الراعي والرع ّية ،والخدمة الاجتماعية
الواعظ ربيع طالب
حائز على
إجازة في العلوم الاجتماع ّية
ماجيستير في الألوه ّيات
نيسان2019 ،
المحتويات:
المقدمة :الراعي والرع ّية 3 ......................................................
الكنيسة والتد ّخل الاجتماعي 9 .................................................
تح ّديات الراعي مع الرع ّية14.....................................................
الاضطراب العقلي 15........................................................
الإدمان 19.......................................................................
الصدمة والإرهاب 24.........................................................
الإعاقة الجسد ّية 28...........................................................
البحث السوسيولوجي واكتشاف الظواهر الاجتماع ّية 35.................
كتابة استمارة الاستبيان 38.................................................
ُمعالجة ال ُمعطيات وتحليلها 41.............................................
أفكار لتطوير الخدمة الاجتماع ّية في السينودس 46.......................
المراجع 52...........................................................................
المق ّدمة :الراعي والرع ّية
المق ّدمة :الراعي والرع ّية
ِم َن العبارات الجميلة التي سمعتها خلال دراستي في
كل ّية اللاهوت للشرق الأدنى ،ولا زالت محفورة في ذاكرتي،
هي" :إ ّن اللاهوت العملي يبدأ بالتطبيق والتأ ّمل بالتطبيق" .إ ّن
هذه العبارة تعكس حقيقة واضحة ومتوازنة .أقول متوازنة،
لأ ّننا عادة ما نميل كمسيح ّيين لنأخذ طرفا على حساب الآخر،
ف ِم ّنا من ُيش ّغل يديه ورجليه في الخدمة ُمهملا نم ّوه الفكري،
و ِم ّنا من ُيش ّغل عقله وفكره في التع ّمق اللاهوتي ُمهملا الش ّق
العملي .لكن في الحقيقة ،فح ّتى اللاهوت الرعوي العملي،
3
يتط ّلب تأ ّملا وتحليلا لك ّل عمل يقوم به الراعي ،ل ُيناسب لاهوته
وإيمانه.
نحن كرعاة إنجيل ّيين ،وبالرغم من الخدمات الكثيرة التي
نسعى لتقديمها في ُمجتمعاتنا ،نميل بوضوح للطرف الثاني
الذي يسعى في كل الأوقات لتغذية الفكر .لذا نرى على سبيل
المثال كيف أ ّن الإرسال ّيات التي أتت للشرق في مطلع القرن
التاسع عشر ،أخذت تبني المدارس والمؤسسات التربوية أ ّولا.
المشكلة ليست في التع ّمق اللاهوتي ،ولا في الخدمة
العمل ّية ،إنما في اختيار واحدة وإهمال الأخرى .ليصبح الأ ّول
لاهوتيا فقط ،والثاني خادما فقط .وما الحاجة في كنائسنا
سوى لرعاة ،بك ّل ما للكلمة من معنى.
"ال َّر ُّب َرا ِع َّي َفلَا ُي ْع ِو ُز ِني َش ْي ٌءِ .في َم َراع ُخ ْضر ُي ْر ِب ُض ِنيِ .إَلى ِم َيا ِه
ال َّرا َح ِة ُيو ِر ُد ِنيَ .ي ُر ُّد َن ْف ِسيَ .ي ْه ِدي ِني ِإَلى ُس ُب ِل اْل ِب ِّر ِم ْن َأ ْج ِل ا ْس ِم ِه.
َأ ْيضا ِإ َذا ِس ْر ُت ِفي َوا ِدي ِظ ِّل اْل َم ْو ِت لَا َأ َخا ُف َشرا ،لَأ َّن َك َأ ْن َت
َم ِعيَ .ع َصا َك َو ُع َّكا ُز َك ُه َما ُي َع ِّز َيا ِن ِنيُ .ت َر ِّت ُب ُق َّدا ِمي َما ِئ َدة ُت َجا َه
ُم َضا ِي ِق َّيَ .م َس ْح َت ِبال ُّد ْه ِن َر ْأ ِسيَ .ك ْأ ِسي َر َّياِ .إ َّن َما َخ ْي ٌر َو َر ْح َم ٌة
َي ْت َب َعا ِن ِني ُك َّل َأ َّيا ِم َح َيا ِتيَ ،و َأ ْس ُك ُن ِفي َب ْي ِت ال َّر ِّب ِإَلى َم َدى
الَأ َّيا ِم( ".مزمور )23
4
المق ّدمة :الراعي والرع ّية
يبدأ كاتب المزامير واحد من أشهر مزاميره بعبارة "الر ّب
راع ّي" .هذه العبارة تو ّضح دورنا كرعاة ،فالراعي يمتلك َد ْوران
ُمه ّمان :الأ ّول له علاقة بالرحلة ،حيث يقود الراعي الخراف
ويهديهم إلى الأمكنة الأفضل ،وخلال السير هو يحمي خرافه
ِم َن ال ّشرِ ،م ْن خط َر ْين ُهما :ال َت َوهان فير ّدهم بالع ّكاز ،والذئاب
يضربهم بالعصا .أ ّما الدور الثاني فهو تأمين الغذاء ،العشب
الأخضر والمياه الج ّيدة للخراف.
إذا انتقلنا للعهد الجديد سنرى الكثير من الأمكنة حيث
استخدم ال ّرب يسوع صورة الراعي (مثل :أنا هو الراعي الصالح...
يوحنا .)11 :10واحد من النصوص التي أريد التركيز عليها هو
يوحنا ،17-15 :21إ ّنه النص الشهير في نهاية إنجيل يوح ّنا،
حيث يسأل المسيح بطرس "أتح ّبني؟" .إذا وضعنا قسم
التساؤل جانبا في دراستنا هذه ،ور ّكزنا على ر ّد المسيح بعد
جواب بطرس ،سنأخذ تعليما مفيدا لنا كرعاة.
" َف َب ْع َد َما َت َغ َّد ْوا َقا َل َي ُسو ُع ِل ِس ْم َعا َن ُب ْط ُر َسَ « :يا ِس ْم َعا ُن ْب َن ُيو َنا،
َأ ُت ِح ُّب ِني َأ ْك َث َر ِم ْن ه ُؤلَا ِء؟» َقا َل َل ُهَ «:ن َع ْم َيا َر ُّب َأ ْن َت َت ْع َل ُم َأ ِّني
ُأ ِح ُّب َك»َ .قا َل َل ُه« :ا ْر َع ِخ َرا ِفي»َ .قا َل َل ُه َأ ْيضا َثا ِن َيةَ «:يا ِس ْم َعا ُن ْب َن
ُيو َناَ ،أ ُت ِح ُّب ِني؟» َقا َل َل ُهَ «:ن َع ْم َيا َر ُّبَ ،أ ْن َت َت ْع َل ُم َأ ِّني ُأ ِح ُّب َك»َ .قا َل
َل ُه«:ا ْر َع َغ َن ِمي»َ .قا َل َل ُه َثا ِل َثةَ «:يا ِس ْم َعا ُن ْب َن ُيو َناَ ،أ ُت ِح ُّب ِني؟»
َف َح ِز َن ُب ْط ُر ُس لَأ َّن ُه َقا َل َل ُه َثا ِل َثةَ :أ ُت ِح ُّب ِني؟ َف َقا َل َل ُهَ « :يا َر ُّبَ ،أ ْن َت
5
َت ْع َل ُم ُك َّل َش ْيءَ .أ ْن َت َت ْع ِر ُف َأ ِّني ُأ ِح ُّب َك»َ .قا َل َل ُه َي ُسو ُع«:ا ْر َع
َغ َن ِمي»".
إ ّن إنجيل التلميذ الحبيب ،إذا تع ّمقنا بلاهوته وسرده
للأحداث والمنافسة الواضحة بين التلميذ الحبيب من جهة
وبطرس الرسول من جهة أخرى ،يحمل في آياته دمجا بين سيرة
حياة المسيح والأحداث ال ُمرافقة وبين سيرة حياة كنيسة التلميذ
الحبيب نفسها .ونرى كيف أنه في الإصحاح الأخير ،يعطي الرب
مسؤول ّية ال ِرعاية لبطرس وليس التلميذ الحبيب ،بعض
اللاهوتي ّين يرجعون ذلك إلى موت التلميذ الحبيب ونقل
الكنيسة من رعايته الى رعاية بطرس الرسول.
