The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.
Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by thoriqul, 2022-07-09 05:11:43

syarah hadits Jibril

syarah hadits Jibril

‫ابغركة‪ ،‬و َسَقطت ابؽمزة‪ ،‬وىي عيٌن‪ ،‬فوزنو َمَف ٌل‪ ،‬وقيل فيو غيرُ‬
‫ذلك‪ .‬انتهى‪.60‬‬

‫ومعنى الإبياف بابؼلائكة‪ :‬ىو التصديق بوجودىم‪ ،‬وأنهم كما‬
‫وصفهم ا﵁ تعالذ‪ِ { :‬عبَاٌد ُم ْكَرُمو َف (‪ )ٕٙ‬لَا يَ ْسبُِقونَوُ بِالَْقْوِؿ َوُى ْم‬
‫بِأَْمِرهِ يػَْع َملُو َف (‪[ })ٕٚ‬الأنبياء‪{ ،]ٕٚ ،ٕٙ :‬لَا يػَْع ُصو َف الَلّوَ َما‬
‫أََمَرُى ْم َويػَْفَعلُو َف َما يػُْؤَمُروَف} [ التحرًن‪ ،]ٙ :‬و { يُ َسْبّ ُحو َف الَلّْي َل‬
‫َوالَنّػَهاَر لَا يػَْفتُػُرو َف (ٕٓ)} [الأنبياء‪ ،]ٕٓ :‬وأنهم سفراء ا﵁ بينو‬

‫وبين رسلو‪ ،‬وابؼتصّرفوف كما أذف بؽم في َخلْقو‪.‬‬

‫وقََّدـ ابؼلائكة على الكتب والرسل‪ ،‬نظًرا للترتيب الواقع؛ لأنو ‪-‬‬
‫ُسبْ َحانَوُ َوتَػَعالَذ ‪ -‬أرسل ابؼلك بالكتاب إلذ الرسوؿ‪ ،‬وليس فيو‬

‫ُمتَ َم َّسك بؼن فَ َّضل ابؼلك على الرسوؿ‪ .‬قالو في "الفتح"‪61.‬‬

‫‪"60‬ابؼصباح ابؼنير" ٔ‪ٜٔ- ٔٛ /‬‬

‫‪201‬‬

‫((وكتبو))؛ أي‪ :‬تؤمن بكتبو التي أنزبؽا على رسلو؛ ﴿ لََق ْد أَْر َسلْنَا‬
‫ُر ُسلَنَا بِالْبَػْيّػنَا ِت َوأَنْػَزلْنَا َمَعُه ُم الْ ِكتَا َب َوالْ ِميَزا َف ﴾ [ابغديد‪.]25 :‬‬
‫ومعنى الإبياف ّٔا‪ :‬التصديق بأنها كلاـ ا﵁ تعالذ‪ ،‬وأف بصيع ما‬
‫تضمنتو حق‪ ،‬فهذا على سبيل الإبصاؿ‪ ،‬أما تفصيلًا فإف الكتب‬
‫السابقة جرى عليها التحريف والتبديل والتغيير‪ ،‬فلا بيكن للإنساف‬
‫أف بييز بين ابغق منها والباطل‪ ،‬أما العمل ّٔا فالعمل إبما ىو بدا‬
‫نزؿ على بؿمد صلى ا﵁ عليو وسلم فقط‪ ،‬أما ما سواه فقد نسخ‬

‫ّٔذه الشريعة‪.‬‬

‫‪61‬البحر ا﵀يط ٔ‪ٜٜ/‬‬

‫‪202‬‬

‫((ورسلو))؛ ووقع في حديث أِب ىريرة‪ ،‬وأِب ذّر عند النسائ ّي‬
‫"وملائكتو‪ ،‬والكتاب‪ ،‬والنبيين"‪ ،‬وكل من السياقين في القرآف‪ ،‬في‬

‫البقرة‪ ،‬والتعبير "بالنبيين" يشمل "الرسل"‪ ،‬من غير عكس‪62‬‬

‫أي‪ :‬وأف تؤمن برسلو‪ ،‬بأف تصدؽ بأف ا﵁ تعالذ أرسلهم إلذ‬
‫ابػلق؛ بؽدايتهم إلذ طريق ابغق‪ ،‬وأنهم صادقوف في بصيع ما جاؤوا‬
‫بو عن ا﵁ تعالذ‪ ،‬وأنو بهب احترامهم‪ ،‬وألا نفرؽ بين أحد منهم‪،‬‬
‫ونؤمن إبصالًا بدن لد نعرفو بعينو‪ ،‬وتفصيلًا بدن عرفناه بعينو؛ قاؿ‬
‫تعالذ‪َ ﴿ :‬ولََق ْد أَْر َسْلنَا ُر ُسلًا ِم ْن قَػْبلِ َك ِمنْػُه ْم َم ْن قَ َص ْصنَا َعلَْي َك‬
‫َوِمنْػُه ْم َم ْن لَدْ نػَْق ُص ْص َعلَيْ َك ﴾ [ غافر‪ ،]78 :‬وأوبؽم نوح‪،‬‬
‫وآخرىم بؿمد عليو السلاـ‪ ،‬ومنهم ابػمسة أولو العزـ‪ ،‬الذين‬
‫بصعهم ا﵁ تعالذ في آيتين‪ ،‬فقاؿ تبارؾ وتعالذ في سورة الأحزاب‪:‬‬

‫‪62‬البحر ا﵀يط ٔ‪ٔٓٓ/‬‬

‫‪203‬‬

‫﴿ َوإِْذ أَ َخ ْذنَا ِم َن الَنّبِْيّيَن ِميثَاقَػُه ْم َوِمنْ َك َوِم ْن نُوٍح َوإِبْػَرا ِىي َم َوُمو َسى‬
‫َوِعي َسى ابْ ِن َمْرًَنَ ﴾ [الأحزاب‪ ،]7 :‬وقاؿ في سورة الشورى‪﴿ :‬‬
‫َشَرعَ لَ ُك ْم ِم َن الّْدي ِن َما َو َّصى بِِو نُو ًحا َواَلّ ِذي أَْو َحيْػنَا إِلَْي َك َوَما‬
‫َو َّصْيػنَا بِِو إِبْػَرا ِىي َم َوُمو َسى َوِعي َسى أَ ْف أَقِي ُموا الّْدي َن َوَلا تَػتَػَفَّرقُوا فِيِو‬

‫﴾ [الشورى‪.]13 :‬‬

‫((واليوـ الآخر))؛ أي يوـ القيامة‪ ،‬بُْظّي بو؛ لأنو آخر أياـ الدنيا‪،‬‬
‫أو آخر الأزمنة ا﵀دودة‪ ،‬وابؼراد الإبياف بو‪ ،‬وبدا فيو من البعث‬

‫وابغساب‪ ،‬ودخوؿ أىل ابعنّة ابعنّةَ‪ ،‬وأىل النار الناَر إلذ غير‬
‫ذلك‪ ،‬بفا ورد الن ّص القاطع بو‪ .‬قالو الطيبّي‪.63‬‬

‫وقاؿ القرطبّي‪ :‬معنى الإبياف باليوـ الآخر‪ :‬ىو‪ :‬التصديق بيوـ‬
‫القيامة‪ ،‬وما اشتمل عليو من الإعادة بعد ابؼوت‪ ،‬والنشر‪ ،‬وابغشر‪،‬‬

‫‪"63‬الكاشف" ٕ‪ٕٗٙ /‬‬

‫‪204‬‬

‫وابغساب‪ ،‬وابؼيزاف‪ ،‬والصراط‪ ،‬وابعنة والنار‪ ،‬وأنهما دار ثوابو‪،‬‬
‫وجزائو للمحسنين‪ ،‬وابؼسيئين‪ ،‬إلذ غير ذلك‪ ،‬بفا ص ّح ن ّصو‪ ،‬وثبت‬

‫نقلو‪ .‬انتهى‪.64‬‬
‫وفي حديث أِب ىريرة ‪ -‬رضي ا﵁ عنو ‪ -‬الآتي‪" :‬وتؤمن بالبعث"‪،‬‬

‫زاد عند البخار ّي في "التفسير"‪" :‬الآخر"‪.‬‬
‫قاؿ في "الفتح"‪ :‬فأما البعث الآخر‪ ،‬فقيل‪ :‬ذُكر "الآخر" تأكي ًدا‪،‬‬
‫كقوبؽم‪ :‬أمس الذاىب‪ ،‬وقيل‪ :‬لأف البعث وقع مرتين‪ :‬الأولذ‬
‫الإخراج من العدـ إلذ الوجود‪ ،‬أو من بطوف الأمهات بعد النطفة‪،‬‬
‫والَْعلََقة إلذ ابغياة الدنيا‪ ،‬والثانية البعث من بطوف القبور‪ ،‬إلذ بؿل‬

‫‪"64‬ابؼفهم" ٔ‪ٔٗ٘ /‬‬

‫‪205‬‬

‫الاستقرار‪ ،‬وأما اليوـ الآخر‪ ،‬فقيل لو‪ :‬ذلك؛ لأنو آخر أياـ الدنيا‪،‬‬
‫أو آخر الأزمنة ا﵀دودة‪ .‬انتهى‪65.‬‬

‫((وتؤمن بالقدر خيره وشره))؛ بفتحتين‪ ،‬أو بفتح‪ ،‬فسكوف ‪:-‬‬
‫القضاء‪ ،‬وابغكم‪ ،‬ومعنى الإبياف بالقدر أنو تعالذ علم مقادير‬
‫الأشياء‪ ،‬وأحوابؽا‪ ،‬وأزمانها قبل إبهادىا‪ ،‬ثم أوجد منها ما سبق في‬
‫علمو أنو يوجده على بكو ما سبق في علمو‪ ،‬فلا بُؿْ َدث في العالد‬
‫العلو ّي والسفل ّي إَّلا وىو صادٌر عن علمو تعالذ‪ ،‬وقدرتو وإرادتو‪،‬‬
‫وىذا ىو ابؼعلوـ من الدين بالبراىين القطعية‪ ،‬وعليو كاف السلف‬
‫من الصحابة‪ ،‬وخيار التابعين‪ ،‬إلذ أف حدثت بدعة القدر في‬
‫أواخر زمن الصحابة ‪ -‬رضي ا﵁ عنهم ‪ ، -‬كما سيأتي بساـ‬

