The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

الراعي والرعيّة والخدمة الاجتماعيّة

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Rabih Taleb, 2019-03-31 23:27:54

الراعي والرعيّة والخدمة الاجتماعيّة

الراعي والرعيّة والخدمة الاجتماعيّة

‫الراعي والرع ّية‪ ،‬والخدمة الاجتماعية‬

‫الواعظ ربيع طالب‬

‫حائز على‬
‫إجازة في العلوم الاجتماع ّية‬
‫ماجيستير في الألوه ّيات‬

‫نيسان‪2019 ،‬‬

‫المحتويات‪:‬‬

‫المقدمة‪ :‬الراعي والرع ّية ‪3 ......................................................‬‬
‫الكنيسة والتد ّخل الاجتماعي ‪9 .................................................‬‬
‫تح ّديات الراعي مع الرع ّية‪14.....................................................‬‬
‫الاضطراب العقلي ‪15........................................................‬‬
‫الإدمان ‪19.......................................................................‬‬
‫الصدمة والإرهاب ‪24.........................................................‬‬
‫الإعاقة الجسد ّية ‪28...........................................................‬‬
‫البحث السوسيولوجي واكتشاف الظواهر الاجتماع ّية ‪35.................‬‬
‫كتابة استمارة الاستبيان ‪38.................................................‬‬
‫ُمعالجة ال ُمعطيات وتحليلها ‪41.............................................‬‬
‫أفكار لتطوير الخدمة الاجتماع ّية في السينودس ‪46.......................‬‬
‫المراجع ‪52...........................................................................‬‬

‫المق ّدمة‪ :‬الراعي والرع ّية‬

‫المق ّدمة‪ :‬الراعي والرع ّية‬

‫ِم َن العبارات الجميلة التي سمعتها خلال دراستي في‬
‫كل ّية اللاهوت للشرق الأدنى‪ ،‬ولا زالت محفورة في ذاكرتي‪،‬‬
‫هي‪" :‬إ ّن اللاهوت العملي يبدأ بالتطبيق والتأ ّمل بالتطبيق"‪ .‬إ ّن‬
‫هذه العبارة تعكس حقيقة واضحة ومتوازنة‪ .‬أقول متوازنة‪،‬‬
‫لأ ّننا عادة ما نميل كمسيح ّيين لنأخذ طرفا على حساب الآخر‪،‬‬
‫ف ِم ّنا من ُيش ّغل يديه ورجليه في الخدمة ُمهملا نم ّوه الفكري‪،‬‬
‫و ِم ّنا من ُيش ّغل عقله وفكره في التع ّمق اللاهوتي ُمهملا الش ّق‬
‫العملي‪ .‬لكن في الحقيقة‪ ،‬فح ّتى اللاهوت الرعوي العملي‪،‬‬

‫‪3‬‬

‫يتط ّلب تأ ّملا وتحليلا لك ّل عمل يقوم به الراعي‪ ،‬ل ُيناسب لاهوته‬
‫وإيمانه‪.‬‬

‫نحن كرعاة إنجيل ّيين‪ ،‬وبالرغم من الخدمات الكثيرة التي‬
‫نسعى لتقديمها في ُمجتمعاتنا‪ ،‬نميل بوضوح للطرف الثاني‬
‫الذي يسعى في كل الأوقات لتغذية الفكر‪ .‬لذا نرى على سبيل‬
‫المثال كيف أ ّن الإرسال ّيات التي أتت للشرق في مطلع القرن‬
‫التاسع عشر‪ ،‬أخذت تبني المدارس والمؤسسات التربوية أ ّولا‪.‬‬

‫المشكلة ليست في التع ّمق اللاهوتي‪ ،‬ولا في الخدمة‬
‫العمل ّية‪ ،‬إنما في اختيار واحدة وإهمال الأخرى‪ .‬ليصبح الأ ّول‬
‫لاهوتيا فقط‪ ،‬والثاني خادما فقط‪ .‬وما الحاجة في كنائسنا‬

‫سوى لرعاة‪ ،‬بك ّل ما للكلمة من معنى‪.‬‬
‫"ال َّر ُّب َرا ِع َّي َفلَا ُي ْع ِو ُز ِني َش ْي ٌء‪ِ .‬في َم َراع ُخ ْضر ُي ْر ِب ُض ِني‪ِ .‬إَلى ِم َيا ِه‬
‫ال َّرا َح ِة ُيو ِر ُد ِني‪َ .‬ي ُر ُّد َن ْف ِسي‪َ .‬ي ْه ِدي ِني ِإَلى ُس ُب ِل اْل ِب ِّر ِم ْن َأ ْج ِل ا ْس ِم ِه‪.‬‬
‫َأ ْيضا ِإ َذا ِس ْر ُت ِفي َوا ِدي ِظ ِّل اْل َم ْو ِت لَا َأ َخا ُف َشرا‪ ،‬لَأ َّن َك َأ ْن َت‬
‫َم ِعي‪َ .‬ع َصا َك َو ُع َّكا ُز َك ُه َما ُي َع ِّز َيا ِن ِني‪ُ .‬ت َر ِّت ُب ُق َّدا ِمي َما ِئ َدة ُت َجا َه‬
‫ُم َضا ِي ِق َّي‪َ .‬م َس ْح َت ِبال ُّد ْه ِن َر ْأ ِسي‪َ .‬ك ْأ ِسي َر َّيا‪ِ .‬إ َّن َما َخ ْي ٌر َو َر ْح َم ٌة‬
‫َي ْت َب َعا ِن ِني ُك َّل َأ َّيا ِم َح َيا ِتي‪َ ،‬و َأ ْس ُك ُن ِفي َب ْي ِت ال َّر ِّب ِإَلى َم َدى‬

‫الَأ َّيا ِم‪( ".‬مزمور ‪)23‬‬

‫‪4‬‬

‫المق ّدمة‪ :‬الراعي والرع ّية‬

‫يبدأ كاتب المزامير واحد من أشهر مزاميره بعبارة "الر ّب‬
‫راع ّي"‪ .‬هذه العبارة تو ّضح دورنا كرعاة‪ ،‬فالراعي يمتلك َد ْوران‬
‫ُمه ّمان‪ :‬الأ ّول له علاقة بالرحلة‪ ،‬حيث يقود الراعي الخراف‬
‫ويهديهم إلى الأمكنة الأفضل‪ ،‬وخلال السير هو يحمي خرافه‬
‫ِم َن ال ّشر‪ِ ،‬م ْن خط َر ْين ُهما‪ :‬ال َت َوهان فير ّدهم بالع ّكاز‪ ،‬والذئاب‬
‫يضربهم بالعصا‪ .‬أ ّما الدور الثاني فهو تأمين الغذاء‪ ،‬العشب‬

‫الأخضر والمياه الج ّيدة للخراف‪.‬‬

‫إذا انتقلنا للعهد الجديد سنرى الكثير من الأمكنة حيث‬
‫استخدم ال ّرب يسوع صورة الراعي (مثل‪ :‬أنا هو الراعي الصالح‪...‬‬
‫يوحنا ‪ .)11 :10‬واحد من النصوص التي أريد التركيز عليها هو‬
‫يوحنا ‪ ،17-15 :21‬إ ّنه النص الشهير في نهاية إنجيل يوح ّنا‪،‬‬
‫حيث يسأل المسيح بطرس "أتح ّبني؟"‪ .‬إذا وضعنا قسم‬
‫التساؤل جانبا في دراستنا هذه‪ ،‬ور ّكزنا على ر ّد المسيح بعد‬

‫جواب بطرس‪ ،‬سنأخذ تعليما مفيدا لنا كرعاة‪.‬‬
‫" َف َب ْع َد َما َت َغ َّد ْوا َقا َل َي ُسو ُع ِل ِس ْم َعا َن ُب ْط ُر َس‪َ « :‬يا ِس ْم َعا ُن ْب َن ُيو َنا‪،‬‬
‫َأ ُت ِح ُّب ِني َأ ْك َث َر ِم ْن ه ُؤلَا ِء؟» َقا َل َل ُه‪َ «:‬ن َع ْم َيا َر ُّب َأ ْن َت َت ْع َل ُم َأ ِّني‬
‫ُأ ِح ُّب َك»‪َ .‬قا َل َل ُه‪« :‬ا ْر َع ِخ َرا ِفي»‪َ .‬قا َل َل ُه َأ ْيضا َثا ِن َية‪َ «:‬يا ِس ْم َعا ُن ْب َن‬
‫ُيو َنا‪َ ،‬أ ُت ِح ُّب ِني؟» َقا َل َل ُه‪َ «:‬ن َع ْم َيا َر ُّب‪َ ،‬أ ْن َت َت ْع َل ُم َأ ِّني ُأ ِح ُّب َك»‪َ .‬قا َل‬
‫َل ُه‪«:‬ا ْر َع َغ َن ِمي»‪َ .‬قا َل َل ُه َثا ِل َثة‪َ «:‬يا ِس ْم َعا ُن ْب َن ُيو َنا‪َ ،‬أ ُت ِح ُّب ِني؟»‬
‫َف َح ِز َن ُب ْط ُر ُس لَأ َّن ُه َقا َل َل ُه َثا ِل َثة‪َ :‬أ ُت ِح ُّب ِني؟ َف َقا َل َل ُه‪َ « :‬يا َر ُّب‪َ ،‬أ ْن َت‬

‫‪5‬‬

‫َت ْع َل ُم ُك َّل َش ْيء‪َ .‬أ ْن َت َت ْع ِر ُف َأ ِّني ُأ ِح ُّب َك»‪َ .‬قا َل َل ُه َي ُسو ُع‪«:‬ا ْر َع‬
‫َغ َن ِمي»‪".‬‬

‫إ ّن إنجيل التلميذ الحبيب‪ ،‬إذا تع ّمقنا بلاهوته وسرده‬
‫للأحداث والمنافسة الواضحة بين التلميذ الحبيب من جهة‬
‫وبطرس الرسول من جهة أخرى‪ ،‬يحمل في آياته دمجا بين سيرة‬
‫حياة المسيح والأحداث ال ُمرافقة وبين سيرة حياة كنيسة التلميذ‬
‫الحبيب نفسها‪ .‬ونرى كيف أنه في الإصحاح الأخير‪ ،‬يعطي الرب‬
‫مسؤول ّية ال ِرعاية لبطرس وليس التلميذ الحبيب‪ ،‬بعض‬
‫اللاهوتي ّين يرجعون ذلك إلى موت التلميذ الحبيب ونقل‬

‫الكنيسة من رعايته الى رعاية بطرس الرسول‪.‬‬
‫ما يهم ّنا الآن هو طلب المسيح ِم ْن بطرس رعاية ال ِخراف‪،‬‬
‫فالحوار بين المسيح وبطرس يجب أن يكون جاهزا في أذهاننا‬
‫حين نتس َّلم كرعاة مسؤول ّية رعاية الكنيسة‪ .‬المسيح لم ير ّدد‬
‫نفس الكلمات بعد أجوبة بطرس الثلاثة‪ .‬ففي ترجمة فاندايك‬
‫العربية‪ ،‬يجيب المسيح بعبار َت ْين ُهما‪ :‬ارع خرافي وارع غنمي‪ .‬أ ّما‬
‫في اللغة اليونانية‪ ،‬فالأمر ُمختلف لتكون ردود المسيح الثلاثة‬