ما يهم ّنا الآن هو طلب المسيح ِم ْن بطرس رعاية ال ِخراف،
فالحوار بين المسيح وبطرس يجب أن يكون جاهزا في أذهاننا
حين نتس َّلم كرعاة مسؤول ّية رعاية الكنيسة .المسيح لم ير ّدد
نفس الكلمات بعد أجوبة بطرس الثلاثة .ففي ترجمة فاندايك
العربية ،يجيب المسيح بعبار َت ْين ُهما :ارع خرافي وارع غنمي .أ ّما
في اللغة اليونانية ،فالأمر ُمختلف لتكون ردود المسيح الثلاثة
كالتالي:
6
المق ّدمة :الراعي والرع ّية
في الآية ُ ،15تلفظ boske •
،ta arnia mouوترجمتها الحرف ّية هي :أطعم أو غ ّذي
في الآية ُ ،16تلفظ ِحملاني (صغار الخراف).
•
،poimaine ta probata mouوترجمتها الحرفية هي: •
إرع (بمعنى ُقد إلى الحقل) خرافي.
في الآية ُ ،17تلفظ
،boske ta probata mouوترجمتها الحرفية هي:
أطعم أو غ ّذي خرافي .لكن كلمة probataمكتوبة في
الكثير من المخطوطات )Nesle Aland( probatia
فتصبح ترجمتها ِحملان (صغار الخراف) وليس خراف.
ِبغ ّض النظر عن ترجمة الآية ،17سواء كانت أطعم ِخرافي
أو أطعم ِحملاني ،من المهم أن نعرف بأ ّن المسيح تق ّصد إعطاء
بطرس هذين ال َد ْورين المه ّمين :إطعام وقيادة ...بكلمات أخرى،
على الراعي أن يعمل على قيادة الكنيسة لمكان أفضل روحيا،
لكنه مدع ٌّو أيضا للاهتمام بحاجات الإنسان اليوم ّية وخا ّصة
لل ِصغار الذين هم في أم ّس الحاجة للمساعدة.
إن خدمة الراعي لرع ّيته ،سواء كانت في التعليم والقيادة أم في
الاعتناء بالإنسان وحاجاته ،ليست مسؤول ّية الراعي ا ّتجاه رعيته
7
وحسب ،بل أيضا اتجاه ر ّب الرع ّية ،الذي قال لبطرس "ارع
خرافي" وليس ارع الخراف.
يقول اللاهوتي ويليام ويليمون (Willimon 2002,
) 91بأ ّن الراعي في فترات مع ّينة كان ُيدعى من الناس بأسماء
أخرى ،ف ُدعي لقرون مثلا " "curatesال ُمشت ّقة من اللاتينية
" ،"cura animarumوالتي معناها " ِشفاء الأرواح" .وكان
ُيدعى أيضا " "parsonال ُمشتقة من اللاتين ّية "،"persona
وتعني الشخص .فالراعي هو ذلك الشخص الذي يكون دائما
بجانب الرع ّية ك ّلما احتاجته .لذلك ليس من السهل أن يكون دور
الراعي الاهتمام بحياة الناس الروح ّية من جهة ،وحاجاتهم
وتحدياتهم البشر ّية من جهة أخرى.
8
الكنيسة والتد ّخل الاجتماعي
الكنيسة والتد ّخل الاجتماعي
في علم الاجتماع" ،التد ّخل الاجتماعي" يأتي مرتبطا
بالدولة ،ف ِمن مسؤول ّيات الدولة الطبيع ّية التد ّخل الاجتماعي
ل ُمساعدة المواطنين و ُأ َس ِرهم على العيش بكرامةُ ،مط ّبقة
الوثيقة العالم ّية ل ِشرعة حقوق الإنسان التي صدرت من باريس
في العام ،1948والتي تقول أ ّن "لك ّل فرد باعتباره عضوا في
المجتمع الحق بالضمان الاجتماعي ،والحق في أن يعيش في
مستوى يكفل له ولأسرته الص ّحة والرفاه ّية" (عط ّية ،2002
.)12
9
لكن في منطقتنا ،وبسبب تقاعس "الدولة" عن القيام
بواجباتها ،وجدت الكنيسة نفسها ُمجبرة على لعب هذا الدور
للتخفيف ِم ْن مشاكل رعاياها الاجتماع ّية .فإ ّن الوضع
الاقتصادي الس ّيء الذي نعيشه في بلداننا ،له تأثيرات سلب ّية
على الناس ،ولا تستطيع الكنيسة عزل رعاياها عن تأثيراته.
خا ّصة أ ّن التد ّخل الاجتماعي الذي يجب على الدولة تب ّنيه له
مجالاته الواسعة التي تطال أولاد الطائفة ،وهي:
oالبطالة
oالأرامل وال ُمط ّلقات ذات الأطفال
oالشيخوخة والعجز
oالمرض والإصابات
oالمساعدات الاجتماعية
oالتد ّخل الاجتماعي الريفي (عط ّية )18-17 ،2002
ك ّل هذه الحالات تستدعي تد ّخل الدولة للمساعدة ،أ ّما
في حالتنا حيث التد ّخل الاجتماعي للدولة ضعيف مقارنة بالدول
ال ُمتق ّدمة ،أصبح للكنيسة تح ّديات جديدة يجب أن تتعامل معها
للح ّد من المشاكل الاجتماع ّية التي تؤ ّثر بشكل مباشر على
أبنائها ورعاياها .هذا الأمر ُمربك فعلا ،لكن علينا أن نتذ ّكر أ ّن
الكنيسة الإنجيل ّية كانت الس ّباقة في التد ّخل الاجتماعي للح ّد ِمن
الظلم والاستغلال .دون أن ننسى أ ّنه ِمن الأسباب التي
10
الكنيسة والتد ّخل الاجتماعي
ساهمت في اندلاع حركة الإصلاح الإنجيلي ،مع التأكيد على
الأسباب اللاهوت ّية الكثيرة أيضا ،كان ال ُظلم الاقتصادي الذي
عاناه الناس بسبب الاستغلال الما ّدي الذي مارسته الكنيسة.
ِمن أقوال كريستوفر كولومبوس ( )1506 – 1451التي تصف
الوضع آنذاك نذكر" :يظهر أ ّن من امتلك الذهب امتلك ك ّل
شيء ،ح ّتى دخوله الج ّنة".
بل وأكثر ِمن ذلك ،يعيد ماكس فيبر (أحد أهم علماء
الاجتماع) السبب وراء الانتقال من النظام الإقطاعي إلى النظام
الرأسمالي للبروتستانت ّية ،وبالتحديد إلى الكالفين ّية.
فالبروتستانت ّية بشكل عام ،ر ّكزت على ثلاثة مبادئ اجتماع ّية
وهي :العمل ،التق ّشف ،والعلم .أي أ ّنه على الانسان أ ْن يعمل
بجهد ُمبتعدا عن الكسل والبطالة ،فالعمل ليس لمج ّرد العمل،
لكن يوجد دعوة روح ّية للعمل الجاد ،رابطين ذلك الى محاولة
عيش ملكوت الله .كما أن المؤمن الحقيقي يجب أن يعيش
حياة التق ّشف ،فلا يصرف أمواله لإشباع رغباته .في نفس
الوقت ،ش ّجعت الكالفين ّية على استثمار الأموال ال ُمكتسبة ،فلا
يتم شراء "السماء" بها ،ولا ح ّتى اكتنازها وتخبئتها ،إ ّنما
الاستثمار بها في ميادين انتاج ّية جديدة (مرعبي .)49 ،2009
الأمر الذي ح ّرك العجلة الاقتصاد ّية وخلق ُفرص عمل جديدة
للآخرين.
11
كما كانت الكالفين ّية تح ّث على تع ّلم العلوم الاختبار ّية،
لأ ّنها ُتساهم على تنظيم حياتهم وأعمالهم ومؤ ّسساتهم،
بعكس النمط الاقطاعي الذي كان ي ّتصف بالكسل ،فكان
تفكيرهم مشابه للتفكير البرجوازي (مرعبي .)49 ،2009فنرى
بأن البروتستانت ّية بشكل عام ،والكالفين ّية بشكل خاص ،كان لها
اليد الواضحة في التد ّخل الاجتماعي والاقتصادي لتحرير العالم
من احتكار وجشع النظام الاقطاعي.
غير أ ّنه في منطقتنا يوجد ما ُيص ّعب مه ّمة التد ّخل
الاجتماعي ،ويزيد من الضغط والعبء على كاهل الكنيسة.
والظروف الأمن ّية الدقيقة هي واحدة من المعيقات التي لها
تأثيراتها السلب ّية الكثيرة ،أه ّمها :إضعاف الاقتصاد الأمر الذي
يزيد ِمن البطالة والفقر ،الهجرة الخارج ّية التي ُتف ّرق و ُتق ّسم
العائلات ،التهجير القسري الذي ُيس ّبب النزوح الداخلي وال ّلجوء
الخارجي ،زيادة عدد ال ُمع ّوقين جس ّديا ،والصدمة )(Trauma
التي تؤ ّثر سلبا على نفس ّية الناس والمعالجة تأخذ وقتا كبيرا...
