يتعَّلق بـالوهم والَّتصّور‪ .‬قد يكون الخطر غير‬
‫موجود‪ ،‬هو مجرد َو ْهم وتصُّور‪ .‬لَّما رأت مريم ومريم الأخرى المشهد‬
‫الغريب‪ ،‬وما أصاب الحراس‪ ،‬ليس من الُمستغرب أن تكونا قد‬

‫استوهمتا المشهد وتصَّورتا مخاطر جديدة تحيط بهما‪.‬‬
‫الشعور بالخوف يتعَّلق بمقدار الَّتعُّلق بالحياة وبالأشياء‪ .‬فالَّتعُّلق‬
‫الشديد بالحياة يزيد الشعور بالخوف من الموت‪ ،‬والَّتعُّلق بالأشياء‬

‫‪32‬‬

‫دراسات ومقالات‬

‫يزيد الخوف من خسارتها‪ .‬فالمريض بأحد الأمراض الُمستعصية الذي‬
‫يعاني الآلام الُمبرحة ينُقص تعُّلقه بالحياة وتتدنى عنده درجة الخوف‬

‫من الموت‪.‬‬
‫ومع كل هذا‪ ،‬لا بد أن نعترف بأّنه الشعور بالخوف من الجوارح‬
‫الإنسانية بامتياز‪ .‬لأن الحياة عند الإنسان عزيزة‪ ،‬وغريزة ُح ّب البقاء‬

‫قوية‪ ،‬وفرحه بامتلاك أشياء يضاهي خوفه من خسارتها‪.‬‬
‫وللخوف أي ًضا إيجابّياته‪ ،‬فهو ي ُح ّث على الاحتماء والحفاظ على‬
‫الحياة وعدم الاستهتار‪ .‬قليل من الخوف ضروري للُمثابرة في العمل‪،‬‬

‫والاجتهاد للَّتحسين‪ ،‬والَّتوق للأفضل‪.‬‬
‫لقد سبق وأشرنا إلى أن خوف المريمَتْين في ن ّص القيامة ُمتأ ٍّت‬
‫من وعيهما على خطر تهديد اليهود لأتباع المسيح‪ .‬إنه خوف على‬
‫الحياة‪ .‬وما زاد خوفهما مشهد القبر المفتوح والفارغ‪ ،‬ومشهد الحراس‬

‫الساقطين‪ ،‬والخوف من رؤية الملاك‪.‬‬
‫وبقيتا سجينَتْين لهذا الخوف حتى في َقْلب مشهد القيامة لأَّنهما‬

‫‪33‬‬

‫لم تدركا ماذا حصل بالضبط‪ ،‬وكانتا فريسة الَو ْهم والَّتصُّور م َّما‬
‫سيحصل لهما‪.‬‬

‫ثالًثا‪ :‬الَّتحُّرر من الخوف‪ ،‬أو قوة في الخوف‬
‫يكمن الَّتحُّرر من الخوف في الحصول على قوة تم ِّكن الخائف من‬
‫السيطرة على مخاوفه‪ ،‬إما بقبول نتائج المخاطر الُمحدقة به‪ ،‬أو‬

‫بالتم ُّكن من مواجهة المخاطر‪ ،‬بل وقلبها رأ ًسا على عقب‪.‬‬
‫يمكن الحصول على هذه القوة إذا فهمنا لاهوت "العناية الإلهية"‬
‫فه ًما صحي ًحا‪" .‬العناية الإلهية" هي أ ّن الله يعتني بخليقته بحسب‬
‫محّبته وحكمته وقدرته اللامتناهية‪ .‬إ ّن القوانين الطبيعية التي خلقها‬
‫والتي ُتسّير الكون والحياة البشرية‪ ،‬هي جزء من عنايته‪ِ .‬من هنا‬
‫نفهم قول الرب يسوع وهو يشير إلى السبت‪َ" :‬أِبي َي ْع َم ُل َحَّتى الآ َن‬
‫َوَأَنا َأ ْع َم ُل" (يو‪ ،)17 :5‬إ ّن راحة الله في اليوم السابع (تكوين ‪)2 :2‬‬
‫تعني فقط إتمامه الخليقة‪ ،‬وليس توقفه عن ضبط الخليقة وقوانينها‬
‫والعناية بالمخلوقات توجيهه لها من أجل الوصول للغاية المعينة‬
‫لها‪ .‬أما "المعجزة"‪ ،‬فيمكن أن تتم بواسطة علم سابق لزمنه‪ ،‬أو بعلم‬
‫يفوق القوانين الطبيعية‪ ،‬وهذا ما يفعله الله استثنائًّيا بحسب حكمته‬

‫وصلاحه‪ .‬يلزمنا هنا أن ُنشّدد على بعض الأمور‪:‬‬
‫‪ .1‬قبول المرض والموت والحاجة كجزء من الوجود‪ ،‬وتخضع‬
‫للقوانين الطبيعية‪ ،‬ولم َي ِعد الله بانتفائها إّل في الزمن الأخير‪ .‬يتّم‬
‫الشفاء المعجز ّي بقدرة الله‪ ،‬لكن بطريقة استثنائية وخاضعة لحكمة‬

‫الله ومشيئته‪.‬‬
‫‪ .2‬الشر موجود على الأرض‪ ،‬والأشرار ناشطون كونهم يتصرفون‬
‫بحريتهم‪ .‬والله لا يستخدم القوة والإرغام ليمنع الشرير من ممارسة‬
‫حريته‪ ،‬ولا يوقف الطبيعة عن إجراء دورتها العادية‪ ،‬ولا يوقف عمل‬
‫القوانين الطبيعية‪ ،‬ولا يجوز أن نحّمله مسؤولّية ما يجري من شرور‪،‬‬

