The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

ماذا يقولون عن التبرك وتقبيل اليد

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by maldubasi, 2016-12-09 22:22:02

ماذا يقولون عن التبرك وتقبيل اليد

ماذا يقولون عن التبرك وتقبيل اليد

‫ونحر نسكه ‪ ،‬ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه ثم دعا أبا طلحة‬
‫الأنصاري فأعطاه إياه ثم ناوله شقه الأيسر قال ‪ ( :‬احلقه ) ‪ ،‬وأعطاه‬

‫أبا طلحة فقال ‪( :‬اقسمه بين الناس ) "‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬هذا آخر كلام ابن خطار فيما يتعلق بالتبرك بشعر النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ,‬وليس عندنا في ثبوته وجوازه في شعر النبي صلى الله‬

‫عليه وسلم أدنى شك لأنه ثبت بالدليل الشرعي ‪.‬‬

‫ولم يورد المؤلف شيئاً يدل على جواز فعل ذلك مع شعر غير النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫فإن ثبت وجود شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم الآن تبركنا به‬
‫‪ ,‬لكن لا بد أن ُيعلم أنه لم يبق من شعره صلى الله عليه وسلم شيء ‪,‬‬
‫ومن زعم وجود شيء من ذلك في بعض البلاد فهو كذب لا دليل عليه ‪,‬‬
‫إذ من الممكن أن يأتي شخص بشعر ثم يزعم كذباً وزوراً أنه شعر النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ليربح من وراء ذلك أموال ًا طائلة ‪ ,‬لهذا لا بد من‬

‫ثبوت ذلك‪ ,‬وأنى لم في هذه الأيام ذلك ؟ ‪.‬‬

‫التبرك بعرقه صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬التبرك بعرقه صلى الله عليه وسلم ‪ :‬عن سيدنا‬
‫أنس ‪ ‬أن سيدتنا أم سليم رضي الله عنها ( كانت تبسط للنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم نطعاً فيقيل عندها على ذلك النطع ‪ ،‬قال ‪ :‬فإذا نام النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة ثم‬

‫‪50‬‬

‫جمعته في سك وهو نائم ‪ ،‬قال ‪ :‬فلما حضر أنس بن مالك الوفاة‬
‫أوصى إلى أن يجعل في حنوطه من السك قال ‪ :‬فجعل في حنوطه ) ‪.‬‬

‫وفي رواية ‪ (:‬دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عندنا ‪،‬‬
‫فجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها ‪ ،‬فاستيقظ فقال ‪ :‬أم‬

‫سليم ما هذا الذي تصنعين ؟‬

‫قالت ‪ :‬هذا عرقك نجعله من‪ 1‬طيبنا وهو من أطيب الطيب ) ‪.‬‬

‫وفي رواية ‪ (:‬عرق فاستنقع عرقه على قطعة أديم عتيدة فجعلت‬
‫تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها فأفاق ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما تصنعين ؟‬

‫قالت ‪ :‬نرجوا بركته لصبياننا ‪ ،‬فقال ‪ :‬أصبت ) ‪.‬‬

‫وفي رواية أبي قلابة ‪ (:‬فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب‬
‫والقوارير فقال ‪ :‬ما هذا ؟ قال عرقك أدوف به طيبي ) ‪.‬‬

‫ويستفاد من هذه الروايات إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على فعل‬
‫أم سليم وتصويبه ولا معارضة بين قولها إنها كانت تجمعه لأجل طيبه‬
‫‪ ،‬وبين قولها للبركة ‪ ،‬بل يحتمل‪ 2‬على أنها كانت تفعل ذلك للأمرين‬

‫معاً " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬وهذا أيضاً دليل على جواز التبرك بعرقه صلى الله عليه وسلم‬
‫فليس بيننا خلاف في ذلك ‪ ,‬لكن هل يجوز فعل هذا مع عرق غيره‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬هل جمع الصحابة عرق أبي بكر أوعمر أو ‪ ...‬؟‬

‫‪ 1‬هكذا في كتاب ابن خطار والصواب‪ ( :‬في طيبنا ) كما في المصادر التي أحال إليها ‪.‬‬

‫‪ 2‬هكذا في كتاب ابن خطار والصواب‪( :‬بل يحمل‪ )...‬كما في فتح الباري ‪.‬‬

‫‪51‬‬

‫لم يحصل ذلك منهم مطلقاً ومن زعم خلاف ذلك فعليه أن يأتي بالدليل‬
‫الشرعي‪.‬‬

‫وقبل أن ننتقل إلى موضع آخر من كلام ابن خطار انبه إلى أن قوله‪:‬‬
‫(وفي رواية ‪ (:‬عرق فاستنقع عرقه على قطعة أديم عتيدة ‪ , )...‬أحال‬
‫ابن خطار إلى مسند أحمد وإلى صحيح مسلم ‪ ,‬ويظهر أنه نقلها دون أن‬
‫يرجع إلى الأصل ليتأكد من لفظ الحديث فوقع في الخطأ كما وقع فيه‬

‫من نقل عنهم ‪.‬‬

‫والحديث عند مسلم (‪ )4336‬عن أنس ‪ ‬بلفظ‪(( :‬كان النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها ‪ ,‬قال‪ :‬فجاء ذات يوم‬
‫فنام على فراشها ‪ ,‬فأُ ِت َيت فقيل لها‪ :‬هذا النبي صلى الله عليه وسلم نام في‬
‫بيتك على فراشك ‪ ,‬قال‪ :‬فجاءت وقد عرق واستنقع عرقه على قطعة‬
‫أديم على الفراش ففتحت عتيدتها فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في‬
‫قواريرها ‪ ,‬ففزع النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬ما تصنعين يا أم سليم‬
‫؟ فقالت‪ :‬يارسول الله نرجو بركته لصبياننا ‪ ,‬قال‪ :‬أصبت )) وهو عند‬

‫أحمد كذلك ‪.‬‬

‫قال النووي في معنى (ففتحت َعتِي َد َتها)‪(( :‬وهي كالصندوق الصغير‬
‫تجعل المرأة فيه ما يعز من متاعها )) ‪.‬‬

‫التبرك بجلده صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪" :‬التبرك بجلده الشريف صلى الله عليه وسلم ‪:‬عن‬
‫عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال ‪ :‬كان أسيد بن حضير ‪ ‬رجل ًا‬

‫‪52‬‬

‫صالحاً ضاحكاً مليحاً ‪ ،‬فبينما هو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يحدث القوم ويضحكهم فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫خاصرته فقال ‪ :‬أوجعتني ‪ ,‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬اقتص ‪ ,‬قال ‪:‬‬
‫يارسول الله إن عليك قميصاً ‪ ،‬ولم يكن عل َّي قميص ‪ ،‬قال ‪ :‬فرفع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فجعل يُـ َقبـِّل كشحه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬

‫بأبي أنت وأمي يا رسول الله أردت هذا ) " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬قال ابن خطار في الحاشية عن هذا الحديث‪(( :‬أخرجه أبو‬
‫داود (‪ )7442‬والحاكم (‪ , )411/3‬وصححه ووافقه الذهبي ‪ ,‬وأخرجه‬

‫الطبراني في الكبير (‪. )) )777‬‬

‫وبالرجوع إلى أبي داود في نفس الموضع ُوجد أن عبد الرحمن بن أبي‬
‫ليلى يحدث عن أسيد ‪ ‬مباشرة وليس في السند قوله‪(( :‬عن أبيه))‬
‫وكذلك أيضاً في الطبراني الذي أخرج الحديث في معجمه الكبير في‬
‫موضعين‪ )777( , )771( :‬لم يذكر ذلك ‪ ,‬وعلى هذا فيكون سند أبي‬
‫داود والطبراني منقطع وذلك أن عبدالرحمن بن أبي ليلى ولد لست بقين‬
‫من خلافة عمر كما قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (‪ )432/1‬فإذا‬
‫كان عمر ‪ ‬توفي سنة ‪ 43‬كما هو معلوم ‪ ,‬وانظر الصدر السابق‬
‫(‪ , )311/7‬فيكون عبد الرحمن ولد سنة ‪ 67‬وأسيد بن حضير ‪ ‬مات‬
‫سنة ‪ 40‬أو ‪ 46‬كما في التقريب (ص‪ )664‬أي أنه مات وعبدالرحمن‬
‫في السنة الثالثة أو الرابعة من عمره ‪ ,‬وقد أشار إلى ذلك ابن مفلح في‬
‫الآداب الشرعية (‪ )473/4‬حيث قال بعد أن ذكر الحديث السابق‪:‬‬
‫((إسناده ثقات ‪ ,‬ومات أسيد ولعبد الرحمن نحو ثلاث سنين)) ‪ ,‬وعلى‬
‫هذا فلم يسمع عبد الرحمن من أسيد وإنما حدث عنه بواسطة ‪ ,‬وهذه‬
‫الواسطة هي والده ولذلك جاء ذكره في المستدرك وفي سنن البيهقي‬

‫‪53‬‬

‫(‪ , )67100‬فكان على ابن خطار أن يحيل إليهما فقط وينبه ـ إن كان‬
‫يعلم ـ إلى ما وقع في أبي داود والطبراني من الانقطاع ‪.‬‬

‫وما ورد في هذا الحديث من تقبيل كشح النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬هو‬
‫أمر قد جاء الدليل به‪ ,‬فنحن نقول به أيضاً ونقول‪ :‬سمعاً وطاعة ‪ ,‬فهل‬

‫ورد دليل بجواز فعل هذا مع غير النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ‪.‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن حبان بن واسع عن أشياخ من قومه أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر ‪ ،‬وفي‬
‫يده قدح يعدل به القوم فمر بسواد بن غزية ‪ ‬حليف بني عدي بن‬
‫النجار ‪ ،‬وهو مستنصل من الصف ـ أي خارج ـ فطعنه في بطنه بالقدح‬
‫وقال ‪ :‬استو يا سواد فقال يا رسول الله ! أوجعتني وقد بعثك الله‬
‫بالحق والعدل فأقدني ‪ ،‬فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن‬
‫بدنه صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬استقد ‪ ،‬فاعتنقه ‪ ،‬فقبل بطنه فقال ‪:‬‬

‫ما حملك على هذا يا سواد ؟‬

‫قال ‪ :‬يا رسول الله ! حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن‬
‫يمس جلدي جلدك ‪ ،‬فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير ) "‬

‫‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬إن ثبت هذا الحديث فإنه يدل على ما دل عليه الحديث السابق ‪.‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لقي رجل ًا مختضباً بصفرة وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم جريدة ‪.‬‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬خط ورس ‪ ،‬فطعن بالجريدة بطن‬
‫الرجل وقال ‪ :‬ألم أنهك عن هذا ؟ فأثر في بطنه دماً أدماه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬

‫‪54‬‬

‫القود يا رسول الله ! فقال الناس ‪ :‬أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫تقتص ؟‬

