ابغركة ،و َسَقطت ابؽمزة ،وىي عيٌن ،فوزنو َمَف ٌل ،وقيل فيو غيرُ
ذلك .انتهى.60
ومعنى الإبياف بابؼلائكة :ىو التصديق بوجودىم ،وأنهم كما
وصفهم ا﵁ تعالذِ { :عبَاٌد ُم ْكَرُمو َف ( )ٕٙلَا يَ ْسبُِقونَوُ بِالَْقْوِؿ َوُى ْم
بِأَْمِرهِ يػَْع َملُو َف ([ })ٕٚالأنبياء{ ،]ٕٚ ،ٕٙ :لَا يػَْع ُصو َف الَلّوَ َما
أََمَرُى ْم َويػَْفَعلُو َف َما يػُْؤَمُروَف} [ التحرًن ،]ٙ :و { يُ َسْبّ ُحو َف الَلّْي َل
َوالَنّػَهاَر لَا يػَْفتُػُرو َف (ٕٓ)} [الأنبياء ،]ٕٓ :وأنهم سفراء ا﵁ بينو
وبين رسلو ،وابؼتصّرفوف كما أذف بؽم في َخلْقو.
وقََّدـ ابؼلائكة على الكتب والرسل ،نظًرا للترتيب الواقع؛ لأنو -
ُسبْ َحانَوُ َوتَػَعالَذ -أرسل ابؼلك بالكتاب إلذ الرسوؿ ،وليس فيو
ُمتَ َم َّسك بؼن فَ َّضل ابؼلك على الرسوؿ .قالو في "الفتح"61.
"60ابؼصباح ابؼنير" ٜٔٔ- ٔٛ /
201
((وكتبو))؛ أي :تؤمن بكتبو التي أنزبؽا على رسلو؛ ﴿ لََق ْد أَْر َسلْنَا
ُر ُسلَنَا بِالْبَػْيّػنَا ِت َوأَنْػَزلْنَا َمَعُه ُم الْ ِكتَا َب َوالْ ِميَزا َف ﴾ [ابغديد.]25 :
ومعنى الإبياف ّٔا :التصديق بأنها كلاـ ا﵁ تعالذ ،وأف بصيع ما
تضمنتو حق ،فهذا على سبيل الإبصاؿ ،أما تفصيلًا فإف الكتب
السابقة جرى عليها التحريف والتبديل والتغيير ،فلا بيكن للإنساف
أف بييز بين ابغق منها والباطل ،أما العمل ّٔا فالعمل إبما ىو بدا
نزؿ على بؿمد صلى ا﵁ عليو وسلم فقط ،أما ما سواه فقد نسخ
ّٔذه الشريعة.
61البحر ا﵀يط ٜٜٔ/
202
((ورسلو))؛ ووقع في حديث أِب ىريرة ،وأِب ذّر عند النسائ ّي
"وملائكتو ،والكتاب ،والنبيين" ،وكل من السياقين في القرآف ،في
البقرة ،والتعبير "بالنبيين" يشمل "الرسل" ،من غير عكس62
أي :وأف تؤمن برسلو ،بأف تصدؽ بأف ا﵁ تعالذ أرسلهم إلذ
ابػلق؛ بؽدايتهم إلذ طريق ابغق ،وأنهم صادقوف في بصيع ما جاؤوا
بو عن ا﵁ تعالذ ،وأنو بهب احترامهم ،وألا نفرؽ بين أحد منهم،
ونؤمن إبصالًا بدن لد نعرفو بعينو ،وتفصيلًا بدن عرفناه بعينو؛ قاؿ
تعالذَ ﴿ :ولََق ْد أَْر َسْلنَا ُر ُسلًا ِم ْن قَػْبلِ َك ِمنْػُه ْم َم ْن قَ َص ْصنَا َعلَْي َك
َوِمنْػُه ْم َم ْن لَدْ نػَْق ُص ْص َعلَيْ َك ﴾ [ غافر ،]78 :وأوبؽم نوح،
وآخرىم بؿمد عليو السلاـ ،ومنهم ابػمسة أولو العزـ ،الذين
بصعهم ا﵁ تعالذ في آيتين ،فقاؿ تبارؾ وتعالذ في سورة الأحزاب:
62البحر ا﵀يط ٔٔٓٓ/
203
﴿ َوإِْذ أَ َخ ْذنَا ِم َن الَنّبِْيّيَن ِميثَاقَػُه ْم َوِمنْ َك َوِم ْن نُوٍح َوإِبْػَرا ِىي َم َوُمو َسى
َوِعي َسى ابْ ِن َمْرًَنَ ﴾ [الأحزاب ،]7 :وقاؿ في سورة الشورى﴿ :
َشَرعَ لَ ُك ْم ِم َن الّْدي ِن َما َو َّصى بِِو نُو ًحا َواَلّ ِذي أَْو َحيْػنَا إِلَْي َك َوَما
َو َّصْيػنَا بِِو إِبْػَرا ِىي َم َوُمو َسى َوِعي َسى أَ ْف أَقِي ُموا الّْدي َن َوَلا تَػتَػَفَّرقُوا فِيِو
﴾ [الشورى.]13 :
((واليوـ الآخر))؛ أي يوـ القيامة ،بُْظّي بو؛ لأنو آخر أياـ الدنيا،
أو آخر الأزمنة ا﵀دودة ،وابؼراد الإبياف بو ،وبدا فيو من البعث
وابغساب ،ودخوؿ أىل ابعنّة ابعنّةَ ،وأىل النار الناَر إلذ غير
ذلك ،بفا ورد الن ّص القاطع بو .قالو الطيبّي.63
وقاؿ القرطبّي :معنى الإبياف باليوـ الآخر :ىو :التصديق بيوـ
القيامة ،وما اشتمل عليو من الإعادة بعد ابؼوت ،والنشر ،وابغشر،
"63الكاشف" ٕٕٗٙ /
204
وابغساب ،وابؼيزاف ،والصراط ،وابعنة والنار ،وأنهما دار ثوابو،
وجزائو للمحسنين ،وابؼسيئين ،إلذ غير ذلك ،بفا ص ّح ن ّصو ،وثبت
نقلو .انتهى.64
وفي حديث أِب ىريرة -رضي ا﵁ عنو -الآتي" :وتؤمن بالبعث"،
زاد عند البخار ّي في "التفسير"" :الآخر".
قاؿ في "الفتح" :فأما البعث الآخر ،فقيل :ذُكر "الآخر" تأكي ًدا،
كقوبؽم :أمس الذاىب ،وقيل :لأف البعث وقع مرتين :الأولذ
الإخراج من العدـ إلذ الوجود ،أو من بطوف الأمهات بعد النطفة،
والَْعلََقة إلذ ابغياة الدنيا ،والثانية البعث من بطوف القبور ،إلذ بؿل
"64ابؼفهم" ٔٔٗ٘ /
205
الاستقرار ،وأما اليوـ الآخر ،فقيل لو :ذلك؛ لأنو آخر أياـ الدنيا،
أو آخر الأزمنة ا﵀دودة .انتهى65.
