البعث والأخلاق والإسلام السياسي
البعث يقف مع الإيمان وبالضد من الإلحاد
سلسلة دراسات
العدد الثاني
1
العرب بين الإسلام والاسلامويين
يبدو إن الحديث اليوم عن العرب والعروبة وصلتها بالإسلام الحنيف ،الرسالي،
المحمدي ،باتت ضرب من اللغو والهذر في نظر البعض من الذين أصابهم الله
بعمى الألوان ،وهو كلام لا يساعد في انتشال امتنا من الشلل والعقم الذي أصابها
من وجهة قصيري النظر ،إما نحن فنرى غير ذلك والأيام ستثبت ما نحن ذاهبين
اليه لذلك نلجأ اليوم إلى الكلمة التي كان العرب شديدي الثأر بها لاسيما إذا كانت
نابضة في الحياة ومعبرة عنها ،فالعرب وكما يقول البعض من أصحاب
الاختصاص ،لا يسمعون في أذانهم بل في قلوبهم لذلك كانت معجزة رسولنا
العربي القريشي ،الأمي صلوات الله عليه (الكلمة) التي نزلت عليه من السماء
بقول الله عز وجل (اقرأ) ،ومن نافلة القول أن نذكر بان الكلمة التي كانت عند
العرب لها قيمة مادية واعتبارية أصبحت اليوم خاوية بسبب غرقها في بحر من
الكلام الرنان ،الأجوف الذي ليس وراءه عمل يضنيه ،فلا نستغرب أن تفقد
(الكلمة) معناها وبالتالي الثقة بها في حاضر يكثر فيه الغش والخداع والتلاعب
بالألفاظ...الخ
انطلقت الكلمة العربية الثمينة مع بزوغ فجر الإسلام ناشرة خيرها في البلدان
الممتدة بين المحيط الهادي شرقا والى المحيط الأطلسي غربا ،فالعرب الذين
حملوا الإسلام لم يقيموا حضارتهم وأمجادهم على معاركهم الحربية كمعركة ذي
قار والقادسية وذات الصواري وحطين وجبل طارق...الخ والتي خاضوها باقتدار
وانتصروا فيها كما فعل الفرس والرومان والإغريق ،بل قامت هذه الحضارة على
القدرات الوافرة التي ميزت اللغة العربية ،لغة القران الكريم والتي كانت الباعث
في بزوغ شمس الثقافات إلى السطوع على بغداد زمن العباسيين وعلى القاهرة
زمن الفاطميين وعلى قرطبة زمن الأندلسيين والتي شهدت حضاراتها عصور
ذهبية ساهمت بدفع عجلة تطور ثقافة المعمورة إلى إمام ،فما نقله الغرب
الاستعماري وغير الاستعماري من بغداد والأندلس والمحفوظ في متاحفهم دليل
على ما نقول فيكفي إن نزور متحف (اوبساله) في السويد لنعرف من هم العرب.
أصبحت اللغة العربية ذات المضمون الحضاري الذي اخرج الثقافة العربية من
الدائرتين :العرقية والجغرافية إلى الأفق الحضاري الواسع الذي اشترك في
صيانته ونشره مسيحيون عرب ومسلمون من غير العرب ،وبالتالي خرجت
الهوية الثقافية العربية من دائرة العنصر القبلي أو الأثيني ،ومن محدودية البقعة
الجغرافية (شبه الجزيرة العربية) إلى دائرة تتسع في تعريفها للعربي لتشمل كل
من يندمج في الثقافة العربية بغض النظر عن أصوله العرقية .ودخل في هذا
التعريف معظم من هم عرب الآن ولم يأتوا من أصول عربية من حيث الدم أو
6
العرق ،أما عن أصل اللغة العربية ،فالثابت تاريخيا إلى ألان أن اللغة العربية
مشتقة أصلا من اللغات السامية القديمة وخط هذه اللغة هو الخط المسماري
المأخوذ من السومريين))ويمكن القول إن اللغة البابلية منحدرة من اللغة
المسمارية وان بين لغة الأنباط والتدمريين والثموديين قرابة باللغة العربية
وخواصها قريبة من لغة القرآن الكريم) فسكان شبه الجزيرة العربية يتكلمون
قديما اللغات الآرامية والكنعانية والعبرية والحجازية والتدمرية لكن هذه اللغات
اندثرت مع العرب البائدة واختفت في مجاهل التاريخ.
ففي معجم (مختار الصحاح) ،يعرف العرب (ع ر ب :ال َع َر ُب جيل من الناس
خاصة سكان البادية أ َع ْع َرَرِبابٌّي ُّيووهلمي أسهلالأَال ْعأ َرما ُصبارجموعااللأَع ْعر َراب ُببلمنههمو إليهم والنسبة
ال َع َر ُب اسم جنس و إليهم والنسبة
ابتلكعشابسرهربةبااللارلعا ُرخءَلّبوتصوشامدلنيعَهدَرمه ُابأكاودل ُمامل ْسعَنتَ َرْع ِبلِيَّرفبَةُظةُههبككيليسلهرذلاهالئراالللءغواةلربذيومانالقلعَايلَروساُبواالوبَع َراخلل ُعُب ْراصل ُبعَ ْوروبكااذاُءحدالو ُمكاتَتَل َعَع َِع َّرر ََبج َبةمُ
والعُ ْج ُم والإبل ال ِعرا ُب بالكسر خلاف ال َب َخا ِت ُّي من البخت والخيل ال ِع َرا ُب خلاف
البراذين وأَ ْع َر َب بحجته أفصح بها ولم يتق أحدا وفي الحديث {الثيب تُع ِرب عن
نفسها} أي تفصح و َع َّر َب عليه فعله تَ ْعريبا َق ّبَح وفي الحديث { َع ِربوا عليه} أي
ردوا عليه بالإنكار والعَ ُرو ُب من النساء بوزن العروس المتحببة إلى زوجها
والجمع ُع ُر ٌب بضمتين).
وفي معجم (معاني الأسماء) ،يعرف العرب بالاتي( :اسم علم مذكر عربي ،وهم
جيل من الناس عاشوا في جزيرة العرب ،ثم توزعوا في الأمصار ،ولا واحد له إلا
بالنسبة ،فيقال :عربي ،وهم خلاف العج ِم .وال َع َرب من الماء :الكثير الصافي.
ومع أن لفظ "عرب" مؤنث بسبب الجمع فإنهم سموا به المذكر .والعرب غير
الأعراب وأعلى مرتبة اجتماعية).
فالعرب متجذرين في الأرض العربية ولغتهم العربية هي لغة من أصل ثمانين لغة
ظهرت بعد طوفان نوح عليه السلام وانحسار الماء عن الأرض واللغات كانت بعدد
الرجال الذين كانوا على ظهر السفينة مع نوح ،وكان منهم ذرية أبناء نوح وهم
سام أصل الأقوام السامية كالعرب و الأراميون ،هذا وكانوا لا يفهمون لغة بعضهم
وكان نوح يعبر عنهم أي يترجم لهم" ومنهم قحطان ولقد انتشر العرب بهجرتهم
إلى أسيا وأفريقيا وأوروبا وكثير منهم قد اندمجوا في الأقوام الأخرى من
الأوروبيين والأفارقة كما هو شأن سلسلة حضارات الشعوب المتحضرة بعضها
من بعض قبل إسماعيل وإبراهيم ولوط وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام جميعا
(كما يفهم من السيرة النبوية لأبن هشام والعرب العاربة والمستعربة كتاب
المؤرخ أحمد زكي سوسة وتاريخ مكة لأبي الوليد الأزرق وغيرها من
الإسرائيليات المروية في كتب التاريخ والمراجع الأخرى ،هذا علما بأن العرب لم
7
يصبح لهم ولغتهم شأن إلا بعد ظهور النبي محمد عليه السلام منهم حيث أن اللغة
العربية أصبحت لغة إعجاز وبيان وبلاغة ولم يتمكن أحد من تغييرها رغم
المحاولات الكثيرة مع أن لغة الأقوام الأخرى تتغير بتغيُر الزمان.
إن من المفيد أن نذكر هنا بأن الدكتور (احمد سوسة) قد كتب أيضا عن تاريخ
العرب وهجرتهم بعد الانحسار الجليدي الأول من الجزيرة العربية إلى سوريا ومن
ثم إلى جنوب العراق وقد وثق ذلك بخرائط ومستندات تدعم رأيه وكذلك علينا
العود إلى موضوع مهم كتبه الدكتور (رضا العطار) عن تاريخ العرب قبل الإسلام
والذي ننقل عنه المقدمة :
(سوف نتحدث اليوم عن تاريخ العرب قبل الإسلام وهو جملة مواضيع طويلة
ومتشعبة لا يسمح الوقت للتطرق إليها بشكل موسع ،ومن يرغب بالاطلاع على
التفاصيل يستطيع أن يستعين بالمراجع الأصلية في دائرة المعارف الإسلامية
وكتب الرحلات ليجد ما يريد ،وسأحاول إن اقسم الموضوع إلى ثلاثة أقسام:
1ـ القسم الأول عن موطن العرب والهجرات التي حدثت على امتداد التاريخ.
