The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

مجلة ألق البعث - العدد 55

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by nasserhariri6, 2021-12-02 10:35:13

مجلة ألق البعث - العدد 55

مجلة ألق البعث - العدد 55

‫أمة عربية واحدة‬ ‫وحـــدة‬
‫ذات رسالة خالدة‬ ‫حـريـة اشـتراكـيـة‬

‫رمزية القيادة القومية‬

‫في تجسيد الفكر القومي ووحدة النضال العربي‬

‫عبد الواحد علي‬

‫اذا كان هناك من قاسم مشترك تشترك فيه كل مؤامرات استهداف الامة‬
‫العربية في التاريخ الحديث‪ ،‬الظاهر منها والمخفي‪ ،‬فإنه منع توحيد هذه الأمة‬
‫بأية طريقة‪ ،‬والتصدي لأي فكر وثقافة تسعى الى ذلك‪ ،‬واستهداف اية محاولة‬
‫لوحدة ابنائها عمليا او رمزياً‪ ،‬سواء على صعيد الدول العربية ونظامها‬

‫الرسمي او الاحزاب والحركات السياسية‪.‬‬

‫والباحث المتعمق يجد التخطيط لذلك في العديد من المراجع والوثائق‬
‫والمؤتمرات و لعل ابرزها هو مؤتمر كامبل بنرمان الذي عقد في لندن عام‬
‫‪ ٥٠٩١‬واستمر لعام ‪ ٥٠٩١‬والذي دعى اليه رئيس وزراء بريطانيا كامبل‬
‫بنرمان‪ ،‬حيث رسخت وثيقته ومقرراته الاستعمار الاوربي للوطن العربي‬
‫بشكل واضح ‪ ،‬اذ اقر المجتمعون ‪ " :‬إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان‬
‫الحيوي للاستعمار لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي الى‬
‫القارتين الآسيوية والإفريقية وملتقى طرق العالم وأيضا هو مهد الأديان‬
‫والحضارات والاشكالية في هذا الشريان أنه يعيش على شواطئه الجنوبية‬
‫والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان"‪.‬‬

‫وكان أخطر ما جاء في توصيات هذا المؤتمر هو الإبقاء على شعوب هذه‬

‫المنطقة مفككة جاهلة متأخرة‪ ،‬واعتبرتها مصدر تهديد لذا وجبت محاربة أي‬

‫توجه وحدوي فيها‪ ،‬ولتحقيق ذلك دعى المؤتمر الى اقامة كيان في فلسطين‬
‫يكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعاد يفصل الجزء الإفريقي من هذه‬
‫المنطقة عن الجزء الآسيوي ليحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب وهي‬

‫دولة " اسرائيل "‪.‬‬

‫ويعتبر مشروع بازل الصادر عن المؤتمر الصهيوني الأول في سويسرا في‬
‫آب ‪ ،٥9٠١‬بداية الانطلاقة الأولى لتأسيس الكيان الصهيوني على أرض‬
‫فلسطين العربية‪ .‬وأصبح بصيغته النهائية من أهم أسس الفكر الصهيوني في‬
‫القرن العشرين‪ .‬والمشروع يوضح بجلاء الهدف المركزي والمحوري للحركة‬
‫الصهيونية في اقامة وطن " قومي " لليهود في فلسطين تحت حماية القانون‬
‫العام‪ .‬وسمى المؤتمر فلسطين باسمها العربي‪ ،‬و لم يتطرق هذا المؤتمر الى‬
‫العرب بشكل متقصد لعدم اثارة حفيظة الدولة العثمانية‪ .‬وذكر كلمة وطن‬

