نفاؽ" ،رواه مسلم ،فأخبر أنو من لد يه ّم بو كاف على شعبة
نفاؽ.
وأي ًضا فابعهاد جنس برتو أنواع متع ّددة ،ولا ب ّد أف بهب على
ابؼؤمن نوع من أنواعو ،وكذلك قولو عز وجل { :إَِبّمَا الْ ُمْؤِمنُو َف
اَلّ ِذي َن إَِذا ذُكَِر الَلّوُ َوِجلَ ْت قػُلُوبػُُه ْم َوإَِذا تُلِيَ ْت َعلَْيِه ْم آيَاتُوُ َزاَدتْػُه ْم
إِبيَانًا َوَعلَى َرِّّْٔ ْم يػَتَػَوَّكلُو َف (ٕ) اَلّ ِذي َن يُِقي ُمو َف ال َّصلَاَة َوِبَفّا َرَزقْػنَا ُى ْم
يػُْنِفُقو َف (ٖ) أُولَئِ َك ُى ُم الْ ُمْؤِمنُو َف َحِّقا} والآية [ الأنفاؿ- ٕ :
ٗ] ،ىذا كلو واجب ،فإف التوّكل على ا﵁ واج ٌب من أعظم
الواجبات ،كما أف الإخلاص ﵁ واجب ،وح ّب ا﵁ ورسولو
واجب ،وقد أمر ا﵁ بالتوّكل عليو في غير آية ،أعظم بفا أمر
بالوضوء ،والغسل من ابعنابة ،ونهى عن التوّكل على غير ا﵁ ،قاؿ
تعالذ{ :فَا ْعبُْدهُ َوتَػَوَّك ْل َعلَْيِو} [ىود ،]ٕٖٔ :وقاؿ تعالذ{ :الَلّوُ
101
لَا إِلَوَ إَِّلا ُىَو َوَعلَى الَلِّو فَػْليَتَػَوَّك ِل الْ ُمْؤِمنُو َف ( ٖٔ)} [ التغابن:
ٖٔ] ،وقاؿ تعالذ{ :إِ ْف يػَنْ ُصْرُك ُم الَلّوُ فَلَا َغالِ َب لَ ُك ْم َوإِ ْف بَىُْذلْ ُك ْم
فََم ْن ذَا اَلّ ِذي يػَنْ ُصُرُك ْم ِم ْن بػَْع ِدهِ َوَعلَى الَلِّو فَػلْيَتَػَوَّك ِل الْ ُمْؤِمنُو َف
(ٓ[ })ٔٙآؿ عمراف ،]ٔٙٓ :وقاؿ تعالذَ{ :وقَا َؿ ُمو َسى يَاقَػْوِـ
إِ ْف ُكنْتُ ْم آَمْنتُ ْم بِالَلِّو فَػَعلَيِْو تَػَوَّكلُوا إِ ْف ُكْنتُ ْم ُم ْسلِ ِميَن ( ٗ})ٛ
[يونس.]ٛٗ :
وأما قولو تعالذ{ :إَِبّمَا الْ ُمْؤِمنُو َف اَلّ ِذي َن إَِذا ذُكَِر الَلّوُ َوِجلَ ْت قُػلُوبػُُه ْم
َوإَِذا تُلِيَ ْت َعلَْيِه ْم آيَاتُوُ َزاَدتْػُه ْم إِبيَانًا} [الأنقاؿ ،]ٕ :فيقاؿ :من
أحواؿ القلب ،وأعمالو ما يكوف من لوازـ الإبياف الثابتة فيو ،بحيث
إذا كاف الإنساف مؤمنًا ،لزـ ذلك بغير قصد منو ،ولا تع ّمد لو،
وإذا لد يوجد دّؿ على أف الإبياف الواجب لد بوصل في القلب،
وىذا كقولو تعالذ { :لَا بَِذ ُد قَػْوًما يػُْؤِمنُو َف بِالَلِّو َوالْيَػْوِـ اْلآ ِخ ِر
102
يػَُواُّدو َف َم ْن َحاَّد الَلّوَ َوَر ُسولَوُ َولَْو َكانُوا آبَاءَُى ْم أَْو أَبْػنَاءَُى ْم أَْو
إِ ْخَوانػَُه ْم أَْو َع ِشيرَتَػُه ْم أُولَئِ َك َكتَ َب ِفي قػُلُؤِِّ ُم اْلِإبيَا َف َوأََيَّد ُى ْم بُِروٍح
ِمنْوُ} [آّادلة ،]ٕٕ :فأخبر أنك لا بذد مؤمنًا يوا ّد ا﵀اّدين ﵁
ورسولو ،فإف نفس الإبياف تنافي مواّدتو ،كما ينفي أحد الض ّدين
الآخر ،فإذا ُوجد الإبياف انتفى ض ّده ،وىو موالاة أعداء ا﵁ ،فإذا
كاف الرجل يوالر أعداء ا﵁ بقلبو ،كاف ذلك دليلًا على أف قلبو
ليس فيو الإبياف الواجب.
ومثلو قولو تعالذ في الآية الأخرىَ { :كانُوا لَا يػَتَػنَا َىْو َف َع ْن ُمْن َكٍر
فَػَعلُوهُ لَبِْئ َس َما َكانُوا يػَْفَعلُو َف ( )ٜٚتَػَرى َكثِيرًا ِمنْػُه ْم يػَتَػَوَلّْوَف اَلّ ِذي َن
َكَفُروا لَبِْئ َس َما قََّدَم ْت بَؽُْم أَنْػُف ُسُه ْم أَ ْف َس ِخ َط الَلّوُ َعلَيِْه ْم َوِفي
الَْع َذا ِب ُى ْم َخالُِدوَف (َٓ )ٛولَْو َكانُوا يػُْؤِمنُو َف بِالَلِّو َوالَنِّبّْي َوَما أُنِْزَؿ
إِلَيِْو َما اَبّزَُذوُى ْم أَْولِيَاءَ َولَ ِك َّن َكثِيرًا ِمنْػُه ْم فَا ِسُقو َف (ٔ[ })ٛابؼائدة:
103
،]ٛٔ - ٜٚفذكر بصلة شرطيّة تقتضي أنو إذا ُوجد الشرط ُوجد
ابؼشروط بحرؼ "لو" التي تقتضي مع الشرط انتفاء ابؼشروط ،فقاؿ
{َولَْو َكانُوا يػُْؤِمنُو َف بِالَلِّو َوالَنِّبّْي َوَما أُنِْزَؿ إِلَيِْو َما اَبّزَُذوُى ْم أَْولِيَاءَ}
[ابؼائدة ،]ٛٔ :فدّؿ على أف الإبياف ابؼذكور ينفي ابزاذىم أولياء،
ويُضاّده ،ولا بهتمع الإبياف وابزاذىم أولياء في القلب ،ودّؿ ذلك
على أف من ابّزذىم أولياء ،ما فعل الإبياف الواجب ،من الإبياف
با﵁ والنبّي ،وما أنزؿ إليو.
ومثلو قولو تعالذ { :لَا تَػَتّ ِخ ُذوا الْيَػُهوَد َوالَنّ َصاَرى أَْولِيَاءَ بػَْع ُضُه ْم
أَْولِيَاءُ بػَْع ٍض َوَم ْن يػَتَػَوبَّؽُْم ِمْن ُك ْم} الآية [ابؼائدة ،]٘ٔ :فإنو أخبر
في تلك الآيات أف متولّيهم لا يكوف مؤمنًا ،وأخبر ىنا أف متولّيهم
ىو منهم ،فالقرآف يص ّدؽ بعضو بع ًضا ،قاؿ ا﵁ تعالذ{ :الَلّوُ نػََّزَؿ
أَ ْح َس َن ابْغَ ِدي ِث كِتَابًا ُمتَ َشأًِّا َمثَاِنيَ تَػْق َشعُِّر ِمنْوُ ُجلُودُ اَلّ ِذي َن
104
بَىْ َشْو َف َرَبػُّه ْم} الآية [ الزمر ،]ٕٖ :وكذلك قولو تعالذ { :إَِبّمَا
الْ ُمْؤِمنُو َف اَلّ ِذي َن آَمنُوا بِالَلِّو َوَر ُسولِِو َوإَِذا َكانُوا َمَعوُ َعلَى أَْمٍر َجاِمٍع
لَدْ يَْذ َىبُوا َحَّت يَ ْستَأِْذنُوهُ} الآية [ النور ]ٕٙ :دلي ٌل على أف
الذىاب ابؼذكور بدوف استئذانو لا بهوز ،وأنو بهب أف لا يذىب
حَّت يستأذف ،فمن ذىب ،ولد يستأذف ،كاف قد ترؾ بعض ما
بهب عليو من الإبياف ،فلهذا نفى عنو الإبياف ،فإف حرؼ "إبما"
تدّؿ على إثبات ابؼذكور ،ونفي غيره ،ومن الأصوليين من يقوؿ:
"إ ّف" للإثبات ،و"ما" للنفي ،فإذا بُصع بينهما دلّت على النفي
والإثبات ،وليس كذلك عند أىل العربيّة ،ومن يتكلّم بعلم ،فإف
"ما" ىذه ىي الكافّة التي تدخل على "إف" وأخواتها ،فتكّفها عن
العمل؛ لأنها إبما تعمل إذا اخت ّصت بابعمل الابظيّة ،فلما ُكّفت
بطل عملها ،واختصاصها ،فصار يليها ابعمل الفعليّة والابظيّة،
105
فتغيّر معناىا وعملها بصيًعا بانضماـ "ما" إليها ،وكذلك "كأبما"،
وغيرىا.
