مسألة ترقية الحديث الضعيف إلى الحسن
الحصيلة الدراسية
بعد دراسة هذه الوحدة يتمكن الطالب/ة من معرفة:
شروط ترقية الحديث الضعيف إلى الحسن
العواضد الصالحة لترقية الحديث الضعيف
العواضد غير الصالحة لترقية الحديث الضعيف
.4مسألة ترقية الحديث الضعيف
ومسألة ترقية الحديث الضعيف إلى الحسن من المسائل المختلف فيها عند أهل العلم ،ومنهم من رآى بجوازها،
ومنهم من لم ير ذلك ،ثم إن الذين مالوا إلى جوازها اختلفوا في صور جوازها؛ ما هي العواضد الصالحة
والعواضد غير الصالحة لها؟ ففي هذا المبحث سنتناول المسألة بالكلام والمناقشة والنظر إلى موقف العلماء فيها.
4.4تعريف الترقية
الترقية لغة مصدر من ر ّقى التي بمعنى رفع.1
فترقية الحديث الضعيف هو رفع مرتبته أو درجته من الضعف -التي هي مرتبة دنية -إلى مرتبة أعلى منها وهي
مرتبة الحسن .إذ إ ّن أعلى مرتبة للحديث هو الصحيح ثم الحسن ثم الضعف .فترقيته فتكون من الضعيف إلى
الحسن.
1مرتضى ال َّزبيدي ،مح ّمد بن مح ّمد بن عبد الر ّزاق الحسيني ،أبو الفيض ،تاج العروس من جواهر القاموس ،دار الهداية ،ج ،83ص.571
48
والضعف حالة تجعل الحديث لا يصلح للاحتجاج والاستدلال ،وأحيانا تجعله مردودا .فترقيته إلى مرتبة الحسن
ستجعله صالحا للاحتجاج والاستدلال.
وأطلق هذا المبحث كذلك بمسميات مختلفة كمبحث تقوية الحديث الضعيف وكذا مبحث جبر الحديث
الضعيف إلى الحسن -ويسمى الذي يقويه الجابر أو العاضد ،ويجمع على العواضد ،-أي جعل الحديث
الضعيف قويا منجبرا يحتج ويعمل به ،والمراد من كلها واحد .وهو رفع مرتبة الحديث الضعيف إلى الحسن.
هذا لقد أجاز كثير من العلماء ترقية الحديث الضعيف إلى الحسن استنادا إلى صنعة العلماء القدامى.
4.4أقوال العلماء في جواز ترقية الحديث الضعيف:
قال المنذري:
"قد علم أن تضافر الرواة على شيء ومتابعة بعضهم لبعض في حديث مما يش ّده ويقويه ،وربما التحق بالحسن وما
يحت ّج به".2
وقال النووي:
"إذا روي الحديث الضعيف من وجوه ضعيفة ،لا يلزم أن يحصل من مجموعها حسن ،بل ما كان ضعفه لضعف
حفظ راويه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجه آخر ،وصار حسنا .وكذا إذا كان ضعفه بالإرسال زال بمجيئه
من وجه آخر ،وأما الضعف بفسق الراوي فلا يؤثر فيه موافقة غيره والله أعلم".3
وقال ابن حجر:
"ومتى توبع السيء الحفظ بمعتبر كأن يكون فوقه أو مثله لا دونه ،وكذا المختلط الذي لم يتميز ،والمستور،
والإسناد المرسل ،وكذا المدلس إذا لم يعرف المحذوف منه ،صار حديثهم حسنا لا لذاته بل وصفه بذلك باعتبار
2الزركشي ،النكت على مقدمة ابن الصلاح ،المصدر السابق ،ص ،5ج.827
3النووي ،التقريب والتيسير ،المصدر السابق ،ص.85
49
المجموع من المتابِع والمتا َبع ،لأن مع كل واحد منهم احتمال كون روايته صوابا أو غير صواب على حد سواء،
فإذا جاء من المعتبرين رواية موافقة لأحدهم رجح أحد الجانبين من الاحتمالين المذكورين ،ودل ذلك على أن
الحديث محفوظ ،فارتقى من درجة التوقف إلى درجة القبول".4
وخالفهم في ذلك ابن حزم فمنعه ،قال الزركشي" :وشذ ابن حزم عن الجمهور فقال :ولو بلغت طرق الضعيف
ألفا لا يقوى ولا يزيد انضمام الضعيف إلى الضعيف إلا ضعفا".5
ورد عليه الزركشي قائلا" :وهذا مردود ؛ لأن الهيئة الاجتماعية لها أثر ،ألا ترى أن خبر المتواتر يفيد القطع مع أنا
لو نظرنا إلى آحاده لم يفد ذلك ،فإذا كان ما لا يفيد القطع بانفراده يفيده عند الانضمام ،فأولى أن يفيد الانضمام
الانتقال من درجة الضعف إلى درجة القوة ،فهذا سؤال لازم ،لا سيما إذا بلغ مبلغ التواتر ،فإن المتواتر لا يشترط
في أخباره العدالة كما تقرر في علم الأصول".6
4.4شروط ترقية الحديث الضعيف
فالذين جوز الترقية اشترطوا لها شروطا ،وهي:
.5تعدد الطرق
.2أن لا يكون الضعف شديدا
.8أن تنفى العلة
4ابن حجر ،نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ،المصدر السابق ،ص.521
5الزركشي ،النكت على مقدمة ابن الصلاح ،المصدر السابق ،ص ،5ج.822
6المصدر نفسه.
50
1.3.4تعدد الطرق
والمراد بتعدد الطرق كثرتهاَ ،وال مم َراد بالطرق ا ملأَ َسانِيد ،7وتسمى كذلك بالمخارج والأوجه..