‫لليهود وليس دولة‪ ،‬حيث يقول هرتزل لاحقاً "انهم سيفهمون أنها دولة‪".‬‬

‫ثم جاءت معاهدة سايكس بيكو في العام ‪ ٥٠٥١‬لتوزيع تركة الامبراطورية‬
‫العثمانية ولتشكل خطوة اساسية في المشروع الام لاكثر من مائة عام حيث لا‬
‫يزال ذلك الحدث يلقي بظلاله الكارثية على أحداث وتطورات ونهضة ووحدة‬
‫الوطن العربي ‪ ،‬إذ توافقت كل من لندن وباريس وبتزكية من موسكو‪ ،‬على‬
‫تقاسم مناطق نفوذ "الرجل الأوروبي المريض على ضفاف البسفور " كما‬
‫سموه وهو الإمبراطورية العثمانية ‪ ،‬باتفاقية سرية‪ ،‬اشتهرت لاحقاً باسم‬
‫"سايكس ‪ -‬بيكو"‪ ،‬نسبة لأكبر دبلوماسيين في لندن وباريس والاكثر تأثيراً‬

‫آنذاك‪.‬‬
‫وفي ظل تنامي الخطر الاستعماري على الوطن العربي ‪ ،‬تنامى بشكل طردي‬
‫الحس القومي العروبي الذي ت ِّوج بتأيس حزب البعث العربي الاشتراكي عام‬
‫‪ ،٥٠٤١‬فكان تأسيسه الرد العملي على كل حلقات المؤامرة الغربية‬

‫الصهيونية لتقسيم الأمة والإبقاء عليها ضعيفة متخلفة‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫وقد جسد الحزب هذه الوحدة على كافة الأصعدة الأيديولوجية منها‬
‫والتنظيمية اي على صعيد الفكر والممارسة ‪.‬‬

‫فقد جسد البعث فكره الوحدوي من خلال عدة مقومات ‪ ،‬منها نضاله القومي‬
‫الوحدوي‪ ،‬ومنها قومية قمة الهرم التنظيمي فيه الا وهي قيادته القومية‪.‬‬

‫فعندما تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي في العام ‪ ،٥٠٤١‬ركز على‬
‫تعزيز فكرة القومية العربية‪ ،‬ودعى الى تحقيق نهضتها على مستوى الأمة‪،‬‬
‫ولم يكن يحمل اتجاهاً قطرياً ض ِّيقاً في فكره وعقيدته العربية الأصيلة ولا في‬

‫اية ممارسة نضالية له‪.‬‬

‫فجسد الحزب في اسمه مفهوم البعث‪ ،‬بمعنى "النهضة" و "الصحوة" و‬
‫"الانبعاث" ‪ ،‬لبعث مجد الامة العربية وحضارتها التليدة كي تواصل دورها‬
‫الانساني بين الامم‪ .‬ودعى الى ان يتم ذلك من خلال تكامل ايديولوجي بين‬

‫وحدة الامة العربية وتحررها وتحقيق الاشتراكية فيها‪.‬‬

‫ومن هنا يدعو البعث إلى توحيد الوطن العربي في دولة واحدة حيث اعطى‬
‫هذا الهدف الاولوية بين اهدافه الاستراتيجية الثلاثة وهي "الوحدة‪ ،‬الحرية‪،‬‬

‫الاشتراكية‪".‬‬

‫اما على الصعيد التنظيمي فقد رسخت كل أدبيات الحزب ودستوره و نظامه‬
‫الداخلي وحدة البعثيين التنظيمية في عموم الوطن العربي ومن خلال الترتيب‬
‫الهرمي للتنظيم صعوداً الى اعلى قيادة فيه وهي قيادته القومية التي هي‬
‫أعلى سلطة في الحزب‪ ،‬وهي المسؤولة عن قيادات الأقطار‪ .‬وبهذا تكون‬
‫القيادة القومية لحزب البعث هي التي يقع على عاتقها قيادة الحزب على كافة‬

‫الأصعدة النضالية منها والتنظيمية والفكرية‪.‬‬

‫وتجسيداً لمكانة الوحدة العربية في فكر و جسد الحزب فلم يجعل اعلى قيادة‬
‫فيه‪ ،‬وهي القيادة القومية‪ ،‬مجرد رمز لا فعل حقيقي له‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬فقد‬

