The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.
Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by thoriqul, 2022-07-09 05:11:43

syarah hadits Jibril

syarah hadits Jibril

‫أحب إليو بفا سوابنا ‪ ،‬وأف بوب ابؼرء لا بوبو إلا ﵁ ‪ ،‬وأف يكره أف‬
‫يعود في الكفر كما يكره أف يقذؼ في النار" متفق عليو‬

‫قاؿ ابن حجر ‪ " :‬قاؿ البيضاوي ‪ :‬وإبما جعل ىذه الأمور الثلاثة‬
‫عنواناً لكماؿ الإبياف لأف ابؼرء إذا تأمل أف ابؼنعم بالذات ىو ا﵁‬
‫تعالذ ‪ ،‬وأف لا مانح ولا مانع في ابغقيقة سواه ‪ ،‬وأف ما عداه‬
‫وسائط ‪ ،‬وأف الرسوؿ ىو الذي يبين مراد ربو ‪ ،‬اقتضى ذلك أف‬
‫يتوجو بكليتيو بكوه ‪ :‬فلا بوب إلا ما بوب ‪ ،‬ولا بوب من بوب‬
‫إلا من أجلو ‪ [ " ...‬انظر الفتح آّلد الأوؿ كتاب الإبياف باب‬

‫حلاوة الإبياف ]‬

‫ومن أعظم علامات بؿبة ا﵁ ورسولو تقدًن ما بوبو ا﵁ ورسولو‬
‫على ىوى نفسو ‪ ،‬قاؿ تعالذ ‪{ :‬قُ ْل إِ ْف ُكْنتُ ْم بُِرُبّو َف الَلّوَ فَاَتّبُِعوِني‬
‫بُْوبِبْ ُك ُم الَلّوُ َويػَ ْغِفْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َوالَلّوُ َغُفوٌر َرِحي ٌم}آؿ عمراف‪ٖٔ :‬‬

‫‪51‬‬

‫وكذا بفا يزيد الإبياف ابغب في ا﵁ ‪ ،‬وكراىة الوقوع في الكفر فيبتعد‬
‫عن كل ما يهوي بو إلذ ذلك ‪.‬‬

‫سابعاً ‪ :‬حضور بؾالس الذكر وابغرص عليها‬
‫ويدؿ على ذلك حديث حنظلة الأُسيدي قاؿ ‪ " :‬قلت ‪ :‬نافق‬
‫حنظلة يا رسوؿ ا﵁ ‪ ،‬فقاؿ صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ " :‬وما ذاؾ ؟ "‬
‫قلت يا رسوؿ ا﵁ نكوف عندؾ تذكرنا بالنار وابعنة ‪ ،‬حَّت كأنّا‬
‫رأي عين ‪ ،‬فإذا خرجنا من عندؾ عافسنا الأزواج والأولاد‬
‫والضيعات ‪ ،‬نسينا كثيراً ‪ ،‬فقاؿ صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ " :‬والذي‬
‫نفسي بيده لو تدوموف على ما تكونوف عندي وفي الذكر‬
‫لصافحتكم ابؼلائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة‬

‫ساعة وساعة " رواه مسلم‬

‫‪52‬‬

‫والضيعات ‪ :‬ىي معاش الرجل من ماؿ أو حرفة أو صناعة ‪.‬‬

‫وقاؿ معاذ بن جبل لأحد أصحابو يتذاكر معو ‪ " :‬اجلس بنا‬
‫نؤمن ساعة " رواه البخاري في صحيحو معلقاً ‪ ،‬وقاؿ ابن حجر‬
‫في الفتح ‪ " :‬وىو عن الأسود بن ىلاؿ قاؿ ‪ :‬قاؿ لر معاذ بن‬
‫جبل ‪ " :‬اجلس بنا نؤمن ساعة " وفي رواية ‪ " :‬كاف معاذ بن‬
‫جبل يقوؿ للرجل من إخوانو ‪ " :‬اجلس بنا نؤمن ساعة فيجلساف‬
‫فيذكراف ا﵁ تعالذ وبومدانو " [ انظر الفتح آّلد الأوؿ كتاب‬

‫الإبياف باب بِن الإسلاـ على ابػمس ]‬

‫قاؿ أبو الدرداء ‪ " :‬كاف ابن رواحة يأخذ بيدي ويقوؿ ‪ " :‬تعاؿ‬
‫نؤمن ساعة ‪ ،‬إف القلب أسرع تقلباً من القدر إذا استجمعت‬
‫غليانها " [ انظر ( الزىد و الرقائق ) لابن ابؼبارؾ وانظر ( الإبانة‬

‫الكبرى ) لابن بطة ]‬

‫‪53‬‬

‫وفي شعب الإبياف للبيهقي ‪ " :‬عن عطاء بن يسار أف عبد ا﵁ بن‬
‫رواحو قاؿ لصاحب لو ‪ " :‬تعاؿ حَّت نؤمن ساعة " قاؿ أو لسنا‬

‫مؤمنين ؟ قاؿ ‪ " :‬بلى ولكنا نذكر ا﵁ فنزداد إبياناً "‬
‫قاؿ شيخ الإسلاـ ابن تيمية في الفتاوى ‪ " :‬كاف الصحابة رضي‬
‫ا﵁ عنو بهتمعوف أحياناً ‪ :‬يأمروف أحدىم يقرأ والباقوف يستمعوف ‪.‬‬
‫وكاف عمر بن ابػطاب رضي ا﵁ عنو يقوؿ ‪ :‬يا أبا موسى ذكرنا‬

‫ربنا فيقرأ وىم يستمعوف "‬
‫ولأف العبد في بؾالس الذكر يسمع ما بوثو على طاعة غفل عنها‬

‫وما يذكره في معصية وقع فيها لينتهي ‪.‬‬
‫‪ -‬ويدخل برت ىذا السبب سبب آخر من مقويات الإبياف وىو‬

‫مصاحبة الأخيار ‪ ،‬وتقدـ بماذج للصحابة في ذلك‬

‫‪54‬‬

‫ويدؿ عليو ‪ :‬قوؿ ا﵁ تعالذ ‪َ { :‬وا ْصِبْر نػَْف َس َك َم َع اَلّ ِذي َن يَْدعُو َف‬
‫َرَبػُّه ْم بِالْغََداِة َوالَْع ِش ّْي يُِري ُدو َف َو ْجَهوُ َولا تَػْع ُد َعْيػنَا َؾ َعنْػُه ْم تُِري ُد ِزينَةَ‬
‫ابْغَيَاةِ الُّدنْػيَا َولا تُ ِط ْع َم ْن أَ ْغَفلْنَا قَػلْبَوُ َع ْن ِذ ْكِرنَا َواَتّػبَ َع َىَواهُ َوَكا َف‬
‫أَْمُرهُ فػُُرطًا} الكهف‪ ، ٕٛ :‬وحديث أِب ىريرة رضي ا﵁ عنو عن‬
‫النبي صلى ا﵁ عليو وسلم قاؿ ‪ " :‬ابؼرء على دين خليلو ‪ ،‬فلينظر‬

‫أحدكم من بىالل " رواه أبضد و أبو داود والترمذي ‪ ،‬و ابغديث‬

‫صححو ابغاكم ‪ ،‬وصحح إسناده النووي‬

‫قاؿ ابؼباركفوري ‪ ( " :‬على دين خليلو ) أي على عادة صاحبو‬

‫وطريقتو وسيرتو ( فلينظر ) أي فليتأمل وليتدبر ( من بىالل ) من‬
‫ابؼخالة وىي ابؼصادقة والإخاء ‪ ،‬فمن رضي دينو وخلقو خالَلَو ومن‬
‫لا بذنبو ‪ ،‬فإف الطباع سراقة والصحبة مؤثرة في إصلاح ابغاؿ‬

‫وإفساده ‪ .‬قاؿ الغزالر ‪ :‬بؾالسة ابغريص وبـالطتو بررؾ ابغرص‬

‫‪55‬‬

‫وبؾالسة الزاىد وبـاللتو تزىد في الدنيا لأف الطباع بؾبولة على‬
‫التشبو والاقتداء " [ انظر برفو الأحوذي كتاب الزىد ]‬

‫وفي الصحيحين من حديث أِب موسى رضي ا﵁ عنو عن النبي‬
‫صلى ا﵁ عليو وسلم قاؿ ‪ " :‬مثل ابعليس الصالح والسوء كحامل‬
‫ابؼسك ونافخ الكير ‪ ،‬فحامل ابؼسك إما أف بوذيك ‪ ،‬وإما أف‬
‫تبتاع منو ‪ ،‬وإما أف بذد منو ربواً طيبة ‪ ،‬ونافخ الكير إما أف بورؽ‬
‫ثيابك وإما بذد ربواً خبيثة " وبوذيك أي يعطيك ‪ ،‬والأدلة وأقواؿ‬

‫السلف كثيرة في أثر الصحبة الصابغة في زيادة الإبياف ‪.‬‬

‫ثامناً ‪ :‬البعد عن ابؼعاصي‬
‫لا شك أف اقتراؼ ابؼعاصي سبب في نقصاف الإبياف والبعد عنها‬
‫ومدافعتها سبب زيادتو فمن عقيدة أىل السنة وابعماعة أف الإبياف‬

‫‪56‬‬

‫يزيد بالطاعة وينقص بابؼعصية ‪ ،‬وإف من طاعة ا﵁ تعالذ أف يبتعد‬
‫الإنساف عن ابؼعاصي ‪ ،‬والفتن ‪ ،‬فأي عبد أراد أف يعيش قلبو‬
‫سليماً من الأمراض لا تضره الفتن ما دامت السماوات والأرض‬

‫فليبتعد عنها ولينكرىا ‪.‬‬

‫ويدؿ عليو ‪ :‬حديث حذيفة رضي ا﵁ عنو قاؿ ‪ :‬بظعت رسوؿ ا﵁‬
‫صلى ا﵁ عليو وسلم يقوؿ ‪ " :‬تعرض الفتن على القلوب‬
‫كابغصير عوداً عودا ‪ ،‬فأي قلب أُشرّٔا نكت فيو نكتة سوداء ‪،‬‬
‫وأي قلب أنكرىا نكت فيو نكتة بيضاء حَّت تصير على قلبين ‪،‬‬
‫على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة مادامت السموات والأرض ‪،‬‬
‫والآخر أسود ُمرباداً كالكوز بؾخيا لا يعرؼ معروفاً ولا ينكر‬
‫منكرا إلا ما أَشرب من ىواه " رواه مسلم ‪ ،‬ومرباداً أي بـلوطاً‬

