The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

مجموعة قصصية / Collection of short stories
تأليف: الحسين قيسامي / Author: El Houcine Kissami
الطبعة الأولى: 2015 / First printed: 2015
Berkane, Morocco

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by El Houcine Kissami, 2015-11-06 08:48:23

مرآة تبحث عن هوية

مجموعة قصصية / Collection of short stories
تأليف: الحسين قيسامي / Author: El Houcine Kissami
الطبعة الأولى: 2015 / First printed: 2015
Berkane, Morocco

1

‫الحسين قيسامي‬

‫مرآة تبحث عن هوية‬

‫قصص‬

‫‪2‬‬

‫مرآة تبحث عن هوية‬

‫تأليف‪ :‬الحسين قيسامي‬
‫الطبعة الأولى‪2015 :‬‬

‫لوحة الغلاف‪ :‬يعقوب أحمد يعقوب – فلسطين‬
‫جميع حقوق الطبع محفوظة للمؤلف‬

‫‪Copyright © 2015‬‬
‫‪Copyright provider: VLD Interactive © 2005-2015‬‬

‫‪Copyright number: OAJD-DMQN-BOPV-ZHI8‬‬
‫‪ISBN-13: 978-1519160003‬‬

‫مطبعة‬

‫‪3‬‬

‫الإهداء‬
‫إلى‬

‫الأمل الذي دوما أنشده‬
‫إلى من ساندني وشد من أزري‬

‫إلى نقاد وكتاب الأدب الساخر الذين زرعوا فتنة السرد‬

‫‪4‬‬

‫''إذا ما تخيلنا نارسيس أمام المرآة‪ ،‬فمقاومة الزجاج‬
‫والمعدن ستضع حاج ًزا أمام مشروعاته‪ .‬وسوف تصطدم‬
‫جبهته وكفاه بها؛ ولن يجد شي ًئا إذا دار حولها‪ .‬فالمرآة‬
‫تس ِّمم فيه عال ًما باط ًنا يخفى عليه‪ ،‬حيث يرى نفسه من‬
‫دون أن يستطيع استحواذ ذاته‪ ،‬حيث تفصله عن ذاته‬

‫مسافة زائفة بإمكانه تقصيرها‪ ،‬لكنه لن يتمكن من‬
‫مجاوزتها‪ .‬وعلى العكس‪ ،‬الينبوع طريق مفتوحة أمامه‪''...‬‬

‫الفيلسوف الفرنسي المعاصر لويس لافيل‬

‫‪5‬‬

‫قيسامي في مواجهة المرايا‬

‫الكاتب والناقد الفلسطيني الدكتور يوسف‬
‫حطيني‬

‫في إزاء مواجهة نصوص "مرآة تبحث عن هوية"‬
‫ينهض سؤال أولي ذو شقين‪ ،‬يتع ّلق بالعنوان‪ :‬الش ّق‬
‫الأول يتساءل عن مدى انسحاب التركيب الاستعاري‬
‫الذي ينبني عليه العنوان على لغة القصص عموم ًا‪،‬‬
‫والثاني عن مدى تغلغل النظرة المرآتية في جوهر‬

‫الأشياء والمخلوقات التي تنفتح عليها هذه القصص‪.‬‬
‫وإذا كانت إجابة الشق الأول تثير بعض اللبس والحيرة‪،‬‬
‫ذلك أن السمة الإبلاغية للغة النصوص جاءت على‬
‫نقيض عتبتها العنوانية المجازية‪ ،‬فإ ّن الشق الثاني‬
‫يقترح علاقات مشروعة بين المرآة والسرد‪ ،‬وبينها‬

‫‪6‬‬

‫وبين السارد الذي يحاول اجتراح علاقة بين الزمن‬
‫الحاضر ومرآته الماضية‪.‬‬

‫ينظر السارد إلى دخيلة نفسه‪ ،‬فلا يجد إلا مرآة قد‬
‫سرقت وجهه؛ إذ يقرأ عجز ًا عن رد ظلم يحيق‬
‫بالفلسطينيين‪ ،‬يرفده عجز عن مجابهة فساد مستفحل‬
‫في النفوس‪ ،‬حتى من خلال ربيع عربي سرعان ما سال‬
‫الاخضرار المزيف عن أوراقه‪ ،‬وها هنا بالضبط يكون‬
‫عليه أن ي ّتكئ على الماضي؛ ليجعل العلاقة بين زمنه‬
‫وزمن من سبقه الأساس الذي تقوم عليه معظم‬
‫مفارقاته القصصية‪ ،‬ولا يني يستحضر الخنساء وعنترة‬
‫وقيس بن الملوح والجاحظ وابن المقفع‪ ،‬بالطريقة‬
‫ذاتها؛ ليق ّدم للقارئ تقابلات حبكة عمادها تقابلات‬

‫زمنية تتكرر في أكثر من نص قصصي‪.‬‬

‫ومثلما يستحضر السارد هذه الشخصيات التراثية‪ ،‬فإنه‬
‫يلجأ كذلك إلى استحضار شخصيات ذات أثر بالغ في‬
‫الثقافة الغربية‪ ،‬قديمها وحديثها‪ ،‬نقرأ إلماحات إلى‬
‫شكسبير وكافكا وغيرهما‪ ،‬ونلمح تمازج ًا بين الأساطير‬

‫‪7‬‬

‫اليونانية والرومانية والشرقية‪ ،‬فثمة مكان لنرسيس‬
‫وسيزيف‪ ،‬وثمة مكان لسندريلا وشهرزاد‪ ،‬وثمة أيض ًا‬
‫مكان لمرآة كبيرة جد ًا يظهر فيها الماضي‪ ،‬وقد تمت‬
‫إعادة إنتاجه ليع ّبر عن وجهة نظر السارد‪ ،‬ومن ورائه‬
‫المؤلف‪ ،‬في الزمن الذي يحاصرنا بمنجزات الحضارة‬

‫والقتل‪.‬‬
‫ويبقى للقارئ الكريم أن يح ّدد مدى نجاح الأستاذ‬
‫قيسامي في إعادة إنتاج الشخصيات الحاضرة من‬

‫التاريخ في حكايات جديدة‪..‬‬
‫للحسين قيسامي أن يقترح علاقات إبداعية لحكاية‬
‫الماضي في الحاضر‪ ..‬وللقارئ أن يبدي رأيه في‬

