الدكتور فالح حسن شمخي
سلسلة دراسات
1
المحتويات
1ـ المقدمة
2ـ الفصل الأول
أ ـ لماذا حزب البعث العربي الاشتراكي
ب ـ مقررات المؤتمر التأسيسي الأول
ج ـ المؤتمرات القومية
3ـ الفصل الثاني
أ ـ انتشار الحزب في الوطن العربي
ب ـ تاريخ الحزب في الأردن
ج ـ تاريخ الحزب في العراق
ح ـ تاريخ الحزب في لبنان
د ـ تاريخ الحزب في اليمن
ذ ـ تاريخ الحزب في الجزيرة العربية
ر ـ تاريخ الحزب في المغرب العربي
ز ـ تاريخ الحزب في السودان
4ـ الخاتمة
5ـ المصادر
2
المقدمة
بعد مرور أربعة عشر عاما على الاحتلال الأمريكي لأرض العراق وما حل بأمتنا
العربية من ويلات وما تعرض له حزبنا من اجتثاث أمريكي صهيوني فارسي نجد
إن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حمل البندقية المقاومة منذ اليوم الأول
لاحتلال بغداد بحاجة إلى العمل على إعداد منهاج ثقافي مركزي الكتروني يهدف
إلى إسناد البندقية المقاتلة من جانب ومن جانب أخر منع الشطط الفكري أو عدم
قدرة البعض من رفاقنا البعثيين على الدفاع عن الفكر بالشكل المطلوب لاسيما في
هذه الأيام والبعث يتعرض إلى حملة تشويه من قبل الدوائر الاستعمارية وأبواقها
التي تنعق من الأرض العربية وارض العراق ،فبعد أن عجز المحتل الأمريكي عن
اجتثاث البعث معتمدا على قوانين جائرة وبعد أن عجز عن إسكات البندقية
والأصوات والأقلام البعثية المقاومة عبر كل الوسائل ،لجاء إلى العمل على تشويه
مسيرة البعث النضالية منذ التأسيس وحتى يومنا هذا ،والمسيرة هنا مسيرة البعث
الفكرية التي مرت بتطورات ومتغيرات عبر المؤتمرات القومية والقطرية للحزب
ومن أهمها المؤتمر القومي الأول و السادس والمؤتمر القطري الثامن للحزب،
ومسيرة البعث وهو يقود الحكم في القطر العراق لمرتين وفي القطر السوري قبل
عملية الانقلاب على القيادة القومية التي تمثل الشرعية البعثية ،من خلال رمزها
التاريخي المرحوم احمد ميشيل عفلق ،و رأينا كيف حاول المحتل وأعوانه تشويه
مسيرة البعث خلال السنوات العجاف .
لم يفلح المحتل بتشويه مسيرة البعث بسبب صلابة وشجاعة المقاومة البعثية
تحت قيادة الأمين العام للحزب الرفيق عزة إبراهيم الدوري التي قاومت وستقاوم
المشروع الأمريكي الصهيوني الفارسي في العراق وفي الوطن العربي الكبير ،فقد
واجه البعث الاحتلال بكل ما يملك من تكنولوجيا متطورة بمقاومة عنيفة منظمة
استخدمت أسلحة بدائية الصنع ابتكرها العقل العراقي المجرب ،و نتيجة لتطور هذه
المقاومة جاء الإعلان عن انبثاق القيادة العليا للجهاد والتحرير التي تمثل أكثر من
22فصيل مقاومة ،وفي الوقت نفسه فشل المحتل وأعوانه في تشويه صورة القيادة
البعثية ومسيرتها النضالية وذلك من خلال الموقف البطولي ،الأسطوري الذي
شاهده أبناء العراق والأمة العربية المجيدة و العالم عبر الإعلام المرئي لقيادة البعث
وعلى رأسها الشهيد القائد صدام حسين ورفاقه الشهداء اليوم التاريخي الذي أكد
شجاعة وإقدام البعث وقادة مسيرة البعث خلال 35سنة الذين حكموا العراق
برجولة وشجاعة قل مثيلها في وطننا العربي ،إن استشهادهم قد منح البعث و
أعضاءه في العراق والوطن العربي فخرا ومجدا وكبرياء ،أما موقف الرفاق
الأسرى قادة المسيرة من عسكريين ومدنيين في المحكمة المعدة لاغتيالهم ،فهو دليل
3
على سلامة المسيرة وعلى إن المحتل الأمريكي اعجز من أن يشوه هذه المسيرة.
هذا من جانب أما من الجانب الأخر فان شعب العراق اليوم يبكي ندما على مسيرة
البعث في الحكم التي لم تستمر بسبب الاحتلال وأعوانه ،فمع شحه الكهرباء والماء
والغذاء بسبب سرقة الاحتلال وحكوماته المتعاقبة العراق نجد إن الأمان قد فقد وهو
ابسط متطلبات العيش الإنساني وان السيادة قد أزالها الأنجاس من قاموس عراق
المنطقة الخضراء وان ظاهرة الاعتقال والقتل على الهوية والاغتصاب أصبحت من
بديهيات العصر الأمريكي والفارسي الجديد في العراق.
إن وسائل الاتصال الحديثة ومنها البرامج التلفزيونية الكثيرة التي تبث عبر مئات
القنوات تتعرض لمسيرة البعث وقيادته في محاولة لشق صفوف الحزب معتمدين
على أطروحات مشوهه فكريا ،لذا يتوجب علينا العودة إلى دراسة الفكر البعثي
بتبصر لكي نفوت الفرصة على أعداء العراق والأمة العربية المجيدة والبعث ،
فالثقافة سلاح لا يقل أهمية عن سلاح المقاومة ،وسفر البعث الثقافي حافل
بالمنجزات الفكرية القيمة لقادته ،فبالإضافة إلى المؤتمرات القومية والقطرية
للحزب ،والسلسلة الزرقاء و الحمراء هناك سلسلة نضال البعث 12جزء وهنالك
كتابات خالدة للمؤسس ومن أهمها في سبيل البعث والبعث والتراث
إن دراسة أي فكر بحاجة إلى خطة ومنهج وتدرج ومن غير ذلك فان الدراسة
تكون مشوشة ولا تؤدي الهدف المراد منها ،لذا فان المنهاج الثقافي المركزي
مطلوب بإلحاح ،بالرغم من الظرف الذاتي والموضوعي الذي يعيشه الحزب والذي
يتطلب التعامل مع البندقية والفعل النضالي أولا ،كلنا يعرف إن للبعث وخلال
سنوات حكمه للعراق منهاج ثقافي للمؤيدين والأنصار والأعضاء وهناك جريدة
الحزب الداخلية ،وكان ذلك المنهاج معبرا عن المرحلة التي كان يعيشها الحزب
وبما اصطلح على تسميته بالنضال الايجابي ،أما اليوم والحزب يعيش النضال
السري فالمنهاج الثقافي المركزي الذي نتطلع إليه لابد له من أن يعبر عن المرحلة
الحالية مع الأخذ بنظر الاعتبار الظروف الذاتية الموضوعية التي تحيط بالحزب
جراء الاحتلال ،لكن المنهاج الثقافي ضرورة ملحة لابد منها لاسيما وان هناك
الكثير من الشباب المؤمن بعروبته وحقه في الحرية والكرامة قد انضم إلى صفوف
الحزب خلال فترة الاحتلال في العراق وخارج العراق وهذا الجمع المؤمن يتطلع
إلى أن يقدم له رفاقه زاد ثقافي يستخدمه كسلاح مضاف إلى البندقية.
تأتي دراستي التاريخية هذا انسجاما مع ما ذكرته أعلاه وتأتي هذه كما نعتقد
والواقع العربي يمر بصراع وجودي مع قوى الشر مجتمعة من جانب والجماهير
العربية التي يمثلها حزب البعث العربي الاشتراكي من جانب أخرى ،والصراع
هذا يستهدف كل مقدرات الأمة التي تساهم في نهوضها الحضاري ومن هذه
المقدرات التاريخ والثقافة التاريخية ،لذا وجدنا إن الواجب يحتم علينا أن نتناول
4
تاريخ الحزب بأسلوب مبسط لكي ينهل منه رفاقنا الشباب والذين التحقوا في لركب
المسيرة النضالية للحزب بعد احتلال العراق عام 2003م ولأننا ندرك جيدا ما
تعرض له السفر الخالد للحزب من كتب وكراريس ونشرات جراء هذا الاحتلال ،
وان صعوبة الوصول إلى ثقافة حزبية مطلوبة تدعونا إلى اللجوء إلى كتابه الكتب
الالكترونية لسهولة تداولها بين رفاقنا في الحزب والهدف في النهاية هو الحفاظ
على تاريخنا الثقافي .
أتمنى أن أكون قد وفقت في ذلك واعتذر عن السهو وعدم المرور ببعض الأقطار
العربية أو التي لم أعطيها حقها في الدراسة كما ينبغي وعذري في ذلك هو قلة
المصادر جراء الظروف الذاتية والموضوعية التي نمر بها.
5
لماذا حزب البعث العربي الاشتراكي ؟
من يريد الاطلاع على التاريخ قديمه والحديث يجد أن الوطن العربي وعبر تاريخيه
كان ولازال مسرحا للكثير من الحركات التيارات والأحزاب السياسية باختلاف
منطلقاتها النظرية ومنشأ أفكارها ومبررات نشؤها ،ويلاحظ أيضا أن هذه الحركات
والأحزاب بدل من أن تتوسع بين صفوف الجماهير من خلال طرح أفكارها والعمل
على الكسب الجماهيري ،انحسرت دائرة نشاطها بل والأكثر من ذلك فان البعض
منها قد تلاشى واضمحل وتحول إلى شيء من التاريخ ،والبعض الأخر منها قد
تنازل وساوم على منطلقاته الفكرية .
والسؤال هو ،لماذا فشلت هذه الحركات والأحزاب الأممية منها والقومية
أللاشتراكية والاشتراكية اللاقومية والأحزاب الاسلاموية؟
الجواب باختصار شديد هو إن تلك الأحزاب والحركات لم تلد حقيقة من رحم
الأمة العربية المجيدة وأنها دخيلة على الواقع العربي وهي بالتالي لم تكن تحمل
مبررات لوجودها ،بالإضافة إلى أنها كانت تعبير عن رد فعل لموقف معين أو
لأنها أحزاب وحركات سطحية تعالج مصلحة فئة معينة من المجتمع ومرتبطة بشكل
وأخر بالدوائر المعادية للأمة.
جاءت الولادة الحقيقية التاريخية لحزب يحمل سر قوته المتمثلة بواقعية الأفكار ،
وبالدراسة العلمية الجدلية للواقع العربي بكل ما يحمله من متناقضات ،مكتشفا بذلك
القوانين المحركة لهذا الواقع ،ومقدما قوانين بديلة يهدف من خلالها إلى النهوض
الحضاري الذي تستحقه امة العرب الحية ،لم يكن حزبا مصطنعا أو سطحيا أو
معبرا عن موقف سياسي عابر ووقتي ،انه حزب البعث العربي الاشتراكي ،نبع
من الأرض العربية ،حمل أفكار وتطلعات الأمة.
اعتبر تجزئة الأمة العربية حالة طارئة فرضها الاستعمار للسيطرة على مقدرات
الأمة كي يحول بينها وبين دورها ومكانتها بين الأمم وفي العطاء الإنساني ،لذا
كان هدف الوحدة العربية هو الهدف الأول للحزب ولان هذا الهدف هو البديل لواقع
التجزئة وقد أعطى الحزب للوحدة مضمونها العلمي والثوري والاشتراكي ،وجاء
هدف الحرية كحالة من حالات الانطلاق لا إرادة وقدرة الإنسان العربي للتعبير عن
نفسه ،وهدف الاشتراكية والتي تعني حق الجماهير العربية في ثرواتها وحياتها
وكما يقول القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق رحمة الله عليه ( لو سئلت عن أسباب
ميلي للاشتراكية لأجبت إن ما اطمع به منها ليس زيادة في ثروة المعامل بل زيادة
في ثروة الحياة ) .
6
بهذه الأهداف وهذا الأسلوب العلمي لبلوغها وبواقعيتها وحاجة الجماهير العربية
إليها استطاع حزب البعث العربي الاشتراكي إن يصبح حركة تاريخية ثورية شعبية
أخلاقية معبرة عن الأمة وجماهيرها التي سحقها الجهل والمرض والفقر ،والتي
هي صاحبة المصلحة الحقيقية في التغير الحقيقي للقوانين القديمة المحركة للواقع
البالي.
ويقول الرفيق المؤسس المرحوم احمد ميشيل عفلق في 16أيلول عام 1945إجابة
على سؤال لجريدة النضال:
السؤال ـ ما لذي دفعكم لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي؟
الجواب ـ (الدافع هو شعورنا بالضرورة التاريخية ،فالمجتمع العربي يقف اليوم
على مفترق طرق .وهو أما أن يستمر في الطريق الذي يسيره فيه قادة السياسة
الحاضرة ،الذين يرضون بالواقع الفاسد فيستنكرون على البلاد هذا التقدم الضئيل
وهذه النتائج الطفيفة التي انتهت إليها سياستهم في أربعين سنه ،ويحكمون هكذا على
الأمة بان تبقى متأخرة مهملة الوزن في العالم ،وأما أن يوقف العرب هذا التدهور
بنتيجة تحول عنيف ،واستجماع للإرادة ،ووعي الإمكانيات الحقيقية الكافية ،فيسيروا
في طريق جديد صاعد ،يستمد قيمه وأحكامه وغايته من خصال العربي الأصيل،
ومبادئ الرسالة العربية المتعالية على الواقع ونسبية أحكامه .هذا الطريق الجديد
يقتضي ظهور قيادة جديدة تمثل جوهر الشعب لا ظاهره ،ومستقبله لا حاضره،
وبهذا المعنى يكون حزبنا حزب الجيل العربي الجديد ،الزاخر بالأمل والنشاط،
والمتطلع إلى مستقبل يليق بماضي أمته المجيد ،وبحاضر الأمم القوية الراقية،
والذي يريد أن تكون السياسة العربية رسالة لا حرفة(.
لقد ساهم الحزب مساهمة جادة ومنذ تأسيسه في التعبير عن منطلقاته الفكرية والتي
جسدها عمليا ومن خلال قاعدته الجماهيرية بالمواقف التي وقفها تاريخيا من
الإحداث التي تعرض لها العراق أيام الحكم الملكي وتطوع أعضاء الحزب في ما
أطلق عليه آنذاك (نصرت فلسطين) وشارك في العمل الفدائي عام 1948م وكان
القائد المؤسس في المقدمة ،وكان للحزب موقفه المعروف أيام تأميم قناة السويس
في مصر والعدوان الثلاثي عليها عام 1956م وللحزب مواقفه الشجاعة من كل
القضايا التي مرت بها ألأقطار العربية .
مرحلة ما قبل التأسيس وتسمية الحزب
(حزب البعث العربي الاشتراكي)
بعد عودة المرحوم احمد ميشيل عفلق والمرحوم صلاح البيطار من الدراسة في
باريس في الثلاثينيات عملوا كمدرسين في جامعة دمشق ومن هناك بدأت المرحلة
7
التبشيرية بمبادئ وأفكار وأهداف وشعار البعث والتي امتدت منذ 1935م حتى عام
1943م ثم بدأت تتداخل خطوطها مع مرحلة التبشير التنظيمي والتي تعتبر مرحلة
التأسيس والتي اتسعت ساحتها في أوساط الطلبة والمعلمين والمثقفين .
في بداية 1941م كان البعثيون قد أصدروا بياناً سياسياً باسم (حركة الإحياء
العربي) ،وقد شهدت سنة 1945م لقاء المرحوم أحمد ميشيل عفلق القائد المؤسس
والمرحوم صلاح الدين البيطار ومدحت البيطار لإخراج الحركة إلى حيز العمل
المنظم فصدرت عن الحزب في سنة 1946م نشرة أولى تحت عنوان (البعث ) مما
أكد أن الفعالية الفكرية والسياسية كانت مواكبة بعضها لبعض فشكلت مسيرة
متكاملة حتى السابع من نيسان عام 1947م وهو تاريخ أول مؤتمر تأسيسي عقده
حزب البعث العربي على طريق إنشاء وتكوين حركة سياسية شعبية عقائدية ثورية
تعبر عن منهج ثوري قومي بأداة تنظيمية قومية واحدة تعبر عن حاجات حركة
التحرير الحقيقية .ومن هذا المؤتمر انطلقت ملامح المسيرة التنظيمية وتحركت
طلائع البعث داخل مختلف الساحات وأنشأت منظمات الحزب في لبنان وفلسطين
والأردن والعراق واليمن وغيرها من أقطار الأمة .في سنة ،1953اندمج حزب
البعث مع الحزب العربي الاشتراكي الذي كان يرأسه أكرم الحوراني في حزب
واحد هو (حزب البعث العربي الاشتراكي) كحزب قومي علماني يسعى لخلق جيل
عربي جديد مؤمن بوحدة أمته وكان للقائد المؤسس احمد ميشيل عفلق الدور الأول
والأساسي في وضع الأسس الفكرية والمبادئ الأساسية لحزب البعث العربي
الاشتراكي وشعاره وثوابته المبدئية ونظرية القومية والاشتراكية ،ومجمل فلسفته
ونظرته للإنسانية .أما نشر أفكار الحزب والنواحي التطبيقية فهذا كان يتطلب هيئة
إدارية تحقق ذلك على صعيد الواقع ،فكان هناك العمل التنظيمي والاحتكاك على
صعيد واسع بمختلف فئات الشعب إضافة إلى عمل إداري لا بد منه أو تنظيم
التظاهرات والمناشير أو غيرها ،وهنا كان عمل رفاقه الأوائل ملازماً لعمله .وكان
مع المؤسس في الحلقة الأولى مجموعة من الأعضاء في مقدمتهم صلاح البيطار
وجلال السيد ومدحت البيطار (الذي لا تربطه علاقة قربى بصلاح البيطار) ،واهم
الذين شكلوا القيادة الأولى للحزب.