‫البحث فيو في ابؼسائل ‪ -‬إف شاء ا﵁ تعالذ ‪.-‬‬

‫‪65‬البحر ا﵀يط ٔ‪ٔٓٔ/‬‬

‫‪206‬‬

‫وبؼا كثر من ينكر القدر من الكّفار‪ ،‬وبؽذا كثر تكراره في القرآف‪،‬‬
‫وتنويًها بذكره‪ ،‬ليحصل الاىتماـ بشأنو أ ّكده بقولو ( َخْيِرهِ َو َشّْرِه)‬
‫بابعّر بدٌؿ من "القدر"‪ ،‬وفي رواية‪" :‬بالقدر ُكْلِّو خيره وشره"‪ ،‬وزاد‬

‫في رواية‪ُ " :‬حْلوه‪ ،‬ومّره"‪ ،‬وزاد في أخرى "من ا﵁"‪.‬‬
‫[تنبيو]‪ :‬ظاىر السياؽ يقتضي أف الإبياف‪ ،‬لا يُطلق إَّلا على من‬
‫َصَّدؽ بجميع ما ذُكر‪ ،‬وقد اكتفى الفقهاء بإطلاؽ الإبياف على من‬
‫آمن با﵁ تعالذ‪ ،‬ورسولو ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ ،-‬ولا اختلاؼ‬

‫أف الإبياف برسوؿ ا﵁ ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬ابؼراد بو الإبياف‬

‫بوجوده‪ ،‬وبدا جاء بو عن ربو‪ ،‬فيدخل بصيع ما ذكر برت ذلك‪.‬‬
‫وا﵁ تعالذ أعلم ("الفتح" ٔ‪66.)ٖٔٙ /‬‬

‫((قاؿ))؛ أي‪ :‬الرجل السائل ((صدقت))؛ أي‪ :‬فيما أخبرتِن بو‪.‬‬

‫‪66‬البحر ا﵀يط ٔ‪ٕٔٓ- ٔٓٔ/‬‬

‫‪207‬‬

‫ثم ((قاؿ‪ :‬فأخبرني عن الإحساف)) قاؿ في "الفتح"‪ :‬ىو مصدر‬
‫أحسن بُوسن إحسانًا‪ ،‬ولتعدى بنفسو وبغيره‪ ،‬تقوؿ‪ :‬أحسنت‬
‫كذا‪ :‬إذا أتقنتو‪ ،‬وأحسنت إلذ فلاف‪ :‬إذا أوصلت إليو النفع‪،‬‬
‫والأوؿ ىو ابؼراد؛ لأف ابؼقصود إتقاف العبادة‪ ،‬وقد يلحظ الثاني بأف‬
‫ابؼخلص مثلًا بؿسن بإخلاصو إلذ نفسو‪ ،‬وإحسا ُف العبادة‪:‬‬
‫الإخلاص فيها‪ ،‬وابػشوع وفراغ الباؿ حا َؿ التلبس ّٔا‪ ،‬ومراقبة‬

‫ابؼعبود‪.‬‬

‫وقاؿ القرطبّي ربضو ا﵁ تعالذ‪ :‬الإحساف ىو مصدر أحسن بُوسن‬
‫إحسانًا‪ ،‬ويقاؿ على معنيين‪:‬‬

‫[أحدبنا]‪ :‬متع ّد بنفسو‪ ،‬كقولك‪ :‬أحسنت كذا‪ ،‬وفي كذا‪ :‬إذا‬
‫ح ّسنتو‪ ،‬وك ّملتو‪ ،‬وىو منقوؿ بابؽمزة من ح ُسن الشيءُ‪.‬‬

‫‪208‬‬

‫[وثانيهما]‪ :‬متع ّد بحرؼ جّر‪ ،‬كقولك‪ :‬أحسنت إلذ كذا‪ :‬أي‬
‫أوصلت إليو ما ينتفع بو‪ ،‬وىو في ىذا ابغديث بابؼعنى الأوؿ‪ ،‬لا‬
‫بابؼعنى الثاني‪ ،‬إذ حاصلو راجع إلذ إتقاف العبادات‪ ،‬ومراعاة حقوؽ‬
‫ا﵁ تعالذ فيها‪ ،‬ومراقبتو‪ ،‬واستحضار عظمتو‪ ،‬وجلالو حالةَ‬

‫الشروع‪ ،‬وحالة الاستمرار فيها‪.‬‬
‫وأرباب القلوب في ىذه ابؼراقبة على حالين‪:‬‬
‫[أحدبنا]‪ :‬غالب عليو مشاىدة ابغ ّق‪ ،‬فكأنو يراه‪ ،‬ولع ّل النبّي ‪-‬‬
‫صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬أشار إلذ ىذه ابغالة بقولو‪" :‬و ُجعلت قُػّرة‬
‫عيِن في الصلاة" ‪ ،67‬رواه أبضد‪ ،‬والنسائ ّي‪.‬‬

‫‪67‬كاف في نسخة القرطبّي‪" :‬وجعلت قرة عيِن في عبادة رِب"‪ ،‬والذي في مسند أبضدٖ‪ ٕٔٛ /‬و ‪ ٜٜٔ‬و٘‪،ٕٛ‬‬
‫و"سنن النسائي" ‪ ٕٙ /ٚ‬بلفظ‪" :‬وجعلت قرة عيِن في الصلاة"‪ ،‬فليُتنبّو‪.‬‬

‫‪209‬‬

‫[وثانيهما]‪ :‬لا ينتمي إلذ ىذه ابغالة‪ ،‬لكن يغلب عليو أف ابغ ّق‬
‫سبحانو وتعالذ مطّلع عليو‪ ،‬ومشاىد لو‪ ،‬وإليو الإشارة بقولو تعالذ‪:‬‬
‫{اَلّ ِذي يػََرا َؾ ِحيَن تَػُقوُـ (‪َ )ٕٔٛ‬وتَػَقُلّبَ َك ِفي ال َّسا ِج ِدي َن (‪})ٕٜٔ‬‬
‫[الشعراء‪ ،]ٕٜٔ - ٕٔٛ :‬وبقولو تعالذ‪َ{ :‬وَما تَػْتػلُو ِمْنوُ ِم ْن قُػْرآ ٍف‬
‫َوَلا تَػْع َملُو َف ِم ْن َع َم ٍل إَِّلا ُكَنّا َعلَْي ُك ْم ُشُهوًدا إِْذ تُِفي ُضو َف فِيِو}‬
‫[يونس‪ ،]ٙٔ :‬وىاتاف ابغالتاف بشرة معرفة ا﵁ تعالذ وخشيتو‪،‬‬

‫ولذلك ف ّسر الإحساف في حديث أِب ىريرة ‪ -‬رضي ا﵁ عنو ‪-‬‬
‫بقولو‪" :‬أف بزشى ا﵁ كأنك تراه"‪ ،‬فعبّر عن ابؼسبب باسم السبب‬
‫تو ّسًعا‪ ،‬والألف واللاـ اللذاف في "الإحساف" ابؼسئوؿ عنو للعهد‪،‬‬
‫وىو الذي قاؿ ا﵁ تعالذ فيو‪ { :‬لَِلّ ِذي َن أَ ْح َسنُوا ابْغُ ْسنَى َوِزيَاَدةٌ}‬
‫الآية [ يونس‪ ،]ٕٙ :‬وقولو‪َ { :‬ى ْل َجَزاءُ اْلِإ ْح َسا ِف إَِّلا اْلِإ ْح َسا ُف‬

‫‪210‬‬

‫(ٓ‪ [ })ٙ‬الربضن‪ ،]ٙٓ :‬وقولو‪َ { :‬وأَ ْح ِسنُوا إِ َّف الَلّوَ بُِو ُّب‬
‫الْ ُم ْح ِسنِيَن} [البقرة‪.]ٜٔ٘ :‬‬

‫ولَّما تكّرر الإحساف في القرآف‪ ،‬وترتّب عليو ىذا الثواب العظيم‪،‬‬
‫سأؿ عنو جبريل النبّي ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ ،-‬فأجابو ببيانو؛‬
‫ليعمل الناس عليو‪ ،‬فيحصل بؽم ىذا ابغ ّظ العظيم‪ .‬انتهى كلاـ‬

‫القرطبّي ("ابؼفهم" ٔ‪.)ٔٗٗ - ٖٔٗ /‬‬

‫وقاؿ ابػطّاِّب‪ :‬إبما أراد بالإحساف ىا ىنا الإخلاص‪ ،‬وىو شرط‬
‫في ص ّحة الإبياف والإسلاـ مًعا‪ ،‬وذلك أف من تلّفظ بالكلمة‪،‬‬
‫وجاء بالعمل من غير نيّة الإخلاص لد يكن بُؿسنًا‪ ،‬ولا كاف إبيانو‬
‫صحي ًحا‪ ،‬قاؿ ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ " :-‬أف تعبُد ا﵁ كأنك‬
‫تراه"‪ ،‬أي في إخلاص العبادة لوجو ا﵁ الكرًن‪ ،‬وبؾانبة الشرؾ‬

‫ابػف ّي‪ ،‬والعبادة ﵁ الذي لا تنبغي العبادة إلا لو على نعت ابؽيبة‬

‫‪211‬‬

‫والتعظيم‪ ،‬حَّت كأنو ينظر إلذ ا﵁ تعالذ خوفًا منو‪ ،‬وحياءً‪،‬‬
‫و ُخ ُضوًعا لو‪.‬‬

