التوبة ،لا بىلد في النار؛ كما جاء بو ابغديث؛ بل ىو إلذ ا﵁ ،إف
شاء عفا عنو ،وإف شاء عاقبو بقدر ذنوبو ،ثم أدخلو ابعنة بربضتو.
وقاؿ شيخ الإسلاـ ابن تيمية -ربضو ا﵁ تعالذ -في الواسطية :من
أصوؿ أىل السنة وابعماعة :أف الدين والإبياف قوؿ وعمل :قوؿ
القلب ،واللساف .وعمل القلب ،واللساف ،وابعوارح .وأف الإبياف
يزيد بالطاعة وينقص بابؼعصية .وىم مع ذلك لا يكفروف أىل
القبلة بدطلق ابؼعاصي والكبائر ،كما يفعلو ابػوارج؛ بل الأخوة
الإبيانية ثابتة مع ابؼعاصي؛ كما قاؿ سبحانو في آية القصاص{ :
فمن عفي لو من أخيو شيء فاتباع بابؼعروؼ } .وقاؿ :وإف
طائفتاف من ابؼؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإف بغت إحدابنا
على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حَّت تفيء إلذ أمر ا﵁ فإف فاءت
فأصلحوا بينهما بالعدؿ وأقسطوا إف ا﵁ بوب ابؼقسطين
151
[ابغجرات ,]9:إبما ابؼؤمنوف إخوة فأصلحوا بين أخويكم
[ابغجرات ]10:اىػ.
وقاؿ الإماـ ابن أِب العز -ربضو ا﵁ تعالذ -في شرح الطحاوية :إف
أىل السنة متفقوف كلهم على أف مرتكب الكبيرة لا يكفر كفرا
ينقل عن ابؼلة بالكلية ،كما قالت ابػوارج؛ إذ لو كفر كفرا ينقل
عن ابؼلة؛ لكاف مرتدا يقتل على كل حاؿ ،ولا يقبل عفو ولر
القصاص ،ولا بذري ابغدود في الزنى ،والسرقة ،وشرب ابػمر .وىذا
القوؿ معلوـ بطلانو وفساده بالضرورة من دين الإسلاـ .ومتفقوف
على أنو لا بىرج من الإبياف والإسلاـ ،ولا يدخل في الكفر ،ولا
يستحق ابػلود في النار مع الكافرين .اىػ
فالنفي العاـ قد يفهم منو عدـ تكفير ابؼعين مطلقا مهما عمل من
الذنوب ،ولو عمل النواقض .أما نفي العموـ ،فيفهم منو أنهم
152
يكفروف ببعض الذنوب ،ولا يكفروف ببعضها فمن الذنوب التي
يكفر مرتكبها نواقض الإسلاـ الكبرى ابؼعلومة ،ومن ذلك – أيضا
– ابػلاؼ ابؼشهور عند أىل السنة في التكفير بترؾ الأركاف
وخاصة الصلاة ،أما الذنوب التي لا يكفروف ّٔا ففعل الكبائر
وترؾ الواجبات ما لد يستحل الكبائر ،أو ينكر الواجبات 33.
قاؿ الشيخ خليل ابؽراس-ربضو ا﵁ -في شرح كلاـ شيخ الإسلاـ
ابؼتقدـ :ومع أف الإبياف ابؼطلق مركب من الأقواؿ والأعماؿ
والاعتقادات؛ فهي ليست كلها بدرجة واحدة؛ بل العقائد أصل
في الإبياف ،فمن أنكر شيئا بفا بهب اعتقاده في ا﵁ أو ملائكتو أو
كتبو أو رسلو أو اليوـ الآخر أو بفا ىو معلوـ من الدين بالضرورة؛
33نواقض الإبياف الاعتقاديةوضوابط التكفير عند السلف ﵀مد بن عبدا﵁ بن علي الوىيبي – 221/1
153
كوجوب الصلاة ،والزكاة ،وحرمة الزنا والقتل… إلخ؛ فهو كافر،
قد خرج من الإبياف ّٔذا الإنكار34.
وقاؿ الشيخ ابن عثيمين –ربضو ا﵁-في شرحو لكلاـ ابن تيمية
ابؼتقدـ :فابؼسلم عند أىل السنة وابعماعة لا يكفر بدطلق ابؼعاصي
والكبائر .
والفرؽ بين الشيء ابؼطلق ومطلق الشيء :أف الشيء ابؼطلق يعِن
الكماؿ ،ومطلق الشيء؛ يعِن :أصل الشيء.
فابؼؤمن الفاعل للكبيرة عنده مطلق الإبياف؛ فأصل الإبياف موجود
عنده لكن كمالو مفقود.
فكلاـ ابؼؤلف ربضو ا﵁ دقيق جدا.
34شرح العقيدة الواسطية للهراس – ص233 :
154
آية القصاص ىي قولو تعالذ :يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم
القصاص في القتلى ابغر بابغر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن
عفي لو من أخيو شيء فاتباع بابؼعروؼ وأداء إليو بإحساف ذلك
بزفيف من ربكم وربضة فمن اعتدى بعد ذلك فلو عذاب أليم
[البقرة]178:وابؼراد ب (أخيو) ىو ابؼقتوؿ.
ووجو الدلالة من ىذه الآية على أف فاعل الكبيرة لا يكفر أف ا﵁
بظى ابؼقتوؿ أخا للقاتل ،مع أف قتل ابؼؤمن كبيرة من كبائر
الذنوب.
وقاؿ :وإف طائفتاف من ابؼؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإف بغت
إحدابنا على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حَّت تفيء إلذ أمر ا﵁ فإف
فاءت فأصلحوا بينهما بالعدؿ وأقسطوا إف ا﵁ بوب ابؼقسطين
155
[ابغجرات ,]9 :إبما ابؼؤمنوف إخوة فأصلحوا بين أخويكم [
ابغجرات]10:
[ ( اقتتلوا) بصع ،و ( بينهما) مثنى ،و ( طائفتاف) مثنى؛ فكيف
يكوف مثنى وبصع ومثنى آخر وابؼرجع واحد؟!]
نقوؿ :لأف قولو( :طائفتاف) :الطائفة عدد كبير من الناس ،فيصح
أف أقوؿ :اقتتلوا ،وشاىد ىذا قولو تعالذ:ولتأت طائفة أخرى لد
يصلوا فليصلوا معك [ النساء ،]102 :ولد يقل :لد تصل.
فالطائفة أمة وبصاعة ،وبؽذا عاد الضمير إليها بصعا فيكوف الضمير
في قولو (اقتتلوا) عائدا على ابؼعنى ،وفي يقولو( :بينهما) عائدا على
اللفظ.
156
فهاتاف الطائفتاف من ابؼؤمنين اقتتلوا ،وبضل السلاح بعضهم على
بعض ،وقتاؿ ابؼؤمن للمؤمن كفر ،ومع ىذا قاؿ ا﵁ تعالذ بعد أف
أمر بالصلح بينهما للطائفة الثالثة التي لد تدخل القتاؿ :وإف
طائفتاف من ابؼؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإف بغت إحدابنا
على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حَّت تفيء إلذ أمر ا﵁ فإف فاءت
فأصلحوا بينهما بالعدؿ وأقسطوا إف ا﵁ بوب ابؼقسطين
[ابغجرات ,]9 :إبما ابؼؤمنوف إخوة [ابغجرات ،]10فجعل ا﵁
تعالذ الطائفة ابؼصلحة إخوة للطائفتين ابؼقتتلتين.
وعلى ىذا؛ ففي الآية دليل على أف الكبائر لا بزرج من الإبياف.
وعلى ىذا؛ لو مررت بصاحب كبيرة؛ فإني أسلم عليو؛ لأف النبي
صلى ا﵁ عليو وسلم ذكر من حقوؽ ابؼسلم على ابؼسلم((إذا لقيتو
فسلم عليو)) ،وىذا الرجل ما زاؿ مسلما ،فأسلم عليو؛ إلا إذا
157
كاف في ىجره مصلحة؛ فحينئذ أىجره للمصلحة؛ كما جرى
لكعب بن مالك وصاحبيو الذين بزلفوا عن غزوة تبوؾ ،فهجرىم
ابؼسلموف بطسين ليلة حَّت تاب ا﵁ عليهم .
وىل بكبو على سبيل الإطلاؽ أو نكرىو على سبيل الإطلاؽ؟
نقوؿ :لا ىذا ولا ىذا؛ بكبو بدا معو من الإبياف ،ونكرىو بدا معو
من ابؼعاصي ،وىذا ىو العدؿ35:: .
الوسألة الخالخة :في الإح ساى
الفصل الأٍ ل :هعٌى الإ ٕح ٓس اى لغةً ٍاصطلاحٖا
الإ ْح َساف لغةً ِضُّد الإساءة .مصدر أحسن أي جاء بفعل
حسن.36
35شرح العقيدة الواسطية ﵀مد بن صالح بن عثيمين– 237/2
158
معنى الإ ْح َساف اصطلا ًحا:
(الإ ْح َساف نوعاف:
-إحساف في عبادة ابػالق :بأف يعبد ا﵁ كأَنّو يراه فإف لد يكن
يراه فإ َّف ا﵁ يراه .وىو ابعُِّد في القياـ بحقوؽ ا﵁ على وجو الُنّصح،
والَتّكميل بؽا.