‫كالتالي‪:‬‬

‫‪6‬‬

‫المق ّدمة‪ :‬الراعي والرع ّية‬

‫في الآية ‪ُ ،15‬تلفظ ‪boske‬‬ ‫•‬

‫‪ ،ta arnia mou‬وترجمتها الحرف ّية هي‪ :‬أطعم أو غ ّذي‬

‫في الآية ‪ُ ،16‬تلفظ‬ ‫ِحملاني (صغار الخراف)‪.‬‬
‫•‬

‫‪ ،poimaine ta probata mou‬وترجمتها الحرفية هي‪:‬‬ ‫•‬
‫إرع (بمعنى ُقد إلى الحقل) خرافي‪.‬‬

‫في الآية ‪ُ ،17‬تلفظ‬

‫‪ ،boske ta probata mou‬وترجمتها الحرفية هي‪:‬‬
‫أطعم أو غ ّذي خرافي‪ .‬لكن كلمة ‪ probata‬مكتوبة في‬

‫الكثير من المخطوطات ‪)Nesle Aland( probatia‬‬

‫فتصبح ترجمتها ِحملان (صغار الخراف) وليس خراف‪.‬‬

‫ِبغ ّض النظر عن ترجمة الآية ‪ ،17‬سواء كانت أطعم ِخرافي‬
‫أو أطعم ِحملاني‪ ،‬من المهم أن نعرف بأ ّن المسيح تق ّصد إعطاء‬
‫بطرس هذين ال َد ْورين المه ّمين‪ :‬إطعام وقيادة‪ ...‬بكلمات أخرى‪،‬‬

‫على الراعي أن يعمل على قيادة الكنيسة لمكان أفضل روحيا‪،‬‬
‫لكنه مدع ٌّو أيضا للاهتمام بحاجات الإنسان اليوم ّية وخا ّصة‬

‫لل ِصغار الذين هم في أم ّس الحاجة للمساعدة‪.‬‬

‫إن خدمة الراعي لرع ّيته‪ ،‬سواء كانت في التعليم والقيادة أم في‬
‫الاعتناء بالإنسان وحاجاته‪ ،‬ليست مسؤول ّية الراعي ا ّتجاه رعيته‬

‫‪7‬‬

‫وحسب‪ ،‬بل أيضا اتجاه ر ّب الرع ّية‪ ،‬الذي قال لبطرس "ارع‬
‫خرافي" وليس ارع الخراف‪.‬‬

‫يقول اللاهوتي ويليام ويليمون ‪(Willimon 2002,‬‬
‫)‪ 91‬بأ ّن الراعي في فترات مع ّينة كان ُيدعى من الناس بأسماء‬
‫أخرى‪ ،‬ف ُدعي لقرون مثلا "‪ "curates‬ال ُمشت ّقة من اللاتينية‬
‫"‪ ،"cura animarum‬والتي معناها " ِشفاء الأرواح"‪ .‬وكان‬
‫ُيدعى أيضا "‪ "parson‬ال ُمشتقة من اللاتين ّية "‪،"persona‬‬
‫وتعني الشخص‪ .‬فالراعي هو ذلك الشخص الذي يكون دائما‬
‫بجانب الرع ّية ك ّلما احتاجته‪ .‬لذلك ليس من السهل أن يكون دور‬
‫الراعي الاهتمام بحياة الناس الروح ّية من جهة‪ ،‬وحاجاتهم‬

‫وتحدياتهم البشر ّية من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫الكنيسة والتد ّخل الاجتماعي‬

‫الكنيسة والتد ّخل الاجتماعي‬

‫في علم الاجتماع‪" ،‬التد ّخل الاجتماعي" يأتي مرتبطا‬
‫بالدولة‪ ،‬ف ِمن مسؤول ّيات الدولة الطبيع ّية التد ّخل الاجتماعي‬
‫ل ُمساعدة المواطنين و ُأ َس ِرهم على العيش بكرامة‪ُ ،‬مط ّبقة‬
‫الوثيقة العالم ّية ل ِشرعة حقوق الإنسان التي صدرت من باريس‬
‫في العام ‪ ،1948‬والتي تقول أ ّن "لك ّل فرد باعتباره عضوا في‬
‫المجتمع الحق بالضمان الاجتماعي‪ ،‬والحق في أن يعيش في‬
‫مستوى يكفل له ولأسرته الص ّحة والرفاه ّية" (عط ّية ‪،2002‬‬

‫‪.)12‬‬

‫‪9‬‬

‫لكن في منطقتنا‪ ،‬وبسبب تقاعس "الدولة" عن القيام‬
‫بواجباتها‪ ،‬وجدت الكنيسة نفسها ُمجبرة على لعب هذا الدور‬
‫للتخفيف ِم ْن مشاكل رعاياها الاجتماع ّية‪ .‬فإ ّن الوضع‬
‫الاقتصادي الس ّيء الذي نعيشه في بلداننا‪ ،‬له تأثيرات سلب ّية‬
‫على الناس‪ ،‬ولا تستطيع الكنيسة عزل رعاياها عن تأثيراته‪.‬‬
‫خا ّصة أ ّن التد ّخل الاجتماعي الذي يجب على الدولة تب ّنيه له‬

‫مجالاته الواسعة التي تطال أولاد الطائفة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ o‬البطالة‬
‫‪ o‬الأرامل وال ُمط ّلقات ذات الأطفال‬

‫‪ o‬الشيخوخة والعجز‬
‫‪ o‬المرض والإصابات‬
‫‪ o‬المساعدات الاجتماعية‬
‫‪ o‬التد ّخل الاجتماعي الريفي (عط ّية ‪)18-17 ،2002‬‬

‫ك ّل هذه الحالات تستدعي تد ّخل الدولة للمساعدة‪ ،‬أ ّما‬
‫في حالتنا حيث التد ّخل الاجتماعي للدولة ضعيف مقارنة بالدول‬
‫ال ُمتق ّدمة‪ ،‬أصبح للكنيسة تح ّديات جديدة يجب أن تتعامل معها‬
‫للح ّد من المشاكل الاجتماع ّية التي تؤ ّثر بشكل مباشر على‬
‫أبنائها ورعاياها‪ .‬هذا الأمر ُمربك فعلا‪ ،‬لكن علينا أن نتذ ّكر أ ّن‬
‫الكنيسة الإنجيل ّية كانت الس ّباقة في التد ّخل الاجتماعي للح ّد ِمن‬
‫الظلم والاستغلال‪ .‬دون أن ننسى أ ّنه ِمن الأسباب التي‬

‫‪10‬‬

‫الكنيسة والتد ّخل الاجتماعي‬

‫ساهمت في اندلاع حركة الإصلاح الإنجيلي‪ ،‬مع التأكيد على‬
‫الأسباب اللاهوت ّية الكثيرة أيضا‪ ،‬كان ال ُظلم الاقتصادي الذي‬
‫عاناه الناس بسبب الاستغلال الما ّدي الذي مارسته الكنيسة‪.‬‬
‫ِمن أقوال كريستوفر كولومبوس (‪ )1506 – 1451‬التي تصف‬
‫الوضع آنذاك نذكر‪" :‬يظهر أ ّن من امتلك الذهب امتلك ك ّل‬

‫شيء‪ ،‬ح ّتى دخوله الج ّنة"‪.‬‬

‫بل وأكثر ِمن ذلك‪ ،‬يعيد ماكس فيبر (أحد أهم علماء‬
‫الاجتماع) السبب وراء الانتقال من النظام الإقطاعي إلى النظام‬
‫الرأسمالي للبروتستانت ّية‪ ،‬وبالتحديد إلى الكالفين ّية‪.‬‬
‫فالبروتستانت ّية بشكل عام‪ ،‬ر ّكزت على ثلاثة مبادئ اجتماع ّية‬
‫وهي‪ :‬العمل‪ ،‬التق ّشف‪ ،‬والعلم‪ .‬أي أ ّنه على الانسان أ ْن يعمل‬
‫بجهد ُمبتعدا عن الكسل والبطالة‪ ،‬فالعمل ليس لمج ّرد العمل‪،‬‬
‫لكن يوجد دعوة روح ّية للعمل الجاد‪ ،‬رابطين ذلك الى محاولة‬
‫عيش ملكوت الله‪ .‬كما أن المؤمن الحقيقي يجب أن يعيش‬
‫حياة التق ّشف‪ ،‬فلا يصرف أمواله لإشباع رغباته‪ .‬في نفس‬
‫الوقت‪ ،‬ش ّجعت الكالفين ّية على استثمار الأموال ال ُمكتسبة‪ ،‬فلا‬
‫يتم شراء "السماء" بها‪ ،‬ولا ح ّتى اكتنازها وتخبئتها‪ ،‬إ ّنما‬
‫الاستثمار بها في ميادين انتاج ّية جديدة (مرعبي ‪.)49 ،2009‬‬
‫الأمر الذي ح ّرك العجلة الاقتصاد ّية وخلق ُفرص عمل جديدة‬

‫للآخرين‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫كما كانت الكالفين ّية تح ّث على تع ّلم العلوم الاختبار ّية‪،‬‬
‫لأ ّنها ُتساهم على تنظيم حياتهم وأعمالهم ومؤ ّسساتهم‪،‬‬
‫بعكس النمط الاقطاعي الذي كان ي ّتصف بالكسل‪ ،‬فكان‬
‫تفكيرهم مشابه للتفكير البرجوازي (مرعبي ‪ .)49 ،2009‬فنرى‬
‫بأن البروتستانت ّية بشكل عام‪ ،‬والكالفين ّية بشكل خاص‪ ،‬كان لها‬
‫اليد الواضحة في التد ّخل الاجتماعي والاقتصادي لتحرير العالم‬

‫من احتكار وجشع النظام الاقطاعي‪.‬‬

‫غير أ ّنه في منطقتنا يوجد ما ُيص ّعب مه ّمة التد ّخل‬
‫الاجتماعي‪ ،‬ويزيد من الضغط والعبء على كاهل الكنيسة‪.‬‬
‫والظروف الأمن ّية الدقيقة هي واحدة من المعيقات التي لها‬
‫تأثيراتها السلب ّية الكثيرة‪ ،‬أه ّمها‪ :‬إضعاف الاقتصاد الأمر الذي‬
‫يزيد ِمن البطالة والفقر‪ ،‬الهجرة الخارج ّية التي ُتف ّرق و ُتق ّسم‬
‫العائلات‪ ،‬التهجير القسري الذي ُيس ّبب النزوح الداخلي وال ّلجوء‬
‫الخارجي‪ ،‬زيادة عدد ال ُمع ّوقين جس ّديا‪ ،‬والصدمة )‪(Trauma‬‬
‫التي تؤ ّثر سلبا على نفس ّية الناس والمعالجة تأخذ وقتا كبيرا‪...‬‬
‫ك ّل هذه التح ّديات على الراعي التعامل معها‪ ،‬فعلى‬
‫سبيل ال ِمثال‪ ،‬تخ ّيل أنك ت ِعظ شخصا في كنيستك يعاني ِمن‬
‫الصدمة التي ُتضعف عنده الرجاء و ُتق ّلل الفرح‪ ،‬سيكون لديه‬
‫تساؤل واحد "هل سأبقى غدا هنا؟"‪ .‬في ِكتاب "مسيح ّيو‬