3ـ القسم الثاني المناطق التي استقر فيها العرب بعد الهجرات.
2ـ القسم الثالث العرب واصل التسمية ودورها في توحيد الأمة العربية وإبراز
الجانب القومي فيها.
علينا أن نعود إلى تأريخنا المجيد وان نعرف أن الانتساب اليه لأعيب فيه وان
يكون هذا الاتصال اتصالا عضويا لاطفيليا ورسميا على الورق ،علينا أن نزيل
الحواجز التي وضعها البعض من المستشرقين والشعوبيين أيام الانحطاط والسبات
الذي عاشته الأمة وفي العودة إلى جذورنا سنجد أن هناك الكثير مما يتوجب علينا
أن نفخر به وان نعيد هويتنا الثقافية والنفسية التي عانت من التذبذب طوال الفترة
المظلمة من سقوط بغداد على يد المغول إلى يومنا هذا علينا أن نعيد ما هو أصيل،
مجيد ،علينا الاتصال بأرواح الأجداد على طريقة اتصال الصوفي بخالقه.
إن نزول الوحي على حبيبنا محمد صلوات الله عليه ليس اعتباطا ونزول القرآن
الكريم باللغة العربية ومعالجته المشكلات التي كانت قائمة في المجتمع العربي
وإجاباته عن التساؤلات التي كان يحملها رسولنا الكريم وهو يتفكر في خلق
السموات والأرض في غار (حراء) ليس اعتباطا(حاشى لله)،وان يكون رسولنا
هاديا للعالمين ولم تقتصر دعوته على قريش فقط ليس اختيار عشوائيا أو محض
صدفة..
لقد اختار الله عز و جل أن يكون القرآن عربيا لأنه نزل في ارض العرب وحتى
يتدبروه ومن ثم يبلغوه للعالم أجمع ،و لأنه لا يعقل أن ينزل عليهم بغير لغتهم،
قال تعالى في سورة ـ فُصلت ـ (و لو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته
8
أأعجمي و عربي) ،.فليس من المنطق ان يبعث الرسول (ص) وان ينزل الوحي
في هذه الأرض وبلغة العرب لان العرب كما يقول البعض ويستند إلى أية في
القران وهي سورة التوبة تقول (الأعراب اشد كفراً ونفاقاً وأجد ُر ألا يعلموا حدودَ
ما أنزل الله) ،وهذا يتناقض مع التفسير اللغوي الذي فرق بين العرب والإعراب
وكما ذكرنا أعلاه ،فالعرب لم يكونوا منافقين يسودهم الجهل و التخلف كما يروج
البعض من أعداء العروبة في غياب عرب ينتخون للدفاع عن عروبتهم
الإنسانية(،نعم الإنسانية).
فالعرب في فترة النزول كانوا من أقوى الشعوب وأَكثرها تميزا ،و على العكس مما
يروج له الحاقدون ،فلم تكن امة العرب أُمة تخلف ،بل كانت امة عمالقة في الشع ٍر
و ألأدب ،فكانوا ذو فصاح ٍة و بلاغ ٍة واشتهر عنهم الكرم و الصدق ،كما اشتهروا
بعزة النفس و الكرامة ،مما أدى بهم إلى حروب طويلة كـ (حرب البسوس) و هذا
َيسهل استنباطه على كل متأمل في الشعر الجاهلي ،و التاريخ العربي القديم يروي
عن العرب مكارم الأخلاق و إكرام الضيف ،و من منا لا يعرف قصة "حاتم
الطائي" الذي ذبح فرسه الوحيدة لضيوف كانوا قد جاؤوا أساسا ليشتروه ،هذا ما
كتبته الكاتبة المغربية (رامية نجيمة) والتي استطردت بالقول:
(كان العرب حينها ينظمون سوق عكاظ الذي يمكن اعتباره مهرجانا شعريا و
ثقافيا بكل المعايير في وقت كانت أوروبا تعيش ما يسمى عصورا وسطى و هو
العصر ألظلامي الذي عاشت فيه أسوأ مراحلها) ،وتقول (أما عن اللغة العربية
فهي لوحدها أسطورة ،خصوصا عندما تتزين ببلاغة القرآن الكريم و لا عجب أن
يختارها سبحانه و تعالى لتكون وعا ًء للكلمة الربانية( ،)1مصداقا لقوله
تعالى":إنا جعلناه قرآنا عربيا غير ذي عوج" ،و هذا يعني أن كلمات الله لا
يفترض أن يكون فيها ال ِعوج و هي بالتالي تحتاج إلى لغة كاملة غير ذات عوج ،و
لا يوجد أفضل من اللغة العربية بالنظر إلى الصفات العجيبة التي تميزها ،و نسرد
هنا بعضها:
الغنى من حيث الجذور
حيث تتميز ب 10000جذر لغوي مقابل 3000جذر لغوي في العبرية و 1000
جذر لغوي في اللغة السكسونية و 000جذر لغوي في اللاتينية.
الغنى من حيث المفردات
حيث أن لكل كلمة عربية عدة مرادفات ،تعطي المتكلم حرية أكبر في الاختيار،
فاسم الأسد مثلا يحمل أكثر من عشرة مرادفات من بينها :سبع ،ليث ،ورد،
غضنفر ،بيهس ،جساس ،درواس....و قس على ذلك.
9
الغنى في الاشتقاق
حيث أن كل كلمة في اللغة العربية يشتق منها عدة كلمات ،وهذا الأمر غير موجو ٍد
في اللغات الأخرى).
وفي هذا المجال لابد لنا من إن نشير إلى رأي الإمام الشافعي والأصمعي والجاحظ
باللغة العربية ،فالإمام الشافعي يقول ( :القرآن هو أصل البيان ـ نزل بلسان العرب
ـ وليس منه شيء إلا بلسان العرب ،ولذلك فان العلم به يقتضي العلم باللسان
العربي وأصول ألفاظه ومعانيه) ويقول (فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العربي
ما بلغه جهده حتى يشهد به أن لا اله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله ،ويتلو كتاب
الله،وينطق بالذكر ،فيما افتراض عليه من التكبير ،وأمر به من التسبيح والتشهد
وغير ذلك).
ويقول الأصمعي( :الكميت بن زيد ليس بحجة لأنه مولد) أي انه غير عربي.
ويقول الجاحظ في الشعر العربي( :والشعر العربي لا يستطاع أن يترجم ،ولا يجوز
عليه النقل .ومتى حول تقطع نظمه وبطل وزنه ،وذهب حسنه ،وسقط موضع
التعجب) ،هذا يعني إن الإعجاز في القران الكريم وباللغة العربية هي مما أراده الله
جل في علاه لهذه الأمة.
ظهر العداء لكل ما هو عربي على استحياء في نهاية العصر الأموي و بشكل جرئ
وواضح في بدايات العصر العباسي وكانت تتستر بالمساواة مع العرب وكان من
بين أهم الحركات المعادية للعرب والتي ظهرت قبل ذلك الزمان هي ثورة الزنج
سنة 300هـ في البصرة وحركة القرامطة سنة 302هـ في الكوفة وعلى الباحثين
أن يفندوا الادعاءات بان هذه الحركات طبقية أو ما شابه ذلك وحتى ما يسمى
بحركة الخوارج ،بحاجة إلى دراسة.
عرف العرب البعض من الذين يحملون الحقد في قلوبهم على العرب من المسلمين
بالشعوبية والشعوبية كما عرفها ـ القاموس المحيط ـ (الشعوبي بالضم محتقر امر
العرب).
وقال الزمخشري في أساس البلاغة عن الشعوبية (وهم الذين يُصغرون شأن
العرب ولا يرون لهم فضل ًا على غيرهم).
وقال القرطبي عن الشعوبية هي حركة (تبغض العرب وتفضل العجم).
أما الموسوعة البريطانية فعرفت الشعوبية بأنها(كل اتجاه مناوئ للعروبة).
وكما يقولون فان اغتيال أبو لؤلؤة المجوسي للخليفة عمر بن الخطاب يعتبر أولى
11
أعمال الشعوبية انتقاما للدولة الساسانية التي قهرت في عهده.
ولمناسبة ذكر اغتيال الخليفة عمر (رض) علينا أن ندقق بجذور من قتل الخليفة
عثمان (رض) وبجذور من قتل الخليفة علي (كرم الله وجهه) فالملعون عبد
الرحمن بن ملجم لم يكن عربيا حتى وان كان من مدينة (ساوى) في العراق وعلينا
أن ندقق في قاتل الخليفة الأمين والأسباب الكامنة وراء ذلك وعلينا أن ندقق أذا ما
كانت تسمية تصفية البرامكة ،هل كانت نكبة أم إحقاق حق؟ وعلى أصحاب
الاختصاص بمن كان يقف وراء سمل عيون الخلفاء المتأخرين من بني العباس
(تحويل الخليفة بين ليلة وضحاها من خليفة إلى شحاذ يقف على باب مسجد)..
يقول المفكر الإيراني علي شريعتي أن (الحركة الشعوبية تحولت تدريجيا من
حركة تسوية إلى حركة تفضيل العجم على العرب ويقول أيضا).
(عملت الحركة الشعوبية عبر ترويج المشاعر القومية وإشاعة اليأس من الإسلام
إلى ضرب سلطة الخلافة).
