The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.
Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by ramez.fouad, 2018-07-28 07:39:11

قلب الايمان

‫قلب‬

‫الاعترافات الممنوعة‬

‫لـ«شيخ الأزهر»الإمام‬

‫التغيب عن جنازة الشقيقة‬

‫كان لاف ًتا أن يغيب عن جنازة شقيقته‪.‬‬
‫حين اطلعت على الخبر كان التفسير الذى ارتكنت إليه أن المسافة من القاهرة ‪ -‬حيث يقيم ‪ -‬إلى‬
‫مدينة القرنة غرب الأقصر ‪ -‬مسقط رأسه ‪ -‬حرمته من أن يكون فى مقدمة مشيعى شقيقته‪ ،‬غير‬

‫أن شهادة مستشاره الأقرب أسقطت هذا التفسير تما ًما‪.‬‬
‫الحديث هنا يقترب من الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب‪.‬‬
‫بعد ‪ 3‬أيام من وفاة السيدة سكينة محمد أحمد الطيب «‪ 27‬يونيو الماضى» نشر محمد عبدالسلام‪،‬‬
‫مستشار شيخ الأزهر‪ ،‬عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»‪ ،‬ما وصفه‬

‫بـ«كواليس» تلقى الإمام الأكبر خبر وفاة شقيقته‪.‬‬
‫أنقل هنا ما قاله ن ًصا‪« :‬صباح الأربعاء الماضى (‪ 27‬يونيو) أيقظنى اتصال من أحد الزملاء يخبرنى‬
‫بوفاة الشقيقة الكبرى لسيدى الإمام الأكبر شيخ الأزهر‪ -‬حفظه الله ورعاه‪ -‬وسألت عما إذا‬
‫كان فضيلته عرف بالأمر فأخبرنى بأن الوفاة حدثت فى وقت متأخر من الليل‪ ،‬وأن الأخ الأكبر‬
‫لفضيلته أوصى بالتريث فى إخبار فضيلته حتى يستيقظ من نومه‪ ،‬وحين استيقظ الإمام وعرف‬

‫بالوفاة ردد متأث ًرا‪( :‬إنا لله وإنا إليه راجعون)‪ ،‬وأخذ يدعو لشقيقته بالرحمة والمغفرة‪ ،‬ويذكر‬
‫صبرها على تربية أبنائها بعد وفاة زوجها فى سن مبكرة‪ ،‬وصبرها على المرض فى أواخر أيامها‬
‫رحمها الله»‪ .‬ويضيف‪« :‬ومع كثرة المطالبين بضرورة إلغاء المواعيد المحددة مسب ًقا بالمشيخة‪،‬‬
‫وتأجيل موعد الانعقاد الدورى لاجتماع هيئة كبار العلماء‪ ،‬حتى إن أصحاب المواعيد طلبوا تأجيل‬
‫الموعد تقدي ًرا للظروف‪ -‬أصر فضيلته على أن تبقى الأمور كما هى وعلى طبيعتها‪ ،‬قائلا‪ :‬يجب أن‬
‫نكون قدوة‪ ،‬فالموت ليس نهاية الكون ولا تتوقف عنده الحياة والأشغال‪ ،‬يجب أن نمضى فى عملنا‬
‫ونكمل الطريق‪ ..‬وفى نهاية اليوم سوف أسافر إلى الأقصر لأكون بجوار أسرتى وأبناء شقيقتى‪،‬‬
‫ووجه بسرعة الإعلان أن العزاء مقصور على الأسرة حتى يعفى السادة المسئولين والجميع من‬
‫الحرج وتبعات مشقة السفر مع اشتداد حرارة الجو‪ ،‬وألا نشغلهم عن أعمالهم ومسئولياتهم أعانهم‬
‫الله عليها»‪ .‬من زاوية أخرى يمكن أن نمسك بمفتاح رئيسى لفهم شخصية شيخ الأزهر‪ ،‬إنه رجل لا‬

‫تسقطه الأحزان‪ ،‬ولا تقدر عليه‪.‬‬
‫أما كيف أصبح شيخ الأزهر على هذه الحالة؟‪ ،‬فهذا ما نحاول الإجابة عنه هنا‪.‬‬