‫‪12‬‬

‫الكنيسة والتد ّخل الاجتماعي‬

‫الشرق‪ :‬خيار البقاء وإرادة الرجاء" لحبيب أفرام‪ ،‬ينشر في إحدى‬
‫الصفحات ال ُمق ّدمة التالية‪:‬‬
‫"لا قاعدة‬
‫ولا بن لادن‬

‫يسرق م ّنا الفرح والرجاء‪.‬‬
‫نحن عبر التاريخ كان عنقنا دائما أقوى ِم َن السيف‪.‬‬

‫لن تتو ّقف حياتنا‪.‬‬
‫سهراتنا ُمغ ّمسة بالدم‪ ،‬لأ ّن هناك مرمى قلب‪،‬‬

‫ف ّجر الإرهاب مذبح كنيستنا‪.‬‬
‫لك ّنهم لن يقتلوا فينا سحر الحياة‪( "...‬افرام ‪،2014‬‬

‫‪.)356‬‬

‫‪13‬‬

‫تح ّديات الراعي مع الرع ّية‬

‫لا تخلو خدمة الراعي ِم َن التح ّديات مع رع ّيته‪ ،‬منها‬
‫الطبيع ّية ومنها الاستثنائية‪ .‬في هذه المقالة سنتو ّسع في‬
‫التح ّديات الاستثنائ ّية التي قد ُتربك الراعي بشكل كبير‪ ،‬إلى أن‬

‫يسأل نفسه "ماذا أفعل الآن؟ كيف أتص ّرف؟"‪...‬‬
‫سأسرد ع ّينة عن بعض التح ّديات التي قد تواجه الراعي‪،‬‬
‫شارحا أسبابها‪ ،‬نتائجها‪ ،‬وكيف ّية التعامل معها‪ .‬وهذه هي‬
‫التح ّديات التي سنتناولها‪ :‬الاضطراب العقلي – الإدمان –‬

‫الصدمة والارهاب – الإعاقة الجسد ّية‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫تح ّديات الراعي مع الرع ّية‬

‫الاضطراب العقلي‬

‫إ ّن الاضطراب‬
‫العقل ّي يأخذ أشكالا‬
‫ُمختلفة‪ ،‬لمعرفة كيف ّية‬
‫التعامل مع الشخص‬
‫علينا أن نعرف أكثر عن‬
‫حالته المرض ّية‪ .‬في‬
‫بلداننا‪ ،‬غالبا ما نو ّحد حالة ال ُمضطربين عقليا‪ ،‬فنقول عنهم‬
‫جميعا صفة واحدة وهي "مجنون أو ُمختل"‪ ،‬واستخدام هذه‬
‫الصفة إذا دّلت على شيء‪ ،‬فهو على مدى الجهل الذي نعيشه‬

‫في مجتمعاتنا‪.‬‬
‫هذه لائحة ببعض أنواع الاضطرابات العقل ّية‪:‬‬

‫)‪(Collins 2007, 636‬‬
‫‪ .1‬اضطرابات عقل ّية ُمب ّكرة‪ُ ،‬تكتشف في مرحلة الطفولة‪:‬‬
‫تأ ّخر عقلي‪ ،‬اضطرابات في التع ّلم‪ ،‬اضطرابات في‬
‫المهارات الحرك ّية‪ ،‬اضطرابات في التواصل‪ ،‬اضطرابات‬
‫في النمو‪ ،‬اضطرابات في السلوك‪ ،‬اضطرابات في‬

‫الأكل‪...‬‬
‫‪ .2‬اضطرابات ادراك ّية‪ :‬هذيان‪ ،‬فقدان الذاكرة‪...‬‬

‫‪15‬‬

‫‪ .3‬اضطرابات بسبب مواد ُمع ّينة‪ :‬كحول‪ ،‬من ّشطات‪،‬‬
‫كافيين‪ ،‬الحشيشة‪ ،‬كوكايين‪ ،‬نيكوتين‪...‬‬
‫‪ .4‬اضطراب الانفصام في الشخص ّية‪.‬‬

‫‪ .5‬اضطرابات المزاج‪ :‬اكتئاب‪ ،‬ثنائي القطب‪.‬‬
‫‪ .6‬اضطرابات القلق‪ :‬ذعر‪ ،‬ارتباك‪ ،‬خوف (‪،)Phobia‬‬

‫صدمة (‪...)Trauma‬‬
‫‪ .7‬اضطرابات جنس ّية‪ :‬خلل جنسي (اضطرابات في الرغبة‬
‫الجنس ّية‪ ،‬الاعتداء الجنسي على الأطفال‪ ،‬تح ّرش‪،)...‬‬
‫اضطراب في التح ّكم الجنسي (عدم القدرة على التح ّكم‬
‫بالدوافع لإقامة العلاقة‪ ،‬إلحاح واستعجال‪ ،‬تص ّرفات‬

‫عنيفة خلال العلاقة)‪ ،‬جهل في الهو ّية الجنس ّية‪.‬‬
‫إ ّن التأثيرات التي قد تنتج عن الاضطرابات العقل ّية تؤ ّثر في‬
‫ع ّدة ا ّتجاهات‪ ،‬سواء على الشخص نفسه أو ح ّتى على العائلة‬
‫المحيطة به‪ .‬لذا فخدمة الراعي في هكذا تح ّدي يجب أن تطال‬

‫الشخص صاحب الاضطراب وعائلته معه أيضا‪.‬‬

‫لمساعدة الشخص ال ُمصاب بالاضطراب العقلي‪ ،‬علينا أ ّولا‬
‫أن نكتشف أكثر معلومات ممكنة عن حالته المرض ّية‪ ،‬وخا ّصة‬
‫التص ّرفات والأعراض التي يفعلها نتيجة للحالة‪ ،‬لكي نبقى‬
‫ضمن الحدود الآمنة‪ ،‬لنضمن سلامتنا وسلامة المريض‪ .‬وهنا‪،‬‬
‫من المهم أن نحترم خصوص ّيات الشخص والعائلة‪ ،‬فلا يجوز‬

‫‪16‬‬

‫تح ّديات الراعي مع الرع ّية‬

‫للراعي أن يشارك المعلومات مع أي أحد‪ُ .‬مساعدة الشخص‬
‫عمليا تبدأ بالتأ ّكد ِمن التزامه بالعلاج الفيزيائي‪ ،‬فكما نعرف في‬
‫مجتمعاتنا‪ ،‬الناس عادة ما تبتعد عن الدواء قدر الإمكان‪ ،‬وتظ ّن‬
‫بأ ّنه ِم َن الأفضل أّلا تأخذه إّلا في الحالات التي لا يستطيعون‬
‫فيها التح ّمل‪ ،‬وفي أغلب الأحيان يؤ ّثر هذا الأمر سلبا على ص ّحة‬

‫المريض وتح ّسنه )‪.(Collins 2007, 648‬‬

‫يجب معرفة شبكة علاقات المريض‪ ،‬وخا ّصة داخل العائلة‪،‬‬
‫هذا س ُيساعد على بناء خ ّطة عمل ف ّعالة )‪.(Redding 2012, 39‬‬
‫هذا يعني معرفة من يؤ ّثر في المريض إيجابا‪ ،‬ومن يؤ ّثر عليه‬
‫سلبا‪ .‬ففي الكثير من الحالات سنرى بأ ّن ح ّل مشكلات أفراد‬
‫العائلة وتصحيح التص ّرفات الخاطئة التي يقترفونها‪ ،‬س ُتخ ّفف‬
‫جدا ِمن ح ّدة الاضطراب العقلي عند الشخص‪ .‬العائلة بأغلب‬
‫الأحيان تكون إيجاب ّية أكثر مع المريض عندما يكون صغيرا في‬
‫الس ّن‪ ،‬هذا لأ ّنهم يتأ ّملون أكثر في تح ّسنه مع الوقت‪ .‬وك ّلما‬
‫كان الشخص ال ُمضطرب عقليا أكبر سنا‪ ،‬ك ّلما أصبح صبر أفراد‬
‫العائلة أضيق‪ ،‬وبالتالي يأس وغضب أكثر‪ ،‬الأمر الذي ُيع ّقد‬

‫الأمور ويزيد الاضطراب‪.‬‬

‫على الراعي أ ْن ُيش ّجع المريض والعائلة على البكاء أحيانا‪،‬‬
‫فلا ُمشكلة في ذلك! إ ّن كبت الحزن والغضب داخل الشخص‬
‫لا يح ّل المشكلة‪ ،‬إ ّنما يزيدها‪ .‬قد يكون الح ّل أيضا في إيجاد‬

‫‪17‬‬

‫جماعة تدعم العائلة ِمن خارج دائرتهم‪ُ ،‬يمكن أن يكونوا قد‬
‫اختبروا أمرا ُمشابها في الماضي‪ ،‬ولديهم الخبرة والرجاء‬

‫الكاف َي ْين لتشجيع العائلة‪.‬‬

‫إ ّن أخطر ما ُيمكن أن يقوم به الراعي في هكذا حالة هو‬
‫إعطاء جرعة أمل زائدة‪ .‬ففي بعض الأحيان قد يأتي الراعي مع‬
‫شعور بأ ّن الله سيفعل حرفيا ما يقول له‪ .‬علينا أن نعرف بأ ّن‬
‫الهدف الأ ّول ليس أن نشفي‪ ،‬مع أ ّننا نتم ّنى الشفاء‪ ،‬إ ّنما أن‬
‫نكون مع الشخص والعائلة في رحلتهم الصعبة ُمحاولين‬
‫المساعدة‪ .‬لذا علينا أن نكون واقع ّيين مع أنفسنا أ ّولا‪ ،‬نحن‬
‫نفعل أفضل ما ُيمكننا‪ ،‬لكن عملنا ليس كاملا‪ .‬إن إعطاء الأمل‬
‫للعائلة والشخص هو شيء طبيعي ِم ْن خادم المسيح‪ ،‬لكن‬
‫الأمر ليس "كن فكان"‪ .‬سيكون ِمن الأفضل أن ُتر ّكز العائلة‬
‫على ما ُيمكن عمله‪ ،‬بدلا ِم َن التركيز على الأمور الصعبة‬
‫والمستحيلة‪ ،‬كيلا يخيب أملهم مع الوقت )‪.(Collins 2007, 647‬‬

‫ِم َن الأمور العمل ّية التي قد يلجأ إليها الراعي لمساعدة‬
‫العائلة هو الطلب ِم ْن شخص ُمتخ ّصص كي ُيق ّدم لأفراد‬
‫العائلة التدريب اللازم لكيفية التعامل مع الشخص المضطرب‬
‫داخل البيت‪ .‬ليس ك ّل شخص يمتلك الثقافة الكافية لمعرفة‬
‫كيف ّية التعامل والتص ّرف في هكذا حالات‪ ،‬فقد يجد الأفراد‬

‫‪18‬‬

‫تح ّديات الراعي مع الرع ّية‬

‫أنفسهم فجأة بأ ّنهم ُمضط ّرين للتعامل مع الشخص في هذه‬
‫الحالة‪ ،‬خا ّصة إذا حدث الاضطراب فجأة ج ّراء حادثة ُمع ّينة‪.‬‬

