The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.
Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Testing source, 2018-03-11 05:45:25

brif inside ebook

brif inside ebook

‫د‪ .‬ﺳﺎﺋﺪ اﻟﺮداﻳﺪه‬









‫مقدمة‬

‫إن حاجة الإنسان للتعامل مع محيطه كان أمراً حيوياً منذ وجود البشرية‪،‬‬
‫كما أن العبور إلى القرن الواحد والعشرين لم يكن مجرد عبور من ألفية‬
‫إلى أخرى إنما أيضاً عبوراً إلى عصر جديد بكل ما يحمله من تقدم مهول في‬

‫كافة المجالات وانعكاسات ذلك على الإنسان وبيئته‪.‬‬

‫ومع تع ّقد ظروف الحياة البشرية وتشابك المصالح سواءٌ على مستوى‬
‫المجتمع أو ما يحيطه من دول ومجتمعات فقد بات لزاماً على البشر‬
‫التفكير والتخطيط‪ ،‬ووضع التصورات والبرامج والحلول لتلبية ما يحتاجونه‬

‫لمواجهة مصاعب الحياة‪ ،‬وتحقيق مزيداً من الرفاه والسعادة‪.‬‬

‫وهذا الأمر نشأ قبل ظهور الدولة القومية‪ ،‬الإ أن نشوء الدولة بمفهومها‬

‫الحديث تطلب منها وضع السياسات العامة والتي تمثل أحد أهم مظاهر‬
‫نجاحها أو فشلها وفي تبرير وجودها كدولة رعاية‪.‬‬

‫ومما لا شك فيه‪ ،‬فإن المتغيرات التي طرأت في العقود الثلاثة الإخيرة‬
‫قد ق َلبت عدد من الموازين والمعتقدات وفي كافة الإتجاهات‪ ،‬فمع انهيار‬
‫الكتلة الشرقية ومعتقداتها وأساليب عملها وفي موازاة ذلك هيمنة النظام‬
‫الرأسمالي ومفاهيم وقضايا العولمة بمختلف مظاهرها‪ ،‬فقد أخذ مفهوم‬
‫تدخل الدولة وإحتكارها للسياسات العامة يتهاوى شيئاً فشيئاً بحجة‬
‫فشل الدولة في النجاح بإدارة الكثير من القطاعات الإقتصادية والتجارية‬

‫وصولا ً إلى قطاعات اجتماعية متعددة[[[‪.‬‬

‫إنعكاسات‬ ‫كما أن ما أطلقة البروفسفور «كلاوس شوابس» رئيس ومؤسس المنتدى‬
‫الث ـورة‬ ‫الإقتصادي العالمي[[[ عام ‪ ،2016‬بأن الثورة الصناعية «الرابعة»‪ ،‬هذه‬
‫المرة مختلفة عن سابقاتها‪ ،‬مغايرة لأي تجربة عاشتها البشرية من قبل‪،‬‬
‫الصناعي ـة‬ ‫سريعة وعميقة وشديدة الإتساع‪ ،‬تضرب في كل القطاعات تقريباً‪ ،‬على‬
‫«الرابعـ ـة»‬ ‫عكس الثورات الصناعية الماضية‪ ،‬فثمة بحر رقمي عالي الإمواج‪ ،‬وطباعة‬
‫علـى الحوكمة‬
‫‪ 1‬خليل حسين‪ ،‬السياسات العامة في الدول النامية‪ ،‬دار المنهل اللبناني‪ ، 2007 ( ،‬ص‪ 2‬و‪ ) 3‬‬
‫‪ 2‬المنتدى الإقتصادي العالمي‪ )World Economic Forum( :،‬هي منظمة دولية غير ربحية مستقلة منوطة بتطوير العالم‬
‫عن طريق تشجيع الأعمال والسياسات والنواحى العلمية وكل القادة المجتمعيين من اجل تشكيل العالمية‪ ،‬وايضا‬
‫الإجندات الإقليمية والصناعية‪ .‬تأسست على يد أستاذ الأعمال كلاوس شوابس عام ‪ 1971‬في كولوجنيا التابعة لجنيف في‬

‫سويسرا كما افتتحت في عام ‪ 2006‬مكاتب إقليمية في العاصمة الصينية بكين ونيويورك في الولايات المتحدة‪ .‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪6‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫ثلاثية الإبعاد‪ ،‬وذكاء اصطناعي‪ ،‬وروبوتات ذكية‪ ،‬وحرس حدود آليون‪ ،‬بإستطاعتهم قنص من‬
‫يحاول تجاوز التخوم‪ ،‬وسيارات ذاتية القيادة‪ ،‬وكمبيوترات شديدة البراعة‪ ،‬باستطاعتها أن‬

‫تكتب القصص وتنافس خيال رواد الروايات‪.‬‬
‫وهذه الثورة الصناعية المتصلة بالتطور الصناعي المضطرد‪ ،‬أو «الأسي»‪ ،‬أي المتصاعد‬
‫شكلت تحدي على كافة العلوم لتطوير مفاهيمها وموا كبة متطلبات وتحديات وفرص هذا‬
‫الإنفجار الصناعي المتصاعد والغير قابل للتنبؤ بما تعرضه التكنولوجيا في كل ساعة وكل يوم‪.‬‬
‫وهنا يهدف هذا العمل إلى التعرف على مفهوم الحوكمة وعناصرها ونماذجها ومنظومتها‬
‫والقضايا والتطبيقات الهامة فيها‪ ،‬وعلى أهم المعطيات السياسية‪ ،‬والإقتصادية‪ ،‬والإدارية‪،‬‬
‫والإجتماعية التي تخدم العمل وأغراضه‪ ،‬والتعرف على المعوقات والصعوبات الإدارية‬
‫والقانونية والسياسية والإقتصادية التي تحد من حراك فكر «الحوكمة الرشيدة» في الدول‬
‫كانت متقدمة أو نامية‪ ،‬وعلى كافة مستوياتها من دولة ومؤسسات المجتمع المدني‪ ،‬ومع‬

‫محيطها الإقليمي والدولي‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪7‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬



‫الجزء الأول‬

‫تطور مفهوم الحوكمة وإشكاليته وعلاقته مع‬
‫العلوم الإجتماعية‬

‫‪ -١‬تعريف المفهوم وتطوره ‪:‬‬

‫جراء التغيرات الهائلة التي أحاطت بالدول ومجتمعاتها‪ ،‬فقد ظهرت‬

‫الحاجة لنشوء مصطلحات جديدة تكاد تكون مرادفة لطبيعة ومهام‬

‫السياسات العامة لأي نظام سياسي‪ ،‬ومن هذه المصطلحات ما يسمى‬

‫«بالحوكمة» أو «الحاكمية» ويقابلها باللغة الإنجليزية «‪»Governance‬‬

‫وبالفرنسية ”‪ ،”Gouvernance‬مع الإخذ بعين الإعتبار عدم إمكانية حسم‬
‫الجدل حول مفهوم الحوكمة ع ّما إذا كان هذا المصطلح قادراً على اخذ‬
‫مكان السياسيات العامة بمفهومها التقليدي أم لا‪.‬‬
‫وقد شاع استخدام الحوكمة فكر ًة واصطلاحا بشكل واسع مع بداية عقد‬

‫التسعينات‪ ،‬وكانت أول بوادر ظهور للمصطلح في منشورات وتقارير البنك أول ظهور‬

‫الدولي عن كيفية تحقيق التنمية الإقتصادية‪ ،‬ومحاربة الفساد‪ ،‬وتحسين لمصطلح‬
‫مستوى الحياة في الدول الإفريقية جنوب الصحراء‪ ،Sub-Saharan Africa ،‬الحوكمة في‬
‫حيث تم الربط بين الكفاءة الإدارية الحكومية والنمو الإقتصادي‪ ،‬وبحيث‬
‫منشورات وتقارير‬ ‫تكفل السياسات العامة العدالة والمساواة [[[‪.‬‬
‫البنك الدولي‬
‫ولقد نما المفهوم ليعكس قدرة الدولة على قيادة المجتمع في إطار سيادة‬

‫القانون‪ ،‬وفي بداية التسعينات أصبح التركيز على الإبعاد الديمقراطية‬
‫للمفهوم من حيث تدعيم المشاركة‪ ،‬وتفعيل المجتمع المدني [[[‪ ،‬وكل ما‬
‫يجعل الدولة ممثلا ً شرعياً لمواطنيها‪.‬‬

‫إن مفهوم الحوكمة يبشر بنظام حكم وأسلوب لصنع السياسة ويتميز‬

‫بعدة أمور أساسية‪ ،‬أهمها درجة كبيرة من احترام سيادة القانون‪ ،‬والشفافية‬
‫في صنع القرار‪ ،‬وتشجيع المشاركة في الحياة العامة‪ ،‬ويمكن القول أن‬
‫هذا المفهوم أخذ بعدين متوازيين‪ :‬أولهما فكر البنك الدولي الذي يتبنى‬
‫الجوانب الإدارية والإقتصادية للمفهوم‪ ،‬أما البعد الثاني فيؤكد على الجانب‬

‫السياسي للمفهوم‪ ،‬حيث يشمل –بجانب الإهتمام بالإصلاح والكفاءة‬

‫الإدارية– التركيز على منظومة القيم الديمقراطية بما تشتمل عليه من‬

‫‪ 1‬خليل حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪14‬‬
‫‪ 2‬المجتمع المدني (‪ ،)Civil Society‬يشير إلى الساحة الجماعية الإختيارية لمجموعة تربطها اهتمامات وقيم وأهداف‬
‫مشتركة‪ ،‬وضمن صيغ مؤسسية مختلفة عن تلك الرسمية والحكومية أو الإقتصادية أو العائلية‪ ،‬ومن أشهر التنظيمات‬
‫المدنية هي‪ :‬المؤسسات الخيرية‪ ،‬التجمعات التطوعية‪ ،‬المنظمات النسائية‪ ،‬المنظمات الدينية‪ ،‬النقابات المهنية‪،‬‬
‫اتحادات العمال‪ ،‬الحركات الإجتماعية والتطوعية‪ ،‬اتحادات الأعمال والتجارة‪ ،‬جماعات الضغط‪ ،‬المصدر‪Gita Welch and:‬‬
‫‪Zahra Nura (Lead Editors),» Governance for the future-Democracy and Development in the least Developed‬‬
‫‪Countries» , United Nations Development Programme (UNDP) & UN Representative for the least Developed‬‬

‫‪.)175 .p ,2006( ,Countries & the Small Island Developing State‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪10‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫هناك‬ ‫مفاهيم الشفافية‪ ،‬وحقوق الإنسان‪ ،‬والمجتمع المدني[[[‪.‬‬
‫مدرستان‬
‫لمفهوم‬ ‫وهناك مدرستان لمفهوم الحوكمة‪ ،‬الأولى ترى أنه يعبر عن شكل سياسي‬
‫الحوكمة‬ ‫لنظام الحكم وأسلوب صنع السياسة بما ينصرف إلى القواعد المألوفة‬
‫للديمقراطية‪ ،‬مثل سيادة القانون‪ ،‬والتعددية السياسية والإجتماعية‬
‫والتسامح والتعبير الحر‪ ،‬والحريات وحقوق المواطنة‪ ،‬وبالتالي فهو الأقرب‬

‫إلى الصياغة الحديثة لمبادئ مستقرة‪.‬‬

‫أما الثانية فتعتبر المفهوم عنواناً لمنظومة أساليب وخطوات الإصلاح‬
‫السياسي والإجتماعي ككل‪ ،‬مثل اعتماد آليات المحاسبة في مواجهة‬
‫السلطات العامة‪ ،‬والمطالبة بتوفير مظاهر الشفافية في مؤسسات صنع‬
‫القرار‪ ،‬وتقديم نوعية الحكم من زاوية الإلتزام بسيادة القانون‪ ،‬وقدرته على‬
‫تعزيز فرص المشاركة‪ ،‬واحترام حقوق الإنسان ومكافحة الفساد‪ ،‬فهذه‬
‫المدرسة ترى مفهوم الحوكمة بشيراً ومؤشراً للإنتقال من التعامل النظري‬
‫إلى التفكير العملي الذرائعي‪ ،‬وتحديد مؤشرات قابلة للقياس لتقويم حالة‬
‫الحكم وصنع السياسة‪ ،‬لا سيما في الدول التي تشهد عمليات إصلاح‬

‫اقتصادي وسياسي[[[‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن مفهوم الحوكمة يعكس تحولات واقعية ونظرية‪ ،‬الا ّ‬
‫أنه ينطوي على العديد من الإشكاليات‪ ،‬بدءاً بمعضلة اختلاف تعريفات‬
‫مفاهيم العلوم الإجتماعية للمفهوم بشكل عام ومروراً بمشكلة الترجمة‪،‬‬
‫والى التعقيد‪ ‬والإبهام الذي يكتنف هذا المفهوم‪ ،‬وشمولية المفهوم وإمكانية‬

‫تناوله لكافة جوانب الحياة‪ ،‬فضلا ً على أنه يشكل حالة من «الإتوبيا»‪،‬‬

‫وأصبح شكلا ً من أشكال الموضة الإصطلاحية أو حتى ضرب من السياحة‬
‫الفكرية عند الحديث عن الحوكمة الرشيدة ودورها في التنمية [[[‪.‬‬

‫كما ويرى بيار كلام[[[ بأن الديمقراطية التمثيلية كنموذج مهيمن لم يعد‬
‫يكفي في ظل إنكفاء المواطنين عن الرغبة بالتصويت‪ ،‬وبالتالي في عدم‬
‫تمكن الدولة وممثليها المنتخبين في المجالس المتعددة من تمثيل‬

‫‪ 3‬سلوى شعراوي جمعة‪« ،‬مفهوم إدارة شؤون الدولة والمجتمع‪ :‬إشكاليات نظرية»‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مركز دراسات واستشارات‬
‫الإدارة العامة‪ ،2001 ( ،‬ص ‪)3‬‬

‫‪ 4‬علي الصاوي‪« ،‬الصياغة التشريعية للحكم الجيد»‪ ،‬ورقة خلفية ضمن برنامج إدارة الحكم في الدول العربية (‪Program‬‬
‫‪ ، 2003( ،)on Governance in the Arab Region-POGAR‬ص ‪.)3‬‬

‫‪)5.P ,2003( ,Philippe Moreau Defarages, « Que sais-je? La Gouvernance », Université de France 7‬‬
‫‪ 6‬بيار كلام‪ « ،‬تف ّتت الديمقراطية من أجل ثورة في الحاكمية»‪ ،‬ترجمة‪ :‬شوقي الدويهي‪ ،‬دار الفارابي‪ ،2003( ،‬ص ‪،)10-12-14‬‬

‫)‪( 2003 ,PIERRE CALAME, La Démocratie En Miettes – pour une révolution de la gouvernance.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪11‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫مصالح الجميع‪ ،‬فضلا ً عن الشكوك التي ُتغلِّف الدولة الحديثة على الرغم‬

‫بكل ما تزينت به من فضائل الإ أنها أصبحت متهمة بكل ضروب الشرور‪،‬‬

‫وبأن هذا كله شكل تربة خصبة لنمو ما يسمى «الثورة النيو‪ -‬ليبرالية»‬
‫وتقويض الدولة لصالح هيئات اصغر حجماً – حركة اللامركزية ‪ -‬أو هيئات‬
‫ا كبر تماشياً مع المعاهدات الدولية وسيطرة ظاهرة العولمة‪ .‬ويضيف‬
‫«بيار كلام» بان هذه الثورة تتضمن مرحلتين متتاليتين الإولى‪ :‬بالإنتقال‬
‫من فكرة «الإدارة العامة» أو الدولة إلى فكرة الحوكمة‪ ،‬والثانية‪ :‬تنطلق من‬

‫واقع أن الحوكمة حالياً لا تتوافق مع حاجات المجتمع الراهنة‪.‬‬

‫الحوكمة‬ ‫كما و ُيذكَر بأن الحوكمة كمصطلح تواجه إشكالية في الترجمة إلى اللغة‬
‫كمصطلح‬ ‫العربية‪ ،‬وهي نابعة من اختلاف فقهاء اللغة حول كلمة واحدة مرادفة‬
‫تواجه إشكالية‬ ‫للمصطلح سواء المترجم من الإنجليزية “‪ ”Governance‬أو من الفرنسية‬
‫في الترجمة‬ ‫إلى العربية “‪ .”Gouvernance‬فقد وقع‪ ،‬على سبيل المثال‪َ ،‬م ْج َمع اللغة‬
‫إلى اللغة‬ ‫العربية في مصر اختياره على كلمة «حوكمة» ‪ ،‬فيما وقع اختيار مجمع‬

‫العربية‬ ‫اللغة العربية في الإردن على كلمة «حاكمية»[[[‪.‬‬

‫كما ويشار إلى تراجم أخرى وهي ‪ :‬الحكم أو أسلوب الحكم‪ ،‬أو ترجمة‬
‫يراها خليل حسين[[[‪ ،‬بأنها الإفضل للمصطلح وهي « إدارة شؤون الدولة‬
‫والمجتمع»‪ ،‬والتي تبنتها عدد من المرا كز البحثية‪ ،‬لأنه يعكس في محتواه‬
‫المعنى الأساسي للكلمة التي تدل على العلاقة بين طرفي المعادلة‪ ،‬وهما‬

‫الدولة من جانب والمجتمع من جانب آخر‪.‬‬

‫وبأن الحاكمية والتي تبنتها الأمم المتحدة في ترجمة المصطلح للعربية‪،‬‬
‫لا تتفق والمقصود بها في اللغة العربية‪ ،‬وتعطي دلالات معرفية وفلسفية‬
‫لسياسة أو توجه ما‪ ،‬وكذلك صبغة دينية وتاريخية‪ ،‬وما تشكله بالتالي هذه‬
‫الترجمة من صعوبة فهم المقصود من المصطلح الأصلي أمام أي شخص‪.‬‬

‫وعلى الرغم مما سبق‪ ،‬فقد ارتأينا التعريف بالتراجم‪ ،‬وإختيار ما نعتقد أنه‬
‫الأنسب وهي ترجمة المصطلح «بالحوكمة»‪ ،‬معللين ذلك بسهولة وشيوع هذه‬
‫الترجمة‪ ،‬وعدم اختيارنا لكلمة «حاكمية» والتي يلاحظ ارتباطها أ كثر بحاكمية‬
‫الشركات «‪ »Corporate Governance‬وهي عملية الإشراف والمراقبة للتأكد‬
‫من أن إدارة الشركة أو الهيئات التنفيذية تتصرف وفق مصلحة المساهمين‪،‬‬

‫‪ 7‬منتدى حاكميه الشركات في الإردن‪ ،‬دار سندباد للنشر‪ 22 ( ،‬شباط ‪ ،2005‬ص ‪.)140‬‬
‫‪ 8‬خليل حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.17‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪12‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫وإلى علاقة الشركات بمجالس إدارتها والهيئات التنفيذية والمساهمين [[[‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد ظهر مفهوم الحوكمة نهاية الثمانينات وبداية التسعينات وبشكل‬
‫أساس لدى مفردات البنك الدولي «‪ ،»World Bank‬وبهدف معرفة كيف‬
‫تؤثر الحوكمة الجيدة على الأداء الإقتصادي‪ ،‬وقد حدد البنك الدولي المفهوم‬
‫بأنه[‪ « : [[1‬الطريقة التي تمارس بها السلطة في إدارة الموارد الإقتصادية‬
‫والمجتمعية لبلد ما من أجل تنميته‪ ،‬ورسم الإبعاد الرئيسة للحوكمة‬
‫وهي ‪ :‬إدارة القطاع الحكومي‪ ،‬المساءلة‪ ،‬الإطار القانوني للتنمية‪ ،‬الشفافية‪،‬‬

‫وحرية الوصول إلى المعلومات» [‪.[[1‬‬

‫أما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (‪ )UNDP‬فيعرف الحوكمة بأنها‪:‬‬

