أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
لماذا حزب البعث؟
حزب البعث ضرورة فكريت ونضاليت
وحاجت وطنيت وقوميت وحدويت
(دراست في تحليل الأسباب والمراحل)
مكتة الثقافت والاعلام القومي
اصداراث العام 8102
1
أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
لداذا حزب انبعث؟
حزب انبعث ضسوزة فكسيت ونضانيت
وحاجت وطنيت وقىميت وحدويت
(وجهت نظس في تحهيم الأسباب والدساحم)
الحهقت الخامست
ِّ
انبعث هى الحزب انري يجسد انعلاقت
بين انسسانت انفكسيت واننضال انىحدوي انعسبي
منذ ابتدأ حزب البعث العربي الاشت اركي كفكرة ،منذ أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين ،كانت مسألة
وحدة الامة العربية ثابتو الأول ،وبوصمتو المرشدة .وكانت تمك الفكرة استئنافاً وتواصلاً مع الفكر القومي
الذي كان سائداً في الشرق عموماً وفي منطقتنا العربية حتى قبل ظيور الاسلام ،وان كانت اليوية
القومية وقتيا لم تستقر ملامحيا بعد .ففي الشرق كانت القومية موجودة واساسيا الثقافة المغوية واليوية
المميزة .و كانت المحرك لمعلاقات القديمة بين الامم الشرقية .وقد استمر ذلك في العصر الحديث .فيذه
2
أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
الحقيقة يعتز بيا الصيني والياباني والفارسي والكوري وغيرىم ،ويتمسك بيا ويبني فمسفتو عمييا حتى
حينما يكتسب الفكر الحديث.
ولان الوعاء الاىم لمقومية ىو المغة التي تعد واحدة من اكبر الروابط التي تربط بين الناس أكثر من أي
صمة أخرى ،إذ لا قومية بلا لغة .فوجود لغة مشتركة يؤسس لكتمة بشرية مرتبطة ببعضيا من خلال تمك
المغة التي تعتمد عمييا في حياتيا كميا وليس في الثقافة وحدىا ،ويتضامن اف اردىا مع بعضيم من
خلاليا .لذا فقد شكل العرب واحدة من أقدم القوميات في العالم كما تدل لغتنا الأغنى والأكثر عمقاً
بمعانييا عمى ذلك .ويعد ذلك المؤشر واحداً من بين مؤش ارت اخرى تؤكد بأن قوميتنا ليست حديثة ،ولا
ىي نسخة من القوميات الأوروبية ،كما يحاول ان يروج لو بعض المستشرقين الغربيين .لذا فقد نشأ
البعث لكي يناضل من أجل بعث الامة العربية الموجودة أصلاً ،ولكن النائمة في احضان التخمف
والتجزئة ،وليس خمقيا من العدم .
ان ذلك مغاير لما يحاول المستشرقون الغربيون ترويجو في منطقتنا العربية من تاريخ غير حقيقي يشير
إلى أن القومية العربية ،والفكر القومي العربي ،ىو فكر حديث .وفي الواقع فإن القوميات الأوروبية ىي
الحديثة التكوين .حيث ظير الفكر القومي في أوروبا كردة فعل عمى أممية البابوية الكنسية وممارساتيا،
التي استغَمّت مركزىا في سبيل تنمية مصالحيا عمى حساب مصالح الشعوب الأوروبية .وكرد فعل ضد
سمطة الكنيسة انفصل عنيا رجال دين مسيحيون في مختمف دول أوروبا ،و ارحوا يؤسسون كنائسيم
القومية ،والدعوة لانفصاليا عن سمطة البابا في روما من جانب ،وضد تعسف النظام الممكي الاقطاعي
المتحالف مع سمطة الكنيسة من جانب آخر .لذا انتشرت كتابات المفكرين الأوروبيين حول مبادئ العدالة
والمساواة بين الموطنين ،واحلال سمطة الشعب بديلاً لمتحالف الممكي – الكنسي.
3
أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
ولما كان العرب يشكمون جزءاً أساسياً من حركة الوعي لما يدور في العالم من حوليم ،فقد انتشر الفكر
القومي بين العرب مجدداً في عصر الانبعاث القومي ،ون َظّر فيو عدد من مفكرييم ،ثم جاء البعث لُيحدث
فيو طفرة نوعية عندما انتقل بالفكر القومي من دوائره النظرية إلى دوائره العممية ،وىو ما ُيعرف بالنقمة
من برج الصفوة العاجي إلى نشره في الأوساط الشعبية .وكانت النقمة النوعية بتأسيس حزب لينشر فكره
بين الجماىير الشعبية.
واستناداً إلى ذلك ،ولأن الدعوة إلى القومية في الغرب كانت رداً عمى تعسف سمطة رجال الدين
المسيحيين ،وليست ردة فعل ضد الدين .بل كانت لفصل وظيفة رجال الدين عن وظيفة رجال السياسة.
فإنيا ،أي الدعوة إلى القومية في الأوساط العربية ،لم تضع نفسيا في مواجية الدين ،بل وضعت نفسيا
في مواجية تعسف السمطة العثمانية باستغلاليا الدين وتوظيفو لمصمحة طبقاتيا الحاكمة من جية ومن
أجل إحلال نظام حكم الشعب لمشعب من جية اخرى.