‫وقاؿ الراغب الأصبهانيّ‪ :‬الإحساف يقاؿ‪ :‬على وجهين‪:‬‬

‫[أحدبنا]‪ :‬الإنعاـ على الغير‪ ،‬يقاؿ‪ :‬أحسن إلذ فلاف‪.‬‬

‫[والثاني]‪ :‬إحساف في فعلو‪ ،‬وذلك إذا َعلِ َم عل ًما حسنًا‪ ،‬أو َع ِم َل‬
‫عملًا حسنًا‪ ،‬وعلى ىذا قولو عز وجل‪{ :‬اَلّ ِذي أَ ْح َس َن ُك َّل َش ْيٍء‬
‫َخلََقوُ} [السجدة‪ ،]ٚ :‬والإحساف أعم من الإنعاـ‪ ،‬قاؿ تعالذ‪:‬‬
‫{إِ ْف أَ ْح َسنْتُ ْم أَ ْح َسْنتُ ْم ِلأَنْػُف ِس ُك ْم} [ الإسراء‪ ،]ٚ :‬وقولو تعالذ‪:‬‬
‫{إِ َّف الَلّوَ يَأُْمُر بِالَْع ْدِؿ َواْلِإ ْح َسا ِف} [ النحل‪ ،]ٜٓ :‬فالإحساف‬
‫فوؽ العدؿ‪ ،‬وذاؾ أف العدؿ ىو أف يُعطي ما عليو‪ ،‬ويأخذ أق ّل‬
‫بفا لو ‪ ،‬والإحساف أف يُعطي أكثر بفا عليو‪ ،‬ويأخذ أق ّل بفا لو‪،‬‬

‫‪212‬‬

‫فالإحساف زائد على العدؿ‪ ،‬فتحّري العدؿ واج ٌب‪ ،‬وبرّري‬
‫الإحساف ند ٌب وتطّوع‪ ،‬وعلى ىذا قولو تعالذ‪َ{ :‬وَم ْن أَ ْح َس ُن ِدينًا‬
‫ِبَفّ ْن أَ ْسلَ َم َو ْجَهوُ لَِلِّو َوُىَو بُْؿ ِس ٌن} [ النساء‪ ،]ٕٔ٘ :‬وقولو عز‬
‫وجل‪َ { :‬وأََداءٌ إِلَْيِو بِِإ ْح َسا ٍف} [البقرة‪ ،]ٔٚٛ :‬ولذلك عظّم ا﵁‬
‫تعالذ ثواب ا﵀سنين‪ ،‬فقاؿ تعالذ‪َ { :‬وإِ َّف الَلّوَ لََم َع الْ ُم ْح ِسنِيَن}‬
‫[العنكبوت‪ ،]ٜٙ :‬وقاؿ تعالذ‪ { :‬إِ َّف الَلّوَ بُِو ُّب الْ ُم ْح ِسنِيَن}‬
‫[البقرة‪ ،]ٜٔ٘ :‬وقاؿ تعالذ‪َ { :‬ما َعلَى الْ ُم ْح ِسنِيَن ِم ْن َسبِيٍل}‬
‫[التوبة‪{ ،]ٜٔ :‬لَِلّ ِذي َن أَ ْح َسنُوا ِفي َى ِذِه الُّدنْػيَا َح َسنَةٌ} [النحل‪:‬‬

‫ٖٓ]‪ .‬انتهى ("مفردات ألفاظ القرآف" ص ‪.).ٕٖٚ - ٕٖٙ‬‬

‫قاؿ الطيبّي‪ :‬بهوز أف بُومل الإحساف ‪ -‬يعِن في ىذا ابغديث ‪-‬‬
‫على الإنعاـ‪ ،‬وذلك أف العامل ابؼرائي يُبطل عملو‪ ،‬وبُوبطو‪ ،‬فيظلم‬
‫نفسو‪ ،‬فقيل لو‪ :‬أح ِسن إلذ نفسك‪ ،‬ولا تشرؾ با﵁‪ ،‬واعبُد ا﵁‬

‫‪213‬‬

‫كأنك تراه‪ ،‬وإلا فتهلك‪ ،‬قاؿ ا﵁ تعالذ‪َ { :‬واَلّ ِذي َن بَيْ ُكُرو َف‬
‫ال َّسْيّئَا ِت بَؽُْم َع َذا ٌب َش ِديٌد} [فاطر‪ ،]ٔٓ :‬فإنها واردة في ابؼرائي‪.‬‬
‫وبهوز أف بومل على ابؼعنى الثاني ‪ -‬يعِن الإحساف في الفعل ‪-‬‬
‫وعليو قولو تعالذ‪ { :‬أَ ْح َس َن ُك َّل َش ْيٍء َخلََقوُ} [ السجدة‪،]ٚ :‬‬
‫وقولو تعالذ‪ { :‬نػَْبّْئػنَا بِتَأِْويلِِو إَِنّا نػََرا َؾ ِم َن الْ ُم ْح ِسنِيَن} [ يوسف‪:‬‬
‫‪ ،]ٖٙ‬أي آّيدين ابؼتقنين في تعبير الرؤيا‪ ،‬كأنو سأؿ جبري َل عليو‬
‫السلاـ عما يُنبئ عن الإخلاص‪ ،‬كما قاؿ ا﵁ تعالذ‪{ :‬بػَلَى َم ْن‬
‫أَ ْسلَ َم َو ْجَهوُ لَِلِّو َوُىَو بُْؿ ِس ٌن} [ البقرة‪ " .]ٕٔٔ :‬الكاشف" ٕ‪/‬‬

‫ٖٓٗ‪68‬‬

‫‪68‬البحر ا﵀يط ٔ‪ٔٓ٘-ٕٔٓ/‬‬

‫‪214‬‬

‫((قاؿ))؛ أي‪ :‬النبي صلى ا﵁ عليو وسلم ((أف تعبد ا﵁ كأنك‬
‫تراه))؛ أي‪ :‬إحساف العبادة والإخلاص فيها وابػضوع وفراغ الباؿ‬

‫حاؿ التلبس ّٔا‪ ،‬ومراقبة ابؼعبود‪.69‬‬
‫((فإف لد تكن تراه فإنو يراؾ))؛ أي‪ :‬فإف لد تكن في عبادتو‬
‫كأنك تراه بأف أغفلت عن تلك ابؼشاىدة‪ ،‬فاستمر على إحساف‬
‫العبادة‪ ،‬واستحضر أنك بين يدي ا﵁ تعالذ‪ ،‬وأنو مطلع على سرؾ‬

‫وعلانيتك؛ ليحصل لك أصل الكماؿ‪.‬‬

‫‪69‬شرح السيوطي على سنن النسائي (‪ 473 /8‬ح ‪.)5005‬‬

‫‪215‬‬

‫((قاؿ))؛ أي‪ :‬الرجل (( فأخبرني عن الساعة))؛ أي‪ :‬عن وقت‬
‫بؾيئها‪ ،‬ومَّت تقوـ‪ ،‬وابؼراد ّٔا القيامة‪ ،‬وبظيت ساعة؛ لأنها تأتي‬
‫الناس بغتة في ساعٍة‪ ،‬فيموت ابػلق كلهم مكانهم بصيحة واحدة؛‬
‫قاؿ تعالذ‪ ﴿ :‬فَػَه ْل يػَنْظُُرو َف إَِّلا ال َّسا َعةَ أَ ْف تَأْتِيَػُه ْم بػَ ْغتَةً فَػَق ْد َجاءَ‬

‫أَ ْشَراطَُها ﴾ [بؿمد‪]18 :‬؛ أي‪ :‬علاماتها‪.‬‬
‫وقسم العلماء علامات الساعة إلذ ثلاثة أقساـ‪ :‬قسم مضى‪،‬‬
‫وقسم لا يزاؿ يتجدد‪ ،‬وقسم لا يأتي إلا قرب الساعة بساًما‪ ،‬وىي‬
‫الأشراط الكبيرة العظمى؛ كنزوؿ عيسى ابن مرًن عليو السلاـ‪،‬‬

‫والدجاؿ‪ ،‬ويأجوج ومأجوج‪ ،‬وطلوع الشمس من مغرّٔا‪70‬‬

‫((قاؿ))؛ أي‪ :‬النبي صلى ا﵁ عليو وسلم ((ما ابؼسؤوؿ عنها بأعلم‬
‫من السائل))‪ ،‬قاؿ ابؼظهر‪" :‬ما" نافيةٌ‪ ،‬يعِن لست أنا أعلم منك‬

‫‪70‬تعليقات على الأربعين النووية لابن عثيمين‪.)(9‬‬

‫‪216‬‬

‫يا جبريل بعلم القيامة‪ ،‬الضمير راجع إلذ "الساعة"‪ ،‬فلا بُّد من‬
‫تقدير مضاؼ في السؤاؿ وابعواب‪ ،‬كػ"وق ٍت" وبكوه؛ إذ وجود‬

‫الساعة وبؾيؤىا مقطوع بو‪ ،‬وإبما يُسأؿ عن وقتها‪ ،‬كقولو تعالذ‪:‬‬
‫{يَ ْسأَلُونَ َك َع ِن ال َّسا َعِة أََيّا َف ُمْر َسا َىا (ٕٗ) فِي َم أَنْ َت ِم ْن ِذ ْكَرا َىا‬
‫(ٖٗ)} [النازعات‪ ،]ٖٗ - ٕٗ :‬أي‪ :‬في أ ّي شيء أنت من أف‬
‫تذكر وقتها بؽم؟ يعِن ما أنت من ذكراىا بؽم وبتبيين وقتها في‬

‫شيء‪.‬‬

‫وزاد في حديث أِب ىريرة‪ ،‬وأِب ذّر ‪ -‬رضي ا﵁ عنهما ‪ -‬عند‬
‫النسائ ّي‪" :‬قاؿ‪ :‬فن ّكس‪،‬‬