‫التجربة‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫تقديم‬

‫بقلم الكاتب المغربي‪ :‬مصطفى لغتيري‬

‫يتميز الفن القصصي عموما بقدرته الفائقة على هضم‬
‫كل التجارب الإبداعية والتقنيات الكتابية المختلفة‪،‬‬
‫فهو جنس هجين‪ ،‬كما يشر إلى ذلك كثير من المبدعين‬
‫والنقاد‪ ،‬تجد فيه من كل فن طرف‪ ،‬لهذا كلما ظهر مبدع‬
‫جديد حاول أن يضع بصمته الفريدة على هذا الفن‬
‫الجميل‪ ،‬من خلال اجتراح طرق جديد ومتنوعة في‬
‫التعاطي مع الفعل القصصي‪ ،‬أو على الأقل البحث عن‬

‫توليفة جديدة مما سبق وتكرس إبداعيا‪.‬‬
‫وفي المجموعة القصصية "مرآة تبحث عن هوية"‬
‫للقاص الحسين قيسامي‪ ،‬نلمس هذا التنوع في أساليب‬

‫‪9‬‬

‫الكتابة‪ ،‬من خلال الاغتراف من مرجعيات عدة قصد‬
‫تحبير قصص‪ ،‬سرعان ما يتعلق بها الذهن والقلب‪..‬‬

‫هنا نجد توظيف بعض الشخصيات من التراث العربي‬
‫كقيس بن الملوح وعنترة بن شداد وغيرهما‪ ،‬حاول‬
‫القاص أن يبعثهما من جديد ليحيوا بيننا لحظات من‬
‫الزمن قصيرة في عمرها لكنها طويلة وعميقة في‬
‫دلالتها‪ ،‬وذلك من أجل طرح بعض قضيانا الثقافية‬
‫والاجتماعية والسياسة‪ ،‬بنوع من الكوميديا السوداء‬
‫التي تستند على المفارقة‪ ،‬ضالة المبدع القصصي‪ ،‬التي‬

‫تحقق لنصوصه كثيرا من الدرامية في الكتابة‪.‬‬

‫كما أن المبدع الحسين قيسامي ولى وجهه قبل التراث‬
‫الإنساني ليقتبس منه بعضا من آثاره الخالدة لتوظيفها‬
‫من أجل تحقيق نوع من عمق الدلالة وتعددها‪ ،‬كما فعل‬
‫مع أسطورة نرسيس‪ ،‬التي تحيل مباشرة على العنوان‬
‫الذي ارتضاه الكاتب لمجموعته‪ ،‬إنها لعبة المرآة التي‬
‫تجعل الآخر مضاعفا للذات‪ ،‬تنظر من خلاله إلى عيوبها‬

‫وحسناتها‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫في هذه المجموعة التي كتبت بلغة بسيطة وتبليغية‬
‫في عمومها بعيدا عن الافتتان بالمجاز والمعسنات‬
‫البلاغية‪ ،‬مراهنا على التواصل‪ ،‬لامس القاص مجموعة‬
‫من الثيمات الاجتماعية التي يعاني منه مجتمعنا‬
‫المغربي‪ ،‬بل وبعض من الهموم التي ترزح تحتها‬
‫الشعوب العربية عامة‪ ،‬كما لم يفته كمبدع منشغل‬
‫بقضايا أمته أن يقارب بعض القضايا القومية الملحة‪،‬‬
‫من قبيل القضية الفلسطينية التي كلما طال أمدها‬
‫استعصت على الحال‪ ،‬كاشفة الوجه البشع والمنافق‬
‫للمجتمع الدولي‪ ،‬الذي لا ينفك يكيل بمكيالين تجاه‬

‫قضايا الشعوب المقهورة‪.‬‬

‫لكل ذلك ولغيره‪ ،‬تتيح المجموعة القصصية" مرآة‬
‫تبحث عن هوية" للقارئ العادي المتعة المرتجاة‪،‬‬
‫وللقارئ المتخصص فرصة للاطلاع على تجربة جديدة‬
‫تحكمها الرغبة في التواصل مع المتلقي دون التضحية‬

‫بالعمق المفترض في النص الأدبي عموما‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫حين سرقت المرآة وجهي‬

‫استرسلت في تفكي ٍر عمي ٍق‪ ،‬حدقت طويل ًا في المرآة‬
‫ورأيت نرجسة‪َ .‬ق َررت في ذلك اليوم أن أبحث عن‬
‫وجهي في المرآة‪ .‬أبحث عن وجهي الضائع الملامح‪،‬‬
‫حتى ملامحي على المرآة تنكرني‪ .‬أبحث عن وجهي‬
‫المفقود فلا أجد ما يشبهني‪ .‬أ ِي َن أدفن رماد وجهي‪.‬‬
‫نظرت مرة أخرى في المرآة فعجزت عن رؤية انعكاس‬
‫صورتي‪ .‬تذكرت نارسيس المسكين والابتسامة تملأ‬
‫وجهي‪ .‬مرآة ذات وجهين سرقت وجهي وارتكبت‬

‫جريمة "التنكر العمد" مع سبق الإصرار والترصد‪.‬‬
‫أصبحت في دوامة من التفكير والسرحان وتساءلت‪:‬‬
‫هل أكون نفسي أم أرتدي قناع الزيف؟ فجأة كسر‬
‫هاملت المرآة وقفز أمامي وهو يناجي نفسه‬

‫‪12‬‬

‫قائل ًا ‪:‬أكون أو لا أكون هذا هو السؤال‪ .‬أردت الهروب‬
‫إلى عالم أظنه الملاذ‪ .‬نظرت في المرآة المنكسرة‬

‫وتساءلت‪ :‬متى أذهب إلى أين؟‬

‫‪13‬‬

‫الخنساء في باريس‬

‫فــي محطة مونبارناس للقطارات في باريس فور‬
‫نزولها من قطار التيجيفي القادم من قرية بني سليم‪،‬‬
‫وقعت عينا الخنساء على شاب فرنسي وسيم ذكرها‬
‫بأخيها صخر‪ .‬انهارت الخنساء‪ ،‬بعد ما تمالكت نفسها‬

‫وبدأت تبكي وتنوح‪:‬‬

‫أعين َّي ُجودا ولا تج ُمدا ‪ ...‬ألا تبكيان لصخ ِر ال َّندى؟‬
‫ألا تبكيا ِن الجري َء الجمي َل ‪ ...‬ألا تبكيا ِن الفتى ال َّسيدا‬

