د .ﺳﺎﺋﺪ اﻟﺮداﻳﺪه
مقدمة
إن حاجة الإنسان للتعامل مع محيطه كان أمراً حيوياً منذ وجود البشرية،
كما أن العبور إلى القرن الواحد والعشرين لم يكن مجرد عبور من ألفية
إلى أخرى إنما أيضاً عبوراً إلى عصر جديد بكل ما يحمله من تقدم مهول في
كافة المجالات وانعكاسات ذلك على الإنسان وبيئته.
ومع تع ّقد ظروف الحياة البشرية وتشابك المصالح سواءٌ على مستوى
المجتمع أو ما يحيطه من دول ومجتمعات فقد بات لزاماً على البشر
التفكير والتخطيط ،ووضع التصورات والبرامج والحلول لتلبية ما يحتاجونه
لمواجهة مصاعب الحياة ،وتحقيق مزيداً من الرفاه والسعادة.
وهذا الأمر نشأ قبل ظهور الدولة القومية ،الإ أن نشوء الدولة بمفهومها
الحديث تطلب منها وضع السياسات العامة والتي تمثل أحد أهم مظاهر
نجاحها أو فشلها وفي تبرير وجودها كدولة رعاية.
ومما لا شك فيه ،فإن المتغيرات التي طرأت في العقود الثلاثة الإخيرة
قد ق َلبت عدد من الموازين والمعتقدات وفي كافة الإتجاهات ،فمع انهيار
الكتلة الشرقية ومعتقداتها وأساليب عملها وفي موازاة ذلك هيمنة النظام
الرأسمالي ومفاهيم وقضايا العولمة بمختلف مظاهرها ،فقد أخذ مفهوم
تدخل الدولة وإحتكارها للسياسات العامة يتهاوى شيئاً فشيئاً بحجة
فشل الدولة في النجاح بإدارة الكثير من القطاعات الإقتصادية والتجارية
وصولا ً إلى قطاعات اجتماعية متعددة[[[.
إنعكاسات كما أن ما أطلقة البروفسفور «كلاوس شوابس» رئيس ومؤسس المنتدى
الث ـورة الإقتصادي العالمي[[[ عام ،2016بأن الثورة الصناعية «الرابعة» ،هذه
المرة مختلفة عن سابقاتها ،مغايرة لأي تجربة عاشتها البشرية من قبل،
الصناعي ـة سريعة وعميقة وشديدة الإتساع ،تضرب في كل القطاعات تقريباً ،على
«الرابعـ ـة» عكس الثورات الصناعية الماضية ،فثمة بحر رقمي عالي الإمواج ،وطباعة
علـى الحوكمة
1خليل حسين ،السياسات العامة في الدول النامية ،دار المنهل اللبناني ، 2007 ( ،ص 2و ) 3
2المنتدى الإقتصادي العالمي )World Economic Forum( :،هي منظمة دولية غير ربحية مستقلة منوطة بتطوير العالم
عن طريق تشجيع الأعمال والسياسات والنواحى العلمية وكل القادة المجتمعيين من اجل تشكيل العالمية ،وايضا
الإجندات الإقليمية والصناعية .تأسست على يد أستاذ الأعمال كلاوس شوابس عام 1971في كولوجنيا التابعة لجنيف في
سويسرا كما افتتحت في عام 2006مكاتب إقليمية في العاصمة الصينية بكين ونيويورك في الولايات المتحدة .
مقدمـة إلى الحوكمـة 6
بنظــرة عربـيــة 2018
ثلاثية الإبعاد ،وذكاء اصطناعي ،وروبوتات ذكية ،وحرس حدود آليون ،بإستطاعتهم قنص من
يحاول تجاوز التخوم ،وسيارات ذاتية القيادة ،وكمبيوترات شديدة البراعة ،باستطاعتها أن
تكتب القصص وتنافس خيال رواد الروايات.
وهذه الثورة الصناعية المتصلة بالتطور الصناعي المضطرد ،أو «الأسي» ،أي المتصاعد
شكلت تحدي على كافة العلوم لتطوير مفاهيمها وموا كبة متطلبات وتحديات وفرص هذا
الإنفجار الصناعي المتصاعد والغير قابل للتنبؤ بما تعرضه التكنولوجيا في كل ساعة وكل يوم.
وهنا يهدف هذا العمل إلى التعرف على مفهوم الحوكمة وعناصرها ونماذجها ومنظومتها
والقضايا والتطبيقات الهامة فيها ،وعلى أهم المعطيات السياسية ،والإقتصادية ،والإدارية،
والإجتماعية التي تخدم العمل وأغراضه ،والتعرف على المعوقات والصعوبات الإدارية
والقانونية والسياسية والإقتصادية التي تحد من حراك فكر «الحوكمة الرشيدة» في الدول
كانت متقدمة أو نامية ،وعلى كافة مستوياتها من دولة ومؤسسات المجتمع المدني ،ومع
محيطها الإقليمي والدولي.
مقدمـة إلى الحوكمـة 7
بنظـــرة عربـيــة 2018
الجزء الأول
تطور مفهوم الحوكمة وإشكاليته وعلاقته مع
العلوم الإجتماعية
-١تعريف المفهوم وتطوره :
جراء التغيرات الهائلة التي أحاطت بالدول ومجتمعاتها ،فقد ظهرت
الحاجة لنشوء مصطلحات جديدة تكاد تكون مرادفة لطبيعة ومهام
السياسات العامة لأي نظام سياسي ،ومن هذه المصطلحات ما يسمى
«بالحوكمة» أو «الحاكمية» ويقابلها باللغة الإنجليزية «»Governance
وبالفرنسية ” ،”Gouvernanceمع الإخذ بعين الإعتبار عدم إمكانية حسم
الجدل حول مفهوم الحوكمة ع ّما إذا كان هذا المصطلح قادراً على اخذ
مكان السياسيات العامة بمفهومها التقليدي أم لا.
وقد شاع استخدام الحوكمة فكر ًة واصطلاحا بشكل واسع مع بداية عقد
التسعينات ،وكانت أول بوادر ظهور للمصطلح في منشورات وتقارير البنك أول ظهور
الدولي عن كيفية تحقيق التنمية الإقتصادية ،ومحاربة الفساد ،وتحسين لمصطلح
مستوى الحياة في الدول الإفريقية جنوب الصحراء ،Sub-Saharan Africa ،الحوكمة في
حيث تم الربط بين الكفاءة الإدارية الحكومية والنمو الإقتصادي ،وبحيث
منشورات وتقارير تكفل السياسات العامة العدالة والمساواة [[[.
البنك الدولي
ولقد نما المفهوم ليعكس قدرة الدولة على قيادة المجتمع في إطار سيادة
القانون ،وفي بداية التسعينات أصبح التركيز على الإبعاد الديمقراطية
للمفهوم من حيث تدعيم المشاركة ،وتفعيل المجتمع المدني [[[ ،وكل ما
يجعل الدولة ممثلا ً شرعياً لمواطنيها.
إن مفهوم الحوكمة يبشر بنظام حكم وأسلوب لصنع السياسة ويتميز
بعدة أمور أساسية ،أهمها درجة كبيرة من احترام سيادة القانون ،والشفافية
في صنع القرار ،وتشجيع المشاركة في الحياة العامة ،ويمكن القول أن
هذا المفهوم أخذ بعدين متوازيين :أولهما فكر البنك الدولي الذي يتبنى
الجوانب الإدارية والإقتصادية للمفهوم ،أما البعد الثاني فيؤكد على الجانب
السياسي للمفهوم ،حيث يشمل –بجانب الإهتمام بالإصلاح والكفاءة
الإدارية– التركيز على منظومة القيم الديمقراطية بما تشتمل عليه من
1خليل حسين ،مرجع سابق ،ص 14
2المجتمع المدني ( ،)Civil Societyيشير إلى الساحة الجماعية الإختيارية لمجموعة تربطها اهتمامات وقيم وأهداف
مشتركة ،وضمن صيغ مؤسسية مختلفة عن تلك الرسمية والحكومية أو الإقتصادية أو العائلية ،ومن أشهر التنظيمات
المدنية هي :المؤسسات الخيرية ،التجمعات التطوعية ،المنظمات النسائية ،المنظمات الدينية ،النقابات المهنية،
اتحادات العمال ،الحركات الإجتماعية والتطوعية ،اتحادات الأعمال والتجارة ،جماعات الضغط ،المصدرGita Welch and:
Zahra Nura (Lead Editors),» Governance for the future-Democracy and Development in the least Developed
Countries» , United Nations Development Programme (UNDP) & UN Representative for the least Developed
.)175 .p ,2006( ,Countries & the Small Island Developing State
مقدمـة إلى الحوكمـة 10
بنظــرة عربـيــة 2018
هناك مفاهيم الشفافية ،وحقوق الإنسان ،والمجتمع المدني[[[.
مدرستان
لمفهوم وهناك مدرستان لمفهوم الحوكمة ،الأولى ترى أنه يعبر عن شكل سياسي
الحوكمة لنظام الحكم وأسلوب صنع السياسة بما ينصرف إلى القواعد المألوفة
للديمقراطية ،مثل سيادة القانون ،والتعددية السياسية والإجتماعية
والتسامح والتعبير الحر ،والحريات وحقوق المواطنة ،وبالتالي فهو الأقرب
إلى الصياغة الحديثة لمبادئ مستقرة.
أما الثانية فتعتبر المفهوم عنواناً لمنظومة أساليب وخطوات الإصلاح
السياسي والإجتماعي ككل ،مثل اعتماد آليات المحاسبة في مواجهة
السلطات العامة ،والمطالبة بتوفير مظاهر الشفافية في مؤسسات صنع
القرار ،وتقديم نوعية الحكم من زاوية الإلتزام بسيادة القانون ،وقدرته على
تعزيز فرص المشاركة ،واحترام حقوق الإنسان ومكافحة الفساد ،فهذه
المدرسة ترى مفهوم الحوكمة بشيراً ومؤشراً للإنتقال من التعامل النظري
إلى التفكير العملي الذرائعي ،وتحديد مؤشرات قابلة للقياس لتقويم حالة
الحكم وصنع السياسة ،لا سيما في الدول التي تشهد عمليات إصلاح
اقتصادي وسياسي[[[.
وعلى الرغم من أن مفهوم الحوكمة يعكس تحولات واقعية ونظرية ،الا ّ
أنه ينطوي على العديد من الإشكاليات ،بدءاً بمعضلة اختلاف تعريفات
مفاهيم العلوم الإجتماعية للمفهوم بشكل عام ومروراً بمشكلة الترجمة،
والى التعقيد والإبهام الذي يكتنف هذا المفهوم ،وشمولية المفهوم وإمكانية
تناوله لكافة جوانب الحياة ،فضلا ً على أنه يشكل حالة من «الإتوبيا»،
وأصبح شكلا ً من أشكال الموضة الإصطلاحية أو حتى ضرب من السياحة
الفكرية عند الحديث عن الحوكمة الرشيدة ودورها في التنمية [[[.
كما ويرى بيار كلام[[[ بأن الديمقراطية التمثيلية كنموذج مهيمن لم يعد
يكفي في ظل إنكفاء المواطنين عن الرغبة بالتصويت ،وبالتالي في عدم
تمكن الدولة وممثليها المنتخبين في المجالس المتعددة من تمثيل
3سلوى شعراوي جمعة« ،مفهوم إدارة شؤون الدولة والمجتمع :إشكاليات نظرية» ،القاهرة ،مركز دراسات واستشارات
الإدارة العامة ،2001 ( ،ص )3
4علي الصاوي« ،الصياغة التشريعية للحكم الجيد» ،ورقة خلفية ضمن برنامج إدارة الحكم في الدول العربية (Program
، 2003( ،)on Governance in the Arab Region-POGARص .)3
)5.P ,2003( ,Philippe Moreau Defarages, « Que sais-je? La Gouvernance », Université de France 7
6بيار كلام « ،تف ّتت الديمقراطية من أجل ثورة في الحاكمية» ،ترجمة :شوقي الدويهي ،دار الفارابي ،2003( ،ص ،)10-12-14
)( 2003 ,PIERRE CALAME, La Démocratie En Miettes – pour une révolution de la gouvernance.
مقدمـة إلى الحوكمـة 11
بنظـــرة عربـيــة 2018
مصالح الجميع ،فضلا ً عن الشكوك التي ُتغلِّف الدولة الحديثة على الرغم
بكل ما تزينت به من فضائل الإ أنها أصبحت متهمة بكل ضروب الشرور،
وبأن هذا كله شكل تربة خصبة لنمو ما يسمى «الثورة النيو -ليبرالية»
وتقويض الدولة لصالح هيئات اصغر حجماً – حركة اللامركزية -أو هيئات
ا كبر تماشياً مع المعاهدات الدولية وسيطرة ظاهرة العولمة .ويضيف
«بيار كلام» بان هذه الثورة تتضمن مرحلتين متتاليتين الإولى :بالإنتقال
من فكرة «الإدارة العامة» أو الدولة إلى فكرة الحوكمة ،والثانية :تنطلق من
واقع أن الحوكمة حالياً لا تتوافق مع حاجات المجتمع الراهنة.
الحوكمة كما و ُيذكَر بأن الحوكمة كمصطلح تواجه إشكالية في الترجمة إلى اللغة
كمصطلح العربية ،وهي نابعة من اختلاف فقهاء اللغة حول كلمة واحدة مرادفة
تواجه إشكالية للمصطلح سواء المترجم من الإنجليزية “ ”Governanceأو من الفرنسية
في الترجمة إلى العربية “ .”Gouvernanceفقد وقع ،على سبيل المثالَ ،م ْج َمع اللغة
إلى اللغة العربية في مصر اختياره على كلمة «حوكمة» ،فيما وقع اختيار مجمع
العربية اللغة العربية في الإردن على كلمة «حاكمية»[[[.
كما ويشار إلى تراجم أخرى وهي :الحكم أو أسلوب الحكم ،أو ترجمة
يراها خليل حسين[[[ ،بأنها الإفضل للمصطلح وهي « إدارة شؤون الدولة
والمجتمع» ،والتي تبنتها عدد من المرا كز البحثية ،لأنه يعكس في محتواه
المعنى الأساسي للكلمة التي تدل على العلاقة بين طرفي المعادلة ،وهما
الدولة من جانب والمجتمع من جانب آخر.
وبأن الحاكمية والتي تبنتها الأمم المتحدة في ترجمة المصطلح للعربية،
لا تتفق والمقصود بها في اللغة العربية ،وتعطي دلالات معرفية وفلسفية
لسياسة أو توجه ما ،وكذلك صبغة دينية وتاريخية ،وما تشكله بالتالي هذه
الترجمة من صعوبة فهم المقصود من المصطلح الأصلي أمام أي شخص.
وعلى الرغم مما سبق ،فقد ارتأينا التعريف بالتراجم ،وإختيار ما نعتقد أنه
الأنسب وهي ترجمة المصطلح «بالحوكمة» ،معللين ذلك بسهولة وشيوع هذه
الترجمة ،وعدم اختيارنا لكلمة «حاكمية» والتي يلاحظ ارتباطها أ كثر بحاكمية
الشركات « »Corporate Governanceوهي عملية الإشراف والمراقبة للتأكد
من أن إدارة الشركة أو الهيئات التنفيذية تتصرف وفق مصلحة المساهمين،
7منتدى حاكميه الشركات في الإردن ،دار سندباد للنشر 22 ( ،شباط ،2005ص .)140
8خليل حسين ،مرجع سابق ،ص.17
مقدمـة إلى الحوكمـة 12
بنظــرة عربـيــة 2018
وإلى علاقة الشركات بمجالس إدارتها والهيئات التنفيذية والمساهمين [[[.