‫فقال ‪ :‬ما لبشرة أحد فضل على بشرتي ‪ ،‬فكشف النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم عن بطنه ثم قال ‪ :‬اقتص ‪ ،‬فقبل الرجل بطن النبي صلى الله عليه‬

‫وسلم وقال ‪ :‬أدعها لك أن تشفع لي يوم القيامة " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬هذا الحديث أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (‪ )61031‬قال‬
‫عن معمر عن رجل عن الحسن ثم ذكر الحديث ‪ .‬فهو حديث ضعيف‬
‫لأن الحسن البصري ليس من الصحابة فمن الذي حدثه ؟ ثم الرجل الذي‬

‫روى عن الحسن مجهول ‪.‬‬

‫ومع هذا نقول‪ :‬إن ثبت هذا الحديث فإنه يدل على ما دل عليه الحديث‬
‫السابق ‪.‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ‪(:‬‬
‫زاهر باديتنا ونحن حاضرته ‪ ،‬وكان صلى الله عليه وسلم يحبه ‪،‬‬
‫فمشى صلى الله عليه وسلم يوماً إلى السوق فوجده قائماً ‪ ،‬فجاء من‬
‫قبل ظهره وضمه بيده إلى صدره فأح َّس زاهر بأنه رسول الله ‪ .‬قال ‪:‬‬

‫فجعلت أمسح ظهري في صدره رجاء بركته ) ‪.‬‬

‫وفي رواية ‪ (:‬فاحتضنه من خلفه ولا يبصره فقال ‪ :‬أرسلني من هذا ؟‬
‫فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فجعل لا يألو ما ألصق‬
‫ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه فجعل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول ‪ :‬من يشتري العبد فقال له زاهر ‪ :‬يا رسول‬

‫‪55‬‬

‫الله ! إذ ًا تجدني كاسد ًا ‪ .‬فقال صلى الله عليه وسلم ‪ (:‬أنت عند الله غال‬
‫)‪.‬‬

‫وفي رواية أخرى ‪ (:‬لكن عند الله لست بكاسد أو قال ‪ :‬أنت عند الله‬
‫غال ) ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬هذا الحديث يدل على ما دل عليه الحديث السابق ‪.‬‬

‫التبرك بلباسه صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬التبرك بلباسه أو بجبته صلى الله عليه وسلم‬
‫‪:‬عن سيدنا سهل بن سعد ‪ ‬في البردة التي استوهبها من النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬فلامه الصحابة به على طلبها فقال‪( :‬رجوت بركتها‬

‫حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكفن فيها ) " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬التبرك بلباسه صلى الله عليه وسلم ثبت في الأحاديث‬
‫الصحيحة ولهذا نقول بجوازه ومشروعيته ولا نقول بجواز فعل هذا مع‬

‫غير النبي صلى الله عليه وسلم إذ لا دليل على ذلك ‪.‬‬

‫أما الحديث الذي ذكره المؤلف كان الأولى أن يذكر رواية البخاري‬
‫(‪ )6461‬عن سهل بن سعد ‪(( :‬أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ببردة منسوجة فيها حاشيتها ‪ ...‬قالت‪ :‬نسجتها بيدي فجئت‬
‫لأكسوكها ‪ ,‬فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها ‪ ,‬فخرج إلينا‬
‫وإنها إزاره ‪ ,‬فح َّسنها فلان فقال‪ :‬اكسنيها ما أحسنها ‪ .‬قال القوم‪ :‬ما‬
‫أحسنت ‪ ,‬لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها ثم سألته وعلمت‬

‫‪56‬‬

‫أنه لا يرد ‪ .‬قال‪ :‬إني والله ما سألته لألبسها ‪ ,‬إنما سألته لتكون كفني ‪.‬‬
‫قال سهل‪ :‬فكانت كفنه)) ‪.‬‬

‫قال ابن حجر في الفتح (‪(( :)623/3‬ووقع لشيخنا ابن الملقن في (شرح‬
‫التنبيه) أنه سهل بن سعد ‪ ,‬وهو غلط فكأنه التبس على شيخنا اسم القائل‬

‫باسم الراوي)) ‪.‬‬

‫فدل هذا على أن ما ذكره ابن خطار من أن سهل بن سعد هو الذي طلب‬
‫البردة خطأ وقع فيه لأنه نقل عن غيره دون تثبت ‪.‬‬

‫وأما ماجاء في هذا الحديث من التبرك بلباسه صلى الله عليه وسلم فقد‬
‫أوردناه لك أيها القارئ من طريق غاية في الصحة وهوطريق البخاري‬
‫رحمه الله تعالى ‪ ,‬وقلنا لك أن هذا دليل على جواز التبرك بلباسه صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ,‬وليس فيه جواز التبرك بغير النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫‪.‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما‬
‫قالت ‪ ( :‬هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عند عائشة‬
‫حتى قبضت فلما قبضت قبضتها ‪ ،‬وكان النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها ) قال الإمام النووي رحمه‬
‫الله تعالى في شرحه على الصحيح ( ‪ (: ) 66/86‬وفي هذا الحديث‬

‫دليل على استحباب التبرك بآثار الصالحين وثيابهم ) " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬هذا الحديث فيه دليل على مشروعية التبرك بآثار النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وهذا لا خلاف عندنا فيه ‪ ,‬أما استدلال النووي ـ ومن‬
‫وافقه ـ بالحديث على مشروعية التبرك بآثار الصالحين وثيابهم فهذا‬

‫‪50‬‬

‫استدلال لا يصح لأن الصحابة ‪ ‬أعلم من النووي ومن معه ‪ ,‬فلماذا لم‬
‫يفعلوا ذلك مع الخلفاء الراشدين ‪ ,‬أو مع غيرهم من العشرة المبشرين ‪,‬‬

‫أو مع أهل بدر ‪ ,‬أو مع أصحاب بيعة الرضوان ؟‬

‫هل هناك أفضل من هؤلاء في هذه الأمة ؟‬

‫فإذا كان الصحابة لم يفعلوا ذلك معهم ‪ ,‬دل هذا على أنهم فهموا‬
‫اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ‪ ,‬ولا شك أن فهم الصحابة‬
‫أولى من فهم النووي ‪ ,‬ومن فهم غيره ‪ ,‬فنحن لن نقدم على أصحاب‬

‫نبينا صلى الله عليه وسلم أحد من هذه الأمة ‪ ,‬فماذا أنتم فاعلون ؟‪.‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وفي شرح الإحياء للحافظ الزبيدي ما نصه ‪(:‬‬
‫عن الشعبي قال ‪ :‬حضرت عائشة رضي الله عنها ‪ :‬وهي تقول‪ ( :‬إني‬
‫قد أحدثت حدثاً ولا أدري ما حالي عنده فلا تدفنوني معه فإني أكره أن‬
‫أجاور رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أدري ما حالي عنده ‪ ،‬ثم‬
‫دعت بخرقة من قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ‪ :‬ضعوا‬

‫هذا على صدري وادفنوها معي لعلي أنجو من عذاب القبر ) "‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬تأمل هذا أيها القارئ وراجع (ص‪ )41‬وانظر قصة استئذان‬
‫عمر ‪‬أن يدفن في بيت عائشة بجوار صاحبيه حيث قالت‪ (( :‬كنت‬
‫أريده لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي)) مما يدل على أن الحجرة لا‬
‫تتسع لأكثر من ثلاثة وهي تعلم ذلك فآثرت عمر على نفسها ‪ ,‬فكيف‬
‫تقول هنا‪(( :‬فلا تدفنوني معه فإني أكره أن أجاور رسول الله صلى الله‬

‫عليه وسلم ولا أدري ما حالي عنده)) ‪.‬‬

‫‪51‬‬

‫ولك أيها القارئ أن تتعجب من ابن خطار ألا يلاحظ هذا التعارض‬
‫فيرجع إلى مصدر القصة ليعرف هل هي صحيحة أم لا ‪ ,‬أم أن الهوى‬

‫ُيعمي و ُيصم فيصبح يجمع ما يرى أنه يؤيده بدون النظر إلى ثبوته ‪.‬‬

‫وقد ذكر ابن خطار أن مصدر هذه الحكاية عن الشعبي هو كتاب شرح‬
‫الإحياء للزبيدي فمن أين جاء الزبيدي بهذه القصة ؟‬

‫وقد بحثت عنها في الصحاح والسنن والمسانيد فلم أجدها ‪ ,‬ومتنها‬
‫واضح النكارة كما وضحت لك ‪.‬‬

‫ومع هذا نقول‪ :‬إن ثبتت هذه القصة فليس فيها إلا التبرك بثياب النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وهذا لا إشكال عندنا في جوازه ‪ ,‬وليس فيها التبرك‬

‫بغيره ‪.‬‬

‫فما هو دليلكم على إلحاق غير الرسول صلى الله عليه وسلم به ؟‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وقال الحافظ الزبيدي في الإتحاف ما نصه ‪:‬‬
‫ويروى أن آخر خطبة خطبها معاوية إذ قال ‪ (:‬أيها الناس إن من زرع‬
‫قد استحصد ‪ ،‬وإني قد وليتكم ولن يليكم أحد من بعدي إلا وهو شر‬
‫مني كما كان من قبلي خير ًا مني ‪ ،‬ويا يزيد ـ يعني ولده ـ إذا وفى‬
‫أجلي فولّ غسلي رجل ًا لبيباَ ‪ ،‬فإن اللبيب من الله بمكان ‪ ،‬فلينعم الغسل‬
‫وليجهر بالتكبير ‪ ،‬ثم اعمد ـ أي اقصد ـ إلى منديل في الخزانة فيه‬
‫ثوب من ثياب النبي صلى الله عليه وسلم وقراضة من شعره وأظفاره‬
‫فاستودع القراضة أنفي وفمي وأذني وعيني واجعل الثوب على جلدي‬

‫دون أكفاني ) " ‪.‬‬

‫‪51‬‬

‫نقول ‪ :‬هذا الأثر عن معاوية ‪ ‬أخرجه ابن أبي الدنيا في كتابه‬
‫(المحتضرين) (ص‪ )11‬ومداره على ثمامة بن كلثوم وهو لا ُيعرف‬

‫كما جاء في كتاب (الكامل في الضعفاء) لابن عدي (‪. )606/4‬‬

‫فالأثر ضعيف لا يصح ‪ ,‬وما فيه مما يدل على التبرك بآثار النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قد جاء في أحاديث أخرى كما سبق وما قلناه هناك نقوله‬

‫هنا ‪.‬‬

‫وبهذا انتهى كلام ابن خطار عن التبرك بثياب النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وهذا لا خلاف بيننا في مشروعيته ولم يأت بدليل يدل على جواز‬