وتوضيح ذلك أن الأحاديث النوبية ليست كلها وردت من سند واحد أو طريق واحدة ،بل بعضها وردت
بأسانيد أو طرق مختلفة كثيرة .فبعضها ورد عن صحابي ،ثم ورد نفس الحديث عن صحابي آخر ،وبعضها يجيء
من رواية نفس الصحابي ،لكن باختلاف في الرواة .والذي ورد عن صحابي ،ثم ورد نفس هذا الحديث عن
صحابي آخر يسمى بالشاهد.
والشاهد:هو الحديث الذي يشارك فيه روايته رواة الحديث الفرد لفظ ًا ومعنى ،أو معنى فقط مع الاختلاف في
الصحابي.8
والذي يجيء من رواية نفس الصحابي ،لكن باختلاف في الرواة .يسمى بالمتابعة.
7ابن حجر ،نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ،المصدر السابق ،ص .87والإسنادِ :ح َكا َية َط ِريق ال مَم متن َأي والسند َط ِريق ال َمم متن ،المناوي زين
الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين ،اليواقيت والدرر شرح شرح نخبة الفكر ،ج ،5ص.282
8طحان ،تيسير مصطلح الحديث ،المصدر السابق ،ص ،577ومثال الشاهد إذا جاء حديث عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما ،ثم ورد
نفس الحديث عن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما ،فإننا نطلق على حديث عبد الله بن العباس رضي الله عنهما شاهدا لحديث عبد الله بن
عمر رضى الله عنهما ،وحديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما شاهدا لحديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما .
51
النموذج:
والمتابعة :هي الحديث الذي يشارك فيه روايتها رواة الحديث الفرد لفظ ًا ومعنى ،أو معنى فقط مع الاتحاد في
الصحابي .وهي إما تامة أو قاصرة.9
فالمتابعة تختلف عن الشاهد في كون المتابعة الصحابي واحد ،أما الشاهد فالصحابي يختلف.
وغالبا ليست كل طريقة على درجة واحدة ،بل منها صحيح ومنها ضعيف ،وإن جاءت كلها من منبع واحد،
وهو الصحابة أو الشيوخ ،فهل يجوز أن نقوي الحديث الذي جاء من سند ضعيف بالحديث الذي جاء من سند
صحيح أو حسن؟ لأنهما متفقان في مخرجهما ،فاحتمال عدم صحة الحديث الذي جاء من سند ضعيف أو ثبوته
إلى النبي تنتفي بهذا الوجه .فلذلك ذهب كثير من أهل الحديث إلى جوازها كما سبق.
1.3.4الضعف غير شديد
والشرط الثاني هو أن لا يكون الضعف شديدا ،والحديث الضعيف كما ذكرنا في الفصول الماضية على مراتب؛
منها ما كان ضعفه يسيرا ،ومنها ما كان ضعفه شديدا ،وأما الذي يكون ضعفه يسيرا ،وهو الضعف الذي ينشأ
9طحان ،تيسير مصطلح الحديث ،المصدر السابق ،ص .571
52
عن سبب يحتمل ثبوت الحديث إلى رسول الله ،وذلك كسبب سوء الحفظ أو اختلاط أو تدليس أو انقطاع
يسير 10،فيحتمل بهذه الأسباب ثبوت الحديث إلى رسول الله أو عدم ثبوته.
وأما الحديث الضعيف الذي يكون ضعفه شديدا ،وهو الضعف الذي ينشأ عن سبب ثقيل ،فينشأ الريب الشديد
في ثبوته إلى رسول الله ،وذلك لوجود سبب الانقطاع الشديد أو الشذوذ أو الاضطراب ،أو قدح في عدالة
الراوي ،وكأن يكون الراوي متهما بالكذب أو فاحش الغلط .11قال ابن الصلاح:
"ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه ،بل ذلك يتفاوت فمنه ما يزيله ذلك؛ بأن يكون ضعفه
ناشئا من ضعف حفظ راويه ولم يختل فيه ضبطه له ،وكذلك اذا كان ضعفه من حيث الارسال زال بنحو ذلك،
كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ؛ اذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر ،ومن ذلك ضعف لا يزول
بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد الجابر عن جبره ومقاومته ذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما
بالكذب أو كون الحديث شاذا".12
وقال ابن كثير:
"..لأن الضعف يتفاوت فمنه من لا يزول بالمتابعات –يعني كرواية الكذابين ،والمتروكين".13
فتلك أنواع الحديث الضعيف ضعفا شديدا التي لا تتقوي ولا تترقى بوجود جابر.
10ماهر ياسين فحل ،أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء ،ص.81
11السيوطي ،عبد الرحمن بن أبي بكر ،تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي ،دار طيبة .ج ،5ص.815
12ابن الصلاح ،مقدمة ابن الصلاح ،المصدر السابق ،ص.82
13ابن كثير ،أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري الدمشقي ،الباعث الحثيث إلى اختصار علوم الحديث ،دار الكتب العلمية،
بيروت – لبنان ،الطبعة :الثانية ،8.15ص.24
53
2.8.8أن تنفى العلة
وزاد ابن جماعة اشتراط انتفاء العلة فيها ،فقال في تعريفه الحديث الحسن بنوعيه" :ولو قيل الحسن كل حديث
خال من العلل ،وفي سنده المتصل :مستور له به شاهد ،أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان ،لكان أجمع لما
حددوه ،وقريبا مما حاولوه".14
العواضد الصالحة وغير الصالحة لترقية الحديث الضعيف
وقد أطلق بعض أهل العلم على هذا المبحث بمبحث جوابر الحديث الضعيف ،أي ما يجبره ويرفعه .والعواضد
جمع عاضد ،والعاضد هو ناصر ومعا ِون ومسعف ومنجد ،وجاء في معجم اللغة العربية المعاصرة :عاضد
صدي َقه :عضده؛ عاونه وناصره وأسعفه وأنجده .15فمعنى عاضد الحديث الضعيف هنا هو الشيء الذي يستطيع
أن يناصره ويسعفه من مرتبته الضعيفة إلى مرتبة أحسن منها.