ك ّل هذه التح ّديات على الراعي التعامل معها ،فعلى
سبيل ال ِمثال ،تخ ّيل أنك ت ِعظ شخصا في كنيستك يعاني ِمن
الصدمة التي ُتضعف عنده الرجاء و ُتق ّلل الفرح ،سيكون لديه
تساؤل واحد "هل سأبقى غدا هنا؟" .في ِكتاب "مسيح ّيو
12
الكنيسة والتد ّخل الاجتماعي
الشرق :خيار البقاء وإرادة الرجاء" لحبيب أفرام ،ينشر في إحدى
الصفحات ال ُمق ّدمة التالية:
"لا قاعدة
ولا بن لادن
يسرق م ّنا الفرح والرجاء.
نحن عبر التاريخ كان عنقنا دائما أقوى ِم َن السيف.
لن تتو ّقف حياتنا.
سهراتنا ُمغ ّمسة بالدم ،لأ ّن هناك مرمى قلب،
ف ّجر الإرهاب مذبح كنيستنا.
لك ّنهم لن يقتلوا فينا سحر الحياة( "...افرام ،2014
.)356
13
تح ّديات الراعي مع الرع ّية
لا تخلو خدمة الراعي ِم َن التح ّديات مع رع ّيته ،منها
الطبيع ّية ومنها الاستثنائية .في هذه المقالة سنتو ّسع في
التح ّديات الاستثنائ ّية التي قد ُتربك الراعي بشكل كبير ،إلى أن
يسأل نفسه "ماذا أفعل الآن؟ كيف أتص ّرف؟"...
سأسرد ع ّينة عن بعض التح ّديات التي قد تواجه الراعي،
شارحا أسبابها ،نتائجها ،وكيف ّية التعامل معها .وهذه هي
التح ّديات التي سنتناولها :الاضطراب العقلي – الإدمان –
الصدمة والارهاب – الإعاقة الجسد ّية.
14
تح ّديات الراعي مع الرع ّية
الاضطراب العقلي
إ ّن الاضطراب
العقل ّي يأخذ أشكالا
ُمختلفة ،لمعرفة كيف ّية
التعامل مع الشخص
علينا أن نعرف أكثر عن
حالته المرض ّية .في
بلداننا ،غالبا ما نو ّحد حالة ال ُمضطربين عقليا ،فنقول عنهم
جميعا صفة واحدة وهي "مجنون أو ُمختل" ،واستخدام هذه
الصفة إذا دّلت على شيء ،فهو على مدى الجهل الذي نعيشه
في مجتمعاتنا.
هذه لائحة ببعض أنواع الاضطرابات العقل ّية:
)(Collins 2007, 636
.1اضطرابات عقل ّية ُمب ّكرةُ ،تكتشف في مرحلة الطفولة:
تأ ّخر عقلي ،اضطرابات في التع ّلم ،اضطرابات في
المهارات الحرك ّية ،اضطرابات في التواصل ،اضطرابات
في النمو ،اضطرابات في السلوك ،اضطرابات في
الأكل...
.2اضطرابات ادراك ّية :هذيان ،فقدان الذاكرة...
15
.3اضطرابات بسبب مواد ُمع ّينة :كحول ،من ّشطات،
كافيين ،الحشيشة ،كوكايين ،نيكوتين...
.4اضطراب الانفصام في الشخص ّية.
.5اضطرابات المزاج :اكتئاب ،ثنائي القطب.
.6اضطرابات القلق :ذعر ،ارتباك ،خوف (،)Phobia
صدمة (...)Trauma
.7اضطرابات جنس ّية :خلل جنسي (اضطرابات في الرغبة
الجنس ّية ،الاعتداء الجنسي على الأطفال ،تح ّرش،)...
اضطراب في التح ّكم الجنسي (عدم القدرة على التح ّكم
بالدوافع لإقامة العلاقة ،إلحاح واستعجال ،تص ّرفات
عنيفة خلال العلاقة) ،جهل في الهو ّية الجنس ّية.
إ ّن التأثيرات التي قد تنتج عن الاضطرابات العقل ّية تؤ ّثر في
ع ّدة ا ّتجاهات ،سواء على الشخص نفسه أو ح ّتى على العائلة
المحيطة به .لذا فخدمة الراعي في هكذا تح ّدي يجب أن تطال
الشخص صاحب الاضطراب وعائلته معه أيضا.
لمساعدة الشخص ال ُمصاب بالاضطراب العقلي ،علينا أ ّولا
أن نكتشف أكثر معلومات ممكنة عن حالته المرض ّية ،وخا ّصة
التص ّرفات والأعراض التي يفعلها نتيجة للحالة ،لكي نبقى
ضمن الحدود الآمنة ،لنضمن سلامتنا وسلامة المريض .وهنا،
من المهم أن نحترم خصوص ّيات الشخص والعائلة ،فلا يجوز
16
تح ّديات الراعي مع الرع ّية
للراعي أن يشارك المعلومات مع أي أحدُ .مساعدة الشخص
عمليا تبدأ بالتأ ّكد ِمن التزامه بالعلاج الفيزيائي ،فكما نعرف في
مجتمعاتنا ،الناس عادة ما تبتعد عن الدواء قدر الإمكان ،وتظ ّن
بأ ّنه ِم َن الأفضل أّلا تأخذه إّلا في الحالات التي لا يستطيعون
فيها التح ّمل ،وفي أغلب الأحيان يؤ ّثر هذا الأمر سلبا على ص ّحة
المريض وتح ّسنه ).(Collins 2007, 648
يجب معرفة شبكة علاقات المريض ،وخا ّصة داخل العائلة،
هذا س ُيساعد على بناء خ ّطة عمل ف ّعالة ).(Redding 2012, 39
هذا يعني معرفة من يؤ ّثر في المريض إيجابا ،ومن يؤ ّثر عليه
سلبا .ففي الكثير من الحالات سنرى بأ ّن ح ّل مشكلات أفراد
العائلة وتصحيح التص ّرفات الخاطئة التي يقترفونها ،س ُتخ ّفف
جدا ِمن ح ّدة الاضطراب العقلي عند الشخص .العائلة بأغلب
الأحيان تكون إيجاب ّية أكثر مع المريض عندما يكون صغيرا في
الس ّن ،هذا لأ ّنهم يتأ ّملون أكثر في تح ّسنه مع الوقت .وك ّلما
كان الشخص ال ُمضطرب عقليا أكبر سنا ،ك ّلما أصبح صبر أفراد
العائلة أضيق ،وبالتالي يأس وغضب أكثر ،الأمر الذي ُيع ّقد
الأمور ويزيد الاضطراب.
على الراعي أ ْن ُيش ّجع المريض والعائلة على البكاء أحيانا،
فلا ُمشكلة في ذلك! إ ّن كبت الحزن والغضب داخل الشخص
لا يح ّل المشكلة ،إ ّنما يزيدها .قد يكون الح ّل أيضا في إيجاد
17
جماعة تدعم العائلة ِمن خارج دائرتهمُ ،يمكن أن يكونوا قد
اختبروا أمرا ُمشابها في الماضي ،ولديهم الخبرة والرجاء
الكاف َي ْين لتشجيع العائلة.
إ ّن أخطر ما ُيمكن أن يقوم به الراعي في هكذا حالة هو
إعطاء جرعة أمل زائدة .ففي بعض الأحيان قد يأتي الراعي مع
شعور بأ ّن الله سيفعل حرفيا ما يقول له .علينا أن نعرف بأ ّن
الهدف الأ ّول ليس أن نشفي ،مع أ ّننا نتم ّنى الشفاء ،إ ّنما أن
نكون مع الشخص والعائلة في رحلتهم الصعبة ُمحاولين
المساعدة .لذا علينا أن نكون واقع ّيين مع أنفسنا أ ّولا ،نحن
نفعل أفضل ما ُيمكننا ،لكن عملنا ليس كاملا .إن إعطاء الأمل
للعائلة والشخص هو شيء طبيعي ِم ْن خادم المسيح ،لكن
الأمر ليس "كن فكان" .سيكون ِمن الأفضل أن ُتر ّكز العائلة
على ما ُيمكن عمله ،بدلا ِم َن التركيز على الأمور الصعبة
والمستحيلة ،كيلا يخيب أملهم مع الوقت ).(Collins 2007, 647
ِم َن الأمور العمل ّية التي قد يلجأ إليها الراعي لمساعدة
العائلة هو الطلب ِم ْن شخص ُمتخ ّصص كي ُيق ّدم لأفراد
العائلة التدريب اللازم لكيفية التعامل مع الشخص المضطرب
داخل البيت .ليس ك ّل شخص يمتلك الثقافة الكافية لمعرفة
كيف ّية التعامل والتص ّرف في هكذا حالات ،فقد يجد الأفراد
18
تح ّديات الراعي مع الرع ّية
أنفسهم فجأة بأ ّنهم ُمضط ّرين للتعامل مع الشخص في هذه
الحالة ،خا ّصة إذا حدث الاضطراب فجأة ج ّراء حادثة ُمع ّينة.