‫فعل ذلك مع غيره ‪.‬‬

‫التبرك بموضع فمه صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬التبرك بموضع فمه صلى الله عليه وسلم‪ :‬عن‬
‫سيدنا أبي بردة قال ‪ :‬قدمت المدينة فلقيني عبدالله بن سلام ‪ ،‬فقال لي‬
‫‪ (:‬انطلق إلى المنزل فأسقيك في قدح شرب فيه رسول الله صلى الله‬

‫عليه وسلم وتصلي في مسجده ) " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬ذكر ابن خطار أن هذا الأثر أخرجه البخاري في صحيحه ‪,‬‬
‫وهو كذلك ولكنه بلفظ‪ ...(( :‬المنزل فأسقيك في قدح شرب فيه رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وتصلي في مسجد صلى فيه النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ,‬فانطلقت معه فسقاني سويقاً وأطعمني تمراً ‪ ,‬وصليت في‬

‫مسجده )) ‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫والحديث دليل على جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬وهذا‬
‫لا خلاف عندنا فيه ‪ ,‬فهل يصح هذا مع غيره صلى الله عليه وسلم ؟ ‪.‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن سيدنا أنس ‪ : ‬أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم دخل إلى أم سليم وفي البيت قربة معلقة فشرب من فيها ـ أي‬
‫من فم القربة ـ وهو قائم ‪ .‬قال أنس ‪ :‬فقطعت أم سليم فم القربة فهو‬

‫عندنا ) ‪.‬‬

‫والمعنى ‪ :‬أن أم سليم قطعت فم القربة الذي هو موضع شربه صلى‬
‫الله عليه وسلم واحتفظت به في بيتها للتبرك بأثر النبي صلى الله عليه‬

‫وسلم " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬ذكر ابن خطار أن الإمام أحمد أخرجه في مسنده ‪ ,‬وهو كذلك‬
‫إلا أنه من رواية البراء بن زيد ابن بنت أنس بن مالك ‪ ‬وهو مجهول‬
‫‪ ,‬فالحديث ضعيف عن أم سليم لجهالة البراء هذا ‪ ,‬وقول الهيثمي في‬
‫مجمع الزوائد (‪(( :)641/7‬رواه أحمد والطبراني وفيه البراء بن زيد‬

‫ولم يضعفه أحد وبقية رجاله رجال الصحيح))‬

‫نقول‪ :‬ومن وثقه ؟! ‪.‬‬

‫لم يوثقه أحد ‪ ,‬ولذلك فالحديث هذا لا يصح عن أم سليم ‪.‬‬

‫لكنه صح عند الترمذي (‪ ,)6164‬وابن ماجه (‪ )3243‬عن عبد‬
‫الرحمن بن أبي عمرة عن جدته كبشة قالت‪(( :‬دخل عل ّي رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فشرب من ف ّي قربة معلقة قائماً فقمت إلى فيها‬

‫فقطعته)) ‪ ,‬قال الترمذي‪ :‬حديث حسن صحيح غريب ‪.‬‬

‫‪61‬‬

‫فهذا الحديث دليل على جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫كما سبق وليس فيه التبرك بغيره صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫تأمل أيها القارئ ‪ :‬ابن خطار ومن معه يوردون الأحاديث التي ثبتت‬
‫وجاءت بمشروعية التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ليستدلوا بها‬
‫على جواز التبرك بغير النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬وهذا خطأ لأن‬
‫الجميع يتفق على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فهذه الصفة ـ أي‬
‫صفة النبوة ـ لا يشاركه فيها أحد من هذه الأمة ‪ ,‬فكيف يشاركونه فيما‬
‫هو من خصائصه وهو مشروعية التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم ‪,‬‬
‫ومما يدل على صحة هذا الفهم عدم فعل الصحابة لذلك مع غيره صلى‬

‫الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫التبرك بيده صلى الله عليه وسلم وبموضعها ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬التبرك بيده وبموضعها صلى الله عليه وسلم ‪ :‬عن‬
‫محمد بن عبدالملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا‬
‫رسول الله علمني سنة الأذان ‪ ،‬قال ‪ :‬فمسح مقدم رأسه قال ‪ (:‬تقول ‪:‬‬
‫الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ترفع بها صوتك ‪ ...‬الحديث وفي‬
‫رواية ‪ (:‬فكان أبو محذورة يجز ناصيته لا يفرقها لأن النبي صلى الله‬

‫عليه وسلم مسح عليها )‬

‫وعن صفية بنت مجرأة ‪ (:‬أن أبا مجذورة كانت له قصة في مقدمة‬
‫رأسه إذا قعد أرسلها فتبلغ الأرض ‪ .‬فقالوا له ‪ :‬ألا تحلقها ؟ فقال ‪ :‬إن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح عليها بيده فلم أكن لأحلقها حتى‬

‫أموت ) "‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫نقول ‪ :‬حديث أبي محذورة حديث صحيح لكثرة طرقه لكن قول ابن‬
‫خطار‪ :‬وفي رواية ‪ (:‬فكان أبو محذورة يجز ناصيته لا يفرقها لأن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم مسح عليها ) هكذا في كتاب ابن خطار‬
‫(يجز ناصيته) نقلها كذلك دون تأمل للمعنى وحذف الواو في قوله‪( :‬لا‬
‫يفرقها) فأصبحت الرواية الأولى تثبت أنه كان يحلق ناصيته ‪ ,‬والرواية‬

‫الثانية تنفي حلقه لناصيته ‪.‬‬

‫والصواب أن الرواية الأولى بلفظ‪(( :‬لا يجز ناصيته ولا يفرقها)) كما‬
‫في كتاب (سنن أبي داود) الذي أحال إليه ابن خطار دون أن يراجعه ‪.‬‬

‫وهذه الزيادة وهي قوله‪(( :‬فكان أبو محذورة لا يجز ناصيته ولا يفرقها‬
‫لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح عليها )) ‪ ,‬لا تصح لأنها من رواية‬
‫عثمان بن السائب قال عنه ابن حجر في التقريب (ص‪ (( :)313‬مقبول‬
‫)) ‪ .‬وقال عنه ابن القطان كما في تهذيب التهذيب (‪ (( :)601/7‬لا‬

‫ُيعرف )) ‪ .‬وليس هناك ما يشهد لهذه الزيادة ولهذا فهي ضعيفة ‪.‬‬

‫وأما قول ابن خطار‪(( :‬وعن صفية بنت مجرأة ‪ (:‬أن أبا مجذورة كانت‬
‫له قصة في مقدمة رأسه‪ ))...‬هكذا في كتابه‪( :‬صفية بنت مجرأة)‬
‫والصواب (مجزأة) ‪ ,‬ولم يذكر ابن خطار المصدر الذي أخذ منه قول‬

‫صفية السابق ‪.‬‬

‫ولك أن تسأل أيها القارئ ‪ :‬كيف يحتج ابن خطار بهذه الرواية وهو لا‬
‫يعرف مصدرها ؟ ‪.‬‬

‫وإذا كان لا يعرف مصدرها فكيف حكم بصحتها ‪ ,‬لأن احتجاجه بها‬
‫دليل على أنه ُيصححها ؟‬

‫‪63‬‬

‫سأجيبك على هذا ‪ :‬لأنها توافق مذهبه فلا بد أن تكون صحيحة فلا‬
‫يهمه معرفة مصدرها ولا يهمه كلام أهل الحديث فيها ‪.‬‬

‫أما نحن فلا بد أن نعرف مصدرها ونعرف الحكم عليها وإن كنا نوافق‬
‫على جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫فنقول‪ :‬قول صفية أخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )1616‬وسكت‬
‫عنه الحافظ الذهبي ‪ ,‬والطبراني في المعجم الكبير (‪ , )1721‬والهيثمي‬
‫في مجمع الزوائد (‪ )1134‬وقال عنه‪(( :‬رواه الطبراني وفيه أيوب بن‬

‫ثابت المكي ‪ ,‬قال أبو حاتم‪ :‬لا يحمد حديثه)) ‪.‬‬

‫فهذا الأثر مداره عندهم على أيوب بن ثابت قال عنه ابن حجر في‬
‫التقريب (ص‪ (( :)667‬لين الحديث )) ‪ ,‬أي ضعيف الحديث ‪ ,‬وعلى‬

‫هذا فما احتج به ابن خطار في هذا الحديث لا يصح الاحتجاج به ‪.‬‬

‫فننظر فيما يأتي من كلامه ‪.‬‬

‫تحري ابن عمر لآثار النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن موسى بن عقبة قال ‪ :‬رأيت سالم بن‬
‫عبدالله يتحرى أماكن من الطريق فيصلي فيها ويحدث أن أباه كان‬
‫يصلي فيها وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في تلك الأمكنة‬
‫‪ ،‬قال موسى ‪ :‬وحدثني نافع أن ابن عمر كان يصلي في تلك الأمكنة "‬

‫‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫نقول ‪ :‬ثبت هذا في صحيح البخاري كما ذكر ابن خطار وفيه تتبع ابن‬
‫عمر لآثار النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫فهل َت َت َّبع ابن عمر ‪ ‬آثار الصديق أو آثار والده الفاروق ؟‬

‫وهل في الأمة أفضل منهما ؟‬

‫فإذا كنتم تحتجون بفعل ابن عمر ‪ ‬فلماذا لا تقفوا كما وقف فتتبعوا‬
‫آثار النبي صلى الله عليه وسلم ولا تتعدوها إلى غيرها ؟‬

‫ثم لو تأملنا ما ثبت عن الفاروق عمر ‪ ‬الذي يعلم الجميع علمه وفضله‬
‫وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء به حيث قال‪(( :‬اقتدوا باللذين‬
‫من بعدي أبي بكر وعمر))‪ 1‬ثبت عن عمر ‪ ‬أنه نهى عن اتباع آثار‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فقد رأى الناس يبتدرون مسجداً يصلون فيه‪,‬‬
‫فقال‪ :‬ما هذا ؟ فقالوا مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪,‬‬
‫فقال‪(( :‬هكذا هلك أهل الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً من عرضت له‬
‫منكم فيه الصلاة فليصل ‪ ,‬ومن لم تعرض له منكم فيه الصلاة فلا‬
‫يصل))‪ 2‬و َق َط َع الشجر َة التي ُبويع النبي صلى الله عليه وسلم تحتها خوفاً‬
‫على دين الناس‪ , 3‬فأيهما أولى بالاتباع هدي عمر في هذه القضية أم‬

‫هدي ابنه ؟‬

‫فكيف إذا علمت أيها المسلم أنه لم يوافق أحد من أصحاب النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم اب َن عمر على قصد الصلاة في الأماكن التي صلى فيها‬

‫النبي صلى الله عليه وسلم اتفاقاً لا تعمداً وقصداً ‪.‬‬

‫‪ 1‬أحمد (‪ , )23213‬الترمذي (‪ , )3662‬ابن ماجه (‪. )10‬‬
‫‪ 2‬مصنف ابن أبي شيبة (‪ , )0550‬مصنف عبد الرزاق (‪. )2034‬‬