‫فلم بُهبو شيئًا‪ ،‬ثم أعاد‪ ،‬فلم بُهبو شيئًا‪ ،‬ثم أعاد‪ ،‬فلم بهبو شيئًا‪،‬‬
‫ورفع رأسو‪ ،‬فقاؿ‪ :‬ما ابؼسئوؿ ‪( " ...‬بِأَ ْعلَ َم) ىذا وإف كاف مشعًرا‬
‫بالتساوي في العلم‪ ،‬لكن ابؼراد التساوي في العلم بأف ا﵁ تعالذ‬

‫‪217‬‬

‫استأثر بعلمها؛ لقولو بع ُد‪" :‬في بطس لا يعلمها إلا ا﵁"‪ ،‬ونظير‬
‫ىذا قولو عند النسائ ّي في ح ّق جبريل عليو السلاـ‪ " :‬ما كنت‬
‫بأعلم بو من رجل منكم"‪ ،‬فإف ابؼراد أي ًضا التساوي في عدـ العلم‬
‫بو‪ ،‬وفي حديث ابن عباس رضي ا﵁ تعالذ عنهما‪ :‬فقاؿ‪" :‬سبحاف‬

‫ا﵁‪ ،‬بطس من الغيب‪ ،‬لا يعلمهن إلا ا﵁‪ ،‬ثم تلا الآية"‪.‬‬

‫وقاؿ الطيبّي‪[ :‬فإف قلت]‪ :‬لفظة "أعلم" مشعرةٌ بوقوع الاشتراؾ في‬
‫العلم‪ ،‬وأحدبنا أزيد من الآخر‪ ،‬وبنا متساوياف في انتفاء العلم‬

‫منهما‪.‬‬

‫[فابعواب]‪ :‬أنو ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬نفى أف يكوف صابغًا‬
‫لأف يُسأؿ عنو على سبيل الكناية؛ بؼا ُعرؼ أف ابؼسئوؿ في ابعملة‬
‫ينبغي أف يكوف أعلم من السائل‪ ،‬فهو من باب قولو تعالذ‪َ { :‬وَلا‬

‫َشِفيٍع يُطَاعُ} [غافر‪.]ٔٛ :‬‬

‫‪218‬‬

‫ويقاؿ‪ :‬إنو ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬نفى عن نفسو العلم‬
‫بابؼسئوؿ عنو بوجو خا ّص‪.‬‬

‫تلخيصو أنّا متساوياف في أنّا نعلم أف للساعة بؾيئًا في وقت ما من‬
‫الأوقات‪ ،‬وذلك ىو العلم ابؼشترؾ بيننا‪ ،‬ولا مزيد للمسئوؿ على‬
‫ىذا العلم حَّت يتعّين عنده ابؼسئوؿ عنو‪ ،‬وىو الوقت ابؼتعّين الذي‬
‫يتحّقق فيو بؾيء الساعة‪ .‬انتهى (" الكاشف" ٕ‪- ٖٗٔ /‬‬

‫ٕٖٗ‪.).‬‬
‫(ِم َن ال َّسائِِل) إبما عدؿ عن قولو‪ :‬لست بأعلم ّٔا منك‪ ،‬إلذ لف ٍظ‬
‫يُشعر بالتعميم؛ تعري ًضا للسامعين‪ :‬أي أف كل مسئوؿ‪ ،‬وكل‬

‫سائل‪ ،‬فهو كذلك‪.‬‬

‫‪219‬‬

‫وابغاصل أف أصل الكلاـ أف يقاؿ‪ :‬لست بأعلم ّٔا منك‪ ،‬لكن‬
‫ُع ِدؿ عنو إلذ ما عليو؛ لإفادة التعميم‪ ،‬وذلك أف الأجوبة الثلاثة‬
‫على خطاب جبريل عليو السلاـ كانت تعري ًضا للسامعين على‬
‫طريقة ابػطاب العاّـ‪ ،‬بكو قولو تعالذ‪ { :‬لَئِ ْن أَ ْشَرْك َت لَيَ ْحبَطَ َّن‬
‫َع َملُ َك} [ الزمر‪ ،]ٙ٘ :‬ولو أُجري على ذلك الأسلوب لقيل‪:‬‬
‫لس ُت بأعلم منك‪ ،‬ولد يُفد فائدة العموـ؛ لأف ابؼعنى ك ُّل مسئوؿ‬

‫عنو وسائٍل أِيّا ما كاف فهو داخ ٌل في ىذا العموـ‪.‬‬

‫وزاد في رواية أِب نعيم في "ابؼستخرج"‪" :‬فقاؿ لو‪ :‬صدقت"‪.‬‬

‫[فائدة]‪ :‬ىذا السؤاؿ وابعواب‪ ،‬وقع بين عيسى ابن مرًن وجبريل‬

‫عليهم الصلاة والسلاـ‪ ،‬لكن كاف عيسى سائلًا‪ ،‬وجبريل مسؤوًلا‪،‬‬
‫قاؿ ابغميدي‪ ،‬في " نوادره"‪ :‬حدثنا سفياف‪ ،‬حدثنا مالك بن‬
‫ِمغْوؿ‪ ،‬عن إبظاعيل بن رجاء‪ ،‬عن الشعبي‪ ،‬قاؿ‪ :‬سأؿ عيسى ابن‬

‫‪220‬‬

‫مرًن جبريل‪ ،‬عن الساعة؟ قاؿ‪ :‬فانتفض بأجنحتو‪ ،‬وقاؿ‪ :‬ما‬
‫ابؼسئوؿ أعنها بأعلم من السائل"‪ .‬ذكره في "الفتح" ("الفتح" ٔ‪/‬‬

‫‪71.)ٔٙٙ‬‬

‫قاؿ النووي ‪ -‬ربضو ا﵁ ‪ :-‬فيو أنو ينبغي للعالد وابؼفتي وغيربنا إذا‬
‫سئل عما لا يعلم أف يقوؿ‪ :‬لا أعلم‪ ،‬وأف ذلك لا ينقصو‪ ،‬بل‬

‫يُست َدُّؿ بو على ورعو وتقواه‪ ،‬ووفور علمو‪.72‬‬
‫((قاؿ))؛ أي‪ :‬الرجل‪ (( :‬فأخبرني عن أمارتها))؛ أي‪ :‬علاماتها‬

‫ومقدمتها قبل قيامها‪ ،‬تدؿ على قرّٔا‪،‬‬

‫وفي حديث أِب ىريرة‪" :‬عن أشراطها"‪ ،‬وىو ‪ -‬بفتح ابؽمزة ‪ -‬بصع‬
‫َشَر َط ‪ -‬بفتحتين ‪ -‬كَقلَم وأَقْلاـ‪ :‬ىي الأمارات‪ ،‬والعلامات‪،‬‬

‫‪71‬البحر ا﵀يط ٔ‪ٔٓٛ-ٔٓٙ/‬‬
‫‪72‬شرح مسلم للنووي (‪ 142 /1‬ح ‪.)8‬‬

‫‪221‬‬

‫ومنو قولو تعالذ‪ { :‬فَػَق ْد َجاءَ أَ ْشَراطَُها} [ بؿمد‪ ]ٔٛ :‬ؤّا بُظّي‬
‫ال ُّشَرط؛ لأنهم يُعلّموف أنفسهم بعلامات يُعرفوف ّٔا‪.‬‬

‫وقاؿ القرطبي‪ :‬علامات الساعة على قسمين‪ :‬ما يكوف من نوع‬
‫ابؼعتاد‪ ،‬أو غيره‪ ،‬وابؼذكور ىنا الأوؿ‪ ،‬وأما الغير‪ :‬مثل طلوع‬
‫الشمس من مغرّٔا‪ ،‬فتلك مقارنة بؽا‪ ،‬أو مضايقة‪ ،‬وابؼراد ىنا‬

‫العلامات السابقة على ذلك‪.‬‬

‫[تنبيو]‪ :‬ىكذا في حديث عمر ‪ -‬رضي ا﵁ عنو ‪ -‬أف السائل قاؿ‬
‫لو ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪" :-‬فأخبرني عن أمارتها"‪ ،‬وفي حديث‬
‫أِب ىريرة ‪ -‬رضي ا﵁ عنو ‪ -‬الآتي‪" :‬وسأح ّدثك عن أشراطها"‪،‬‬
‫وعند البخاري في " التفسير"‪ " :‬ولكن سأحدثك"‪ ،‬وفي بعض‬

‫الروايات‪" :‬ولكن بؽا علامات‪ ،‬تعرؼ ّٔا"‪.‬‬

‫‪222‬‬

‫وبهمع بين ىذه الاختلافات بأنو ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬ابتدأ‬
‫بقولو‪" :‬وسأخبرؾ"‪ ،‬فقاؿ لو السائل‪" :‬فأخبرني"‪ ،‬ويدؿ على ذلك‬
‫روايةٌ عند البخاري بلفظ‪" :‬ولكن إف شئت‪ ،‬نبأتك عن أشراطها‪،‬‬

‫قاؿ‪ :‬أجل"‪ ،‬وبكوه في حديث ابن عباس‪ ،‬وزاد‪" :‬فحدثِن"‪.‬‬

‫ويُستفاد من اختلاؼ الروايات‪ :‬أف التحديث‪ ،‬والإخبار‪ ،‬والإنباء‪،‬‬
‫بدعنى واحد‪ ،‬وإبما غاير بينها أىل ابغديث اصطلا ًحا ("الفتح" ٔ‪/‬‬

‫‪73.).ٔٙٙ‬‬

‫((قاؿ))؛ أي‪ :‬النبي صلى ا﵁ عليو وسلم بؾيبًا لو عن ذلك‪(( ،‬أف‬
‫تَلَِد الأَمة ربتها))‪ ،‬وفي حديث أِب ىريرة ‪ -‬رضي ا﵁ عنو ‪ -‬الآتي‬
‫بلفظ‪" :‬إذا ولدت الأمة رّٔا"‪ ،‬بالتذكير‪ ،‬قاؿ في "الفتح"‪ :‬وزاد في‬
‫رواية بؿمد بن بشر‪" :‬يعِن السراري"‪ ،‬وفي رواية عمارة بن القعقاع‪:‬‬