‫‪57‬‬

‫بضرة بسواد ‪ ،‬كالكوز بؾخيا أي كالكأس ابؼنكوس ابؼقلوب الذي‬
‫إذا انصب فيو شيء لا يدخل فيو ‪.‬‬

‫وىكذا ابؼؤمن كلما كاف من الفتن وابؼعاصي أبعد كاف حفاظو‬
‫على سلامة قلبو وازدياد إبيانو أكثر ‪ ،‬وكلما تهاوف بالذنوب‬

‫وتعرض للفتن كلما نقص إبيانو ‪.‬‬
‫قاؿ شيخ الإسلاـ ابن تيمية ‪ " :‬غض البصر يورث ثلاث فوائد ‪:‬‬
‫حلاوة الإبياف ولذتو ‪ ،‬نور القلب والفراسة ‪ ...‬قوة القلب وثباتو‬

‫وشجاعتو " [ انظر الفتاوى (‪]) 252 / 10‬‬
‫قاؿ ابن ابؼبارؾ ‪:‬‬

‫رأيت الذنوب بسيت القلوب ‪ ---‬وقد يورث الذؿ إدمانها‬
‫وترؾ الذنوب حياة القلوب ‪ ---‬وخير لنفسك عصيانها‬

‫‪58‬‬

‫تاسعاً ‪ :‬الإكثار من النوافل والطاعات‬
‫فكلما أكثر العبد من النوافل ناؿ بشرات كثيرة منها بؿبة ا﵁ لو‬
‫ومعيتو فلا يصدر من جوارحو إلا ما يرضي ا﵁ جل وعلا ‪ ،‬وأيضاً‬
‫يكوف بؾاب الدعوة ‪ ،‬وإذا ناؿ العبد ىذه الثمرات زاد إبيانو لأنو‬

‫ناؿ بؿبة ا﵁ ورضاه عنو مع ما في النوافل من بشرات ‪.‬‬

‫ويدؿ عليو ‪ :‬حديث أِب ىريرة رضي ا﵁ عنو عند البخاري قاؿ‬
‫رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم قاؿ ا﵁ عز وجل ‪ " :‬وما يزاؿ‬
‫عبدي يقترب إلَّر بالنوافل حَّت أحبو ‪ ،‬فإذا أحببتو كنت بظعو‬
‫الذي يسمع بو وبصره الذي يبصر بو ويده التي يبطش ّٔا ورجلو‬

‫التي بيشي ّٔا ‪ ،‬ولئن سألِن لأعطينو ‪ ،‬ولئن استعاذني لأعيذنو "‬

‫عاشراً ‪ :‬سؤاؿ ا﵁ تعالذ زيادة الإبياف وبذديده‬

‫‪59‬‬

‫ويدؿ عليو ‪ :‬حديث عبد ا﵁ بن عمرو رضي ا﵁ عنو و عبد ا﵁‬
‫بن عمر رضي ا﵁ عنو قالا ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم‬
‫‪ " :‬إف الإبياف ليخلق في جوؼ أحدكم كما بىلق الثوب ‪ ،‬فا‬
‫سألوا ا﵁ تعالذ أف بهدد الإبياف في قلوبكم " رواه الطبراني عن ابن‬
‫عمر وقاؿ ابؽيثمي ‪ " :‬إسناده حسن " ورواه ابغاكم عن ابن عمرو‬
‫وقاؿ ‪ " :‬رواتو ثقات " وأقره الذىبي وحسنو الألباني في الصحيحة‬
‫(‪ ، )1585‬وقولو ‪ " :‬إف الإبياف ليخلق " أي إنو ليبلى ‪ ،‬فابؼؤمن‬
‫إذا أحس بقسوة في قلبو وفتور ونقص في الإبياف سأؿ ا﵁ تعالذ أف‬
‫بهدد الإبياف ويزيده في قلبو ‪ ،‬فقد كاف السلف بورصوف على ىذا‬
‫ابعانب فيسألوف ا﵁ عز وجل زيادة الإبياف ‪ ،‬فهذا عبد ا﵁ بن‬
‫مسعود رضي ا﵁ عنو يقوؿ ‪ " :‬اللهم زدنا إبياناً ويقيناً وفقهاً " قاؿ‬

‫‪60‬‬

‫ابغافظ في الفتح (‪ " )48/1‬رواه أبضد في الإبياف وإسناده صحيح‬
‫" وتقدـ قوؿ معاذ لبعض أصحابو ‪ " :‬اجلس بنا نؤمن ساعة "‬

‫ما تقدـ من الأسباب العشرة ىي من أىم أسباب زيادة الإبياف ‪،‬‬
‫وىناؾ أسباب أخرى ‪ :‬كالأمر بابؼعروؼ والنهي عن النكر ‪،‬‬
‫وزيارة القبور ‪ ،‬وتأمل سيرة النبي صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ ،‬والقراءة في‬
‫سير السلف ‪ ،‬الاىتماـ بأعماؿ القلوب كابػوؼ والرجاء وا﵀بة‬
‫والتوكل وغيرىا ‪ ،‬والدعوة إلذ ا﵁ تعالذ ‪ ،‬والتقلل من الدنيا ومن‬
‫ابؼباحات والفضوؿ في الطعاـ والكلاـ والنظر ‪ ،‬وتنويع العبادة ‪،‬‬
‫وتذكر منازؿ الآخرة ‪ ،‬ومناجاة ا﵁ تعالذ والانكسار بين يديو ‪،‬‬

‫وتعظيم حرماتو ‪ ،‬والولاء والبراء "‬

‫الفصل الشاتع ‪:‬أسثاب ًقصاى الإيواى‬

‫‪61‬‬

‫وىي عدة عوامل‪:‬‬
‫أولاً‪ -‬ابعهل وىو ضد العلم‪:‬‬
‫فهذا من أعظم أسباب نقص الإبياف‪ ،‬كما أف العلم من أعظم‬
‫أسباب زيادتو‪ ،‬فابؼسلم العالد لا يؤثر بؿبة وفعل ما يضره ويشقى‬
‫بو ويتألد بو على ما فيو نفعو وفلاحو وصلاحو‪ ،‬أما ابعاىل فإنو‬
‫لفرط جهلو وقلة علمو فإنو قد يؤثر مثل ىذه الأشياء على ما فيو‬
‫فلاحو وصلاحو‪ ،‬وذلك لانقلاب ابؼوازين عنده ولضعف التصور‬
‫فيو‪ ،‬فالعلم أصل لكل خير‪ ،‬وابعهل أصل لكل شر‪.‬‬
‫وبؿبة الظلم والعدواف وارتكاب الفواحش واقتراؼ ابؼناىي سببو‬
‫الأوؿ ىو ابعهل وفساد العلم‪ ،‬أو فساد القصد‪ ،‬وفساد القصد من‬

‫‪62‬‬

‫فساد العلم‪ ،‬فابعهل وفساد العلم ىو السبب الرئيس والأوؿ في‬
‫فساد الأعماؿ ونقص الإبياف‪.‬‬

‫قاؿ ابن القيم‪( :‬وقد قيل‪ :‬إف فساد القصد من فساد العلم وإلا‬
‫فلو علم ما في الضار من ابؼضرة ولوازمها حقيقة العلم بؼا آثره‪،‬‬
‫وبؽذا من علم من طعاـ شهي لذيذ أنو مسموـ فإنو لا يقدـ عليو‪،‬‬
‫فضعف علمو بدا في الضار من وجوه ابؼضرة‪ ،‬وضعف عزمو عن‬
‫اجتناب ما يوقعو في ارتكابو‪ ،‬وبؽذا كاف الإبياف بحسب ذلك‪ ،‬فإف‬
‫ابؼؤمن بالنار حقيقة الإبياف حَّت كأنو يراىا‪ ،‬لا يسلك طريقها‬
‫ابؼوصلة إليها‪ ،‬فضلاً عن أف يسعى فيها بجهده‪ ،‬وابؼؤمن بابعنة‬
‫حقيقة الإبياف لا تطاوعو نفسو أف يقعد عن طلبها‪ ،‬وىذا أمر‬
‫بهده الإنساف في نفسو فيما يسعى فيو في الدنيا من ابؼنافع‪ ،‬أو‬

‫التخلص منو من ابؼضار)‬

‫‪63‬‬

‫فالنفس تهوى ما يضرىا ولا ينفعها بعهلها بدضرتو وبؽذا فإف من‬
‫يتأمل القرآف الكرًن‪ ،‬بهد فيو أعظم إشارة إلذ أف ابعهل ىو سبب‬

‫الذنوب وابؼعاصي‪.‬‬
‫قاؿ تعالذ‪ :‬قَالُواْ يَا ُمو َسى ا ْجَعل َلّنَا إِبَؽًا َك َما بَؽُْم آبِؽَةٌ قَا َؿ إَِنّ ُك ْم‬

‫قَػْوٌـ بَْذَهلُو َف [ الأعراؼ‪.]138 :‬‬
‫وقاؿ تعالذ‪ :‬قُ ْل أَفَػغَْيػَر الَلِّو تَأُْمُروْنّي أَ ْعبُُد أَُيػَّها ابْعَا ِىلُو َف [ الزمر‪:‬‬

‫‪.]64‬‬
‫وقاؿ تعالذ‪َ :‬وقَػْرَف ِفي بػُيُوتِ ُك َّن َولا تَػبَػَّر ْج َن تَػبَػُّرَج ابْعَا ِىلَِيِّة الأُولَذ‬
‫َوأَقِ ْم َن ال َّصلاةَ َوآتِيَن الَّزَكاَة َوأَ ِطْع َن الَلّوَ َوَر ُسولَوُ إَِبّمَا يُِري ُد الَلّوُ لِيُْذ ِى َب‬

‫َعن ُك ُم الّْر ْج َس أَْى َل الْبَػْي ِت َويُطَّْهَرُك ْم تَطِْهيرًا [ الأحزاب‪.]33 :‬‬

‫‪64‬‬

‫وغيرىا من النصوص الدالة على أف ما وقع فيو الناس من شرؾ‬
‫وكفر وفجور وارتكاب للمعاصي أعظم أسبابو ابعهل با﵁ وبأبظائو‬