‫‪ 3‬طبقات ابن سعد (‪. )100/2‬‬

‫‪65‬‬

‫تأمل أيها المسلم ‪ :‬عمر ‪ ‬يخاف على دين الناس من التغير فيأمر‬
‫بقطع الشجرة ‪ ,‬فمن هم هؤلاء الناس الذين خاف عليهم ؟‬

‫إنهم من التابعين والعهد قريب من عهد النبوة والصحابة كثير متوافرون‬
‫ومع ذلك خاف عليهم ‪ ,‬ويأت ابن خطار وعصابته فيحثوا الناس على‬
‫فعل ما خاف عمر ‪ ‬على التابعين من فعله ‪ ,‬أهؤلاء أعلم من عمر ؟!‬

‫أم أن الناس في هذه الأزمان أعلم من الناس في ذلك الزمن ؟!‬

‫تمسح يزيد بن الأسود ‪ ‬بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن يزيد بن الأسود في حديث حجة الوداع قال‬
‫‪ :‬فلما صلى الصبح انحرف جالساً فاستقبل الناس بوجهه وذكر قصة‬
‫الرجلين الذين لم يصليا ‪ ،‬قال ‪ :‬ونهض الناس إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ونهضت معهم وأنا يومئذ أشب الرجال وأجلدهم قال ‪ :‬فما‬
‫زلت أزاحم الناس حتى وصلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فأخذت بيده فوضعها إما على وجهي أو على صدري ‪ ،‬قال ‪ :‬فما‬
‫وجدت شيئاً أطيب ولا أبرد من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال‬
‫‪ :‬وهو يومئذ بمسجد الخيف ‪.‬وفي رواية ‪( :‬ثم ثار الناس يأخذون بيده‬

‫ويمسحون بها وجوههم) " ‪.‬‬

‫نقول ‪( :‬فوضعها) هكذا في كتاب ابن خطار و ُيفهم منها أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم هو الذي وضعها ‪ ,‬وليس الأمر كذلك بل هي (فوضعتها)‬

‫كما في مسند أحمد الذي أحال إليه ابن خطار ‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫والحديث يدل على مشروعية التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا‬
‫خلاف بيننا فيه ‪.‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن سيدنا أنس ‪ ‬قال ‪ :‬كان رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء فما‬
‫يؤتى بإناء إلا وغمس يده فيها فربما جاؤوا في الغداة الباردة فيغمس‬

‫يده فيها "‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬وهذا كالسابق فيه التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫فهل فعلوا هذا مع أحد من كبار الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أو بعد موته ؟ ‪.‬‬

‫تبرك الصحابة بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن نافع أن عبدالله بن عمر حدثه أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم صلى حيث المسجد الصغير الذي دون المسجد‬
‫الذي يشرف الروحاء ‪ ،‬وقد كان عبدالله يع ّلم المكان الذي صلى فيه‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يقول ‪ :‬ثم عن يمينك حين تقوم في المسجد‬
‫تصلي وذلك المسجد على حافة الطريق اليمنى ‪ ،‬وأنت ذاهب إلى مكة‬

‫بينه وبين المسجد الأكبر رمية بحجر أو نحو ذلك "‬

‫نقول ‪( :‬يشرف الروحاء) هكذا في كتاب ابن خطار يشرف بالياء وهو‬
‫خطأ والصواب (بشرف الروحاء) بالباء ‪ ,‬كما في المصدر الذي أحال‬

‫عليه وهو صحيح البخاري ‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫وقد مر معنا مثل هذا عن ابن عمر وبينا أنه ‪ ‬فعل ذلك مع النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ولم يفعله مع غيره مما يدل على اختصاص النبي‬

‫صلى الله عليه وسلم بذلك ‪.‬‬

‫وبهذا انتهى ابن خطار من الكلام على التبرك بيد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وموضعها ولم يأت بدليل يدل على جواز فعل هذا مع غيره صلى‬

‫الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫التبرك بموضع قدمه صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬التبرك بموضع قدمه صلى الله عليه وسلم ‪:‬عن‬
‫أبي مجلز أن أبا موسى كان بين مكة والمدينة فصلى العشاء ركعتين‬
‫ثم قام فصلى ركعة أوتر بها فقرأ فيها بمائة آية من النساء ثم قال ‪ :‬ما‬
‫ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدميه‬

‫‪ ،‬وأنا أقرأ بما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬لا يظهر لي أن مراد أبي موسى ‪ ‬أنه يضع قدمه حيث‬
‫وضع النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة لأن هذا أمر متعذر ‪ ,‬وإنما‬
‫مراده بيان اجتهاده في اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬كما قال‬
‫أبوبكر ‪ ‬لعمر ‪ ‬يوم الحديبية‪ (( :‬يا عمر الزم غرزه حيث كان فإني‬
‫أشهد أنه رسول الله ))‪ , 1‬فلا شك أن مراد أبي بكر هو كمال الاتباع‬

‫والاقتداء‪.‬‬

‫‪ 1‬مسند أحمد (‪. )11130‬‬

‫‪61‬‬

‫ولو سلمنا أن المراد بالحديث هو وضع القدم على موضع قدم النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم تبركاً به فسيكون حال أبي موسى في هذا كحال‬
‫ابن عمر في تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬ولم يرد عنهما مطلقاً‬

‫تتبع آثار غير النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫فنقول لابن خطار ومن معه ليتكم وقفتم مثلما وقف ابن عمر وأبو‬
‫موسى ‪ ‬فتتبركوا فقط بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬ولا تتعدوا‬

‫إلى غيرها ‪.‬‬

‫ولك أن تسأل أيها القارئ ‪ :‬هل بقي شيء من آثار النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم من ثياب أوشعر أو نحوها مما سبق ذكره ؟‬

‫الجواب ‪ :‬لا ‪ ,‬لم يبق شيء من ذلك في هذه الأيام ومن زعم غير ذلك‬
‫فقد كذب ‪ ,‬لكن بقي أعظم آثاره صلى الله عليه وسلم وهو القرآن الذي‬
‫أنزله الله عليه وسنته عليه الصلاة والسلام فهي أعظم ما يتبرك بها‬

‫المسلم ‪.‬‬

‫التبرك بالأمكنة ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬التبرك بالأمكنة ‪ :‬قال العلامة ابن حجر رحمه الله‬
‫تعالى‪ ( :‬يتأكد ندب احترام نحو المدارس والربط ومحال العلماء‬
‫والصلحاء ‪ ،‬وكل محل علم أنه صلى الله عليه وسلم نزله أو صلى فيه‬
‫‪ ،‬فله فضل عظيم على غيره على ممر الدهر ‪ ،‬فيتأكد الاعتناء به‬
‫بتحري نزوله والتبرك به كما كان ابن عمر وغيره ‪ ‬يفعلون بعد‬

‫وفاته صلى الله عليه وسلم ) " ‪.‬‬

‫‪61‬‬

‫نقول ‪ :‬إطلاق ابن خطار قوله‪( :‬العلامة ابن حجر رحمه الله تعالى)‬
‫يجعل القارئ يتوهم أنه ابن حجر العسقلاني صاحب فتح الباري بشرح‬
‫صحيح البخاري ‪ ,‬فكان على ابن خطار أن يوضح ـ إن كان يعلم ذلك ـ‬
‫أن المراد به هنا هو ابن حجر الهيتمي لا العسقلاني ‪ ,‬لأنه إذا أُطلق‬

‫فالمراد به العسقلاني ‪.‬‬

‫وأما ما نقله ابن خطار عن ابن حجر الهيتمي في فعل ابن عمر رضي‬
‫الله عنهما فقد سبق أن تحدثنا عنه وأجبنا على ذلك ‪.‬‬

‫وأما قوله‪ ( :‬كما كان ابن عمر وغيره ‪ ‬يفعلون بعد وفاته صلى الله‬
‫عليه وسلم) لم يثبت فعل هذا إلا عن ابن عمر ‪ ‬فمن هم هؤلاء الذين‬

‫قال عنهم‪( :‬وغيره) ؟‬

‫وأما التبرك بالمدارس والربط ومحال العلماء والصالحين ‪ ,‬إن كان‬
‫المراد بالتبرك بها هو كثرة الجلوس فيها للتعلم والحرص على مجالسة‬
‫الصالحين فهذا تبرك جائز لا إشكال فيه ‪ ,‬أما إن كان المراد هو التمسح‬
‫بتلك الأماكن والتمرغ فيها وطلب الشفاء منها وقد يكون في بعضها‬
‫أضرحة وقبور ‪ ,‬فهذا أمر يحتاج إلى دليل ‪ ,‬فليس هناك أعلم ولا أصلح‬
‫من الخلفاء الراشدين ومع ذلك لم يتبرك الناس بهم لا في زمن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ولا بعده ‪ ,‬وكلام ابن حجر الهيتمي والنووي‬
‫وغيرهم في هذا الموضوع نطالبهم فيه بالدليل فليس من حق هؤلاء‬
‫العلماء أن يشرعوا أمراً بغير دليل إنما الواجب عليهم أن ينقلوا لنا ديننا‬
‫من مصادره الشرعية ‪ ,‬فهاتوا ما يدل على قولكم من مصادره الشرعية‬

‫المعروفة عند علماء المسلمين ‪.‬‬

‫‪00‬‬

‫ويمكن أن نأتي بقول العلماء الذين نهوا عن ذلك فنضرب قول هؤلاء‬
‫بهؤلاء ‪ ,‬فمن منهم أصاب الحق ومن الذي أخطأه ؟‬

‫الدليل هو الذي يبين ذلك ولذلك نطلب الدليل ليكون حكماً بين‬
‫المتنازعين امتثال ًا لأمر الله تعالى‪َ :‬فإِن َت َنا َزع ُتم فِي َشيء َف ُر ُّدوهُ إِلَى‬

‫ال َّل ِه َوال َّر ُسو ِل إِن ُكن ُتم ُتؤ ِم ُنو َن ِبال َّل ِه َوال َيو ِم الآ ِخ ِر‪. 1 ‬‬

‫قطع عمر ‪ ‬لشجرة البيعة وتبرك ابنه ‪ ‬بها ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وما يقال من أن أمير المؤمنين عمر ‪‬قطع‬
‫شجرة بيعة الرضوان لتحريم التبرك بقبور الأنبياء والصالحين فليس‬
‫في ذلك دليل لهم ‪ :‬فإنه محمول على أنه تخوف أن يأتي زمان قد يعبد‬
‫الناس تلك الشجرة وليس مقصوده تحريم التبرك بآثار الرسول ‪ ،‬ولو‬
‫كان الأمر كما ظنوا ما كان ابنه عبدالله ينزل تحتها ـ أي تبركاً ـ وكان‬
‫يسقيها الماء كي لا تيبس ولا شك أن عبدالله بن عمر أفهم بسيرة أبيه‬