يعتبر القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق وضع الأسس الفكرية والمبادئ الأساسية
لحزب البعث وشعاره وثوابته المبدئية ونظرية القومية والاشتراكية ،ومجمل فلسفته
ونظرته للإنسانية .أما نشر أفكار الحزب والنواحي التطبيقية فهذا كان يتطلب هيئة
إدارية تحقق ذلك على صعيد الواقع ،فكان هناك العمل التنظيمي والاحتكاك على
صعيد واسع بمختلف فئات الشعب إضافة إلى عمل إداري لا بد منه أو تنظيم
التظاهرات والمناشير أو غيرها ،وهنا كان عمل رفاقه الأوائل ملازماً لعمله.
8
المؤتمر التأسيسي الأول للحزب 4ـ 6نيسان 1947م
توج حزب البعث نضاله القومي عبر انعقاد مؤتمراته القومية التي كان من أهمها
المؤتمر التأسيسي الأول الذي تضمن بيانه السياسي العام أهم المقررات .قامت
عقيدة البعث القومية على أسس ثلاث وهي إن الحزب عربيا ،انقلابيا ،شعبيا ،عربي
بمعنى انه لم يكتفي بإقرار الفكرة القومية بل جسدها في واقعه من خلال قيادة قومية
تمثل اعلي سلطة في الحزب وتمثل تنظيمات الحزب المنتشرة في كل الأقطار
العربية ،والحزب يتعامل مع مشكلات الأمة العربية ككل لا يتجزأ ،فهو لا يعالج
المشاكل القطرية إلا على ضوء مصلحة الأمة العربية الواحدة ،وقد ترجم الحزب
ذلك عبر مسيرته في القطر العراقي قبل الاحتلال الذي جاء ليسقط تجربة البعث
القومية لأنه وجد فيها التهديد الحقيقي لمصالحة في المنطقة العربية ،والدليل على
ذلك هوان القرار الأول الذي أصدره المحتل هو قرار (اجتثاث البعث).
أما الركن الثاني في عقيدة البعث فهي إن الحزب لا ينظر إلى الأمور السطحية
والعارضة في السياسة العربية وإنما يسعى إلى قلب أسس هذه السياسة ،ويعتقد إن
الإصلاحات الثانوية التي تنادي بها الحكومات العربية الحاضرة وتعتبرها رئيسية
تتبع حتما ذلك الانقلاب ،والانقلابية قد جسدها البعث في ظل حكمه للعراق عبر
خمسة وثلاثين سنة فهو الذي أمم النفط وهو الذي قضى على الأمية وهو الذي
اصدر بيان آذار وأعطى حقوق الأقليات في العراق وهو الذي قاد تنمية شاملة في
كل الميادين وكان بحق انقلابا شامل على كل ما هو مألوف في حياتنا العربية
المعاصرة الأمر الذي قاد إلى أن تتعرض تجربته إلى هجمة امبريالية وصهيونية
وصفوية ورجعية.
إن الأهداف والغايات التي حددها البعث والتي نشرها في العام 1946في العدد
الأول والثاني من جريدة البعث والتي نلخصها في النقاط التالية والتي نجد إن
الضرورة تقتضي التعريف فيها بعد أن تعرض البعث إلى ما تعرض إليه عبر
الماكينة الإعلامية الامبريالية والصهيونية والصفوية هي:
1ـ حزب البعث حزب عربي ليس في اسمه وفي غايته فحسب ،بل أيضا في واقعه
وتنظيمه وأسلوب عمله فتنظيمه في سائر الأقطار العربية وهو لا يعالج السياسة
القطرية إلا من وجهة نظر المصلحة العربية العليا.
2ـ هدفه تحرير العرب في جميع أقطارهم من كل أنواع الاستعمار الأجنبي ،وتنظيم
الأمة العربية في دولة مستقلة واحدة قائمة على فكرة القومية العربية في سبيل
تحقيق النهضة الحديثة الشاملة وبعث الرسالة العربية الخالدة.
9
3ـ الفكرة القومية العربية هي الإيمان العميق بأن الشعب العربي عريق بين الشعوب
في نبله وتعشقه للحرية وان له عبقرية خاصة وحيوية متجددة تحفزه باستمرار إلى
إظهار نشاطه وكفاءته في أعمال الفكر والعمران وميادين البطولة ليكشف عن
عبقريته ويثبت شخصيته على أكمل صورة تتمثل فيها الإنسانية الصحيحة.
4ـ العربي هو من كانت لغته العربية وعاش في الأرض العربية أو تطلع إلى الحياة
فيها وتشبعت روحه بالقومية العربية والولاء الخالص للغة العرب وتاريخهم المجيد
في الماضي ،وكان في إيمانه بوحدة مصيره معهم يتشوق إلى مستقبل خليق بهذا
الماضي ،ولم يشرك في ولائه أمة أو فكرة أخرى ثم كانت أفعاله منسجمة مع
عقيدته.
5ـ غير العرب من الأقليات القومية التي لا يمكن أن تندمج في المجموع العربي
وتستعرب بصورة تامة تخضع لقوانين خاصة تحدد حقوقها وواجباتها بصورة
تمنعها من الإضرار بمصالح العرب.
6ـ الشعب العربي مصدر كل سلطة لذلك وجب إلغاء كل ما عقدته الحكومات من
معاهدات واتفاقات وصكوك تخل بسيادة العرب التامة.
7ـ الشعب العربي مصدر كل قيادة ،وقادة الشعب العربي هم الذين فيهم تتمثل
عبقريته وفضائله يخرجون من صميمه لا من الطبقة المستغلة التي اختلطت
بالأجانب وطغت عليها المصالح الشخصية.
8ـ الدولة العربية دولة اشتراكية بمعنى إن مصلحة المجموع هي فوق مصلحة
الفرد والطبقة ،وان غاية الدولة إسعاد اكبر عدد من أفراد الشعب العربي وتزويدهم
بكل الوسائل والفرص ليستطيعوا تحقيق عروبتهم على أكمل صورة ،وهذه
الاشتراكية تستمد من روح الأمة العربية وحاجاتها العميقة وأخلاقها الأصيلة ولا
تستند إلى إي نظرية أجنبية.
9ـ إن حق التملك يجب أن يبرره الجهد والعمل وان لا يتعارض مع المصلحة
العامة وان لا يخل بالانسجام القومي والعدل الاجتماعي.
10ـ جعل المؤسسات والموارد والمرافق ذات النفع العام ملكا للدولة ،وإخضاع
جميع الصناعات والمشروعات الاقتصادية لرقابة الدولة تبعا للسياسة الاقتصادية
العربية العليا من جهة ،ووفق مبدأ الانسجام القومي من جهة أخرى ،ولمنع استغلال
رأس المال لحق العمل.
10
11ـ على الدولة أن تضمن لكل فرد من أفراد الشعب العربي عملا يعيش من ثماره
عيشا كريما .ولا يجوز أن تستخدم الأجانب في المشروعات الاقتصادية العامة
والخاصة أذا كان بين المواطنين العرب من يمكنه أن يحل محلهم.
12ـ على كل مواطن عربي أن يمتهن عملا فكريا أو يدويا شريطة أن يخدم عمله
مصلحة المجموع وينسجم معها.
13ـ سن تشريع اجتماعي يحدد حقوق وواجبات رأس المال والعمل ،والعلاقة
بينهما على أساس مبدأ الانسجام القومي ،ويكفل إنشاء مؤسسات غايتها حماية
المواطنين العرب من البطالة والمرض والعجز وطوارئ العمل.
14ـ التعليم في البلاد العربية موحد في الفكر والأسلوب يقوم على أساس الفكرة
العربية التي تعتبر الأمة العربية وحدة حية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها ويوجه
وفقا لأهداف النهضة القومية المنشودة.
15ـ التعليم الابتدائي إلزامي ،وعلى الدولة ان تمكن كل عربي من نيل النصيب
الكافي من العلم والمعرفة والوصول الى المراكز التي يؤهله لها عمله وإخلاصه.
16ـ أيجاد كليات ومعاهد في جميع نواحي النشاط العلمي وتطبيقاته تسمح لا
صحاب المواهب بمتابعة بحوثهم المختلفة.
17ـ إخضاع المدارس والمعاهد الأجنبية لكل فوانيين الدولة العربية.
18ـ حصر مهنة التعليم وكل ما له مساس بالتربية الوطنية بالمواطنين العرب،
يستثنى من ذلك التعليم العالي.
19ـ توجيه كل وسائل النشر نحو كل ما يتفق ومصلحة القومية والأخلاق العربية.
20ـ جعل الحالة الصحية في مستوى راق بين كل الطبقات وفي جميع مناطق
البلاد العربية وتربية النشء الجديد تربية بدنية سليمة.
المؤتمرات القومية الأخرى
1ـ المؤتمر القومي الثاني ،حزيران 1954م
في تشرين الأول ، 1953صدرت نشرة سرية بعنوان ( مؤتمر قومي حزبي ) ،
عبرت عن ضرورة تجسيد وحدة النضال العربي في خطط سياسية موحدة
ومنسجمة ،يسيرها منطق واحد ،وفي حزيران 1954م انعقد أول اجتماع لممثلي
قيادات الحزب في سوريا والأردن والعراق ولبنان ،انتخبت فيه أول قيادة قومية ،
11
واقر فيه نظام داخلي قومي ،وبهذا الاعتبار ،اخذ الاجتماع المذكور طابع (مؤتمر
قومي ثاني).
لذلك فأم المؤتمرات التي انعقدت خلال الخمسينيات كانت ترسيخا للمعنى القومي
لنضال الحركة العربية الثورية ،ودفعا للنضال القومي في اتجاه التركيز على
الصيغ التنظيمية والإستراتيجية والفكرية التي تنقل الثورة العربية إلى مرحلة
انطلاقة جديدة.
وقد غطت هذه المرحلة السنوات 1954ـ ، 1959التي شهدت أروع انجاز لنضال
الحركة العربية الثورية بقيام وحدة عام 1958بين سورية ومصر .إلا أن هذه
المرحلة لم تنج في الأخير من أعراض الأزمة ،فقد انتكست الحركة الوطنية في
الأردن وانحرفت ثورة 14تموز في العراق عن مسارها ،وبدأت تجربة الوحدة في
الجمهورية العربية المتحدة تتعثر ،لذلك كان لابد أن يأتي المؤتمر القومي الثالث
في أيلول عام ، 1959لمعالجة الوضع القومي ورسم إستراتيجية الحركة العربية
الثورية على ضوء المعطيات الجديدة .فقد اكتسبت الطليعة الثورية العقائدية لحزب
البعث العربي الاشتراكي قدرة جبارة على تحديد أخطاء ونواقص المسيرة العربية
الثورية ،والتغلب عليها في انطلاقات دائمة متزايدة العمق والفعالية.
2ـ المؤتمر القومي الثالث ،آب ـ أيلول 1959م
وعلى هذا الأساس جاءت قرارات المؤتمر القومي الثالث الذي انعقد بين 27اب ـ 1
أيلول من عام ، 1959ليحدد الإستراتيجية الجديدة للعمل الحزبي وللسياسة العربية
والدولية .
فعلى الصعيد الحزبي ،انتهى المؤتمر إلى تحديد شروط الانطلاقة الجديدة ،
وهي:
1ـ الالتزام بالديمقراطية المركزية كصيغة ثورية ناضجة في تبيت العلاقات
الموضوعية في التنظيم الثوري .
2ـ العمل بحزم على تحقيق مبدأ القيادة الجماعية في مختلف مستويات الحزب.
3ـ تمتين وحدة الحزب القومية وفعاليتها النضالية.
أما على صعيد سياسة الحزب القومية ،فقد انطلقت مقررات المؤتمر القومي
الثالث من تقرير ( حاجة المعركة الأساسية ضد الاستعمار إلى حشد جميع إمكانيات
شعبنا وتوفير جميع الضمانات لهذه المعركة ) ،إلى اعتبار (توحيد قوى وخطط
النضال في كل الأقطار العربية وتنظيم وحدة النضال ) الشرط الأساسي للانتصار
12
على العدو وبالتالي إلى إقرار التوصية القائلة بضرورة ( التعاون مع جميع القوى
الثورية في المشرق والمغرب العربيين وتكوين جبهة شعبية صلبة مع هذه القوى).
وقد حدد المؤتمر المجالات الرئيسية لعمل هذه الجبهة في (ترسيخ الوحدة بين
سورية ومصر والدفاع عنها) ،وفي ( تنظيم التضامن العربي مع الثورة العربية
في الجزائر ،لضمان ديمومة الدعم ) ،وفي ( النضال لإحباط مشاريع تصفية
القضية الفلسطينية وقضية الأجزاء المحتلة والمغتصبة من الأرض العربية ) ،وفي
( الكفاح الحازم ضد الرجعية المتآمرة ) ،وفي ( مضاعفة الصراع ضد الاستعمار
الغربي وعملائه).
وحدد المؤتمر السياسة العالمية التي ينتهجها نضال الحركة العربية الثورية كطليعة
للنضال التحرري العربي على ضوء المبدأ الذي ينطلق من الحزب والقائل ( :
بوحدة معركة التحرر في العالم ووحدة ارتباط نضال الشعب العربي بنضال
الشعوب المستعمرة والمستغلة) وعلى ضوء الظروف الدولية التي تحيط بتجارب
التحرر ،وحاجة الثورة العربية إلى دعم الشعوب المكافحة من اجل الحرية ،
وحاجتها إلى أن تتفتح في جو النضال الإنساني .
لذلك أكد المؤتمر على (الإصرار على موقف الحياد الايجابي وتدعيمه) ،وحدد
المضمون التحرري لهذا الموقف .كما أكد على (توسيع وتقوية التضامن الأسيوي ـ
الإفريقي في سائر المجالات الدولية وتدعيم التعاون بين الشعب العربي والشعوب
المناضلة والقوى التقدمية في العالم) .وعلى تصعيد سياسة (تصفية الاستعمار
ومقاومة سياسية الحرب والتسلط على الشعوب وفضح التحالف الصهيوني ـ
الاستعماري وزيف اشتراكية إسرائيل في الأوساط الاشتراكية العالمية والمناطق
التي استقلت أخيرا أو تناضل لنيل استقلالها).
3ـ المؤتمر القومي الرابع ،آب 1960م
بعد عام كامل ،أي في أواخر أب ، 1960انعقد المؤتمر القومي الرابع ،ويأتي
هذا المؤتمر بالمرتبة الثانية بعد المؤتمر التأسيسي الأول من حيث جدية التحضير
وشمولية التقارير ،وفيه انتهت اللجان الأربعة التي ناقشت التقارير السياسية
والمالية والتنظيمية وأسلوب العمل الحزبي ،إلى وضع التوصيات في صياغتها
النهائية .وقد اعتبرت تلك التوصيات ( الأساس في نظرة الحزب إلى الواقع العربي
) لأنها جاءت شاملة في تحليلها للظروف الذاتية والموضوعية لذلك الواقع في مطلع
الستينات ،كما إن تلك النظرة قد صدرت عن إحاطة نقدية بأزمة النضال العربي ،
وعن ممارسة صادقة وجديدة للنقد الذاتي .
13
لقد دعت تلك التوصيات إلى (بناء الحزب بناء ثوريا يجعله في مستوى رسالته
ومسؤولياته القومية) وإعطاء العمل الفكري (أولوية في العمل الحزبي ) ورفض
الأساليب ( غير الشعبية في النضال والعمل السياسي الذي يجمد دور الشعب
والحزب في النضال) واعتبار النضال (الأسلوب الوحيد لتحقيق مهام الحزب
المرحلية ،وللتحضير للثورة الشعبية).
هذا على صعيد العمل الحزبي .أما التوصيات السياسية ،فقد تناولت ضرورة
(طرح مطلب الديمقراطية على نطاق الجمهورية العربية المتحدة بإقليميها) ونقد (
الأسلوب القائم على عدم الأيمان بدور الشعب الذي يجعل من سيطرة أجهزت
المخابرات بديلا لكل تحرك شعبي ولحرية كل تنظيم شعبي ) ،وضرورة إقامة (
جبهة شعبية تقدمية على الصعيد العربي مستقلة عن أسلوب الحكم) والعمل على (
تحقيق أوضاع ديمقراطية في الجمهورية العربية المتحدة لتفسح المجال للمشاركة
الشعبية عن طريق المنظمات التقدمية لحماية الوحدة وتنمية التفاعل الشعبي داخلها)
وعلى (توضيح فردية النظام القائم وتكوين رأي عام عربي للضغط على الجمهورية
العربية المتحدة لتصحيح أوضاعها وأساليبها في العمل القومي ) .وكذلك العمل على
(فضح المؤامرات الاستعمارية والرجعية التي تسعى إلى تفكيك الوحدة).