وكذلك قولو تعالذَ { :ويػَُقولُو َف آَمَنّا بِالَلِّو َوبِالَّر ُسوِؿ َوأَطَْعنَا ثَُمّ يػَتَػَوَلّذ
فَِري ٌق ِمنْػُه ْم ِم ْن بػَْع ِد ذَلِ َك َوَما أُولَئِ َك بِالْ ُمْؤِمنِيَن (َ )ٗٚوإِذَا ُد ُعوا
إِلَذ الَلِّو َوَر ُسولِِو لِيَ ْح ُك َم بػَْيػنَػُه ْم إَِذا فَِري ٌق ِمنْػُه ْم ُمْعِر ُضو َف ( })ٗٛإلذ
قولوَ{ :وأُولَئِ َك ُى ُم الْ ُمْفلِ ُحو َف} [النور.]٘ٔ - ٗٚ :
[فإف قيل] :إذا كاف ابؼؤمن حِّقا ىو الفاعل للواجبات ،التارؾ
للمحّرمات ،فقد قاؿ { :أُولَئِ َك ُى ُم الْ ُمْؤِمنُو َف َحِّقا} [ الأنفاؿ:
ٗ] ،ولد يذكر إلا بطسة أشياء ،وكذلك قاؿ في الآية الأخرى:
{إَِبّمَا الْ ُمْؤِمنُو َف اَلّ ِذي َن آَمنُوا بِالَلِّو َوَر ُسولِِو ثَُمّ لَدْ يػَْرتَابُوا َو َجا َى ُدوا
بِأَْمَوابِؽِ ْم َوأَنْػُف ِسِه ْم ِفي َسبِيِل الَلِّو أُولَئِ َك ُى ُم ال َّصاِدقُو َف ( ٘ٔ)}
106
[ابغجرات ،]ٔ٘ :وكذلك قولو { :إِ َّف اَلّ ِذي َن يَ ْستَأِْذنُونَ َك أُولَئِ َك
اَلّ ِذي َن يػُْؤِمنُو َف بِالَلِّو َوَر ُسولِِو} الآية [النور.]ٕٙ :
[قيل] :عن ىذا جواباف:
[أحدبنا] :أف يكوف ما ذُكر مستلزًما بؼا تُرؾ ،فإنو ذََكر َو َج َل
قلؤّم إذا ذُكر ا﵁ ،وزيادة إبيانهم إذا تُليت عليهم آياتو ،مع
التوّكل عليو ،وأقاـ الصلاة على الوجو ابؼأمور بو باطنًا وظاىًرا،
وكذلك الإنفاؽ من ابؼاؿ وابؼنافع ،فكاف ىذا مستلزًما للباقي ،فإف
و َج َل القل ِب عند ذكر ا﵁ يقتضي خشيتو ،وابػوؼ منو ،وقد
ف ّسروا "وجلت" بَفِرقَت ،وفي قراءة ابن مسعود -رضي ا﵁ عنو :-
"إذا ذُكر ا﵁ فِرقَت قلؤّم" ،وىذا صحيح ،فإف الوجل في اللغة
ىو ابػوؼ ،يقاؿ؛ بضرة ابْػَ َجل ،و ُصْفرة الوجل ،ومنو قولو تعالذ:
{َواَلّ ِذي َن يػُْؤتُو َف َما آتَػْوا َوقػُلُوبػُُه ْم َوِجلَةٌ أََنػُّه ْم إِلَذ َرِّّْٔ ْم َرا ِجُعو َف
107
(ٓ[ })ٙابؼؤمنوف ،]ٙٓ :قالت عائشة رضي ا﵁ تعالذ عنها :يا
رسوؿ ا﵁ ىو الرجل يزني ،ويسرؽ ،وبىاؼ أف يُعاقب؟ قاؿ" :لا
يا ابنة ال ّص ّديق ،ىو الرجل يصلّي ،ويصوـ ،ويتص ّدؽَ ،وبَىاؼ أف
لا يُقبل منو" وقاؿ ال ّس ّد ّي في قولو تعالذ{ :اَلّ ِذي َن إَِذا ذُكَِر الَلّوُ
َوِجلَ ْت قػُلُوبػُُه ْم} [ابغج :]ٖ٘ :ىو الرجل يريد أف يظلم ،أو يه ّم
بدعصية ،فينزع عنو ،وىذا كقولو تعالذَ { :وأََّما َم ْن َخا َؼ َمَقاَـ َرْبِّو
َونػََهى الَنّػْف َس َع ِن ابْؽََوى ( ٓٗ) فَِإ َّف ابْعََنّةَ ِى َي الْ َمأَْوى ( ٔٗ)}
[النازعات ،]ٗٔ - ٗٓ :وقولوَ { :ولَِم ْن َخا َؼ َمَقاَـ َرْبِّو َجَنّتَا ِف
( [ })ٗٙالربضن ،]ٗٙ :قاؿ بؾاىد :وغيره من ابؼف ّسرين :ىو
الرجل يه ّم بابؼعصية ،فيذكر مقامو بين يدي ا﵁ ،فيتركها خوفًا من
ا﵁.
108
وإذا كاف وجل القلب من ذكره يتض ّمن خشيتو ،وبـافتو ،فذلك
يدعو صاحبو إلذ فعل ابؼأمور ،وترؾ ا﵀ظور .قاؿ سهل بن عبد
ا﵁ :ليس بين العبد وبين ا﵁ حجاب أغلظ من الدعوى ،ولا
طريق إليو أقرب من الافتقار ،وأصل ك ّل خير في الدنيا والآخرة
ابػوؼ من ا﵁ .ويدّؿ على ذلك قولو تعالذَ { :ولََّما َس َك َت َع ْن
ُمو َسى الْغَ َض ُب أَ َخ َذ اْلأَلَْوا َح َوِفي نُ ْس َختَِها ُى ًدى َوَربْضَةٌ لَِلّ ِذي َن ُى ْم
لَِرِّّْٔ ْم يػَْرَىبُو َف ( ٗ٘ٔ)} [ الأعراؼ ،]ٔ٘ٗ :فأخبر أف ابؽدى
والربضة للذين يرىبوف ا﵁ .قاؿ بؾاىد ،وإبراىيم :ىو الرجل يريد أف
يذنب الذنب ،فيذكر مقاـ ا﵁ ،فيدع الذنب .رواه ابن أِب الدنيا
عن ابن ابععد ،عن شعبة ،عن منصور ،عنهما في قولو تعالذ:
{َولَِم ْن َخا َؼ َمَقاَـ َرْبِّو َجَنّتَا ِف ( [ })ٗٙالربضن ،]ٗٙ :وىؤلاء
ىم أىل الفلاح ابؼذكوروف في قولو تعالذ{ :أُولَئِ َك َعلَى ُى ًدى ِم ْن
109
َرِّّْٔ ْم َوأُولَئِ َك ُى ُم الْ ُمْفلِ ُحو َف ( ٘)} [ البقرة ،]٘ :وىم ابؼؤمنوف،
وىم ابؼتّقوف ابؼذكوروف في قولو تعالذ{ :الد (ٔ) ذَلِ َك الْ ِكتَا ُب لَا
َريْ َب فِيِو ُى ًدى لِْل ُمَتِّقيَن (ٕ)} [البقرة ،]ٕ - ٔ :كما قاؿ في آية
البرّ { :أُولَئِ َك اَلّ ِذي َن َص َدقُوا َوأُولَئِ َك ُى ُم الْ ُمَتّػُقو َف} [ البقرة:
،]ٔٚٚوىؤلاء ىم ابؼتبعوف للكتاب ،كما في قولو تعالذ{ :فََم ِن
اَتّػبَ َع ُى َدا َي فَلَا يَ ِض ُّل َوَلا يَ ْشَقى} [طو ،]ٕٖٔ :وإذا لد يض ّل،
فهو متّبع مهتد ،وإذا لد يش َق ،فهو مرحوـ ،وىؤلاء ىم أىل
الصراط ابؼستقيم الذين أنعم ا﵁ عليهم من النبيين وال ّص ّديقين،
والشهداء ،والصابغين ،غير ابؼغضوب عليهم ولا ال ّضالّين ،فإف أىل
الربضة ليسوا مغضوبًا عليهم ،وأىل ابؽدى ليسوا ضالّين ،فتبّين أف
أىل رىبة ا﵁ يكونوف متّقين ﵁ ،مستحّقين للجنة بلا عذاب،
وىؤلاء ىم الذين أتوا بالإبياف الواجب.
