The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

افريقيس بن ذي منار.,,. الذي أوطن البربر في المغرب
والنبأ اليقين عن عروبة البربر

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by nasserhariri6, 2020-06-04 13:15:08

افريقيس بن ذي منار.,,. الذي أوطن البربر في المغرب والنبأ اليقين عن عروبة البربر

افريقيس بن ذي منار.,,. الذي أوطن البربر في المغرب
والنبأ اليقين عن عروبة البربر

Keywords: بربر,عرب,المغرب

‫افريقيس بن ذي منار‪ .,,.‬الذي أوطن البربر في المغرب‬
‫والنبأ اليقين عن عروبة البربر‬

‫بحث واعداد‪ :‬ناصر الحريري‬

‫هو الملك العظيم افريقيس بن ذي المنار بن ال ارئش با ارن ذي رياش بن قيس بن صيفي‬
‫بن حمير الأصغر ذي ريدان بن سبأ الأصغر‪ .‬وهو الذي بنى مدينة إفريقية وأوطن قبيلة‬
‫أمازيغ بن کنعان وقبائل من حمير ببلاد المغرب فاشتهروا باسم البربر‪ ،‬مما جعله خالدًا في‬
‫تاريخ وذاكرة الأمة عبر الأجيال والعصور من جهة‪ ،‬وجعل شخصيته وتاريخه محل بحث‬
‫وتساؤلات الدارسين من جهة أخرى لأنه يرتبط بالجذور العربية التليدة للبربر وهي مسألة حيوية‬

‫حتى اليوم تؤكد أن البربر عرب قدامى‪.‬‬
‫قال نشوان الحميري في قصيدته عن التبابعة ‪-‬بعد أن ذكر الملك ذا الأذعار بن ذي‬

‫المنار‪:‬‬
‫وأخوه افريقيس وارث ملكه‪ ....‬حتف العدو‪ ،‬وجابر الممتاح‬
‫ملك بنى في الغرب إفريقية‪ُ ....‬نسبت إليه بأوضح الإيضاح‬
‫وأحل فيها قومـــــــــــه فتملكوا‪ ....‬ما حـــــــــولها من بلدة ونواحي‬

‫وقال عبد الخالق الشهابي ‪-‬بعد أن ذكر الملك ذا الأذعار‪:‬‬
‫وأخوه الذي ساق کنعان ‪ ....‬حتى ألغطت في السياق بالبربار‬

‫قال نشوان الحميري‪:‬‬
‫"هذا الملك افريقيس بن ذي المنار بن ال ارئش‪ ،‬غ از نحو المغرب عن يمين مسير أبيه‬
‫حتى انتهى إلى طنجة من أرض المغرب ف أرى بلادًا كثيرة الخير قليلة الأهل‪ ،‬فأمر ببناء مدينة‬
‫إفريقية‪ ،‬وأسكن فيها قبائل من قومه‪ ،‬وهم ُكتامة و ُعهامة وزناتة ولواتة وصنهاجة قبائل ضخمة‬
‫في المغرب من حمير‪ ،‬ونقل البربر وهم جيل من الناس بقية ممن قتلهم يوشع بن نون‪ ،‬هربت‬
‫منهم طائفة إلى السواحل ‪ -‬سواحل الشام ‪ -‬ثم رجعوا بعد ذلك إليها‪ ،‬فقتل افريقيس منهم في‬

‫غزوته من قاتل‪ ،‬ونقل بقيتهم فأسكنهم بحيث هم من بلاد البربر‪ ،‬وفي ذلك يقول الشاعر‪:‬‬

‫‪1‬‬

‫بربرت كنعان لما ساقها ‪ ....‬من بلاد الملك للعيش اللجب‬
‫وقال ابن الكلبي‪ :‬احتمل الملك افريقيس الفل من الكنعانيين من ساحل الشام في غ ازته‬