‫وصفاتو وبثوابو وعقابو‪.‬‬
‫وبؽذا فإف كل من عصى ا﵁ واقترؼ شيئا من الذنوب فهو‬

‫جاىل‪.‬‬
‫ثانياً – الغفلة والإعراض والنسياف‪:‬‬
‫فإف ىذه الأمور الثلاثة سبب عظيم من أسباب نقص الإبياف‪،‬‬
‫فمن اعترتو الغفلة‪ ،‬وشغلو النسياف‪ ،‬وحصل منو الإعراض‪ ،‬نقص‬
‫إبيانو وضعف بحسب توافر ىذه الأمور الثلاثة فيو أو بعضها‪،‬‬
‫وأوجبت لو مرض القلب أو موتو باستيلاء الشهوات والشبهات‬

‫عليو‪.‬‬

‫‪65‬‬

‫أما الغفلة فقد ذمها ا﵁ في كتابو وأخبر أنها خلق ذميم من أخلاؽ‬
‫الكافرين وابؼنافقين‪ ،‬وحذر منها سبحانو أشد التحذير‪:‬‬

‫قاؿ تعالذ‪َ :‬ولََق ْد ذََرأْنَا بِعََهَنّ َم َكثِيًرا ّْم َن ابْعِ ّْن َوالِإن ِس بَؽُْم قػُلُو ٌب لَاّ‬
‫يػَْفَقُهو َف َِّٔا َوبَؽُْم أَ ْعُيٌن لَاّ يػُبْ ِصُرو َف َِّٔا َوبَؽُْم آذَا ٌف لَاّ يَ ْس َمُعو َف َِّٔا‬
‫أُْولَئِ َك َكالأَنْػَعاِـ بَ ْل ُى ْم أَ َض ُّل أُْولَئِ َك ُى ُم الْغَافِلُو َف [ الأعراؼ‪:‬‬

‫‪.]179‬‬
‫وقاؿ تعالذ‪ :‬إََّف اَلّ ِذي َن لاَ يػَْرُجو َف لَِقاءنَا َوَر ُضواْ بِابْغَياِة الُّدنْػيَا‬

‫َواطْ َمأَُنّواْ َِّٔا َواَلّ ِذي َن ُى ْم َع ْن آيَاتِنَا َغافِلُو َف [ يونس‪.]7 :‬‬
‫وقاؿ تعالذ‪ :‬فَالْيَػْوَـ نػُنَ ّْجي َك بِبََدنِ َك لِتَ ُكو َف لَِم ْن َخلَْف َك آيَةً َوإِ َّف‬

‫َكثِيًرا ّْم َن الَنّا ِس َع ْن آيَاتِنَا لَغَافِلُو َف [ يونس‪.]92 :‬‬

‫‪66‬‬

‫وقاؿ تعالذ‪ :‬يػَْعلَ ُمو َف ظَا ِىًرا ّْم َن ابْغَيَاةِ الُّدنْػيَا َوُى ْم َع ِن الآ ِخَرِة ُى ْم‬
‫َغافِلُو َف [ الروـ‪.]7 :‬‬

‫وقاؿ لرسولو صلى ا﵁ عليو وسلم‪َ :‬واذُْكر َّرَبّ َك ِفي نػَْف ِس َك تَ َضُّرعاً‬
‫َوِخيَفةً َوُدو َف ابْعَْهِر ِم َن الَْقْوِؿ بِالْغُُدّْو َوالآ َصاِؿ َولاَ تَ ُكن ّْم َن‬

‫الْغَافِلِيَن [ الأعراؼ‪.]205 :‬‬

‫فالغفلة ‪ -‬وىي‪ :‬سهو يعتري من قلة التحفظ والتيقظ ‪ -‬داء‬

‫خطير إذا اعترى الإنساف وبسكن منو لد يشتغل بطاعة ا﵁ وذكره‬

‫وعبادتو‪ ،‬بل يشتغل بالأمور ابؼلهية ابؼبعدة عن ذكر ا﵁‪ ،‬وإف عمل‬

‫أعمالا في طاعتو تأتي منو على حاؿ سيئة ووضع غير حسن‬

‫فتكوف أعمالو عارية من ابػشوع وابػضوع والإنابة وابػشية‬

‫والطمأنينة والصدؽ والإخلاص‪ ،‬فهذه بعض آثار الغفلة السيئة‬

‫على الإبياف‪.‬‬

‫‪67‬‬

‫أما الإعراض‪ ،‬فقد أخبر ا﵁ في القرآف الكرًن أف لو آثارا سيئة‬
‫كثيرة وعواقب ونتائج وخيمة‪:‬‬

‫منها‪ :‬أف ا﵁ وصف ابؼعرض بأنو لا أحد أظلم منو‪ ،‬ووصفو بأنو‬
‫من آّرمين كما في قولو تعالذ‪َ :‬وَم ْن أَظْلَ ُم ِبَفّن ذُّْكَر بِآيَا ِت َرْبِّو ثَُمّ‬

‫أَ ْعَر َض َعنْػَها إَِنّا ِم َن الْ ُم ْجِرِميَن ُمنتَِق ُمو َف [ السجدة‪.]22 :‬‬
‫ومنها‪ :‬إخبار ا﵁ أف ابؼعرض بهعل ا﵁ على قلبو أكنةً وأقفالاً فلا‬
‫يفقو ولا يهتدي أبداً كما في قولو‪َ :‬وَم ْن أَظْلَ ُم ِبَفّن ذُّْكَر بِآيَا ِت َرْبِّو‬
‫فَأَ ْعَر َض َعنْػَها َونَ ِس َي َما قََّدَم ْت يََداهُ إَِنّا َجَعلْنَا َعلَى قُػلُؤِِّ ْم أَكَِنّةً أَف‬
‫يػَْفَقُهوهُ َوِفي آذَانِهِ ْم َوقْػًرا َوإِف تَْدعُُه ْم إِلَذ ابْؽَُدى فَػلَن يػَْهتَُدوا إِذًا أَبًَدا‬

‫[ الكهف‪.]57 :‬‬

‫‪68‬‬

‫ومنها‪ :‬أف إعراضو يسبب لو عيشة الضنك والضيق دنيا وآخرة‪،‬‬
‫كما في قولو‪َ :‬وَم ْن أَ ْعَر َض َعن ِذ ْكِري فَِإ َّف لَوُ َمعِي َشةً َضن ًكا َوبَْك ُشُرهُ‬

‫يػَْوَـ الِْقيَاَمِة أَ ْع َمى [ طػو‪.]124 :‬‬
‫ومنها‪ :‬أف ابؼعرض عن ذكر ا﵁ يقيض لو القرناء من الشياطين‬
‫فيفسدوف عليو دينو‪ ،‬كما في قولو‪َ :‬وَمن يػَْع ُش َعن ِذ ْك ِر الَّربْضَ ِن‬

‫نػَُقْيّ ْض لَوُ َشيْطَانًا فَػُهَو لَوُ قَِري ٌن [ الزخرؼ‪.]36 :‬‬
‫ومنها‪ :‬إخبار ا﵁ بأف ابؼعرض بومل يوـ القيامة وزراً‪ ،‬وأنو يسلك‬
‫العذاب الصعد كما في قولو‪َ :‬ك َذلِ َك نػَُق ُّص َعلَْي َك ِم ْن أَنبَاء َما قَْد‬
‫َسبَ َق َوقَْد آتَػْيػنَا َؾ ِمن َلُّدَنّا ِذ ْكًرا َم ْن أَ ْعَر َض َعْنوُ فَِإَنّوُ بَْو ِم ُل يػَْوَـ‬

‫الِْقيَاَمِة ِوْزًرا [ طو‪.]100 -99 :‬‬

‫‪69‬‬

‫وقولو‪ :‬لِنَػْفتِنَػُه ْم فِيِو َوَمن يػُْعِر ْض َعن ِذ ْك ِر َرْبِّو يَ ْسلُ ْكوُ َع َذابًا َصَع ًدا [‬
‫ابعن‪.]17 :‬‬

‫وغيرىا من الآيات التي بىبر فيها سبحانو وتعالذ عن أخطار‬
‫الإعراض وأضراره‪ ،‬والتي من أخطرىا وأشنعها أنو مانع من الإبياف‬
‫وحائل دونو بؼن لد يؤمن‪ ،‬وموىن ومضعف لإبياف من آمن‪،‬‬
‫وبحسب إعراض الإنساف يكن لو نصيب من ىذه النتائج‬

‫والأخطار‪.‬‬
‫وأما النسياف ‪ -‬وىو‪ :‬ترؾ الإنساف ضبط ما استودع‪ ،‬إما لضعف‬
‫قلبو‪ ،‬وإما عن غفلة‪ ،‬وإما عن قصد حَّت يرتفع عن القلب ذكره‬
‫‪ -‬فلو أثر بالغ في الإبياف‪ ،‬فهو سبب من أسباب ضعفو‪ ،‬وبوجوده‬

‫تقل الطاعات‪ ،‬وتكثر ابؼعاصي‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫والنسياف الذي جاء ذكره في القرآف الكرًن على نوعين‪ :‬نوع‪ :‬لا‬
‫يعذر فيو الإنساف وىو ما كاف أصلو عن تعمد منو‪ ،‬مثل قولو‪َ :‬ولا‬
‫تَ ُكونُوا َكاَلّ ِذي َن نَ ُسوا الَلّوَ فَأَن َسا ُى ْم أَنُف َسُه ْم أُْولَئِ َك ُى ُم الَْفا ِسُقو َف [‬

‫ابغشر‪.]19 :‬‬
‫ونوع‪ :‬يعذر فيو وىو ما لد يكن سببو منو كما في قولو تعالذ‪َ :‬رَبػّنَا‬
‫لاَ تػَُؤا ِخ ْذنَا إِف َنّ ِسينَا أَْو أَ ْخطَأْنَا [ البقرة‪ ]286 :‬وقد جاء في‬

‫ابغديث أف ا﵁ تعالذ قاؿ‪( :‬فعلت) ‪.‬‬
‫وابؼسلم مطالب بدجاىدة نفسو وإبعادىا عن الوقوع فيو‪ ،‬حَّت لا‬