‫«ممارسة السلطة الإقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون الدولة تعريفات‬
‫على كافة المستويات‪ .‬كما وتعتبر الحوكمة الجيدة حالة تعكس تقدم الإدارة‬
‫المنظمات‬ ‫وتطويرها أيضاً من إدارة تقليدية إلى إدارة تتجاوب مع متطلبات المواطنين‬
‫الدولية لمفهوم‬
‫وتستخدم الآليات والعمليات المناسبة لتحقيق الأهداف المرجوة من الحوكمة‬
‫المشاريع بشفافية ومسؤولية أمام المواطنين[‪.»[[1‬‬

‫كما وهناك إهتمامات محددة تتبناها منظمات الأمم المتحدة‪ ،‬حيث ترى‬
‫المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة( (�‪UN High Commis‬‬
‫‪ )sioner for human Rights‬بأن الإمتحان الحقيقي للحوكمة هو في مستوى‬

‫قدرتها على تحقيق حاجات حقوق الإنسان الإساسية المتعارف عليها[‪.[[1‬‬

‫أما تعريف المفوضية الإوروبية للحوكمة فهو‪ « :‬الإدارة الشفافة والمع َّرضة‬
‫للمساءلة حول كافة موارد الدولة والتي تهدف إلى الوصول لإقتصاد مستدام‬
‫وتنمية اجتماعية‪ ،‬ومن خلال ستة عناصر‪ :‬حقوق الإنسان‪ ،‬ال َدمق َرطة‬

‫‪ 9‬ـ مرجع سابق‪ ،‬ص ‪175Gita Welch and Zahra Nura‬‬
‫‪(22.p ,1992) ,World Bank, governance and development Washington DC 10‬‬
‫‪ 11‬حرية المعلومات (‪ ،)Access to Information‬تشير مراجع الأمم المتحدةـ مرجع سابق‪Gita Welch and Zahra Nura ،‬‬
‫‪ ،‬ص ‪ ،174‬بأن المسألة مرتبطة ليس فقط بتعزيز وحماية الوصول إلى المعلومات بل أيضاً بالتساوي مع تعزيز وحماية‬
‫التواصل فيها أو استخدامها ليعبر ك ًل عن صوته ورأيه وعلى كافة المستويات (المجتمع المحلي‪ ،‬المستوى الوطني‪،‬‬
‫والإقليمي‪ ،‬والعالمي)‪ .‬كما وير ى ‪ ، ,Munyeme Hasan‬في مقال « “ �‪Right to Information-a powerful Social Account‬‬
‫‪ ، ability tool‬بأن الحق في الوصول إلى المعلومات أصبح من الحقوق الإساسية لحقوق الإنسان‪ ،‬والتي تجعل من المواطن‬
‫مشارك نشط في فلسفة وتطبيقات الحوكمة‪ ،‬من خلال معرفة مصير الضرائب التي يدفعها‪ ،‬كما وتمكنه المعرفة‬
‫والمعلومات من تحسس مواطن الفساد‪ ،‬وحالإت اساءة استخدام السلطة‪ ،‬وسوء الإدارة في الإجهزة الرسمية‪.‬‬
‫‪1997 ,7 .UNDP Policy Document, Governance for Sustainable Development, Op.cit. p 12‬‬
‫‪ 13‬مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان يرمز لها اختصارا ب‪ UNHCH:‬وهي وكالة دولية تابعة‬
‫لمنظمة الأمم المتحدة تهدف للترويج وحماية حقوق الإنسان بحسب ما ورد في الإتفاقيات والمواثيق الدولية التي نص‬

‫عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العام ‪.1948‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪13‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫(التحول إلى الديمقراطية)‪ ،‬سيادة القانون‪ ،‬تعزيز المجتمع المدني وإصلاحات الإدارة العامة ‪-‬‬
‫بما فيها اللامركزية الإدارية‪.[[1[ » -‬‬

‫وهناك تعريف من قبل صندوق النقد الدولي (‪[[1[ )IMF‬بأن ‪« :‬الحوكمة تحيط بكل مظاهر‬
‫طريقة حكم الدولة‪ ،‬بما في ذلك السياسات الإقتصادية والإطار التنظيمي لها»‪.‬‬

‫كما ويجدر ذكر كذلك تعريف منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية (‪« :[[1[)OECD‬بأن‬
‫الحوكمة هي استخدام السلطة السياسية وممارسة الرقابة في المجتمع بالعلاقة مع إدارة‬

‫الدولة لمصادرها من أجل تحقيق التنمية الإجتماعية والإقتصادية»‪.‬‬

‫وفي سياق التعريف بالمفهوم‪ ،‬فيؤكد زهير الكايد «بأن ابسط وصف لفهم الحكمانية هو‬
‫أن الإهتمام والعناية بالإمور العامة هي ليست حكراً على الحكومة‪ ،‬وبأن الحكمانية فكر ًة‬
‫وإصطلاحا شاع استخدامها بشكل واسع مع بداية التسعينات من قبل المنظمات الدولية‬
‫كمنهجية لتحقيق التنمية المجتمعية في الدول النامية نتيج ًة لقصور الإدارات الحكومية عن‬
‫تحقيق ذلك بفعالية وكفاية كافيتين‪ ،‬وبأن الفاعلين الرئيسين الذين تتحدث عنهم تعريفات‬

‫الحوكمة هم الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني بما يسمى بمنظومة الحوكمة»[‪.[[1‬‬

‫ومنذ ظهور تعريف البنك الدولي لم تتوقف الإدبيات والتنظيمات المختصة والمفكرين في‬
‫محاولة تحسين أو تجويد التعريف ليصبح أ كثر شمولا ً وأ كثر تحديداً‪ .‬كما أن العديد من‬
‫الدول المتقدمة قدمت تعريفات للمفهوم وفي نفس المنهج والإطار العام للمفهوم‪ ،‬وبهدف‬

‫تحديد علاقات برامجها الخاصة بالمساعدات ولأغراض سياسية واقتصادية متنوعة [‪.[[1‬‬

‫لذا‪ ،‬فقد حظي المفهوم وتطبيقاته باهتمام كبير من قبل العلماء والباحثين والمسؤولين‬
‫والمخططين في المجتمع‪ .‬وبالمحصلة فإن الحوكمة ليست بالمفهوم الجديد بالمطلق‪ ،‬وإنما‬
‫بمثابة منتج قديم وضع في قالب جديد‪ ،‬وبأنها تشكل محط اهتمام الباحثين والمشاركين منذ‬
‫عهد المفكر اليوناني أرسطو[‪ [[1‬إلى يومنا هذا‪ ،‬وذلك لما لهذا الموضوع من أهمية بالغة‪ ،‬وتأثير‬
‫واضح على كيان المجتمع من النواحي التنموية والإجتماعية والسياسية والثقافية‪ ،‬فضلا ًعلى‬

‫‪(17:p ;2003 )European Commission, Draft EC Good Governance Manual, version created 14‬‬
‫‪ 15‬صندوق النقد الدولي هو أول من قدم مفهوم الحوكمة الجيدة‪.‬‬

‫‪ 16‬منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية‪ ،‬منظمة دولية‪ ،‬نشأت عام ‪ ،1948‬وتضم مجموعة من البلدان المتقدمة ودول غير أوروبية‪.‬‬

‫‪ 17‬زهير الكايد‪ ،‬الحكمانية «قضايا وتطبيقات»‪ ،‬عمان \ الإردن ‪ ،2003 ،‬ص‪ ، 1‬وهو رئيس الفريق الإستشاري الذي نهض بمشروع التقييم المؤسسي‬
‫للهيئة العامة للتخطيط والتطوير العمراني وحصل على جائزة الأمم المتحدة للخدمة العامة لعام ‪ 2008‬لتميزه في مجال (الحكمانية) عن الإعوام ‪– 2005‬‬

‫‪ 2008‬ونجاحه في الشراكة مع القطاعات المختلفة وإسهامه في التنمية الإقتصادية والإجتماعية وفق معايير الشفافية والمساءلة وإدارة التحول‪.‬‬
‫‪ 18‬ومنها أستراليا‪ ،‬النمسا‪ ،‬كندا‪ ،‬الدنمارك‪ ،‬فنلندا‪ ،‬ألمانيا‪ ،‬أيرلندا‪ ،‬هولندا‪ ،‬السويد‪ ،‬سويسرا‪ ،‬المملكة المتحدة‪ ،‬الولايات المتحدة الإمريكية‬

‫(برنامج المساعدات‪ .)USAID-‬يضاف إلى ذلك العديد من الدراسات والإطروحات ومراكز الحوكمة المنتشرة في دول العالم‪.‬‬
‫‪ 19‬أرسطو أو أرسطاطاليس ( ‪ 384‬ق م‪ 322 -‬ق م) فيلسوف إغريقي‪ ،‬تلميذ أفلاطون ومعلم الإسكندر الإكبر وكتب في العديد من المواضيع بما في ذلك‬

‫علوم الفيزياء والميتافيزيقا‪ ،‬الشعر‪ ،‬المسرح‪ ،‬الموسيقى‪ ،‬والمنطق والبلاغة والسياسة والحكومة‪ ،‬والإخلاق‪ ،‬والبيولوجيا‪ ،‬وعلم الحيوان‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪14‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫أن المسائل الكبرى للحوكمة هي مسائل أزلية ومرتبطة بتأمين العيش‬
‫معاً في سلام داخلي وخارجي ومستدام لملايين النساء والرجال الذين‬
‫يتقاسمون حيزاً مكانياً واحداً‪ ،‬وتأمين التوازن بين المجتمعات الإنسانية‬
‫وبيئتها‪ ،‬وإدارة الموارد الطبيعية على المدى الطويل كونها موارد قليلة‬
‫وسريعة العطب‪ ،‬وتأمين الإستقلالية وحرية التفكير للأشخاص ونشاطاتهم‬
‫مع المحافظة على العدالة الإجتماعية‪ ،‬والتماسك‪ ،‬والمصلحة المشتركة‪،‬‬
‫وتوفير أ كبر قدر من فرص الإنطلاق لكل شخص‪ ،‬ولكامل الجماعة‪ ،‬والسماح‬
‫لتطور العلوم والتقنيات دون الإنجرار وراء إغراء قوتها‪ ،‬وتأمين شروط الحياة‬
‫اللائقة للجميع‪ ،‬والإعتراف بالتنوع وغنى الثقافات والتقاليد‪ ،‬والتأقلم مع‬

‫تطورات العالم‪ ،‬والمحافظة على الهوية في نفس الوقت[‪.[[2‬‬

‫كل ما سبق يعطي مفهوم الحوكمة مدلولا ً إيجابياً‪ ،‬وبأن الحوكمة إرتبطت‬
‫بمفاهيم إدارة الموارد المالية الحكومية‪ ،‬ولكن دون وجود فاصل واضح‬

‫بين الحوكمة والحوكمة الإفضل أو الجيدة أو الرشيدة‪.‬‬

‫سبب عدم‬ ‫كما و ُير َّجح بأن سبب عدم التفريق بين الحوكمة والحوكمة الجيدة نابع‬
‫التفريق بين‬ ‫من تشعب المفهوم‪ ،‬وحتى في القصور أحياناً في التفريق بين واقع علاقة‬
‫الدولة بمجتمعها وبين سبل تجويد وتحسين هذا الواقع ليكون أ كثر‬
‫الحوكمة‬ ‫رشدانية وتَ ُّميز‪ ،‬وكذلك في مدى التوافق مع الحوكمة العالمية ومتطلباتها‬
‫والحوكمة‬
‫الجيدة نابع‬ ‫دون المساس بالخصوصية المجتمعية‪.‬‬

‫من تشعب‬ ‫ومن الصعب بمكان مناقشة الحوكمة الجيدة بمعزل عن فهم علاقات القوى‬
‫المفهوم‬ ‫ودور القيادات الوطنية‪ ،‬والتي لها دور حاسم في تعزيز التغيير والنمو[‪.[[2‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فان التزام الدول النامية بتطبيق منهجية الحكمانية الجيدة أمراً‬
‫في غاية الإهمية‪ ،‬لما ينطوي عليه ذلك من تكامل الأدوار الحكومية والقطاع‬
‫الخاص ومؤسسات المجتمع المدني‪ ،‬ومن خلال المشاركة والتشارك‬
‫لإعادة رسم الأدوار لك ٍل منها‪ ،‬ليتسنى تحقيق التنمية المجتمعية ذات‬
‫الكفاية والفعالية والإستجابة للمواطنين وطموحاتهم‪ ،‬وفق ما ترتكز عليه‬
‫الحكمانية الجيدة من مميزات تعكس الشفافية والمساءلة والتشارك في‬
‫تحمل المسؤولية‪ ،‬والمشاركة في رسم السياسات‪ ،‬وتعزيز دولة القانون‬

‫‪ ,Pierre Calame 20‬مرجع سابق ‪20-19 p‬‬
‫‪,  , Gita Welch and Zahra Nura 21‬مرجع سابق‪.25 .p ‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪15‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫واللامركزية لتقريب صنع القرار من المواطنين‪ ،‬ضمن ميزات أخرى»[‪.[[2‬‬

‫وفي نفس إطار الحوكمة الرشيدة‪ ،‬فتستند العديد من المؤسسات الدولية‬
‫المانحة في منحها للقروض بناءاُ على مستوى الحوكمة الرشيدة وعناصرها‬
‫لتلك الدولة‪ ،‬وبالتالي تسعى الحوكمة الرشيدة إلى التأكد بأن مستوى‬
‫الفساد بكافة أنواعه في حده الأدنى‪ ،‬وأن أصوات الأقليات والمهمشين‬

‫مسموعة‪ ،‬وبأن هناك تلبية لحاضر ومستقبل المجتمع‪.‬‬

‫كما وأعتمدت الأمم المتحدة ثمانية عناصر رئيسة للحوكمة الرشيدة‬
‫وهي ‪ :‬المشاركة‪ ،‬سيادة القانون‪ ،‬الشفافية‪ ،‬الإستجابة‪ ،‬التوافق والإجماع‪،‬‬
‫المساواة والإندماج‪ ،‬الكفاءة والفعالية‪ ،‬والمساءلة[‪ .[[2‬ويجدر ذكره أن‬
‫برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد أضاف لاحقاً صفة تاسعة [‪ [[2‬للحوكمة‬

‫الجيدة وهي الرؤية الإستراتيجية“‪. ”Strategic Vision‬‬

‫كل ما سبق يدلل على أن إهتمام الحكومات وفئات المجتمع قد زاد وتعمق‬
‫بالحوكمة ودورها في التنمية على المستوى المحلي أو ما يسمى بالحوكمة‬
‫المحلية‪ .‬وفي موازاة ذلك‪ ،‬فإن الحوكمة كمفهوم وعناصر مصاحبه له‪،‬‬

‫أفرزتها عدد من المنظمات الدولية منذ ثلاثة عقود‪ ،‬وما زالت تسعى لتطوير‬
‫وملائمة هذا المفهوم مع متطلباتها‪ ،‬من ناحية‪ ،‬ومع حاجات أو حتى أحياناً‬

‫إعتراضات إدارات الدول النامية على متطلبات المنظمات الدولية للحوكمة‬

‫التي أصبحت شروط عليها وليست فقط كنوايا جيدة من هذه المنظمات‬

‫الدولية لتطوير إدارات الدول النامية مع مجتمعها من ناحية أخرى‪.‬‬

‫الحوكمة‬ ‫ويلاحظ من الدراسات المتعلقة بالحوكمة تنوعاً مفرطاً في التعابير‬
‫الديمقراطية‬ ‫المصاحبة للحوكمة‪ ،‬وأهمها ما يسمى بالحوكمة الديمقراطية والتي تختلف‬
‫والتي تختلف‬ ‫عن الحوكمة الجيدة كما ذكر عادل عبد اللطيف[‪ [[2‬بأن مركز و ُّجل اهتمام‬
‫عن الحوكمة‬ ‫الحوكمة الديمقراطية هو الحرية السياسية‪ ،‬وحقوق الإنسان‪ ،‬وإزالة كافة‬
‫أشكال العنصرية‪ ،‬والتي تؤدي بالنهاية مجتمع ًة إلى الحوكمة الرشيدة‪،‬‬
‫الجيدة‬
‫‪ 22‬زهير الكايد‪ ،‬الحكمانية «قضايا وتطبيقات»‪ ،‬عمان \ الإردن ‪ ،2003‬المنظمة العربية للعلوم الإدارية‪ ،‬ص ‪ ،1‬كما ويضيف‬
‫بأن تعبير وفكرة الحكمانية الجيدة قد تم استخدامها للتعبير عن أهمية وضرورة الإنتقال بفكرة الإدارة الحكومية‬
‫والحكمانية من الحالة التقليدية إلى الحالة الإكثر تفاعلا ً وتكاملا ً بين الإركان والعناصر الرئيسية الم َّشكلة للحكمانية‬
‫والتي تتكون بشكل أساسي من‪ :‬الإدارة العامة للقطاع العام‪ ،‬إدارة القطاع الخاص بفعاليته المختلفة‪ ،‬إدارة مؤسسات‬

‫المجتمع المدني العديدة في المجتمع‪.‬‬
‫‪ 23‬الأمم المتحدة تعتمد ثمانية عناصر رئيسة للحوكمة الرشيدة‪ ،‬لطفا انظر الملحق( ‪ ، )1‬ص ‪341‬‬
‫‪ 24‬تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي‪»:‬الحاكمية للتنمية البشرية المستدامة»‪ ،1997 ( ،‬ص ‪)22‬‬
‫‪ 25‬ص‪ ،٧‬عادل عبداللطيف‪ ،‬ندوة «الحاكمية الرشيدة وعلاقتها بالديمقراطية والتنمية الإقتصادية»‪) 2003 (،‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪16‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫وفي حين يتفق مفهوم الحوكمة الرشيدة مع الحوكمة الديمقراطية بأهمية‬
‫الحريات إلى أنه يراها كأحد العناصر والوسائل‪ ،‬وليس كنهاية‪ ،‬للوصول إلى‬
‫الحوكمة الجيدة وبالتالي للتنمية البشرية والتنمية المجتمعية بكافة مجالإتها‪.‬‬

‫عكس مفهوم‬ ‫ويشار إلى أن عكس مفهوم الحوكمة الرشيدة أو الجيدة هو الحوكمة‬
‫الحوكمة‬ ‫السيئة أو الناقصة “‪ ”Bad Governance‬لإدارة الدول‪ ،‬والتي يرى العديد‬
‫الجيدة هو‬ ‫من المختصين وخاصة من المنظمات الدولية بأنها تؤدي إلى اتجاهات‬
‫الحوكمة‬ ‫سلبية وقد تضر بالإنسان والمجتمع‪ ،‬أو تجعله ظاهرة لا يستطيع التحكم‬
‫السيئة‬ ‫في مصيرها ونتائجها‪ ،‬ومن هنا تظهر الحاجة أيضاً إلى التخطيط الجيد لإدارة‬
‫وقيادة التغيير المنشود نحو الحوكمة الرشيدة والجيدة لأن ذلك ضرورة‬
‫“‪”Bad Govenance‬‬ ‫حتمية يفرضها ال ّت َغ ُّير السياسي والإجتماعي والإقتصادي في أي مجتمع‪.‬‬

‫الحوكمة‬ ‫وكنتيجة‪ ،‬فأن الحوكمة الرشيدة هي الثورة الجديدة التي ستطال كافة‬
‫الرشيدة‬
‫هي الثورة‬ ‫المجتمعات‪ ،‬وكذلك العلاقات الدولية‪ ،‬وكأنها نظام عالمي جديد وبديل‬
‫الجديدة التي‬ ‫لفكر الديمقراطية كأفضل ما وصلت إليه البشرية[‪ .[[2‬و ُهنا لا يستبعد في‬
‫ستطال كافة‬ ‫هذا الجدل حول الحوكمة بأن يمتد استخدامها لتشمل حياة الفرد وعلاقاته‬
‫المجتمعات‬ ‫مع عائلته وقبيلته ومجتمعه وكل محيطة‪ ،‬وبحيث تدخل في أدبيات‬
‫علوم اجتماعية متخصصة‪ ،‬مثل مباحث علم النفس‪ ،‬وغيرها من العلوم‬
‫الإجتماعية المختلفة‪ .‬وما يعوق ذلك الإن هو ربما لغموض المفهوم أو بما‬
‫هو المقصود من الحوكمة والفرق بينها وبين الحاكمية أو الحكم الرشيد‪،‬‬
‫ليس لقصور المتلقين له والمتأثرين به‪ ،‬من ناحية‪ ،‬بل لتشعب المفهوم‬