يوجد الكثير ِم َن الاقتراحات والخطوات العمل ّية التي قد يلجأ
لها الراعي للمساعدة ،لكن عليه الانتباه قبل كل خطوة يقوم
بها ،كيلا يجعل الشخص والعائلة ُم ّتكلين عليه تماما
) .(Redding 2012, 40إ ّن الاتكال ال ّتام على الراعي يؤ ّثر سلبا
على ِكلا الطر َف ْين ،فهو ُيضعف الإرادة بالتغيير والتح ّسن عند
الشخص والعائلة ،كما "يحرق" الراعي ،فهو في النهاية انسان
لديه قدرة محدودة على التح ّمل.
الإدمان
ما يجمع
المضطربين عقليا مع
ال ُمدمنين هي قدرة
الضعيفة التح ّكم
بأنفسهم .ع ّرفت هيئة
الص ّحة العالم ّية (سنة
)1973الإدمان بأ ّنه حالة نفس ّية وأحيانا عضو ّية ،تنتج عن تفاعل
الكائن الحي مع العقار .ومن خصائص الإدمان نذكر أه ّمها:
19
• الرغبة ال ُمل ّحة في الاستمرار على تعاطي العقار،
والحصول عليه بأي وسيلة. •
زيادة الجرعة بصورة ُمتزايدة ل ُتع ّود الجسم على العقار،
وإ ْن كان بعض المدمنين يظ ّل على جرعة ثابتة.
• الاعتماد النفسي والعضوي على العقار.
• ظهور أعراض نفس ّية وجسم ّية مم ّيزة لك ّل عقار عند
الامتناع عنه فجأة.
• الآثار الضا ّرة على الفرد ال ُمدمن والمجتمع( .الدمرداش
)20 ،1978
غير أ ّن الإدمان هو أشمل ِمن الإدمان على العقار فقط،
فقد يكون الفرد ُمدمنا على تص ّرف ُمع ّين مثل لعب القمار .لذا
فقبل مساعدة ال ُمدمن عمليا ،يجب على الراعي معرفة نوع
الإدمان ،هل هو إدمان على عقار مع ّين – ما ّدة أو مشروب
(كحول ،حشيشة ،كوكايين ،)...أو تص ّرف ُمع ّين (قمار ،مشاهدة
أفلام إباح ّية ،تس ّوق.)...
المدمن على الما ّدة:
يوجد أربعة طرق عمل ّية لمساعدة ال ُمدمن على الما ّدة ،كما
يضعها كولينز في كتابه ) ، (Collins 2007, 693وهي:
20
تح ّديات الراعي مع الرع ّية
التشجيع :يجب تشجيع ال ُمدمن على الاستمرار في عمل ّية •
إعادة التأهيل ،ح ّتى لو شعر بنوع من الاستسلام واليأس.
فالتشجيع سيساعد ال ُمدمن على الاستمرار ،خا ّصة عندما
ُيش ّخص له الناس التح ّسن الذي ي َر ْونه .التشجيع قد يكون
عبر الكلام المباشر مع الشخص وجها لوجه ،أو عبر إيصال
له مشاعر حميمة بأ ّن الكنيسة تهتم لأمره و ُتص ّلي ِم ْن أجله.
وأخيراِ ،م َن الممكن أن ندع الشخص ُيدرك مدى تأثير ادمانه
على هذه الما ّدة سلبا على أفراد عائلته ،ليس لجعله يشعر
بالذنب ،بل لإعطائه دافعا إضافيا ليتو ّقف عن إدمانه.
القبول :أفضل طريقة للتعبير عن قبول ال ُمد ِمن هو •
الحضور الداعم بجانب الشخص .إ ّن إحاطة ال ُمدمن ِم ْن
أناس يح ّبونه هو أم ٌر مه ٌّم جدا ومش ّجع له.
• بناء الالتزام :على الشخص أن يعترف بأنه لن يقدر أن
يتخ ّلص من إدمانه بدون :مساعدة ِمن الآخرين ،امتحان
نفسه ،والاتكال على الله.
الدعم :عادة ما ينتهي الدعم بعد الانتهاء ِم َن العلاج ،وهذا •
أمر خاطئ .لا ُب ّد للعلاج ال ُمخت ّص أن يتو ّقف ،لكن هذا لا
يعني التو ّقف عن دعم الشخصُ .يمكن للراعي والكنيسة
أن تلعب دورا إيجابيا مع أفراد العائلة للاستمرار في تشجيع
الشخص وإعطائه الدعم المناسب ،فصحيح أ ّن العلاج
21
تو ّقف لك ّن الإغراءات ستزداد ِم ْن أجل عودة الشخص إلى
الإدمان.
المدمن على التص ّرف:
صحيح أ ّن الإدمان على التص ّرفات هو أم ٌر ُمض ّر وخطير
أحيانا ،لكن علينا أن ُندرك بأن التح ّكم به أسهل من التح ّكم على
إدمان الما ّدة .الأمر يعود إلى أ ّنه لا حاجة بيولوج ّية ستظهر
عندما نمتنع عن هذا العمل ،بعكس التو ّقف عن تناول ما ّدة ما.
م ّما يعني أن ال ُمدمن على تص ّرف ما يستطيع أخذ قرار والسير
به ليوقف ادمانه ،والانعكاسات التي ستدفعه ليعاود إدمانه
ستكون نفس ّية وليس بيولوج ّية .لكن هذا لا يعني بأ ّن الإقلاع
عن هكذا نوع من الإدمان هو أمر بسيط وسهل ،فمن الصعب
استعادة القدرة على التح ّكم بالنفس بعد وقت طويل من
الاستسلام.
ِم َن الوسائل التي قد يلجأ إليها الراعي لمساعدة ال ُمدمن على
تص ّرف أو عمل ُمع ّين نذكر): (Collins 2007, 695
العزم والرغبة بالت ّوقف :أ ّولا ،على ال ُمد ِمن أن يقتنع بأ ّنه •
ُيعاني ِمن مشكلة حقيق ّية ويريد الشفاء منها .وهنا عليه
تحديد المشكلة بك ّل تفصيلها ،وما تعكسه ِم ْن مشاكل
على حياته.
22
تح ّديات الراعي مع الرع ّية
• الاستبدالِ :م َن الوسائل المرحل ّية التي قد نلجأ اليها هي
استبدال التص ّرف بتص ّرف آخر ،مثل أن ينضم الشخص
لصف رياضة ،في نفس الوقت الذي يمارس فيه القمار
عادة (هذه الوسيلة ُتستخدم أحيانا مع ُمدمني الما ّدة ،فترى
ال ُمدمن على التدخين يضع سكاكر في فمه بشكل دائم
ليلهي نفسه بها) .لك ّن هذه الوسيلة ليست الحل ،إن ّما
طريقة مرحل ّية لمساعدة المدمن على التو ّقف ،ويجب أن
يتو ّقف عنها وإّلا ستتح ّول نفسها لما ّدة ادمان ،ويكون
اقتلاعه عن الإدمان السابق غير نهائي.
• إكمال النواقص :هذه المرحلة هي الأهم في عمل ّية الشفاء
الناضجة والنهائ ّية ،فعلى الراعي أن يدع ال ُمدمن يكتشف
النواقص في حياته ،والتي تجعل من هذا الإدمان ضرورة.
أي ما هي الأمور التي يق ّدمها الإدمان للشخص ،وهنا
نسأل عن الشيء الذي ُيمكن أن يعطيه نفس الحاجات دون
السقوط في مشكلة الإدمان.
• إدارة نمط الحياة :هذه هي المرحلة الأخيرة ،فبعد أن يبتعد
ال ُمدمن عن مشكلته ،و ُيشبع حاجاته بوسائل أخرى ،تأتي
مرحلة إعادة تنظيم حياة الشخص ،فال ُمدمن على العمل
في سبيل المثال ،عليه تعويد نفسه على أخذ وقت للراحة
يوميا ،للرياضة ،وقت نوعي مع العائلة...
23
الصدمة والإرهاب
إ ّنه تح ّدي
الساعة ،ليس هناك ما
يوازيه خطرا وانتشارا
في الوقت الحالي.