هذا ،وقد ظهر مفهوم الحوكمة نهاية الثمانينات وبداية التسعينات وبشكل
أساس لدى مفردات البنك الدولي « ،»World Bankوبهدف معرفة كيف
تؤثر الحوكمة الجيدة على الأداء الإقتصادي ،وقد حدد البنك الدولي المفهوم
بأنه[ « : [[1الطريقة التي تمارس بها السلطة في إدارة الموارد الإقتصادية
والمجتمعية لبلد ما من أجل تنميته ،ورسم الإبعاد الرئيسة للحوكمة
وهي :إدارة القطاع الحكومي ،المساءلة ،الإطار القانوني للتنمية ،الشفافية،
وحرية الوصول إلى المعلومات» [.[[1
أما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ( )UNDPفيعرف الحوكمة بأنها:
«ممارسة السلطة الإقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون الدولة تعريفات
على كافة المستويات .كما وتعتبر الحوكمة الجيدة حالة تعكس تقدم الإدارة
المنظمات وتطويرها أيضاً من إدارة تقليدية إلى إدارة تتجاوب مع متطلبات المواطنين
الدولية لمفهوم
وتستخدم الآليات والعمليات المناسبة لتحقيق الأهداف المرجوة من الحوكمة
المشاريع بشفافية ومسؤولية أمام المواطنين[.»[[1
كما وهناك إهتمامات محددة تتبناها منظمات الأمم المتحدة ،حيث ترى
المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة( (�UN High Commis
)sioner for human Rightsبأن الإمتحان الحقيقي للحوكمة هو في مستوى
قدرتها على تحقيق حاجات حقوق الإنسان الإساسية المتعارف عليها[.[[1
أما تعريف المفوضية الإوروبية للحوكمة فهو « :الإدارة الشفافة والمع َّرضة
للمساءلة حول كافة موارد الدولة والتي تهدف إلى الوصول لإقتصاد مستدام
وتنمية اجتماعية ،ومن خلال ستة عناصر :حقوق الإنسان ،ال َدمق َرطة
9ـ مرجع سابق ،ص 175Gita Welch and Zahra Nura
(22.p ,1992) ,World Bank, governance and development Washington DC 10
11حرية المعلومات ( ،)Access to Informationتشير مراجع الأمم المتحدةـ مرجع سابقGita Welch and Zahra Nura ،
،ص ،174بأن المسألة مرتبطة ليس فقط بتعزيز وحماية الوصول إلى المعلومات بل أيضاً بالتساوي مع تعزيز وحماية
التواصل فيها أو استخدامها ليعبر ك ًل عن صوته ورأيه وعلى كافة المستويات (المجتمع المحلي ،المستوى الوطني،
والإقليمي ،والعالمي) .كما وير ى ، ,Munyeme Hasanفي مقال « “ �Right to Information-a powerful Social Account
، ability toolبأن الحق في الوصول إلى المعلومات أصبح من الحقوق الإساسية لحقوق الإنسان ،والتي تجعل من المواطن
مشارك نشط في فلسفة وتطبيقات الحوكمة ،من خلال معرفة مصير الضرائب التي يدفعها ،كما وتمكنه المعرفة
والمعلومات من تحسس مواطن الفساد ،وحالإت اساءة استخدام السلطة ،وسوء الإدارة في الإجهزة الرسمية.
1997 ,7 .UNDP Policy Document, Governance for Sustainable Development, Op.cit. p 12
13مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان يرمز لها اختصارا ب UNHCH:وهي وكالة دولية تابعة
لمنظمة الأمم المتحدة تهدف للترويج وحماية حقوق الإنسان بحسب ما ورد في الإتفاقيات والمواثيق الدولية التي نص
عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العام .1948
مقدمـة إلى الحوكمـة 13
بنظـــرة عربـيــة 2018
(التحول إلى الديمقراطية) ،سيادة القانون ،تعزيز المجتمع المدني وإصلاحات الإدارة العامة -
بما فيها اللامركزية الإدارية.[[1[ » -
وهناك تعريف من قبل صندوق النقد الدولي ([[1[ )IMFبأن « :الحوكمة تحيط بكل مظاهر
طريقة حكم الدولة ،بما في ذلك السياسات الإقتصادية والإطار التنظيمي لها».
كما ويجدر ذكر كذلك تعريف منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية (« :[[1[)OECDبأن
الحوكمة هي استخدام السلطة السياسية وممارسة الرقابة في المجتمع بالعلاقة مع إدارة
الدولة لمصادرها من أجل تحقيق التنمية الإجتماعية والإقتصادية».
وفي سياق التعريف بالمفهوم ،فيؤكد زهير الكايد «بأن ابسط وصف لفهم الحكمانية هو
أن الإهتمام والعناية بالإمور العامة هي ليست حكراً على الحكومة ،وبأن الحكمانية فكر ًة
وإصطلاحا شاع استخدامها بشكل واسع مع بداية التسعينات من قبل المنظمات الدولية
كمنهجية لتحقيق التنمية المجتمعية في الدول النامية نتيج ًة لقصور الإدارات الحكومية عن
تحقيق ذلك بفعالية وكفاية كافيتين ،وبأن الفاعلين الرئيسين الذين تتحدث عنهم تعريفات
الحوكمة هم الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني بما يسمى بمنظومة الحوكمة»[.[[1
ومنذ ظهور تعريف البنك الدولي لم تتوقف الإدبيات والتنظيمات المختصة والمفكرين في
محاولة تحسين أو تجويد التعريف ليصبح أ كثر شمولا ً وأ كثر تحديداً .كما أن العديد من
الدول المتقدمة قدمت تعريفات للمفهوم وفي نفس المنهج والإطار العام للمفهوم ،وبهدف
تحديد علاقات برامجها الخاصة بالمساعدات ولأغراض سياسية واقتصادية متنوعة [.[[1
لذا ،فقد حظي المفهوم وتطبيقاته باهتمام كبير من قبل العلماء والباحثين والمسؤولين
والمخططين في المجتمع .وبالمحصلة فإن الحوكمة ليست بالمفهوم الجديد بالمطلق ،وإنما
بمثابة منتج قديم وضع في قالب جديد ،وبأنها تشكل محط اهتمام الباحثين والمشاركين منذ
عهد المفكر اليوناني أرسطو[ [[1إلى يومنا هذا ،وذلك لما لهذا الموضوع من أهمية بالغة ،وتأثير
واضح على كيان المجتمع من النواحي التنموية والإجتماعية والسياسية والثقافية ،فضلا ًعلى
(17:p ;2003 )European Commission, Draft EC Good Governance Manual, version created 14
15صندوق النقد الدولي هو أول من قدم مفهوم الحوكمة الجيدة.
16منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية ،منظمة دولية ،نشأت عام ،1948وتضم مجموعة من البلدان المتقدمة ودول غير أوروبية.
17زهير الكايد ،الحكمانية «قضايا وتطبيقات» ،عمان \ الإردن ،2003 ،ص ، 1وهو رئيس الفريق الإستشاري الذي نهض بمشروع التقييم المؤسسي
للهيئة العامة للتخطيط والتطوير العمراني وحصل على جائزة الأمم المتحدة للخدمة العامة لعام 2008لتميزه في مجال (الحكمانية) عن الإعوام – 2005
2008ونجاحه في الشراكة مع القطاعات المختلفة وإسهامه في التنمية الإقتصادية والإجتماعية وفق معايير الشفافية والمساءلة وإدارة التحول.
18ومنها أستراليا ،النمسا ،كندا ،الدنمارك ،فنلندا ،ألمانيا ،أيرلندا ،هولندا ،السويد ،سويسرا ،المملكة المتحدة ،الولايات المتحدة الإمريكية
(برنامج المساعدات .)USAID-يضاف إلى ذلك العديد من الدراسات والإطروحات ومراكز الحوكمة المنتشرة في دول العالم.
19أرسطو أو أرسطاطاليس ( 384ق م 322 -ق م) فيلسوف إغريقي ،تلميذ أفلاطون ومعلم الإسكندر الإكبر وكتب في العديد من المواضيع بما في ذلك
علوم الفيزياء والميتافيزيقا ،الشعر ،المسرح ،الموسيقى ،والمنطق والبلاغة والسياسة والحكومة ،والإخلاق ،والبيولوجيا ،وعلم الحيوان.
مقدمـة إلى الحوكمـة 14
بنظــرة عربـيــة 2018
أن المسائل الكبرى للحوكمة هي مسائل أزلية ومرتبطة بتأمين العيش
معاً في سلام داخلي وخارجي ومستدام لملايين النساء والرجال الذين
يتقاسمون حيزاً مكانياً واحداً ،وتأمين التوازن بين المجتمعات الإنسانية
وبيئتها ،وإدارة الموارد الطبيعية على المدى الطويل كونها موارد قليلة
وسريعة العطب ،وتأمين الإستقلالية وحرية التفكير للأشخاص ونشاطاتهم
مع المحافظة على العدالة الإجتماعية ،والتماسك ،والمصلحة المشتركة،
وتوفير أ كبر قدر من فرص الإنطلاق لكل شخص ،ولكامل الجماعة ،والسماح
لتطور العلوم والتقنيات دون الإنجرار وراء إغراء قوتها ،وتأمين شروط الحياة
اللائقة للجميع ،والإعتراف بالتنوع وغنى الثقافات والتقاليد ،والتأقلم مع
تطورات العالم ،والمحافظة على الهوية في نفس الوقت[.[[2
كل ما سبق يعطي مفهوم الحوكمة مدلولا ً إيجابياً ،وبأن الحوكمة إرتبطت
بمفاهيم إدارة الموارد المالية الحكومية ،ولكن دون وجود فاصل واضح
بين الحوكمة والحوكمة الإفضل أو الجيدة أو الرشيدة.
سبب عدم كما و ُير َّجح بأن سبب عدم التفريق بين الحوكمة والحوكمة الجيدة نابع
التفريق بين من تشعب المفهوم ،وحتى في القصور أحياناً في التفريق بين واقع علاقة
الدولة بمجتمعها وبين سبل تجويد وتحسين هذا الواقع ليكون أ كثر
الحوكمة رشدانية وتَ ُّميز ،وكذلك في مدى التوافق مع الحوكمة العالمية ومتطلباتها
والحوكمة
الجيدة نابع دون المساس بالخصوصية المجتمعية.
من تشعب ومن الصعب بمكان مناقشة الحوكمة الجيدة بمعزل عن فهم علاقات القوى
المفهوم ودور القيادات الوطنية ،والتي لها دور حاسم في تعزيز التغيير والنمو[.[[2
ومن هنا ،فان التزام الدول النامية بتطبيق منهجية الحكمانية الجيدة أمراً
في غاية الإهمية ،لما ينطوي عليه ذلك من تكامل الأدوار الحكومية والقطاع
الخاص ومؤسسات المجتمع المدني ،ومن خلال المشاركة والتشارك
لإعادة رسم الأدوار لك ٍل منها ،ليتسنى تحقيق التنمية المجتمعية ذات
الكفاية والفعالية والإستجابة للمواطنين وطموحاتهم ،وفق ما ترتكز عليه
الحكمانية الجيدة من مميزات تعكس الشفافية والمساءلة والتشارك في
تحمل المسؤولية ،والمشاركة في رسم السياسات ،وتعزيز دولة القانون
,Pierre Calame 20مرجع سابق 20-19 p
, , Gita Welch and Zahra Nura 21مرجع سابق.25 .p
مقدمـة إلى الحوكمـة 15
بنظـــرة عربـيــة 2018
واللامركزية لتقريب صنع القرار من المواطنين ،ضمن ميزات أخرى»[.[[2
وفي نفس إطار الحوكمة الرشيدة ،فتستند العديد من المؤسسات الدولية
المانحة في منحها للقروض بناءاُ على مستوى الحوكمة الرشيدة وعناصرها
لتلك الدولة ،وبالتالي تسعى الحوكمة الرشيدة إلى التأكد بأن مستوى
الفساد بكافة أنواعه في حده الأدنى ،وأن أصوات الأقليات والمهمشين
مسموعة ،وبأن هناك تلبية لحاضر ومستقبل المجتمع.
كما وأعتمدت الأمم المتحدة ثمانية عناصر رئيسة للحوكمة الرشيدة
وهي :المشاركة ،سيادة القانون ،الشفافية ،الإستجابة ،التوافق والإجماع،
المساواة والإندماج ،الكفاءة والفعالية ،والمساءلة[ .[[2ويجدر ذكره أن
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد أضاف لاحقاً صفة تاسعة [ [[2للحوكمة
الجيدة وهي الرؤية الإستراتيجية“. ”Strategic Vision
كل ما سبق يدلل على أن إهتمام الحكومات وفئات المجتمع قد زاد وتعمق
بالحوكمة ودورها في التنمية على المستوى المحلي أو ما يسمى بالحوكمة
المحلية .وفي موازاة ذلك ،فإن الحوكمة كمفهوم وعناصر مصاحبه له،
أفرزتها عدد من المنظمات الدولية منذ ثلاثة عقود ،وما زالت تسعى لتطوير
وملائمة هذا المفهوم مع متطلباتها ،من ناحية ،ومع حاجات أو حتى أحياناً
إعتراضات إدارات الدول النامية على متطلبات المنظمات الدولية للحوكمة
التي أصبحت شروط عليها وليست فقط كنوايا جيدة من هذه المنظمات
الدولية لتطوير إدارات الدول النامية مع مجتمعها من ناحية أخرى.
الحوكمة ويلاحظ من الدراسات المتعلقة بالحوكمة تنوعاً مفرطاً في التعابير
الديمقراطية المصاحبة للحوكمة ،وأهمها ما يسمى بالحوكمة الديمقراطية والتي تختلف
والتي تختلف عن الحوكمة الجيدة كما ذكر عادل عبد اللطيف[ [[2بأن مركز و ُّجل اهتمام
عن الحوكمة الحوكمة الديمقراطية هو الحرية السياسية ،وحقوق الإنسان ،وإزالة كافة
أشكال العنصرية ،والتي تؤدي بالنهاية مجتمع ًة إلى الحوكمة الرشيدة،
الجيدة
22زهير الكايد ،الحكمانية «قضايا وتطبيقات» ،عمان \ الإردن ،2003المنظمة العربية للعلوم الإدارية ،ص ،1كما ويضيف
بأن تعبير وفكرة الحكمانية الجيدة قد تم استخدامها للتعبير عن أهمية وضرورة الإنتقال بفكرة الإدارة الحكومية
والحكمانية من الحالة التقليدية إلى الحالة الإكثر تفاعلا ً وتكاملا ً بين الإركان والعناصر الرئيسية الم َّشكلة للحكمانية
والتي تتكون بشكل أساسي من :الإدارة العامة للقطاع العام ،إدارة القطاع الخاص بفعاليته المختلفة ،إدارة مؤسسات
المجتمع المدني العديدة في المجتمع.
23الأمم المتحدة تعتمد ثمانية عناصر رئيسة للحوكمة الرشيدة ،لطفا انظر الملحق( ، )1ص 341
24تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»:الحاكمية للتنمية البشرية المستدامة» ،1997 ( ،ص )22
25ص ،٧عادل عبداللطيف ،ندوة «الحاكمية الرشيدة وعلاقتها بالديمقراطية والتنمية الإقتصادية») 2003 (،
مقدمـة إلى الحوكمـة 16
بنظــرة عربـيــة 2018
وفي حين يتفق مفهوم الحوكمة الرشيدة مع الحوكمة الديمقراطية بأهمية
الحريات إلى أنه يراها كأحد العناصر والوسائل ،وليس كنهاية ،للوصول إلى
الحوكمة الجيدة وبالتالي للتنمية البشرية والتنمية المجتمعية بكافة مجالإتها.
عكس مفهوم ويشار إلى أن عكس مفهوم الحوكمة الرشيدة أو الجيدة هو الحوكمة
الحوكمة السيئة أو الناقصة “ ”Bad Governanceلإدارة الدول ،والتي يرى العديد
الجيدة هو من المختصين وخاصة من المنظمات الدولية بأنها تؤدي إلى اتجاهات
الحوكمة سلبية وقد تضر بالإنسان والمجتمع ،أو تجعله ظاهرة لا يستطيع التحكم
السيئة في مصيرها ونتائجها ،ومن هنا تظهر الحاجة أيضاً إلى التخطيط الجيد لإدارة
وقيادة التغيير المنشود نحو الحوكمة الرشيدة والجيدة لأن ذلك ضرورة
“”Bad Govenance حتمية يفرضها ال ّت َغ ُّير السياسي والإجتماعي والإقتصادي في أي مجتمع.
الحوكمة وكنتيجة ،فأن الحوكمة الرشيدة هي الثورة الجديدة التي ستطال كافة
الرشيدة
هي الثورة المجتمعات ،وكذلك العلاقات الدولية ،وكأنها نظام عالمي جديد وبديل
الجديدة التي لفكر الديمقراطية كأفضل ما وصلت إليه البشرية[ .[[2و ُهنا لا يستبعد في
ستطال كافة هذا الجدل حول الحوكمة بأن يمتد استخدامها لتشمل حياة الفرد وعلاقاته
المجتمعات مع عائلته وقبيلته ومجتمعه وكل محيطة ،وبحيث تدخل في أدبيات
علوم اجتماعية متخصصة ،مثل مباحث علم النفس ،وغيرها من العلوم
الإجتماعية المختلفة .وما يعوق ذلك الإن هو ربما لغموض المفهوم أو بما
هو المقصود من الحوكمة والفرق بينها وبين الحاكمية أو الحكم الرشيد،
ليس لقصور المتلقين له والمتأثرين به ،من ناحية ،بل لتشعب المفهوم
وكثرة تفسيراته كما تم ذكره مسبقاً.