وما انتشار الفكر القومي في شتى أنحاء العالم ،والدعوة إلى بناء الدولة القومية المحمية بالقوانين
والتشريعات الدولية ،بحيث شممت الدول المتقدمة والعالم الثالث عمى حد سواء ،سوى تأكيد عمى أن
الدولة القومية ىي دولة العصر ،والتي اكتسبت شرعيتيا الدولية.
وليذا ،واستئنافاً لنشاط الحركة الفكرية القومية التي سبقت تأسيس حزب البعث العربي الاشت اركي انخرط
مؤسس البعث في ميدان العمل القومي .فكان انخ ارطو امتداداً لحركة القوميين العرب الأوائل ،حيث كانت
البنية المعرفية لمفكر القومي تشيد ت اركماً متواصلاً جيلاً بعد جيل ،وجاء حزب البعث ليضيف إلييا مداً
ودماءاً جديدة أحدثت طفرة نوعية في مسار تمك الحركة.
4
أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
وقبل أن نستعرض تمك الإضافات ،لا بَّد من أن نقوم بإطلالة موجزة عمى التطور التدريجي لحركة الفكر
القومي التي سبقت تأسيس حزب البعث.
لقد شممت المقدمات التاريخية التي انطمقت الفكرة القومية منيا ما يمي :
-1إن الفكرة القومية العربية ىي نتاج تبمو ارت تاريخية بالغة القدم ،وترتبط في بعض جوانبيا مع نشوء
المغة العربية ،فما إن نشأت المغة العربية حتى نشأت معيا المجموعة البشرية المسماة العرب .الا ان
تسميط الضوء عمى ذلك لم يحظى باىتمام المستشرقين الغربيين لاسباب مبيمة او لعميا متعمدة ،مما
يحتم عمينا كعرب ايلاء ىذا الجانب عناية خاصة لد ارسة التاريخ بشكل معمق والتنقيب فيو بصورة شاممة
،وبموضوعية تامة من أجل العثور عمى المزيد من الأدلة التي تثبت قدم القومية العربية ،مستفيدين في
ذلك من المغة العربية كبوصمة أساسية تمكننا من معرفة تاريخنا القومي الحقيقي ،اضافة الى الاستفادة
من الكم الكبير من الاثار والمكتشفات والمقيات الاثرية التي تشكل ادلة عممية من شانيا ان تمقي الضوء
عمى تاريخنا القومي العريق .
ومن ىنا نرى اصل دعوتنا لبعث الامة – وليس خمق امة . -فالبعث الحديث ينطمق من من ماض
عريق موغل في القدم جرت عميو عممية تعتيم متعمد ،كما انو يعبر في نفس الوقت عن حاجة عصرية
لاعادة بناء الامة واحياء ثقافتيا واطلاق وجودىا وفقا لقوانين العصر من جية اخرى .
-2تأثر المفكرون القوميون العرب الأوائل في العصر الحديث بمفاىيم الدولة الحديثة التي كانت تشق
طريقيا في أوروبا ،والتي حققت إنجا ازت حضارية ميمة بيرت شعوب العالم الأخرى .فالدولة الحديثة
قامت عمى أساس ال اربط القومي ،بعد انقلاب الأوروبيين عمى سمطة الكنيسة التي حكمت الشعوب
الأوروبية بمفاىيم السيطرة الإمب ارطورية التي تعتمد عمى الييمنة والاستغلال.
5
أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
-3بعد انع ازل الشيوعيين العرب عن الحركة التحررية العربية ،في أواسط الثلاثينيات من القرن العشرين
عندما اعتبروا الفكر القومي فك ارً شوفينياً ،وتعود أسباب ذلك إلى تأثير المد الستاليني الذي ألزميم
باعتبار الاتحاد السوفياتي مرك ازً لمثورة العالمية وعمييم حماية ىذا المركز ،ارحت حركة البعث تشق
طريقيا المتميز نحو تأسيس حزب قومي جماىيري منذ بداية الأربعينيات من القرن العشرين.
-4بتأسيس حزب البعث العربي الاشت اركي في العام ،1441واجو البعثيون وحدىم أط ارفاً ثلاثة تعمن
العداء لممسألة القومية ،وىي:
-المشروع الاستعماري – الصييوني ،الذي أظير عداءه ليس بالتبشير الفكري المضاد لمقومية العربية
فحسب ،بل أيضاً بتأسيس دولة صيونية عمى أرض فمسطين في العام 1441من جية ،وبناء علاقات
مع بعض الأنظمة القطرية العربية مؤسسة عمى التبعية من جية أخرى.
-الحركة الشيوعية العربية بتبعيتيا لممشروع الأممي ،واعتبرت مركزيتو الاتحاد السوفياتي.
-الحركة الإسلاموية السياسية وىدفيا استعادة «دولة الخلافة الإسلامية» .وقد بدأت مع حركة الإخوان
المسممين منذ الثلاثينيات من القرن العشرين أولاً ،ثم تأسيس حزب الدعوة في أواخر الخمسينيات من
القرن العشرين ،وانطلاقة حركة ما يسمى ب "ولاية الفقيو" منذ الثمانينيات من القرن العشرين ثانياً.