الصدمة ()Trauma
موجودة في ك ّل
الأوقات والأماكن ،لكن هناك فرق بين الصدمة الشخص ّية
والتي تحدث لأفراد ُم ّعنين ،وبين الصدمة العامة التي تطال
البلاد وتدخل ك ّل بيت .إن السينودس الإنجيلي الوطني في
سور ّية ولبنان أمام تح ّدي كبير وصعب ،وهو معالجة شعب
كامل مصدوم ج ّراء الأزمة السور ّية التي طالت البلاد ،و َك ُثر فيها
العنف والإرهاب .أقول بأ ّننا يجب أن نبدأ العمل بطريقة
احتراف ّية ِم ْن أجل مساعدة الناس الذين ُيعانون من الصدمة،
أ ّولا عن طريق تدريب الرعاة على كيفية التص ّرف والتعامل مع
هذه الحالات.
الصدمة قد تم ّر على خير ،خا ّصة بعد تح ّسن الشخص خلال
أ ّيام أو بضعة أسابيع .أ ّما عندما تتط ّور الحالة وتستمر ،هذا يعني
بأ ّنه قد دخل مرحلة "اضطراب ما بعد الصدمة" ،والمعروف
24
تح ّديات الراعي مع الرع ّية
علميا ب .Post-traumatic stress disorder :PTSDأ ّولا
علينا أن نعرف أ ّن هناك شرطان لنقول بأ ّنها "صدمة" ،وهما:
• مشاهدة الشخص أو اختباره ومشاركته في حدث أو
أحداث قاسية ومؤلمة ،فيها موت فعلي لآخرين ،أو
إصابات خطيرة له أو لغيره.
• جواب الشخص تض ّمن ذعر كبير وشعور بالعجز
).(Knauss and Schofield 2009, 3
إ ّن الأعراض التي قد تنتج عن الاضطراب ما بعد الصدمة
هي باختصار :اكتئاب ،قلق عام ،تل ّبك ُمستم ّر ،وفوبيا .وقد
ُيعاد اختبار هذه الصدمة بواحدة أو أكثر من الطرق التالية:
• تذ ّكر الحدث من خلال استرجاع بعض الصور ،الأفكار،
والمشاعر.
• اختبار أحلام ُمزعجة خلال النوم.
• التمثيل أو الشعور كما لو أ ّن الحدث الصادم يتك ّرر ُمج ّددا
(تشمل الأوهام ،الهلوسة ،صور ومشاهد من الحدث) ...
اضطراب نفسي شديد عند التع ّرض لتلميحات داخل ّية أو •
خارج ّية ُتشبه جانب من جوانب الحدث الصادم. •
تفاعل جسدي عند التع ّرض لتلميحات ُتشبه جانب من
جوانب الحدث الصادم )(Knauss and Schofield 2009, 3
25
لكن ماذا قد يفعل الراعي لمساعدة ال ُمضطرب (وما لا يجب
أن يفعله)؟ يمكننا عرض بعضا ِم َن الوسائل ال ُمتاحة:
)(Collins 2007, 772-774
تج ّنب التس ّرع في الاستجوابِ :م َن الوسائل المستخدمة •
في علم ال ّنفس لمساعدة المريض هو الاستجواب ،أو •
بالأحرى جعل الشخص ُيف ّرغ كل ما في داخله من مشاعر
وذكريات مكبوتة .أ ّما في حالة الصدمة ،فيجب تج ّنب
التس ّرع في الاستجواب ،لأ ّن عمل ّية استرجاع المشاهد
والذكريات وتفريغها قد ُتؤ ّدي إلى نتائج سلب ّية .إ ّن التح ّدث
عن الماضي والحدث الصادم ضرور ّي جدا ،لكن ليس قبل
أن نتأ ّكد ِم ْن أ ّن الشخص أصبح بإمكانه التح ّدث عنه.
ج ّهز جو ِم َن الأمان والثقةِ :م ْن أعراض الشخص ال ُمصاب
باضطراب ما بعد الصدمة ،كما شرحنا أعلاه ،هي :اكتئاب،
قلق عام ،تل ّبك ُمستم ّر ،وفوبيا .هذه الأعراض ستجعل
مشاعر الشخص وتفكيره في تخ ّبط دائم ،م ّما سيعيق
التواصل بين الراعي وال ُمضطرب .لذا يجب على الراعي أن
يكون هادئا جدا ،ليؤ ّمن جوا ِم َن الأمان والراحة .كما يجب
أن ُيحاول إعطاء الثقة بالنفس للشخص ،لأ ّن تذ ّكر الماضي
سيجعله يشعر بالخجل والضعف ،فإيصال فكرة أ ّن الراعي
26
تح ّديات الراعي مع الرع ّية
يقبل الشخص ويتف ّهمه وبأ ّنه يرى أملا في المستقبل،
سيساعد ال ُمضطرب كثيرا في عمل ّية العلاج.
• أعط معلومات وخطط :خلال فترة العلاج والتواصل بين
الراعي وال ُمضطرب ،سنرى بأ ّنه على الراعي أن يتد ّخل
أحيانا .فعندما يرى أ ّن الشخص بدأ يغضب على سبيل
ال ِمثال ،يجب أن يوقفه عن الكلام بهدوء ،ويطلب منه أن
يأخذ نفسا عميقا ليهدأ ،أو أن يطلب إليه إغلاق عينيه
وتأ ّمل مشهد ُمسالم جميل .كما ُمحاولة تحفيز الشخص
على تحسين علاقته الروح ّية بالله ،قد ُيساعده أيضا ،لأ ّنه
ُيعطيه نوعا ِمن الأمان والثقة.
إعطاء الشخص تقن ّيات خا ّصة قد ُتساعده على التح ّكم
بنفسه ،لكيف ّية التح ّكم بالمشاعر ،كيف ّية التواصل الج ّيد،
كيف ّية إدارة الوقت .كما ُيمكن أن ُنعطي الشخص ُمذ ّكرة
ليكتب عليها ما يريد خلال اليومِ ،م ْن مشاعر وأحداث. •
غرس الأ ّمل :في الكثير ِم َن الأحيان يكون الأ َمل ضعيفا،
ح ّتى أ ّن الراعي ُيلاحظ ذلك .لكن الذي يتبع المسيح لا
يمكن أن يفقد الأمل أبدا ،فغرس الأ َمل عند الشخص
ال ُمضطرب س ُتساعده بطريقة ج ّيدة.
27
الإعاقة الجسد ّية
لطالما لام
الإنسان الله على
مشاكله ،فتراه يسأله
في المرض :لماذا يا
الله؟ ماذا فعلت
لك؟ ،أو عندما يولد طفل بإعاقة ما ،فيتهامس الجيران بين
بعضهم قائلين بالعام ّية" :أبصر شو عاملين أهلو!" .هذه
الصورة الخاطئة عن الله ،التي تقول بأ ّنه ُيعاقب الإنسان
بالمرض ،هي مشكلة قديمة ،وقد حاول الكتاب ال ُمق ّدس
ح ّلها في الكثير من النصوص .على الراعي أن يعمل على فك
هذا الرابط بين الله والشر في عقول الرع ّية ،لأ ّنها ُتص ّعب
مه ّمة تقديم المشورة عند الحاجة ،بل وتزيدها تعقيدا عندما
يظ ّن الناس بأ ّن سبب مرضهم هو قصاص من الله على أمر
ش ّرير فعلوه.
ِم َن الأمثلة الكتاب ّية التي ُتظهر ُمحاربة هذه الصورة
الخاطئة ،هي ق ّصة النبي أ ّيوب .إ ّنه البا ّر الذي يخسر ممتلكاته
وأولاده وص ّحته ،فيصل لوقت يغضب فيه ويقولَ" :ل ْي َت ُه
َه َل َك اْل َي ْو ُم اَّل ِذي ُو ِل ْد ُت ِفي ِهَ ،وال َّل ْي ُل اَّل ِذي َقا َلَ :ق ْد ُح ِب َل ِب َر ُجل.
ِل َي ُك ْن ذ ِل َك اْل َي ْو ُم َظلَاما .لَا َي ْع َت ِن ِب ِه الل ُه ِم ْن َف ْو ُقَ ،ولَا ُي ْش ِر ْق
28
تح ّديات الراعي مع الرع ّية
َع َل ْي ِه َن َها ٌر" (أ ّيوب .)4-3 :3ومع الغضب يأتي لوم الله على
عقاب لا يستح ّقه فيقولَ " :ذا َك اَّل ِذي َي ْس َح ُق ِني ِباْل َعا ِص َف ِة،
َو ُي ْك ِث ُر ُج ُرو ِحي ِبلَا َس َبب" (أ ّيوب .)17 :9فتأتي أجوبة أصدقاء
أ ّيوب لتؤ ّكد المفهوم التقليديُ ،مرجعين سبب الش ّر لمبدأ
المجازاة ،وبالتالي فعلى أ ّيوب أن يعترف بخطاياه ويرجع الى
الر ّب تائبا وطالبا المغفرة (غنطوس .)98 ،2016
أ ّما جواب الر ّب الذي يبدأ في الأصحاح ،38فيوضح
بأ ّن الألم هو جزء طبيع ّي ِم َن الخليقة ولا علاقة له بالعقاب،
حيث أ ّن الحيوانات تتأّلم أيضاَ " :أ َت ْع ِر ُف َو ْق َت َولَا َد ِة ُو ُعو ِل
ال ُّص ُخو ِرَ ،أ ْو ُتلَا ِح ُظ َم َخا َض الَأ َيا ِئ ِل؟ َأ َت ْح ُس ُب ال ُّش ُهو َر اَّل ِتي
ُت َك ِّم ُل َهاَ ،أ ْو َت ْع َل ُم ِمي َقا َت َولَا َد ِت ِه َّن؟ َي ْب ُر ْك َن َو َي َض ْع َن َأ ْولَا َد ُه َّن.