إن ذكر الحركات الأعجمية التي ارتدت لباس الإسلام الحنيف و استهدفت العرب
تعد من الأمور التي بها وجهة نظر رغم فعلهم الشنيع لكن الذي لا نفهمه أن تهاجم
العروبة من قبل الاسلامويين العرب في الماضي والحاضر تحت ذرائع لا نريد أن
نقول عنها إنها كانت ومازالت تنفذ أجندة استعمارية وصهيونية حتى لا نقع
بالحرج لكننا وباستعراض سريع لما يحدث اليوم على الأرض العربية نجد أن هناك
حقدا واضحا وجلي يكنه الاسلامويون لكل ما هو عربي وهنا نجد أن من
الضروري تذكيرهم بان رسولنا الكريم عربي وان لغة القران هي اللغة العربية
وكما يقولون هم ان لغة اهل الجنة هي اللغة العربية.
فبعد نجاح التغيير في بعض الدول العربية استبشرنا به خيرا للعروبة وقضيتهم
العادلة في فلسطين بالرغم من اختلاف وتنوع التيارات الإسلامية التي استلمت
الحكم فإخوان المسلمون و التيارات السلفية و التيارات الجهادية السابقة
كالجماعة الإسلامية وبعض الأعضاء السابقين بجماعة الجهاد .هذا الاختلاف
أفضى إلى خلط الحابل بالنابل فالفتاوى التي انهارت علينا من كل حدب وصوب
أفقدتنا ثقتنا بكل شيء..
إن الحديث عن وجود أحزاب إسلامية كان في السابق ضرباً من الخيال ،وكان
هناك رفض تام من غالبية التيار السلفي لفكرة الأحزاب أساساً ،لكن التغيير في
مصر وتونس غير كثيراً من المواقف التي اتضح أنها لم تكن مواقف عقائدية بل
كانت مواقف شرعية مرتبطة بالمصالح والمفاسد كما يقولون رغم ونحن نضعها
في باب من أبواب الانتهازية السياسية وكما يقول المثل (تمسكن حتى تمكن)،
11
وتبقى إشكالية التعدد قائمة؛ فهل التيار الإسلامي يتقبل اليوم وجود أكثر من تيار
سياسي كلهم يدَّعي أنه ذو مرجعية إسلامية ،وإذا تجاوزنا مسألة التعدد فماذا عن
السلبيات التي ترافق هذا التعدد؛ والتي من أبرزها التعصب للحزب واتهام الآخرين
والطعن في نواياهم وأهدافهم.
كثيرا ما سمعنا من دعاتهم إن هذه الأحزاب إذا ما أرادت أن تكتسب الشرعية
فعليها فعل أمرين هما:
1ـ أن تعترف بالإسلام عقيدة وشريعة ولا تعاديه أو تتنكر له ،وإن كان لها اجتهاد
خاص في فهمه ،في ضوء الأصول العلمية المقررة .وألا تعمل لحساب جهة معادية
للإسلام ولأمته ،أياً كان اسمها وموقعه.
إن الواقع المعاش ورغم الوقت القصير يشير إلى أن هذه الأحزاب لا تعمل بما
يجب عليها العمل به وهي لا تختلف عن نظام مبارك و بن علي ،وخير مثال هو
تدمير الإنفاق الفلسطيني بين مصر وفلسطين المحتلة واستضافة الشيطان الأكبر
وتابعيه في تونس.
إن من سلبيات سيطرت الاسلاموين على السلطة في المنطقة العربية متعددة نذكر
منها :محاولة كل حزب تشويه الحزب الآخر ورم َيه بالاتهامات الباطلة ،والدخول
في مهاترات تضيع معها القضايا الكبرى التي يجب أن توليها هذه الأحزاب الجزء
الأكبر من اهتماماتها ،كما يخشى من الحزبية الضيقة؛ بحيث يلتف كل حزب
بعباءة حزبية ،ومن ثَ َّم تكون هذه الأحزاب مجرد انعكاس لما هو حادث بين
الحركات والجماعات الإسلامية من خلافات حول بعض الأمور الفقهية التي َو ِسعَت
َمن قَ ْبلنا وضاقت علينا ناهيك عن الحرب الطائفية التي تلوح في الأفق والتي
تريدها وتعمل عليها أمريكا والكيان الصهيوني النظام الاسلاموي الفارسي في
إيران.
ختاما اذكر ما قاله المرحوم احمد ميشيل عفلق كمفكر عربي من الذين يعتبرون
العرب والإسلام وجهين لحقيقة واحدة:
(حياة الرسول خلاصه لحياة العرب ،إن حياة الرسول وهي ممثلة للنفس العربية
في حقيقتها المطلقة لا يمكن أن تعرف بالذهن ،بل بالتجربة الحية لذلك لا يمكن أن
تكون هذه المعرفة بدءا بل هي نتيجة .فالعرب منذ ضمور الحيوية فيهم ،أي منذ
مئات السنين يقرأون السيرة ويترنمون بها ولكنهم لا يفهمونها لان فهمها يتطلب
درجة من غليان النفس قصوى ،وحدا من عمق الشعور وصدقه لم يتوفر لهم بعد،
وموقفا وجوديا يضع الإنسان أمام قدره وجهاً لوجه ،وهم أبعد ما يكونون عن
ذلك.
12
حتى الآن كان ينظر إلى حياة الرسول من الخارج كصورة رائعة وجدت لنعجب بها
ونقدسها ،فعلينا أن نبدأ بالنظر إليها من الداخل ،لنحياها.
كل عربي في الوقت الحاضر يستطيع أن يحيا حياة الرسول العربي ،ولو بنسبة
الحصاة إلى الجبل والقطرة إلى البحر .طبيعي أن يعجز إي رجل مهما بلغت عظمته
أن يعمل ما عمل محمد .ولكن من الطبيعي أيضا أن يستطيع إي رجل مهما ضاقت
قدرته أن يكون مصغراً ضئيلا لمحمد ،ما دام ينتمي إلى الأمة التي حشدت كل
قواها فأنجبت محمدا ،أو بالأحرى ما دام هذا الرجل فردا من أفراد الأمة التي حشد
محمد كل قواه فأنجبها .في وقت مضى تلخصت في رجل واحد حياة أمته كلها،
واليوم يجب أن تصبح كل حياة هذه الأمة في نهضتها الجديدة تفصيل ًا لحياة رجلها
العظيم .كان محمد كل العرب ،فليكن كل العرب اليوم محمدا).
13
الأخلاق العربية في زمن الاسلامويين
الأخلاق كمفهوم فلسفي ومصطلح لغوي قد تناوله الفلاسفة بالشرح والتحليل،
وكذلك تناوله علماء اللغة وعلماء الاجتماع بما يتناسب ودراساتهم بهذا الشأن ،ما
وصلنا عبر هؤلاء العلماء يقول إن الأخلاق (نسبية من حيث الزمان والمكان) أي
إن ما يعتبره شعب من الشعوب أو أمة من الأمم من المسلمات الأخلاقية لشعب في
زمان ما ،قد لا يعتبره كذلك في زمن أخر ،وهكذا الحال بالنسبة للمكان فالأخلاق
والمفاهيم الأخلاقية التي تتعامل وتعمل بموجبها الشعوب الأوربية هي ليست كذلك
بالنسبة للشعوب الأسيوية ،وقد يصل الاختلاف بينهما حد التناقض الحاد الذي
يقود إلى صراعات مختلفة ،هناك من يقول إن بعض المفاهيم الأخلاقية لا تخضع
لقاعدة النسبية وهذه المفاهيم هي الشجاعة ،الإخلاص ،الأمانة...الخ ،لكنها
وحسب الواقع الذي نعيشه اليوم في عالمنا العربي والإقليمي والعالمي لم تعد
مطلقة أو هي على الأقل بحاجة إلى إعادة نظر ،فالوفاء والإخلاص والأمانة لم تعد
لها نفس الدلالة الأخلاقية التي تعارف العرب عليها في زمن الاسلامويين الجدد
إن العمل على استعراض الأخلاق كمفردة لغوية أو فلسفية تأريخا يجعلنا نقف
حائرين بين مطلق ونسبية المفردة لغويا وفلسفيا لكن هذا لا يلغي المعرفة العربية
التي توارثتها الأجيال عن مفردة الأخلاق وما تضم بين ثناياها من مفردات أخرى
تشير إلى ما هو صالح وما هو طالح ،فحاتم الطائي يعني الكرم وعنترة العبسي
يعني الشجاعة وعروة بن الورد يعني التضحية وأبو رغال يعني الخيانة وأبو لهب
يعني الكفر ...الخ .
ينظر الفيلسوف اليوناني (أفلاطون) إلى المسألة الأخلاقية من خلال نظريته
الاجتماعية حيث يقول ،إن ما يحمل قيمة حقيقية هي ثلاثة أمور العدالة والجمال
والحقيقة وأرجع هذه الأمور الثلاثة إلى شيء واحد وهو الخير وهو الشيء
الوحيد الذي يجب السعي إليه والعمل من اجله وهو الذي تقوم عليه الأخلاق.