وعلى الرغم من ذلك ،فهناك مصطلحات واجهت مصاعب في بداياتها متعلقة
بالإيدولوجيا والفهم والفكر ،بداي ًة بالديمقراطية ،وآخرى مثل «البلوريتاريا»
و»الإلوجاركية» ،و»البروسترويكا» ،وغيرها مما أنتجته الحضارة الشرقية
والغربية الحديثة ،الإ أنها وجدت ضالتها ،وأصبحت أ كثر تداولا ً وشيوعاً
وفهماً فيما بعد ،وبحسب قوة المفهوم ومدى القناعة والإقتناع به ،وحاجة
الدولة والمجتمع له لما فيه خيرهم وصلاحهم مجتمعين.
26بيار كلام مرجع سابق ،ص 19
مقدمـة إلى الحوكمـة 17
بنظـــرة عربـيــة 2018
كونية مبادئ -2اشكالية المصطلح :
الحوكمة
إن الحوكمة الرشيدة هي الحالة المثالية التي لم يتمكن البشر من الوصول
والخصوصية
في التطبيق؟ إليها بالمطلق رغم كل ما وصلهم من تعاليم سماوية وأفكار وضعية.
واستطاعت ،في نفس الوقت ،دول معينة أن تتقدم على دول أخرى في هذا
المجال ،كما وهناك إشكالية في كونية المبادئ والخصوصية في التطبيق،
حيث يصعب استيراد أفكار مهما كانت جيدة وتطبيقها للإختلاف الواضح
في الخصوصيات والمكونات المادية والمعنوية للمجتمعات ،ولكن لا بد
هنا من إقتناع وإصرار الدول مع شعوبها انه يمكنها بالحوكمة الرشيدة أن
تجعل من الهدف حقيقة.
ول ّما كانت الحوكمة مرتبطة بعملية اتخاذ القرارات فإن الحكومة أ ٍي
كانت هي لاع ٌب أساس ورئيسي في إعداد وتنفيذ ومراقبة القرارات ،في
حين يتنوع دور اللاعبين الإخرين حسب مستوى الحكومة وقراراها ،حيث
يزداد تعقيد القرار ونوعية اللاعبين في المناطق المدنية والعواصم عنه في
المناطق الريفية والبوادي على سبيل المثال لا الحصر.
ولا تنفصل الحوكمة عن المفاهيم المرادفة والمرتبطة به ،أو أنها تنكفئ عن
استخدام ما يتاح لها من أدوات الفكر الإجتماعي والإقتصادي والإداري المتاحة،
وخاصة بالنسبة لمفاهيم ال َت َغ ُّير الإجتماعي ،والتي ينطلق منها ضرورة البحث
وإهتمامات الحوكمة بالمجمل ،فالت ّغ ُير هو قانون الوجود ،وهو في ذاته ظاهرة
طبيعية تخضع لها جميع مظاهر وشؤون الحياة ،كما ُت ًّعرِفه دلال إستيتية [ [[2بأن
ال َت َغ ُّير الإجتماعي« :هو كل تحول يحدث في النظم والأنساق والأجهزة الإجتماعية،
سواء كان ذلك في البناء أو الوظيفة وخلال فترة زمنية محددة».
ينطلق مفهوم وينطلق مفهوم «الحوكمة الرشيدة» من مفهوم التنمية في كافة المجالات
الحوكمة
من أجل نقل المجتمع من حالة راهنة وواقع معين إلى حالة أسمى وأرفع،
الرشيدة من ومن فكر الإصلاح الذي يسعى لتطوير المجتمع وتحديثه وملائمته
مفهوم التنمية مع متطلبات القبول الداخلي والخارجي ،و ُتح ِّدد فيه مستوى العلاقات
بين الحكومات والقطاع الخاص (الأسواق والشركات الصغرى والكبرى
في كافة والمتعددة الجنسيات) وبين الحكومات والمواطنين ،وبين الحكومات
المجالات والمجتمع الدولي ،وبين الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي
27دلال إستيتية ،التغير الإجتماعي والثقافي ،دار وائل للنشر ،ع ّمان ،الإردن ، 2003 (،ص) 19
مقدمـة إلى الحوكمـة 18
بنظــرة عربـيــة 2018
(الإحزاب والنقابات المهنية والمنظمات الحقوقية والأهلية وغيرها من
مكونات المجتمع الغير حكومي ،)Non-State Actor /وبين الإشخاص
المعينين والأشخاص المنتخبين ،وبين المؤسسات المحلية والمستفيدين
منها في المناطق الريفية والمدنية ،وبين المؤسسات التشريعية والتنفيذية،
وبين المؤسسات الوطنية ونظيراتها غير الوطنية.
الحوكمة ونظراً للتشارك بين مسألة تحديد هذا الموضوع وعرض أهميته وأهدافه،
بين طرفي فأنه ينتقل إلى التعريف بأهميته من واقع المفهوم ،ومن ناحية إهتمامنا
الحكم :الدولة به كحل جديد للمشاكل الناشئة بين طرفي الحكم :الدولة والمجتمع ،ومن
والمجتمع
الجانبيين :الأهمية النظرية ،والأهمية التطبيقية.
كما ان مسألة التنمية والتطوير والإصلاح والتغيير وتفعيل المشاركة وكل
عناصر الحوكمة الرشيدة لهي جزء لا يتجزأ من الفكر العالمي الليبرالي
والعصري والمقبول لحاجات المجتمعات الواعية والطموحة ،وكذلك في
مبررات وجود الدولة كمنظم لحياة البشر وممتلكاتهم وواجباتهم وحقوقهم،
وبالعمل مع الفاعلين أو الشركاء في المجتمع.
لذا ،فإن كل ما ينبثق عن الدولة من حكومات يجب أن تهدف إلى تأمين الحد
الأدنى من العيش الكريم لأبنائها وتقديم الخدمات الضرورية لمواطنيها،
وبالتفاعل مع شركائها في المجتمع دون إحتكار للسياسيات العامة التي
يتأثر بها كافة مكونات المجتمع.
هناك تخوف وبأهمية الكشف عن مضامين الوعي التنموي والإصلاحي بصورة متقابلة
مستمر للدول تجمع بين صانعي القرار وبين التكوينات القائمة سواء في مستواها
الصغرى من المجتمعي أو المؤسساتي ،وبما يساعد على الكشف عن مدى الإلتزام
بالمصلحة العامة ،وكذلك بالنسبة إلى مستويات الإغتراب التي قد تتشكل
بفعل التمحور حول المصالح الخاصة.
وضمن إشكاليات المفهوم ،فهناك تخوف مستمر للدول الصغرى من المصطلحات
المصطلحات التي ت ُسوقها الدول الكبرى والتي ترى فيها مدخلا ً للتدخل التي ت ُسوقها
بسياساتها ،لا سيما النامية منها ،وعلى أنها شكل من أشكال الإستعمار الدول الكبرى
التنموي ( )colonisation développementفي عصر العولمة ،والعلاقات والتي ترى فيها
مدخلاً للتدخل
الإقتصادية الجديدة بهدف السيطرة السياسية [.[[2
بسياساتها
,Mostafa Kharoufi, «Gouvernance et Sociétés Civiles- Les Mutations Urbaines au Maghreb», Afrique Orient 28
(.186 .P ,)2000
مقدمـة إلى الحوكمـة 19
بنظـــرة عربـيــة 2018
كما أن الغرب نفسه يرى اختلاف جوهري بينه وبين شعوب العالم،
ونقتبس هنا للكاتب الأمريكي صاحب نظرية «صدام الحضارات»[،[[2
حيث يقول « :بأن شعوب العالم غير الغربية لا يمكن أن لها أن تدخل في
النسيج الحضاري للغرب ،حتى وان إستهلكت البضائع الغربية وإهتمت
بالأفلام والموسيقى الغربية ،فروح أي حضارة هي اللغة والدين والقيم
والعادات والتقاليد»[.[[3
ويرى البعض أن التدخل في الدول النامية ليس بالضرورة أن يكون ذلك
بشكل مباشر ،بقدر ما يكون من خلال البرامج الخيرة للمنظمات الدولية
مثل البنك الدولي ،والأمم المتحدة وبرامجها المتصلة بالموضوع ،وخاصة
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ،وبعض مؤسسات المجتمع المدني ذات
الصلة ،والتي تحكمها وتمولها بالإساس الدول العظمى وبالتالي تستطيع
اذا رغبت توظيفها طبقاً لمصالحها ،وضمن أُطر ومصطلحات مثل مفهومنا
هنا بالحوكمة.
ينظر البعض لذا ،فيمكن أن ينظر البعض لهذا المفهوم على أنه سياسي بإمتياز ،خلافاً
لمفهوم للظاهر بأنه مرتبط بمصطلحات التنمية ،و ُمو َجه لتفعيل المشاركة بين
الحوكمة على الدولة وكافة فئات المجتمع،
أنه سياسي
وذلك من خلال إضعاف الدولة المركزية وجعل وظائفها تدور في فلك
بإمتياز مصالح الإقتصاد الليبرالي العالمي[.[[3
-3الحوكمة الرشيدة والعلوم الإجتماعية
الحقيقة أن عملية البحث في المعضلات الإجتماعية عملية صعبة
ومحفوفة بالمخاطر ويكتنفها جوانب من التعقيد والغموض البحثي ،ولا
يمكن فيها التوصل إلى يقي ٍن كامل .لذا ،فإن ذلك ُيص ّعب المسألة على
غير المختصين لصعوبة الإلمام بكافة النظريات والدراسات والمقاربات
المتصلة بجزئيات العلوم الإجتماعية ،وعليه سيتناول هذا الكتاب ما
29ظهرت النظرية في مقال للكاتب الأمريكي صموئيل ب .هنتنغتون عام ،1992بأن المصدر الرئيسي للصراع بعد الحرب
الباردة سيكون بسبب ال ُش َعب الثقافية والدينية الهويات ،وتوسعت لاحقا لأطروحة هنتنغتون في التاريخ كتاب 1996
وصدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي.
,1996 .Nov./Oct( ,75 .Samuel P. Huntington , « The West: Unique, Not Universal», Foreign Affairs No 30
.)28.p
31تقوم فكرة الليبرالية الإقتصادية على منع الدولة من تولي وظائف صناعية أو تجارية ،وأنها لا يحق لها التدخل في
العلاقات الإقتصادية التي تقوم بين الإفراد والطبقات أو الإمم ،ويعد الإقتصادي (آدم سميث) ـ 1790 -1723ـ هو ال ُمن ّظر
لهذه النظرية الليبرالية الإقتصادية.
مقدمـة إلى الحوكمـة 20
بنظــرة عربـيــة 2018
يخصه بالنسبة لعلاقة المجتمع بفرده ونُ ِظ ِمه ،وبما يفيد في فهم تأثير ذلك
لتحقيق مزيد من الحوكمة الجيدة والمفيدة لطرفي المعادلة الحوكمية.
وبفرضية ان العلوم الإجتماعية تتضافر لفهم ظاهرة ما ،وترتبط ببعضها الحوكمة جزء
البعض بمسافات مختلفة ،حيث ترتبط وتتشابك التحديات السياسية من العلوم
الإجتماعية والإقتصادية والإدارية معا ،فالنسبة إلى علم الإجتماع فيهتم الإجتماعية
بدراسة كافة جوانب المجتمع ،بينما علم السياسة ُيكَّرِس معظم إهتماماته التي تتضافر
لدراسة القوة المتجسدة في التنظيمات الرسمية ،وكذلك الحال بالنسبة لفهم ظاهرة ما
وترتبط لتشابك وتداخل التحديات الإقتصادية من خلال إمتحان القدرة على إدارة
ببعضها البعض الموارد البشرية والطبيعية.
بمسافات
كما تتصل الحوكمة بالثقافة والتي هي أصلا مفهوم واسع ،وترتبط الحوكمة مختلفة
بسكيولوجيات الفرد والمجتمعات .وكذلك الأمر مع الإيكولوجية (البيئية)
والإقتصادية ،ومع الإدارة كعلم من العلوم الإنسانية والذي يدور محور
موضوعها الرئيسي حول الإنسان ،بإعتبار أن العنصر البشري في الإدارة هو
عنصر الحسم مهما تقدمت وسائل التكنولوجيا المختلفة .وعلية ،فالعلوم
تنفذ كلها منها وإليها مهما إختلفت غايتها وتباينت الإولويات فيها ،ويصب
كل ذلك في الحوكمة أو ما يمكن أن نسميه بمنظومة الحوكمة.
حوكمة حوكمة السياسة :وإن عناصر القوة وعناصر الضعف هي حالة طبيعية
السياسة ! تعيشها المجتمعات في كافة جوانبها الحياتية ،وكون السياسة هي فن
تحقيق الممكن في إطار الإمكانات المتاحة ،وأنه لا يمكن احتواءها في اطار
ضيق كونها من العلوم الإجتماعية التي تتطلب وعياً وإدراك[ ،[[3وأصبحت
شأناً يخص المجتمع ويؤثر فيه وتدور حول السياسات الفعلية والمطبقة.
حوكمة التاريخ :وإن حوكمة التاريخ -إذا جاز التعبير -من العناصر حوكمة
الهامة لفهم سياسات الدول والحكومات والتفاعلات المختلفة بين أفراد التاريخ !
المجتمع ومرا كز القوى فيه ،بما فيها فرضية أن التاريخ ليس حكراً لأحد،
وبأن التاريخ استند على ما وصله من معلومات قد تكون صحيحة وقد لا
تكون ،وقد تحمل الحقيقة كل الحقيقة وقد لا تحمل الإ جزءاً منها.
الحوكمة
الإجتماعية
الحوكمة الإجتماعية :وقد ارتأينا التركيز على جانب هام وحيوي في مجال وظاهرة ال َت َغ ُّير
الإجتماعي !
)67 .P 1993( , Bernard Chantebout, « Le Pouvoir et L’Etat dans l, œuvre George Burdeau, édition Economica 32
مقدمـة إلى الحوكمـة 21
بنظـــرة عربـيــة 2018
ظاهرة التغير الحوكمة الإجتماعية[ [[3وهو ظاهرة ال َت َغ ُّير الإجتماعي لإتصالها المباشر هنا،
الإجتماعي ومن أجل تفعيل هذه العلاقة ليصبح ال َت َغ ُّير الإجتماعي الحتمي رشيداً
ومحفزاً للعلاقة بين الدولة والمجتمع .وال َت َغ ُّير الإجتماعي هو موضوع
واسع ومتشعب ويعتبر من المواضيع الإساسية في علم الإجتماع ،ويظهر
هذا بوضوح في إستخدام المفاهيم التي تعبر عن الظاهرة في محاولة
دراستها مثل النمو والتنمية والتق ّدم والتط ّور والإرتقاء .ويمكن تعريف
ال َت َغ ُّير الإجتماعي «بأنه كل تحول يقع في التنظيم الإجتماعي سواءاً في بنائه
أو في وظائفه خلال فترة زمنية معينة؛ ولذا فإن ال َت َغ ُّير الإجتماعي ين َصب
على كل تغير يحدث في أنماط العلاقات الإجتماعية أو في القيم والمعايير
التي تؤثر في سلوك الإفراد ،والتي تحدد مكانتهم وأدوارهم في مختلف
التنظيمات الإجتماعية التي ينتمون إليها»[ .[[3ويتضمن مفهوم ال َت َغ ُّير
الإجتماعي جميع المستويات الإجتماعية والثقافية ،سواء على مستوى
الفرد نفسه وال َت َغ ُّيرات التي يمر بها أو على مستوى التنظيم والنظم من
فكر وفعل وسلوك ومصالح .وهناك نظريات عديدة تفسر ظاهرة ال َت َغ ُّير
الإجتماعي[ ، [[3وكذلك إتجاهات ومسارات مختلفة ،ومصدرين رئيسين
للتغير هما المصدر داخلي ،والمصدر خارجي.
33مصطلح الحوكمة الإجتماعية هو ما ارتأيناه في دمج حزمة التنمية الإجتماعية مع عناصر الحوكمة الجيدة ،بمعنى
أننا لم نجد هذا المصطلح في بحثنا بقدر ما نسعى إلى إضافته أو تقديمه ضمن منطق مفهوم التنمية الإجتماعية
المرتبط بالتغيير الإجتماعي الإيجابي مع خصوصيات الحوكمة الرشيدة.