‫حملها نظامه الداخلي مسؤوليات كبيرة ‪ ،‬وبالتالي جعلها تمتلك صلاحيات‬

‫‪3‬‬

‫واسعة لقيادة عموم التنظيم في الوطن العربي والمهاجر وقيادة الاقطار‪ ،‬بما‬
‫فيها حل واستبدال أية قيادة قطرية حتى اذا كانت منتخبة من ِق َبل مؤتمر‬

‫انتخابي شرعي‪.‬‬

‫وهنا نشير الى قضية هامة جداً وهي أن حزب البعث بامكانه الاستمرار‬
‫التنظيمي الميداني في أي قطر عربي بدون قيادة قطرية عندما تكون‬
‫التشكيلات التنظيمية ادنى من ذلك‪ ،‬ولكنه لا يستطيع العمل بدون قيادته‬

‫القومية‪ ،‬لأنه بني وأ ِّسس على فكرة القومية الشاملة ووحدة الأمة العربية‪.‬‬

‫ولقد تميز البعث بكل ذلك على كل الاحزاب في الوطن العربي ‪ ،‬فقد جاءت‬
‫فكرة البعث وتأسيس حزب قومي عربي بعد أن كانت أغلب الاقطار العربية‪،‬‬
‫في مطلع الأربعينيات من القرن العشرين تزخر بتيارات فكرية سياسية كثيرة‬
‫وأحزاب تمتد من أقصى اليمين الى أقصى اليسار‪ .‬ومع ذلك لم يكن في‬
‫برنامج أي منها دعوة واضحة للعروبة أو الوحدة العربية‪ ،‬او بعث حضارة‬
‫الأمة من جديد‪ .‬باستثناء طرح أفكار غائمة هنا وهناك يشوبها الغموض‬
‫وتغيب عنها البرامج العملية‪ ،‬من قبل بعض قادة الفكر المشبعون بالحنين الى‬
‫ماضي الأمة التليد ‪ ،‬كما أن بعض هذه الأحزاب كان يجاهر بعدائه للقومية‬

‫العربية‪.‬‬

‫ومع انتشار المد الشيوعي وغيره من احزاب وتيارات والتي كانت جلها تمثل‬
‫أفكار بعيدة عن روح العروبة وعن الواقع العربي‪ ،‬ومعاناة الأمة وتعتمد على‬
‫نقل حلول ما هي الا قوالب جاهزة منقولة من الخارج وغريبة عن واقعنا‬
‫العربي ‪ ،‬فكان لابد من قيام حزب جديد ينتشل العرب من واقعهم المتخلف‬
‫والفاسد‪ ،‬ويؤسس لثورة في كيان الأمة الذي يعيش التردي والانحطاط‬
‫السياسي والاقتصادي والثقافي والعلمي‪ .‬ومن ثم يملأ الفراغ ويسد النقص‬
‫في الأيديولوجيات والحركات والاحزاب القومية‪ ،‬التي تحل محل الأحزاب‬
‫الموسمية الزائلة‪ .‬ومن هنا جاء تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي‬

‫استجابة جوهرية لحاجة تاريخية سياسية فكرية اقتصادية واقعية ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫وقد اعتمد المؤتمر التأسيسي الأول للحزب على ثلاثة مبادئ‪:‬‬

‫الأول هو أن (العرب أمة واحدة لها حقها الطبيعي في أن تحيا في دولة‬
‫واحدة)‪.‬‬

‫والثاني هو أن شخصية الأمة العربية (تتسم بخصب الحيوية والابداع‪،‬‬
‫وقابلية التجدد والانبعاث)‪.‬‬

‫أما الثالث فهو أن (الأمة العربية ذات رسالة خالدة‪...‬ترمي الى تجديد القيم‬
‫الانسانية‪ ،‬وتحفز التقدم البشري‪ ،‬وتنمية الانسجام والتعاون بين الأمم)‪.‬‬