أما بصدد القضية الفلسطينية ،فالمؤتمر الرابع يرى ( إن حل قضية فلسطين
والقضاء على كيان إسرائيل ،وإعادة الأراضي المغتصبة إلى أهلها ،منوط بإحداث
انقلاب أساسي في حياة الشعب العربي على الصعيد القومي) .أما المهام المرحلية ،
فتفرض على الصعيد الفلسطيني ( تأليف جبهة شعبية تضم كافة التنظيمات
الفلسطينية في الأقطار العربية ،مستقلة عن الحكومات ).
كما تناولت التوصيات السياسية تحديد إستراتيجية العمل الحزبي في المغرب
العربي ولبنان والعراق وإزاء الجمهورية العربية .أما على الصعيد الدولي ،فقد
اكتفت توصيات المؤتمر بالتأكيد على التزام موقف الحياد الايجابي في الصراع
الدولي.
ولأول مرة يتوقف مؤتمر للحزب على أزمة الحزب ويحدد أسبابها ،ويتناول
بالتحليل قرار حل الحزب في الجمهورية العربية ،ويحدد دور الحزب في حياة
العرب كحركة تاريخية يتعدى دورها تحقيق الوحدة السياسية بين الأقطار القائمة
إلى تحقيق المجتمع الاشتراكي وتحقيق إنسانية الإنسان العربي .وأخيرا يحدد
أسلوب العمل الحزبي ،وموقف الحزب من الحكم وتحديد الشروط الثورية لاستلام
الحكم.
14
4ـ المؤتمر القومي الخامس ،أيار 1962م
جاء المؤتمر الخامس بعد نكسة الانفصال ،فكان من الطبيعي أن يكون أمامه أن
يواجه نوعين من الأزمات :الأزمة العامة التي دخلت فيها التجربة الوحدوية ،
والأزمة الخاصة المتعلقة بردود الفعل داخل الحزب على ملابسات تلك التجربة.
وقد انطلق المؤتمر القومي الخامس ،الذي انعقد في مدينة (حمص ) السورية ،من
تقرير جملة حقائق أولية :وهي إن ( الوحدة العربية هي اقوي وأعمق دافع لوجود
حزب البعث ،وان الوحدة مرادفة لوجود العرب كأمة ذات شخصية حضارية ،
وإنها لا يمكن أن تتم من نفسها ،وإنها تحتاج إلى ثورة شعبية) ،وان هذا الهدف
القومي (عرضة لأكبر تأمر في هذا العصر) وان تاريخ الانفصال 28أيلول
( 1961هو تاريخ اكبر مؤامرة رجعية استعمارية).
وعلى هذه الحقائق الأولية يبني المؤتمر القومي الخامس النتائج التي ينتهي إليها
تحليله لأسباب فشل تجربة الوحدة ولا سباب النكسة التي أوقعها الانفصال بالثورة
العربية ( :حزب البعث يجب أن يكون حزب الوحدة ،وهو المسؤول عن النهوض
بالوحدة من نكستها ،وان يعود بالوحدة إلى مجال التحقيق والتطبيق الناجح ،وان لا
يمكن القوى الانفصالية من ترسيخ منطق الانفصال كعقيدة بديلة لعقيدة الوحدة ،وان
يناضل من اجل محو اثأر فشل التجربة الماضية ،حتى تكون الوحدة وحدة شعب ،
ووحدة قوى شعبية ووحدة نضال شعبي ،بعيدة عن أي تسلط فردي أو بوليسي أو
إقليمي).
وهكذا فان الموضوع الرئيسي الذي كان محور جدول أعمال المؤتمر القومي
الخامس الذي انعقد في شهر أيار من عام ،1962هو تحديد مفهوم الوحدة
وإستراتيجية العمل الوحدوي على ضوء تحليل أسباب فشل تجربة الوحدة وقيام
الانفصال ،واتخاذ المواقف العملية من بعض العناصر القيادية التي وقفت مواقف
مناقضة لعقيدة الحزب ،وتحديد الموقف المعبر عن وحدوية الحزب الذي يشكل
الرد الثوري على الاتجاهين الخاطئين التاليين :
1ـ الانزلاق التدريجي من انتقاد أخطاء الحكم إلى التشكيك بفكرة الوحدة مع الشعب
العربي في مصر.
2ـ الاتجاه العاطفي اللاواعي الذي يدعو للوحدة ،دون الاهتمام بالأسس التي تبنى
عليها ،وبالشروط والضمانات التي تحميها وتنميها.
وعلى هذا الأساس دعا المؤتمر القومي الخامس إلى الوحدة بين سورية ومصر
على أساس المفهوم الثوري المبدئي القائم على وحدة العلاقة بين مفاهيم الوحدة
15
والحرية والاشتراكية .وقرر إعادة تنظيم الحزب في القطر السوري على أساس
النضال من اجل تحقيق هذا الهدف.
5ـ المؤتمر القومي السادس ،تشرين أول 1963م
سبق المؤتمر القومي السادس الذي انعقد في تشرين الأول ، 1963وصول الحزب
إلى الحكم في كل من سورية والعراق وتوقيع ميثاق الوحدة الثلاثية في 17نيسان
، 1963ثم انسحبت القاهرة منه ،وقد انعقد المؤتمر في ظروف قومية تداخلت
فيها التأثيرات الايجابية والسلبية ،وعوامل التطوير والتزوير والدوافع الموضوعية
والذاتية .وكان ذلك تعبيرا عن أزمة مزدوجة في الثورة العربية بوجه عام وفي
القوى الثورية التي تفاوتت في درجة انتسابها إليها من جهة أخرى .وقد كان
المؤتمر القومي السادس مساهمة جدية على الصعيد الفكري في توضيح وتحديد
بعض النقاط التي كان يكتنفها الغموض والتردد في الإيديولوجية العربية الثورية.
كما كانت معالجة المؤتمر الشاملة للأوضاع التنظيمية ولعلاقة الحزب بالجماهير
والسلطة وتأكيده على صحة مبدأ المركزية الديمقراطية كأساس لنظرية الحزب
التنظيمية وعلى مبدأ القيادة الجماعية وعلى التركيب الاجتماعي للحزب المجسد لا
هداف الثورة الاشتراكية ،وعلى ضرورة تنبه الحزب للظواهر الانتهازية
واللامبدئية خلال تجربة الحكم ،وعلى أهمية الرقابة الجماهيرية ...تعبيرا عن
نظرته إلى العلاقة بين الحزب والسلطة وعن تصوره لدور الحزب وعلاقته
بالجماهير .
كما إن بحث المؤتمر في قضايا التحويل الاشتراكي في القطرين السوري والعراقي
،وفي قضايا النضال العربي كقضية الوحدة بين سورية والعراق والموقف من
عدوان الرجعية المغربية على الجزائر ومن تحويل نهر الأردن ومن ثورة اليمن
ومن نظام عبد الناصر ومن فكرة إنشاء جبهة لتحرير فلسطين وجبهة عربية تقدمية
على مستوى الوطن العربي ...قد جاءت كلها ضمن المنطق العلمي الثوري للحركة
العربية الثورية .وكذلك قضايا السياسة الدولية ،كمشكلة الاستعمار وسياسة عدم
الالتزام بالمعسكرات الدولية والعلاقة مع شعوب العالم الاشتراكي وبلدان العالم
الثالث ومحاربة أنواع التمييز العنصري في العالم.
6ـ المؤتمر القومي السابع ،شباط
بعد اقل من اربعة اشهر ،أي في شباط ، 1964كان لا بد من ان ينعقد مؤتمر
قومي موسع ،في ظروف مختلفة عن ظروف المؤتمر القومي السادس .فقد وقعت
نكسة 18تشرين في العراق بعد اقل من شهر على نهاية المؤتمر القومي السادس ،
ودخلت الازمة الى واقع القيادة القومية ذاتها ،فكان لابد من انعقاد مؤتمر قومي
16
للحزب لتدارك الوضع وتطويق النتائج الخطيرة التي اخذت تنعكس على تجربة
الحزب في القطر السوري ايضا ،ومعالجة الازمة وتحديد اطارها وعواملها
وانتخاب قيادة جديدة تتولى معالجة الاوضاع والظروف الجديدة التي دخلت فيها
تجربة الحزب .لقد كانت نكسة 18تشرين صدمة مذهلة ،وخاصة بالنسبة الى
القواعد المناضلة الشديدة المراس في القطر العراقي ،وللجماهير الواسعة المتفاعلة
معها ،كما كانت بالنسبة لقواعد الحزب في كل مكان .
قاطع علي صالح السعدي ومؤيدوه المؤتمر ،لذا فقد عقد المؤتمر في جو متوتر
،ساهمت بعض العناصر ،التي كان لها دور في نكسة 18تشرين في العراق ،
حاولت العناصر التخريبية العمل لعرقلة عقد المؤتمر من خلال الاتصالات الجانبية
وترويج الشائعات والأكاذيب ،ولكن تلك المحاولات باءت بالفشل ،وخاصة بعد
أن اقر مندوبو منظمات الحزب ضرورة عقد المؤتمر بأغلبية 12صوت مقابل 6
أصوات وامتناع 2عن التصويت. .
7ـ المؤتمر القومي الثامن ،كانون الثاني 1974م
انعقد في دمشق في نيسان 1965المؤتمر القومي الثامن للحزب ،والذي تم ّيز
بالخلاف العميق الدائر بين القيادة التاريخية للبعث ممثلة بأمينه العام المؤسس احمد
ميشيل عفلق وبين القيادة القطرية في سوريا التي كانت تضم عدداً كبيراً من
العسكريين البعثيين أبرزهم رئيس الدولة الفريق أمين الحافظ ،اللواء صلاح جديد،
واللواء حافظ الأسد . ،نجم عن هذا الصراع انتخاب الدكتور منيف الرزاز
(الأردن) أميناً عاماً للحزب ،فيما اعتبر الرفيق احمد ميشيل عفلق قائداً مؤسساً.
جرى في هذا المؤتمر تعديل النظام الداخلي للحزب وإقرار تقرير اقتصادي هام
ورفض تقرير عقائدي قدم للمؤتمر ،كما جرى الاتفاق على صيغة محددة لعلاقة
الحزب بالجيش والسلطة .وانتهى المؤتمر إلى تحديد أسباب النكسة في حكم الحزب
في العراق .
8ـ المؤتمر القومي التاسع (فبراير )1968
9ـ المؤتمر القومي العاشر (مارس )1970
10ـ المؤتمر القومي الحادي عشر ()1977
11ـ المؤتمر القومي الثاني عشر ()1992
المؤتمر القومي الثاني عشر في “بغداد” في عام 1992م ،هو ماخر مؤتمر وقد
وثقت هذه المؤتمرات في كتب مطبوعة من السهولة بمكان الرجوع إليها.
17
إن هذا العرض لمؤتمرات الحزب القومية يأخذ معنى الإشارة الدائمة إلى المبررات
العميقة لنشوء حزب البعث العربي الاشتراكي وللدور الكبير الذي ينتظره في حياة
الأمة العربية المجيدة لتحقيق أهدافها في الوحدة والحرية والاشتراكية.
تاريخ الحزب في الأردن
يعتبر حزب البعث العربي الاشتراكي في الأردن هو أول فرع لحزب البعث
العربي الاشتراكي في الأقطار العربية حيث إن الخلايا الحزبية بدأت تتشكل في
القطر الأردني بعد المؤتمر التأسيسي للحزب في مقهى الرشيد الصيفي في دمشق
من 4ـ 6نيسان عام 1947م مباشرة عن طريق الرفاق الذين حضروا المؤتمر
التأسيسي للحزب وهم (امين شقير ،وحمدي الساكت ،ومحمد البشير ،وأحمد
المساعدة) وأبرزهم حمدي الساكت الذي احضر معه مجموعة من مطبوعات
الحزب عندما قدم من دمشق حيث كان أول منتسب إلى الحزب من مدينة (السلط)
الأردنية ،ثم سليمان الحديدي وخالد الساكت ومن عمان امين شقير ومحمد نزال
العرموطي والدكتور عبد الرحمن شقير وراضي الشخشير ومن فلسطين عبد الله
الريماوي وبهجة أبو غربية واحمد السبع وعبدالله نعواس وكمال ناصر ،وبذلك
يكون حزب البعث في الأردن هو أول تنظيم للحزب خارج سورية بعد المؤتمر.
ففي العام 1946م أصبح الأمير عبد الله ملك على الأردن بصلاحيات واسعة
بموجب دستور جديد وعقدت المعاهدة البريطانية الأردنية ثم جددت بعد عامين مع
إبقاء القواعد العسكرية والتسهيلات للقوات البريطانية مقابل المساعدات المالية .
وقد حدثت نكبة فلسطين التي ساهمت بازدياد نقمة الجماهير العربية في الأردن ،
وفي نيسان من عام 1950م صادق البرلمان المنتخب من الضفتين على انضمام
الضفة الغربية إلى الأردن مع استمرار الطبقة الحاكمة في الإمعان في سياسة التبعية
للغرب الأمر الذي خلق مناخا لنمو الحركة الوطنية والقومية وكان حزب البعث
العربي الاشتراكي حاضرا في هذا الحراك ،حيث توسع قي نشر مبادئه وتنظيمه .
بدأ حزب البعث الاشتراكي العربي الأردني في 1947م من مجموعة صغيرة
تعرفوا على أهداف الحزب وقادته من خلال وجودهم طلابا في دمشق واستطاعوا
أن يكونوا الخلايا العاملة في الأردن ثم ما لبثت أن نمت وتوسعت بسرعة بين
مجموعة من الشباب الوطني في الضفة الشرقية ،والتي عبرت عن نفسها من خلال
مجلة أسبوعية تحمل اسم (اليقظة) ،وكان يرأس تحريرها السيد سلمان الحديدي
والذي انتسب للحزب عام 1948م وكان للمجلة دور بارز في استقطاب الشباب
والعمل على فضح الحكومة وممارساتها ،أغلقت لفترة ثم عادت العام 1954م .
18
نمت مجموعة أخرى من الخلايا الحزبية في الضفة الغربية وعبرت عن نفسها من
خلال مجلة اسمها (البعث) وكانت هي الناطق الرسمي باسم الحزب واشرف عليها
عبد الله الريماوي الذي أصبح أمينا عام للحزب وأقصي في المؤتمر القومي الثالث
لانشقاقه عن الحزب وتحالفه مع جمال عبد الناصر ،واشرف على المجلة أيضا
الشهيد كمال ناصر.
لقد انتمى البعض من الشباب الأردني للحزب خلال وجودهم طلابا في القاهرة
وبغداد وكانوا يمارسون نشاطا ملحوظا في النصف الأول من الخمسينيات
واستطاعوا أن يعملوا على نمو الحزب بسرعة حيث أصبح له وزنه الشعبي الكبير
والمؤثر في مجرى الإحداث السياسية على الساحة الأردنية وكان متميزا في اللواء
الشمالي حيث نمت قدرته على تحريك التظاهرات الطلابية والشعبية واستطاع أن
يوصل اثنين من أعضائه إلى مجلس النواب الأردني كما أصبح احد قادته وزيرا
للخارجية بعد انتخابات عام 1956م .
وقد بقي الحزب من أكبر الأحزاب تأثيراً في الأردن وقد تقلبت على هذا الحزب
أمناء عامون منهم المرحوم أمين شقير وعبد الله الريماوي والدكتور منيف الرزاز
ووليد عبد الهادي والدكتور مصطفى البرماوي والمرحوم شاهر الطالب وآخرون تم
تعيينهم من قبل القيادات القومية المتعاقبة نظرا للظروف التي مر بها الحزب،
وكانت الفترة الذهبية تلك التي تم دعم الحزب بها ما بين 1977و 1982من
الرفيق الشهيد صدام حسين وكانت القيادة تتألف من :د .مصطفى البرماوي أمين
سر التنظيم وكل من شاهر الطالب ود .أنور حدادين ،عمر أبو الراغب ،إسماعيل
المحادين ،أحمد القبلاني وتيسير الحمصي ،ثم بعد ذلك قدم د .مصطفى البرماوي
استقالته من الحزب وخلفه المرحوم المحامي شاهر الطالب الذي توفي نتيجة حادث
مؤسف ،وبعد ذلك تسلم الرفيق المرحوم حسن العمر العمور من سحم الكفارات
أمين سر التنظيم ،وبعد ذلك صدر قانون الأحزاب الأردنية ولم يعد هناك أحزاب
تعمل تحت الأرض ،وتم إشهار حزب البعث الأردني وأصبح الأستاذ تيسير
الحمصي أمينا عاما للحزب إلى أن خلفه الرفيق اكرم الحمصي امينا عاما للحزب
في المؤتمر القطري السادس في .2010/01/19
تاريخ الحزب في العراق
بعد انقلاب بكر صدقي عام 1936م وثورة مايس عام 1941ازداد تأثير الجيش
والأحزاب في الإحداث السياسية في للعراق في حين اخذ دور الزعامات الاقتصادية
والإقطاعية والعشائرية وتمردها على السلطة يتقلص بالتدريج وعمل الحكام
المندفعين بالتعاون مع الاستعمار البريطاني وعلى رأسهم الوصي عبد الإله ورئيس
19
الوزراء نوري السعيد على اتهام معارضيهم بالعمل ضد الديمقراطية وبالتعاون مع
النازية والفاشية ومن ثم ضربهم بقسوة وفرض السيطرة الشديدة على الحكم.