((وتؤمن بالقدر خيره وشره))؛ بفتحتين ،أو بفتح ،فسكوف :-
القضاء ،وابغكم ،ومعنى الإبياف بالقدر أنو تعالذ علم مقادير
الأشياء ،وأحوابؽا ،وأزمانها قبل إبهادىا ،ثم أوجد منها ما سبق في
علمو أنو يوجده على بكو ما سبق في علمو ،فلا بُؿْ َدث في العالد
العلو ّي والسفل ّي إَّلا وىو صادٌر عن علمو تعالذ ،وقدرتو وإرادتو،
وىذا ىو ابؼعلوـ من الدين بالبراىين القطعية ،وعليو كاف السلف
من الصحابة ،وخيار التابعين ،إلذ أف حدثت بدعة القدر في
أواخر زمن الصحابة -رضي ا﵁ عنهم ، -كما سيأتي بساـ
البحث فيو في ابؼسائل -إف شاء ا﵁ تعالذ .-
65البحر ا﵀يط ٔٔٓٔ/
206
وبؼا كثر من ينكر القدر من الكّفار ،وبؽذا كثر تكراره في القرآف،
وتنويًها بذكره ،ليحصل الاىتماـ بشأنو أ ّكده بقولو ( َخْيِرهِ َو َشّْرِه)
بابعّر بدٌؿ من "القدر" ،وفي رواية" :بالقدر ُكْلِّو خيره وشره" ،وزاد
في روايةُ " :حْلوه ،ومّره" ،وزاد في أخرى "من ا﵁".
[تنبيو] :ظاىر السياؽ يقتضي أف الإبياف ،لا يُطلق إَّلا على من
َصَّدؽ بجميع ما ذُكر ،وقد اكتفى الفقهاء بإطلاؽ الإبياف على من
آمن با﵁ تعالذ ،ورسولو -صلى ا﵁ عليو وسلم ،-ولا اختلاؼ
أف الإبياف برسوؿ ا﵁ -صلى ا﵁ عليو وسلم -ابؼراد بو الإبياف
بوجوده ،وبدا جاء بو عن ربو ،فيدخل بصيع ما ذكر برت ذلك.
وا﵁ تعالذ أعلم ("الفتح" ٔ66.)ٖٔٙ /
((قاؿ))؛ أي :الرجل السائل ((صدقت))؛ أي :فيما أخبرتِن بو.
66البحر ا﵀يط ٕٔٔٓ- ٔٓٔ/
207
ثم ((قاؿ :فأخبرني عن الإحساف)) قاؿ في "الفتح" :ىو مصدر
أحسن بُوسن إحسانًا ،ولتعدى بنفسو وبغيره ،تقوؿ :أحسنت
كذا :إذا أتقنتو ،وأحسنت إلذ فلاف :إذا أوصلت إليو النفع،
والأوؿ ىو ابؼراد؛ لأف ابؼقصود إتقاف العبادة ،وقد يلحظ الثاني بأف
ابؼخلص مثلًا بؿسن بإخلاصو إلذ نفسو ،وإحسا ُف العبادة:
الإخلاص فيها ،وابػشوع وفراغ الباؿ حا َؿ التلبس ّٔا ،ومراقبة
ابؼعبود.
وقاؿ القرطبّي ربضو ا﵁ تعالذ :الإحساف ىو مصدر أحسن بُوسن
إحسانًا ،ويقاؿ على معنيين:
[أحدبنا] :متع ّد بنفسو ،كقولك :أحسنت كذا ،وفي كذا :إذا
ح ّسنتو ،وك ّملتو ،وىو منقوؿ بابؽمزة من ح ُسن الشيءُ.
208
[وثانيهما] :متع ّد بحرؼ جّر ،كقولك :أحسنت إلذ كذا :أي
أوصلت إليو ما ينتفع بو ،وىو في ىذا ابغديث بابؼعنى الأوؿ ،لا
بابؼعنى الثاني ،إذ حاصلو راجع إلذ إتقاف العبادات ،ومراعاة حقوؽ
ا﵁ تعالذ فيها ،ومراقبتو ،واستحضار عظمتو ،وجلالو حالةَ
الشروع ،وحالة الاستمرار فيها.
وأرباب القلوب في ىذه ابؼراقبة على حالين:
[أحدبنا] :غالب عليو مشاىدة ابغ ّق ،فكأنو يراه ،ولع ّل النبّي -
صلى ا﵁ عليو وسلم -أشار إلذ ىذه ابغالة بقولو" :و ُجعلت قُػّرة
عيِن في الصلاة" ،67رواه أبضد ،والنسائ ّي.
67كاف في نسخة القرطبّي" :وجعلت قرة عيِن في عبادة رِب" ،والذي في مسند أبضدٖ ٕٔٛ /و ٜٜٔو٘،ٕٛ
و"سنن النسائي" ٕٙ /ٚبلفظ" :وجعلت قرة عيِن في الصلاة" ،فليُتنبّو.
209
[وثانيهما] :لا ينتمي إلذ ىذه ابغالة ،لكن يغلب عليو أف ابغ ّق
سبحانو وتعالذ مطّلع عليو ،ومشاىد لو ،وإليو الإشارة بقولو تعالذ:
{اَلّ ِذي يػََرا َؾ ِحيَن تَػُقوُـ (َ )ٕٔٛوتَػَقُلّبَ َك ِفي ال َّسا ِج ِدي َن (})ٕٜٔ
[الشعراء ،]ٕٜٔ - ٕٔٛ :وبقولو تعالذَ{ :وَما تَػْتػلُو ِمْنوُ ِم ْن قُػْرآ ٍف
َوَلا تَػْع َملُو َف ِم ْن َع َم ٍل إَِّلا ُكَنّا َعلَْي ُك ْم ُشُهوًدا إِْذ تُِفي ُضو َف فِيِو}
[يونس ،]ٙٔ :وىاتاف ابغالتاف بشرة معرفة ا﵁ تعالذ وخشيتو،
ولذلك ف ّسر الإحساف في حديث أِب ىريرة -رضي ا﵁ عنو -
بقولو" :أف بزشى ا﵁ كأنك تراه" ،فعبّر عن ابؼسبب باسم السبب
تو ّسًعا ،والألف واللاـ اللذاف في "الإحساف" ابؼسئوؿ عنو للعهد،
وىو الذي قاؿ ا﵁ تعالذ فيو { :لَِلّ ِذي َن أَ ْح َسنُوا ابْغُ ْسنَى َوِزيَاَدةٌ}
الآية [ يونس ،]ٕٙ :وقولوَ { :ى ْل َجَزاءُ اْلِإ ْح َسا ِف إَِّلا اْلِإ ْح َسا ُف
210
(ٓ [ })ٙالربضن ،]ٙٓ :وقولوَ { :وأَ ْح ِسنُوا إِ َّف الَلّوَ بُِو ُّب
الْ ُم ْح ِسنِيَن} [البقرة.]ٜٔ٘ :
ولَّما تكّرر الإحساف في القرآف ،وترتّب عليو ىذا الثواب العظيم،
سأؿ عنو جبريل النبّي -صلى ا﵁ عليو وسلم ،-فأجابو ببيانو؛
ليعمل الناس عليو ،فيحصل بؽم ىذا ابغ ّظ العظيم .انتهى كلاـ
القرطبّي ("ابؼفهم" ٔ.)ٔٗٗ - ٖٔٗ /
وقاؿ ابػطّاِّب :إبما أراد بالإحساف ىا ىنا الإخلاص ،وىو شرط
في ص ّحة الإبياف والإسلاـ مًعا ،وذلك أف من تلّفظ بالكلمة،
وجاء بالعمل من غير نيّة الإخلاص لد يكن بُؿسنًا ،ولا كاف إبيانو
صحي ًحا ،قاؿ -صلى ا﵁ عليو وسلم " :-أف تعبُد ا﵁ كأنك
تراه" ،أي في إخلاص العبادة لوجو ا﵁ الكرًن ،وبؾانبة الشرؾ
ابػف ّي ،والعبادة ﵁ الذي لا تنبغي العبادة إلا لو على نعت ابؽيبة
211
والتعظيم ،حَّت كأنو ينظر إلذ ا﵁ تعالذ خوفًا منو ،وحياءً،
و ُخ ُضوًعا لو.