‫استرجعت أنفاسها‪ ،‬وخرجت من فضاء محطة القطار‬
‫الأنيقة عبر بوابتها الواسعة‪ ،‬لتتجه إلى رصيف الشارع‬
‫حيث استقلت أول سيارة أجرة توقفت لها لتتحدث إلى‬

‫‪14‬‬

‫سائقها‪ ،‬وتملي عليه وجهتها‪ " :‬سوق عكاظ من فضلك"‪.‬‬
‫وتوجه بها إلى القرب من سوق كارفور الكبير‪ ،‬حيث‬
‫المكان الذي ينزل به عادة السياح المتوجهون إلى‬
‫الساحة القريبة من حي مونبارناس‪ .‬أدت واجب‬
‫الركوب‪ ،‬ونزلت من السيارة وهي تبحث عن عكاظ‬

‫أعظم أسواق العرب في الجاهلية‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫صخرة‬

‫على قمة أحد الجبال بالقرب من مدينة كورينثة (مملكة‬
‫إفيرا) تنتصب أطلال تلال‪ ،‬تبعث شعورا بالوحشة في‬
‫قلب من يراها لأنها غارقة في الظلام‪ .‬صخرة تتدحرج‬
‫فجأة وسط الظلام ليثب خلفها رجل يرتدي سروالا‬
‫قصيرا‪ .‬كان يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه‪،‬‬
‫مثل طفل صغير يلتقط كرته ثم يرميها مرة أخرى‬
‫ويهرول خلفها من دون أن يأبه لتلك الممرات المظلمة‬
‫والموحشة من حوله‪ .‬التقط أنفاسه الثقيلة وهو يعارك‬
‫عذابه الأبدي حاملا لافتة مكتوب عليها‪" :‬ارحموا‬

‫سيزيف المظلوم"‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫في انتظار زيارة الحاكم‬

‫بدأ العد العكسي للمسؤولين بالمدينة لاستقبال حاكم‬
‫البلاد في زيارته الميمونة‪ .‬دأبت مصالح الجماعة على‬
‫تزيين مجموعة من الشوارع الرئيسية التي سيمر منها‬

‫موكب فخامته‪.‬‬
‫فقد شهدت المدينة حركة غير عادية‪ ،‬حيث تم بدء‬
‫تزفيت الطرق بعد وقف الاشغال لمدة طويلة‪ .‬إضافة‬
‫الى غرس الاشجار التي يبلغ طولها أزيد من أربعة أمتار‬
‫على جنبات الطرق لإضفاء رونق وجمالية أكثر على‬
‫المدينة‪ .‬تتكثف أشغال التزيين بمدخل المدينة دون‬
‫مراقبة‪ ،‬وتعتمد فيها معايير السرعة في الانتهاء من‬
‫الاشغال قبل حلول السلطان‪ .‬باغتت هذه الزيارة‬
‫المسؤولين الذين كانوا في سبات عميق وخالدين في‬

‫‪17‬‬

‫نعيم "الراحة" بمكاتبهم المكيفة‪ ،‬غير مكترثين‬
‫بمسؤوليات أنيطت بهم لإخراج هذه المدينة وسكانها‬
‫من واقع التهميش والإقصاء واللاأمن‪ .‬لم يبق غير قائد‬
‫البلاد لإنقاذ المدينة من الموت البطيء‪ .‬ارتفعت وتيرة‬
‫تزيين المدينة على غير عادتها خلال سائر الأيام‬
‫العادية‪ ،‬إلى درجة تمني سكان المدينة‪ ،‬زيارات متتالية‬
‫كي يروا مدينتهم في أبهى صورها وكامل أناقتها‪.‬‬
‫سكان المدينة حائرون يتهامسون لسرعة إنبات‬
‫الأشجار وإعداد الأرصفة وتزيين الشوارع والنافورات‬
‫بالأضواء‪ ،‬مشبهين إياها بالعروس المتزينة في ليلة‬
‫دخلتها‪ ،‬عكس ما يكون عليه الأمر في باقي الأيام‪،‬‬
‫معتبرين ذلك تضليلا لحاكم البلاد‪ ،‬وحتى المختلون‬
‫والمتشردون ت ّم إجلاؤهم من شوارع المدينة‪ .‬حل‬
‫عاهل البلاد بالمدينة وتجول بشوارعها‪ ،‬فاستطاع أن‬
‫يتعرف عليه الناس فحيوه ورد عليهم بالمثل‪ .‬وتوجه‬
‫في إحدى المرات صوب مجموعة من الأشخاص كانوا‬

‫‪18‬‬

‫تحت شجرة وتجاذب أطراف الحديث معهم‪ .‬ولكن‬
‫نظرا لأشعة الشمس والحرارة الشديدة تس ّبب ذلك في‬
‫بهتان ألوان الأشجار‪ ،‬وسالت أمام الحاكم الصباغة‬
‫الخضراء التي كانت تزين الأغراس والمساحات‬

‫الخضراء‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫عنترة بن شداد والثلج‬

‫حطت الطائرة على أرض المطار وهي تقل عنترة بن‬
‫شداد الذي سيشارك في المهرجان الدولي للتزلج على‬
‫الثلج تلبية لدعوة عمدة أوسلو‪ .‬وما أن حطت الطائرة‬
‫على أرض المطار حتى علت هتافات المستقبلين‬
‫للترحيب بأشهر فرسان العرب‪ .‬كان عنترة مرعب‬
‫الملامح أسود البشرة مشقوق الشفاه‪ ،‬طويل القامة‪،‬‬
‫سمين الجسم‪ ،‬عريض المنكبين‪ .‬كانت حالة الجو يوم‬
‫وصوله تسودها عواصف ترابية شديدة‪ ،‬وعندما تتحرك‬
‫رمال الكتيب تصدر صفيرا‪ .‬وهي فرصة للقيام برحلات‬
‫التخييم بالبر وممارسة الرياضات المختلفة كرياضة‬
‫التطعيس بسيارات الدفع الرباعي والتزلج على جبال‬
‫الرمال‪ .‬فور وصول عنترة إلى مقر إقامته‪ ،‬في قلب‬