َي ْد َف ْع َن َأ ْو َجا َع ُه َّنَ .ت ْب ُل ُغ َأ ْولَا ُد ُه َّنَ .ت ْر ُبو ِفي اْل َب ِّر َّي ِةَ .ت ْخ ُر ُج َولَا َت ُعو ُد
ِإَل ْي ِه َّن( ".أ ّيوب .)4-1 :39
فواحدة ِم َن الإعلانات التي ُيعلنها لنا سفر أ ّيوب هي:
"يعلن لنا سفر أ ّيوب عدم وجود أ ّي رابط أو علاقة بين الش ّر
والألم والمعاناة التي تصيبنا ووجود أي استحقاق من قبلنا
لك ّل ذلك ،وأ ّن ذلك الش ّر والألم والمعاناة لا يجب أن ترى على
أ ّنها عقاب من الله لنا على أي شر فعلناه أو خطيئة ارتكبناها.
29
فسفر أ ّيوب ُيعلن لنا أ ّن إلهنا ليس إله عدالة بل إله نعمة"...
(غنطوس .)106 ،2016
إ ّن المرض والإعاقة الجسد ّية قد تس ّبب أمراض نفس ّية،
لكن يوجد أسباب تساعد في تط ّور الحالة ،وهي:
)(Collins 2007, 445-448
• الشعور بالذنب (كما قلنا أعلاه ،الشعور بالذنب ولوم
النفس على المرض ،وكأ ّن المريض ُيعاقب بسبب
خطاياه وشروره ،سيزيد الوضع سوءا).
• العجز والضعف
• الخوف والاكتئاب
اختبار الألم والوجع •
تأثير العائلة السلبي (عندما يتع ّرض الشخص لإعاقة ما، •
سيكون للعائلة ر ّدات فعل وتص ّرفات قد ُتساعد
الشخص وتعطيه الق ّوة ،والعكس صحيح) ...
أ ّما الأعراض السلب ّية التي قد تنتج عن الإعاقة الجسد ّية،
وتشير إلى ضرورة تد ّخل الراعي لل ُمساعدة فهي كثيرة ،مثل:
ال ُنكران :أولى الآثار التي تظهر بعد الإعاقة هي الرفض •
والنكران ،إ ّما عند الشخص ال ُمع ّوق بعد الحادثة ،أو عند
الأهل (خا ّصة عند اكتشاف إعاقة طفلهم /طفلتهم).
30
تح ّديات الراعي مع الرع ّية
فالصدمة كفيلة بجعل الأشخاص يرفضون العيش في
الواقع ،وبالتالي محاولة تج ّنب ال ُمشكلة ،ولو كان الح ّل
العيش في الخيال أو الماضي.
الانسحاب :قد يلجأ الشخص ال ُمع ّوق للانسحاب ،ليس •
دائما بسبب الخجل من الوضع الجديد ،إ ّنما في الكثير
من الأحيان تكون ع ّزة النفس هي السبب ،فال ُمع ّوق
يرفض أن يظهر ضعيفا أمام الآخرين.
• ال ُمقاومة والغضبِ :م َن الأعراض التي قد تظهر على
صاحب الإعاقة الجسد ّية هو الغضب ،خا ّصة إذا كانت
الإعاقة دائمة ،فيجد الشخص حاجة ل ُيخرج غضبه
الداخلي بوجه أي شخص ،فيبدأ مع الله بأسئلة
"لماذا؟" ،وبعدها مع أعضاء العائلة وال ُمحيطين به ِمن
أصدقاء ،أط ّباء...
• الاستعطاف :صحيح أ ّن البعض قد يلجأ للانسحاب،
رافضين التح ّنن والعطف .لكن في المقابل قد يلجأ
البعض الآخر للاستفادة من وضعه الجديد ،عبر •
استعطاف الآخرين بهدف التح ّكم بهم.
الاكتئاب :إ ّن القلق والمشاعر السلب ّية ،قد تكون نتيجة
طبيع ّية عندما يتع ّرض الشخص لأي مشكلة جد ّية .لكن
تط ّور الحالة النفس ّية وتأ ّزمها ستأ ّثر سلبا على الحالة
الصح ّية للشخص.
31
هذا ال ُمخ ّطط
سيو ّضح
المراحل التي
يم ّر فيها
المع ّوق
):(Collins 2007, 452
كما ُيظهر لنا الرسم ،عند التع ّرض لإعاقة ما فإ ّن
الشخص يدخل مرحلة التفاعل ) ،(Reaction Phaseوهي
المرحلة التي تظهر فيها الأعراض (تختلف ِم ْن شخص لآخر).
تظ ّل نفس ّية الشخص في انحدار قوي ،إلى أن تأتي مرحلة
القبول والمصالحة ) ،(Acceptance Phaseحيث يعترف
الشخص بحالته الجديدة ويتصالح مع نفسهِ ،م ْن هنا تبدأ عمل ّية
إعادة التأهيل ،فتتح ّسن نفس ّية الشخص تدريجيا في المرحلة
الثالثة وهي مرحلة النمو ) .(Growth Phaseلكن كما نرى ،فإ ّن
مرحلة النم ّو تختلف من شخص لآخر ،فقد يعود الشخص إلى
حالته الطبيع ّية قبل الإعاقة ،أو لحالة أسوء قليلا ِمن حالته
الطبيعية ،أو يستفيد ِمن اختباره ليصل لحالة أفضل من الحالة
الطبيع ّية.
32
تح ّديات الراعي مع الرع ّية
أ ّما الوسائل ال ُمتاحة لمساعدة أصحاب الإعاقة الجسد ّية
وتقديم المشورة لهم ،لح ّثهم على دخول المرحلة الثانية
والثالثة ،فنذكر أبرزها ):(Collins 2007, 451
• تج ّنب الهروب :عندما ُيصاب شخص بإعاقة ما ،فإ ّن
ُمعظم الناس يتركونه لمواجهة مشاكله بنفسه .تخ ّيل أ ّن
أكثر المشورات إيجاب ّية في هكذا حالات يكون أبطالها
الأشخاص الذين يهت ّمون بالشخص ،كالذي ُيدخل الطعام
والشراب والذي ُين ّظف الغرفة ،وهذا لأ ّنهم يزورون
الشخص بانتظام .لذا أولى الوسائل ل ُمساعدة ال ُمع ّوق
جسديا في كنيستك هي تنظيم زيارات دور ّية.
• توجيهات لزيارة ال ُمع ّوق وتقديم المشورة:
)(Collins 2007, 454
oا ّتصل قبل الزيارة.
oحاول أخذ شخص آخر معك إذا كان المريض وحيدا
في المنزل (خا ّصة إذا كان من الجنس الآخر).
oتنظيم زيارات دور ّية ،كما يجب أن يكون وقت الزيارة
الواحدة مناسبا لحالة المريض ،ليس طويلا ولا
قصيرا.
oاترك للمريض المبادرة للقيام بأي عمل جسدي (مثل
التسليم باليد).
33
oقف أو اجلس بطريقة ُتس ّهل للمريض أن يراك.
الجلوس على جانب السرير أفضل ِم َن الجلوس في
أسفله.
oاترك المريض يتح ّدث و ُيع ّبر كما يريد ،واصغ ج ّيدا لما
يقوله.
oاستخدم وسائل رعو ّية مثل الصلاة ،قراءات من
الكتاب المق ّدس ،تعليقات إيجاب ّية ...بعد أخذ موافقة
المريض.
oساعد الشخص ليتعامل مع وجعه.
oازرع الأمل.
oإ ّياك أن تفعل التالي:
▪ التك ّلم بنبرة غير طبيع ّية.
▪ التح ّدث عن آلامك أنت أو اختبارات دخولك
المستشفى.
▪ إجبار المريض على التح ّدث ،فالصمت أحيانا يكون
أكثر منفعة له ِم َن الكلام. ▪
لا َت ِعد الشخص بأ ّن الله سيشفي مرضه حتما. ▪
لا تزور وأنت مريض.