‫وكثرة تفسيراته كما تم ذكره مسبقاً‪.‬‬

‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فهناك مصطلحات واجهت مصاعب في بداياتها متعلقة‬
‫بالإيدولوجيا والفهم والفكر‪ ،‬بداي ًة بالديمقراطية‪ ،‬وآخرى مثل «البلوريتاريا»‬
‫و»الإلوجاركية»‪ ،‬و»البروسترويكا»‪ ،‬وغيرها مما أنتجته الحضارة الشرقية‬
‫والغربية الحديثة‪ ،‬الإ أنها وجدت ضالتها‪ ،‬وأصبحت أ كثر تداولا ً وشيوعاً‬
‫وفهماً فيما بعد‪ ،‬وبحسب قوة المفهوم ومدى القناعة والإقتناع به‪ ،‬وحاجة‬

‫الدولة والمجتمع له لما فيه خيرهم وصلاحهم مجتمعين‪.‬‬

‫‪ 26‬بيار كلام مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪19‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪17‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫كونية مبادئ‬ ‫‪ -2‬اشكالية المصطلح ‪:‬‬
‫الحوكمة‬
‫إن الحوكمة الرشيدة هي الحالة المثالية التي لم يتمكن البشر من الوصول‬
‫والخصوصية‬
‫في التطبيق؟‬ ‫إليها بالمطلق رغم كل ما وصلهم من تعاليم سماوية وأفكار وضعية‪.‬‬
‫واستطاعت‪ ،‬في نفس الوقت‪ ،‬دول معينة أن تتقدم على دول أخرى في هذا‬
‫المجال‪ ،‬كما وهناك إشكالية في كونية المبادئ والخصوصية في التطبيق‪،‬‬
‫حيث يصعب استيراد أفكار مهما كانت جيدة وتطبيقها للإختلاف الواضح‬
‫في الخصوصيات والمكونات المادية والمعنوية للمجتمعات‪ ،‬ولكن لا بد‬
‫هنا من إقتناع وإصرار الدول مع شعوبها انه يمكنها بالحوكمة الرشيدة أن‬

‫تجعل من الهدف حقيقة‪.‬‬

‫ول ّما كانت الحوكمة مرتبطة بعملية اتخاذ القرارات فإن الحكومة أ ٍي‬
‫كانت هي لاع ٌب أساس ورئيسي في إعداد وتنفيذ ومراقبة القرارات‪ ،‬في‬
‫حين يتنوع دور اللاعبين الإخرين حسب مستوى الحكومة وقراراها‪ ،‬حيث‬
‫يزداد تعقيد القرار ونوعية اللاعبين في المناطق المدنية والعواصم عنه في‬

‫المناطق الريفية والبوادي على سبيل المثال لا الحصر‪.‬‬

‫ولا تنفصل الحوكمة عن المفاهيم المرادفة والمرتبطة به‪ ،‬أو أنها تنكفئ عن‬
‫استخدام ما يتاح لها من أدوات الفكر الإجتماعي والإقتصادي والإداري المتاحة‪،‬‬
‫وخاصة بالنسبة لمفاهيم ال َت َغ ُّير الإجتماعي‪ ،‬والتي ينطلق منها ضرورة البحث‬
‫وإهتمامات الحوكمة بالمجمل‪ ،‬فالت ّغ ُير هو قانون الوجود‪ ،‬وهو في ذاته ظاهرة‬
‫طبيعية تخضع لها جميع مظاهر وشؤون الحياة‪ ،‬كما ُت ًّعرِفه دلال إستيتية [‪ [[2‬بأن‬
‫ال َت َغ ُّير الإجتماعي‪« :‬هو كل تحول يحدث في النظم والأنساق والأجهزة الإجتماعية‪،‬‬

‫سواء كان ذلك في البناء أو الوظيفة وخلال فترة زمنية محددة»‪.‬‬

‫ينطلق مفهوم‬ ‫وينطلق مفهوم «الحوكمة الرشيدة» من مفهوم التنمية في كافة المجالات‬
‫الحوكمة‬
‫من أجل نقل المجتمع من حالة راهنة وواقع معين إلى حالة أسمى وأرفع‪،‬‬
‫الرشيدة من‬ ‫ومن فكر الإصلاح الذي يسعى لتطوير المجتمع وتحديثه وملائمته‬
‫مفهوم التنمية‬ ‫مع متطلبات القبول الداخلي والخارجي‪ ،‬و ُتح ِّدد فيه مستوى العلاقات‬
‫بين الحكومات والقطاع الخاص (الأسواق والشركات الصغرى والكبرى‬
‫في كافة‬ ‫والمتعددة الجنسيات) وبين الحكومات والمواطنين‪ ،‬وبين الحكومات‬
‫المجالات‬ ‫والمجتمع الدولي‪ ،‬وبين الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي‬

‫‪ 27‬دلال إستيتية‪ ،‬التغير الإجتماعي والثقافي‪ ،‬دار وائل للنشر‪ ،‬ع ّمان‪ ،‬الإردن‪ ، 2003 (،‬ص‪) 19‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪18‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫(الإحزاب والنقابات المهنية والمنظمات الحقوقية والأهلية وغيرها من‬

‫مكونات المجتمع الغير حكومي‪ ،)Non-State Actor /‬وبين الإشخاص‬

‫المعينين والأشخاص المنتخبين‪ ،‬وبين المؤسسات المحلية والمستفيدين‬
‫منها في المناطق الريفية والمدنية‪ ،‬وبين المؤسسات التشريعية والتنفيذية‪،‬‬

‫وبين المؤسسات الوطنية ونظيراتها غير الوطنية‪.‬‬

‫الحوكمة‬ ‫ونظراً للتشارك بين مسألة تحديد هذا الموضوع وعرض أهميته وأهدافه‪،‬‬
‫بين طرفي‬ ‫فأنه ينتقل إلى التعريف بأهميته من واقع المفهوم‪ ،‬ومن ناحية إهتمامنا‬
‫الحكم‪ :‬الدولة‬ ‫به كحل جديد للمشاكل الناشئة بين طرفي الحكم‪ :‬الدولة والمجتمع‪ ،‬ومن‬
‫والمجتمع‬
‫الجانبيين‪ :‬الأهمية النظرية‪ ،‬والأهمية التطبيقية‪.‬‬

‫كما ان مسألة التنمية والتطوير والإصلاح والتغيير وتفعيل المشاركة وكل‬
‫عناصر الحوكمة الرشيدة لهي جزء لا يتجزأ من الفكر العالمي الليبرالي‬
‫والعصري والمقبول لحاجات المجتمعات الواعية والطموحة‪ ،‬وكذلك في‬
‫مبررات وجود الدولة كمنظم لحياة البشر وممتلكاتهم وواجباتهم وحقوقهم‪،‬‬

‫وبالعمل مع الفاعلين أو الشركاء في المجتمع‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬فإن كل ما ينبثق عن الدولة من حكومات يجب أن تهدف إلى تأمين الحد‬
‫الأدنى من العيش الكريم لأبنائها وتقديم الخدمات الضرورية لمواطنيها‪،‬‬
‫وبالتفاعل مع شركائها في المجتمع دون إحتكار للسياسيات العامة التي‬

‫يتأثر بها كافة مكونات المجتمع‪.‬‬

‫هناك تخوف‬ ‫وبأهمية الكشف عن مضامين الوعي التنموي والإصلاحي بصورة متقابلة‬
‫مستمر للدول‬ ‫تجمع بين صانعي القرار وبين التكوينات القائمة سواء في مستواها‬
‫الصغرى من‬ ‫المجتمعي أو المؤسساتي‪ ،‬وبما يساعد على الكشف عن مدى الإلتزام‬
‫بالمصلحة العامة‪ ،‬وكذلك بالنسبة إلى مستويات الإغتراب التي قد تتشكل‬

‫بفعل التمحور حول المصالح الخاصة‪.‬‬

‫وضمن إشكاليات المفهوم‪ ،‬فهناك تخوف مستمر للدول الصغرى من المصطلحات‬
‫المصطلحات التي ت ُسوقها الدول الكبرى والتي ترى فيها مدخلا ً للتدخل التي ت ُسوقها‬
‫بسياساتها‪ ،‬لا سيما النامية منها‪ ،‬وعلى أنها شكل من أشكال الإستعمار الدول الكبرى‬
‫التنموي (‪ )colonisation développement‬في عصر العولمة‪ ،‬والعلاقات والتي ترى فيها‬
‫مدخلاً للتدخل‬
‫الإقتصادية الجديدة بهدف السيطرة السياسية [‪.[[2‬‬
‫بسياساتها‬

‫‪,Mostafa Kharoufi, «Gouvernance et Sociétés Civiles- Les Mutations Urbaines au Maghreb», Afrique Orient 28‬‬
‫(‪.186 .P ,)2000‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪19‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫كما أن الغرب نفسه يرى اختلاف جوهري بينه وبين شعوب العالم‪،‬‬
‫ونقتبس هنا للكاتب الأمريكي صاحب نظرية «صدام الحضارات»[‪،[[2‬‬
‫حيث يقول ‪« :‬بأن شعوب العالم غير الغربية لا يمكن أن لها أن تدخل في‬
‫النسيج الحضاري للغرب‪ ،‬حتى وان إستهلكت البضائع الغربية وإهتمت‬
‫بالأفلام والموسيقى الغربية‪ ،‬فروح أي حضارة هي اللغة والدين والقيم‬

‫والعادات والتقاليد»[‪.[[3‬‬

‫ويرى البعض أن التدخل في الدول النامية ليس بالضرورة أن يكون ذلك‬
‫بشكل مباشر‪ ،‬بقدر ما يكون من خلال البرامج الخيرة للمنظمات الدولية‬
‫مثل البنك الدولي‪ ،‬والأمم المتحدة وبرامجها المتصلة بالموضوع‪ ،‬وخاصة‬
‫برنامج الأمم المتحدة الإنمائي‪ ،‬وبعض مؤسسات المجتمع المدني ذات‬
‫الصلة‪ ،‬والتي تحكمها وتمولها بالإساس الدول العظمى وبالتالي تستطيع‬
‫اذا رغبت توظيفها طبقاً لمصالحها‪ ،‬وضمن أُطر ومصطلحات مثل مفهومنا‬

‫هنا بالحوكمة‪.‬‬

‫ينظر البعض‬ ‫لذا‪ ،‬فيمكن أن ينظر البعض لهذا المفهوم على أنه سياسي بإمتياز‪ ،‬خلافاً‬
‫لمفهوم‬ ‫للظاهر بأنه مرتبط بمصطلحات التنمية‪ ،‬و ُمو َجه لتفعيل المشاركة بين‬

‫الحوكمة على‬ ‫الدولة وكافة فئات المجتمع‪،‬‬
‫أنه سياسي‬
‫وذلك من خلال إضعاف الدولة المركزية وجعل وظائفها تدور في فلك‬
‫بإمتياز‬ ‫مصالح الإقتصاد الليبرالي العالمي[‪.[[3‬‬

‫‪ -3‬الحوكمة الرشيدة والعلوم الإجتماعية‬

‫الحقيقة أن عملية البحث في المعضلات الإجتماعية عملية صعبة‬

‫ومحفوفة بالمخاطر ويكتنفها جوانب من التعقيد والغموض البحثي‪ ،‬ولا‬
‫يمكن فيها التوصل إلى يقي ٍن كامل‪ .‬لذا‪ ،‬فإن ذلك ُيص ّعب المسألة على‬
‫غير المختصين لصعوبة الإلمام بكافة النظريات والدراسات والمقاربات‬

‫المتصلة بجزئيات العلوم الإجتماعية‪ ،‬وعليه سيتناول هذا الكتاب ما‬

‫‪ 29‬ظهرت النظرية في مقال للكاتب الأمريكي صموئيل ب‪ .‬هنتنغتون عام ‪ ،1992‬بأن المصدر الرئيسي للصراع بعد الحرب‬
‫الباردة سيكون بسبب ال ُش َعب الثقافية والدينية الهويات‪ ،‬وتوسعت لاحقا لأطروحة هنتنغتون في التاريخ كتاب ‪1996‬‬

‫وصدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي‪.‬‬

‫‪,1996 .Nov./Oct( ,75 .Samuel P. Huntington , « The West: Unique, Not Universal», Foreign Affairs No 30‬‬
‫‪.)28.p‬‬

‫‪ 31‬تقوم فكرة الليبرالية الإقتصادية على منع الدولة من تولي وظائف صناعية أو تجارية‪ ،‬وأنها لا يحق لها التدخل في‬
‫العلاقات الإقتصادية التي تقوم بين الإفراد والطبقات أو الإمم‪ ،‬ويعد الإقتصادي (آدم سميث) ـ ‪ 1790 -1723‬ـ هو ال ُمن ّظر‬

‫لهذه النظرية الليبرالية الإقتصادية‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪20‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫يخصه بالنسبة لعلاقة المجتمع بفرده ونُ ِظ ِمه‪ ،‬وبما يفيد في فهم تأثير ذلك‬
‫لتحقيق مزيد من الحوكمة الجيدة والمفيدة لطرفي المعادلة الحوكمية‪.‬‬

‫وبفرضية ان العلوم الإجتماعية تتضافر لفهم ظاهرة ما‪ ،‬وترتبط ببعضها الحوكمة جزء‬

‫البعض بمسافات مختلفة‪ ،‬حيث ترتبط وتتشابك التحديات السياسية من العلوم‬

‫الإجتماعية والإقتصادية والإدارية معا‪ ،‬فالنسبة إلى علم الإجتماع فيهتم الإجتماعية‬

‫بدراسة كافة جوانب المجتمع‪ ،‬بينما علم السياسة ُيكَّرِس معظم إهتماماته التي تتضافر‬
‫لدراسة القوة المتجسدة في التنظيمات الرسمية‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة لفهم ظاهرة ما‬

‫وترتبط‬ ‫لتشابك وتداخل التحديات الإقتصادية من خلال إمتحان القدرة على إدارة‬

‫ببعضها البعض‬ ‫الموارد البشرية والطبيعية‪.‬‬

‫بمسافات‬

‫كما تتصل الحوكمة بالثقافة والتي هي أصلا مفهوم واسع‪ ،‬وترتبط الحوكمة مختلفة‬

‫بسكيولوجيات الفرد والمجتمعات‪ .‬وكذلك الأمر مع الإيكولوجية (البيئية)‬

‫والإقتصادية‪ ،‬ومع الإدارة كعلم من العلوم الإنسانية والذي يدور محور‬

‫موضوعها الرئيسي حول الإنسان‪ ،‬بإعتبار أن العنصر البشري في الإدارة هو‬

‫عنصر الحسم مهما تقدمت وسائل التكنولوجيا المختلفة‪ .‬وعلية‪ ،‬فالعلوم‬

‫تنفذ كلها منها وإليها مهما إختلفت غايتها وتباينت الإولويات فيها‪ ،‬ويصب‬

‫كل ذلك في الحوكمة أو ما يمكن أن نسميه بمنظومة الحوكمة‪.‬‬

‫حوكمة‬ ‫حوكمة السياسة‪ :‬وإن عناصر القوة وعناصر الضعف هي حالة طبيعية‬
‫السياسة !‬ ‫تعيشها المجتمعات في كافة جوانبها الحياتية‪ ،‬وكون السياسة هي فن‬
‫تحقيق الممكن في إطار‪ ‬الإمكانات المتاحة‪ ،‬وأنه لا يمكن احتواءها في اطار‬
‫ضيق كونها من العلوم الإجتماعية التي تتطلب وعياً وإدراك[‪ ،[[3‬وأصبحت‬
‫شأناً يخص المجتمع ويؤثر فيه وتدور حول السياسات الفعلية والمطبقة‪.‬‬

‫حوكمة التاريخ ‪ :‬وإن حوكمة التاريخ‪ -‬إذا جاز التعبير‪ -‬من العناصر حوكمة‬
‫الهامة لفهم سياسات الدول والحكومات والتفاعلات المختلفة بين أفراد التاريخ !‬
‫المجتمع ومرا كز القوى فيه‪ ،‬بما فيها فرضية أن التاريخ ليس حكراً لأحد‪،‬‬

‫وبأن التاريخ استند على ما وصله من معلومات قد تكون صحيحة وقد لا‬
‫تكون‪ ،‬وقد تحمل الحقيقة كل الحقيقة وقد لا تحمل الإ جزءاً منها‪.‬‬
‫الحوكمة‬

‫الإجتماعية‬

‫الحوكمة الإجتماعية‪ :‬وقد ارتأينا التركيز على جانب هام وحيوي في مجال وظاهرة ال َت َغ ُّير‬

‫الإجتماعي !‬

‫‪)67 .P 1993( , Bernard Chantebout, « Le Pouvoir et L’Etat dans l, œuvre George Burdeau, édition Economica 32‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪21‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫ظاهرة التغير‬ ‫الحوكمة الإجتماعية[‪ [[3‬وهو ظاهرة ال َت َغ ُّير الإجتماعي لإتصالها المباشر هنا‪،‬‬
‫الإجتماعي‬ ‫ومن أجل تفعيل هذه العلاقة ليصبح ال َت َغ ُّير الإجتماعي الحتمي رشيداً‬
‫ومحفزاً للعلاقة بين الدولة والمجتمع‪ .‬وال َت َغ ُّير الإجتماعي هو موضوع‬
‫واسع ومتشعب ويعتبر من المواضيع الإساسية في علم الإجتماع‪ ،‬ويظهر‬
‫هذا بوضوح في إستخدام المفاهيم التي تعبر عن الظاهرة في محاولة‬

‫دراستها مثل النمو والتنمية والتق ّدم والتط ّور والإرتقاء‪ .‬ويمكن تعريف‬
‫ال َت َغ ُّير الإجتماعي «بأنه كل تحول يقع في التنظيم الإجتماعي سواءاً في بنائه‬
‫أو في وظائفه خلال فترة زمنية معينة؛ ولذا فإن ال َت َغ ُّير الإجتماعي ين َصب‬
‫على كل تغير يحدث في أنماط العلاقات الإجتماعية أو في القيم والمعايير‬
‫التي تؤثر في سلوك الإفراد‪ ،‬والتي تحدد مكانتهم وأدوارهم في مختلف‬
‫التنظيمات الإجتماعية التي ينتمون إليها»[‪ .[[3‬ويتضمن مفهوم ال َت َغ ُّير‬
‫الإجتماعي جميع المستويات الإجتماعية والثقافية‪ ،‬سواء على مستوى‬
‫الفرد نفسه وال َت َغ ُّيرات التي يمر بها أو على مستوى التنظيم والنظم من‬
‫فكر وفعل وسلوك ومصالح‪ .‬وهناك نظريات عديدة تفسر ظاهرة ال َت َغ ُّير‬
‫الإجتماعي[‪ ، [[3‬وكذلك إتجاهات ومسارات مختلفة‪ ،‬ومصدرين رئيسين‬

‫للتغير هما المصدر داخلي‪ ،‬والمصدر خارجي‪.‬‬

‫‪ 33‬مصطلح الحوكمة الإجتماعية هو ما ارتأيناه في دمج حزمة التنمية الإجتماعية مع عناصر الحوكمة الجيدة‪ ،‬بمعنى‬
‫أننا لم نجد هذا المصطلح في بحثنا بقدر ما نسعى إلى إضافته أو تقديمه ضمن منطق مفهوم التنمية الإجتماعية‬

