The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.
Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by thoriqul, 2022-07-09 05:11:43

syarah hadits Jibril

syarah hadits Jibril

‫نفاؽ"‪ ،‬رواه مسلم‪ ،‬فأخبر أنو من لد يه ّم بو كاف على شعبة‬
‫نفاؽ‪.‬‬

‫وأي ًضا فابعهاد جنس برتو أنواع متع ّددة‪ ،‬ولا ب ّد أف بهب على‬
‫ابؼؤمن نوع من أنواعو‪ ،‬وكذلك قولو عز وجل‪ { :‬إَِبّمَا الْ ُمْؤِمنُو َف‬
‫اَلّ ِذي َن إَِذا ذُكَِر الَلّوُ َوِجلَ ْت قػُلُوبػُُه ْم َوإَِذا تُلِيَ ْت َعلَْيِه ْم آيَاتُوُ َزاَدتْػُه ْم‬
‫إِبيَانًا َوَعلَى َرِّّْٔ ْم يػَتَػَوَّكلُو َف (ٕ) اَلّ ِذي َن يُِقي ُمو َف ال َّصلَاَة َوِبَفّا َرَزقْػنَا ُى ْم‬
‫يػُْنِفُقو َف (ٖ) أُولَئِ َك ُى ُم الْ ُمْؤِمنُو َف َحِّقا} والآية [ الأنفاؿ‪- ٕ :‬‬
‫ٗ]‪ ،‬ىذا كلو واجب‪ ،‬فإف التوّكل على ا﵁ واج ٌب من أعظم‬
‫الواجبات‪ ،‬كما أف الإخلاص ﵁ واجب‪ ،‬وح ّب ا﵁ ورسولو‬
‫واجب‪ ،‬وقد أمر ا﵁ بالتوّكل عليو في غير آية‪ ،‬أعظم بفا أمر‬

‫بالوضوء‪ ،‬والغسل من ابعنابة‪ ،‬ونهى عن التوّكل على غير ا﵁‪ ،‬قاؿ‬
‫تعالذ‪{ :‬فَا ْعبُْدهُ َوتَػَوَّك ْل َعلَْيِو} [ىود‪ ،]ٕٖٔ :‬وقاؿ تعالذ‪{ :‬الَلّوُ‬

‫‪101‬‬

‫لَا إِلَوَ إَِّلا ُىَو َوَعلَى الَلِّو فَػْليَتَػَوَّك ِل الْ ُمْؤِمنُو َف ( ٖٔ)} [ التغابن‪:‬‬
‫ٖٔ]‪ ،‬وقاؿ تعالذ‪{ :‬إِ ْف يػَنْ ُصْرُك ُم الَلّوُ فَلَا َغالِ َب لَ ُك ْم َوإِ ْف بَىُْذلْ ُك ْم‬
‫فََم ْن ذَا اَلّ ِذي يػَنْ ُصُرُك ْم ِم ْن بػَْع ِدهِ َوَعلَى الَلِّو فَػلْيَتَػَوَّك ِل الْ ُمْؤِمنُو َف‬
‫(ٓ‪[ })ٔٙ‬آؿ عمراف‪ ،]ٔٙٓ :‬وقاؿ تعالذ‪َ{ :‬وقَا َؿ ُمو َسى يَاقَػْوِـ‬
‫إِ ْف ُكنْتُ ْم آَمْنتُ ْم بِالَلِّو فَػَعلَيِْو تَػَوَّكلُوا إِ ْف ُكْنتُ ْم ُم ْسلِ ِميَن ( ٗ‪})ٛ‬‬

‫[يونس‪.]ٛٗ :‬‬

‫وأما قولو تعالذ‪{ :‬إَِبّمَا الْ ُمْؤِمنُو َف اَلّ ِذي َن إَِذا ذُكَِر الَلّوُ َوِجلَ ْت قُػلُوبػُُه ْم‬
‫َوإَِذا تُلِيَ ْت َعلَْيِه ْم آيَاتُوُ َزاَدتْػُه ْم إِبيَانًا} [الأنقاؿ‪ ،]ٕ :‬فيقاؿ‪ :‬من‬
‫أحواؿ القلب‪ ،‬وأعمالو ما يكوف من لوازـ الإبياف الثابتة فيو‪ ،‬بحيث‬

‫إذا كاف الإنساف مؤمنًا‪ ،‬لزـ ذلك بغير قصد منو‪ ،‬ولا تع ّمد لو‪،‬‬
‫وإذا لد يوجد دّؿ على أف الإبياف الواجب لد بوصل في القلب‪،‬‬
‫وىذا كقولو تعالذ‪ { :‬لَا بَِذ ُد قَػْوًما يػُْؤِمنُو َف بِالَلِّو َوالْيَػْوِـ اْلآ ِخ ِر‬

‫‪102‬‬

‫يػَُواُّدو َف َم ْن َحاَّد الَلّوَ َوَر ُسولَوُ َولَْو َكانُوا آبَاءَُى ْم أَْو أَبْػنَاءَُى ْم أَْو‬
‫إِ ْخَوانػَُه ْم أَْو َع ِشيرَتَػُه ْم أُولَئِ َك َكتَ َب ِفي قػُلُؤِِّ ُم اْلِإبيَا َف َوأََيَّد ُى ْم بُِروٍح‬
‫ِمنْوُ} [آّادلة‪ ،]ٕٕ :‬فأخبر أنك لا بذد مؤمنًا يوا ّد ا﵀اّدين ﵁‬

‫ورسولو‪ ،‬فإف نفس الإبياف تنافي مواّدتو‪ ،‬كما ينفي أحد الض ّدين‬

‫الآخر‪ ،‬فإذا ُوجد الإبياف انتفى ض ّده‪ ،‬وىو موالاة أعداء ا﵁‪ ،‬فإذا‬
‫كاف الرجل يوالر أعداء ا﵁ بقلبو‪ ،‬كاف ذلك دليلًا على أف قلبو‬

‫ليس فيو الإبياف الواجب‪.‬‬

‫ومثلو قولو تعالذ في الآية الأخرى‪َ { :‬كانُوا لَا يػَتَػنَا َىْو َف َع ْن ُمْن َكٍر‬
‫فَػَعلُوهُ لَبِْئ َس َما َكانُوا يػَْفَعلُو َف (‪ )ٜٚ‬تَػَرى َكثِيرًا ِمنْػُه ْم يػَتَػَوَلّْوَف اَلّ ِذي َن‬
‫َكَفُروا لَبِْئ َس َما قََّدَم ْت بَؽُْم أَنْػُف ُسُه ْم أَ ْف َس ِخ َط الَلّوُ َعلَيِْه ْم َوِفي‬
‫الَْع َذا ِب ُى ْم َخالُِدوَف (ٓ‪َ )ٛ‬ولَْو َكانُوا يػُْؤِمنُو َف بِالَلِّو َوالَنِّبّْي َوَما أُنِْزَؿ‬
‫إِلَيِْو َما اَبّزَُذوُى ْم أَْولِيَاءَ َولَ ِك َّن َكثِيرًا ِمنْػُه ْم فَا ِسُقو َف (ٔ‪[ })ٛ‬ابؼائدة‪:‬‬

‫‪103‬‬

‫‪ ،]ٛٔ - ٜٚ‬فذكر بصلة شرطيّة تقتضي أنو إذا ُوجد الشرط ُوجد‬
‫ابؼشروط بحرؼ "لو" التي تقتضي مع الشرط انتفاء ابؼشروط‪ ،‬فقاؿ‬
‫{َولَْو َكانُوا يػُْؤِمنُو َف بِالَلِّو َوالَنِّبّْي َوَما أُنِْزَؿ إِلَيِْو َما اَبّزَُذوُى ْم أَْولِيَاءَ}‬
‫[ابؼائدة‪ ،]ٛٔ :‬فدّؿ على أف الإبياف ابؼذكور ينفي ابزاذىم أولياء‪،‬‬

‫ويُضاّده‪ ،‬ولا بهتمع الإبياف وابزاذىم أولياء في القلب‪ ،‬ودّؿ ذلك‬
‫على أف من ابّزذىم أولياء‪ ،‬ما فعل الإبياف الواجب‪ ،‬من الإبياف‬

‫با﵁ والنبّي‪ ،‬وما أنزؿ إليو‪.‬‬
‫ومثلو قولو تعالذ‪ { :‬لَا تَػَتّ ِخ ُذوا الْيَػُهوَد َوالَنّ َصاَرى أَْولِيَاءَ بػَْع ُضُه ْم‬
‫أَْولِيَاءُ بػَْع ٍض َوَم ْن يػَتَػَوبَّؽُْم ِمْن ُك ْم} الآية [ابؼائدة‪ ،]٘ٔ :‬فإنو أخبر‬
‫في تلك الآيات أف متولّيهم لا يكوف مؤمنًا‪ ،‬وأخبر ىنا أف متولّيهم‬
‫ىو منهم‪ ،‬فالقرآف يص ّدؽ بعضو بع ًضا‪ ،‬قاؿ ا﵁ تعالذ‪{ :‬الَلّوُ نػََّزَؿ‬
‫أَ ْح َس َن ابْغَ ِدي ِث كِتَابًا ُمتَ َشأًِّا َمثَاِنيَ تَػْق َشعُِّر ِمنْوُ ُجلُودُ اَلّ ِذي َن‬

‫‪104‬‬

‫بَىْ َشْو َف َرَبػُّه ْم} الآية [ الزمر‪ ،]ٕٖ :‬وكذلك قولو تعالذ‪ { :‬إَِبّمَا‬
‫الْ ُمْؤِمنُو َف اَلّ ِذي َن آَمنُوا بِالَلِّو َوَر ُسولِِو َوإَِذا َكانُوا َمَعوُ َعلَى أَْمٍر َجاِمٍع‬
‫لَدْ يَْذ َىبُوا َحَّت يَ ْستَأِْذنُوهُ} الآية [ النور‪ ]ٕٙ :‬دلي ٌل على أف‬
‫الذىاب ابؼذكور بدوف استئذانو لا بهوز‪ ،‬وأنو بهب أف لا يذىب‬

‫حَّت يستأذف‪ ،‬فمن ذىب‪ ،‬ولد يستأذف‪ ،‬كاف قد ترؾ بعض ما‬

‫بهب عليو من الإبياف‪ ،‬فلهذا نفى عنو الإبياف‪ ،‬فإف حرؼ "إبما"‬

‫تدّؿ على إثبات ابؼذكور‪ ،‬ونفي غيره‪ ،‬ومن الأصوليين من يقوؿ‪:‬‬

‫"إ ّف" للإثبات‪ ،‬و"ما" للنفي‪ ،‬فإذا بُصع بينهما دلّت على النفي‬
‫والإثبات‪ ،‬وليس كذلك عند أىل العربيّة‪ ،‬ومن يتكلّم بعلم‪ ،‬فإف‬
‫"ما" ىذه ىي الكافّة التي تدخل على "إف" وأخواتها‪ ،‬فتكّفها عن‬
‫العمل؛ لأنها إبما تعمل إذا اخت ّصت بابعمل الابظيّة‪ ،‬فلما ُكّفت‬
‫بطل عملها‪ ،‬واختصاصها‪ ،‬فصار يليها ابعمل الفعليّة والابظيّة‪،‬‬

‫‪105‬‬

‫فتغيّر معناىا وعملها بصيًعا بانضماـ "ما" إليها‪ ،‬وكذلك "كأبما"‪،‬‬
‫وغيرىا‪.‬‬

‫وكذلك قولو تعالذ‪َ { :‬ويػَُقولُو َف آَمَنّا بِالَلِّو َوبِالَّر ُسوِؿ َوأَطَْعنَا ثَُمّ يػَتَػَوَلّذ‬
‫فَِري ٌق ِمنْػُه ْم ِم ْن بػَْع ِد ذَلِ َك َوَما أُولَئِ َك بِالْ ُمْؤِمنِيَن (‪َ )ٗٚ‬وإِذَا ُد ُعوا‬
‫إِلَذ الَلِّو َوَر ُسولِِو لِيَ ْح ُك َم بػَْيػنَػُه ْم إَِذا فَِري ٌق ِمنْػُه ْم ُمْعِر ُضو َف (‪ })ٗٛ‬إلذ‬