في هذه الفترة ولد حزب البعث العربي الاشتراكي وما هي إلا بضع سنوات حتى
امتدت خلايا البعث إلى مختلف الألوية (المحافظات) في العراق وأصبحت أهدافها
وشعاراتها الجيدة معروفة ولفتت انتباه المواطنين واهتماماتهم ،فقد عاد إلى العراق
البعض من الطلبة الذين كانوا يدرسون في الأربعينيات في جامعة دمشق والجامعة
الأمريكية في بيروت والذين قد تعرفوا على البعثيين الأوائل وتعرفوا من خلالهم
على مبادئ الحزب وأهدافه وقد أسهم هؤلاء في نقل هذه المبادئ إلى العراق وكان
في المقدمة منهم الدكتور سعدون حمادي الذي درس في بيروت وعاد وشكل خلايا
حزبية في كربلاء في أواخر الأربعينيات والدكتور عبد الخالق الخضيري الذي كان
قد حضر المؤتمر التأسيسي الأول في دمشق حينما كان طالبا في كلية الطب غير
إن نشاطه لم يكن بارزا عندما عاد إلى العراق.
كان هناك دور بارز في نشر أفكار الحزب في العراق اضطلع فيه الطلبة السوريين
وبخاصة أبناء (لواء الاسكندرونة) ،الذين كانوا يتلقون تعليمهم في المدارس العراقية
ودار المعلمين الابتدائية والعليا وممن كانوا مرتبطين بأفكار الحزب وحملوا معهم
بعض المنشورات كدستور الحزب وأحاديث البعث العربي وذكرى الرسول العربي
للقائد المؤسس .
ترجع بدايات الحزب المثبت رسميا لأوائل الخمسينات وفي عام 1953م حيث
شكلت أول قيادة قطرية ضمت كل من فؤاد الركابي (كأمين السر) وفخري ياسين
قدروي وجعفر قاسم حمودي وشمس الدين كاظم ومحمد سعيد الأسود.
بعد ثورة 1958أسندت للحزب حقيبة وزارة الأعمار إلى ممثل الحزب على أساس
العمل الجبهوي الذي اشترك فيه الحزب لإسقاط النظام الملكي التي تولاها فؤاد
ألركابي ،وهذا لا يمنع أن يكون أول بعثي عراقي على الإطلاق هو الدكتور
سعدون حمادي فكان من الأوائل الذين أسهموا في إدخال حزب البعث العربي
الاشتراكي إلى العراق .
وفي 24تموز 1958بعد عشرة أيام من قيام ثورة 14تموز عام 1958م وصل
القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق إلى بغداد محاولا إقناع النظام الجديد بالانضمام
إلى الجمهورية العربية المتحدة (سوريا ومصر) ،ولكن الحزب الشيوعي العراقي
أحبط مساعيه ونادى بعبد الكريم قاسم كزعيم أوحد للعراق.
وفي 8شباط 1963قام حزب البعث العربي الاشتراكي بالثورة التي اطلق عليها
( عروس الثورات ) لإسقاط نظام عبد الكريم قاسم بعد فترة من الهجوم المسلح في
20
شارع الرشيد في وسط بغداد لاغتيال عبد الكريم قاسم نفذها الحزب ومن بين
المنفذين الشهيد عبد الوهاب الغريري والشهيد صدام حسين .
تشكلت أول وزارة برئاسة الاب القائد احمد جسن البكر في حين ع ّين علي صالح
السعدي ،نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للداخلية ،طفت على الساحة خلافات داخلية
بين جناحين ،الأول يقوده السعدي والثاني يمثله طالب شبيب وحازم جواد .وأمام
ازدياد حدة الخلاف بين الجناحين وظهر توجه بين الجناحين بقيادة الأب القائد احمد
حسن البكر والشهيد صدام حسين ،وما يمثله هذا التوجه من ثقل عسكري وسياسي،
وحذّر من مخاطر الصراع بين الجناحين على مستقبل الحزب والسلطة في العراق،
وهو تحذير أثبتت الأحداث صحته بعد أسابيع على انعقاد المؤتمر ،حيث حدثت
تطورات أدت إلى فقدان حزب البعث السلطة في ،1963/11/18وهو لم يحكم
سوى تسعة أشهر وعشرة أيام ،ويقال أن تحذير صدام حسين المبكر لفت الانتباه إليه
ودفع القيادة القومية إلى تكليفه بإعادة بناء تنظيم البعث في العراق بعد ذلك المؤتمر
أوصى القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق بتعيين الرفيق صدام حسين عضواً في
القيادة القطرية للقيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي ،الجدير بالذكر إن
فؤاد الركابي قد أقصي من الحزب في المؤتمر القومي الرابع لنفس الأسباب التي
أقصي فيها عبد الله الريماوي من القطر الأردني في المؤتمر القطري الثالث .
في 17ـ 30تموز 1968قام حزب البعث العربي الاشتراكي بالثورة التي سميت
(الثورة البيضاء) ،لأنها تجنبت إراقة الدماء أسقطت نظام عبد الرحمن عارف
وعـُيـّن الأب القائد أحمد حسن البكر رئيسا لمجلس قيادة الثورة ورئيساً للجمهورية
وقائداً عاماً للجيش وأصبح الرفيق صدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة.
وفي عام 1972أصبح نائب الرئيس.
وفي حزيران من عام 1979أصبح الرفيق القائد صدام حسين رئيساً للجمهورية
العراقية .ولقد شهدت البلاد في عهده الكثير من الإنجازات السياسية والعمرانية .
فمن الإنجازات التي قام بها نظام البعث في العراق اتفاقية الحكم الذاتي للأكراد عام
1970وتأميم النفط العراقي عام 1972ومشاركة الجيش العراقي في حرب
أكتوبر/تشرين الأول 1973حيث حمى دمشق من السقوط.
وفي عام ،1980تصدت القوات العراقية في حكومة البعث للتحرشات والهجمات
الإيرانية المتكرر ولقنت الفرس الدروس والعبر وتجرع الخميني الخرف السم
عندما استسلم للمناشدة الدولية في إيقاف الحرب التي استمرت ثماني سنوات.
وفي عام 1990حدثت حرب الخليج الأول التي خططت لها الإدارة الأمريكية
بالتعاون مع الحكام الخونة من العرب بعد أن تجاوزت ثورة البعث في العراق
21
الخطوط المسموح فيها امبرياليا وهو ما انتهى بتدخل عسكري أمريكي أدى إلى
تدمير العراق.
وفي العام 2003أقدم الأمريكان وتابعيهم والفرس وتابعيهم على احتلال العراق
وإنهاء التجربة الوطنية والقومية بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي وتدمير كل
ما أنتجه البعث وقيادته خلال فترة 35سنة من تنمية شاملة في كل مجالات الحياة
وتم اغتيال القيادات البعثية وفي المقدم منهم شهيد الحج الأكبر وكانت الحصيلة كما
أشار إليها الرفيق الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي عزة إبراهيم الدوري
حماه الله في شباط 2018وفي حديث خاص له مع الكادر المتقدم للحزب (،وفي
قطر العراق العربي العريق الذي مثل ولا زال وسيبقى يمثل روح الحزب وعموده
الفقري تعتقل إيران وعملائها أكثر من ( )63ألف بعثي ومن كل مستويات الحزب
من عضو قاعدة صعوداً إلى أعضاء القيادة ،قتلت إيران وعملائها أكثر من
مليونين وربع المليون عراقي ،قتلت ايران وعملائها اكثر من ( )160إلف بعثي
على رأسهم الأمين العام للحزب أمين سر قيادة قطر العراق وأثنين من أعضاء
القيادة القومية وخمسة عشر عضو من أعضاء قيادة قطر العراق والمئات من
الكادر المتقدم والى هذا اليوم لا يمر يوم واحد على شعب العراق وعلى حزب
البعث العربي الاشتراكي إلا وفيه مئات من القتلى والسجناء والموقوفين
والمخطوفين ، ،هذا هو المثال الصارخ على ما فعل الاجتثاث في حزبنا في وطننا
الكبير ولد ّي أمثلة كثيرة). .
تاريخ الحزب في لبنان
أن الخلايا الأولى لحزب البعث في لبنان قد تشكلت مع وجود بعثيين شاركوا في
المؤتمر التأسيسي للحزب في دمشق في 7نيسان ،1947وكلهم كانوا طلاباً في
جامعة دمشق أو في مدرسة التجهيز الأولى حيث كان مؤسسا البعث ميشيل عفلق
وصلاح البيطار مدرسين فيها ومن من هؤلاء الدكتور علي جابر (النبطية) ،ود.
زيد حيدر (بعلبك) ،وقد وصل الاثنان في فترات متباعدة إلى عضوية القيادة القومية
لحزب البعث ،كما نذكر عبد الله سكرية (الفاكهة – البقاع الشمالي) ،وحسين دلول
(شمسطار -بعلبك).
تشير المعلومات إن خلايا الحزب الأولى الذين كان لهم إلى دور في تكوين الحزب
في لبنان هم طلبة الجامعة الأمريكية في بيروت والذين ارتبطوا في الحزب على يد
طلاب عرب كالدكتور سعدون حمادي (العراق) ،وعلي فخرو (البحرين) وجمال
الشاعر (الأردن) ،والدكتور محمد عطا الله .ومن الخلايا الأولى أيضاً تلك التي
أشرف على إعدادها وتثقيف أعضائها المد ّرس السوري القادم من السلمية إنعام
الجندي الذي ترافق عمله التأسيسي مع تنام واضح في دور حزب البعث في سوريا
22
في مناهضة حكم أديب الشيشكلي ( ،)1954 – 1951ومع لجوء مؤسسي الحزب
احمد ميشيل عفلق وصلاح البيطار ،ومعهما مؤسس الحزب العربي الاشتراكي
أكرم الحوراني إلى لبنان ،حيث تكونت بوادر الوحدة بين الحزبين (البعث العربي
والعربي الاشتراكي) في حزب البعث العربي الاشتراكي.
تظاهر الرفيق المرحوم الدكتور عبد المجيد الرافعي للمرة الأولى تأييداً لثورة
الضباط الوطن ّيين في العراق في وجه الإنكليز العام .1941بعدها بسنتين شارك
في تظاهرة الاستقلال في طرابلس ،وقتل الفرنسيون أمامه أحد أصدقائه وأصابوا
صديقه أمين هاجر في ذراعه الأيسر و انتمى إلى حزب البعث العربي الاشتراكي
وحضر أول اجتماع بعثي العام .1957
تحول الحزب في لبنان سريعاً إلى عدة تنظيمات بسبب الانشقاقات المتتالية التي
عرفها الحزب على المستوى القومي بعد مؤتمره القومي الثالث ( ،)1959والرابع
( ،)1961والخامس ( ،)1963والسابع ( ،)1964وصولاً إلى الانشقاق الأكبر
الذي رافق حركة 23شباط ( )1964في دمشق والذي أدى إلى وجود حزبين
أحدهما تقوده قيادة قومية استق ّرت بعد ذلك في بغداد منذ عام 1968حتى عام
( 2003احتلال العراق) ،والآخر تقوده قيادة قومية منشقة ما زالت مستقرة في
دمشق والتي تطرح تساؤلات حول مصيرها إذا جرى العمل بقانون السوري
للأحزاب الجديد الذي يمنع على أي حزب في سوريا أن يكون فرعاً لحزب خارج
القطر ،أو أن يك ّون له فروعاً خارج القطر وبالتالي إلغاء ما يسمى بالقيادة القومية
وبالمعنى الأصح لم يعد هناك حزب اسمه البعث في سوريا ألان.
وفي هذه الفترة كان المرحوم احمد ميشيل عفلق في البرازيل ،وكان الحزب في
لبنان وبعض القياديين الذين تمكنوا من الخروج من سورية كاليأس فرح والسوداني
محمد سليمان خليفة والدكتور مسعود الشابي التونسي وشبلي العيسمي ،عقد
المؤتمر القومي التاسع في بيروت المناهض لحركة 23شباط ،وجاء وفد عراقي
وانتخبت قيادة قومية .
إن هذه الانقسامات التي شهدها حزب البعث على المستوى القومي لم تترك آثاراً
تنظيمية على فرع الحزب في لبنان فقط بل كان لها انعكاساتها السياسية أيضاً حيث
كان لكل تنظيم بعثي سياساته وتحالفاته وبرامجه التي كثيراً ما كانت تتعارض مع
التنظيم الآخر ،مع ضرورة الإقرار هنا أن حجم هذه التناقضات رغم ح ّدتها أحياناً،
لم تدفع التنظيمين المتعارضين إلى حدود الصراع الدموي ،كما جرت العادة في
الحالة اللبنانية ،بل بقي كل تنظيم يعلن تمايزه الواضح عن التنظيم الآخر في
مجالات السياسة والإعلام والتحالفات دون أي اشتباك أو صدام يكاد يكون مشهداً
يومياً في لبنان .يدين حزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان للرفيق عبد المجيد
23
الرافعي ورفاقه على تمسكهم بالشرعية الحزبية بعد أن توزع البعثيون في سوريا
ولبنان إلى ثلاث تيارات في تعاطيها مع الانفصال بين مصر وسوريا فكان التيار
الثالث والذي كان على رأسه المرحوم احمد ميشيل عفلق مؤسس الحزب ويسانده
القياديين البارزين في تنظيم لبنان كجبران مجدلاني وعبد المجيد الرافعي ،وخالد
البشرطي ود .علي جابر ،فقد رأى الانفصال مؤامرة استعمارية رجعية لا بد من
إسقاطها وإعادة الوحدة بين مصر وسوريا على أسس تستفيد من ثغرات التجربة
السابقة.
وكان دوره بارزا في دفع حزب البعث العربي الاشتراكي إلى مق ّدمة العمل البعثي
في لبنان بعد أن عجز المنشقين .التابعين للنظام السوري من الوصول الى الشعبية
التي تم بموجبها جذب معظم المثقّفين والطلاب والكادحين على ح ّد سواء ،فقد كان
المرحوم الرفيق عبد المجيد الرافعي كان ظاهرة فريدة في العمل السياسي في لبنان.
ُعرف في طرابلس بأنه طبيب الفقراء ،كما إن دماثة خلقه جذبت إليه جيلاً أو أكثر
من التقدم ّيين .لم تكن له مواكب طويلة ،ولم يكن يحب الظهور والبروز ،في مرحلة
كان يُع ّد واحداً من أبرز قادتها وقد عزا البعض تلك الشعبية أيضا إلى الصلابة
الوطنية والقومية التي كان يتمتع بها الرفيق الرافعي منذ كان شابا يافعا يواجه
دبابات الاستعمار الفرنسي في شوارع طرابلس ،ويرى بأم عينيه شباب المدينة
وفتيتها تسحقهم الدبابات الفرنسية ،وصولا إلى وقفته الشهيرة ضد الانفصال بين
مصر وسوريا عام 1961منحازا لموقف القيادة الشرعية للحزب والتي يمثلها
الرفيق احمد ميشل عفلق القائد المؤسس ضد قياديين آخرين راهنوا على الانفصال
كطريق لتحقيق ما سموه (الديمقراطية).
بعد حركة صلاح جديد العسكرية في 23شباط 1966والتي تمرد فيها على
القيادة القومية للحزب تمكن الرفيق المؤسس من الوصول إلى طرطوس بعد شهرين
ومنها تمكن من الخروج بواسطة قارب صغير إلى طرابلس ومنها إلى بيروت حيث
مكث في لبنان ومعه بعض قادة الحزب في ضيافة قيادة قطر لبنان والرفيق الرافعي
في مقدمة الذين قدموا الدعم والرعاية للحزب وقادته .
كان الرفيق الرافعي من رموز قادة الأحزاب والقوى التقدم ّية في لبنان في الستين ّيات
والسبعين ّيات .لكنه ،بخلاف كثيرين ،لم يستغل منصبه ونفوذه يوماً ،ولم يستغ ّل حتى
قربه من الشهيد ص ّدام حسين كي يدخل في الـمزايدات كما فعل كثيرون أدنى منه
مرتبة في الحزب.
وكان الرفيق الرافعي واحداً من الق ّلة الذي ُيس ّجل لهم انهم حافظ على ولائهم
للشرعية وللنظام الوطني في العراق حتى بعد العام ، 2003ولم يما ِش القوى
المتن ّفذة في كل مرحلة ،كما فعل كثيرون من قادة الحركة الوطن ّية .إذ تح ّول بعض
24
هؤلاء من ولاء للنظام الليبي أو السوري إلى ولاء للنظام السعودي فالرفيق الرافعي
كان مختلفاً .عاش بعث ّياً ومات بعث ّياً ،ولكن عن قناعة وفد سلم الراية إلى الرفيق
المحامي حسن بيان.
المحطات الهامة في دور الحزب في لبنان ومواقفه القومية وكما يذكرها الأستاذ
معن بشور في مقالة له :
.1دور البعثيين اللبنانيين في الدعم السياسي والإعلامي لنضال رفاقهم ضد حكم
أديب الشيشكلي في سوريا حتى سقوطه في .1954/2/24
.2دور لافت في مقاومة حلف بغداد ،لاس ّيما في التظاهرة الشهيرة أمام الجامعة
الأمريكية في بيروت حيث استشهد حسان أبو إسماعيل ،وأصيب مصطفى نصر الله
بجراح أقعدته طيلة حياته ،وحيث أقدمت الجامعة الأمريكية على طرد عدد من
طلابها آنذاك بينهم طلاب بعثيون.