ويقول أيضا تبعا لأستاذه الفيلسوف التوليدي (سقراط) ،إن معرفة الخير تكفي
للقيام به إذ أنه من غير المعقول وغير المنطقي أن يصل الإنسان إلى معرفة الخير
ولا يؤديه وأن سبب عدم العمل به هو الجهل ولذلك ولأجل محاربة فساد الأخلاق
فيجب القضاء أولا على الجهل ولذلك يرى أفلاطون أن الإنسان إذا أصبح فيلسوفا
فإنه سوف يصبح إنسانا جيدا بالتأكيد فمن المستحيل أن يكون المرء فيلسوفا
وفاقدا للأخلاق الحسنة لأن السوء يأتي من الجهل.
وإذا ما أسقطنا هذا الرأي على ما نعيشه في هذا الزمان فإننا نجد إن الجهل
14
( الأفكار الأسطورية والخرافية ) الذي نشره الاسلاموين وبقوة بين شريحة
واسعة من أبناء وطننا العربي يعني أن لأخير في هذه الأمة وبالتالي لا عدالة ولا
جمال ولا حقيقة.
تأرجح الفلاسفة عبر التاريخ بين تصورين في مجال تصوراتهم للفلسفة الأخلاقية
،فهناك التصور المعياري الذي جاء به الفيلسوف اليوناني (سقراط) والذي يحدد
غاية السلوك في كونه يضمن الخير والكمال وهناك التصور الإجرائي الذي جاء به
الفيلسوف الألماني (كانت) والذي حدد بموجبه قابلية السلوك على التعميم
والصياغة الكونية ،فالتصور الأول ينطلق من أن السلوك الأخلاقي لا يرمي إلى
مجرد ضبط العلاقات الإنسانية حسب مدونة إجرائية تضمن لهم العدل و التكافؤ،
بل يهدف الى غاية أسمى وهي تحقيق رغبة الإنسان الطبيعية في العيش السعيد
والحياة الفاضلة ومن هنا القول بما هي الخير(أي الأخلاق) والقيمة الأسمى أي
السعادة فالفيلسوف اليوناني أرسطو طاليس يعرف الخير في كتابه (الأخلاق
النيماخوي ) بأنه ما يبحث عنه البشر ،وما يشكل غاية قصوى لأفعال الناس(أنه
ما تنزع إليه الأشياء أجمعها) ،بيد أن السعادة ليست مفهوما ذاتيا أو نفسيا،
وليست رغبة أو منفعة ،إنها حسب تعريف أرسطو(تحقيق الفضيلة) ،ليس بمعنى
التزام قاعدة قانونية أو ضوابط إجرائية ،بل الانسجام مع الطبيعة الإنسانية ذاتها.
أي السعي لتحقيق السلوك الذي يضمن اكتمال وتحقق الإنسان .
الحياة الفاضلة = السعادة = التحديد الأخلاقي للسعادة
لا ندري عن أي حياة فاضلة وسعادة من حقنا كعرب أن نطمح إليها ونحن قد فقدنا
الخير بسبب الجهل كما أسلفنا وبسبب الاحتراب الطائفي والعرقي والعشائري
والشخصي الذي أوصلنا إليه الاسلامويون الجدد الذين تحالفوا مع الشيطان الأكبر
والأصغر ليتمكنوا من الجلوس على عروشهم الواهية التي ارتهنت إلى الأجنبي
الذي يحركهم وأحزابهم كالدمى المتحركة.
والتصور الفلسفي الأخلاقي (الكانتي) يستبدل ( أخلاق السعادة) بأخلاق الواجب،
والتصور الغائي للسلوك الأخلاقي بالتصور الإجرائي له ،وبذا يبلور الخلفية
الفلسفية للتصورات القانونية الحديثة القائمة على مفهوم (استقلالية الذات) في
مواجهة التصور الانطولوجي (الوجودي) للطبيعة الإنسانية أي القول بطبيعة
إنسانية مطلقة ومكتملة على السلوك الأخلاقي الذي ينسجم معها ففي كتابه (أسس
متيافزيقا الأخلاق) يحدد الفعل الأخلاقي بأنه ما ينسجم مع (القانون الأخلاقي) أي
(الواجب) ،فمصدر الفعل الأخلاقي هو ليس مدى تلاؤمه مع غاياتنا أو سعادتنا ولا
مصالحنا ،بل مع المقوم الكوني لإنسانيتنا كما يترجم في واجبات شاملة تتخذ شكل
قوانين ملزمة موضوعية وذاتية .
15
فالنموذج الذي يطرحه هنا للقانون الأخلاقي هو القانون الموضوعي الذي يحكم
الظواهر الطبيعية فمعيار السلوك الأخلاقي ليس قي مضمونه بل في شكله الذي
يجب أن يكون له خاصية الإلزام غير المشروط ،إنها أخلاق مبنية على العقل
العلمي الذي يتعلق بالفعل لا المعرفة ،فبالنسبة إلى ( كانت )لا يمكن أن نبني
الأخلاق على مفهوم ( السعادة ) باعتباره من الأفكار المجردة التي لا مضمون
محدد لها ،كما انه يتماهى مع اللذة التي هي موضوع ذاتي ونفعي ولذا فان المبدأ
المؤسس للأخلاق هو الإرادة الحرة التي تمنحنا الوعي بالواجب الأخلاقي الذي
يحررنا من النوازع التجريبية النفعية ويضمن لنا التصرف كأفراد مستقلين .
ومن المعروف إن (كانت )لا يميز بين المشاكل الأخلاقية والمشاكل التشريعية ـ
السياسية ،بل أنه يتناول الموضوع القانوني من منطلقات أخلاقية ،باعتبار أن
القانون هو تجسيد عملي للضوابط الأخلاقية ،بقدر ما أن هذه الضوابط قوانين
إجرائية وليست معايير قيمية مطلقة وهكذا تفضي التصورات الكانتية إلى نتيجتين
هامتين لهما أثر حاسم في الفكر السياسي الحديث والمعاصر.
أولاهما هو إناطة الفاعلية الأخلاقية بالقوانين ،التي أصبحت لها استقلاليتها عن
دائرة الحكم ،ومن هنا فكرة استقلالية السلطة القضائية في جهاز الدولة الحديثة
فالقوانين من هذا المنظور هي مدونات إجرائية تعبر عن الجانب القيمي المتعلق
بالمجال العام.
و ثانيتهما هو بناء الشرعية السياسية على المقوم الأخلاقي بمفهومه الحديث أي
الحرية بصفتها إرادة ذاتية تنزع للكونية من خلال إقامة مؤسسات كلية.
إن فقدان أي شعب من الشعوب للسعادة بسبب الجهل والأفكار الظلامية التي تسود
جراء هيمنة الظلاميون التكفيريون و الطائفيون والمتعصبون على دفة الحكم تقود
حتما إلى فقدان كلمة الواجب لمعناها الحقيقي فيتحول بفضلهم الجندي الذي واجبه
حماية الوطن من الاعتداء الخارجي إلى قتل الشعب جراء انتماءه الحزبي المذهبي
متوهما بأنه يدافع عن عقيدته الدينية وكذلك الحال بالنسبة للشرطي والتاجر
والمعلم وعامل النظافة والبناء ...الخ ،فكلمة الواجب تتحول إلى معنى أخلاقي
معاكس فالرشوة والسرقة واستغلال الفرص تكون هي دلالة لكلمة الواجب.
يُطرح سؤال مهم حول ماهية الفعل الأخلاقي الإنساني وهل هو ينطلق من جانب
عقلي كما يقول بذلك بعض الفلاسفة أم إن له منطلقات دينية على قاعدة الثواب
والعقاب كما هو مقرر في المنظومة الدينية التقليدية.
فالجماعات الدينية تعتقد بان المصدر الوحيد للأخلاق ولمعرفة الخير والشر هو
النص وأقصد بالنص الكتب المقدسة وفي مقدمتها القرآن الكريم والأحاديث
المتواترة عن النبي محمد هلا ىلص بالنسبة للمسلمين ولذلك يرى الأشاعرة وهم الجمهور
16
الأعظم من المسلمين أن الشرع وحده هو الذي يحدد ما هو الخير وما هو الشر
بينما العقل يؤكد حكم الشرع على خلاف المعتزلة الذين ذهبوا إلى القول بالحسن
والقبح العقليين وتبعهم في ذلك جمهور الشيعة من الأمامية والزيدية وإن كانوا لم
ينكروا الحجج التي جاْء بها الشرع وإنما قالوا :إن ما ينص عليه الشرع هو إثبات
لحكم العقل وليس العكس.
فالأخلاق في الإسلام عبارة عن المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني ،
والتي يحددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان على نحو يحقق الغاية من وجوده في
هذا العالم على الوجه الأكمل والأتم ويتميز هذا النظام الإسلامي في الأخلاق
بطابعيه.
الطابع الأول :أنه ذو طابع إلهي ،بمعنى أنه مراد الله سبحانه وتعالى.
الطابع الثاني :أنه ذو طابع إنساني ،أي للإنسان مجهود ودخل في تحديد هذا
النظام من الناحية العملية.