ولأنيما يحملان أيديولوجية تفتيت المجتمع العربي ،فقد وجدا تأييداً واحتضاناً لافتين من المشروع
الأمبريالي – الصييوني.
-وبين ىذا الطرف و ذاك ،انتشرت النزعة القطرية في شتى أرجاء الوطن العربي .بعضيا المتمثل
بأنظمة رسمية رجعية ،أو ممتحقة بقوى الاستعمار؛ وبعضيا الآخر متمثل بأح ازب وحركات قطرية شعبية.
6
أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
لقد واجيت التيا ارت القومية تاريخياً ،وفي المقدمة منيا حزب البعث ،كل تمك الحركات لعش ارت السنين؛
وصمد في تمك المواجية عمى الرغم من أنيا شممت تحالفات بين قوى خارجية أجنبية ،وقوى إقميمية،
وقوى داخمية عربية ،بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر .ولقد عممت تمك القوى ،مجتمعة أو منفردة ،وما
ت ازل تعمل بشتى الطرق لاجتثاث فكره ،واستئصال ىياكمو التنظيمية ،وكل ىميا اجتثاث الفكر القومي،
والفكر الوحدوي العربي.
في تمك المواجية صمد الحزب في شتى أقطار الوطن العربي ،من المحيط الأطمسي إلى الخميج العربي،
عمى الرغم من كل أشكال الملاحقات .وكان يحرز توسعاً وانتشا ارً جديدين.
وأىم مظاىر صموده بدا واضحاً فيما يحصل اليوم في الع ارق ،فقد واجو سياسياً مؤامرة انت ازع العروبة من
فكر البعث ومن اتجاىات مشروعو النيضوي .ولما فشل الضغط السياسي الأميركي عمى النظام الوطني
في الع ارق من أجل احتوائو وفرض التبعية عميو ،قامت أميركا باحتلال الع ارق عسكرياً من خلال أكبر
ىجمة حشدت فييا إمكانياتيا العسكرية اليائمة ،وجمعت حوليا إمكانيات عش ارت الدول الأجنبية ،ناىيك
عن إمكانيات دول الجوار الجغ ارفي ،من أنظمة عربية وغير عربية.
كانت أولى الق ار ارت التي أصدرتيا قوات الاحتلال ىو الق ارر الذي ُعرف بق ارر «اجتثاث البعث من المجتمع
الع ارقي » .وأىداف ىذا الق ارر كانت واضحة وحاسمة بشأن الاجتثاث ،الذي تناول الحزب عمى صعيد
تفكيك بنيتو التنظيمية والأخطر منيا كان المقصود اجتثاث بنيتو الفكرية أيضاً .نتأكد من ىذا الأمر إذا
عرفنا ،أن الق ارر مستند إلى است ارتيجية أميركية تعود جذورىا إلى مؤتمر بازل ،ومؤتمر بانرمان ،واتفاقية
سايكس بيكو ،ووعد بمفور ،تعتبر أن خطورة أي حركة سياسية في الوطن العربي تأتي من اعتناقيا لأي
توجو قومي .فالقومية العربية كانت في الواقع ،وكما أكدت التطو ارت السياسية منذ أوائل القرن العشرين،
7
أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
أنيا تشكل اليدف المركزي لكل القوى المعادية للامة العربية وحركتيا الوطنية التحررية ،وُوضعت في
مواجيتيا كل الايديولوجيات المعادية ليا ،بما فييا الايديولوجيا الدينية والطائفية.
ولأن الاست ارتيجية الاستعمارية الأوروبية ومن ثم الأميركية ،استناداً إلى أصوليا في المؤتم ارت والاتفاقيات
أعلاه ،تقوم عمى إبقاء العرب في حالة جيل وتخمف وتفتيت ،كانت أىداف البعث بالضد من تمك
الاست ارتيجية ،فكان يرى أنو في التكامل العربي لمموارد البشرية والطبيعية يكمن الحل الاساسي ومنو
تنطمق نيضة الامة .فدعا في دستوره إلى مبدأ مكافحة الاستعمار والصييونية ،ورفع في مواجية
التفتيت شعار الوحدة اولاً .وفي مواجية الييمنة والتسمط رفع شعار الحرية ثانياً .وفي مواجية حالة
التخمف وانعدام المساواة الاجتماعية رفع شعار التنمية عمى قاعدة اشت اركية ثالثاً.
كما أن نضالات البعث ،في شتى م ارحميا ،وبمختمف أشكاليا ،لم تيدأ يوماً ،بل استمرت عمى الرغم من
كل المصاعب الداخمية والعقبات الخارجية ،بحيث كانت تجسيداً ميدانياً لأىداف الحزب النظرية .وكانت
المواجية الكبرى لمشروع صيينة فمسطين وأمركة وفرسنة الع ارق اليوم ،من أىم تمك النضالات.