‫قولو‪َ{ :‬وأُولَئِ َك ُى ُم الْ ُمْفلِ ُحو َف} [النور‪.]٘ٔ - ٗٚ :‬‬

‫[فإف قيل]‪ :‬إذا كاف ابؼؤمن حِّقا ىو الفاعل للواجبات‪ ،‬التارؾ‬
‫للمحّرمات‪ ،‬فقد قاؿ‪ { :‬أُولَئِ َك ُى ُم الْ ُمْؤِمنُو َف َحِّقا} [ الأنفاؿ‪:‬‬
‫ٗ]‪ ،‬ولد يذكر إلا بطسة أشياء‪ ،‬وكذلك قاؿ في الآية الأخرى‪:‬‬
‫{إَِبّمَا الْ ُمْؤِمنُو َف اَلّ ِذي َن آَمنُوا بِالَلِّو َوَر ُسولِِو ثَُمّ لَدْ يػَْرتَابُوا َو َجا َى ُدوا‬
‫بِأَْمَوابِؽِ ْم َوأَنْػُف ِسِه ْم ِفي َسبِيِل الَلِّو أُولَئِ َك ُى ُم ال َّصاِدقُو َف ( ٘ٔ)}‬

‫‪106‬‬

‫[ابغجرات‪ ،]ٔ٘ :‬وكذلك قولو‪ { :‬إِ َّف اَلّ ِذي َن يَ ْستَأِْذنُونَ َك أُولَئِ َك‬
‫اَلّ ِذي َن يػُْؤِمنُو َف بِالَلِّو َوَر ُسولِِو} الآية [النور‪.]ٕٙ :‬‬

‫[قيل]‪ :‬عن ىذا جواباف‪:‬‬

‫[أحدبنا]‪ :‬أف يكوف ما ذُكر مستلزًما بؼا تُرؾ‪ ،‬فإنو ذََكر َو َج َل‬
‫قلؤّم إذا ذُكر ا﵁‪ ،‬وزيادة إبيانهم إذا تُليت عليهم آياتو‪ ،‬مع‬

‫التوّكل عليو‪ ،‬وأقاـ الصلاة على الوجو ابؼأمور بو باطنًا وظاىًرا‪،‬‬
‫وكذلك الإنفاؽ من ابؼاؿ وابؼنافع‪ ،‬فكاف ىذا مستلزًما للباقي‪ ،‬فإف‬
‫و َج َل القل ِب عند ذكر ا﵁ يقتضي خشيتو‪ ،‬وابػوؼ منو‪ ،‬وقد‬
‫ف ّسروا "وجلت" بَفِرقَت‪ ،‬وفي قراءة ابن مسعود ‪ -‬رضي ا﵁ عنو ‪:-‬‬
‫"إذا ذُكر ا﵁ فِرقَت قلؤّم"‪ ،‬وىذا صحيح‪ ،‬فإف الوجل في اللغة‬

‫ىو ابػوؼ‪ ،‬يقاؿ؛ بضرة ابْػَ َجل‪ ،‬و ُصْفرة الوجل‪ ،‬ومنو قولو تعالذ‪:‬‬
‫{َواَلّ ِذي َن يػُْؤتُو َف َما آتَػْوا َوقػُلُوبػُُه ْم َوِجلَةٌ أََنػُّه ْم إِلَذ َرِّّْٔ ْم َرا ِجُعو َف‬

‫‪107‬‬

‫(ٓ‪[ })ٙ‬ابؼؤمنوف‪ ،]ٙٓ :‬قالت عائشة رضي ا﵁ تعالذ عنها‪ :‬يا‬

‫رسوؿ ا﵁ ىو الرجل يزني‪ ،‬ويسرؽ‪ ،‬وبىاؼ أف يُعاقب؟ قاؿ‪" :‬لا‬
‫يا ابنة ال ّص ّديق‪ ،‬ىو الرجل يصلّي‪ ،‬ويصوـ‪ ،‬ويتص ّدؽ‪َ ،‬وبَىاؼ أف‬
‫لا يُقبل منو" وقاؿ ال ّس ّد ّي في قولو تعالذ‪{ :‬اَلّ ِذي َن إَِذا ذُكَِر الَلّوُ‬
‫َوِجلَ ْت قػُلُوبػُُه ْم} [ابغج‪ :]ٖ٘ :‬ىو الرجل يريد أف يظلم‪ ،‬أو يه ّم‬
‫بدعصية‪ ،‬فينزع عنو‪ ،‬وىذا كقولو تعالذ‪َ { :‬وأََّما َم ْن َخا َؼ َمَقاَـ َرْبِّو‬
‫َونػََهى الَنّػْف َس َع ِن ابْؽََوى ( ٓٗ) فَِإ َّف ابْعََنّةَ ِى َي الْ َمأَْوى ( ٔٗ)}‬
‫[النازعات‪ ،]ٗٔ - ٗٓ :‬وقولو‪َ { :‬ولَِم ْن َخا َؼ َمَقاَـ َرْبِّو َجَنّتَا ِف‬
‫(‪ [ })ٗٙ‬الربضن‪ ،]ٗٙ :‬قاؿ بؾاىد‪ :‬وغيره من ابؼف ّسرين‪ :‬ىو‬
‫الرجل يه ّم بابؼعصية‪ ،‬فيذكر مقامو بين يدي ا﵁‪ ،‬فيتركها خوفًا من‬

‫ا﵁‪.‬‬

‫‪108‬‬

‫وإذا كاف وجل القلب من ذكره يتض ّمن خشيتو‪ ،‬وبـافتو‪ ،‬فذلك‬
‫يدعو صاحبو إلذ فعل ابؼأمور‪ ،‬وترؾ ا﵀ظور‪ .‬قاؿ سهل بن عبد‬

‫ا﵁‪ :‬ليس بين العبد وبين ا﵁ حجاب أغلظ من الدعوى‪ ،‬ولا‬

‫طريق إليو أقرب من الافتقار‪ ،‬وأصل ك ّل خير في الدنيا والآخرة‬
‫ابػوؼ من ا﵁‪ .‬ويدّؿ على ذلك قولو تعالذ‪َ { :‬ولََّما َس َك َت َع ْن‬
‫ُمو َسى الْغَ َض ُب أَ َخ َذ اْلأَلَْوا َح َوِفي نُ ْس َختَِها ُى ًدى َوَربْضَةٌ لَِلّ ِذي َن ُى ْم‬
‫لَِرِّّْٔ ْم يػَْرَىبُو َف ( ٗ٘ٔ)} [ الأعراؼ‪ ،]ٔ٘ٗ :‬فأخبر أف ابؽدى‬
‫والربضة للذين يرىبوف ا﵁‪ .‬قاؿ بؾاىد‪ ،‬وإبراىيم‪ :‬ىو الرجل يريد أف‬

‫يذنب الذنب‪ ،‬فيذكر مقاـ ا﵁‪ ،‬فيدع الذنب‪ .‬رواه ابن أِب الدنيا‬

‫عن ابن ابععد‪ ،‬عن شعبة‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عنهما في قولو تعالذ‪:‬‬
‫{َولَِم ْن َخا َؼ َمَقاَـ َرْبِّو َجَنّتَا ِف ( ‪[ })ٗٙ‬الربضن‪ ،]ٗٙ :‬وىؤلاء‬
‫ىم أىل الفلاح ابؼذكوروف في قولو تعالذ‪{ :‬أُولَئِ َك َعلَى ُى ًدى ِم ْن‬

‫‪109‬‬

‫َرِّّْٔ ْم َوأُولَئِ َك ُى ُم الْ ُمْفلِ ُحو َف ( ٘)} [ البقرة‪ ،]٘ :‬وىم ابؼؤمنوف‪،‬‬
‫وىم ابؼتّقوف ابؼذكوروف في قولو تعالذ‪{ :‬الد (ٔ) ذَلِ َك الْ ِكتَا ُب لَا‬
‫َريْ َب فِيِو ُى ًدى لِْل ُمَتِّقيَن (ٕ)} [البقرة‪ ،]ٕ - ٔ :‬كما قاؿ في آية‬
‫البرّ‪ { :‬أُولَئِ َك اَلّ ِذي َن َص َدقُوا َوأُولَئِ َك ُى ُم الْ ُمَتّػُقو َف} [ البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]ٔٚٚ‬وىؤلاء ىم ابؼتبعوف للكتاب‪ ،‬كما في قولو تعالذ‪{ :‬فََم ِن‬
‫اَتّػبَ َع ُى َدا َي فَلَا يَ ِض ُّل َوَلا يَ ْشَقى} [طو‪ ،]ٕٖٔ :‬وإذا لد يض ّل‪،‬‬
‫فهو متّبع مهتد‪ ،‬وإذا لد يش َق‪ ،‬فهو مرحوـ‪ ،‬وىؤلاء ىم أىل‬
‫الصراط ابؼستقيم الذين أنعم ا﵁ عليهم من النبيين وال ّص ّديقين‪،‬‬
‫والشهداء‪ ،‬والصابغين‪ ،‬غير ابؼغضوب عليهم ولا ال ّضالّين‪ ،‬فإف أىل‬

‫الربضة ليسوا مغضوبًا عليهم‪ ،‬وأىل ابؽدى ليسوا ضالّين‪ ،‬فتبّين أف‬
‫أىل رىبة ا﵁ يكونوف متّقين ﵁‪ ،‬مستحّقين للجنة بلا عذاب‪،‬‬

‫وىؤلاء ىم الذين أتوا بالإبياف الواجب‪.‬‬

‫‪110‬‬

‫وبفا يدّؿ على ىذا ابؼعنى قولو تعالذ‪{ :‬إَِبّمَا بَىْ َشى الَلّوَ ِم ْن ِعبَاِدهِ‬
‫الْعُلَ َماءُ} الآية [فاطر‪ ،]ٕٛ :‬وابؼعنى لا بىشاه إلا عالد‪ ،‬فقد أخبر‬
‫ا﵁ أف ك ّل من خشي ا﵁ فهو عالد‪ ،‬كما قاؿ في الآية الأخرى‪:‬‬
‫{أََّم ْن ُىَو قَانِ ٌت آنَاءَ الَلّْيِل َسا ِج ًدا َوقَائًِما بَوْ َذُر اْلآ ِخَرةَ َويػَْرُجو َربْضَةَ‬
‫َرْبِّو قُ ْل َى ْل يَ ْستَِوي اَلّ ِذي َن يػَْعلَ ُمو َف َواَلّ ِذي َن لَا يػَْعلَ ُمو َف} والآية‬

‫[الزمر‪.]ٜ :‬‬

‫وابػشية أب ًدا متض ّمنة للرجاء‪ ،‬ولولا ذلك لكانت قُنوطًا‪ ،‬كما أف‬
‫الرجاء يستلزـ ابػوؼ‪ ،‬ولولا ذلك لكاف أمنًا‪ ،‬فأىل ابػوؼ ﵁‪،‬‬
‫والرجاء لو ىم أىل العلم الذين مدحهم ا﵁‪ .‬وقد ُروي عن أِب‬
‫حيّاف التيم ّي أنو قاؿ‪ :‬العلماء ثلاثة‪ :‬فعالد با﵁ ليس عابؼًا بأمر‬
‫ا﵁‪ ،‬وعالد بأمر ا﵁ ليس عابؼًا با﵁‪ ،‬وعالد با﵁ عالد بأمر ا﵁‪،‬‬
‫فالعالد با﵁ ىو الذي بىافو‪ ،‬والعالد بأمر ا﵁ ىو الذي يعلم أمره‬