‫تزوجت دون حب‪ ..‬ووالدى ر َّبانى‬

‫تربية قاسية ليس فيها حنان‬

‫نحن الآن فى عام ‪.2003‬‬
‫كان الدكتور الطيب قد خرج لتوه من دار الإفتاء بعد أقل من عام ونصف العام قضاهما‬
‫مفتيا للديار المصرية‪ ،‬وكان هو الذى طلب إعفاءه من مهام منصبه‪ ،‬واختار رئاسة جامعة‬
‫الأزهر‪ ،‬التى تولاها فى اليوم التالى مباشرة لخروجه من دار الإفتاء‪ ،‬خل ًفا للدكتور أحمد‬
‫عمر هاشم‪ ،‬ليخلفه فى دار الإفتاء الدكتور على جمعة‪ .‬وقتها أجرى الكاتب والمحاور الراحل‬

‫محمود فوزى حوا ًرا مع رئيس جامعة الأزهر الجديد‪.‬‬
‫لم يهتم محمود فوزى فى حواره مع الدكتور الطيب بأسباب خروجه من دار الإفتاء‪ ،‬ولا‬
‫بآرائه وأفكاره‪ ،‬ولكن اهتم بحياته الخاصة والعائلية‪ ،‬فقدم ما يشبه «البورتريه النفسى‬

‫الصادق»‪.‬‬

‫ويبدو أن الشيخ الطيب استراح لمحمود فوزى‪ ،‬الذى كان قاد ًرا على اقتحام أعتى الشخصيات‬
‫وأكثرها قدرة على إحاطة نفسها بسياج من السرية‪ -‬ففتح له خزائن أسراره‪.‬‬
‫ما الذى قاله شيخ الأزهر؟‬

‫«تزوجت من ابنة عمى على طريقة الزواج فى جيلى‪ ،‬فجيلى لم يكن يعرف الحب‪ ،‬وكل منا‬
‫تزوج بطريقة معينة‪ ،‬فكان مثلا الشاب يرى ابنة عمه ويهواها ويتزوجها‪ ،‬وقد تزوجت بهذه‬
‫الطريقة وهو زواج والحمد لله أعتبره موف ًقا‪ ،‬وساعدنى على التقدم فى حياتى العلمية‪.‬‬
‫وأذكر أن والدى ربانى تربية قاسية ليس فيها حنان‪ ،‬وقد ربيت أولادى تربية فيها شىء من‬
‫هذا‪ ،‬فلم يحدث أن ق ّبلت ابنى‪ ،‬لقد ربيت محمود وزينب على احترام الأب والأم‪ ،‬ولكنهما‬

‫يجلسان معى ويناقشان أمورهما‪ ،‬ولم أحتج يوما أن أعاملهما بالضرب أو العنف مطل ًقا‪.‬‬

‫كل مسارات حياتى لم يكن لى‬

‫يد فيها بل كنت مدفو ًعا إليها‬

‫يقول الطيب‪« :‬أول محطة فى حياتى حين حاولت دخول المدرسة الابتدائية واشتريت الطربوش والمريلة‪ ،‬ولكن‬
‫فجأة قال لى والدى‪ :‬لا تذهب إلى المدرسة واذهب إلى الكتاب‪ .‬وكان هذا أول منعطف خطير فى حياتى‪ ،‬ثم‬
‫حفظت القرآن الكريم‪ ،‬ودخلت مع أبناء جيلى الأزهر الشريف فى سن مبكرة‪ ،‬وحصلت على الابتدائية الأزهرية‬
‫من معهد إسنا‪ ،‬ثم انتقلت إلى مدينة قنا فى المرحلة الثانوية‪ ،‬وكان نظام التقسيم إلى الأدبى والعلمى جدي ًدا‪،‬‬
‫فرغبت فى دخول القسم العلمى لكى أكون طيا ًرا‪ ،‬فقد بنى الإنجليز مطا ًرا على مقربة من قريتنا (القرنة) فى‬
‫البر الغربى للأقصر‪ ،‬ويكاد يكون هو المطار الوحيد بعد مطار القاهرة‪ ،‬فلم يكن هناك بعد مطار أسوان أو مطار‬
‫أسيوط‪ ،‬وكانت الطائرات قبل نزولها تهبط بأجنحتها على بيوتنا‪ ،‬فتكون الطائرة بكل تفاصيلها الدقيقة‬
‫واضحة أمامى أكاد ألامسها بأجنحتها الكبيرة‪ ،‬مشهد مبهر استولى على كل خيالى المبكر‪ ،‬ولكن والدى‪ ،‬رحمه‬