-وإحسا ٌف في حقوؽ ابػَلْق ...ىو بذؿ بصيع ابؼنافع ِمن أي نوٍع
كاف ،لأي بـلوؽ يكوف ،ولكَنّو يتفاوت بتفاوت ا ْ﵀ َسن إليهم،
وحّْقهم ومقامهم ،وبحسب الإ ْح َساف ،وعظم موقعو ،وعظيم نفعو،
وبحسب إبياف ا ْ﵀ ِسن وإخلاصو ،وال َّسبب الَّداعي لو إلذ
ذلك)37]121
36الفروؽ اللغوية)) للعسكري (.)193/1
ّٔ((37جة قلوب الأبرار)) للسعدي (206 -204
159
وقاؿ الراغب ( :الإحساف على وجهين :أحدبنا :الإنعاـ على
الغير ،والثاني :إحساف في فعلو ،وذلك إذا علم عل ًما حسنًا أو
عمل عملًا حسنًا38 .
الفصل الخاًي :هكاًة الإحساى ٍفضله
مقاـ الإحساف مقاـ رفيع؛ فهو غاية مراد الطالبين ،ومنتهى قصد
السالكين؛ أف تعبد ا﵁كأنك تراه فإف لد تكن تراه فإنو يراؾ.
الإحساف خلق بصيل؛ ىو دليل على النبل ،واعتراؼ بالفضل،
وعرفاف للجميل ،وقياـ بالواجب ،واحتراـ للمنعم.
ف َمن أحسن مع ا﵁ أحسن مع الناس ،ووجد في قلبو سهولة
الإحساف إليهم،كما قاؿ تعالذَ ﴿ :ولا تَ ْستَِوي ابْغَ َسنَةُ َولا ال َّسْيّئَةُ
((38ابؼفردات)) (ص 236
160
ا ْدفَ ْع بِاَلِّتي ِى َي أَ ْح َس ُن فَِإ َذا اَلّ ِذي بػَيْػنَ َك َوبػَْيػنَوُ َع َداَوةٌ َكأََنّوُ َوِلّرّ بَِضي ٌم
* َوَما يػُلََّقا َىا إَِّلا اَلّ ِذي َن َصبَػُروا َوَما يػُلََّقا َىا إَِّلا ذُو َح ٍّظ َع ِظيٍم ﴾
[فصلت]34،35 :
الإحساف من أفضل منازؿ العبودية؛ بل ىو حقيقتها ولبها وروحها
وأساسها ،وىو أف تعبد ا﵁كأنك تراه فإف لد تكن تراه فإنو يراؾ.
يقوؿ ابن القيم ربضو ا﵁ فيكتابو "مدارج السالكين"( :منزلة
الإحساف ىي لب الإبياف وروحو وكمالو).
ففي صحيح مسلم َع ْن َشَّداِد بْ ِن أَْو ٍس قَا َؿ :ثِنْتَا ِف َحِفظْتُػُه َما َع ْن
َر ُسوِؿ الَلِّو صلى ا﵁ عليو وسلم؛ قَا َؿ « :إِ َّف الَلّوَ َكتَ َب الِإ ْح َسا َف
َعلَى ُك ّْل َش ْيٍء ،فَِإ َذا قَػتَػْلتُ ْم فَأَ ْح ِسنُوا الِْقْتػلَةََ ،وإِذَا ذَبَْحتُ ْم فَأَ ْح ِسنُوا
الَّذبْ َحَ ،ولْيُ ِحَّد أَ َحُدُك ْم َشْفَرتَوُ ،فَػْليُِر ْح ذَبِي َحتَوُ ».
161
صور بػُلق الإحساف؛
)1الإحساف في العبادة:
الإحساف في العبادة؛ أف تؤديهاكما أمرؾ ا﵁ وكما بينها لك
رسوؿ ا﵁ ،أف بذعلها خالصة لوجو ا﵁ ،أف تؤديها تامةكاملة
بأركانها وواجباتها وسننها ومستحباتها ،أف تؤديها في أوقاتها إفكاف
بؽا وقت بؿدد ،أف بذعلها عبادة تطهر ّٔا قلبك وتزكي ّٔا نفسك،
وتغير ّٔا سلوكك وتنَّْمي ّٔا أخلاقك .ف َمن لد يتغير سلوُكو ولد
تت َح ّسن أخلاقُو بعبادتو فليعلم أف عبادتو ناقصة ،فقد قاؿ سبحانو
عن الصلاة ﴿ :إِ َّف ال َّصلَاةَ تَػنْػَهى َع ِن الَْف ْح َشاِء َوالْ ُمنْ َكِر ﴾
[العنكبوت .]45 :وقاؿ عن الصدقة والزكاةُ ﴿ :خ ْذ ِم ْن أَْمَوابِؽِ ْم
َص َدقَةً تُطَّْهُرُى ْم َوتػَُْزّكيِه ْم َِّٔا ﴾ [التوبة .]103 :وقاؿ عن ابغج:
﴿ فََم ْن فَػَر َض فِيِه َّن ابْغَ َّج فَلَا َرفَ َث َوَلا فُ ُسو َؽ َوَلا ِج َدا َؿ ِفي ابْغَ ّْج
162
﴾ [البقرة .]197 :وقاؿ نبينا صلى ا﵁ عليو وسلم عن الصوـ:
" إَِذا َكا َف يػَْوُـ َصْوِـ أَ َح ِدُك ْم فَلَا يػَْرفُ ْث َوَلا يَ ْص َخ ْب ،فَِإ ْف َساَبّوُ أَ َحٌد
أَْو قَاتَػلَوُ فَػلْيَػُق ْل إِ ْنّي اْمُرٌؤ َصائٌِم."...
و أف يأتي ّٔا على الوجو ابؼشروع دوف زيادة ولا نقصاف .أف يتقن
صلاتو وزكاتو وحجو وصيامو ،أف بوسن فيكل قوؿ أو عمل
يتقرب بو إلذ ربو سبحانو.
والطريق إلذ ذلك ىو ما بينو النبي صلى ا﵁ عليو وسلم في جوابو
عن سؤاؿ جبريل عليو السلاـ ،حين سألوَ :ما الِإ ْح َسا ُف؟ قَا َؿ:
« أَ ْف تَػْعبَُد الَلّوَ َكأََنّ َك تَػَراهُ ،فَِإ ْف لَدْ تَ ُك ْن تَػَراهُ فَِإَنّوُ يػََرا َؾ».
"أف تعبد ا﵁كأنك تراه" أف برسن عملك الذي أمرؾ بو ربك
سبحانو،كأنك تراه وىو ينظر إليك؛ فتكوف حاضر الذىن ،فارَغ
163
النفس ،مستجمع القلب،كما لوكنت تشاىد ربك سبحانو،
فتستحضر عظمتو ،وجلالو ،وكمالو ،وبصالو .وتستحضر أنك في
حاجة إلذ ربضتو ومغفرتو ورضوانو.
"فإف لد تكن تراه فإنو يراؾ" أي فإف لد تستطع أف تبلغ بعبادتك
إلذ مستوى َمن يعبد ا﵁كأنو يراه؛ فاعبد ا﵁ وأنت على يقين أنو
مطلع عليك ناظر إليك ،فاستحضر مراقبة ربك فيكل ما تقوؿ
وتعمل ،وتَذّكْر دائما أنو يراؾ.
﴿ يػَْعلَ ُم َما يَلِ ُج ِفي اْلأَْر ِض َوَما بَىُْرُج ِمنْػَها َوَما يػَْنِزُؿ ِم َن ال َّس َماِء َوَما
يػَْعُرُج فِيَها َوُىَو َمَع ُك ْم أَيْ َن َما ُكنْتُ ْم َوالَلّوُ ِبدَا تَػْع َملُوَف بَ ِصيرٌ ﴾
[ابغديدَ ﴿ ..]4 :وَما تَ ُكوُف ِفي َشأْ ٍف َوَما تَػْتػلُو ِمْنوُ ِم ْن قػُْرآ ٍف َوَلا
تَػْع َملُوَف ِم ْن َع َمٍل إَِّلا ُكَنّا َعلَيْ ُك ْم ُشُهوًدا إِْذ تُِفي ُضوَف فِيِو َوَما يػَْعُز ُب
164
َع ْن َرْبّ َك ِم ْن ِمثْػَقاِؿ ذََّرٍة ِفي اْلأَْر ِض َوَلا ِفي ال َّس َماِء َوَلا أَ ْصغََر ِم ْن
َذلِ َك َوَلا أَ ْكبَػَر إَِّلا ِفيكِتَا ٍب ُمبِيٍن ﴾ [يونس.]61 :
أخرج الطبراني والبيهقي عن زيد بن أسلم قاؿ :مَّر ابن عمر براعي
غنم فقاؿ :يا راعي الغنم! ىل من َجَزرة -أي من شاة تصلح
للذبح -؟ قاؿ الراعي :ليس ىهنا رُّّٔا ،فقاؿ ابن عمر :تقوؿ:
أكلها الذئب! فرفع الراعي رأسو إلذ السماء ثم قاؿ :فأين ا﵁؟!