‫يتضرر في دينو وإبيانو‪.‬‬
‫ثالثاً – فعل ابؼعاصي وارتكاب الذنوب‪:‬‬

‫‪71‬‬

‫فإف ىذا لا بىفى ما بو من الضرر وسوء الأثر على الإبياف‪،‬‬

‫فالإبياف كما قاؿ غير واحد من السلف‪( :‬يزيد بالطاعة‪ ،‬وينقص‬

‫بابؼعاصي)‪ ،‬فكما أف فعل ما أمر ا﵁ بو من واجب ومندوب يزيد‬

‫في الإبياف‪ ،‬فكذلك فعل ما نهى ا﵁ عنو من بؿرـ ومكروه ينقص‬

‫الإبياف‪ ،‬إلا أف الذنوب متفاوتة في درجاتها ومفاسدىا وشدة‬

‫ضررىا تفاوتاً عظيماً‪ ،‬كما قاؿ ابن القيم ربضو ا﵁‪( :‬ولا ريب أف‬

‫الكفر والفسوؽ وابؼعاصي درجات‪ ،‬كما أف الإبياف والعمل الصالح‬
‫درجات‪ ،‬كما قاؿ تعالذ‪ُ :‬ى ْم َدَرَجا ٌت ِعن َد اللِّو واللّوُ بَ ِصيرٌ ِبدَا‬
‫يػَْع َملُو َف [ آؿ عمراف‪ ،]163 :‬وقاؿ‪َ :‬ولِ ُك ٍّل َدَرَجا ٌت ْبَّفّا َع ِملُواْ َوَما‬
‫َرُبّ َك بِغَافٍِل َعَّما يػَْع َملُو َف [ الأنعاـ‪ ،]132 :‬وقاؿ‪ :‬إَِبّمَا الَنّ ِسيءُ‬
‫ِزيَاَدةٌ ِفي الْ ُكْفِر [ التوبة‪ ،]37 :‬وقاؿ‪ :‬فَأََّما اَلّ ِذي َن آَمنُواْ فَػَزاَدتْػُه ْم‬
‫إِبيَانًا َوُى ْم يَ ْستَْب ِشُرو َف َوأََّما اَلّ ِذي َن ِفي قُػلُؤِِّم َّمَر ٌض فَػَزاَدتْػُه ْم ِر ْج ًسا‬

‫‪72‬‬

‫إِلَذ ِر ْج ِسِه ْم َوَماتُواْ َوُى ْم َكافُِرو َف [ التوبة‪،]125 -124 :‬‬
‫ونظائره في القرآف كثير) ‪.‬‬

‫وقد دّؿ القرآف والسنة على أف من الذنوب كبائر وصغائر‪ ،‬قاؿ‬
‫تعالذ‪ :‬إِف بَْذتَنِبُواْ َكبَآئَِر َما تُػنْػَهْو َف َعنْوُ نُ َكّْفْر َعن ُك ْم َسْيّئَاتِ ُك ْم‬
‫َونُْد ِخلْ ُكم ُّم ْد َخلاً َكِربيًا [ النساء‪ ،]31 :‬وقاؿ تعالذ‪ :‬اَلّ ِذي َن‬

‫بَهْتَنِبُو َف َكبَائَِر الِإثِْم َوالَْفَوا ِح َش إِلا الَلّ َم َم [ النجم‪.]32 :‬‬
‫وفي صحيح مسلم‪ :‬عن أِب ىريرة رضي ا﵁ عنو قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ‬
‫ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم‪ (( :‬الصلوات ابػمس‪ ،‬وابعمعة إلذ‬
‫ابعمعة‪ ،‬ورمضاف إلذ رمضاف مكفرات بؼا بينهن إذا اجتنبت‬

‫الكبائر)) (رواه مسلم (‪. )574‬‬

‫‪73‬‬

‫وفي الصحيحين‪ :‬عن عبدالربضن بن أِب بكرة عن أبيو‪ ،‬قاؿ‪ :‬كنا‬
‫عند رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم فقاؿ‪ (( :‬ألا أنبئكم بأكبر‬
‫الكبائر؟ ثلاثاً‪ :‬الإشراؾ با﵁‪ ،‬وعقوؽ الوالدين‪ ،‬وشهادة الزور))‬

‫(رواه البخاري (‪ ،)2511‬ومسلم (‪. )269‬‬
‫وفيهما عنو صلى ا﵁ عليو وسلم أنو سئل‪ :‬أي الذنب أكبر عند‬
‫ا﵁؟ قاؿ‪(( :‬أف تدعو ﵁ ندا وىو خلقك‪ ،‬قيل ثم أي؟ قاؿ‪ :‬أف‬
‫تقتل ولدؾ بـافة أف يطعم معك‪ ،‬قيل ثم أي؟ قاؿ‪ :‬أف تزاني بحليلة‬
‫جارؾ)) (رواه البخاري (‪ ،)6468‬ومسلم (‪ .)268‬من حديث‬

‫ابن مسعود رضي ا﵁ عنو)‬
‫رابعا – النفس الأمارة بالسوء‪:‬‬

‫‪74‬‬

‫وىي نفس مذمومة جعلها ا﵁ في الإنساف‪ ،‬تأمره بكل سوء‪،‬‬

‫وتدعوه إلذ ابؼهالك‪ ،‬وتهديو إلذ كل قبيح‪ ،‬ىذا طبعها‪ ،‬وتلك‬

‫سجيتها‪ ،‬إلا ما وفقها ا﵁ وثبتها وأعانها‪ ،‬فما بزلص أحد من شر‬

‫نفسو إلا بتوفيق ا﵁‪ ،‬كما قاؿ تعالذ حاكيا عن امرأة العزيز‪َ :‬وَما‬
‫أُبػَّْر ُئ نػَْف ِسي إِ َّف الَنّػْف َس لأََّماَرةٌ بِال ُّسوِء إِلَاّ َما َرِح َم َرَِّْب إِ َّف َرِّْب َغُفوٌر‬
‫َّرِحي ٌم [ يوسف‪ ،]53 :‬وقاؿ تعالذ‪ :‬يَا أَُيػَّها اَلّ ِذي َن آَمنُوا لَا تَػَتّبُِعوا‬
‫ُخطَُوا ِت ال َّشيْطَا ِف َوَمن يػََتّبِ ْع ُخطَُوا ِت ال َّشْيطَا ِف فَِإَنّوُ يَأُْمُر بِالَْف ْح َشاء‬
‫َوالْ ُمن َكِر َولَْوَلا فَ ْض ُل الَلِّو َعلَيْ ُك ْم َوَربْضَتُوُ َما َزَكا ِمن ُكم ّْم ْن أَ َح ٍد أَبًَدا‬
‫َولَ ِك َّن الَلّوَ يػَُْزّكي َمن يَ َشاء َوالَلّوُ بَِظي ٌع َعلِي ٌم [ النور‪ ،]21 :‬وقاؿ‬
‫تعالذ لأكرـ خلقو عليو وأحبهم إليو‪َ :‬ولَْولاَ أَف ثػََبّتْػنَا َؾ لََق ْد كِد َّت‬

‫تَػْرَك ُن إِلَيِْه ْم َشيْئًا قَلِيلاً [ الإسراء‪،]74 :‬‬

‫‪75‬‬

‫قاؿ ابن القيم ربضو ا﵁‪ ( :‬وقد ركب ا﵁ سبحانو في الإنساف‬
‫نفسين‪ :‬نفساً أمارة‪ ،‬ونفساً مطمئنة‪ ،‬وبنا متعاديتاف‪ ،‬فكل ما‬
‫خف على ىذه ثقل على ىذه‪ ،‬وكل ما التذت بو ىذه تأبؼت بو‬
‫الأخرى‪ ،‬فليس على النفس الأمارة أشق من العمل ﵁‪ ،‬وإيثار‬
‫رضاه على ىواىا‪ ،‬وليس بؽا أنفع منو‪ .‬وليس على النفس ابؼطمئنة‬
‫أشق من العمل لغير ا﵁ وما جاء بو داعي ابؽوى‪ ،‬وليس عليها‬
‫شيء أضر منو‪ ...‬وابغروب مستمرة لا تضع أوزارىا إلا أف يستوفى‬

‫أجلها من الدنيا)‬
‫فلا أضر على إبياف الشخص ودينو من نفسو الأمارة بالسوء‪ ،‬التي‬
‫ىذا شأنها‪ ،‬وىذا وصفها‪ ،‬فهي سبب رئيس‪ ،‬وعضو فعاؿ في‬

‫إضعاؼ الإبياف وزعزعتو وتوىينو‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫ومن ىنا لزـ من أراد ابغفاظ على إبيانو من النقص والضعف‪ ،‬أف‬
‫يعنى بدحاسبة ىذه النفس ومعاتبتها‪ ،‬وأف يكثر من لومها‪ ،‬حَّت‬

‫يسلم من مغبتها وعواقبها الوخيمة ابؼردية‪...15‬‬

‫الفصل الخاهس‪ :‬أى الذيي حلاث دسج ات‬

‫قاؿ العلامة الشيخ بؿمد بن علي بن آدـ الإتيوِب‪:‬‬

‫الدين ثلاث درجات‪ :‬أعلاىا الإحساف‪ ،‬وأوسطها الإبياف‪ ،‬ويليو‬
‫الإسلاـ‪ ،‬فكل بؿسن مؤمن‪ ،‬وك ّل مؤمن مسلم‪ ،‬وليس ك ّل مؤمن‬
‫بؿسنًا‪ ،‬ولا ك ّل مسلم مؤمنًا‪ ،‬كما سيأتي بيانو ‪ -‬إف شاء ا﵁‬
‫تعالذ ‪ -‬في سائر الأحاديث‪ ،‬كابغديث الذي رواه بضّاد بن زيد‪،‬‬
‫عن أيوب‪ ،‬عن أِب قلابة‪ ،‬عن رجل من أىل الشاـ‪ ،‬عن أبيو‪ ،‬عن‬
‫النبّي ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬قاؿ لو‪" :‬أسلِم تسلم"‪ ،‬قاؿ‪ :‬وما‬

‫‪15‬الإبياف حقيقتو خوارمو نواقضو عند أىل السنة عبدا﵁ بن عبدابغميد الأثري – ‪8‬ص‪4‬‬