‫‪20‬‬

‫القرية الأولمبية الشتوية‪ ،‬اشترى أحذية الزلاجات‬
‫وبزات التزحلق وهو يعبر عن سعادته الكبيرة للمشاركة‬
‫لأول مرة في هذه التظاهرة‪ .‬وفي يوم المسابقة حضر‬
‫جمع غفير من مختلف البلدان لتشجيع أبطالهم بما‬
‫فيهم أنصار عنترة من بني عبس‪ .‬تجمع المشاركون في‬
‫منتجع التزلج‪ ،‬وهناك تم توزيعهم الى مجموعات بعد‬
‫تناولهم وجبة الإفطار وتعارفهم‪ .‬انطلقت كل مجموعة‬
‫لتأخذ لوازم التزلج وتبدأ في ممارسة هذه الرياضة‬
‫الممتعة‪ .‬بالتأكيد لم يسلم الكثيرون من السقوط عدة‬
‫مرات وخاصة أولئك الذين لم يمارسوا هذه الرياضة من‬
‫قبل مثل عنترة‪ .‬ورغم تعثره المتكرر قضى عنترة وقتا‬
‫ممتعا في التزلج واللعب على الثلج والتقاط الصور‬

‫التذكارية وهو ينشد‪:‬‬

‫أنا الهجين عنترة كل امرئ يحمي ح َره‬

‫‪21‬‬

‫بعد ذلك‪ ،‬فوجئ عنترة بضربات متتالية من قبل‬
‫شخص كان يتربص به‪ .‬ولم يمهل المعتدي عنترة‬
‫طويلا‪ ،‬بل هاجمه بآلة حادة موجها إليه ضربات متتالية‬
‫للحيلولة دون دفاعه عن نفسه‪ .‬قتل الفارس الذي يقهر‬
‫من طرف الليث الرهيص من قبيلة ذوبيان في حلبة ''‬

‫داعش والغبراء"‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫المهرج الحزين‬

‫خرج من خشبة المسرح عائد ًا إلى غرفته حزين ًا وهو ما‬
‫زال مرتديا الأزياء المبهجة ومساحيق الألوان على‬
‫وجهه‪ .‬فنظر إلى ذاته المبرجة وتقابلت عيناه عينيه في‬
‫المرآة لتسألهما عن الخيبة والفشل‪ .‬توقف عن الإضحاك‬
‫وتعثرت قدرته على إثارة هرج ومرج الناس‪ .‬وقف‬
‫بصمت أمام المرآة‪ ،‬وركّز النظر إلى العينين ليجسد‬
‫ُحزنه برؤية الدموع تنهمر منهما‪ .‬دفعه فضوله مرة‬
‫أخرى لرؤية نفسه في المرآة‪ .‬حدق في وجهه الذي‬
‫تشوبه تجاعيد غائرة وفم مترهل بسبب الألوان‪ .‬أدرك‬
‫كذلك أن الصورة المنعكسة ليست صورة مطابقة تمام ًا‬
‫له‪ ،‬وإنما هي صورة مثالية للتهريج واتحاد ًا يسعى‬
‫للتماهي معها‪ .‬خلف قناع المهرج‪ ...‬يسكن حزن كبير! بدأ‬
‫يرسم صورته المنعكسة في المرآة على لوحة لعله‬
‫يتعرف على صورته‪ ،‬التي تشكل له وحدة جسدية‬

‫‪23‬‬

‫متكاملة ينتحلها لنفسه مما يمنحه ح ّس ًا بالكمال‬
‫والوحدة‪ ،‬كما يمنحه وعي ًا بفكرة الاختلاف والانفصام‬

‫عن الغير‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫سيغموند فرويد في ضيافة هارون‬
‫الرشيد‬

‫حاول سيغموند فرويد نسيان فلسفته المرتكزة على‬
‫علم التحليل النفسي المتشبعة بنظريات العقل‬
‫واللاوعي خاصة في تفسير الأحلام كمصادر للنظرة‬
‫الثاقبة عن رغبات اللاوعي‪ .‬أول ما قام به هو زيارة‬
‫إحدى العرافات لمعرفة دقة التنبؤات التي ذهبت إلى‬
‫أن أطباء الأعصاب لن يعمروا طويلا‪ .‬حضر فرويد أمام‬
‫العرافة‪ ،‬وقرأت عليه مستقبله المهني من خلال‬
‫الفنجان‪ .‬جربت العرافة وصفة سحرية تطبق لأول مرة‬
‫في تاريخ عالم الشعوذة والسحر‪ ،‬لكن حصل ما لم يكن‬
‫في الحسبان بعدما أخطأت الشوافة في الوصفة‪ ،‬ونتج‬
‫عن هذه العملية اختفاء فرويد أمام أعينها‪ ،‬مما أثار‬
‫اندهاشها معترفة بالخطأ‪ .‬وبعد قراءة متأنية في‬

‫‪25‬‬

‫الفنجان‪ ،‬اتضح للعرافة أن فرويد قد رجعت به عقارب‬
‫الساعة إلى زمن ماض يضرب اطنابه في العصر‬
‫العباسي (بمدينة بغداد)‪ ،‬وبالضبط إبان حكم هارون‬
‫الرشيد‪ .‬استفاق فرويد في هذه المدينة الغريبة‪ ،‬وانتابه‬
‫شعور الدهشة والحيرة وهو يطأ هذه البلدة‪ ،‬فكان أشبه‬
‫بالأعمى الذي تفتحت عيناه أمام النور‪ ،‬غير مصدق ما‬
‫يرى وكأنه يريد احتواء العالم كله ببصره‪ .‬تسمر الطبيب‬
‫النفسي في مكانه والألم يعتصر قلبه من جراء هول‬
‫الصدمة‪ ،‬خاصة بعدما فهم بأنه ضحية الوصفة‬
‫السحرية للعرافة‪ .‬فتمالك نفسه‪ ،‬وتبين له أنه من خلال‬
‫لباس سكان أهل البلدة‪ ،‬أن العصر الذي حط به لا يمكن‬
‫أن يكون إلا عصر ينتمي إلى القرون الوسطى‪ .‬اعترت‬
‫الدهشة صاحبنا‪ ،‬فاكتشف أنه أصبح خنفسا تتقاذفه‬
‫الأرجل وأعين المارة من أهل بغداد نظرا للباس‬
‫التقليدي النمساوي‪ ،‬كأن فرويد قد أتى من المريخ‪.‬‬
‫تناسلت عدة أسئلة عند سكان بغداد حول حقيقة هذا‬
‫"الشخص الغريب" بعدما تجمع البغداديون في حيرة‬