‫المرتبط بالتغيير الإجتماعي الإيجابي مع خصوصيات الحوكمة الرشيدة‪.‬‬
‫‪ 34‬عبد الباسط محمد حسن‪ :‬أصول البحث الإجتماعي‪ ،‬الطبعة الحادية عشر‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪.)22-1990،24 ( ،‬‬
‫‪ 35‬النظريات التي تفسر ال َت َغ ُّير الإجتماعي كثيرة ومتعددة فهي تشرح طبيعة هذا ال َت َغ ُّير وتحدد أبعاده وتكشف عن‬
‫اتجاهاته‪ ،‬ويذهب علماء الإجتماع في تصنيفهم لنظريات ال َت َغ ُّير الإجتماعي إلى فئتين عريضتين‪ :‬إحداهما تعالج اتجاهات‬
‫ال َت َغ ُّير‪ ،‬والإخرى تفسر عوامله وتشرح أسبابه‪ .‬ومن أهمها وأكثرها انتشاراً هي‪ :‬نظرية ابن خلدون (عبد الرحمن بن خلدون‪:‬‬
‫يرى أن ال َت َغ ُّير في المجتمع الإنساني سببه تبدل نحل المعاش‪ ،‬وعلى نمطين هما المجتمع البدوي والمجتمع الحضري‪،‬‬
‫وبأن الدولة تمر في عملية تغير محددة بمراحل‪ ،‬ويساهم في عملية ال َت َغ ُّير هنا اختلاط الشعوب والثقافات من ناحية‪ ،‬وما‬
‫يظهر بين الإجيال من اختلاف من ناحية أخرى‪ .‬ويربط ابن خلدون بين ال َت َغ ُّيرات الإجتماعية وطبيعة الروابط الإجتماعية‬
‫ممثلة بما اسماه « العصبية « التي تمثل أساس التجمع و قيام الدولة‪ ،‬وتسير الحياة الحضرية في النمو والإزدهار إلى أن‬
‫تصل إلى مرحلة الترف مما يؤدي إلى فقدان العصبية الذي يؤدي بدوره إلى نهاية الدولة على يد جماعة جديدة ذات عصبية‬
‫جديدة‪ ،‬وهكذا تبدأ الدورة من جديد) ‪ .‬ونظرية كارل ماركس (المادية التاريخية ‪ :.‬يعتقد ماركس أن عمليات ال َت َغ ُّير وحركة‬
‫التاريخ ترتبطان بالقاعدة الإقتصادية وتغيرها في المجتمع‪ ،‬وهنا يبدأ تشكيل الطبقات والصراع الطبقي والذي يعتبره‬
‫ماركس مضمون ومظهر المجتمعات الإنسانية)‪ ،‬وكذلك يشار إلى نظرية ماكس فيبر (الدور التاريخي للفكر والقيم في‬
‫كتابه‪ :‬القيم البروتستانتية وروح الرأسمالية)‪ .‬كما ويمكن دراسة التغير من خلال؛ نظريات التقدم‪ ،‬والنظريات الدورية‪،‬‬
‫ونظرية المراحل المتتابعة‪ .‬النظريات أحادية الإتجاه تفسر بأن كل العصور ترتبط معاً بسلسلة من الإسباب والنتائج‬
‫بحيث تربط بين الوضع القائم في العالم المعاصر وبين الإوضاع التي مرت عليه من قبل‪ .‬والنظريات الدائرية بان التغير‬
‫يتجه صعوداً وهبوطاً في تموجات على شكل أنصاف دوائر متتابعة وبنظام مطرد بحيث يعود المجتمع من حيث بدأ‬
‫في دورة معينة‪ .‬ومن أصحاب النظريات الدائرية‪ :‬ابن خلدون‪ .‬وفيكو‪ ،‬وباريتو‪ ،‬وشبنجلر‪ ،‬وتوينبي‪ .‬النظريات التي تتعلق‬
‫بعوامل التغير تتصل بدراسة الميكنزمات المؤدية إلى التغير‪ ،‬وبأن التغير يرجع إلى عامل واحد فقط قد يكون داخلياً‬
‫أو خارجياً‪ ،‬ويشتمل ذلك على النظريات التالية‪ :‬النظرية التكنولوجية – النظرية الإقتصادية – نظرية الصراع – نظرية‬
‫اللاتكامل – نظرية التكيف – النظرية الفعلية (الفكرية) – نظرية التفاعل الثقافي‪ .‬نظريات التغير الثقافي‪ :‬على أساس‬
‫أن لكل مجتمع ثقافته التي تميزه عن غيره من المجتمعات فضلا ً عن أن الثقافة – بجوانبها المادية وغير المادية–‬
‫توجه وتضبط سلوك الإفراد في المواقف الإجتماعية المختلفة‪ .‬كما أن العلاقات الإجتماعية التي هي جوهر البناء‬
‫الإجتماعي ما هي الإ أنماط منتظمة ومتكررة من التفاعل بين الناس‪ .‬وهذه الإنماط تأخذ شكلها وانتظامها وتكرارها من‬
‫خلال الثقافة ( من اوائل الكتب حول التغير الإجتماعي ورواج هذا المصطلح كتاب «التغير الإجتماعي»‪ ،‬لمؤلفه ويليام‬

‫أوجبرن‪ ،‬وهناك عدة مصادر منها مرجع سابق للدكتوره دلال استستية‪ ،‬التغير الإجتماعي والثقافي)‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪22‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫ماهية‬ ‫الحوكمة الإجتماعية‪/‬السياسية ‪ :‬يعتبر علم الإجتماع السياسي[‪ [[3‬من أحد‬
‫الحوكمة‬ ‫الفروع الرئيسة في علم الإجتماع والذي ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية‬
‫الإجتماعية‪/‬‬ ‫ليسد الفراغ الموجود بين علم السياسة وعلم الإجتماع‪ ،‬وهو ذلك العلم الذي‬
‫السياسية !‬ ‫يدرس العلاقة بين السياسة والواقع الإجتماعي الذي يعتبر الحاوي للأحداث‬

‫السياسية‪ ،‬وفي تأثير الإحداث السياسية على البنية الإجتماعية والعكس‪.‬‬
‫كما هناك الترابط السياسي بالإجتماعي لان مسألة التكيف السياسي‬
‫مع المجتمع كصيرورة لترسيخ المعتقدات والمبادئ المتعلقة بالسلطة‬
‫وبمجموعات الإنتماء‪ ،‬وبالمحصلة لتكوين مجتمع سياسي يكون قابلاًللحياة‬
‫ضمن حد أدنى من المعتقدات المشتركة المتعلقة في آ ٍن واحد بشرعية‬
‫الحكومة التي تحكم‪ .‬ومن خلال التعرف على مظاهر ال َت َغ ُّير الإجتماعي‬
‫والثقافي وعوائقه‪ ،‬وخاصة العوائق الإقتصادية‪ ،‬والإيكولوجية‪ ،‬والسياسية‪،‬‬
‫والسيكولوجية‪ ،‬والتي تشكل جملة هذه العوائق تحديات لل َت َغ ُّير الإجتماعي‬
‫المنشود الذي يساهم بدوره بتحقيق مزيد من الحوكمة الرشيدة لمنظومة‬

‫وعناصر ومستويات الحوكمة الرشيدة سواء بجزئياتها أو بكلها مجتمعة‪.‬‬

‫الحوكمة‬ ‫الحوكمة الثقافية‪ :‬كما تترابط الحوكمة بالثقافة والتي خضعت لتعريفات‬
‫الثقافية !‬
‫متنوعة حسب الظروف والمع ّرفين لها‪ ،‬وبإختلاف الأزمان والأماكن وإختلاف‬
‫الشعوب والحضارات‪ .‬والحوكمة الثقافية‪ ،‬إن جاز القول‪ ،‬تفرض نفسها‬
‫جراء الغزو الثقافي والذي أدى إلى فقدان الثقة باللغات المحلية‪ ،‬على الرغم‬
‫من أن اللغة تمثل عنصراً أساسياً في تحديد الرموز الثقافية‪ ،‬وهي التي‬

‫تعطي معنى لوجودنا وتواصلنا مع الإخر[‪ ،[[3‬وتكمن أهمية اللغة المحلية‬
‫كونها لغة المجتمع وفي بعدها الروحي والحضاري‪ ،‬ومع ذلك أصبحت‬
‫اللغات الأجنبية وخاصة اللغة الإنجليزية مظهرا رئيساً لمستوى ثقافة‬

‫الفرد وتَم ّدنه وتح ّضره وتطورة في شتى المجالإت‪.‬‬

‫الحوكمة‬ ‫الحوكمة السلوكية‪ :‬وتتشابك الحوكمة مع العلوم السيكولوجية (النفسية)‪،‬‬
‫السلوكية !‬ ‫وعلم النفس (‪ )Psychology‬هو علم دراسة السلوك والدراسة العلمية‬

‫‪ 36‬محمد علي محمد‪« ،‬أصول الإجتماع السياسي‪ ،‬السياسة والمجتمع في العالم الثالث»‪ ،‬الإسكندرية‪ ،‬دار المعرفة‬
‫الجامعية‪( ،‬ص ‪.)1985 ،37‬‬

‫‪ 37‬محمود الذوادي‪« ،‬اللغة العربية والثقافة في ظل العولمة‪ -‬الدولة والتحديث والمجتمع المدني‪ -‬نحن والمتغيرات‬
‫العالمية»‪ ،‬اصدارات منتدى الجاحظ ‪ ،‬تونس‪ ،2008( ،‬ص ‪.)67‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪23‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫على وظائف العقل البشري وسلوك الإنسان [‪ .[[3‬كما أن العلاقة بين‬
‫العوائق النفسية أو السيكولوجية وعوائق ال َت َغ ُّير الإجتماعي مرتبطة بعلم‬
‫النفس الإجتماعي[‪ ،[[3‬مما يزيد من تعقيدات وتشعبات العوائق النفسية‬

‫ويكثر الجدل حولها‪.‬‬

‫الحوكمة‬ ‫وكذلك الأمر مع الإيكولوجية (البيئية) والإقتصادية‪ ،‬وبالنسبة للإيكولوجيا‬
‫البيئية !‬ ‫أو علم البيئة فتوافر العناصر البيئية من طقس معتدل ومصادر طبيعية‬
‫تساعد على ال َت َغ ُّير الإجتماعي الإيجابي‪ ،‬في حين أن شح الموارد الطبيعية‬

‫يعيق عملية ال َت َغ ُّير وبناء حضارة مزدهرة وكبيرة‪.‬‬

‫الحوكمة‬ ‫الحوكمة السياسية والإصلاح‪ :‬لقد شكلت التنمية الإقتصادية والتنمية‬
‫السياسية‬ ‫الإدارية في الدول التي نالت إستقلالها بعد الحرب العالمية الثانية هدفاً‬
‫والإصلاح !‬ ‫أساسياً لحكوماتها‪ ،‬والتي لم تكن مهم ًة سهلة التحقيق‪ ،‬فعلى المستوى‬
‫المحلي‪ ،‬إصطدمت التنمية بعامة الناس الذين عاشوا لقرون طويلة في‬
‫ظل الجهل والتخلف والعادات والتقاليد البالية والتي تحولت إلى قوة مؤثرة في‬
‫صف معارضة سياسات التنمية‪ .‬ودولياً‪ ،‬دخلت برامج التنمية في دائرة الصراع‬

‫السياسي بين الدول الغنية والفقيرة‪ ،‬وفي جدلية الإستقلال والتبعية [‪.[[4‬‬

‫وقد جاء الإصلاح كحل نخبوي وكجهد فكري وعلمي وتقني لتحسين‬
‫الواقع وتوفير الشروط الضرورية اللازمة للنهوض به أو بقطاع من‬
‫قطاعاته الحيويّة المساعدة على الخروج بالأمة أو بشعب من شعوبها‬
‫من حال الضعف إلى حال امتلاك شروط القوة‪ ،‬ومن حال التبعية إلى حال‬

‫الإستقلال والريادة والسيادة[‪.[[4‬‬

‫والإصلاح لم يكن يوماً بالمهمة اليسيرة‪ ،‬فقد كان مهمة الإنبياء والمصلحين‬
‫وطبقة ال ُنخب والمثقفين‪ ،‬كما وشكلت الهم الأكبر لترا كمات الفكر الإنساني‬

‫‪ 38‬علم النفس هو أحد فروع العلوم الإنسانية‪ ،‬وهو ميدان واسع للدراسة ويستقصي طائفة كبيرة من المسائل والإفكار‬
‫والمشاعر والإفعال‪ ،‬وله أهمية بالغة في حياتنا كأشخاص‪ ،‬وحياة المجتمع الذي نعيش فيه‪ .‬وعلم النفس هو العلم الذي‬
‫يدرس جوانب نشاط الإنسان والسلوك والعمليات الذهنية‪ ،‬ويعتمد أي ًضا على أعمال التفسير الرمزي والتحليل النقدي‬
‫ودراسة مؤثرات العقل الباطن‪ .‬وهناك عشرات الكتب التي تتحدث عنه وعن فروعه ومباحثه‪ ،‬ومن الكتاب العرب نذكر‬

‫إبراهيم الفقيه‪ ،‬وكتبه العديدة في مجال تطوير الذات البشرية‪.‬‬
‫‪ 39‬علم النفس الإجتماعي هو فرع من فروع علم النفس يدرس السلوك الإجتماعي للفرد والجماعة‪ ،‬كاستجابات‬

‫لمثيرات اجتماعية‪ ،‬وهدفه بناء مجتمع أفضل قائم على فهم سلوك الفرد والجماع‪.‬‬
‫‪ 40‬محمد عبد الهادي صالح الإسود‪ « ،‬مشكلات التنمية في البلدان العربية وأثر الديون الخارجية في تفاقمها»‪ ،‬إصدارات‪:‬‬

‫مجلس الثقافة العام‪ ،‬القاهرة‪ ،2006( ،‬ص ‪.)17‬‬
‫‪ 41‬عبد الجليل الميساري‪« ،‬قيم الإصلاح والتحديث‪ ،‬في فكر أحمد بن أبي الضياف من خلال كتابة الإتحاف»‪ ،‬المغاربية للطباعة‬

‫والنشر والإشهار‪ ،1999( ،‬ص ‪.)40‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪24‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫العالمي وفي كافة العصور‪ ،‬وتناولها المفكرين الفلاسفة القدماء اليونانين‬
‫والرومان والعرب وكافة الحضارات‪ ،‬وما زالت ليومنا هذا موطأً للتفكير والبحث‬

‫لإيجاد أفضل السبل لتحسين حياة البشر ونقلهم إلى الرفاه والسعادة‪.‬‬

‫وضمن منظور الحوكمة فأنه لا يمكن للدولة منفردة مواجهة التحديات لا يمكن للدولة‬
‫التنموية‪ ،‬حيث تقع مسؤولية مشتركة على اللاعبين الغير حكوميين‪ ،‬من منفردة مواجهة‬
‫التحديات‬ ‫منظمات مجتمع مدني‪ ،‬وقطاع خاص لتحقيق الإصلاح المنشود‪.‬‬

‫التنموية‬

‫الحوكمة‬ ‫الحوكمة الإقتصادية والتنموية‪ :‬ولقد أثار مفهوم التنمية الكثير من الجدل‬
‫الإقتصادية‬ ‫وعلى جميع المستويات النظرية والتطبيقية‪ .‬كما وتَح ِمل المؤلفات السياسية‬
‫و التنموية‬ ‫والإقتصادية والإجتماعية العديد من التعاريف لهذا المصطلح‪ ،‬وكل منها تناوله‬
‫من زاوية معينة حسب إختلاف الميادين والمناهج العلمية الخاصة بها‪ ،‬ويأتي‬
‫كذلك منسجماً مع إختصاص كل باحث وميوله وأيديولوجيته‪ .‬كما ويمكن‬

‫القول بأن مفهوم التنمية يتشابه مع عدد من المفاهيم والمصطلحات‪ ،‬والتي‬
‫ُقصد منها تطور المجتمعات مثل‪ :‬التقدم‪ ،‬والتطور‪ ،‬والنمو‪ ،‬والإرتقاء[‪.[[4‬‬

‫وقد تطورت علوم التنمية تبعاً لتطور المجتمعات والحاجات‪ ،‬وتبعاً‬

‫لمصطلحات التخصص‪ ،‬وخاصة معادلة العرض والطلب‪ ،‬والموارد‬

‫المحدودة‪ ،‬والحاجات المتعددة‪ .‬ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية ظهر‬

‫فرع مستقل من النظرية الإقتصادية يطلق عليه اقتصاديات التنمية‪،‬‬
‫كما وطرحت مسألة التنمية في العديد من الدول وخاصة النامية منها‬

‫لإستكمال التحرر من الإستعمار والتبعية الإقتصادية‪.‬‬

‫التنمية‬ ‫وجاء في الأمم المتحدة عام ‪ 1955‬تعريف للتنمية مفاده‪« :‬بأن التنمية هي‬
‫هي العملية‬ ‫العملية المرسومة لتقدم المجتمع جميعه إجتماعيا وإقتصاديا‪ ،‬إعتمادا‬
‫المرسومة‬
‫على إشتراك المجتمع المحلي ومبادأته»‪ .‬ثم عرفتها تعريفاً آخر‪« :‬بإعتبارها‬
‫لتقدم‬ ‫العمليات التي يمكن بها توحيد جهود المواطنين والحكومة لتحسين الإوضاع‬
‫المجتمع‬ ‫الإجتماعية والإقتصادية والثقافية في المجتمعات المحلية ومساعدتها في‬
‫جميعه‬
‫الإندماج في حياة الإمة‪ ،‬والمساهمة في تقدمها بأقصى قدر مستطاع»[‪.[[4‬‬

‫‪ 42‬الت ّقدم (‪ )Progress‬يرتبط بتحسن دائم في ظروف المجتمع المادية واللامادية‪ ،‬وبأنه ينطوي على مراحل ارتقائية‪ ،‬أي‬
‫أن كل مرحلة تكون أفضل من سابقتها‪ .‬ومصطلح الت ّطور (‪ )evolution‬يشير إلى التحول المنظم من الإشكال البسيطة‬
‫إلى الإشكال الإكثر تعقيداً‪ ،‬ويستخدم لوصف التحولات في الحجم والبناء‪ .‬ويعني مصطلح النمو‪ :‬النضج التدريجي‬
‫والمستمر للكائن وزيادة حجمه‪ ،‬كما يشير إلى نوع معين من التغير وهو التغير الكمي‪( .‬دلال استيتية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬

‫‪ .)41-29‬كما أن مفهوم الإرتقاء يتصل بمفاهيم العلو والإرتفاع والصعود‪.‬‬
‫‪ 43‬محمد شفيق‪ ،‬التنمية الإجتماعية « دراسات في قضايا التنمية ومشكلات المجتمع»‪ ،‬الإسكندرية‪ ،‬المكتب الجامعي‬

‫الحديث‪ ،‬ص ‪13‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪25‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫وهي العملية التي ينتج عنها زيادة في فرص حياة بعض الناس في مجتمع‬
‫ما دون نقصان فرص بعض آخر في نفس الوقت ونفس المجتمع[‪.[[4‬‬

‫أما كارل ماركس[‪ :[[4‬فيعرف التنمية على «أنها عملية ثورية‪ ،‬أي أنها‬
‫تتضمن تحولات شاملة في البناءات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية‬
‫والقانونية فضلا ً عن أساليب الحياة والقيم الثقافية‪ ،‬وبالتالي فإن البلد‬
‫الإكثر تقدماً من الناحية الصناعية يمثل المستقبل الخاص للبلد الإقل‬

‫تقدماً»‪.‬‬

‫تشكل معوقات‬ ‫وتشكل معوقات التنمية[‪ [[4‬تحديات أمام الإقتصاد القومي ومحاولات‬
‫التنمية تحديات‬ ‫التقدم للمجتمعات التي تعاني منها‪ ،‬ويعتبر البعض أن هناك معيارين‬
‫أمام الإقتصاد‬ ‫للتخلف‪ ،‬أحدهما كمي ويتمثل في متوسط الدخل الفردي أو انخفاض‬

‫القومي‬ ‫الناتج القومي أو انخفاض نصيب الفرد من الطاقة أو الخدمات‪ ،‬والأخر‬
‫كيفي ويتمثل في مدى إرتفاع وإنخفاض نصيب الفرد من الطاقة الإنتاجية‬