‫إلى المغرب وأسكنهم بإفريقية‪ ،‬وأسكن معهم قبائل صنهاجة وكتامة من حمير‪.‬‬
‫وقال الهمداني في نسب قبائل الهميسع بن حمير الأكبر بن سبأ الأكبر ما يلي‪ :‬وأما مزة‬
‫بن عبد شمس فولده ‪-‬كما يقال والله أعلم ‪-‬كتامة وعهامة وصنهاجة ولواتة وزنيت وهو زناتة‪.‬‬
‫وهم رؤساء البربر‪ ،‬نقلوا مع سيدهم کنيع بن يزيد يوم أشخصه افريقيس إلى إفريقية وصرف‬

‫المنتاب عنها‪.‬‬
‫وتتبين مما ذكره المؤرخون العرب الأوائل النقاط الرئيسية التالية‪:‬‬
‫إن زمن مسير الملك افريقيس إلى بلاد المغرب كان في عهد أبيه الملك ذي المنار بن‬
‫ال ارئش بن با ارن ذي رياش‪ ،‬وقد ذكر سائر المؤرخين أن ال ارئش كان في زمن النبي موسى‪،‬‬
‫وقد كان زمن خروج موسى بقومه من مصر إلى برية سيناء (عام ‪ 1221- 1224‬ق‪.‬م‪،).‬‬
‫وزمن ملوكية ال ارئش با ارن ذي رياش (‪ ۱۱۸۰- ۱۲۲۰‬ق‪.‬م‪ ).‬ثم حكم بعده ذو المنار (‪۱۱۸۰‬۔‬
‫‪ 1142‬ق‪.‬م‪ ).‬وقد سار افريقيس إلى بلدان المغرب في تلك الفترة من القرن الثاني عشر ق‪.‬م‪.‬‬
‫وكان مسير افريقيس بالكنعانيين من ساحل الشام بح ًار إلى منطقة من بلاد المغرب ‪-‬‬
‫هي تونس حاليًا ‪-‬عن يمين مسير أبيه إلى نفس المنطقة ب اًر‪ ،‬ف أرى بلادًا كثيرة الخير قليلة‬
‫السكان‪ ،‬فأوطن الذين معه من الكنعانيين بها‪ ،‬ثم سار مرة ثانية من اليمن والشام ب اًر إلى بلاد‬
‫الغرب ببقية كنعان وبقبائل من الحميريين السبئيين‪ ،‬فأمر ببناء مدينة عاصمة لهم وسميت‬
‫باسمه (إفريقية) وأسكن فيها وفيما يليها من بلاد المغرب إلى طنجة ‪-‬أو إلى ساحل المحيط‬
‫بالمغرب ‪-‬الكنعانيين وصنهاجة وكتامة‪ ،‬واستخلف وولى الأمير المنتاب على إفريقية‪.‬‬
‫وعندما أصبح افريقيس ملكًا مع أخيه ذي الأذعار ثم بعد أخيه‪ ،‬قام بتوجيه الأمير کنيع‬
‫بن يزيد إلى إفريقية ومعه قبائل عهامة ولواتة وزنيت الذين هم زناتة‪ ،‬فاستقروا بتلك البلاد‪،‬‬

‫وشمل أولئك جميعاً اسم البربر‪.‬‬
‫ثم في عهد الملك ياسر الذي حكم بعد الملكة بلقيس معاص ًار النبي سليمان بالقرن العاشر‬
‫ق‪.‬م‪ .‬والملك ياسر ينعم والد شمر يرعش‪ ،‬سار الملك ياسر بجيش كثيف من القبائل الحميرية‬
‫السبئية إلى بلاد المغرب وأوطن بها قومًا من جيشه ومن القبائل الذين معه‪ ،‬شملهم أيضاً فيما‬

‫‪2‬‬

‫بعد اسم البربر‪ ،‬وبلغ الملك ياسر وادي الرمل‪ ،‬وعنه قال نشوان الحميري في قصيدته عن‬
‫التبابعة‪:‬‬