وعواضد ترقية الحديث الضعيف تنقسم إلى قسمين:
العواضد الصالحة
العواضد غير الصالحة
14ابن جماعة ،عبد الله ،محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الشافعي ،بدر الدين ،المنهل الروي في مختصر علوم الحديث
النبوي ،دار الفكر – دمشق ،الطبعة :الثانية ،8.15 5241 ،ص.81
15أحمد مختار عبد الحميد عمر وآخرون ،معجم اللغة العربية المعاصرة ،ج ،2ص.5155
54
1.1العواضد الصالحة
1.1.4تعدد الطرق
وقد سبق الكلام عنه قبل قليل ،ولم يختلف في ذلك العلماء أن تعدد الطرق من العواضد الصالحة لترقية الحديث
بشرط أن يكون ضعف الحديث الذي أريد ترقيته غير شديد ،وكذا أن تكون الطرق التي ستجبره مساوية له في
الدرجة أو أعلى منه .فلا يجوز أن تكون أضعف منه.
1.1.4تلقي الأمة للحديث بالقبول
هذه مسألة مما اختلف العلماء فيها ،ومعنى تلقي الأمة بالقبول هو أن تكون الأمة بين عامل بالحديث ومتأول
له .16قال الدكتور عبد الغني مزهر" :أنه من الأمور التي اشتهرت عند بعض العلماء ،وهو أن الحديث الضعيف
الذي لا يعرف له إسناد ثابت إذا تلقاه العلماء بالقبول فإنه يعمل به ،ويقوى من أجل هذا التلقي".17
لقد أستند القائلين بجواز الترقية به بأقوال ،منها:
قال الحافظ ابن حجر :
"وجزم القاضي أبو نصر عبد الوهاب المالكي في كتاب الملخص بالصحة فيما إذا تلقوه بالقبول".18
ونقل كلام أبي بكر محمد بن الحسن بن فورك أنه قال:
16الصنعاني ،محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني ،الكحلاني ثم الصنعاني ،أبو إبراهيم ،توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار،
ج ،5ص.18
17عبدالغني بن أحمد جبر مزهر ،مجلة البحو الإسلامية ،العدد ،25ص.811-821
18ابن حجر ،النكت على كتاب ابن الصلاح ،المصدر السابق ،ج ،5ص.878
55
"الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول مقطوع بصحته".19
وقال ابن عبد البر في الاستذكار -لما حكى عن الترمذي أن البخاري صحح حديث البحر" :هو الطهور ماؤه":
"وأهل الحديث لا يصححون مثل إسناده لكن الحديث عندي صحيح لأن العلماء تلقوه بالقبول" .20و في
"التمهيد" روى جابر عن النبي " :الدينار أربع و عشرون قيراطا" .قال" :وفي قبول جماعة من العلماء و إجماع
الناس على معناه غنى عن إسناده".21
و قال الزركشي :
"إن الحديث الضعيف إذا تلقته الأمة بالقبول عمل به على الصحيح حتى أنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ
المقطوع".22
و عند الحنفية يعدون الضعيف إذا تلقاه العلماء بالقبول في حيز المتواتر كما ن ّص عليه الجصاص ،فقد قال عند
الكلام على حديث " :طلاق الأمة تطليقتان و عدتها حيضتان":23
19المصدر نفسه.
20السيوطي ،تدريب الراوي ،المصدر السابق ،ج ،5ص.11
21المصدر نفسه.
22ابن حجر ،النكت على كتاب ابن الصلاح ،المصدر السابق ،ج ،5ص.814
23أخرجه ابن ماجه ،سنن ابن ماجه ،كتاب الطلاق ،باب في طلاق الأمة وعدتها ،دار الرسالة العالمية ،الطبعة :الأولى 5284 ،هـ 2441 -
م ،ج ،5ص ،172رقم الحديث .2471وأبو داود ،سنن أبي داود ،دار الرسالة العالمية ،الطبعة :الأولى 5284 ،هـ 2441 -م ،كتاب
الطلاق ،باب في طلاق الأمة وعدتها ،ج ،2ص ،217رقم الحديث .2531
56
"وقد تقدم سنده ،وقد استعملت الأمة هذين الحديثين في نقصان العدة ،وإن كان وروده من طريق الآحاد فصار
في حيز المتواتر لأن ما تلقاه الناس بالقبول من أخبار الآحاد فهو عندنا في معنى المتواتر لما بيناه في مواقع ".24
وقال ابن الوزير :
"و قد احتج العلماء على صحة أحاديث بتلقي الأمة لها بالقبول".25
وقال الحافظ ابن حجر :
"من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا أن يتفق العلماء على العمل بمدلول حديث ،فانه يقبل حتى
يجب العمل به ،وقد صرح بذلك جماعة من أئمة الأصول".26وأورد له مثالين ،أحدهما قول الشافعي رضي الله
عنه :و ما قلت من أنه إذا غير طعم الماء و ريحه و لونه يروى عن النبي من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله،
و لكنه قول العامة لا أعلم بينهم خلافا.27
والحديث الذي أشار إليه الإمام الشافعي هو ما أخرجه ابن ماجه من طريق راشد بن سعد ،عن أبي أمامة الباهلي
قال :قال رسول الله " :إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه".28
24الجصاص ،أحمد بن علي أبو بكر الرازي الحنفي ،أحكام القرآن ،دار ابن حزم – بيروت ،الطبعة :الأولى5221 ،هـ2441 ،م ،ج،2
ص.38
25ابن الوزير ،محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني القاسمي الصنعاني ،أبو عبد الله ،عز الدين ،من آل الوزير ،العواصم
والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم ،مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت ،الطبعة :الثالثة 5251 ،هـ 5112 -من ج،2
ص .217
26ابن حجر ،النكت على كتاب ابن الصلاح ،المصدر السابق ،ج ،5ص.814
27المصدر نفسه ،ج ،5ص.211
28أخرجه ابن ماجه ،سنن ابن ماجه ،كتاب الطهارة وسننها ،باب الحيضان ،ج ،5ص ،572رقم الحديث .125
57
قال الهيثمي" :فيه رشدين (راشد) بن سعد ،وهو ضعيف" .29وقال ابن حجر :قال ابن يونس" :كان صالحا في
دينه فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث" .30فالإمام الشافعي رحمه الله تعالى احتج بهذا الحديث مع
ضعفه ،لأن الأمة تلقته بالقبول حيث لاخلاف بين العلماء أن الماء إذا غيرته النجاسة َتنَ َّجس.