قاؿ ابن عمر :فأنا وا﵁ أحق أف أقوؿ أين ا﵁؟ فاشترى ابن عمر
الراعي واشترى الغنم فأعتقو وأعطاه الغنم.
)2الإحساف في القوؿ والعمل؛
مرة أخرى مع خلق الإحساف والِإتَقاف؛ ذلكم ابػلق العظيم الذي
أوجبو رب العابؼين ،وأمر بو سيد ابؼرسلين .فما من قوؿ أو عمل
165
يقوـ بو ابؼسلم إلا وبهب عليو أف بوسنو ويتقنو ،سواء كاف ذلك
في العبادات والطاعات ،أو في أمور ابغياة .لقولو عليو الصلاة
والسلاـ" :إف ا﵁كتب الإحساف علىكل شيء" .إذ ما من أمر
في حياة العباد إلا و﵁ فيو حكم وشرع .قاؿ سبحانو ﴿ :قُ ْل إِ َّف
َصلَاِتي َونُ ُس ِكي َوبَؿْيَا َي َوبَفَاِتي لَِلِّو َر ّْب الَْعالَِميَن * َلا َشِري َك لَوُ
َوبَِذلِ َك أُِمْر ُت َوأَنَا أََّوُؿ الْ ُم ْسلِ ِميَن ﴾ [الأنعاـ.]163 ،162 :
فالإحساف واجب فيكل شيء؛ في الأقواؿ والأفعاؿ والأخلاؽ،
وابؼعاملات ...والفساد منهي عنو فيكل شيء .قاؿ سبحانو﴿ :
إِ َّف الَلّوَ يَأُْمُر بِالَْع ْدِؿ َواْلِإ ْح َسا ِف َوإِيتَاِء ِذي الُْقْرََب َويػَنْػَهى َع ِن
الَْف ْح َشاِء َوالْ ُمنْ َكِر َوالْبَػ ْغ ِي يَعِظُ ُك ْم لََعَلّ ُك ْم تََذَّكُروَف ﴾ [النحل:
.]90
الإحساف في القوؿ:
166
فمما أمر ا﵁ سبحانو بالإحساف فيو :القوُؿ ،فما منكلاـ إلا
وينبغي أف يكوف طيبا حسنا مفيدا .قاؿ سبحانوَ ﴿ :وقُل ْلّعِبَاِدي
يػَُقولُواْ اَلِّتي ِى َي أَ ْح َس ُن ﴾ [الإسراء ]53 :وقاؿ عز وجل﴿ :
َوقُولُوا لِلَنّا ِس ُح ْسناً ﴾ .فواجب على ابؼسلم أف يُعّود لسانو على
الكلاـ الطيب والقوؿ ابغسن ،أف يستعملو فيما ينفعو في دنياه وفي
أخراه .وأف بيسكو عنكل قوؿ سيئ وقبيح .فقد قاؿ عليو الصلاة
والسلاـَ « :م ْن َكا َف يػُْؤِم ُن بِالَلِّوَ ،والْيَػْوِـ اْلآ ِخِر فَػلْيَػُق ْل َخيْػًرا أَْو
لِيَ ْص ُم ْت» .متفق عليو من حديث أِب ىريرة.
الإحساف في العمل:
وبفا أمر ا﵁ سبحانو بالإحساف فيو :العمل؛ سواء كاف في أمور
الدين أو في أمور ابغياة .قاؿ سبحانوَ ﴿ :وا ْع َملُوا َصابِغًا إِ ْنّي ِبدَا
تَػْع َملُوَف بَ ِصيرٌ ﴾.
167
الفصل الخالخة :هوا يعيي على الإحساى في العول
وبَفّا يُعِين على الإحساف في العمل:
-1استشعار العبد بؼراقبة ا﵁ عز وجل؛
أف يعلم العبد أف ا﵁ عز وجل معو ،رقيب عليو ،مطلع عليو في
كل زماف وفيكل مكاف.
قاؿ سبحانوَ ﴿ :وَكا َف الَلّوُ َعلَى ُك ّْل َش ْيٍء َرقِيبًا ﴾ .وقاؿ عز
وجل ﴿ :أَلَدْ تَػَر أََّف الَلّوَ يػَْعلَ ُم َما ِفي ال َّس َماَوا ِت َوَما ِفي اْلأَْر ِض َما
يَ ُكوُف ِم ْن بَْقَوى ثَلَاثٍَة إَِّلا ُىَو َرابِعُُه ْم َوَلا بَطْ َسٍة إَِّلا ُىَو َساِد ُسُه ْم
َوَلا أَْدنَى ِم ْن َذلِ َك َوَلا أَ ْكثَػَر إَِّلا ُىَو َمَعُه ْم أَيْ َن َما َكانُوا ثَُمّ يػُنَْبّئُػُه ْم ِبدَا
َع ِملُوا يػَْوَـ الِْقيَاَمِة إِ َّف الَلّوَ بِ ُك ّْل َش ْيٍء َعلِي ٌم ﴾ [آّادلة.]7 :
168
-2تذكر العبد ليوـ ابغساب؛
فمن أيقن بابغساب ،والوقوؼ بين يدي ربو سبحانو فليحسن في
عملو ،ليسعد بو عند لقاء ربو.
قاؿ سبحانوَ ﴿ :وُك َّل َش ْيٍء فَ َّصْلنَاهُ تَػْف ِصيلًا * َوُك َّل إِنْ َسا ٍف أَلَْزْمنَاهُ
طَائَِرهُ ِفي عُنُِقِو َوبُلِْرُج لَوُ يػَْوَـ الِْقيَاَمِةكِتَابًا يػَلَْقاهُ َمنْ ُشوًرا * اقْػَرأْ
كِتَابَ َك َكَفى بِنَػْف ِس َك الْيَػْوَـ َعلَْي َك َح ِسيبًا * َم ِن ا ْىتََدى فَِإَبّمَا
يػَْهتَ ِدي لِنَػْف ِسِو َوَم ْن َض َّل فَِإَبّمَا يَ ِض ُّل َعلَيْػَها ﴾ [الإسراء- 12 :
.]15وقاؿ عز وجل ﴿ :فََم ْن يػَْع َم ْل ِمثْػَقا َؿ ذََّرٍة َخْيػًرا يػََرهُ * َوَم ْن
يػَْع َم ْل ِمثْػَقا َؿ َذَّرةٍ َشِّرا يػََرهُ ﴾ [الزلزلة.]8 ،7 :
169
-3العلم بأف العمل أمانة ومسؤولية؛
فواجب على ابؼسلم أف بوافظ على أمانتو التي برملها ،وأف يؤدي
واجبو الذي أنيط بو ،بحسن رعايتو لعملو ،وتطويره ،والإسراع في
إبقازه ،وب ْذؿ الوسع والطاقة في اجتِناب الوقوع في الأخطاء في أداء
العمل وإنتاجو ،وألَاّ يفّْرؽ بين عملو في قطاع حكومي أو مؤ َّسسة
خا َّصة وعملو بػا َّصة نفسو ،فهو ُمطالَب بإتقاف العمل وإجادتو
وإحسانو سواء كاف لو أو لغيره.
وىذا بوتّم على ابؼرء أ ْف بىتار العمل الذي يُنا ِسبو ويستطيع أداءَه
بكفاءة ومقدرة ،فمن غير ابؼناسب أ ْف بىتار عملاً لد يػَُؤَّىل لو ولا
يستطيع أداءَه.
170
روى ُمسلِم في َص ِحي ِحو َعن أَِب ذٍَّر َر ِض َي ا﵁ُ َعنوُ قَا َؿ :قُل ُت :يَا
َر ُسوَؿ ا ِ﵁ ،أَلا تَستَع ِملُِن؟ قَا َؿ :فَ َضَر َب بِيَ ِدهِ َعلَى َمن ِكِبي ،ثم قَا َؿ:
« يَا أَبَا ذٍَّر ،إَِنّ َك َضعِي ٌفَ ،وإَِنػَّها أََمانَةٌَ ،وإَِنػَّها يػَْوَـ الِْقيَاَمِة ِخْز ٌي
َونََداَمةٌ ،إِلَاّ َم ْن أَ َخ َذ َىا ِبحَّْقَها َوأََّدى اَلّ ِذي َعلَْيِو فِيَها» .فواجب
على ابؼسلم أف يأخذ أمانتو بحقها ،وأف يؤدي الذي بهب عليو
فيها.
-4الإخلاص في العمل ،وعدـ التهاُوف فيو ،وعدـ الاستهانة بو؛
فلا بيكن الِقياـ بالعمل على أكمل وجٍو وأحسنو إلَاّ إذا برَّقق فيو
الإخلاص من العامل نفسو؛ فالإخلاص ىو الباعث الذي بوّْفز
العامل على إتقاف العمل ،ويدفعو إلذ إجاَدتِو ،ويُعِينو على برُّمل
ابؼتاعب فيو ،وب ْذؿكثيٍر من ابعهد في إبقازه ،وتفادي وقوع
171
الأخطاء فيو ،فهو بدثابة صماـ الأماف ضَّد الفساد بك ّْل صوره
وأشكالو.