‫لمجتمع ما على حجم ودرجة نمو وتطور قوى الإنتاج السائدة به‪ ،‬بشقيها‬
‫المادي المتمثل في الآلات والمعدات والمنشآت والشق الإخر البشري‪ ،‬أي‬

‫القوى العاملة المنتجة وما ا كتسبته من خبرات ومهارات متنوعة[‪.[[4‬‬

‫ويرى البعض الإخر[‪ [[4‬بأن دول العالم الثالث تعاني حالياً مأزقاً على الصعيد‬
‫الإقتصادي كما هو على الصعيد الإجتماعي والسياسي‪ ،‬فإقتصاد هذه‬
‫البلدان ممزق وغير مترابط‪ ،‬يستتبعه عجزٌ مزمن في الموازنة العامة‪ ،‬وعدم‬
‫القدرة على تأمين المواد الغذائية للمواطنين‪ ،‬وهذا ما يترك العالم الثالث‬
‫فريسة التبعية للدول الصناعية المتقدمة‪ .‬وبأن المفكرين الغربيين وضعوا‬
‫العديد من النظريات التي تفسر الوضع القائم وتحاول إبعاد مسؤولية‬
‫الغربيين عنه‪ ،‬وإلقاءها على كاهل الدول النامية وشعوبها‪ ،‬مفاده بأن‬

‫‪ 44‬عبد الهادي الجوهري وآخرون‪ ،‬دراسات في التنمية الإجتماعية (مدخل إسلامي)‪ ،‬الإسكندرية ‪ ،‬المكتب الجامعي‬
‫الحديث‪،1999( ،‬ص ‪.)17‬‬

‫‪ 45‬كارل ماركس ( ‪ 5‬مايو ‪ 1818‬إلى ‪ 14‬مارس ‪ .)1883‬فيلسو ًفا ألمان ًيا‪ ،‬سياسي‪ ،‬وصحفي‪ ،‬ومن ّظر اجتماعي‪ .‬قام بتأليف‬
‫العديد من المؤلفات الإ أن نظريته المتعلقة بالرأسمالية وتعارضها مع مبدأ أجور العمال هو ما أكسبه شهرة عالمية‪.‬‬
‫لذلك يعتبر مؤسس الفلسفة الماركسية‪ ،‬ويعتبر مع صديقه فريدريك إنجلز المنظرين الرسميين الإساسيين للفكر‬

‫ال ش ي وع ي‪.‬‬
‫‪ 46‬في شهر يوليو‪ /‬تموز ‪2008‬أصدر برنامج الأمم المتحدة تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام ‪ 2009‬تحت عنوان‬
‫«تحديات أمن الإنسان في البلدان العربي»‪ ،‬وهو التقرير الخامس من سلسلة تقارير تم إصدار العدد الإول منها في العام‬
‫‪ ،2000‬وفي هذا التقرير تم طرح ‪ 7‬معوقات أساسية تعوق التنمية الإنسانية الشاملة في الوطن العربي وهذه المعوقات‬
‫هي ‪ :‬الضغوط على الموارد البيئية‪ ،‬و أداء الدولة في أمن الإنسان أو تقويضه‪ ،‬وانعدام الأمن الشخصي للفئات الضعيفة‪،‬‬
‫بالإضافة إلى التعرض للمخاطر الإقتصادية‪ ،‬والفقر والبطالة‪ ،‬والأمن الغذائي والتغذية‪ ،‬والصحة وأمن الإنسان‪ ،‬والإنعدام‬

‫المنهجي للأمن من جراء الإحتلال والتدخل العسكري الخارجي‪.‬‬

‫‪ 47‬مجدي حجازي‪ ،‬التنمية الإجتماعية‪ : ‬رؤية نقدية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬عام ‪1985‬‬
‫‪ 48‬إبراهيم مشورب‪ ،‬التخلف والتنمية‪ :‬دراسات اقتصادية‪ ،‬دار المنهل اللبناني‪ ،2009( ،‬ص ‪.)16‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪26‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫تخلف الدول النامية متعلق بأسباب عدة أهمها المناخ[‪ ،[[4‬والبعض الإخر‬
‫بأن السبب عائد إلى ضعف الطاقات ورداءة الخواص الطبيعية‪ ،‬وهناك من‬
‫المفكرين من يقول بأن التخلف فيها عائد إلى ايدلوجيات و افكار تسيطر‬

‫على هذه الدول‪.‬‬

‫ونشير مجدداً هنا بأن قضية التنمية – بوجه عام‪ -‬تعد قضية معقدة‬

‫ومتشابكة الجوانب‪ ،‬وبنظرة عامة للمجتمعات المدنية التي تحيط بنا‪،‬‬
‫سواء بالمنطقة العربية أو الإفريقية‪ ،‬أو بالمحيط الدولي‪ ،‬نجد أن التنمية‬
‫الإقتصادية في الدول التي أصابها قدر عال منها‪ ،‬لم تتقدم إلى الإمام إلا َّ‬
‫لتوفر عنصري السلام الإجتماعي والهوية الوطنية‪ ،‬وبالتالي كانت النتيجة‬
‫أن فرص التطور الإقتصادي نفسه تنعكس في البناء والتعمير والتقدم‪،‬‬

‫محروساً بالسلام الإجتماعي‪ ،‬وخاضعاً للهوية الوطنية‪.‬‬

‫ويلاحظ هنا الإرتباط الكبير بين مفهوم وتعريفات التنمية مع مفاهيم‬

‫وتعريفات الحوكمة الرشيدة حيث يشترك كلاهما في هدف تطوير وتحديث‬
‫المجتمعات‪ ،‬بينما تأتي الحوكمة كمفهوم متقدم مصطلحاً ومضموناً عن‬

‫الحوكمة‬ ‫التنمية بحكم إشتراطها لإنخراط الدولة والمجتمع في مسيرة التنمية‪.‬‬

‫الحوكمة الإدارية‪ :‬تتداخل وتتشابك الإدارة مع الحوكمة كعلم من العلوم الإنسانية‪ ،‬الإدارية !‬

‫والتي يدور محور موضوعها الرئيسي حول الإنسان‪ ،‬بإعتبار أن العنصر‬

‫البشري في الإدارة هو عنصر الحسم مهما تقدمت وسائل التكنولوجيا تشابك الإدارة‬
‫المختلفة‪ .‬وهناك تعاريف متعددة للإدارة تبعاً لتطور المفهوم وإختلاف مع الحوكمة‬

‫كعلم من‬ ‫ُمع ِّرفيه‪ ،‬ومن أبرز التعاريف‪ “ ،‬فإن الإدارة[‪ [[5‬عملية ذهنية وسلوكية تسعى‬
‫العلوم‬ ‫إلى الإستخدام الأمثل للموارد البشرية والمادية لبلوغ أهداف المنظمة‬
‫الإنسانية‬ ‫والعاملين بها بأقل تكلفة وأعلى جودة‪ ،‬وعن طريق مجموعة من الوظائف‬
‫أهمها‪ :‬التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة والتقويم‪ .‬كما وينظر لها بأنها‬

‫علم وفن وموهبة شخصية‪ ،‬وتنقسم إلى الإدارة العامة والى إدارة الإعمال‪،‬‬

‫وكل قسم له العديد من الفروع والوظائف‪.‬‬

‫‪( 49‬جنوب الكرة الإرضية‪ ،‬أي مناطق حارة واستوائية)‪.‬‬
‫‪ 50‬منتديات العلوم الإقتصادية والتجارية‪ ،‬الموقع‪http://etudiantdz.net :‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪27‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫وقد ظهرت الإدارة كعلم مستقل بدأت بما سمي بالإدارة العلمية [‪[[5‬‬
‫المرتبطة بالمعرفة الدقيقة لما تريده من الأفراد أن يقوموا بعمله‪ ،‬في‬

‫الوقت الذي كان فيه العالم منشغل بإيجاد أفضل السبل الإدارية التي‬
‫ُتخلّص المجتمعات من سلبيات البيروقراطية‪ ،‬والجمود الإداري‪ ،‬والتعامل‬

‫والتواصل مع الجمهور‪ ،‬والعديد من القضايا والمعضلات الإدارية التي‬

‫تلامس مباشرة مصالح القطاع العام والقطاع الخاص وحاجات المجتمع‬
‫اليومية‪ .‬ولفهم الإدارة في اي دولة عربية لا بد من الإشارة إلى محيطها‬
‫الإداري الذي تتأثر و ُتأثر فيه‪ ،‬الإ وهو الإدارة في الدول النامية بالعموم وفي‬

‫الدول العربية بالخصوص‪.‬‬

‫فهناك سوء للإدارة في عدد من الدول العربية‪ ،‬حيث يوصف الجهاز‬
‫البيروقراطي فيها بأنه أصبح خادماً للفئوية‪ ،‬وليس جهازاً للخدمة العامة‪،‬‬
‫وبأن سكان العالم العربي في حيرة من أمرهم‪ ،‬فدور الدولة محوري في‬

‫كل مجالإت الحياة‪ ،‬ولكن المخاوف والشكوك تحيط بقدراتها وإمكانياتها‬
‫وسياساتها في كل مكان[‪.[[5‬‬

‫الحوكمة‬ ‫كما أن[‪ [[5‬الإدارة العربية ينقصها في معظم الدول العربية قادة إداريون‬
‫و الفساد‪:‬‬ ‫ملهمون ومحفزون‪ ،‬في حين ترى الإدارة الغربية العمل مكاناً للمنافسة‬
‫أ كبر معضلة‬ ‫الشريفة وتحقيق الذات عن طريق الإنجاز‪ ،‬وبأن الإدارة في الغرب تتفوق‬
‫إدارية تواجها‬ ‫على الإدارة العربية ‪-‬من ناحية تنظيمية‪ -‬بتحمل المسؤولية والقدرة‬
‫الدول !‬ ‫على صناعة القرار‪ ،‬وإستخدام الإساليب العلمية في العمل والإعتماد على‬
‫التخطيط الإستراتيجي‪ ،‬وتوافر روح العمل الجماعي‪ ،‬والإعتماد على معايير‬
‫موضوعية في الإداء والتقييم‪ ،‬والبعد عن الرسمية في عمليات الإتصال‬
‫والتعامل مع الإخرين‪ ،‬والقدرة على الإنضباط والدقة‪ ،‬وتفادي الروتين‪،‬‬

‫والمبادرة بهدف التحسين والتطوير المستمر‪ ،‬وإحترام التخصص‪.‬‬

‫الحوكمة والفساد ‪ :‬وتبقى أ كبر معضلة إدارية تواجه الدول كافة هي‬

‫‪ 51‬فريدريك تايلور‪( 1915 – 1856( ،‬مؤسس الإدارة العلمية‪ ،‬نشر أفكاره في كتاب «الإدارة العلمية» عام ‪ ،1911‬وأوضح أن‬
‫الهدف الرئيسي للإدارة هو الحصول على أكبر قدر من الرفاهية لصاحب العمل والعمال‪ ،‬وركز تايلور على الجانب الفني‬
‫من العمل ولم يعتني بالجانب البشري على الرغم من إدراكه لأهمية هذا الجانب‪ ،‬وكانت الفكرة الرئيسية لمدرسة الإدارة‬
‫العلمية أنه يمكن تحقيق زيادة الإنتاجية عن طريق إتباع أسلوب علمي قوامه التخصص والتدريب الفني وتحليل‬
‫العمل إلى جزئياته ودراسة كل جزئية على حده حتى تحدد حركاته الإساسية والزمن الذي يستغرقه أداؤه‪ ،‬وتصميم‬
‫المصنع بالشكل الذي يضمن انسياب الخامات للالإت وتحرك العامل لأداء واجبه (المصدر‪http://www.hrdiscussion. :‬‬

‫‪)html.com/hr25686‬‬
‫‪ 52‬ندوة ‪« :‬الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية»‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ 23-20 ،‬أيلول‪/‬سبتمبر ‪.2004‬‬

‫‪ 53‬معدي بن محمد آل مذهب‪« ،‬بين المدير العربي والمدير الغربي‪ ،‬ما الفرق» ؟‪ ،‬صحيفة الرياض‪2010 ،‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪28‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫الفساد المالي والإداري‪ ،‬وتعتبر ظاهرة الفساد[‪ [[5‬بشقيها الإداري والمالي ظاهرة عالمية شديدة‬
‫الإنتشار‪ ،‬وذات جذور عميقة تأخذ أبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز‬
‫بينها‪ ،‬وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر‪ ،‬وقد حظيت ظاهرة الفساد في الإونة‬

‫الإخيرة باهتمام الباحثين في مختلف الإختصاصات‪.‬‬

‫ويرى البعض بأنه ليس هناك للفساد اصطلاحاً‪ ،‬لكن هناك اتجاهات مختلفة تتفق في كون‬
‫الفساد هو إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص[‪.[[5‬‬

‫كما ولا يوجد إجماع نهائي على تعريف الفساد‪ ،‬الإ ان الطريقة المتعارف عليها للتعرف‬
‫عليه مرتبط بحجمه‪ ،‬حيث يوجد ما يسمى بالفساد الصغير والمتصل بالممارسات اليومية‬
‫التي يلحظها المواطن العادي في تعاملاته اليومية‪ ،‬وما يسمى بالفساد الكبير أو السياسي‬

‫والمرتبط بمبالغ مالية كبيرة ومؤثرة على الدولة وشرعية الحكومة فيها[‪.[[5‬‬

‫وهناك[‪ [[5‬تعاريف متشددة للفساد منها بأنه «مجموعة من الأعمال المخالفة للقوانين‪،‬‬
‫والهادفة إلى التأثير بسير الإدارة العامة أو قراراتها أو أنشطتها‪ ،‬بهدف الإستفادة المادية المباشرة‪،‬‬
‫أو الإنتفاع غير المباشر» أو هو «استغلال موظفي الدولة لمواقعهم وصلاحيتهم للحصول على‬
‫كسب غير مشروع‪ ،‬أو منافع يتعذر تحقيقها بطرق مشروعة»‪ ،‬وهناك تعاريف أقل تشدداً‬
‫بأنه «تصرف استثنائي أفرزته بعض الظروف»‪ ،‬وأخرى متساهلة بأنه « سلوك إداري غير‬
‫رسمي »‪ ،‬أو حتى أنه «تصرف مقبول من قبل طرفين تعجز الطرق الرسمية والأساليب‬

‫التقليدية عن تحقيق مصالحهما»‪.‬‬

‫وللفساد عدة أسباب أهمها عدم احترام القوانين؛ وتدني الرواتب مع ارتفاع تكاليف المعيشة؛‬
‫والفارق في الدخل بين القطاعين العام والخاص؛ وانعدام الشفافية؛ وانتشار الفقر؛ وغياب‬
‫أخلاقيات العمل؛ وضعف معايير السلوك؛ والضغوط الخارجية التي يمارسها أصحاب المصالح‪.‬‬
‫كما وهناك أثاراً للفساد تتمثل في فقدان ثقة المواطن بالحكومة وبأجهزة الدولة؛ والتأثير على‬
‫الديمقراطية؛ وإضعاف سيادة القانون؛ وتأخير التنمية السياسية؛ والإضرار بمبادئ الحوكمة‬
‫الرشيدة؛ وضعف حجم الإستثمارات؛ وتراجع المنح والمساعدات؛ وضعف القيم الإخلاقية؛‬
‫وانتشار الجريمة؛ وشعور المواطن بعدم العدالة؛ وانتشار الحقد والكراهية‪ .‬وتتمثل أنماط‬
‫الفساد وأدواته في‪ ،‬الرشوة والإرتشاء‪ ،‬والسرقات والإختلاسات؛ وإساءة استعمال الصلاحيات‪،‬‬

‫‪ 54‬الفساد في معاجم اللغة هو في (فسد) ضد َص ُل َح‪ ،‬والفساد لغة البطلان‪ :‬فيقال فسد الشيء أي ب ُط َل واضمحل‪.‬‬
‫‪ 55‬ياسر خالد بركات الوائلي‪ ،‬الفساد الإداري « مفهومه ومظاهره وأسبابه» ‪ ،‬مركز المستقبل للدراسات والبحوث‪.‬‬
‫‪.)6 .P ,2008( ,Raymound June, lead Author, «A user’s guide to Measuring Corruption, «Editors: UNDP Oslo Governance center 56‬‬
‫‪ 57‬سليمان الجريش‪ ،‬الفساد الإداري وجرائم إساءة استعمال السلطة الوظيفية‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الملك فهد الوطنية‪ ،2003( ،‬ص ‪.)112-117‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪29‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫وإستغلال النفوذ؛ والإبتزاز؛ والتحيز والمحاباة؛ والتقصير والإهدار؛ والإساءة‬
‫للمنظمة وللإدارة؛ والهدايا والغلول[‪.[[5‬‬

‫الفساد وبكافة‬ ‫والفساد وبكافة أشكاله يعتبر أهم عنصر من عناصر قياس الحوكمة‬
‫أشكاله يعتبر‬
‫أهم عنصر من‬ ‫الرشيدة‪ ،‬ومؤشر هام تستخدمه المؤسسات النقدية والمالية والسياسية‪،‬‬
‫عناصر قياس‬ ‫مثل صندوق النقد الدولي وتقرير الشفافية الدولية‪ ،‬وبرنامج الأمم‬
‫المتحدة الإنمائي الذي يصدر دراسات حول دول العالم ويضع مؤشرات‬
‫مستويات‬ ‫متنوعة لقياس الفساد[‪ .[[5‬كما وأن أ كثر أنواع الفساد المنتشر في العالم‬
‫الحوكمة‬ ‫العربي هو الفساد الإداري المتمثل بالواسطة والمحسوبية‪ ،‬وعدم التق ّيد‬
‫الرشيدة‬
‫بالقوانين والإنظمة[‪.[[6‬‬

‫الأوضاع الإدارية في العالم العربي تجابه ظروفاً دولية متسارعة‪ ،‬وتبدلات‬
‫هائلة في أنماط وأساليب الإدارة‪ ،‬وسط ثورة ُمعاشة في مجال المعلومات‬
‫والإتصالإت‪ ،‬فالعالم كله في إدارته المستقبلية متوجه إلى تنظيمات ذات‬
‫سمات «لا بيروقراطية»[‪ .[[6‬وللإدارة في المستقبل القريب سمات منها‬

‫«التفكير الإستراتيجي» بديلا ً عن التصور الوقتي‪ ،‬وتبني النظام الإداري‬

‫المفتوح المتفاعل مع البيئة بدلا ً من النظام المغلق‪ ،‬وتأصيل المنهج‬

‫اللامركزي‪ ،‬والتركيز على فريق العمل‪.‬‬

‫‪ 58‬سليمان الجريش‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الفساد الإداري وجرائم إساءة استعمال السلطة الوظيفية‪ ،‬ص ‪140-189‬‬

‫‪ P,26-23. , Raymound June, «A user’s guide to Measuring Corruptio 59‬مرجع سابق‬

‫‪ 60‬صدرت إرادة ملكية في عمان بتاريخ ‪ 2007/2/7‬شكل بموجبها أعضاء هيئة مكافحة الفساد بحيث تتبع العاهل‬
‫الإردني مباشرة ولن يكون عليها الإ سلطان نفسها وسلطان القضاء الإردني‪.‬‬

‫‪« 61‬البيروقراطية» ‪ Bureaucracy‬عرفها العالم الإلماني ماكس ويبر ( ‪ )1920 - 1864‬بأنها هي «تنظيم المكاتب الذي يتبع‬
‫مبدأ الهيكلية المكاتبية»‪ ،‬وهي مفهوم يستخدم في العلوم الإنسانية ويشير إلى تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات‬
‫المنظمة‪ .‬وتعتمد هذه الإنظمة على الإجراءات الموحدة وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية والعلاقات الشخصية‪ .‬ومن‬
‫المتعارف عليه لدى الجميع أن البيروقراطية هي الروتين الممل والإجراءات المعقدة التي ليس لها فائدة سوى تأخير‬
‫المعاملات في حين أن التعريف الصحيح للكلمة‪ ،‬الإغريقية الإصل‪ ،‬أنها مكونة من مقطعين‪ :‬الإول ‪ Bureau‬وهي تعني‬