ويرى الآخرون أن تلقي الأمة بالقبول ليس عاضدا لترقية الحديث الضعيف ،وحجتهم في ذلك:
أنه ينبغي التفريق بين الحكم بصحة الحديث وبين قبوله والعمل به؛ وذلك أن التصحيح على مقتضى الصناعة
الحديثية شيء ،وقبول الحديث شيء آخر ،فإذا وجد حديث مثل هذا فهو مقبول يعمل به لكنه لا يسمى صحيحا.
أن بقاء الحديث على ضعفه أولى من تصحيحه ونسبته لرسول الله لأجل تلقي الأمة له بالقبول ،إذ كيف يحكم
له بالصحة مع انتفاء شروطها ،نعم إن تلقي الأمة لحديث تثبت نسبته لرسول الله يزيده قوة إلى قوته ،أما ما
لم يثبت نسبته له فلا يرتفع ضعفه بتلقيها له بالقبول.31
1.4.4.4تقوية الحديث بموافقة ظاهر القرآن
قد نسب بعض أهل العلم هذا القول إلى الفقهاء حيث إنهم يتعرفون على صحة الحديث إذا وافقه ظاهر القرآن،32
وأما منهج جمهور المحدثين أنهم لا يجعلونها عاضدا ليرتقي به الحديث الضعيف إلى درجة الحسن لغيره ،ورأوا
29الهيثمي ،أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان ،مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ،تحقيق :حسام الدين القدسي،مكتبة القدسي،
القاهرة 5252 ،هـ 5112 ،م ،ج ،5ص.252
30ابن حجر ،ابن حجر ،أحمد بن علي بن محمد العسقلاني أبو الفضل ،التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير ،المكتبة الشاملة،
الإصدار ،8.15ج ،5ص.584
31المرتضى الزين أحمد ،منهج المحدثين ،ص .22
32قال الزركشي نقلا عن أبو الحسن بن الحصار الأندلسي في "تقريب المدارك على موطأ الامام مالك"" :إن للمحدثين أغراض ًا في طريقهم
احتاطوا فيها وبالغوا في الاحتياط ،ولا يلزم الفقهاء اتباعهم على ذلك ،كتعليلهم الحديث المرفوع بأنه روى موقوف ًا أو مرسل ًا ،وكطعنهم في
الراوي اذا انفرد بالحديث أو بزيادة فيه أو لمخالفته من هو أعدل منه ،أو أحفظ .قال :وقد يعلم الفقيه صحة الحديث بموافقة الأصول ،أو
آية من كتاب الله تعالى ،فيحمله ذلك على قبول الحديث ،والعمل به ،واعتقاد صحته ،واذا لم يكن في سنده كذاب فلا بأس باطلاق القول
58
أن اعتماد هذا المنهج سيقتضي إلى تصحيح الأحاديث التي في أسانيدها الضعفاء والمتروكين لأجل موافقة ظاهر
القران لها.
فمن أمثلة الأحاديث التي رقيت لموافقته ظاهر القرآن حديث "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له
بالإيمان".
أخرجه ابن ماجه 33والترمذي 34من طريق رشدين بن سعد ،عن عمرو بن الحار ،عن دراج ،عن أبي الهيثم،
عن أبي سعيد ،وأخرجه الترمذي في مكان آخر 35والحاكم 36من طريق عبد الله بن وهب ،عن عمرو بن الحار ،
عن دراج ،عن أبي الهيثم ،عن أبي سعيد الخدري ،وقال الترمذي في كليهما" :هذا حديث حسن غريب" .وقال
الحاكم عقب إيراد الحديث " :هذه ترجمة للمصريين لم يختلفوا في صحتها وصدق رواتها غير أن شيخي الصحيح
لم يخرجاه".