.3دور لافت في تجنيد المتطوعون للمشاركة في الدفاع عن مصر بوجه العدوان
الثلاثي (البريطاني – الفرنسي -الإسرائيلي) في ،1956/10/29حيث توجه
المتطوعين البعثيون مع غيرهم من المتطوعين إلى معسكرات للتدريب في حمص
في سوريا.
.4المشاركة في كل التحركات الشعبية للمعارضة اللبنانية لحكم كميل شمعون الذي
انحاز إلى ما اعتبره معارضون صف حلف بغداد ومشروع ايزنهاور وصولاً إلى
المشاركة في جبهة الاتحاد الوطني التي ضمت آنذاك ابرز رموز المعارضة.
.5خوض معركة انتخابية تأسيسية في مدينة طرابلس عبر طبيب قومي شاب
محبوب من أبناء مدينته ،وله خدمات مق ّدره عبر مؤسسات أهلية فاعلة هو الدكتور
عبد المجيد الرافعي الذي بات فيما بعد من أبرز قياديين البعث ،وأول نائب بعثي
يدخل البرلمان اللبناني عام ،1972بعد أن أحرز أعلى الأصوات في عاصمة
الشمال آنذاك.
.6دور في تعبئة الأوساط الشعبية اللبنانية لدعم قيام الوحدة العربية بين مصر
وسوريا ،خصوصاً أن أول من أطلق فكرة الاتحاد بين البلدين كان مؤسس البعث
وأمينه العام ميشيل عفلق في 17نيسان ( ،1956خطاب في ذكرى الجلاء)،
واشترط أن يكون العمل للاتحاد شرطاً لمشاركة الحزب في أي حكومة سورية،
ولقد لعب البعث مع حركات وشخصيات قومية أخرى في لبنان ،دوراً بارزا في
حشد مسيرات التأييد للوحدة التي انطلقت بإعداد غفيرة من كل لبنان إلى دمشق،
لاس ّيما لدى زيارة الرئيس عبد الناصر إلى سوريا.
25
.7إن اتساع الحضور الشعبي للحزب ساهم في مشاركة ف ّعاله في الانتفاضة
الشعبية المسلحة (أيار/مايو )1958ضد حكم شمعون ،لاس ّيما في طرابلس
وبيروت ومناطق واسعة من الجنوب والبقاع ،مما أدى إلى سقوط أول شهداء
الحزب في لبنان خلال تلك الثورة هو جلال نشوئي في طرابلس.
.8رغم انشغال البعثيين في لبنان بالنضال القومي والتحريري إلى م ّد كبير،
ونموهم التنظيمي الواسع في أجواء الم ّد القومي في أواخر الخمسينات ،غير أنهم لم
يغفلوا الجانب الاجتماعي من النضال ،فبدأت تصدر بيانات تتناول الشأن المعيشي
والاجتماعي وأخذ البعث يشكل مكاتبه العمالية والمهنية ،وأخذ يحتل ح ّيزاً معقولاً
في التركيبة النقابية اللبنانية ،سواء من خلال علاقته ببعض الاتحادات في العاصمة،
أو من خلال دور بارز في صيدا من خلال المجموعة المؤسسة لاتحاد ونقابات
عمال الجنوب .
ونؤشر إلى إن الحزب كان له دور كبير في تثبيت القيادة القطرية في العراق في
المؤتمر القطري الخامس في العراق من خلال زيارة الرفيق نيقولا الفرزلي من
القطر اللبناني بصحبة الرفيق القائد المؤسس والمرحوم امين الحافظ لبغداد عام
.1964
في بداية عام 1969وقبل توقيع اتفاق القاهرة 1969بين لبنان ومنظمة التحرير
الفلسطينية ،نشأت علاقة بين الرفيق الرافعي وبين أبو علي إياد وسعيد السبع في
طرابلس ،محورها تنظيم العمل المقاوم ورفده بكوادر بعثية ،وفى أيار من عام
1972خاض الانتخابات النياب ّية متق ّدماً على الرئيس رشيد كرامي.
هاجر الرفيق عبد المجيد الرافعي من لبنان قسرا عام 1983اثر معركة إخراج
ياسر عرفات من طرابلس التي قادتها القيادة السورية بالتنسيق مع الأحزاب اللبنانية
الموالية لسوريا والتنظيمات الفلسطينية الموالية لسوريا.
وقد ذكرت رزأن احمد ميشيل عفلق بان الرفيق الرافعي كان من المسؤولين البعثيين
الذين كانوا يزورون والدها بشكل منتظم في بغداد وباريس وقبلها في بيروت.
استقر في العراق كعضو قيادة قومية وكأمين سر قيادة قطر لبنان وبقى في العراق
إلى أن احتل العراق عام . 2003
سجل حزب البعث العربي الاشتراكي باسم حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي
مع ارتباطه تنظيميا بالقيادة القومية الشرعية بعد الوصاية السورية على لبنان حيث
كانت رخصة الحزب باسم حزب البعث العربي الاشتراكي ولكن سحبت الرخصة
ومنح الاسم لما يسمى البعث السوري ورافق حل الحزب الكثير من الاضطهاد
26
للحزبيين من قبل المخابرات السورية كما امتدت الاضطهاد ليشمل مناطق الجنوب
اللبناني حيث نفوذ الأحزاب الطائفية ولان أغلب البعثيين من أبناء الطائفة .
تاريخ الحزب في السودان
بالعودة إلى أدبيات الحزب لم أجد تاريخا محددا لانتشار الحزب في السودان وكل ما
وجدته بان الطلبة الدارسين في جامعة القاهرة في الخرطوم شكلوا الخلايا الأولى
لحزب البعث العربي الاشتراكي وأصدروا مجلة أسبوعية جداريه باسم (الزحف
المقدس ) وما لبثوا أن توسعوا في المدارس الثانوية.
لكن الرفيق علي الريح أسعفني بدراستي من خلال لقاءه مجلة (الأهرام اليوم) ،لذا
سأنسخ ما ذكره الرفيق حماه الله لا نجز مهمتي في الحديث عن الحزب في السودان
ليكون وثيقة يطلع عليها رفاقنا في الحزب .
وفي نهاية هذا الفصل سأذكر الأسباب العوامل التي جعلت نمو الحزب في مصر
والسودان وأقطار المغرب الجزيرة العربية اضعف منه في أقطار المشرق العربي .
يقول الرفيق على الريح عضو القيادة القومية للحزب وفي رده على سؤال مجلة
(أهرام اليوم) المصرية:
(في عام 1962م بدأنا نشكل مجموعات قومية عربية من طلاب مدرسة (خور
طقت) الثانوية وانتقلنا إلى المحيط الخارجي وقمنا بتشكيل وحدات شعبية ثم التقيت
بعدها بالمرحوم بدر الدين مدثر ،وكان حينها مطروحاً تنظيم الاشتراكيين العرب
كتنظيم يضم كل التيارات القومية في الساحة السودانية من “ناصريين وبعثيين
وقوميين وغير منتمين” ،واعتمد هذا التنظيم على نظرية الخط التقدمي العربي العام
أي التفاعل الإيجابي مع كل الحركات القومية في الوطن العربي ،واتفقنا على عقد
مؤتمر للاشتراكيين العرب في الأبيض وتم عقد هذا المؤتمر عام ،65ومن خلال
التفاعل داخل تنظيم الاشتراكيين العرب بدأ التطور نحو حزب البعث العربي
الاشتراكي باعتباره حركة شعبية ثورية ،ونضج هذا الأمر إثر العدوان الصهيوني
في عام 1967م على “مصر والأردن وسوريا” وفي المؤتمر الثاني للاشتراكيين
العرب في يونيو 1968م طرح هذا الأمر في المؤتمر وخرج ذلك المؤتمر بما
يسمى بالتقرير العقائدي الذي جعل الاشتراكيين العرب أقرب إلى حزب البعث
لاعتبار أن الاتفاق نص على عدم الاستقطاب داخل الاشتراكيين العرب لتنظيم
حزب البعث ،وفي عام 1970م تم تشكيل قيادة فرع حزب البعث في إطار
الاشتراكيين العرب وكنت أحد أعضاء فرع حزب البعث في القطر ،وتولى قيادة
هذا الفرع قيادة تنظيم الاشتراكيين العرب ،وإذا أردت الحديث عن علي الريح
27
السنهوري أو أي من الشخصيات البعثية من الصعب أن تفصل بين العضو والحزب
فدور الفرد لا ينفصل عن دور المؤسسة الحزبية.
السودانيون في القيادة القومية كان أولهم الشهيد “محمد سليمان الخليفة” وكان عضواً
فاعلاً في الحزب على المستوى القومي ،وحينما حدثت ردة /23شباط -فبراير
1966م حيث قام انقلاب ضد الحزب في سوريا وانتحل اسم الحزب كان “محمد
سليمان” من المقاومين الأشداء لهذا النظام ولاعتبار أن النظام الانقلابي في 1966م
قد استهدف قيادات الحزب وكوادره المتقدمة مما أدى إلى شلل القيادة القومية ،بادر
وقتها “محمد سليمان” مع بعض الرفاق إلى تشكيل مكتب الاتصال القومي وإلى عقد
مؤتمر قومي وانتخاب قيادة قومية ،وانتخب هو أحد أعضائها وظل كذلك إلى عام
1971م حيث استشهد في الأراضي السعودية ،ثم من بعد ذلك وفي المؤتمر الحادي
عشر 1977م تم انتخاب المرحوم “بدر الدين مدثر” عضواً في القيادة القومية،
وكان موجوداً في “بغداد” وهو الذي كان على صلة حميمة إلى جانب رفاقه
الآخرين في القيادة القومية بالرفيق القائد الشهيد صدام حسين وبالقائد المؤسس
ميشيل عفلق ،واستمر عضواً في القيادة القومية حيث أعيد انتخابه في عام 1992م
عضواً بالقيادة القومية ،ولم أكن متميزاً عليه في العلاقة مع القائد الشهيد صدام بل
هو كان أقرب إليه بحكم مشاركته في العمل القومي منذ عام 1973م حيث خرج
من السودان في ذلك العام وظل مشاركاً في العمل القومي وفي بناء كثير من
تنظيمات الحزب على امتداد الوطن العربي.
تاريخ الحزب في مصر
كان البعض من العرب الدارسين في الجامعات المصرية وخاصة من القطريين
الأردني والسوري منتمين إلى حزب البعث العربي الاشتراكي ،فكان لهم دورهم
في نقل أفكار الحزب بين زملائهم ،ففي العام 1953بداء البعض من الطلبة
المصرين بالانتساب إلى الحزب ومعظمهم من كلية الطب والهندسة واستمر التنظيم
في تلك الفترة يمارس نشاطه في الوسط الطلابي مع ملاحظة إن أكثرهم من خارج
القطر المصري .
وعند تأميم قناة السويس ووقوع العدوان الثلاثي على مصر نشط الطلبة العرب
وفي مقدمتهم البعثيون في تحريك تظاهرات مؤيدة إلى حكومة الرئيس جمال عبد
الناصر وتعدى الأمر إلى إن البعض تطوع في حمل السلاح والقتال مع رفاقهم
المصريين ،فكان لهذه الأجواء اثر كبير في زيادة الانفتاح على الحزب والإقبال
على الانتساب إليه.
فقد نما التنظيم بشكل ملحوظ في هذا العام وارتفع إلى مستوى شعبة حزبية كبيرة
تكونت من ستة فرق حزبية ثلاثة منها في القاهرة ،وقبل قيام الوحدة بين مصر
28
وسورية عام 1958تضاعف العدد ووصل التنظيم إلى مستوى فرع ،فقد انتى
للحزب الموظفين والعمال وخاصة في منطقتي (إمبابة ) ومدينة العمال في طريق
حلون وكان انتماء العنصر النسائي ملحوظ .
في العام 1958أصبح للبعثين سيطرة ملحوظ في الجامعات المصرية فخلال
حديث أرد الرئيس عبد الناصر إلقاءه في جامعة القاهرة ،اتصل احد المسؤولين في
الحكومة المصرية بمسؤول منظمة الحزب طالبا منه أن يضع البعثيون كل قواهم
لمنع الفئات المعادية من تعكير الأجواء إثناء حديث الرئيس .
ملاحظة:
اعتقد إن حل الحزب في سوريا قد شمل التنظيم في مصر بعد اتفاق الوحدة بين
القطرين عام .1958
تاريخ الحزب في المغرب العربي
في النصف الثاني من الخمسينيات تكونت خلايا لحزب البعث العربي الاشتراكي في
أقطار المغرب العربي عن طريق الطلبة الذين كانوا يدرسون في الخارج وبخاصة
في القاهرة ودمشق وبغداد .
كان للحزب دائما دور رائد في المغرب العربي وللحزب علاقات مع إفراد بناها
القائد المؤسس ميشيل عفلق بحكم تواجده في باريس وهناك الكثير من الإطارات
تعتبر نفسها حليفا طبيعيا للحزب .وشهدنا بعد احتلال العراق نهوضا بعثيا في
الجزائر وأيضا حركة متميزة للرفاق في تونس.
ففي ليبيا لم يكن النشاط الحزبي ملحوظا إلا في مرحلة الستينات .فقد انتشرت
أفكار الحزب بين المثقفين والعمال وكانت العمل الواجهي يحمل اسم ( الشباب
العربي ) أو (الشباب العربي التقدمي في ليبيا) ،غير إن التنظيم هناك كشف عام
1961بمساعدة وتحريض من أجهزة المخابرات المصرية الأمر الذي أدى إلى
اعتقالات واسعة ومحاكمات لأعضاء الحزب بتهمة الإعداد لقلب نظام الحكم.
أما في الجزائر فقد انضم البعض من الطلبة الجزائريين إلى الحزب بالرغم من إن
قيادة الحزب كانت تتبنى ثورة لجزائر وكفاحه ضد الاستعمار الفرنسي بحماسة
شديدة ولم تكن تعنى بالكسب الحزبي استبعادا لأي حساسية قد تنجم عن ذلك ،
فضلا عن اعتقادها بان انتصار الثورة الجزائرية سيخلق أرضا خصبة وطبيعية
لانتشار الحزب أو أن الثورة ستلتقي حتما مع الحزب بصورة أو بأخرى.
انتسب الدكتور أحمد شوتري عضور القيادة القومية للحزب إلى حزب البعث
العربي الاشتراكي وهو تلميذ في السنوات الأخيرة من مرحلة دراسته الثانوية عام
29
،1972ليصبح فيما بعد عضوا بصفة رسمية بالحزب بعد سنتين من ذلك ،في العام
.1974
ويعتبر الرفيق أحمد شوتري من المؤسسين القلائل لحزب البعث العربي
الاشتراكي بالجزائر في بداية السبعينات ،حيث ساهم بشكل كبير في نشر أفكار
الحزب في وسط الشباب ونظم العديد منهم ،وتدرج في السلم الحزبي حتى أصبح
أمينا عاما للحزب وعضوا قياديا على المستوى القومي.
نشط عدد من التونسيين من أجيال مختلفة في حزب البعث خلال فترة دراستهم
بالمشرق العربي حيث درس عدد منهم بجامعات بغداد ودمشق وبيروت .ومن
أبرزهم أبو القاسم محمد كرو والميداني بن صالح ومحمد المسعود الشابي الذي كان
عضو القيادة القومية لحزب البعث بالعراق حتى العام .1973ويعتبر هذا الحزب
من أقدم الأحزاب السياسية في تونس فجلسته التأسيسية الفعلية عقدت سنة()1955
وقد ساهم أعضائه في النضال الوطني قبل وبعد الاستقلال.و كذلك النضال القومي
بالقتال لجانب العراق في حربه ضد إيران ومشروعها الصفوي الفارسي .وبرز في
أجيال لاحقة السيدان فوزي السنوسي الذي أسس حركة البعث سنة 1988وعفيف
البوني الذي خلفه على رأسها بعد وفاته...
وفي السنوات الأخيرة تخلى البعثيون التونسيون عن اسم حركة البعث ،وتعاملوا
باسم حزب البعث العربي الاشتراكي-تونس .ويتولى المسؤولية الأولى فيه الهادي
المثلوثي وهو أستاذ جامعي.
رغم المضايقات البوليسية للناشطين فيه وممارسات عهد بورقيبة وبن علي وتعذيب
قياداته بقي البعث التونسي صامدا .وتبقى المقولة الشهيرة للحبيب بورقيبة راسخة
في الأذهان "ألف شيوعي ولا بعثي واحد في تونس ".
نال الحزب الاعتراف في 2011بعد نجاح الثورة التونسية وزوال الديكتاتورية
وانفتاح الأفق السياسي والحريات تحت تسمية حركة البعث.
وقد عقدت حركة البعث القطر التونسي مؤتمرها التأسيسي الأول :مؤتمر الكرامة
2011وأفرز المؤتمر انتخاب قيادة جديدة على رأسها الأمين العام عثمان بلحاج
عمر وقد وقع التوافق على تكليف الأستاذ عزالدين القوطالي أحد رموز منظمة
الطليعة العربية في تونس بمه ّمة الناطق الرسمي باسم الحركة.