‫‪26‬‬

‫حوله‪ .‬أمام هذا المشهد‪ ،‬أتت فرقة من الحراس وكبلت‬
‫أيدي فرويد‪ ،‬وتم نقله إلى قصر الخليفة العباسي هارون‬
‫الرشيد‪ .‬وبمجرد أن علم وزير الرشيد‪ ،‬جعفر بن يحيى‬
‫البرمكي‪ ،‬بهوية وجنسية فرويد‪ ،‬صرخ في وجه هذا‬
‫الأخير مهددا بقتله‪ ،‬علما أنه تسربت أخبار مفادها أن‬
‫فرويد ينتمي إلى الطائفة اليهودية التي تشجع التمييز‬
‫العنصري‪ ،‬الشيء الذي يهدد مستقبل البرامكة‬
‫باعتبارهم يمثلون أقلية فارسية في ظل حكم الرشيد‪٠‬‬
‫إن أهم شيء ميز الظرفية التي كان يتواجد فيها فرويد‬
‫في قصر هارون‪ ،‬هي أحداث نكبة البرامكة نتيجة‬
‫ميول الوزير جعفر بن يحيى البرمكي إلى الطالبيين‪،‬‬
‫وما أشيع عن العلاقة غير الشرعية بين العباسة أخت‬
‫الرشيد ووزيره جعفر‪ ،‬الشيء الذي أدى بهارون إلى قتل‬
‫جعفر وصلب جثته على جسر بغداد وإحراقها أمام‬
‫أعين فرويد‪ .‬وفي احدى المناسبات‪ ،‬أراد فرويد مقابلة‬
‫الرشيد في قصره‪ ،‬وقال للحاجب‪ :‬قل للخليفة انني‬
‫أريد مقابلته‪ .‬فذهب الحاجب للخليفة الذي كان وقتها‬

‫‪27‬‬

‫عند جاريته المفضلة "خالصة" وأخبره بذلك‪ ،‬ولم‬
‫يخرج الخليفة لمقابلة فرويد‪ .‬وفي نفس الوقت كان‬
‫الشاعر أبو نواس ينتظر دوره لمقابلة الخليفة‪ ،‬ولكن‬
‫هارون الرشيد لم يخرج‪ ،‬فتألم أبو نواس وخرج مع‬

‫فرويد وكتبا على التوالي كل منهما على سور القصر‪:‬‬

‫لقد ضاع شعري على بابكم ‪ ....‬كما ضاع عقد‬
‫على خالصة‬

‫''إن الحياة النفسية للإنسان ليست حيوانية‬
‫فحسب‪ ،‬ولكنها كلها تنبع من جانب واحد من‬
‫جوانب الحيوان‪ ،‬هو الجنس المسيطر على كل‬

‫أفعال الإنسان‪''.‬‬

‫وحينما علم الخليفة بهذا‪ ،‬أمر الحرس أن يحضروا أبا‬
‫نواس وفرويد معتقدا أنها مؤامر حاكها فرود للهروب‬
‫من القصر‪ .‬طلب الرشيد منهما استفسارا حول ما تمت‬

‫‪28‬‬

‫كتابته على سور القصر‪ ،‬فكان الجواب من فرويد شديد‬
‫اللهجة‪ :‬أكّد فرويد على أثر الأنا الأعلى البالغ في‬
‫الاضطرابات السلوكية والعاطفية عند هارون الرشيد‪.‬‬
‫كان نتيجة لهذه النظرية الفرودية في مجال التحليل‬
‫النفسي هو صلب جثة فرود على جسر بغداد وإحراقها‪.‬‬

‫‪29‬‬

‫إعادة وقائع قصة قيس وليلى‬

‫كان قيس بن الملوح الوسيم يختال بسيارته الجديدة‬
‫الفارهة ولمح فتاة جميلة‪ .‬أحست الفتاة بالخجل لأن‬
‫نظرات ذلك الشاب كانت مصوبة اليها‪ .‬فقام قيس‬
‫بكتابة رقم هاتفه في ورقة ووضعها في جيب ليلى‬
‫العامرية‪ .‬لما وصلت ليلى إلى البيت لم تمتلك نفسها‬
‫فذهبت إلى غرفتها واتصلت به‪ .‬بعد مدة من تعارفهما‬
‫أظهر لها نيته بالزواج منها وأنه سيحضر قريبا لزيارة‬
‫أهلها‪ .‬تقدم قيس للزواج بليلى فرفض أبواها‪ .‬منع‬
‫قيس من الزواج من ليلى حتى جن وهام على وجهه‬
‫في الصحراء مع الوحوش‪ .‬قامت المحكمة بالتدخل‬
‫لـ"تزويج" ليلى من "فارس أحلامها" قيس وفسخ عقد‬
‫زواجها بورد بن مح ّمد العقيلي‪ .‬وزوجت المحكمة‬

‫‪30‬‬

‫العامة ليلى‪ ،‬بعد أن رفعت دعوى قضائية ضد والدها‬
‫بتهمة منعه تزويجها من قيس‪.‬‬
‫وأصدر القاضي حكمه أن يكون عقد النكاح من قبل‬
‫المحكمة مباشرة‪ ،‬استنادا إلى رأي شرعي يؤكد أنه إذا‬

‫"عضلها الولي الأقرب انتقلت الولاية إلى السلطان‪" .‬‬
‫وقد استدعى القاضي قيس بعد عقد عدة جلسات بين‬
‫الأب وابنته‪ ،‬وأقر بأنه ما زال يرغب في الزواج منها‬

‫ومنحها حقوقها التي يكفلها القانون‪.‬‬

‫‪31‬‬

‫مسخ‬

‫يتملكه شغف كبير بالجمال الأخاذ والجذاب رغم أنه‬
‫يكره النساء‪ .‬نحت تمثالا من العاج وصاغه أكثر جمالا‬
‫من نساء الأرض‪ .‬كان مغرم ًا بتمثاله‪ ،‬سعيد ًا به‪ .‬يحتضنه‬
‫ويلاعبه‪ ،‬ويحمله ويغني له حتى هام به‪ .‬وفي أعياد‬
‫الحب والخصب‪ ،‬جاء يق ّدم قربانه ويصلي في خشوع‬
‫بجوار المذبح ويضرع لفينوس أن تمنحه زوجة شبيهة‬