110
وبفا يدّؿ على ىذا ابؼعنى قولو تعالذ{ :إَِبّمَا بَىْ َشى الَلّوَ ِم ْن ِعبَاِدهِ
الْعُلَ َماءُ} الآية [فاطر ،]ٕٛ :وابؼعنى لا بىشاه إلا عالد ،فقد أخبر
ا﵁ أف ك ّل من خشي ا﵁ فهو عالد ،كما قاؿ في الآية الأخرى:
{أََّم ْن ُىَو قَانِ ٌت آنَاءَ الَلّْيِل َسا ِج ًدا َوقَائًِما بَوْ َذُر اْلآ ِخَرةَ َويػَْرُجو َربْضَةَ
َرْبِّو قُ ْل َى ْل يَ ْستَِوي اَلّ ِذي َن يػَْعلَ ُمو َف َواَلّ ِذي َن لَا يػَْعلَ ُمو َف} والآية
[الزمر.]ٜ :
وابػشية أب ًدا متض ّمنة للرجاء ،ولولا ذلك لكانت قُنوطًا ،كما أف
الرجاء يستلزـ ابػوؼ ،ولولا ذلك لكاف أمنًا ،فأىل ابػوؼ ﵁،
والرجاء لو ىم أىل العلم الذين مدحهم ا﵁ .وقد ُروي عن أِب
حيّاف التيم ّي أنو قاؿ :العلماء ثلاثة :فعالد با﵁ ليس عابؼًا بأمر
ا﵁ ،وعالد بأمر ا﵁ ليس عابؼًا با﵁ ،وعالد با﵁ عالد بأمر ا﵁،
فالعالد با﵁ ىو الذي بىافو ،والعالد بأمر ا﵁ ىو الذي يعلم أمره
111
ونهيو ،وفي " الصحيح" عن النبّي -صلى ا﵁ عليو وسلم -أنو
قاؿ" :وا﵁ إني لأرجو أف أكوف أخشاكم ﵁ ،وأعلمكم بحدوده".
وإذا كاف أىل ابػشية ىم العلماء ابؼمدوحوف في الكتاب والسنّة،
لد يكونوا مستحّقين لل ّذّـ ،وذلك لا يكوف إلا مع فعل الواجبات.
ويدّؿ عليو قولو تعالذ { :فَأَْو َحى إِلَيِْه ْم َرُبػُّه ْم لَنُػ ْهلِ َك َّن ال َظّالِِميَن
(ٖٔ) َولَنُ ْس ِكنَػَنّ ُك ُم اْلأَْر َض ِم ْن بػَْع ِد ِى ْم َذلِ َك لَِم ْن َخا َؼ َمَقاِمي
َو َخا َؼ َوِعي ِد ( ٗٔ)} [ إبراىيم ،]ٔٗ - ٖٔ :وقولوَ { :ولَِم ْن
َخا َؼ َمَقاَـ َرْبِّو َجَنّتَا ِف ( [ })ٗٙالربضن ،]ٗٙ :فوعد بنصر
الدنيا ،وبثواب الآخرة لأىل ابػوؼ ،وذلك إبما يكوف لأنهم أَّدوا
الواجب ،فدّؿ على أف ابػوؼ يستلزـ فعل الواجب ،وبؽذا يقاؿ
للفاجر :لا بىاؼ ا﵁ .ويدّؿ على ىذا ابؼعنى قولو تعالذ { :إَِبّمَا
الَتّػْوبَةُ َعلَى الَلِّو لَِلّ ِذي َن يػَْع َملُو َف ال ُّسوءَ ِبجََهالٍَة ثَُمّ يػَتُوبُو َف ِم ْن قَِري ٍب}
112
الآية [النساء .]ٔٚ :قاؿ أبو العالية :سألت أصحاب بؿمد -
صلى ا﵁ عليو وسلم -عن ىذه الآية ،فقالوا لر :ك ُّل من عصى
ا﵁ فهو جاى ٌل ،وك ّل من تاب قبل ابؼوت ،فقد تاب من قريب،
وكذلك قاؿ سائر ابؼف ّسرين ،قاؿ بؾاىد :ك ّل عاص فهو جاىل
حين معصيتو .وقاؿ ابغسن ،وقتادة ،وعطاء ،والس ّد ّي ،وغيرىم:
إبما بُُظّوا ُجّهالًا بؼعاصيهم ،لا أنهم غير بفيّزين .وقاؿ الّزّجاج :ليس
معنى الآية أنهم بههلوف أنو سوء؛ لأف ابؼسلم لو أتى ما بههلو كاف
كمن لد يواقع سوءًا ،وإبما بوتمل أمرين:
[أحدبنا] :أنهم عملوه ،وىم بههلوف ابؼكروه فيو.
[والثاني] :أنهم أقدموا على بصيرة وعلم بأف عاقبتو مكروىة ،وآثروا
العاجل على الآجل ،فس ّموا ُجّهاًلا؛ لإيثارىم القليل على الراحة
113
الكثيرة ،والعافية الدائمة ،فقد جعل الزّجاج ابعهل إما عدـ العلم
بعاقبة الفعل ،وإما فساد الإرادة .وقد يقاؿ :بنا متلازماف.
وابؼقصود ىنا أف ك ّل عاص ﵁ ،فهو جاىل ،وك ّل خائف منو فهو
عالدٌ مطيع ﵁ ،وإبما يكوف جاىلًا لنقص خوفو من ا﵁؛ إذ لو تمّ
خوفو من ا﵁ لد يَع ِص ،ومنو قوؿ ابن مسعود -رضي ا﵁ عنو :-
كفى بخشية ا﵁ عل ًما ،وكفى بالاغترار بو جهلًا ،وذلك لأف تصّور
ابؼخوؼ يوجب ابؽرب منو ،وتصّور ا﵀بوب يوجب طلبو ،فإذا لد
يهرب من ىذا ،ولد يطلب ىذا ،دّؿ على أنو لد يتصّوره تصّوًرا
تاِّما ،ولكن قد يتصّور ابػبر عنو ،وتصّور ابػبر ،وتصديقو ،وحفظ
حروفو غير تصّور ابؼخبر عنو ،وكذلك إذا لد يكن ابؼتصّور بؿبوبًا
لو ،ولا مكروًىا ،فإف الإنساف يص ّدؽ بدا ىو بـوؼ على غيره،
وبؿبوب لغيره ،ولا يورثو ذلك ىربًا ،ولا طلبًا ،وكذلك إذا أُخِبر بدا
114
ىو بؿبو ٌب لو ،ومكروه ،ولد يك ّذب ابؼخبر ،بل عرفو صدقو ،لكن
قلبو مشغوؿ بأمور أخرى عن تصّور ما أُخبر بو ،فهذا لا يتحّرؾ
للهرب ،ولا للطلب.
وفي الكلاـ ابؼعروؼ عن ابغسن البصر ّي ،ويُروى مرسلًا عن النبّي
-صلى ا﵁ عليو وسلم " :-العلم علماف :فعلم في القلب ،وعلم
على اللساف ،فعلم القلب ىو العلم النافع ،وعلم اللساف حجة ا﵁
على عباده" .وقد أخرجا في " الصحيحين" عن أِب موسى
الأشعر ّي -صلى ا﵁ عليو وسلم -عن النبّي -صلى ا﵁ عليو
وسلم -أنو قاؿ " :مثل ابؼؤمن الذي يقرأ القرآف مثل الأترّجة
طعمها طيّب وربوها طيّ ٌب ،ومثل ابؼؤمن الذي لا يقرأ القرآف مثل
التمرة ،طعمها طيّ ٌب ولا ريح بؽا ،ومثل ابؼنافق الذي يقرأ القرآف
كمثل الربوانة ،ربوها طيّ ٌب وطعمها مّر ،ومثل ابؼنافق الذي لا يقرأ
115
القرآف مثل ابغنظلة ،طعمها مّر ولا ريح بؽا" .وىذا ابؼنافق الذي
يقرأ القرآف ،بوفظو ،ويتصّور معانيو ،وقد يص ّدؽ أنو كلاـ ا﵁،
وأف الرسوؿ ح ّق ،ولا يكوف مؤمنًا ،كما أف اليهود يعرفونو كما
يعرفوف أبناءىم ،وليسوا مؤمنين ،وكذلك إبليس ،وفرعوف ،وغيربنا،
لكن من كاف كذلك ،لد يكن حصل لو من العلم التاّـ ،وابؼعرفة
التاّمة ،فإف ذلك يستلزـ العمل بدوجبو ،لا بؿالة ،وبؽذا صار يقاؿ
بؼن لد يعمل بعلمو :إنو جاىل ،كما تق ّدـ.
وكذلك لفظ " العقل" ،وإف كاف في الأصل مصدر عقل يعقل
عقلًا -من باب ضرب -وكثير من النظّار جعلو من جنس
العلوـ ،فلا ب ّد أف يُعتبر مع ذلك أنو علم يُعمل بدوجبو ،فلا يس ّمى
عاقلًا إلا من عرؼ ابػير فطلبو ،والشّر فتركو ،وبؽذا قاؿ أصحاب
النار { :لَْو ُكَنّا نَ ْس َم ُع أَْو نػَْعِق ُل َما ُكَنّا ِفي أَ ْص َحا ِب ال َّسعِيِر}
116
[ابؼلك ،]ٔٓ :وقاؿ عن ابؼنافقين{ :بَْر َسبُػُه ْم بَِصيًعا َوقػُلُوبػُُه ْم َشَّت
ذَلِ َك بِأََنػُّه ْم قَػْوٌـ لَا يػَْعِقلُو َف} [ابغشر ،]ٔٗ :ومن فعل ما يعلم أنو
يضّره ،فمثل ىذا ما لو عق ٌل ،فكما أف ابػوؼ من ا﵁ يستلزـ
العلم بو ،فالعلم بو يستلزـ خشيتو ،وخشيتو تستلزـ طاعتو،
فابػائف من ا﵁ بفتث ٌل لأوامره ،بؾتنب لنواىيو ،وىذا ىو الذي
قصدنا بيانو أّوًلا.