▪ لا تزور وأنت في عجلة ِم ْن أمرك.
▪ لا تزور وقت الطعام.
▪ لا تسأل الشخص عن تفاصيل المرض الصغيرة.
34
البحث السوسيولوجي واكتشاف الظواهر الاجتماع ّية
البحث السوسيولوجي واكتشاف الظواهر
الاجتماع ّية
ليس في ك ّل وقت تكون الظواهر الاجتماع ّية واضحة،
فغالبا ما يحتاج الأمر لعمل احتراف ّي يهدف لاكتشافها .قد
يظ ّن الراعي وح ّتى الرع ّية بأ ّن الأمور تسير على ما ُيرام ،وفجأة
يتفاجأ الجميع بوجود ُمشكلة ُمنتشرة ،أصبح ِم َن ال ّصعب
التح ّكم بها.
الأمر يحتاج في الكثير من الأحيان لأناس ُمحترفين،
يجرون دراسات على ع ّينة ُمع ّينة ،و ُيق ّدمون نتائج الدراسة
35
ُمرفقة بإحصائ ّيات وأرقام واضحة .هذا الأمر ُمه ّم من فترة
لأخرى أن ُيعمل به على صعيد السينودس ككل ،فهذه
الدراسات ُتطلع السينودس على وضع رعاياه ومشاكلهم ،وعن
وجود أ ّي ظواهر اجتماع ّية بحاجة للاهتمام الخاص ،ف ُتبنى
رؤية السينودس للسنوات القادمة ضمن التقرير ال ُمف ّصل
الذي يشرح و ُيص ّور الوضع العام.
لكن في ال ُمقابلُ ،يمكن للرعاة أن يتد ّربوا على كيفية
القيام باستكشاف الظواهر في كنيستهم المحل ّية .وبالتالي
هذا سيجعل الراعي ُمدركا لما يحصل داخل المنازل وفي
العلاقات بين الرع ّية .وهنا بعض النقاط ال ُمه ّمة التي علينا
ا ّتباعها:
• انتقاء الموضوع :قبل البدء بالبحث ،على الراعي أن يضع
عنوان الموضوع ،فالبحث لا يكون عشوائيا .انتقاء
موضوع البحث مه ّم جدا وأساس ّي من أجل القيام ِب ِع ّدة
خطوات لاحقة .على سبيل ال ِمثال قد يضع الراعي العنوان
التالي" :ال ُمساعدات ال ُمق ّدمة ِم َن السينودس للرع ّية
وتأثيراتها" ،أو "النميمة بين أهل الكنيسة"...
• اختيار الإشكال ّية والفرض ّيات :الإشكال ّية والبعض ُيس ّميها
المسأل ّية ( ،)problematicتوضع بعد انتقاء العنوان،
ف ُيل ّخص الراعي ال ُمشكلة التي يراها ،مثل "ال ُمساعدات
36
البحث السوسيولوجي واكتشاف الظواهر الاجتماع ّية
ال ُمق ّدمة ِم َن السينودس لبعض الرعاية تخلق مشاكل بين
الأفراد" .بعد وضع الاشكال ّية توضع الفرض ّية ،وهي
الجواب الافتراضي الأ ّولي ،مثل "تخلق ال ُمساعدات
ُمشكلة بين الأفراد لأ ّن سياسة التوزيع غير واضحة".
• انتقاء الع ّينة -والموضوع ّية :الخطوة التالية هي انتقاء
الع ّينة .صحيح أ ّننا نتح ّدث عن تدريب يساعد الراعي على
فحص رع ّيته بهدف استكشاف الظواهر الاجتماعية
والمشاكل داخلها ،لكن هذا لا يعني بأن ع ّينة البحث
معروفة ،وهي الرع ّية ككل .فإ ّن موضوع الاختبار
س ُيساعدنا في اختيار الع ّينة ،ووفق أ ّي شروط .فإذا كان
موضوع البحث أولاد مدارس الأحد ،فما النفع من اختيار
ك ّل الرع ّية لتكون ع ّينة البحث؟ هذا التعميم سيجعل
النتائج غير علم ّية ودقيقة .لكن في الوقت نفسهِ ،م َن
ال ُمه ّم أن نتج ّرد م ْن آرائنا الخا ّصة ،فالعمل ال ُمحترف لا ب ّد
أن يكون موضوعيا .وإّلا ستكون النتيجة معروفة قبل
القيام بالبحث .الموضوع ّية بحسب تعريف قاموس علم
الاجتماع هي" :خاص ّية تظهر في محاولة التقليل ِم َن
الأخطاء التي تتر ّتب على التح ّيز الاجتماعي أو السيكولوجي
لفرد أو جماعة عند تفسير أو فهم ظاهرة ُمع ّينة( ".عماد
)20 ،2007
37
الآن بعد ا ّتباع كل هذه الخطوات يأتي دور كتابة استمارة
الاستبيان ،ولهذه العمل ّية أيضا خطواتها...
كتابة استمارة الاستبيان
ُتق ّسم استمارة
الاستبيان إلى ثلاثة
أبواب رئيس ّية ،وهي:
.1الباب الأ ّول :يأخذ
هذا الباب
الصفحة الأولى كاملة .ويتض ّمن معلومات عن الجهة التي
تقوم بالبحث ،عنوان البحث ،واسم الباحث أو الباحثين
ال ُمشرفين عليه ،و ُيح ّدد في نهاية الصفحة تاريخ إجراء
المقابلة واسم ال ُمقابل .كما ِم َن الج ّيد أن توضع هذه
الجملة في نهاية الصفحة لتشجيع الناس على التك ّلم
براحة "إ ّن المعلومات التي تز ّودنا بها لن ي ّطلع عليها أي
شخص أو جهة ،ولن تستخدم إّلا في أغراض هذا البحث
العلمي مهما كانت الأحوال" (عماد .)64 ،2007صحيح
أ ّنه في حالتنا ،ستكون الكنيسة عبر الراعي (بمساعدة
فريق من الخ ّدام) هي الجهة التي تعمل البحث ،لكن هذا
لا يمنع من إعطاء المزيد من التطمينات بأ ّن المعلومات
38
البحث السوسيولوجي واكتشاف الظواهر الاجتماع ّية
ستكون سر ّية .كما أ ّنه قد نرى في بعض البحوث عدم
الحاجة لذكر الأسماء ،فالمهم النتيجة ،عندها سنريح
الشخص من كتابة اسمه.
.2الباب الثاني :هدف هذا الباب تجميع ك ّل المعلومات
العا ّمة أو الشخص ّية المتع ّلقة بالمبحوث ،مثل :العمر،
الجنس ،المهنة ،الراتب ،المستوى العلمي ،عدد أفراد
الأسرة ،المنطقة السكن ّية ،ميوله واتجاهاته.)...
.3الباب الثالث :أ ّما هذا الباب فيتض ّمن الأسئلة ال ُمخ ّصصة
التي يدور حولها البحث .وهذه بعض الشروط التي يجب
تو ّفرها في الأسئلة (عماد :)67-66 ،2007
أ .أن تبقى ضمن موضوع البحث ولا تخرج عنه.
ب .أن يكون عدد الأسئلة معقولا.
ج .أن تخلو الأسئلة من تعابير ومفاهيم متخ ّصصة غير
مفهومة.
د .أن تكون الأسئلة قصيرة وواضحة ،وبعيدة عن
الغموض والتشويش.
ه .أن تكون ُمتسلسلة منطقياُ ،م ّتصلة الواحدة
بالأخرى.
و .أن تكون موضوع ّية ،لا تدفع المبحوث ولا توحي له
باختيار جواب ما.
39
أ ّما أنواع الأسئلة التي ُيمكن طرها فهي (عماد :)64 ،2007
أ .الأسئلة ال ُمتع ّلقة بالحقائق (،)Factual questions
مثل :كم هو راتبك؟ كم ساعة تعمل يوميا؟ ...
ب .الأسئلة ال ُمتع ّلقة بالآراء (،)Opinion questions
مثل :هل توافق على الزواج المدني؟ هل تؤمن
بالصداقة بين الجنسين؟ ...
ج .الأسئلة المفتوحة (،)Open-ended questions
ُتعطي الحر ّية للمبحوث ل ُيع ّبر عن رأيه ب ُحر ّية ،مثل :ما
هي المشكلات التي تعاني منها في المنزل؟ ...
د .الأسئلة ال ُمغلقة (،)Closed-ended questions
مثل :ما هو التقصير الذي تراه في كنيستك :خدماتي
أم روحي؟
ه .الأسئلة ال ُمغلقة والمفتوحة ( Multiple choice
،)questionnairesمثل :إذا كانت ال ُمشكلة في
كنيستك روح ّية ،فما الذي تراه ناقصا في روحان ّية
الكنيسة؟ ح ّدد...