‫بالعذراء العاج ّية‪.‬‬
‫ما إن أفاق من أحلامه المزعجة حتى وجد التمثال قد‬

‫تح ّول إلى حشرة ضخمة‪.‬‬

‫‪32‬‬

‫ظل الكوفية‬

‫رسمت أشعة الشمس ملامحه الحزينة‪ .‬حرك رأسه‪ ،‬رأى‬
‫ظله يتحرك ويلازمه‪ .‬طارد ظله‪ ،‬وشعر وسط الحركة‬
‫الدائبة بفراغ يغزو أعماقه‪ .‬يمثل جيلا بلا قضية‪ ،‬تائه‪،‬‬
‫يقتات السراب‪ ،‬ويلتحف المجهول‪ .‬بدأ يتخوف حتى‬
‫من ظله‪ .‬أزاح عن الأنا أقنعة الظاهر واعترف بأنا‬
‫مشوهة الروح أفسدها الذل وبين آخر مشوه العقل‬
‫واغتصب أرضه‪ .‬ترك المنطق ولازمه الشيطان ملازمة‬
‫ظله‪ .‬صرح الشيطان بكل روح رياضية‪ :‬إذا أشهرت‬
‫سيفك في وجه الذئاب لقتلهم فإنك لن تستطيع إلا إذا‬

‫قتلت الذئب فيك‪.‬‬

‫‪33‬‬

34

‫محاكمة السلمون‬

‫يهاجر في ملحمة رائعة من الأنهار ليقطع رحلة آلاف‬
‫الكيلومترات حتى المحيط‪ .‬ينتقل من المياه المالحة‬
‫إلى العذبة‪ .‬يريد أن يتحرر كلية من المياه وصعوبات‬
‫العيش فيها‪ .‬يقفز ويحلق‪ ،‬يتمتع ويتأمل ولا يعود الى‬
‫عالمه إلا ليلبي حاجة جسده‪ ...‬دائم الارتفاع نحو الأعلى‬
‫حيث الشمس والهواء الطلق‪ .‬يعاكس التيار‪ ،‬يهوى‬
‫الصعاب ومواجهة الأخطار‪ .‬فرآه‪ ،‬إله البحر‪ ،‬بوسيدون‪،‬‬
‫فقلب عليه البحر‪ .‬حكم عليه بأن لا يصل إلى المياه‬
‫العذبة أبدا‪ ،‬وأن يبقى تائها في البحر‪ .‬أعطى تعليماته‬
‫السامية لهديس "إله الموتى"‪ ،‬لإرسال صاعقة محرقة‬

‫لن يسلم من لهيبها السلمون‪.‬‬

‫‪35‬‬

‫راكب الأمواج‬

‫بدأت مغامرة تحدي الموت في البحر عبر قارب‬
‫مطاطي‪ .‬خاضوا الأهوال من أجل الوصول الى جنة‬
‫"الفردوس"‪ .‬يتأملون خطو موج البحر‪ ،‬أخذتهم‬
‫الأمواج طويلا وبعيدا قبل أن تلفظهم على الشاطئ‪.‬‬
‫يرتفع الموج عاليا وأصبحت الجثث المتناثرة على‬
‫الشواطئ مشهدا يوميا يراه السكان وتجمعها السلطات‬
‫كما تجمع النفايات‪ .‬تهوي الطيور بأجنحتها على الماء‬
‫لالتقاط طعامها بمناقيرها‪ ،‬كلما كشف لها المد والجزر‬
‫عن أغوار وأسرار البحر‪ ،‬في سحابة صاخبة تلامس‬
‫سطح الماء بسرعة عالية ثم تطير في السماء‪ .‬تراقب‬
‫الجثث التي تظهر فوق سطح الماء بين لحظة وأخرى‪.‬‬
‫انكسر المو ُج على ال َّشاطئ‪ ،‬ونجحت الطيور في الهبوط‬

‫‪36‬‬

‫بشكل صحيح على المياه‪ .‬في نبرة حزينة مصحوبة‬
‫بنفس عميق قال قائل‪ :‬الطيــور على أشكالهــــا تقــــع‪.‬‬

‫‪37‬‬

‫حذاء سندريلا المفقود‬

‫تروي الأسطورة الشعبية المعروفة كيف أ ّن الأمير عثر‬
‫على "سندريلا" بفضل الحذاء الزجاجي الذي أفلت من‬
‫إحدى قدميها‪ .‬حاولت البلطجية في بلاد عربستان‬
‫استحضار عشرات الفتيات ينتعلن المقاس نفسه من‬
‫الحذاء "السندريلي" لقطع الطريق أمام ساندريلا التي‬
‫آمنت بأن تتزوج بأمير وتعيش في قصر جميل منذ‬

‫صغرها‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫وجوه وأقنعة‬

‫رفعت الستارة وابتدأت المسرحية‪ .‬حاول المخرج كسر‬
‫الجدار الرابع بإدخال ممثلين بين الحضور موزعا على‬

‫الجمهور أقنعة بلا ملامح‪.‬‬
‫صار الحضور أقنعة ذواتهم‪ ،‬واكتشف الممثل لعبة‬
‫التمسرح‪ .‬لا شيء يتح ّرك‪ ،‬الممثلون في متاهة ُمعتمة‬
‫و ُمقفلة‪ .‬هم يتكلمون لكنهم لا يقولون شيئ ًا‪ .‬عالم‬
‫يسوده الحزن والملل والرتابة‪ .‬الجمهور يختفي خلف‬
‫أقنعه مزيفه‪ .‬ولكن هل الوجوه أصبحت رخيصة جد ًا‬

‫كي نضيف لها القناع‪...‬؟!!!‬

‫‪39‬‬

‫تحكي شهرزاد ربيع عربستان‬

‫قال الراوي‪ :‬يا سادة يا كرام صلوا على خير الأنام‪ .‬في‬
‫الليلة الخمسين بعد الألفين من ليالي شهرزاد قال‬
‫شهريار‪ :‬حدثيني يا شهرزاد بحديث لم يسبق أن‬

‫تحدثت به‪..‬‬
‫فقالت شهرزاد‪ :‬أمر مولاي السلطان‪ ،‬سأقص عليك قصة‬

‫من بلاد عربستان‪.‬‬
‫أيها السلطان‪......‬‬

‫كان يا مكان‪ ..‬في قديم الزمان‪ ..‬في بلاد عربستان‪..‬‬
‫حاكم اسمه سيف بن ذي يزن‪ ..‬أصبح اسمه يتردد على‬
‫كل شفه ولسان نعم يا مولاي ‪ .......‬وفي أحد الأيام‪..‬‬
‫والناس في غليان‪ ..‬حاول سيف بن ذي يزن إجهاض‬
‫الثورة بإتقان‪ ..‬فأمسك ببلد عربستان‪ ..‬وفجأة قالت‬