وقاؿ الراغب الأصبهانيّ :الإحساف يقاؿ :على وجهين:
[أحدبنا] :الإنعاـ على الغير ،يقاؿ :أحسن إلذ فلاف.
[والثاني] :إحساف في فعلو ،وذلك إذا َعلِ َم عل ًما حسنًا ،أو َع ِم َل
عملًا حسنًا ،وعلى ىذا قولو عز وجل{ :اَلّ ِذي أَ ْح َس َن ُك َّل َش ْيٍء
َخلََقوُ} [السجدة ،]ٚ :والإحساف أعم من الإنعاـ ،قاؿ تعالذ:
{إِ ْف أَ ْح َسنْتُ ْم أَ ْح َسْنتُ ْم ِلأَنْػُف ِس ُك ْم} [ الإسراء ،]ٚ :وقولو تعالذ:
{إِ َّف الَلّوَ يَأُْمُر بِالَْع ْدِؿ َواْلِإ ْح َسا ِف} [ النحل ،]ٜٓ :فالإحساف
فوؽ العدؿ ،وذاؾ أف العدؿ ىو أف يُعطي ما عليو ،ويأخذ أق ّل
بفا لو ،والإحساف أف يُعطي أكثر بفا عليو ،ويأخذ أق ّل بفا لو،
212
فالإحساف زائد على العدؿ ،فتحّري العدؿ واج ٌب ،وبرّري
الإحساف ند ٌب وتطّوع ،وعلى ىذا قولو تعالذَ{ :وَم ْن أَ ْح َس ُن ِدينًا
ِبَفّ ْن أَ ْسلَ َم َو ْجَهوُ لَِلِّو َوُىَو بُْؿ ِس ٌن} [ النساء ،]ٕٔ٘ :وقولو عز
وجلَ { :وأََداءٌ إِلَْيِو بِِإ ْح َسا ٍف} [البقرة ،]ٔٚٛ :ولذلك عظّم ا﵁
تعالذ ثواب ا﵀سنين ،فقاؿ تعالذَ { :وإِ َّف الَلّوَ لََم َع الْ ُم ْح ِسنِيَن}
[العنكبوت ،]ٜٙ :وقاؿ تعالذ { :إِ َّف الَلّوَ بُِو ُّب الْ ُم ْح ِسنِيَن}
[البقرة ،]ٜٔ٘ :وقاؿ تعالذَ { :ما َعلَى الْ ُم ْح ِسنِيَن ِم ْن َسبِيٍل}
[التوبة{ ،]ٜٔ :لَِلّ ِذي َن أَ ْح َسنُوا ِفي َى ِذِه الُّدنْػيَا َح َسنَةٌ} [النحل:
ٖٓ] .انتهى ("مفردات ألفاظ القرآف" ص .).ٕٖٚ - ٕٖٙ
قاؿ الطيبّي :بهوز أف بُومل الإحساف -يعِن في ىذا ابغديث -
على الإنعاـ ،وذلك أف العامل ابؼرائي يُبطل عملو ،وبُوبطو ،فيظلم
نفسو ،فقيل لو :أح ِسن إلذ نفسك ،ولا تشرؾ با﵁ ،واعبُد ا﵁
213
كأنك تراه ،وإلا فتهلك ،قاؿ ا﵁ تعالذَ { :واَلّ ِذي َن بَيْ ُكُرو َف
ال َّسْيّئَا ِت بَؽُْم َع َذا ٌب َش ِديٌد} [فاطر ،]ٔٓ :فإنها واردة في ابؼرائي.
وبهوز أف بومل على ابؼعنى الثاني -يعِن الإحساف في الفعل -
وعليو قولو تعالذ { :أَ ْح َس َن ُك َّل َش ْيٍء َخلََقوُ} [ السجدة،]ٚ :
وقولو تعالذ { :نػَْبّْئػنَا بِتَأِْويلِِو إَِنّا نػََرا َؾ ِم َن الْ ُم ْح ِسنِيَن} [ يوسف:
،]ٖٙأي آّيدين ابؼتقنين في تعبير الرؤيا ،كأنو سأؿ جبري َل عليو
السلاـ عما يُنبئ عن الإخلاص ،كما قاؿ ا﵁ تعالذ{ :بػَلَى َم ْن
أَ ْسلَ َم َو ْجَهوُ لَِلِّو َوُىَو بُْؿ ِس ٌن} [ البقرة " .]ٕٔٔ :الكاشف" ٕ/
ٖٓٗ68
68البحر ا﵀يط ٔٔٓ٘-ٕٔٓ/
214
((قاؿ))؛ أي :النبي صلى ا﵁ عليو وسلم ((أف تعبد ا﵁ كأنك
تراه))؛ أي :إحساف العبادة والإخلاص فيها وابػضوع وفراغ الباؿ
حاؿ التلبس ّٔا ،ومراقبة ابؼعبود.69
((فإف لد تكن تراه فإنو يراؾ))؛ أي :فإف لد تكن في عبادتو
كأنك تراه بأف أغفلت عن تلك ابؼشاىدة ،فاستمر على إحساف
العبادة ،واستحضر أنك بين يدي ا﵁ تعالذ ،وأنو مطلع على سرؾ
وعلانيتك؛ ليحصل لك أصل الكماؿ.
69شرح السيوطي على سنن النسائي ( 473 /8ح .)5005
215
((قاؿ))؛ أي :الرجل (( فأخبرني عن الساعة))؛ أي :عن وقت
بؾيئها ،ومَّت تقوـ ،وابؼراد ّٔا القيامة ،وبظيت ساعة؛ لأنها تأتي
الناس بغتة في ساعٍة ،فيموت ابػلق كلهم مكانهم بصيحة واحدة؛
قاؿ تعالذ ﴿ :فَػَه ْل يػَنْظُُرو َف إَِّلا ال َّسا َعةَ أَ ْف تَأْتِيَػُه ْم بػَ ْغتَةً فَػَق ْد َجاءَ
أَ ْشَراطَُها ﴾ [بؿمد]18 :؛ أي :علاماتها.
وقسم العلماء علامات الساعة إلذ ثلاثة أقساـ :قسم مضى،
وقسم لا يزاؿ يتجدد ،وقسم لا يأتي إلا قرب الساعة بساًما ،وىي
الأشراط الكبيرة العظمى؛ كنزوؿ عيسى ابن مرًن عليو السلاـ،
والدجاؿ ،ويأجوج ومأجوج ،وطلوع الشمس من مغرّٔا70
((قاؿ))؛ أي :النبي صلى ا﵁ عليو وسلم ((ما ابؼسؤوؿ عنها بأعلم
من السائل)) ،قاؿ ابؼظهر" :ما" نافيةٌ ،يعِن لست أنا أعلم منك
70تعليقات على الأربعين النووية لابن عثيمين.)(9
216
يا جبريل بعلم القيامة ،الضمير راجع إلذ "الساعة" ،فلا بُّد من
تقدير مضاؼ في السؤاؿ وابعواب ،كػ"وق ٍت" وبكوه؛ إذ وجود
الساعة وبؾيؤىا مقطوع بو ،وإبما يُسأؿ عن وقتها ،كقولو تعالذ:
{يَ ْسأَلُونَ َك َع ِن ال َّسا َعِة أََيّا َف ُمْر َسا َىا (ٕٗ) فِي َم أَنْ َت ِم ْن ِذ ْكَرا َىا
(ٖٗ)} [النازعات ،]ٖٗ - ٕٗ :أي :في أ ّي شيء أنت من أف
تذكر وقتها بؽم؟ يعِن ما أنت من ذكراىا بؽم وبتبيين وقتها في
شيء.