وفي المغرب تكونت خلايا حزبية في منتصف الخمسينيات ونمت بسرعة في
الستينيات ولكنها تعثرت بعد انكشاف أمرها لأنها كانت سرية ولم تستطيع
30
الاستمرار والنمو بالشكل المطلوب ،لقد تعرف أبناء المغرب على أفكار الحزب في
تلك المرحلة من خلال الطلبة الدارسين في الأقطار العربية والأوربية .
تاريخ الحزب في الجزيرة والخليج
انتشرت أفكار الحزب في السعودية منتصف الخمسينيات حيث قام البعض من
البعثين من سوريا وفلسطين العاملين في شركة الارامكو بالاتصال مع الطلبة في
المدرسة الصناعية بالمنطقة الشرقية من السعودية فارتبط البعض منم بالحزب .
نشط الحزب في أثناء فترة انتفاضة عمال الظهران في الأوساط العمالية .وكان من
أبرز الناشطين المناضل محمد الربيع الذي يعد من بين البعثيين السعوديين الأوائل
الذين آمنوا بأفكار حزب البعث العربي الاشتراكي قبيل مرحلة التأسيس الفعلي فكان
من المبشرين الأوائل والمناضلين الصادقين لتلك الأفكار.
كذلك لعب المناضل علي غنام دوراً هاماً في تأسيس الحزب وتم إعلان منظمة
أحرار الجزيرة العربية كواجهة لعملهم التنظيمي تذيل بها منشورات المنظمة حول
مختلف القضايا القومية ،وذلك قبل الإعلان عن تشكيل حزب البعث السعودي.
وفي عام ، 1956عقد أول مؤتمر حزبي وتم انتخاب قيادة للحزب وممثل عنه
لحضور المؤتمر القومي الرابع للحزب في بيروت حيث انتخب عبد الرحمن منيف
عضواً في القيادة القومية للحزب.
وبما إن الحكومة السعودية كانت تنتهج سياسة الحياد وعدم الانحياز ويظهرون
التقارب والتنسيق مع مصر وسورية ،فقد كانت أحداث قناة السويس والعدوان
الثلاثي على مصر مناسبة لتحرك القوى الوطنية والقومية من اجل التعبير عن
دعمها لحركة التحرر العربي وذلك من خلال جمع التبرعات للجيش العربي كما
أرسلت برقية ضد تجديد اتفاقية الظهران مع أمريكا موقعة من حوالي ثلاثة ألاف
شخص ،فما كان من السلطة إلا اعتقال ستين منهم واعتبروا محرضين ودعاة
لحزب البعث ،لكن الحزب استمر بالتوسع حيث بلغ حجم التنظيم مستوى شعبة في
الستينيات ،وكان عدد غير قليل من الطلبة ارتبطوا في الحزب عندما كانوا طلابا
في القاهرة وبغداد.
أيد الحزب الدعوات الإصلاحية الداعية لإصلاح النظام السياسي ،فأعلن عن
استعداده لممارسة المعارضة من المنبر البرلماني فيما لو تحقق ذلك ،وبعد تولي
الملك خالد بن عبد العزيز الحكم ،اصدر عفواً عاماً ،وعلى أثره عادت كوادر
الحزب وقياداته إلى السعودية.
31
أما بالنسبة إلى أقطار الخليج العربي الأخرى فقد انتشر الحزب هناك عن طريق
الوافدين من العمال العرب وبخاصة من أبناء فلسطين والأردن وسورية وكانوا
يشكلون الأكثرية في المنظمات التي عملت في الكويت والبحرين وقطر وكان ذلك
في منتصف الخمسينات حيث أصبح مستوى التنظيم في الكويت عام 1959
مستوى فرع .
لقد كان من أبرز البعثيين العرب الذين هاجروا إلى دوله الكويت للعمل في
القطاعات و المؤسسات التعليمية و الصحية ،التشييد و البناء أثناء تدفقات الثروة
النفطية في الكويت كل من ناجي علوش و زهير محسن و عبدالوهاب الكيالي ،فقد
استطاع هؤلاء المساهمة في بناء تنظيم بعثي غير رسمي في الكويت تركزت
نشاطاته على أيدي وافدين عرب في الكويت ،ويعود الفضل كذلك إلى عودة
الطلاب الكويتيين الذين درسوا في جامعات مختلفة في عدة دول عربية ،وقد أتوا
محملين بمبادئ حزب البعث و أفكاره و ساهموا في نشره من خلال منتديات و أندية
ثقافيه و قومية و اجتماعية و نذكر منهم :السيد حمد العيسى الذي استطاع تأسيس
نادي (الاتحاد العربي) كواجهة اجتماعية لحزب البعث و بعدها تحول إلى مركز
استقطابي و توجيهي للبعثيين في الكويت ،حيث كان له دور قومي فعال في دعم و
تشجيع نضال الشعب المصري أثناء تأميم قناة السويس.
وفي البحرين تأسس الحزب مع عودة الطلبة البحرينيين من الخارج بعد منتصف
الخمسينات ،حيث أسهمت العناصر البعثية في حركة الاتحاد الوطني المجيدة خلال
الأعوام . 1956 – 1954
كان النضال الوطني للبعث في البحرين مع نهاية الخمسينيات منصباً على
الأوضاع المعيشية والعمالية ،علاوة على التهديدات الإيرانية ومطالباتها بالبحرين
وانعكس ذلك على احتكاكات مع العناصر الإيرانية في البحرين ،والشعارات التي
كانت تعلن باسم البعث آنذاك.
أن تنظيم البعث في البحرين تنامي بصورة مؤثرة وواضحة مع نهاية الخمسينيات
ومطلع الستينيات .وتؤكد هذه الحقيقة مشاركة تنظيم البعث في البحرين بصورة
فاعلة في انتفاضة مارس 1965المجيدة في البحرين التي اندلعت على خلفية قيام
شركة النفط (بابكو) بتسريح العشرات من العمال البحرينيين.
وكان تنظيم البعث في البحرين في تلك الفترة نشطا للغاية وله وجود في صفوف
العمال والمدرسين والنسوة خاصة في القرى ،وصدرت عنه بيانات حول الانتفاضة
وغيرها من الأمور الخاصة بأوضاع البحرين حيث كانت تلك البيانات تصدر تحت
32
اسم منظمة الطليعة ،وسقط شهداء البعث آنذاك ،كما تعرضت أعضاءه للملاحقات
والاعتقالات.
وظلت أوضاع الحزب في البحرين في مرحلة مراوحة وسكون على خلفية هذه
التطورات ،حتى قيام ثورة الحزب في العراق في تموز /يوليو ، 1968حيث
باشرت القيادة القومية بعد الثورة بإعادة بناء تنظيم الحزب في البحرين ،حيث تولت
قيادة جديدة مشهود لها بالنضال الوطني والقومي مسئولية التنظيم ،وراح ينشط من
جديد في صفوف فئات الشعب كافة.
وكانت من أبرز نضال البعث في تلك الفترة هي تصديه للدعاوي والمطالبات
الإيرانية بالبحرين بعد إعلان بريطانيا الانسحاب من مستعمراتها في الخليج ،حيث
كان لحركة البعث في البحرين دور مؤثر في توجيه الرأي العام الشعبي نحو رفض
كافة الدعاوي الإيرانية والتأكيد على عروبة البحرين ،حيث حظي هذا النضال بدعم
الحزب في العراق ،وتوجت بإعلان استقلال البحرين عام 1971أثر الاستفتاء
الذي أجرته الأمم المتحدة.
وعلى أثر نجاح ثورة الحزب في العراق ،بدأت حركة نشطة وواسعة للتنظيم البعث
في البحرين لتوجيه الطلبة خريجي الثانوية لتكملة درا ستهم الجامعية في العراق
خاصة أن البحرين لم يكن يوجد بها جامعات آنذاك .وتدفق على الدراسة في العراق
مئات الطلبة في بغداد والبصرة والموصل والسليمانية.
لقد أحدثت هذه الخطوة نقلة نوعية في عمل تنظيم البعث في البحرين ،حيث بد أ
العشرات من الرفاق بالتخرج حاملين معهم شهادات في مختلف التخصصات،
وانخرطوا في صفوف الحزب في البحرين ،مما وفر شريان دافق بالحياة لانتشار
وتصلب عود الحزب في البحرين.
أسباب وعوامل عدم انتشار الحزب في مصر والمغرب العربي
والجزيرة والخليج العربي؟
1ـ إن الوعي القومي العربي في المشرق كان لظروف تاريخية وسياسية اقوى مما
كان عليه في مصر والمغرب العربي.
2ـ كانت وسائل الحزب وإمكاناته المادية والدعائية محدودة في الخمسينيات ،
الأمر الذي جعله تعثر إرسال الوفود والنشرات الحزبية إلى تلك الأقطار البعيدة عن
مركز القيادة.
33
3ـ عندما بدأت حكومة جمال عبد الناصر تحقق منجزات كبيرة كتأميم قناة السويس
والتصدي للعدوان الثلاثي على مصر واشتراك مصر بدول عدم الانحياز ووحدة
مصر وسورية عام ، 1958وصل ناصر الذروة في شعبيته ،فاستمعت الجماهير
العربية اليه وهو يهاجم الحزب والحياة الحزبية ،فشكل ذلك عقبة كبيرة في طريق
الكسب الحزبي في معظم الأقطار العربية .
4ـ اعتماد الحزب على النمو والانتشار في الوسط الطلابي في الأساس من جهة
والطبيعة البوليسية التي لاحقت نشاط الحزب في بعض الأقطار العربية ومنها
السعودية والخليج من جهة أخرى حالت دون انتشار الحزب ،بالشكل الذي انتشر
في الدول التي عرفت الحياة البرلمانية والأحزاب السياسية كالعراق وسورية
والأردن ولبنان.
5ـ النكسات والأزمات الداخلية التي تعرض لها الحزب تنظيميا وسياسيا في تلك
المرحلة ،أسهمت في إضعاف قدرة الحزب على الانتشار .
الملحق :
مقالات ذات علاقة مع الموضوع
البعث الابن الشرعي للأمة العربية المجيدة
حزب البعث العربي الاشتراكي ولد ولادة شرعية جراء معاناة وألم امة حية
،ولد البعث من رحمة الأمة وكان معبرا تعبيرا حقيقيا عن أحلامها
وتطلعاتها وأمالها بمستقبل أفضل ،تكون قادرة فيه على العطاء والإبداع
كما كانت أيام الدولة العربية الإسلامية في ظل الخلافة الراشدة والدولتين
العربيتين الإسلاميتين الأموية والعباسية.
الأمة العربية من الأمم الحية التي لا تموت ،قد تمر في مراحل انحطاط
وتخلف وانكسار جراء الهيمنة الأجنبية عليها لكنها لا تموت فهي تنهض
من بين الركام ،نهضت بعد الاحتلال ألصفوي والعثماني بخروفيهم الأسود
والأبيض وغيرها من المسميات منتفضة لكن انتفاضتها أجهضت على يد
الاستعمار الأوربي بعد الحرب العالمية الأولى وللأسباب المعروفة ،ثارت
وطردت المحتل بعد الحرب العالمية الثانية ،لكن ثوراتها أجهضت من جديد
وللأسباب المعروفة أيضا ،قدمت الشهيد تلو الأخر في ثورتها ووثبتها
وانتفاضاتها على طريق التحرر لتحقيق أهدفها في امتلاك الإرادة الحرة
34
الواعية للشروع في مشروعها الحضاري والإنساني.
ولد حزب البعث العربي الاشتراكي كمنظمة سياسية قومية شعبية اشتراكية
انقلابية شعارها )امة عربية واحدة ـ ذات رسالة خالدة) ،وأهدافها
الإستراتيجية(،وحدة ـ حرية ـ اشتراكية) ،يقول الرفيق المرحوم ميشيل
عفلق في 16أيلول عام 1945إجابة على سؤال لجريدة النضال:
السؤال ـ ما لذي دفعكم لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي؟
الجواب ـ (الدافع هو شعورنا بالضرورة التاريخية ،فالمجتمع العربي يقف
اليوم على مفترق طرق .وهو أما أن يستمر في الطريق الذي يسيره فيه
قادة السياسة الحاضرة ،الذين يرضون بالواقع الفاسد فيستنكرون على البلاد
هذا التقدم الضئيل وهذه النتائج الطفيفة التي انتهت إليها سياستهم في أربعين
سنه ،ويحكمون هكذا على الأمة بان تبقى متأخرة مهملة الوزن في العالم،
وأما أن يوقف العرب هذا التدهور بنتيجة تحول عنيف ،واستجماع للإرادة،
ووعي الإمكانيات الحقيقية الكافية ،فيسيروا في طريق جديد صاعد ،يستمد
قيمه وأحكامه وغايته من خصال العربي الأصيل ،ومبادئ الرسالة العربية
المتعالية على الواقع ونسبية أحكامه .هذا الطريق الجديد يقتضي ظهور
قيادة جديدة تمثل جوهر الشعب لا ظاهره ،ومستقبله لا حاضره ،وبهذا
المعنى يكون حزبنا حزب الجيل العربي الجديد ،الزاخر بالأمل والنشاط،
والمتطلع إلى مستقبل يليق بماضي أمته المجيد ،وبحاضر الأمم القوية
الراقية ،والذي يريد أن تكون السياسة العربية رسالة لا حرفة )
قامت عقيدة البعث القومية على أسس ثلاث وهي إن الحزب عربيا،
انقلابيا ،شعبيا ،عربي بمعنى انه لم يكتفي بإقرار الفكرة القومية بل جسدها
في واقعه من خلال قيادة قومية تمثل اعلي سلطة في الحزب وتمثل
تنظيمات الحزب المنتشرة في كل الأقطار العربية ،والحزب يتعامل مع
مشكلات الأمة العربية ككل لا يتجزأ ،فهو لا يعالج المشاكل القطرية إلا
على ضوء مصلحة الأمة العربية الواحدة ،وقد ترجم الحزب ذلك عبر
مسيرته في القطر العراقي قبل الاحتلال الذي جاء ليسقط تجربة البعث
القومية لأنه وجد فيها التهديد الحقيقي لمصالحة في المنطقة العربية ،والدليل
على ذلك هوان القرار الأول الذي أصدره المحتل هو قرار (اجتثاث
البعث).
أما الركن الثاني في عقيدة البعث فهي إن الحزب لا ينظر إلى الأمور
35
السطحية والعارضة في السياسة العربية وإنما يسعى إلى قلب أسس هذه
السياسة ،ويعتقد إن الإصلاحات الثانوية التي تنادي بها الحكومات العربية
الحاضرة وتعتبرها رئيسية تتبع حتما ذلك الانقلاب ،والانقلابية قد جسدها
البعث في ظل حكمه للعراق عبر خمسة وثلاثين سنة فهو الذي أمم النفط
وهو الذي قضى على الأمية وهو الذي اصدر بيان آذار وأعطى حقوق
الأقليات في العراق وهو الذي قاد تنمية شاملة في كل الميادين وكان بحق
انقلابا شامل على كل ما هو مألوف في حياتنا العربية المعاصرة الأمر
الذي قاد إلى أن تتعرض تجربته إلى هجمة امبريالية وصهيونية وصفوية
ورجعية.
إن الأهداف والغايات التي حددها البعث والتي نشرها في العام 1946في
العدد الأول والثاني من جريدة البعث والتي نلخصها في النقاط التالية والتي
نجد إن الضرورة تقتضي التعريف فيها بعد أن تعرض البعث إلى ما
تعرض إليه عبر الماكينة الإعلامية الامبريالية والصهيونية والصفوية هي
1ـ حزب البعث حزب عربي ليس في اسمه وفي غايته فحسب ،بل أيضا
في واقعه وتنظيمه وأسلوب عمله فتنظيمه في سائر الأقطار العربية وهو لا
يعالج السياسة القطرية إلا من وجهة نظر المصلحة العربية العليا.
2ـ هدفه تحرير العرب في جميع أقطارهم من كل أنواع الاستعمار
الأجنبي ،وتنظيم الأمة العربية في دولة مستقلة واحدة قائمة على فكرة
القومية العربية في سبيل تحقيق النهضة الحديثة الشاملة وبعث الرسالة
العربية الخالدة.
3ـ الفكرة القومية العربية هي الإيمان العميق بأن الشعب العربي عريق
بين الشعوب في نبله وتعشقه للحرية وان له عبقرية خاصة وحيوية متجددة
تحفزه باستمرار إلى إظهار نشاطه وكفاءته في أعمال الفكر والعمران
وميادين البطولة ليكشف عن عبقريته ويثبت شخصيته على أكمل صورة
تتمثل فيها الإنسانية الصحيحة.
4ـ العربي هو من كانت لغته العربية وعاش في الأرض العربية أو تطلع
إلى الحياة فيها وتشبعت روحه بالقومية العربية والولاء الخالص للغة
العرب وتاريخهم المجيد في الماضي ،وكان في إيمانه بوحدة مصيره معهم
يتشوق إلى مستقبل خليق بهذا الماضي ،ولم يشرك في ولائه أمة أو فكرة
أخرى ثم كانت أفعاله منسجمة مع عقيدته.
5ـ غير العرب من الأقليات القومية التي لا يمكن أن تندمج في المجموع
36
العربي وتستعرب بصورة تامة تخضع لقوانين خاصة تحدد حقوقها
وواجباتها بصورة تمنعها من الإضرار بمصالح العرب.
6ـ الشعب العربي مصدر كل سلطة لذلك وجب إلغاء كل ما عقدته
الحكومات من معاهدات واتفاقات وصكوك تخل بسيادة العرب التامة.