بصحته اذا وافق كتاب الله عز وجل ،فانه وان كان معتل ًا أكتبه لان معه ما يقويه ويذهب علته .الزركشي ،النكت على مقدمة ابن الصلاح،
المصدر السابق ،ص ،5ج.541
33أخرجه ابن ماجه ،سنن ابن ماجه ،كتاب المساجد والجماعات ،باب لزوم المساجد وانتظار الصلاة ،ج ،5ص ،218رقم الحديث .342
34والترمذي ،سنن الترمذي ،المكتبة الشاملة ،الإصدار ،8.15أبواب الإيمان ،باب ما جاء في حرمة الصلاة ،ج ،1ص ،523رقم الحديث
.8418
35والترمذي ،سنن الترمذي ،أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ،باب :ومن سورة التوبة ،ج ،2ص ،843رقم الحديث .2157
36أخرجه الحاكم ،المستدرك على الصحيحين ،المكتبة الشاملة ،الإصدار ،8.15كتاب التفسير ،تفسير سورة التوبة ،ج ،8ص ،242رقم
الحديث .8234
59
ورشدين بن سعد ضعيف عند العلماء كما تقدم ،وأما دراج ،فقال الذهبي فيه عقب تصحيح الحاكم" :كثير
المناكير" .37وقال المناوي" :قال مغلطاي في "شرح ابن ماجة"" :حديث ضعيف" .38ويدل هذا على أن الإمامين
ولم يقولا بقبول هذا الحديث وارتقائه إلى مرتبة الحسن بالاعتضاد لأجل موافقة ظاهر القرآن له.
وتلقي الأمة بالقبول إن لم يتفق العلماء على جعلها عاضدا صالحا لترقية الحديث الضعيف ،فإنها على الأقل تعطي
قوة ما إلى بعض الأحاديث الضعيفة التي ح ّف ضعفها وهو في جانب آخر أقوى من العواضد الأخرى التي
يشك في صلاحيتها لأن تكون عواضد.
4.4العواضد غير الصالحة
2.1.5استدلال المجتهد39
استدلال المجتهد ،وهو أن يتخذ إمام متجهد حديثا أو أحاديث ضعيفة دليلا في المسائل الفقهية .ونسب هذا
القول إلى التهانوي حيث قال" :المجتهد إذا استدل بحديث كان تصحيحا له كما في التحرير لابن الهمام وغيره
".
ولكن الأمر ليس على الاتفاق بل على خلافه ،قال ابن الصلاح:
"إن عمل العالم أو فتياه على وفق حديث ليس حكما منه بصحة ذلك الحديث ،وكذلك مخالفته للحديث ليست
قدحا منه في صحته ولا في راويه ،والله أعلم.40".
37المصدر نفسه.
38المناوي ،محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ،فيض القدير ،المكتبة الشاملة ،الإصدار ،8.15
ج ،5ص.813
39قال الدكتور مصطفى ال ِخ من وآخرون" :المجتهد هو من يعرف من الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام" .انظر مصطفى ال ِخ من وآخرين،
الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي ، ،المكتبة الشاملة ،الإصدار ،8.15ج ،3ص.535
40ابن الصلاح ،مقدمة ابن الصلاح ،المصدر السابق ،ص.555
60
2.1.2الكشف الصوفي
الكشف لغة :رفعك ال َّش ميء َع َّما يواريه ويغطيه .41واصطلاحا :هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني
الغيبية ،والأمور الحقيقية وجو ًدا وشهو ًدا 42.ويطلق أيضا بالعلم اللدني الذي هو الإلهام ،وعرفوه بأنه تنبيه النفس
الكلية للنفس الجزئية الإنسانية على قدر صفائها وقبولها وقوة استعدادها .43والصوفي :هو من يتبع َطري َقة
التصوف والعارف بالتصوف .44ويرى الصوفيون أنه يحصل الكشف بالخلوة الطويلة ،والاحتجاب عن الخلق،
مع عدم مشاغلة النفس بأي شي ٍء حتى قراءة القرآن وكتابة الحديث. 45
ويقصد بالكشف الصوفي هنا إمكانة ترقية الحديث الضعيف بالإلهام أو الاطلاع الذي يحصله الصوفي .وقال
الشيخ المفكر سفر بن عبد الرحمن الحوالي:
"ولقد استخدمت الصوفية الكشف والذوق لا مصد ًرا للتلقي الروحاني -كما يسمونه -فحسب ،بل معيا ًرا
للحكم على نصوص الشرع ،فيقبلون ما وافقه ،ويؤولون ما خالفه ،بل اتخذوه َح َك ًما للحكم بتصحيح الأحاديث
أو تضعيفها ،وهو منهج خطر ردوا به الصحاح وأثبتوا الموضوعات".46
41أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي ،المحكم والمحيط الأعظم ،ار الكتب العلمية – بيروت ،الطبعة :الأولى 5225 ،هـ 2444 -
م ،ج ،1ص .131
42الجرجاني ،علي بن محمد بن علي الزين الشريف ،التعريفات ،المكتبة الشاملة ،الإصدار ،8.15ص .532
43سفر بن عبد الرحمن الحوالي ،منهج الأشاعرة في العقيدة ،ص .582
44إبراهيم مصطفى وآخرون ،المعجم الوسيط ،إشراف :مجمع اللغة العربية بالقاهرة ،المكتبة الشاملة ،جـ5صـ .121
45سفر بن عبد الرحمن الحوالي ،منهج الأشاعرة في العقيدة ،المكتبة الشاملة ،الإصدار ،8.15ص .587
46المصدر نفسه ،ص .581
61
ومن الأحاديث التي زعموا تصحيحها بالكشف حديث "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" .فقد قال
الشعراني" :وهذا الحديث وان كان فيه مقال عند المحدثين فهو صحيح عند أهل الكشف".47
وقال العلامة الألباني" :فباطل وهراء لا يتلفت إليه! ذلك لأن تصحيح الأحاديث من طريق الكشف بدعة
صوفية مقيتة ،والاعتماد عليها يؤدي إلى تصحيح أحاديث باطلة لا أصل لها ،كهذا الحديث لأن الكشف أحسن
أحواله -إن صح -أن يكون كالرأي ،وهو يخطيء ويصيب ،وهذا إن لم يداخله الهوى ،نسأل الله السلامة منه،
ومن كل ما لا يرضيه".48
وهو كذلك سيؤدي إلى تضعيف الأحاديث الصحيحة فيحل الحرام ويحرم الحلال .