‫‪77‬‬

‫الإسلاـ؟ قاؿ‪ " :‬أف تُسلم قلبك ﵁‪ ،‬وأف يسلم ابؼسلموف من‬
‫لسانك‪ ،‬ويدؾ"‪ ،‬قاؿ‪ :‬فأ ّي الإسلاـ أفضل؟ قاؿ‪" :‬الإبياف"‪ ،‬قاؿ‪:‬‬
‫وما الإبياف؟ قاؿ‪ " :‬أف تؤمن با﵁‪ ،‬وملائكتو‪ ،‬وكتبو‪ ،‬ورسلو‪،‬‬

‫وبالبعث بعد ابؼوت"‪ ،‬قاؿ‪ :‬فأ ّي الإبياف أفضل؟ قاؿ‪" :‬ابؽجرة"‪،‬‬
‫قاؿ‪ :‬وما ابؽجرة؟ قاؿ‪ " :‬أف تهجر السوء"‪ ،‬قاؿ‪ :‬فأ ّي ابؽجرة‬
‫أفضل؟ قاؿ‪" :‬ابعهاد"‪ ،‬قاؿ‪ :‬وما ابعهاد؟ قاؿ‪" :‬أف بذاىد"‪ ،‬أو‬

‫"تقاتل الكّفار إذا لقيتهم‪ ،‬ولا تغلُل‪ ،‬ولا بذُُب"‪ ،‬ثم قاؿ رسوؿ ا﵁‪:‬‬
‫"عملاف بنا أفضل الأعماؿ‪ ،‬إلا من عمل بدثلهما" ‪ -‬قابؽا ثلاثًا‬

‫‪" -‬حجة مبرورة‪ ،‬أو عمرة"‪ ،‬رواه أبضد‪ ،‬وبؿمد بن نصر ابؼروز ّي‪.‬‬

‫وبؽذا يذكر ىذه ابؼراتب الأربعة‪ ،‬فيقوؿ‪ " :‬ابؼسلم من سلم‬

‫ابؼسلموف من لسانو‪ ،‬ويده‪ ،‬وابؼؤمن من أمنو الناس على دمائهم‬

‫وأموابؽم‪ ،‬وابؼهاجر من ىجر السيّئات‪ ،‬وآّاىد من جاىد نفسو"‪،‬‬

‫‪78‬‬

‫وىذا مرو ّي عن النبّي ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬من حديث عبد‬
‫ا﵁ بن عمرو‪ ،‬وفَ َضالة بن عُبيد‪ ،‬وغيربنا ‪ -‬رضي ا﵁ عنهما ‪-‬‬

‫بإسناد جيّد‪ ،‬وىو في "السنن"‪ ،‬وبعضو في "الصحيحين"‪.‬‬

‫وقد ثبت عنو من غير وجو أنو قاؿ‪" :‬ابؼسلم من سلم ابؼسلموف‬
‫من لسانو ويده‪ ،‬وابؼؤمن أَِمنَوُ الناس على دمائهم وأموابؽم"‪ ،‬ومعلوـ‬
‫أف من كاف مأمونًا على الدماء والأمواؿ كاف ابؼسلموف يسلموف‬
‫من لسانو ويده‪ ،‬ولولا سلامتهم منو بؼا ائتمنوه‪ ،‬وكذلك في حديث‬

‫ُعبيد بن ُعمير‪ ،‬عن عمرو بن َعبَ َسة ‪ -‬رضي ا﵁ عنو –‬

‫وفي حديث عبد ا﵁ بن عُبيد بن ُعمير أي ًضا‪ ،‬عن أبيو‪ ،‬عن ج ّده‬
‫أنو قيل لرسوؿ ا﵁ ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ :-‬ما الإسلاـ؟ قاؿ‪:‬‬

‫"إطعاـ الطعاـ‪ ،‬وطيب الكلاـ"‪ ،‬قيل‪ :‬فما الإبياف؟ قاؿ‪:‬‬

‫"السماحة‪ ،‬والصبر"‪ ،‬قيل‪ :‬فمن أفضل ابؼسلمين إسلاًما؟ قاؿ‪:‬‬

‫‪79‬‬

‫"من سلم ابؼسلموف من لسانو ويده"‪ ،‬قيل‪ :‬فمن أفضل ابؼؤمنين‬

‫إبيانًا؟ قاؿ‪ :‬أحسنهم ُخلًُقا‪ ،‬قيل‪ :‬فما أفضل ابؽجرة؟ قاؿ‪" :‬من‬
‫ىجر ما حّرـ ا﵁ عليو"‪ ،‬قاؿ‪ :‬أ ّي الصلاة أفضل؟ قاؿ‪" :‬طوؿ‬
‫القنوت"‪ ،‬قاؿ‪ :‬أي الصدقة أفضل؟ قاؿ‪" :‬جهد مقل"‪ ،‬قاؿ‪ :‬أ ّي‬
‫ابعهاد أفضل؟ قاؿ‪" :‬أف بذاىد بدالك‪ ،‬ونفسك‪ ،‬فيُعقُر جوادؾ‪،‬‬
‫ويُراؽ دمك"‪ ،‬قاؿ‪ :‬أ ّي الساعات أفضل؟ قاؿ‪ " :‬جوؼ الليل‬

‫الغابر"‪.‬‬

‫ومعلوـ أف ىذا كلو مراتب‪ ،‬بعضها فوؽ بعض‪ ،‬وإلا فابؼهاجر لا‬

‫ب ّد أف يكوف مؤمنًا‪ ،‬وكذا آّاىد‪ ،‬وبؽذا قاؿ‪" :‬الإبياف السماحة‬
‫والصبر"‪ ،‬وقاؿ في الإسلاـ‪ " :‬إطعاـ الطعاـ‪ ،‬وطيب الكلاـ"‪،‬‬

‫والأوؿ مستلزـ للثاني‪ ،‬فإف من كاف خلقو السماحة‪ ،‬فعل ىذا‬

‫بخلاؼ الأوؿ‪ ،‬فإف الإنساف قد يفعل ذلك بزلًّقا‪ ،‬ولا يكوف في‬

‫‪80‬‬

‫خلقو بظاحة وصبرٌ‪ ،‬وكذلك قاؿ‪ " :‬أفضل ابؼسلمين من سلم‬
‫ابؼسلموف من لسانو ويده"‪ ،‬وقاؿ‪" :‬أفضل ابؼؤمنين إبيانًا أحسنهم‬
‫خلًقا"‪ ،‬ومعلوٌـ أف ىذا يتض ّمن الأوؿ‪ ،‬فمن كاف حسن ابػلق‬
‫فعل ذلك‪ .‬قيل للحسن البصر ّي‪ :‬ما حسن ابػلق؟ قاؿ‪ :‬بذؿ‬
‫الندى‪ ،‬وك ّف الأذى‪ ،‬وطلاقة الوجو‪ ،‬فك ّف الأذى جزء من حسن‬
‫ابػلق‪ ،‬وستأتي الأحاديث الصحيحة بأنو جعل الأعماؿ الظاىرة‬
‫من الإبياف‪ ،‬كقولو ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ " :-‬الإبياف بضع‬
‫وسبعوف شعبة‪ ،‬أعلاىا قوؿ‪ :‬لا إلو إلا ا﵁‪ ،‬وأدناىا إماطة الأذى‬
‫عن الطريق"‪ ،‬وقولو لوفد عبد القيس‪" :‬آمركم بالإبياف با﵁ وحده‪،‬‬
‫أتدروف ما الإبياف با﵁ وحده؟ ‪ :‬شهادة أف لا إلو إلا ا﵁‪ ،‬وحده لا‬
‫شريك لو‪ ،‬وإقاـ الصلاة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وأف تؤّدوا بطس ما‬

‫غنمتم"‪.‬‬

‫‪81‬‬

‫ومعلوـ أنو لد يرد أف ىذه الأعماؿ تكوف إبيانًا با﵁ بدوف إبياف‬
‫القلب؛ لَِما قد أخبر في غير موضع أنو لا ب ّد من إبياف القلب‪،‬‬
‫فُعلم أف ىذه مع إبياف القلب ىو الإبياف‪ .‬وفي "ابؼسند" عن أنس‬
‫‪ -‬رضي ا﵁ عنو ‪ -‬عن النبّي ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬أنو قاؿ‪:‬‬
‫"الإسلاـ علانية‪ ،‬والإبياف في القلب " ( ضعيف‪ .‬انظر‪" :‬ضعيف‬

‫ابعامع الصغير"‪ ،‬للشيخ الألباني ربضو ا﵁ تعالذ ص ‪،).ٖٖٙ‬‬

‫وقاؿ ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ " :-‬إف في ابعسد مضغةً إذا‬
‫صلحت صلح سائر ابعسد‪ ،‬وإذا فسدت فسد سائر ابعسد‪ ،‬ألا‬

‫وىي القلب"‪ ،‬فمن صلح قلبو صلح جسده قطًعا‪ ،‬بخلاؼ‬
‫العكس‪.‬‬

‫وقاؿ سفياف بن عيينة‪ :‬كاف العلماء فيما مضى يكتب بعضهم إلذ‬

‫بعض ّٔؤلاء الكلمات‪ :‬من أصلح سريرتو أصلح ا﵁ علانيتو‪ ،‬ومن‬

‫‪82‬‬

‫أصلح ما بينو وبين ا﵁‪ ،‬أصلح ا﵁ ما بينو وبين الناس‪ ،‬ومن عمل‬
‫لآخرتو كفاه ا﵁ أمر دنياه‪ .‬رواه ابن أِب الدنيا في " كتاب‬
‫الإخلاص"‪ .‬فعلم أف القلب إذا صلح بالإبياف صلح ابعسد‬
‫بالإسلاـ‪ ،‬وىو من الإبياف‪ ،‬يدؿ على ذلك أنو قاؿ في حديث‬
‫جبريل عليو السلاـ‪" :‬ىذا جبريل جاءكم يُعلّمكم دينكم"‪ ،‬فجعل‬
‫الدين ىو الإسلاـ‪ ،‬والإبياف‪ ،‬والإحساف"‪ ،‬فتبين أف ديننا بهمع‬
‫الثلاثة‪ ،‬لكن ىو درجات ثلاث‪ :‬مسلم‪ ،‬ثم مؤمن‪ ،‬ثم بؿس ٌن‪ ،‬كما‬
‫قاؿ تعالذ‪ { :‬ثَُمّ أَْوَرثْػنَا الْ ِكتَا َب اَلّ ِذي َن ا ْصطََفْيػنَا ِم ْن ِعبَاِدنَا فَِمْنػُه ْم‬
‫ظَالِدٌ لِنَػْف ِسِو َوِمنْػُه ْم ُمْقتَ ِصٌد َوِمنْػُه ْم َسابِ ٌق بِابْػَيْػَرا ِت بِِإ ْذ ِف الَلِّو}‬
‫الآية [ فاطر‪ ،]ٖٕ :‬وابؼقتصد‪ ،‬والسابق كلابنا يدخل ابعنّة بلا‬
‫عقوبة‪ ،‬بخلاؼ الظالد لنفسو‪ ،‬وىكذا من أتى بالإسلاـ الظاىر مع‬