‫ومن مبادئ الحزب أيضاً أنه (قومي يؤمن بأن القومية حقيقة حية خالدة ‪...‬‬
‫والفكرة القومية التي يدعو اليها هي ارادة الشعب العربي في أن يتحرر‬
‫ويتوحد‪ .)....‬كما أن من مبادئه تحقيق العدالة الاجتماعية وحشد موارد الأمة‬
‫بشكل مركزي وتوجيهها لخدمة هدف نهضتها‪ ،‬لذلك اصبحت الاشتراكية احد‬
‫اهدافه الاستراتيجية فامن بأن (الاشتراكية هي النظام الأمثل الذي يسمح‬

‫للشعب العربي بتحقيق امكاناته‪ ....‬على أكمل وجه)‪.‬‬

‫ولكن منذ انطلاق مؤتمر كامبل فان اية محاولة لتوحيد الامة العربية يتم‬
‫استهدافها كما يتم استهداف اي فكر وحدوي‪ .‬لذا فليس من الغرابة ان يتم‬
‫استهداف اكبر واقوى حزب وحدوي وهو حزب البعث العربي الاشتراكي ‪.‬‬
‫وقد تميز هذا الاستهداف بانه متنوع الوسائل وتعددها‪ ،‬بين استهداف الدولة‬
‫الوحدوية او استهداف رموز البعث او تشكيلاته القيادية وفي قمتها القيادة‬
‫القومية‪ ،‬لان كل ذلك يخدم اعاقة الوحدة العربية واية صيغة رسمية او شعبية‬
‫لها حتى وان كانت رمزية ‪ ،‬وكل ذلك خدمة لمقررات مؤتمر كامبل بنرمان‬

‫سئ الذكر‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫وقد شهد التاريخ العربي المعاصر ومنه تاريخ الحزب حلقات من ذلك‬
‫الاستهداف‪ ،‬تارة على شكل انقلابات وتارة محاولات لشق الحزب وتارة‬

‫استهداف لرموزه‪.‬‬

‫من التجارب الانشقاقية الفاشلة التي حاولت ضرب بنية الحزب من خلال‬
‫التجاوز على رموزه المم َثلة بالقيادة القومية هي ما سمي بالحركة‬
‫التصحيحية التي تزعمها حافظ الأسد‪ ،‬والتي أدعى فيها عبر كلمته التي ألقاها‬
‫في المؤتمر الاستثنائي لقوى الردة والانشقاق في دمشق أوائل أيلول عام‬
‫‪ ،٥٠9١‬ان الاولوية هي " للتحرر الوطني" ‪ ،‬تحت ذريعة تحرير الجولان‪،‬‬
‫التي لم يتم التقرب منها او تحرير شبر واحد فيها‪ ،‬فتنكر بذلك لفكر وتوجهات‬
‫البعث القومية ‪ ،‬رغم ان المهمة الوطنية لتحرير الجولان هي مهمة قومية‬
‫بامتيازو لا تتعارض مطلقا مع مبادئ البعث القومية وأهداف الحزب في‬

‫الوحدة والحرية والاشتراكية‪.‬‬

‫ولو تعمقنا بالاسباب التي تقف وراء كل محاولة انشقاقية نجد ان العوامل‬
‫المحركة لها تخدم أهدافاً ونوايا شخصية او تقف وراءها نوازع قطرية لكنها‬
‫تغطى باغطية سياسية سرعان ما ينكشف زيفها وتعرف حقيقة الاسباب‬
‫الحقيقية للانشقاق بعد ان يكون قد مني بفشل ذريع لتغيير مسار حزب البعث‬
‫وأفكاره القومية ‪ ،‬وهو ما سيكون عليه مصير أي حركة تمرد وانشقاق‬

‫أخرى تحاول تجاوز فكر البعث الوحدوي و قيادته الشرعية‪.‬‬

‫فقد فشلت وتلاشت محاولات أخرى في اقطار عربية منها العراق‪ ،‬مثل‬
‫محاولة الانشقاق التي قادها علي صالح السعدي‪ ،‬لأن جذور البعث قومية‬
‫عربية وحدوية عميقة‪ ،‬وتنظيمه وتشكيلاته القيادية محكمة يدعمها نضالها‬
‫الميداني الضروس مما يجعلها حصينة ضد أي محاولة انشقاق او زعزعة‬