‫‪34‬‬

‫دراسات ومقالات‬

‫وما يحدث من كوارث طبيعّية‪ ،‬وما يأتي من أمراض وأوبئة‪.‬‬
‫‪ . 3‬الإنسان المؤمن معَّرض للشر في عالم الشرور‪ ،‬وتطاله المظالم‬
‫في عالم ال ُّظلم‪ ،‬ويخضع للقوانين الطبيعية مثله مثل أي إنسان آخر‪.‬‬
‫الموت ح ّق‪ ،‬وجزء من الطبيعية‪ .‬والمرض نتيجة خلل في الجسد أو‬
‫انتهاك للطبيعة‪ .‬الزلازل والفيضانات نتيجة عوامل طبيعية‪ .‬ولا‬

‫علاقة لحدوث هذه بالله أو بملائكته ولا حتى بالشيطان‪.‬‬
‫‪ . 4‬إن عناية الله بالخليقة تتم بواسطة القوانين الطبيعية‬
‫وبمشاركة أولاده الأتقياء‪ ،‬فمحبة الله تصلني من خلال أولاده وكل‬
‫ذوي الإرادة ال َح َسنة‪ ،‬وأنا بدوري قناة لتمرير محبة الله للآخرين‪،‬‬

‫أولئك الذين يأتون في دربي ويحتاجون إلى محبة الله‪.‬‬
‫‪ .5‬قانون "العّلة والنتيجة" هو قانون طبيعي‪َ " :‬فِإ َّن اَّل ِذي َيْز َر ُعُه‬
‫الِإْن َسا ُن ِإَّياُه َي ْح ُص ُد َأْي ًضا" (غلاطية ‪ ،)7 :6‬والإنسان المؤمن يخضع‬
‫له‪ ،‬فلكل عمل نتيجته؛ للجهل والاستهتار بالحياة وبالوقاية والحفاظ‬
‫على السلامة العامة نتائجها‪ .‬لا ُيغّير الله هذه المعادلة‪ ،‬ليس لأنه‬
‫غير قادر‪ ،‬بل لأنه عادل تجاه كل خلائقه‪ .‬ف َمن لا يمارس الوقاية‬
‫الصحية‪ ،‬ومن يستهتر بالمخاطر المتأتية من الحروب والظواهر‬

‫الطبيعية يتحمل النتائج‪.‬‬
‫هناك نظريات لاهوتية شعبية تقول بأن الله "دائ ًما" يحفظ أولاده‬
‫من الموت‪ ،‬ويشفيهم عند المرض‪ ،‬ويملأ احتياجاتهم المادية كلها‬
‫عند العوز‪ .‬وإذا لم يحصل هذا‪ ،‬فسببه نقص في الإيمان أو تقصير في‬

‫الصلاة‪.‬‬
‫نظريات لاهوتية أخرى‪ ،‬أي ًضا شعبية‪ ،‬تقول بأ ّن الله يعاقب‬
‫الخطاة فيضربهم بالموت أو بالمرض أو بالأوبئة أو بالَم ْحل والنشاف؛‬
‫وكل مرض أو عوز سببه الخطيئة‪ .‬ويسند أصحاب هذه النظريات‬
‫تعاليمهم بنصوص من الكتاب المقدس بقراءتها قراءة حرفية وخارج‬

‫‪35‬‬

‫سياقها‪ ،‬ولا نستطيع في هذا المقال القصير أن نرد على سوء فهمهم‬
‫لهذه النصوص‪ .‬فالموت والمرض والأوبئة والمحل والنشاف كلها‬

‫نتيجة ل ِعلل طبيعية ناتجة عن القوانين الطبيعية التي خلقها الله‪.‬‬
‫نظريات أخرى تقول‪ :‬الله يستخدم الشر لأهداف صالحة‪ .‬إن هذا‬

‫التسطيح في فهم الله لا يستحق الرد‪.‬‬
‫نظريات أخرى تقول إن الله وعد بالحفاظ على أولاده من الشر‪،‬‬
‫ووعد باستجابة أية طلبة نطلبها منه‪ .‬إذا كان الأمر كذلك‪ ،‬فلماذا‬
‫مات عدد كبير من آباء الكنيسة القديسين على يد السلطة الرومانية‬
‫الظالمة‪ ،‬ولماذا عانى بولس المرض والعوز رغم "وعود الله" وصلواته‬
‫المتكررة‪ .‬ولماذا ألقي المب ّشرون في السجون ُظل ًما عبر التاريخ؟ أ ُك ّل‬

‫هؤلاء يعوزهم الإيمان؟‬
‫إ ّن هذا المفهوم للاهوت العناية الإلهية‪ ،‬الذي يقول بأن الله دائ ًما‬
‫يحفظ من الأخطار ويشفي الأمراض ويسدد الاحتياجات‪ ،‬والُمتمثل‬
‫بالنظريات المذكورة أعلاه‪ ،‬هو مفهوم غير صحيح‪ ،‬وكل من ينتظر‬
‫تحُّققه في الحياة العامة والفردية يصل سري ًعا إلى طريق مسدود‪،‬‬
‫فُيصاب بالإحباط‪ .‬ويرى أن عليه أن يواجه المرض والموت والعوز‬
‫بإيمان ثابت مسّل ًما أمره لله ولمشيئته‪ .‬إ ّن هذا المفهوم للعناية الإلهية‪،‬‬
‫لا ُيحِّرر من الخوف‪ ،‬بل يصيب صاحبه بقوة وهمية ُمؤقته‪ ،‬سرعان‬
‫ما يكتشف حقيقة زيفها‪ ،‬وُيصاب بالإحباط‪ ،‬ما يزيد من قوة الخوف‬

‫فيه‪.‬‬
‫إ ّن ما يجعل الإنسان المؤمن يتحَّرر من الخوف‪ ،‬هو القوة التي‬
‫ُتسيطر على الخوف التي يستمّدها من إيمانه الراسخ بأ ّن الله صالح‬
‫في ك ّل طرقه وأفعاله‪ ،‬وبأ ّن الموت ح ّق على الإنسان‪ ،‬وبأ ّن الأمراض‬
‫والأوبئة تأتي نتيجة قوانين طبيعّية تعمل عملها على الأرض‪ ،‬وبأ ّن‬
‫المحل والنشاف تأتي نتيجة تقّلبات ُمناخّية‪ ،‬وبأ ّن الإنسان مسؤول عن‬