ليس من الصعب علينا معرفة الآيات التي ذكرت في القران الكريم التي تحدثنا عن
الأخلاق بصور شتى مثل العرف والمعروف والخير والصالحات والباقيات
الصالحات والبر في الآيات ( :يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم
وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) .و(خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)
و(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون
بالله) و(التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون
بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ) و
(والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) و (المال
والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا
و(تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) و( يا أيها الذين
آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر
والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون) و(يوم ينفع الصادقين صدقهم).
لكن هذا الذي ذكر في القران الكريم يتحول من خلال الاسلامويون إلى عكس معناه
من خلال تفسيراتهم المختلفة التي تنسجم مع انتماءهم الطائفي والعرقي والحزبي
وهذه هي الطامة الكبرى فالآية الواحدة نجد أن لها أكثر من تفسير وان كل صاحب
تفسير يكفر صاحب التفسير الأخر ومن هنا فأن كلام الله جلت قدرته ورسوله
الكريم صلوات الله عليه تتحول إلى النقيض على يد الاسلامويون الجدد ومن هنا
يفقد التصور الفلسفي الذي يعتقد بان الوحي وما جاء به هو المصدر الأخلاقي
الوحيد معناه في ظل الصراع الحقيقي والوهمي الذي يمارسه رجال الدين والذي
ينعكس على العامة بطريقة دراماتيكية.
17
عملت على زيادة وعي الشعب العراقي بمخاطر هذه الظاهرة وقطع اتصالها
بمصادر تمويلها وتدريبها الخارجي الذي يحركها كما تحرك الدمى في مسرح
العرائس ولأغراض معروفة ،من منا لايعرف على سبيل المثال لا الحصر ان حزب
الدعوة العميل ذو الصبغة الطائفية والاتجاهات المشبوهه كانت تقوده عناصر
ايرانية ايام الثمانينات وتاريخ هذا الحزب يشهد بذلك ،لم تصل اي من الاحزاب
والحركات الاسلاموية في اي وقت من الاوقات الى مستوى يمكن ان تشكل تهديدا
جديا على المجتمع العراق كما هو حاصل اليوم وفي ظل الاحتلال والحكومة
العميلة الامر الذي يدعونا الى البحث عن السبب الكامن وراء ذلك.
ان الاحزاب والحركات الاسلاموية لم تنته ايام النظام الوطني في العراق برغم
عزلتها وللاسباب التالية:
2ـ ان حزب البعث العربي الاشتركي حزب مؤمن أصلا ،يحترم الدين ،والذين
يمارسون الطقوس الدينية ويدعم رجال الدين والمؤسسات الدينية ،الامر الذي
جعل عملية التميز المبكر بين من يمارس الطقوس الدينية انطلاقا من الايمان
بالدين ،وبين الذي يتستر بهذه الطقوس لاغراض سياسية صعب على اجهزة
الدولة ،فالحركات الاسلاموية الطائفية استخدمت الاماكن الدينية كمراكز للنشاط
واستطاعت ان تغلف نشاطاتها السياسية التخريبية المعادية للعراق ووحدته
وتنفيذ اهداف واغراض القوى الاجنبية المرتبطة بها تحت ستار ممارسة الطقوس
الدينية.
2ـ بحكم العلاقات الطبيعية القائمة بين العالم الاسلامي فان الاتصالات بين رجال
الدين المسلمين في مختلف البلدان الاسلامية ومن مختلف المذاهب ظاهرة طبيعية
ومن الصعب التمييز بين العلاقات الطبيعية والشريفة وبين العلاقات التي تضم
تحت غطائها التخريب الطائفي ،فالمرجعية الدينية في محافظة النجف الاشرف
مثلا كانت تفتح ابوابها لاستقبال الضيوف من كل القوميات والاجناس دون تدخل
من جانب الدولة العراقية ولانها كانت تتعامل باحترام مع رجال الدين ،فالدولة في
ظل نظام البعث كانت تفترض حسن النية والصدق والشجاعة في رجال الدين ،فمن
يصدر فتوى قبل الاحتلال ويغيرها بعده ومن يرفع شعار الجهاد قبل الاحتلال
وينظم لعمليته السياسية فيما بعد هم بعيدين كل البعد عن التصور المبدئي الذي
افترضته قيادة البعث في العراق فيهم ،فالصدق بالتعامل هو من اهم الشروط التي
تتوفر بالمتدين وهذا مالم نجده في اعضاء الاسلام السياسي فالسياسة حولت رجل
الدين الى شيطان ،انتهازي ،منافق ،قاتل ،الدولة العراقية ابام الحكم الوطني في
العراق كانت قادرة على قتل الخميني او السيستاني وكان الدليمي والهاشمي
والمشهداني تحت يدها ،وهنالك الكثير من الاراء التي تقول اليوم لماذا لم يصفى
هؤلاء قبل ان تصل الامور الى ماوصلت اليه والجواب هو ان دولة البعث كانت
تتعامل معى رجال الدين باحترام كامل وكانت تحترم دور العبادة ولم تكن دولة قتل
21
واغتيالات كما يريد البعض من الخونة تصويرها ،لذلك دام حكمها 53سنه لم
يرفع خلالها اي جرذ رأسه وان عملية اجتياح العراق واغتيال قياداته تمت على يد
قوة اجنبية غاشمة بتطبيل وتهليليل جرذان الاسلام السياسي ،الذين توفر لهم
المناخ المناسب الذي يتوفر للجرذان لبث حقدهم الطائفي الشعوبي لتمزيق العراق
والامة العربية والاسلامية.
5ـ ان من الاسباب التي جعلت ظاهرة الاسلام السياسي (الطائفي) تنتشر بين
اوساط البعض من الشباب كان بسبب :
أـ النكسات التي المت بحركة القومية العربية وحركة الثورة العربية وعجز هذه
الحركة عن مواجهة التحديات الكبيرة المطروحة بالعصر الحديث وبخاصة تحرير
فلسطين.
ب ـ ان ظاهرة التدين عند الشباب وغيرهم من المراتب الاجتماعية تبقى بنسبة
معينة ظاهرة طبيعية وتتصل بمسألة الايمان والعلاقة بين الانسان والدين وحاجته
اليه مع الخصوصيات الخاصة من الرومنتيكية التي ينفرد بها اغلبية الشباب في
مرحلة المراهقة بوجه خاص....الا ان نمو هذه الظاهرة يكون دائما ذا مغزى
اجتماعي وسياسي.
ج ـ ان حالة الانتقال الحاسمة من عصر الى عصر اخر ومن مرحلة الى مرحلة
اخرى تحدث حالة من الخلل والقلق ،وعدم التوازن لدى اوساط معينة من
المجتمع ،وفي مثل هذه الظروف تبرز ظواهر عديدة كرد فعل على مرحلة الانتقال
منها ظاهرة التدين ،يشكل الدين والتدين وعاء او مناخا ملائما تماما لاستقطاب
الحالات السلبية ،فالفرد المعقد يجد في الدين والظواهر الدينية راحة نفسية من
التحولات الاجتماعية والسياسية ،وخلاصا من حالة القلق والتوتر التي يعانيها،
وفي هذه الظروف بالذات يمكن للاسلام السياسي ان يستثمر ذلك لصالحه وذلك في
استقطاب الشباب ودفعهم لتحقيق الاغراض التي يريد تحقيقها وهذا مايحدث اليوم
في العراق ،فما نراه اليوم في ظل الاحتلال خير دليل على مانقول ،ما معنى الزحف
على البطون باتجاه المراقد المقدسة في العراق وجلد الصدور والظهور والبكاء
الهستيري .......الخ.
4ـ ركزت الاحزاب والحركات الاسلاموية الطائفية على اصطياد المواطنيين الذين
لم يتأثروا بمسيرة الحزب والثورة في العراق ولم تتوفر لهم الحصانة ليقفوا بوجه
الافكار الطائفية الهدامة ليبثوا سمومهم فيهم ومن خلال وعد هؤلاء المواطنين
والشباب منهم بانهم سيخوضون معارك ساخنة وتحديات ملحمية ،بعد ان يغيبون
عن معرفة ان الطموحات والامال التي تقدمها الحركات والاحزاب الاسلاموية
ماهي الا طموحات وامال غير مشروعة.
22
ان الحركات والاحزاب الاسلاموية التي ارتدت قناع التقوى والورع ،والتي رفعت
شعارات دينية مخالفة لحقيقتها الخاصة والخفية قد انكشفت بسرعة بعد اربعة
سنوات من عمر الثورة العراقية المسلحة والمقدسة وعلى يد رجال المقاومة
الشجعان الذين تكسرت على صخرة صمودهم كل الافكار الطائفية الهدامة والتي
عمل المحتل على تغذيتها لتحقيق مبدأ فرق تسد القديم الجديد ،ان الحقيقة
الواضحة والجلية اليوم هي ان الاسلام السياسي في العراق يمر بمأزق وجودي
كبير فالاحزاب والحركات الطائفية التي اشتركت فيما سمي بالعملية السياسية
بشقيها الشيعي والسني قد حكمت على نفسها بالموت اما من بقى منها في الخارج
فهو في طريقه الى الزوال وربما سيكون زواله قبل زوال الاحتلال البغيض.