وزاد في حديث أِب ىريرة ،وأِب ذّر -رضي ا﵁ عنهما -عند
النسائ ّي" :قاؿ :فن ّكس،
فلم بُهبو شيئًا ،ثم أعاد ،فلم بُهبو شيئًا ،ثم أعاد ،فلم بهبو شيئًا،
ورفع رأسو ،فقاؿ :ما ابؼسئوؿ ( " ...بِأَ ْعلَ َم) ىذا وإف كاف مشعًرا
بالتساوي في العلم ،لكن ابؼراد التساوي في العلم بأف ا﵁ تعالذ
217
استأثر بعلمها؛ لقولو بع ُد" :في بطس لا يعلمها إلا ا﵁" ،ونظير
ىذا قولو عند النسائ ّي في ح ّق جبريل عليو السلاـ " :ما كنت
بأعلم بو من رجل منكم" ،فإف ابؼراد أي ًضا التساوي في عدـ العلم
بو ،وفي حديث ابن عباس رضي ا﵁ تعالذ عنهما :فقاؿ" :سبحاف
ا﵁ ،بطس من الغيب ،لا يعلمهن إلا ا﵁ ،ثم تلا الآية".
وقاؿ الطيبّي[ :فإف قلت] :لفظة "أعلم" مشعرةٌ بوقوع الاشتراؾ في
العلم ،وأحدبنا أزيد من الآخر ،وبنا متساوياف في انتفاء العلم
منهما.
[فابعواب] :أنو -صلى ا﵁ عليو وسلم -نفى أف يكوف صابغًا
لأف يُسأؿ عنو على سبيل الكناية؛ بؼا ُعرؼ أف ابؼسئوؿ في ابعملة
ينبغي أف يكوف أعلم من السائل ،فهو من باب قولو تعالذَ { :وَلا
َشِفيٍع يُطَاعُ} [غافر.]ٔٛ :
218
ويقاؿ :إنو -صلى ا﵁ عليو وسلم -نفى عن نفسو العلم
بابؼسئوؿ عنو بوجو خا ّص.
تلخيصو أنّا متساوياف في أنّا نعلم أف للساعة بؾيئًا في وقت ما من
الأوقات ،وذلك ىو العلم ابؼشترؾ بيننا ،ولا مزيد للمسئوؿ على
ىذا العلم حَّت يتعّين عنده ابؼسئوؿ عنو ،وىو الوقت ابؼتعّين الذي
يتحّقق فيو بؾيء الساعة .انتهى (" الكاشف" ٕ- ٖٗٔ /
ٕٖٗ.).
(ِم َن ال َّسائِِل) إبما عدؿ عن قولو :لست بأعلم ّٔا منك ،إلذ لف ٍظ
يُشعر بالتعميم؛ تعري ًضا للسامعين :أي أف كل مسئوؿ ،وكل
سائل ،فهو كذلك.
219
وابغاصل أف أصل الكلاـ أف يقاؿ :لست بأعلم ّٔا منك ،لكن
ُع ِدؿ عنو إلذ ما عليو؛ لإفادة التعميم ،وذلك أف الأجوبة الثلاثة
على خطاب جبريل عليو السلاـ كانت تعري ًضا للسامعين على
طريقة ابػطاب العاّـ ،بكو قولو تعالذ { :لَئِ ْن أَ ْشَرْك َت لَيَ ْحبَطَ َّن
َع َملُ َك} [ الزمر ،]ٙ٘ :ولو أُجري على ذلك الأسلوب لقيل:
لس ُت بأعلم منك ،ولد يُفد فائدة العموـ؛ لأف ابؼعنى ك ُّل مسئوؿ
عنو وسائٍل أِيّا ما كاف فهو داخ ٌل في ىذا العموـ.
وزاد في رواية أِب نعيم في "ابؼستخرج"" :فقاؿ لو :صدقت".
[فائدة] :ىذا السؤاؿ وابعواب ،وقع بين عيسى ابن مرًن وجبريل
عليهم الصلاة والسلاـ ،لكن كاف عيسى سائلًا ،وجبريل مسؤوًلا،
قاؿ ابغميدي ،في " نوادره" :حدثنا سفياف ،حدثنا مالك بن
ِمغْوؿ ،عن إبظاعيل بن رجاء ،عن الشعبي ،قاؿ :سأؿ عيسى ابن
220
مرًن جبريل ،عن الساعة؟ قاؿ :فانتفض بأجنحتو ،وقاؿ :ما
ابؼسئوؿ أعنها بأعلم من السائل" .ذكره في "الفتح" ("الفتح" ٔ/
71.)ٔٙٙ
قاؿ النووي -ربضو ا﵁ :-فيو أنو ينبغي للعالد وابؼفتي وغيربنا إذا
سئل عما لا يعلم أف يقوؿ :لا أعلم ،وأف ذلك لا ينقصو ،بل
يُست َدُّؿ بو على ورعو وتقواه ،ووفور علمو.72
((قاؿ))؛ أي :الرجل (( :فأخبرني عن أمارتها))؛ أي :علاماتها
ومقدمتها قبل قيامها ،تدؿ على قرّٔا،
وفي حديث أِب ىريرة" :عن أشراطها" ،وىو -بفتح ابؽمزة -بصع
َشَر َط -بفتحتين -كَقلَم وأَقْلاـ :ىي الأمارات ،والعلامات،
71البحر ا﵀يط ٔٔٓٛ-ٔٓٙ/
72شرح مسلم للنووي ( 142 /1ح .)8
221
ومنو قولو تعالذ { :فَػَق ْد َجاءَ أَ ْشَراطَُها} [ بؿمد ]ٔٛ :ؤّا بُظّي
ال ُّشَرط؛ لأنهم يُعلّموف أنفسهم بعلامات يُعرفوف ّٔا.
وقاؿ القرطبي :علامات الساعة على قسمين :ما يكوف من نوع
ابؼعتاد ،أو غيره ،وابؼذكور ىنا الأوؿ ،وأما الغير :مثل طلوع
الشمس من مغرّٔا ،فتلك مقارنة بؽا ،أو مضايقة ،وابؼراد ىنا
العلامات السابقة على ذلك.
[تنبيو] :ىكذا في حديث عمر -رضي ا﵁ عنو -أف السائل قاؿ
لو -صلى ا﵁ عليو وسلم " :-فأخبرني عن أمارتها" ،وفي حديث
أِب ىريرة -رضي ا﵁ عنو -الآتي" :وسأح ّدثك عن أشراطها"،
وعند البخاري في " التفسير" " :ولكن سأحدثك" ،وفي بعض
الروايات" :ولكن بؽا علامات ،تعرؼ ّٔا".
222
وبهمع بين ىذه الاختلافات بأنو -صلى ا﵁ عليو وسلم -ابتدأ
بقولو" :وسأخبرؾ" ،فقاؿ لو السائل" :فأخبرني" ،ويدؿ على ذلك
روايةٌ عند البخاري بلفظ" :ولكن إف شئت ،نبأتك عن أشراطها،
قاؿ :أجل" ،وبكوه في حديث ابن عباس ،وزاد" :فحدثِن".
ويُستفاد من اختلاؼ الروايات :أف التحديث ،والإخبار ،والإنباء،
بدعنى واحد ،وإبما غاير بينها أىل ابغديث اصطلا ًحا ("الفتح" ٔ/
73.).ٔٙٙ
((قاؿ))؛ أي :النبي صلى ا﵁ عليو وسلم بؾيبًا لو عن ذلك(( ،أف
تَلَِد الأَمة ربتها)) ،وفي حديث أِب ىريرة -رضي ا﵁ عنو -الآتي
بلفظ" :إذا ولدت الأمة رّٔا" ،بالتذكير ،قاؿ في "الفتح" :وزاد في
رواية بؿمد بن بشر" :يعِن السراري" ،وفي رواية عمارة بن القعقاع:
73البحر ا﵀يط ٔ١٠٩-١٠٨/
223
"إذا رأيت ابؼرأة تلد رّٔا" ،وبكوه لأِب فَػْرَوة ،وفي رواية عثماف بن
غياث " :الإماء أربأّن" بلفظ ابعمع ،وابؼراد بالرب :ابؼالك ،أو
السيد74.