34عبد الباسط محمد حسن :أصول البحث الإجتماعي ،الطبعة الحادية عشر ،مكتبة وهبة ،القاهرة.)22-1990،24 ( ،
35النظريات التي تفسر ال َت َغ ُّير الإجتماعي كثيرة ومتعددة فهي تشرح طبيعة هذا ال َت َغ ُّير وتحدد أبعاده وتكشف عن
اتجاهاته ،ويذهب علماء الإجتماع في تصنيفهم لنظريات ال َت َغ ُّير الإجتماعي إلى فئتين عريضتين :إحداهما تعالج اتجاهات
ال َت َغ ُّير ،والإخرى تفسر عوامله وتشرح أسبابه .ومن أهمها وأكثرها انتشاراً هي :نظرية ابن خلدون (عبد الرحمن بن خلدون:
يرى أن ال َت َغ ُّير في المجتمع الإنساني سببه تبدل نحل المعاش ،وعلى نمطين هما المجتمع البدوي والمجتمع الحضري،
وبأن الدولة تمر في عملية تغير محددة بمراحل ،ويساهم في عملية ال َت َغ ُّير هنا اختلاط الشعوب والثقافات من ناحية ،وما
يظهر بين الإجيال من اختلاف من ناحية أخرى .ويربط ابن خلدون بين ال َت َغ ُّيرات الإجتماعية وطبيعة الروابط الإجتماعية
ممثلة بما اسماه « العصبية « التي تمثل أساس التجمع و قيام الدولة ،وتسير الحياة الحضرية في النمو والإزدهار إلى أن
تصل إلى مرحلة الترف مما يؤدي إلى فقدان العصبية الذي يؤدي بدوره إلى نهاية الدولة على يد جماعة جديدة ذات عصبية
جديدة ،وهكذا تبدأ الدورة من جديد) .ونظرية كارل ماركس (المادية التاريخية :.يعتقد ماركس أن عمليات ال َت َغ ُّير وحركة
التاريخ ترتبطان بالقاعدة الإقتصادية وتغيرها في المجتمع ،وهنا يبدأ تشكيل الطبقات والصراع الطبقي والذي يعتبره
ماركس مضمون ومظهر المجتمعات الإنسانية) ،وكذلك يشار إلى نظرية ماكس فيبر (الدور التاريخي للفكر والقيم في
كتابه :القيم البروتستانتية وروح الرأسمالية) .كما ويمكن دراسة التغير من خلال؛ نظريات التقدم ،والنظريات الدورية،
ونظرية المراحل المتتابعة .النظريات أحادية الإتجاه تفسر بأن كل العصور ترتبط معاً بسلسلة من الإسباب والنتائج
بحيث تربط بين الوضع القائم في العالم المعاصر وبين الإوضاع التي مرت عليه من قبل .والنظريات الدائرية بان التغير
يتجه صعوداً وهبوطاً في تموجات على شكل أنصاف دوائر متتابعة وبنظام مطرد بحيث يعود المجتمع من حيث بدأ
في دورة معينة .ومن أصحاب النظريات الدائرية :ابن خلدون .وفيكو ،وباريتو ،وشبنجلر ،وتوينبي .النظريات التي تتعلق
بعوامل التغير تتصل بدراسة الميكنزمات المؤدية إلى التغير ،وبأن التغير يرجع إلى عامل واحد فقط قد يكون داخلياً
أو خارجياً ،ويشتمل ذلك على النظريات التالية :النظرية التكنولوجية – النظرية الإقتصادية – نظرية الصراع – نظرية
اللاتكامل – نظرية التكيف – النظرية الفعلية (الفكرية) – نظرية التفاعل الثقافي .نظريات التغير الثقافي :على أساس
أن لكل مجتمع ثقافته التي تميزه عن غيره من المجتمعات فضلا ً عن أن الثقافة – بجوانبها المادية وغير المادية–
توجه وتضبط سلوك الإفراد في المواقف الإجتماعية المختلفة .كما أن العلاقات الإجتماعية التي هي جوهر البناء
الإجتماعي ما هي الإ أنماط منتظمة ومتكررة من التفاعل بين الناس .وهذه الإنماط تأخذ شكلها وانتظامها وتكرارها من
خلال الثقافة ( من اوائل الكتب حول التغير الإجتماعي ورواج هذا المصطلح كتاب «التغير الإجتماعي» ،لمؤلفه ويليام
أوجبرن ،وهناك عدة مصادر منها مرجع سابق للدكتوره دلال استستية ،التغير الإجتماعي والثقافي).
مقدمـة إلى الحوكمـة 22
بنظــرة عربـيــة 2018
ماهية الحوكمة الإجتماعية/السياسية :يعتبر علم الإجتماع السياسي[ [[3من أحد
الحوكمة الفروع الرئيسة في علم الإجتماع والذي ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية
الإجتماعية/ ليسد الفراغ الموجود بين علم السياسة وعلم الإجتماع ،وهو ذلك العلم الذي
السياسية ! يدرس العلاقة بين السياسة والواقع الإجتماعي الذي يعتبر الحاوي للأحداث
السياسية ،وفي تأثير الإحداث السياسية على البنية الإجتماعية والعكس.
كما هناك الترابط السياسي بالإجتماعي لان مسألة التكيف السياسي
مع المجتمع كصيرورة لترسيخ المعتقدات والمبادئ المتعلقة بالسلطة
وبمجموعات الإنتماء ،وبالمحصلة لتكوين مجتمع سياسي يكون قابلاًللحياة
ضمن حد أدنى من المعتقدات المشتركة المتعلقة في آ ٍن واحد بشرعية
الحكومة التي تحكم .ومن خلال التعرف على مظاهر ال َت َغ ُّير الإجتماعي
والثقافي وعوائقه ،وخاصة العوائق الإقتصادية ،والإيكولوجية ،والسياسية،
والسيكولوجية ،والتي تشكل جملة هذه العوائق تحديات لل َت َغ ُّير الإجتماعي
المنشود الذي يساهم بدوره بتحقيق مزيد من الحوكمة الرشيدة لمنظومة
وعناصر ومستويات الحوكمة الرشيدة سواء بجزئياتها أو بكلها مجتمعة.
الحوكمة الحوكمة الثقافية :كما تترابط الحوكمة بالثقافة والتي خضعت لتعريفات
الثقافية !
متنوعة حسب الظروف والمع ّرفين لها ،وبإختلاف الأزمان والأماكن وإختلاف
الشعوب والحضارات .والحوكمة الثقافية ،إن جاز القول ،تفرض نفسها
جراء الغزو الثقافي والذي أدى إلى فقدان الثقة باللغات المحلية ،على الرغم
من أن اللغة تمثل عنصراً أساسياً في تحديد الرموز الثقافية ،وهي التي
تعطي معنى لوجودنا وتواصلنا مع الإخر[ ،[[3وتكمن أهمية اللغة المحلية
كونها لغة المجتمع وفي بعدها الروحي والحضاري ،ومع ذلك أصبحت
اللغات الأجنبية وخاصة اللغة الإنجليزية مظهرا رئيساً لمستوى ثقافة
الفرد وتَم ّدنه وتح ّضره وتطورة في شتى المجالإت.
الحوكمة الحوكمة السلوكية :وتتشابك الحوكمة مع العلوم السيكولوجية (النفسية)،
السلوكية ! وعلم النفس ( )Psychologyهو علم دراسة السلوك والدراسة العلمية
36محمد علي محمد« ،أصول الإجتماع السياسي ،السياسة والمجتمع في العالم الثالث» ،الإسكندرية ،دار المعرفة
الجامعية( ،ص .)1985 ،37
37محمود الذوادي« ،اللغة العربية والثقافة في ظل العولمة -الدولة والتحديث والمجتمع المدني -نحن والمتغيرات
العالمية» ،اصدارات منتدى الجاحظ ،تونس ،2008( ،ص .)67
مقدمـة إلى الحوكمـة 23
بنظـــرة عربـيــة 2018
على وظائف العقل البشري وسلوك الإنسان [ .[[3كما أن العلاقة بين
العوائق النفسية أو السيكولوجية وعوائق ال َت َغ ُّير الإجتماعي مرتبطة بعلم
النفس الإجتماعي[ ،[[3مما يزيد من تعقيدات وتشعبات العوائق النفسية
ويكثر الجدل حولها.
الحوكمة وكذلك الأمر مع الإيكولوجية (البيئية) والإقتصادية ،وبالنسبة للإيكولوجيا
البيئية ! أو علم البيئة فتوافر العناصر البيئية من طقس معتدل ومصادر طبيعية
تساعد على ال َت َغ ُّير الإجتماعي الإيجابي ،في حين أن شح الموارد الطبيعية
يعيق عملية ال َت َغ ُّير وبناء حضارة مزدهرة وكبيرة.
الحوكمة الحوكمة السياسية والإصلاح :لقد شكلت التنمية الإقتصادية والتنمية
السياسية الإدارية في الدول التي نالت إستقلالها بعد الحرب العالمية الثانية هدفاً
والإصلاح ! أساسياً لحكوماتها ،والتي لم تكن مهم ًة سهلة التحقيق ،فعلى المستوى
المحلي ،إصطدمت التنمية بعامة الناس الذين عاشوا لقرون طويلة في
ظل الجهل والتخلف والعادات والتقاليد البالية والتي تحولت إلى قوة مؤثرة في
صف معارضة سياسات التنمية .ودولياً ،دخلت برامج التنمية في دائرة الصراع
السياسي بين الدول الغنية والفقيرة ،وفي جدلية الإستقلال والتبعية [.[[4
وقد جاء الإصلاح كحل نخبوي وكجهد فكري وعلمي وتقني لتحسين
الواقع وتوفير الشروط الضرورية اللازمة للنهوض به أو بقطاع من
قطاعاته الحيويّة المساعدة على الخروج بالأمة أو بشعب من شعوبها
من حال الضعف إلى حال امتلاك شروط القوة ،ومن حال التبعية إلى حال
الإستقلال والريادة والسيادة[.[[4
والإصلاح لم يكن يوماً بالمهمة اليسيرة ،فقد كان مهمة الإنبياء والمصلحين
وطبقة ال ُنخب والمثقفين ،كما وشكلت الهم الأكبر لترا كمات الفكر الإنساني
38علم النفس هو أحد فروع العلوم الإنسانية ،وهو ميدان واسع للدراسة ويستقصي طائفة كبيرة من المسائل والإفكار
والمشاعر والإفعال ،وله أهمية بالغة في حياتنا كأشخاص ،وحياة المجتمع الذي نعيش فيه .وعلم النفس هو العلم الذي
يدرس جوانب نشاط الإنسان والسلوك والعمليات الذهنية ،ويعتمد أي ًضا على أعمال التفسير الرمزي والتحليل النقدي
ودراسة مؤثرات العقل الباطن .وهناك عشرات الكتب التي تتحدث عنه وعن فروعه ومباحثه ،ومن الكتاب العرب نذكر
إبراهيم الفقيه ،وكتبه العديدة في مجال تطوير الذات البشرية.
39علم النفس الإجتماعي هو فرع من فروع علم النفس يدرس السلوك الإجتماعي للفرد والجماعة ،كاستجابات
لمثيرات اجتماعية ،وهدفه بناء مجتمع أفضل قائم على فهم سلوك الفرد والجماع.
40محمد عبد الهادي صالح الإسود « ،مشكلات التنمية في البلدان العربية وأثر الديون الخارجية في تفاقمها» ،إصدارات:
مجلس الثقافة العام ،القاهرة ،2006( ،ص .)17
41عبد الجليل الميساري« ،قيم الإصلاح والتحديث ،في فكر أحمد بن أبي الضياف من خلال كتابة الإتحاف» ،المغاربية للطباعة
والنشر والإشهار ،1999( ،ص .)40
مقدمـة إلى الحوكمـة 24
بنظــرة عربـيــة 2018
العالمي وفي كافة العصور ،وتناولها المفكرين الفلاسفة القدماء اليونانين
والرومان والعرب وكافة الحضارات ،وما زالت ليومنا هذا موطأً للتفكير والبحث
لإيجاد أفضل السبل لتحسين حياة البشر ونقلهم إلى الرفاه والسعادة.
وضمن منظور الحوكمة فأنه لا يمكن للدولة منفردة مواجهة التحديات لا يمكن للدولة
التنموية ،حيث تقع مسؤولية مشتركة على اللاعبين الغير حكوميين ،من منفردة مواجهة
التحديات منظمات مجتمع مدني ،وقطاع خاص لتحقيق الإصلاح المنشود.
التنموية
الحوكمة الحوكمة الإقتصادية والتنموية :ولقد أثار مفهوم التنمية الكثير من الجدل
الإقتصادية وعلى جميع المستويات النظرية والتطبيقية .كما وتَح ِمل المؤلفات السياسية
و التنموية والإقتصادية والإجتماعية العديد من التعاريف لهذا المصطلح ،وكل منها تناوله
من زاوية معينة حسب إختلاف الميادين والمناهج العلمية الخاصة بها ،ويأتي
كذلك منسجماً مع إختصاص كل باحث وميوله وأيديولوجيته .كما ويمكن
القول بأن مفهوم التنمية يتشابه مع عدد من المفاهيم والمصطلحات ،والتي
ُقصد منها تطور المجتمعات مثل :التقدم ،والتطور ،والنمو ،والإرتقاء[.[[4
وقد تطورت علوم التنمية تبعاً لتطور المجتمعات والحاجات ،وتبعاً
لمصطلحات التخصص ،وخاصة معادلة العرض والطلب ،والموارد
المحدودة ،والحاجات المتعددة .ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية ظهر
فرع مستقل من النظرية الإقتصادية يطلق عليه اقتصاديات التنمية،
كما وطرحت مسألة التنمية في العديد من الدول وخاصة النامية منها
لإستكمال التحرر من الإستعمار والتبعية الإقتصادية.
التنمية وجاء في الأمم المتحدة عام 1955تعريف للتنمية مفاده« :بأن التنمية هي
هي العملية العملية المرسومة لتقدم المجتمع جميعه إجتماعيا وإقتصاديا ،إعتمادا
المرسومة
على إشتراك المجتمع المحلي ومبادأته» .ثم عرفتها تعريفاً آخر« :بإعتبارها
لتقدم العمليات التي يمكن بها توحيد جهود المواطنين والحكومة لتحسين الإوضاع
المجتمع الإجتماعية والإقتصادية والثقافية في المجتمعات المحلية ومساعدتها في
جميعه
الإندماج في حياة الإمة ،والمساهمة في تقدمها بأقصى قدر مستطاع»[.[[4
42الت ّقدم ( )Progressيرتبط بتحسن دائم في ظروف المجتمع المادية واللامادية ،وبأنه ينطوي على مراحل ارتقائية ،أي
أن كل مرحلة تكون أفضل من سابقتها .ومصطلح الت ّطور ( )evolutionيشير إلى التحول المنظم من الإشكال البسيطة
إلى الإشكال الإكثر تعقيداً ،ويستخدم لوصف التحولات في الحجم والبناء .ويعني مصطلح النمو :النضج التدريجي
والمستمر للكائن وزيادة حجمه ،كما يشير إلى نوع معين من التغير وهو التغير الكمي( .دلال استيتية ،مرجع سابق ،ص
.)41-29كما أن مفهوم الإرتقاء يتصل بمفاهيم العلو والإرتفاع والصعود.
43محمد شفيق ،التنمية الإجتماعية « دراسات في قضايا التنمية ومشكلات المجتمع» ،الإسكندرية ،المكتب الجامعي
الحديث ،ص 13
مقدمـة إلى الحوكمـة 25
بنظـــرة عربـيــة 2018
وهي العملية التي ينتج عنها زيادة في فرص حياة بعض الناس في مجتمع
ما دون نقصان فرص بعض آخر في نفس الوقت ونفس المجتمع[.[[4
أما كارل ماركس[ :[[4فيعرف التنمية على «أنها عملية ثورية ،أي أنها
تتضمن تحولات شاملة في البناءات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية
والقانونية فضلا ً عن أساليب الحياة والقيم الثقافية ،وبالتالي فإن البلد
الإكثر تقدماً من الناحية الصناعية يمثل المستقبل الخاص للبلد الإقل
تقدماً».