‫‪83‬‬

‫تصديق القلب‪ ،‬لكن لد يقم بدا بهب عليو من الإبياف الباطن‪ ،‬فإنو‬

‫معّر ٌض للوعيد‪ ،‬كما سيأتي بيانو إف شاء ا﵁‪.‬‬

‫وأما الاحساف‪ :‬فهو أع ّم من جهوّ نفسو‪ ،‬وأخ ّص من جهة‬
‫أصحابو من الإبياف‪ ،‬والإبياف أع ّم من جهة نفسو‪ ،‬وأخ ّص من‬
‫جهة أصحابو من الإسلاـ‪ ،‬فالإحساف يدخل فيو الإبياف‪ ،‬والإبياف‬

‫يدخل فيو الإسلاـ‪ ،‬وا﵀سنوف أخ ّص من ابؼؤمنين‪ ،‬وابؼؤمنوف أخ ّص‬
‫من ابؼسلمين‪ ،‬وىذا كما يقاؿ‪ :‬في الرسالة والنبّوة‪ ،‬فالنبّوة داخلة‬
‫في الرسالة‪ ،‬والرسالة أع ّم من جهة نفسها‪ ،‬وأخ ّص من جهة‬
‫أىلها‪ ،‬فك ّل رسوؿ نبّي‪ ،‬وليس كل نبّي رسوًلا‪ ،‬فالأنبياء أع ّم‪،‬‬
‫والنبّوة نفسها جزء من الرسالة‪ ،‬فالرسالة تتناوؿ النبّوة‪ ،‬وغيرىا‪،‬‬

‫بخلاؼ النبّوة‪ ،‬فإنها لا تتناوؿ الرسالة‪16.‬‬

‫‪ 16‬البحر ا﵀يط الثجاجٖ٘‪ ٖٚ-‬الشاملة‬

‫‪84‬‬

‫الفصل السادس‪ :‬الاستخٌاءفي الإي واى ٍه َ قَل الشجل أًا هؤهي‬

‫إى شاء الله‬

‫اختلف العلماء من السلف‪,‬وابػلاؼ في ىذه ابؼسألة وقع تبعا‬
‫للخلاؼ في حقيقة الإبياف‪ .‬قاؿ النوو ّي ربضو ا﵁ تعالذ‪ :‬اختلف‬
‫العلماء من السلف وغيرىم‪ ،‬في إطلاؽ الإنساف قولو‪ :‬أنا مؤمن‪،‬‬
‫فقاؿ طائفة‪ :‬لا يقوؿ‪ :‬أنا مؤمن‪ ،‬مقتصًرا عليو‪ ،‬بل يقوؿ‪ :‬أنا‬
‫مؤمن إف شاء ا﵁‪ ،‬و َح َكى ىذا ابؼذىب بعض أصحابنا عن أكثر‬
‫أصحابنا ابؼتكلمين‪ ،‬وذىب آخروف إلذ جواز الإطلاؽ‪ ،‬وأنو لا‬
‫يقوؿ‪ :‬إف شاء ا﵁‪ ،‬وىذا ىو ابؼختار‪ ،‬وقوؿ أىل التحقيق‪ ،‬وذىب‬
‫الأوزاع ّي‪ ،‬وغيره إلذ جواز الأمرين‪ ،‬والكل صحيح باعتبارات‬
‫بـتلفة‪ ،‬فمن أطلق نظر إلذ ابغاؿ‪ ،‬وأحكاـ الإبياف جارية عليو في‬
‫ابغاؿ‪ ،‬ومن قاؿ‪ :‬إف شاء ا﵁‪ ،‬فقالوا فيو‪ :‬ىو إما للتبرؾ‪ ،‬وإما‬

‫‪85‬‬

‫لاعتبار العاقبة‪ ،‬وما قدر ا﵁ تعالذ‪ ،‬فلا يدري أيثبت على الإبياف‪،‬‬
‫أـ يُصَرؼ عنو‪ ،‬والقوؿ بالتخيير حسن صحيح‪ ،‬نظًرا إلذ مأخذ‬
‫القولين الأولين‪ ،‬ورفًعا بغقيقة ابػلاؼ‪ .....‬وا﵁ أعلم‪ .‬انتهى‬

‫كلاـ النوو ّي‪.‬‬

‫قاؿ شيخ الإسلاـ ابن تيمية ربضو ا﵁ تعالذ ‪ :‬وأما الاستثناء في‬
‫الإبياف بقوؿ الرجل ‪ :‬أنا مؤمن إف شاء ا﵁ ‪ ،‬فالناس فيو على‬
‫ثلاثة أقواؿ ‪ ،‬منهم من يوجبُو ‪ ،‬ومنهم من بُورمو ‪ ،‬ومنهم من بُهوز‬

‫الأمرين باعتبارين ‪ ،‬وىذا أصح الأقواؿ ‪.‬‬

‫فالذين بُورمونو ىم ابؼرجئة وابعهمية وبكوىم ‪ ،‬بفن بهعل الإبياف‬
‫شيئاً واحداً يَعلمو الإنساف من نفسو ‪ ،‬كالتصديق بالرب ‪ ،‬وبكو‬
‫ذلك بفا في قلبو ‪ ،‬فيقوؿ أحدىم ‪ :‬أنا أعلم أني مؤمن كما أعلم‬

‫أني قرأت الفابرة ‪ ،‬فمن استثنى في إبيانو فهو شاؾ فيو عندىم ‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫وأما الذين أوجبوا الإستثناء فلهم فيو مأخذاف ‪ ،‬أحدبنا ‪ :‬أف‬
‫الإبياف ىو ما مات عليو الإنساف ‪ ،‬والإنساف إبما يكوف عن ا﵁‬
‫مؤمناً وكافراً باعتبار ابؼوافاة وما سبق في علم ا﵁ أنو يكوف عليو ‪،‬‬
‫وىو مأخذ كثير من ابؼتأخرين من الكلابية وغيرىم بفن يريد أف‬
‫ينصر ما استشهد عليو أىل السنة وابغديث من قوبؽم ‪ :‬أنا مؤمن‬
‫إف شاء ا﵁ ‪ ،‬ويريد مع ذلك أف الإبياف لا يتفاضل ‪ ،‬ولا يشك‬
‫الإنساف في ابؼوجود منو ‪ ،‬وإبما يشك في ابؼستقبل ‪ ،‬وىذا وإف َعلل‬
‫بو كثير من ابؼتأخرين من أصحاب ابغديث من أصحاب أبضد‬
‫ومالك والشافعي وغيرىم فما علمت أحداً من السلف علل بو‬

‫الاستثناء‪.17‬‬

‫وحاصل الأقواؿ التي قيلت في الاستثناء ثلاثة أقواؿ‪:‬‬

‫‪17‬من « الدرر السنية في الأجوبة النجدية »‪551/1‬‬

‫‪87‬‬

‫الأوؿ‪ :‬القوؿ بوجوب الاستثناء وىو قوؿ الكلابية ومن وافقهم‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬القوؿ بتحربيو‪ :‬وىو قوؿ ابؼرجئة وابعهمية‪.‬‬

‫الثالث القوؿ بجواز الأمرين باعتبارين‪ .‬وىو قوؿ أىل السنة‬
‫وابعماعة وسلف الأمة‪.‬‬

‫وىذا مذىب جل السلف‪ ،‬فقد ُحكي ذلك عن عمر بن‬
‫ابػطاب‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وابغسن‪ ،‬وابن سيرين‪ ،‬ومنصور‪،‬‬
‫ومغيرة‪ ،‬والأعمش‪ ،‬وليث بن أِب ُسليم‪ ،‬وعطاء بن السائب‪،‬‬
‫وعمارة بن القعقاع‪ ،‬والعلاء بن ابؼسيّب‪ ،‬وإبظاعيل بن أِب خالد‪،‬‬
‫وعبد ا﵁ بن ُشْبػُرمة‪ ،‬والثور ّي‪ ،‬وابن ُعيينة‪ ،‬وقاؿ‪ :‬إنو توكيد‬
‫للإبياف‪ ،‬وبضزة الزيات‪ ،‬وعلقمة‪ ،‬وبضاد بن زيد‪ ،‬والنضر بن شُميل‪،‬‬
‫ويزيد بن ُزريع‪ ،‬وبويى بن سعيد القطّاف‪ ،‬والنخع ّي‪ ،‬وطاوس‪ ،‬وأِب‬

‫‪88‬‬

‫الْبَ ْختَر ّي سعيد بن فَيروز‪ ،‬ويزيد بن أِب زياد‪ ،‬وعلي بن خليفة‪،‬‬
‫ومعمر‪ ،‬وجرير بن عبد ابغميد‪ ،‬وابن ابؼبارؾ‪ ،‬والأوزاع ّي‪ ،‬ومالك‪،‬‬
‫وابن مهد ّي‪ ،‬والشافع ّي‪ ،‬وأِب ثور‪ ،‬وآخرين‪ ،‬واختاره أبو منصور‬
‫ابؼاتريد ّي‪ ،‬بل بلغ بقوـ من السلف أف قالوا‪ :‬إنو أولر‪ ،‬وعابوا على‬
‫من قاؿ‪ :‬إني مؤمن‪ .‬أخرج ذلك ابن أِب شيبة في "كتاب الإبياف"‪.‬‬

‫قاؿ النوو ّي ربضو ا﵁ تعالذ‪ :‬اختلف العلماء من السلف وغيرىم‪،‬‬
‫في إطلاؽ الإنساف قولو‪ :‬أنا مؤمن‪ ،‬فقاؿ طائفة‪ :‬لا يقوؿ‪ :‬أنا‬