قيل :ابؼراد أف يستولر ابؼسلموف على بلاد الكفار ،فيكثر التسري،
فيكوف ولد الأَمة من سيدىا بدنزلة سيدىا؛ لشرفو بأبيو ،وعلى ىذا
فالذي يكوف من أشراط الساعة استيلاء ابؼسلمين على ابؼشركين،
وكثرة الفتوح والتسري ،وقيل :معناه :أف تفسد أحواؿ الناس حَّت
يبيع السادة أمهات أولادىم ،ويكثر تردادىن في أيدي ابؼشترين،
فربدا اشتراىا ولدىا ولا يشعر بذلك ،فعلى ىذا الذي يكوف من
أشراط الساعة غلبةُ ابعهل بتحرًن بيعهن ،وقيل :معناه :أف يكثر
74البحر ا﵀يط ٕٔٔٔ/
224
العقوؽ في الأولاد ،فيعامل الولد أمو معاملة السيد أََمتَو من الإىانة
والسب.75
((وأف ترى ابغفاة)) بصع حا ٍؼ ،وىو َمن لا نعل لو(( ،العراة))
بصع عا ٍر ،وىو َمن لا شيء على جسده ،وابؼراد ىنا :من ليس
عليو ثياب أشراؼ الناس(( ،العالة)) قاؿ النووي ربضو ا﵁ :أما
العالة فهم الفقراء ،والعائل الفقير ،والَعيلة الفقر76؛ اىػ.
وقيل :العالة :بصع عائل ،وىو الفقير ،أو من عاؿ يعوؿ إذا افتقر
وكثر عيالو77؛ اىػ.
75شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد ( ،)11فتح الباري ( 149 /1ح .)50
76شرح مسلم للنووي ( 142 /1ح .)8
77برفة الأحوذي ( 292 /7ح .)2738
225
((رعاء الشاء)) بصع راٍع ،وابؼراد الأعراب وأصحاب البوادي .وفي
حديث أِب ىريرة -رضي ا﵁ عنو -الآتي " :إذا رأيت الّْرَعاء
البهم" ،وعند البخار ّي" :وإذا تطاوؿ رعاة الإبل البهم".
وزاد في رواية ابن حبّاف " :قاؿ :ما العالة ابغفاة العراة؟ قاؿ:
الْعَُريب".
((يتطاولوف في البنياف)) قاؿ النووي ربضو ا﵁ :إف أىل البادية
وأشباىهم من أىل ابغاجة والفاقة تبسط بؽم الدنيا حَّت يتباىوف
في البنياف؛ اىػ ،وتكثر أموابؽم وتػنصرؼ بنمهم إلذ تشييد البنياف
وزخرفتو ،حَّت إنهم يتباىوف ويتفاخروف بو ،فيقوؿ الواحد منهم
لصاحبو :بنياني أطوؿ من بنيانك ،ويقوؿ الآخر :بنياني أحسن من
بنيانك ،يقولوف ذلك عجبًا وكبًرا ،فقد قاؿ النبي صلى ا﵁ عليو
وسلم (( :يؤجر ابن آدـ في كل شيء إلا ما دفعو في ىذا
226
التراب)) ،78وقاؿ(( :يؤجر الرجل في نفقتو كلها إلا التراب ،أو
قاؿ :في البناء))79
واعلم أف إطالة البنياف لد تكن معروفة في زمن النبي صلى ا﵁ عليو
وسلم ،بل كاف بنيانهم بقدر ابغاجة ،وعن ابغسن البصري -ربضو
ا﵁ -أنو قاؿ :كنت وأنا مراىق أدخل بيت أزواج النبي صلى ا﵁
عليو وسلم في خلافة عثماف ،فأتناوؿ سقفها بيدي.
قاؿ عمر رضي ا﵁ عنو(( :ثم انطلق))؛ أي :ذىب الرجل السائل
((فلبث ُت))؛ أي :مكثت لا أدري من الرجل ((ملِيّا))؛ أي :زمنًا
طويلًا ،وىو ثلاثة أياـ ،كما في رواية الترمذي والنسائي وابن ماجو
وغيربنا ،وفي شرح السنة للبغوي ( بعد ثالثة) 80،وظاىر ىذا :أنو
78رواه البخاري (.)5240
79رواه الترمذي (.)2483
80الترمذي ( ،)2610النسائي ( )5005ابن ماجو (.)63
227
بعد ثلاث لياؿ ((ثم قاؿ))؛ أي :النبي صلى ا﵁ عليو وسلم ((يا
عمر ،أتدري))؛ أي :أتعرؼ (( من السائل؟( ولأِب نعيم في
"ابؼستخرج"" :ثم ذىب ،فقاؿ عمر :ولَبِ َث ملِيّا ،ثم لقي ُت رسوؿ
ا﵁ -صلى ا﵁ عليو وسلم -قاؿ :يا عمر ىل بُزبروني عن
السائل؟ " ( ،قػُلْ ُت :ا﵁ُ َوَر ُسولُوُ أَ ْعلَ ُم ،قَا َؿ " :فَِإَنّوُ ِجْبِري ُل أَتَا ُك ْم
يػَُعْلّ ُم ُك ْم ِدينَ ُك ْم" ،قَا َؿ) -صلى ا﵁ عليو وسلم ( :-فَِإَنّوُ) أي
السائل ( ِجْبِري ُل) ولأِب نعيم" :ذلك جبريل عليو السلاـ" ( أَتَا ُك ْم
يػَُعْلّ ُم ُك ْم ِدينَ ُك ْم) وفي رواية النسائ ّي" :ليعلّمكم أمر دينكم" :أي
قواعد دينكم ،أو كلّيّات دينكم .وفي حديث أِب ىريرة -رضي
ا﵁ عنو -الآتي" :ىذا جبريل جاء ليعلّم الناس دينهم".
وللإبظاعيلي" :أراد أف تعلموا ،إذ لد تسألوا" ،وفي رواية للنسائ ّي:
"والذي بعث بؿم ًدا بابغق ،ما كنت بأعلم بو من رجل منكم،
228
وإنو بعبريل" ،وفي حديث أِب عامر" :ثم َوَلّذ ،فلما لد نَر طريقو،
قاؿ النبي -صلى ا﵁ عليو وسلم :-سبحاف ا﵁ ،ىذا جبريل،
جاء ليعلم الناس دينهم ،والذي نفس بؿمد بيده ،ما جاءني قط،
إلا وأنا أعرفو إلا أف تكوف ىذه ابؼرة" ،وفي رواية سليماف التيمي:
"ثم نػََهض ،فَوَلّذ ،فقاؿ رسوؿ ا﵁ -صلى ا﵁ عليو وسلم :-عل َّي
بالرجل ،فطلبناه ُك َّل َمطْلَ ٍب ،فلم نػَْق ِدر عليو ،فقاؿ :ىل تدروف
من ىذا؟ ىذا جبريل ،أتاكم ليعلمكم دينكم ،خذوا عنو ،فوالذي
نفسي بيده ،ما ُشْبّو عل ّي منذ أتاني ،قبل مرتي ىذه ،وما عرفتو
حَّت َوَلّذ" ،قاؿ ابن حباف تفرد سليماف التيمي بقولو " :خذوا
عنو".
229
قاؿ ابغافظ :وىو من الثقات الأثبات ،وفي قولو " :جاء ليعلم
الناس دينهم" :إشارة إلذ ىذه الزيادة ،فما تفرد إلا بالتصريح81.