‫الصفوف‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫واستناداً الى ذلك ‪ ،‬نتبين أن القيادة القومية هي الحارس الامين وهي الداعم‬
‫والراعي للوحدة العملية والفكرية للبعث‪ ،‬ولوحدة التنظيم القومي ‪ ،‬وهي‬
‫رمز لوحدة الامة التي هي الأمل المنشود لكل ابنائها وعلى رأسهم البعثيين‪.‬‬
‫فالوطن العربي هو وحدة سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية لا تتجزأ ولا‬
‫يمكن لأي قطر من الأقطار العربية أن يستكمل شروط نهضته ووجوده‬
‫ومستقبله منعزلاً عن الأقطار العربية الأخرى‪ ،‬لذا يناضل الحزب لجمع شمل‬
‫العرب الذين يعيشون الشتات والتجزئة‪ ،‬وتحقيق تكاملهم وان كان على‬

‫مراحل ‪ ،‬في دولة عربية كبرى مستقلة واحدة‪.‬‬
‫والبعث لا يمكن أن يتجزأ‪ ،‬فهو واحد بفكره وأهدافه ومبادئه وتنظيماته‪،‬‬
‫والبعثي الحقيقي الملتزم هو المنضبط وجدانياً وروحياً وسلوكياً وأخلاقيا‬
‫بمبادئ الحزب ونظامه الداخلي‪ ،‬وأن أي تقافز على تلك المبادئ ستخرج‬
‫البعثي من بعثيته الحقيقية ليصبح عنصراً منتسباً وحسب‪ ،‬بل الاخطر من ذلك‬
‫انه سيكون أبعد ما يمكن عن مشروع البعث العربي القومي الشامل‪ .‬فلقد بن َي‬
‫البعث على مفهوم وفكر قومي بعيداً عن القطرية ‪ ،‬وجعل أعلى سلطة فيه هي‬
‫القيادة القومية‪ ،‬الحارس الأمين لوحدة الأمة العربية‪ ،‬وقائدها نحو تحقيق‬

‫أهدافها و رسالتها الخالدة‪.‬‬
‫ومن هنا فإن أي استهداف للقيادة القومية ككيان‪ ،‬هو استهداف بوعي او‬
‫بدون وعي لوحدة الأمة العربية وحريتها ‪ ،‬اي لجوهر فكر البعث‪ ،‬وهو يصب‬
‫في خدمة المشروع الصهيوني الغربي ضد وحدة الأمة العربية ونهضتها‪ ،‬منذ‬
‫مؤتمرات بازل وكامبل‪ ،‬مرورا بمعاهدة سايكس بيكو لترسيخ تفتيت الأمة‬

‫والاستيلاء على مقدراتها وابقائها تحت خط الفقر والجهل والتخلف ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫أمة عربية واحدة‬ ‫وحـــدة‬
‫ذات رسالة خالدة‬ ‫حـريـة اشـتراكـيـة‬

‫هويّةّال ّعراقّالوّطنيّةّوّبعّدهاّال ّعرّبيّ‬
‫الىّأينّ ّوصّلت؟ّ‪ّ..‬عوّدتهاّهيّالحل‬