‫‪73‬البحر ا﵀يط ٔ‪١٠٩-١٠٨/‬‬

‫‪223‬‬

‫"إذا رأيت ابؼرأة تلد رّٔا"‪ ،‬وبكوه لأِب فَػْرَوة‪ ،‬وفي رواية عثماف بن‬
‫غياث‪ " :‬الإماء أربأّن" بلفظ ابعمع‪ ،‬وابؼراد بالرب‪ :‬ابؼالك‪ ،‬أو‬

‫السيد‪74.‬‬
‫قيل‪ :‬ابؼراد أف يستولر ابؼسلموف على بلاد الكفار‪ ،‬فيكثر التسري‪،‬‬
‫فيكوف ولد الأَمة من سيدىا بدنزلة سيدىا؛ لشرفو بأبيو‪ ،‬وعلى ىذا‬
‫فالذي يكوف من أشراط الساعة استيلاء ابؼسلمين على ابؼشركين‪،‬‬
‫وكثرة الفتوح والتسري‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه‪ :‬أف تفسد أحواؿ الناس حَّت‬
‫يبيع السادة أمهات أولادىم‪ ،‬ويكثر تردادىن في أيدي ابؼشترين‪،‬‬
‫فربدا اشتراىا ولدىا ولا يشعر بذلك‪ ،‬فعلى ىذا الذي يكوف من‬
‫أشراط الساعة غلبةُ ابعهل بتحرًن بيعهن‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه‪ :‬أف يكثر‬

‫‪74‬البحر ا﵀يط ٔ‪ٕٔٔ/‬‬

‫‪224‬‬

‫العقوؽ في الأولاد‪ ،‬فيعامل الولد أمو معاملة السيد أََمتَو من الإىانة‬
‫والسب‪.75‬‬

‫((وأف ترى ابغفاة)) بصع حا ٍؼ‪ ،‬وىو َمن لا نعل لو‪(( ،‬العراة))‬
‫بصع عا ٍر‪ ،‬وىو َمن لا شيء على جسده‪ ،‬وابؼراد ىنا‪ :‬من ليس‬
‫عليو ثياب أشراؼ الناس‪(( ،‬العالة)) قاؿ النووي ربضو ا﵁‪ :‬أما‬

‫العالة فهم الفقراء‪ ،‬والعائل الفقير‪ ،‬والَعيلة الفقر‪76‬؛ اىػ‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬العالة‪ :‬بصع عائل‪ ،‬وىو الفقير‪ ،‬أو من عاؿ يعوؿ إذا افتقر‬

‫وكثر عيالو‪77‬؛ اىػ‪.‬‬

‫‪75‬شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (‪ ،)11‬فتح الباري (‪ 149 /1‬ح ‪.)50‬‬
‫‪76‬شرح مسلم للنووي (‪ 142 /1‬ح ‪.)8‬‬
‫‪77‬برفة الأحوذي (‪ 292 /7‬ح ‪.)2738‬‬

‫‪225‬‬

‫((رعاء الشاء)) بصع راٍع‪ ،‬وابؼراد الأعراب وأصحاب البوادي‪ .‬وفي‬
‫حديث أِب ىريرة ‪ -‬رضي ا﵁ عنو ‪ -‬الآتي‪ " :‬إذا رأيت الّْرَعاء‬

‫البهم"‪ ،‬وعند البخار ّي‪" :‬وإذا تطاوؿ رعاة الإبل البهم"‪.‬‬
‫وزاد في رواية ابن حبّاف‪ " :‬قاؿ‪ :‬ما العالة ابغفاة العراة؟ قاؿ‪:‬‬

‫الْعَُريب"‪.‬‬
‫((يتطاولوف في البنياف)) قاؿ النووي ربضو ا﵁‪ :‬إف أىل البادية‬
‫وأشباىهم من أىل ابغاجة والفاقة تبسط بؽم الدنيا حَّت يتباىوف‬
‫في البنياف؛ اىػ‪ ،‬وتكثر أموابؽم وتػنصرؼ بنمهم إلذ تشييد البنياف‬
‫وزخرفتو‪ ،‬حَّت إنهم يتباىوف ويتفاخروف بو‪ ،‬فيقوؿ الواحد منهم‬
‫لصاحبو‪ :‬بنياني أطوؿ من بنيانك‪ ،‬ويقوؿ الآخر‪ :‬بنياني أحسن من‬
‫بنيانك‪ ،‬يقولوف ذلك عجبًا وكبًرا‪ ،‬فقد قاؿ النبي صلى ا﵁ عليو‬
‫وسلم‪ (( :‬يؤجر ابن آدـ في كل شيء إلا ما دفعو في ىذا‬

‫‪226‬‬

‫التراب))‪ ،78‬وقاؿ‪(( :‬يؤجر الرجل في نفقتو كلها إلا التراب‪ ،‬أو‬
‫قاؿ‪ :‬في البناء))‪79‬‬

‫واعلم أف إطالة البنياف لد تكن معروفة في زمن النبي صلى ا﵁ عليو‬
‫وسلم‪ ،‬بل كاف بنيانهم بقدر ابغاجة‪ ،‬وعن ابغسن البصري ‪ -‬ربضو‬
‫ا﵁ ‪ -‬أنو قاؿ‪ :‬كنت وأنا مراىق أدخل بيت أزواج النبي صلى ا﵁‬

‫عليو وسلم في خلافة عثماف‪ ،‬فأتناوؿ سقفها بيدي‪.‬‬

‫قاؿ عمر رضي ا﵁ عنو‪(( :‬ثم انطلق))؛ أي‪ :‬ذىب الرجل السائل‬
‫((فلبث ُت))؛ أي‪ :‬مكثت لا أدري من الرجل ((ملِيّا))؛ أي‪ :‬زمنًا‬
‫طويلًا‪ ،‬وىو ثلاثة أياـ‪ ،‬كما في رواية الترمذي والنسائي وابن ماجو‬
‫وغيربنا‪ ،‬وفي شرح السنة للبغوي ( بعد ثالثة)‪ 80،‬وظاىر ىذا‪ :‬أنو‬

‫‪78‬رواه البخاري (‪.)5240‬‬
‫‪79‬رواه الترمذي (‪.)2483‬‬
‫‪80‬الترمذي (‪ ،)2610‬النسائي (‪ )5005‬ابن ماجو (‪.)63‬‬

‫‪227‬‬

‫بعد ثلاث لياؿ ((ثم قاؿ))؛ أي‪ :‬النبي صلى ا﵁ عليو وسلم ((يا‬

‫عمر‪ ،‬أتدري))؛ أي‪ :‬أتعرؼ (( من السائل؟( ولأِب نعيم في‬

‫"ابؼستخرج"‪" :‬ثم ذىب‪ ،‬فقاؿ عمر‪ :‬ولَبِ َث ملِيّا‪ ،‬ثم لقي ُت رسوؿ‬
‫ا﵁ ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬قاؿ‪ :‬يا عمر ىل بُزبروني عن‬
‫السائل؟ " ‪ ( ،‬قػُلْ ُت‪ :‬ا﵁ُ َوَر ُسولُوُ أَ ْعلَ ُم‪ ،‬قَا َؿ‪ " :‬فَِإَنّوُ ِجْبِري ُل أَتَا ُك ْم‬
‫يػَُعْلّ ُم ُك ْم ِدينَ ُك ْم"‪ ،‬قَا َؿ) ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ ( :-‬فَِإَنّوُ) أي‬
‫السائل ( ِجْبِري ُل) ولأِب نعيم‪" :‬ذلك جبريل عليو السلاـ" ( أَتَا ُك ْم‬
‫يػَُعْلّ ُم ُك ْم ِدينَ ُك ْم) وفي رواية النسائ ّي‪" :‬ليعلّمكم أمر دينكم"‪ :‬أي‬
‫قواعد دينكم‪ ،‬أو كلّيّات دينكم‪ .‬وفي حديث أِب ىريرة ‪ -‬رضي‬

‫ا﵁ عنو ‪ -‬الآتي‪" :‬ىذا جبريل جاء ليعلّم الناس دينهم"‪.‬‬

‫وللإبظاعيلي‪" :‬أراد أف تعلموا‪ ،‬إذ لد تسألوا"‪ ،‬وفي رواية للنسائ ّي‪:‬‬
‫"والذي بعث بؿم ًدا بابغق‪ ،‬ما كنت بأعلم بو من رجل منكم‪،‬‬

‫‪228‬‬

‫وإنو بعبريل"‪ ،‬وفي حديث أِب عامر‪" :‬ثم َوَلّذ‪ ،‬فلما لد نَر طريقو‪،‬‬
‫قاؿ النبي ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ :-‬سبحاف ا﵁‪ ،‬ىذا جبريل‪،‬‬
‫جاء ليعلم الناس دينهم‪ ،‬والذي نفس بؿمد بيده‪ ،‬ما جاءني قط‪،‬‬
‫إلا وأنا أعرفو إلا أف تكوف ىذه ابؼرة"‪ ،‬وفي رواية سليماف التيمي‪:‬‬
‫"ثم نػََهض‪ ،‬فَوَلّذ‪ ،‬فقاؿ رسوؿ ا﵁ ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ :-‬عل َّي‬
‫بالرجل‪ ،‬فطلبناه ُك َّل َمطْلَ ٍب‪ ،‬فلم نػَْق ِدر عليو‪ ،‬فقاؿ‪ :‬ىل تدروف‬
‫من ىذا؟ ىذا جبريل‪ ،‬أتاكم ليعلمكم دينكم‪ ،‬خذوا عنو‪ ،‬فوالذي‬
‫نفسي بيده‪ ،‬ما ُشْبّو عل ّي منذ أتاني‪ ،‬قبل مرتي ىذه‪ ،‬وما عرفتو‬
‫حَّت َوَلّذ"‪ ،‬قاؿ ابن حباف تفرد سليماف التيمي بقولو‪ " :‬خذوا‬