‫مكتب والثاني ‪ Cracy‬ومعناها ‪ The Strong‬أي القوة‪ ،‬والكلمة في مجموعها تعني‪ :‬قوة المكتب أو سلطة المكتب‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪30‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪31‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬



‫الجزء الثاني‬

‫عناصر الحوكمة الرشيدة‬

‫مما لا شك فيه‪ ،‬فإن هناك العديد من الوسائل والتحولات التي تساهم‬
‫بدورها في رفع التحديات والصعوبات التي تواجه الدول‪ ،‬والتي بدورها‬
‫تعزز وتعمق الإنتقال إلى حوكمة جيدة بعناصرها الركنية والرئيسة‪ ،‬ومنها‬
‫ما أقرته منظمات دولية‪ ،‬كما جاء في مقدمة الكتاب‪ ،‬بأن الأمم المتحدة‬

‫قد أقرت عدد من عناصر الحوكمة الجيدة وهي سيادة القانون‪ ،‬الشفافية‪،‬‬

‫الإستجابة‪ ،‬التوافق والإجماع‪ ،‬المساواة والإندماج‪ ،‬الكفاءة والفعالية‪،‬‬

‫المساءلة والرؤية الإستراتيجية‪.‬‬

‫الحوكمة ليس‬ ‫هذا‪ ،‬ويرى مختصين بأن [‪ [[6‬الحوكمة ليس لها محتوى معياري (‪content‬‬
‫لها محتوى‬ ‫‪ ،)Normative‬فيمكن إضافة عناصر وخصوصيات كثيرة للحوكمة الجيدة‬
‫معياري‬ ‫إضافة لما اتفقت عليه الأمم المتحدة‪ ،‬كما يمكن الحديث عن خصوصيات‬
‫الحوكمة الرشيدة من خلال الديمومة؛ الشرعية والقبول من طرف السكان؛‬
‫القدرة على تنمية الموارد وطرق الحاكمية؛ الحث على التوازن بين الإجناس؛‬
‫التسامح وتقبل مختلف الأراء الأخرى؛ القدرة على تعبئة الموارد لأغراض‬
‫اجتماعية؛ تقوية الإليات الإصيلة وتأهيل المواطنة؛ الإستخدام العقلاني‬
‫والفعال للموارد؛ توليد وتحفيز الإحترام والثقة؛ المسؤولية؛ القدرة على‬
‫تعريف الحلول العقلانية والتكفل بها؛ التشجيع على تحمل المسؤوليات‬
‫والتسهيلات؛ الضبط أ كثر من الرقابة؛ القدرة على معالجة المسائل الزمنية؛‬

‫التوجيه نحو الخدمة‪.‬‬

‫كما وأن الحوكمة الجيدة تكون نحو تحقيق النتائج المرغوبة من جانب‪،‬‬

‫ونحو تحقيقها بالطريقة الصحيحة من جانب آخر‪ ،‬حيث أنها منسجمة‪،‬‬

‫بطريقة أو بأخرى‪ ،‬مع القيم المعيارية (‪ )Normative Values‬للديمقراطية‬
‫والعدالة الإجتماعية‪ ،‬ومن خلال الإصلاح الشامل وتطوير نَس ْق الإدارة‪.‬‬

‫وهذا الإتفاق الحوكمي ينسحب على حقيقة أنها ليست مرتبطة بمعيار‬
‫«اتوماتيكي» أو تلقائي (‪،[[6[)Automatic Normative connotation‬‬
‫حيث أن بعضاً من نماذج الحوكمة أفضل من البعض الإخر في تحقيق‬
‫النتائج‪ ،‬كما أن التأكيد ال ُمعطى لمكونات الحوكمة الجيدة تختلف من‬
‫مجتمع إلى مجتمع آخر وفقاً لما يق ّيمه أعضاء ذلك المجتمع كنتائج‬

‫مطلوبة أو إيجابية بصورة تختلف عما يقيمه مجتمع آخر‪.‬‬

‫‪ 62‬زهير الكايد‪ ،‬الحكمانية «قضايا وتطبيقات»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪15‬‬
‫‪ 63‬زهير الكايد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الحكمانية «قضايا وتطبيقات»‪ ،‬ص ‪.17‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪34‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫وفي النتيجة فإن فهم الحوكمة وخصوصيتها هو حسب كل دولة‬

‫واحتياجاتها الملحة والمتعلقة بالحوكمة الجيدة أو الرشيدة تتطلب إصلاحا‬
‫جذرياً وشاملا ً في علاقة الدولة مع نفسها ثم مع المجتمع المحيط بها‪.‬‬
‫ويأخذ الحديث عن مفهوم الإصلاح عدة جوانب مختلفة في إطار البحث‬
‫عن تعريفه وتطوره ومدلولاته والنطاق الزمني والمكاني له‪ ،‬حيث ينظر‬
‫إليه على أنه التغيير في أنماط وسلوكيات قائمة بشكل جذري أو تدريجي‬
‫خلال فترة زمنية محددة [‪ ،[[6‬فهو كمفهوم شامل‪ ،‬يشمل صو ًرا عدة منها‪،‬‬
‫الإصلاح السياسي‪ ،‬والإقتصادي‪ ،‬والإجتماعي‪ ،‬والثقافي‪ ،‬والإداري‪ ،‬وفي كافة‬

‫المجالإت‪.‬‬

‫ولقد بات الإصلاح فكرة عالمية ارتبطت بالتطورات التي شهدها العالم بعد‬
‫انتهاء الحرب الباردة منذ نهاية عقد الثمانينات وبداية مطلع التسعينات من‬
‫القرن العشرين‪ ،‬وانعكس تأثيرها على مختلف دول العالم وبالذات دول‬
‫العالم الثالث‪ ،‬فيما يتعلق بالثورة الهائلة في مجال تكنولوجيا المعلومات‬
‫والإتصالإت‪ ،‬وظهور تأثيرات العولمة التي جعلت العالم كقرية صغيرة يتم‬

‫فيها تبادل المعلومات بشكل كبير وسريع‪.‬‬

‫الحوكمة‬ ‫فأصبحت المعلومات سب ًبا رئيس ًيا في تغيير نمط الحياة‪ ،‬وتزداد أهميتها‬
‫المستدامة‬ ‫كمورد أساسي في كافة المجالإت‪ ،‬مما دفع بكثير من الدول إلى تغير‬
‫سياستها وإعادة النظر بخططها واستراتيجياتها لموا كبة التطورات التي‬
‫هناك عناصر‬ ‫تشهدها ميادين المعرفة‪ ،‬والعمل على الإستغلال الإمثل للمعلومات‬
‫وخصوصيات‬
‫كمية للحوكمة‬ ‫وصناعتها واستثمارها ‪.‬‬
‫يسهل قياسها‬
‫وأخرى نوعية‬ ‫إن فكرة الإصلاح في المنطقة العربية هي فكرة قديمة وحديثة‪ ،‬وكانت‬
‫على الدوام عملية متشابكة ومتوالية ومعقدة‪ ،‬كما وينقصها نوعاً من‬
‫َجلدٌ صادق للذات أو ثورة بيضاء حقيقية على الموروث من السلبيات‬
‫وإستبدالها بايجابيات تتسم بعالمية المباديء وخصوصية التطبيق‪ ،‬أو إن‬

‫جاز القول بحوكمة مستدامة‪.‬‬

‫وبهذا الإطار‪ ،‬فإن هناك عناصر وخصوصيات كمية أو يسهل قياسها وأخرى‬
‫نوعية‪ ،‬كما وينظر إلى عنصر المشاركة والتشارك من ناحية وعنصر تمكين‬
‫القانون مع تفعيل المساءلة والشفافية بأنها أعمدة وأركان رئيسة لتجويد‬

‫‪ 64‬رضوان محمود المجالي‪“ ،‬الإصلاح السياسي في المنطقة العربية‪ :‬ضرورة داخلية أم مطلب دولي”‪ ،‬مجلة شؤون عربية‪،‬‬
‫جامعة الدول العربية‪ ،2008( ،‬ص‪) 1‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪35‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪36‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫الحوكمة في الدول‪ ،‬وبأن تحقيق العدالة والمساواة والإنصاف هي عناصر‬
‫تحتاجهما الإدارات اليوم بأكثر مما مضى‪ ،‬وكل هذه العناصر بحاجة إلى‬
‫محرك يقود مركب الحوكمة الجيدة‪ ،‬فيأتي هنا عنصري الفعالية والكفاءة‪،‬‬
‫وهما من العناصر النوعية التي تساهم بإحداث تفاعل ايجابي في إدارة‬

‫شؤون الدولة والمجتمع‪ ،‬ويعززان من فرص نجاح الحوكمة بمفهومها‬

‫الشامل‪.‬‬

‫أولا ً ‪ :‬المـشاركـة‬

‫لم تعد تكفي مصطلحات الإصلاح والتجديد والتحديث‪ ،‬وما شابهها من‬
‫مصطلحات متقاربة تسعى الى التغيير والتطلع نحو الإحسن والإفضل[‪[[6‬‬
‫لمواجهة التحديات المختلفة التي تفرض نفسها على الدول المختلفة‪،‬‬
‫وبشكل خاص على الدول النامية‪ ،‬لا سيما في ظل حركات الإحتجاجات‬
‫المستمرة والحراك الإجتماعي المتنامي‪ ،‬التي تشهدها عدد من دول‬

‫العالم بخاصة الدول النامية‪.‬‬

‫إدماج‬ ‫وأصبح أمرا لا مفر منه أن يأخذ بتوجيهات مختلفة حول كيفية إدارة‬
‫المواطن‬ ‫حكوماتها‪ ،‬وهذه يستدعي في ظل البيئة العالمية الحديثة أن تأخذ الدول‬
‫والمؤسسات‬ ‫نحو إدماج المواطن والمؤسسات المدنية في المجتمع والقطاع الخاص‬
‫المدنية مع‬ ‫في عملية صنع السياسات والقرارات‪ ،‬وتح ُّمل المسؤوليات بمنهجية‬
‫المجتمع‬ ‫تكامل الأدوار من أجل خلق التنمية الشمولية‪ ،‬وإدامتها كمطلب أساسي‬
‫والقطاع‬
‫الخاص‬ ‫لتحقيق الحوكمة الجيدة‪.‬‬

‫وتشير الدراسات والإبحاث والمقالات إلى أن تفعيل عنصر المشاركة‬
‫يَتأَتّى بوسائل وأساليب شتى متنوعة ومتداخلة‪ ،‬ونرى هنا إمكانية إبراز‬
‫الجوانب التي تهم خصوصية ومرحلة عمر الدولة‪ ،‬لا سيما بالنسبة لدور‬
‫الحكومة في تفعيل المشاركة من برامج حكومية منتقاة وبتفعيل عناصر‬

‫الإستجابة‪ ،‬والتوافق والإجماع‪ ،‬والمساواة والإندماج‪ ،‬والكفاءة والفعالية‪.‬‬

‫‪ 65‬عبد الجليل الميساري‪« ،‬قيم الإصلاح والتحديث‪ ،‬في فكر أحمد بن أبي الضياف من خلال كتابة الإتحاف»‪ ،‬المغاربية‬
‫للطباعة والنشر والإشهار‪ ،1999( ،‬ص ‪ .)30-25‬كما يجدر ذكر بعض التعاريف التي جاء بها هذا المرجع‪ ،‬حيث يشير إلى أنه‬
‫شاع في أدبيات الخطاب العربي الحديث استعمال مصطلحات اليقظة والنهضة والفكر الإصلاح ي والمنزع الإصلاحي‪ ،‬وبأن‬
‫التجديد هو أقدم المصطلحات الحضارية وقد ظل مهيمناً على الساحة الفكريّة العربية الإسلامية‪ ،‬أ ّما اليقظة فهي في‬
‫اللغة انتباه بعد غفلة واستفاقة بعد ركود تتعطل فيه المدارك وتنعدم فيه الحيوية والنشاط‪ ،‬أ ّما النهضة فهي جملة‬
‫المنجزات الفكرية والمادية التي تم تحقيقها عملياً على مستوى مناهج التفكير أو على مستوى التقنيات ووسائل‬
‫العمل المستحدثة في ميادين العلم ومناهج التعليم‪ .‬وعلى هذا المعنى فقد يكون الإصلاح مجرد ترميم يعود بالشيء‬
‫المصلح إلى وضع يماثل وضعه السابق وتصويب الإخطاء‪ ،‬وتحسين الواقع لجعله أقدر على الإستجابه لمتطلبات‬

‫اللحظة الراهنة وذلك هو التحديث‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪37‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫ ‪-‬دور الحكومة في تفعيل المشاركة (‪ )Participation‬والتشارك‪:‬‬

‫الحوكمة‬ ‫انطلاقا مما قدمه البحث حول الحوكمة الجيدة التي تتطلع إليها كافة‬
‫الديمقراطية‬ ‫الدول‪ ،‬بما يعني تنازلها عن احتكار صناعة السياسات العامة والإنفراد‬
‫بالقرارات التي يتأثر بها المجتمع‪ ،‬فكان لزاماً عليها التوجه إلى عنوان‬
‫الحوكمة الديمقراطية المتعلقة بالمشاركة والتشارك مع كافة فئات‬
‫المجتمع‪ ،‬بخواصه وبكل مكوناته المجتمعية والشعبية بما فيها من‬

‫أحزاب سياسية ونقابات واتحادات ومكونات المجتمع المدني‪.‬‬

‫وقد ارتأينا تناول هذا العنصر الذي يعتبر مدخلاً مناسباً لهذا المبحث‪،‬‬
‫وكأولوية للسير في طريق الحوكمة الجيدة‪ ،‬وباتجاهين الأول بتفعيل المشاركة‬
‫السياسية‪ ،‬والثاني بدور الحكومة في تفعيل المشاركة المجتمعية والشعبية‪.‬‬

‫‪ -١‬تفعيل المشـاركة السياســية ‪:‬‬

‫كانت المشاركة السياسية حتى العصر الحديث مقتصرة في الغالب على‬
‫أثرياء القوم ووجهائهم من أصحاب المولد النبيل‪ ،‬أما الإغلبية الساحقة‬

‫فكانت بعيدة عن المشاركة‪ ،‬ومنذ مطلع عصر النهضة حتى القرن السابع‬

‫عشر بدأ الإتجاه نحو مزيد من المشاركة السياسية‪ ،‬حتى بلغ هذا الإتجاه‬
‫ذروته أثناء الثورة الصناعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر[‪.[[6‬‬

‫المشاركة‬ ‫وأصبحت المشاركة من العناصر الرئيسية للحوكمة الرشيدة‪ ،‬وسم ًة‬
‫من العناصر‬ ‫جوهرية من سمات العصر ووصفاته المحببة‪ ،‬وهي التي نعيشها لحظ ًة‬
‫بلحظ ًة من خلال ما قدمته التكنولوجيا وثورة الإتصال لصالح هذا العنصر‬
‫الرئيسية‬
‫للحوكمة‬ ‫الجوهري للحوكمة الديمقراطية‪ ،‬ومن خلال ما أتاحته من تجميع للشباب‬
‫الرشيدة‬ ‫وكل الفئات العمرية بسرعة وفاعلية وبتكلفة محدودة جداً‪ ،‬والذي ساهم‬

‫مع عدد من العوامل الإخرى بتفجير بركان الثورات‪ ،‬وزلزل الحرا كات‬
‫الإجتماعية الغير مسبوقة في عدد من الدول العربية‪ ،‬وما اسفرت عنه من‬
‫نتائج احياناً مغايرة وحتى مضرة لمنظومة الحوكمة وعلى كافة مستوياتها‪.‬‬

‫‪ 66‬سيد عليوة‪ ،‬منى محمود‪« ،‬مفهوم المشاركة السيـاسية»‪ ،‬مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية‪ ،2008( ،‬ص ‪.)1-3‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪38‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫ثورة الحاكمية‬ ‫وتأتي المقاربة هنا بثورة الحاكمية – إذا جاز التعبير‪ -‬كنتيجة منطقية‬

‫لمواجهة كل ما أورده هذا البحث من تحديات‪ ،‬كما وتعتبر مسألة تفعيل‬
‫المشاركة بين الدولة والمجتمع في قلب ثورة الحوكمة الجيدة والفعالة‪.‬‬

‫وثورة المشاركة كركن أساسي للحوكمة الرشيدة كانت الهدف من وراء‬
‫إقامة العقد الإجتماعي الإفتراضي عبر التاريخ[‪ ،[[6‬ومن اجل إيجاد علاقة‬
‫موضوعية بين الحاكم والمحكوم‪ ،‬ورغبة في إقامة مجتمع منظم وفق قواعد‬
‫ثابتة‪ ،‬وصياغة منظمة لمفهوم الحق الطبيعي للبشر للتوصل إلى مجتمع‬

‫على أساس ثابت يقوم على العدل والإنصاف‪ ،‬والإبتعاد عن الصراع الشرس‬

‫الذي خاضه الإنسان مع بني جلدته ومع الطبيعة على مر العصور‪.‬‬

‫الإ أن الإدارات في العالم‪ ،‬لا سيما في الدول النامية يبدو أنها بحاجة إلى‬
‫تفعيل بنود هذا العقد الإجتماعي الإفتراضي‪ ،‬ومن خلال تعميق عناصره‬
‫المتعلقة بالمشاركة والتشاركية بين الحاكم والمحكوم‪ ،‬وما بينهما من‬

‫مؤسسات إتفق عليها الطرفين‪.‬‬

‫وأصبحت الحاجة ملحة لإعادة صياغة العقد الإجتماعي‪ ،‬ولكن بما يتفق مع الحاجة‬
‫مفاهيم العصر الجديد وما صاحبه من عولمة وثورة اتصالات ومعلومات‪ ،‬ملحة لإعادة‬
‫كما وأصبحت قضايا المشاركة قضية حوكمية بامتياز‪ ،‬لا سيما بعد أن صياغة العقد‬
‫أخلَّت الدولة بمفهومها التقليدي بالعديد من التزاماتها‪ ،‬ففي الوقت الذي الإجتماعي‬
‫اتفقت عليه الجموع على إعطاء فئة صغيرة منتخبة الحق في تنظيم وحماية بما يتفق مع‬
‫المجتمع أصبحت هذه الفئة هي الفئة الظالمة والمن َتفعة من هذا التنازل مفاهيم العصر‬
‫الجديد‬
‫الشعبي‪ ،‬والحق الممنوح لها‪ ،‬وبما يتناقض كل عناصر المشاركة‪.‬‬

‫دور الحكومة في تفعيل المشاركة أصبح إجبارياً وليس مسألة اختيارية‬

‫أو انتقائية‪ ،‬فلا تستطيع أي حكومة عربية منعه‪ ،‬وإذا فعلت فستواجه‬

‫بإعتراضات من الداخل وانتقادات لاذعة من الخارج‪ .‬ونقتبس هنا مقولة‬
‫لعالم الكيمياء المصري احمد زويل[‪ [[6‬الحاصل على شهادة نوبل في‬

‫الكيمياء بأن «السلطات العربية لا تستطيع أن تمارس سياسات الإغلاق‬
‫في ظل سموات مفتوحة»‪ ،‬والتي تذكرنا كذلك بجدلية السيد والعبد لميكافيلي‬

‫‪ 67‬يتردد مصطلح العقد الإجتماعي على امتداد تاريخ أدبيات الفكر الإنساني منذ القدم وفي ع ّدة مجالإت مختلفة منه‪،‬‬
‫ابتدا ًء من ظهوره في فلسفات (سقراط وأفلاطون ‪ 400‬ق‪.‬م)‪ ,‬ومن ث ّم دراسته وبلورته بشكل «نظرية علمية» علي يد بعض‬
‫علماء الإجتماع أمثال توماس هوبز ‪ ،1679-1588‬وجون لوك ‪ ،1704-1632‬وجان جاك روسو ‪ ،1778-1712‬لتظهر في ما بعد ذلك‬