‫‪111‬‬

‫ونهيو‪ ،‬وفي " الصحيح" عن النبّي ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬أنو‬
‫قاؿ‪" :‬وا﵁ إني لأرجو أف أكوف أخشاكم ﵁‪ ،‬وأعلمكم بحدوده"‪.‬‬

‫وإذا كاف أىل ابػشية ىم العلماء ابؼمدوحوف في الكتاب والسنّة‪،‬‬

‫لد يكونوا مستحّقين لل ّذّـ‪ ،‬وذلك لا يكوف إلا مع فعل الواجبات‪.‬‬
‫ويدّؿ عليو قولو تعالذ‪ { :‬فَأَْو َحى إِلَيِْه ْم َرُبػُّه ْم لَنُػ ْهلِ َك َّن ال َظّالِِميَن‬
‫(ٖٔ) َولَنُ ْس ِكنَػَنّ ُك ُم اْلأَْر َض ِم ْن بػَْع ِد ِى ْم َذلِ َك لَِم ْن َخا َؼ َمَقاِمي‬
‫َو َخا َؼ َوِعي ِد ( ٗٔ)} [ إبراىيم‪ ،]ٔٗ - ٖٔ :‬وقولو‪َ { :‬ولَِم ْن‬
‫َخا َؼ َمَقاَـ َرْبِّو َجَنّتَا ِف ( ‪ [ })ٗٙ‬الربضن‪ ،]ٗٙ :‬فوعد بنصر‬
‫الدنيا‪ ،‬وبثواب الآخرة لأىل ابػوؼ‪ ،‬وذلك إبما يكوف لأنهم أَّدوا‬

‫الواجب‪ ،‬فدّؿ على أف ابػوؼ يستلزـ فعل الواجب‪ ،‬وبؽذا يقاؿ‬

‫للفاجر‪ :‬لا بىاؼ ا﵁‪ .‬ويدّؿ على ىذا ابؼعنى قولو تعالذ‪ { :‬إَِبّمَا‬
‫الَتّػْوبَةُ َعلَى الَلِّو لَِلّ ِذي َن يػَْع َملُو َف ال ُّسوءَ ِبجََهالٍَة ثَُمّ يػَتُوبُو َف ِم ْن قَِري ٍب}‬

‫‪112‬‬

‫الآية [النساء‪ .]ٔٚ :‬قاؿ أبو العالية‪ :‬سألت أصحاب بؿمد ‪-‬‬
‫صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬عن ىذه الآية‪ ،‬فقالوا لر‪ :‬ك ُّل من عصى‬
‫ا﵁ فهو جاى ٌل‪ ،‬وك ّل من تاب قبل ابؼوت‪ ،‬فقد تاب من قريب‪،‬‬
‫وكذلك قاؿ سائر ابؼف ّسرين‪ ،‬قاؿ بؾاىد‪ :‬ك ّل عاص فهو جاىل‬
‫حين معصيتو‪ .‬وقاؿ ابغسن‪ ،‬وقتادة‪ ،‬وعطاء‪ ،‬والس ّد ّي‪ ،‬وغيرىم‪:‬‬
‫إبما بُُظّوا ُجّهالًا بؼعاصيهم‪ ،‬لا أنهم غير بفيّزين‪ .‬وقاؿ الّزّجاج‪ :‬ليس‬
‫معنى الآية أنهم بههلوف أنو سوء؛ لأف ابؼسلم لو أتى ما بههلو كاف‬

‫كمن لد يواقع سوءًا‪ ،‬وإبما بوتمل أمرين‪:‬‬
‫[أحدبنا]‪ :‬أنهم عملوه‪ ،‬وىم بههلوف ابؼكروه فيو‪.‬‬

‫[والثاني]‪ :‬أنهم أقدموا على بصيرة وعلم بأف عاقبتو مكروىة‪ ،‬وآثروا‬
‫العاجل على الآجل‪ ،‬فس ّموا ُجّهاًلا؛ لإيثارىم القليل على الراحة‬

‫‪113‬‬

‫الكثيرة‪ ،‬والعافية الدائمة‪ ،‬فقد جعل الزّجاج ابعهل إما عدـ العلم‬
‫بعاقبة الفعل‪ ،‬وإما فساد الإرادة‪ .‬وقد يقاؿ‪ :‬بنا متلازماف‪.‬‬

‫وابؼقصود ىنا أف ك ّل عاص ﵁‪ ،‬فهو جاىل‪ ،‬وك ّل خائف منو فهو‬
‫عالدٌ مطيع ﵁‪ ،‬وإبما يكوف جاىلًا لنقص خوفو من ا﵁؛ إذ لو تمّ‬
‫خوفو من ا﵁ لد يَع ِص‪ ،‬ومنو قوؿ ابن مسعود ‪ -‬رضي ا﵁ عنو ‪:-‬‬
‫كفى بخشية ا﵁ عل ًما‪ ،‬وكفى بالاغترار بو جهلًا‪ ،‬وذلك لأف تصّور‬
‫ابؼخوؼ يوجب ابؽرب منو‪ ،‬وتصّور ا﵀بوب يوجب طلبو‪ ،‬فإذا لد‬
‫يهرب من ىذا‪ ،‬ولد يطلب ىذا‪ ،‬دّؿ على أنو لد يتصّوره تصّوًرا‬
‫تاِّما‪ ،‬ولكن قد يتصّور ابػبر عنو‪ ،‬وتصّور ابػبر‪ ،‬وتصديقو‪ ،‬وحفظ‬
‫حروفو غير تصّور ابؼخبر عنو‪ ،‬وكذلك إذا لد يكن ابؼتصّور بؿبوبًا‬
‫لو‪ ،‬ولا مكروًىا‪ ،‬فإف الإنساف يص ّدؽ بدا ىو بـوؼ على غيره‪،‬‬
‫وبؿبوب لغيره‪ ،‬ولا يورثو ذلك ىربًا‪ ،‬ولا طلبًا‪ ،‬وكذلك إذا أُخِبر بدا‬

‫‪114‬‬

‫ىو بؿبو ٌب لو‪ ،‬ومكروه‪ ،‬ولد يك ّذب ابؼخبر‪ ،‬بل عرفو صدقو‪ ،‬لكن‬
‫قلبو مشغوؿ بأمور أخرى عن تصّور ما أُخبر بو‪ ،‬فهذا لا يتحّرؾ‬

‫للهرب‪ ،‬ولا للطلب‪.‬‬

‫وفي الكلاـ ابؼعروؼ عن ابغسن البصر ّي‪ ،‬ويُروى مرسلًا عن النبّي‬
‫‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪" :-‬العلم علماف‪ :‬فعلم في القلب‪ ،‬وعلم‬

‫على اللساف‪ ،‬فعلم القلب ىو العلم النافع‪ ،‬وعلم اللساف حجة ا﵁‬

‫على عباده"‪ .‬وقد أخرجا في " الصحيحين" عن أِب موسى‬

‫الأشعر ّي ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬عن النبّي ‪ -‬صلى ا﵁ عليو‬
‫وسلم ‪ -‬أنو قاؿ‪ " :‬مثل ابؼؤمن الذي يقرأ القرآف مثل الأترّجة‬
‫طعمها طيّب وربوها طيّ ٌب‪ ،‬ومثل ابؼؤمن الذي لا يقرأ القرآف مثل‬
‫التمرة‪ ،‬طعمها طيّ ٌب ولا ريح بؽا‪ ،‬ومثل ابؼنافق الذي يقرأ القرآف‬
‫كمثل الربوانة‪ ،‬ربوها طيّ ٌب وطعمها مّر‪ ،‬ومثل ابؼنافق الذي لا يقرأ‬

‫‪115‬‬

‫القرآف مثل ابغنظلة‪ ،‬طعمها مّر ولا ريح بؽا"‪ .‬وىذا ابؼنافق الذي‬
‫يقرأ القرآف‪ ،‬بوفظو‪ ،‬ويتصّور معانيو‪ ،‬وقد يص ّدؽ أنو كلاـ ا﵁‪،‬‬
‫وأف الرسوؿ ح ّق‪ ،‬ولا يكوف مؤمنًا‪ ،‬كما أف اليهود يعرفونو كما‬
‫يعرفوف أبناءىم‪ ،‬وليسوا مؤمنين‪ ،‬وكذلك إبليس‪ ،‬وفرعوف‪ ،‬وغيربنا‪،‬‬

‫لكن من كاف كذلك‪ ،‬لد يكن حصل لو من العلم التاّـ‪ ،‬وابؼعرفة‬
‫التاّمة‪ ،‬فإف ذلك يستلزـ العمل بدوجبو‪ ،‬لا بؿالة‪ ،‬وبؽذا صار يقاؿ‬

‫بؼن لد يعمل بعلمو‪ :‬إنو جاىل‪ ،‬كما تق ّدـ‪.‬‬

‫وكذلك لفظ " العقل"‪ ،‬وإف كاف في الأصل مصدر عقل يعقل‬

‫عقلًا ‪ -‬من باب ضرب ‪ -‬وكثير من النظّار جعلو من جنس‬

‫العلوـ‪ ،‬فلا ب ّد أف يُعتبر مع ذلك أنو علم يُعمل بدوجبو‪ ،‬فلا يس ّمى‬
‫عاقلًا إلا من عرؼ ابػير فطلبو‪ ،‬والشّر فتركو‪ ،‬وبؽذا قاؿ أصحاب‬
‫النار‪ { :‬لَْو ُكَنّا نَ ْس َم ُع أَْو نػَْعِق ُل َما ُكَنّا ِفي أَ ْص َحا ِب ال َّسعِيِر}‬

‫‪116‬‬

‫[ابؼلك‪ ،]ٔٓ :‬وقاؿ عن ابؼنافقين‪{ :‬بَْر َسبُػُه ْم بَِصيًعا َوقػُلُوبػُُه ْم َشَّت‬
‫ذَلِ َك بِأََنػُّه ْم قَػْوٌـ لَا يػَْعِقلُو َف} [ابغشر‪ ،]ٔٗ :‬ومن فعل ما يعلم أنو‬

‫يضّره‪ ،‬فمثل ىذا ما لو عق ٌل‪ ،‬فكما أف ابػوؼ من ا﵁ يستلزـ‬

‫العلم بو‪ ،‬فالعلم بو يستلزـ خشيتو‪ ،‬وخشيتو تستلزـ طاعتو‪،‬‬

‫فابػائف من ا﵁ بفتث ٌل لأوامره‪ ،‬بؾتنب لنواىيو‪ ،‬وىذا ىو الذي‬

‫قصدنا بيانو أّوًلا‪.‬‬

‫ويدّؿ على ذلك أي ًضا قولو تعالذ‪{ :‬فََذّْكْر إِ ْف نػََفَع ِت الّْذْكَرى (‪)ٜ‬‬
‫َسيََّذَّكُر َم ْن بَىْ َشى ( ٓٔ) َويػَتَ َجَنّبُػَها اْلأَ ْشَقى ( ٔٔ) اَلّ ِذي يَ ْصلَى‬

‫الَنّاَر الْ ُكبْػَرى (ٕٔ)} [الأعلى‪ ،]ٕٔ - ٜ :‬فأخبر أف من بىشاه‬
‫يتذّكر‪ ،‬والتذّكر ىنا مستلزـ لعبادتو‪ ،‬قاؿ ا﵁ تعالذ‪ُ { :‬ىَو اَلّ ِذي‬
‫يُِري ُك ْم آيَاتِِو َويػُنَػّْزُؿ لَ ُك ْم ِم َن ال َّس َماِء ِرْزقًا َوَما يػَتََذَّكُر إَِّلا َم ْن يُنِي ُب‬
‫(ٖٔ)} [ غافر‪ ،]ٖٔ :‬وقاؿ‪ { :‬تَػبْ ِصَرًة َوِذ ْكَرى لِ ُك ّْل َعبْ ٍد ُمنِي ٍب‬