ان الترويج الاعلامي في الفضائيات العربية وغير العربية وغيرها من وسائل
الاعلام والتي ادعت نهاية الفكر القومي العربي في العراق وعلى امتداد الساحة
العربية و مع اجتياح اول دبابة امريكية ارض العراق ،ارض العروبة والاسلام
اصبح تافها ولامبرر له هذه الايام ،فهذه الايام هي ايام جهاد ومقاومة يخوض
غمارها رجال عاهدوا انفسهم والامة على النصر الحاسم والشامل ،انها الايام التي
اثبتت وتثبت ان الفكري القومي العربي في عنفوانه وانه اصيل ،متجذر في
الارض العربية وانه البديل الحقيقي لكل مايحدث اليوم في العراق وان الاحباط
الذي اصاب البعض من هذه القوى القومية في بداية الاحتلال يجب ان يتحول الى
امل بمستقبل مشرق لامة العرب ،مستقبل افضل واسمى ينطلق من العراق العظيم
وعبر فوهة البندقية المقاومة ،اما اعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي والذين
صمدوا وجاهدوا وكافحوا وتعرضوالى التنكيل والتقتيل والتشريد على يد المحتل
واعوانه وعلى يد القوى المنضوية تحت الاسلام السياسي فنقول لهم استلهموا
قول رسولنا العربي الكريم صلوات الله عليه (صبرا ال ياسر ان موعدكم الجنة).
23
ثقافة ألناصبي والرافضي
الحركات والأحزاب الإسلامية ( الإسلام السياسي ) التي ظهرت على الساحة
العربية لم تكن وليدة ماتمر به أرضنا العربية اليوم جراء محاولة الاستيلاء على
مقدرأتنا وثرواتنا ومحاولة إلغاء هويتنا والتطاول على ديننا الحنيف من قبل
إمبراطورية القطب الواحد بقيادة اليمين المتصهين وتابعيهم ،بل هي حركات
وأحزاب كانت موجودة منذ النهضة العربية الحديثة ،لكن وجودها هذا امتاز
بالتحجر إزاء الكثير من الأمور المهمة في حياة امتنا وشعبنا و التي تتطلب دراسة
القوانين المحركة لواقع الأمة والعمل على إيجاد ما هو بديل لهذه القوانين بغية
إيجاد نظرية عمل مرحلية وإستراتيجية تؤمن للإنسان العربي المسلم مستقبل
أفضل مبني على تعاليم ديننا الحنيف.
كلنا يعرف إن الرسالات السماوية والحركات السياسية المعبرة عنها في صدر
الرسالات كانت ثورية وتقدمية فكرا وممارسة ،آي إنها خاضت صراع مرير مابين
القديم والجديد ،ثبتت القيم والمفاهيم الإنسانية الأصيلة في حياة الأمم والشعوب
واجتثت ما هو ضار وبالي ،والرسالة الإسلامية كانت أعلى مراحل التطور التي
شهدتها الرسالات لذلك كان الإسلام الحنيف أخر الرسالات وان نبينا الكريم صلوات
الله عليه كان خاتم الأنبياء والمرسلين فالرسالة الإسلامية نقلت العرب نقلة نوعية
من العصر الجاهلي الذي كان من أهم سماته التناحر والتقاتل والتمزق إلى بناء
دولة عربية إسلامية قوية ومزدهرة ،دولة كان من ابرز سماتها التطور الروحي
والثقافي والاجتماعي وحتى الاقتصادي ،فأين الحركات الإسلامية المعاصرة من
هذا ،إن ظاهرة السلفية المتخلفة للأسف هي من ابرز سمات الحركات السياسية
الإسلامية في عالمنا العربي في العصر الحديث ،سلفيتها تتجلى بالنظر إلى عالمنا
المعاصر الذي يتسم بالتقدم العلمي والتكنولوجي وخلق الثروة واستخدامها
استخداما كاملا ،إن النظرة السلفية لا تقودنا إلى طريق التحرر والتقدم والاقتدار
في مواجهة التحديات الاستعمارية والصهيونية وتحديات العصر الحديث ،بل على
العكس من ذلك فهي تقود باتجاه الانكسار والهزيمة ،إن السلفية التي نعنيها هنا
هي ليست العودة للسلف الصالح والاقتداء به واستلهام ماضي الأمة المجيد ،بل
هي سلفية العودة إلى الماضي بهدف تمزيق نسيج الأمة على أسس طائفية مقيتة ،
ونقل كل ما هو بالي ومتخلف من عادات وتقاليد واجتهادات إلى عالمنا المعاصر.
24
إن من ابرز سمات الإسلام السياسي الذي عبرت عنه الحركات والأحزاب الدينية ،
من خلال التجربة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي الإيراني هي :
1ـ لم تقم على أساس توحيدي ،إي إنها بدل من القيام بتوحيد الأمة والقطر الواحد
والمدينة الواحدة على أساس مبادئ الإسلام الحنيف المعروفة لكل عاقل ،عملت
للأسف على نشر بذور الفرقة والشقاق حتى بالبيت الواحد.
3ـ أعادت هذه الحركات والأحزاب ذكريات الصراعات المذهبية والسياسية في
بعض العصور الإسلامية لأهداف سياسية خفية ،وبذلك اتصفت بأنها طائفية
بامتياز ،فهذا حزب سني لا يقبل الجعفري وهذا حزب شيعي لا يقبل السني ،
وانتشرت ثقافة ألناصبي والرافضي بدل من ثقافة الإسلام الواحد ،الإسلام الذي
كان نور وهداية إلى البشرية جمعاء.
2ـ العداء المطلق لكل ما هو قومي عروبي ،فالحركات والأحزاب الدينية وبمختلف
اتجاهاتها شيعية كانت أم سنية ،توحدت في الوقوف بالضد من العرب والعروبة
وبهذا انطبقت عليها صفة الشعوبية بامتياز ،إن موقفها المعادي هذا قادها من
حيث تدري أو لا تدري إلى جانب القوى الامبريالية والصهيونية والشعوبية
الفارسية.
إن الأسباب التي أدت إلى ظهور الحركات الدينية هي طبيعة العالم الرأسمالي الذي
ابتعد عن الروح وإفرازاته التي انعكست على واقعنا العربي ومادية التوجهات
الماركسية التي أنكرت كل ما هو روحي والتي مثلتها بعض الحركات والأحزاب
الشيوعية والماركسية ،بالإضافة إلى العوامل الأخرى التي عاشها ويعيشها
الإنسان العربي من فقر ومرض وجوع واضطهاد ،الأمر الذي جعل الإسلام
السياسي يستغل توجه الإنسان إلى السماء في بحثه عن الخلاص ،والتطلع هذا
واستنادا إلى تلك الحركات يأتي عبر الاستحضار المنقول لحلول السلف السابق في
صلته بالسماء ،فكان أن يلجا الإنسان الجائع المضطهد المهشم إلى التوجه إلى
السلف بأساليب وعادات رسمتها قيادات الحركات والأحزاب الإسلامية بهدف
الخلاص ،والسؤال هل البكاء والعويل يوفر لنا الأمن والأمان اليوم في العراق مثلا
25
،وهل ينقذ بلدنا من الاحتراب والاقتتال الطائفي الذي شجعت وتشجع عليه
القيادات التي تقود الحركات والأحزاب الاسلاموية ،إن التوجه بسلاحنا نحو
المحتل وتابعيه هو الخلاص ،إن العودة إلى النبع إلى الإسلام الحنيف واستلهام كل
ما هو مشرق هو الخلاص ،الإيمان بالنفس وقدراتها الخلاقة في ظل قيادة غير
طائفية هو الخلاص وللخلاص طرق كثيرة غير التي نراها اليوم في العراق وغير
العراق على يد الإسلام السياسي.
ومن الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى ظهور الحركات الدينية بشكلها السياسي
الطائفي المعروف هو ردود الأفعال السطحية على النكسات المؤقتة التي تمر بالأمة
،وهي عبارة عن مشروع لسد الفراغ مؤقتا بسبب الانحسار المؤقت للقوى الحية
في امتنا العربية منها العراق ،فعندما لا تكون هناك حركات سياسية ذات قوة
جماهيرية وزعامة قوية تحشد طاقات الشعب تبرز الحركات الدينية الاسلاموية في
محاولة منها لسد الفراغ ،والتجربة في العراق تؤكد ذلك فقد برزت ظواهر التستر
بالدين كغطاء لتحقيق طموحات شخصية بالاستيلاء على السلطة مستغلين الظرف
الذي يمر به العراق .أن الإيمان بالدين يوفر للإنسان طاقة روحية كبيرة تدفعه
نحو النضال والتضحية ،غير إن العلة ليست بالدين بل هي في تصميم قيادات
الحركات والأحزاب الدينية التي تسيطر اليوم على الحياة السياسية.