‫‪36‬‬

‫دراسات ومقالات‬

‫أعماله ويتحمل نتائجها ونتائج قراراته‪ ،‬وبأ ّن الشّر موجود وناتج عن‬
‫ممارسة الشرير لحرّيته‪ ،‬وبأ ّن الأحداث الطبيعية كالزلازل والبراكين‬

‫والفيضانات تأتي نتيجة تحركات جيولوجية ومناخية‪.‬‬
‫وفي كل هذا‪ ،‬يبقى الله صالح وإلى الأبد رحمته‪ ،‬فهو لم يعدنا بحياة‬
‫صحيحة وخالية من الأمراض‪ ،‬ولم يعدنا بحياة على الأرض لا تنتهي‪،‬‬
‫بل وعدنا ببركات ونعم روحية تجعلنا نختار أن نبقى إلى جانبه‬
‫ومعه‪ ،‬ويبقى هو إلهنا وأبانا وأ ّمنا‪ ،‬وأخانا وأختنا‪ ،‬وصديقنا وصديقتنا‪،‬‬
‫ونتخَّلق بخلقيته‪ ،‬ونتأَّله بألوهَّيته‪ ،‬وندخل عالمه‪ ،‬ونَّتحد به‪ ،‬ونحيا‬
‫حياته إلى الأبد‪ .‬هذا ما وعدنا به‪ ،‬وهذا ما سيحِّققه فينا بالتأكيد‬

‫مهما كانت ظروف حياتنا‪.‬‬
‫قد يسأل سائل‪ :‬ما نفع الإيمان والاتكال على الله والصلاة؟‬
‫الإيمان يساعدني لأعرف نفسي بأنني مخلوق على صورة الله‪،‬‬
‫ويساعدني على الَّتصّور بصورة المسيح‪ ،‬هذه هي الولادة الجديدة‪،‬‬
‫والخليقة الجديدة‪ ،‬والإنسان الجديد‪ ،‬فأنا مع الله في هذه الصيرورة‪،‬‬

‫وهذه الصيرورة تستغرق الحياة كلها‪.‬‬
‫الإيمان يساعدني لأرى الله معي عندما تحدث لي هذه الأمور‪،‬‬
‫وهو يؤّيدني بالحكمة للتصُّرف في الزمن ال َّصعب‪ ،‬وبالفكر الَّرصين‬
‫لأخذ القرارات التي تنسجم مع مشيئته لحياتي‪ .‬وإن كان لا يأخذ‬
‫ال ِّصعاب والمحن عني‪ ،‬فحضوره في حياتي يمدني بالطاقة الروحّية‬

‫لأقبل نفسي وظروفي وأواجه الصعاب وأجتازها‪.‬‬
‫الاتكال على الله يجعلني أقبل حالتي وأوضاعي‪ُ ،‬متمس ًكا بالرجاء‬
‫بأن الله سيجعل كل الأشياء تعمل م ًعا للخير‪ ،‬ويعّمقني في محبته‪.‬‬
‫والخير هو ما يراه هو خيًرا بحسب حكمته‪ ،‬وخيره الأعظم لي هو أن‬

‫أسير معه‪ ،‬وأبقى معه إلى الأبد‪.‬‬
‫الصلاة هي طلب الله في الزمن ال َّصعب‪ ،‬والَّتجاوب مع عمله‬

‫‪37‬‬

‫لتنقية الحياة وصقل النفس فتكتسب شهادتي قوة إلهية‪ .‬الصلاة هي‬
‫طلب الله نفسه وليس عطاياه المادية‪ ،‬ففي الله شبع النفس‪ .‬الصلاة‬
‫لا تغّير الله ولا مشيئته‪ ،‬بل تغّيرني أنا لأقبل مشيئته وأتجاوب معها‪.‬‬
‫قد لا تغّير الصلاة الظروف‪ ،‬لكّنها تغّير نظرتي للظروف‪ ،‬فأرى الله‬

‫معي في كل الظروف‪.‬‬
‫إن قبول الحياة بواقعها‪ ،‬وقبول نفسي وظروفي‪ ،‬والإيمان الثابت‬
‫بأن الله معي في كل الظروف يمدني بالقوة القادرة على تحريري من‬

‫سيطرة الخوف‪.‬‬
‫َمن يؤكد الشفاء من المرض إذا صلى‪ ،‬وملء الاحتياج المادي إذا‬
‫طلب‪ ،‬أخاف عليه من الإحباط‪ ،‬فبولس َمِرض وصَّلى ولم ُي ْش َف‪،‬‬

‫وتعَّلم كيف يجوع ويتم َّسك بالرب‪ ،‬وكيف يشبع ويشكر الرب‪.‬‬
‫حذا ِر من تحويل الله إلى "جا ٍن" يح ُضر أمامك ويقول لك ُشّبيك‬
‫لّبيك عبدك بين إيديك‪ .‬حذار أن نو ِّجه لله صلوات ُنملي عليه فيها‬
‫أوامرنا ليفعل كما نريد ونطلب‪ .‬حذار من صلوات فيها "تلا ُعب" على‬
‫الله بقوة ال َّصوت والإصرار والِّتكرار‪ .‬فالله أسمى من هذا المستوى‬

‫الُمتدني الذي صَّوره به بعضهم في صلواتهم‪.‬‬
‫إن ما ُيسمىى بلاهوت الازدهار هو بالحقيقة لاهوت تخدير‪ ،‬يصلح‬
‫لبناء قصور على الرمال أو ل"تبليط البحر"‪ ،‬يعد الناس بأوهام‬