فعن صيينة فمسطين كان لمشاركة الحزب في نضالات الشعب الفسطيني وحمل مناضميو السلاح والقتال
ضد الغزو الصييوني ،واضافة العمق القومي إلييا ،أث ارً واسعاً في إحباط مؤامرة عزل فمسطين عن عمقيا
العربي ،واليوم يواجو البعث اشرس مشاريع التغيير الديموغ ارفي في الع ارق وسوريا اضافة الى مشاريع
التفتيت والتدمير التي تتكامل كميا لتحقيق مشروع (إس ارئيل الكبرى من النيل إلى الف ارت) .فيواجو البعث
كل ىذه المشاريع الشريرة بفكره القومي الموحد كرد عمى التفتيت وافشالو .وأما بالنسبة لمشروع أمركة
وفرسنة الع ارق ،فما ي ازل البعث صامداً يقاتل عمى أرضو ،ويتح َّمل مسؤولياتو التاريخية بمشاركة شعبية
ووطنية ،وينجز الانتصا ارت ويمحق اليزيمة بالاحتلال أيضاً.
8
أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
بالإضافة إلى كل ذلك ،ما ي ازل الحزب مستم ارً في نضالو عمى أكثر من ساحة قطرية في الوطن العربي
وخارجو .وقد عجزت عن النيل منو أعتى قوى العدوان ،كما لم تنل من انتشار فكره .وانو عمى الرغم من
كل مشاريع اجتثاثو ،من أكثر من قوة داخمية كانت أم خارجية ،إلى الدرجة التي أعمنت فيو أكثر من قوة
معادية أن أىداف البعث تحَّولت إلى أىداف خشبية وليس ليا حظ بإعادة الحياة إلييا ،إلَاّ أن البعث ما
ي ازل مقاوماً وواقفاً في مواجية كل تمك القوى مجتمعة .
وتؤكد المؤش ارت العممية وتجارب العقود السبعة الماضية بأن عقيدة البعث القومية الاشت اركية أثبتت
مصداقيتيا في التعبير عن أىداف الأمة العربية ،بعد أن بدأت العقائد الأخرى تتيافت تباعاً .فسقوط
الشيوعية الستالينية ،وانكشاف ال أرسمالية بصفتيا النظام الأكثر وحشية في تاريخ الإنسان ،وسقوط
الحركات الإسلاموية ،جعل من فكر البعث القومي فك ارً يرتقي إلى مصاف النماذج العالمية في بناء الدولة
القومية الحديثة .وتجربتو الاشت اركية بأبعادىا القومية في الع ارق ،وآفاقيا الإنسانية ىي اشت اركية تعبر
تعبي ارً صادقاً عن نماذج تحقيق العدالة الاجتماعية وا ازلة مظاىر استغلال الإنسان للنسان .إن أفكار
البعث النظرية وتطبيقاتو العممية ،تؤكد بأن البعث لم يعد فقط حزباً ارئداً للامة العربية ،بل يمكن لكل
شعب آخر الاستفادة من تجربتو القومية الاشت اركية .إن أي تحميل لظاىرة الشيوعية الاوروبية (
يوروكوميونسم ) التي تو َّصمت إلييا الاح ازب الشيوعية في كل من فرنسا وايطاليا في الثمانينيات من
القرن الماضي ،وانتقاليما من مرحمة التعصب الماركسي المينيني الى مرحمة تبني أنموذج للاشت اركية
قريب من أنموذج البعث يشير الى الحقيقة اعلاه .كما أن تخمي أعداد كبيرة من الشيوعيين الأوروبيين
والعرب عن الموقف الالحادي ،بفصل المادية الديالكتيكية عن المادية التاريخية ،يشكل تطو ارً يشبو إلى
حد كبير ما دعت اليو عقيدة البعث منذ البداية.
9
أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
وأخي ارً ،ومن كل مظاىر الصمود ىذه ،نخمص إلى النتيجة الأولى من نتائج د ارستنا ،والتي تقول« :إن
البعث ش َّكل طوال عش ارت السنين ،وىو لا ي ازل يشكل ضرورة تاريخية للأمة العربية» .ومن أجل إثبات
ىذه الحقيقة نسوق البرىين والإدلة التالية:
أولاً :حزب البعث ضرورة تاريخية للأمة العربية
ليس صمود الحزب ،مت ارفقاً مع صمود الفكر القومي واستم ارره ،إلَاّ تعبي ارً عن علاقة العمة بالمعمول ،ذلك
لأن الفكر القومي العربي المو دحد والجامع ،كما القومية العربية ،كان من المحتمل أن يُصابا بالانييار أمام
قوة اليجمة وش ارستيا ،لولا أن قُديضت ليما ارفعة حممتيما ،وحالت دون سقوطيما ،تمتمك مواصفات
وعوامل دفاعية ليا القدرة عمى حمايتيما نظرياً بالتمسك بنشر الفكر ،وعممياً بالتضحية والتصدي
والصمود .فكانت تمك ال ارفعة ممَثّمَة بحزب البعث العربي الاشت اركي.
إذن ،ليست ىناك عمة تشكل عاملاً لصمود المعمول ليا فعل السحر ،بل ىي تستمد قدرتيا من خلال
امتلاكيا مواصفات موضوعية ممموسة تكسبيا تمك القدرة .ولقد أثبتت التجربة التاريخية أن صمود حزب
البعث وصمود الفكر القومي العروبي الجامع ،أصبح يشكل ثنائية واقعية ،فيي ثنائية عممية وليست
ثنائية سحرية؛ فيي ثنائية قائمة عمى أن المحسوس العممي ىو الذي يفسر استم ارر المعقول النظري؛
ولأن حزب البعث العربي الاشت اركي ىو المحسوس العممي ،والفكر القومي ىو المعقول النظري ،فان ذلك
يعني أن استم ارر البعث في الحركة يفسر لنا أنو سبب لاستم ارر الفكر القومي العربي في الوجود.