‫أو ياسر الملك المعيد لما مضـــــى ‪ ....‬من ملك حي لا ت اره لقاح‬
‫أبقى بوادي الرمل أقصى موضع ‪ ....‬بالغرب مسند ماجد جحجاح‬

‫الأدلة التاريخية والأثرية على صحة ما ذكره المؤرخون العرب عن افريقيس والبربر‪:‬‬

‫لقد كانت تسكن مناطق ساحل الشام قبيلة كنعانية كبيرة انتقلت من جنوب الجزيرة العربية‬
‫إلى ساحل الشام في أواسط القرن الخامس عشر ق‪.‬م‪ .‬وأسسوا مدينة (أوغاريت بمنطقة الساحل‬
‫السوري وأصبحت أوغاريت عاصمة مملكتهم التي شملت مناطق ساحل الشام بأرض كنعان‬
‫جميعها وكان آخر ملوكهم ‪-‬كما دلت التنقيبات الأثرية ‪-‬الملك (عم اربي ‪۱۱۹۰- ۱۲۲۰‬‬

‫ق‪.‬م‪ ).‬ثم ازلت مملكة أوغاريت الكنعانية نهائيًا)‪ .‬ويدل ذلك على أمرين‪ ،‬أحدهما‪:‬‬
‫أو ال‪ :‬أن قبيلة کنعانية كبيرة كانت بالفعل تحكم وتسكن ساحل الشام إلى سنة ‪۱۱۹۰‬‬

‫ق‪.‬م‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬أنها اختفت بعد ذلك بأمد يسير ولم يعد لها وجود بمنطقة ساحل الشام بأرض‬

‫كنعان مما يعني أنها ُنقلت من هناك‪.‬‬
‫وهذا يدل على صحة ما ذكره المؤرخون العرب من أنه "أحتمل ونقل افريقيس الكنعانيين‬
‫من ساحل الشام في مسيره إلى المغرب وأسكنهم بها"‪ .‬وقد نقل افريقيس الموجة الأولى منهم‬
‫بح ًار‪ ،‬ثم بعد نحو عشر سنوات نقل بقيتهم ‪-‬وهم الأكثر ‪-‬ب ًار مع قبائل حميرية سبئية بعائلاتهم‬

‫وأوطنهم ببلاد المغرب‪ ،‬فانتهى وجود کنعان بساحل الشام‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫إن مما قد يتصل بسبب نقل الموجة الأولى من قبيلة كنعان أولئك من ساحل الشام ما‬
‫جاء في رسائل الملك ال ارئش با ارن ذو رياش (بورنا بورياش) المعثور عليها في العمارنة بمصر‬
‫والموجهة إلى ملك مصر (المنير ‪ /‬الشمس) ۔ والذي تبيين أنه (ذو المنار) ‪-‬وهي رسالة من‬
‫الملك بورياش إلى ملك مصر عن حادث لقافلة تجارية عند مكان يطلق عليه اسم (حناتونی)‬

‫وقد علق بورياش على تلك الحادثة قائلاً‪:‬‬
‫(أن كنعان أرضك وحذره من تك ارر مثل تلك الأعمال)‪ .‬ثم رسالة ثانية من الملك بورياش‬
‫عن وقوع اعتداء على صاحب قافلة تجارية‪ ،‬ورسالة ثالثة عن وقوع اعتداء على صاحب قافلة‬
‫تجارية‪ ،‬ويأمره بتعويض المعتدى عليه)‪ .‬فتلك الرسائل تدل على أن (أرض كنعان) كانت‬
‫مسرحا للاعتداء على القوافل التجارية والقلاقل من جانب بعض عشائر قبيلة کنعان‪ ،‬ويمكن‬
‫استنتاج أن ذلك أدى في سنوات لاحقة إلى اتخاذ إج ارءات عنيفة ضد تلك العشائر من قبيلة‬
‫كنعان بمنطقة ساحل الشام‪ ،‬وأن ذلك هو سبب ما أشار إليه المؤرخون العرب الأوائل وذكره‬
‫نشوان الحميري من أنه قتل افريقيس بن ذي المنار منهم من قتل‪ ،‬ونقل بقيتهم ‪-‬من السواحل‬