-5التعاوف في أداء العمل وإبقازه؛
فالتعاوف بين عموـ ابؼسلمين على البر والتقوى خل ٌق رفيع دعا إليو
الإسلاـ وَرَّغب فيو؛ حيث قاؿ ربنا عَّز وج َّلَ ﴿ :وتَػَعاَونُوا َعلَى
الِْبْرّ َوالَتّػْقَوى َوَلا تَػَعاَونُوا َعلَى اْلِإثِْم َوالْعُ ْدَوا ِف ﴾ ،ويقوؿ نبينا صَلّى
ا﵁ عليو وسَلّمَ« :وا﵁ُ ِفي َعْوِف الَْعبْ ِدَ ،ما َكا َف الَْعْب ُد ِفي َعْوِف
أَ ِخيِو».
ومن ُصَوِر ىذا التعاوف :تعاوُف العاملين فيما بينهم في أداء العمل
فيما بُوَّْقق النفع وابػير للعاِملين ،ويُفّْعل أنظمةَ العمل وقوانينو،
وبوّْقق الفائدة والتطوير بؽذا العمل.
172
-6اجتناب الغش وابػداع؛
﴿ يَا أَُيػَّها اَلّ ِذي َن آَمنُوا لا بَزُونُوا الَلّوَ َوالَّر ُسوَؿ َوبَزُونُوا أََمانَاتِ ُك ْم َوأَنْػتُ ْم
تَػْعلَ ُموَف ﴾ [الأنفاؿ .]27 :كما توّعد سبحانو من يغش الناس
أشد الوعيد ،فقاؿ عز وجلَ ﴿ :ويْ ٌل لِلْ ُمطَّْفِفيَن * اَلّ ِذي َن إِذَا ا ْكتَالُوا
َعلَى الَنّا ِس يَ ْستَػْوفُوَف * َوإِذَا َكالُوُى ْم أَْو َوَزنُوُى ْم بُىْ ِسُروَف * أََلا يَظُ ُّن
أُولَئِ َك أََنػُّه ْم َمبْػُعوثُوَف * لِيَػْوٍـ َع ِظيٍم * يػَْوَـ يػَُقوُـ الَنّا ُس لَِر ّْب
الَْعالَِميَن ﴾ [ابؼطففين.]6 - 1 :
وفي صحيح مسلم َع ْن َع ِد ّْي بْ ِن َع ِميرََة الْ ِكنْ ِد ّْي قَا َؿ :بَِظْع ُت
َر ُسوَؿ الَلِّو صلى ا﵁ عليو وسلم يػَُقوُؿَ« :م ِن ا ْستَػْع َملْنَاهُ ِمنْ ُك ْم َعلَى
َع َمٍل فَ َكتَ َمنَا بِـْيَطًا فََما فَػْوقَوَُ ،كا َف غُلُولاً يَأِْتي بِِو يػَْوَـ الِْقيَاَمِة» -
أي خيانة وسرقة -قَا َؿ :فَػَقاَـ إِلَْيِو َرُج ٌل أَ ْسَوُد ِم َن الأَنْ َصا ِرَ ،كأَ ْنّي
أَنْظُُر إِلَيِْو ،فَػَقا َؿ :يَا َر ُسوَؿ الَلِّو؛ اقْػبَ ْل َعِّْن َع َملَ َك .قَا َؿَ« :وَما
173
لَ َك؟» قَا َؿ :بَِظْعتُ َك تَػُقوُؿ َك َذا َوَك َذا .قَا َؿَ« :وأَنَا أَقُولُوُ الآ َفَ :م ِن
ا ْستَػْع َمْلنَاهُ ِمْن ُك ْم َعلَى َع َمٍل فَػلْيَ ِج ْئ بَِقلِيلِِو َوَكثِيِرِه ،فََما أُوِتيَ ِمْنوُ
أَ َخ َذَ ،وَما نُهِ َي َعْنوُ انْػتَػَهى».
وروى مسلم في صحيحو َع ْن أََِب ُىَريْػَرَة رضي ا﵁ عنو أََّف َر ُسوَؿ
الَلِّو صلى ا﵁ عليو وسلم َمَّر َعلَى ُصبْػَرِة طََعاٍـ -أيكومة بؾموعة
من الطعاـ بلاكيل ولا وزف -فَأَْد َخ َل يََدهُ فِيَها ،فَػنَالَ ْت أَ َصابُِعوُ
بػَلَلاً ،فَػَقا َؿَ« :ما َى َذا يَا َصا ِح َب ال َطَّعاِـ؟» .قَا َؿ :أَ َصابػَتْوُ ال َّس َماءُ
يَا َر ُسوَؿ الَلِّو .قَا َؿ« :أَفَلاَ َجَعْلتَوُ فَػْو َؽ ال َطَّعاِـ َك ْي يػََراهُ الَنّا ُس؟ َم ْن
َغ َّش فَػلَْي َس ِمِّْن».
وفي الصحيحين َع ْن أَِب ُىَريْػَرةَ رضي ا﵁ عنو قَا َؿ :قَا َؿ َر ُسوُؿ الَلِّو
َصَلّى ا﵁ُ َعلَْيِو َو َسَلّ َم« :ثَلاَثَةٌ لاَ يُ َكْلّ ُمُه ُم الَلّوُ يػَْوَـ الِقيَاَمِة َولاَ
يػَُْزّكيِه ْم َوبَؽُْم َع َذا ٌب أَلِي ٌمَ :رُج ٌل َعلَى فَ ْضِل َماٍء بِال َطِّريِق بَيْنَ ُع ِمْنوُ
174
ابْ َن ال َّسبِيِلَ ،وَرُج ٌل بَايََع إَِماًما لاَ يػُبَايِعُوُ إَِّلا لُِدنْػيَاهُ ،إِ ْف أَ ْعطَاهُ َما
يُِري ُد َوفَى لَوُ َوإَِّلا لَدْ يَ ِف لَوَُ ،وَرُج ٌل يػُبَايِ ُع َرُجلًا بِ ِسلَْعٍة بػَْع َد الَع ْصِر،
فَ َحلَ َف بِالَلِّو لََق ْد أُ ْع ِط َي َِّٔا َك َذا َوَك َذا فَ َصَّدقَوُ ،فَأَ َخ َذ َىاَ ،ولَدْ يػُْع َط
َِّٔا».
ًص الحذيج
عن ُع َمُر أيضا ،قَا َؿ :بػَيْػنَ َما بَكْ ُن ِعْن َد َر ُسوِؿ ا﵁ِ -صلى ا﵁ عليو
وسلم -ذَا َت يػَْوٍـ ،إِْذ طَلَ َع َعلَيْػنَا َرُج ٌل َش ِدي ُد بػَيَا ِض الْثّػيَاب،
َش ِدي ُد َسَوا ِد ال َّشْعر ،لَا يػَُرى َعلَْيِو أَثػَُر ال َّسَفرَ ،وَلا يػَْعِرفُوُ ِمَنّا أَ َحٌد،
َحَّت َجلَ َس إِلَذ الَنِّبّْي -صلى ا﵁ عليو وسلم ،-فَأَ ْسنََد ُرْكبَتَػيْوِ إِلَذ
ُرْكبَتَػْيوَ ،وَو َض َع َكَّفيِْو َعلَى فَ ِخ َذيْوَ ،وقَا َؿ :يَا بُؿََّم ُد أَ ْخِبْرِني َع ِن
الِإ ْسلَاـ ،فَػَقا َؿ َر ُسوُؿ ا﵁ِ -صلى ا﵁ عليو وسلم " :-الِإ ْسلَاـُ أَ ْف
تَ ْشَه َد أَ ْف لَا إِلَوَ إَِّلا ا﵁َُ ،وأََّف بُؿََّم ًدا َر ُسوُؿ ا﵁ِ -صلى ا﵁ عليو
175
وسلم َ ، -وتُِقي َم ال َّصلَاةََ ،وتػُْؤِتيَ الَّزَكاَةَ ،وتَ ُصوَـ َرَم َضا َفَ ،وبَرُ ُّج
الْبَػْي َت إِ ِف ا ْستَطَْع َت إِلَْيِو َسبِيلًا" ،قَا َؿَ :ص َدقْ َت ،قَا َؿ :فَػَع ِجبْػنَا لَوُ
يَ ْسأَلٌوُ َويُ َصّْدقُوُ ،قَا َؿ :فَأَ ْخِبْرِني َع ِن الِإبيَاف ،قَا َؿ" :أَ ْف تُػْؤِم َن بِا﵁،
َوَملَائِ َكتِوَ ،وكتُبِوَ ،وُر ُسلِوَ ،والْيَػْوِـ اْلآ ِخرَ ،وتُػْؤِم َن بِالَْق َد ِر َخْيِرِه
َو َشّْرهِ" ،قَا َؿَ :ص َدقْ َت ،قَا َؿ :فَأَ ْخِبْرِني َع ِن الِإ ْح َساف ،قَا َؿ " :أَ ْف
تَػْعبَُد ا﵁َ َكأََنّ َك تَػَراهُ ،فَِإ ْف لَدْ تَ ُك ْن تَػَراهُ فَِإَنّوُ يػََرا َؾ" ،قَا َؿ :فَأَ ْخِبْرِني
َع ِن ال َّسا َعة ،قَا َؿَ " :ما الْ َم ْسئُوُؿ َعْنػَها بِأَ ْعلَ َم ِم َن ال َّسائِِل" ،قَا َؿ:
"فَأَ ْخِبْرِني َع ْن أََماَرتهَا ،قَا َؿ" :أَ ْف تَلَِد اْلأََمةُ َرَبػّتَػَهاَ ،وأَ ْف تَػَرى ابْغَُفاةَ
الُْعَراَة الَْعالَةَِ ،رَعاءَ ال َّشاء ،يػَتَطَاَولُو َف ِفي الْبُػنْػيَا ِف" ،قَا َؿ :ثَمّ انْطَلَ َق،
فَػلَبِثْ ُت َملِِيّا ،ثَُمّ قَا َؿ ِلر" :يَا ُع َمُر أَتَْد ِري َم ِن ال َّسائِ ُل؟ " قػُلْ ُت :ا﵁ُ
َوَر ُسولُوُ أَ ْعلَ ُم ،قَا َؿ ( :فَِإَنّوُ ِجْبِري ُل أَتَا ُك ْم يػَُعْلّ ُم ُك ْم ِديْػنَ ُك ْم") .رواه
مسلم
176
تخشيج الحذيج
قاؿ الشيخ بؿمد بن آدـ الإثيوِب:
أخرجو ( ابؼصنّف/مسلم) ربضو ا﵁ تعالذ ىنا في " الإبياف" ( ٔ/
ٔٓٔ) عن أِب خيثمة زىير بن حرب ،عن وكيع ( -ح) وعن
عبيد ا﵁ بن معاذ العنبر ّي ،عن أبيو -كلابنا عن كهمس بن
ابغسن ،عن عبد ا﵁ بن بريدة ،عن بويى بن يعمر ،عن ابن عمر،
حدثِن أِب عمر بن ابػطاب ،فذكره.