تشكل معوقات وتشكل معوقات التنمية[ [[4تحديات أمام الإقتصاد القومي ومحاولات
التنمية تحديات التقدم للمجتمعات التي تعاني منها ،ويعتبر البعض أن هناك معيارين
أمام الإقتصاد للتخلف ،أحدهما كمي ويتمثل في متوسط الدخل الفردي أو انخفاض
القومي الناتج القومي أو انخفاض نصيب الفرد من الطاقة أو الخدمات ،والأخر
كيفي ويتمثل في مدى إرتفاع وإنخفاض نصيب الفرد من الطاقة الإنتاجية
لمجتمع ما على حجم ودرجة نمو وتطور قوى الإنتاج السائدة به ،بشقيها
المادي المتمثل في الآلات والمعدات والمنشآت والشق الإخر البشري ،أي
القوى العاملة المنتجة وما ا كتسبته من خبرات ومهارات متنوعة[.[[4
ويرى البعض الإخر[ [[4بأن دول العالم الثالث تعاني حالياً مأزقاً على الصعيد
الإقتصادي كما هو على الصعيد الإجتماعي والسياسي ،فإقتصاد هذه
البلدان ممزق وغير مترابط ،يستتبعه عجزٌ مزمن في الموازنة العامة ،وعدم
القدرة على تأمين المواد الغذائية للمواطنين ،وهذا ما يترك العالم الثالث
فريسة التبعية للدول الصناعية المتقدمة .وبأن المفكرين الغربيين وضعوا
العديد من النظريات التي تفسر الوضع القائم وتحاول إبعاد مسؤولية
الغربيين عنه ،وإلقاءها على كاهل الدول النامية وشعوبها ،مفاده بأن
44عبد الهادي الجوهري وآخرون ،دراسات في التنمية الإجتماعية (مدخل إسلامي) ،الإسكندرية ،المكتب الجامعي
الحديث،1999( ،ص .)17
45كارل ماركس ( 5مايو 1818إلى 14مارس .)1883فيلسو ًفا ألمان ًيا ،سياسي ،وصحفي ،ومن ّظر اجتماعي .قام بتأليف
العديد من المؤلفات الإ أن نظريته المتعلقة بالرأسمالية وتعارضها مع مبدأ أجور العمال هو ما أكسبه شهرة عالمية.
لذلك يعتبر مؤسس الفلسفة الماركسية ،ويعتبر مع صديقه فريدريك إنجلز المنظرين الرسميين الإساسيين للفكر
ال ش ي وع ي.
46في شهر يوليو /تموز 2008أصدر برنامج الأمم المتحدة تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009تحت عنوان
«تحديات أمن الإنسان في البلدان العربي» ،وهو التقرير الخامس من سلسلة تقارير تم إصدار العدد الإول منها في العام
،2000وفي هذا التقرير تم طرح 7معوقات أساسية تعوق التنمية الإنسانية الشاملة في الوطن العربي وهذه المعوقات
هي :الضغوط على الموارد البيئية ،و أداء الدولة في أمن الإنسان أو تقويضه ،وانعدام الأمن الشخصي للفئات الضعيفة،
بالإضافة إلى التعرض للمخاطر الإقتصادية ،والفقر والبطالة ،والأمن الغذائي والتغذية ،والصحة وأمن الإنسان ،والإنعدام
المنهجي للأمن من جراء الإحتلال والتدخل العسكري الخارجي.
47مجدي حجازي ،التنمية الإجتماعية : رؤية نقدية ،القاهرة ،عام 1985
48إبراهيم مشورب ،التخلف والتنمية :دراسات اقتصادية ،دار المنهل اللبناني ،2009( ،ص .)16
مقدمـة إلى الحوكمـة 26
بنظــرة عربـيــة 2018
تخلف الدول النامية متعلق بأسباب عدة أهمها المناخ[ ،[[4والبعض الإخر
بأن السبب عائد إلى ضعف الطاقات ورداءة الخواص الطبيعية ،وهناك من
المفكرين من يقول بأن التخلف فيها عائد إلى ايدلوجيات و افكار تسيطر
على هذه الدول.
ونشير مجدداً هنا بأن قضية التنمية – بوجه عام -تعد قضية معقدة
ومتشابكة الجوانب ،وبنظرة عامة للمجتمعات المدنية التي تحيط بنا،
سواء بالمنطقة العربية أو الإفريقية ،أو بالمحيط الدولي ،نجد أن التنمية
الإقتصادية في الدول التي أصابها قدر عال منها ،لم تتقدم إلى الإمام إلا َّ
لتوفر عنصري السلام الإجتماعي والهوية الوطنية ،وبالتالي كانت النتيجة
أن فرص التطور الإقتصادي نفسه تنعكس في البناء والتعمير والتقدم،
محروساً بالسلام الإجتماعي ،وخاضعاً للهوية الوطنية.
ويلاحظ هنا الإرتباط الكبير بين مفهوم وتعريفات التنمية مع مفاهيم
وتعريفات الحوكمة الرشيدة حيث يشترك كلاهما في هدف تطوير وتحديث
المجتمعات ،بينما تأتي الحوكمة كمفهوم متقدم مصطلحاً ومضموناً عن
الحوكمة التنمية بحكم إشتراطها لإنخراط الدولة والمجتمع في مسيرة التنمية.
الحوكمة الإدارية :تتداخل وتتشابك الإدارة مع الحوكمة كعلم من العلوم الإنسانية ،الإدارية !
والتي يدور محور موضوعها الرئيسي حول الإنسان ،بإعتبار أن العنصر
البشري في الإدارة هو عنصر الحسم مهما تقدمت وسائل التكنولوجيا تشابك الإدارة
المختلفة .وهناك تعاريف متعددة للإدارة تبعاً لتطور المفهوم وإختلاف مع الحوكمة
كعلم من ُمع ِّرفيه ،ومن أبرز التعاريف “ ،فإن الإدارة[ [[5عملية ذهنية وسلوكية تسعى
العلوم إلى الإستخدام الأمثل للموارد البشرية والمادية لبلوغ أهداف المنظمة
الإنسانية والعاملين بها بأقل تكلفة وأعلى جودة ،وعن طريق مجموعة من الوظائف
أهمها :التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة والتقويم .كما وينظر لها بأنها
علم وفن وموهبة شخصية ،وتنقسم إلى الإدارة العامة والى إدارة الإعمال،
وكل قسم له العديد من الفروع والوظائف.
( 49جنوب الكرة الإرضية ،أي مناطق حارة واستوائية).
50منتديات العلوم الإقتصادية والتجارية ،الموقعhttp://etudiantdz.net :
مقدمـة إلى الحوكمـة 27
بنظـــرة عربـيــة 2018
وقد ظهرت الإدارة كعلم مستقل بدأت بما سمي بالإدارة العلمية [[[5
المرتبطة بالمعرفة الدقيقة لما تريده من الأفراد أن يقوموا بعمله ،في
الوقت الذي كان فيه العالم منشغل بإيجاد أفضل السبل الإدارية التي
ُتخلّص المجتمعات من سلبيات البيروقراطية ،والجمود الإداري ،والتعامل
والتواصل مع الجمهور ،والعديد من القضايا والمعضلات الإدارية التي
تلامس مباشرة مصالح القطاع العام والقطاع الخاص وحاجات المجتمع
اليومية .ولفهم الإدارة في اي دولة عربية لا بد من الإشارة إلى محيطها
الإداري الذي تتأثر و ُتأثر فيه ،الإ وهو الإدارة في الدول النامية بالعموم وفي
الدول العربية بالخصوص.
فهناك سوء للإدارة في عدد من الدول العربية ،حيث يوصف الجهاز
البيروقراطي فيها بأنه أصبح خادماً للفئوية ،وليس جهازاً للخدمة العامة،
وبأن سكان العالم العربي في حيرة من أمرهم ،فدور الدولة محوري في
كل مجالإت الحياة ،ولكن المخاوف والشكوك تحيط بقدراتها وإمكانياتها
وسياساتها في كل مكان[.[[5
الحوكمة كما أن[ [[5الإدارة العربية ينقصها في معظم الدول العربية قادة إداريون
و الفساد: ملهمون ومحفزون ،في حين ترى الإدارة الغربية العمل مكاناً للمنافسة
أ كبر معضلة الشريفة وتحقيق الذات عن طريق الإنجاز ،وبأن الإدارة في الغرب تتفوق
إدارية تواجها على الإدارة العربية -من ناحية تنظيمية -بتحمل المسؤولية والقدرة
الدول ! على صناعة القرار ،وإستخدام الإساليب العلمية في العمل والإعتماد على
التخطيط الإستراتيجي ،وتوافر روح العمل الجماعي ،والإعتماد على معايير
موضوعية في الإداء والتقييم ،والبعد عن الرسمية في عمليات الإتصال
والتعامل مع الإخرين ،والقدرة على الإنضباط والدقة ،وتفادي الروتين،
والمبادرة بهدف التحسين والتطوير المستمر ،وإحترام التخصص.
الحوكمة والفساد :وتبقى أ كبر معضلة إدارية تواجه الدول كافة هي
51فريدريك تايلور( 1915 – 1856( ،مؤسس الإدارة العلمية ،نشر أفكاره في كتاب «الإدارة العلمية» عام ،1911وأوضح أن
الهدف الرئيسي للإدارة هو الحصول على أكبر قدر من الرفاهية لصاحب العمل والعمال ،وركز تايلور على الجانب الفني
من العمل ولم يعتني بالجانب البشري على الرغم من إدراكه لأهمية هذا الجانب ،وكانت الفكرة الرئيسية لمدرسة الإدارة
العلمية أنه يمكن تحقيق زيادة الإنتاجية عن طريق إتباع أسلوب علمي قوامه التخصص والتدريب الفني وتحليل
العمل إلى جزئياته ودراسة كل جزئية على حده حتى تحدد حركاته الإساسية والزمن الذي يستغرقه أداؤه ،وتصميم
المصنع بالشكل الذي يضمن انسياب الخامات للالإت وتحرك العامل لأداء واجبه (المصدرhttp://www.hrdiscussion. :
)html.com/hr25686
52ندوة « :الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية» ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت 23-20 ،أيلول/سبتمبر .2004
53معدي بن محمد آل مذهب« ،بين المدير العربي والمدير الغربي ،ما الفرق» ؟ ،صحيفة الرياض2010 ،
مقدمـة إلى الحوكمـة 28
بنظــرة عربـيــة 2018
الفساد المالي والإداري ،وتعتبر ظاهرة الفساد[ [[5بشقيها الإداري والمالي ظاهرة عالمية شديدة
الإنتشار ،وذات جذور عميقة تأخذ أبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز
بينها ،وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر ،وقد حظيت ظاهرة الفساد في الإونة
الإخيرة باهتمام الباحثين في مختلف الإختصاصات.
ويرى البعض بأنه ليس هناك للفساد اصطلاحاً ،لكن هناك اتجاهات مختلفة تتفق في كون
الفساد هو إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص[.[[5
كما ولا يوجد إجماع نهائي على تعريف الفساد ،الإ ان الطريقة المتعارف عليها للتعرف
عليه مرتبط بحجمه ،حيث يوجد ما يسمى بالفساد الصغير والمتصل بالممارسات اليومية
التي يلحظها المواطن العادي في تعاملاته اليومية ،وما يسمى بالفساد الكبير أو السياسي
والمرتبط بمبالغ مالية كبيرة ومؤثرة على الدولة وشرعية الحكومة فيها[.[[5
وهناك[ [[5تعاريف متشددة للفساد منها بأنه «مجموعة من الأعمال المخالفة للقوانين،
والهادفة إلى التأثير بسير الإدارة العامة أو قراراتها أو أنشطتها ،بهدف الإستفادة المادية المباشرة،
أو الإنتفاع غير المباشر» أو هو «استغلال موظفي الدولة لمواقعهم وصلاحيتهم للحصول على
كسب غير مشروع ،أو منافع يتعذر تحقيقها بطرق مشروعة» ،وهناك تعاريف أقل تشدداً
بأنه «تصرف استثنائي أفرزته بعض الظروف» ،وأخرى متساهلة بأنه « سلوك إداري غير
رسمي » ،أو حتى أنه «تصرف مقبول من قبل طرفين تعجز الطرق الرسمية والأساليب
التقليدية عن تحقيق مصالحهما».
وللفساد عدة أسباب أهمها عدم احترام القوانين؛ وتدني الرواتب مع ارتفاع تكاليف المعيشة؛
والفارق في الدخل بين القطاعين العام والخاص؛ وانعدام الشفافية؛ وانتشار الفقر؛ وغياب
أخلاقيات العمل؛ وضعف معايير السلوك؛ والضغوط الخارجية التي يمارسها أصحاب المصالح.
كما وهناك أثاراً للفساد تتمثل في فقدان ثقة المواطن بالحكومة وبأجهزة الدولة؛ والتأثير على
الديمقراطية؛ وإضعاف سيادة القانون؛ وتأخير التنمية السياسية؛ والإضرار بمبادئ الحوكمة
الرشيدة؛ وضعف حجم الإستثمارات؛ وتراجع المنح والمساعدات؛ وضعف القيم الإخلاقية؛
وانتشار الجريمة؛ وشعور المواطن بعدم العدالة؛ وانتشار الحقد والكراهية .وتتمثل أنماط
الفساد وأدواته في ،الرشوة والإرتشاء ،والسرقات والإختلاسات؛ وإساءة استعمال الصلاحيات،
54الفساد في معاجم اللغة هو في (فسد) ضد َص ُل َح ،والفساد لغة البطلان :فيقال فسد الشيء أي ب ُط َل واضمحل.
55ياسر خالد بركات الوائلي ،الفساد الإداري « مفهومه ومظاهره وأسبابه» ،مركز المستقبل للدراسات والبحوث.
.)6 .P ,2008( ,Raymound June, lead Author, «A user’s guide to Measuring Corruption, «Editors: UNDP Oslo Governance center 56
57سليمان الجريش ،الفساد الإداري وجرائم إساءة استعمال السلطة الوظيفية ،الناشر :مكتبة الملك فهد الوطنية ،2003( ،ص .)112-117
مقدمـة إلى الحوكمـة 29
بنظـــرة عربـيــة 2018
وإستغلال النفوذ؛ والإبتزاز؛ والتحيز والمحاباة؛ والتقصير والإهدار؛ والإساءة
للمنظمة وللإدارة؛ والهدايا والغلول[.[[5
الفساد وبكافة والفساد وبكافة أشكاله يعتبر أهم عنصر من عناصر قياس الحوكمة
أشكاله يعتبر
أهم عنصر من الرشيدة ،ومؤشر هام تستخدمه المؤسسات النقدية والمالية والسياسية،
عناصر قياس مثل صندوق النقد الدولي وتقرير الشفافية الدولية ،وبرنامج الأمم
المتحدة الإنمائي الذي يصدر دراسات حول دول العالم ويضع مؤشرات
مستويات متنوعة لقياس الفساد[ .[[5كما وأن أ كثر أنواع الفساد المنتشر في العالم
الحوكمة العربي هو الفساد الإداري المتمثل بالواسطة والمحسوبية ،وعدم التق ّيد
الرشيدة
بالقوانين والإنظمة[.[[6
الأوضاع الإدارية في العالم العربي تجابه ظروفاً دولية متسارعة ،وتبدلات
هائلة في أنماط وأساليب الإدارة ،وسط ثورة ُمعاشة في مجال المعلومات
والإتصالإت ،فالعالم كله في إدارته المستقبلية متوجه إلى تنظيمات ذات
سمات «لا بيروقراطية»[ .[[6وللإدارة في المستقبل القريب سمات منها
«التفكير الإستراتيجي» بديلا ً عن التصور الوقتي ،وتبني النظام الإداري
المفتوح المتفاعل مع البيئة بدلا ً من النظام المغلق ،وتأصيل المنهج
اللامركزي ،والتركيز على فريق العمل.
58سليمان الجريش ،المرجع السابق ،الفساد الإداري وجرائم إساءة استعمال السلطة الوظيفية ،ص 140-189
P,26-23. , Raymound June, «A user’s guide to Measuring Corruptio 59مرجع سابق
60صدرت إرادة ملكية في عمان بتاريخ 2007/2/7شكل بموجبها أعضاء هيئة مكافحة الفساد بحيث تتبع العاهل
الإردني مباشرة ولن يكون عليها الإ سلطان نفسها وسلطان القضاء الإردني.
« 61البيروقراطية» Bureaucracyعرفها العالم الإلماني ماكس ويبر ( )1920 - 1864بأنها هي «تنظيم المكاتب الذي يتبع
مبدأ الهيكلية المكاتبية» ،وهي مفهوم يستخدم في العلوم الإنسانية ويشير إلى تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات
المنظمة .وتعتمد هذه الإنظمة على الإجراءات الموحدة وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية والعلاقات الشخصية .ومن
المتعارف عليه لدى الجميع أن البيروقراطية هي الروتين الممل والإجراءات المعقدة التي ليس لها فائدة سوى تأخير
المعاملات في حين أن التعريف الصحيح للكلمة ،الإغريقية الإصل ،أنها مكونة من مقطعين :الإول Bureauوهي تعني
مكتب والثاني Cracyومعناها The Strongأي القوة ،والكلمة في مجموعها تعني :قوة المكتب أو سلطة المكتب.
مقدمـة إلى الحوكمـة 30
بنظــرة عربـيــة 2018
مقدمـة إلى الحوكمـة 31
بنظـــرة عربـيــة 2018
الجزء الثاني
عناصر الحوكمة الرشيدة
مما لا شك فيه ،فإن هناك العديد من الوسائل والتحولات التي تساهم
بدورها في رفع التحديات والصعوبات التي تواجه الدول ،والتي بدورها
تعزز وتعمق الإنتقال إلى حوكمة جيدة بعناصرها الركنية والرئيسة ،ومنها
ما أقرته منظمات دولية ،كما جاء في مقدمة الكتاب ،بأن الأمم المتحدة
قد أقرت عدد من عناصر الحوكمة الجيدة وهي سيادة القانون ،الشفافية،
الإستجابة ،التوافق والإجماع ،المساواة والإندماج ،الكفاءة والفعالية،
المساءلة والرؤية الإستراتيجية.