ويدّؿ على ذلك أي ًضا قولو تعالذ{ :فََذّْكْر إِ ْف نػََفَع ِت الّْذْكَرى ()ٜ
َسيََّذَّكُر َم ْن بَىْ َشى ( ٓٔ) َويػَتَ َجَنّبُػَها اْلأَ ْشَقى ( ٔٔ) اَلّ ِذي يَ ْصلَى
الَنّاَر الْ ُكبْػَرى (ٕٔ)} [الأعلى ،]ٕٔ - ٜ :فأخبر أف من بىشاه
يتذّكر ،والتذّكر ىنا مستلزـ لعبادتو ،قاؿ ا﵁ تعالذُ { :ىَو اَلّ ِذي
يُِري ُك ْم آيَاتِِو َويػُنَػّْزُؿ لَ ُك ْم ِم َن ال َّس َماِء ِرْزقًا َوَما يػَتََذَّكُر إَِّلا َم ْن يُنِي ُب
(ٖٔ)} [ غافر ،]ٖٔ :وقاؿ { :تَػبْ ِصَرًة َوِذ ْكَرى لِ ُك ّْل َعبْ ٍد ُمنِي ٍب
117
( [ })ٛؽ[ ،]ٛ :قاؿ ابعامع عفا ا﵁ عنو] :وبؽذا قالوا في قولو
تعالذَ { :سيََّذَّكُر َم ْن بَىْ َشى ( ٓٔ)} [ الأعلى :]ٔٓ :سيتّعظ
بالقرآف من بىشى ا﵁ ،وفي قولوَ { :وَما يػَتََذَّكُر إَِّلا َم ْن يُنِي ُب}
[غافر :]ٖٔ :إبما يتّعظ من يرجع إلذ الطاعة ،وىذا لأف التذّكر
التاّـ يستلزـ التأثّر بدا تذّكره ،فإف تذّكر بؿبوبًا طلبو ،وإف تذّكر
مرىوبًا ىرب منو .ومنو قولو تعالذَ { :سَواءٌ َعلَيِْه ْم أَأَنَْذْرتَػُه ْم أَْـ لَدْ
تُػنْ ِذْرُى ْم لَا يػُْؤِمنُو َف} [البقرة ،]ٙ :وقاؿ سبحانو ا﵁{ :اَتّػبَ َع الّْذْكَر
َو َخ ِش َي الَّربْضَ َن بِالْغَْي ِب} [يس ،]ٔٔ :فنفى الإنذار عن غير ىؤلاء
مع قولو{ :إِ َّف اَلّ ِذي َن َكَفُروا َسَواءٌ َعلَْيِه ْم أَأَنَْذْرتَػُه ْم أَْـ لَدْ تػُنْ ِذْرُى ْم لَا
يػُْؤِمنُو َف ( [ })ٙالبقرة ،]ٙ :فأثبت بؽم الإنذار من وجو ،ونفاه
عنهم من وجو ،فالإنذار ىو الإعلاـ بابؼخوؼ ،فالإنذار مثل
التعليم ،والتخويف ،فمن علّمتو فتعلّم ،فقد تمّ تعليمو ،وآخر
118
يقوؿ :علّمتو فلم يتعلّم ،وكذلك من خّوفتو فخاؼ ،فهذا ىو
الذي تمّ بزويفو ،وأما من ُخّوؼ فما خاؼ ،فلم يت ّم بزويفو،
وكذلك من ىديتو فاىتدى ،تمّ ىداه ،ومنو قولو تعالذُ { :ى ًدى
لِلْ ُمَتِّقيَن} [ البقرة ،]ٕ :ومن ىديتو فلم يهتد ،كما قاؿ تعالذ:
{َوأََّما بَشُودُ فَػَه َديْػنَا ُى ْم فَا ْستَ َحُبّوا الَْع َمى َعلَى ابْؽَُدى} [ ف ّصلت:
،]ٔٚفلم يت ّم ىداه ،كما تقوؿ :قطعتو فانقطع ،وقطعتو ،فما
انقطع .فابؼؤثّر التاّـ يستلزـ أثره ،فمَّت لد بوصل أثره لد يكن تاِّما،
والفعل إذا صادؼ بؿِلّا قابلًا تمّ ،وإلا لد يت ّم ،والعلم با﵀بوب
يورث طلبو ،والعلم بابؼكروه يورث تركو ،وبؽذا يُس ّمى ىذا العلم:
الداعي ،ويقاؿ :الداعي مع القدرة ،يستلزـ وجود ابؼقدور ،وىو
العلم بابؼطلوب ابؼستلزـ لإرادة ابؼعلوـ ابؼراد ،وىذا كلّو إبما بوصل
مع ص ّحة الفطرة ،وسلامتها ،وأما مع فسادىا ،فقد بُو ّس الإنساف
119
باللذيذ ،فلا بهد لو ل ّذة ،بل يؤبؼو ،وكذلك يلت ّذ بابؼؤلد لفساد
فطرتو ،والفساد يتناوؿ القّوة العلميّة ،والقّوة العمليّة بصيًعا،
كابؼمرور الذي بهد العسل ُمِّرا ،فإنو فسد نفس إحساسو ،حَّت
كاف بُو ّس بو على خلاؼ ما ىو عليو للمّرة التي مازجتو ،وكذلك
من فسد باطنو ،قاؿ تعالذَ { :وَما يُ ْشعُِرُك ْم أََنػَّها إَِذا َجاءَ ْت لَا
يػُْؤِمنُو َف (َ )ٜٔٓونػَُقْلّ ُب أَفْئَِدتَػُه ْم َوأَبْ َصاَرُى ْم َك َما لَدْ يػُْؤِمنُوا بِِو أََّوَؿ
َمَّرةٍ َونََذُرُى ْم ِفي طُْغيَانِهِ ْم يػَْع َمُهو َف} [ الأنعاـ.]ٔٔٓ - ٜٔٓ :
وقاؿ تعالذ { :فَػلََّما َزاغُوا أََزا َغ الَلّوُ قُػلُوبػَُه ْم} الآية [ الص ّف،]٘ :
وقاؿ {َوقَػْوبِؽِ ْم قُػلُوبػُنَا غُْل ٌف بَ ْل طَبَ َع الَلّوُ َعلَيْػَها بِ ُكْفِرِى ْم} [النساء:
٘٘ٔ] ،وقاؿ في الآية الأخرىَ { :وقَالُوا قػُلُوبػُنَا ُغْل ٌف بَ ْل لََعنَػُه ُم
الَلّوُ} [ البقرة ،]ٛٛ :و"الغلف" بصع أغلف ،وىو ذو الغلاؼ
الذي في غلاؼ ،مثل الأقلف ،كأنهم َجعلوا ابؼانع خلقة :أي
120
ُخلقت القلوب وعليها أغطية ،فقاؿ ا﵁ تعالذ{ :بَ ْل لََعنَػُه ُم الَلّوُ
بِ ُكْفِرِى ْم} [البقرة{ ،]ٛٛ :طَبَ َع الَلّوُ َعلَيْػَها بِ ُكْفِرِى ْم فَلَا يػُْؤِمنُو َف إَِّلا
قَلِيلًا} [النساء ،]ٔ٘٘ :وقاؿ تعالذَ{ :وِمنْػُه ْم َم ْن يَ ْستَ ِم ُع إِلَْي َك
َحَّت إَِذا َخَرُجوا ِم ْن ِعنْ ِد َؾ قَالُوا لَِلّ ِذي َن أُوتُوا الْعِْل َم َماذَا قَا َؿ آنًِفا
أُولَئِ َك اَلّ ِذي َن طَبَ َع الَلّوُ َعلَى قُػلُؤِِّ ْم َواَتّػبَػُعوا أَْىَواءَُى ْم ( })ٔٙ
[بؿمد.]ٔٙ :
وكذلك قالوا{ :يَا ُشَعْي ُب َما نػَْفَقوُ َكثِيًرا ِبَفّا تَػُقوُؿ} [ىود،]ٜٔ :
قاؿَ { :ولَْو َعلِ َم الَلّوُ فِيِه ْم َخيْػًرا َلأَبْظََعُه ْم} [الأنفاؿ :]ٕٖ :أي
لأفهمهم ما بظعوه ،ثم قاؿَ{ :ولَْو أَبْظََعُه ْم} [الأنفاؿ :]ٕٖ :أي
ولو لأفهم مع ىذه ابغاؿ التي ىم عليها {لَتَػَوَلّْوا َوُى ْم ُمْعِر ُضو َف}
[الأنفاؿ ،]ٕٖ :فقد فسدت فطرتهم ،فلم يفهموا ،ولو فهموا لد
يعملوا ،فنفى عنهم ص ّحة القّوة العلميّة ،وص ّحة القّوة العمليّة.