‫يوجد الكثير ِم َن الاقتراحات والخطوات العمل ّية التي قد يلجأ‬
‫لها الراعي للمساعدة‪ ،‬لكن عليه الانتباه قبل كل خطوة يقوم‬
‫بها‪ ،‬كيلا يجعل الشخص والعائلة ُم ّتكلين عليه تماما‬
‫)‪ .(Redding 2012, 40‬إ ّن الاتكال ال ّتام على الراعي يؤ ّثر سلبا‬
‫على ِكلا الطر َف ْين‪ ،‬فهو ُيضعف الإرادة بالتغيير والتح ّسن عند‬
‫الشخص والعائلة‪ ،‬كما "يحرق" الراعي‪ ،‬فهو في النهاية انسان‬

‫لديه قدرة محدودة على التح ّمل‪.‬‬

‫الإدمان‬

‫ما يجمع‬

‫المضطربين عقليا مع‬

‫ال ُمدمنين هي قدرة‬

‫الضعيفة‬ ‫التح ّكم‬

‫بأنفسهم‪ .‬ع ّرفت هيئة‬

‫الص ّحة العالم ّية (سنة‬
‫‪ )1973‬الإدمان بأ ّنه حالة نفس ّية وأحيانا عضو ّية‪ ،‬تنتج عن تفاعل‬

‫الكائن الحي مع العقار‪ .‬ومن خصائص الإدمان نذكر أه ّمها‪:‬‬

‫‪19‬‬

‫• الرغبة ال ُمل ّحة في الاستمرار على تعاطي العقار‪،‬‬

‫والحصول عليه بأي وسيلة‪.‬‬ ‫•‬
‫زيادة الجرعة بصورة ُمتزايدة ل ُتع ّود الجسم على العقار‪،‬‬

‫وإ ْن كان بعض المدمنين يظ ّل على جرعة ثابتة‪.‬‬

‫• الاعتماد النفسي والعضوي على العقار‪.‬‬
‫• ظهور أعراض نفس ّية وجسم ّية مم ّيزة لك ّل عقار عند‬

‫الامتناع عنه فجأة‪.‬‬

‫• الآثار الضا ّرة على الفرد ال ُمدمن والمجتمع‪( .‬الدمرداش‬

‫‪)20 ،1978‬‬

‫غير أ ّن الإدمان هو أشمل ِمن الإدمان على العقار فقط‪،‬‬
‫فقد يكون الفرد ُمدمنا على تص ّرف ُمع ّين مثل لعب القمار‪ .‬لذا‬
‫فقبل مساعدة ال ُمدمن عمليا‪ ،‬يجب على الراعي معرفة نوع‬
‫الإدمان‪ ،‬هل هو إدمان على عقار مع ّين – ما ّدة أو مشروب‬
‫(كحول‪ ،‬حشيشة‪ ،‬كوكايين‪ ،)...‬أو تص ّرف ُمع ّين (قمار‪ ،‬مشاهدة‬

‫أفلام إباح ّية‪ ،‬تس ّوق‪.)...‬‬

‫المدمن على الما ّدة‪:‬‬

‫يوجد أربعة طرق عمل ّية لمساعدة ال ُمدمن على الما ّدة‪ ،‬كما‬
‫يضعها كولينز في كتابه )‪ ، (Collins 2007, 693‬وهي‪:‬‬

‫‪20‬‬

‫تح ّديات الراعي مع الرع ّية‬

‫التشجيع‪ :‬يجب تشجيع ال ُمدمن على الاستمرار في عمل ّية‬ ‫•‬
‫إعادة التأهيل‪ ،‬ح ّتى لو شعر بنوع من الاستسلام واليأس‪.‬‬
‫فالتشجيع سيساعد ال ُمدمن على الاستمرار‪ ،‬خا ّصة عندما‬
‫ُيش ّخص له الناس التح ّسن الذي ي َر ْونه‪ .‬التشجيع قد يكون‬

‫عبر الكلام المباشر مع الشخص وجها لوجه‪ ،‬أو عبر إيصال‬
‫له مشاعر حميمة بأ ّن الكنيسة تهتم لأمره و ُتص ّلي ِم ْن أجله‪.‬‬
‫وأخيرا‪ِ ،‬م َن الممكن أن ندع الشخص ُيدرك مدى تأثير ادمانه‬
‫على هذه الما ّدة سلبا على أفراد عائلته‪ ،‬ليس لجعله يشعر‬

‫بالذنب‪ ،‬بل لإعطائه دافعا إضافيا ليتو ّقف عن إدمانه‪.‬‬

‫القبول‪ :‬أفضل طريقة للتعبير عن قبول ال ُمد ِمن هو‬ ‫•‬
‫الحضور الداعم بجانب الشخص‪ .‬إ ّن إحاطة ال ُمدمن ِم ْن‬

‫أناس يح ّبونه هو أم ٌر مه ٌّم جدا ومش ّجع له‪.‬‬

‫• بناء الالتزام‪ :‬على الشخص أن يعترف بأنه لن يقدر أن‬
‫يتخ ّلص من إدمانه بدون‪ :‬مساعدة ِمن الآخرين‪ ،‬امتحان‬

‫نفسه‪ ،‬والاتكال على الله‪.‬‬

‫الدعم‪ :‬عادة ما ينتهي الدعم بعد الانتهاء ِم َن العلاج‪ ،‬وهذا‬ ‫•‬
‫أمر خاطئ‪ .‬لا ُب ّد للعلاج ال ُمخت ّص أن يتو ّقف‪ ،‬لكن هذا لا‬
‫يعني التو ّقف عن دعم الشخص‪ُ .‬يمكن للراعي والكنيسة‬

‫أن تلعب دورا إيجابيا مع أفراد العائلة للاستمرار في تشجيع‬

‫الشخص وإعطائه الدعم المناسب‪ ،‬فصحيح أ ّن العلاج‬

‫‪21‬‬

‫تو ّقف لك ّن الإغراءات ستزداد ِم ْن أجل عودة الشخص إلى‬
‫الإدمان‪.‬‬

‫المدمن على التص ّرف‪:‬‬

‫صحيح أ ّن الإدمان على التص ّرفات هو أم ٌر ُمض ّر وخطير‬
‫أحيانا‪ ،‬لكن علينا أن ُندرك بأن التح ّكم به أسهل من التح ّكم على‬
‫إدمان الما ّدة‪ .‬الأمر يعود إلى أ ّنه لا حاجة بيولوج ّية ستظهر‬
‫عندما نمتنع عن هذا العمل‪ ،‬بعكس التو ّقف عن تناول ما ّدة ما‪.‬‬
‫م ّما يعني أن ال ُمدمن على تص ّرف ما يستطيع أخذ قرار والسير‬

‫به ليوقف ادمانه‪ ،‬والانعكاسات التي ستدفعه ليعاود إدمانه‬
‫ستكون نفس ّية وليس بيولوج ّية‪ .‬لكن هذا لا يعني بأ ّن الإقلاع‬

‫عن هكذا نوع من الإدمان هو أمر بسيط وسهل‪ ،‬فمن الصعب‬
‫استعادة القدرة على التح ّكم بالنفس بعد وقت طويل من‬

‫الاستسلام‪.‬‬

‫ِم َن الوسائل التي قد يلجأ إليها الراعي لمساعدة ال ُمدمن على‬
‫تص ّرف أو عمل ُمع ّين نذكر)‪: (Collins 2007, 695‬‬

‫العزم والرغبة بالت ّوقف‪ :‬أ ّولا‪ ،‬على ال ُمد ِمن أن يقتنع بأ ّنه‬ ‫•‬
‫ُيعاني ِمن مشكلة حقيق ّية ويريد الشفاء منها‪ .‬وهنا عليه‬
‫تحديد المشكلة بك ّل تفصيلها‪ ،‬وما تعكسه ِم ْن مشاكل‬

‫على حياته‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫تح ّديات الراعي مع الرع ّية‬

‫• الاستبدال‪ِ :‬م َن الوسائل المرحل ّية التي قد نلجأ اليها هي‬
‫استبدال التص ّرف بتص ّرف آخر‪ ،‬مثل أن ينضم الشخص‬
‫لصف رياضة‪ ،‬في نفس الوقت الذي يمارس فيه القمار‬
‫عادة (هذه الوسيلة ُتستخدم أحيانا مع ُمدمني الما ّدة‪ ،‬فترى‬
‫ال ُمدمن على التدخين يضع سكاكر في فمه بشكل دائم‬
‫ليلهي نفسه بها)‪ .‬لك ّن هذه الوسيلة ليست الحل‪ ،‬إن ّما‬
‫طريقة مرحل ّية لمساعدة المدمن على التو ّقف‪ ،‬ويجب أن‬
‫يتو ّقف عنها وإّلا ستتح ّول نفسها لما ّدة ادمان‪ ،‬ويكون‬

‫اقتلاعه عن الإدمان السابق غير نهائي‪.‬‬
‫• إكمال النواقص‪ :‬هذه المرحلة هي الأهم في عمل ّية الشفاء‬
‫الناضجة والنهائ ّية‪ ،‬فعلى الراعي أن يدع ال ُمدمن يكتشف‬
‫النواقص في حياته‪ ،‬والتي تجعل من هذا الإدمان ضرورة‪.‬‬
‫أي ما هي الأمور التي يق ّدمها الإدمان للشخص‪ ،‬وهنا‬
‫نسأل عن الشيء الذي ُيمكن أن يعطيه نفس الحاجات دون‬

‫السقوط في مشكلة الإدمان‪.‬‬
‫• إدارة نمط الحياة‪ :‬هذه هي المرحلة الأخيرة‪ ،‬فبعد أن يبتعد‬
‫ال ُمدمن عن مشكلته‪ ،‬و ُيشبع حاجاته بوسائل أخرى‪ ،‬تأتي‬
‫مرحلة إعادة تنظيم حياة الشخص‪ ،‬فال ُمدمن على العمل‬
‫في سبيل المثال‪ ،‬عليه تعويد نفسه على أخذ وقت للراحة‬

‫يوميا‪ ،‬للرياضة‪ ،‬وقت نوعي مع العائلة‪...‬‬

‫‪23‬‬

‫الصدمة والإرهاب‬

‫إ ّنه تح ّدي‬
‫الساعة‪ ،‬ليس هناك ما‬
‫يوازيه خطرا وانتشارا‬
‫في الوقت الحالي‪.‬‬
‫الصدمة (‪)Trauma‬‬
‫موجودة في ك ّل‬
‫الأوقات والأماكن‪ ،‬لكن هناك فرق بين الصدمة الشخص ّية‬
‫والتي تحدث لأفراد ُم ّعنين‪ ،‬وبين الصدمة العامة التي تطال‬
‫البلاد وتدخل ك ّل بيت‪ .‬إن السينودس الإنجيلي الوطني في‬
‫سور ّية ولبنان أمام تح ّدي كبير وصعب‪ ،‬وهو معالجة شعب‬
‫كامل مصدوم ج ّراء الأزمة السور ّية التي طالت البلاد‪ ،‬و َك ُثر فيها‬
‫العنف والإرهاب‪ .‬أقول بأ ّننا يجب أن نبدأ العمل بطريقة‬
‫احتراف ّية ِم ْن أجل مساعدة الناس الذين ُيعانون من الصدمة‪،‬‬
‫أ ّولا عن طريق تدريب الرعاة على كيفية التص ّرف والتعامل مع‬