ولأنو لا محسوس في عصر العمم يمتمك قوة سحرية ،بل يمتمك م ازيا وشروطاً موضوعية؛ لذا فان حزب
البعث ،بما قام بتحقيقو ،يمتمك تمك الشروط .فما ىي تمك الشروط التي يتصف بيا ىذا الحزب؟
10
أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
لقد أثبت البعث عبر مسار نضالو السابق أنو كان السد الذي حال دون تغريب الثقافة العربية ،ولأن
التغريب الثقافي ،أي تبني الثقافة الغربية والانصياع ليا من دون نقد وغربمة ،ىو الجزء المتمم لاتفاقية
سايكس – بيكو ،والمشاريع الأممية .إذ لا يمكن لتمك المشاريع السياسية المعادية أن تتحقق في
المجتمع العربي من دون تغيير في بنيتو الثقافية ،أي نقميا من الثقافة الوحدوية إلى ثقافة التفتيت
والتمزق ،وذلك انطلاقاً من حقيقة أساسية تستند إلى أنو لا يمكن ولوج بوابة تغيير واقع إلى واقع آخر
من دون تغيير في بنيتو الثقافية .ولأن اتفاقية سايكس بيكو ،كما المشاريع السياسية الأممية ،ىي تعبير
عن ثقافة تقسيمية أولًا ،وثقافة تتجاوز حدود القوميات ثانياً ،وىاتان الثقافتان لا يمكن انتشارىما إلَاّ
بالقضاء عمى الثقافة القومية الوحدوية .ولأن حزب البعث تمسك بنشر الثقافة العروبية المو ِحدة ،ومنع
نفاذ ثقافة التغريب ،لذا فقد ش َّكل حاج ازً منيعاً صَّد تغمغل تمك الثقافة .ولقاء ىذه الحقيقة يمكن تفسير
العداء الشديد الذي يكنو الثلاثي المذكور لحزب البعث؛ ىذا الثلاثي الذي يعمم أنو لا يمكنو أن يمرر
مشاريعو من دون اجتثاث البعث فك ارً وتنظيماً.
ثانياً :حزب البعث ضرورة قومية فكرية وتنظيمية
كل ىذا يجعمنا نستنتج أن سر ديمومة البعث واستم ارره يتعمق بعاممْين أساسيين ىما :أنو يشكل ضرورة
فكرية؛ وضرورة تنظيمية ونضالية.
وبالعودة إلى مقدمات د ارستنا التي أشرنا فييا إلى أن عممية التغيير تحتاج إلى مرحمتين ،الاولى تتمثل
في تشخيص المشكمة ،والثانية في تحديد وسائل ومقاييس علاجيا .فيي إذن وعي نظري وعلاج
عممي .ولما كان الحزب ىو أعمى درجات وسائل التغيير الجماعي ،لذا فقد تكاممت عناصر عممية التغيير
11
أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
في حزب البعث العربي الاشت اركي ،عمى مستوى وعي مشاكل الأمة العربية نظرياً ،وعمى مستوى الانخ ارط
في ورشة عمل تطبيقية عظمى لمعالجتيا .
لكل ىذا نعتبر أن البعث يشكل ضرورة فكرية وتنظيمية .واننا قبل البدء في إلقاء نظ ارت أولية عمى ىذين
العنوانين ،لا بَّد من الإشارة رداً عمى من قد يو دجو تيمة تضخيم البعث لذاتو فنقول :إذا كنا نتكمم بمسان
بعثي فميس إلَاّ لأننا نقوم بعرض موضوعي لشروط التغيير عمى المستوى القومي العربي .تمك الشروط
التي إن امتمكيا أي حزب آخر أو أية حركة أخرى ،وان كانت بأسماء أخرى ،فيذا لن يضير البعث شيئاً
أو ينتقص من دوره التاريخي .واذا ما أ اردت قوى أخرى أن تدخل لمعمل إلى الساحة القومية عمى أرضية
الثوابت التي برىنت تجربة البعث التاريخية أنيا صحيحة فيو ُمرَّح ٌب بو أكبر ترحيب لأنو يضيف إلى
إمكانيات البعث إمكانيات أخرى تعمل عمى تسريع حركة التغيير فتق دصر المسافات وتختصر الزمن.
ولأىمية العمل الجبيوي عمى المستوى القومي ،فقد دعا الحزب في كل م ارحمو النضالية ،وفي الأقطار
العربية كافة ،جميع القوى والشخصيات والأح ازب التي تؤمن بالقومية العربية وبأىدافيا بالتحرر من
الاستعمار والصييونية ،كما بأىدافيا بالوحدة السياسية ،والتنمية الاقتصادية ،وغيرىا من الأىداف
الوحدوية ،إلى الانخ ارط في جبيات واحدة .ويزخر التاريخ بالامثمة والشواىد الكثيرة التي نورد منيا مثالين
ىما عمى صعيد القضية الفمسطينية والمقاومة الوطنية لتحرير الع ارق .