‫عنو"‪.‬‬

‫‪229‬‬

‫قاؿ ابغافظ‪ :‬وىو من الثقات الأثبات‪ ،‬وفي قولو‪ " :‬جاء ليعلم‬
‫الناس دينهم"‪ :‬إشارة إلذ ىذه الزيادة‪ ،‬فما تفرد إلا بالتصريح‪81.‬‬

‫وبزصيص عمر بالنداء من بين ابغاضرين يدؿ على جلالتو ورفعة‬
‫مقامو عند رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم‪)) ،‬قلت‪ :‬ا﵁ ورسولو‬
‫أعلم)) ولا بىفى ما في قوؿ عمر ((ا﵁ ورسولو أعلم)) من حسن‬
‫أدب‪ ،‬من جهة تفويض العلم إليهما‪ ،‬ويؤخذ منو أف التلميذ إذا‬
‫سألو شيخو عن شيء ىل يعلمو أـ لا‪ ،‬لا يقوؿ‪ :‬أعلم؛ لأنو إف‬
‫لد يعلمو فقد كذب‪ ،‬وإف علمو حرـ من بركة لفظ أستاذه‪ ،‬ومن‬

‫فائدة يستفيدىا زيادة على ما عنده‪ ،‬بل يقوؿ‪ :‬ا﵁ أعلم‪.‬‬

‫((قاؿ))؛ أي‪ :‬النبي صلى ا﵁ عليو وسلم (( فإنو جبريل أتاكم‬
‫يعلمكم دينكم))؛ أي‪ :‬يبين لكم أمر دينكم بسؤالو‪.‬‬

‫‪81‬البحر ا﵀يط ٔ‪ٔٔٚ-ٔٔٙ/‬‬

‫‪230‬‬

‫والله تعالى أعلم بالصواب‪ ،‬وإليه المرجع والمآب‪ ،‬وهو‬

‫المستعان‪ ،‬وعليه التكلان‪.‬‬

‫الفَائذهي الحذيج‪:‬‬

‫(‪ )1‬الإبياف قوؿ وعمل ونيّة ‪ .‬فهو قوؿ باللساف ‪ ،‬وتصديق‬
‫بابعَنَاف (اعتقاد جازـ بالقلب) ‪ ،‬وعمل بالأركاف (يعِن ابعوارح ) ‪،‬‬

‫وىذه كلها اشتمل عليها ىذا ابغديث ‪.‬‬
‫(‪ )2‬وجاء في بعض روايات ىذا ابغديث‪ 82‬في أولو ‪ ":‬كاف رسوؿ‬
‫ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم بهلس بين أصحابو فيجيء الغريب فلا‬
‫يدري أيهم ىو ‪ ,‬فطلبنا إليو أف بقعل لو بؾلسا يعرفو الغريب إذا‬

‫أتاه ‪ ,‬قاؿ ‪ :‬فبنينا لو دكانا من طين كاف بهلس عليو "‪.‬‬

‫‪82‬أبو داود في السنّة (‪ ،)4698‬والنسائي في الإبياف وشرائعو (‪ ،)4991‬ولو في الكبرى برقم (‪ ،)11722‬عن‬
‫أِب ذر وأِب ىريرة معا‪.‬‬

‫‪231‬‬

‫استنبط منو الإماـ القرطبي استحباب جلوس العالد بدكاف بىتص‬
‫بو ويكوف مرتفعا إذا احتاج لذلك لضرورة تعليم وبكوه ‪.‬‬

‫(‪ )3‬وفيو إجابة السائل بأكثر بفا سأؿ ‪.‬‬

‫(‪ )4‬السؤاؿ عن العلم النافع في الدنيا والآخرة ‪ ،‬وترؾ السؤاؿ عما‬
‫لا فائدة فيو ‪.‬‬

‫(‪ )5‬قاؿ القاضي عياض‪ ":‬وفي بصلة حديث السائل من الفقو ‪...‬‬
‫أمر العالد الناس سؤالو عما بوتاجوف إليو ليُبيّنو بؽم ‪ ،‬وأنهم إف لد‬
‫بوسنوا السؤاؿ ابتدأ التعليم من قبل نفسو ؛ كما فعل جبريل ‪ ،‬أو‬

‫بهعل من يسأؿ فيجيب بدا يلزمهم علمو "‪83.‬‬

‫(‪ )6‬التعليم عن طريق السؤاؿ ‪ :‬طريقة السؤاؿ وابعواب‪ ،‬من‬
‫الأساليب التربوية الناجحة قدبياً وحديثاً‪ ،‬وقد تكررت في تعليم‬

‫‪83‬إكوال الوعلن بفوائد هسلن ‪215/1‬‬

‫‪232‬‬

‫النبي صلى ا﵁ عليو وسلم لأصحابو في كثير من الأحاديث‬
‫النبوية؛ بؼا فيها من لفت انتباه السامعين وإعداد أذىانهم لتلقي‬

‫ابعواب الصحيح‪.‬‬

‫كما ينبغي بؼن حضر بؾلس علم‪ ،‬ورأى أف ابغاضرين بحاجة إلذ‬
‫معرفة مسألة ما‪ ،‬ولد يسأؿ عنها أحد‪ ،‬أف يسأؿ ىو عنها ػ وإف‬

‫كاف ىو يعلمها ػ لينتفع أىل آّلس بابعواب‪.‬‬

‫فقد كاف غرض جبري َل عليو السلاـ من أسئلتو ىذه أف يتعلم‬
‫ابؼسلموف ‪ ،‬وىذا ما بينو النبُّي َصَلّى الَلّوُ َعلَيِْو َو َسَلّ َم بقولو ‪ :‬فَِإَنّوُ‬

‫ِجْبِري ُل أتاكم يػَُعْلّ ُم ُك ْم ِدينَ ُك ْم ‪.‬‬
‫وفي رواية أِب ىريرة عند البخاري ومسلم‪َ :‬ى َذا ِجْبِري ُل أََراَد أَ ْف‬

‫تَػَعَلّ ُموا إِْذ لَدْ تَ ْسأَلُوا‪.‬‬

‫‪233‬‬

‫وىذا الأسلوب يعتبر من أبرز الأساليب التي اتبعها سي ُدنا رسوؿ‬
‫ا﵁ َصَلّى الَلّوُ َعلَيِْو َو َسَلّ َم في تعليم الصحابة الكراـ رضي ا﵁ عنهم‬
‫ونضرب مثالا ‪ :‬عن أِب ىريرة أف رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم‬
‫قاؿ أتدروف ما ابؼفلس قالوا ابؼفلس فينا من لا درىم لو ولا متاع‬
‫فقاؿ إف ابؼفلس من أمتي يأتي يوـ القيامة بصلاة وصياـ وزكاة‬
‫ويأتي قد شتم ىذا وقذؼ ىذا وأكل ماؿ ىذا وسفك دـ ىذا‬
‫وضرب ىذا فيعطى ىذا من حسناتو وىذا من حسناتو فإف فنيت‬
‫حسناتو قبل أف يُقضى ما عليو أخذ من خطاياىم فطرحت عليو‬

‫ثم طرح في النار "‪84‬‬

‫‪84‬أخزج الإهام هسلن فً البز والصلة (‪ )2581‬والتزهذي فً صفة القٍاهة رقن (‪. )2418‬‬

‫‪234‬‬

‫(‪ )7‬وفي قولو " حَّت جلس إلذ النبي صلى ا﵁ عليو وسلم فأسند‬
‫ركبتيو إلذ ركبتيو ووضع كفيو على فخذيو " دليل على لزوـ تأدب‬

‫ابؼتعلم بين يدي من يتعلم منو ‪.‬‬

‫(‪ )8‬وفيو إشارة بؼا ينبغي للمسئوؿ من التواضع والصفح عما يبدو‬
‫من جفاء السائل ؛ لصنيعو ابؼتقدـ في جلوسو ‪ ،‬ولتخطيو الرقاب‬
‫حَّت جلس إلذ النبّي صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ ،‬ولكونو ناداه بابظو‬

‫مادا صوتو ‪.‬‬
‫(‪ )9‬وفيو أنو ينبغى للعالد أف يرفق بالسائل ويُْدنِيو منو ليتمكن من‬

‫سؤالو غير ىائب ولا منقبض ‪ ،‬قالو النووي‪.85‬‬

‫(‪ )10‬وقاؿ النووي أيضا‪ ":‬وينبغى للسائل حسن الأدب بين‬
‫يدي معلمو ‪ ،‬وأف يرفق في سؤالو ‪.‬‬

‫‪85‬شزح النووي على صحٍح هسلن ‪ :‬شزح الحدٌث رقن (‪)8‬‬

‫‪235‬‬

‫(‪ )11‬في ىذا ابغديث دليل على مشروعية الصلاة والصوـ‬
‫والزكاة وابغج ‪.‬‬

‫(‪)12‬وفي قولو ‪":‬وتصوـ رمضاف" دليل على جواز قوؿ رمضاف من‬
‫غير إضافة شهر إليو‪.86‬‬

‫(‪ )13‬وجوب الإبياف با﵁ وملائكتو وكتبو ورسلو واليوـ الآخر ‪،‬‬
‫وبالقدر خيره وشره ُحلْ ِوه وُمّْره من ا﵁ تعالذ ‪.‬‬

‫(‪ )14‬وكأف ابغكمة في إعادة لفظ " وتؤمن " عند ذكر البعث‬
‫الإشارة إلذ أنو نوع آخر بفا يؤمن بو ‪ ,‬لأف البعث سيوجد بعد ‪,‬‬
‫وما ذكر قبلو موجود الآف ‪ ,‬وللتنويو بذكره لكثرة من كاف ينكره‬