‫الله‪ ،‬وقف لى بالمرصاد‪ ،‬وتبخرت كل هذه الطموحات‪.‬‬
‫حصلت على مجموع فى الثانوية العامة يتيح لى الالتحاق بكلية اللغات والترجمة وكلية التجارة‪ ،‬ولكن والدى‬
‫لم يقبل ذلك ودفع بى إلى كلية أصول الدين‪ ،‬وهكذا تلاحظ أن كل مسارات حياتى لم يكن لى يد فيها‪ ،‬بل كنت‬

‫مدفو ًعا إليها‪ ،‬ولكن كنت إذا ما دخلت مسا ًرا مه ًما كان لا بد أن أكون من الطلاب المتقدمين‪ ،‬من منطلق أن هذه‬
‫قسمة الله سبحانه وتعالى»‪.‬‬
‫انتهى كلام شيخ الأزهر هنا‪.‬‬

‫يقولون إذا أردت أن تعرف لماذا يتصرف إنسان ما على وجه معين‪ ،‬فلا تبحث عن دوافعه فقط‪ ،‬ولكن تأمل كثي ًرا‬
‫فى تكوينه النفسى‪ ،‬ارجع به إلى مرحلة طفولته‪ ،‬إلى التربية التى تربى على أساسها‪ ،‬يمكننا وقتها أن نعرف‬
‫حقيقته‪ ،‬أو على الأقل ندرك أسباب بعض ما يفعله‪ .‬التاريخ الذى يحمله الدكتور أحمد الطيب على كتفيه‪،‬‬
‫لا يمكن أن يفسر لنا الكثير مما نجده عليه الآن‪ ،‬غير أن ما قاله لمحمود فوزى يفسر الكثير من تصرفات الإمام‬
‫الأكبر‪ .‬لم يعرف الدكتور الطيب الحب‪ ،‬ولا أكشف س ًرا إذا قلت إنه يعيش وحي ًدا فى القاهرة‪ ،‬بينما قرينته فى‬
‫الأقصر‪ .‬لقد كانت تربيته قاسية‪ -‬على الأقل بمعايير هذا الزمان‪ -‬فكان طبيع ًيا ألا تهزه الأحزان ظاهر ًيا‪ ،‬وإن‬
‫هزمته من الداخل‪ .‬وتستطيع الآن أن تتفهم حالة التجهم الدائمة التى يبدو عليها الشيخ‪ ،‬فهو لا يكاد يظهر‬

‫مبتس ًما أب ًدا‪ ،‬وأعتقد أنه لا يكون مبته ًجا على الإطلاق‪.‬‬

‫الطيب فى‬

‫«السوربون»‬

‫كان موضوع رسالة الدكتوراه التى حصل عليها الدكتور أحمد الطيب‪ ،‬من جامعة‬
‫السوربون فى باريس‪ ،‬هو «الجانب النقدى فى فلسفة أبى البركات البغدادى»‪ ،‬وكان‬
‫أبوالبركات فيلسو ًفا يهود ًيا لكنه أسلم‪ .‬ومن بين ما يذكره الدكتور الطيب أنه كان سب ًبا‬
‫فى إسلام أسرة عندما كان يدرس فى السوربون‪ .‬يقول‪« :‬كنت أثناء العبور من أمام‬
‫غرفهم لا يتطرق نظرى إلى حجرات النوم المفتوحة على مصراعيها‪ ،‬وكنت أمر عليها‬
‫فى طريقى إلى حجرتى‪ ،‬ولم يحدث مرة واحدة أن جرحتهم بنظرة واحدة على مدى‬
‫عشرة أشهر أقمتها معهم‪ ،‬فانبهرت الأسرة كلها واعتنقت الإسلام‪ ،‬وقالوا لى‪ :‬إننا لم نرك‬
‫ولو مرة واحدة تدخل بفتاة إلى حجرتك‪ ،‬رغم أنه كان مسمو ًحا بهذا‪ ،‬ونراك تبعد عن‬
‫السهرات حتى فى الكريسماس‪ ،‬ونراك تقرأ القرآن فى الصباح الباكر ولا تشرب الخمر‬
‫ولا تجلس على مائدة فيها خمور‪ ،‬وفى أدب شديد دون أن تنهانا عن شىء من ذلك‪ ،‬وهو‬
‫ما ك ّون لدينا عاطفة جيدة نحو الإسلام‪ ،‬وانتهى الأمر بأن أعلنت هذه الأسرة إسلامها»‪.‬‬


Click to View FlipBook Version