121
وقاؿ{ :أَْـ بَْر َس ُب أََّف أَ ْكثَػَرُى ْم يَ ْس َمُعو َف أَْو يػَْعِقلُو َف إِ ْف ُى ْم إَِّلا
َكاْلأَنْػَعاِـ بَ ْل ُى ْم أَ َض ُّل َسبِيلًا ( ٗٗ)} [ الفرقاف ،]ٗٗ :وقاؿ:
{َولََق ْد ذََرأْنَا بِعََهَنّ َم َكثِيرًا ِم َن ابْعِ ّْن َواْلِإنْ ِس بَؽُْم قُػلُو ٌب لَا يػَْفَقُهو َف
َِّٔا َوبَؽُْم أَ ْعُيٌن لَا يػُْب ِصُرو َف َِّٔا َوبَؽُْم آ َذا ٌف لَا يَ ْس َمعُو َف َِّٔا أُولَئِ َك
َكاْلأَنْػَعاِـ بَ ْل ُى ْم أَ َض ُّل أُولَئِ َك ُى ُم الْغَافِلُو َف ([ })ٜٔٚالأعراؼ:
،]ٜٔٚوقاؿَ { :وَمثَ ُل اَلّ ِذي َن َكَفُروا َك َمثَِل اَلّ ِذي يػَنْعِ ُق ِبدَا لَا
يَ ْس َم ُع إَِّلا ُد َعاءً َونَِداءً ُص ّّم بُ ْك ٌم عُ ْم ٌي فَػُه ْم لَا يػَْعِقلُو َف (ٔ})ٔٚ
[البقرة ،]ٔٚٔ :وقاؿ عن ابؼنافقينُ { :ص ّّم بُ ْك ٌم عُ ْم ٌي فَػُه ْم لَا
يػَْرِجُعو َف ([ })ٔٛالبقرة.]ٔٛ :
ومن الناس من يقوؿ :لَّما لد ينتفعوا بالسمع والبصر ،والنطق
جعلوا ُصِّما بُ ْك ًما عُ ْميًا ،أو بؼا أعرضوا عن السمع والبصر والنطق،
صاروا كالص ّم العمي البكم ،وليس كذلك ،بل نفس قلؤّم
122
عميت ،و ُص ّمت ،وبكمت ،كما قاؿ ا﵁ تعالذ{ :فَِإَنػَّها لَا تَػْع َمى
اْلأَبْ َصاُر َولَ ِك ْن تَػْع َمى الُْقلُو ُب اَلِّتي ِفي ال ُّص ُدور} [ ابغج.]ٗٙ :
والقلب ىو ابؼلك ،والأعضاء جنوده ،وإذا صلح صلح سائر
ابعسد ،وإذا فسد فسد سائر ابعسد ،فيبقى يسمع بالأذف
الصوت ،كما تسمع البهائم ،وابؼعنى :لا يفقو ،وإف فقو بعض
الفقو لد يفقو فقًها تاِّما ،فإف الفقو التاّـ يستلزـ تأثيره في القلب
بؿبّة ا﵀بوب ،وبغض ابؼكروه ،فمَّت لد بوصل ىذا لد يكن التصّور
حاصلًا ،فجاز نفيو ،لأف ما لد يت ّم ينفى ،كقولو -صلى ا﵁ عليو
وسلم -للذي أساء في صلاتو" :ص ّل ،فإنك لد تص ّل" ،فنَػْف ُي
الإبياف حيث نُفي من ىذا الباب.
وقد بصع ا﵁ تعالذ بين وصفهم بو َجل القلب إذا ذُكر ا﵁ ،وبزيادة
الإبياف إذا بظعوا آياتو ،قاؿ الض ّحاؾ :زادتهم يقينًا ،وقاؿ الربيع بن
123
أنس :خشيةً ،وعن ابن عبّاس تصديًقا .وىكذا قد ذكر ا﵁ ىذين
الأصلين في مواضع ،قاؿ تعالذ{ :أَلَدْ يَأْ ِف لَِلّ ِذي َن آَمنُوا أَ ْف بَزْ َش َع
قُػلُوبػُُه ْم لِِذْكِر الَلِّو َوَما نػََزَؿ ِم َن ابْغَ ّْق َوَلا يَ ُكونُوا َكاَلّ ِذي َن أُوتُوا
الْ ِكتَا َب ِم ْن قَػْبلُ فَطَا َؿ َعلَيِْه ُم اْلأََم ُد فَػَق َس ْت قػُلُوبػُُه ْم َوَكثِيرٌ ِمنْػُه ْم
فَا ِسُقو َف ([ })ٔٙابغديد.]ٔٙ :
وابػشوع يتض ّمن معنيين:
[أحدبنا] :التواضع والذّؿ.
[والثاني] :السكوف والطمأنينة ،وذلك مستلزـ للين القلب ابؼنافي
للقسوة ،فخشوع القلب يتض ّمن عبوديّتو ﵁ ،وطمأنينتو أي ًضا،
وبؽذا كاف ابػشوع في الصلاة يتض ّمن ىذا وىذا ،التواضع
والسكوف .وعن ابن عباس رضي ا﵁ تعالذ عنهما في قولو تعالذ:
124
{اَلّ ِذي َن ُى ْم ِفي َصلَاتِهِ ْم َخا ِشعُو َف ( ٕ)} [ ابؼؤمنوف :]ٕ :قاؿ:
بـبتوف أِذّلاءُ .وعن ابغسن وقتادة :خائفوف .وعن مقاتل:
متواضعوف .وعن عل ّي -رضي ا﵁ عنو :-ابػشوع في القلب،
وأف تُلِين للمرء للمسلم كنفك ،ولا تلتفت بيينًا وشمالًا .وقاؿ
بؾاىد :غ ّض البصر ،وخفض ابعناح .وكاف الرجاؿ من العلماء إذا
قاـ إلذ الصلاة يهاب الربضن ،أف يش ّد بصره ،أو أف بُو ّدث نفسو
بشيء من أمر الدنيا.
وعن عمرو بن دينار :ليس ابػشوع الركوع والسجود ،ولكنو
السكوف ،وح ّب حسن ابؽيئة في الصلاة .وعن ابن سيرين وغيره:
كاف النبّي -صلى ا﵁ عليو وسلم ،-وأصحابو يرفعوف أبصارىم
في الصلاة إلذ السماء ،وينظروف بيينًا وشمالًا حَّت نزلت ىذه الآية:
{قَْد أَفْػلَ َح الْ ُمْؤِمنُو َف ( ٔ) اَلّ ِذي َن ُى ْم ِفي َصلَاتِهِ ْم َخا ِشعُو َف}
125
[ابؼؤمنوف ،]ٕ - ٔ :فجعلوا بعد ذلك أبصارىم حيث يسجدوف،
وما رؤي أحد منهم بعد ذلك ينظر إلا إلذ الأرض .وعن عطاء:
ىو أف لا تعبث بشيء من جسدؾ ،وأنت في الصلاة .وأبصر
النبّي -صلى ا﵁ عليو وسلم -رجلًا يعبث بلحيتو في الصلاة،
فقاؿ" :لو خشع قلب ىذا بػشعت جوارحو".22
وخشوع ابعسد تبع بػشوع القلب ،إذا لد يكن الرجل مرائيًا يُظهر
ما ليس في قلبو ،كما روي" :تعّوذوا من خشوع النفاؽ" ،وىو أف
يُرى ابعسد خاشًعا ،والقلب خاليًا لاىيًا ،فهو سبحانو استبطأ
ابؼؤمنين بقولو{ :أَلَدْ يَأْ ِف لَِلّ ِذي َن آَمنُوا أَ ْف بَزْ َش َع قػُلُوبػُُه ْم لِِذْكِر الَلِّو
َوَما نػََزَؿ ِم َن ابْغَ ّْق} [ ابغديد ،]ٔٙ :فدعاىم إلذ خشوع القلب
لذكره ،وما نزؿ من كتابو ،ونهاىم أف يكونوا كالذين طاؿ عليهم
22ىذا موضوع مرفوًعا ،وإبما ىو من قوؿ ابن ابؼسيّب ،وىو أي ًضا ضعيف .انظر" :السلسلة الضعيفة" للشيخ
الألبانيّ ربضو ا﵁ تعالذٔ ٔٗٗ- ٖٔٗ /رقم ابغديث ٓٔٔ.
126
الأمد ،فقست قلؤّم ،وىؤلاء ىم الذين { إَِذا ذُكَِر الَلّوُ َوِجلَ ْت
قػُلُوبػُُه ْم َوإَِذا تُلِيَ ْت َعلَْيِه ْم آيَاتُوُ َزاَدتْػُه ْم إِبيَانًا} [الأنفاؿ.]ٕ :
وكذلك في الآية الأخرى{ :الَلّوُ نػََّزَؿ أَ ْح َس َن ابْغَ ِدي ِث كِتَابًا ُمتَ َشأًِّا
َمثَاِنيَ تَػْق َشعُِّر ِمنْوُ ُجلُوُد اَلّ ِذي َن بَىْ َشْو َف َرَبػُّه ْم ثَُمّ تَلِيُن ُجلُوُد ُى ْم
َوقُػلُوبػُُه ْم إِلَذ ِذ ْك ِر الَلِّو} الآية [الزمر ،]ٕٖ :والذين بىشوف رّّٔم
ىم الذين إذا ذكر ا﵁ تعالذ وجلت قلؤّم.
[فإف قيل] :فخشوع القلب لذكر ا﵁ ،وما نزؿ من ابغ ّق واج ٌب.
[قيل] :نعم ،لكن الناس فيو على قسمين :مقتصٌد ،وساب ٌق،
فالسابقوف بىت ّصوف بابؼستحبّات ،وابؼقتصدوف الأبرار ىم عموـ
ابؼؤمنين ابؼستحّقين للجنة ،ومن لد يكن من ىؤلاء ،ولا ىؤلاء،
فهو ظالد لنفسو ،وفي ابغديث الصحيح ،عن النبّي -صلى ا﵁
127
عليو وسلم " :-اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ،وقلب لا
بىشع ،ونفس لا تشبع ،ودعاء لا يسمع".