‫من الكفار ‪ ,‬وبؽذا كثر تكراره في القرآف‪.‬‬

‫‪86‬فتح الباري شزح الحدٌث رقن (‪. )50‬‬

‫‪236‬‬

‫(‪ )15‬وىكذا ابغكمة في إعادة لفظ " وتؤمن " عند ذكر القدر‬
‫كأنها إشارة إلذ ما يقع فيو من الاختلاؼ ‪ ,‬فحصل الاىتماـ‬
‫بشأنو بإعادة تؤمن ‪ ,‬ثم قرره بالإبداؿ بقولو " خيره وشره " ‪ ،‬ثم‬

‫زاده تأكيدا بقولو في رواية أخرى " من ا﵁ "‪.‬‬

‫(‪ )16‬ودؿ الإبصاؿ في ابؼلائكة والكتب والرسل على الاكتفاء‬
‫بذلك في الإبياف ّٔم من غير تفصيل ‪ ,‬إلا من ثبت تسميتو‬

‫فيجب الإبياف بو على التعيين‪.‬‬

‫(‪ )17‬ظاىر السياؽ يقتضي أف الإبياف لا يطلق إلا على من‬
‫صدؽ بجميع ما ذكر‪.‬‬

‫فلا يصح إبياف من فاتو أح ُد ىذه الأركاف ‪ ،‬والنبُّي َصَلّى الَلّوُ َعلَْيِو‬
‫َو َسَلّ َم عندما سألو جبريل عن معنى الإبياف لد بهتزئ بذكر بعضها‬

‫‪237‬‬

‫‪ ،‬وإبما ذكرىا أبصع ‪ ،‬وفي ىذا دليل على ُكليّة الإبياف ؛ أي أنو‬
‫ك ّلّ لا يتجزأ ‪.‬‬

‫يعنى أف من آمن با﵁ ‪ ،‬ولد يؤمن بالرسل ولد يصدقهم ‪ ،‬لا يصح‬
‫إبيانو ولا يعتبر مؤمنا‪.‬‬

‫ومن آمن بابؼلائكة ‪ ،‬ولد يؤمن باليوـ الآخر ‪ ،‬لا يعتبر مؤمنا ‪.‬‬

‫وإبما يكوف مؤمنا إذا بصع الإبياف بالأركاف كلها ‪.‬‬

‫(‪ )18‬في ابغديث دلالة على وجوب إخلاص العمل ‪ ،‬وأف نبتغي‬
‫بو وجو ا﵁ تعالذ ‪ ،‬ويؤخذ من بيانو بؼعنى الإحساف ‪ ":‬أَ ْف تَػْعبَُد‬

‫الَلّوَ َكأََنّ َك تَػَراهُ "‪.‬‬
‫(‪ )19‬وفي قولو ‪ ":‬أَ ْف تَػْعبَُد الَلّوَ َكأََنّ َك تَػَراهُ " بياف للزوـ مراعاة‬

‫آداب العبودية ﵁ تعالذ‬

‫‪238‬‬

‫(‪ )20‬وفي ابغديث وجوب مراقبة ا﵁ تعالذ ‪ .‬قاؿ تعالذ { واعلموا‬

‫أف ا﵁ يعلم ما في أنفسكم فاحذروه }( سورة البقرة الآية ‪.)235‬‬

‫وقاؿ جل ثناؤه ‪ { :‬إف ا﵁ كاف عليكم رقيبا }( سورة النساء‬
‫الآية ‪. )1‬وقاؿ تقدست أبظاؤه { َوَما تَ ُكو ُف ِفي َشأْ ٍف َوَما تَػتْػلُو ِمْنوُ‬
‫ِم ْن قػُْرءَا ٍف َولا تَػْع َملُو َف ِم ْن َع َم ٍل إِلا ُكَنّا َعلَيْ ُك ْم ُشُهوًدا إِْذ تُِفي ُضو َف‬
‫فِيِو َوَما يػَْعُز ُب َع ْن َرْبّ َك ِم ْن ِمثْػَقاِؿ َذَّرةٍ ِفي الأَْر ِض َولا ِفي ال َّس َماِء‬
‫َولا أَ ْصغََر ِم ْن ذَلِ َك َولا أَ ْكبَػَر إِلا ِفي كِتَا ٍب ُمبِيٍن }( سورة يونس‬

‫الآية ‪. )61‬‬

‫(‪ )21‬في قولو صلى ا﵁ عليو وسلم بؼا سئل عن الساعة ‪َ :‬ما‬
‫الْ َم ْسئُوُؿ َعنْػَها بِأَ ْعلَ َم ِم َن ال َّسائِِل " خفاء وقت الساعة عن بصيع‬
‫ابػلق ‪ ،‬فعلمها عند ا﵁ ‪ ،‬وىي من بصلة ما استأثر ا﵁ بعلمو ‪،‬‬

‫ومفاتح الغيب بَطْ ٍس لا يػَْعلَ ُمُه َّن إِلا الَلّوُ تعالذ ‪ ،‬قاؿ تعالذ ‪ {:‬إِ َّف‬

‫‪239‬‬

‫الَلّوَ ِعنْ َدهُ ِعْل ُم ال َّسا َعِة َويػُنَػّْزُؿ الْغَْي َث َويػَْعلَ ُم َما ِفي الأَْرَحاِـ َوَما‬
‫تَْد ِري نػَْف ٌس َما َذا تَ ْك ِس ُب َغ ًدا َوَما تَْد ِري نػَْف ٌس بِأَ ّْي أَْر ٍض بَسُو ُت إِ َّف‬

‫الَلّوَ َعلِي ٌم َخبِيرٌ }( سورة لقماف الآية ‪. )34‬‬

‫وعن ابن عمر عن النبي صلى ا﵁ عليو وسلم قاؿ أوتيت مفاتيح‬

‫كل شيء إلا ابػمس {إف ا﵁ عنده علم الساعة ‪ ،‬وينػزؿ الغيث ‪،‬‬

‫ويعلم ما في الأرحاـ ‪ ،‬وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ‪ ،‬وما‬

‫تدري نفس بأي أرض بسوت إف ا﵁ عليم خبير }( رواه أبضد في‬

‫ابؼسند برقم (‪.))5554‬‬

‫(‪ )22‬في قولو " َما الْ َم ْسئُوُؿ َعْنػَها بِأَ ْعلَ َم ِم َن ال َّسائِِل " دليل على‬
‫جواز التعريض في الكلاـ ؛ فقد عدؿ عن قولو لست بأعلم ّٔا‬

‫منك إلذ لفظ يشعر بالتعميم تعريضا للسامعين ‪ ,‬أي أف كل‬

‫مسئوؿ وكل سائل فهو كذلك‬

‫‪240‬‬

‫(‪ )23‬فيو دلالة على فساد الزمن بين يدي الساعة ‪ ،‬حيث‬
‫تضعف الأخلاؽ‪ ،‬ويكثر عقوؽ الأولاد وبـالفتهم لآبائهم‬

‫فيعاملونهم معاملة السيد لعبيده‪.‬‬
‫وتنعكس الأمور وبزتلط ‪ ،‬حَّت يصبح أسافل الناس ملوؾ الأمة‬
‫ورؤساءىا‪ ،‬وتسند الأمور لغير أىلها‪ ،‬ويكثر ابؼاؿ في أيدي الناس‪،‬‬
‫ويكثر البذخ وال َّسرؼ‪ ،‬ويتباىى الناس بعلو البنياف‪ ،‬وكثرة ابؼتاع‬
‫والأثاث‪ ،‬ويُتعالذ على ابػلق وبيلك أمرىم من كانوا في فقر‬

‫وبؤس‪ ،‬يعيشوف على إحساف الغير من البدو والرعاة وأشباىهم‪.‬‬
‫(‪ )24‬في قولو " أف تلد الأمة ربتها " وفي لفظ " رّّٔا " جواز‬

‫إطلاؽ الرب على السيد ابؼالك ‪ ،‬أو ابؼرِب‬

‫‪241‬‬

‫(‪ )25‬وفيو بياف قدرة ابؼلك على التمثل بالصورة البشرية ‪ ،‬وفيو‬
‫أيضا جواز رؤية ابؼلك أو بظاع كلامو ‪ .‬قاؿ ابغافظ ابن حجر ‪":‬‬
‫وفيو أف ابؼلك بهوز أف يتمثل لغير النبي صلى ا﵁ عليو وسلم فيراه‬
‫ويتكلم بحضرتو وىو يسمع ‪ ,‬وقد ثبت عن عمراف بن حصين أنو‬
‫كاف يسمع كلاـ ابؼلائكة "‪ .‬قاؿ البيهقي ‪ :‬وروينا عن بصاعة من‬
‫الصحابة أف كل واحد رأى جبريل عليو السلاـ في صورة دحية‬
‫الكلبي ( الاعتقاد على مذىب السلف ص‪ 177‬باب القوؿ في‬

‫كرامات الأولياء ‪.).‬‬

‫(‪ )26‬ردّ العلم إلذ ا﵁ تعالذ ‪ .‬وقد كاف الصحابة الكراـ إذا‬
‫ُسئلوا عن شيء لا يعلمونو ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ا﵁ ورسولو أعلم ‪ .‬وىذا أدب‬
‫مع ا﵁ تعالذ إذ يردوف العلم إليو ‪ ،‬وأدب مع رسولو صلى ا﵁ عليو‬

‫وسلم إذ ىو مصدر التلقي وابؼبلغ عن ربو عَّز وجل ‪.‬‬

‫‪242‬‬

‫(‪ )27‬وينبغي بؼن سئل عن شيء لا يعلمو ‪ ،‬أف يقوؿ‪ :‬لا أعلم‪،‬‬
‫أو ‪ :‬لا أدري ‪ ،‬ولا يكوف في ذلك نقص من مرتبتو ‪ ,‬بل يكوف‬

‫ذلك دليلا على مزيد ورعو وتقواه ‪.‬‬
‫وقد كاف علماء السلف يروف أف " لا أدري " نصف العلم ‪.‬‬
‫(‪ )28‬وينبغي بؼن أراد أف يستفهم عن أمور تنفعو أف بوسن‬