‫انعكاساته كرمز مح ّرك لأحداث سياسية غيرت مجرى التاريخ مثل الثورة الفرنسية ‪.1789‬‬
‫‪ 68‬أحمد حسن زويل ويلقب بكبير العلماء العرب‪ ،‬هو كيميائي مصري ‪ -‬أمريكي حاصل على جائزة نوبل في الكيمياء‬

‫لسنة ‪.1999‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪39‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫وهيغل وماركس وكذلك بالمقولة الشهيرة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب‬
‫“ متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ”‪.‬‬

‫وقد فرضت وسائل الإتصال الحديث وخاصة «الإنترنت» ومواقع التواصل فرضت وسائل‬

‫الإجتماعي نفسها وبقوة‪ ،‬سوا ًء استخدمت بعقلانية أو ضمن إطار سياسة الإتصال‬
‫السموات المفتوحة بين ما كنا نعتقد أنهم شباب الإنترنت و»الشات‪-‬الدردشة»‪ ،‬الحديث وخاصة‬

‫تلك الفئة الضالة أو الجاهلة أمام طبقة النخبة والعقلاء‪ ،‬أو تم إستغلالها أو «الإنترنت»‬
‫تجييرها من تجمعات غير عفوية ومنظمة وتنفذ من خلال أدوات وأيدولوجيات ومواقع التواصل‬

‫ومبررات تتناسب مع نواقص المجتمعات وإحتياجاتها‪ ،‬وفي الظاهر ما هي إلا َّ الإجتماعي‬
‫تجمعات تهدف إلى خدمة أهدافها ومصالحها على حساب المجتمع بعامته‪ .‬نفسها وبقوة‬

‫وضمن هذا السياق‪ ،‬وعلى اختلاف مسميات المشاركة فهناك العديد‬
‫من الآليات التي يمكن للإدارة الحكومية اتخاذها للتغيير باتجاه المشاركة‬
‫الفاعلة والبناءة وعلى كافة ال ُصعد والمستويات الإدارية والسياسية‬
‫والإجتماعية والتنموي‪ ،‬فهناك من يطلق عليها المشاركة الجماهيرية‪،‬‬

‫وهناك من يسميها المشاركة الشعبية‪ ،‬أو المشاركة العامة‪.‬‬

‫وبالرغم من اختلاف هذه المسميات الإ أنها تدور كلها حول معنى واحد الا‬
‫وهو مساهمة كل فرد من أفراد المجتمع في كل الأعمال وفى كل المستويات‪،‬‬
‫وفى مختلف مجالات الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية وغيرها‪ ،‬أي‬
‫المشاركة المباشرة للجماهير في شؤون المجتمع‪ ،‬وليس عن طريق المشاركة‬

‫النيابية كممثلي الشعب أو المجالس المنتخبة والتي تعتبر مشاركة غير مباشرة‪.‬‬

‫لقد حاولنا من خلال الأفكار والأراء الواردة التأكيد على دور الحكومة في‬
‫تفعيل المشاركة انطلاقاً بما تملكه من سلطة ومن أجهزة رسمية وأدوات‪،‬‬
‫وبداي ًة على صعيد الإدارة الحكومية نفسها وبين الشركاء الحكوميين‬
‫أنفسهم‪ ،‬حيث تتميز الدول النامية بحالة من التنافر وأحيانا التآمر بين‬
‫شركاء الحكم‪ ،‬جراء غياب فصل وتعاون مقنع بين السلطات‪ ،‬ووجود‬
‫استراتيجيات عليا أو مجلس سياسات أعلى يتحدث بصوت واحد أمام‬
‫الحاكم‪ ،‬بدلا ًمما يتيحه المجال الأن لكل شريك حكومي بال َت ْغييب المقصود‬
‫للآخر‪ ،‬والتدخل بإختصاصاته‪ ،‬وأحياناً التآمر والإنتقاص من انجازاته والكيل‬
‫له بالإتهامات‪ .‬كل ذلك يخلق حالة من الإرباك لدى أعلى سلطة في البلاد‪،‬‬
‫ويدفع بها أحياناً إلى قرارات متسرعة وانفعالية وحتى بارتكاب أخطاء ومن‬

‫الممكن أن تكون فادحة أو قاتلة‪.‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪40‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫وهناك العديد من نماذج الحوكمة الجيدة للمشاركة‪ ،‬وتلامس كل جوانب‬
‫الإدارة العامة‪ ،‬نذكر منها ما يتعلق بالمشاركة السياسية التي تطرحها ظروف‬
‫كل بلد وتختص بها جهات حكومية مثل وزارات التخطيط؛ وجهات دولية‬
‫مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (‪ )UNDP‬الذي يصدر تقارير الدول‬
‫(‪ )country report‬من خلال مجموعة كبيرة من الخبراء والمختصين‬
‫في كل مفاصل الإدارة العامة الجيدة‪ ،‬بما فيها استقدام برامج حكومية‬
‫متطورة‪ ،‬وإصلاح أنظمة الخدمة المدنية‪ ،‬وإدارة النفقات العامة بشفافية‬
‫ومسائلة‪ ،‬وإعادة الإعمار‪ ،‬وتشجيع الإبداع‪ ،‬وزيادة ميزانيات البحث العلمي‪،‬‬
‫والتفاعل الإيجابي مع الإعلام‪ ،‬والفصل والتعاون بين السلطات‪ ،‬وتطبيق‬

‫اللامركزية بما يخدم المشاركة‪.‬‬

‫‪ -٢‬دور الحكـومة في تفعـيل المشـاركة مع المجتمـع ‪:‬‬

‫سيظل العقد الماضي عالقاً في الذا كرة‪ ،‬في مختلف أرجاء المغرب العربي‬
‫والمنطقة العربية بل وفي كل العالم‪ ،‬كبداية لمرحلة من التأقلمات الصعبة‬
‫مع عدد من الحقائق الجديدة والمؤثرة في إعادة صياغة دور الدولة في صناعة‬

‫القرار السياسي والإقتصادي[‪.[[6‬‬

‫دور الدولة‬ ‫ففي كل بلدان المنطقة العربية‪ ،‬غ َدت الدولة بالألية المؤسساتية ال ُمع َر َفة‬
‫بها تهدف إلى الحصول على الموارد وتوزيعها‪ ،‬والمحافظة على القانون‬
‫الطاغي جعل‬ ‫والنظام‪ ،‬لكن هذا الحضور لم يكن يتساوى دائماً مع القدرة والإمكانات‪،‬‬
‫منها محوراً‬ ‫حيث اضطر ممثلو الدول إلى التوصل إلى نتيجة وهي أن الدولة لم ت ُعد‬
‫تستطيع بعد الإن أن تلعب دور المسيطر على كل الإمور‪ ،‬بل يجب أن‬
‫للتناقضات‬ ‫تتفاعل بإنفتاح مع كل الإتجاهات الموازية في المجتمع‪ ،‬ومع الواقع‬
‫المتمثل في أن دور الدولة الطاغي جعل منها محوراً للتناقضات أ كثر منها‬
‫أ كثر منها‬ ‫وسيطاً بين هذه التناقضات[‪ ،[[7‬ومن هذه المقتطفات الذي صدرت طبعته‬
‫وسيطاً‬ ‫الإولى عام ‪ 1987‬فيبدو أن الوضع لم يتغير كثيراً في العلاقة التشاركية‬

‫بين هذه‬ ‫الواجبة بين الدولة والمجتمع في الإقطار العربية‪.‬‬

‫التناقضات‬ ‫ففي العديد من الدول العربية‪ ،‬تعلن الخطابات الرسمية في كل المناسبات‬
‫بأن مسألة تفعيل دور القطاع الخاص يعد من أهم أولويات التنمية في ظل‬

‫‪ 69‬الهرماسي (محمد عبد الباقي)‪ ،‬المجتمع والدولة في المغرب العربي‪ ،‬نشر مركز الدراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت)‬
‫‪،1992‬ص ‪.) 139‬‬

‫‪ 70‬الهرماسي (محمد عبد الباقي)‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 141-139‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪41‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫تبني سياسة الإنفتاح الإقتصادي والإندماج في الإقتصاد العالمي‪ ،‬وبأنه لا يمكن الإرتقاء بالإقتصاد‬

‫وتحقيق التنمية المستدامة دون بناء شرا كة حقيقة بين القطاعين العام والخاص يكون بموجبها‬

‫القطاع الخاص هو المحرك والموجه الرئيسي للنشاطات الإقتصادية‪ ،‬وبناء استراتيجيات وسياسات‬

‫الإصلاح الإقتصادي بمختلف جوانبه الإقتصادية والمالية والتشريعية والقضائية والتعليمية وغيرها‪.‬‬

‫كما وتتحدث المؤسسات الإقتصادية الرسمية العربية عن توسيع دور القطاع الخاص من‬

‫خلال إطار تشريعي مشجع لهذا القطاع‪ ،‬وعن منحه المزيد من الحوافز لتهيأة المناخ لنموه‬

‫وازدهاره‪ ،‬وبأن الحكومات تبنت برنامج الخصخصة والتي من خلالها حل القطاع الخاص محل‬

‫العديد من المشاريع التي كانت تملكها الحكومة أو التي كانت تساهم فيها بشكل كبير حيث‬
‫نتج عن ذلك أن أصبح القطاع الخاص هو المستثمر الرئيسي والمساهم الأكبر في الناتج‬
‫المحلي الإجمالي‪ ،‬والمستوعب الأكبر للعمالة‪ .‬ويساهم القطاع الخاص من خلال ممثليه (غرف‬
‫الصناعة والتجارة‪ ،‬الجمعيات واتحادات رجال الأعمال والمصدرين والمستوردين والنقابات‬

‫المهنية) في صياغة التشريعات والقوانين الجديدة ورسم السياسات الإقتصادية المختلفة‪.‬‬

‫ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي سفن الحكومة وخطاباتها‪ ،‬وكذلك أطروحات القطاع الخاص‬
‫المبالغ فيها‪ ،‬والتي لا تخدم فئة المشاريع المتوسطة وصغيرة الحجم محرك التنمية بقدر ما‬

‫تخدم النخب‪.‬‬

‫وقد أثبتت لغة الإرقام عن تفاقم المديونية والبطالة ومستويات الفساد وغياب المساءلة‪،‬‬

‫حزمة الإصلاحات الإقتصادية التي أطلقتها معظم‬ ‫ومما افشل ُجل السياسات الإقتصادية‪ ،‬وبأن‬
‫تأتي أُكلها‪ ،‬كما ولم ترتقي إلى مفاهيم الحوكمة‬ ‫الحكومات العربية خلال العقد المنصرم لم‬

‫الجيدة والمشاركة الديمقراطية بين فئات المجتمع والمتأثرين من القطاع الخاص ومؤسسات‬
‫المجتمع المدني‪ ،‬وكانت ِحكراً على نخبة فرضت نفسها على الإدارة الرسمية لتحقيق مصالح‬

‫اقتصادية تخدم هذه النخبة أولاً وأخيراً‪.‬‬

‫وبأن الإشخاص الذين ينفذون سياسات الإصلاح باتوا غير مؤثرين أو مقنعين لدى الشريحة‬
‫الأوسع في المجتمع‪ ،‬والذي ينظر إليهم على أنهم مختصون فقط في اتخاذ القرارات القاسية‬
‫المتعلق معظمها بزيادة الأسعار وتحقيق أجندات خاصة‪ ،‬وبأن عملية الإصلاح افتقدت إلى‬
‫الإجماع أو المشاركة الحقيقة من مؤسسات الدولة خاصة الدستورية منها[‪ .[[7‬كما وأن العقبة‬
‫الرئيسية التي ساهمت في فشل الحفاظ على زخم الإصلاح هي فقدان ُجل الحكومات العربية‬
‫ومؤسساتها إلى آلية واضحة لتقييم تلك البرامج التنموية‪ ،‬وتعزيز مبدأ المساءلة في حال‬

‫الإخفاق‪ ،‬لذا باتت هذه البرامج كمن يفعل ما يريد من دون حسيب أو رقيب‪ ،‬مما أضعف‬

‫مصداقية تلك البرامج لدى الشارع العام‪ ،‬ومن السياسات العامة المرتبطة برؤية الدولة‬

‫‪ 71‬سلامة الدرعاوي‪ ،‬نفس المقال « الإردن في التقارير الدولية‪ ..‬خطوة للأمام وخطوتان للوراء»‪ ،‬تاريخ ‪٢٠١٠/٨/١٨‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪42‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫للمشاركة‪ ،‬ننتقل بأكثر تخصيصاً فيما يتعلق بداي ًة بتفعيل المشاركة مع القطاع الخاص‪.‬‬

‫‪ -٣‬آليات لتفعيل دور الحكومة مع القطاع الخاص‪:‬‬

‫من اجل أن يكون للسياسات الإقتصادية جدوى وقدرة على الإقناع لا بد من مراعاة مسألة‬
‫المشاركة‪ ،‬كما أن القرار الإقتصادي العربي يواجه عاد ًة بإشكالية تعدد المؤسسات الإقتصادية‬
‫والإستثمارية‪ ،‬وعدم وجود مؤسسة عليا تجمعهم وتوحدهم مما يجعل من هذه المؤسسات‬
‫متنافرة ومتخاصمة في سياساتها وأرقامها‪ ،‬وبما ينعكس بالنتيجة على حياة ومعيشة وتطلعات‬

‫المواطنين‪.‬‬

‫كما يثير اهتمام الحكومات العربية المفرط بالإستثمار الأجنبي بعض التساؤلات‪ ،‬والذي يأتي‬
‫أحياناً على حساب الإهتمام بالمستثمر المحلي‪ ،‬ويفسر ذلك البعض كون الإستثمار الخارجي‬
‫لا يوا َجه بنفس آليات محاسبة المستثمرين المحليين‪ ،‬بما يعني فرصة أ كبر لاستشراء الفساد‬

‫والرشوة‪.‬‬

‫يضاف إلى ذلك معضلة الخصخصة[‪ ،[[7‬والتي أنتهجتها عدد من الدول العربية‪ ،‬وبشكل‬
‫مختلف ومتقطع أحياناً‪ .‬ويرى بعض المختصين في مجال بيع ممتلكات الحكومة للقطاع‬
‫الخاص بأن الخصخصة مستحيلة وفقاً للظروف الحالية لأغلب الدول العربية‪ ،‬وذلك بسبب‬
‫تفشي الفساد‪ ،‬وبسب تطور جوهري تمثل بالإنتقال من نظام الإقطاع الإقتصادي الذي ُرفض‬
‫في ظل نظام الإقتصاد الحر‪ ،‬إلى أسلوب جديد من بيع ممتلكات الدولة لمصالح حفنة من‬
‫أصحاب الثروات الجدد المرتبطين شخصياً بمرا كز اتخاذ القرار‪ ،‬وبما يكفل لهم فرض جملة‬
‫من الشروط النوعية التي تحدث فجوة هائلة بين العرض والطلب أو تحقق عملية إذعان‬
‫وخلال فترة زمنية معينة بما يكفل لهم الحصول على أرباح احتكارية خيالية‪ ،‬هذا مع الإشارة‬
‫لغياب المصلحة الحقيقية لهؤلاء في التطور والإرتقاء بمستوى الأداء الإقتصادي ومستوى‬

‫الكفاءة الإنتاجية وجودة السلعة أو الخدمة وذلك لغياب المنافسة الحقيقية[‪.[[7‬‬

‫كما ويلاحظ عدم وجود تركيز وإيلاء أهمية كافية من قبل الحكومة في دعم وتمويل المشاريع‬
‫المتوسطة وصغيرة الحجم والتي تشكل عمود الإقتصادات الوطنية‪ ،‬في حين تحظى المشاريع‬
‫الكبرى بعناية فائقة من الإدارة العربية وتتشكل لديها وزارات وهيئات متخصصة دون فهم‬
‫مجتمعي لما تقوم به هذه الوزارات والهيئات وكيفية مسائلتها ومراقبة أعمالها أو أسباب‬

‫الغائها متى رغبت الحكومة‪.‬‬

‫‪ 72‬للمزيد حول الخصخصة لطفاً انظر ص ‪157‬‬
‫‪ 73‬المصدر‪ :‬الموسوعة العالمية الإمريكية‪ ،‬ويكيبيديا‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪43‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫بمعنى أخر‪ ،‬فأن الحكومات العربية تنأى ‪ -‬في الغالب ‪ -‬بنفسها عن صغار‬
‫التجار والصناعيين‪ ،‬وتفضل التعاطي والتحاور والإستماع إلى كبار التجار‬
‫والإقتصاديين‪ ،‬في حين يرى الإقتصاديين‪ ،‬وفي شتى فروع علم الإقتصاد‪،‬‬
‫بأن هناك أهمية كبيرة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم[‪،[[7‬‬

‫وبأن تطوير المشاريع الصغيرة وتشجيع إقامتها وكذلك المشاريع‬
‫المتوسطة يعد من أهم روافد عملية التنمية الإقتصادية والإجتماعية في‬
‫الدول بشكل عام‪ ،‬والدول النامية بشكل خاص‪ ،‬وذلك باعتبارها منطلقاً‬
‫أساسياً لزيادة الطاقة الإنتاجية من ناحية‪ ،‬والمساهمة في معالجة مشكلتي‬

‫الفقر والبطالة من ناحية أخرى‪ .‬ولذلك أولت دول كثيرة هذه المشاريع‬
‫اهتماماً متزايداً‪ ،‬وقدمت لها العون والمساعدة بمختلف السبل ووفقاً‬
‫للإمكانيات المتاحة‪ ،‬وخاصة في الدول الغربية والدول المتقدمة صناعياً‪.‬‬

‫تعتبر مسألة‬ ‫وتعتبر مسألة العمالة الأجنبية في العديد من الدول العربية من المسائل الشائكة‬
‫العمالة الأجنبية‬
‫في العديد من‬ ‫في دور الحكومات في تفعيل المشاركة مع القطاع الخاص‪ ،‬والتي يمكن أن تعزى‬
‫الدول العربية‬ ‫إلى عدم توافر الإرادة الإقتصادية الحكومية الكافية والفاعلة والقادرة لتغيير‬
‫خارطة العمالة الأجنبية لصالح العمالة المحلية‪ ،‬أو لإنكفاء المواطنيين المحليين‬
‫من المسائل‬ ‫عن العديد من الأعمال والقطاعات وخاصة الإنشائية واليدوية والخدمات العامة‪.‬‬
‫الشائكة‬
‫كما ويأتي موضوع التشغيل والتدريب المهني من الحلول الهامة لهذه‬
‫المعضلة‪ ،‬ومن أجل إحلال عمالة محلية بدلا ً من الآلاف من العمالة‬
‫العربية والأجنبية‪ ،‬والتي تستنزف إحتياطات العملة الصعبة‪ ،‬وتزيد من‬
‫البطالة‪ ،‬والإحتقان المجتمعي‪ ،‬والتي نرى أن فقدان الحكومة لإرادة‬
‫المشاركة مع نقابات العمل والشغل والنقابات المهنية المعنية‪ ،‬هو ما‬
‫يعيق َجم ْع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني‬
‫للخروج بسياسات وقوانين تحد من العمالة الأجنبية و ُتشغل و ُتدرب‬

‫العمالة المحلية‪.‬‬

‫وتب ّرر أحياناًالحكومات العربية إجراءاتها بحجة إحجام المواطنيين المحليين‬
‫عن القيام بالأعمال المهنية البسيطة أو جراء التحديات إجتماعية المتصلة‬
‫بثقافة العيب‪ ،‬إلا ّ أن إتجاهاً معاكساً يرى أن تشابك الفساد والمصالح‬
‫الحكومية مع فئات منتفعة من جلب العمالة الأجنبية‪ ،‬إضافة إلى عوامل‬

‫‪ 74‬ماهر حسن المحروق وأيهاب مقابله ‪« :‬المشروعات الصغيرة والمتوسطة ‪ ،‬أهميتها ومعوقاتها»‪( ،‬أيار ‪ ،2006‬ص ‪)4-6‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪44‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫جانبية معيقة أهمها سلبيات البيروقراطية‪ ،‬كلها تشكل عوائق كبيرة أمام دور حكومي لتفعيل‬
‫المشاركة بين الدولة والمجتمع لهذه المسائل الإقتصادية الوطنية الملحة‪.‬‬