‫‪117‬‬

‫(‪ [ })ٛ‬ؽ‪[ ،]ٛ :‬قاؿ ابعامع عفا ا﵁ عنو]‪ :‬وبؽذا قالوا في قولو‬

‫تعالذ‪َ { :‬سيََّذَّكُر َم ْن بَىْ َشى ( ٓٔ)} [ الأعلى‪ :]ٔٓ :‬سيتّعظ‬
‫بالقرآف من بىشى ا﵁‪ ،‬وفي قولو‪َ { :‬وَما يػَتََذَّكُر إَِّلا َم ْن يُنِي ُب}‬
‫[غافر‪ :]ٖٔ :‬إبما يتّعظ من يرجع إلذ الطاعة‪ ،‬وىذا لأف التذّكر‬

‫التاّـ يستلزـ التأثّر بدا تذّكره‪ ،‬فإف تذّكر بؿبوبًا طلبو‪ ،‬وإف تذّكر‬
‫مرىوبًا ىرب منو‪ .‬ومنو قولو تعالذ‪َ { :‬سَواءٌ َعلَيِْه ْم أَأَنَْذْرتَػُه ْم أَْـ لَدْ‬
‫تُػنْ ِذْرُى ْم لَا يػُْؤِمنُو َف} [البقرة‪ ،]ٙ :‬وقاؿ سبحانو ا﵁‪{ :‬اَتّػبَ َع الّْذْكَر‬
‫َو َخ ِش َي الَّربْضَ َن بِالْغَْي ِب} [يس‪ ،]ٔٔ :‬فنفى الإنذار عن غير ىؤلاء‬
‫مع قولو‪{ :‬إِ َّف اَلّ ِذي َن َكَفُروا َسَواءٌ َعلَْيِه ْم أَأَنَْذْرتَػُه ْم أَْـ لَدْ تػُنْ ِذْرُى ْم لَا‬
‫يػُْؤِمنُو َف (‪ [ })ٙ‬البقرة‪ ،]ٙ :‬فأثبت بؽم الإنذار من وجو‪ ،‬ونفاه‬
‫عنهم من وجو‪ ،‬فالإنذار ىو الإعلاـ بابؼخوؼ‪ ،‬فالإنذار مثل‬

‫التعليم‪ ،‬والتخويف‪ ،‬فمن علّمتو فتعلّم‪ ،‬فقد تمّ تعليمو‪ ،‬وآخر‬

‫‪118‬‬

‫يقوؿ‪ :‬علّمتو فلم يتعلّم‪ ،‬وكذلك من خّوفتو فخاؼ‪ ،‬فهذا ىو‬
‫الذي تمّ بزويفو‪ ،‬وأما من ُخّوؼ فما خاؼ‪ ،‬فلم يت ّم بزويفو‪،‬‬
‫وكذلك من ىديتو فاىتدى‪ ،‬تمّ ىداه‪ ،‬ومنو قولو تعالذ‪ُ { :‬ى ًدى‬
‫لِلْ ُمَتِّقيَن} [ البقرة‪ ،]ٕ :‬ومن ىديتو فلم يهتد‪ ،‬كما قاؿ تعالذ‪:‬‬
‫{َوأََّما بَشُودُ فَػَه َديْػنَا ُى ْم فَا ْستَ َحُبّوا الَْع َمى َعلَى ابْؽَُدى} [ ف ّصلت‪:‬‬
‫‪ ،]ٔٚ‬فلم يت ّم ىداه‪ ،‬كما تقوؿ‪ :‬قطعتو فانقطع‪ ،‬وقطعتو‪ ،‬فما‬
‫انقطع‪ .‬فابؼؤثّر التاّـ يستلزـ أثره‪ ،‬فمَّت لد بوصل أثره لد يكن تاِّما‪،‬‬
‫والفعل إذا صادؼ بؿِلّا قابلًا تمّ‪ ،‬وإلا لد يت ّم‪ ،‬والعلم با﵀بوب‬
‫يورث طلبو‪ ،‬والعلم بابؼكروه يورث تركو‪ ،‬وبؽذا يُس ّمى ىذا العلم‪:‬‬
‫الداعي‪ ،‬ويقاؿ‪ :‬الداعي مع القدرة‪ ،‬يستلزـ وجود ابؼقدور‪ ،‬وىو‬

‫العلم بابؼطلوب ابؼستلزـ لإرادة ابؼعلوـ ابؼراد‪ ،‬وىذا كلّو إبما بوصل‬

‫مع ص ّحة الفطرة‪ ،‬وسلامتها‪ ،‬وأما مع فسادىا‪ ،‬فقد بُو ّس الإنساف‬

‫‪119‬‬

‫باللذيذ‪ ،‬فلا بهد لو ل ّذة‪ ،‬بل يؤبؼو‪ ،‬وكذلك يلت ّذ بابؼؤلد لفساد‬

‫فطرتو‪ ،‬والفساد يتناوؿ القّوة العلميّة‪ ،‬والقّوة العمليّة بصيًعا‪،‬‬
‫كابؼمرور الذي بهد العسل ُمِّرا‪ ،‬فإنو فسد نفس إحساسو‪ ،‬حَّت‬

‫كاف بُو ّس بو على خلاؼ ما ىو عليو للمّرة التي مازجتو‪ ،‬وكذلك‬
‫من فسد باطنو‪ ،‬قاؿ تعالذ‪َ { :‬وَما يُ ْشعُِرُك ْم أََنػَّها إَِذا َجاءَ ْت لَا‬
‫يػُْؤِمنُو َف (‪َ )ٜٔٓ‬ونػَُقْلّ ُب أَفْئَِدتَػُه ْم َوأَبْ َصاَرُى ْم َك َما لَدْ يػُْؤِمنُوا بِِو أََّوَؿ‬
‫َمَّرةٍ َونََذُرُى ْم ِفي طُْغيَانِهِ ْم يػَْع َمُهو َف} [ الأنعاـ‪.]ٔٔٓ - ٜٔٓ :‬‬
‫وقاؿ تعالذ‪ { :‬فَػلََّما َزاغُوا أََزا َغ الَلّوُ قُػلُوبػَُه ْم} الآية [ الص ّف‪،]٘ :‬‬
‫وقاؿ {َوقَػْوبِؽِ ْم قُػلُوبػُنَا غُْل ٌف بَ ْل طَبَ َع الَلّوُ َعلَيْػَها بِ ُكْفِرِى ْم} [النساء‪:‬‬
‫٘٘ٔ]‪ ،‬وقاؿ في الآية الأخرى‪َ { :‬وقَالُوا قػُلُوبػُنَا ُغْل ٌف بَ ْل لََعنَػُه ُم‬
‫الَلّوُ} [ البقرة‪ ،]ٛٛ :‬و"الغلف" بصع أغلف‪ ،‬وىو ذو الغلاؼ‬

‫الذي في غلاؼ‪ ،‬مثل الأقلف‪ ،‬كأنهم َجعلوا ابؼانع خلقة‪ :‬أي‬

‫‪120‬‬

‫ُخلقت القلوب وعليها أغطية‪ ،‬فقاؿ ا﵁ تعالذ‪{ :‬بَ ْل لََعنَػُه ُم الَلّوُ‬
‫بِ ُكْفِرِى ْم} [البقرة‪{ ،]ٛٛ :‬طَبَ َع الَلّوُ َعلَيْػَها بِ ُكْفِرِى ْم فَلَا يػُْؤِمنُو َف إَِّلا‬
‫قَلِيلًا} [النساء‪ ،]ٔ٘٘ :‬وقاؿ تعالذ‪َ{ :‬وِمنْػُه ْم َم ْن يَ ْستَ ِم ُع إِلَْي َك‬
‫َحَّت إَِذا َخَرُجوا ِم ْن ِعنْ ِد َؾ قَالُوا لَِلّ ِذي َن أُوتُوا الْعِْل َم َماذَا قَا َؿ آنًِفا‬
‫أُولَئِ َك اَلّ ِذي َن طَبَ َع الَلّوُ َعلَى قُػلُؤِِّ ْم َواَتّػبَػُعوا أَْىَواءَُى ْم ( ‪})ٔٙ‬‬

‫[بؿمد‪.]ٔٙ :‬‬

‫وكذلك قالوا‪{ :‬يَا ُشَعْي ُب َما نػَْفَقوُ َكثِيًرا ِبَفّا تَػُقوُؿ} [ىود‪،]ٜٔ :‬‬
‫قاؿ‪َ { :‬ولَْو َعلِ َم الَلّوُ فِيِه ْم َخيْػًرا َلأَبْظََعُه ْم} [الأنفاؿ‪ :]ٕٖ :‬أي‬
‫لأفهمهم ما بظعوه‪ ،‬ثم قاؿ‪َ{ :‬ولَْو أَبْظََعُه ْم} [الأنفاؿ‪ :]ٕٖ :‬أي‬
‫ولو لأفهم مع ىذه ابغاؿ التي ىم عليها {لَتَػَوَلّْوا َوُى ْم ُمْعِر ُضو َف}‬
‫[الأنفاؿ‪ ،]ٕٖ :‬فقد فسدت فطرتهم‪ ،‬فلم يفهموا‪ ،‬ولو فهموا لد‬

‫يعملوا‪ ،‬فنفى عنهم ص ّحة القّوة العلميّة‪ ،‬وص ّحة القّوة العمليّة‪.‬‬

‫‪121‬‬

‫وقاؿ‪{ :‬أَْـ بَْر َس ُب أََّف أَ ْكثَػَرُى ْم يَ ْس َمُعو َف أَْو يػَْعِقلُو َف إِ ْف ُى ْم إَِّلا‬
‫َكاْلأَنْػَعاِـ بَ ْل ُى ْم أَ َض ُّل َسبِيلًا ( ٗٗ)} [ الفرقاف‪ ،]ٗٗ :‬وقاؿ‪:‬‬
‫{َولََق ْد ذََرأْنَا بِعََهَنّ َم َكثِيرًا ِم َن ابْعِ ّْن َواْلِإنْ ِس بَؽُْم قُػلُو ٌب لَا يػَْفَقُهو َف‬
‫َِّٔا َوبَؽُْم أَ ْعُيٌن لَا يػُْب ِصُرو َف َِّٔا َوبَؽُْم آ َذا ٌف لَا يَ ْس َمعُو َف َِّٔا أُولَئِ َك‬
‫َكاْلأَنْػَعاِـ بَ ْل ُى ْم أَ َض ُّل أُولَئِ َك ُى ُم الْغَافِلُو َف (‪[ })ٜٔٚ‬الأعراؼ‪:‬‬
‫‪ ،]ٜٔٚ‬وقاؿ‪َ { :‬وَمثَ ُل اَلّ ِذي َن َكَفُروا َك َمثَِل اَلّ ِذي يػَنْعِ ُق ِبدَا لَا‬
‫يَ ْس َم ُع إَِّلا ُد َعاءً َونَِداءً ُص ّّم بُ ْك ٌم عُ ْم ٌي فَػُه ْم لَا يػَْعِقلُو َف (ٔ‪})ٔٚ‬‬

‫[البقرة‪ ،]ٔٚٔ :‬وقاؿ عن ابؼنافقين‪ُ { :‬ص ّّم بُ ْك ٌم عُ ْم ٌي فَػُه ْم لَا‬
‫يػَْرِجُعو َف (‪[ })ٔٛ‬البقرة‪.]ٔٛ :‬‬

‫ومن الناس من يقوؿ‪ :‬لَّما لد ينتفعوا بالسمع والبصر‪ ،‬والنطق‬

‫جعلوا ُصِّما بُ ْك ًما عُ ْميًا‪ ،‬أو بؼا أعرضوا عن السمع والبصر والنطق‪،‬‬

‫صاروا كالص ّم العمي البكم‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬بل نفس قلؤّم‬