وبزصيص عمر بالنداء من بين ابغاضرين يدؿ على جلالتو ورفعة
مقامو عند رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم)) ،قلت :ا﵁ ورسولو
أعلم)) ولا بىفى ما في قوؿ عمر ((ا﵁ ورسولو أعلم)) من حسن
أدب ،من جهة تفويض العلم إليهما ،ويؤخذ منو أف التلميذ إذا
سألو شيخو عن شيء ىل يعلمو أـ لا ،لا يقوؿ :أعلم؛ لأنو إف
لد يعلمو فقد كذب ،وإف علمو حرـ من بركة لفظ أستاذه ،ومن
فائدة يستفيدىا زيادة على ما عنده ،بل يقوؿ :ا﵁ أعلم.
((قاؿ))؛ أي :النبي صلى ا﵁ عليو وسلم (( فإنو جبريل أتاكم
يعلمكم دينكم))؛ أي :يبين لكم أمر دينكم بسؤالو.
81البحر ا﵀يط ٔٔٔٚ-ٔٔٙ/
230
والله تعالى أعلم بالصواب ،وإليه المرجع والمآب ،وهو
المستعان ،وعليه التكلان.
الفَائذهي الحذيج:
( )1الإبياف قوؿ وعمل ونيّة .فهو قوؿ باللساف ،وتصديق
بابعَنَاف (اعتقاد جازـ بالقلب) ،وعمل بالأركاف (يعِن ابعوارح ) ،
وىذه كلها اشتمل عليها ىذا ابغديث .
( )2وجاء في بعض روايات ىذا ابغديث 82في أولو ":كاف رسوؿ
ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم بهلس بين أصحابو فيجيء الغريب فلا
يدري أيهم ىو ,فطلبنا إليو أف بقعل لو بؾلسا يعرفو الغريب إذا
أتاه ,قاؿ :فبنينا لو دكانا من طين كاف بهلس عليو ".
82أبو داود في السنّة ( ،)4698والنسائي في الإبياف وشرائعو ( ،)4991ولو في الكبرى برقم ( ،)11722عن
أِب ذر وأِب ىريرة معا.
231
استنبط منو الإماـ القرطبي استحباب جلوس العالد بدكاف بىتص
بو ويكوف مرتفعا إذا احتاج لذلك لضرورة تعليم وبكوه .
( )3وفيو إجابة السائل بأكثر بفا سأؿ .
( )4السؤاؿ عن العلم النافع في الدنيا والآخرة ،وترؾ السؤاؿ عما
لا فائدة فيو .
( )5قاؿ القاضي عياض ":وفي بصلة حديث السائل من الفقو ...
أمر العالد الناس سؤالو عما بوتاجوف إليو ليُبيّنو بؽم ،وأنهم إف لد
بوسنوا السؤاؿ ابتدأ التعليم من قبل نفسو ؛ كما فعل جبريل ،أو
بهعل من يسأؿ فيجيب بدا يلزمهم علمو "83.
( )6التعليم عن طريق السؤاؿ :طريقة السؤاؿ وابعواب ،من
الأساليب التربوية الناجحة قدبياً وحديثاً ،وقد تكررت في تعليم
83إكوال الوعلن بفوائد هسلن 215/1
232
النبي صلى ا﵁ عليو وسلم لأصحابو في كثير من الأحاديث
النبوية؛ بؼا فيها من لفت انتباه السامعين وإعداد أذىانهم لتلقي
ابعواب الصحيح.
كما ينبغي بؼن حضر بؾلس علم ،ورأى أف ابغاضرين بحاجة إلذ
معرفة مسألة ما ،ولد يسأؿ عنها أحد ،أف يسأؿ ىو عنها ػ وإف
كاف ىو يعلمها ػ لينتفع أىل آّلس بابعواب.
فقد كاف غرض جبري َل عليو السلاـ من أسئلتو ىذه أف يتعلم
ابؼسلموف ،وىذا ما بينو النبُّي َصَلّى الَلّوُ َعلَيِْو َو َسَلّ َم بقولو :فَِإَنّوُ
ِجْبِري ُل أتاكم يػَُعْلّ ُم ُك ْم ِدينَ ُك ْم .
وفي رواية أِب ىريرة عند البخاري ومسلمَ :ى َذا ِجْبِري ُل أََراَد أَ ْف
تَػَعَلّ ُموا إِْذ لَدْ تَ ْسأَلُوا.
233
وىذا الأسلوب يعتبر من أبرز الأساليب التي اتبعها سي ُدنا رسوؿ
ا﵁ َصَلّى الَلّوُ َعلَيِْو َو َسَلّ َم في تعليم الصحابة الكراـ رضي ا﵁ عنهم
ونضرب مثالا :عن أِب ىريرة أف رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم
قاؿ أتدروف ما ابؼفلس قالوا ابؼفلس فينا من لا درىم لو ولا متاع
فقاؿ إف ابؼفلس من أمتي يأتي يوـ القيامة بصلاة وصياـ وزكاة
ويأتي قد شتم ىذا وقذؼ ىذا وأكل ماؿ ىذا وسفك دـ ىذا
وضرب ىذا فيعطى ىذا من حسناتو وىذا من حسناتو فإف فنيت
حسناتو قبل أف يُقضى ما عليو أخذ من خطاياىم فطرحت عليو
ثم طرح في النار "84
84أخزج الإهام هسلن فً البز والصلة ( )2581والتزهذي فً صفة القٍاهة رقن (. )2418
234
( )7وفي قولو " حَّت جلس إلذ النبي صلى ا﵁ عليو وسلم فأسند
ركبتيو إلذ ركبتيو ووضع كفيو على فخذيو " دليل على لزوـ تأدب
ابؼتعلم بين يدي من يتعلم منو .
( )8وفيو إشارة بؼا ينبغي للمسئوؿ من التواضع والصفح عما يبدو
من جفاء السائل ؛ لصنيعو ابؼتقدـ في جلوسو ،ولتخطيو الرقاب
حَّت جلس إلذ النبّي صلى ا﵁ عليو وسلم ،ولكونو ناداه بابظو
مادا صوتو .
( )9وفيو أنو ينبغى للعالد أف يرفق بالسائل ويُْدنِيو منو ليتمكن من
سؤالو غير ىائب ولا منقبض ،قالو النووي.85
( )10وقاؿ النووي أيضا ":وينبغى للسائل حسن الأدب بين
يدي معلمو ،وأف يرفق في سؤالو .
85شزح النووي على صحٍح هسلن :شزح الحدٌث رقن ()8
235
( )11في ىذا ابغديث دليل على مشروعية الصلاة والصوـ
والزكاة وابغج .
()12وفي قولو ":وتصوـ رمضاف" دليل على جواز قوؿ رمضاف من
غير إضافة شهر إليو.86
( )13وجوب الإبياف با﵁ وملائكتو وكتبو ورسلو واليوـ الآخر ،
وبالقدر خيره وشره ُحلْ ِوه وُمّْره من ا﵁ تعالذ .
( )14وكأف ابغكمة في إعادة لفظ " وتؤمن " عند ذكر البعث
الإشارة إلذ أنو نوع آخر بفا يؤمن بو ,لأف البعث سيوجد بعد ,
وما ذكر قبلو موجود الآف ,وللتنويو بذكره لكثرة من كاف ينكره
من الكفار ,وبؽذا كثر تكراره في القرآف.
86فتح الباري شزح الحدٌث رقن (. )50
236
( )15وىكذا ابغكمة في إعادة لفظ " وتؤمن " عند ذكر القدر
كأنها إشارة إلذ ما يقع فيو من الاختلاؼ ,فحصل الاىتماـ
بشأنو بإعادة تؤمن ,ثم قرره بالإبداؿ بقولو " خيره وشره " ،ثم
زاده تأكيدا بقولو في رواية أخرى " من ا﵁ ".