فقد استطاع الحزب عمى مستوى القضية الفمسطينية مثلاً أن يؤسس وأن ينخرط في الكثير من الجبيات .
وقد رعى جبية الأح ازب والقوى الوطنية المبنانية ،بالتحالف مع جميع الفصائل الفمسطينية ،في
السبعينيات من القرن الماضي ،من أجل الدفاع عن الثورة الفمسطينية في لبنان .وبعد الاحتلال
الصييوني لمبنان في العام ،1412وبعد الإعلان عن انطلاقة (جبية المقاومة الوطنية المبنانية) لمقيام
12
أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
بالقتال ضد الاحتلال الصييوني ،فقد أعمن الحزب في لبنان مشروع ميثاق لمعمل الجبيوي لتوحيد فصائل
جبية المقاومة الوطنية المبنانية .ولكن لم يمق المشروع اىتماماً من قبل الفصائل الأخرى بسبب طغيان
العمل الفئوي أولاً ،وبسبب ح ارجة وضع الحزب الأمني لأسباب محمية لبنانية ،ولأسباب إقميمية وعربية،
حيث كان الحزب يتعَّرض لمملاحقة من قبل أكثر من طرف لبناني وعربي واقميمي.
وكذلك عمى مستوى العمل المقاوم لتحرير الع ارق من الاحتلال الأميركي ،ومن بعده تحريره من الاحتلال
الإي ارني ،حيث تعاون البعث مع كل أط ارف المقاومة الوطنية الأخرى من أجل تحرير الع ارق من
الاحتلالين.
ومما تجدر الإشارة إليو الحقائق التالية:
-1في مواجية الاحتلال الأميركي ،اوصى الشييد صدام حسين بعدم تحويل المقاومة الى مقاومة
بعثية فقال (لا تب ّعثوا المقاومة) .وكذلك أعمن الرفيق عزة اب ارىيم ،الأمين العام لمحزب م ار ارً وفي أكثر من
مناسبة ،عبر بياناتو أو عب ارلرسائل الصوتية عن إيمانو بضرورة تقديم المصمحة الوطنية عمى المصمحة
الحزبية وذلك لتوفير الظروف الملائمة لتشكيل الجبية الوطنية الشاممة المناىضة للاحتلال .وعن ذلك
أُعمن عن تشكيل (الجبية الوطنية والقومية والإسلامية) التي ض َّمت إلى صفوفيا كل الفصائل التي تقاتل
الاحتلال الأميركي.
-2كما دعا الحزب إلى قيام الجبية الوطنية لإسقاط (العممية السياسية) التي أسسيا الاحتلال الأميركي،
ورعاىا من بعده الاحتلال الإي ارني ،عمى أن تكون الجبية نواة لحكم وطني بعد التحرير .وعن ذلك ،فقد
حرص الحزب عمى التعاون مع كل القوى الإسلامية التي تؤمن بتحرير الع ارق من الاحتلال ،والتي تؤمن
بأن الدولة المدنية ىي الحل الأمثل لبناء الدولة الوطنية.
13
أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
وعمى خطى الإيمان بأىمية العمل الجبيوي ،فقد انضَّم الحزب في السودان ،عبر مختمف الم ارحل ،إلى كل
التشكيلات السياسية الجبيوية التي تؤمن بأىمية النضال المو َّحد .وكذا الحال بالنسبة الى ساحات و
مواقف نضالية عربية اخرى .
مدخل لتكوين الاست ارتيجية الفكرية:
بعد انييار الإمب ارطورية العثمانية تفككت الأج ازء الجغ ارفية-السياسية التي كانت تابعة ليا ،وشكل كل
كيان دولتو الخاصة ،وحصل كل منيا عمى اعت ارف دولي بحدوده الجغ ارفية .بينما الجزء العربي الذي كان
تابعاً للمب ارطورية العثمانية لم يتم الاعت ارف بو كدولة واحدة ليا الحق بالوحدة كمثيلاتيا من الشعوب
الأخرى .فكان ىذا الحق ماثلًا عند قدامى المفكرين القوميين العرب ،فأعمنوا شعار الوحدة العربية.
لقد اكتشف البعض من قدامى الرواد القوميين العرب أن ىناك إص ار ارً من قبل أكثر من قوة عمى إبقاء
الجزء العربي مفككاً وممنوعاً من توحيد أج ازئو .فطُرح السؤال التالي :إذا لم يكن من المتاح أن يحصل
العرب عمى حقيم بالوحدة ،فمن الضرورة أن ينظم العرب صفوفيم لمضغط في سبيل تحقيق ىذه الوحدة.
ومن أجل ىذا اليدف تفَّرد القادة المؤسسون لمحزب وىم الرواد القوميين الأوائل ،بالتفتيش عن الحل عبر
تأسيس حزب قومي ،خاصة أن التنظيم الحزبي ىو من أىم مظاىر العصر الحديث وادواتو ،فيو الأقدر
عمى قيادة عممية التغيير وتنظيميا ووضع الخطط الاست ارتيجية ليا.