‫‪122‬‬

‫عميت‪ ،‬و ُص ّمت‪ ،‬وبكمت‪ ،‬كما قاؿ ا﵁ تعالذ‪{ :‬فَِإَنػَّها لَا تَػْع َمى‬
‫اْلأَبْ َصاُر َولَ ِك ْن تَػْع َمى الُْقلُو ُب اَلِّتي ِفي ال ُّص ُدور} [ ابغج‪.]ٗٙ :‬‬
‫والقلب ىو ابؼلك‪ ،‬والأعضاء جنوده‪ ،‬وإذا صلح صلح سائر‬

‫ابعسد‪ ،‬وإذا فسد فسد سائر ابعسد‪ ،‬فيبقى يسمع بالأذف‬

‫الصوت‪ ،‬كما تسمع البهائم‪ ،‬وابؼعنى‪ :‬لا يفقو‪ ،‬وإف فقو بعض‬

‫الفقو لد يفقو فقًها تاِّما‪ ،‬فإف الفقو التاّـ يستلزـ تأثيره في القلب‬
‫بؿبّة ا﵀بوب‪ ،‬وبغض ابؼكروه‪ ،‬فمَّت لد بوصل ىذا لد يكن التصّور‬
‫حاصلًا‪ ،‬فجاز نفيو‪ ،‬لأف ما لد يت ّم ينفى‪ ،‬كقولو ‪ -‬صلى ا﵁ عليو‬
‫وسلم ‪ -‬للذي أساء في صلاتو‪" :‬ص ّل‪ ،‬فإنك لد تص ّل"‪ ،‬فنَػْف ُي‬

‫الإبياف حيث نُفي من ىذا الباب‪.‬‬

‫وقد بصع ا﵁ تعالذ بين وصفهم بو َجل القلب إذا ذُكر ا﵁‪ ،‬وبزيادة‬
‫الإبياف إذا بظعوا آياتو‪ ،‬قاؿ الض ّحاؾ‪ :‬زادتهم يقينًا‪ ،‬وقاؿ الربيع بن‬

‫‪123‬‬

‫أنس‪ :‬خشيةً‪ ،‬وعن ابن عبّاس تصديًقا‪ .‬وىكذا قد ذكر ا﵁ ىذين‬
‫الأصلين في مواضع‪ ،‬قاؿ تعالذ‪{ :‬أَلَدْ يَأْ ِف لَِلّ ِذي َن آَمنُوا أَ ْف بَزْ َش َع‬
‫قُػلُوبػُُه ْم لِِذْكِر الَلِّو َوَما نػََزَؿ ِم َن ابْغَ ّْق َوَلا يَ ُكونُوا َكاَلّ ِذي َن أُوتُوا‬
‫الْ ِكتَا َب ِم ْن قَػْبلُ فَطَا َؿ َعلَيِْه ُم اْلأََم ُد فَػَق َس ْت قػُلُوبػُُه ْم َوَكثِيرٌ ِمنْػُه ْم‬

‫فَا ِسُقو َف (‪[ })ٔٙ‬ابغديد‪.]ٔٙ :‬‬

‫وابػشوع يتض ّمن معنيين‪:‬‬

‫[أحدبنا]‪ :‬التواضع والذّؿ‪.‬‬

‫[والثاني]‪ :‬السكوف والطمأنينة‪ ،‬وذلك مستلزـ للين القلب ابؼنافي‬
‫للقسوة‪ ،‬فخشوع القلب يتض ّمن عبوديّتو ﵁‪ ،‬وطمأنينتو أي ًضا‪،‬‬
‫وبؽذا كاف ابػشوع في الصلاة يتض ّمن ىذا وىذا‪ ،‬التواضع‬
‫والسكوف‪ .‬وعن ابن عباس رضي ا﵁ تعالذ عنهما في قولو تعالذ‪:‬‬

‫‪124‬‬

‫{اَلّ ِذي َن ُى ْم ِفي َصلَاتِهِ ْم َخا ِشعُو َف ( ٕ)} [ ابؼؤمنوف‪ :]ٕ :‬قاؿ‪:‬‬
‫بـبتوف أِذّلاءُ‪ .‬وعن ابغسن وقتادة‪ :‬خائفوف‪ .‬وعن مقاتل‪:‬‬
‫متواضعوف‪ .‬وعن عل ّي ‪ -‬رضي ا﵁ عنو ‪ :-‬ابػشوع في القلب‪،‬‬
‫وأف تُلِين للمرء للمسلم كنفك‪ ،‬ولا تلتفت بيينًا وشمالًا‪ .‬وقاؿ‬
‫بؾاىد‪ :‬غ ّض البصر‪ ،‬وخفض ابعناح‪ .‬وكاف الرجاؿ من العلماء إذا‬
‫قاـ إلذ الصلاة يهاب الربضن‪ ،‬أف يش ّد بصره‪ ،‬أو أف بُو ّدث نفسو‬

‫بشيء من أمر الدنيا‪.‬‬

‫وعن عمرو بن دينار‪ :‬ليس ابػشوع الركوع والسجود‪ ،‬ولكنو‬

‫السكوف‪ ،‬وح ّب حسن ابؽيئة في الصلاة‪ .‬وعن ابن سيرين وغيره‪:‬‬
‫كاف النبّي ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ ،-‬وأصحابو يرفعوف أبصارىم‬
‫في الصلاة إلذ السماء‪ ،‬وينظروف بيينًا وشمالًا حَّت نزلت ىذه الآية‪:‬‬
‫{قَْد أَفْػلَ َح الْ ُمْؤِمنُو َف ( ٔ) اَلّ ِذي َن ُى ْم ِفي َصلَاتِهِ ْم َخا ِشعُو َف}‬

‫‪125‬‬

‫[ابؼؤمنوف‪ ،]ٕ - ٔ :‬فجعلوا بعد ذلك أبصارىم حيث يسجدوف‪،‬‬

‫وما رؤي أحد منهم بعد ذلك ينظر إلا إلذ الأرض‪ .‬وعن عطاء‪:‬‬

‫ىو أف لا تعبث بشيء من جسدؾ‪ ،‬وأنت في الصلاة‪ .‬وأبصر‬

‫النبّي ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬رجلًا يعبث بلحيتو في الصلاة‪،‬‬
‫فقاؿ‪" :‬لو خشع قلب ىذا بػشعت جوارحو"‪.22‬‬

‫وخشوع ابعسد تبع بػشوع القلب‪ ،‬إذا لد يكن الرجل مرائيًا يُظهر‬
‫ما ليس في قلبو‪ ،‬كما روي‪" :‬تعّوذوا من خشوع النفاؽ"‪ ،‬وىو أف‬
‫يُرى ابعسد خاشًعا‪ ،‬والقلب خاليًا لاىيًا‪ ،‬فهو سبحانو استبطأ‬
‫ابؼؤمنين بقولو‪{ :‬أَلَدْ يَأْ ِف لَِلّ ِذي َن آَمنُوا أَ ْف بَزْ َش َع قػُلُوبػُُه ْم لِِذْكِر الَلِّو‬
‫َوَما نػََزَؿ ِم َن ابْغَ ّْق} [ ابغديد‪ ،]ٔٙ :‬فدعاىم إلذ خشوع القلب‬
‫لذكره‪ ،‬وما نزؿ من كتابو‪ ،‬ونهاىم أف يكونوا كالذين طاؿ عليهم‬

‫‪22‬ىذا موضوع مرفوًعا‪ ،‬وإبما ىو من قوؿ ابن ابؼسيّب‪ ،‬وىو أي ًضا ضعيف‪ .‬انظر‪" :‬السلسلة الضعيفة" للشيخ‬
‫الألبانيّ ربضو ا﵁ تعالذٔ‪ ٔٗٗ- ٖٔٗ /‬رقم ابغديث ٓٔٔ‪.‬‬

‫‪126‬‬

‫الأمد‪ ،‬فقست قلؤّم‪ ،‬وىؤلاء ىم الذين { إَِذا ذُكَِر الَلّوُ َوِجلَ ْت‬
‫قػُلُوبػُُه ْم َوإَِذا تُلِيَ ْت َعلَْيِه ْم آيَاتُوُ َزاَدتْػُه ْم إِبيَانًا} [الأنفاؿ‪.]ٕ :‬‬

‫وكذلك في الآية الأخرى‪{ :‬الَلّوُ نػََّزَؿ أَ ْح َس َن ابْغَ ِدي ِث كِتَابًا ُمتَ َشأًِّا‬
‫َمثَاِنيَ تَػْق َشعُِّر ِمنْوُ ُجلُوُد اَلّ ِذي َن بَىْ َشْو َف َرَبػُّه ْم ثَُمّ تَلِيُن ُجلُوُد ُى ْم‬
‫َوقُػلُوبػُُه ْم إِلَذ ِذ ْك ِر الَلِّو} الآية [الزمر‪ ،]ٕٖ :‬والذين بىشوف رّّٔم‬

‫ىم الذين إذا ذكر ا﵁ تعالذ وجلت قلؤّم‪.‬‬

‫[فإف قيل]‪ :‬فخشوع القلب لذكر ا﵁‪ ،‬وما نزؿ من ابغ ّق واج ٌب‪.‬‬

‫[قيل]‪ :‬نعم‪ ،‬لكن الناس فيو على قسمين‪ :‬مقتصٌد‪ ،‬وساب ٌق‪،‬‬
‫فالسابقوف بىت ّصوف بابؼستحبّات‪ ،‬وابؼقتصدوف الأبرار ىم عموـ‬
‫ابؼؤمنين ابؼستحّقين للجنة‪ ،‬ومن لد يكن من ىؤلاء‪ ،‬ولا ىؤلاء‪،‬‬
‫فهو ظالد لنفسو‪ ،‬وفي ابغديث الصحيح‪ ،‬عن النبّي ‪ -‬صلى ا﵁‬

‫‪127‬‬

‫عليو وسلم ‪" :-‬اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع‪ ،‬وقلب لا‬

‫بىشع‪ ،‬ونفس لا تشبع‪ ،‬ودعاء لا يسمع"‪.‬‬

‫وقد ذّـ ا﵁ قسوة القلوب ابؼنافية للخشوع في غير موضع‪ ،‬فقاؿ‬
‫تعالذ‪{ :‬ثَُمّ قَ َس ْت قػُلُوبُ ُك ْم ِم ْن بػَْع ِد َذلِ َك فَِه َي َكابْغِ َجاَرةِ أَْو أَ َشُّد‬
‫قَ ْسَوةً} الآية [البقرة‪ .]ٚٗ :‬قاؿ الزّجاج‪ :‬قست في اللغة‪ :‬غلُظت‪،‬‬
‫ويبست‪ ،‬وعسيت‪ ،‬فقسوة القلب‪ :‬ذىاب اللين والربضة‪ ،‬وابػشوع‬

‫منو‪ ،‬والقاسي‪ ،‬والعاسي‪ :‬الشديد الصلابة‪ .‬وقاؿ ابن قُتيبة‪ :‬قست‪،‬‬
‫وعست‪ ،‬وعتت‪ :‬أي يبست‪ ،‬وقّوة القلب ا﵀مودة غير قسوتو‬
‫ابؼذمومة‪ ،‬فإنو ينبغي أف يكوف قوِيّا من غير عنف‪ ،‬ولْيّػنًا من غير‬
‫ضعف‪ .‬وفي الأثر‪ " :‬القلوب آنية ا﵁ في أرضو‪ ،‬فأحبّها إلذ ا﵁‬
‫أصلبها‪ ،‬وأرقّها‪،‬وأصفاىا"‪ ،‬وىذا كاليد‪ ،‬فإنها قويّة‪ ،‬ليّنة‪ ،‬بخلاؼ‬
‫ما يقسو من العقب‪ ،‬فإنو يابس‪ ،‬لا لين فيو‪ ،‬وإف كاف فيو قّوة‪،‬‬