وقد ذّـ ا﵁ قسوة القلوب ابؼنافية للخشوع في غير موضع ،فقاؿ
تعالذ{ :ثَُمّ قَ َس ْت قػُلُوبُ ُك ْم ِم ْن بػَْع ِد َذلِ َك فَِه َي َكابْغِ َجاَرةِ أَْو أَ َشُّد
قَ ْسَوةً} الآية [البقرة .]ٚٗ :قاؿ الزّجاج :قست في اللغة :غلُظت،
ويبست ،وعسيت ،فقسوة القلب :ذىاب اللين والربضة ،وابػشوع
منو ،والقاسي ،والعاسي :الشديد الصلابة .وقاؿ ابن قُتيبة :قست،
وعست ،وعتت :أي يبست ،وقّوة القلب ا﵀مودة غير قسوتو
ابؼذمومة ،فإنو ينبغي أف يكوف قوِيّا من غير عنف ،ولْيّػنًا من غير
ضعف .وفي الأثر " :القلوب آنية ا﵁ في أرضو ،فأحبّها إلذ ا﵁
أصلبها ،وأرقّها،وأصفاىا" ،وىذا كاليد ،فإنها قويّة ،ليّنة ،بخلاؼ
ما يقسو من العقب ،فإنو يابس ،لا لين فيو ،وإف كاف فيو قّوة،
128
وىو سبحانو ذكر َو َج َل القلب من ذكره ،ثم ذكر زيادة الإبياف عند
تلاوة كتابو عل ًما وعملًا.
ثم لا ب ّد من التوّكل على ا﵁ تعالذ فيما لا يقدر عليو ،ومن طاعتو
فيما يقدر عليو ،وأصل ذلك الصلاة ،والزكاة ،فمن قاـ ّٔذه
ابػمس ،كما أُمر لزـ أف يأتي بسائر الواجبات.
بل الصلاة نفسها إذا فعلها كما أُِمَر ،فهي تنهى عن الفحشاء
وابؼنكر ،كما روي عن ابن مسعود ،وابن عبّاس -رضي ا﵁ عنهم
" :-إف في الصلاة منتًهى وُمزدجًرا عن معاصي ا﵁ ،فمن لد تنهو
صلاتو عن الفحشاء وابؼنكر ،لد يزدد بصلاتو من ا﵁ إلا بُع ًدا"،
وقولو" :لد يزدد إلا بُع ًدا" إذا كاف ما ترؾ من الواجب منها أعظم
بفا فعلو ،أبعده ترؾ الواجب الأكثر من ا﵁ أكثر بفا قّربو فعل
الواجب الأق ّل ،وىذا كما في "الصحيح" عن النبّي -صلى ا﵁
129
عليو وسلم -أنو قاؿ" :تلك صلاة ابؼنافق ،تلك صلاة ابؼنافق،
تلك صلاة ابؼنافق ،يرقب الشمس حَّت إذا كانت بين قرني
شيطاف ،قاـ فنقر أربًعا ،لا يذكر ا﵁ فيها إلا قليلًا" .وقد قاؿ ا﵁
تعالذ { :إِ َّف الْ ُمنَافِِقيَن بُىَاِدعُو َف الَلّوَ َوُىَو َخاِد ُعُه ْم َوإِذَا قَاُموا إِلَذ
ال َّصلَاةِ قَاُموا ُك َسالَذ يػَُراءُو َف الَنّا َس َوَلا يَْذُكُرو َف الَلّوَ إَِّلا قَلِيلًا
(ٕٗٔ)} [النساء.]ٕٔٗ :
وفي "السنن" عن ع ّمار -رضي ا﵁ عنو -عن النبّي -صلى ا﵁
عليو وسلم -أنو قاؿ" :إف العبد لينصرؼ من صلاتو ،ولد يُكتب
لو منو إلا نصفها ،إلا ثلثها" ،حَّت قاؿ" :إلا عشرىا" ،وعن ابن
عبّاس رضي ا﵁ تعالذ عنهما ،قاؿ" :ليس لك من صلاتك إلا ما
عقلت منها" ،وىذا وإف لد يؤمر بإعادة الصلاة عند أكثر العلماء،
لكن يؤمر بأف يأتي من التطّوعات بدا بَهْبُػُر نقص فرضو ،ومعلوـ أف
130
من حافظ على الصلوات بخشوعها الباطن ،وأعمابؽا الظاىرة،
وكاف بىشى ا﵁ ابػشية التي أمره ّٔا ،فإنو يأتي بالواجبات ،ولا
يأتي كبيرة ،ومن أتى الكبائر ،مثل الزنا ،أو السرقة ،أو شرب
ابػمر ،وغير ذلك ،فلا ب ّد أف يذىب ما في قلبو من تلك ابػشية
وابػشوع والنور ،وإف بقي أصل التصديق في قلبو ،وىذا من الإبياف
الذي يُنزع منو عند فعل الكبيرة ،كما قاؿ النبّي -صلى ا﵁ عليو
وسلم " :-لا يزني الزاني حين يزني ،وىو مؤمن ،ولا يسرؽ السارؽ
حين يسرؽ ،وىو مؤمن" .فإف ابؼتّقين كما وصفهم ا﵁ تعالذ
بقولو{ :إِ َّف اَلّ ِذي َن اَتّػَقْوا إِذَا َم َّسُه ْم طَائِ ٌف ِم َن ال َّشْيطَا ِف تََذَّكُروا فَِإذَا
ُى ْم ُمبْ ِصُروَف ( ٕٔٓ)} [ الأعراؼ ،]ٕٓٔ :فإذا طاؼ بقلؤّم
طائف من الشيطاف تذّكروا ،فيُبصروف.
131
قاؿ سعيد بن ُجبير :ىو الرجل يغضب الغضبة ،فيّذكر ا﵁،
فيكظم الغيظ .وقاؿ ليث ،عن بؾاىد :ىو الرجل يه ّم بالذنب،
فيذكر ا﵁ ،فيدعو ،والشهوة ،والغضب مبدأ السيّئات ،فإذا أبصر
رجع ،ثم قاؿَ { :وإِ ْخَوانػُُه ْم بَيُُّدونػَُه ْم ِفي الْغَ ّْي ثَُمّ لَا يػُْق ِصُرو َف
(ٕٕٓ)} [ الأعراؼ :]ٕٕٓ :أي ىاخواف الشياطين بُس ّدىم
الشياطين في الغ ّي ،ثم لا يقصروف .قاؿ ابن عبّاس :لا الإنس
تقصر عن السيّئات ،ولا الشياطين بُسسك عنهم ،فإذا لد يبصر
بقي قلبو في غ ّي ،والشيطاف بي ّده في غيّو ،وإف كاف التصديق في
قلبو لد يكذب ،فذلك النور والإبصار ،وتلك ابػشية وابػوؼ،
بىرج من قلبو ،وىذا كما أف الإنساف يغمض عينيو ،فلا يرى
شيئًا ،وإف لد يكن أعمى ،فكذلك القلب بدا يغشاه من رين
الذنوب ،لا يُبصر ابغ ّق ،وإف لد يكن أعمى كعمى الكافر.
132
وىكذا جاء في الآثار ،قاؿ أبضد بن حنبل في "كتاب الإبياف":
ح ّدثنا بويى ،عن أشعث ،عن ابغسن ،عن النبّي -صلى ا﵁ عليو
وسلم ، -قاؿ " :يُنزع منو الإبياف ،فإف تاب أُعيد إليو" .وقاؿ:
ح ّدثنا بويى ،عن عوؼ ،قاؿ :قاؿ ابغسن" :بُهانبو الإبياف ما داـ
كذلك ،فإف راجع راجعو الإبياف".
وقاؿ أبضد :ح ّدثنا معاوية ،عن أِب إسحاؽ ،عن الأوزاع ّي ،قاؿ:
وقد قلت للزىر ّي حين ذكر ىذا ابغديث " :لا يزني الزاني حين
يزني ،وىو مؤمن" ،فإنهم يقولوف :فإف لد يكن مؤمنًا ،فما ىو؛
قاؿ :فأنكر ذلك ،وكره مسألتي عنو .وقاؿ أبضد :حدثنا عبد
الربضن بن مهد ّي ،عن سفياف ،عن إبراىيم بن مهاجر ،عن
بؾاىد ،عن ابن عبّاس رضي ا﵁ تعالذ عنهما أنو قاؿ لغلمانو :من
أراد منكم الباءة زّوجناه ،لا يزني منكم زاف إلا نزع ا﵁ منو نور
133
الإبياف ،فإف شاء أف يرّده رّده ،وإف شاء أف بينعو منعو" .وقاؿ أبو
داود السجستانيّ :ح ّدثنا عبد الوّىاب بن بَْقدة ،ح ّدثنا بقيّة بن
الوليد ،ح ّدثنا صفواف بن عمرو ،عن عبد ا﵁ بن ربيعة ابغضرمي،
أنو أخبره ،عن أِب ىريرة -رضي ا﵁ عنو -أنو كاف يقوؿ" :إبما
الإبياف كثوب أحدكم ،يلبسو مّرًة ،ويقلعو أخرى" ،وكذلك رواه
بإسناده عن عمر -رضي ا﵁ عنو .-وروي عن ابغسن ،عن النبّي
-صلى ا﵁ عليو وسلم -مرسلًا .وفي حديث أِب ىريرة -رضي
ا﵁ عنو -مرفوًعا إلذ النبّي -صلى ا﵁ عليو وسلم " :-إذا زنى
الزاني خرج منو الإبياف ،فكاف كالظلّة ،فإذا انقطع رجع إليو
الإبياف" .انتهى كلاـ شيخ الإسلاـ ابن تيميّة ربضو ا﵁ تعالذ
"بؾموع الفتاوى" .ٖٖ - ٘ /ٚ
134
وىو برقيق نفيس جِّدا ،لا بذده في كتاب غيره ،فاغتنمو ،وا﵁
تعالذ أعلم بالصواب ،وإليو ابؼرجع وابؼآب23.