و(ٔ )ٕٔٓ /عن بؿمد بن ُعبيد الْغُبَر ّي ،وأِب كامل ابْعَ ْحدر ّي،
وأبضد بن عبدة -ثلاثتهم عن بضاد بن زيد ،عن مطر الوّراؽ،
عبد ا﵁ بن بُريدة بو ،و (ٔ )ٖٔٓ /عن حجاج بن الشاعر ،عن
يونس بن بؿمد ،عن ابؼعتمر بن سليماف ،عن أبيو ،عن بويى بن
يعمر بو.
177
و(ٔ )ٔٓٗ /عن بؿمد بن حاتم ،عن بويى بن سعيد القطّاف ،عن
عثماف بن غياث ،عن عبد ا﵁ بن بريدة ،عن بويى بن يعمر،
وبُضيد بن عبد الربضن كلابنا عن ابن عمر بو.
وأخرجو ( أبضد) في " مسنده" (ٔ )ٕٚ /عن وكيع -وفي ( ٔ/
ٔ٘) ( )ٖٙٚعن بؿمد بن جعفر ،ويزيد بن ىاروف -و (ٔ/
ٕ٘) ( )ٖٙٛعن عبد ا﵁ بن يزيد -و (أبو داود) في "سننو"
(٘ )ٜٗٙعن عُبيد ا﵁ بن معاذ ،عن أبيو -و (ابن ماجو) (ٖ)ٙ
عن عل ّي بن بؿمد ،عن وكيع -و ( الترمذ ّي) في " جامعو"
(ٓٔ )ٕٙعن أِب ع ّمار ابغسين بن ُحريث ابْػُزاع ّي ،عن وكيع -
(ح) وعن أبضد بن بؿمد ،عن ابن ابؼبارؾ ( -ح) وعن بؿمد بن
ابؼثنّى ،عن معاذ بن معاذ -و (النسائ ّي) في "سننو" ( )ٜٚ /ٛعن
إسحاؽ بن إبراىيم ،عن النضر بن شُميل -و ( ابن خزبية) في
178
"صحيحو" (ٕٗٓ٘) عن أِب موسى بؿمد بن ابؼثنّى ،عن حسين
بن ابغسن -بشانيتهم (وكيع ،وبؿمد بن جعفر ،ويزيد ،وعبد ا﵁
بن يزيد ،ومعاذ ،وعبد ا﵁ بن ابؼبارؾ ،والنضر ،وحسين) عن
كهمس بن ابغسن .-
و(البخار ّي) في "خلق أفعاؿ العباد" ( )ٕٙعن أِب النعماف ،عن
بضّاد بن زيد ،عن مطر الوّراؽ -كلابنا (كهمس ،ومطر) عن
عبد ا﵁ بن بريدة بو.
و(أبو نعيم) في "مستخرجو" (ٗ ٚو ٘ ٚو ٚٙو ٚٚو ٚٛو
ٜٚو ٓ ٛو ٔ ٛو ٕ ٛو ٖ ٛو ٗ.)ٛ
و(ابن خزبية) (٘ )ٖٓٙقاؿ :عن أِب يعقوب يوسف بن واضح
ابؽاشم ّي ،عن ابؼعتمر بن سليماف ،عن أبيو ،عن بويى بن يعمر بو،
179
وفيو ... :قاؿ :الإسلاـ أف تشهد أف لا إلو إلا ا﵁ ،وأف بؿم ًدا
رسوؿ ا﵁ ،وأف تقيم الصلاة ،وتؤتي الزكاة ،وبر ّج البيت ،وتعتمر،
وتغتسل من ابعنابة ،وأف تُت ّم الوضوء ،وتصوـ رمضاف ،قاؿ :فإذا
فعلت ذلك فأنا مسلم؟ قاؿ :نعم ،قاؿ :صدقت " ...ابغديث.
وأخرجو (أبضد) (ٔ )ٔٛٗ( )ٕٚ /و (ابؼصنّف) (ٔ )ٖٔٓ /عن
بؿمد بن حاتم -و ( أبو داود) ( )ٜٗٙٙعن مس ّدد ،ثلاثهم
(أبضد ،وبؿمد ،ومس ّدد) عن بويى بن سعيد القطّاف ،عن عثماف
بن غياث ،قاؿ :ح ّدثِن عبد ا﵁ بن بُريدة ،عن بويى بن يعمر،
وبضيد بن عبد الربضن ،عن ابن عمر ،فذكره.
وزاد فيو" :سأؿ رجلٌ من جهينة ،أو مزينة ،فقاؿ :يا رسوؿ ا﵁،
فيم نعمل ،أفي شيء قد خلا أو مضى ،أو في شيء يُستأنف
الآف؟ قاؿ :في شيء قد خلا ،أو مضى ،فقاؿ رجل ،أو بعض
180
القوـ :يا رسوؿ ا﵁ ،فيم نعمل؟ قاؿ :أىل ابعنّة يي ّسروف لعمل
أىل ابعنّة ،وأىل النار يي ّسروف لعمل أىل النار" .39وا﵁ تعالذ
أعلم40.
39وأخرجو أبو داود ( )ٜٗٙٚعن بؿمود بن خالد ،عن الِفْرياِّب ،عن سفياف ،عن علقمة بن مرثد ،عن سليماف
بن بُريد ،عن ابن يعمرّٔ ،ذا ابغديث يزيد وينقص ،فذكره بعضهم في مسند عمر -رضي ا﵁ عنو ،-وليس
كذلك فإف رواية سليماف بن بريدة من مسند ابن عمر ،لا من مسند عمر -رضي ا﵁ عنهما ،-ودون ك ن ّصو
في "مسند الإماـ أبضد" ربضو ا﵁ تعالذ:
حدثنا أبو نعيم ،حدثنا سفياف ،عن علقمة بن مرثد ،عن سليماف بن بريدة ،عن ابن يعمر قاؿ :قلت لابن عمر
-رضي ا﵁ عنهما :-إنا نسافر في الآفاؽ ،فنَػلَْقى قوًما يقولوف :لا قدر ،فقاؿ ابن عمر :إذا لقيتموىم فأخبروىم
أف عبد ا﵁ بن عمر منهم بريء ،وأنهم منو برآء ،ثلاثًا ،ثم أنشأ بودث بينما بكن عند رسوؿ ا﵁ -صلى ا﵁ عليو
وسلم -فجاء رجل ،فذكر من ىيئتو ،فقاؿ رسوؿ ا﵁ -صلى ا﵁ عليو وسلم " :-ادنو" ،فدنا ،فقاؿ" :ادنو"،
فدنا ،فقاؿ" :ادنو" ،فدنا حَّت كاد ركبتاه بسساف ركبتيو ،فقاؿ :يا رسوؿ ا﵁ أخبرني ما الإبياف؟ أو عن الإبياف؟
قاؿ" :تؤمن با﵁ ،وملائكتو ،وكتبو ،ورسلو ،واليوـ الآخر ،وتؤمن بالقدر" ،قاؿ سفياف :أراه قاؿ" :خيره وشره"،
قاؿ :فما الإسلاـ؟ قاؿ" :إقاـ الصلاة ،وإيتاء الزكاة ،وحج البيت ،وصياـ شهر رمضاف ،وغسل من ابعنابة"،كل
ذلك قاؿ :صدقت صدقت ،قاؿ القوـ :ما رأينا رجلًا أشد توقيًرا لرسوؿ ا﵁ -صلى ا﵁ عليو وسلم -من ىذا،
كأنو يعلم رسوؿ ا﵁ -صلى ا﵁ عليو وسلم ،-ثم قاؿ :يا رسوؿ ا﵁ أخبرني عن الإحساف؟ قاؿ" :أف تعبد ا﵁،
أو تعبده كأنك تراه ،فإف لا تراه فإنو يراؾ"،كل ذلك نقوؿ :ما رأينا رجلًا أشد توقيرًا لرسوؿ ا﵁ من ىذا ،فيقوؿ:
صدقت صدقت ،قاؿ :أخبرني عن الساعة ،قاؿ" :ما ابؼسؤوؿ عنها بأعلم ّٔا من السائل" ،قاؿ :فقاؿ :صدقت،
قاؿ ذلك مراًرا ،ما رأينا رجلًا أشد توقيًرا لرسوؿ ا﵁ -صلى ا﵁ عليو وسلم -من ىذا ،ثم وَلّذ ،قاؿ سفياف:
فبلغِن أف رسوؿ ا﵁ -صلى ا﵁ عليو وسلم -قاؿ" :التمسوه" ،فلم بهدوه ،قاؿ" :ىذا جبريل جاءكم يعلمكم
دينكم ،ما أتاني في صورة إلا عرفتو ،غير ىذه الصورة".