‫‪128‬‬

‫وىو سبحانو ذكر َو َج َل القلب من ذكره‪ ،‬ثم ذكر زيادة الإبياف عند‬
‫تلاوة كتابو عل ًما وعملًا‪.‬‬

‫ثم لا ب ّد من التوّكل على ا﵁ تعالذ فيما لا يقدر عليو‪ ،‬ومن طاعتو‬

‫فيما يقدر عليو‪ ،‬وأصل ذلك الصلاة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬فمن قاـ ّٔذه‬

‫ابػمس‪ ،‬كما أُمر لزـ أف يأتي بسائر الواجبات‪.‬‬

‫بل الصلاة نفسها إذا فعلها كما أُِمَر‪ ،‬فهي تنهى عن الفحشاء‬
‫وابؼنكر‪ ،‬كما روي عن ابن مسعود‪ ،‬وابن عبّاس ‪ -‬رضي ا﵁ عنهم‬
‫‪" :-‬إف في الصلاة منتًهى وُمزدجًرا عن معاصي ا﵁‪ ،‬فمن لد تنهو‬
‫صلاتو عن الفحشاء وابؼنكر‪ ،‬لد يزدد بصلاتو من ا﵁ إلا بُع ًدا"‪،‬‬
‫وقولو‪" :‬لد يزدد إلا بُع ًدا" إذا كاف ما ترؾ من الواجب منها أعظم‬
‫بفا فعلو‪ ،‬أبعده ترؾ الواجب الأكثر من ا﵁ أكثر بفا قّربو فعل‬
‫الواجب الأق ّل‪ ،‬وىذا كما في "الصحيح" عن النبّي ‪ -‬صلى ا﵁‬

‫‪129‬‬

‫عليو وسلم ‪ -‬أنو قاؿ‪" :‬تلك صلاة ابؼنافق‪ ،‬تلك صلاة ابؼنافق‪،‬‬

‫تلك صلاة ابؼنافق‪ ،‬يرقب الشمس حَّت إذا كانت بين قرني‬

‫شيطاف‪ ،‬قاـ فنقر أربًعا‪ ،‬لا يذكر ا﵁ فيها إلا قليلًا"‪ .‬وقد قاؿ ا﵁‬
‫تعالذ‪ { :‬إِ َّف الْ ُمنَافِِقيَن بُىَاِدعُو َف الَلّوَ َوُىَو َخاِد ُعُه ْم َوإِذَا قَاُموا إِلَذ‬
‫ال َّصلَاةِ قَاُموا ُك َسالَذ يػَُراءُو َف الَنّا َس َوَلا يَْذُكُرو َف الَلّوَ إَِّلا قَلِيلًا‬

‫(ٕٗٔ)} [النساء‪.]ٕٔٗ :‬‬

‫وفي "السنن" عن ع ّمار ‪ -‬رضي ا﵁ عنو ‪ -‬عن النبّي ‪ -‬صلى ا﵁‬
‫عليو وسلم ‪ -‬أنو قاؿ‪" :‬إف العبد لينصرؼ من صلاتو‪ ،‬ولد يُكتب‬
‫لو منو إلا نصفها‪ ،‬إلا ثلثها"‪ ،‬حَّت قاؿ‪" :‬إلا عشرىا"‪ ،‬وعن ابن‬

‫عبّاس رضي ا﵁ تعالذ عنهما‪ ،‬قاؿ‪" :‬ليس لك من صلاتك إلا ما‬
‫عقلت منها"‪ ،‬وىذا وإف لد يؤمر بإعادة الصلاة عند أكثر العلماء‪،‬‬

‫لكن يؤمر بأف يأتي من التطّوعات بدا بَهْبُػُر نقص فرضو‪ ،‬ومعلوـ أف‬

‫‪130‬‬

‫من حافظ على الصلوات بخشوعها الباطن‪ ،‬وأعمابؽا الظاىرة‪،‬‬
‫وكاف بىشى ا﵁ ابػشية التي أمره ّٔا‪ ،‬فإنو يأتي بالواجبات‪ ،‬ولا‬
‫يأتي كبيرة‪ ،‬ومن أتى الكبائر‪ ،‬مثل الزنا‪ ،‬أو السرقة‪ ،‬أو شرب‬
‫ابػمر‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فلا ب ّد أف يذىب ما في قلبو من تلك ابػشية‬
‫وابػشوع والنور‪ ،‬وإف بقي أصل التصديق في قلبو‪ ،‬وىذا من الإبياف‬
‫الذي يُنزع منو عند فعل الكبيرة‪ ،‬كما قاؿ النبّي ‪ -‬صلى ا﵁ عليو‬
‫وسلم ‪" :-‬لا يزني الزاني حين يزني‪ ،‬وىو مؤمن‪ ،‬ولا يسرؽ السارؽ‬
‫حين يسرؽ‪ ،‬وىو مؤمن"‪ .‬فإف ابؼتّقين كما وصفهم ا﵁ تعالذ‬
‫بقولو‪{ :‬إِ َّف اَلّ ِذي َن اَتّػَقْوا إِذَا َم َّسُه ْم طَائِ ٌف ِم َن ال َّشْيطَا ِف تََذَّكُروا فَِإذَا‬
‫ُى ْم ُمبْ ِصُروَف ( ٕٔٓ)} [ الأعراؼ‪ ،]ٕٓٔ :‬فإذا طاؼ بقلؤّم‬

‫طائف من الشيطاف تذّكروا‪ ،‬فيُبصروف‪.‬‬

‫‪131‬‬

‫قاؿ سعيد بن ُجبير‪ :‬ىو الرجل يغضب الغضبة‪ ،‬فيّذكر ا﵁‪،‬‬
‫فيكظم الغيظ‪ .‬وقاؿ ليث‪ ،‬عن بؾاىد‪ :‬ىو الرجل يه ّم بالذنب‪،‬‬
‫فيذكر ا﵁‪ ،‬فيدعو‪ ،‬والشهوة‪ ،‬والغضب مبدأ السيّئات‪ ،‬فإذا أبصر‬
‫رجع‪ ،‬ثم قاؿ‪َ { :‬وإِ ْخَوانػُُه ْم بَيُُّدونػَُه ْم ِفي الْغَ ّْي ثَُمّ لَا يػُْق ِصُرو َف‬
‫(ٕٕٓ)} [ الأعراؼ‪ :]ٕٕٓ :‬أي ىاخواف الشياطين بُس ّدىم‬
‫الشياطين في الغ ّي‪ ،‬ثم لا يقصروف‪ .‬قاؿ ابن عبّاس‪ :‬لا الإنس‬
‫تقصر عن السيّئات‪ ،‬ولا الشياطين بُسسك عنهم‪ ،‬فإذا لد يبصر‬
‫بقي قلبو في غ ّي‪ ،‬والشيطاف بي ّده في غيّو‪ ،‬وإف كاف التصديق في‬
‫قلبو لد يكذب‪ ،‬فذلك النور والإبصار‪ ،‬وتلك ابػشية وابػوؼ‪،‬‬

‫بىرج من قلبو‪ ،‬وىذا كما أف الإنساف يغمض عينيو‪ ،‬فلا يرى‬

‫شيئًا‪ ،‬وإف لد يكن أعمى‪ ،‬فكذلك القلب بدا يغشاه من رين‬
‫الذنوب‪ ،‬لا يُبصر ابغ ّق‪ ،‬وإف لد يكن أعمى كعمى الكافر‪.‬‬

‫‪132‬‬

‫وىكذا جاء في الآثار‪ ،‬قاؿ أبضد بن حنبل في "كتاب الإبياف"‪:‬‬

‫ح ّدثنا بويى‪ ،‬عن أشعث‪ ،‬عن ابغسن‪ ،‬عن النبّي ‪ -‬صلى ا﵁ عليو‬
‫وسلم ‪ ، -‬قاؿ‪ " :‬يُنزع منو الإبياف‪ ،‬فإف تاب أُعيد إليو"‪ .‬وقاؿ‪:‬‬
‫ح ّدثنا بويى‪ ،‬عن عوؼ‪ ،‬قاؿ‪ :‬قاؿ ابغسن‪" :‬بُهانبو الإبياف ما داـ‬

‫كذلك‪ ،‬فإف راجع راجعو الإبياف"‪.‬‬

‫وقاؿ أبضد‪ :‬ح ّدثنا معاوية‪ ،‬عن أِب إسحاؽ‪ ،‬عن الأوزاع ّي‪ ،‬قاؿ‪:‬‬
‫وقد قلت للزىر ّي حين ذكر ىذا ابغديث‪ " :‬لا يزني الزاني حين‬
‫يزني‪ ،‬وىو مؤمن"‪ ،‬فإنهم يقولوف‪ :‬فإف لد يكن مؤمنًا‪ ،‬فما ىو؛‬
‫قاؿ‪ :‬فأنكر ذلك‪ ،‬وكره مسألتي عنو‪ .‬وقاؿ أبضد‪ :‬حدثنا عبد‬

‫الربضن بن مهد ّي‪ ،‬عن سفياف‪ ،‬عن إبراىيم بن مهاجر‪ ،‬عن‬
‫بؾاىد‪ ،‬عن ابن عبّاس رضي ا﵁ تعالذ عنهما أنو قاؿ لغلمانو‪ :‬من‬
‫أراد منكم الباءة زّوجناه‪ ،‬لا يزني منكم زاف إلا نزع ا﵁ منو نور‬

‫‪133‬‬

‫الإبياف‪ ،‬فإف شاء أف يرّده رّده‪ ،‬وإف شاء أف بينعو منعو"‪ .‬وقاؿ أبو‬
‫داود السجستانيّ‪ :‬ح ّدثنا عبد الوّىاب بن بَْقدة‪ ،‬ح ّدثنا بقيّة بن‬
‫الوليد‪ ،‬ح ّدثنا صفواف بن عمرو‪ ،‬عن عبد ا﵁ بن ربيعة ابغضرمي‪،‬‬
‫أنو أخبره‪ ،‬عن أِب ىريرة ‪ -‬رضي ا﵁ عنو ‪ -‬أنو كاف يقوؿ‪" :‬إبما‬
‫الإبياف كثوب أحدكم‪ ،‬يلبسو مّرًة‪ ،‬ويقلعو أخرى"‪ ،‬وكذلك رواه‬
‫بإسناده عن عمر ‪ -‬رضي ا﵁ عنو ‪ .-‬وروي عن ابغسن‪ ،‬عن النبّي‬
‫‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬مرسلًا‪ .‬وفي حديث أِب ىريرة ‪ -‬رضي‬
‫ا﵁ عنو ‪ -‬مرفوًعا إلذ النبّي ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪" :-‬إذا زنى‬
‫الزاني خرج منو الإبياف‪ ،‬فكاف كالظلّة‪ ،‬فإذا انقطع رجع إليو‬
‫الإبياف"‪ .‬انتهى كلاـ شيخ الإسلاـ ابن تيميّة ربضو ا﵁ تعالذ‬

‫"بؾموع الفتاوى" ‪.ٖٖ - ٘ /ٚ‬‬

‫‪134‬‬

‫وىو برقيق نفيس جِّدا‪ ،‬لا بذده في كتاب غيره‪ ،‬فاغتنمو‪ ،‬وا﵁‬
‫تعالذ أعلم بالصواب‪ ،‬وإليو ابؼرجع وابؼآب‪23.‬‬

‫الفصل الخاهي‪ :‬في حكن الإيواى الوقلذ‬
‫اختلفوا في حكم من آمن ولد ينظر ويستدؿ على ثلاثة أقواؿ ‪:‬‬