‫مؤمن‪ ،‬مقتصًرا عليو‪ ،‬بل يقوؿ‪ :‬أنا مؤمن إف شاء ا﵁‪ ،‬و َح َكى ىذا‬
‫ابؼذىب بعض أصحابنا عن أكثر أصحابنا ابؼتكلمين‪ ،‬وذىب‬

‫آخروف إلذ جواز الإطلاؽ‪ ،‬وأنو لا يقوؿ‪ :‬إف شاء ا﵁‪ ،‬وىذا ىو‬

‫ابؼختار‪ ،‬وقوؿ أىل التحقيق‪ ،‬وذىب الأوزاع ّي‪ ،‬وغيره إلذ جواز‬
‫الأمرين‪ ،‬والكل صحيح باعتبارات بـتلفة‪ ،‬فمن أطلق نظر إلذ‬

‫‪89‬‬

‫ابغاؿ‪ ،‬وأحكاـ الإبياف جارية عليو في ابغاؿ‪ ،‬ومن قاؿ‪ :‬إف شاء‬
‫ا﵁‪ ،‬فقالوا فيو‪ :‬ىو إما للتبرؾ‪ ،‬وإما لاعتبار العاقبة‪ ،‬وما قدر ا﵁‬
‫تعالذ‪ ،‬فلا يدري أيثبت على الإبياف‪ ،‬أـ يُصَرؼ عنو‪ ،‬والقوؿ‬
‫بالتخيير حسن صحيح‪ ،‬نظًرا إلذ مأخذ القولين الأولين‪ ،‬ورفًعا‬

‫بغقيقة ابػلاؼ‪18.‬‬

‫فابؼاتريدية منعوا الاستثناء في الإبياف وذلك لأف مفهوـ وحقيقة‬
‫الإبياف عندىم التصديق أو التصديق والقوؿ‪19.‬‬

‫ومنع من ذلك أبو حنيفةأيضا‪ ،‬وطائفة‪ ،‬وقالوا‪ :‬ىو ش ّك‪ ،‬والش ّك‬
‫في الإبياف كفر‪.‬‬

‫وأجيب عن ذلك بأوجو‪:‬‬

‫‪18‬البحر ا﵀يط الثجاجٗ٘ الشاملة‬
‫‪19‬ابؼاتريدية دراسة وتقوبيا لأبضد بن عوض ا﵁ بن داخل اللهيبي ابغرِب ‪1 -‬ص‪47‬‬

‫‪90‬‬

‫[أحدىا]‪ :‬أنو لا يقاؿ ش ِّكا‪ ،‬بل خوفًا من سوء ابػابسة؛ لأف‬
‫الأعماؿ معتبرة بخوابسها‪ ،‬كما أف الصائم لا بوكم لو بالصوـ إَّلا‬

‫في آخر النهار‪.‬‬

‫[الثانية]‪ :‬أنو للتبرّؾ‪ ،‬وإف لد يكن ش ّّك‪ ،‬كقولو تعالذ‪{ :‬لَتَ ْد ُخلُ َّن‬
‫الْ َم ْس ِج َد ابْغََراَـ إِ ْف َشاءَ الَلّوُ} الآية [الفتح‪.]ٕٚ :‬‬

‫[الثالثة]‪ :‬أف ابؼشيئة راجعة إلذ الإبياف‪ ،‬فقد بُى ُلّ ببعضو‪ ،‬فيستثِن‬
‫لذلك‪ .‬وا﵁ تعالذ أعلم بالصواب‪ ،‬راجع ما كتبتو على "الكوكب‬

‫الساطع" ص ٔٓ‪.ٕٙٓ - ٙ‬‬

‫وقاؿ شيخ الإسلاـ ابن تيميّة ربضو ا﵁ تعالذ‪ :‬الاستثناء في الإبياف‬
‫سنّة عند أصحابنا‪ ،‬وأكثر أىل السنّة‪ ،‬وقالت ابؼرجئة وابؼعتزلة‪ :‬لا‬
‫بهوز الاستثناء فيو‪ ،‬بل ىو ش ّك‪ ،‬والاستثناء أف يقوؿ‪ :‬أنا مؤمن‬

‫‪91‬‬

‫إف شاء ا﵁‪ ،‬أو مؤمن أرجو‪ ،‬أو آمنت با﵁‪ ،‬وملائكتو‪ ،‬وكتبو‪،‬‬
‫ورسلو‪ ،‬أو إف كنت تريد الإبياف الذي يَعصم دمي فنعم‪ ،‬وإف‬
‫كنت تريد‪ { :‬إَِبّمَا الْ ُمْؤِمنُو َف اَلّ ِذي َن إَِذا ذُكَِر الَلّوُ َوِجلَ ْت قُػلُوبػُُه ْم}‬

‫[الأنفاؿ‪ ]ٕ :‬فا﵁ أعلم‪20‬‬

‫و خلاصة الكلاـ أف أىل السنة وابعماعة وسلف الأمة فقد قالوا‬
‫بجواز الاستثناء في الإبياف وذلك لأف الإبياف عندىم قوؿ وعمل‬
‫واعتقاد والاستثناء عندىم إبما ىو في الأعماؿ لا في أصل الإبياف‬
‫وابؼقصود بو عدـ تزكية النفس لورود النهي عن ذلك كما في قولو‬

‫تعالذ‪ :‬فَلَا تُػَُزّكوا أَنُف َس ُك ْم ُىَو أَ ْعلَ ُم ِبدَ ِن اَتّػَقى [ النجم‪32:‬‬
‫قاؿ العلامة الشيخ بؿمد بن علي بن آدـ الإتيوِب ‪:‬‬

‫وقاؿ ابغافظ السيوط ّي ربضو ا﵁ تعالذ في "الكوكب الساطع"‪:‬‬

‫‪20‬البحر ا﵀يط الثجاجٗ٘ الشاملة‬

‫‪92‬‬

‫َو َجاَز أَ ْف يػَُقوَؿ إِ ْنّي ُمْؤِم ُن ‪ ...‬إِ ْف َشاءَ َرِّب َخ ْشيَةً أَ ْف يػُْفَتُن‬
‫بَ ْل ُىَو أَْولَذ ِعنْ َد ُج ّْل ال َّسلَ ِف ‪َ ...‬وأَنْ َكَر الَْقْوَؿ ََِّٔذا ابْغَنَِفي‬

‫قاؿ الأثرـ في " السنة"‪ :‬حدثنا أبضد بن حنبل‪ ،‬بظعت بويى بن‬

‫سعيد يقوؿ‪ :‬ما أدركت أح ًدا من أصحابنا‪ ،‬ولا بلغِن إَّلا على‬
‫الاستثناء‪ ،‬قاؿ الأثرـ‪ :‬بظعت أبا عبد ا﵁‪ ،‬يسأؿ عن الاستثناء في‬

‫الإبياف‪ ،‬ما تقوؿ فيو؟ قاؿ‪ :‬أما أنا فلا أَعيبو فاستثنى بـافة‬

‫واحتياطًا‪ ،‬ليس كما يقولن على الش ّك‪ ،‬إبما يستثِن للعمل‪ ،‬قاؿ‬
‫أبو عبد ا﵁‪ :‬قاؿ ا﵁ تعالذ‪ { :‬لَتَ ْد ُخلُ َّن الْ َم ْس ِج َد ابْغََراَـ إِ ْف َشاءَ‬
‫الَلّوُ} الآية [الفتح‪ :]ٕٚ :‬أي إف ىذا الاستثناء لغير ش ّك‪ ،‬وقد‬
‫قاؿ النبّي ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ " :-‬وإنا إف شاء ا﵁ بكم‬
‫لاحقوف"‪ :‬أي لد يكن يش ّك في ىذا‪ ،‬وقد استثِن‪ ،‬وذكر قوؿ‬
‫النبّي ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ " :-‬نبعث إف شاء ا﵁" من القبر‪،‬‬

‫‪93‬‬

‫وذكر قوؿ النبّي ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪" :-‬إني وا﵁ لأرجو أف‬
‫أكوف أخشاكم ﵁"‪ ،‬قاؿ‪ :‬ىذا كلو تقوية للاستثناء في الإبياف‪21.‬‬

‫يقوؿ الشيخ ابن عثيمين ‪ -‬ربضو ا﵁ تعالذ ‪ -‬كما في " ابؼناىي‬
‫اللفظية" (ص ‪:)125‬‬

‫قوؿ القائل‪" :‬أنا مؤمن إف شاء ا﵁" يسمى عند العلماء‪ :‬مسألة‬
‫الاستثناء في الإبياف‪ ،‬وفيو تفصيل‪:‬‬

‫أوًلا‪ :‬إف كاف الاستثناء صادًرا عن شك في وجود أصل الإبياف‪،‬‬
‫فهذا بؿَّرـ‪ ،‬بل كفر؛ لأف الإبياف جزـ‪ ،‬والشك ينافيو‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬إف كاف صادًرا عن خوؼ تزكية النفس والشهادة بؽا بتحقيق‬
‫الإبياف قولًا وعملًا واعتقاًدا‪ ،‬فهذا واجب؛ خوفًا من ىذا ا﵀ظور‪.‬‬

‫‪21‬البحر ا﵀يط الثجاج٘٘‪ ٘ٚ-‬الشاملة‬

‫‪94‬‬

‫ثالثًا‪ :‬إف كاف ابؼقصود من الاستثناء التبرؾ بذكر ابؼشيئة أو بياف‬
‫التعليل‪ ،‬وأف ما قاـ بقلبو من الإبياف بدشيئة ا﵁‪ ،‬فهذا جائز‪،‬‬
‫والتعليق على ىذا الوجو ‪ -‬أعِن بياف التعليل ‪ -‬لا ينافي برقيق‬
‫ابؼعلق‪ ،‬فإنو قد ورد التعليق على ىذا الوجو في الأمور ا﵀ققة؛‬
‫كقولو تعالذ‪ ﴿ :‬لََق ْد َص َد َؽ الَلّوُ َر ُسولَوُ الُّرْؤيَا بِابْغَ ّْق لَتَ ْد ُخلُ َّن‬
‫الْ َم ْس ِج َد ابْغََراَـ إِ ْف َشاءَ الَلّوُ آِمنِيَن بُؿَْلِّقيَن ُرءُو َس ُك ْم َوُمَق ّْصِري َن لَا‬

‫بَزَافُو َف ﴾ [الفتح‪.]27 :‬‬
‫وكذلك الدعاء في زيارة القبور‪ (( :‬وإنا إف شاء ا﵁ بكم‬