‫سرعان ما تبان حقيقتها‪.‬‬
‫أنا لا أقول أّل نرفع لله طلباتنا‪ ،‬ولا أقول إ ّن الله غير قادر على‬
‫الاستجابة لاشتهاء قلوبنا‪ .‬ما أقوله أ ْن نطلب‪ ،‬ونقبل منه ما يستجيبه‬
‫مؤمنين بحكمته وصلاحه‪ .‬فهو قادر على كل شيء‪ ،‬وقدرته تخضع‬

‫لمشيئته الصالحة‪.‬‬
‫وأخيًرا‪ ،‬نعود إلى المريمَتْين‪ ،‬خرجتا من سجن الخوف فقط عندما‬
‫َو َعتا خبر القيامة وصَّدقتاه ولَّبتا دعوة الملاك بأن ذهبتا تحملان‬

‫‪38‬‬

‫دراسات ومقالات‬

‫الخبر ال َّسار إلى التلاميذ‪ .‬وتر َّسخت حريتهما الروحية‪ ،‬وهما في طريق‬
‫الشهادة‪ ،‬عندما رأتا الرب وسجدتا له وأ َّكد لهما دعوته للشهادة في‬

‫"جليلهما"‪.‬‬
‫ومع أن خطر الموت كان لم يزل قائ ًما‪ ،‬غير أن الإيمان بحقيقة‬
‫القيامة حَّررهما بل أقامهما من موتهما‪ ،‬وتغَّيرت المقاييس‪ ،‬فما عاد‬
‫الموت‪ ،‬في نظرهما‪ ،‬هو الخسارة الكبرى‪ ،‬خسارة الحياة‪ ،‬بل صار‬

‫بالحقيقة رب ًحا للحياة‪.‬‬
‫الخلاصة‬

‫يطلب مّنا الرب الُمقام أن نذهب إلى الجليل‪ ،‬أن يذهب كل‬
‫مّنا إلى جليله‪ ،‬إلى حياته العادية‪ ،‬حيث يشهد بحياته عن إيمانه‬
‫بالمسيح‪ .‬وفي هذا "الجليل" يتراءى له المسيح ونسجد له ونذهب من‬
‫قوة إلى قوة‪ .‬ويصح قول إشعيا‪" :‬أما ُمنتظرو الرب فيجّددون قوة‪،‬‬
‫يرفعون أجنحة كالنسور‪ ،‬يركضون ولا يتعبون‪ ،‬يمشون ولا يعيون"‬

‫(إشعياء ‪.)31 :4‬‬
‫"أطلبوا أولا ملكوت الله وبره‪ .... ،‬وهذه (الاهتمامات الأرضية)‬

‫تزاد لكم" (متى ‪.)33 :6‬‬
‫إن دعوة الله لي هي أوًل أن أنجح في اِّتباعه‪ ،‬ما يؤ ِّسس لنجاحات‬
‫أخرى‪ .‬ومن ثَّم يصبح نجاحي المادي والمهني والأكاديمي دعوة إلهية‬

‫في خدمة الشهادة المسيحية‪.‬‬

‫‪39‬‬

‫جئت لألقي سي ًفا‬

‫القس أمير إسحق*‬

‫النص الكتابي‪( :‬متى ‪ /42-34 :10‬لوقا ‪)53-49 :12‬‬

‫ِم ْن أقوال المسيح ال َّصعبة‪ِ ":‬جْئ ُت لُأ ْل ِق َي َنا ًرا َعَلى الَأ ْر ِض‪...‬‬
‫َأَت ُظُّنو َن َأِّني ِجْئ ُت لُأ ْع ِط َي َسلَا ًما َعَلى الَأ ْر ِض؟ َكلَّا‪َ ،‬أ ُقو ُل َل ُك ْم‪َ :‬ب ِل‬
‫اْن ِق َسا ًما‪( ...‬لوقا ‪َ )51-49 :12‬ما ِجْئ ُت لُأ ْل ِق َي َسلَا ًما َب ْل َسْي ًفا (متى ‪:10‬‬
‫‪ .")34‬ماذا كان يعني؟ عند ميلاده أن َشدت الملائكة‪" :‬ا ْل َم ْج ُد للِه ِفي‬
‫الَأ َعاِلي‪َ ،‬و َعَلى الَأ ْر ِض ال َّسلَا ُم" (لوقا ‪ ،)14 :2‬وفي أولى عظاته الُمدَّونة‬
‫قال‪ُ " :‬طوَبى ِل َصاِن ِعي ال َّسلَا ِم" (متى ‪ ،)9 :5‬وفي عظته الوداعَّية قال‬
‫لتلاميذه‪َ " :‬سلَا ًما َأْتُر ُك َل ُك ْم‪َ .‬سلَا ِمي ُأ ْع ِطي ُك ْم" (يوحنا ‪ .)27 :14‬فكيف‬

‫يقول هنا "ما جئ ُت لألقي سلا ًما‪ ،‬بل سي ًفا‪ ...‬ونا ًرا‪ ...‬وانقسا ًما"؟‬
‫تكَّلم المسيح هذه المَّرة بشكل ُمباشر وأكثر وضو ًحا لتلاميذه عن‬
‫تكلفة اِّتباعه‪ُ ،‬مستخد ًما ثلاثة أمثلة توضيحَّية‪ ،‬بحسب إنجيل مَّتى‬
‫(ص ‪ ،)10‬شرح بها فكرته‪ :‬المَثل الأّول من الحياة العائلية (ع ‪،)37-35‬‬
‫الثاني من عمل َح ْمل ال َّصليب (ع ‪ ،)38‬والثالث من الحياة ال َّشخصية‬
‫(ع ‪ .)39‬كان قد بَّين لهم في الآيات السابقة الآلام التي سيلاقونها في‬
‫خدمتهم إَّياه (ع ‪ ،)42-16‬وعَّلمهم كيف تستمّر إرسالَّيتهم في وسطها‪.‬‬