‫‪-‬فأسكنهم حيث هم من بلاد البربر"‪.‬‬
‫وقال ابن الكلبي‪" :‬احتمل افريقيس الفل من الكنعانيين من ساحل الشام في غ ازته إلى‬

‫المغرب‬
‫ثم بعد سنوات سار افريقيس بن ذي المنار بمن كان ما ي ازل باليمن من عشائر کنعان‬
‫وببقية من كان بمناطق ساحل الشام من قبيلة كنعان تلك‪ ،‬وبقبائل حميرية سبئية‪ ،‬ومعهم جميعًا‬

‫عائلاتهم وأولادهم وأمتعتهم إلى بلاد المغرب‪.‬‬
‫إن رسائل عهد ال ارئش (بورياش) وعهد (ذو منار) المعثور عليها في العمارنة‪ ،‬وكذلك‬
‫رسوم نقش رعمسيس الثالث المعثور عليها في طيبة‪ ،‬تنطق وتؤكد أن قوم ذي رياش بسطوا‬
‫سيادتهم ونفوذهم في ذلك العهد بالشام ومصر وسواحل البحر المتوسط والبحر الأحمر وأنهم‬
‫"تتميز سفنهم بأنها يرتفع بعضها ارتفاع عمودية من جهة ومدبب الطرف من جهة أخرى‪،‬‬
‫وبعضها مدبب الطرف من الجهتين‪ ،‬ويتميز جنودهم بوضع أغطية أرس عليها ريش‪ ،‬وبعضه‬
‫خوذات معدنية ذات قرنين"‪ .‬فتلك هي السفن التي في مثلها سار افريقيس من ساحل الشام‬
‫إلى المغرب‪ .‬وقد ذكر نقش رعمسيس الثالث عن الذين دخلوا مصر منهم ب ًار واستقروا بمصر‬

‫‪4‬‬

‫العليا ووسط مصر أنهم جاءوا ومعهم نساءهم وأطفالهم وأمتعتهم في عربات تجرها ثي ارن"‬
‫فيكون كذلك الذين سار بهم افريقيس من اليمن والشام إلى مصر ثم إلى المغرب كانوا معهم‬

‫نساءهم وأطفالهم وأمتعتهم في عربات تجرها ثي ارن"‪.‬‬
‫إن معرفة ذلك الواقع يزيل الإشكال الذي أثاره ابن خلدون في المقدمة حول مدى صحة‬
‫‪-‬كما قال حرفياً ‪-‬ما ينقله المؤرخون كافة في أخبار التبابعة ملوك اليمن وجزيرة العرب أنهم‬
‫كانوا يغزون من اليمن إلى إفريقية والبربر من بلاد المغرب‪ ،‬وأن افريقيس من أعاظم ملوكهم‬
‫الأول غ از إفريقية‪ .‬وأنه لما انصرف حجز هنالك قبائل من حمير فأقاموا بها واختلطوا بأهلها‬
‫‪-‬البربر ‪-‬ومنهم صنهاجة وكتامة‪ .‬ومن هنا ذهب الطبري والجرجاني والمسعودي وابن الكلبي‬
‫والسهيلي أن صنهاجة وكتامة من حمير‪ ،‬وتأباه نسابة البربر وهو الصحيح‪ .‬وذكر المسعودي‬
‫أن ذا الأذعار من ملوكهم قبل افريقيس غ از المغرب‪ .‬وكذلك ذكر عن ياسر من بعده وأن ياسر‬
‫بلغ وادي الرمل في بلاد المغرب ولم يجد فيه مسلكًا لكثرة الرمل فرجع‪ .‬وهذه الأخبار لها بعيداً‬
‫عن الصحة‪ .‬وذلك أن ملك التبابعة إنما كان بجزيرة العرب‪ .‬فلا يجد السالكون من اليمن إلى‬
‫المغرب طريقًا من غير السويس من أعمال مصر‪ ،‬والملك هناك ما بين السويس والبحر‬
‫الشامي قدر مرحلتين فما دونهما ويبعد أن يمر ملك عظيم في عساكر موفورة من غير أن‬
‫يصير من أعماله هذا ممتنع في العادة‪ .‬وقد كان بتلك الأعمال العمالقة وكنعان بالشام والقبط‬
‫بمصر‪ ،‬ثم ملك العمالقة مضر وملك بنو إس ارئيل بالشام‪ ،‬ولم ينقل قط أن التبابعة حاربوا أحداً‬
‫من هؤلاء الأمم ولا ملكوا شيئًا من تلك الأعمال‪ .‬وأيضًا فالشقة من البحر إلى المغرب بعيدة‬
‫والأزودة والمحلوقة للعساكر كثيرة‪ ....‬فلا بد وأن يمروا في طريقهم كلها بأعمال قد ملكوها‬
‫ودورها لتكون الميرة منها‪ ،‬وان قلنا إن تلك العساكر تم بهؤلاء الأمم من غير أن تهيجهم‬
‫فتحصل لهم الميرة بالمسالمة فذلك أبعد وأشد امتناع‪ .‬وأما وادي الأمل الذي يعجز السالك فلم‬
‫يتم قط ذكره في المغرب على كثرة سالكه ومن يقص طرقه من الركاب والقرى في كل عصر‬