‫هذه الحالات‪.‬‬

‫الصدمة قد تم ّر على خير‪ ،‬خا ّصة بعد تح ّسن الشخص خلال‬
‫أ ّيام أو بضعة أسابيع‪ .‬أ ّما عندما تتط ّور الحالة وتستمر‪ ،‬هذا يعني‬
‫بأ ّنه قد دخل مرحلة "اضطراب ما بعد الصدمة"‪ ،‬والمعروف‬

‫‪24‬‬

‫تح ّديات الراعي مع الرع ّية‬

‫علميا ب ‪ .Post-traumatic stress disorder :PTSD‬أ ّولا‬
‫علينا أن نعرف أ ّن هناك شرطان لنقول بأ ّنها "صدمة"‪ ،‬وهما‪:‬‬

‫• مشاهدة الشخص أو اختباره ومشاركته في حدث أو‬
‫أحداث قاسية ومؤلمة‪ ،‬فيها موت فعلي لآخرين‪ ،‬أو‬

‫إصابات خطيرة له أو لغيره‪.‬‬
‫• جواب الشخص تض ّمن ذعر كبير وشعور بالعجز‬

‫)‪.(Knauss and Schofield 2009, 3‬‬

‫إ ّن الأعراض التي قد تنتج عن الاضطراب ما بعد الصدمة‬
‫هي باختصار‪ :‬اكتئاب‪ ،‬قلق عام‪ ،‬تل ّبك ُمستم ّر‪ ،‬وفوبيا‪ .‬وقد‬

‫ُيعاد اختبار هذه الصدمة بواحدة أو أكثر من الطرق التالية‪:‬‬

‫• تذ ّكر الحدث من خلال استرجاع بعض الصور‪ ،‬الأفكار‪،‬‬

‫والمشاعر‪.‬‬

‫• اختبار أحلام ُمزعجة خلال النوم‪.‬‬

‫• التمثيل أو الشعور كما لو أ ّن الحدث الصادم يتك ّرر ُمج ّددا‬

‫(تشمل الأوهام‪ ،‬الهلوسة‪ ،‬صور ومشاهد من الحدث) ‪...‬‬

‫اضطراب نفسي شديد عند التع ّرض لتلميحات داخل ّية أو‬ ‫•‬
‫خارج ّية ُتشبه جانب من جوانب الحدث الصادم‪.‬‬ ‫•‬

‫تفاعل جسدي عند التع ّرض لتلميحات ُتشبه جانب من‬

‫جوانب الحدث الصادم )‪(Knauss and Schofield 2009, 3‬‬

‫‪25‬‬

‫لكن ماذا قد يفعل الراعي لمساعدة ال ُمضطرب (وما لا يجب‬
‫أن يفعله)؟ يمكننا عرض بعضا ِم َن الوسائل ال ُمتاحة‪:‬‬

‫)‪(Collins 2007, 772-774‬‬

‫تج ّنب التس ّرع في الاستجواب‪ِ :‬م َن الوسائل المستخدمة‬ ‫•‬
‫في علم ال ّنفس لمساعدة المريض هو الاستجواب‪ ،‬أو‬ ‫•‬
‫بالأحرى جعل الشخص ُيف ّرغ كل ما في داخله من مشاعر‬
‫وذكريات مكبوتة‪ .‬أ ّما في حالة الصدمة‪ ،‬فيجب تج ّنب‬
‫التس ّرع في الاستجواب‪ ،‬لأ ّن عمل ّية استرجاع المشاهد‬
‫والذكريات وتفريغها قد ُتؤ ّدي إلى نتائج سلب ّية‪ .‬إ ّن التح ّدث‬
‫عن الماضي والحدث الصادم ضرور ّي جدا‪ ،‬لكن ليس قبل‬

‫أن نتأ ّكد ِم ْن أ ّن الشخص أصبح بإمكانه التح ّدث عنه‪.‬‬
‫ج ّهز جو ِم َن الأمان والثقة‪ِ :‬م ْن أعراض الشخص ال ُمصاب‬
‫باضطراب ما بعد الصدمة‪ ،‬كما شرحنا أعلاه‪ ،‬هي‪ :‬اكتئاب‪،‬‬
‫قلق عام‪ ،‬تل ّبك ُمستم ّر‪ ،‬وفوبيا‪ .‬هذه الأعراض ستجعل‬
‫مشاعر الشخص وتفكيره في تخ ّبط دائم‪ ،‬م ّما سيعيق‬
‫التواصل بين الراعي وال ُمضطرب‪ .‬لذا يجب على الراعي أن‬
‫يكون هادئا جدا‪ ،‬ليؤ ّمن جوا ِم َن الأمان والراحة‪ .‬كما يجب‬
‫أن ُيحاول إعطاء الثقة بالنفس للشخص‪ ،‬لأ ّن تذ ّكر الماضي‬
‫سيجعله يشعر بالخجل والضعف‪ ،‬فإيصال فكرة أ ّن الراعي‬

‫‪26‬‬

‫تح ّديات الراعي مع الرع ّية‬

‫يقبل الشخص ويتف ّهمه وبأ ّنه يرى أملا في المستقبل‪،‬‬

‫سيساعد ال ُمضطرب كثيرا في عمل ّية العلاج‪.‬‬

‫• أعط معلومات وخطط‪ :‬خلال فترة العلاج والتواصل بين‬

‫الراعي وال ُمضطرب‪ ،‬سنرى بأ ّنه على الراعي أن يتد ّخل‬

‫أحيانا‪ .‬فعندما يرى أ ّن الشخص بدأ يغضب على سبيل‬

‫ال ِمثال‪ ،‬يجب أن يوقفه عن الكلام بهدوء‪ ،‬ويطلب منه أن‬

‫يأخذ نفسا عميقا ليهدأ‪ ،‬أو أن يطلب إليه إغلاق عينيه‬

‫وتأ ّمل مشهد ُمسالم جميل‪ .‬كما ُمحاولة تحفيز الشخص‬
‫على تحسين علاقته الروح ّية بالله‪ ،‬قد ُيساعده أيضا‪ ،‬لأ ّنه‬

‫ُيعطيه نوعا ِمن الأمان والثقة‪.‬‬
‫إعطاء الشخص تقن ّيات خا ّصة قد ُتساعده على التح ّكم‬
‫بنفسه‪ ،‬لكيف ّية التح ّكم بالمشاعر‪ ،‬كيف ّية التواصل الج ّيد‪،‬‬
‫كيف ّية إدارة الوقت‪ .‬كما ُيمكن أن ُنعطي الشخص ُمذ ّكرة‬

‫ليكتب عليها ما يريد خلال اليوم‪ِ ،‬م ْن مشاعر وأحداث‪.‬‬ ‫•‬
‫غرس الأ ّمل‪ :‬في الكثير ِم َن الأحيان يكون الأ َمل ضعيفا‪،‬‬
‫ح ّتى أ ّن الراعي ُيلاحظ ذلك‪ .‬لكن الذي يتبع المسيح لا‬

‫يمكن أن يفقد الأمل أبدا‪ ،‬فغرس الأ َمل عند الشخص‬
‫ال ُمضطرب س ُتساعده بطريقة ج ّيدة‪.‬‬

‫‪27‬‬

‫الإعاقة الجسد ّية‬

‫لطالما لام‬
‫الإنسان الله على‬

‫مشاكله‪ ،‬فتراه يسأله‬
‫في المرض‪ :‬لماذا يا‬

‫الله؟ ماذا فعلت‬
‫لك؟‪ ،‬أو عندما يولد طفل بإعاقة ما‪ ،‬فيتهامس الجيران بين‬

‫بعضهم قائلين بالعام ّية‪" :‬أبصر شو عاملين أهلو!"‪ .‬هذه‬
‫الصورة الخاطئة عن الله‪ ،‬التي تقول بأ ّنه ُيعاقب الإنسان‬
‫بالمرض‪ ،‬هي مشكلة قديمة‪ ،‬وقد حاول الكتاب ال ُمق ّدس‬
‫ح ّلها في الكثير من النصوص‪ .‬على الراعي أن يعمل على فك‬
‫هذا الرابط بين الله والشر في عقول الرع ّية‪ ،‬لأ ّنها ُتص ّعب‬
‫مه ّمة تقديم المشورة عند الحاجة‪ ،‬بل وتزيدها تعقيدا عندما‬
‫يظ ّن الناس بأ ّن سبب مرضهم هو قصاص من الله على أمر‬

‫ش ّرير فعلوه‪.‬‬

‫ِم َن الأمثلة الكتاب ّية التي ُتظهر ُمحاربة هذه الصورة‬
‫الخاطئة‪ ،‬هي ق ّصة النبي أ ّيوب‪ .‬إ ّنه البا ّر الذي يخسر ممتلكاته‬

‫وأولاده وص ّحته‪ ،‬فيصل لوقت يغضب فيه ويقول‪َ" :‬ل ْي َت ُه‬
‫َه َل َك اْل َي ْو ُم اَّل ِذي ُو ِل ْد ُت ِفي ِه‪َ ،‬وال َّل ْي ُل اَّل ِذي َقا َل‪َ :‬ق ْد ُح ِب َل ِب َر ُجل‪.‬‬
‫ِل َي ُك ْن ذ ِل َك اْل َي ْو ُم َظلَاما‪ .‬لَا َي ْع َت ِن ِب ِه الل ُه ِم ْن َف ْو ُق‪َ ،‬ولَا ُي ْش ِر ْق‬

‫‪28‬‬

‫تح ّديات الراعي مع الرع ّية‬

‫َع َل ْي ِه َن َها ٌر" (أ ّيوب ‪ .)4-3 :3‬ومع الغضب يأتي لوم الله على‬
‫عقاب لا يستح ّقه فيقول‪َ " :‬ذا َك اَّل ِذي َي ْس َح ُق ِني ِباْل َعا ِص َف ِة‪،‬‬
‫َو ُي ْك ِث ُر ُج ُرو ِحي ِبلَا َس َبب" (أ ّيوب ‪ .)17 :9‬فتأتي أجوبة أصدقاء‬
‫أ ّيوب لتؤ ّكد المفهوم التقليدي‪ُ ،‬مرجعين سبب الش ّر لمبدأ‬
‫المجازاة‪ ،‬وبالتالي فعلى أ ّيوب أن يعترف بخطاياه ويرجع الى‬

‫الر ّب تائبا وطالبا المغفرة (غنطوس ‪.)98 ،2016‬‬
‫أ ّما جواب الر ّب الذي يبدأ في الأصحاح ‪ ،38‬فيوضح‬
‫بأ ّن الألم هو جزء طبيع ّي ِم َن الخليقة ولا علاقة له بالعقاب‪،‬‬