حدثنا أبو أبضد ،حدثنا سفياف ،عن علقمة بن مرثد ،عن سليماف بن بريدة ،عن ابن يعمر قاؿ :سألت ابن عمر،
أو سألو رجل ،إنا نسير في ىذه الأرض ،فنلقى قوًما يقولوف :لا قدر ،فقاؿ ابن عمر :إذا لقيت أولئك فأخبرىم
أف عبد ا﵁ بن عمر منهم بريء ،وىم منو برآء ،قابؽا ثلاث مرات ،ثم أنشأ بودثنا ،قاؿ :بينا بكن عند رسوؿ ا﵁
-صلى ا﵁ عليو وسلم ،-فجاء رجل ،فقاؿ :يا رسوؿ ا﵁ أدنو؟ فقاؿ" :ادنو" ،فدنا َرتْػَوةً ،ثم قاؿ :يا رسوؿ ا﵁
181
شرح ابغديث:
(بػَيْػنَ َما) ىي "بين" الظرفيّة زيدت عليها "ما" ،لتكّفها عن عملها
ابػف َض لَِما دخلت عليو ،ومثلها "بينا" زيدت عليها الألف ،في
بعدبنا مرفوع بالابتداء في اللغة ابؼشهورة،
(ذَا َت يػَْوٍـ) أي يوًما من الأياـ ،فػ "ذات" مقحمة ،وقيل :ىي من
إضافة الشيء لنفسو ،على رأي من بُهيز ذلك.
وقاؿ السنوس ّي ربضو ا﵁ تعالذ" :ذات" صلة للتوكيد ،ترفع احتماؿ
أف يراد باليوـ مطلق الزماف ،فهي مع اليوـ بدنزلة رأيت عين زيد،
أدنو؟ فقاؿ" :ادنو" ،فدنا َرتْػَوة ،ثم قاؿ :يا رسوؿ ا﵁ أدنو؟ فقاؿ" :ادنو" ،فدنا رتوة ،حَّت كادت أف بسس ركبتاه
ركبة رسوؿ ا﵁ -صلى ا﵁ عليو وسلم ،-فقاؿ :يا رسوؿ ا﵁ ،ما الإبياف؟ ، ...فذكر معناه .انتهى.
فهذا صريح ،بأف رواية سفياف من مسند ابن عمر ،لا من مسند عمر -رضي ا﵁ عنهما ،-ىذا ىو الصواب في
ىذه الرواية.
لكن الذي يظهر لر أفكونو من مسند عمر -رضي ا﵁ عنو ،-ىو الأرجح؛ لأَ َّف رواتو أوثق ،وأكثر ،فليُتأّمل.
وا﵁ تعالذ أعلم بالصواب.
40البحر ا﵀يط ٕٔٔٔ-ٕٔٓ/
182
وىو ظرؼ ،والعامل فيو معنى الاستقرار الذي في ابػبر .انتهى
شرح الأِّب" ٔ41 .ٜ٘ /
((إذ طلع علينا))؛ أي :ظهر لنا (( رج ٌل)) ىو جبريل -عليو
السلاـ -أتى النبي صلى ا﵁ عليو وسلم في صورة رجل لا
يعرفونو ،وكاف في الغالب يأتيو في صورة دحية الكلبي الصحاِب،
وكاف أبصل أىل زمانو ،وأحسنهم صورة.
((شديد بياض الثياب ،شديد سواد الشعر))؛ أي :شعر اللحية،
كما وقع مصرًحا بو في رواية لابن حباف.42
((لا يرى عليو أثر السفر))؛ أي :علامة سفر أو ىيئة سفر من
غبرةٍ أو شعوثة.
41البحر ا﵀يط ٔٛٗ-ٕٛ/
42الإحساف في ترتيب ابن حباف ( 390 /1ح .)168
183
ببناء الفعل للمفعوؿ ،وفي "مستخرج أِب نعيم"" :لا نػََرى عليو أثَر
سفر ،ولا يعرفو منا أحد".
قاؿ النوو ّي َ -ربِضَوُ ا﵁ُ -في "شرحو" بؽذا الكتاب :ضبطناه بالياء
ابؼثَنّاة ،من بر ُت ابؼضمومة ،وكذلك ضبطناه في " ابعمع بين
الصحيحين" ،وغيره ،وضبطو ابغافظ أبو حازـ العُ ْذر ّي بالنوف
ابؼفتوحة ،وكذا ىو في " مسند أِب يعلى ابؼوصلى" ،وكلابنا
صحيح .انتهى.
وقاؿ القرطبّي َ -ربِضَوُ ا﵁ُ :-ىكذا مشهور رواية ىذا اللفظ
"يُرى" مبنِيّا بؼا لَدْ يُس ّم فاعلو بالياء باثنتين من برتها" ،ولا يعرفو"
بالياء أي ًضا ،وقد رواه أيو حازـ العذر ّي" :لا نَرى عليو أثر السفر،
ولا نعرفو" بالنوف فيهما ،مبنِيّا للفاعل ،ونوف ابعماعة ،وكلابنا
واض ُح ابؼعنى .انتهى.
184
ووقع في حديث أِب ىريرة -رضي ا﵁ عنو -عند البخار ّي في
"التفسير"" :إذ أتاه رجل بيشي" ،وفي حديث أِب ىريرة ،وأِب ذز
عند النسائ ّي" :وإنا بعلوس ،ورسوؿ ا﵁ -صلى ا﵁ عليو وسلم -
في بؾلسو ،إذ أقبل رجل ،أحسن الناس وجًها ،وأطيب الناس ربوًا،
كأف ثيابو لَدْ بيسها دنس ،حَّت سلّم في طَرؼ البساط ،فقاؿ:
السلاـ عليكم يا بؿمد"43.
((ولا يعرفو منا أحٌد))؛ أي :معشر الصحابة.
((فأسند))؛ أي :ألصق ((ركبتيو إلذ ركبتيو))؛ أي :وضع الَّرجل
ركبتيو متصلتين بركبتي رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم.
((ووضع كفيو على فخذيو))؛ أي :فخ َذ ْي نفسو جال ًسا على
ىيئة ابؼتعلم ،كذا ذكره النووي،
43البحر ا﵀يط ٔٛٙ-ٛ٘/
185
الصحيح أف معناه أنو وضع كفيو على فخذي النبّي -صلى ا﵁
عليو وسلم -؛ بؼا وقع من التصريح بو في رواية ابن حباف وابن
منده ابؼذكورة ،وكذا وقع التصريح بو في حديث أِب ىريرة ،وأِب ذّر
رضي ا﵁ تعالذ عنهما عند النسائ ّي :قالا :كاف رسوؿ ا﵁ -
صلى ا﵁ عليو وسلم -بهلس بين ظهراني أصحابو ،فيجيء
الغريب فلا يَد ِري أيهم ىو؟ حَّت يسأؿ ،فطلبنا إلذ رسوؿ ا﵁ -
صلى ا﵁ عليو وسلم -أف بقعل لو بؾل ًسا يعرفو الغريب إذا أتاه،
فبنينا لو ُدّكانًا من طين ،كاف بهلس عليو ،وإنا بعلوس ،ورسوؿ ا﵁
-صلى ا﵁ عليو وسلم -في بؾلسو ،إذ أقبل رجل أحسن الناس
وجًها ،وأطيب الناس ربوًا ،كأف ثيابو لَدْ بَيَ َّسها َدنَ ٌس ،حَّت سلم
في طرؼ البساط ،فقاؿ :السلاـ عليك يا بؿمد ،فرد عليو السلاـ،
قاؿ :أَْدنُو يا بؿمد؟ قاؿ :ا ْدنُْو ،فما زاؿ يقوؿ :أدنو؟ مراًرا ويقوؿ
186
لو :ادف ،حَّت وضع يده على ركبتي رسوؿ ا﵁ -صلى ا﵁ عليو
وسلم .-
وكذا في حديث ابن عبّاس ،وأِب عامر الأشعري -رضي ا﵁ عنهم
" :-ثم وضع يده على ركبتي النبي -صلى ا﵁ عليو وسلم .-قاؿ
في " الفتح" :فأفادت ىذه الرواية أف الضمير في قولو " :على
فخذيو" يعود على النبي -صلى ا﵁ عليو وسلم ، -وبو جزـ
البغوي ،وإبظاعيل التيمي؟ بؽذه الرواية ،ورجحو الطيبي بحثًا؛ لأنو
نَ َس ُق الكلاـ ،خلافًا بؼا جزـ بو النووي ،ووافقو التوربشتي؛ لأنو
بضلو على أنو جلس كهيئة ابؼتعلم ،بين يدي من يتعلم منو ،وىذا
وإف كاف ظاىًرا من السياؽ ،لكن وضعو يديو على فخذ النبي -
صلى ا﵁ عليو وسلم -منَْبّو للإصغاء إليو .انتهى44.