40
البحث السوسيولوجي واكتشاف الظواهر الاجتماع ّية
ُمعالجة ال ُمعطيات وتحليلها
الآن لدينا
معلومات و ُمعطيات
جاهزة في استمارات
الاستبيان التي نف ّذناها
مع الع ّينة ِم َن الرع ّية،
لكن يبقى السؤال :كيف نستخرج المعلومات و ُنح ّللها لنصل
لنتيجة ملموسة؟
هناك طريقتان لتفريغ البيانات التي تهدف لتحويل ال ُمعطيات
النوع ّية والكيف ّية الموجودة في الاستمارات إلى معطيات
كم ّية واحصائ ّية يسهل مقارنتها وتفسيرها ،هما :طريقة
التصنيف اليدوي ،وطريقة التصنيف الآلي (عماد .)77 ،2007
إ ّن التصنيف الآلي يحتاج لخبرة استخدام برامج ُمح ّددة أه ّمها
،SPSSوعادة ما يت ّم اختيار هذه الطريقة عندما تكون ع ّينة
البحث كبيرة .لكن في حالة كنائسنا ،ف ُيمكن للتصنيف اليدوي
أن يفي بالغرض.
الخطوة التالية هي أن ُنص ّمم لك ّل سؤال جدولا ُنف ّرغ فيه
الأجوبة ،مثل (عماد :)78 ،2007
41
النسبة المئو ّية المستوى التعليمي العدد
%14.7 أ ّمي 4
%35.7 ابتدائي 10
%17.8 متو ّسط 5
%21.4 ثانوي 6
%10.7 جامعي 3
%100 المجموع 28
النسبة العدد الروحان ّية في الكنيسة
%14.7 4 ج ّيدة جدا ()1
%35.7 10 ج ّيدة ()2
%17.8 5 لا بأس ()3
%21.4 6 ضعيفة ()4
%10.7 3
%100 28 ضعيفة جدا ()5
المجموع
إن تصميم جداول للأسئلة ال ُمغلقة في استمارة
الاستبيان هو أمر سهل جدا ،أ ّما في حالة الأسئلة المفتوحة،
42
البحث السوسيولوجي واكتشاف الظواهر الاجتماع ّية
فيمكننا العمل على الأجوبة لاستخراج المعلومة الأساس ّية.
وبعد استخراج كل المعلومات المفاتيح من الأجوبة ،يمكننا
تصميم جدول بالمعلومات ال ُمك ّررة ،مثل تفريغ أجوبة سؤال
قد ُيطرح على الزوج :ما هي المشكلات التي تعاني منها في
المنزل؟:
النسبة المشكلات في المنزل العدد
%35.7 ماد ّية 10
%14.7 مع الأولاد 4
%17.8 مع الزوجة 5
%21.4 أحد الأقارب ساكنين 6
معنا
%10.7
%100 غيرها3 ...
المجموع 28
43
مثال آخر على الجداول وأهم ّيتها ،إليكم هذا الجدول الذي ُيب ّين
بالأرقام النسبة المئو ّية للمؤمنين في بريطانيا ،عام :1998
(عماد )148 ،2007
النسبة هل تؤمن بالله؟ هل هو موجود؟
%21 أعلم أ ّن الله موجود ،ولا أش ّك في ذلك
مطلقا
مع أ ّن لد ّي بعض الشكوك ،فإ ّنني أشعر أ ّني %23
%14 أؤمن بالله
أشعر أحيانا أ ّنني أؤمن بالله ،ولكن ليس في
%14 جميع الأحيان
لا أؤمن بإله ُمح ّدد ،لك ّنني أؤمن بق ّوة علو ّية
بشكل ما
لا أعلم ما إذا كان الله موجودا أم لا ،ولا أعتقد %15
أنه يمكن إثبات ذلك بأي صورة
%10 لا أؤمن بالله
لم ُيجب عن السؤال %3
%100 المجموع
44
البحث السوسيولوجي واكتشاف الظواهر الاجتماع ّية
وأخيرا ،بعد تفريغ الأجوبة والحصول على الأرقام الاحصائ ّية
والنسب المئو ّية ،أصبح علينا فقط تحليل النسب لنصل إلى
نتيجة نهائ ّية ،قد تتوافق مع الفرض ّية التي وضعناها أ ّول
البحث أو تنقضها ،لكن يبقى الأه ّم أ ّننا حصلنا على النتيجة
المطلوبة لمعرفة الحقيقة المرغوبة.
45
أفكار لتطوير الخدمة الاجتماع ّية في السينودس
إ ّن وضع الخدمة الاجتماعية في السينودس ج ّيد في
الوقت الحالي إذا ما قار ّناه بأوقات سابقة ،لكن بنفس الوقت
علينا أن نعترف بأ ّننا لم نصل يوما لمكان نقول فيه بأ ّن عملنا
الخدماتي احترافي.
إ ّن أغلب المشاريع الخدمات ّية الجديدة التي أطلقها
السينودس في السنوات الأخيرة ،هي وليدة الأزمة السور ّية،
التي وضعت السينودس في مكان رأى نفسه ُمجبرا على
التد ّخل الاجتماعي .باستثناء "بيت المس ّنين – هملين" ،هذه
هي حالة تقديمات ومشاريع السينودس الاجتماع ّية:
46
أفكار لتطوير الخدمة الاجتماع ّية في السينودس
• تقديمات ومشاريع ثابتة :تقتصر على التقديمات الماد ّية
(المساعدات المدرس ّية والاجتماع ّية)!
• تقديمات ومشاريع استثنائ ّية :وهي مشاريع وتقديمات
ُوجدت بسبب ظرف ُمع ّين ،وهي:
oمدارس لأطفال الّلاجئين السور ّيين في لبنان.
oمساعدات وتقديمات ماد ّية لرعاية السينودس في
سورية.
سنبقى غير احتراف ّيين في عملنا الخدماتي ،طالما أ ّن
مشاريعنا تولد عند الحاجة .إ ّن أولى شروط العمل الاجتماعي
ال ُمحترف هو إيجاد الرؤية الج ّيدة التي تستبق المشاكل ،فيتم
بناء هيكل ّية كاملة للعمل اجتماعي ،تخدم في كل الأوقات،
وتكون ُمستع ّدة لأي طارئ يحدث.
بادرة الخير التي ظهرت في الآونة الأخيرة هي تأسيس
جمع ّية تح ّنن الانجيل ّية .لكن رغم ذلك علينا أن نكون واضحين،
هل الرؤية وراء تأسيس الجمع ّية هي لاستقطاب أكبر
لل ُمساعدات الماد ّية التي ُتم ّول مشاريعنا الاستثنائ ّية؟ أو
هناك رغبة حقيق ّية في تأسيس جمع ّية اجتماع ّية ُمن ّظمة،
تعمل بطريقة احتراف ّية ،لها رؤيتها ورسالتها ،تضع برنامج
وخ ّطة عمل سنو ّية ،تكتب مشاريعها وتفتح الباب لل ُمساعدة؟
47
أقول بأ ّن أولى الأفكار لتطوير الخدمة الاجتماعية في
السينودس ،هو أخذ جمع ّية تح ّنن على محمل الج ّد .وتأسيسها
بطريقة احتراف ّيةِ ،م ْن خلال توظيف أناس ُمخت ّصين في
العلوم الاجتماع ّية ولديهم الخبرة في العمل الاجتماعي .ك ّل
هذه التوظيفات ،عندما تسير عجلة الجمع ّية ،س ُتغ ّطى رواتبها
ِم ْن خلال التقديمات وال ُمشاركات في المشاريع.
بعد أ ْن وضع ُت لجان السينودس الخمس تحت المجهر،
ود ّقق ُت في حالة ك ّل منها وعملها ،وجدت بأ ّن هناك حاجة
كبيرة لملئ ثغرات واضحة خا ّصة في لجنتي الخدمات
والإعلام .والسبب هو التالي:
لجنة الشؤون الكنس ّية والروح ّية :فيها ُمخت ّصين •
لاهوت ّيين وصاحبي خبرة ِمن أبناء الكنيسة ،تعمل على •
•
الأرض ِمن خلال دائرة التربية المسيح ّية والكنائس
( ُمتف ّرغين للعمل الروحي – الرعاة).
لجنة الشؤون التربو ّية :فيها ُمخت ّصين تربو ّيين ،تعمل
على الأرض ِم ْن خلال المدارس ( ُمتف ّرغين للعمل التربوي
– ال ُمدراء).
لجنة المال ّية والأملاك :فيها ُمخت ّصين ،تعمل على
الأرض ِمن خلال مو ّظفين ُمتف ّرغين -مال ّيين
و ُمهندسين.
48