‫(الجزءّالأول)‬

‫سرور مرزا محمود‬

‫مع تقلبات حياة العراقيين ومحاولة تمزيق الارض العراقية بعد الاحتلال‬
‫وتدخل القوى الدولية و الاقليمية‪ ،‬الذي ينزع العراق من سياقه الأوسع‪،‬‬
‫ويقطع صلته بتاريخه وتراثه ومصالحه‪ ،‬بات موضوع هوية العراق‪ ،‬من ابرز‬
‫الموضوعات المثيرة على الساحة الوطنية والسياسية والاجتماعية‪ ،‬فنحن‬
‫امام تحول عميق في الهوية العراقية المرتبطة بالمكان السكاني المتنوع‬
‫بحضاراته ودياناته وقومياته‪ ،‬وهذا يستلزم علينا كعراقيين الكشف عن‬
‫الهوية الوطنية الحقيقية وإبرازها للجيل الحالي‪ ،‬والأجيال القادمة المتكونة‬
‫من أطفال اليوم‪ ،‬لأن الوطني هو الذي يتمسك بقوميته ويحافظ على هويته‬
‫وخاصة بإرثه وثقافته الحضارية المبنية على المنجزات والعادات المتوارثة‬
‫والتقاليد الأصيلة مع تبني الموضوعية بعيدا عن التطرف والجمود‪ ،‬والإقرار‬
‫عن الحقيقة الإنسانية المعاصرة لهذا الوطن‪ ،‬وهو ما دعانا ان نتناول هذا‬

‫الموضوع الحيوي‪.‬‬

‫الانتماء غريزة فطرية‪ ،‬الى الأرض التي يعيش عليها‪ ،‬والبيئة التي خرج‬
‫منها‪ ،‬وهي جزء من الهوية‪ ،‬فالانتماء للأسرة وللعمل والبيئة المحيطة‪ ،‬وكل‬

‫ما هو في دائرته الصغرى‪ ،‬كلها أسس لانتمائه الأكبر نحو الوطن‪ ،‬والانتماء‬
‫يستحيل أن يكون بقرار أو بتوجيه‪ ،‬سواء من المواطن ذاته أو من المجتمع‪،‬‬
‫اذ ان الانتماء مرتبط بعوامل ثقافية ‪ -‬دينية والى عوامل تأريخية لارض‬

‫الاجداد‪.‬‬

‫تبقى الهوية الوطنية نتاج للوحدة المتكاملة في كتلة واحدة‪ ،‬يعيش أفرادها‬
‫تحت كنف الأمة المستقلة التي تعني في فحواها ضمان التضامن وتوطيد‬
‫لأواصر الأخوة وترابط الشعب في علاقة بدون مقابل نفعي يعود على أي‬
‫طرف‪ ،‬أو صلات إجتماعية لا تحكمها المادة ولا تكون المصلحة الذاتية غاية‬
‫لها‪ ،‬بقدر ما يكون الإنتماء الحضاري والتاريخي والثقافي هو الذي يتحكم في‬
‫التعامل المتبادل والإتصال المزدوج بين أفراد الأمة الواحدة‪ ،‬الذين يربطهم‬

‫المصير المشترك ويجعلهم يحتكمون لضمير إجتماعي واحد‪.‬‬

‫ظهرت هوية بلاد مابين النهرين منذ فجر التأريخ ببصماتها على الشخصية‬
‫التى أخذت مكوناتها الأساسية من تاريخها‪ ،‬وعلى أرضها تش ّكلت حضارة‬
‫عريقة‪ ،‬نجحت وتمكنت من استيعاب كل من سكن فيها ومن قدم من خارجها‪،‬‬
‫و ما وفد إليها من ثقافات وحضارات وتفاعلت معها‪ ،‬أصبحت أجزاء ممتزجة‬

‫أو متفاعلة مع هويتها الأم لكنها لا تمنحها هوية بمفردها‪.‬‬

‫وعلى ارضها التي اقيمت على ضفاف دجلة والفرات والمناطق المحيطة بها‬
‫عرفت التوحيد قبل ظهور الديانات‪ ،‬و على أرضها طبق الحكام السومريين‬
‫والاشوريين الايمان بالتوحيد‪ ،‬وكانت ملاذا آمنا‪ ،‬فعلى أرضها نشأ وترعرع‬
‫بعض من الانبياء ومنهم نبى الله ابراهيم (ع)‪ .‬ووسط أهلها عاش اتباع‬
‫ديانات اخرى فعاش اليهود‪ ،‬ووجدوا على أرضها الأمن والأمان‪ ،‬وفيها‬
‫انشأت الصابئية وانتشرت المسيحية‪ ،‬ومن ثم جاء الاسلام ودخل غالبية اهلها‬
‫الى الاسلام‪ ،‬فمن العراق انتشر الاسلام الى بلاد فارس واسيا وصولا الى‬