1.5.3رؤية النبي في المنام
الرؤيا لغة َما يرى ِفي النّوم ،49وهي أنواع ،منها رؤية سيدنا رسول الله ،فرؤيته عند أهل السنة والجماعة من
الأمور الممكنة ،ومن رآه في النوم على صورته المعروفة فقد رآه ،لأن الشيطان لا يتمثل في صورته ،لدليل ما
رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي يقول" :من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان
بي".50
ولكن رؤية النبي في المنامات لا يؤخذ منها أي حكم شرعي عند العلماء؛ لأن الشريعة الإسلامية قد تمت
وكملت قبل وفاته ،ومصادر التشريع هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس والمصادر التبعية على خلاف
47نقلا عن http://www.alsoufia.com/main/936-1-%D8%AB%D8%A8%D9%88%D8%AA-
%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-
%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B4%D9%81.html
48الألباني محمد ناصر الدين ،بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم ،الأشقودري موسوعة الألباني في العقيدة ،المكتبة الشاملة ،الإصدار ،8.15
ج ،8ص.111
49إبراهيم مصطفى وآخرون ،المعجم الوسيط ،المصدر السابق ،جـ5صـ .824
50أخرجه البخاري ،صحيح البخاري ،ج ،5ص.11088.
62
بينهم فيها ،وليس منها الرؤى ولا المنامات ،ولا يحتج بالرؤى في باب الأحكام الشرعية ولا في باب تصحيح
الأحاديث أو تضعيفها.
قال الإمام النووي عند كلامه على رؤى الرواة ،قال القاضي عياض رحمه الله:
"هذا ومثله استئناس واستظهار على ما تقرر من ضعف أبان لا أنه يقطع بأمر المنام ولا أنه تبطل بسببه سنة ثبتت
ولا تثبت به سنة لم تثبت وهذا بإجماع العلماء ،هذا كلام القاضي وكذا قاله غيره من أصحابنا وغيرهم فنقلوا
الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع .وليس هذا الذي ذكرناه مخالف ًا لقوله " من رآني
في المنام فقد رآني" .فإن معنى الحديث أن رؤيته صحيحة وليست من أضغا الأحلام وتلبيس الشيطان ،ولكن
لا يجوز إثبات حكم شرعي به؛ لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي ،وقد اتفقوا على أن
من شرط من تقبل روايته وشهادته أن يكون متيقظ ًا لا مغفل ًا ولا سيئ الحفظ ولا كثير الخطأ ولا مختل الضبط،
والنائم ليس بهذه الصفة فلم تقبل روايته لاختلال ضبطه هذا كله في منام يتعلق بإثبات حكم على خلاف ما
يحكم به الولاة ،أما إذا رأى النبي يأمره بفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه عن منهي عنه أو يرشده إلى فعل
مصلحة فلا خلاف في استحباب العمل على وفقه لأن ذلك ليس حكم ًا بمجرد المنام بل تقرر من أصل ذلك
الشيء".51
وقال أيض ًا:
"لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان ،ولم ير الناس الهلال ،فرأى إنسان النبي في المنام ،فقال له :الليلة أول
رمضان لم يصح الصوم بهذا المنام ،لا لصاحب المنام ولا لغيره".52
وقال عند كلامه على خصائص النبي :
51النووي ،المنهاج شرح مسلم ،المصدر السايق ،ج ،5ص.551
52النووي ،أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف ،المجموع ،المصدر السابق ،ج ،1ص.212
63
"ومنه أن من رآه في المنام فقد رآه حق ًا فإن الشيطان لا يتمثل في صورته ،ولكن لا يعمل بما يسمعه الرائي منه في
المنام مما يتعلق بالأحكام إن خالف ما استقر في الشرع لعدم ضبط الرائي لا للشك في الرؤيا ؛ لأن الخبر لا يقبل
إلا من ضابط مكلف والنائم بخلافه".53
وقال ابن حزم الظاهري :
"الشرائع لا ت مؤ َخذ بالمنامات".54
ومن أمثلة الأحاديث التي وردت بتصحيحها في الرؤيا ما ورد في كتاب الطبقات الكبرى للشعراني أن أبا
المواهب الشاذلي قال" :قابلت رسول الله فسألته عن الحديث المشهور"اذكروا الله حتى يقولوا مجنون" .وفي
صحيح ابن حبان "أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا مجنون" .55فقال عليه الصلاة والسلام" :صدق ابن حبان في
روايته وصدق راوي "اذكروا الله" فإني قلتهما مع ًا مرة قلت هذا ومرة قلت هذا".56
1.5.3موافقته الحقائق العلمية الحديثة والواقع
الحقيقة العلمية هي الظاهرة التي تثبت بالتجربة والدليل والملاحظة.