فالحركات والأحزاب الإسلامية كانت ولازالت تقف في بعض الحالات مواقف مؤذية
للوجود الاستعماري الصهيوني ومصالحه بالمنطقة العربية ،ولكن في حالات
أخرى يكون موقفها يصب في خدمة المخططات الاستعمارية والصهيونية ،فالطبيعة
الطائفية التي تمتاز بها تلك الأحزاب والحركات معروفة للمستعمر وبالتالي فهو
يجيد العزف على وترها ،فما يدور في العراق واستغلال المحتل للحركات
والأحزاب الدينية معروف ،فهل القتل المتبادل الذي يعتمد على أسس طائفية يصب
في خدمة المحتل أو يصب في خدمة الوطن ؟
لو قدر وان استمرت الحركات والأحزاب الدينية في حكم العراق أو في إي بلد
عربي أخر فإنها ستحتاج إلى (10ـ )30سنة من أجل تدمير البنية السياسية
والاقتصادية والثقافية والاجتماعية القائمة في المجتمع ،وإعادة بنائها وفق أسس
دينية كما يفترض ذلك ،على افتراض أن هذه العملية ممكنة وستنتهي بالنجاح
26
خسارة (10ـ )30سنة في سياق التطور السياسي والعسكري والاقتصادي
والاجتماعي والثقافي بين الأمة من جهة ،وبين الاستعمار والصهيونية من الجهة
الأخرى وليس صعبا معرفة الجهة التي ستستفيد من ذلك ،غير إن الأمر المؤكد هو
إن عملية كهذا ،على ما تتطلبه من فترة طويلة ،لا يمكن أن تتكلل بالنجاح.
27
الاغتراب العربي في الزمن الاسلاموين
استعمل الفيلسوف الألماني هيجل مصطلح الاغتراب-Entfremdag-بصورة
مزدوجة فهو في البعض من معالجاته يستعمله في سياق الانفصال وفي مواقع
أخرى من بحوثه يعطيه معنى التخلي أو التنازل-Relinguishment-
لقد استعملت فكرة الانفصال من قبل المفكرين القدامى بمعنى يشير إلى تحلل العلاقة
بين الفرد وأعضاء مجتمعه وهذا الاستخدام لا ينسجم مع المعنى الذي أراده هيجل
فالمعنى الذي أراده هيجل هو انفصال بين الفرد وجوهره الاجتماعي غير الشخصي
وهذا الاستعمال يعد ابتكارا يؤمن أساسا مثمرا لدراسة الاغتراب ويودي استعماله
بهذا المعنى إلى مفهوم الانفصال عن النفس أو الاغتراب الذاتي.
لقد استمد هيجل المعنى الأول للاغتراب بصورة مباشرة نسبيا من الاستخدام
العادي لكلمة غريب في اللغة الألمانية وما تعنيه الغربة والانتماء إلى ما هو أجنبي
والاختلاف واللاتطابق ،أما المعنى الثاني فمستمد من فكرة غالبا ما نصادفها في
نظرية العقد الاجتماعي وهي فكرة تسليم ونقل حق ما إلى شخص أخر ،وفي
ملاحظة أجدها مهمة وهي ما قاله هيجل ( إن الحب يتطلب التنازل عن الاستقلال
ولا يتفق مع انفصال الفردية ) ،لكنه يتفق مع ما ذهب إليه عالم الاجتماع الفرنسي
جان جاك روسو من إنهما يرفضان التخلي عن الحب حينما يسفر عن الخضوع أو
الاعتماد على شخص أخر (ما اقصده بالحب هو الحب العام ).
ويربط هيجل بين الثقافة والاغتراب فالثقافة عنده إن يعارض الفرد ذاته ،ذلك إن
الذات الفردية تسلب ذاتها من اجل الحصول على حقيقتها الشاملة وحقيقتها
الشاملة هي الثقافة ولان الثقافة هي كل ما ينتجه الإنسان وهذا الإنتاج يشمل
عنصرين هما الدولة والثروة ،فالدولة توحد بين الإفراد من خلال الكل ،أما الثروة
فإنها توحد بين الإفراد من خلال الفرد ،والدولة عند هيجل تنطوي على ثلاثة
عناصر وهي الأسرة أو الدولة في شكلها المباشر والمجتمع المدني أو دولة
الاقتصاد الحر ،والدولة بالمعنى الدقيق تمثل الوحدة العضوية للحياة السياسية
وهذا المعنى الثالث للدولة والذي يقابل الفكرة الشاملة عنده.
يرى هيجل إن الكل سابق على الأجزاء وان الأجزاء موجودة من اجل إن يحقق
الكل وجوده الواقعي ومعنى ذلك أن التناقض القائم بين المجتمع والحياة السياسية
،قائم بين الفرد المنشغل بحياته اليومية والمواطن المدرك لحقيقته الخالدة في حياة
المدنية ،ولإرادته المماثلة لإرادة ألعامه ،وهذا التناقض يولد( الوعي التعس) أو (
الاغتراب).
28
إن الاغتراب السياسي عند هيجل يلازمه اغتراب ديني لان الفرد حين يغترب
سياسيا يلجأ إلى الاحتماء في طبيعة أبدية تجاوز ذاته ،لقد حاول هيجل رفع هذا
التناقض بين الفرد والدولة من خلال تصوره إمكانية تحول الفرد إلى مواطن،
والنزول بمملكة السماء إلى مملكة الأرض وهذا التصور تصور غير واقعي من
وجهة النظر الماركسية على اعتبار ان التناقض ليس بين البرجوازية والدولة إنما
هو الصراع الداخلي للمجتمع البرجوازي أي (الصراع الطبقي).
ما يهمني في ما تقدم كمواطن عربي يعيش حالة من أبشع حالات (الوعي التعس)
و( الاغتراب) في هذه المرحلة التاريخية من تاريخ أمته هو البحث عن الخلاص
فإذا كان هروب الفرد عند هيجل من اغترابه في ذوبانه في الكل أو الهروب من
الاغتراب السياسي إلى الاحتماء بمملكة السماء أي إلى (التدين) ،فانا أجد إن الكل
لا يؤمن لي حياة انسجم فيها مع نفسي لان الكل مهموم بالحال المزري التي أوصلنا
إليها العالم الغربي الاستعماري الشره الذي يهدف إلى تحويلنا إلى عبيد بعد أن
تمكن أو في طريقه ليتمكن من السيطرة المطلقة على ثرواتنا الطبيعية والبشرية
المادية والمعنوية هذا من جانب ومن الجانب الأخر فان ديننا الإسلامي الحنيف
الذي ملأ الدنيا نورا قد تحول إلى ما يشبه الكابوس جراء التناقضات التي نراها
اليوم بين الملل والنحل ( الطوائف وأمراء الحرب والذين ينفذون إرادة الاستعمار
الجديد وشرق أوسطه المزعوم) و بالتالي فقد تم إفراغه من محتواه لانه لم يعد
يؤمن لنا الملاذ الأمن من اغترابنا السياسي ،فما معنى الفتاوى المتناقضة التي
يطلقها المتفقهين بالدين والتي تبيح المحرمات وكل منهم يترجم أو يفسر شريعة
السماء التي تدعو إلى الحكمة والموعظة الحسنة إلى ذبح الإنسان المسلم وغير
المسلم على (الطريقة الإسلامية) لا لذنب اقترفه سوى التعبير عن رأيه الحر الذي
لا يتناقض مع قوانين الأرض والسماء أو لأنه يقف بوجه الاستعمار الجديد الذي
تمثله أمريكا والكيان الصهيوني والصفوية الفارسية .
لقد استفاد الالماني كارل ماركس من هيجل عندما اخذ فكرة (صيرورة الإنسان
التاريخية ) عنه ،واستفاد من الفيلسوف فيورباخ الذي اخذ عنه أفكاره المادية
ومفاهيمه عن ( الإنسان العيني ) و(صيغة النزعة الإنسانية ـ النزعة الطبيعية)
وصاغ تصوره الخاص الذي نظر فيه إلى الإنسان واغترابه في كليته الديالكتيكية،
أي إن ماركس تجاوز الجدل الهيجلي المثالي والمذهب الانثربولوجي الفيورباخي
الى الجدل المادي في تحليل ظاهرة الاغتراب وكان للماركسية رأي بتصور هيجل
الذي حاول رفع التناقض بين الفرد والدولة من خلال إمكانية تحول الفرد إلى
مواطن ،والنزول بمملكة السماء إلى مملكة الأرض وهذا التصور غير واقعي من
وجهة النظر الماركسية على اعتبار إن التناقض ليس بين البرجوازية والدولة إنما
هو الصراع الداخلي للمجتمع البرجوازي أي الصراع الطبقي ،فالماركسية ترد
مشكلة الاغتراب إلى الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أولا ،وان البحث
29
عن أسباب هذه المشكلة ونتائجها وأثارها على الأشياء يأتي من خلال تحليل النظام
الرأسمالي وتناقضاته ثانيا.
يؤكد اوغست كورنو بأن ماركس هو أول من اثأر مشكلة الاغتراب في المجال
السياسي والاجتماعي ،كما واعتبر الاغتراب التعبير السلبي للنظام الاجتماعي ،
وأكد كذلك على إن الاستلاب الاقتصادي هو مصدر استلاب الحياة الواقعية للإنسان
باعتباره وجودا نوعيا واجتماعيا ومن الملاحظ إن ماركس كثيرا ما استخدم
مصطلح الاغتراب في مؤلفاته المبكرة (المخطوطات)ومن الملاحظ أيضا أن
ماركس عالج الاغتراب في ( المخطوطات باعتباره المشكلة الفلسفية لجوهر
الإنسان وظروف وجوده).