44البحر ا﵀يط ٔٛٛ/
187
((وقاؿ :يا بؿمد ،أخبرني عن الإسلاـ))؛ أي :عن حقيقتو ،وناداه
بابظو ،قيل :لأف ذلك قبل التحرًن ،أو لأف ابغرمة بـتصة بالآدميين
دوف ابؼلائكة.
فإف قيل :كيف بدأ بالسؤاؿ قبل السلاـ ،أجيب بأنو بوتمل أف
يكوف ذلك مبالغة في التعمية لأمره ،أو ليبين أف ذلك غير واجب،
أو سلم فلم ينقلو الراوي.45
ىذا الثالث ىو الصواب ،فقد ثبت في رواية حديث أِب ىريرة،
وأِب ذّر ابؼتق ّدـ عند النسائ ّي قولو" :حَّت سلم من طرؼ البساط،
فقاؿ :السلاـ عليك يا بؿمد ،فرد عليو السلاـ ، " ...قاؿ في
"الفتح" :وبكوه في رواية عطاء ،عن ابن عمر ،لكن قاؿ" :السلاـ
45برفة الأحوذي ( 289 /7ح .)2738
188
عليك يا رسوؿ ا﵁" ،وفي رواية مطر الوراؽ" :فقاؿ :يا رسوؿ ا﵁
أدنو منك؟ قاؿ :ادف" ،ولد يذكر السلاـ.
ووقع عند القرطبي :أنو قاؿ" :السلاـ عليكم يا بؿمد" ،فاستنبط
منو أنو يستحب للداخل أف يعمم بالسلاـ ،ثم بىصص من يريد
بزصيصو .انتهى46.
أَ ْخِبْرِني َع ِن الِإ ْسلَاِـ) قاؿ الطيبّي َ -ربِضَوُ ا﵁ُ :-الإسلاـ:
الانقياد ،والطاعة عن الطوع والرغبة من غير اعتراض ،يقاؿ :سلّم،
وأسلم ،واستسلم :إذا خضع ،وأذعن ،ولذلك أجاب عنو بالأركاف
ابػمسة .انتهى (ٔ).
وقاؿ القرطبّي :الإسلاـ في اللغة :ىو الاستسلاـ ،والانقياد ،ومنو
قولو تعالذ{ :قُ ْل لَدْ تُػْؤِمنُوا َولَ ِك ْن قُولُوا أَ ْسلَ ْمنَا} الآية [ابغجرات:
46البحر ا﵀يط ٜٔٓ/
189
ٗٔ] :أي انقدنا ،وىو في الشرع :الانقياد بالأفعاؿ الظاىرة
الشرعيّة ،ولذلك قاؿ -صلى ا﵁ عليو وسلم -فيما رواه أنس -
رضي ا﵁ عنو -عنو" :الإسلاـ علانية ،والإبياف في القلب" ،ذكره
ابن أِب شيبة في " مصنّفو" ٔٔ .47ٔٔ /انتهى (" ابؼفهم" ٔ/
48.)ٖٜٔ
وإبما بدأ بالإسلاـ؛ لأنو يتعلّق بالأمر الظاىر ،وثػَنّى بالإبياف؛ لأنو
يتعلّق بالأمر الباطن ،وفي حديث أِب ىريرة -رضي ا﵁ عنو -
الآتي بعد ىذا" :فقاؿ :يا رسوؿ ا﵁ ،ما الإبياف" ،فبدأ بالإبياف؛
لأنو الأصل ،وثػََنّى بالإسلاـ؛ لأنو يُظهر ِم ْص َدا َؽ الدعوى ،وثػَلّث
بالإحساف؛ لأنو ُمتَػَعْلّق ّٔما.
47رواه ابن أِب شيبة في "مصنفو" ،وزاد" :ثم يشير إلذ صدره ،ويقوؿ :التقوى ىهنا ،التقوى ىهنا" .وفي سنده علي
بن مسعدة ،ضعفو البخار ّي وغيره ،ووثقو آخروف ،وضعف بعضهم ىذا ابغديث بسببو ،وعندي أنو حسن
ابغديث .انظر تربصتو في" :تهذيب التهذيب"ٖ .. ٜٕٔ /وا﵁ تعالذ أعلم.
48البحر ا﵀يط ٜٔٔ/
190
((فقاؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم)) بؾيبًا لو(( :الإسلاـ أف
تشهد))؛ أي :تعلم وتصدؽ وتسلم ((أف لا إلو إلا ا﵁))؛ أي :لا
معبود بح ٍّق إلا ا﵁ (( ،وأف بؿم ًدا))؛ أي :وتشهد أف بؿم ًدا
((رسوؿ ا﵁)) بذلك(( ،و)) أف ((تقيم الصلاة))؛ أي :تأتي ّٔا
بأركانها وشروطها ،وتواظب عليها في أوقاتها ،زاد في حديث أِب
ىريرة الآتي " :ابؼكتوبة".وقاؿ القرطبّي ربضو ا﵁ تعالذ :والصلاة في
اللغة :الدعاء ،ومنو قولو تعالذَ{ :و َص ّْل َعلَيِْه ْم} [التوبة:]ٖٔٓ :
أي ادع ,و في الشرع :أفعاؿ بـصوصةٌ ،بشروط بـصوصة ،الدعاء
جزء منها .انتهى.
وقاؿ الطيبّي ربضو ا﵁ تعالذ :إقامة الصلاة :تعديل أركانها وإدامتها،
والصلاة فَػَعلَةٌ ،من َصلّى :بدعنى دعا ،أو حّرؾ ال ّصلَوين 49؛ لأف
49الصلوين :مثنى َصلا ،وبنا ما يكوف عن بيين الّذنَب وشمالو.
191
ابؼصلّي بُوّركهما في ركوعو وسجوده ،كالزكاة من َزَكى :بدعنى بما ،أو
طهر ،فإف ابؼاؿ يزيد بأداء الزكاة ،ويطهر بو ،وكالصوـ ،من صاـ:
إذا أمسك ،وابغ ّج ،من ح ّج :إذا قصد البيت" .الكاشف" ٕ/
ٕٗٗ50.
((و)) أف ((تؤتي الزكاة))؛ أي :تؤديها على وجهها الشرعي؛ بأف
تعطيها بؼستحقيها ،أو للإماـ ليدفعها بؽم ،والزكاة لغةً :النمو
والزيادة ،يقاؿ :زكا ابؼاؿ إذا بما وطاب؛ لأنها تنمي ابؼاؿ بالبركة ،أو
سبب في بموه وزيادتو،
((و)) أف ((تصوـ)) شهر ((رمضاف)) ،والصوـ في اللغة :الإمساؾ
والكف عن الشيء ،ومنو قولو تعالذ ﴿ :إِ ْنّي نََذْر ُت لِلَّربْضَ ِن َصْوًما
50البحر ا﵀يط ٜٖٔ-ٜٕ/
192
﴾ [مرًن]26 :؛ أي صمتًا ،كذا قاؿ ابن عباس رضي ا﵁ عنو
والضحاؾ.51
فائدة:
الصياـ عن الكلاـ ليس من شريعة الإسلاـ ،قاؿ ابن قدامة في
ابؼغِن :وظاىر الأخبار برربيو ،فإف نذر لا يلزمو الوفاء بو ،ولا
خلاؼ فيو بين الشافعية وابغنفية ،وبو قاؿ ابن ابؼنذر ،ولا نعلم فيو
خلافًا.52
فقد روى البخاري في كتاب مناقب الأنصار ،باب أياـ ابعاىلية،
عن قيس بن أِب حازـ قاؿ :دخل أبو بكٍر رضي ا﵁ عنو على
امرأٍة من أبضس يقاؿ بؽا :زينب ،فرآىا لا تكلم ،فقاؿ( :ما بؽا لا
َص ْوًما} لِلَّربْضَ ِن نََذْر ُت {إِ ْنّي تعالذ: قولو عند )539 (/16 للألوسي ابؼعاني روح 51تفسٍز ابن كثٍز (.)124 / 3
52ابؼغِن مع الشرح (،)149 /3
[مرًن ،]26 :وانظر فتح الباري ( 185 /7ح .)3834
193
تكلم؟) ،قالوا :حجت مصمتةً ،قاؿ بؽا( :تكلمي؛ فإف ىذا لا
بول؛ ىذا من عمل ابعاىلية) ،فتكلمت.53
وىو في الشرع :إمساؾ بصيع أجزاء اليوـ عن أشياء بـصوصة،
بشرط بـصوص.