‫‪40‬‬

‫شهرزاد للملك‪ :‬بلغني أ ُيها الملك ال َسعيد‪ ،‬ذو الرأي‬
‫ال َرشيد أنه ولظروف طارئة سأوقف الحكاية‪ ...‬سأوقف‬

‫جنوني الآن‪ ..‬وسأكتفي بالكتابة عنك‪.‬‬

‫‪41‬‬

‫الجاحظ في البرلمان‬

‫كنت من بين الصحفيين المحظوظين لتغطية جلسة‬
‫من الجلسات البرلمانية بمجلس النواب‪ .‬كانت الشمس‬
‫تسلط أشعتها على العاصمة في يوم هادئ‪ ،‬والإرهاق‬
‫يجعلني عاجزا عن الحركة من جراء السفر الطويل‪.‬‬
‫وبينما كنت أتوجه نحو المقهى المقابل لقبة البرلمان‪ ،‬إذا‬
‫برجل فوق بعير‪ ،‬قصير القامة‪ ،‬صغير الرأس‪ ،‬جاحظ‬
‫العينين‪ ،‬أسمر اللون‪ ،‬كأنه منحدر من أصل زنجي‪،‬‬
‫مشرق الجبين تضفي عليه لحيته البيضاء وقارا‪ ،‬مرتديا‬
‫طيلسانا ومسلحا بسيف‪ ،‬نادى علي وسألني عن مكان‬
‫وجود مجلس الشورى‪ .‬اندهشت لذلك المشهد الذي‬
‫أعاد بي الذاكرة لعصور مضت‪ ،‬ووضحت له أن مجلس‬
‫الشورى يدعى عندنا مجلس النواب‪ .‬لقد لمست في‬

‫‪42‬‬

‫الرجل حزنا دفينا وهما مستحكما يتطاير من عينيه‬
‫ومن جوارحه كأنه جاء ليصفي حسابا مع جهة معينة‪.‬‬
‫نزل الرجل من البعير وربطه بشجرة النخيل في قلب‬
‫الشارع‪ .‬ووقف قليلا ورفع عينيه‪ ،‬فإذا الأرض كأنما‬
‫انشقت عنه وهو يرعى مجموعة من الأشخاص‬
‫يدورون حوله في حيرة‪ .‬جررت خطاي متمهلا‪ ،‬وعلى‬
‫شفتي ابتسامة سقيمة‪ ،‬وأقنعته بأن يضع البعير في‬
‫المرأب‪ .‬وبعد لحظات شعرت بدبيب خطوات عنيفة‬
‫على مقربة منا‪ ،‬وتراقى إلى سمعي صوت شرطي وهو‬
‫يفاجئنا بسؤاله‪" :‬التعريف من فضلكم؟"‪ .‬بعدما قدمت‬
‫نفسي للشرطي‪ ،‬رفع الضيف صوته على رجل الأمن‬
‫قائلا‪ " :‬كيف أعرف نفسي وأنا الذي له علاقة ببلاط‬
‫الدولة العباسية وكبار الوزراء وأعيان الدولة كمحمد بن‬
‫عبد الملك بن الزيات‪ ،‬وزير الخليفة المعتصم ثم‬
‫الخليفة الواثق"‪ ،‬فاستسمح الشرطي بعد إعطاء التحية‬
‫للرجل معتقدا أن المتحدث إليه عنده معارف في‬

‫‪43‬‬

‫الدولة‪ .‬جلسنا بعد ذلك بالمقهى المقابل للبرلمان‬
‫لأستطلع الأمر‪ ،‬وكنت متيقنا أن أمر صاحبنا له علاقة‬
‫بنائب من نواب الأمة‪ ...‬ربما هذا الأخير قد قصر في‬
‫عمله ولم يف بوعوده الانتخابية‪ .‬كانت الصدمة كبيرة‬
‫عندما قدم الرجل نفسه بأنه الجاحظ‪ ،‬إذ لم أكن أتوقع‬
‫ولو لحظة في حياتي أن أقابل في يوم من الأيام هرما‬
‫من أهرام الأدب العباسي العربي‪ .‬كنت خائفا أن يتطاير‬
‫هذا الخبر إلى المخابرات ويتهمونني بالمؤامرة مع‬
‫المجتمع العباسي‪ .‬كان الجاحظ يتكلم معي بلغة تجمع‬
‫بين قوة الصنعة وجزالة الأسلوب وطلاقته‪ ...‬واسع‬
‫الثقافة‪ ،‬عميق الفكرة‪ ،‬خطيب بليغ يتقن الفصاحة‬
‫ويهوى البيان‪ .‬كان سعيدا بتواجده في القرن ‪ 21‬قادما‬
‫من القرون الوسطى ليحضر جلسة بالبرلمان‪ .‬بينما كنا‬
‫نتجاذب أطراف الحديث‪ ،‬مر أمامنا شبان حاملين‬
‫أعلاما خضراء ويهتفون باسم الرجاء " ديما‪ ،‬ديما‬
‫رجاء"‪ ،‬وانبهر الجاحظ لذلك المشهد وسألني عن سر‬

‫‪44‬‬

‫هؤلاء الشبان‪ ،‬بعدما سرحت على شفتيه ابتسامة‬
‫عريضة لم يملك إخفاءها‪ .‬فأجبته قائلا‪ :‬إن الأمر يتعلق‬
‫بجماهير الرجاء‪ ،‬إذ سينازل فريق الشياطين الخضر‬
‫فريق الفتح برسم نهاية كأس العرش‪ .‬فأخد الجاحظ‬
‫سيفه وهتف " الله أكبر‪ ،‬ينصر الإسلام والمسلمين‪،‬‬
‫وبارك الله الفتح الاسلامي" معتقدا أنه يتعلق الأمر‬
‫بحرب بين الكفار والمسلمين‪ ،‬وأن الجيوش الغازية قد‬
‫اكتسحت العاصمة‪ ،‬وأن القتال يحمى وطيسه في‬
‫شوارعها‪ .‬وبعد ذلك شققنا طريقنا في اتجاه قبة‬
‫البرلمان‪ ،‬وبدأ الجاحظ يرمي ببصره يمنة ويسرة‬
‫مستمتعا بالناس كأنه يتجول في سوق بغداد‪ .‬كان‬
‫يسير مطرق الرأس‪ ،‬ثقيل المشي وتوقف عند كشك‬
‫وبدأ يتصفح الكتب وتفاجأ أمام الأحرف الصغيرة‪،‬‬
‫والأسطر الكثيرة‪ ،‬بعدما فسرت له أنه يرجع الفضل في‬
‫ذلك لاختراع الورق والطباعة‪ ،‬وكانت سعادته غامرة‬
‫حينما علم أن آلة الطباعة قادرة على طبع الآلاف من‬