‫وبالنسبة للهيئات الإعلامية الخاصة والعامة كأحد مكونات المجتمع بل وسلطته رابعة‪ُ ،‬يذكر‬
‫بأن السياسة الإعلامية للمحطات التلفزيونية العربية الخاصة متقدمة على نظيراتها الحكومية‪،‬‬
‫وتحاول أن تشرح الحقيقة الغائبة التي يحجبها الإعلام الرسمي‪ ،‬إلا أن العامل المشترك في كل‬
‫المحطات العامة والخاصة هو أولاً وجود خطوط حمراء ممنوع تتجاوزها‪ ،‬وهي المتعلقة بإنتقاد‬
‫النظام وبما يسمى إغتيال الشخصيات العامة‪ ،‬والعامل الثاني هو تغلغل الأمن في الإعلام بصورة‬
‫تدفعه إلى التركيز على حالة إحتفالية لا تتوقف‪ ،‬وتصفيق مستمر لمؤسسة الحكم‪ ،‬والإشادة‬
‫بانجازات الحكومة‪ ،‬وكلها لا نعتقد هنا بأن الإدارة أو حتى النظام بحاجة لها وخاصة إذا كانت على‬

‫حساب الحقيقة والصالح العام‪.‬‬

‫وبعد التع ّرض إلى دور الحكومة في تفعيل المشاركة مع القطاع الخاص‪ ،‬يأتي دورها في تفعيل‬
‫المشاركة مع الشق الثاني من المجتمع المتصل بمؤسسات المجتمع المدني‪.‬‬

‫‪ -٤‬دور الحكومة في تفعيل المشاركة مع مؤسسات المجتمع المدني‪:‬‬

‫تعتبر مسألة تفعيل المشاركة مع هيئات المجتمع المدني وفعالياته أحد الكوابيس المزعجة‬
‫للحكومات العربية‪ ،‬لا سيما في الفترات التي تنشط فيها النقابات المهنية كأحد المنابر الهامة‬
‫للتعبير الشعبي والمشاركة المجتمعية‪ ،‬وهي المسائل التي ُتؤرِق مؤسسات الحكم العربية‬
‫وتحاربها بشتى السبل والوسائل‪ ،‬وتحاول دائماً تزكية الشخصيات الموالية أو المهادنة لها‬
‫ولسياساتها لرئاسة هذه النقابات والإتحادات لإدرا كها مدى خطورتها وتأثيرها على المجتمع‪.‬‬
‫ولتحقيق ذلك كانت الإدارات العربية تفعل أي شيء‪ ،‬وتَن َش ْط في العمل الأمني والإستخباري‬
‫بين صفوف النقابيين والناشطين المنخرطين بهيئات المجتمع المدني وخاصة النقابية‬

‫والسياسية والحقوقية منها‪.‬‬

‫وبالرغم عن كل ما سبق‪ ،‬فقد تنبهت الحكومات العربية في السنوات الإخيرة لمدى أهمية وتأثير‬
‫مؤسسات المجتمع المدني في التعبير عن مطالب واحتياجات ورغبات المجتمع‪ ،‬وما يتطلبه ذلك‬
‫من تفعيل أدوات وسبل المشاركة مع هذه المؤسسات وإتاحة المجال لها للمشاركة في صناعة‬

‫السياسات العامة‪ ،‬وبالتالي لتحقيق التوازن بين مستويات الحوكمة لتكون ديمقراطية ورشيدة‪.‬‬
‫كما وهناك أهمية لمتابعة التقارير العالمية المختصة بحقوق الإنسان والمشاركة مع‬
‫المجتمع‪ ،‬فيشار إلى تقرير منظمة[‪ [[7‬حقوق الإنسان السنوي لعام ‪ 2010‬الصادر عن وزارة‬

‫‪ 75‬لمزيد من الإطلاع رجاء النظر إلى صفحة منظمة مراقبة حقوق الإنسان (‪Human Right Watch) http://www.hrw.org/ar/home‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪45‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫الخارجية الإمريكية[‪ [[7‬والذي وجه إنتقادات لاذعة لعدد من الدول العربية‬
‫التي ارتكبت انتهاكات حقوق الإنسان في عام ‪ ،2010‬كما وتطالب عدد‬
‫من المنظمات الحقوقية إلغاء عقوبة الإعدام وتتهم السلطات الأمنية‬
‫بممارسة التعذيب‪ ،‬ويطالب العديد منها بإطلاق سجناء الرأي‪ .‬فضلا ً‬
‫عن ما يشاهده العالم بأسره وترصدة منظمات الإنسان بكافة صنوفها‬
‫من ممارسات فظيعة ترتكبها الإنظمة العربية والمعارضات السياسية‬
‫والعسكرية إزاء شعوبها‪ ،‬وما تعيشة من حالة صراع أهلي وأقليمي‬
‫وعالمي ولحينه في الصراع الدامي في الدولة السورية‪ ،‬وأيضاً في الإزمة‬
‫اليمنية‪ ،‬والصعوبات التي تواجهها دول تباعاً مثل ليبيا ومصر وتونس‪،‬‬

‫وآخرها الأزمة مع دولة قطر‪.‬‬

‫ومهما تقارب أو تباعد ِسجل الدول العربية من أساسيات حقوق الإنسان‪،‬‬
‫مقارنة بدول أخرى‪ ،‬الإ أن ذلك يتطلب منها الإستماع بشكل دائم إلى أي‬
‫ممارسات خاطئة بحق المجتمع المدني ومنتسبيه‪ ،‬والمتابعة الدقيقة‬

‫لأي انتقادات توجه من التقارير الدولية أو الحقوقية أو حتى النشطاء ضد‬

‫الدولة أو أجهزتها الرسمية‪.‬‬

‫الصورة الذهنية‬ ‫وهناك مسألة مرتبطة بعدم وضوح صورة منظمات المجتمع المدني‪،‬‬
‫المرتبطة بمنظمات‬ ‫والصورة الذهنية المرتبطة بأنها تسعى لتحقيق أغراض سياسية‬
‫المجتمع المدني‬
‫والحصول على تمويل لذلك عبر برامجها المتصلة بها‪ ،‬وما يعنيه ذلك‬
‫بأنها تسعى‬ ‫من غياب لدورها في شرح برامجها وتعزيز التوعية الشعبية‪ ،‬ناهيك عن‬
‫لتحقيق أغراض‬ ‫سطوة الحكومة على مفاصل الإعلام مما يضعف من فرص مشاركتها في‬
‫بث الوعي العام حول المشاكل التي تعتري المجتمع‪ ،‬ويضعف بالتالي‬
‫سياسية‬ ‫من عنصر مشاركتها بما يتفق مع الحوكمة الديمقراطية‪ .‬ويشار كذلك أن‬
‫الحكومة شبه غائبة أو ربما متخوفة من بث فكر التطوع (‪)Volunteer‬‬
‫الحكومة شبه‬
‫غائبة في بث‬ ‫للخدمة العامة بين المواطنين والمؤسسات الأهلية التي تضطلع بها‪،‬‬
‫فكر التطوع‬ ‫وهو الأمر المنتشر في الدول المتقدمة‪ ،‬ويعتبر من أهم علامات المواطنة‬
‫للخدمة العامة‬ ‫الصالحة والشرا كة بين الدولة والمواطن لتحقيق المصلحة العامة‪ ،‬ويف ّعل‬

‫الحوكمة الجيدة في مجال المشاركة بين الدولة والمجتمع بكافة فئاته‪.‬‬

‫‪ 76‬لمزيد من الإطلاع رجاء النظر إلى صفحة وزارة الخارجية الإمريكية‪ /‬تقارير الدول بخصوص حقوق الإنسان‬

‫‪،http://www.state.gov/g/drl/rls/hrrpt/ 2010 /nea/index.htm Emilia T. Boncodin, «People Participation in the‬‬

‫‪Budget Legislation Process-Participatory Planning and Budgeting at the Sub-national Level», Editor: United 76‬‬
‫‪Nation-Department of Economic & Social Affaires, New York, (2005, P. 160-155).‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪46‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫وبالنسبة للبحث العلمي‪ ،‬فإن مرا كز البحوث العلمية هي محور استقطاب ضعف في دعم‬
‫العلماء‪ ،‬ومكاناً يلبي فيه طموحه العلمي والثقافي‪ ،‬وقد يؤمن له موقعاً البحث العلمي‬

‫للإبداع والتطور‪ ،‬بينما يجد في وطنه غياب كل ذلك‪ ،‬بل الإكثر من ذلك والعلماء‬
‫غياب التخطيط السليم‪ ،‬واعتبار البحوث العلمية ترفاً لا حاجة له‪ ،‬وحتى إذا‬
‫استطاع العالِم أن يجد له مكاناً في البحوث العلمية أو الجامعات في الوطن‬
‫العربي‪ ،‬فأنه يلقى الكثير من التنافس والمعوقات التي تجعل منه شخصاً‬
‫هامشياً‪ ،‬وإذا لم يصادف العالِم مثل هذه الصعوبات وهذا نادر‪ ،‬فإنه لا يجد‬
‫الإطار العلمي والفني أو التجهيزات والمخابر‪.‬‬

‫كما أن العالِم في الوقت الحاضر يمضي قرابة ‪ %٩٠‬من وقته لملاحقة‬
‫متطلبات الحياة اليومية‪ ،‬وبالتالي فإن إنتاجيته ومردوده العلمي يكون‬
‫ضعيفاً ومتواضعاً‪ ،‬والتي يمكن أن تعزى إلى عدم التفات الحكومة الكافي‬
‫للبحث العلمي‪ ،‬و ُتفضل شراء التكنولوجيا والصناعة الجاهزة جراء ضعف‬
‫التقنية الصناعية والبنيان الصناعي عموماً‪ ،‬إضافة إلى ما تضمنه البحث في‬

‫التحديات الإقتصادية والضغوط الإقتصادية الخارجية التي تمارس على‬

‫الدول النامية لتبقى مستهلكة وتابعة ومعتمده على الخارج‪.‬‬

‫أصبحت‬ ‫وتشير الإرقام الحكومية بان نسبة البحث العلمي في ميزانية الدول العربية‬
‫الميزانية‬ ‫لا تزيد عن ‪ ،%٣-٢‬والمفارقة في ذلك تتعلق بالميزانية العسكرية والتي‬
‫العسكرية‬ ‫تشكل نسبة عالية لا يمكن اعتماد ما ينشر عنها نظراًلان الميزانية العسكرية‬
‫معضلة‬ ‫ينضوي فيها كل المصروفات التي لا ترغب الدولة بإطلاع الشعب وجهاته‬
‫حوكمية‬ ‫الرقابة عليها‪ .‬كما وأصبحت الميزانية العسكرية معضلة حوكمية تستطيع‬
‫المؤسسات الدولية فهم تركيبة الدولة من خلالها‪ ،‬وخاصة لكونها تأتي على‬
‫حساب ميزانيات التنمية الوطنية‪ ،‬وتصب في مصلحة النظام على حساب‬

‫معيشة المواطن وتطلعاته‪.‬‬

‫وبهذا الصدد‪ ،‬فتطالب هيئات وبرامج الأمم المتحدة المتصلة بقضايا‬
‫الحوكمة التشاركية بأن يكون للمواطنيين وهيئات المجتمع المدني‬
‫والهيئات المحلية والبلدية دور فاعل في توزيع المخصصات المالية وإعداد‬
‫الميزانيات والرقابة عليها‪ ،‬ومن خلال منظومة لا مركزية في الإدارة تراعي في‬

‫النهاية الإحتياحات الحيوية للمواطنيين[‪.[[7‬‬
‫وهناك برامج هامة ومتعددة في مجال تعزيز دور الحكومة في المشاركة‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪47‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪48‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫والتي يمكن للإدارات الحكومية العربية الإستفادة منها[‪ ،[[7‬لا سيما أن عدد من الدول النامية‬
‫قد أخذت بها أيضاً‪ ،‬وقد تم تصميم هذه الإليات من قبل معهد التنمية الإقتصادية في البنك‬

‫الدولي‪.‬‬

‫وبعد التعرض إلى ما سبق من أفكار مرتبطة بتفعيل المشاركة مع المجتمع المؤلف من‬
‫القطاع خاص وهيئات المجتمع المدني‪ ،‬ننتقل إلى دراسة عناصر حوكمية أخرى لها تأثير‬
‫حيوي ومباشر على تفعيل المشاركة بين طرفي الحوكمة ومرتبطة بتسلسله المنهجي‪ ،‬حيث‬
‫سنتناول في المبحث التالي المشاركة من خلال تفعيل عنصري المساواة والإنصاف‬

‫وعنصر الإستجابة‪.‬‬

‫ثانياً ‪ :‬عناصر المساواة والإنصاف وعنصر الإستجابة‪:‬‬

‫كان المطلب الإول للشعوب المستع َمرة طيلة مرحلة الإربعينات والخمسينات وأوائل‬
‫الستينات يتمثل في أن يكون الحاكم من أهل نفس البلد‪ ،‬لكن المفارقةالتي حصلت في العديد‬
‫من هذه الدول أنه بمجرد أن طال زمن الدولة تح ّول جهاز الحكم إلى نوع من التملك ّية الفردية‬
‫والإستفرادية و«الزبونية»‪ ،‬أو بمعنى أنه بدل أن تستجيب هذه الدول لتطلعات المجتمع‬
‫ورغباته‪ ،‬و ُتوسع المشاركة‪ ،‬وتعمقها تدريجياً‪ ،‬تراجعت بإتجاه الزبونية أي مجموعة المصالح‬

‫والعلاقات باتجاه الإستفراد بالسلطة‪ ،‬وسوء توزيع الثروة وعملية صناعة القرار [‪.[[7‬‬

‫ولقد تسارعت الإحداث في عالمنا العربي حتى وصلت إلى مرحلة ملفتة من اللفظ والرفض إلى‬
‫الإقصاء والإستغلال‪ ،‬حيث طالت الإحتجاجات العديد من الدول العربية وتبعها نزاعات مسلحة‬
‫في عدد من الدول‪ ،‬ومما يتطلب صراحة ومكاشفة‪ ،‬ومساءلة‪ ،‬واستجابة‪ ،‬وتمكين للقانون‪،‬‬

‫ومشاركة متكافئة للمرأة والإقليات‪ ،‬ومساواة وعدالة‪ ،‬وكفاءة وفعالية‪ ،‬ورؤية إستراتيجية‪.‬‬

‫أي كما ذكرنا في مناسبات سابقة‪ ،‬ثورة حوكمية تعمل على تفكيك البنية الإدارية للدولة‬
‫ومن ثم إعادة بنائها على أسس الحوكمة الرشيدة والفعالة‪ ،‬وبحيث تكون فيها الدولة خادماً‬
‫للمجتمع‪ ،‬ويشترك المجتمع بمسؤولية مطلقة في صياغة السياسات العامة‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫يتحمل هذه المبحث عبء تناول عدد من عناصر الحوكمة الرشيدة حسب ما تمكّن البحث من تقسيمه‬
‫لتجاوز الصعوبات المنهجية والشكلية‪ ،‬حيث سنتناول تالياً مسألة الإنصاف والمساواة‪ ،‬ثم عنصر الإستجابة‪.‬‬

‫‪ 78‬الدكتور زهير الكايد‪ ،‬الحكمانية ‪»، Governance‬قضايا وتطبيقات»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،2003 (،‬ص ‪)79-116‬‬
‫‪ 79‬المنصف وناس‪« ،‬الدولة والتحديث والمجتمع المدني‪ -‬نحن والمتغيرات العالمية»‪ ،‬اصدارات منتدى الجاحظ ‪ ،‬تونس‪ ،2008( ،‬ص ‪.)17‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة ‪49‬‬
‫بنظـــرة عربـيــة ‪2018‬‬

‫‪ -١‬المسـاواة والإنصـاف (‪: )Equity and Equality‬‬

‫ثنائية المساواة والإنصاف قديمةٌ جداً‪ ،‬فمنذ القدم فرضت فكرة المساواة‬
‫نفسها على القانون‪ ،‬وخاصة في سير الحياة اليومية في الحضارة الهيلينية‬

‫(الإغريقية) القديمة‪ .‬كما وتواجدت فكرة الإنصاف عند أرسطو واستعملها‬
‫بكثرة ويراها كفضيلة لإصلاح نقائص القانون الوضعي[‪.[[8‬‬

‫ويشار هنا بالأهمية إلى إسهامات الفلاسفة والمفكرين التي لا يمكن‬
‫حصرها في مجال هذا البحث‪ ،‬وإلى دورهم في ظهور المدينة وتأثيرها على‬
‫اهتمام الفلاسفة للتفكير بحقوق الإنسان نتيجة للمنازعات الداخلية‬

‫والعهود الطويلة من الظلم والطغيان‪ ،‬حيث أظهر أفلاطون لنا مبادئ‬
‫حقوق الإنسان والمدينة الفاضلة وهي الدول ُة التي يسود فيها العقل‪ ،‬لا‬

‫الرغبات والشهوات‪ ،‬وتكون مبنية على العدل والمساواة‪.‬‬

‫كما وشبه أرسطو الدول بكيان عضوي «التضامن العضوي»‪ ،‬وأ كد على‬
‫مبادئ حقوق الإنسان من خلال رؤيته إلى دور الدولة في توفير الحق‬

‫والعدل والمساواة لكل المواطنين ورفض العدوان والحرب والإستعباد‪.‬‬

‫َفضل‬ ‫وعلى الرغم من أن المبادئ الميتافيزيقية (علم الغيبيات) لا يمكن‬
‫ومساهمة‬ ‫إخضاعها لقواعد المنطق المحسوس وللأبعاد الفيزيائية المعروفة مهما‬
‫الديانات‬ ‫تزايدت أو نقصت ولِعلم الفيزياء التطبيقية شؤونه في ذلك‪ ،‬الإ أننا نرغب‬
‫السماوية في‬ ‫هنا بذكر َفضل ومساهمة الديانات السماوية في تعزيز الوعي بحرية‬
‫تعزيز الوعي‬ ‫الإنسان‪ ،‬وحقه في العيش الحر الكريم‪ ،‬حيث أن هذه الإديان ذات المصدر‬
‫بحرية الإنسان‬ ‫الواحد‪ ،‬جعلت الإنسان هو مدار الكون ومناط التكريم بصفته الإنسانية‪،‬‬

‫وعززت من مفاهيم الإنصاف والعدل والمساواة بين البشر‪.‬‬

‫فقد اهتمت الديانة اليهودية بحقوق الإنسان من خلال الوصايا العشر التي‬
‫كلم الله (سبحانه وتعالى) بها النبي موسى والتي اشتملت على ‪ :‬حق‬
‫الإنسان في الحياة‪ ،‬الحق في الملكية‪ ،‬النهى عن القتل‪ ،‬والنهى عن السرقة‪.‬‬
‫كما وأ كدت الديانة المسيحية على حقوق الإنسان من خلال المحبة‪ ،‬العدالة‪،‬‬
‫المساواة والإحسان‪ .‬وقد إهتم الدين الإسلامي بفهم[‪ [[8‬وتكريم الإنسان[‪[[8‬‬

‫‪Aristote, Ethique à Nicomaque, V, 1137 ,10, a 31 sq.; Rhétorique, 1347 ,13 ,1 a 26 b23 .80‬‬
‫‪ 81‬القرآن الكريم‪َ »،‬ونَ ْف ٍس َو َما َس َّوا َها‪َ ،‬فأَ ْل َه َم َها ُف ُجو َر َها َوتَ ْق َوا َها»‪ ،‬سورة الشمس‪ ،‬الإية ‪ 8‬و‪9‬‬
‫‪َ « 82‬و َل َق ْد كَ َّر ْم َنا بَ ِني آ َدم «‪ ،‬سورة الإسراء‪ ،‬الإية ‪ 70‬القرآن الكريم‪،‬‬

‫مقدمـة إلى الحوكمـة‬ ‫‪50‬‬
‫بنظــرة عربـيــة ‪2018‬‬


Click to View FlipBook Version