‫وكما أنبأهم بال ّضيقات الآتية‪ ،‬وأخبرهم بالَّتعزيات إزائها‪.‬‬

‫يبّين متى في إنجيله (ص ‪ )7-5‬حكمة المسيح الَّتعليمَّية‪ ،‬وفي (ص‬
‫‪ )9-8‬يبِّين قدرته الُمعجزَّية‪ .‬أ َّما في (ص ‪ )10‬فإَّنه بعد أن عَّلم تلاميذه‬
‫والنشر‪،‬‬
‫الشعب‬ ‫علما‬ ‫في‬ ‫الوطنّية‬ ‫الإنجيلّية‬ ‫الكنيسة‬ ‫راعي‬ ‫الإعلام‬ ‫لجنة‬ ‫أمين سر‬ ‫‪40‬‬
‫وصور‬

‫دراسات ومقالات‬

‫بالأقوال والأفعال‪ ،‬وقبل أن ُيرسلهم في أَّول إرسالَّية‪ ،‬أنبأهم بالَّنتائج‬
‫الُمتو َّقعة لإرسالّيتهم‪ .‬في ختام (ص ‪ )9‬كان يكرز ويب ِّشر ويتحَّنن ويشفي‪،‬‬
‫ولأ َّن العمل كثير والخَّدام قليلون‪ ،‬قال لهم‪َ " :‬فا ْطُلُبوا ِم ْن َر ِّب ا ْل َح َصا ِد‬
‫َأ ْن ُيْر ِس َل َف َعَلًة ِإَلى َح َصا ِد ِه" (‪ .)39 :9‬ثَّم و َّجه إليهم خطاًبا خا ًّصا قبل‬
‫أن ُيرسلهم (ص ‪ ،)10‬أخبرهم فيه بالآلام وال ِّضيقات التي تنتظرهم‪،‬‬
‫والتي يجب أن يتو َّقعوها‪ُ ،‬مظ ِهًرا لهم أ َّن الرسالة التي سيكرزون بها‬
‫هي سبب تلك الآلام‪ .‬كما أخبرهم بالَّتحديد بالَّنتائج الُمتو َّقعة‪ُ ،‬مبِّيًنا‬
‫لهم أ َّن رسالته سوف ُتسِّبب الكثير من الانقسام‪ .‬فالُمقاومة التي‬
‫سُيقابلونها ليست عَرضَّية‪ ،‬بل هي نتائج حتمَّية وضرورّية لانتشار‬
‫الح ّق الذي سينادون به‪ ،‬ويجب تو ُّقعها‪ .‬فقال لهم‪" :‬لَا َت ُظُّنوا َأِّني‬
‫ِجْئ ُت لُأ ْل ِق َي َسلَا ًما َعَلى الَأ ْر ِض‪َ .‬ما ِجْئ ُت لُأ ْل ِق َي َسلَا ًما َب ْل َسْي ًفا"‪ ،‬لا‬

‫تنتظروا الَّراحة وال َّسلام في وقت الَّتعب والجهاد‪.‬‬
‫نتيجتان حتمّيتان‬

‫لكل عم ٍل نتيجتان ُمتناقضتان‪ ،‬مثل أش َّعة ال َّشمس التي تسقط‬

‫‪41‬‬

‫على قطعة َش ْم ٍع فتذوب‪ ،‬بينما تسقط على ُكْتَلة طي ٍن فتزيدها‬
‫قسَوة‪ .‬فشرح المسيح لتلاميذه بهذه الكيفَّية تلك الَّنتائج الحتمَّية‬
‫لمجيئه الأول وانتشار رسالته‪ .‬حتى ينزع من قلوبهم الاعتقاد بأَّنه جاء‬
‫ليصنع سلا ًما سياسًّيا أو اقتصادًّيا أو اجتماعًّيا‪ .‬فهو لم يأ ِت ليصنع‬
‫ذلك ال َّسلام الأرضي الذي يتو َّقعونه‪ ،‬والذي يسود ُمعتقداتنا عندما‬
‫نف ِّكر في ال َّسلام‪ .‬إَّننا نعتقد أ َّن ال َّسلام يعني عدم القتال وتو ُّقف‬
‫الحرب‪ ،‬وأ ْن تكون العلاقات خالية من الخلافات والاختلافات‪،‬‬
‫هذا ما ُنطِل ُق عليه‪ ،‬بحسب ُمعتقدنا‪ ،‬ال َّسلام‪ .‬وهو بخلاف ال َّسلام‬
‫الذي جاء المسيح ليعمله وُيل ِقيه في أرضنا‪ .‬فكان ك َمن ُيجري عمًل‬
‫جراحًيا ضرورًيا في عقولهم‪ ،‬لاستئصال تلك الأفكار غير ال َّصحيحة‬
‫عن ال َّسلام‪ ،‬تلك التي تر َّسبت في عقولهم‪ ،‬من الَّتفسيرات الخاطئة‬
‫لطبيعة شخصية المسيا‪ .‬إَّنه لا يريد نوعَّية الخادم الذي يستسلم‬
‫لل ُّظروف ويت َقْو َقع حول نفسه‪ ،‬ويتنا َزل عن حقوقه ومبادئه‪ ،‬بل يريد‬

‫الخادم القادر على ثلاثة أمور‪:‬‬
‫‪ .1‬الذي يكون قاد ًرا على احتمال الُمعاناة والآلام من أجل‬

‫الأهداف ال َّسامية‪.‬‬
‫‪ . 2‬الذي يكون قاد ًرا على اِّتخاذ القرارات ال َّصعبة في الأوقات‬
‫ال َحِر َجة‪ ،‬حتى لو كَّلفته قطع علاقاته بأقَرب الناس إليه‪ ،‬وأعز‬
‫الأشياء لديه‪ .‬المطلوب منه موق ًفا جذرًيا كالسيف‪ ،‬لا يقبل الَّتعديل‬