‫‪45‬‬

‫النسخ في وقت وجيز‪ .‬وبينما أتصفح بعض الكتب‪ ،‬أثار‬
‫انتباهي كتاب يحمل عنوانا "النزعة الكلامية في‬
‫أسلوب الجاحظ"‪ ،‬وابتسمت قليلا وأنا أقدم له ذلك‬
‫الكتاب قائلا‪ :‬هذا كتاب عنك‪ ،‬واندهش مؤكدا إلى أي‬
‫حد هو معروف في وقتنا الحاضر‪ ،‬وشرحت له أن عددا‬
‫من الكتب وبحوث قد أنجزت حوله‪ .‬مررنا بعد ذلك أمام‬
‫البنك المركزي‪ ،‬ووقف الجاحظ متأملا في البناية‬
‫مستفسرا عن سبب استبدال اسم بيت المال بالبنك‬
‫المركزي‪ .‬ولما بلغنا الباب الخارجي للبرلمان‪ ،‬استرعى‬
‫انتباه الجاحظ مجموعة من الشباب حاملين لافتة‬
‫مكتوب عليها "عليك الأمان‪ ،‬عليك الأمان‪ ...‬لا حكومة‬
‫لا برلمان"‪ ،‬ومثل الجاحظ أمام الباب يتفرس في‬
‫المشهد‪ ،‬وعلى الفور أقبل علي قائلا‪" :‬ماذا يفعل هؤلاء‬
‫الشباب أمام البرلمان؟" فأجبت قائلا بأنهم دكاترة‬
‫معطلون يطالبون بحقهم في الشغل‪ .‬فثار الجاحظ‬
‫واستشاط غضبا موجها لطمة إهانة للحكومة‬

‫‪46‬‬

‫والمسؤولين عن هذه المهزلة‪ .‬دخلنا إلى قبة البرلمان‪،‬‬
‫وبعد افتتاح الجلسة من طرف رئيس مجلس النواب‪،‬‬
‫تدخل وزير المالية للدفاع عن مشروع الميزانية‪ .‬لم‬
‫يفهم الجاحظ شيئا عن المصطلحات الحديثة‬
‫المستعملة كضريبة النظافة‪ ...‬ووجه اللوم للحكومة في‬
‫ما يخص ثقل هذه الضرائب على المواطن‪ ،‬وأضاف أنه‬
‫رغم الظروف الجيدة في المجتمع العباسي‪ ،‬فالضرائب‬
‫كانت قليلة واقتصرت على ضريبة الجزية‪ ،‬ضريبة‬
‫الخراج‪ ،‬ضريبة المكوس وضريبة المواريث‪ .‬وبعد‬
‫مداخلة وزير المالية‪ ،‬جاء دور تدخلات النواب‬
‫المحترمين‪ .‬فتدخل أحد البرلمانيين‪ ،‬موجها سؤالا مليئا‬
‫بالأخطاء اللغوية‪ ،‬وأصبح الجاحظ في حيرة للمستوى‬
‫الهزيل لنواب الأمة‪ ،‬وأكدت له أن حال نوابنا هو حتمية‬
‫تاريخية‪ ،‬وأغلبيتهم أميون يتطاولون على تدبير الشأن‬
‫العام‪ .‬فثار الجاحظ مرة أخرى وتعجب للمفارقة‬
‫العجيبة والغريبة‪ :‬دكاترة معطلون خارج التماس‪،‬‬

‫‪47‬‬

‫ومسؤولون أميون يتطفلون على شؤون الأمة‪ .‬وبعد‬
‫خروجنا من قبة البرلمان‪ ،‬عاهدني الجاحظ بأنه سوف‬
‫يكتب الجزء الثاني من كتاب "البخلاء" حول الحكومة‬
‫ونواب الأمة‪ .‬توجهنا بعد ذلك في اتجاه المرأب لنتوادع‬
‫ولكن الجاحظ اندهش لحالة البعير وهو مقيد الأرجل‬
‫بحداء دنفر المخزني‪ .‬إن صورة البعير القاتمة الحزينة‬
‫تتراءى للجاحظ مع عشرات الصور المؤلمة التي‬
‫شاهدها في بلدنا العزيز‪ .‬وبعد دقائق أتت شاحنة‬
‫"الديباناج" لجر البعير إلى المحجز البلدي بسبب عدم‬

‫تأدية الجاحظ واجبات الحراسة‪...‬‬

‫‪48‬‬

‫ابن المقفع في المجلس الحكومي‬

‫جمع حاكم بلاد عربستان مساعديه وأخبرهم‪ :‬عبد الله‬
‫ابن المقفع ُب ِع َث وعاد وأنتم نيام‪ ،‬اذهبوا وآتوني به في‬
‫الحين وإلا أتاكم مني عذاب شديد ‪.‬‬
‫لقد راجت أخبار تفيد أن ابن المقفع أتى برسالة لحاكم‬
‫عربستان تتعلق ببطانة هذا الأخير وأصحابه منتقدا‬
‫السياسية القائمة في البلاد‪ .‬استغرب الجميع لهذا الخبر‪،‬‬
‫وانخرطت عدة قنوات تلفزية في عملية البحث عن ابن‬
‫المقفع‪ ،‬في الوقت الذي تم فيه تجنيد المخابرات‬
‫والشيوخ والمقدمين لتتبع أثر الضيف العباسي دار دار‬
‫زنكة زنكة‪ ،‬وحتى في المساجد والحانات والمقاهي‬
‫والبرلمان والفنادق والمدارس‪ .‬ولما تبين للجميع اختفاء‬
‫ابن المقفع‪ُ ،‬اعطيت الأوامر للتجسس على الحيوانات‬

‫‪49‬‬


Click to View FlipBook Version