الحوكمة ليس هذا ،ويرى مختصين بأن [ [[6الحوكمة ليس لها محتوى معياري (content
لها محتوى ،)Normativeفيمكن إضافة عناصر وخصوصيات كثيرة للحوكمة الجيدة
معياري إضافة لما اتفقت عليه الأمم المتحدة ،كما يمكن الحديث عن خصوصيات
الحوكمة الرشيدة من خلال الديمومة؛ الشرعية والقبول من طرف السكان؛
القدرة على تنمية الموارد وطرق الحاكمية؛ الحث على التوازن بين الإجناس؛
التسامح وتقبل مختلف الأراء الأخرى؛ القدرة على تعبئة الموارد لأغراض
اجتماعية؛ تقوية الإليات الإصيلة وتأهيل المواطنة؛ الإستخدام العقلاني
والفعال للموارد؛ توليد وتحفيز الإحترام والثقة؛ المسؤولية؛ القدرة على
تعريف الحلول العقلانية والتكفل بها؛ التشجيع على تحمل المسؤوليات
والتسهيلات؛ الضبط أ كثر من الرقابة؛ القدرة على معالجة المسائل الزمنية؛
التوجيه نحو الخدمة.
كما وأن الحوكمة الجيدة تكون نحو تحقيق النتائج المرغوبة من جانب،
ونحو تحقيقها بالطريقة الصحيحة من جانب آخر ،حيث أنها منسجمة،
بطريقة أو بأخرى ،مع القيم المعيارية ( )Normative Valuesللديمقراطية
والعدالة الإجتماعية ،ومن خلال الإصلاح الشامل وتطوير نَس ْق الإدارة.
وهذا الإتفاق الحوكمي ينسحب على حقيقة أنها ليست مرتبطة بمعيار
«اتوماتيكي» أو تلقائي (،[[6[)Automatic Normative connotation
حيث أن بعضاً من نماذج الحوكمة أفضل من البعض الإخر في تحقيق
النتائج ،كما أن التأكيد ال ُمعطى لمكونات الحوكمة الجيدة تختلف من
مجتمع إلى مجتمع آخر وفقاً لما يق ّيمه أعضاء ذلك المجتمع كنتائج
مطلوبة أو إيجابية بصورة تختلف عما يقيمه مجتمع آخر.
62زهير الكايد ،الحكمانية «قضايا وتطبيقات» ،مرجع سابق ،ص 15
63زهير الكايد ،مرجع سابق ،الحكمانية «قضايا وتطبيقات» ،ص .17
مقدمـة إلى الحوكمـة 34
بنظــرة عربـيــة 2018
وفي النتيجة فإن فهم الحوكمة وخصوصيتها هو حسب كل دولة
واحتياجاتها الملحة والمتعلقة بالحوكمة الجيدة أو الرشيدة تتطلب إصلاحا
جذرياً وشاملا ً في علاقة الدولة مع نفسها ثم مع المجتمع المحيط بها.
ويأخذ الحديث عن مفهوم الإصلاح عدة جوانب مختلفة في إطار البحث
عن تعريفه وتطوره ومدلولاته والنطاق الزمني والمكاني له ،حيث ينظر
إليه على أنه التغيير في أنماط وسلوكيات قائمة بشكل جذري أو تدريجي
خلال فترة زمنية محددة [ ،[[6فهو كمفهوم شامل ،يشمل صو ًرا عدة منها،
الإصلاح السياسي ،والإقتصادي ،والإجتماعي ،والثقافي ،والإداري ،وفي كافة
المجالإت.
ولقد بات الإصلاح فكرة عالمية ارتبطت بالتطورات التي شهدها العالم بعد
انتهاء الحرب الباردة منذ نهاية عقد الثمانينات وبداية مطلع التسعينات من
القرن العشرين ،وانعكس تأثيرها على مختلف دول العالم وبالذات دول
العالم الثالث ،فيما يتعلق بالثورة الهائلة في مجال تكنولوجيا المعلومات
والإتصالإت ،وظهور تأثيرات العولمة التي جعلت العالم كقرية صغيرة يتم
فيها تبادل المعلومات بشكل كبير وسريع.
الحوكمة فأصبحت المعلومات سب ًبا رئيس ًيا في تغيير نمط الحياة ،وتزداد أهميتها
المستدامة كمورد أساسي في كافة المجالإت ،مما دفع بكثير من الدول إلى تغير
سياستها وإعادة النظر بخططها واستراتيجياتها لموا كبة التطورات التي
هناك عناصر تشهدها ميادين المعرفة ،والعمل على الإستغلال الإمثل للمعلومات
وخصوصيات
كمية للحوكمة وصناعتها واستثمارها .
يسهل قياسها
وأخرى نوعية إن فكرة الإصلاح في المنطقة العربية هي فكرة قديمة وحديثة ،وكانت
على الدوام عملية متشابكة ومتوالية ومعقدة ،كما وينقصها نوعاً من
َجلدٌ صادق للذات أو ثورة بيضاء حقيقية على الموروث من السلبيات
وإستبدالها بايجابيات تتسم بعالمية المباديء وخصوصية التطبيق ،أو إن
جاز القول بحوكمة مستدامة.
وبهذا الإطار ،فإن هناك عناصر وخصوصيات كمية أو يسهل قياسها وأخرى
نوعية ،كما وينظر إلى عنصر المشاركة والتشارك من ناحية وعنصر تمكين
القانون مع تفعيل المساءلة والشفافية بأنها أعمدة وأركان رئيسة لتجويد
64رضوان محمود المجالي“ ،الإصلاح السياسي في المنطقة العربية :ضرورة داخلية أم مطلب دولي” ،مجلة شؤون عربية،
جامعة الدول العربية ،2008( ،ص) 1
مقدمـة إلى الحوكمـة 35
بنظـــرة عربـيــة 2018
مقدمـة إلى الحوكمـة 36
بنظــرة عربـيــة 2018
الحوكمة في الدول ،وبأن تحقيق العدالة والمساواة والإنصاف هي عناصر
تحتاجهما الإدارات اليوم بأكثر مما مضى ،وكل هذه العناصر بحاجة إلى
محرك يقود مركب الحوكمة الجيدة ،فيأتي هنا عنصري الفعالية والكفاءة،
وهما من العناصر النوعية التي تساهم بإحداث تفاعل ايجابي في إدارة
شؤون الدولة والمجتمع ،ويعززان من فرص نجاح الحوكمة بمفهومها
الشامل.
أولا ً :المـشاركـة
لم تعد تكفي مصطلحات الإصلاح والتجديد والتحديث ،وما شابهها من
مصطلحات متقاربة تسعى الى التغيير والتطلع نحو الإحسن والإفضل[[[6
لمواجهة التحديات المختلفة التي تفرض نفسها على الدول المختلفة،
وبشكل خاص على الدول النامية ،لا سيما في ظل حركات الإحتجاجات
المستمرة والحراك الإجتماعي المتنامي ،التي تشهدها عدد من دول
العالم بخاصة الدول النامية.
إدماج وأصبح أمرا لا مفر منه أن يأخذ بتوجيهات مختلفة حول كيفية إدارة
المواطن حكوماتها ،وهذه يستدعي في ظل البيئة العالمية الحديثة أن تأخذ الدول
والمؤسسات نحو إدماج المواطن والمؤسسات المدنية في المجتمع والقطاع الخاص
المدنية مع في عملية صنع السياسات والقرارات ،وتح ُّمل المسؤوليات بمنهجية
المجتمع تكامل الأدوار من أجل خلق التنمية الشمولية ،وإدامتها كمطلب أساسي
والقطاع
الخاص لتحقيق الحوكمة الجيدة.
وتشير الدراسات والإبحاث والمقالات إلى أن تفعيل عنصر المشاركة
يَتأَتّى بوسائل وأساليب شتى متنوعة ومتداخلة ،ونرى هنا إمكانية إبراز
الجوانب التي تهم خصوصية ومرحلة عمر الدولة ،لا سيما بالنسبة لدور
الحكومة في تفعيل المشاركة من برامج حكومية منتقاة وبتفعيل عناصر
الإستجابة ،والتوافق والإجماع ،والمساواة والإندماج ،والكفاءة والفعالية.
65عبد الجليل الميساري« ،قيم الإصلاح والتحديث ،في فكر أحمد بن أبي الضياف من خلال كتابة الإتحاف» ،المغاربية
للطباعة والنشر والإشهار ،1999( ،ص .)30-25كما يجدر ذكر بعض التعاريف التي جاء بها هذا المرجع ،حيث يشير إلى أنه
شاع في أدبيات الخطاب العربي الحديث استعمال مصطلحات اليقظة والنهضة والفكر الإصلاح ي والمنزع الإصلاحي ،وبأن
التجديد هو أقدم المصطلحات الحضارية وقد ظل مهيمناً على الساحة الفكريّة العربية الإسلامية ،أ ّما اليقظة فهي في
اللغة انتباه بعد غفلة واستفاقة بعد ركود تتعطل فيه المدارك وتنعدم فيه الحيوية والنشاط ،أ ّما النهضة فهي جملة
المنجزات الفكرية والمادية التي تم تحقيقها عملياً على مستوى مناهج التفكير أو على مستوى التقنيات ووسائل
العمل المستحدثة في ميادين العلم ومناهج التعليم .وعلى هذا المعنى فقد يكون الإصلاح مجرد ترميم يعود بالشيء
المصلح إلى وضع يماثل وضعه السابق وتصويب الإخطاء ،وتحسين الواقع لجعله أقدر على الإستجابه لمتطلبات
اللحظة الراهنة وذلك هو التحديث.
مقدمـة إلى الحوكمـة 37
بنظـــرة عربـيــة 2018
-دور الحكومة في تفعيل المشاركة ( )Participationوالتشارك:
الحوكمة انطلاقا مما قدمه البحث حول الحوكمة الجيدة التي تتطلع إليها كافة
الديمقراطية الدول ،بما يعني تنازلها عن احتكار صناعة السياسات العامة والإنفراد
بالقرارات التي يتأثر بها المجتمع ،فكان لزاماً عليها التوجه إلى عنوان
الحوكمة الديمقراطية المتعلقة بالمشاركة والتشارك مع كافة فئات
المجتمع ،بخواصه وبكل مكوناته المجتمعية والشعبية بما فيها من
أحزاب سياسية ونقابات واتحادات ومكونات المجتمع المدني.
وقد ارتأينا تناول هذا العنصر الذي يعتبر مدخلاً مناسباً لهذا المبحث،
وكأولوية للسير في طريق الحوكمة الجيدة ،وباتجاهين الأول بتفعيل المشاركة
السياسية ،والثاني بدور الحكومة في تفعيل المشاركة المجتمعية والشعبية.
-١تفعيل المشـاركة السياســية :
كانت المشاركة السياسية حتى العصر الحديث مقتصرة في الغالب على
أثرياء القوم ووجهائهم من أصحاب المولد النبيل ،أما الإغلبية الساحقة
فكانت بعيدة عن المشاركة ،ومنذ مطلع عصر النهضة حتى القرن السابع
عشر بدأ الإتجاه نحو مزيد من المشاركة السياسية ،حتى بلغ هذا الإتجاه
ذروته أثناء الثورة الصناعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر[.[[6
المشاركة وأصبحت المشاركة من العناصر الرئيسية للحوكمة الرشيدة ،وسم ًة
من العناصر جوهرية من سمات العصر ووصفاته المحببة ،وهي التي نعيشها لحظ ًة
بلحظ ًة من خلال ما قدمته التكنولوجيا وثورة الإتصال لصالح هذا العنصر
الرئيسية
للحوكمة الجوهري للحوكمة الديمقراطية ،ومن خلال ما أتاحته من تجميع للشباب
الرشيدة وكل الفئات العمرية بسرعة وفاعلية وبتكلفة محدودة جداً ،والذي ساهم
مع عدد من العوامل الإخرى بتفجير بركان الثورات ،وزلزل الحرا كات
الإجتماعية الغير مسبوقة في عدد من الدول العربية ،وما اسفرت عنه من
نتائج احياناً مغايرة وحتى مضرة لمنظومة الحوكمة وعلى كافة مستوياتها.
66سيد عليوة ،منى محمود« ،مفهوم المشاركة السيـاسية» ،مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية ،2008( ،ص .)1-3
مقدمـة إلى الحوكمـة 38
بنظــرة عربـيــة 2018
ثورة الحاكمية وتأتي المقاربة هنا بثورة الحاكمية – إذا جاز التعبير -كنتيجة منطقية
لمواجهة كل ما أورده هذا البحث من تحديات ،كما وتعتبر مسألة تفعيل
المشاركة بين الدولة والمجتمع في قلب ثورة الحوكمة الجيدة والفعالة.
وثورة المشاركة كركن أساسي للحوكمة الرشيدة كانت الهدف من وراء
إقامة العقد الإجتماعي الإفتراضي عبر التاريخ[ ،[[6ومن اجل إيجاد علاقة
موضوعية بين الحاكم والمحكوم ،ورغبة في إقامة مجتمع منظم وفق قواعد
ثابتة ،وصياغة منظمة لمفهوم الحق الطبيعي للبشر للتوصل إلى مجتمع
على أساس ثابت يقوم على العدل والإنصاف ،والإبتعاد عن الصراع الشرس
الذي خاضه الإنسان مع بني جلدته ومع الطبيعة على مر العصور.
الإ أن الإدارات في العالم ،لا سيما في الدول النامية يبدو أنها بحاجة إلى
تفعيل بنود هذا العقد الإجتماعي الإفتراضي ،ومن خلال تعميق عناصره
المتعلقة بالمشاركة والتشاركية بين الحاكم والمحكوم ،وما بينهما من
مؤسسات إتفق عليها الطرفين.
وأصبحت الحاجة ملحة لإعادة صياغة العقد الإجتماعي ،ولكن بما يتفق مع الحاجة
مفاهيم العصر الجديد وما صاحبه من عولمة وثورة اتصالات ومعلومات ،ملحة لإعادة
كما وأصبحت قضايا المشاركة قضية حوكمية بامتياز ،لا سيما بعد أن صياغة العقد
أخلَّت الدولة بمفهومها التقليدي بالعديد من التزاماتها ،ففي الوقت الذي الإجتماعي
اتفقت عليه الجموع على إعطاء فئة صغيرة منتخبة الحق في تنظيم وحماية بما يتفق مع
المجتمع أصبحت هذه الفئة هي الفئة الظالمة والمن َتفعة من هذا التنازل مفاهيم العصر
الجديد
الشعبي ،والحق الممنوح لها ،وبما يتناقض كل عناصر المشاركة.
دور الحكومة في تفعيل المشاركة أصبح إجبارياً وليس مسألة اختيارية
أو انتقائية ،فلا تستطيع أي حكومة عربية منعه ،وإذا فعلت فستواجه
بإعتراضات من الداخل وانتقادات لاذعة من الخارج .ونقتبس هنا مقولة
لعالم الكيمياء المصري احمد زويل[ [[6الحاصل على شهادة نوبل في
الكيمياء بأن «السلطات العربية لا تستطيع أن تمارس سياسات الإغلاق
في ظل سموات مفتوحة» ،والتي تذكرنا كذلك بجدلية السيد والعبد لميكافيلي
67يتردد مصطلح العقد الإجتماعي على امتداد تاريخ أدبيات الفكر الإنساني منذ القدم وفي ع ّدة مجالإت مختلفة منه،
ابتدا ًء من ظهوره في فلسفات (سقراط وأفلاطون 400ق.م) ,ومن ث ّم دراسته وبلورته بشكل «نظرية علمية» علي يد بعض
علماء الإجتماع أمثال توماس هوبز ،1679-1588وجون لوك ،1704-1632وجان جاك روسو ،1778-1712لتظهر في ما بعد ذلك
انعكاساته كرمز مح ّرك لأحداث سياسية غيرت مجرى التاريخ مثل الثورة الفرنسية .1789
68أحمد حسن زويل ويلقب بكبير العلماء العرب ،هو كيميائي مصري -أمريكي حاصل على جائزة نوبل في الكيمياء
لسنة .1999
مقدمـة إلى الحوكمـة 39
بنظـــرة عربـيــة 2018
وهيغل وماركس وكذلك بالمقولة الشهيرة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب
“ متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ”.