‫الأوؿ أنو يصح إبيانو ويكوف كافرا‪.‬‬
‫الثاني أف إبيانو صحيح ولكنو آثم على تركو النظر والاستدلاؿ ‪.‬‬
‫الثالث أف يكوف مقلدا لا علم لو بدينو لكنو ينفعو ىذا التقليد‬

‫ويصير بو مؤمنا غير عاص‪24 .‬‬

‫‪23‬البحر ا﵀يط الثجاج‪ ٖ٘-ٖٜ‬الشاملة‬
‫‪24‬انظر (( النبوات)) لابن تيمية (‪(( ،)61‬الدرء)) (‪ (( ،)442 ،441/7‬لوامع الأنوار البهية)) (‪-267/1‬‬

‫‪.)276‬‬

‫‪135‬‬

‫ذىب بصهورىم إلذ أف من آمن ولد ينظر ويستدؿ يكوف إبيانو‬
‫صحيحا ولكنو يأثم على تركو للنظر والاستدلاؿ وذىب بعضهم‬

‫إلذ أنو يكوف مقلدا ولا يأثم على تركو النظر والاستدلاؿ‪.‬‬
‫قاؿ الناصري‪ " :‬قاؿ الإماـ سيف ابغق أبو ابؼعين ‪ :‬ثم ابؼذىب أف‬
‫ابؼقلد الذي لا دليل معو مؤمن وحكم الإسلاـ لازـ لو وىو مطيع‬
‫﵁ تعالذ باعتقاده وسائر طاعاتو وإف كاف عاصيا بترؾ النظر‬

‫والاستدلاؿ وحكمو حكم غيره من فساؽ أىل ابؼلة‪."....‬‬
‫ثم قاؿ أبو ابؼعين ‪ " :‬ذىب أكثر ابؼتكلمين إلذ أنو لابد لثبوت‬
‫الإبياف وكونو نافعا من دليل ينبِن عليو اعتقاده غير أف أبا ابغسن‬
‫الرستغفِن ‪ ...‬قاؿ‪ :‬إذا بنى اعتقاده على قوؿ الرسوؿ وعرؼ أنو‬
‫رسوؿ وأنو ظهرت على يده ابؼعجزات ثم قبل منو القوؿ في حدوث‬

‫‪136‬‬

‫العالد وثبوت الصانع ووحدانيتو من غير أف عرؼ صحة كل من‬
‫ذلك بدليل عقلي كاف كافيا ‪.25‬‬

‫قاؿ الإماـ النووي ربضو ا﵁ في شرحو لقوؿ النبي صلى ا﵁ عليو‬
‫وسلم ‪ (( :‬أمرت أف أقاتل الناس حَّت يشهدوا أف لا إلو إلا ا﵁‬
‫‪ ))...‬ابغديث ‪ ":‬فيو دلالة ظاىرة بؼذىب ا﵀ققين وابعماىير من‬
‫السلف وابػلف أف الإنساف إذا اعتقد اعتقادا جازما لا تردد فيو‬
‫كفاه ذلك وىو مؤمن من ابؼوحدين ولا بهب عليو تعلم أدلة‬
‫ابؼتكلمين ومعرفة ا﵁ تعالذ ّٔا خلافا بؼن أوجب ذلك وجعلو شرطا‬
‫في كونو من أىل القبلة وزعم أنو لا يكوف لو حكم ابؼسلمين إلا‬
‫بو وىذا ابؼذىب ىو قوؿ كثير من ابؼعتزلة وبعض أصحابنا‬
‫ابؼتكلمين وىو خطأ ظاىر فإف ابؼراد التصديق ابعازـ وقد حصل‬

‫‪(25‬النور اللامع)) (ؿ‪9 ،8‬‬

‫‪137‬‬

‫ولأف النبي صلى ا﵁ عليو وسلم اكتفى بالتصديق بدا جاء بو صلى‬
‫ا﵁ عليو وسلم ولد يشترط ابؼعرفة بالدليل فقد تظاىرت ّٔذا‬
‫أحاديث في الصحيحين بوصل بدجموعها التواتر بأصلها والعلم‬

‫القطعي‪26 .‬‬
‫قاؿ الإماـ ابن حزـ ربضو ا﵁ ( وقاؿ سائر أىل الإسلاـ كل من‬
‫اعتقد بقلبو اعتقادا لا يشك فيو وقاؿ بلسانو لا إلو إلا ا﵁ وأف‬
‫بؿمدا رسوؿ ا﵁ وأف كل ما جاء بو حق وبرئ من كل دين سوى‬
‫دين بؿمد صلى ا﵁ عليو وسلم فإنو مسلم مؤمن ليس عليو غير‬

‫ذلك ) ‪27‬‬

‫‪26‬شرح صحيح مسلم)) (‪.)211 -210/1‬‬
‫‪27‬الفصل ‪. 35/4‬‬

‫‪138‬‬

‫قاؿ السفاريِن ربضو ا﵁‪ " :‬قاؿ بعض علماء الشافعية ‪ :‬اعلم أف‬
‫وجوب الإبياف با﵁ وملائكتو وكتبو ورسلو واليوـ الآخر لا يشترط‬
‫فيو أف يكوف عن نظر واستدلاؿ ‪ ،‬بل يكفي اعتقاد جازـ بذلك ‪،‬‬
‫إذ ابؼختار الذي عليو السلف ‪ ،‬وأئمة الفتوى من ابػلف ‪ ،‬وعامة‬
‫الفقهاء ‪ ،‬صحة إبياف ابؼقلد ‪ ،‬قاؿ ‪ :‬وأما ما نقل عن الإماـ الشيخ‬
‫أِب ابغسن الأشعري من عدـ صحة إبياف ابؼقلد ‪ ،‬فكذب عليو‬

‫كما قالو الأستاذ أبو القاسم القشيري ‪.‬‬

‫ثم قاؿ ‪ :‬وبفا يرد على زاعمي بطلاف إبياف ابؼقلد أف الصحابة‬
‫رضواف ا﵁ عليهم أبصعين فتحوا أكثر العجم ‪ ،‬وقبلوا إبياف عوامهم‬
‫‪ ،‬كأجلاؼ العرب ‪ ،‬وإف كاف برت السيف ‪ ،‬أو تبعا لكبير منهم‬
‫أسلم ‪ ،‬ولد يأمروا أحدا منهم بترديد نظر ‪ ،‬ولا سألوه عن دليل‬

‫تصديقو ‪ ،‬ولا أرجئوا أمره حَّت ينظر‪.‬‬

‫‪139‬‬

‫والعقل بهزـ في بكو ىذا بعدـ وقوع الاستدلاؿ منهم لاستحالتو‬
‫حينئذ ‪ ،‬فكاف ما أطبقوا عليو دليلا أي دليل على إبياف ابؼقلد ‪.‬‬

‫وقاؿ ‪ :‬إف التقليد أف يسمع من نشأ بقمة جبٍل ‪ ،‬النا َس يقولوف ‪:‬‬
‫للخلق رب خلقهم ‪ ،‬وخلق كل شيء من غير شريك لو ‪،‬‬
‫ويستحق العبادة عليهم ‪ ،‬فيجزـ بذلك إجلالا بؽم عن ابػطأ ‪،‬‬
‫وبرسينا للظن ّٔم ‪ ،‬فإذا تم جزمو ‪ ،‬بأف لد بُِهز نقيض ما أخبروا بو‬
‫‪ ،‬فقد حصل واجب الإبياف ‪ ،‬وإف فاتو الاستدلاؿ ‪ ،‬لأنو غير‬

‫مقصود لذاتو بل للتوصل بو للجزـ ‪ ،‬وقد حصل ‪.‬‬

‫وقاؿ الإماـ النووي ‪ :‬الآتي بالشهادتين مؤمن حقا ‪ ،‬وإف كاف‬
‫مقلدا ‪ ،‬على مذىب ا﵀ققين وابعماىير من السلف وابػلف ‪ ،‬لأنو‬
‫‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬اكتفى بالتصديق بدا جاء بو ‪ ،‬ولد‬

‫‪140‬‬

‫يشترط ابؼعرفة بالدليل ‪ ،‬وقد تظاىرت ّٔذا الأحاديث الصحاح‬
‫بوصل بدجموعها التواتر والعلم القطعي ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬

‫وبدا تقرر تعلم أف النظر ليس بشرط في حصوؿ ابؼعرفة مطلقا ‪،‬‬
‫وإلا بؼا وجدت بدونو ‪ ،‬لوجوب انتفاء ابؼشروط ‪ ،‬بانتفاء الشرط ‪،‬‬
‫لكنها قد توجد ؛ فظهر أف النظر لا يتعين على كل أحد ‪ ،‬وإبما‬
‫يتعين على من لا طريق لو سواه ‪ ،‬بأف بلغتو دعوة النبي ‪ -‬صلى‬
‫ا﵁ عليو وسلم ‪ -‬أوؿ ما بلغتو دعوتو ‪ ،‬وصدؽ بو تصديقا جازما‬
‫بلا تردد ‪ ،‬فمع صحة إبيانو بالاتفاؽ ‪ ،‬لا يأثم بترؾ النظر ‪28 "..‬‬

‫قاؿ الشيخ عبد ا﵁ ابا بطين ‪ :‬وفرض على كل واحد معرفة‬
‫التوحيد وأركاف الإسلاـ بالدليل ‪ ،‬ولا بهوز التقليد في ذلك ‪ ،‬لكن‬
‫العامي الذي لا يعرؼ الأدلة إذا كاف يعتقد وحدانية الرب‬

‫‪28‬لوامع الأنوار (‪.)269/1‬‬

‫‪141‬‬

‫سبحانو ورسالة بؿمد صلى ا﵁ عليو وسلم ويؤمن بالبعث بعد‬
‫ابؼوت وبابعنة والنار وأف ىذه الأمور الشركية التي تفعل عند ىذه‬
‫ابؼشاىد باطلة وضلاؿ فإذا كاف يعتقد ذلك اعتقادا جازما لا‬
‫شك فيو فهو مسلم ‪ ،‬وإف لد يترجم بالدليل لأف عامة ابؼسلمين‬

‫ولو لقنوا الدليل فإنهم لا يفهموف ابؼعنى غالبا ‪29.‬‬
‫وقاؿ الشيخ ابن عثيمين ربضو ا﵁‪:‬‬

‫وقيل يكفي ابعزـ إبصاعاً بدا ‪ ...‬يطلب فيو عند بعض العلما‬
‫وىذا قوؿ ثاف في ىذه ابؼسألة ؛ وىو أنو يكفي ابعزـ بدا يطلب فيو‬
‫ابعزـ ‪ ،‬ولو عن طريق التقليد؛ فالإبياف با﵁ وملائكتو وكتبو ورسلو‬
‫واليوـ الآخر ‪ :‬ىذا بفا بهب فيو ابعزـ‪ ،‬ولكن العامي لا يدرؾ ذلك‬

‫‪29‬الدرر السنية في الأجوبة النجدية‪ ،‬بصع عبدالربضن بن بؿمد بن قاسم (‪.)339 /4‬‬

‫‪142‬‬

‫بدليلو ‪ ،‬ومع ذلك نصحح إبيانو ‪ ،‬ونقوؿ إنو مؤمن وإف كاف لا‬
‫يدرؾ ذلك بدليلو‪.‬‬

‫وبؽذا قاؿ ابؼؤلف ربضو ا﵁‪( :‬وقيل يكفي ابعزـ إبصاعا) ‪ :‬يعِن انو‬
‫إذا وجد ابعزـ ‪ ،‬حصل ابؼقصود ‪ ،‬بالإبصاع‪.‬‬

‫وقولو‪( :‬بدا يطلب فيو) ‪ ،‬نائب فاعل (يطلب) يعود على ابعزـ‪،‬‬
‫يعِن يكفي ابعزـ بدا يطلب فيو ابعزـ بالإبصاع‪ ،‬وقائل ىذا بعض‬