‫من غيره " ‪.‬‬

‫نقول ‪َ :‬من الذي زعم أن ابن عمر كان يسقي الشجرة التي بايع‬
‫الصحابة تحتها بيعة الرضوان ؟‬

‫ابن خطار نقل ًا عن غيره أحال إلى صحيح ابن حبان ‪ ,‬وسأنقل لك ما‬
‫ذكره ابن حبان هناك (‪ )7072‬قال‪(( :‬عن نافع قال‪ :‬كان ابن عمر يتتبع‬
‫آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل منزل نزله رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ينزل فيه فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت‬

‫‪ 1‬سورة النساء آية ‪. 51‬‬

‫‪01‬‬

‫سمرة فكان ابن عمر يجيء بالماء فيصبه في أصل السمرة حتى لاتيبس‬
‫)) ‪ ,‬وذكره أيضاً البيهقي في السنن الكبرى (‪ )60026‬بنحوه ‪ ,‬فهي‬

‫شجرة أخرى غير شجرة البيعة كما هو واضح ‪.‬‬

‫وياليت شعري أين ذهب عقل ابن خطار ومن نقل عنهم ‪ ,‬كيف يسقي‬
‫ابن عمر شجرة قد قطعت ‪ ,‬وماالذي بقي فيها بعد قطعها يخاف عليه‬

‫ابن عمر أن ييبس ؟!‬

‫تأمل هذا أيها المسلم واحمد الله على العافية ‪.‬‬

‫وسأنقل لك أيها القارئ من صحيح البخاري (‪ )4761‬ما هو غصة في‬
‫حلوق هؤلاء قال ابن عمر ‪(( : ‬رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا‬

‫اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها )) ‪.‬‬

‫أرأيت أيها المسلم هذا ابن عمر لم يكن يعلم مكان الشجرة‬

‫فكيف كان يسقيها ؟!‬

‫وحتى لا يزعموا أن هذا مجرد فهم منا فسوف أزيـــدك على ما سبق‬
‫بنقل كلام ابن حجر في الفتح (‪ )661/1‬في شرح كلام ابن عمر قال‪:‬‬
‫((وسيأتي في المغازي موافقة المسيب بن حزن ـ والد سعيد ـ لابن عمر‬
‫على خفاء الشجرة ‪ ,‬وبيان الحكمة في ذلك وهو أن لا يحصل بها افتتان‬
‫لما وقع تحتها من الخير ‪ ,‬فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها‬
‫حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر كما نراه الآن‬

‫مشاهداً فيما هو دونها )) ‪.‬‬

‫وسأنقل لك أيضاً حديث المسيب بن حزن الذي أشار إليه ابن حجر ‪:‬‬

‫‪02‬‬

‫عن طارق بن عبد الله قال‪(( :‬انطلقت حاجاً فمررت بقوم يصلون ‪.‬‬

‫قلت ما هذا المسجد ؟‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬هذه الشجرة حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة‬
‫الرضوان ‪.‬‬

‫فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته ‪ ,‬فقال سعيد‪ :‬حدثني أبي أنه كان فيمن‬
‫بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ‪ ,‬قال‪ :‬فلما خرجنا من‬

‫العام المقبل أنسيناها فلم نقدر عليها ‪.‬‬

‫فقال سعيد‪ :‬إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها‬
‫وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم)) ‪1‬‬

‫وأردت بذكر ما سبق أن أثبت لك وقوع ابن خطار ومن معه في الخطأ‬
‫على ابن عمر رضي الله عنهما فإن قيل‪ :‬لكن ثبت في الصحيحين‪ 2‬أن‬
‫جابراً ‪ ‬قال‪ :‬قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية‪(( :‬‬
‫أنتم خير أهل الأرض )) ‪ ,‬وكنا ألفاً وأربعمائة ولو كنت أبصر اليوم‬

‫لأريتكم مكان الشجرة ‪.‬‬

‫نقول‪ :‬قال ابن حجر في الفتح (‪ (( :)221/7‬لكن إنكار سعيد بن‬
‫المسيب على من زعم أنه عرفها معتمداً على قول أبيه إنهم لم يعرفوها‬
‫في العام المقبل لا يدل على رفع معرفتها أصل ًا )) ثم ذكر قول جابر ‪‬‬
‫السابق وذكر أمر عمر ‪ ‬بقطعها لما بلغه أن قوماً يأتون الشجرة‬

‫فيصلون عندها ‪.‬‬

‫‪ 1‬البخاري (‪. )3130‬‬

‫‪ 2‬البخاري (‪ , )3123‬مسلم (‪. )01‬‬

‫‪03‬‬

‫فأردت بيان خطأ ما ُذكر عن ابن عمر رضي الله عنهما وليس يهمني‬
‫الآن ذكر الجمع بين هذه الآثار في خفاء موضع الشجرة أو عدم خفائه ‪.‬‬

‫وأما قول ابن خطار‪( :‬التبرك بقبور الأنبياء والصالحين) ‪ ,‬فمن الذي‬
‫يزعم أن عمر ‪ ‬يحرم التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ؟!‬

‫وأما ذكر جميع الأنبياء وإلحاق الصالحين بهم فنقول ‪ :‬أأنتم أعلم‬
‫بالدين أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟‬

‫أأنتم أعلم بالدين أم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟‬

‫هؤلاء لم يتبركوا بقبور الأنبياء ولا بقبور الصالحين ولا حثوا على ذلك‬
‫ولا دعوا‬

‫إليه ‪ ,‬وأنتم تجعلون هذا من أعظـم شعـائـر الدين توالون من أجله‬
‫وتعادون من‬

‫أجله ‪ ,‬كيف علمتم ما لم يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه‬
‫؟! ‪.‬‬

‫وأما قولك‪ ( :‬فإنه محمول على أنه تخوف أن يأتي زمان قد يعبد الناس‬
‫تلك الشجرة) ما هي صور العبادة التي يمكن أن يفعلها الناس بالشجرة‬

‫لذلك قطعها عمر ‪ ‬؟‬

‫ليت ابن خطار أجاب عن هذا السؤال ‪ .‬أقــــول‪ :‬نظرة تأمل في أحوال‬
‫كثير من المسلمين في كثير من البلاد وما يفعلونه بالقبور وغيرها مما‬
‫يعتقدون فيه البركة ‪ ,‬يوضح لك ما الذي يمكن أن يفعله الناس مع‬

‫‪04‬‬

‫الشجرة لو كانت موجودة ‪ ,‬وسيجد هؤلاء من يبرر لهم ذلك الانحراف‬
‫الذي خافه أمير المؤمنين عمر ‪ , ‬من أمثال ابن خطار وحزبه ‪.‬‬

‫ولا شك أن ابن عمر ‪ ‬أفهم بسيرة أبيه ولذلك لم يرد عنه أنه خالف‬
‫والده فوالده يقطع الشجرة وهو يسعى لسقيها كما زعم ابن خطار وحزبه‬
‫‪ ,‬لا يمكن أن يفعل ذلك رجل من أحاد الناس في ذلك الزمن طاعة لأمير‬
‫المؤمنين وعدم الرغبة في إظهار المخالفة ‪ ,‬فكيف تزعمون أن ابن‬
‫عمر يخالف ولي الأمر وهو يعلم جيداً أمر الله تعالى‪  :‬يا ايها الذين‬
‫آمنوا أطيعوا الله و اطيعوا الرسول و الي الأمر منكم‪ ,1‬ومن هو ولي‬

‫الأمر إنه عمر بن الخطاب وهو من هو في فضله ومكانته ‪ ‬؟! ‪.‬‬

‫أرأيت أيها المسلم جهلٌ بالمأثور رواية ودراية ويزعمون محبتهم‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم‬

‫كيف ستحققون المحبة إذا كنتم تجهلون سنته وهديه صلى الله عليه‬
‫وسلم ؟! ‪.‬‬

‫التبرك بدار مباركة ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬التبرك بدار مباركة‪ :‬عن محمد بن سوقة عن‬
‫أبيه قال ‪( :‬لما بنى عمرو بن حريث داره أتيته لأستأجر منه فقال ما‬
‫تصنع منه ؟ فقلت ‪ :‬أريد أن أجلس فيه وأشتري وأبيع قال ‪ :‬قلت ‪:‬‬
‫لأحدثك في هذه الدار بحديث ‪ ،‬إن هذه الدار مباركة على من سكن فيها‬
‫مباركة على من باع فيها واشترى ‪ ،‬وذلك أني أتيت النبي صلى الله‬

‫‪ 1‬سورة النساء آية ‪. 51‬‬

‫‪05‬‬

‫عليه وسلم وعنده مال موضوع فتناول بكفه منه دراهم فدفعها إلي‬
‫وقال ‪ :‬هاك ياعمرو هذه الدراهم حتى تنظر في أي شيء تضعها ‪.‬‬
‫فإنها دراهم أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فأخذتها‪ ,‬ثم‬
‫مكثنا ما شاء الله حتى قدمنا الكوفة فأردت شراء دار ‪ ،‬فقالت لي أمي‬
‫‪ :‬يابني إذا اشتريت دار ًا وهيأت مالها فأخبرني ‪ ،‬ففعلت ‪ ،‬ثم جئتها‬
‫فدعوتها فجاءت والمال موضوع فأخرجت شيئاً معها فطرحته في‬
‫الدراهم ثم خلطتها بيدها ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ياأمه ! أي شيء هذه ؟ قالت ‪:‬‬
‫يابني ! هذه الدراهم التي جئتني بها فزعمت أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أعطاكها بيده ‪ ،‬فأنا أعلم أن هذه الدار مباركة لمن جلس‬

‫فيها ‪ ،‬مباركة لمن باع فيها واشترى)‬

‫نقول ‪ :‬هذه القصة قال عنها ابن خطار في الحاشية‪(( :‬أخرجه أبو‬
‫يعلى)) ‪ .‬وبالرجوع إلى أبي يعلى (‪ )6276‬أجد أني لا بد أن أنقل لك‬
‫القصة لتفهمها ثم بعد ذلك نعلق عليها قال أبو يعلى‪ :‬حدثنا يحيى بن عبد‬
‫الحميد حدثنا إسماعيل بن عبد الأعلى عن الوليد بن علي عن محمد بن‬
‫سوقة عن أبيه قال ‪ (( :‬أتيت عمرو بن حريث أتكارى منه بيتاً في داره‬
‫فقال ‪ :‬تكار فإنها مباركة على من سكنها فقلت ‪ :‬من أي شيء ذلك ؟ قال‬
‫‪ :‬أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ُنحرت جزور وقد أمر‬
‫بقسمتها ‪ ,‬فقال للذي يقسمها ‪ :‬أعط َعمراً منها قسماً ‪ ,‬فلم يعطني‬
‫وأغفلني‪ ,‬فلما كان من الغد أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين‬
‫يديه دراهم ‪ ,‬فقال ‪ :‬أخذت القسم الذي أمرت لك ؟ قال ‪ :‬قلت يا رسول‬
‫الله‪ :‬ما أعطاني شيئاً ‪ ,‬قال‪ :‬فتناول كفاً من دراهم ثم أعطانيها ‪ ,‬فجئت‬
‫بها إلى أمي فقلت ‪ :‬خذي هذه الدراهم أخذها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بيده ثم أعطانيها ‪ ,‬أمسكيها حتى ننظر في أي شيء نضعها ‪ ,‬ثم‬