وىكذا تم تأسيس حزب البعث في العام ،1441وكان التأسيس مولوداً لفكرة عاشت في فكر القادة
المؤسسين وعمى أرسيم احمد ميشيل عفمق قبل خمسة عشر عاماً سبقت التأسيس؛ وفي تمك السنوات
تج َّمع حولو عدد من المؤمنين بيا؛ ولما نضجت عندىم الفكرة تماماً ،اتبعوىا بصياغة نظرية شممت
14
أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
الأسس الفكرية التي اطمق عمييا «دستور الحزب» ،كما تمت صياغة الأسس التنظيمية التي جمعت في
«النظام الداخمي».
أولاً :البعث ضرورة فكرية
اليوية العربية تمنع العرب من الضياع:
لن يكتب لقضية ما ُسبل الحياة إلَاّ إذا كانت مبَّررة فكرياً ،فالوضوح الفكري يشكل البوصمة التي تصحح
اتجاىات ربان سفينة قضية ما ،إذا واجيت تمك السفينة رياحاً عاتية تغديب عن أعين قبطانيا الرؤية
الصحيحة.
والمسألة القومية العربية ىي قضية حياة لمعرب إذا ظمت حية ،أو قضية موت ليم إذا ماتت .وليذا رَّكز
البعث عمى تحديد قضيتو الأولى وحافظ عمييا عبر نظرية قومية ،واعتبرىا البوصمة الأساسية لمعرب.
فالمسألة القومية لمعرب ،كما آمن بيا البعث ،ىي ىوية ليم؛ وتأسيساً عمييا تم إعلان ىدف الوحدة
العربية كحق يتساوون فيو مع الأمم الأخرى.
لذا كان إعلان البعث عن اليوية القومية العربية ،وحدد أركانيا ،لأن العرب كانوا يتعرضون ،وما ي ازلوا،
إلى أكثر وسائل تغريب ىويتيم وذلك بالجنوح بيا نحو القطرية تارة ،ونحو الأممية تارة اخرى .فالقطرية
والأممية كانتا احياناً ممياة لبعض التيا ارت من أجل تجييل ىوية العرب العربية ،في الوقت الذي كانتا
فيو مؤامرة إلغاء ىذه اليوية عند التحالف الاستعماري – الصييوني.
15
أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
ولقد كسب البعث جولتو ضد تغريب اليوية أو تجييميا ،عندما أعمن شعاره أن العرب ىم «أمة عربية
واحدة» .واستناداً إليو فإن المحافظة عمى ىوية شعب ىي كسب لنصف المعركة وخسارتيا خسارة لممعركة
كميا .فالمحافظة عمى اليوية ضرورة فكرية أساسية؛ لا تحتمل أنصاف حمول.
وىكذا صَّدت نظرية البعث الفكرية رياح الاستعمار التآمرية ،ورياح الأمميين الإيديولوجية .وفي وضعو
للأسس الفكرية الوحدوية ،وضع حداً لحركات التغريب القومي ومنعيا من تغيير مسا ارت القومية العربية.
فبيذا المعنى يُعتبر البعث ضرورة فكرية .ولأن الفكر يشكل حصانة لمحركات الثورية ،يُعتبر فكر البعث،
بمضامينو الوحدوية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتحررية ،ضامناً لمستقبل الوطن العربي في
مواجية كل القوى الحالمة بالاستيلاء عمى ثرواتو ،ومصادرة حقو في بناء دولة عربية واحدة عمى أسس
مبادئ حق الشعوب بتقرير مصيرىا.
وتبدو الحاجة إلى ىذا الفكر ضرورية ،خاصة في ىذه المرحمة التي تكالبت فيو أطماع الصييونية
وال أرسمالية الدولية ،وكذلك أطماع دول الإقميم الجغ ارفي .تمك القوى التي اخترقت جد ارن الأمن القومي
العربي ،وىيمنت فيو عمى ق ارر النظام الرسمي العربي ،وارتينت لإ اردتيا مواقف معظم القوى والحركات
اليسارية .والتي بنتيجة ارتيانيا أصبحت معظم الساحات العربية عرضة لمتكالب الاستعماري والإقميمي
غير المسبوق .إذ ارحت تمك القوى تعيث بالوطن العربي تفتيتاً جغرافياً وتطيي ارً عرقياً ودينياً ومذىبياً،
واستخدمت من أجل تحقيق أىدافيا وسائل التجويع والتيجير والاقتلاع من الأرض .ونتيجة ىذا التفكك
تجَّأرت الحركة الصييونية واَتّسعت أحلاميا بعد الوصول إلى النيل باتفاقية كامب ديفيد ،من أجل التمدد
إلى الف ارت ،بعد احتلال الع ارق .وكما اَتّسعت أحلام النظام الإي ارني في السيطرة عمى الوطن العربي ،وبسط
نفوذه عمى أكثر من عاصمة عربية ،مستخدمة في ذلك عوامل التحريض المذىبي .وما كانت حركات
الإسلام السياسي تطل ب أرسيا بزخم وقوة لافتتين لو كان العرب حريصين عمى مصالحيم القومية عمى
16
أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
مقاييس المبادئ التي أعمنيا البعث منذ تأسيسو ،وعمى أرس تمك الأىداف ،يقف ىدف الوحدة العربية،
التي بالعمل من أجميا كان لمعرب فرصة ثمينة في توحيد جيودىم لمواجية الأخطار التي أحاطت بالوطن
العربي ،وازدادت خطورتيا في مرحمة تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد.