( )16ودؿ الإبصاؿ في ابؼلائكة والكتب والرسل على الاكتفاء
بذلك في الإبياف ّٔم من غير تفصيل ,إلا من ثبت تسميتو
فيجب الإبياف بو على التعيين.
( )17ظاىر السياؽ يقتضي أف الإبياف لا يطلق إلا على من
صدؽ بجميع ما ذكر.
فلا يصح إبياف من فاتو أح ُد ىذه الأركاف ،والنبُّي َصَلّى الَلّوُ َعلَْيِو
َو َسَلّ َم عندما سألو جبريل عن معنى الإبياف لد بهتزئ بذكر بعضها
237
،وإبما ذكرىا أبصع ،وفي ىذا دليل على ُكليّة الإبياف ؛ أي أنو
ك ّلّ لا يتجزأ .
يعنى أف من آمن با﵁ ،ولد يؤمن بالرسل ولد يصدقهم ،لا يصح
إبيانو ولا يعتبر مؤمنا.
ومن آمن بابؼلائكة ،ولد يؤمن باليوـ الآخر ،لا يعتبر مؤمنا .
وإبما يكوف مؤمنا إذا بصع الإبياف بالأركاف كلها .
( )18في ابغديث دلالة على وجوب إخلاص العمل ،وأف نبتغي
بو وجو ا﵁ تعالذ ،ويؤخذ من بيانو بؼعنى الإحساف ":أَ ْف تَػْعبَُد
الَلّوَ َكأََنّ َك تَػَراهُ ".
( )19وفي قولو ":أَ ْف تَػْعبَُد الَلّوَ َكأََنّ َك تَػَراهُ " بياف للزوـ مراعاة
آداب العبودية ﵁ تعالذ
238
( )20وفي ابغديث وجوب مراقبة ا﵁ تعالذ .قاؿ تعالذ { واعلموا
أف ا﵁ يعلم ما في أنفسكم فاحذروه }( سورة البقرة الآية .)235
وقاؿ جل ثناؤه { :إف ا﵁ كاف عليكم رقيبا }( سورة النساء
الآية . )1وقاؿ تقدست أبظاؤه { َوَما تَ ُكو ُف ِفي َشأْ ٍف َوَما تَػتْػلُو ِمْنوُ
ِم ْن قػُْرءَا ٍف َولا تَػْع َملُو َف ِم ْن َع َم ٍل إِلا ُكَنّا َعلَيْ ُك ْم ُشُهوًدا إِْذ تُِفي ُضو َف
فِيِو َوَما يػَْعُز ُب َع ْن َرْبّ َك ِم ْن ِمثْػَقاِؿ َذَّرةٍ ِفي الأَْر ِض َولا ِفي ال َّس َماِء
َولا أَ ْصغََر ِم ْن ذَلِ َك َولا أَ ْكبَػَر إِلا ِفي كِتَا ٍب ُمبِيٍن }( سورة يونس
الآية . )61
( )21في قولو صلى ا﵁ عليو وسلم بؼا سئل عن الساعة َ :ما
الْ َم ْسئُوُؿ َعنْػَها بِأَ ْعلَ َم ِم َن ال َّسائِِل " خفاء وقت الساعة عن بصيع
ابػلق ،فعلمها عند ا﵁ ،وىي من بصلة ما استأثر ا﵁ بعلمو ،
ومفاتح الغيب بَطْ ٍس لا يػَْعلَ ُمُه َّن إِلا الَلّوُ تعالذ ،قاؿ تعالذ {:إِ َّف
239
الَلّوَ ِعنْ َدهُ ِعْل ُم ال َّسا َعِة َويػُنَػّْزُؿ الْغَْي َث َويػَْعلَ ُم َما ِفي الأَْرَحاِـ َوَما
تَْد ِري نػَْف ٌس َما َذا تَ ْك ِس ُب َغ ًدا َوَما تَْد ِري نػَْف ٌس بِأَ ّْي أَْر ٍض بَسُو ُت إِ َّف
الَلّوَ َعلِي ٌم َخبِيرٌ }( سورة لقماف الآية . )34
وعن ابن عمر عن النبي صلى ا﵁ عليو وسلم قاؿ أوتيت مفاتيح
كل شيء إلا ابػمس {إف ا﵁ عنده علم الساعة ،وينػزؿ الغيث ،
ويعلم ما في الأرحاـ ،وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ،وما
تدري نفس بأي أرض بسوت إف ا﵁ عليم خبير }( رواه أبضد في
ابؼسند برقم (.))5554
( )22في قولو " َما الْ َم ْسئُوُؿ َعْنػَها بِأَ ْعلَ َم ِم َن ال َّسائِِل " دليل على
جواز التعريض في الكلاـ ؛ فقد عدؿ عن قولو لست بأعلم ّٔا
منك إلذ لفظ يشعر بالتعميم تعريضا للسامعين ,أي أف كل
مسئوؿ وكل سائل فهو كذلك
240
( )23فيو دلالة على فساد الزمن بين يدي الساعة ،حيث
تضعف الأخلاؽ ،ويكثر عقوؽ الأولاد وبـالفتهم لآبائهم
فيعاملونهم معاملة السيد لعبيده.
وتنعكس الأمور وبزتلط ،حَّت يصبح أسافل الناس ملوؾ الأمة
ورؤساءىا ،وتسند الأمور لغير أىلها ،ويكثر ابؼاؿ في أيدي الناس،
ويكثر البذخ وال َّسرؼ ،ويتباىى الناس بعلو البنياف ،وكثرة ابؼتاع
والأثاث ،ويُتعالذ على ابػلق وبيلك أمرىم من كانوا في فقر
وبؤس ،يعيشوف على إحساف الغير من البدو والرعاة وأشباىهم.
( )24في قولو " أف تلد الأمة ربتها " وفي لفظ " رّّٔا " جواز
إطلاؽ الرب على السيد ابؼالك ،أو ابؼرِب
241
( )25وفيو بياف قدرة ابؼلك على التمثل بالصورة البشرية ،وفيو
أيضا جواز رؤية ابؼلك أو بظاع كلامو .قاؿ ابغافظ ابن حجر ":
وفيو أف ابؼلك بهوز أف يتمثل لغير النبي صلى ا﵁ عليو وسلم فيراه
ويتكلم بحضرتو وىو يسمع ,وقد ثبت عن عمراف بن حصين أنو
كاف يسمع كلاـ ابؼلائكة " .قاؿ البيهقي :وروينا عن بصاعة من
الصحابة أف كل واحد رأى جبريل عليو السلاـ في صورة دحية
الكلبي ( الاعتقاد على مذىب السلف ص 177باب القوؿ في
كرامات الأولياء .).
( )26ردّ العلم إلذ ا﵁ تعالذ .وقد كاف الصحابة الكراـ إذا
ُسئلوا عن شيء لا يعلمونو ،قالوا :ا﵁ ورسولو أعلم .وىذا أدب
مع ا﵁ تعالذ إذ يردوف العلم إليو ،وأدب مع رسولو صلى ا﵁ عليو
وسلم إذ ىو مصدر التلقي وابؼبلغ عن ربو عَّز وجل .
242
( )27وينبغي بؼن سئل عن شيء لا يعلمو ،أف يقوؿ :لا أعلم،
أو :لا أدري ،ولا يكوف في ذلك نقص من مرتبتو ,بل يكوف
ذلك دليلا على مزيد ورعو وتقواه .
وقد كاف علماء السلف يروف أف " لا أدري " نصف العلم .