‫‪06‬‬

‫ضرب الدهر ضرباً به حتى اشتريت هذه الدار ‪ ,‬قالت أمي ‪ :‬إذا أردت‬
‫أن تنقد ثمنها فلا تنقد حتى تدعوني أدعو لك بالبركة ‪ ,‬فدعوتها حين‬
‫هيأتها فقالت لي ‪ :‬خذ هذه الدراهم فنثرتها فيها ثم خلطتها بها وقالت ‪:‬‬

‫اذهب بها ))‪.‬‬

‫وابن خطار قد نقل رواية الهيثمي في مجمع الزوائد (‪ )1721‬ولم يذكر‬
‫قول الهيثمي‪ (( :‬وفيه جماعة لم أعرفهم ))‪.‬‬

‫فهذا الحديث ضعيف كما ذكر الهيثمي قال ابن حجر في التقريب‬
‫(ص‪ )763‬عن يحي بن عبد الحميد راوي هذا الحديث‪(( :‬حافظ إلا أنهم‬

‫اتهموه بسرقة الحديث))‪. 1‬‬

‫والحديث مع ضعفه ليس فيه دليل لابن خطار ‪ ,‬وإنما الذي فيه هو‬
‫التبرك آثار النبي صلى النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫التبرك بفضل وضوئه صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬التبرك بفضل وضوئه صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫قال ‪ :‬رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة ‪‬عن أبي جحيفة‬
‫حمراء ‪ ،‬ورأيت بلال ًا أخرج وضوء ًا ‪ ,‬فرأيت الناس يبتدرون ذلك‬
‫الوضوء فمن أصاب منه شيئاً تمسح به‪ ,‬ومن لم يصب منه أخذ من‬
‫بلل صاحبه وفي رواية (شهدت النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء‬

‫وأتى بلال بفضل وضوئه فابتدره الناس فنلت منه شيئاً ) "‪.‬‬

‫‪ 1‬وانظر كلام العلماء في تضعيفه في تهذيب الكمال للمزي (‪. )411/31‬‬

‫‪00‬‬

‫نقول ‪ :‬تبرك الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم أمر أقرهم عليه‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع الصحابة عليه ولم ينكر أحد منهم ذلك‬
‫‪ ,‬وكيف يصح نكير منكر إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر‪,‬‬
‫لكن هل وقع منهم ذلك مع وضوء أبي بكر أو عمر أو مع أي أحد من‬

‫كبار الصحابة ؟‬

‫الجواب‪ :‬لا ‪ ,‬لم يحصل منهم ذلك مع أحد غير رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬

‫وإذا لم ُي َت َبرك بكبار الصحابة ‪ ‬فكيف يصح التبرك بمن هو دونهم ‪,‬‬
‫وليس في الأمة أحد أفضل من الصحابة ؟! ‪.‬‬

‫التبرك بتقبيل يد من مس رسول صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬التبرك بتقبيل يد من مس رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬عن عبدالرحمن بن رزين قال ‪ ( :‬مررنا بالربوة فقيل لنا‪ :‬ههنا‬
‫سلمة بن الأكوع ‪ ، ‬فأتينا فسلمنا عليه فأخرج يديه فقال ‪ :‬بايعت‬
‫بهاتين نبي الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فأخرج كفاً له ضخمة كأنها كف‬

‫بعير ‪ ،‬فقمنا إليها فقبلناها ) " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬هكذا في كتاب ابن خطار ( مررنا بالربوة ) والصواب (‬
‫بالربذة ) كما في كتاب (الأدب المفرد) للبخاري ‪ ,‬وقد أحال إليه ابن‬

‫خطار في الحاشية ‪.‬‬

‫هذا الحديث انفرد بروايته خالد بن عطاف عن عبد الرحمن بن رزين ‪,‬‬
‫وحديثهم هذا حديث حسن ‪.‬‬

‫‪01‬‬

‫وفي هذا الحديث إقرار الصحابي لهؤلاء الذين لم يبادروا بتقبيل يده إلا‬
‫بعد أن أخبرهم أنه بايع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فلو كان‬
‫المقصود هو التبرك به لصلاحه وهو الصحابي الجليل الذي بايع النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم في بيعة الرضوان مرتين كما ثبت ذلك في‬
‫البخاري (‪ , )4100‬لكانوا بادروا إلى تقبيلها عند وصولهم إليه ‪ ,‬لكنهم‬
‫لم يفعلوا ذلك إلا بعد أن أخبرهم بمبايعته النبي صلى الله عليه وسلم بها‬

‫‪ ,‬فقبلوها تبركاً بأثر النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫تبرك ثابت البناني بيد أنس ‪: ‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن ابن جدعان ‪ :‬قال ثابت لأنس ‪( : ‬‬
‫أمسست النبي صلى الله عليه وسلم بيدك ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬فقبلها ) " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬هذا الأثر أخرجه البخاري في الأدب المفرد (‪ , )672‬وابن أبي‬
‫الدنيا في كتابه الإخون (‪ , )622‬وابن حجر في المطالب العالية‬
‫(‪ , )4717‬ومحمد بن إبراهيم المقرئ في الرخصة في تقبيل اليد (‪)66‬‬
‫‪ ,‬ومدار هذا الأثر عندهم جميعاً على علي بن زيد بن جدعان وهو‬
‫ضعيف ‪ ,‬وقد لخص الحافظ ابن حجر كلام العلماء فيه فقال في‬

‫التقريب(ص‪ (( :)206‬ضعيف )) ‪.‬‬

‫وهذا الأثر على ضعفه لا يدل إلا على ما دل عليه الأثر السابق ‪.‬‬

‫فثابت البناني سأل أنساً ‪ :‬أمسست النبي صلى الله عليه وسلم بيدك ؟ ‪.‬‬

‫فلما قال أنس ‪ :‬نعم ‪ ,‬ق َّبل ثابت يده ‪.‬‬

‫‪01‬‬

‫فهو كالأثر السابق حيث لم يبادر ثابت بتقبيل يد أنس ‪ ,‬لكن لما علم أنها‬
‫يد مست ي َد رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل عليها فقبلها ‪.‬‬

‫تقبيل علي ‪ ‬يد العباس ‪ ‬ورجله ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن صهيب قال ‪ :‬رأيت علياً ‪ ‬يقبل يد العباس‬
‫‪ ‬ورجله) " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬صهيب الراوي هو مولى العباس ‪ , ‬أخرج هذا الحديث‬
‫البخاري في الأدب المفرد وهو كتاب مستقل غير كتاب الصحيح لم‬
‫يشترط البخاري فيه الصحة ‪ ,‬وأخرجه محمد بن إبراهيم المقرئ في‬
‫كتاب (الرخصة في تقبيل اليد) وصرح فيه أن صهيباً هذا هو مولى‬

‫العباس ‪.‬‬

‫وصهيب هذا لم يرو عنه إلا أبو صالح ذكوان السمان ولم يوثقه إلا ابن‬
‫حبان كما ذكر ابن حجر في لسان الميزان (‪ , )426/7‬ومثل هذا‬

‫الراوي يكون مجهول الحال‪ ,‬وعلى هذا فحديثه ضعيف ‪.‬‬

‫وليس في الحديث مع ضعفه ما يدل على التبرك ‪ ,‬فإن العباس ‪ ‬هو‬
‫عم علي ‪ , ‬وربما وقع بينهما شيئ فأراد علي أن ُي ًر ِّضي عمه عنه‬
‫ولهذا جاء في آخر هذا الأثر عند محمد بن إبراهيم‪( :‬ويقول‪ :‬يا عم ‪,‬‬
‫ارض عني) ‪ ,‬فالأثر إذاً في تقبيل الوالد والعم لأن العم صنو الأب ـ أي‬
‫مثله ـ كما جاء في الحديث الصحيح عند الترمذي (‪ )3710‬وغيره ‪,‬‬
‫وليس له علاقة مع ضعفه بموضوع التبرك ‪ ,‬بدليل أن مثل هذا لم يفعله‬

‫‪10‬‬

‫علي ‪ ‬لا مع أبي بكر ولا مع عمر مع أنهما أفضل من العباس ومن‬
‫غيره باتفاق الصحابة ‪. ‬‬

‫تقبيل يد واثلة ‪: ‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن يحيى بن الحارث الذماري قال ‪:‬لقيت واثلة‬
‫بن الأسقع ‪ ‬فقلت ‪ :‬بايعت بيدك هذه رسول الله صلى الله عليه وسلم‬

‫؟‬

‫قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قلت ‪ :‬أعطني يدك أقبلها ‪ ،‬فأعطانيها فقبلتها) " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬قال ابن خطار في الحاشية‪( :‬رواه الهيثمي في مجمع الزوائد)‬
‫ولم يذكر أن الهيثمي قال‪(( :‬رواه الطبراني وفيه أبو عبد الملك الفزاري‬
‫‪ ,‬ولم أعرفه ‪ ,‬وبقية رجاله ثقات)) ‪ .‬وقد روى هذا الأثر ابن أبي عاصم‬
‫في كتابه الأحاد والمثاني (‪ )663‬لكنه قال‪( :‬أبو عبد الملك القارئ) بدل‬
‫قول الطبراني في المعجم الكبير (‪( :)441‬أبو عبد الملك الفزاري) وقد‬
‫ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق أبا عبدالملك القارئ ولم يذكر فيه‬
‫جرحاً ولا تعديلاً ‪ ,‬وأما الفزاري فلم يذكره أحد وربما يكون َت َص َّحف‬

‫(القارئ) إلى (الفزاري) ‪ ,‬والله أعلم ‪.‬‬

‫وعلى كل فإن السند ضعيف بسبب القارئ ‪.‬‬

‫وإن قلنا بثبوته فليس فيه إلا ما سبق ذكره في أثر سلمة بن الأكوع ‪, ‬‬
‫وأثر أنس ‪. ‬‬

‫‪11‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن يونس بن ميسرة قال ‪ :‬دخلنا على يزيد‬
‫بن الأسود عائدين ‪ ،‬فدخل عليه واثلة بن الأسقع ‪ ، ‬فلما نظر إليه‬
‫مد يده ‪ ،‬فأخذ يده فمسح بها وجهه وصدره لأنه بايع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فقال له ‪( :‬يا يزيد ! كيف ظنك بربك ؟ فقال ‪ :‬حسن ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪( :‬إن‬
‫الله تعالى يقول ‪ :‬أنا عند ظن عبدي بي ‪ ،‬إن خير ًا وإن شر ًا فشر) " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬هذا الحديث أخرجه أحمد (‪ , )61076‬والدارمي (‪)4736‬‬
‫لكنه لم يذكر إلا المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬وابن حبان‬
‫(‪ , )126‬والحاكم في المستدرك (‪ )7103‬ولكنه لم يذكر إلا المرفوع‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬وصححه ووافقه الذهبي ‪ ,‬والطبراني‬
‫في المعجم الكبير (‪ )466‬ولم يذكر إلا المرفوع فقط ‪ ,‬والبيهقي في‬