‫وكل جهة وهو على ما ذكروه من الغ اربة تتو الواعي على نقله"‬
‫إن الإشكال الرئيسي الذي أثاره ابن خلدون بشأن المرور عبر الشام ومصر يزول بما‬
‫ذكره المؤرخون من أن الملك ال ارئش غ از وامتلك الشام وحارب الترك وبعث جيوشه حتى أوغل‬
‫في بلاد الترك‪ ،‬وذلك لأن امب ارطورية الترك الحثيين هي التي تبسط سلطانها ونفوذها بالشام‬

‫‪5‬‬

‫وبالقضاء على الحثيين أصبحت الشام تحت سيادة ونفوذ قوم وعمال ال ارئش ذي رياش وابنه‬
‫ذو المنار‪ .‬وقد قال ال ارئش ذو رياش في رسالته سالفة الذكر إلى ذي المنار «إن كنعان أرضك‬
‫وأن حكامها هم أتباعك»‪ .‬ولم تكن قد قامت بالشام دولة بني إس ارئيل في ذلك الزمن وانما‬
‫قامت بعد ذلك بأجيال‪ .‬وأما مصر فقد دخلها ال ارئش ذو رياش وجيشه وقومه واستخلف بها ذو‬
‫المنار الذي قال في إحدى الرسائل المعثور عليها في العمارنة والموجهة إلى الأمير تارود‪:‬‬
‫«أعد لحملة سهام الملك طعام كثير وكل شيء بكثرة‪ .‬إن هاني سوف يصل إليك سريعة وهو‬
‫سوف يطيح برؤوس أعداء الملك‪ .‬ليكن في علمك أن الملك قوي كالشمس في كبد السماء‪،‬‬
‫وقواته وعرباته كثيرة في الشمال والجنوب وهي في حالة جيدة»‪ .‬فالوثائق والنصوص التي‬
‫سلف ذكرها عن عهد ذي المنار بن ال ارئش ذي رياش تدل على أن سبب عدم محاربة افريقيس‬
‫أحدة حين سار عن طريق الشام ومصر يعود إلى أنهما كانتا تحت الملوكية العليا لأبيه وفيهما‬