( )28وينبغي بؼن أراد أف يستفهم عن أمور تنفعو أف بوسن
اختيار السؤاؿ .
( )29قاؿ ابن ابؼنير :في قولو " يعلمكم دينكم " دلالة على أف
السؤاؿ ابغسن يسمى علما وتعليما ,لأف جبريل لد يصدر منو
سوى السؤاؿ ,ومع ذلك فقد بظاه معلما.
( )30الإبياف أعلى من الإسلاـ ،والإحساف أعلى من الإبياف ؛
فكل مؤمن مسلم ،ولا ينعكس ،قاؿ تعالذ { قالت الأعراب
243
آمنا قل لد تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا وبؼّا يدخل الإبياف في قلوبكم
}( ابغجرات الآية .).14وكل بؿسن مسلم ومؤمن ،وليس كل
مؤمن بؿسنا ،قاؿ تعالذ { وقليل من عبادي الشكور }( سبأ
الآية ،)13وقاؿ جل ثناؤه {:والسابقوف السابقوف أولئك
ابؼقربوف } إلذ قولو { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين }(
الواقعة الآيات .). 14-10
( )31فيو دليل بؼن قاؿ :إف الإسلاـ يغاير الإبياف .
( )32قولو صلى ا﵁ عليو وسلم " أتاكم يعلمكم دينكم " فيو
أف الإبياف والإسلاـ والإحساف تسمى كلها دينا
( )33استحباب حضور بؾالس العلم على أحسن ىيئة وأكملها
244
( )34وفيو بياف واضح ػ كما قاؿ ابن حزـ في الإحكاـ ( )61ػ
:أف كل خطاب منو صلى ا﵁ عليو وسلم لواحد فيما يفتيو بو
ويعلمو إياه ؛ ىو خطاب بعميع أمتو إلذ يوـ القيامة ،وتعليم منو
عليو السلاـ لكل من يأتي إلذ انقضاء الدنيا ؛ لأف ذلك ابغديث
إبما خرج بلفظ تعليم الواحد في قولو صلى ا﵁ عليو وسلم " أف
تعبد ا﵁ كأنك تراه " ويكفينا من ىذا ابغديث قولو عليو السلاـ
أثر جوابو بعبريل عليو السلاـ إف ىذا الذي ذكر تعليم بؽم فأشار
إلذ ابػطاب ابؼتقدـ للواحد .
( )35فيو أف ليس للإماـ أو نوابو ،ولا للعالد أف بوتجبوا دوف
حاجات الناس ومصابغهم ؛ لقولو ( :كاف النبي صلى ا﵁ عليو
وسلم بارزا يوما للناس ) .
245
قاؿ ابغافظ ابن حجر :أي ظاىرا بؽم غير بؿتجب عنهم ولا
ملتبس بغيره ,والبروز الظهور .
( )36وفيو بياف تواضع النبي صلى ا﵁ عليو وسلم
( )37إف للدين ظاىر وباطن ؛ فظاىره الإسلاـ ،وىو ابػضوع
والانقياد وامتثاؿ أوامر ا﵁ قولا وعملا ،وباطنو الإبياف ،وىو
التصديق ابعازـ با﵁ وملائكتو ورسلو وسائر الأركاف وأمور الإبياف
،والإحساف ىو بشرة التحقق ّٔما معا ،وىو حضور القلب في
حضرة القرب ،وىو ابؽداية إلذ الصراط ابؼستقيم التي تورثها منازؿ
{ إياؾ نعبد وإياؾ نستعين }.
246
( )38وفيو :أف الذي يعلم من ابػبر بداىة ػ أو يدؿ عليو سياؽ
الكلاـ ػ لا إلزاـ في ذكره وبهوز حذفو للاختصار ،فبعض الرواة
ذكر أنو سلم بؼا دخل ،وبعضهم لد يذكر السلاـ في روايتو .
( )39في قوؿ السائل " أخبرني عن الإسلاـ ،وقولو " أخبرني
عن الإبياف " ...دليل على أف للسائل أف يزيد على سؤاؿ واحد
حَّت يتحصل لو الفهم ،أو يستزيد من العلم .
( )40وفيو أف للسائل أف يأتي بأسئلتو بؾتمعة ،ثَمّ بعد بساـ
ابػطاب يستمع إلذ ابعواب ،ولو أف يفرؽ سؤالاتو واستفهاماتو
حسب ما تقتضيو ابغاؿ ،أو وفق ما بسليو ابؼناسبة .
( )41في قولو " فإنو جبريل أتاكم " فإف بؾيء جبريل عليو السلاـ
ػ على ىيئة رجل ػ سائلا ،دليل على أبنية ىذه الأمور ػ ابؼسئوؿ
247
عنها ػ وعظيم خطرىا ،ووصفو صلى ا﵁ عليو وسلم بؽا بأنها دين
في قولو " يعلمكم دينكم " يؤكد ذلك .
( )42وفي قولو " فإنو جبريل " بياف بعواز كشف بعض ابغقائق
إذا كاف يترتب على كشفها مصلحة مشروعة ،ولعل من
ابؼصلحة ىنا :بياف الأبنية .
( " )43ما ابؼسؤوؿ عنها بأعلم من السائل " إشارة منو صلى
ا﵁ عليو وسلم أنو عرؼ حقيقة السائل ؛ فذّكره بدا جرى بينو وبين
عيسى بن مرًن عليو السلاـ ،فقد روى ابن ابؼبارؾ في الزىد
( )44فيو دليل على أف سؤاؿ القادـ ،أو السائل عن ابظو ليس
على سبيل الوجوب
248
( )45وفيو أيضا ػ في قولو " يا رسوؿ ا﵁ " ػ الدليل على لزوـ
التأدب والاحتراـ مع اىل العلم والفضل والصلاح وابػير ،وأف
ينادوا بأح ّْب أبظائهم إليهم ؛ لأف السائل ػ وىو جبريل عليو
السلاـ ػ نادى النبي صلى ا﵁ عليو وسلّم بأح ّْب أبظائو إليو
وأعلاىا ،وذلك من التأدب منو معو واحترامو لو .
( )46قولو " الإسلاـ أف تشهد أف لا إلو إلا ا﵁ " وقولو " الإبياف
أف تؤمن با﵁ "...فيو دليل على أف العالد إذا سئل بدأ من
ابعواب بدا ىو الأىم والآكد ،وتقدًن ابؼلائكة على النبيين بالذكر
ليس تقدًن فضل ،وإبما لأف الإبياف بابؼلائكة طريق إلذ الإبياف
بالرسل عليهم السلاـ ؛ إذ ىم سفراء ا﵁ إلذ أصفيائو من خلقو .
( )47ينبغي للسائل أو ابؼستمع حين استماعو بعواب أو حديث
،أف ينط َق بدا يُشعِر ػ من بودثو ػ انتباىو وحضور قلبو ،وىذا
249
يظهر في قوؿ جبريل عليو السلاـ للنبي صلى ا﵁ عليو وسلم "
صدقت " أكثر من مّرة .
( )48وفيو احتجاج الصحابة بالسنة الصحيحة في بياف العقائد
،حيث استدؿ عبدا﵁ بن عمر رضي ا﵁ عنهما ػ وىو من علماء
الصحابة وفقهائهم ػ بالسنة في الرد على زعم الَق َدرية .
( )49وفيو قبوؿ خبر الواحد لأف الذي أجاب بويى بن يعمر
وصاحبو واحد وىو ابن عمر رضي ا﵁ عنهما .
( )50تظهر فيو فصاحة النبي صلى ا﵁ عليو وسلم وبلاغتو ،
حيث أجاب السائل بكلمات يسيرة ،ولكنها برمل في طياتها
ابؼعاني الغزيرة .
250