‫لاحقوف))؛ (مسلم)‪.‬‬

‫ؤّذا عُرؼ أنو لا يصح إطلاؽ ابغكم على الاستثناء في الإبياف‪،‬‬
‫بل لا بد من التفصيل السابق‪.‬‬

‫‪95‬‬

‫الفصل الساتع‪ :‬الإي واى ٍ الإسلام‬

‫قاؿ العلامة الشيخ بؿمد بن علي بن آدـ الإتيوِب ‪:‬‬

‫اسم الإبياف تارةً يُذكر مفرًدا‪ ،‬غير مقروف باسم الإسلاـ‪ ،‬ولا باسم‬
‫العمل الصالح‪ ،‬ولا غيربنا‪ ،‬وتارة يُذكر مقرونًا‪ ،‬إما بالإسلاـ‪،‬‬
‫كقولو في حديث جبرائيل‪" :‬ما الإسلاـ‪ ،‬وما الإبياف؟ "‪ ،‬وكقولو‬
‫تعالذ‪ { :‬إِ َّف الْ ُم ْسلِ ِميَن َوالْ ُم ْسلِ َما ِت َوالْ ُمْؤِمنِيَن َوالْ ُمْؤِمنَا ِت} الآية‬
‫[الأحزاب‪ ،]ٖ٘ :‬وقولو عز وجل‪{ :‬قَالَ ِت اْلأَ ْعَرا ُب آَمَنّا قُ ْل لَدْ‬
‫تُػْؤِمنُوا َولَ ِك ْن قُولُوا أَ ْسلَ ْمنَا} الآية [ ابغجرات‪ ،]ٔٗ :‬وقولو عز‬
‫وجل‪ { :‬فَأَ ْخَر ْجنَا َم ْن َكا َف فِيَها ِم َن الْ ُمْؤِمنِيَن (ٖ٘) فََما َو َج ْدنَا‬
‫فِيَها َغيْػَر بػَيْ ٍت ِم َن الْ ُم ْسلِ ِميَن (‪[ })ٖٙ‬الذاريات‪.]ٖٙ - ٖ٘ :‬‬
‫وكذلك ذكر الإبياف مع العمل الصالح‪ ،‬وذلك في مواضع من‬
‫القرآف‪ ،‬كقولو تعالذ‪ { :‬إِ َّف اَلّ ِذي َن آَمنُوا َوَع ِملُوا ال َّصابِغَا ِت} الآية‬

‫‪96‬‬

‫[الكهف‪ ،]ٔٓٚ :‬وإما مقرونًا بالذين أوتوا العلم‪ ،‬كقولو تعالذ‪:‬‬
‫{َوقَا َؿ اَلّ ِذي َن أُوتُوا الْعِْل َم َواْلِإبيَا َف} الآية [ لروـ‪ ،]٘ٙ :‬وقولو‪:‬‬
‫{يػَْرفَِع الَلّوُ اَلّ ِذي َن آَمنُوا ِمنْ ُك ْم َواَلّ ِذي َن أُوتُوا الْعِْل َم َدَرَجا ٍت} الآية‬
‫[آّادلة‪ ،]ٔٔ :‬وحيث ذكر الذين آمنوا‪ ،‬فقد دخل فيهم الذين‬

‫أوتوا العليم‪ ،‬فإنهم خيارىم‪ ،‬قاؿ تعالذ‪َ { :‬والَّرا ِس ُخو َف ِفي الْعِلِْم‬
‫يػَُقولُو َف آَمَنّا بِِو ُك ّلّ ِم ْن ِعْن ِد َرْبػّنَا} الآية [آؿ عمراف‪ ،]ٚ :‬وقاؿ‪:‬‬
‫{لَ ِك ِن الَّرا ِس ُخو َف ِفي الْعِلِْم ِمنْػُه ْم َوالْ ُمْؤِمنُو َف يػُْؤِمنُو َف ِبدَا أُنِْزَؿ إِلَيْ َك‬

‫َوَما أُنِْزَؿ ِم ْن قَػْبلِ َك} الآية [النساء‪.]ٕٔٙ :‬‬

‫ويذكر أي ًضا لفظ ابؼؤمنين‪ ،‬مقرونًا بالذين ىادوا‪ ،‬والنصارى‪،‬‬
‫والصابئين‪ ،‬ثم يقوؿ‪َ { :‬م ْن آَم َن بِالَلِّو َوالْيَػْوِـ اْلآ ِخ ِر َوَع ِم َل َصابِغًا‬
‫فَػلَُه ْم أَ ْجُرُى ْم ِعْن َد َرِّّْٔ ْم َوَلا َخْو ٌؼ َعلَيِْه ْم َوَلا ُى ْم بَوَْزنُو َف} [البقرة‪:‬‬
‫ٕ‪ ،]ٙ‬فابؼؤمنوف في ابتداء ابػطاب غير الثلاثة‪ ،‬والإبياف الآخر‬

‫‪97‬‬

‫ع ّمهم‪ ،‬كما ع ّمهم في قولو‪{ :‬إِ َّف اَلّ ِذي َن آَمنُوا َوَع ِملُوا ال َّصابِغَا ِت‬
‫أُولَئِ َك ُى ْم َخيْػُر الْبَِرَيِّة (‪[ })ٚ‬البينة‪،]ٚ :‬‬

‫وإذا ذكر اسم الإبياف بؾّرًدا دخل فيو الإسلاـ‪ ،‬والأعماؿ الصابغة‪،‬‬
‫كقولو ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬في حديث الشعب‪" :‬الإبياف‬
‫بضع وسبعوف شعبةً‪ ،‬أعلاىا قوؿ‪ :‬لا إلو إلا ا﵁‪ ،‬وأدناىا إماطة‬
‫الأذى عن الطريق"‪ ،‬وكذلك سائر الأحاديث التي بُهعل فيها‬

‫أعماؿ البّر من الإبياف‪.‬‬
‫ثم إف نػََفى الإبياف عند عدمها دّؿ على أنها واجبة‪ ،‬وإف ذَكر فضل‬
‫إبياف صاحبها‪ ،‬ولد ينف إبيانو دؿ على أنها مستحبّة‪ ،‬فإف ا﵁‬
‫تعالذ ورسولو ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬لا ينفي اسم ُمس ّمى أمر‪،‬‬
‫أمر ا﵁ بو رسولو ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬إلا إذا ترؾ بعض‬

‫‪98‬‬

‫واجباتو‪ ،‬كقولو‪" :‬لا صلاة إلا بأّـ القرآف"‪ ،‬وقولو‪" :‬لا إبياف بؼن لا‬
‫أمانة لو‪ ،‬ولا دين بؼن لا عهد لو"‪ ،‬وبكو ذلك‪.‬‬

‫فأما إذا كاف الفعل مستحِبّا في العبادة لد ينفها لانتفاء ابؼستح ّب‪،‬‬
‫فإف ىذا لو جاز بعاز أف ينفي عن بصهور ابؼؤمنين اسم الإبياف‪،‬‬

‫والصلاة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬وابغ ّج؛ لأنو ما من عمل إلا وغيره أفضل منو‪،‬‬
‫وليس أحد يفعل أفعاؿ البرّ مثل ما فعلها النبّي ‪ -‬صلى ا﵁ عليو‬
‫وسلم ‪ ،-‬بل ولا أبو بكر‪ ،‬ولا عمر‪ ،‬فلو كاف من لد يأت بكمابؽا‬

‫ابؼستح ّب بهوز نفيها بعاز أف تػُْنػَفى عن بصهور ابؼسلمين من‬
‫الأولين والآخرين‪ ،‬وىذا لا يقولو عاقل‪ .‬فمن قاؿ‪ :‬إف ابؼنف ّي ىو‬
‫الكماؿ‪ ،‬فإف أراد أنو نفي الكماؿ الواجب الذي يُذّـ تاركو‪،‬‬
‫ويتعّرض للعقوبة‪ ،‬فقد صدؽ‪ ،‬وإف أراد أنو نفي الكماؿ‬
‫ابؼستح ّب‪ ،‬فهذا لد يقع قط في كلاـ ا﵁ عز وجل ورسولو ‪ -‬صلى‬

‫‪99‬‬

‫ا﵁ عليو وسلم ‪ ،-‬ولا بهوز أف يقع‪ ،‬فإف من فعل الواجب كما‬

‫وجب عليو‪ ،‬ولد ينتقص من واجبو شيئًا‪ ،‬لد بهز أف يقاؿ‪ :‬ما فعلو‪،‬‬
‫لا حقيقة‪ ،‬ولا بؾاًزا‪ ،‬فإذا قاؿ للأعراِّب ابؼسيء في صلاتو‪" :‬ارجع‪،‬‬
‫فص ّل‪ ،‬فإنك لد تص ّل"‪ ،‬وقاؿ بؼن صلّى خلف الص ّف‪ ،‬وقد أمره‬
‫بالإعادة‪ " :‬لا صلاة لف ّذ خلف الص ّف"‪ ،‬كاف لترؾ واجب‪،‬‬
‫وكذلك قولو تعالذ‪{ :‬إَِبّمَا الْ ُمْؤِمنُو َف اَلّ ِذي َن آَمنُوا بِالَلِّو َوَر ُسولِِو ثَُمّ لَدْ‬
‫يػَْرتَابُوا َو َجا َى ُدوا بِأَْمَوابِؽِ ْم َوأَنْػُف ِسِه ْم ِفي َسبِيِل الَلِّو أُولَئِ َك ُى ُم‬
‫ال َّصاِدقُو َف ( ٘ٔ)} [ ابغجرات‪ ،]ٔ٘ :‬يبّين أف ابعهاد واجب‪،‬‬
‫وترؾ الارتياب واجب‪ ،‬وابعهاد‪ ،‬وإف كاف فر ًضا على الكفاية‪،‬‬
‫فجميع ابؼؤمنين بىاطبوف بو ابتداء‪ ،‬فعليهم كلّهم اعتقاد وجوبو‪،‬‬

‫والعزـ على فعلو‪ ،‬إذا تعّين‪ ،‬وبؽذا قاؿ النبّي ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم‬
‫‪" :-‬من مات‪ ،‬ولد يغز‪ ،‬ولد بُو ّدث نفسو بغزو‪ ،‬مات على شعبة‬

‫‪100‬‬


Click to View FlipBook Version