‫أو التزييف‪.‬‬
‫‪ .3‬الذي يكون قاد ًرا على استيعاب الَّنتائج الحتمَّية الُمتو َّقعة‪ ،‬كرّد‬
‫ِفع ٍل لرسالته‪ .‬فيرفض أن ُي ْم ِسك بالعصا من ُمنتصفها‪ ،‬ولا ُيضحي‬

‫برؤيته و َمبادئه أمام تلك الَّتحديات‪.‬‬
‫المسيح يريد تلمي ًذا وخاد ًما يكون كال َّسيف‪ ،‬اِّتجاهاته وأهدافه‬

‫‪42‬‬

‫دراسات ومقالات‬

‫واضحة و ُمحَّددة‪ ،‬و ُمستعٌّد دائ ًما للَّتضحية بالَّنفس والَّنفيس‪ ،‬وقادٌر‬
‫على الَّتعامل مع المواقف ال َّصعبة‪ .‬فالابتعاد عن ال َّشر ليس ُجبًنا‪،‬‬

‫والقتا ُل ِمن أجل ال َّسلام ليس شًّرا‪.‬‬
‫"ما جئ ُت لألقي سلا ًما على الأرض"‬
‫يشير الُمصطلحان "سيف‪ ،‬سلام" إلى الإنجاز الأمني الأكبر‬
‫للإمبراطورية الرومانية‪ ،‬أي السلام الداخلي الذي فرضته بالقوة‪.‬‬
‫أما السلام الذي يأتي به يسوع فليس مبنًّيا على العنف وفرض‬
‫القوة واستغلال الضعيف‪ .‬فكان يعني بقوله‪َ" :‬لم آ ِت لأفرض سلا ًما‬
‫بالقوة‪ ،‬ولا لأصنع سلا ًما وقتًّيا ُمزَّي ًفا في الَّثروة وال ُّسلطة‪ ،‬ولا ال َّسلام‬
‫ال َّضعيف ال َه ّش الَمشبوه‪َ .‬لم آ ِت لأوا ِفق وأصادق على ال َفساد والانحلال‬
‫والاستغلال‪ .‬لم آ ِت لأو ِّفق بين الُمتناقضات‪ .‬بل جئ ُت لأصنع سلا ًما‬
‫يقوُد إلى ضيقا ٍت وانقساما ٍت‪ ،‬لأن الّنور قد جاء إلى العالم‪ ،‬ولكن‬
‫الناس أحُّبوا ال ُّظل َمة أكثر ِمن الُّنور‪ ،‬لأ َّن أعمالهم كانت شريرة‪ ،‬وال َعْي ُن‬
‫المريضة تكَره الُّنور دائ ًما‪ .‬فال َّسلام الذي جئ ُت به أكبر من ُمجَّرد حالِة‬
‫عدم ال ِقتال وعدم الانزعاج‪ ،‬وأكبر من ال َّسلام العائلي والاجتماعي‬
‫وال ّسياسي والاقتصادي‪ .‬إَّنه سلا ُم ال َّضمير بإعادة العلاقة ال َّصحيحة‬
‫مع الله‪ .‬وتحقيق هذا ال َّسلام قد يؤدي إلى انقسامات حاَّدة من حيث‬
‫الاستجابة ال َّشخصية للرسالة‪ ،‬حتى أَّنه قد يق َطع الَّروابط العائلية"‪.‬‬
‫وهو ما ُتعِّبر عنه كلمتا (الَّنار‪ ،‬وال َّسيف) في إنجيل ّي متى ولوقا‪.‬‬

‫سيف المسيح‬
‫ال َّسيف من أكثر الأسلحة ِذكًرا في أسفار الكتاب المقَّدس‪ ،‬وكان‬
‫ُيستخ َدم في ال َق ْطع وال َّط ْعن‪ ،‬وكان استلال ال َّسيف يعني الَّدعوة للقتال‪.‬‬
‫وقد استخدم الأنبياء والُّرسل "ال َّسيف" َمجا ًزا‪ .‬فيقول بولس‪َ " :‬سْي َف‬
‫الُّرو ِح اَّل ِذي ُهَو َكِل َمُة اللِه" (أفسس ‪ /17 :6‬عبرانيين ‪ ،)12 :4‬لبيان أن‬

‫‪43‬‬

‫كلمة الله هي سلاح الُمقاومة أمام هجمات إبليس‪ ،‬وأَّنها فاحصة لك ّل‬
‫ما في داخل الإنسان‪ .‬كما اسُتخ ِد َمت الكلمة ِكناَية عن الُمضايقات‬
‫والآلام ال َّشديدة‪ .‬قال سمعان الشيخ لمريم أ ّم يسوع‪َ " :‬وَأْن ِت َأْي ًضا‬
‫َي ُجوُز ِفي َن ْف ِس ِك َسْي ٌف" (لوقا ‪ .)35 :2‬وفي قول المسيح بحسب الَّنص‬
‫الُمنا ِظر في (لوقا ‪ )51 :12‬استخدم لوقا كلمة "انقسام" بدًل من كلمة‬

‫" َسْيف"‪ ،‬التي استخدمها مَّتى‪ ،‬وهي تعطي المعنى نفسه وتشرحه‪.‬‬
‫إ ّن قوله "جئ ُت لألقي سي ًفا" لا يقصد أ َّن ذلك ال َّسيف هو الهدف‬
‫من مجيئه‪ ،‬بل إَّنه الَّنتيجة الحتمَّية لمجيئه وانتشار إنجيله‪ .‬فَلم يأ ِت‬
‫المسيح لُيمِّزق الَّروابط العائلَّية‪ ،‬لكَّنه انقساٌم ُيؤ َسف له‪ُ ،‬رغم أَّنه‬
‫لا م َفَّر منه‪ .‬فرسالته ستكون كال َّسيف الذي يق ِسم ويف ِصل َبْين َمن‬
‫يسمعون وَي ْقَبلون ويؤمنون وُي ْقِبلون إليه‪ ،‬وَبْين َمن يسمعون ويرفضون‬
‫وينصرفون عنه‪ .‬فالكلام هنا عن انقسا ٍم من ناحية الاستجابة‬
‫ال َّشخصية لرسالة المسيح وإنجيله‪ .‬قد يحدث هذا الأمر في العائلة‬
‫الواحدة‪ ،‬عندما ي ْقَبل بع ُض أفرادها الإيمان المسيحي‪ ،‬بينما ير ُف َضه‬
‫بع ٌض آ َخر‪ .‬كما حدث لبولس عندما آ َمن بالمسيح وتغَّيرت حياته‬