‫الصين‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫اصبح العراق مقر الخلافة العباسية التي كانت تعتبر اوج الحضارة الاسلامية‬
‫والثقافية‪ ،‬تلك الثقافة التي استوعبت كل الأمم والشعوب؛ التي انضوت تحت‬
‫لواء الأمة العربية الإسلامية‪ ،‬ووسعت كل الثقافات التي تعايشت معها‪،‬‬
‫فصارت بذلك ثقافة العرب المسلمين‪ ،‬وثقافة المسيحيين واليهود‪ ،‬وثقافة كل‬

‫الأديان‪ ،‬وطوائف الملل والنحل التي اندمجت في الكيان الإسلامي‪.‬‬

‫وعاشت في ظل الدولة الإسلامية عبر الأزمنة والعصور‪ ،‬ومن أهم‬
‫الخصائص التي تميزت بها الثقافة العربية أنها امتزجت بالثقافات الأخرى‬
‫التي كانت سائدة في عهود الإسلام الأولى‪ ،‬وتفتحت لعطاء الأجناس والأقوام‪،‬‬
‫وأهل الديانات والعقائد التي تعايشت مع المجتمع الإسلامي‪ ،‬فصارت بذلك‬
‫الثقافة غنية المحتوى‪ ،‬متعددة الروافد‪ ،‬متنوعة المصادر‪ ،‬ولكنها ذات روح‬

‫واحدة‪ ،‬وهوية متميزة متفردة‪،‬‬

‫وارتفع عدد سكان العراق الى ‪ 20‬مليون نسمة‪ ،‬واصبحت بغداد مركزا‬
‫لامبراطورية غنية مترامية الاطراف‪ ،‬واشتهر العراق بتطوره وتنوعه‪ ،‬و بات‬

‫قِب َلة لكل من لم يشعر بالأمان بين أهله والجهة التي جاء منها‪.‬‬

‫وتركت الهوية العراقية بصماتها الواضحة على طبيعة الشخصية العراقية‪،‬‬
‫فأصبح المواطن العراقي متدينا ايا كانت ديانته‪ ،‬يهوديا‪ ،‬صابئياَ مسيحيا أو‬
‫مسلما‪ ،‬يقدر فى غالبيته الساحقة الأديان‪ ،‬يحترم المقدّسات‪ ،‬يضفى بصماته‬
‫الخاصة على المناسبات الدينية فتصبح هذه المناسبات تحظى باحترام الجميع‪.‬‬
‫لا يقبل فى غالبيته الساحقة إساءة إلى دين‪ ،‬أو مساسا بمقدس‪ .‬هذه الطبيعة‬
‫للهوية العراقية هى التى حفظت ان يكون العراق صامدا فى وجه أنواء‬

‫وعواصف وتدخلات من كان يطمع فيه‪.‬‬

‫وفي عام ‪ 1257‬دخل المغول بغداد واصبح الرمز المضيء للدولة العباسية‬
‫مجرد انقاض بعد ان كان مركزا لدولة عريقة ومترامية الاطراف‪ ،‬ودخل في‬
‫عصر مظلم واصبح معزولا ومهزوما طمعت وتنافست عليه القوى الخارجية‪،‬‬