7ـ الشعب العربي مصدر كل قيادة ،وقادة الشعب العربي هم الذين فيهم
تتمثل عبقريته وفضائله يخرجون من صميمه لا من الطبقة المستغلة التي
اختلطت بالأجانب وطغت عليها المصالح الشخصية.
8ـ الدولة العربية دولة اشتراكية بمعنى إن مصلحة المجموع هي فوق
مصلحة الفرد والطبقة ،وان غاية الدولة إسعاد اكبر عدد من أفراد الشعب
العربي وتزويدهم بكل الوسائل والفرص ليستطيعوا تحقيق عروبتهم على
أكمل صورة ،وهذه الاشتراكية تستمد من روح الأمة العربية وحاجاتها
العميقة وأخلاقها الأصيلة ولا تستند إلى إي نظرية أجنبية.
9ـ إن حق التملك يجب أن يبرره الجهد والعمل وان لا يتعارض مع
المصلحة العامة وان لا يخل بالانسجام القومي والعدل الاجتماعي.
10ـ جعل المؤسسات والموارد والمرافق ذات النفع العام ملكا للدولة،
وإخضاع جميع الصناعات والمشروعات الاقتصادية لرقابة الدولة تبعا
للسياسة الاقتصادية العربية العليا من جهة ،ووفق مبدأ الانسجام القومي من
جهة أخرى ،ولمنع استغلال رأس المال لحق العمل.
11ـ على الدولة أن تضمن لكل فرد من أفراد الشعب العربي عملا يعيش
من ثماره عيشا كريما .ولا يجوز أن تستخدم الأجانب في المشروعات
الاقتصادية العامة والخاصة أذا كان بين المواطنين العرب من يمكنه أن
يحل محلهم.
12ـ على كل مواطن عربي أن يمتهن عملا فكريا أو يدويا شريطة أن
يخدم عمله مصلحة المجموع وينسجم معها.
13ـ سن تشريع اجتماعي يحدد حقوق وواجبات رأس المال والعمل،
والعلاقة بينهما على أساس مبدأ الانسجام القومي ،ويكفل إنشاء مؤسسات
غايتها حماية المواطنين العرب من البطالة والمرض والعجز وطوارئ
العمل.
14ـ التعليم في البلاد العربية موحد في الفكر والأسلوب يقوم على أساس
37
الفكرة العربية التي تعتبر الأمة العربية وحدة حية في ماضيها وحاضرها
ومستقبلها ويوجه وفقا لأهداف النهضة القومية المنشودة.
15ـ التعليم الابتدائي إلزامي ،وعلى الدولة ان تمكن كل عربي من نيل
النصيب الكافي من العلم والمعرفة والوصول الى المراكز التي يؤهله لها
عمله وإخلاصه.
16ـ أيجاد كليات ومعاهد في جميع نواحي النشاط العلمي وتطبيقاته تسمح
لا صحاب المواهب بمتابعة بحوثهم المختلفة.
17ـ إخضاع المدارس والمعاهد الأجنبية لكل فوانيين الدولة العربية.
18ـ حصر مهنة التعليم وكل ما له مساس بالتربية الوطنية بالمواطنين
العرب ،يستثنى من ذلك التعليم العالي.
19ـ توجيه كل وسائل النشر نحو كل ما يتفق ومصلحة القومية والأخلاق
العربية.
20ـ جعل الحالة الصحية في مستوى راق بين كل الطبقات وفي جميع
مناطق البلاد العربية وتربية النشء الجديد تربية بدنية سليمة.
السؤال :
هل انسجمت هذه التجربة العملية للحزب في العراق مع الأفكار النظرية
لحزب البعث العربي الاشتراكي بعنى هل استطاعت الحزب أن يحول
النظرية إلى ممارسة عملية (نظرية عمل)؟
إن أي عاقل منصف يتمتع بضمير حي يستطيع أن يرى ان الغايات
والأهداف التي أرادها البعث والمنشورة عام 1946والمكتوبة أعلاه،
طبقت في دولة البعث ،وزاد عليها ما هو جديد ،إن من عاش في ظل
التجربة يعرف جيدا ما معنى قرار التأميم ومحو الأمية وبيان آذار ،اما
الأجيال التي ولدت بعد الاحتلال فحقها أن تعرف حقيقة التجربة عبر من
واكب المسيرة من العرب والعراقيين والذين يتمتعون بضمير حي منصف.
سيبقى البعث كما عرفناه حيا ،صامدا ،مجاهدا معبرا عن ضمير الأمة.
ستبقى تجربة البعث في العراق شامخة ،ستبقى المقاومة البعثية على امتداد
الساحة العربية خير مترجم لمواقف البعث وشعاراته ونظريته الممتدة من
مرحلة التأسيس حيث جاهد الرفاق الأوائل في فلسطين إلى يومنا هذا،
38
فالبعث امن بان العمل الشعبي المسلح هو طريق التحرير.
سيبقى قادة البعث نبراس فخر واعتزاز لأبناء البعث والأمة العربية المجيدة
والشرفاء في العالم وهم يعانقون السماء عبر المشانق وعبر النضال الدائم.
البعث ليس حزبا ملحدا ولا حزبا دينيا
كثرت في الآونة الأخيرة البعض من المفردات التي يستخدمها البعض من
أعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي والتي تتماها مع المفردات التي
يستخدمها الإسلام السياسي الأمر الذي يدعو المتابع إلى التوقف طويلا أمام
السؤال الآتي :
هل أصبح حزب البعث العربي الاشتراكي حزبا دينيا وهل إن هناك تغيرا
معينا قد شمل منهجه المعروف؟؟؟
وإذا ما أصبح حزبا دينيا كغيره من الأحزاب الدينية السياسية فعليه ان
ينحاز إلى اتجاه فقهي معين وبهذا يسقط في ما سقطت فيه الأحزاب
السياسية الإسلاموية ( الاحتراب الطائفي ( ،فبدل من شعار الوحدة الذي
يدعو إلى انصهار الأمة العربية في بودقة واحده ستكون الفرقة والتناحر
والدعوة إلى تقسيم القطر الواحد إلى أقاليم وتقسيم المحافظات إلى شرقية
وغربية من ابرز النتائج المترتبة على هذا التحول ،أما هدف الحرية فسوف
يطلق بالثلاث ،وهذا ما أفرزته تجربة الأحزاب الاسلاموية في العراق
المحتل على سبيل المثال .
إن تحول الحزب إذا ما حدث فانه سيتحول من رقم صعب في المعادلة
القومية والقطرية إلى رقم يضاف إلى العديد من الأرقام التي لا تقدم ولا
تؤخر ،فحزب البعث العربي الاشتراكي ليس حزبا دينيا لكنه ليس حزبا
ملحدا كما يحلو للبعض من الحاقدين والشعوبيين تسميته انه حزب الأيمان
ضد الإلحاد ،حزب الرسالة الخالدة وراية الله اكبر.
إن حزب البعث العربي الاشتراكي ومنذ تأسيسه قد استند إلى الفكر
الاشتراكي التحرري الديمقراطي فكان حزبا عقائديا ،انطلق من الأيمان
العميق بالفكرة القومية و القومية العربية ،وقد الحزب تعامل مع الدين
الإسلامي الحنيف استنادا إلى الأصول والمصادر الأساسية ،وليس من
خلال الاجتهادات والأحكام الفرعية اللاحقة وقد قاده هذا التعامل إلى حالة
من حالات التوازن الكاملة في فهم الدين عموما ،وعلاقة الإسلام بالعروبة
خصوصا ،فالإسلام والعروبة وجهين لحقيقة واحدة ،إن نظرة الحزب إلى
39
الدين هذه تختلف عن التيارات والحركات السياسية الدينية التي أخذت من
الفرعيات والمصادر الاجتهادية اللاحقة ،بصرف النظر عن ادعاءاتها .
وإن نظرة البعث إلى الإسلام السياسي لم تكن ردة فعل لما يجري اليوم في
العراق والوطن العربي بل هي ابعد من ذلك ففي 16تموز 1954اصدر
حزب البعث العربي الاشتراكي بيان موجه إلى الشيخ (مكي الكتاني) ردا
على بيان أصدره متجنيا فيه على الحزب في (المعرة السورية) اقتطف منه
ما يسلط الضوء على موقف الحزب من الإسلام السياسي ،يقول البيان (
فهل تعرف المعرة أيها الأستاذ وتعلم شيئا عن أحوالها الاجتماعية
والمعايشة وعن تسخير فلاحيها من قبل ملوك تلك البلدة الإقطاعيين؟ إذن
لعرفت إن العداء المستحكم فيها يتعلق بالظلم الاجتماعي والتحكم السياسي ،
ولئن كان هنالك من يدافعون عن الدين ،فثق أنهم ليسوا أولئك المستثمرين
،بل هم المحرومون والمظلومون من أبناء الشعب ،الفلاحين ،فعند بزوغ
فجر الإسلام ،منذ اربعة عشر قرنا ،لم يعتمد رسول الله عليه الصلاة
والسلام على أبى جهل وأبى سفيان وتجار قريش وأغنيائها وسفهائها ،بل
اعتمد على الذين تخلوا عن أموالهم وجاهدوا بأنفسهم وحاربوا الطغيان
كأبي بكر الصديق وعلي بن أبى طالب رضي الله عنهما وعلى جماهير
الفقراء المتألمين ،بلال ،وسلمان و أمثالهما من المؤمنين .ثم ذكرت في
بيانك عن حزبنا *انه لم يقصر عمله على السياسة ،و إنما اخذ يحارب
الدين ويتبع غير سبيل المؤمنين ،واخذ أنصاره يحاربون الله ورسوله
ويعيثون في الأرض فسادا* .فكيف تجيز ،وأنت الذي اخترت لنفسك اسم
نائب رئيس رابطة العلماء وتحملت بذلك مسؤولية خطيرة أمام الله وعباده ،
لان العلماء ورثة الأنبياء ،فكيف تجيز لنفسك أن تقذف هذا الحزب ورجاله
بهذه التهم الطائشة الآثمة ،دون أن تتثبت وتتبين؟ وما هو مقصدك من
إشاعة التهم بحق الحزب ؟ فأنت تعرف بأنها تلفق في دوائر الاستخبارات
الأجنبية وفي معامل الشركات الرأسمالية وعلى موائد الخمر والميسر ،
وفي مكاتب دعاية بعض الأحزاب المأجورة مع العلم إن رجال الدين
الصادقين قد أبوا على أنفسهم أن يكونوا أداة للدعايات الاستعمارية الأجنبية .
ثم هل اتصلت بأحد من قادة الحزب وشبابه وأنصاره ،لتستفهم قبل أن تتهم
،وتتبين قبل أن تجزم كما أمر الله تعالى .ولم لم تتصل بهم ،وأنت تعرف
إن أكثرهم ينتمون إلى عائلات مسلمة صادقة الأيمان ؟ وهب انه بلغ سمعك
وشايات الكاذبين و أخذت بها ،فهل حاولت الدعوة بالكلمة الطيبة
والموعظة الحسنة ،كما نأمر تعاليم الإسلام؟ كلا انك لم تفعل شيئا من هذا
بل حملت وزر تكفير المؤمنين ،ومن كفر مؤمن فقد كفر ،تعلم إن حزبنا
40
حزب سياسي ،وان له دستورا مكتوبا ومنهاجا سياسيا واضحا .فهل قرأت
دستور ه وتتبعت منهاجه ،وهل وجدت فيهما إلا ما يسمو بالنفس ،يدعو
إلي مكارم الأخلاق ،وينظم الصفوف ضد الطغيان والاستعباد والاستعمار .
ولم لم تفعل ذلك و أخذت بالإشاعات المغرضة التي يروجها الاستعمار
وحلفاؤه في الداخل؟
أيها الأستاذ ،ليس للاستعمار بعد الآن من حيلة للتفريق بين الشعب وقادته
المؤمنين المخلصين ،غير إيهام الشعب بأن المبادئ التقدمية والعمل
القومي الصادق والأيمان بمستقبل الوطن ،أمور تخرج عن الدين ،غير إن
الدين في جوهره ليس إلا العمل لزيادة التآخي بين الناس ،وشد عرى
التضامن بينهم ،ورفع الحيف عن فيقرهم ،والضرب على يد الظالمين
والمستثمرين ،وليس الدين هو الدعوة إلي الفتنة والتحريض على القتل
والعمل لتفرقة الصفوف .وأننا لنعلم علم اليقين إن كل دعوة حق تقابلها فتنة
باطل ،وان للباطل جولة ثم يضمحل).
إن أي محاولة بسيطة لإسقاط ما في هذا البيان على واقعتا الحالي كفيلة
لتبين الحق من الباطل لكل إنسان عاقل حياه الله ببصر و بصيرة ،فكم فرد
من الذين سيسوء الدين اليوم يشعر بما يعانيه الشعب الجائع في العراق
والوطن العربي وكم فتوى طائفية بهدف القتل والدمار يطلقها معمم في
مساجد الله ،وكم هو عدد المعممين وغير المعممين من انساق وراء الدعاية
الإمبريالية الأمريكية واتهم حزب البعث العربي الاشتراكي بالكفر وكفره ،
وكم من هؤلاء عرف شيء عن دستور البعث ومنهاجه ؟ لا اعتقد إن أحد
من هؤلاء يستطيع الإجابة ،فالحقد الأسود يملأ قلوبهم إلى جانب الحقد
الشعوبي الذي يكره كل ما هو عربي وبالتالي البعث الذي ينادي بنهوض
الأمة العربية من جديد لحمل رسالتها الخالدة إلى الإنسانية.
إن حزب البعث العربي الاشتراكي ،هو الحزب الاشتراكي والثوري
الوحيد الذي أعطى المسألة الدينية اهتماما بارزا في عقيدته ،وفي سلوكه
السياسي والاجتماعي .فموقف البعث قد عبر عنه القائد الشهيد حينما قال (
أننا لسنا حياديين بين الأيمان والإلحاد ،إننا مؤمنون) ،فالحزب يعتبر
الإسلام ثورة عظمى في التاريخ الإنساني ،كان للأمة العربية الفضل
التاريخي في نشرها على البشرية ،وقد دعا الحزب إلى استلهام الرسالة
الإسلامية في عملية الانبعاث المعاصر للأمة العربية فالمرحوم القائد
المؤسس احمد ميشيل عفلق وتحت عنوان ذكرى الرسول العربي عام
1943قال ( :إذا كان محمد كل العرب فليكن العرب اليوم محمدا(.
41
حكم حزب البعث العربي الاشتراكي العراق 35عام دون مشكلة بينه وبين
الدين كما هو حاصل اليوم في ظل الاحتلال والأحزاب الاسلاموية التي
تتستر بالدين ،لم يدعو الحزب إلي بناء دولة على الطراز الديني و إنما دعا
إلى بناء دولة على أساس الرابطة الوطنية في إطار القطر الواحد وعلى
أساس الرابطة القومية في إطار الوطن العربي الكبير ...تستلهم الإسلام
كرسالة ...وثورة ،واعتبر الإسلام جوهرا أساسيا في القومية العربية ،
فحزب البعث العربي الاشتراكي لم يأت بعقيدته عبر خليط هجين وحلول
وسط بين الاتجاهات المتناقضة التي تعج بها المنطقة العربية ،و إنما عبر
عن موقف قومي عربي أصيل نابع من تراث الأمة القومي والديني ،
وتعامل مع إفرازات العصر الحديث في إطار النظرة القومية الشاملة ،
فالحزب وعبر مسيرته النضالية التي امتدت سنين وقف موقفا صلبا أصيلا
متماسكا من كافة القضايا الجوهرية كالقضية الوطنية والقومية ،والدين ،
والاشتراكية.
البعث ينطلق من جديد
بدأ قطار البعث يعانق الشمس لتحقيق أهداف الأمة العربية المجيدة في الوحدة
والحرية والاشتراكية حاملا شعار امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ،منطلقا من
مقهى الرشيد الصيفي في دمشق العاصمة السورية في 7نيسان 1947وكان عدد
من استقل هذا القطار يعدون بعدد الأصابع لكنهم كانوا يحملون أحلام امة حية وكان
حادي المسيرة الرفيق المؤسس احمد ميشيل عفلق رحمة الله عليه وكان صلاح
الدين البيطار وغيرهم رحمة الله عليهم .
توقف هذا القطار في لبنان والعراق والأردن ليأخذ الشباب المؤمن بالأمة ورسالتها
الخالدة مقاعدهم فيه ،وكان أول انجازاتهم الوحدة العربية بين سوريا ومصر بعد
11سنة من الانطلاق وثورتي عام 1963في العراق وسوريا ،أنها فترة قياسية
وقصير من عمر الشعوب لكن الفكر العملاق والحب البعثى والسمات التي اتسم بها
البعث كان وراء هذه الانجازات ،وكان شاعر البعث الرفيق صالح مهدي عماش
رحمة الله عليه يقوم:
أمنت بالبعث ثالوثا أقدسه وبالرسالة فان البعث جبار
وقول :
نحن الشباب على المشانق نصعد وفي سبيل البعث لا نتردد
42
واستمرت المسيرة وانطلق قطار البعث من المشرق العربي إلى مغربه ،ازدادت
المحطات وكان الشباب يصدحون بالأناشيد التي تعرب عن أحلامهم الكبيرة وكان
أبو القاسم ألشابي
فلابد إن يستجيب القدر إذا الشعب يوما أرد الحياة
إلى قوله:
ومن يتهيب صعود الخبال يظل ابد الدهر بين الحفر
وكان سليمان العيسى
سمراء صحرائي ونسر اسمر ورسالتي علم الخلود الأخضر
وكان أنشودة البعثيين الخالدة
بلاد العرب أوطاني
من الشام لتطوان
ون نجد إلى يمني
الى مصر فتطواني
ترجل من هذا القطار الريماوي والركابي والسعدي وتامر الاسد بهدف حرف
القطار عن سكته لكن القطار استمر وبقوة واندفاع وكان صمام الأمان القائد
المؤسس .