والواقع اسم فاعل من الوقوع ،فالمراد بالواقع كل ما وقع ،سواء كان وقوعه في الماضي القديم ،أم في الماضي
القريب ،أي الحاضر".57
53النووي ،أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف ،تهذيب الأسماء واللغات ،المكتبة الشاملة ،الإصدار ،8.15ج ،5ص .28
54ابن حزم ،أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري ،المحلى بالآثار ،المكتبة الشاملة ،الإصدار ،8.15ج،2
ص .822
55أخرجه ابن حبان ،صحيح ابن حبان ،المكتبة الشاملة ،الإصدار ،8.15ج ،8ص ،11رقم الحديث .817
56الطبقات الكبرى2( :ـ.)13
57سعيد بن محمد المري ،الواقع والحكم على الحديث :تقعيد وتأصيل ،بحث لمادة التجديد في علوم السنة ،الجامعة الأردنية ،ص.8
64
ويقصد به أيضا الشيء الذي تعود معرفته إلى الإحساس ،سوا ًء كان إدراكه عن طريق المشاهدة ،أو السمع ،أو
أي طريق من طرق الإحساس ،ويدخل في ذلك ما كان مر ّده إلى شيء محسوس ،مما ص ّح نقله من الوقائع
التاريخية ،أو ثبت علمي ًا .ويعتبر من ضمنها أيضا مطابقة أخبار الفتن والملاحم وعلامات الساعة كأحاديث
ضعف المسلمين وتشتتهم وتداعي الأمم عليهم ،وتغلب اليهود والنصارى ،وغزو العراق ،وتحكم الرويبضة
وظهور أهل النفاق وبداية الملحمة الكبرى.
فهل يصحح الحديث بموافقته الحقائق العلمية الحديثة والواقع؟
فمسألة ترقية الحديث الضعيف إلى الحسن بموافقة الحقائق العلمية الحديثة والواقع من المسائل المعاصرة ،وممن
ذهب إلى جوازه الدكتور أبو الليث الخيرآبادي 58وعبد الدائم الكحيل والشيخ حمود التويجري.
وأما عبد الدائم الكحيل فإنه قال" :مجال الإعجاز العلمي يشبه مجال الترغيب والترهيب ،فهي حقائق علمية
تزيدنا إيمان ًا بالله تعالى ،ولو ثبت أن الحديث الذي استندنا عليه غير صحيح فلا يزعزع ذلك إيماننا".
ويرى الشيخ حمود التويجري أن الحديث الضعيف يمكن ترقيته بموافقته الواقع فقال" :بعض الأمور التي ورد
الإخبار بوقوعها لم ترو إلا من طرق ضعيفة ،وقد ظهر مصداق كثير منها ،ولاسيما في زماننا ،وذلك مما يدل على
صحتها في نفس الأمر ،وكفى بالواقع شاهد ًا بثبوتها وخروجها من مشكاة النبوة".59
وقال سعيد بن محمد المري" :القسم الأول :ما كان مترددا بين القبول والرد ،سواء كان أقرب إلى القبول أو
أقرب إلى الرد أو مستوي الطرفين ،وهو الحديث الذي يتقوى بالمتابعات والشواهد ،فهذا القسم من الحديث
ينبغي أن تزيده موافقة الواقع قوة ،غير أن هذه الزيادة تكون في القوة بحسب قوة الموافقة ،فقد يترجح بها جانب
القبول ،وقد لا يترجح ،ولا أقل من أن يستأنس بها".60
58الخير آبادي ،محمد أبو الليث (2441م) ،علوم الحديث أصيلها ومعاصرها ،ماليزيا ،دار الشاكر ،الطبعة السادسة ،ص.231-238
59عبد الله بن يوسف الجديع ،تحرير علوم الحديث ،المكتبة الشاملة ،الإصدار ،8.15ج ،2ص.5418
60سعيد بن محمد المري ،الواقع والحكم على الحديث :تقعيد وتأصيل ،المصدر السابق ،ص .57
65
ولكن لم يوافق بعض من العلماء على هذا العاضد بحجة أن ظاهرة الاستدلال بالضعيف والواهي وبما لا أصل
له في تلك الأمور وقد يسبب في تحميل النصوص ما لا تحتمل.
ومن أمثلة محاولات ترقية الحديث الضعيف إلى الحسن بموافقة الحقائق العلمية الحديثة والواقع هي:
حديث "إذا رأيتم اللاتي ألقين على رءوسهن مثل أسنمة البقر فأعلموهن أنه لا يقبل لهن صلاة".
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن أبي شقرة مرفوعا .61وقال المناوي :قال ابن عبد البر ":في إسناده نظر".62
وقال الشيخ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري:
"لا نظر فيه ،بل الحديث صحيح يصدقه الواقع بعد زمان التحديث به بأزيد من ألف عام ،وذلك أدل دليل على
صحته ،وأنه من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم .ففي هذه المائة الرابعة عشر شرع النساء يلبسن البرانيط
الفرنجية التي هي كأسنمة البعير ولم يكن ذلك قبل هذا ،فالحديث صحيح لا شك فيه".63
المثال الثاني :حديث" :إذا أبغض المسلمون علماءهم ،وأظهروا عمارة أسواقهم ،وتناكحوا على جمع الدراهم،
رماهم الله عز وجل بأربع خصال :بالقحط من الزمان ،والجور من السلطان ،والخيانة من ولاة الأحكام،
والصولة من العدو" .64قال الذهبي" :بل منكر منقطع".65
وقال الألباني رحمه الله تعالى تعليق ًا" :كتب بعض الطلاب الحمقى و بالحبر الذي لا يمحى ،عقب قول الذهبي
المتقدم .قلت" :بل صحيح جد ًا" :وكأن هذا الأحمق يستلزم من مطابقة معنى الحديث الواقع أنه قاله رسول الله
61أخرجه الطبراني ،سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي ،المعجم الكبير ،مكتبة ابن تيمية – القاهرة ،الطبعة :الثانية ،ج،22
ص ،874رقم الحديث .928
62المناوي ،فيض القدير ،المصدر السابق ،ج ،5ص .815
63أحمد بن محمد بن الصديق الغماري ،المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحي المناوي ،دار الكتب المصرية ،ط ،5111 ،5ج ،5ص.871
64أخرجه الحاكم ،المستدرك على الصحيحين ،المصدر السابق ،ج ،2ص ،815رقم الحديث .7923
65المصدر نفسه.