‫‪3‬‬

‫وفي اواخر الحقبة العثمانية‪ ،‬فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن‬
‫العشرين‪ ،‬جاءت البعثات لبعض من شرائح المجتمع العراقي بثقافات جديدة‪،‬‬
‫ومع ازدياد وعي الافراد من ازدياد نسبة التعليم وانتشار الصحف‪ ،‬بدأ البحث‬
‫عن الانتماء الوطني العراقي والعربي وتحديدا في منتصف القرن التاسع‬
‫عشر مع ظهور الجمعيات ذات الطابع السياسي والقومي‪ ،‬عندها بدأ التلميح‬
‫عن هوية عراقية‪ ،‬محافضة ثقافيا لناحية التزامها بالقيم الثقافية العربية‬
‫المسلمة‪ ،‬دون اعتداء على الهويات الثقافية الاخرى‪ ،‬منفتحة حضاريا‪،‬‬
‫فالنهضة الثقافية التي عرفها العالم العربي في حينها انطلقت من بلاد الشام‬

‫ووصلت الى مصر والعراق‪.‬‬

‫وفي مرحلة القرن العشرين انتهت الإمبراطورية العثمانية بنهاية الحرب‬
‫العالمية الأولى‪ ،‬وتقاسم البريطانيون والفرنسيون الوطن العربي استنادا‬
‫لاتفاقية "سايكس ‪ -‬بيكو"‪ ،‬التي قسمته إلى دويلات‪ ،‬مما ادى الى عدم انشاء‬
‫كيان سياسي عربي واحد‪ ،‬وصنع ثقافات فئوية خا َّصة في البلدان التي‬
‫سيطرت عليها‪ ،‬والمحافظة على الواقع العربي المج َّزأ‪ ،‬فالهدف الأول من تلك‬
‫التجزئة كان إحلال هويات محلّية بديلة عن الهوية العربية المشتركة التي هي‬
‫حصيلة التقارب بين الهوية الوطنية والدين المنفتح والثقافة العربية‪،‬‬

‫وإضعافا لك ّل جزء بانقسامه عن الجزء العربي الآخر‪.‬‬

‫عند النظر الى بداية الاحتلال البريطاني للعراق‪ ،‬فان القضايا المتعلقة بالهوية‬
‫الطائفية والعرقية والأثنية لم تكن بالظاهرة الجديدة فقد تمرد الاكراد عام‬
‫‪ 1919‬وكان تأثير رجال الدين واضح في ثورة العشرين‪ ،‬وتمرد الاشوريين‬
‫بعدها في بداية الثلاثينات‪ ،‬ومن ثم فإن أي محاولة لتفكيك الهوية أو اختزالها‬
‫في صنف أو لون واحد كان محكوم عليها بالفشل‪ .‬فالموروث الشعبي يتمدد‬
‫فيه كل هذا الزمن لتبقى قيم ومعان وألفاظ وطقوس مستمرة لا تهتز ولا‬

‫تذهب‪ ،‬ولهذا لم تتأثر اطر ترابط النسيج الاجتماعي بذلك‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫ثم تشكلت دولة العراق الملكية عام‪ ،1921‬فوجدت الشارع العراقي فى‬
‫معظمه يغط فى الجهل والأمية‪ ،‬والقلة منهم عندهم تعليم تقليدى‪ ،‬سعت الدولة‬

‫في مراحلها الاولى الى خلق هوية جامعة للمجتمع العراقي‪.‬‬
‫بدأت الشرائح بعد تشكيل دولة العراق الملكية تبحث عن ذاتها المتأثرة‬
‫بتراثها التأريخي‪ ،‬كبداية مرحلة سياسية على ضفاف نهري دجلة والفرات‬
‫والمناطق المحيطة بها من وديان وهضاب وجبال وصحارى وهي تمتلك اقدم‬
‫تراث موجود حيث تزخر مدنه ومناطقه الريفية على السواء باثار العديد من‬
‫من الحضارات القديمة‪ ،‬ومقر الخلافة العباسية التي كانت تعتبر اوج الحضارة‬
‫الاسلامية المتطوررة والمتنوعة‪ ،‬فالعراق شعب وتأريخ وسياسة‪ ،‬لذا فقد‬

‫تولت الدولة الجديدة مهمة تطوير العلاقات بين الجماعات المختلفة‪.‬‬

‫يتبع لطفا‪...‬‬

‫ّ‬

‫‪5‬‬


Click to View FlipBook Version