‫شعب الإيمان (‪ )6001‬لكنه عندهم جميعاً عن حيان أبي النضر ‪.‬‬

‫وأما ما ذكره ابن خطار فهو عن يونس بن ميسرة ‪ ,‬وقد أحال ابن‬
‫خطار إلى أبي نعيم في الحلية فقط ‪.‬‬

‫وقد أخرجه أيضاً الطبراني في الأوسط (‪. )7676‬‬

‫والحديث صحيح وليس فيه إلا ما سبق ‪ ,‬وهو التبرك بأثر النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ,‬وقد سبق هذا في أحاديث مضت معنا ‪ ,‬وذكرنا الجواب‬

‫عليها ‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫تقبيل ثابت ليد أنس ‪ ‬وعينه ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن ثابت قال ‪ ( :‬كنت إذا أتيت أنساً يخبر‬
‫بمكاني ‪ ,‬فأدخل عليه وآخذ يديه ‪ ,‬وأقبلهما وأقول ‪ :‬بأبي هاتين‬
‫اليدين اللتين مستا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬وأقبل عينيه ‪,‬‬
‫وأقول ‪ :‬بأبي هاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم‬

‫)"‪.‬‬
‫نقول ‪ :‬قال ابن خطار‪( :‬ذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية)‬
‫وقد أخرجه أبو يعلى (‪ , )3266‬والهيثمي في مجمع الزوائد‬
‫(‪ )67100‬وقال عنه‪(( :‬رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير‬
‫عبد الله بن أبي بكر المقدمي وهو ثقة)) وليس الأمر كما ذكر الهيثمي‬
‫رحمه الله تعالى أن ‪ :‬عبد الله المقدمي ثقة ‪ ,‬بل هو ضعيف فقد ضعفه‬
‫ابن عدي في الكامل (‪ )476/2‬وقال‪(( :‬وكان أبو يعلى لا يحدثنا عنه‬
‫بحديث إلا قال فيه‪ :‬وكان ضعيفاً )) ‪ ,‬وذكره ابن حبان في الثقات‬
‫(‪ )377/1‬وقال عنه‪(( :‬وكان يخطئ))‪ ,‬وضعفه غير هؤلاء كما ذكر‬

‫ابن حجر في لسان الميزان (‪. )413/3‬‬

‫فهذا الأثر لا يصح كما سبق وهو مع ضعفه ليس فيه إلا ما في الأثر‬
‫السابق والذي قبله والقول فيه كما قلنا فيهما ‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫تبرك الخلفاء الراشدين بحربة استعملها النبي صلى الله عليه‬

‫وسلم ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬تبرك الخلفاء الراشدين بحربة استعملها النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ :‬عن الزبير ‪ ‬قال ‪ :‬لقيت يوم بدر عبيدة بن‬
‫سعد‪ 1‬بن العاص ‪ ,‬وهو مدجج لا يرى منه إلا عيناه ‪ ,‬وهو يكنى ‪ :‬أبا‬
‫ذات الكرش ‪ ,‬فقال ‪ :‬أنا أبو ذات الكرش ‪ ،‬فحملت عليه بالعنزة فطعنته‬
‫في عينه فمات ‪ ،‬قال هشام ‪ :‬ف ُأخبرت أن الزبير قال ‪ :‬لقد وضعت‬
‫رجلي عليه ‪ ,‬ثم تمطأت فكان الجهد أن نزعتها ‪ ,‬وقد انثنى طرفاها ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬عروة ‪ :‬فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه ‪ ،‬فلما‬
‫قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها ‪ ،‬ثم طلبها أبو بكر فأعطاه‬
‫إياها ‪ ،‬فلما قبض أبو بكر ‪ ,‬سأله إياها عمر ‪ ،‬فأعطاه إياها ‪ ،‬فلما‬
‫قبض أخذها ‪ ،‬ثم طلبها عثمان منه فأعطاه إياها ‪ ،‬فلما قتل عثمان‬
‫وقعت عند آل علي فطلبها عبدالله بن الزبير ‪ ،‬فكانت عنده حتى قتل )‬

‫"‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬وهذا الحديث هو تبرك بأثر من آثار النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ,‬وقد سبق أن تحدثنا عن جواز ذلك ‪.‬‬

‫ولا يزال السؤال قائماً‪ :‬هل فعلوا هذا مع غير رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ؟‬

‫‪ 1‬هكذا في كتاب ابن خطار والصواب (سعيد ) كما في البخاري (‪. )3006‬‬

‫‪14‬‬

‫تبرك الخلفاء الراشدين بخاتم النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬تبرك الخلفاء الراشدين بخاتم النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم والمحافظة عليه ‪:‬عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‪( :‬اتخذ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من َو ِرق ‪ ,‬وكان في يده ‪ ,‬ثم‬
‫كان بع ُد في يد أبي بكر ‪ ,‬ثم كان بع ُد في يد عمر ‪ ,‬ثم كان في يد عثمان‬

‫‪ ,‬حتى وقع بع ُد في بئر أريس ‪ ,‬نقشه محمد رسول الله) ‪.‬‬

‫وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى‪ :‬جاء في رواية ‪ ( :‬أنه التمس‬
‫فلم يوجد) ‪.‬‬

‫وجاء في رواية ابن سعد ‪( :‬أنه كان في يد عثمان ست سنين)‪.‬‬

‫وقال العيني ‪( :‬وبئر أريس حديقة بقرب مسجد قباء)‬

‫وهذه البئر صارت معروفة اليوم ببئر الخاتم ‪ ,‬وهو خاتم رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم الذي سقط فيها أيام خلافة عثمان ‪ ،‬وقد اجتهد‬

‫ثلاثة أيام في استخراجه بكل ما وجده سبيل ًا فلم يلقه ) " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬لن أتكلم عن تلك الروايات التي أشار إليها ابن خطار لأن‬
‫أصل الحديث في البخاري ‪ ,‬وعلى ذلك نقول‪ :‬ليس في الحديث إلا‬
‫التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وهذا سبق أن تكلمنا عنه وليس‬

‫فيه التبرك بغير النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫ولا يزال السؤال قائماً‪ :‬هل فعلوا هذا مع غير رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ؟‬

‫‪15‬‬

‫التبرك بآثار الأنبياء السابقين ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬التبرك بآثار الأنبياء السابقين‪ :‬عن نافع أن عبدالله‬
‫بن عمر ‪ ( :‬أخبره أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫على ال ِح ْجر أرض ثمود ‪ ,‬فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين ‪،‬‬
‫فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا‬
‫للإبل العجين ‪ ،‬وأمرهم أن يستقوا من البئر الذي كانت تردها الناقة) ‪.‬‬

‫وقال النووي في شرحه على هذا الحديث ‪ :‬من فوائد هذا الحديث‬
‫جواز التبرك بآثار الصالحين "‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬قرأ َت أيها المسلم كلا َم ابن خطار ‪ ,‬أين التبرك بآثار الأنبياء هنا‬
‫؟‬

‫تأمل أيها المسلم‪ :‬جيش العسرة في سفر ‪ ,‬يريدون الماء ‪ ,‬فمروا في‬
‫طريقهم على ديار ثمود ‪ ,‬فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن دخول‬
‫ديار المعذبين إلا باكين أو متباكين ‪ ,‬كما جاء في حديث ابن عمر ‪‬‬
‫أنه قال‪ (( :‬مررنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر فقال‬
‫لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم‬
‫إلا أن تكونوا باكين حذراً أن يصيبكم مثل ما أصابهم ثم زجر فأسرع‬
‫حتى خلفها ))‪ 1‬والمعنى‪ :‬أنه ساق ناقته سوقاً شديداً حتى جاوز مساكن‬
‫ثمود ‪ ,‬وعند البخاري‪(( :‬ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز‬

‫‪ 1‬البخاري (‪ , )4150‬مسلم (‪ )2110‬واللفظ له ‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫الوادي)) ‪ ,‬مما يدل على أنه لم يكن يريد الدخول لكن الطريق اضطره‬
‫لذلك ‪.‬‬

‫فلو كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه باستعمال ماء البئر‬
‫التي كانت ترده الناقة من أجل التبرك لكان الدخول والمرور بتلك الديار‬
‫عن عمد لا عن اضطرار ‪ ,‬ولذلك لم تأت كلمة منه صلى الله عليه وسلم‬
‫ولا من أصحابه ‪ ‬تدل على أن أمره لهم كان من أجل تحصيل البركة‬
‫‪ ,‬بل ينهاهم عن دخول ديارهم ويقنع رأسه ويسرع السير فهذا دليل على‬
‫عدم مشروعية طلب البركة من تلك البئر ‪ ,‬ولكن لحاجتهم للماء أذن لهم‬
‫باستعمال ماء البئر الذي كانت ترده الناقة مع أن هذه البئر قد كان‬
‫يشرب منها ثمود أيضاً كما جاء في قوله تعالى‪َ  :‬قا َل َه ٰـ ِذ ِه َنا َقة لَّ َها‬
‫ِشرب َو َل ُكم ِشر ُب َيوم َّمعلُوم ﴿‪ ,1﴾١٤٤‬قال ابن كثير في تفسيرها‪:‬‬

‫((يعني ترد ماءكم يوماً ويوماً تردونه أنتم)) ‪.‬‬

‫ومن زعم أن هذا من باب التبرك فإنه يلزمه أمر الناس والسماح لهم‬
‫وحثهم على دخول تلك الديار للتبرك بماء البئر ‪ ,‬وهذا يعارض نهي‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم عن دخولها إلا إذا كنا باكين أو متباكين خشية‬
‫أن يصيبنا من العذاب مثل ما أصابهم‪ ,‬قال النووي في شرح هذا‬
‫الحديث‪(( :‬فينبغي للمار في مثل هذه المواضع المراقبة والخوف والبكاء‬
‫والاعتبار بهم وبمصارعهم وأن يستعيذ بالله من ذلك)) فلم يحث على‬
‫إتيان البئر وإنما ذكر ما ينبغي على المار فعله ‪ ,‬فنحن نطالب ابن خطار‬
‫ومن معه أن يأتوا بقول لأحد من الصحابة أو التابعين أو أحد من الأئمة‬