‫ولاة وعساكر وقبائل من قومه‪.‬‬
‫وقد ت ارجع ابن خلدون عما قاله في المقدمة وذلك في تاريخه للملوك التبابعة بالجزء‬
‫الثاني حيث قال ابن خلدون‪« :‬ثم منك افريقيس بن ذي المنار وهو الذي ذهب بقبائل العرب‬
‫إلى إفريقية وبه سميت‪ ،‬وساق البربر إليها من أرض کنعان‪ ،‬مر بها عندما غلبهم يوشع‬
‫وقاتلهم‪ ،‬فاحتمل افريقيس الفل منهم وساقهم إلى إفريقية فأنزلهم بها‪ .‬ويقال إنه الذي سمى‬
‫البربر بهذا الاسم وانه لما افتتح المغرب وسمع رطانتهم قال ما أكثر بربرتهم فسموا البربر‪.‬‬
‫والبربرة في لغة العرب هي اختلاط أصوات غير مفهومة‪ ،‬ومنها بربرة الأسد‪ .‬ولما رجع افريقيس‬
‫من غزو المغرب ترك هنالك من قبائل حمير صنهاجة وكتامة فهم إلى الآن بها وليسوا من‬
‫نسب البربر‪ ،‬قاله الطبري والجرجاني والمسعودي وابن الكلبي والسهيلي وجميع النسابين»‪. .‬‬
‫إن غالبية الذين أوطنهم افريقيس ببلاد المغرب هم قبيلة كنعان‪ ،‬وهم قبيلة أمازيغ بن‬
‫کنعان‪ ،‬وقد سلف قول ابن الكلبي أنه احتمل افريقيس الفل من الكنعانيين من ساحل الشام في‬
‫غ ازته إلى المغرب وأسكنهم بإفريقية وأسكن معهم قبائل من حمير» وقال نشوان في أبياته عن‬

‫افريقيس‪:‬‬
‫ملك بنى في الغرب إفريقية ‪ ....‬نسبت إليه بأوضح الإيضاح‬
‫وأحل فيها قومـــــــــه فتملكوا ‪ ....‬ما حـــــولها من بلدة ونواحي‬

‫‪6‬‬

‫وقومه هم أمازيغ بن کنعان وصنهاجة وكتامة من حمير‪ ،‬هو ما أشار إليه عبد الخالق‬
‫الشهابي في قوله‪:‬‬

‫وأخوه الذي ساق کنعان حتى ‪ ....‬ألغطت في السياق بالبربار‬
‫وقال شاعر من حمير في أبيات عن افريقيس‪:‬‬

‫بربرت کنعان لما ساقها ‪ ....‬من بلاد الملك للعيش اللجب‬
‫فكنعان الذين أوطنهم افريقيس ببلدان المغرب هم البربر‪ ،‬أو الطبقة الأولى من البربر‪،‬‬
‫ثم شمل اسم البربر الطبقة الثانية وهم القبائل الحميرية السبئية التي أوطنها افريقيس ثم ياسر‬

‫ينعم ببلاد المغرب‪.‬‬

‫وبالعودة إلى تقسيم نسابة البربر فإنهم‪:‬‬
‫أ‪-‬ينسبون البربر إلى «برنس بن سنجو بن إيزج بن جناح بن واليل بن ش ارط بن تام بن‬

‫ويم بن دام بن مازيغ بن کنعان»‪ ،‬وهذا يؤكد ما ذكره المؤرخون العرب بأنهم من كنعان‪.‬‬
‫ب ‪-‬أن نسابة البربر يقسمون قبائل البربر إلى فرعين هما‪ :‬البرنس والبتر‪.‬‬

‫ونرى أن ذلك الجد (برنس) ربما كان أول أمير عليهم عندما أوطنهم افريقيس ببلاد‬
‫المغرب‪ ،‬فاسم ذلك الزعيم (برنس) أو (بر‪ /‬نيس) مضاف إلى اسم إله الشمس (ايس) مثل‬
‫اسم (افريقيس) و (أمنفيس) و (فينقيس) في ذلك الزمن‪ ،‬ويقابل (بر بن قيس) الذي تجعله‬