‫حيث أ ّن الحيوانات تتأّلم أيضا‪َ " :‬أ َت ْع ِر ُف َو ْق َت َولَا َد ِة ُو ُعو ِل‬
‫ال ُّص ُخو ِر‪َ ،‬أ ْو ُتلَا ِح ُظ َم َخا َض الَأ َيا ِئ ِل؟ َأ َت ْح ُس ُب ال ُّش ُهو َر اَّل ِتي‬
‫ُت َك ِّم ُل َها‪َ ،‬أ ْو َت ْع َل ُم ِمي َقا َت َولَا َد ِت ِه َّن؟ َي ْب ُر ْك َن َو َي َض ْع َن َأ ْولَا َد ُه َّن‪.‬‬
‫َي ْد َف ْع َن َأ ْو َجا َع ُه َّن‪َ .‬ت ْب ُل ُغ َأ ْولَا ُد ُه َّن‪َ .‬ت ْر ُبو ِفي اْل َب ِّر َّي ِة‪َ .‬ت ْخ ُر ُج َولَا َت ُعو ُد‬

‫ِإَل ْي ِه َّن‪( ".‬أ ّيوب ‪.)4-1 :39‬‬
‫فواحدة ِم َن الإعلانات التي ُيعلنها لنا سفر أ ّيوب هي‪:‬‬
‫"يعلن لنا سفر أ ّيوب عدم وجود أ ّي رابط أو علاقة بين الش ّر‬
‫والألم والمعاناة التي تصيبنا ووجود أي استحقاق من قبلنا‬
‫لك ّل ذلك‪ ،‬وأ ّن ذلك الش ّر والألم والمعاناة لا يجب أن ترى على‬
‫أ ّنها عقاب من الله لنا على أي شر فعلناه أو خطيئة ارتكبناها‪.‬‬

‫‪29‬‬

‫فسفر أ ّيوب ُيعلن لنا أ ّن إلهنا ليس إله عدالة بل إله نعمة‪"...‬‬
‫(غنطوس ‪.)106 ،2016‬‬

‫إ ّن المرض والإعاقة الجسد ّية قد تس ّبب أمراض نفس ّية‪،‬‬
‫لكن يوجد أسباب تساعد في تط ّور الحالة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫)‪(Collins 2007, 445-448‬‬

‫• الشعور بالذنب (كما قلنا أعلاه‪ ،‬الشعور بالذنب ولوم‬
‫النفس على المرض‪ ،‬وكأ ّن المريض ُيعاقب بسبب‬

‫خطاياه وشروره‪ ،‬سيزيد الوضع سوءا)‪.‬‬

‫• العجز والضعف‬

‫• الخوف والاكتئاب‬

‫اختبار الألم والوجع‬ ‫•‬
‫تأثير العائلة السلبي (عندما يتع ّرض الشخص لإعاقة ما‪،‬‬ ‫•‬

‫سيكون للعائلة ر ّدات فعل وتص ّرفات قد ُتساعد‬

‫الشخص وتعطيه الق ّوة‪ ،‬والعكس صحيح) ‪...‬‬

‫أ ّما الأعراض السلب ّية التي قد تنتج عن الإعاقة الجسد ّية‪،‬‬
‫وتشير إلى ضرورة تد ّخل الراعي لل ُمساعدة فهي كثيرة‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫ال ُنكران‪ :‬أولى الآثار التي تظهر بعد الإعاقة هي الرفض‬ ‫•‬
‫والنكران‪ ،‬إ ّما عند الشخص ال ُمع ّوق بعد الحادثة‪ ،‬أو عند‬

‫الأهل (خا ّصة عند اكتشاف إعاقة طفلهم‪ /‬طفلتهم)‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫تح ّديات الراعي مع الرع ّية‬

‫فالصدمة كفيلة بجعل الأشخاص يرفضون العيش في‬
‫الواقع‪ ،‬وبالتالي محاولة تج ّنب ال ُمشكلة‪ ،‬ولو كان الح ّل‬

‫العيش في الخيال أو الماضي‪.‬‬

‫الانسحاب‪ :‬قد يلجأ الشخص ال ُمع ّوق للانسحاب‪ ،‬ليس‬ ‫•‬
‫دائما بسبب الخجل من الوضع الجديد‪ ،‬إ ّنما في الكثير‬
‫من الأحيان تكون ع ّزة النفس هي السبب‪ ،‬فال ُمع ّوق‬

‫يرفض أن يظهر ضعيفا أمام الآخرين‪.‬‬

‫• ال ُمقاومة والغضب‪ِ :‬م َن الأعراض التي قد تظهر على‬
‫صاحب الإعاقة الجسد ّية هو الغضب‪ ،‬خا ّصة إذا كانت‬

‫الإعاقة دائمة‪ ،‬فيجد الشخص حاجة ل ُيخرج غضبه‬

‫الداخلي بوجه أي شخص‪ ،‬فيبدأ مع الله بأسئلة‬
‫"لماذا؟"‪ ،‬وبعدها مع أعضاء العائلة وال ُمحيطين به ِمن‬

‫أصدقاء‪ ،‬أط ّباء‪...‬‬

‫• الاستعطاف‪ :‬صحيح أ ّن البعض قد يلجأ للانسحاب‪،‬‬
‫رافضين التح ّنن والعطف‪ .‬لكن في المقابل قد يلجأ‬

‫البعض الآخر للاستفادة من وضعه الجديد‪ ،‬عبر‬ ‫•‬
‫استعطاف الآخرين بهدف التح ّكم بهم‪.‬‬

‫الاكتئاب‪ :‬إ ّن القلق والمشاعر السلب ّية‪ ،‬قد تكون نتيجة‬

‫طبيع ّية عندما يتع ّرض الشخص لأي مشكلة جد ّية‪ .‬لكن‬
‫تط ّور الحالة النفس ّية وتأ ّزمها ستأ ّثر سلبا على الحالة‬

‫الصح ّية للشخص‪.‬‬

‫‪31‬‬

‫هذا ال ُمخ ّطط‬
‫سيو ّضح‬

‫المراحل التي‬
‫يم ّر فيها‬
‫المع ّوق‬

‫)‪:(Collins 2007, 452‬‬
‫كما ُيظهر لنا الرسم‪ ،‬عند التع ّرض لإعاقة ما فإ ّن‬
‫الشخص يدخل مرحلة التفاعل )‪ ،(Reaction Phase‬وهي‬
‫المرحلة التي تظهر فيها الأعراض (تختلف ِم ْن شخص لآخر)‪.‬‬
‫تظ ّل نفس ّية الشخص في انحدار قوي‪ ،‬إلى أن تأتي مرحلة‬
‫القبول والمصالحة )‪ ،(Acceptance Phase‬حيث يعترف‬
‫الشخص بحالته الجديدة ويتصالح مع نفسه‪ِ ،‬م ْن هنا تبدأ عمل ّية‬
‫إعادة التأهيل‪ ،‬فتتح ّسن نفس ّية الشخص تدريجيا في المرحلة‬
‫الثالثة وهي مرحلة النمو )‪ .(Growth Phase‬لكن كما نرى‪ ،‬فإ ّن‬
‫مرحلة النم ّو تختلف من شخص لآخر‪ ،‬فقد يعود الشخص إلى‬
‫حالته الطبيع ّية قبل الإعاقة‪ ،‬أو لحالة أسوء قليلا ِمن حالته‬
‫الطبيعية‪ ،‬أو يستفيد ِمن اختباره ليصل لحالة أفضل من الحالة‬

‫الطبيع ّية‪.‬‬

‫‪32‬‬

‫تح ّديات الراعي مع الرع ّية‬

‫أ ّما الوسائل ال ُمتاحة لمساعدة أصحاب الإعاقة الجسد ّية‬
‫وتقديم المشورة لهم‪ ،‬لح ّثهم على دخول المرحلة الثانية‬

‫والثالثة‪ ،‬فنذكر أبرزها )‪:(Collins 2007, 451‬‬
‫• تج ّنب الهروب‪ :‬عندما ُيصاب شخص بإعاقة ما‪ ،‬فإ ّن‬
‫ُمعظم الناس يتركونه لمواجهة مشاكله بنفسه‪ .‬تخ ّيل أ ّن‬
‫أكثر المشورات إيجاب ّية في هكذا حالات يكون أبطالها‬
‫الأشخاص الذين يهت ّمون بالشخص‪ ،‬كالذي ُيدخل الطعام‬
‫والشراب والذي ُين ّظف الغرفة‪ ،‬وهذا لأ ّنهم يزورون‬
‫الشخص بانتظام‪ .‬لذا أولى الوسائل ل ُمساعدة ال ُمع ّوق‬

‫جسديا في كنيستك هي تنظيم زيارات دور ّية‪.‬‬
‫• توجيهات لزيارة ال ُمع ّوق وتقديم المشورة‪:‬‬
‫)‪(Collins 2007, 454‬‬
‫‪ o‬ا ّتصل قبل الزيارة‪.‬‬

‫‪ o‬حاول أخذ شخص آخر معك إذا كان المريض وحيدا‬
‫في المنزل (خا ّصة إذا كان من الجنس الآخر)‪.‬‬

‫‪ o‬تنظيم زيارات دور ّية‪ ،‬كما يجب أن يكون وقت الزيارة‬
‫الواحدة مناسبا لحالة المريض‪ ،‬ليس طويلا ولا‬
‫قصيرا‪.‬‬

‫‪ o‬اترك للمريض المبادرة للقيام بأي عمل جسدي (مثل‬
‫التسليم باليد)‪.‬‬

‫‪33‬‬

‫‪ o‬قف أو اجلس بطريقة ُتس ّهل للمريض أن يراك‪.‬‬

‫الجلوس على جانب السرير أفضل ِم َن الجلوس في‬

‫أسفله‪.‬‬

‫‪ o‬اترك المريض يتح ّدث و ُيع ّبر كما يريد‪ ،‬واصغ ج ّيدا لما‬

‫يقوله‪.‬‬

‫‪ o‬استخدم وسائل رعو ّية مثل الصلاة‪ ،‬قراءات من‬

‫الكتاب المق ّدس‪ ،‬تعليقات إيجاب ّية‪ ...‬بعد أخذ موافقة‬

‫المريض‪.‬‬

‫‪ o‬ساعد الشخص ليتعامل مع وجعه‪.‬‬

‫‪ o‬ازرع الأمل‪.‬‬

‫‪ o‬إ ّياك أن تفعل التالي‪:‬‬
‫▪ التك ّلم بنبرة غير طبيع ّية‪.‬‬

‫▪ التح ّدث عن آلامك أنت أو اختبارات دخولك‬

‫المستشفى‪.‬‬
‫▪ إجبار المريض على التح ّدث‪ ،‬فالصمت أحيانا يكون‬

‫أكثر منفعة له ِم َن الكلام‪.‬‬ ‫▪‬
‫لا َت ِعد الشخص بأ ّن الله سيشفي مرضه حتما‪.‬‬ ‫▪‬

‫لا تزور وأنت مريض‪.‬‬

‫▪ لا تزور وأنت في عجلة ِم ْن أمرك‪.‬‬
‫▪ لا تزور وقت الطعام‪.‬‬

‫▪ لا تسأل الشخص عن تفاصيل المرض الصغيرة‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫البحث السوسيولوجي واكتشاف الظواهر الاجتماع ّية‬

‫البحث السوسيولوجي واكتشاف الظواهر‬
‫الاجتماع ّية‬

‫ليس في ك ّل وقت تكون الظواهر الاجتماع ّية واضحة‪،‬‬
‫فغالبا ما يحتاج الأمر لعمل احتراف ّي يهدف لاكتشافها‪ .‬قد‬