‫العلماء ‪ ،‬وبؽذا قاؿ‪( :‬عند بعض العلما)‬

‫وىذا القوؿ ىو الصحيح‪ ،‬والدليل على ذلك أف ا﵁ أحاؿ على‬
‫سؤاؿ أىل العلم في مسألة من مسائل الدين التي بهب فيها ابعزـ‪،‬‬
‫فقاؿ‪َ( :‬وَما أَْر َسلْنَا قَػْبػلَ َك إَِّلا ِرَجالاً نُوِحي إِلَيِْه ْم فَا ْسأَلُوا أَْى َل الّْذْك ِر‬

‫إِ ْف ُكْنتُ ْم لا تَػْعلَ ُمو َف) (الأنبياء‪ )7 :‬؛‬

‫‪143‬‬

‫وواضح أننا نسأبؽم لنأخذ بقوبؽم‪ ،‬ومعلوـ أف الإبياف بأف الرسل‬
‫رجاؿ ىو من العقيدة‪ ،‬ومع ذلك أحالنا ا﵁ فيو إلذ أىل العلم‪...‬‬
‫ثم إننا لو ألزمنا العامي بترؾ التقليد والتزاـ الأخذ بالاجتهاد ‪،‬‬
‫لألزمناه بدا لا يطيق‪ ،‬وقد قاؿ ا﵁ تعالذ‪( :‬لا يُ َكْلّ ُف الَلّوُ نػَْفساً إَِّلا‬
‫ُو ْسَعَها) (البقرة‪ :‬الآية ‪ )286‬وقاؿ‪( :‬أُولَئِ َك يُ َسا ِرُعو َف ِفي ابْػَْيػَرا ِت‬
‫َوُى ْم بَؽَا َسابُِقو َف* َولا نُ َكْلّ ُف نػَْفساً إَِّلا ُو ْسَعَها)‬

‫(ابؼؤمنوف‪)62،61/‬‬
‫فالصواب آّزوـ بو ‪ :‬ىو القوؿ الثاني؛ وىو أف ما يطلب فيو ابعزـ‬
‫‪ ،‬يكتفى فيو بابعزـ‪ ،‬سواء عن طريق الدليل ‪ ،‬أو عن طريق‬

‫التقليد‪.‬‬

‫‪144‬‬

‫قاؿ ابؼؤلف ربضو ا﵁‪ ( :‬فابعازموف من عواـ البشر) يعِن الذين‬
‫بهزموف بدا يعتقدوف من العواـ الذين ليس عندىم علم لأنهم عواـ‪،‬‬
‫قاؿ‪( :‬فمسلموف) يعِن فهم مسلموف ‪ ،‬وإف كانوا لد يأخذوا ما‬

‫يطلب فيو ابعزـ عن طريق الاجتهاد‪.‬‬
‫ثم قاؿ‪( :‬عند أىل الأثر) وكفى بأىل الأثر قدوة‪ ،‬فأىل الأثر يروف‬
‫أنو بهوز التقليد فيما يطلب فيو ابعزـ‪ ،‬وابؼقصود أف بوصل ابعزـ ‪،‬‬
‫سواء عن طريق التقليد أو عن طريق الاجتهاد‪ ،‬وإذا كاف ىذا ىو‬

‫ما يراه أىل الأثر ‪ ،‬فهو الذي نراه بكن ‪ ،‬وىو الصحيح" ‪30‬‬
‫فعلم بفا سبق أنو لا بهب البحث والاستدلاؿ على من ثبت‬

‫إسلامو‪ ،‬بل يطلب منو العمل والسعي في زيادة اليقين‪.‬‬

‫‪"30‬شرح العقيدة السفارينية" (ص‪. )310‬‬

‫‪145‬‬

‫تنبيو‪ :‬استدؿ بعض من يوجب الدليل على العامي بدا خرج‬
‫البخاري عن أنس أف رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم قاؿ‪ ":‬فأما‬
‫ابؼؤمن فيقوؿ‪ :‬أشهد أنو عبد ا﵁ ورسولو فيقاؿ لو انظر إلذ مقعدؾ‬
‫من النار ‪ ،‬قد أبدلك ا﵁ بو مقعداً من ابعنة فيرابنا بصيعاً ‪ -.‬ثم‬
‫قاؿ – وأما ابؼنافق والكافر فيقاؿ لو‪ :‬ما كنت تقوؿ في ىذا‬
‫الرجل؟ فيقوؿ‪ :‬لا أدري كنت أقوؿ ما يقوؿ الناس ‪ ،‬فيقاؿ‪ :‬لا‬

‫دريت ولا تليت ‪ ، "...‬وىذا لا دلالة فيو بؼا يلي‪:‬‬

‫‪ /1‬أف منزع عدـ ابعواب في القبر على قوؿ ىؤلاء عدـ الدراية‬
‫وابؼعرفة‪ ،‬فمعناه‪ :‬أف الكافر إذا عرؼ الإسلاـ بدليلو فإف سيجيب‬
‫‪ ،‬وىذا خطأ ‪ ،‬بل منزع عدـ جوأّم ىو عدـ الإسلاـ لا عدـ‬
‫الدرية ‪ ،‬فلو تعلموىا ليل نهار ‪ ،‬ولد يدخلوا في الإسلاـ فإف جوأّم‬

‫‪ :‬لا أدري ‪.‬‬

‫‪146‬‬

‫‪ /2‬لازـ قوؿ ىؤلاء تكفير من لد يعرؼ الدليل على أصل الإسلاـ‬
‫لا تأثيمو ‪ ،‬فإف ظاىر ابغديث التكفير ؛ لذا جعل ابؼنافق أو‬

‫ابؼرتاب في مقابل ابؼؤمن "‪31‬‬

‫الفصل التاسع‪ : :‬عذم التكفيش تكل رًة‬

‫من الأصوؿ آّمع عليها عند أىل السنة‪ :‬أنهم لا يكفروف أحدا‬
‫من أىل القبلة بذنب‪ -‬ما لد يستحلو‪ ،‬ويقصدوف بالذنب ‪ -‬الذي‬
‫لا يكفر صاحبو‪ -‬فعل الكبائر أو الصغائر أو ترؾ الواجبات‪،‬‬
‫خلافا للوعيدية‪ ،‬الذين يكفروف أىل الكبائر‪ ،‬وبعضهم يكفر أىل‬
‫الصغائر‪ ،‬لكن قد يفهم البعض من عبارات السلف في ذلك أنهم‬
‫لا يكفروف بكل ذنب‪ ،‬مطلقا‪ ،‬فدفعا بؽذا اللبس (امتنع كثير من‬
‫الأئمة عن إطلاؽ القوؿ بأنا لا نكفر أحدا بذنب‪ ،‬بل يقاؿ‪ :‬لا‬

‫‪(31‬التعليقات العلمية التقريبيةعلى القواعد الأربع وثلاثة الأصوؿ التوحيدية عبد العزيز بن ريس الريس)‬

‫‪147‬‬

‫نكفرىم بكل ذنب‪ ،‬كما تفعلو ابػوارج وفرؽ بين النفي العاـ‪،‬‬
‫ونفي العموـ‪32)..‬‬

‫وقد عقد الإماـ البخاري ‪ -‬ربضو ا﵁ ‪ -‬بابا في (صحيحو) قطع‬
‫فيو بأف ابؼعاصي لا يكفر مرتكبها‪ ،‬قاؿ‪ :‬باب‪ :‬ابؼعاصي من أمر‬
‫ابعاىلية‪ ،‬ولا يكفر صاحبها بارتكأّا إلا بالشرؾ؛ لقوؿ النبي‬
‫صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ :‬إنك امرؤ فيك جاىلية‪ .‬وقوؿ ا﵁ تعالذ‪:‬‬
‫إف ا﵁ لا يغفر أف يشرؾ بو ويغفر ما دوف ذلك بؼن يشاء‪.‬‬

‫[النساء‪.]48:‬‬

‫وقاؿ أبو ابغسن الأشعري‪ -‬ربضو ا﵁ تعالذ‪ -‬في الابانة‪ :‬وندين‬
‫بأف لا نكفر أحدا من أىل القبلة بذنب يرتكبو؛ كالزنا‪ ،‬والسرقة‪،‬‬
‫وشرب ابػمر‪ ،‬كما دانت بذلك ابػوارج وزعمت أنهم كافروف‪.‬‬

‫‪32‬شرح الطحاوية)) (ص‪)356 :‬‬

‫‪148‬‬

‫ونقوؿ‪ :‬إف من عمل كبيرة من ىذه الكبائر؛ مثل الزنا‪ ،‬والسرقة‬
‫وما أشبهها‪ ،‬مستحلا بؽا غير معتقد لتحربيها؛ كاف كافرا‪ .‬اىػ‪.‬‬

‫وقاؿ الإماـ أبو بكر الإبظاعيلي ‪ -‬ربضو ا﵁ ‪ -‬في اعتقاد أىل‬
‫ابغديث وأىل السنة وابعماعة‪ :‬ويقولوف‪ :‬إف أحدا من أىل‬
‫التوحيد ومن يصلي إلذ قبلة ابؼسلمين؛ لو ارتكب ذنبا‪ ،‬أو ذنوبا‬
‫كثيرة‪ ،‬صغائر‪ ،‬أو كبائر مع الإقامة على التوحيد ﵁‪ ،‬والإقرار بدا‬
‫التزمو وقبلو عن ا﵁؛ فإنو لا يكفر بو‪ ،‬ويرجوف لو ابؼغفرة؛ قاؿ‬

‫تعالذ‪ { :‬ويغفر ما دوف ذلك بؼن يشاء }) ‪.‬‬

‫وقاؿ الإماـ ابن بطة العكبري‪ -‬ربضو ا﵁ تعالذ‪ -‬في الابانة‪ :‬وقد‬
‫أبصعت العلماء ‪ -‬لا خلاؼ بينهم ‪ -‬أنو لا يكفر أحد من أىل‬
‫القبلة بذنب‪ ،‬ولا بلرجو من الإسلاـ بدعصية؛ نرجو للمحسن‪،‬‬

‫وبلاؼ على ابؼسيء‪.‬‬

‫‪149‬‬

‫وقاؿ الصابوني في اعتقاد أئمة السلف‪ :‬ويعتقد أىل السنة‪ :‬أف‬
‫ابؼؤمن وإف أذنب ذنوبا كثيرة‪ ،‬صغائر كانت‪ ،‬أو كبائر؛ فإنو لا‬
‫يكفر ّٔا‪ .‬وإف خرج من الدنيا غير تائب منها‪ ،‬ومات على‬
‫التوحيد والإخلاص؛ فإف أمره إلذ ا﵁ ‪ -‬عز وجل ‪ -‬إف شاء عفا‬
‫عنو‪ ،‬وأدخلو ابعنة يوـ القيامة سابؼا غابما‪ ،‬غير مبتلى بالنار‪ ،‬ولا‬
‫معاقب على ما ارتكبو من الذنوب‪ ،‬واكتسبو‪ ،‬ثم استصحبو ‪ -‬إلذ‬
‫يوـ القيامة ‪ -‬من الآثاـ والأوزار‪ ،‬وإف شاء عاقبو وعذبو مدة‬
‫بعذاب النار‪ ،‬وإذا عذبو لد بىلده فيها؛ بل أعتقو وأخرجو منها إلذ‬

‫نعيم دار القرار‪ .‬اىػ‬

‫وقاؿ الإماـ البغوي‪ -‬ربضو ا﵁ تعالذ‪ -‬في شرح السنة‪ :‬اتفق أىل‬
‫السنة على أف ابؼؤمن لا بىرج عن الإبياف بارتكاب شيء من‬
‫الكبائر‪ ،‬إذا لد يعتقد إباحتها‪ ،‬وإذا عمل شيئا منها؛ فمات قبل‬

‫‪150‬‬


Click to View FlipBook Version