وقولو" :رمضاف" أي الشهر ابؼس ّمى ّٔذا الاسم ،وىو من َرِم َض:
إذا احترؽ من الرمضاء ،وبظّي بو لاربساضهم من حّر ابعوع ،أو من
حرارة الزماف الذي وقع فيو ،أو لأنو برترؽ بو الذنوب ،وبسحى بو
العيوب ،أو لأنو تزوؿ معو حرارة الشهوات.
وجائز قوؿ رمضاف دوف أف يضاؼ إلذ شهر؛ كما قاؿ القرطبي
ربضو ا﵁ :فيو جواز استعمالو غير مضاؼ إلذ شهر ،وىو مذىب
البخاري وا﵀ققين؛ بػبر (( :إذا دخل رمضاف ،فتحت أبواب
53فتح الباري (3/ 51ح .)3834
194
ابعنة)) ،وقيل :يكره استعمالو بلا إضافة شهر ،نقلو عياض وغيره،
وقيل :بهوز بقرينة؛ كصمنا رمضاف ،ويكره بدونها؛ كجاء رمضاف،
والصحيح جواز إطلاؽ رمضاف من غير إضافة ،كما ثبت في
الصحاح وغيرىا.54
روى البخاري عن أِب ىريرة :أف رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم
قاؿ(( :إذا جاء رمضاف ،فتحت أبواب الربضة))
((و)) أف (( برج البيت))؛ أي :تقصد بيت ا﵁ ابغراـ في زمن
بـصوص بنية لأداء ابؼناسك من طواؼ وسعي ووقوؼ بعرفة
وغيرىا(( ،55إف استطعت إليو سبيلًا))؛ أي :قدرت على الوصوؿ
إليو بدوف مشقة عظيمة ،مع الأمن على النفس وابؼاؿ ،ووجود
مؤف السفر.
54تفسير القرطبي ( ،)195 /2شرح الزرقاني على موطأ الإماـ مالك ( 205 /2ح .)638
55الروض ابؼربع ( ،)500 /3حاشية ابن عابدين (.)400 /2
195
((قاؿ))؛ أي :الرجل ((صدقت))؛ أي :فيما أجبت بو ،زاد في
رواية ابن حباف قبلو" :قاؿ :فإذا فعلت ىذا فأنا مسلم؟ " قاؿ:
"نعم"( ،قَا َؿ) أي عمر -رضي ا﵁ عنو ،-ففي رواية أِب عوانة
في "ابؼستخرج" :فقاؿ عمر ( " ...فَػَع ِجْبػنَا لَوُ) وفي رواية النسائي
بلفظ " إليو" بدؿ " لو" ( يَ ْسأَلُوُ َويُ َصّْدقُوُ) وفي حديث أِب ىريرة،
وأِب ذّر عند النسائي" :فلما بظعنا قوؿ الرجل :صدقت أنكرناه"،
وفي رواية مطر الوراؽ" :انظروا إليو كيف يسألو ،وانظروا إليو كيف
يصدقو" ،وفي حديث أنس " :انظروا وىو يسألو ،وىو يصدقو،
كأنو أعلم منو" ،وفي رواية سليماف بن بريدة قاؿ القوـ" :ما رأينا
رجلًا مثل ىذا ،كأنو يػَُعْلّم رسوؿ ا﵁ -صلى ا﵁ عليو وسلم ،-
يقوؿ لو :صدقت صدقت"56.
56البحر ا﵀يط ٜٔٙ /
196
قاؿ ابن دقيق العيد :إبما تعجبوا من ذلك؛ لأف ما جاء بو النبي
صلى ا﵁ عليو وسلم لا يعرؼ إلا من جهتو ،وليس ىذا السائل
بفن ُعرؼ بلقاء النبي صلى ا﵁ عليو وسلم ولا السماع منو ،ثم ىو
قد سأؿ سؤاؿ عارؼ بؿقق مصدؽ ،فتعجبوا من ذلك.57
((قاؿ))؛ أي :الرجل ((فأخبرني عن الإبياف ،قاؿ))؛ أي :النبي
صلى ا﵁ عليو وسلم بؾيبًا عن ذلك(( :أف تؤمن با﵁))؛ أي :ىو
التصديق بوجوده ،وأنو لا بهوز عليو العدـ ،وأنو تعالذ موصو ٌؼ
بصفات ابعلاؿ والكماؿ ،من العلم ،والقدرة ،والإرادة ،والكلاـ،
والسمع ،والبصر ،وابغياة ،والرضا ،وا﵀بّة ،وغيرىا ،وأنو منّزه عن
صفات النقص التي ىي أضداد تلك الصفات ،وعن صفات
الأجساـ ،وابؼتحيّزات ،وأنو واحد ،صمد ،فرٌد ،خالق بصيع
57شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد.)(9
197
ابؼخلوقات ،متصّرؼ فيها بدا يشاء من التصّرفات ،يفعل في ملكو
ما يريد ،وبوكم في خلقو ما يشاء.
وقاؿ شيخ الإسلاـ ابن تيميّة ربضو ا﵁ تعالذ في "العقيدة الواسطيّة"
حينما يصف اعتقاد الفرقة الناجية ابؼنصورة :ومن الإبياف با﵁
الإبياف بدا وصف بو نفسو في كتابو ،وبدا وصفو رسولو -صلى
ا﵁ عليو وسلم -من غير برريف ،ولا تعطيل ومن غير تكييف،
ولا بسثيل ،بل يؤمنوف بأف ا﵁ ُ -سْب َحانَوُ َوتَػَعالَذ { :-لَيْ َس َك ِمثْلِِو
َش ْيءٌ َوُىَو ال َّس ِمي ُع الْبَ ِصيرُ} [الشورى ،]ٔٔ :فلا ينفوف عنو ما
وصف بو نفسو ،ولا بُوّرفوف الكلم عن مواضعو ،ولا يُلحدوف في
أبظائو ،وآياتو ،ولا يكيّفوف ،ولا بيثّلوف صفاتو بصفات خلقو؛ لأنو
ُ -سبْ َحانَوُ َوتَػَعالَذ -لا بظ ّي لو ،ولا كفء لو ،ولا ن ّد لو ،ولا
يقاس بخلقو ُ -سبْ َحانَوُ َوتَػَعالَذ ، -فإنو أعلم بنفسو ،وبغيره،
198
وأصدؽ قيلًا ،وأحسن حديثًا من خلقو ،ثم رسلو صادقوف،
مص ّدقوف ،بخلاؼ الذين يقولوف عليو ما لا يعلموف ،وبؽذا قاؿ
تعالذُ { :سْب َحا َف َرْبّ َك َر ّْب الْعَِّزةِ َعَّما يَ ِصُفو َف (َٓ )ٔٛو َسلَاٌـ َعلَى
الْ ُمْر َسلِيَن (َٔ )ٔٛوابْغَْم ُد لَِلِّو َر ّْب الَْعالَِميَن (ٕ[ })ٔٛالصافات:
ٓ ،]ٕٔٛ - ٔٛفسبّح نفسو عما وصفو بو ابؼخالفوف للرسل،
وسلّم على ابؼرسلين؛ لسلامة ما قالوه من النقص والعيب ،وىو قد
بصع فيما وصف ،وب َظّى بو نفسو بين النفي والإثبات ،فلا عدوؿ
لأىل السنّة وابعماعة ع ّما جاء بو ابؼرسلوف ،فإنّو الصراط ابؼستقيم،
صراط الذين أنعم ا﵁ عليهم من النبيين والصديقين ،والشهداء،
والصابغين .انتهى كلامو بـتصًرا58.
58البحر ا﵀يط ٜٔٚ/
199
((وملائكتو))؛ (َوَملَائِ َكتِِو) قاؿ ابن الأثير :بصع َملأَ ٍؾ في الأصل،
ثم ُحذفت بنزتو؛ لكثرة الاستعماؿ ،فقيلَ :ملَ ٌك ،وقد برذؼ
ابؽاء ،فيقاؿ :ملائك ،وقيل :أصلو َمأْلَ ٌك بتقدًن ابؽمزة ،من
الألوكة ،وىي الرسالة ،ثم ق ّدمت ابؽمزة ،وبُصع .انتهى.59
وقاؿ الفيّوم ّي :أَلَ َك بين القوـ أَلْ ًكا ،من باب َضَر َب ،وأُلُوًكا أي ًضا:
تَػَر َّسل ،واسم الرسالة َمأْلُ ٌك بضم اللاـ ،وَمأْلُكةٌ أي ًضا بابؽاء،
ولامها تُض ّم وتُفتح ،وابؼلائكة مشتّقة من لفظ الأُلُوكة ،وقيل :من
الْ َمأْلَك ،الواحد َملَ ٌك ،وأصلو َملأٌَؾ ،ووزنو َمْفَع ٌل ،فنُقلت حركة
ابؽمزة إلذ اللاـ ،و َسَقطت ،فوزنو َمَع ٌل ،فإف الفاء ىي ابؽمزة ،وقد
سقطت ،وقيل :مأخوذ من لأَ َؾ :إذا أرسل ،فملأٌَؾ َمْفَعل ،فنُقلت
"59النهاية" ٖٜٗ٘ /
200