الفصل الخاهي :في حكن الإيواى الوقلذ
اختلفوا في حكم من آمن ولد ينظر ويستدؿ على ثلاثة أقواؿ :
الأوؿ أنو يصح إبيانو ويكوف كافرا.
الثاني أف إبيانو صحيح ولكنو آثم على تركو النظر والاستدلاؿ .
الثالث أف يكوف مقلدا لا علم لو بدينو لكنو ينفعو ىذا التقليد
ويصير بو مؤمنا غير عاص24 .
23البحر ا﵀يط الثجاج ٖ٘-ٖٜالشاملة
24انظر (( النبوات)) لابن تيمية ((( ،)61الدرء)) ( (( ،)442 ،441/7لوامع الأنوار البهية)) (-267/1
.)276
135
ذىب بصهورىم إلذ أف من آمن ولد ينظر ويستدؿ يكوف إبيانو
صحيحا ولكنو يأثم على تركو للنظر والاستدلاؿ وذىب بعضهم
إلذ أنو يكوف مقلدا ولا يأثم على تركو النظر والاستدلاؿ.
قاؿ الناصري " :قاؿ الإماـ سيف ابغق أبو ابؼعين :ثم ابؼذىب أف
ابؼقلد الذي لا دليل معو مؤمن وحكم الإسلاـ لازـ لو وىو مطيع
﵁ تعالذ باعتقاده وسائر طاعاتو وإف كاف عاصيا بترؾ النظر
والاستدلاؿ وحكمو حكم غيره من فساؽ أىل ابؼلة."....
ثم قاؿ أبو ابؼعين " :ذىب أكثر ابؼتكلمين إلذ أنو لابد لثبوت
الإبياف وكونو نافعا من دليل ينبِن عليو اعتقاده غير أف أبا ابغسن
الرستغفِن ...قاؿ :إذا بنى اعتقاده على قوؿ الرسوؿ وعرؼ أنو
رسوؿ وأنو ظهرت على يده ابؼعجزات ثم قبل منو القوؿ في حدوث
136
العالد وثبوت الصانع ووحدانيتو من غير أف عرؼ صحة كل من
ذلك بدليل عقلي كاف كافيا .25
قاؿ الإماـ النووي ربضو ا﵁ في شرحو لقوؿ النبي صلى ا﵁ عليو
وسلم (( :أمرت أف أقاتل الناس حَّت يشهدوا أف لا إلو إلا ا﵁
))...ابغديث ":فيو دلالة ظاىرة بؼذىب ا﵀ققين وابعماىير من
السلف وابػلف أف الإنساف إذا اعتقد اعتقادا جازما لا تردد فيو
كفاه ذلك وىو مؤمن من ابؼوحدين ولا بهب عليو تعلم أدلة
ابؼتكلمين ومعرفة ا﵁ تعالذ ّٔا خلافا بؼن أوجب ذلك وجعلو شرطا
في كونو من أىل القبلة وزعم أنو لا يكوف لو حكم ابؼسلمين إلا
بو وىذا ابؼذىب ىو قوؿ كثير من ابؼعتزلة وبعض أصحابنا
ابؼتكلمين وىو خطأ ظاىر فإف ابؼراد التصديق ابعازـ وقد حصل
(25النور اللامع)) (ؿ9 ،8
137
ولأف النبي صلى ا﵁ عليو وسلم اكتفى بالتصديق بدا جاء بو صلى
ا﵁ عليو وسلم ولد يشترط ابؼعرفة بالدليل فقد تظاىرت ّٔذا
أحاديث في الصحيحين بوصل بدجموعها التواتر بأصلها والعلم
القطعي26 .
قاؿ الإماـ ابن حزـ ربضو ا﵁ ( وقاؿ سائر أىل الإسلاـ كل من
اعتقد بقلبو اعتقادا لا يشك فيو وقاؿ بلسانو لا إلو إلا ا﵁ وأف
بؿمدا رسوؿ ا﵁ وأف كل ما جاء بو حق وبرئ من كل دين سوى
دين بؿمد صلى ا﵁ عليو وسلم فإنو مسلم مؤمن ليس عليو غير
ذلك ) 27
26شرح صحيح مسلم)) (.)211 -210/1
27الفصل . 35/4
138
قاؿ السفاريِن ربضو ا﵁ " :قاؿ بعض علماء الشافعية :اعلم أف
وجوب الإبياف با﵁ وملائكتو وكتبو ورسلو واليوـ الآخر لا يشترط
فيو أف يكوف عن نظر واستدلاؿ ،بل يكفي اعتقاد جازـ بذلك ،
إذ ابؼختار الذي عليو السلف ،وأئمة الفتوى من ابػلف ،وعامة
الفقهاء ،صحة إبياف ابؼقلد ،قاؿ :وأما ما نقل عن الإماـ الشيخ
أِب ابغسن الأشعري من عدـ صحة إبياف ابؼقلد ،فكذب عليو
كما قالو الأستاذ أبو القاسم القشيري .
ثم قاؿ :وبفا يرد على زاعمي بطلاف إبياف ابؼقلد أف الصحابة
رضواف ا﵁ عليهم أبصعين فتحوا أكثر العجم ،وقبلوا إبياف عوامهم
،كأجلاؼ العرب ،وإف كاف برت السيف ،أو تبعا لكبير منهم
أسلم ،ولد يأمروا أحدا منهم بترديد نظر ،ولا سألوه عن دليل
تصديقو ،ولا أرجئوا أمره حَّت ينظر.
139
والعقل بهزـ في بكو ىذا بعدـ وقوع الاستدلاؿ منهم لاستحالتو
حينئذ ،فكاف ما أطبقوا عليو دليلا أي دليل على إبياف ابؼقلد .
وقاؿ :إف التقليد أف يسمع من نشأ بقمة جبٍل ،النا َس يقولوف :
للخلق رب خلقهم ،وخلق كل شيء من غير شريك لو ،
ويستحق العبادة عليهم ،فيجزـ بذلك إجلالا بؽم عن ابػطأ ،
وبرسينا للظن ّٔم ،فإذا تم جزمو ،بأف لد بُِهز نقيض ما أخبروا بو
،فقد حصل واجب الإبياف ،وإف فاتو الاستدلاؿ ،لأنو غير
مقصود لذاتو بل للتوصل بو للجزـ ،وقد حصل .
وقاؿ الإماـ النووي :الآتي بالشهادتين مؤمن حقا ،وإف كاف
مقلدا ،على مذىب ا﵀ققين وابعماىير من السلف وابػلف ،لأنو
-صلى ا﵁ عليو وسلم -اكتفى بالتصديق بدا جاء بو ،ولد
140
يشترط ابؼعرفة بالدليل ،وقد تظاىرت ّٔذا الأحاديث الصحاح
بوصل بدجموعها التواتر والعلم القطعي ،انتهى .
وبدا تقرر تعلم أف النظر ليس بشرط في حصوؿ ابؼعرفة مطلقا ،
وإلا بؼا وجدت بدونو ،لوجوب انتفاء ابؼشروط ،بانتفاء الشرط ،
لكنها قد توجد ؛ فظهر أف النظر لا يتعين على كل أحد ،وإبما
يتعين على من لا طريق لو سواه ،بأف بلغتو دعوة النبي -صلى
ا﵁ عليو وسلم -أوؿ ما بلغتو دعوتو ،وصدؽ بو تصديقا جازما
بلا تردد ،فمع صحة إبيانو بالاتفاؽ ،لا يأثم بترؾ النظر 28 "..
قاؿ الشيخ عبد ا﵁ ابا بطين :وفرض على كل واحد معرفة
التوحيد وأركاف الإسلاـ بالدليل ،ولا بهوز التقليد في ذلك ،لكن
العامي الذي لا يعرؼ الأدلة إذا كاف يعتقد وحدانية الرب
28لوامع الأنوار (.)269/1
141
سبحانو ورسالة بؿمد صلى ا﵁ عليو وسلم ويؤمن بالبعث بعد
ابؼوت وبابعنة والنار وأف ىذه الأمور الشركية التي تفعل عند ىذه
ابؼشاىد باطلة وضلاؿ فإذا كاف يعتقد ذلك اعتقادا جازما لا
شك فيو فهو مسلم ،وإف لد يترجم بالدليل لأف عامة ابؼسلمين
ولو لقنوا الدليل فإنهم لا يفهموف ابؼعنى غالبا 29.
وقاؿ الشيخ ابن عثيمين ربضو ا﵁:
وقيل يكفي ابعزـ إبصاعاً بدا ...يطلب فيو عند بعض العلما
وىذا قوؿ ثاف في ىذه ابؼسألة ؛ وىو أنو يكفي ابعزـ بدا يطلب فيو
ابعزـ ،ولو عن طريق التقليد؛ فالإبياف با﵁ وملائكتو وكتبو ورسلو
واليوـ الآخر :ىذا بفا بهب فيو ابعزـ ،ولكن العامي لا يدرؾ ذلك
29الدرر السنية في الأجوبة النجدية ،بصع عبدالربضن بن بؿمد بن قاسم (.)339 /4
142
بدليلو ،ومع ذلك نصحح إبيانو ،ونقوؿ إنو مؤمن وإف كاف لا
يدرؾ ذلك بدليلو.