‫اختيار السؤاؿ ‪.‬‬
‫(‪ )29‬قاؿ ابن ابؼنير ‪ :‬في قولو " يعلمكم دينكم " دلالة على أف‬
‫السؤاؿ ابغسن يسمى علما وتعليما ‪ ,‬لأف جبريل لد يصدر منو‬

‫سوى السؤاؿ ‪ ,‬ومع ذلك فقد بظاه معلما‪.‬‬
‫(‪ )30‬الإبياف أعلى من الإسلاـ ‪ ،‬والإحساف أعلى من الإبياف ؛‬
‫فكل مؤمن مسلم ‪ ،‬ولا ينعكس ‪ ،‬قاؿ تعالذ { قالت الأعراب‬

‫‪243‬‬

‫آمنا قل لد تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا وبؼّا يدخل الإبياف في قلوبكم‬
‫}( ابغجرات الآية ‪ .).14‬وكل بؿسن مسلم ومؤمن ‪ ،‬وليس كل‬
‫مؤمن بؿسنا ‪ ،‬قاؿ تعالذ { وقليل من عبادي الشكور }( سبأ‬
‫الآية ‪ ،)13‬وقاؿ جل ثناؤه ‪ {:‬والسابقوف السابقوف أولئك‬
‫ابؼقربوف } إلذ قولو { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين }(‬

‫الواقعة الآيات ‪.). 14-10‬‬
‫(‪ )31‬فيو دليل بؼن قاؿ ‪ :‬إف الإسلاـ يغاير الإبياف ‪.‬‬
‫(‪ )32‬قولو صلى ا﵁ عليو وسلم " أتاكم يعلمكم دينكم " فيو‬

‫أف الإبياف والإسلاـ والإحساف تسمى كلها دينا‬
‫(‪ )33‬استحباب حضور بؾالس العلم على أحسن ىيئة وأكملها‬

‫‪244‬‬

‫(‪ )34‬وفيو بياف واضح ػ كما قاؿ ابن حزـ في الإحكاـ (‪ )61‬ػ‬
‫‪ :‬أف كل خطاب منو صلى ا﵁ عليو وسلم لواحد فيما يفتيو بو‬
‫ويعلمو إياه ؛ ىو خطاب بعميع أمتو إلذ يوـ القيامة ‪ ،‬وتعليم منو‬
‫عليو السلاـ لكل من يأتي إلذ انقضاء الدنيا ؛ لأف ذلك ابغديث‬
‫إبما خرج بلفظ تعليم الواحد في قولو صلى ا﵁ عليو وسلم " أف‬
‫تعبد ا﵁ كأنك تراه " ويكفينا من ىذا ابغديث قولو عليو السلاـ‬
‫أثر جوابو بعبريل عليو السلاـ إف ىذا الذي ذكر تعليم بؽم فأشار‬

‫إلذ ابػطاب ابؼتقدـ للواحد ‪.‬‬
‫(‪ )35‬فيو أف ليس للإماـ أو نوابو ‪ ،‬ولا للعالد أف بوتجبوا دوف‬
‫حاجات الناس ومصابغهم ؛ لقولو ‪ ( :‬كاف النبي صلى ا﵁ عليو‬

‫وسلم بارزا يوما للناس ) ‪.‬‬

‫‪245‬‬

‫قاؿ ابغافظ ابن حجر ‪ :‬أي ظاىرا بؽم غير بؿتجب عنهم ولا‬
‫ملتبس بغيره ‪ ,‬والبروز الظهور ‪.‬‬

‫(‪ )36‬وفيو بياف تواضع النبي صلى ا﵁ عليو وسلم‬
‫(‪ )37‬إف للدين ظاىر وباطن ؛ فظاىره الإسلاـ ‪ ،‬وىو ابػضوع‬
‫والانقياد وامتثاؿ أوامر ا﵁ قولا وعملا ‪ ،‬وباطنو الإبياف ‪ ،‬وىو‬
‫التصديق ابعازـ با﵁ وملائكتو ورسلو وسائر الأركاف وأمور الإبياف‬
‫‪ ،‬والإحساف ىو بشرة التحقق ّٔما معا ‪ ،‬وىو حضور القلب في‬
‫حضرة القرب ‪ ،‬وىو ابؽداية إلذ الصراط ابؼستقيم التي تورثها منازؿ‬

‫{ إياؾ نعبد وإياؾ نستعين }‪.‬‬

‫‪246‬‬

‫(‪ )38‬وفيو ‪ :‬أف الذي يعلم من ابػبر بداىة ػ أو يدؿ عليو سياؽ‬
‫الكلاـ ػ لا إلزاـ في ذكره وبهوز حذفو للاختصار ‪ ،‬فبعض الرواة‬

‫ذكر أنو سلم بؼا دخل ‪ ،‬وبعضهم لد يذكر السلاـ في روايتو ‪.‬‬
‫(‪ )39‬في قوؿ السائل " أخبرني عن الإسلاـ ‪ ،‬وقولو " أخبرني‬
‫عن الإبياف " ‪ ...‬دليل على أف للسائل أف يزيد على سؤاؿ واحد‬

‫حَّت يتحصل لو الفهم ‪ ،‬أو يستزيد من العلم ‪.‬‬
‫(‪ )40‬وفيو أف للسائل أف يأتي بأسئلتو بؾتمعة ‪ ،‬ثَمّ بعد بساـ‬
‫ابػطاب يستمع إلذ ابعواب ‪ ،‬ولو أف يفرؽ سؤالاتو واستفهاماتو‬

‫حسب ما تقتضيو ابغاؿ ‪ ،‬أو وفق ما بسليو ابؼناسبة ‪.‬‬
‫(‪ )41‬في قولو " فإنو جبريل أتاكم " فإف بؾيء جبريل عليو السلاـ‬
‫ػ على ىيئة رجل ػ سائلا ‪ ،‬دليل على أبنية ىذه الأمور ػ ابؼسئوؿ‬

‫‪247‬‬

‫عنها ػ وعظيم خطرىا ‪ ،‬ووصفو صلى ا﵁ عليو وسلم بؽا بأنها دين‬
‫في قولو " يعلمكم دينكم " يؤكد ذلك ‪.‬‬

‫(‪ )42‬وفي قولو " فإنو جبريل " بياف بعواز كشف بعض ابغقائق‬
‫إذا كاف يترتب على كشفها مصلحة مشروعة ‪ ،‬ولعل من‬

‫ابؼصلحة ىنا ‪ :‬بياف الأبنية ‪.‬‬
‫(‪ " )43‬ما ابؼسؤوؿ عنها بأعلم من السائل " إشارة منو صلى‬
‫ا﵁ عليو وسلم أنو عرؼ حقيقة السائل ؛ فذّكره بدا جرى بينو وبين‬

‫عيسى بن مرًن عليو السلاـ ‪ ،‬فقد روى ابن ابؼبارؾ في الزىد‬
‫(‪ )44‬فيو دليل على أف سؤاؿ القادـ ‪ ،‬أو السائل عن ابظو ليس‬

‫على سبيل الوجوب‬

‫‪248‬‬

‫(‪ )45‬وفيو أيضا ػ في قولو " يا رسوؿ ا﵁ " ػ الدليل على لزوـ‬
‫التأدب والاحتراـ مع اىل العلم والفضل والصلاح وابػير ‪ ،‬وأف‬
‫ينادوا بأح ّْب أبظائهم إليهم ؛ لأف السائل ػ وىو جبريل عليو‬
‫السلاـ ػ نادى النبي صلى ا﵁ عليو وسلّم بأح ّْب أبظائو إليو‬

‫وأعلاىا ‪ ،‬وذلك من التأدب منو معو واحترامو لو ‪.‬‬

‫(‪ )46‬قولو " الإسلاـ أف تشهد أف لا إلو إلا ا﵁ " وقولو " الإبياف‬
‫أف تؤمن با﵁ ‪ "...‬فيو دليل على أف العالد إذا سئل بدأ من‬
‫ابعواب بدا ىو الأىم والآكد ‪ ،‬وتقدًن ابؼلائكة على النبيين بالذكر‬
‫ليس تقدًن فضل ‪ ،‬وإبما لأف الإبياف بابؼلائكة طريق إلذ الإبياف‬
‫بالرسل عليهم السلاـ ؛ إذ ىم سفراء ا﵁ إلذ أصفيائو من خلقو ‪.‬‬

‫(‪ )47‬ينبغي للسائل أو ابؼستمع حين استماعو بعواب أو حديث‬
‫‪ ،‬أف ينط َق بدا يُشعِر ػ من بودثو ػ انتباىو وحضور قلبو ‪ ،‬وىذا‬

‫‪249‬‬

‫يظهر في قوؿ جبريل عليو السلاـ للنبي صلى ا﵁ عليو وسلم "‬
‫صدقت " أكثر من مّرة ‪.‬‬

‫(‪ )48‬وفيو احتجاج الصحابة بالسنة الصحيحة في بياف العقائد‬
‫‪ ،‬حيث استدؿ عبدا﵁ بن عمر رضي ا﵁ عنهما ػ وىو من علماء‬

‫الصحابة وفقهائهم ػ بالسنة في الرد على زعم الَق َدرية ‪.‬‬
‫(‪ )49‬وفيو قبوؿ خبر الواحد لأف الذي أجاب بويى بن يعمر‬

‫وصاحبو واحد وىو ابن عمر رضي ا﵁ عنهما ‪.‬‬
‫(‪ )50‬تظهر فيو فصاحة النبي صلى ا﵁ عليو وسلم وبلاغتو ‪،‬‬
‫حيث أجاب السائل بكلمات يسيرة ‪ ،‬ولكنها برمل في طياتها‬

‫ابؼعاني الغزيرة ‪.‬‬

‫‪250‬‬


Click to View FlipBook Version