‫يظ ّن الراعي وح ّتى الرع ّية بأ ّن الأمور تسير على ما ُيرام‪ ،‬وفجأة‬
‫يتفاجأ الجميع بوجود ُمشكلة ُمنتشرة‪ ،‬أصبح ِم َن ال ّصعب‬
‫التح ّكم بها‪.‬‬

‫الأمر يحتاج في الكثير من الأحيان لأناس ُمحترفين‪،‬‬
‫يجرون دراسات على ع ّينة ُمع ّينة‪ ،‬و ُيق ّدمون نتائج الدراسة‬

‫‪35‬‬

‫ُمرفقة بإحصائ ّيات وأرقام واضحة‪ .‬هذا الأمر ُمه ّم من فترة‬
‫لأخرى أن ُيعمل به على صعيد السينودس ككل‪ ،‬فهذه‬

‫الدراسات ُتطلع السينودس على وضع رعاياه ومشاكلهم‪ ،‬وعن‬
‫وجود أ ّي ظواهر اجتماع ّية بحاجة للاهتمام الخاص‪ ،‬ف ُتبنى‬
‫رؤية السينودس للسنوات القادمة ضمن التقرير ال ُمف ّصل‬
‫الذي يشرح و ُيص ّور الوضع العام‪.‬‬

‫لكن في ال ُمقابل‪ُ ،‬يمكن للرعاة أن يتد ّربوا على كيفية‬
‫القيام باستكشاف الظواهر في كنيستهم المحل ّية‪ .‬وبالتالي‬

‫هذا سيجعل الراعي ُمدركا لما يحصل داخل المنازل وفي‬
‫العلاقات بين الرع ّية‪ .‬وهنا بعض النقاط ال ُمه ّمة التي علينا‬

‫ا ّتباعها‪:‬‬

‫• انتقاء الموضوع‪ :‬قبل البدء بالبحث‪ ،‬على الراعي أن يضع‬
‫عنوان الموضوع‪ ،‬فالبحث لا يكون عشوائيا‪ .‬انتقاء‬

‫موضوع البحث مه ّم جدا وأساس ّي من أجل القيام ِب ِع ّدة‬
‫خطوات لاحقة‪ .‬على سبيل ال ِمثال قد يضع الراعي العنوان‬

‫التالي‪" :‬ال ُمساعدات ال ُمق ّدمة ِم َن السينودس للرع ّية‬
‫وتأثيراتها"‪ ،‬أو "النميمة بين أهل الكنيسة"‪...‬‬

‫• اختيار الإشكال ّية والفرض ّيات‪ :‬الإشكال ّية والبعض ُيس ّميها‬
‫المسأل ّية (‪ ،)problematic‬توضع بعد انتقاء العنوان‪،‬‬

‫ف ُيل ّخص الراعي ال ُمشكلة التي يراها‪ ،‬مثل "ال ُمساعدات‬

‫‪36‬‬

‫البحث السوسيولوجي واكتشاف الظواهر الاجتماع ّية‬

‫ال ُمق ّدمة ِم َن السينودس لبعض الرعاية تخلق مشاكل بين‬
‫الأفراد"‪ .‬بعد وضع الاشكال ّية توضع الفرض ّية‪ ،‬وهي‬
‫الجواب الافتراضي الأ ّولي‪ ،‬مثل "تخلق ال ُمساعدات‬
‫ُمشكلة بين الأفراد لأ ّن سياسة التوزيع غير واضحة"‪.‬‬

‫• انتقاء الع ّينة ‪ -‬والموضوع ّية‪ :‬الخطوة التالية هي انتقاء‬
‫الع ّينة‪ .‬صحيح أ ّننا نتح ّدث عن تدريب يساعد الراعي على‬

‫فحص رع ّيته بهدف استكشاف الظواهر الاجتماعية‬
‫والمشاكل داخلها‪ ،‬لكن هذا لا يعني بأن ع ّينة البحث‬

‫معروفة‪ ،‬وهي الرع ّية ككل‪ .‬فإ ّن موضوع الاختبار‬
‫س ُيساعدنا في اختيار الع ّينة‪ ،‬ووفق أ ّي شروط‪ .‬فإذا كان‬
‫موضوع البحث أولاد مدارس الأحد‪ ،‬فما النفع من اختيار‬

‫ك ّل الرع ّية لتكون ع ّينة البحث؟ هذا التعميم سيجعل‬
‫النتائج غير علم ّية ودقيقة‪ .‬لكن في الوقت نفسه‪ِ ،‬م َن‬
‫ال ُمه ّم أن نتج ّرد م ْن آرائنا الخا ّصة‪ ،‬فالعمل ال ُمحترف لا ب ّد‬
‫أن يكون موضوعيا‪ .‬وإّلا ستكون النتيجة معروفة قبل‬
‫القيام بالبحث‪ .‬الموضوع ّية بحسب تعريف قاموس علم‬

‫الاجتماع هي‪" :‬خاص ّية تظهر في محاولة التقليل ِم َن‬
‫الأخطاء التي تتر ّتب على التح ّيز الاجتماعي أو السيكولوجي‬

‫لفرد أو جماعة عند تفسير أو فهم ظاهرة ُمع ّينة‪( ".‬عماد‬
‫‪)20 ،2007‬‬

‫‪37‬‬

‫الآن بعد ا ّتباع كل هذه الخطوات يأتي دور كتابة استمارة‬
‫الاستبيان‪ ،‬ولهذه العمل ّية أيضا خطواتها‪...‬‬

‫كتابة استمارة الاستبيان‬

‫ُتق ّسم استمارة‬
‫الاستبيان إلى ثلاثة‬
‫أبواب رئيس ّية‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ .1‬الباب الأ ّول‪ :‬يأخذ‬
‫هذا الباب‬

‫الصفحة الأولى كاملة‪ .‬ويتض ّمن معلومات عن الجهة التي‬
‫تقوم بالبحث‪ ،‬عنوان البحث‪ ،‬واسم الباحث أو الباحثين‬
‫ال ُمشرفين عليه‪ ،‬و ُيح ّدد في نهاية الصفحة تاريخ إجراء‬
‫المقابلة واسم ال ُمقابل‪ .‬كما ِم َن الج ّيد أن توضع هذه‬
‫الجملة في نهاية الصفحة لتشجيع الناس على التك ّلم‬
‫براحة "إ ّن المعلومات التي تز ّودنا بها لن ي ّطلع عليها أي‬

‫شخص أو جهة‪ ،‬ولن تستخدم إّلا في أغراض هذا البحث‬
‫العلمي مهما كانت الأحوال" (عماد ‪ .)64 ،2007‬صحيح‬

‫أ ّنه في حالتنا‪ ،‬ستكون الكنيسة عبر الراعي (بمساعدة‬
‫فريق من الخ ّدام) هي الجهة التي تعمل البحث‪ ،‬لكن هذا‬
‫لا يمنع من إعطاء المزيد من التطمينات بأ ّن المعلومات‬

‫‪38‬‬

‫البحث السوسيولوجي واكتشاف الظواهر الاجتماع ّية‬

‫ستكون سر ّية‪ .‬كما أ ّنه قد نرى في بعض البحوث عدم‬
‫الحاجة لذكر الأسماء‪ ،‬فالمهم النتيجة‪ ،‬عندها سنريح‬
‫الشخص من كتابة اسمه‪.‬‬
‫‪ .2‬الباب الثاني‪ :‬هدف هذا الباب تجميع ك ّل المعلومات‬

‫العا ّمة أو الشخص ّية المتع ّلقة بالمبحوث‪ ،‬مثل‪ :‬العمر‪،‬‬
‫الجنس‪ ،‬المهنة‪ ،‬الراتب‪ ،‬المستوى العلمي‪ ،‬عدد أفراد‬

‫الأسرة‪ ،‬المنطقة السكن ّية‪ ،‬ميوله واتجاهاته‪.)...‬‬
‫‪ .3‬الباب الثالث‪ :‬أ ّما هذا الباب فيتض ّمن الأسئلة ال ُمخ ّصصة‬
‫التي يدور حولها البحث‪ .‬وهذه بعض الشروط التي يجب‬

‫تو ّفرها في الأسئلة (عماد ‪:)67-66 ،2007‬‬
‫أ‪ .‬أن تبقى ضمن موضوع البحث ولا تخرج عنه‪.‬‬

‫ب‪ .‬أن يكون عدد الأسئلة معقولا‪.‬‬
‫ج‪ .‬أن تخلو الأسئلة من تعابير ومفاهيم متخ ّصصة غير‬

‫مفهومة‪.‬‬
‫د‪ .‬أن تكون الأسئلة قصيرة وواضحة‪ ،‬وبعيدة عن‬

‫الغموض والتشويش‪.‬‬
‫ه‪ .‬أن تكون ُمتسلسلة منطقيا‪ُ ،‬م ّتصلة الواحدة‬

‫بالأخرى‪.‬‬
‫و‪ .‬أن تكون موضوع ّية‪ ،‬لا تدفع المبحوث ولا توحي له‬

‫باختيار جواب ما‪.‬‬

‫‪39‬‬

‫أ ّما أنواع الأسئلة التي ُيمكن طرها فهي (عماد ‪:)64 ،2007‬‬
‫أ‪ .‬الأسئلة ال ُمتع ّلقة بالحقائق (‪،)Factual questions‬‬

‫مثل‪ :‬كم هو راتبك؟ كم ساعة تعمل يوميا؟ ‪...‬‬
‫ب‪ .‬الأسئلة ال ُمتع ّلقة بالآراء (‪،)Opinion questions‬‬
‫مثل‪ :‬هل توافق على الزواج المدني؟ هل تؤمن‬

‫بالصداقة بين الجنسين؟ ‪...‬‬
‫ج‪ .‬الأسئلة المفتوحة (‪،)Open-ended questions‬‬
‫ُتعطي الحر ّية للمبحوث ل ُيع ّبر عن رأيه ب ُحر ّية‪ ،‬مثل‪ :‬ما‬
‫هي المشكلات التي تعاني منها في المنزل؟ ‪...‬‬
‫د‪ .‬الأسئلة ال ُمغلقة (‪،)Closed-ended questions‬‬
‫مثل‪ :‬ما هو التقصير الذي تراه في كنيستك‪ :‬خدماتي‬

‫أم روحي؟‬
‫ه‪ .‬الأسئلة ال ُمغلقة والمفتوحة ( ‪Multiple choice‬‬
‫‪ ،)questionnaires‬مثل‪ :‬إذا كانت ال ُمشكلة في‬
‫كنيستك روح ّية‪ ،‬فما الذي تراه ناقصا في روحان ّية‬

‫الكنيسة؟ ح ّدد‪...‬‬

‫‪40‬‬

‫البحث السوسيولوجي واكتشاف الظواهر الاجتماع ّية‬

‫ُمعالجة ال ُمعطيات وتحليلها‬

‫الآن لدينا‬
‫معلومات و ُمعطيات‬
‫جاهزة في استمارات‬
‫الاستبيان التي نف ّذناها‬
‫مع الع ّينة ِم َن الرع ّية‪،‬‬
‫لكن يبقى السؤال‪ :‬كيف نستخرج المعلومات و ُنح ّللها لنصل‬