66
وهذا جهل فاضح .فكم من مئات الأحاديث ضعفها أئمة الحديث وهي مع ذلك صحيحة المعنى .ولا
حاجة لضرب الأمثلة على ذلك ،ففي هذه السلسلة ما يغني عن ذلك .ولو فتح باب تصحيح الأحاديث من
حيث المعنى ،دون التفات إلى الأسانيد ،لاندس كثير من الباطل على الشرع ،ولقال الناس على النبي ما لم
يقل ،ثم تبوؤوا مقعدهم من النار ،والعياذ بالله تعالى".66
المثال الثالث :حديث عن عبد الله بن عمر قال أقبل علينا رسول الله .فقال " :يا معشر المهاجرين خمس إذا
ابتليتم بهن ،وأعوذ بالله أن تدركوهن :لم تظهر الفاحشة في قوم قط ،حتى يعلنوا بها ،إلا فشا فيهم الطاعون،
والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ،ولم ينقصوا المكيال والميزان ،إلا أخذوا بالسنين ،وشدة
المئونة ،وجور السلطان عليهم ،ولم يمنعوا زكاة أموالهم ،إلا منعوا القطر من السماء ،ولولا البهائم لم يمطروا،
ولم ينقضوا عهد الله ،وعهد رسوله ،إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم ،فأخذوا بعض ما في أيديهم ،وما لم
تحكم أئمتهم بكتاب الله ،ويتخيروا مما أنزل الله ،إلا جعل الله بأسهم بينهم67
قال الحافظ ابن حجر" :في إسناده خالد بن يزيد أبي مالك ،وكان من فقهاء الشام ،لكنه ضعيف عند أحمد وابن
معين و غيرهما" .68وقال ابن حبان :كان يخطىء كثيرا.69
4.4.4التجربة
ونسب هذا المذهب إلى الصوفية أيضا .ومن أمثلة تصحيح الحديث بالتجربة حديث "ماء زمزم لما شرب له".70
66الألباني ،سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة ،دار المعارف ،الرياض -الممكلة العربية السعودية ،الطبعة:
الأولى 5252 ،هـ 5112 /م ،ج ،2ص.81
67أخرجه ابن ماجه ،سنن ابن ماجه ،ج ،1ص ،521رقم الحديث .4019
68ابن حجر ،فتح الباري ،ج ،54ص.518
69ابن حبان ،أحمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن َم معب َد ،التميمي ،المجروحين ،المكتبة الشاملة ،الإصدار ،8.15ج ،5ص.232
70أخرجه أحمد ،المسند ،المكتبة الشاملة ،الإصدار ،8.15ج ،28ص ،524رقم الحديث ،14849ابن ماجه ،سنن ابن ماجه ،ج ،2ص
،5453رقم الحديث .3062
67
وقال السيوطي في حاشية الكتاب" :هذا الحديث مشهور على الألسنة كثيرا ،واختلف الحفاظ فيه ،فمنهم من
صححه ،ومنهم من حسنه ،ومنهم من ضعفه والمعتمد الأول".71
وقال السخاوي :قال شيخنا (يعني ابن حجر)" :إنه حسن مع كونه موقوف ًا ،وأفرد فيه جزء ًا ،واستشهد له في
موضع آخر بحديث أبي ذر رفعه :إنها طعام طعم وشفاء سقم ،وأصله في مسلم وهذا اللفظ عند الطيالسي قال:
ومرتبة هذا الحديث أنه باجتماع هذه الطرق يصلح للاحتجاج به ،وقد جربه جماعة من الكبار فذكروا أنه صح،
بل صححه من المتقدمين ابن عيينة ،ومن المتأخرين الدمياطي في جزء جمعه فيه ،والمنذري ،وضعفه النووي".72
4.4.4الاستخارة
صلاة الاستخارة هي من الصلوات المسنونة المشروعة في الإسلام ،وهي صلاة يستخير بها العبد ربه فيما يفعل
من الأمور المباحة ،أو المسنونة ،أو الواجبة إذا التبس عليه وجه الخير والصلاح فيها 73.ولم تكن هذه الطريق من
الطرق التي يتوص ّل فيها إلى ترقية الحديث الضعيف إلى الحسن كما صرح بهذا أستاذنا الدكتور أبو الليث
الخيرآبادي رحمه الله.74
71السيوطي ،السيوطي ،عبد الرحمن بن أبي بكر ،شرح سنن ابن ماجه ،المكتبة الشاملة ،الإصدار ،8.15ص .224
72السخاوي ،شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد ،المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة ،تحقيق:
محمد عثمان الخشت ،دار الكتاب العربي – بيروت ،الطبعة الأولى 5241 ،هـ 5131 -م ،ص .113
73محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري ،موسوعة الفقه الإسلامي ،المكتبة الشاملة ،الإصدار ،8.15ج ،2ص.113
74الخير آبادي ،علوم الحديث أصيلها ومعاصرها ،ص .211
68
أسئلة وتمارين:
ما معنى الجوابر؟
ما معنى العواضد؟
اذكر شروط ترقية الحديث الضعيف إلى الحسن؟
هل تجوز ترقية الحديث الضعيف بطريق أضعف منه؟
هل تجوز ترقية الحديث الضعيف ضعفا شديدا بطرق متساوية في القوة له؟
اذكر العوضد الصالحة لترقية الحديث الضعيف؟
هل التجربة والاستخارة يصلحان لتقوية الضعيف؟
استنبط من كلام المنذي ،والنووي وابن حجر في صفحة ___شروط ترقية الحديث الضعيف.
69