المضمون السياسي الاجتماعي مفيوم حقوقي عمى طريق إلغاء الفروقات:
لم يقف البعث في معركة ضد اجتثاث اليوية القومية فحسب ،وانما عمل أيضاً عمى صياغة معادلة
حقوقية في داخل المجتمع العربي ،عندما جمع النضال من أجل حماية اليوية القومية ،مع النضال من
أجل بناء مجتمع عربي تسوده العدالة الاجتماعية والسياسية ،فكانت الدعوة إلى الحرية والاشت اركية من
أجمى مظاىرىا.
ثانياً :البعث ضرورة تنظيمية ونضالية
لأن عممية التغيير ثنائية متكاممة ،حَّداىا التشخيص والتنفيذ ،أي عممية التكامل بين الرؤية الفكرية
والوسيمة العممية ،تمَّيز البعث في أنو عمل عمى الوحدة المتكاممة بين النظر الفكري والتنفيذ العممي،
فجمع بين وحدة الفكر والعمل .وبعد أن أنضج رؤيتو الفكرية مكملاً تجربة الذين سبقوه ،أسس الحزب
السياسي الذي يعتبر الوسيمة الأساسية في ترجمة الفكر إلى واقع ممموس.
واذا كان الفكر حاجة نظرية ،فإن الحزب ىو المعول الذي ييدم القديم وال ارفعة التي تبني الجديد .ليذا
شارك الحزب الرواد الأوائل في إنتاجيم الفكري ،وتجاوزىم بأنو شكل ال ارفعة التي ارحت تعمل عمى تنفيذ ما
أنتجتو عقوليم.
17
أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
وان انطمق الحزب من ساحة قطرية عربية ،وىي سورية ،فإن أىدافو كانت قومية عربية .إذ انطمق
تنظيمياً من سورية ليتمدد وينتشر إلى الأقطار الأخرى .وكان ىذا الانتشار نتيجة تخطيط مسبق .فكان
نظامو الداخمي مؤسساً عمى قاعدة قومية شاممة.
من أىم ما يمتاز بو النظام الداخمي لمحزب ىو أنو ابتدأ من تنظيم أصغر خمية في ضيعة صغيرة ،أو
شارع في مدينة ،ليتدرج متسمسلاً إلى أعمى ىرم في القطر الواحد .واعتبر أن كل الحمقات في اليرم
القطري تنضوي تحت قيادة القطر الواحد .وتصاعدياً لموصول إلى السقف القومي العربي ،اعتبر النظام
الداخمي أن قيادات الأقطار ىي حمقات استناد لميرم القومي تقودىم قيادة قومية غالباً ما تتمثل بيا معظم
الأقطار العربية.
ُيعتَبر التنظيم البعثي خمية عضوية واحدة من أدنى حمقاتو حتى أعلاىا .ولمتنظيم القومي فاعمية كبيرة من
حيث اىتمامو بشؤون كل أقطار الوطن العربي عمى قدم المساواة ،وىو إن أفسح لكل قيادة قطرية المجال
بالاىتمام بخصوصيات أقطارىا ،لكن عمى أن لا تتناقض مواقفيا مع السياسة القومية الموحدة .وبمثل
ىذا الت ارتب التنظيمي والعلاقة العضوية تجد أية قضية قطرية صداىا في داخل التنظيم الحزبي البعثي
عمى الصعيد القومي.
نظرياً لم يواجو التنظيم القومي صعوبات وعقبات .وعممياً برىنت التجربة عمى أن البعثيين تواصموا فعلاً
عمى صعيد النضال القومي ،وعرفوا سرعة استجابة كل المنظمات في الأقطار مع كل القضايا العربية
الساخنة ،إن كان من حيث الخطاب السياسي ،أو التظاى ارت المؤيدة ،أو المشاركة العسكرية في معارك
التحرر من الاحتلال.
18
أمة عربية واحدة وحـــدة
ذات رسالة خالدة حـريـة اشـتراكـيـة
فالبعث في مثل ىذه الحالة يشكل ضرورة تنظيمية ونضالية إذ جمع بين مسألتين :وحدة التنظيم القومي،
ووحدة المضامين الفكرية الوحدوية.
وليذا ومن أجل ترجمة أىدافو القومية ،وأىميا الدعوة إلى الوحدة العربية ،كان من الحري بحزب البعث
الذي يدعو إلى قيام تمك الوحدة ،أن يترجميا في عمميتو التنظيمية .وليذا لحظ النظام الداخمي لمحزب بأن
تكون القيادة القومية ،التي ينتخبيا مؤتمر قومي تتمثل فيو كل تنظيمات الأقطار ،ال أرس التنظيمي الذي
يقود الحزب عمى أن تكون ق ار ارتيا ممزمة لكل تمك التنظيمات .وبالإضافة إلى ميماتيا التنظيمية فيي
تشكل الحارس عمى وحدة الحزب الفكرية ،وعمى وحدة ق ار ارتيا السياسية ،وىي بنفس الوقت صورة مصغرة
لموحدة العربية وممارسة تدريبية ليا .
19