‫بعض الروايات جد البربر‪ .‬فاسمه الصحيح (ب ارنس) أو (بر نيس) أو (بر‪ /‬إيس)‪.‬‬
‫ونرى أن اسم (بربر) جاء من اسم ذلك الأمير (بر‪ /‬ايس) وأن أصل ما ذكره المؤرخون‬
‫العرب بأن افريقيس هو الذي سمى البربر بهذا الاسم يعود إلى أنه ولى عليهم (بر نيس) هذا‪،‬‬
‫فتم نسبتهم إليه فقيل لهم (بربر) كما تم تسمية الفينيقيين باسم أميرهم فينقيس بن ذي المنار‪،‬‬

‫وتسمية الدانوي باسم أميرهم دانيس بن بيليس دانوس بن بيلوس) شقيق ذي المنار‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ج‪-‬أما الفرع الثاني من قبائل البربر وهم (البتر) فإن نسابة البربر نفسهم يذكرون بأنهم‬
‫ليسوا من قبيلة أمازيغ بن کنعان‪ ،‬ومن فرع (البتر) أولئك‪ :‬زناتة‪ ،‬وزوارة‪ ،‬ومكلاتة‪ ،‬وغمارة‪،‬‬

‫وهوارة‪ ،‬ولواتة‪ ،‬وم ازتة‪ ،‬ولطمة‪ ،‬وهم قبائل بربرية كثيرة بالمغرب يؤكدون أنهم من اليمن)‪.‬‬
‫أما (كتامة وصنهاجة) فقد ذكر ابن خلدون في المقدمة أن المؤرخين العرب يقولون أنهم‬
‫(من حمير) ثم قال‪" :‬ويأبى ذلك نسابة البربر وهو الصحيح‪ .‬يعني أن نسابة البربر يقولون إن‬
‫صنهاجة وكتامة من البرنس من قبائل أمازيغ بن کنعان‪ ،‬ونرى أن ذلك يعود إلى أن صنهاجة‬
‫وكتامة توطنوا المغرب مع أمازيغ بن کنعان في عهد افريقيس والا فهم من الحميريين‪ ،‬وقد‬
‫قال ابن خلدون نفسه‪" :‬لما رجع افريقيس من المغرب ترك هنالك من قبائل حمير صنهاجة‬
‫وكتامة فهم إلى الآن بها وليسوا من نسب البربر‪ ،‬قاله الطبري والجرجاني والمسعودي وابن‬
‫الكلبي والسهيلي وجميع النسابين" ثم قال ‪ :‬وهذا إجماع أهل التحقيق بشأنهم" وقال ابن خلدون‬

‫أيضًا في موضع آخر‪" :‬والمشهور أن صنهاجة وكتامة من الميانية"‪.‬‬
‫قال محمد المختار العرباوي‪" :‬كما نجد شهاب الدين النوري تحدث عن صنهاجة باعتبارها‬
‫قبيلة قحطانية فقال‪( :‬وأما يمن فهم أولاد قحطان وفيهم عدة قبائل وأبطن وأفخاذ وعشائر کسبأ‬
‫وطیء ‪ ..‬وصنهاجة وبارق)‪ .‬كما أن الأمير الصنهاجي أبا الفتح المنصور ذكر ما ورثه عن‬

‫ملك أجداده بالمغرب فقال‪" :‬الذين ورثوه عن آبائهم وأجدادهم حمير"‪.‬‬
‫وننتهي من ذلك إلى أن البربر عرب قدامى وأنهم طبقتان‪:‬‬

‫• الطبقة الأولى من قبائل البربر هم أمازيغ بن کنعان الذين ساقهم الملك افريقيس من‬
‫الشام واليمن وأوطنهم ببلدان المغرب في أواسط القرن الثاني عشر ق‪.‬م‪.‬‬

‫• والطبقة الثانية من قبائل البربر هم قبائل يمانية قحطانية توطنوا ببلاد المغرب في عدة‬
‫موجات منذ عهد افريقيس ثم في عهد ياسر ينعم ملك سبأ وذي ريدان بالقرن التاسع ق‪.‬م‪.‬‬
‫وهم‪ :‬صنهاجة‪ ،‬وكتامة‪ ،‬ولواتة‪ ،‬وعهامة‪ ،‬وزناتة‪ ،‬وزوارة‪ ،‬ومكلاتة‪ ،‬وغمارة‪ ،‬وهوارة‪ ،‬وم ازتة‪،‬‬