وقد فرضت وسائل الإتصال الحديث وخاصة «الإنترنت» ومواقع التواصل فرضت وسائل
الإجتماعي نفسها وبقوة ،سوا ًء استخدمت بعقلانية أو ضمن إطار سياسة الإتصال
السموات المفتوحة بين ما كنا نعتقد أنهم شباب الإنترنت و»الشات-الدردشة» ،الحديث وخاصة
تلك الفئة الضالة أو الجاهلة أمام طبقة النخبة والعقلاء ،أو تم إستغلالها أو «الإنترنت»
تجييرها من تجمعات غير عفوية ومنظمة وتنفذ من خلال أدوات وأيدولوجيات ومواقع التواصل
ومبررات تتناسب مع نواقص المجتمعات وإحتياجاتها ،وفي الظاهر ما هي إلا َّ الإجتماعي
تجمعات تهدف إلى خدمة أهدافها ومصالحها على حساب المجتمع بعامته .نفسها وبقوة
وضمن هذا السياق ،وعلى اختلاف مسميات المشاركة فهناك العديد
من الآليات التي يمكن للإدارة الحكومية اتخاذها للتغيير باتجاه المشاركة
الفاعلة والبناءة وعلى كافة ال ُصعد والمستويات الإدارية والسياسية
والإجتماعية والتنموي ،فهناك من يطلق عليها المشاركة الجماهيرية،
وهناك من يسميها المشاركة الشعبية ،أو المشاركة العامة.
وبالرغم من اختلاف هذه المسميات الإ أنها تدور كلها حول معنى واحد الا
وهو مساهمة كل فرد من أفراد المجتمع في كل الأعمال وفى كل المستويات،
وفى مختلف مجالات الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية وغيرها ،أي
المشاركة المباشرة للجماهير في شؤون المجتمع ،وليس عن طريق المشاركة
النيابية كممثلي الشعب أو المجالس المنتخبة والتي تعتبر مشاركة غير مباشرة.
لقد حاولنا من خلال الأفكار والأراء الواردة التأكيد على دور الحكومة في
تفعيل المشاركة انطلاقاً بما تملكه من سلطة ومن أجهزة رسمية وأدوات،
وبداي ًة على صعيد الإدارة الحكومية نفسها وبين الشركاء الحكوميين
أنفسهم ،حيث تتميز الدول النامية بحالة من التنافر وأحيانا التآمر بين
شركاء الحكم ،جراء غياب فصل وتعاون مقنع بين السلطات ،ووجود
استراتيجيات عليا أو مجلس سياسات أعلى يتحدث بصوت واحد أمام
الحاكم ،بدلا ًمما يتيحه المجال الأن لكل شريك حكومي بال َت ْغييب المقصود
للآخر ،والتدخل بإختصاصاته ،وأحياناً التآمر والإنتقاص من انجازاته والكيل
له بالإتهامات .كل ذلك يخلق حالة من الإرباك لدى أعلى سلطة في البلاد،
ويدفع بها أحياناً إلى قرارات متسرعة وانفعالية وحتى بارتكاب أخطاء ومن
الممكن أن تكون فادحة أو قاتلة.
مقدمـة إلى الحوكمـة 40
بنظــرة عربـيــة 2018
وهناك العديد من نماذج الحوكمة الجيدة للمشاركة ،وتلامس كل جوانب
الإدارة العامة ،نذكر منها ما يتعلق بالمشاركة السياسية التي تطرحها ظروف
كل بلد وتختص بها جهات حكومية مثل وزارات التخطيط؛ وجهات دولية
مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ( )UNDPالذي يصدر تقارير الدول
( )country reportمن خلال مجموعة كبيرة من الخبراء والمختصين
في كل مفاصل الإدارة العامة الجيدة ،بما فيها استقدام برامج حكومية
متطورة ،وإصلاح أنظمة الخدمة المدنية ،وإدارة النفقات العامة بشفافية
ومسائلة ،وإعادة الإعمار ،وتشجيع الإبداع ،وزيادة ميزانيات البحث العلمي،
والتفاعل الإيجابي مع الإعلام ،والفصل والتعاون بين السلطات ،وتطبيق
اللامركزية بما يخدم المشاركة.
-٢دور الحكـومة في تفعـيل المشـاركة مع المجتمـع :
سيظل العقد الماضي عالقاً في الذا كرة ،في مختلف أرجاء المغرب العربي
والمنطقة العربية بل وفي كل العالم ،كبداية لمرحلة من التأقلمات الصعبة
مع عدد من الحقائق الجديدة والمؤثرة في إعادة صياغة دور الدولة في صناعة
القرار السياسي والإقتصادي[.[[6
دور الدولة ففي كل بلدان المنطقة العربية ،غ َدت الدولة بالألية المؤسساتية ال ُمع َر َفة
بها تهدف إلى الحصول على الموارد وتوزيعها ،والمحافظة على القانون
الطاغي جعل والنظام ،لكن هذا الحضور لم يكن يتساوى دائماً مع القدرة والإمكانات،
منها محوراً حيث اضطر ممثلو الدول إلى التوصل إلى نتيجة وهي أن الدولة لم ت ُعد
تستطيع بعد الإن أن تلعب دور المسيطر على كل الإمور ،بل يجب أن
للتناقضات تتفاعل بإنفتاح مع كل الإتجاهات الموازية في المجتمع ،ومع الواقع
المتمثل في أن دور الدولة الطاغي جعل منها محوراً للتناقضات أ كثر منها
أ كثر منها وسيطاً بين هذه التناقضات[ ،[[7ومن هذه المقتطفات الذي صدرت طبعته
وسيطاً الإولى عام 1987فيبدو أن الوضع لم يتغير كثيراً في العلاقة التشاركية
بين هذه الواجبة بين الدولة والمجتمع في الإقطار العربية.
التناقضات ففي العديد من الدول العربية ،تعلن الخطابات الرسمية في كل المناسبات
بأن مسألة تفعيل دور القطاع الخاص يعد من أهم أولويات التنمية في ظل
69الهرماسي (محمد عبد الباقي) ،المجتمع والدولة في المغرب العربي ،نشر مركز الدراسات الوحدة العربية ،بيروت)
،1992ص .) 139
70الهرماسي (محمد عبد الباقي) ،نفس المرجع السابق ،ص . 141-139
مقدمـة إلى الحوكمـة 41
بنظـــرة عربـيــة 2018
تبني سياسة الإنفتاح الإقتصادي والإندماج في الإقتصاد العالمي ،وبأنه لا يمكن الإرتقاء بالإقتصاد
وتحقيق التنمية المستدامة دون بناء شرا كة حقيقة بين القطاعين العام والخاص يكون بموجبها
القطاع الخاص هو المحرك والموجه الرئيسي للنشاطات الإقتصادية ،وبناء استراتيجيات وسياسات
الإصلاح الإقتصادي بمختلف جوانبه الإقتصادية والمالية والتشريعية والقضائية والتعليمية وغيرها.
كما وتتحدث المؤسسات الإقتصادية الرسمية العربية عن توسيع دور القطاع الخاص من
خلال إطار تشريعي مشجع لهذا القطاع ،وعن منحه المزيد من الحوافز لتهيأة المناخ لنموه
وازدهاره ،وبأن الحكومات تبنت برنامج الخصخصة والتي من خلالها حل القطاع الخاص محل
العديد من المشاريع التي كانت تملكها الحكومة أو التي كانت تساهم فيها بشكل كبير حيث
نتج عن ذلك أن أصبح القطاع الخاص هو المستثمر الرئيسي والمساهم الأكبر في الناتج
المحلي الإجمالي ،والمستوعب الأكبر للعمالة .ويساهم القطاع الخاص من خلال ممثليه (غرف
الصناعة والتجارة ،الجمعيات واتحادات رجال الأعمال والمصدرين والمستوردين والنقابات
المهنية) في صياغة التشريعات والقوانين الجديدة ورسم السياسات الإقتصادية المختلفة.
ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي سفن الحكومة وخطاباتها ،وكذلك أطروحات القطاع الخاص
المبالغ فيها ،والتي لا تخدم فئة المشاريع المتوسطة وصغيرة الحجم محرك التنمية بقدر ما
تخدم النخب.
وقد أثبتت لغة الإرقام عن تفاقم المديونية والبطالة ومستويات الفساد وغياب المساءلة،
حزمة الإصلاحات الإقتصادية التي أطلقتها معظم ومما افشل ُجل السياسات الإقتصادية ،وبأن
تأتي أُكلها ،كما ولم ترتقي إلى مفاهيم الحوكمة الحكومات العربية خلال العقد المنصرم لم
الجيدة والمشاركة الديمقراطية بين فئات المجتمع والمتأثرين من القطاع الخاص ومؤسسات
المجتمع المدني ،وكانت ِحكراً على نخبة فرضت نفسها على الإدارة الرسمية لتحقيق مصالح
اقتصادية تخدم هذه النخبة أولاً وأخيراً.
وبأن الإشخاص الذين ينفذون سياسات الإصلاح باتوا غير مؤثرين أو مقنعين لدى الشريحة
الأوسع في المجتمع ،والذي ينظر إليهم على أنهم مختصون فقط في اتخاذ القرارات القاسية
المتعلق معظمها بزيادة الأسعار وتحقيق أجندات خاصة ،وبأن عملية الإصلاح افتقدت إلى
الإجماع أو المشاركة الحقيقة من مؤسسات الدولة خاصة الدستورية منها[ .[[7كما وأن العقبة
الرئيسية التي ساهمت في فشل الحفاظ على زخم الإصلاح هي فقدان ُجل الحكومات العربية
ومؤسساتها إلى آلية واضحة لتقييم تلك البرامج التنموية ،وتعزيز مبدأ المساءلة في حال
الإخفاق ،لذا باتت هذه البرامج كمن يفعل ما يريد من دون حسيب أو رقيب ،مما أضعف
مصداقية تلك البرامج لدى الشارع العام ،ومن السياسات العامة المرتبطة برؤية الدولة
71سلامة الدرعاوي ،نفس المقال « الإردن في التقارير الدولية ..خطوة للأمام وخطوتان للوراء» ،تاريخ ٢٠١٠/٨/١٨
مقدمـة إلى الحوكمـة 42
بنظــرة عربـيــة 2018
للمشاركة ،ننتقل بأكثر تخصيصاً فيما يتعلق بداي ًة بتفعيل المشاركة مع القطاع الخاص.
-٣آليات لتفعيل دور الحكومة مع القطاع الخاص:
من اجل أن يكون للسياسات الإقتصادية جدوى وقدرة على الإقناع لا بد من مراعاة مسألة
المشاركة ،كما أن القرار الإقتصادي العربي يواجه عاد ًة بإشكالية تعدد المؤسسات الإقتصادية
والإستثمارية ،وعدم وجود مؤسسة عليا تجمعهم وتوحدهم مما يجعل من هذه المؤسسات
متنافرة ومتخاصمة في سياساتها وأرقامها ،وبما ينعكس بالنتيجة على حياة ومعيشة وتطلعات
المواطنين.
كما يثير اهتمام الحكومات العربية المفرط بالإستثمار الأجنبي بعض التساؤلات ،والذي يأتي
أحياناً على حساب الإهتمام بالمستثمر المحلي ،ويفسر ذلك البعض كون الإستثمار الخارجي
لا يوا َجه بنفس آليات محاسبة المستثمرين المحليين ،بما يعني فرصة أ كبر لاستشراء الفساد
والرشوة.
يضاف إلى ذلك معضلة الخصخصة[ ،[[7والتي أنتهجتها عدد من الدول العربية ،وبشكل
مختلف ومتقطع أحياناً .ويرى بعض المختصين في مجال بيع ممتلكات الحكومة للقطاع
الخاص بأن الخصخصة مستحيلة وفقاً للظروف الحالية لأغلب الدول العربية ،وذلك بسبب
تفشي الفساد ،وبسب تطور جوهري تمثل بالإنتقال من نظام الإقطاع الإقتصادي الذي ُرفض
في ظل نظام الإقتصاد الحر ،إلى أسلوب جديد من بيع ممتلكات الدولة لمصالح حفنة من
أصحاب الثروات الجدد المرتبطين شخصياً بمرا كز اتخاذ القرار ،وبما يكفل لهم فرض جملة
من الشروط النوعية التي تحدث فجوة هائلة بين العرض والطلب أو تحقق عملية إذعان
وخلال فترة زمنية معينة بما يكفل لهم الحصول على أرباح احتكارية خيالية ،هذا مع الإشارة
لغياب المصلحة الحقيقية لهؤلاء في التطور والإرتقاء بمستوى الأداء الإقتصادي ومستوى
الكفاءة الإنتاجية وجودة السلعة أو الخدمة وذلك لغياب المنافسة الحقيقية[.[[7
كما ويلاحظ عدم وجود تركيز وإيلاء أهمية كافية من قبل الحكومة في دعم وتمويل المشاريع
المتوسطة وصغيرة الحجم والتي تشكل عمود الإقتصادات الوطنية ،في حين تحظى المشاريع
الكبرى بعناية فائقة من الإدارة العربية وتتشكل لديها وزارات وهيئات متخصصة دون فهم
مجتمعي لما تقوم به هذه الوزارات والهيئات وكيفية مسائلتها ومراقبة أعمالها أو أسباب
الغائها متى رغبت الحكومة.
72للمزيد حول الخصخصة لطفاً انظر ص 157
73المصدر :الموسوعة العالمية الإمريكية ،ويكيبيديا
مقدمـة إلى الحوكمـة 43
بنظـــرة عربـيــة 2018
بمعنى أخر ،فأن الحكومات العربية تنأى -في الغالب -بنفسها عن صغار
التجار والصناعيين ،وتفضل التعاطي والتحاور والإستماع إلى كبار التجار
والإقتصاديين ،في حين يرى الإقتصاديين ،وفي شتى فروع علم الإقتصاد،
بأن هناك أهمية كبيرة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم[،[[7
وبأن تطوير المشاريع الصغيرة وتشجيع إقامتها وكذلك المشاريع
المتوسطة يعد من أهم روافد عملية التنمية الإقتصادية والإجتماعية في
الدول بشكل عام ،والدول النامية بشكل خاص ،وذلك باعتبارها منطلقاً
أساسياً لزيادة الطاقة الإنتاجية من ناحية ،والمساهمة في معالجة مشكلتي
الفقر والبطالة من ناحية أخرى .ولذلك أولت دول كثيرة هذه المشاريع
اهتماماً متزايداً ،وقدمت لها العون والمساعدة بمختلف السبل ووفقاً
للإمكانيات المتاحة ،وخاصة في الدول الغربية والدول المتقدمة صناعياً.
تعتبر مسألة وتعتبر مسألة العمالة الأجنبية في العديد من الدول العربية من المسائل الشائكة
العمالة الأجنبية
في العديد من في دور الحكومات في تفعيل المشاركة مع القطاع الخاص ،والتي يمكن أن تعزى
الدول العربية إلى عدم توافر الإرادة الإقتصادية الحكومية الكافية والفاعلة والقادرة لتغيير
خارطة العمالة الأجنبية لصالح العمالة المحلية ،أو لإنكفاء المواطنيين المحليين
من المسائل عن العديد من الأعمال والقطاعات وخاصة الإنشائية واليدوية والخدمات العامة.
الشائكة
كما ويأتي موضوع التشغيل والتدريب المهني من الحلول الهامة لهذه
المعضلة ،ومن أجل إحلال عمالة محلية بدلا ً من الآلاف من العمالة
العربية والأجنبية ،والتي تستنزف إحتياطات العملة الصعبة ،وتزيد من
البطالة ،والإحتقان المجتمعي ،والتي نرى أن فقدان الحكومة لإرادة
المشاركة مع نقابات العمل والشغل والنقابات المهنية المعنية ،هو ما
يعيق َجم ْع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني
للخروج بسياسات وقوانين تحد من العمالة الأجنبية و ُتشغل و ُتدرب
العمالة المحلية.
وتب ّرر أحياناًالحكومات العربية إجراءاتها بحجة إحجام المواطنيين المحليين
عن القيام بالأعمال المهنية البسيطة أو جراء التحديات إجتماعية المتصلة
بثقافة العيب ،إلا ّ أن إتجاهاً معاكساً يرى أن تشابك الفساد والمصالح
الحكومية مع فئات منتفعة من جلب العمالة الأجنبية ،إضافة إلى عوامل
74ماهر حسن المحروق وأيهاب مقابله « :المشروعات الصغيرة والمتوسطة ،أهميتها ومعوقاتها»( ،أيار ،2006ص )4-6
مقدمـة إلى الحوكمـة 44
بنظــرة عربـيــة 2018
جانبية معيقة أهمها سلبيات البيروقراطية ،كلها تشكل عوائق كبيرة أمام دور حكومي لتفعيل
المشاركة بين الدولة والمجتمع لهذه المسائل الإقتصادية الوطنية الملحة.