‫لنتيجة ملموسة؟‬
‫هناك طريقتان لتفريغ البيانات التي تهدف لتحويل ال ُمعطيات‬

‫النوع ّية والكيف ّية الموجودة في الاستمارات إلى معطيات‬
‫كم ّية واحصائ ّية يسهل مقارنتها وتفسيرها‪ ،‬هما‪ :‬طريقة‬
‫التصنيف اليدوي‪ ،‬وطريقة التصنيف الآلي (عماد ‪.)77 ،2007‬‬
‫إ ّن التصنيف الآلي يحتاج لخبرة استخدام برامج ُمح ّددة أه ّمها‬
‫‪ ،SPSS‬وعادة ما يت ّم اختيار هذه الطريقة عندما تكون ع ّينة‬
‫البحث كبيرة‪ .‬لكن في حالة كنائسنا‪ ،‬ف ُيمكن للتصنيف اليدوي‬

‫أن يفي بالغرض‪.‬‬
‫الخطوة التالية هي أن ُنص ّمم لك ّل سؤال جدولا ُنف ّرغ فيه‬

‫الأجوبة‪ ،‬مثل (عماد ‪:)78 ،2007‬‬

‫‪41‬‬

‫النسبة المئو ّية‬ ‫المستوى التعليمي العدد‬
‫‪%14.7‬‬ ‫أ ّمي ‪4‬‬
‫‪%35.7‬‬ ‫ابتدائي ‪10‬‬
‫‪%17.8‬‬ ‫متو ّسط ‪5‬‬
‫‪%21.4‬‬ ‫ثانوي ‪6‬‬
‫‪%10.7‬‬ ‫جامعي ‪3‬‬
‫‪%100‬‬ ‫المجموع ‪28‬‬

‫النسبة‬ ‫العدد‬ ‫الروحان ّية في الكنيسة‬
‫‪%14.7‬‬ ‫‪4‬‬ ‫ج ّيدة جدا (‪)1‬‬
‫‪%35.7‬‬ ‫‪10‬‬ ‫ج ّيدة (‪)2‬‬
‫‪%17.8‬‬ ‫‪5‬‬ ‫لا بأس (‪)3‬‬
‫‪%21.4‬‬ ‫‪6‬‬ ‫ضعيفة (‪)4‬‬
‫‪%10.7‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪%100‬‬ ‫‪28‬‬ ‫ضعيفة جدا (‪)5‬‬
‫المجموع‬

‫إن تصميم جداول للأسئلة ال ُمغلقة في استمارة‬
‫الاستبيان هو أمر سهل جدا‪ ،‬أ ّما في حالة الأسئلة المفتوحة‪،‬‬

‫‪42‬‬

‫البحث السوسيولوجي واكتشاف الظواهر الاجتماع ّية‬

‫فيمكننا العمل على الأجوبة لاستخراج المعلومة الأساس ّية‪.‬‬
‫وبعد استخراج كل المعلومات المفاتيح من الأجوبة‪ ،‬يمكننا‬
‫تصميم جدول بالمعلومات ال ُمك ّررة‪ ،‬مثل تفريغ أجوبة سؤال‬
‫قد ُيطرح على الزوج‪ :‬ما هي المشكلات التي تعاني منها في‬

‫المنزل؟‪:‬‬

‫النسبة‬ ‫المشكلات في المنزل العدد‬
‫‪%35.7‬‬ ‫ماد ّية ‪10‬‬
‫‪%14.7‬‬ ‫مع الأولاد ‪4‬‬
‫‪%17.8‬‬ ‫مع الزوجة ‪5‬‬
‫‪%21.4‬‬ ‫أحد الأقارب ساكنين ‪6‬‬
‫معنا‬
‫‪%10.7‬‬
‫‪%100‬‬ ‫غيرها‪3 ...‬‬
‫المجموع ‪28‬‬

‫‪43‬‬

‫مثال آخر على الجداول وأهم ّيتها‪ ،‬إليكم هذا الجدول الذي ُيب ّين‬
‫بالأرقام النسبة المئو ّية للمؤمنين في بريطانيا‪ ،‬عام ‪:1998‬‬
‫(عماد ‪)148 ،2007‬‬

‫النسبة‬ ‫هل تؤمن بالله؟ هل هو موجود؟‬
‫‪%21‬‬ ‫أعلم أ ّن الله موجود‪ ،‬ولا أش ّك في ذلك‬

‫مطلقا‬
‫مع أ ّن لد ّي بعض الشكوك‪ ،‬فإ ّنني أشعر أ ّني ‪%23‬‬

‫‪%14‬‬ ‫أؤمن بالله‬
‫أشعر أحيانا أ ّنني أؤمن بالله‪ ،‬ولكن ليس في‬

‫‪%14‬‬ ‫جميع الأحيان‬
‫لا أؤمن بإله ُمح ّدد‪ ،‬لك ّنني أؤمن بق ّوة علو ّية‬

‫بشكل ما‬

‫لا أعلم ما إذا كان الله موجودا أم لا‪ ،‬ولا أعتقد ‪%15‬‬

‫أنه يمكن إثبات ذلك بأي صورة‬

‫‪%10‬‬ ‫لا أؤمن بالله‬

‫لم ُيجب عن السؤال ‪%3‬‬

‫‪%100‬‬ ‫المجموع‬

‫‪44‬‬

‫البحث السوسيولوجي واكتشاف الظواهر الاجتماع ّية‬

‫وأخيرا‪ ،‬بعد تفريغ الأجوبة والحصول على الأرقام الاحصائ ّية‬
‫والنسب المئو ّية‪ ،‬أصبح علينا فقط تحليل النسب لنصل إلى‬

‫نتيجة نهائ ّية‪ ،‬قد تتوافق مع الفرض ّية التي وضعناها أ ّول‬
‫البحث أو تنقضها‪ ،‬لكن يبقى الأه ّم أ ّننا حصلنا على النتيجة‬

‫المطلوبة لمعرفة الحقيقة المرغوبة‪.‬‬

‫‪45‬‬

‫أفكار لتطوير الخدمة الاجتماع ّية في السينودس‬

‫إ ّن وضع الخدمة الاجتماعية في السينودس ج ّيد في‬
‫الوقت الحالي إذا ما قار ّناه بأوقات سابقة‪ ،‬لكن بنفس الوقت‬
‫علينا أن نعترف بأ ّننا لم نصل يوما لمكان نقول فيه بأ ّن عملنا‬

‫الخدماتي احترافي‪.‬‬
‫إ ّن أغلب المشاريع الخدمات ّية الجديدة التي أطلقها‬
‫السينودس في السنوات الأخيرة‪ ،‬هي وليدة الأزمة السور ّية‪،‬‬
‫التي وضعت السينودس في مكان رأى نفسه ُمجبرا على‬
‫التد ّخل الاجتماعي‪ .‬باستثناء "بيت المس ّنين – هملين"‪ ،‬هذه‬
‫هي حالة تقديمات ومشاريع السينودس الاجتماع ّية‪:‬‬

‫‪46‬‬

‫أفكار لتطوير الخدمة الاجتماع ّية في السينودس‬

‫• تقديمات ومشاريع ثابتة‪ :‬تقتصر على التقديمات الماد ّية‬
‫(المساعدات المدرس ّية والاجتماع ّية)!‬

‫• تقديمات ومشاريع استثنائ ّية‪ :‬وهي مشاريع وتقديمات‬
‫ُوجدت بسبب ظرف ُمع ّين‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ o‬مدارس لأطفال الّلاجئين السور ّيين في لبنان‪.‬‬
‫‪ o‬مساعدات وتقديمات ماد ّية لرعاية السينودس في‬

‫سورية‪.‬‬
‫سنبقى غير احتراف ّيين في عملنا الخدماتي‪ ،‬طالما أ ّن‬
‫مشاريعنا تولد عند الحاجة‪ .‬إ ّن أولى شروط العمل الاجتماعي‬
‫ال ُمحترف هو إيجاد الرؤية الج ّيدة التي تستبق المشاكل‪ ،‬فيتم‬
‫بناء هيكل ّية كاملة للعمل اجتماعي‪ ،‬تخدم في كل الأوقات‪،‬‬

‫وتكون ُمستع ّدة لأي طارئ يحدث‪.‬‬
‫بادرة الخير التي ظهرت في الآونة الأخيرة هي تأسيس‬
‫جمع ّية تح ّنن الانجيل ّية‪ .‬لكن رغم ذلك علينا أن نكون واضحين‪،‬‬

‫هل الرؤية وراء تأسيس الجمع ّية هي لاستقطاب أكبر‬
‫لل ُمساعدات الماد ّية التي ُتم ّول مشاريعنا الاستثنائ ّية؟ أو‬
‫هناك رغبة حقيق ّية في تأسيس جمع ّية اجتماع ّية ُمن ّظمة‪،‬‬
‫تعمل بطريقة احتراف ّية‪ ،‬لها رؤيتها ورسالتها‪ ،‬تضع برنامج‬
‫وخ ّطة عمل سنو ّية‪ ،‬تكتب مشاريعها وتفتح الباب لل ُمساعدة؟‬

‫‪47‬‬

‫أقول بأ ّن أولى الأفكار لتطوير الخدمة الاجتماعية في‬
‫السينودس‪ ،‬هو أخذ جمع ّية تح ّنن على محمل الج ّد‪ .‬وتأسيسها‬

‫بطريقة احتراف ّية‪ِ ،‬م ْن خلال توظيف أناس ُمخت ّصين في‬
‫العلوم الاجتماع ّية ولديهم الخبرة في العمل الاجتماعي‪ .‬ك ّل‬
‫هذه التوظيفات‪ ،‬عندما تسير عجلة الجمع ّية‪ ،‬س ُتغ ّطى رواتبها‬

‫ِم ْن خلال التقديمات وال ُمشاركات في المشاريع‪.‬‬

‫بعد أ ْن وضع ُت لجان السينودس الخمس تحت المجهر‪،‬‬
‫ود ّقق ُت في حالة ك ّل منها وعملها‪ ،‬وجدت بأ ّن هناك حاجة‬
‫كبيرة لملئ ثغرات واضحة خا ّصة في لجنتي الخدمات‬

‫والإعلام‪ .‬والسبب هو التالي‪:‬‬

‫لجنة الشؤون الكنس ّية والروح ّية‪ :‬فيها ُمخت ّصين‬ ‫•‬
‫لاهوت ّيين وصاحبي خبرة ِمن أبناء الكنيسة‪ ،‬تعمل على‬ ‫•‬
‫•‬
‫الأرض ِمن خلال دائرة التربية المسيح ّية والكنائس‬
‫( ُمتف ّرغين للعمل الروحي – الرعاة)‪.‬‬

‫لجنة الشؤون التربو ّية‪ :‬فيها ُمخت ّصين تربو ّيين‪ ،‬تعمل‬
‫على الأرض ِم ْن خلال المدارس ( ُمتف ّرغين للعمل التربوي‬

‫– ال ُمدراء)‪.‬‬
‫لجنة المال ّية والأملاك‪ :‬فيها ُمخت ّصين‪ ،‬تعمل على‬

‫الأرض ِمن خلال مو ّظفين ُمتف ّرغين ‪ -‬مال ّيين‬
‫و ُمهندسين‪.‬‬

‫‪48‬‬


Click to View FlipBook Version