‫وتغَّير اسمه‪ ،‬فطرده أهله من البيت‪.‬‬
‫فال َّسيف الذي جاء المسيح لُيْل ِقيه على الأرض‪ ،‬لا ُيشير إلى صرا ٍع‬
‫عسكري ُمسَّلح‪ ،‬بل إلى انقسام اجتماعي حاٍّد‪ ،‬قد َي ِص ُل إلى َق ْطع‬
‫أوَثق الَّروابط العائلية‪ .‬هذا ال َّسيف لن ُيفارق الأرض طالما هناك َحٌّق‬
‫وباطٌل ُيقا ِوم أحد ُهما الآخر‪ .‬لأ َّن عمل ال َّسيف هنا هو الَّتمييز َبْين‬
‫ال َح ِّق والبا ِطل‪ .‬إ ًذا‪ ،‬فالمسيح لم يأ ِت لُيمِّزق الَّروابط العائلَّية‪ ،‬لكن‬
‫الانقسام الذي يحدث أ ْمٌر لا َم َفَّر منه‪ ،‬إَّنه يحدث في ُمجَتم ٍع واحد‪ ،‬وفي‬
‫عائلة واحدة؛ حَّتى داخل الفرد الواحد نفسه‪ ،‬يحدث ذلك الانقسام‪.‬‬
‫فعندما يدخل المسيح إلى القلب ينقسم الإنسان على نفسه وُيصب ُح‬

‫‪44‬‬

‫دراسات ومقالات‬

‫إنساًنا عتي ًقا وآ َخر جدي ًدا‪ ،‬يقوم بينهما صراٌع لا يهدأ‪ ،‬وُيقاِوم أحد ُهما‬
‫الآ َخر (غلاطية ‪.)18-16 :5‬‬
‫نار المسيح‬

‫هذا ما أراد المسيح أن يقوله في ُمنا َسبة أخرى (لوقا ‪ِ " )49 :12‬جْئ ُت‬
‫لُأ ْل ِق َي َنا ًرا َعَلى الَأ ْر ِض‪َ ،‬ف َما َذا ُأ ِري ُد َلِو ا ْض َطَر َم ْت؟"‪ .‬والَّنار ُتستخدم‬
‫في الكتاب الُمقَّدس َمجا ًزا أي ًضا لت ُد ّل على حضور الله‪ ،‬أو الَّتطهير‪،‬‬
‫أو الغ َضب‪ ،‬أو الدينونة‪ ،‬أو الاضطهاد والألم‪ ،‬أو الحما َّسة الُملت ِهَبة‪.‬‬
‫وهي هنا ُتعطي معنى الألم ال َّشديد الناتج عن ذلك الانقسام العائلي‬
‫والاجتماعي الحاّد‪ .‬أما نتيجة تلك الَّنار الحتمَّية فهي‪ :‬اضطهاد وقتّي‬
‫للمؤمنين‪ ،‬ودينونة للأ ْشرار‪ .‬فالَّنار ُتط ِّهر وُتنّقي‪ ،‬كما ت ْحِرق وُتد ِّمر‪ .‬هذا‬
‫هو الَّتأثير الُمزد َوج الذي ُيحدثه إنجيل المسيح‪ ،‬فهو يفِّرق ويمِّيز َبْين‬
‫الَّناس‪ .‬إَّنه أ ْص َعب اختبار في حياة المؤمن‪ ،‬أ ْن يكون أعداُء الإنسان‬
‫أ ْه ُل بيته‪ .‬ليس هناك اختبار أكثر َمرارة من أ ْن ت ِقف ُأ ْسَرتك ضَّدك‪،‬‬

‫‪45‬‬

‫لأَّنك آمن َت بالمسيح وتريد أن تخدمه وتتم َّسك بحِّقه وبكلمته‪ .‬هذه‬
‫هي الَّنار التي جاء المسيح لُيلقيها على الأرض‪.‬‬

‫وفي هذا قال بولس الرسول في (‪1‬كورنثوس ‪" :)15-10 :3‬إ َّن أعمال‬
‫الذين َيْنتمون للمسيح نوعان‪ :‬الأول من فئة الَّذهب والِّف َّضة والحجارة‬
‫الكريمة‪ .‬الثاني من فئة الخشب والق ّش وال ُع ْشب‪ .‬هذه ال ِّسَّتة ُت ْمَتح ُن‬
‫بالَّنار‪ .‬فالَّنار هي التي ُتمِّيز بينها‪ ،‬فتحرق الخشب وال ُعشب والق ّش‪،‬‬
‫بينما ُتنّقي الَّذهب والف َّضة والحجارة الكريمة"‪ .‬هذا ما تعمله رسالة‬
‫المسيح الَّنارية‪ ،‬إنها تك ِشف حقيقة الناس‪ .‬فتكون لَب ْع ٍض إحياًء‬
‫وتطهيًرا وتن ِقَية‪ ،‬ولَب ْع ٍض آ َخر إ ْحرا ًقا وتدميًرا وعذاًبا‪ .‬والَّنار هنا تقوم‬
‫َمقام ال َّسيف في كلام المسيح ال َّسابق‪ .‬وتحمل أي ًضا إشارة إلى َمعمودَّية‬
‫الَّنار التي قال فيها يوحنا المعمدان إ َّن المسيح سيعِّمد بالروح القدس‬
‫ونار (متى ‪ُ ،)11 :3‬معَتِبًرا أ َّن عمل الروح القدس في قلب المؤمن يكون‬