‫ولطمة‪ ،‬فباتوا من قبائل البربر‪ ،‬وشملهم اسم البربر‪.‬‬

‫دللة المومياءات اليمنية ومومياءات جزر الكناري بالمغرب‪:‬‬

‫‪8‬‬

‫وقد تم العثور في ناووس جبل الغ ارس باليمن على عدة مومياءات يمنية سبئية وهي‬
‫حاليًا بمتحف جامعة صنعاء‪ ،‬وأسفر فحص عينات منها بالمختبر الفيزيائي بهولندا عن تحديد‬

‫ومعرفة عودة زمنها إلى الفترة من القرن الثالث عشر إلى القرن العاشر قبل الميلاد إذ أنه‪:‬‬
‫يعود زمن المومياء الثانية إلى الفترة من ‪ 1265‬ق‪.‬م‪ ۹۸۰ - .‬ق‪.‬م‪ .‬ويعود زمن المومياء‬

‫الخامسة إلى الفترة من ‪ 96۰‬ق‪.‬م‪ ۹۳۰ - .‬ق‪.‬م‪.".‬‬
‫وقال مدير المختبر الفيزيائي الهولندي‪« :‬إن نتائج فحص المومياءات اليمنية نتائج تدعو‬
‫إلى الدهشة وتبوح بمعلومات كثيرة»‪ .‬وأنه مما يثير الاهتمام تشابه طريقة التحنيط في‬
‫المومياءات اليمنية ومومياءات جزر الكناري» ‪-‬المعثور عليها في جزر الكناري التي تقع في‬
‫مقابلة ساحل المغرب والتي تعود إلى ذلك الزمن فالمومياءات الكنارية موضوعة في شبه‬
‫حقائب جلدية كما هو الحال في المومياءات اليمنية‪ ،‬وكذلك تتميز المومياءات اليمنية‬
‫ومومياءات جزر الكناري بأن الف ارغ البطني ليس محشواً بنشارة الأخشاب مثل المومياءات‬
‫المصرية‪ ،‬وانما تتميز مومياءات الكناري والمومياءات اليمنية بأن الف ارغ البطني محشو بأعشاب‬
‫ذات ارئحة طيبة وقادرة على امتصاص السوائل ‪ -‬وهي أعشاب نبات ال ارء ‪ -‬وكل هذا يدل‬
‫بأن فن التحنيط اليمني هو الذي أتبع في جزر الكناري ‪ ..‬لقد كان الدارسون يعتقدون أن سكان‬
‫جزر الكناري من قبيلة مشتي عربي البربرية بالج ازئر‪ ،‬إنهم ربما كانوا بالفعل وفدوا إلى جزر‬
‫الكناري من الج ازئر‪ ،‬ولكنها كانت بالنسبة لهم مجرد محطة انتقالية لرحلتهم التي بدأت من‬
‫اليمن‪ .‬وقد كانوا حتما يعرفون فنون الملاحة حيث حملتهم السفن من الشاطئ المغربي إلى‬

‫جزر الكناري»‪.‬‬
‫فتلك المومياءات شاهد لا تخطئ دلالته على أن قبيلة مشتي عربي البربرية بالج ازئر من‬
‫قبائل البربر اليمانية التي أوطنها الملك افريقيس ببلاد المغرب إلى جزر الكناري بالمحيط‬
‫الأطلسي كمستوطنات تجارية في إطار تكوين عالم تجاري كبير امتد إلى سواحل وجزر البحر‬
‫الأبيض المتوسط وغرب المحيط الأطلسي‪ ،‬وان البربر عرب من أجدادنا عرب الحضارة اليمنية‬

‫القديمة‪.‬‬

‫‪9‬‬


Click to View FlipBook Version