وكان من شابا من اجمل الشباب وأقواهم ينتظر القطار في محطته في العراق استقل
القطار واخذ مقعده في صدارته مع الأب القائد احمد حسن البكر.
وكانت ثورة 17ـ 30تموز الثورة البيضاء التي كانت ردا على ردة تشرين في
العراق وانحراف آذار في سوريا ونكسة العرب في عام ، 1967وكان الشاب
صدام حسن والأب القائد والأمين العام للحزب عزة إبراهيم الدوري والرفيق طه
الجزراوي والرفيق طارق عزيزوالرفيق سعدون شاكر من بين ركب القطار.
أثارت سرعة وحركة قطار البعث القوى الكبرى والصغرى وثعالب الكروم فكان
العام 3003الأسود ،وكان الرد البعثي المقاوم وكان الرفاق يصعدون على
المشانق كما قال الرفيق صالح مهدي عماش بلا تردد ،وكانوا يعانقون المشانق من
اجل حزبهم وشعبهم وأمتهم .
43
حينما اعتقد المحتلين أمريكان وفرس وتابعيهم والبعض من العرب إن القطار قد
توقف وان المحطات قد أغلقت رغم الجهد المقاوم الذي جعل المحتل الأمريكي يلعق
دمه .
كانت البداية
هذه السنة ولمناسبة ذكرى اغتيال شهيد الحج الأكبر ينطلق أكثر من قطار يحمل
شباب البعث بنفس الأحلام وهمة اكبر مصممين على تحقيق أهداف الأمة العربية
ورافعين شعار البعث ،ومنطلقين من أكثر من محطة فمن طرابلس في لبنان ومن
عمان والكرك في الأردن ومن موريتانيا والجزائر والسودان ومن النمسا وبرلين
ومحطات أخرى .
والسؤال هو :
إذا انطلق القطار من محطة واحد وبعدد قليل من انطلاقته حقق ما حقق ،فما لذي
تكون عليه الحال مستقبلا والقطار ينطلق من عدت محطات وبهذا النوع والعدد من
الرجال المؤمنين بقضيتهم والذين يحملون أكفانهم على أيديهم ليلحقوا برفاقهم
الشهداء وحادي المسيرة هذه المرة القائد عزة إبراهيم الدوري حماه الله؟؟؟
يقال إن قطار الثورة يحمل الثوار ويتسلقه البعض من الذين في نفوسهم مرض أو
من الذين إصابتهم حمى النرجسية أو الذين أتعبهم السفر أو ...الخ ،فندعوهم دعوة
صادقة إلى الترجل وشكرا لهم ،وواجب علينا أخر ان نذكر من يصر على البقاء
مختفيا في القطار بهدف التخريب بمصير الريماوي والركابي والسعدي .
المركزية على حساب الديمقراطية
إن ما تعرض له حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق من قوانين( قرقوشية
) ،ومن شتى صنوف الاغتيالات والتعذيب والسجن والتشريد بحق أعضاءه
وغوائلهم معروفة ،والمعروف أيضا كيف استطاع الحزب امتصاص زخم الهجوم
المعادي والشروع بالهجوم المقابل بعد أن تخلص من النباتات الضارة والمتسلقة.
فقد عمل الحزب وبسرية تامة ليبقى وأعضاءه بمأمن من الضربات الحاقدة
وبالوقت نفسه استطاع بهذه السرية أن يثير هلع ورعب الاحتلال الأمريكي
والإيراني.
إن صيانة الحزب لتشكيلاته هو الإجراء الحيوي الذي يأتي عبر تفعيل مبدأ
الديمقراطية المركزية ،فبالوقت الذي تسعى فيه قوى الشر لكشف الحزب وضربه
فان الحزب يقدم المركزية على الديمقراطية من اجل المحافظة ما يلي :
44
1ـ الأسلحة والمعدات الفنية وغير الفنية العسكرية التي يستعملها الحزب والتي
تضمن للحزب إدامة زخم المعركة المفتوحة مع العدو.
2ـ دور الطبع ومراكز التوزيع وأجهزة المراسلة والممتلكات والنقود وغيرها من
المستلزمات .إن بقاء هذه في مأمن من رصد القوى المعادية يوفر للحزب إمكانات
العمل المنتج بحرية ومقدرة فائقة.
3ـ العناصر المناضلة الهامة وما يتعلق بها من معلومات ( :الأسماء ،العناوين،
الأوصاف ،الارتباطات العائلية ،الخصائص السلبية والايجابية ،درجة الانتماء
الحزبي ،محلات السكن ،أماكن التردد والسفر والتنقل ..الخ.
4ـ مواقع المنظمات السرية ،قوتها وسعتها ،حتى لا يستطيع العدو أن يمتلك أي
فهم أو انطباع لطبيعة المنظمات الحزبية ،لان معرفة قوة الحزب تدفع العدو إلى
وضع خطة للهجوم الانتقامي ،إن ما يؤرق العدو هو جهله بنوعية وحجم منظمات
الحزب السرية.
5ـ روابط التنظيم السري الخارجية وعناصر الاتصال حيث من الضروري جدا
إخفاء روابط التنظيم السري بالقوى والحركات الأخرى وبذل اكبر ما يمكن من
الجهود لتغطية عناصر الاتصال وذلك لان كشفها يوقعها في حالة من حالات
الانعزال عن القوى السياسية والاجتماعية الأخرى.
إن سرية التنظيم تتقرر بالدرجة الأولى حسب طبيعة العدو ولا يمكن التخلي عن
الصيغة السرية للتنظيم تبعا لاعتبارات وقتية كأن يقدم العدو مثلا تسهيلات معينة،
يجب على الحزب إن يقوم على تنظيم سريته وبشكل دقيق وحذر في الأيام التي
يسلك فيها العدو سلوكا ماكرا في ابدأ مرونة وتسهيلات معينة وتحت إي ظرف،
على أن ذلك لا يعني عدم الاستفادة من هذه المرونة ،بشرط أن تتم الاستفادة تكتيكيا
ضمن شروط سرية التنظيم وسرية التحرك والمجابهة.
من المعروف أن حزب البعث العربي الاشتراكي يعمل وفق مبدأ معروف
وهو(الديمقراطية المركزية) ،فالمبدأ هذا يأخذ سياقات اهرى غير السياقات المعمول
فيها أيام النضال الايجابي ،فزيادة المركزية على حساب الديمقراطية أيام العمل
السري ضرورة لا بد منها ،بمعنى إن الديمقراطية المتمثلة في الانتخابات العامة
الشاملة لا يمكن الوصول إليها في فترة تعرض الحزب للقمع والإرهاب والمطاردة
بهدف الاجتثاث ،غير إن تقلص حدود الديمقراطية الاضطراري يقود إلى ممارسات
ديمقراطية هامة تستطيع التعويض إلى حد كبير عن نقصان الديمقراطية وزيادة
المركزية ،ومن هذه الممارسات تثبيت مبدأ القيادة الجماعية مع ما يحمله هذا التثبيت
أحيانا من مواقف تؤدي إلى مبادرة الكادر المسؤول في حالات انقطاع الصلات
45
بفعل ظروف طارئة أو اعتقال أعضاء التنظيم ...الخ ،وبسبب القسوة والبطش تلجأ
القيادة إلى الاتصال بقواعد الحزب بطريقة الاتصالات الفردية والثنائية فلا مجال
في هذه الظروف لعقد اجتماعات منظمة لخلايا الحزب.
إن أساس الديمقراطية أيام العمل السري هو الثقة الحزبية الناجمة عن صواب
الموقف السياسي للقيادة والاحترام المتبادل بين القواعد والقيادة وتوافر الكادر
القيادي الموثوق فيه ،لذلك لا ينبغي لنا الخوف على الديمقراطية داخل التنظيم في
ظل ظروف العمل السري ،مادام خط الحزب العام سليما فالضرورة الكبرى التي
تدعو الحزب الى الحفاظ على أقصى السرية فوق بقية الضرورات التنظيمية
الأخرى ،فهدف السرية هو حماية الحزب لاسيما وهو يتعرض لا بشع هجمة
امبريالية صهيونية عرفها التاريخ المعاصر ،لنأخذ مثل حي على ذلك :إن عقد
مؤتمر قطري للحزب بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ضرورة ملحة لكن القيادة لم
تعقد هذا المؤتمر والسبب في ذلك هو حماية الحزب ،فلا الوقت مناسب ولا الظرف
الموضوعي مناسب ولا الأرض تسمح لانعقاد مثل هذا المؤتمر وبالطريقة التي
يريدها الحزب ،فانعقاد مثل هذا المؤتمر بنجاح يتطلب حضور مندوبين من الداخل
والخارج ويتطلب مكان امن ويتطلب أمور كثير أخرى فهل تتوفر مثل هذه
الظروف في ظل الاحتلال؟ اعتقد إن الجواب كلا ،إن إي دعوة لانعقاد مؤتمر تعني
تصفية للمؤتمرين.
إن أدبيات حزبنا العظيم حزب البعث العربي الاشتراكي تشير إن هناك الكثير من
المخاطر الناجمة عن سرية التنظيم علينا توخيها وهي:
1ـ إن تقلص الديمقراطية في الحزب قد تقود إلى البيروقراطية التي تؤدي إلى
إشكالا متباينة في السلوك ،كالفردية والغرور والامرية ونزعة عدم الاكتراث لرأي
القواعد ،فالبعض يعتقد إن البيروقراطية هي جزء من العمل السري وهذا من
الأخطاء الفادحة ،فالبيروقراطية تضعف إرادة الحزب وتهمل أراء القواعد.
2ـ نشوء عزلة مزدوجة تشكل خطر كبير على الكادر ،فالعزلة عن القواعد
الحزبية والعزلة عن الجماهير تقود إلى انحراف البعض من الكادر الحزبي
وبالمقابل فإنها تقود إلى عدم ثقة القواعد والجماهير بالكادر المحترف ،لذلك فان
قيادة الحزب تعمل على إلزام الكوادر الحزبية بضرورة العودة بين الحين والأخر
إلى القواعد وتطوير العلاقة مع الجماهير بما يتناسب مع المرحلة المعاشة وكذلك
تعمل القيادة على اصدرا عقوبات مختلفة بحق العضو الحزبي الذي لا يستجيب للنقد
وتكون هذه العقوبات متناسبة مع الخطأ الذي اقترفه.
46
3ـ عدم اشتراك القواعد مع القيادة في القضايا المهمة التي قد تتطلب اشتراك
القواعد بها أو فهمها على الأقل ،وهذا خطر يؤول بالأخير إلى عدم الثقة بالقيادة
تركيبا ونهجا.
4ـ إن المغالاة في استخدام حجة سرية التنظيم تقود في الكثير من الأحيان إلى خطأ
في انتقاء العناصر القيادية وتقيمها ،الأمر الذي يقود إلى صعود عناصر غير مؤهلة
وإهمال عناصر تتصف بصفات القيادة مما يوصل إلى نتائج تؤثر على بناء الحزب
وتطوير عمله.
5ـ إن سرية التنظيم قد تدفع بنا إلى عدم الالتفات إلى التثقيف الحزبي والبرامج
المعدة لهذا الغرض الأمر الذي يقود إلى التخلف الثقافي الحزبي والعام بالنسبة
للبعض ،علينا أن نعمل بالممكن في معالجة مثل هذا الأمر المهم بالاستفادة من
مواقع الانترنيت ووسائل الاتصال الحديثة وضمن سرية العمل ،فالتوعية المستمرة
ضرورية من اجل الحد والقضاء على الميول الارتزاقية والتسلق الوصولي الذي قد
يتعرض له البعض من الأعضاء خلال العمل السري ،إن النقد والممارسة العملية
كفيلان بتهيئة فرصة جيدة لمعالجة الأخطاء ،أما الأعضاء الذين يثبت تلونهم فيجب
إقصاؤهم عن الحزب مهما كانت دوافع الموافقة على وجودهم في الحزب.
6ـ قد يتولد من ظاهرة الانكماش بفعل العمل السري نوع من اللامبالاة في الحفاظ
على السرية ،وكرد فعل إزاء ذلك فكثير ما تقع النفوس الغير منصهرة بالعمل
الجهادي في نزعة عدم تحمل تبعات النضال السري فتكون ميالة للاجتماع في
المحلات العامة والثرثرة بما يؤثر على سرية العمل .إن النضال ضد ذلك من
شروط العمل السري الحقيقي.
7ـ هناك مخاطر الاندساس وتسرب العناصر التخريبية إلى التنظيم الحزبي،
فالمجالات المتوفر في العمل العلني لانتقائها قد لا تتوفر إثناء العمل السري ،لذلك
يجب أن يكون الحزب أكثر حذرا في اختيار عناصره وكوادره.
8ـ إن أجهزة العدو توجه ضربات للحزب من خلال الثغرات الداخلية كثغرات
الانهيار والعناصر المشترات ،لذلك فأن قطع الطريق إمام العدو يحصل بمكافحة
تلك الثغرات.
9ـ إن الضربات التي وجهها العدو للحزب بعد الاحتلال قد أفقدته خيرة مجاهديه،
فقيادات وكوادر الحزب التي استشهدت وعلى رأسها شهيد الحج الأكبر والتي وقعت
في الأسر وضعت التنظيم أمام صعوبات جمة ،لذلك قام الحزب على انتقاء كادر
احتياطي للقيادات المختلفة تلافيا لعواقب ضربات العدو المتوقعة دائما ،وهذا من
ضروريات العمل السري.
47
الخاتمة
الحزب هو كائن حي ينمو ويتطور وعندما يبلغ أشده ينبغي أن تنقلب فيه العفوية
إلى وعي والبراءة إلى ذكاء ،إن المرحلة التاريخية التي تمر بها امتنا العربية في
الوقت الحاضر مرحلة خطيرة وان صراعها مع أعدائها هو صراع وجود وان
الفساد والانحلال والتخلف قد بلغ ذروته ،لذا يتوجب على القوى الحية وفي المقدمة
منا حزب البعث العربي الاشتراكي ،النضال الثقافي والتنظيمي والسياسي بلا كلل
أو ملل ،النضال الواعي المنظم الذي يعي خطورة المرحلة .
إن المرحلة التاريخية التي نعيشها تفرض علينا كطليعة لهذه الأمة أن نفكر بأول ما
نفعله هو الانقلاب على الذات والتعامل مع معطيات الواقع بإرادة حرة واعية نقابل
فيها الفوضى التي وضع الامبريالية والصهيونية والفرس امتنا فيها ،علينا أن
نتحرك وفق تنظيم محكم نستطيع من خلاله تحقيق إرادة الحياة ،لزاما علينا كبعثين
أن نترك المجال واسعا في نفوسنا لحب التنظيم الذي هو قدرنا لنواجه من خلاله
الواقع الفاسد الذي يقودنا إلى الفوضى والعبث ،علينا أن نعرف إن الثقافة الحزبية
والالتزام بالتنظيم الحزبي هو سبيلنا الوحيد لانتشال أنفسنا وامتنا من هذا اللامعقول
الذي يحدث ،فالثقافة والتنظيم جزء لا يتجزءا من عقيدة البعث .
48
المصادر
، 1نضال حزب البعث العربي الاشتراكي عبر مؤتمراته القومية ،ط 2كانون
الثاني عام 1972ـ دار الطليعة .
2ـ نضال البعث ـ القطر العراقي 1953 ،ـ ، 958الجزء الخامس :ط 1كانون
الثاني ، 1965ط 1أب ، 1971دار الطليعة.
3ـ الأبعاد الفكرية والنضالية لتأسيس البعث ،الدكتور اليأس فرح :ط 1آذار
، 1975دار الطليعة ـ بيروت
4ـ نضال البعث القطر العراقي 1958 ،ـ ، 1963الجزء السابع :ط 1كانون
الثاني 1965ـ ط 2شباط ، 1972در الطليعة ـ بيروت.
5ـ في سبيل البعث ،الرفيق ميشيل عفلق :ط 1تشرين الأول 1959ـ ط10
تموز 1975ـ دار الطليعة ـ بيروت.
6ـ حزب البعث العربي الاشتراكي ـ الرفيق شبلي العيسمي ـ الجزء الثاني ،
مرحلة النمو والتوسع 1949 ،ـ 1958ط 1حزيران 1978ـ دار الطليعة ـ
بيروت.
7ـ المنهاج الثقافي المركزي ـ الكتاب الأول للمؤيدين ،دار الحرية ,
8ـ الثورة العربية العدد الرابع السنة الثالثة عشر /نيسان .1981
9ـ المنهاج الثقافي المركزي للأنصار الكتاب الثاني ،درا الحرية ـ بغداد .1987
10ـ الانترنيت ،موقع ذي قار الإخباري ،موقع البصرة ،الكوكل .
--------------------------------------------------------------------
---------------------------------------------------------------
-----------------------------------------------------
-------------------------------------
49
50