لقد طور ماركس مفهوم الاستلاب في كتابه ( رأس المال) من خلال معالجته طبيعة
الإنسان الاجتماعية ونشاطه السياسي وممارسته الاجتماعية ولقد أكد ماركس على
إن الإنسان حين تستلب قواه ،تنزع عنه إنسانيته إي إن العامل حين يغترب عن
قوة عمله ونشاطه الإنساني يتحول إلى مجرد سلعة ،وهذا ما أطلق عليه ماركس
(التشيؤ) ،وكما كان لهيجل تصور في الحد من الاغتراب الذي يعانيه الإنسان فأن
الحل الذي جاء به ماركس للتغلب على هذه المعضلة يأتي عبر الثورة الموضوعية
الجذرية التي تشمل الذات والعالم ذلك لان الاغتراب ظاهرة تاريخية تولدها الشروط
الموضوعية ولا دخل للذات فيها ،لذلك يجب إزالة الاغتراب عبر الثورة.
والسؤال هنا هو ،هل يستطيع كل من هيجل بمثاليته وفيورباخ بماديته وماركس
بالاستفادة من مثالية الأول ومادية الثاني وخروجه علينا باديالكتيك والصراع
الطبقي والتطور التاريخي أن يحللوا ظاهرة الاغتراب المتعددة الجوانب التي
يعيشها الإنسان العربي الذي يعيش في عصر ،اقل ما يقال عنه انه مفزع؟
فالإنسان العربي يعيش اليوم حالة من حالات الاغتراب الفريدة والنادرة فهو غريب
عن نفسه ومجتمعه وأرضه وهذا الطرح لا يمثل الصورة السوداوية القاتمة بل
يمثل الحد الأدنى من الواقعية ،فمن هو العربي ومن هو الذي يمثل تطلعاته
المستقبلية في حياة حرة كريمة ،وهل هناك حقيقة مطلقة يعيشها هذا الإنسان؟
إن الإنسان العربي الذي اجتاز اخطر مراحل انهيار أمته ابتداء من سقوط بغداد
على يد التتار مرورا بالحقبة العثمانية والاستعمارية الغربية ومرورا بما يمر به
هذا الإنسان في العصر الحديث الذي يتشابه إلى حد كبير بالعهد الجاهلي الذي سبق
الإسلام ،ذلك العهد الذي كانت تضطرم في داخله تفاعلات الحياة وتنمو في أعماقه
بذور النهضة الحديثة وتتحفز للثورة على كل القيم الجاهلية وواقعها ،ففي عيوبنا
الاجتماعية والسياسية والاقتصادية اليوم بذور نهضتنا في الغد ،وفي سؤ أوضاعنا
31
وكثرة العقبات التي تعترض حياتنا ،تقوم إمكانات الخصب لبذور الحياة الجديدة
والأفكار والمفاهيم والمصطلحات الفلسفية مطالبة اليوم بدراسة وإدراك طبيعة
الشعب العربي الذي خلقت فيه ووجدت لتمثله ولابد لها من أن تدرك مسار تاريخه
وطبيعة تطوره ولابد لها من أن تفهم روحيته لتمثل بالتالي مثله وأماله وطموحاته
وان تعي الشروط الحياتية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي ينبغي أن
تتوفر لهذا الشعب العربي حتى يحقق ذاته ويتخلص إفراده من مرض الاغتراب.
إننا لا نطلب مستحيلا في حياتنا آو مستقبلنا ذلك إن كل نهضة مهما صغرت وكل
تقدم مهما كان بسيطا يبدو مستحيلا بل وخياليا أذا قيس بمنظار التأخر والخمول
والانحلال ومن ضمن المقاييس الجامدة والانحطاط ،ولكن كل نهضة يمكن أن تقع
في نطاق الممكن حينما تقاس بمقياس سير التاريخ واتجاهاته ونهضة امتنا
وإنساننا العربي الذي ابتلاه الله بالاستعمار والصهيونية والفرس والرجعية
والاسلامويون الجدد هي اليوم اقرب إلى التحقق والممكن إذا قسناها بمقاييس
تاريخنا وإذا أخذناها بمقتضى حقائقه ،إنها نهضة واقعية أذا فكرنا بروح واعية ،
ثائرة على مفاسد التأخر والانحطاط ،،إنها نهضة واقعية أذا قيست بروح الإيمان
والثقة بالنفس.
علينا أن نرفض سموم الكفر بمعتقداتنا والقيم الأصيلة التي تربينا عليها ،فامتنا
العربية مقبلة على ولادة جديدة لا يمثلها هذا الزبد الذي تبثه الفضائيات المسمومة
والتي لا تنتمي إلى العرب ،علينا تحقيق الثورة في نفوسنا على القيم البالية
والآمال الخداعة وان نقضي على التردد والاغتراب في نفوسنا وان لا نتلفت إلى
الوراء ،مستقبلنا لا يبنيه أحدا غيرنا علينا أن ننفصل عن الجسم المريض ونتطهر
من اجل تحقيق الهدف المنشود ،فليس بالبعيد ولا بالعجيب أن ينقلب الواقع الفاسد
في نفوسنا وفي واقعنا كما حدث في الجزيرة العربية عندما حمل العرب راية
السماء
31
وانقلاب جوهري دون أن يقابل ذلك ثمن كبير هو التضحية) ،إن أي منصف يحاول
إسقاط ما قاله القائد المؤسس على الواقع الحالي في وطننا العربي والعراق على
وجهة الخصوص يجد أن العيش الكريم مفقود في العراق على سبيل المثال ،نتيجة
الاحتلال الأمريكي وحفنة اللصوص التي نصبها على رقاب الشعب العراقي ،فالأقلية
تسرق وتبني بيوت لها في أوربا بمساعدة السارق الأكبر وهو المحتل والشعب
العراقي بين مشرد وجائع وأسير ،واستنادا إلى قول المؤسس فأننا نجد حزب البعث
العربي الاشتراكي كان ولا يزال أمين على مبادئه وذلك بوقفته المشهودة بوجه
المحتل وأعوانه وذلك من خلال البندقية والرفض المطلق لأي مساومة تحت شعار
(المصالحة والاشتراك في العملية السياسية) ،وهذا يعني أن البعث كان قد ترجم
مفهومه للأخلاق إلى واقع ملموس وقد حافظ على المرتكزات الأساسية التي انطلق
منها وفيها منذ المؤتمر التأسيسي الأول ،فالتضحية التي قدمها البعثيون هي ما
يجب عليهم أن يفاخروا فيه العدو والصديق فهي الدليل الحي على تمسكهم
بأخلاقية البعث التي حدثنا عنها المؤسس ،فشهداء البعث والأسرى تعبير حي
وحسي على الأخلاق البعثية التي تمتع بها رفاقنا والتي تربوا عليها ،فالتضحية هي
من ابرز السمات الأخلاقية التي يسعى البعث إلى بلورتها في نفوس المناضلين
وهاهم رفاقنا الشهداء والأسرى يجسدونها تجسيدنا حيا ،فالتضحية بالنفس ومتاع
الدنيا هي من العلامات التي تدل على وعي كل مناضل بعثي بمستلزمات الصراع
مع القوى الغاشمة ،إمبريالية كانت أو صهيونية أو رجعية عفنة ،فلا يمكن مجابهة
الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية والرجعية العربية التي تحولت إلى قطيع
من العملاء وكذلك النفس دونما امتلاك قدرة طوعيه في التضحية بالنفس والراحة
من اجل التحرر والانعتاق وتحقيق مستقبل أفضل لوطننا وامتنا المجيدة.
إن التضحية وكما يراها البعث مرتبطة ارتباط وثيق بجوهر حركته أي (حزب
انقلابي) ،الانقلاب على الذات والواقع وصولا إلى بناء إنسان عربي جديد وواقع
أفضل ،والانقلاب بمعنى التضحية هو محور حركة البعث ومفهومها الخاص
بالأخلاق ،فالأخلاق التي يدعو البعث إليها هي أوسع من أن تكون برنامجا سياسيا
وأكثر من أن تكون أسلوبا أو وسيلة لتحقيق مبادئ الحزب ،إنها النفس الصافية،
المتجاوزة لكل ما هو خسيس وجبان ومتعفن ،إنها سلوك يعتمد القيم الأخلاقية التي
عرفها أسلافنا العرب ونشروا رسالة الإسلام من خلالها ،إنها الإخلاص،
التضحية ،الشجاعة ،التواضع ،نكران الذات في سبيل الغاية السامية ،الالتزام ،إنها
السلوك الفاضل ،هذه هي الأخلاق من وجهة نظر البعث والتي يربي ويثقف
أعضائه والأجيال العربية عليها.
إن حزب البعث العربي الاشتراكي لا يستطيع أن يحقق أهدافه إلا من خلال تنظيم
نضالي وهذا التنظيم لا يمكن أن يقوم دون مناضلين يؤمنون بالشعب و الأمة
والتحرر وحتمية النصر ،أي يجسدون في أنفسهم النموذج النضالي للمجتمع الذي
36