وبالنسبة للهيئات الإعلامية الخاصة والعامة كأحد مكونات المجتمع بل وسلطته رابعةُ ،يذكر
بأن السياسة الإعلامية للمحطات التلفزيونية العربية الخاصة متقدمة على نظيراتها الحكومية،
وتحاول أن تشرح الحقيقة الغائبة التي يحجبها الإعلام الرسمي ،إلا أن العامل المشترك في كل
المحطات العامة والخاصة هو أولاً وجود خطوط حمراء ممنوع تتجاوزها ،وهي المتعلقة بإنتقاد
النظام وبما يسمى إغتيال الشخصيات العامة ،والعامل الثاني هو تغلغل الأمن في الإعلام بصورة
تدفعه إلى التركيز على حالة إحتفالية لا تتوقف ،وتصفيق مستمر لمؤسسة الحكم ،والإشادة
بانجازات الحكومة ،وكلها لا نعتقد هنا بأن الإدارة أو حتى النظام بحاجة لها وخاصة إذا كانت على
حساب الحقيقة والصالح العام.
وبعد التع ّرض إلى دور الحكومة في تفعيل المشاركة مع القطاع الخاص ،يأتي دورها في تفعيل
المشاركة مع الشق الثاني من المجتمع المتصل بمؤسسات المجتمع المدني.
-٤دور الحكومة في تفعيل المشاركة مع مؤسسات المجتمع المدني:
تعتبر مسألة تفعيل المشاركة مع هيئات المجتمع المدني وفعالياته أحد الكوابيس المزعجة
للحكومات العربية ،لا سيما في الفترات التي تنشط فيها النقابات المهنية كأحد المنابر الهامة
للتعبير الشعبي والمشاركة المجتمعية ،وهي المسائل التي ُتؤرِق مؤسسات الحكم العربية
وتحاربها بشتى السبل والوسائل ،وتحاول دائماً تزكية الشخصيات الموالية أو المهادنة لها
ولسياساتها لرئاسة هذه النقابات والإتحادات لإدرا كها مدى خطورتها وتأثيرها على المجتمع.
ولتحقيق ذلك كانت الإدارات العربية تفعل أي شيء ،وتَن َش ْط في العمل الأمني والإستخباري
بين صفوف النقابيين والناشطين المنخرطين بهيئات المجتمع المدني وخاصة النقابية
والسياسية والحقوقية منها.
وبالرغم عن كل ما سبق ،فقد تنبهت الحكومات العربية في السنوات الإخيرة لمدى أهمية وتأثير
مؤسسات المجتمع المدني في التعبير عن مطالب واحتياجات ورغبات المجتمع ،وما يتطلبه ذلك
من تفعيل أدوات وسبل المشاركة مع هذه المؤسسات وإتاحة المجال لها للمشاركة في صناعة
السياسات العامة ،وبالتالي لتحقيق التوازن بين مستويات الحوكمة لتكون ديمقراطية ورشيدة.
كما وهناك أهمية لمتابعة التقارير العالمية المختصة بحقوق الإنسان والمشاركة مع
المجتمع ،فيشار إلى تقرير منظمة[ [[7حقوق الإنسان السنوي لعام 2010الصادر عن وزارة
75لمزيد من الإطلاع رجاء النظر إلى صفحة منظمة مراقبة حقوق الإنسان (Human Right Watch) http://www.hrw.org/ar/home
مقدمـة إلى الحوكمـة 45
بنظـــرة عربـيــة 2018
الخارجية الإمريكية[ [[7والذي وجه إنتقادات لاذعة لعدد من الدول العربية
التي ارتكبت انتهاكات حقوق الإنسان في عام ،2010كما وتطالب عدد
من المنظمات الحقوقية إلغاء عقوبة الإعدام وتتهم السلطات الأمنية
بممارسة التعذيب ،ويطالب العديد منها بإطلاق سجناء الرأي .فضلا ً
عن ما يشاهده العالم بأسره وترصدة منظمات الإنسان بكافة صنوفها
من ممارسات فظيعة ترتكبها الإنظمة العربية والمعارضات السياسية
والعسكرية إزاء شعوبها ،وما تعيشة من حالة صراع أهلي وأقليمي
وعالمي ولحينه في الصراع الدامي في الدولة السورية ،وأيضاً في الإزمة
اليمنية ،والصعوبات التي تواجهها دول تباعاً مثل ليبيا ومصر وتونس،
وآخرها الأزمة مع دولة قطر.
ومهما تقارب أو تباعد ِسجل الدول العربية من أساسيات حقوق الإنسان،
مقارنة بدول أخرى ،الإ أن ذلك يتطلب منها الإستماع بشكل دائم إلى أي
ممارسات خاطئة بحق المجتمع المدني ومنتسبيه ،والمتابعة الدقيقة
لأي انتقادات توجه من التقارير الدولية أو الحقوقية أو حتى النشطاء ضد
الدولة أو أجهزتها الرسمية.
الصورة الذهنية وهناك مسألة مرتبطة بعدم وضوح صورة منظمات المجتمع المدني،
المرتبطة بمنظمات والصورة الذهنية المرتبطة بأنها تسعى لتحقيق أغراض سياسية
المجتمع المدني
والحصول على تمويل لذلك عبر برامجها المتصلة بها ،وما يعنيه ذلك
بأنها تسعى من غياب لدورها في شرح برامجها وتعزيز التوعية الشعبية ،ناهيك عن
لتحقيق أغراض سطوة الحكومة على مفاصل الإعلام مما يضعف من فرص مشاركتها في
بث الوعي العام حول المشاكل التي تعتري المجتمع ،ويضعف بالتالي
سياسية من عنصر مشاركتها بما يتفق مع الحوكمة الديمقراطية .ويشار كذلك أن
الحكومة شبه غائبة أو ربما متخوفة من بث فكر التطوع ()Volunteer
الحكومة شبه
غائبة في بث للخدمة العامة بين المواطنين والمؤسسات الأهلية التي تضطلع بها،
فكر التطوع وهو الأمر المنتشر في الدول المتقدمة ،ويعتبر من أهم علامات المواطنة
للخدمة العامة الصالحة والشرا كة بين الدولة والمواطن لتحقيق المصلحة العامة ،ويف ّعل
الحوكمة الجيدة في مجال المشاركة بين الدولة والمجتمع بكافة فئاته.
76لمزيد من الإطلاع رجاء النظر إلى صفحة وزارة الخارجية الإمريكية /تقارير الدول بخصوص حقوق الإنسان
،http://www.state.gov/g/drl/rls/hrrpt/ 2010 /nea/index.htm Emilia T. Boncodin, «People Participation in the
Budget Legislation Process-Participatory Planning and Budgeting at the Sub-national Level», Editor: United 76
Nation-Department of Economic & Social Affaires, New York, (2005, P. 160-155).
مقدمـة إلى الحوكمـة 46
بنظــرة عربـيــة 2018
وبالنسبة للبحث العلمي ،فإن مرا كز البحوث العلمية هي محور استقطاب ضعف في دعم
العلماء ،ومكاناً يلبي فيه طموحه العلمي والثقافي ،وقد يؤمن له موقعاً البحث العلمي
للإبداع والتطور ،بينما يجد في وطنه غياب كل ذلك ،بل الإكثر من ذلك والعلماء
غياب التخطيط السليم ،واعتبار البحوث العلمية ترفاً لا حاجة له ،وحتى إذا
استطاع العالِم أن يجد له مكاناً في البحوث العلمية أو الجامعات في الوطن
العربي ،فأنه يلقى الكثير من التنافس والمعوقات التي تجعل منه شخصاً
هامشياً ،وإذا لم يصادف العالِم مثل هذه الصعوبات وهذا نادر ،فإنه لا يجد
الإطار العلمي والفني أو التجهيزات والمخابر.
كما أن العالِم في الوقت الحاضر يمضي قرابة %٩٠من وقته لملاحقة
متطلبات الحياة اليومية ،وبالتالي فإن إنتاجيته ومردوده العلمي يكون
ضعيفاً ومتواضعاً ،والتي يمكن أن تعزى إلى عدم التفات الحكومة الكافي
للبحث العلمي ،و ُتفضل شراء التكنولوجيا والصناعة الجاهزة جراء ضعف
التقنية الصناعية والبنيان الصناعي عموماً ،إضافة إلى ما تضمنه البحث في
التحديات الإقتصادية والضغوط الإقتصادية الخارجية التي تمارس على
الدول النامية لتبقى مستهلكة وتابعة ومعتمده على الخارج.
أصبحت وتشير الإرقام الحكومية بان نسبة البحث العلمي في ميزانية الدول العربية
الميزانية لا تزيد عن ،%٣-٢والمفارقة في ذلك تتعلق بالميزانية العسكرية والتي
العسكرية تشكل نسبة عالية لا يمكن اعتماد ما ينشر عنها نظراًلان الميزانية العسكرية
معضلة ينضوي فيها كل المصروفات التي لا ترغب الدولة بإطلاع الشعب وجهاته
حوكمية الرقابة عليها .كما وأصبحت الميزانية العسكرية معضلة حوكمية تستطيع
المؤسسات الدولية فهم تركيبة الدولة من خلالها ،وخاصة لكونها تأتي على
حساب ميزانيات التنمية الوطنية ،وتصب في مصلحة النظام على حساب
معيشة المواطن وتطلعاته.
وبهذا الصدد ،فتطالب هيئات وبرامج الأمم المتحدة المتصلة بقضايا
الحوكمة التشاركية بأن يكون للمواطنيين وهيئات المجتمع المدني
والهيئات المحلية والبلدية دور فاعل في توزيع المخصصات المالية وإعداد
الميزانيات والرقابة عليها ،ومن خلال منظومة لا مركزية في الإدارة تراعي في
النهاية الإحتياحات الحيوية للمواطنيين[.[[7
وهناك برامج هامة ومتعددة في مجال تعزيز دور الحكومة في المشاركة
مقدمـة إلى الحوكمـة 47
بنظـــرة عربـيــة 2018
مقدمـة إلى الحوكمـة 48
بنظــرة عربـيــة 2018
والتي يمكن للإدارات الحكومية العربية الإستفادة منها[ ،[[7لا سيما أن عدد من الدول النامية
قد أخذت بها أيضاً ،وقد تم تصميم هذه الإليات من قبل معهد التنمية الإقتصادية في البنك
الدولي.
وبعد التعرض إلى ما سبق من أفكار مرتبطة بتفعيل المشاركة مع المجتمع المؤلف من
القطاع خاص وهيئات المجتمع المدني ،ننتقل إلى دراسة عناصر حوكمية أخرى لها تأثير
حيوي ومباشر على تفعيل المشاركة بين طرفي الحوكمة ومرتبطة بتسلسله المنهجي ،حيث
سنتناول في المبحث التالي المشاركة من خلال تفعيل عنصري المساواة والإنصاف
وعنصر الإستجابة.
ثانياً :عناصر المساواة والإنصاف وعنصر الإستجابة:
كان المطلب الإول للشعوب المستع َمرة طيلة مرحلة الإربعينات والخمسينات وأوائل
الستينات يتمثل في أن يكون الحاكم من أهل نفس البلد ،لكن المفارقةالتي حصلت في العديد
من هذه الدول أنه بمجرد أن طال زمن الدولة تح ّول جهاز الحكم إلى نوع من التملك ّية الفردية
والإستفرادية و«الزبونية» ،أو بمعنى أنه بدل أن تستجيب هذه الدول لتطلعات المجتمع
ورغباته ،و ُتوسع المشاركة ،وتعمقها تدريجياً ،تراجعت بإتجاه الزبونية أي مجموعة المصالح
والعلاقات باتجاه الإستفراد بالسلطة ،وسوء توزيع الثروة وعملية صناعة القرار [.[[7
ولقد تسارعت الإحداث في عالمنا العربي حتى وصلت إلى مرحلة ملفتة من اللفظ والرفض إلى
الإقصاء والإستغلال ،حيث طالت الإحتجاجات العديد من الدول العربية وتبعها نزاعات مسلحة
في عدد من الدول ،ومما يتطلب صراحة ومكاشفة ،ومساءلة ،واستجابة ،وتمكين للقانون،
ومشاركة متكافئة للمرأة والإقليات ،ومساواة وعدالة ،وكفاءة وفعالية ،ورؤية إستراتيجية.
أي كما ذكرنا في مناسبات سابقة ،ثورة حوكمية تعمل على تفكيك البنية الإدارية للدولة
ومن ثم إعادة بنائها على أسس الحوكمة الرشيدة والفعالة ،وبحيث تكون فيها الدولة خادماً
للمجتمع ،ويشترك المجتمع بمسؤولية مطلقة في صياغة السياسات العامة .ومن هنا،
يتحمل هذه المبحث عبء تناول عدد من عناصر الحوكمة الرشيدة حسب ما تمكّن البحث من تقسيمه
لتجاوز الصعوبات المنهجية والشكلية ،حيث سنتناول تالياً مسألة الإنصاف والمساواة ،ثم عنصر الإستجابة.
78الدكتور زهير الكايد ،الحكمانية »، Governanceقضايا وتطبيقات» ،مرجع سابق ،2003 (،ص )79-116
79المنصف وناس« ،الدولة والتحديث والمجتمع المدني -نحن والمتغيرات العالمية» ،اصدارات منتدى الجاحظ ،تونس ،2008( ،ص .)17
مقدمـة إلى الحوكمـة 49
بنظـــرة عربـيــة 2018
-١المسـاواة والإنصـاف (: )Equity and Equality
ثنائية المساواة والإنصاف قديمةٌ جداً ،فمنذ القدم فرضت فكرة المساواة
نفسها على القانون ،وخاصة في سير الحياة اليومية في الحضارة الهيلينية
(الإغريقية) القديمة .كما وتواجدت فكرة الإنصاف عند أرسطو واستعملها
بكثرة ويراها كفضيلة لإصلاح نقائص القانون الوضعي[.[[8
ويشار هنا بالأهمية إلى إسهامات الفلاسفة والمفكرين التي لا يمكن
حصرها في مجال هذا البحث ،وإلى دورهم في ظهور المدينة وتأثيرها على
اهتمام الفلاسفة للتفكير بحقوق الإنسان نتيجة للمنازعات الداخلية
والعهود الطويلة من الظلم والطغيان ،حيث أظهر أفلاطون لنا مبادئ
حقوق الإنسان والمدينة الفاضلة وهي الدول ُة التي يسود فيها العقل ،لا
الرغبات والشهوات ،وتكون مبنية على العدل والمساواة.
كما وشبه أرسطو الدول بكيان عضوي «التضامن العضوي» ،وأ كد على
مبادئ حقوق الإنسان من خلال رؤيته إلى دور الدولة في توفير الحق
والعدل والمساواة لكل المواطنين ورفض العدوان والحرب والإستعباد.
َفضل وعلى الرغم من أن المبادئ الميتافيزيقية (علم الغيبيات) لا يمكن
ومساهمة إخضاعها لقواعد المنطق المحسوس وللأبعاد الفيزيائية المعروفة مهما
الديانات تزايدت أو نقصت ولِعلم الفيزياء التطبيقية شؤونه في ذلك ،الإ أننا نرغب
السماوية في هنا بذكر َفضل ومساهمة الديانات السماوية في تعزيز الوعي بحرية
تعزيز الوعي الإنسان ،وحقه في العيش الحر الكريم ،حيث أن هذه الإديان ذات المصدر
بحرية الإنسان الواحد ،جعلت الإنسان هو مدار الكون ومناط التكريم بصفته الإنسانية،
وعززت من مفاهيم الإنصاف والعدل والمساواة بين البشر.
فقد اهتمت الديانة اليهودية بحقوق الإنسان من خلال الوصايا العشر التي
كلم الله (سبحانه وتعالى) بها النبي موسى والتي اشتملت على :حق
الإنسان في الحياة ،الحق في الملكية ،النهى عن القتل ،والنهى عن السرقة.
كما وأ كدت الديانة المسيحية على حقوق الإنسان من خلال المحبة ،العدالة،
المساواة والإحسان .وقد إهتم الدين الإسلامي بفهم[ [[8وتكريم الإنسان[[[8
Aristote, Ethique à Nicomaque, V, 1137 ,10, a 31 sq.; Rhétorique, 1347 ,13 ,1 a 26 b23 .80
81القرآن الكريمَ »،ونَ ْف ٍس َو َما َس َّوا َهاَ ،فأَ ْل َه َم َها ُف ُجو َر َها َوتَ ْق َوا َها» ،سورة الشمس ،الإية 8و9
َ « 82و َل َق ْد كَ َّر ْم َنا بَ ِني آ َدم « ،سورة الإسراء ،الإية 70القرآن الكريم،
مقدمـة إلى الحوكمـة 50
بنظــرة عربـيــة 2018