‫بَمثابة عمل الَّنار‪ ،‬التي ُتنّقي القلب وتط ِّهر ال َّضمير‪.‬‬
‫إن وجود المسيح في الحياة سوف ُيسِّبب تلقائًّيا انقسا ًما‪ ،‬لأ َّن‬
‫طبيعة المؤمن الجديدة‪ ،‬وسلوكه الجديد‪ ،‬و ِفكره المسيحي الجديد‬
‫الُمستنير‪ ،‬سوف ُيثير ويسَت ِفّز ُقَوى ال َّظلام وال َّشر‪ .‬فَيح ُدث انقساٌم‬
‫نار ّي‪ ،‬أوًل داخلًيا في حياة ذلك المؤمن‪ ،‬وثانًيا خارجًيا َبْينه وَبْين‬
‫الأشرار والُمعاندين لح ّق المسيح‪ ،‬وبينه وبين الُمجتمع الُمقاِوم ل ِف ْكر‬
‫المسيح‪ .‬إ ًذا‪ ،‬رسالة المسيح رسالٌة نارَّية‪ .‬فهي ِمن جاِن ٍب‪ ،‬تحِرق‬
‫الانفعالات البشرَّية ال َّطبيعَّية الفا ِس َدة‪ ،‬و ِمن جان ٍب آ َخر‪ ،‬هي عَّلة‬
‫اضطهاد العاَلم للمؤمنين‪ .‬يقول المسيح عن هذه الَّنار‪" :‬فماذا أري ُد‬
‫لو ا ْض َطَر َمت؟"‪ ،‬في ترجما ٍت أخرى‪" :‬كم أري ُد أن تكون قد اشَت َعَلت"‪،‬‬

‫"أري ُدها أن تشت ِعل"‪.‬‬
‫لقد جاء لُيش ِعل هذه الَّنار‪ ،‬وليس لُيط ِفئها‪ .‬وقد بدأ بإشعالها‬

‫‪46‬‬

‫دراسات ومقالات‬

‫بتعاليمه وبحياته‪ ،‬كما بموته وقيامته وإرساله الروح القدس‪ ،‬وقد‬
‫اشتعلت يوم آمن بعض به فرفضهم أهلهم‪ .‬فإنه بسبب رسالته‬
‫الَّنارية سوف يحدث الانقسام والَّتمييز َحت ًما َبْين المؤمن الُمتط ِّهر‬
‫بهذه الَّنار‪ ،‬وَبْين الإنسان الُمحَتِرق بها‪ .‬وكذلك َبْين ِفكر المسيح الُمنير‬
‫الُمستنير‪ ،‬وَبْين ِفكر العاَلم الفاسد الُم ْف ِسد‪ .‬هذه الَّتفر َقة هي نتيجة‬
‫حتمَّية وطبيعَّية لعمل المسيح ولرسالته‪ .‬أ َّما كلمة "َلْو" هنا فهي‬
‫لْي َست شرطَّية‪ ،‬كأَّنه قال‪" :‬لا أستطيع أن أفعل شيًئا لو اشَت َعَلت"‪.‬‬
‫لأ َّن حرف "َلْو" هنا حرف َت َمّني‪ ،‬فكأَّنه قال‪" :‬ليتها اشَت َعَلت‪ ،‬هذا هو‬

‫َم ْطَلبي وهذه أ ْمِنيتي‪ ،‬وإن كن ُت أَّول الُمحتر ِقْي َن بل ِهْيبها"‪.‬‬
‫لقد جاء المسيح‪ ،‬لا لُيلقي سلا ًما ضعي ًفا ه ًّشا َم ْغشو ًشا‪ ،‬سياسًيا‬
‫أو اجتماعًيا‪ ،‬بل جاَء لُيلقي ب َسْي ِف كل َمِته إلى العالم‪ .‬ولذلك ال َّسيف‬
‫نتيجتان ُمتناقضتان‪ ،‬كم ْشَرط الجَّراح‪ ،‬الذي ُيداوي وَي ْق َطع‪ ،‬وكالَّنار‬
‫التي ُتط ِّهر وَت ْحِرق‪ .‬والأمر يتو َّقف على نوعَّية القلب الذي يسمع‬
‫كلمته‪ .‬فعندما نضع قطعة كريستال وقطعة فحم تحت أش َّعة‬
‫ال َّشمس‪ ،‬سوف يظهر بوضوح لمعان الكريستال الَّرائع‪ ،‬بينما يبقى‬
‫الفحم بلونه الأسود المقيت‪ ،‬أي ًضا بك ّل وضوح‪ .‬فلَنطُلب من الَّر ّب أن‬
‫يح ِسم ذلك ال ِّصراع الذي فينا لصالحه‪ ،‬فإ َّن " َكِل َمَة اللِه َحَّيٌة َو َف َّعاَلٌة‬
‫َوَأ ْم َضى ِم ْن ُك ِّل َسْي ٍف ِذي َحَّدْي ِن " (عبرانيين ‪ .)12 :4‬فلَي ْج َعل كلمته‬
‫كال َّسيف الذي يف َحص وُيفِّرق‪ ،‬فَت ِصل إلى ك ِّل ما هو دقيق ورقيق‬
‫وخف ّي في داخلنا‪ ،‬وَت ْعزل ك ّل ما هو خبيث وفاسد وغير لائق به‪ ،‬في‬

‫أفكارنا وأقوالنا وأفعالنا وردود أفعالنا‪.‬‬

‫‪47‬‬

‫‪ 3‬درس كتاب‬

‫مق ّدمة إلى الأبوكريفا (‪:)1‬‬
‫سفر ابن سيراخ‬

‫سفر حكمة سليمان‬
‫سفر باروخ ورسالة إرميا‬


Click to View FlipBook Version