وبؽذا قاؿ ابؼؤلف ربضو ا﵁( :وقيل يكفي ابعزـ إبصاعا) :يعِن انو
إذا وجد ابعزـ ،حصل ابؼقصود ،بالإبصاع.
وقولو( :بدا يطلب فيو) ،نائب فاعل (يطلب) يعود على ابعزـ،
يعِن يكفي ابعزـ بدا يطلب فيو ابعزـ بالإبصاع ،وقائل ىذا بعض
العلماء ،وبؽذا قاؿ( :عند بعض العلما)
وىذا القوؿ ىو الصحيح ،والدليل على ذلك أف ا﵁ أحاؿ على
سؤاؿ أىل العلم في مسألة من مسائل الدين التي بهب فيها ابعزـ،
فقاؿَ( :وَما أَْر َسلْنَا قَػْبػلَ َك إَِّلا ِرَجالاً نُوِحي إِلَيِْه ْم فَا ْسأَلُوا أَْى َل الّْذْك ِر
إِ ْف ُكْنتُ ْم لا تَػْعلَ ُمو َف) (الأنبياء )7 :؛
143
وواضح أننا نسأبؽم لنأخذ بقوبؽم ،ومعلوـ أف الإبياف بأف الرسل
رجاؿ ىو من العقيدة ،ومع ذلك أحالنا ا﵁ فيو إلذ أىل العلم...
ثم إننا لو ألزمنا العامي بترؾ التقليد والتزاـ الأخذ بالاجتهاد ،
لألزمناه بدا لا يطيق ،وقد قاؿ ا﵁ تعالذ( :لا يُ َكْلّ ُف الَلّوُ نػَْفساً إَِّلا
ُو ْسَعَها) (البقرة :الآية )286وقاؿ( :أُولَئِ َك يُ َسا ِرُعو َف ِفي ابْػَْيػَرا ِت
َوُى ْم بَؽَا َسابُِقو َف* َولا نُ َكْلّ ُف نػَْفساً إَِّلا ُو ْسَعَها)
(ابؼؤمنوف)62،61/
فالصواب آّزوـ بو :ىو القوؿ الثاني؛ وىو أف ما يطلب فيو ابعزـ
،يكتفى فيو بابعزـ ،سواء عن طريق الدليل ،أو عن طريق
التقليد.
144
قاؿ ابؼؤلف ربضو ا﵁ ( :فابعازموف من عواـ البشر) يعِن الذين
بهزموف بدا يعتقدوف من العواـ الذين ليس عندىم علم لأنهم عواـ،
قاؿ( :فمسلموف) يعِن فهم مسلموف ،وإف كانوا لد يأخذوا ما
يطلب فيو ابعزـ عن طريق الاجتهاد.
ثم قاؿ( :عند أىل الأثر) وكفى بأىل الأثر قدوة ،فأىل الأثر يروف
أنو بهوز التقليد فيما يطلب فيو ابعزـ ،وابؼقصود أف بوصل ابعزـ ،
سواء عن طريق التقليد أو عن طريق الاجتهاد ،وإذا كاف ىذا ىو
ما يراه أىل الأثر ،فهو الذي نراه بكن ،وىو الصحيح" 30
فعلم بفا سبق أنو لا بهب البحث والاستدلاؿ على من ثبت
إسلامو ،بل يطلب منو العمل والسعي في زيادة اليقين.
"30شرح العقيدة السفارينية" (ص. )310
145
تنبيو :استدؿ بعض من يوجب الدليل على العامي بدا خرج
البخاري عن أنس أف رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم قاؿ ":فأما
ابؼؤمن فيقوؿ :أشهد أنو عبد ا﵁ ورسولو فيقاؿ لو انظر إلذ مقعدؾ
من النار ،قد أبدلك ا﵁ بو مقعداً من ابعنة فيرابنا بصيعاً -.ثم
قاؿ – وأما ابؼنافق والكافر فيقاؿ لو :ما كنت تقوؿ في ىذا
الرجل؟ فيقوؿ :لا أدري كنت أقوؿ ما يقوؿ الناس ،فيقاؿ :لا
دريت ولا تليت ، "...وىذا لا دلالة فيو بؼا يلي:
/1أف منزع عدـ ابعواب في القبر على قوؿ ىؤلاء عدـ الدراية
وابؼعرفة ،فمعناه :أف الكافر إذا عرؼ الإسلاـ بدليلو فإف سيجيب
،وىذا خطأ ،بل منزع عدـ جوأّم ىو عدـ الإسلاـ لا عدـ
الدرية ،فلو تعلموىا ليل نهار ،ولد يدخلوا في الإسلاـ فإف جوأّم
:لا أدري .
146
/2لازـ قوؿ ىؤلاء تكفير من لد يعرؼ الدليل على أصل الإسلاـ
لا تأثيمو ،فإف ظاىر ابغديث التكفير ؛ لذا جعل ابؼنافق أو
ابؼرتاب في مقابل ابؼؤمن "31
الفصل التاسع : :عذم التكفيش تكل رًة
من الأصوؿ آّمع عليها عند أىل السنة :أنهم لا يكفروف أحدا
من أىل القبلة بذنب -ما لد يستحلو ،ويقصدوف بالذنب -الذي
لا يكفر صاحبو -فعل الكبائر أو الصغائر أو ترؾ الواجبات،
خلافا للوعيدية ،الذين يكفروف أىل الكبائر ،وبعضهم يكفر أىل
الصغائر ،لكن قد يفهم البعض من عبارات السلف في ذلك أنهم
لا يكفروف بكل ذنب ،مطلقا ،فدفعا بؽذا اللبس (امتنع كثير من
الأئمة عن إطلاؽ القوؿ بأنا لا نكفر أحدا بذنب ،بل يقاؿ :لا
(31التعليقات العلمية التقريبيةعلى القواعد الأربع وثلاثة الأصوؿ التوحيدية عبد العزيز بن ريس الريس)
147
نكفرىم بكل ذنب ،كما تفعلو ابػوارج وفرؽ بين النفي العاـ،
ونفي العموـ32)..
وقد عقد الإماـ البخاري -ربضو ا﵁ -بابا في (صحيحو) قطع
فيو بأف ابؼعاصي لا يكفر مرتكبها ،قاؿ :باب :ابؼعاصي من أمر
ابعاىلية ،ولا يكفر صاحبها بارتكأّا إلا بالشرؾ؛ لقوؿ النبي
صلى ا﵁ عليو وسلم :إنك امرؤ فيك جاىلية .وقوؿ ا﵁ تعالذ:
إف ا﵁ لا يغفر أف يشرؾ بو ويغفر ما دوف ذلك بؼن يشاء.
[النساء.]48:
وقاؿ أبو ابغسن الأشعري -ربضو ا﵁ تعالذ -في الابانة :وندين
بأف لا نكفر أحدا من أىل القبلة بذنب يرتكبو؛ كالزنا ،والسرقة،
وشرب ابػمر ،كما دانت بذلك ابػوارج وزعمت أنهم كافروف.
32شرح الطحاوية)) (ص)356 :
148
ونقوؿ :إف من عمل كبيرة من ىذه الكبائر؛ مثل الزنا ،والسرقة
وما أشبهها ،مستحلا بؽا غير معتقد لتحربيها؛ كاف كافرا .اىػ.
وقاؿ الإماـ أبو بكر الإبظاعيلي -ربضو ا﵁ -في اعتقاد أىل
ابغديث وأىل السنة وابعماعة :ويقولوف :إف أحدا من أىل
التوحيد ومن يصلي إلذ قبلة ابؼسلمين؛ لو ارتكب ذنبا ،أو ذنوبا
كثيرة ،صغائر ،أو كبائر مع الإقامة على التوحيد ﵁ ،والإقرار بدا
التزمو وقبلو عن ا﵁؛ فإنو لا يكفر بو ،ويرجوف لو ابؼغفرة؛ قاؿ
تعالذ { :ويغفر ما دوف ذلك بؼن يشاء }) .
وقاؿ الإماـ ابن بطة العكبري -ربضو ا﵁ تعالذ -في الابانة :وقد
أبصعت العلماء -لا خلاؼ بينهم -أنو لا يكفر أحد من أىل
القبلة بذنب ،ولا بلرجو من الإسلاـ بدعصية؛ نرجو للمحسن،
وبلاؼ على ابؼسيء.
149
وقاؿ الصابوني في اعتقاد أئمة السلف :ويعتقد أىل السنة :أف
ابؼؤمن وإف أذنب ذنوبا كثيرة ،صغائر كانت ،أو كبائر؛ فإنو لا
يكفر ّٔا .وإف خرج من الدنيا غير تائب منها ،ومات على
التوحيد والإخلاص؛ فإف أمره إلذ ا﵁ -عز وجل -إف شاء عفا
عنو ،وأدخلو ابعنة يوـ القيامة سابؼا غابما ،غير مبتلى بالنار ،ولا
معاقب على ما ارتكبو من الذنوب ،واكتسبو ،ثم استصحبو -إلذ
يوـ القيامة -من الآثاـ والأوزار ،وإف شاء عاقبو وعذبو مدة
بعذاب النار ،وإذا عذبو لد بىلده فيها؛ بل أعتقو وأخرجو منها إلذ
نعيم دار القرار .اىػ
وقاؿ الإماـ البغوي -ربضو ا﵁ تعالذ -في شرح السنة :اتفق أىل
السنة على أف ابؼؤمن لا بىرج عن الإبياف بارتكاب شيء من
الكبائر ،إذا لد يعتقد إباحتها ،وإذا عمل شيئا منها؛ فمات قبل
150