‫المتبوعين استحب الذهاب وقصد بئر الناقة للتبرك به ‪ ,‬هل يجدون ؟‬

‫‪ 1‬سورة الشعراء آية ‪. 155‬‬

‫‪10‬‬

‫الجواب‪ :‬لن يجدوا ذلك ‪ ,‬مما يدل على ضعف قولهم ‪.‬‬

‫ثم تأمل أيها المسلم العنوان الذي وضعه ابن خطار‪( :‬التبرك بآثار‬
‫الأنبياء السابقين) ليس عنده دليل على هذا إلا هذه الحادثة ‪ ,‬وهي لا‬

‫تدل على قوله‪ ,‬فلماذا التهويل ؟! ‪.‬‬

‫التبرك بآثار الصالحين ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬التبرك بآثار الصالحين ‪ :‬جاء الإمام السبكي رحمه‬
‫الله تعالى لزيارة الإمام النووي رحمه الله تعالى فوجده قد توفي ‪ ،‬فأتى‬
‫إلى دار الحديث وسأل عن مكان جلوس الإمام النووي فدل عليه فصار‬

‫يمرغ وجهه ولحيته عليه وأنشد ‪:‬‬

‫وفي دار الحديث لطيف معنى أصلي في جوانبها وآوي‬

‫لعـلي أن أمـس بـحـر وجـهي مـكـانا مسـه قـدم النواوي "‪.‬‬
‫نقول ‪ :‬أيها المسلم اقرأ كلام ابن خطار واضحك ‪ ,‬عجباً له ولأمثاله‬

‫فإنه قد نقل هذا من غيره ولم يذكر المصدر الذي نقل منه هذه القصة ‪.‬‬

‫ستقول لي‪ :‬وما الذي يضحك في هذا ؟‬

‫أقول‪ :‬الجهل الشديد ممن يزعم العلم ‪ ,‬أيها القارئ هل تعلم أن النووي‬
‫توفي في عام (‪ )171‬وأن السبكي ولد عام (‪ )113‬وابن خطار يذكر‬
‫أن السبكي أراد زيارة النووي (فوجده قد توفي) ف َمن هو الجاهل هل‬

‫هو ابن خطار أم السبكي ؟!‬

‫‪11‬‬

‫ألم يكن السبكي يعلم بوفاة النووي ؟!‬

‫أم أن ابن خطار الشافعي المذهب يجهل متى مات َع َلم من أعلام‬
‫المذهب وهو النووي ؟‬

‫بل ويجهل متى مات من يستدل بكلامه كثيراً على بدع الصوفية وهو‬
‫السبكي ؟‬

‫أرأيت أيها القارئ ابن خطار كحاطب ليل ‪ ,‬يجمع ما يرى أنه يؤيد قوله‬
‫دون تثبت ودون نظر ‪ ,‬وهكذا حال من اتبع الهوى ‪ ,‬فإن الهوى ُيعمي‬

‫و ُيصم ‪ ,‬نسأل الله تعالى العافية مما ابتلاهم به ‪.‬‬

‫ومع هذا نقول‪ :‬قول السبكي وفعله ليس حجة إنما الحجة في القرآن‬
‫والسنة فما هو دليل السبكي على ما فعله ؟‪.‬‬

‫إذا كان أفضل الأمة وهم الصحابة ‪ ‬لم يفعلوا ذلك مع أفضلهم وهم‬
‫الخلفاء الراشدون فكيف يصح أن ُيفعل هذا ممن هو دونهم مع من هو‬

‫دونهم ؟! ‪.‬‬

‫تبرك الإمام الشافعي بثياب الإمام أحمد ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن الربيع بن سلمان قال ‪( :‬إن الشافعي رحمه‬
‫الله تعالى خرج إلى مصر ‪ ,‬فقال ‪ :‬لي يا ربيع خذ كتابي هذا فامض به‬
‫وسلمه إلى أبي عبدالله (أحمد بن حنبل) وأتني بالجواب قال الربيع ‪:‬‬
‫فدخلت بغداد ومعي الكتاب فصادفت أحمد بن حنبل في صلاة الصبح ‪،‬‬
‫فلما انفتل من المحراب سلمت إليه الكتاب وقلت له ‪ :‬هذا كتاب أخيك‬

‫‪11‬‬

‫الشافعي من مصر ‪ ،‬فقال لي أحمد ‪ :‬نظرت فيه ؟ فقلت ‪ :‬لا ‪ ،‬فكسر‬
‫الخاتم فقرأ وتغرغرت عيناه فقلت له ‪ :‬إيش فيه يا أبا عبدالله ؟ فقال ‪:‬‬
‫يذكر فيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له ‪( :‬اكتب‬
‫إلى أبي عبدالله فاقرأ عليه السلام وقل له ‪ :‬إنك ستمتحن وتدعى إلى‬
‫خلق القرآن فلا تجبهم ‪ ،‬فسيرفع الله لك علماً إلى يوم القيامة) قال‬
‫الربيع ‪ :‬فقلت له ‪ :‬البشارة يا أبا عبدالله ‪ ،‬فخلع أحد قميصيه الذي‬
‫يلي جلده فأعطانيه ‪ ،‬فأخذت الجواب وخرجت إلى مصر وسلمته إلى‬
‫الشافعي ‪ ،‬فقال ‪ :‬إيش الذي أعطاك ؟ فقلت ‪ :‬قميصه ‪ ،‬فقال الشافعي ‪:‬‬

‫ليس نفجعك به ولكن ب ّله وادفع إل َّي الماء لأتبرك به) ‪.‬‬

‫وفي رواية ‪( :‬قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ‪( :‬لا نبتاعه منك ولا‬
‫نستهديه ‪ ،‬ولكن اغسله وجئنا بمائه ‪ ،‬قال ‪ :‬فغسلته ‪ ،‬فحملت ماءه‬
‫إليه فتركته في قنينة ‪ ،‬وكنت أراه في كل يوم يأخذ منه ويمسح على‬

‫وجهه تبركاً بأحمد بن حنبل ) " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬ذكر ابن خطار في الحاشية أن هذا الخبر أخرجه ابن عساكر‬
‫في ( تاريخ دمشق ) ‪ ,‬وبالرجوع إلى المصدر المذكور تبين أن في‬
‫سنده من لا ُيعرفون ‪ ,‬ويكفي أن في سنده أبو عبد الرحمن محمد بن‬
‫الحسين بن محمد بن موسى ضعفه الذهبي في تذكرة الحفاظ‬
‫(‪ , )6021/3‬وقال عنه ابن حجر في لسان الميزان (‪:)620/7‬‬
‫((تكلموا فيه وليس بعمدة)) ‪ ,‬وذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد‬
‫(‪ :)421/4‬أنه يضع الحديث للصوفية ‪.‬‬

‫فخبر فيه هذا الراوي لا يصح لضعف السند ‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫ولا يمكن أن يصح عن الشافعي رحمه الله تعالى ما هو ظاهر المخالفة‬
‫لمنهج الصحابة والتابعين ‪ ,‬وإليك أيها القارئ قول إمام من أئمة الشافعية‬
‫وهو الذهبي الذي قال في كتابه (سير أعلام النبلاء) (‪ )717/64‬عند‬
‫ترجمته للربيع‪ (( :‬ولم يكن صاحب رحلة ‪ ,‬فأما ما ُيروى أن الشافعي‬

‫بعثه إلى بغداد بكتابه إلى أحمد بن حنبل فغير صحيح )) ‪.‬‬
‫وقول ابن خطار‪( :‬الربيع بن سلمان) هذا دليل آخر على سعة علم ابن‬

‫خطار بأصحاب إمامه من الشافعية ‪.‬‬
‫اعلم أيها القارئ أنه لا يوجد من أصحاب الشافعي رجـل بهذا الاسـم ‪,‬‬
‫وإنما هو (الربيع بن سلـيـمان) وعلى ك ٍل سنحسن الظن ونقول هو خطأ‬

‫مطبعي ‪.‬‬
‫أيها المسلم‪ :‬معلوم عندك أن كلام الشافعي رحمه الله تعالى ليس شرعاً‬

‫وإنما الشرع في قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وعلى هذا فهذا الخبر على ضعفه لا ُيستدل به على أمر شرعي بل‬

‫ُيطلب له تبرير من الأدلة الشرعية ‪ ,‬والأدلة الشرعية ليس فيها هذا ‪.‬‬
‫لذلك لن يستطيع ابن خطار ولا غيره أن يأتي بشيء من ذلك عن الأئمة‬

‫الأربعة يكون سنده صحيحاً ثابتاً عنهم أو عن واحد منهم ‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫تبرك الإمام أحمد بثياب الإمام الشافعي ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وروي عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ( أنه‬
‫غسل قميصاً للشافعي وشرب الذي غسله به ) وإذا كان هذا تعظيمهم‬
‫لأهل العلم فكيف بمقادير الصحابة ؟ أو كيف بآثار الأنبياء عليهم‬

‫الصلاة والسلام ) ؟! " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬لم يذكر ابن خطار مصدر هذه القصة ‪.‬‬
‫وقوله السابق كاملاً ذكره العيني في عمدة القاري (‪ )426/6‬ولم يذكر‬
‫لها سند ًا ‪ ,‬فقصة يحتج بها ابن خطار وهو لا يعرف مصدرها فكيف‬
‫يمكن معرفة صحتها من ضعفها ‪ ,‬وقد بحثت عنها ولم أجدها ‪ ,‬وقولنا‬
‫فيها كقولنا السابق ‪.‬وكأن ابن خطار أراد ألا يغضب الشافعية فجاء لهم‬
‫بهذه القصة التي لا يعرف مصدرها ليبين لهم أن كل ًا من الإمامين ـ‬
‫الشافعي وأحمد ـ تبرك أحدهما بلآخر فينبغي للشافعية والحنابلة أن‬
‫يتفقوا على صحة قول ابن خطار ولو كان يخالف هدي أصحاب النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬بل ولو كان لم يثبت عن إمام من الأئمة الأربعة ‪,‬‬
‫فلا مانع عند ابن خطار وحزبه أن يستدلوا بالضعيف بل بالموضوع من‬

‫أجل َل ِّم الشمل وجمع الكلمة على البدع والضلال ‪.‬‬
‫نسأل الله تعالى العافية والسلامة‬

‫‪12‬‬

‫تبرك المقدسي بقبر الإمام أحمد ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وجاء في كتاب (الحكايات المنثورة) للإمام‬
‫الحجة ضياء الدين المقدسي رحمه الله تعالى قال ‪(:‬سمعت الشيخ‬
‫الإمام أبا محمد عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي يقول ‪( :‬خرج في‬
‫عضدي شيء يشبه الدمل ‪ ،‬وكان يبرأ ثم يعود ‪ ،‬ودام بذلك زماناً‬
‫طويل ًا ‪ ،‬فسافرت إلى أصبهان وعدت إلى بغداد وهو بهذه الصفة‬
‫فمضيت إلى قبر الإمام أحمد ‪ ‬وأرضاه ‪ ،‬ومسحت به القبر فبرأ ولم‬

‫يعد "‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬هذه القصة قد احتج بها ابن خطار عند كلامه على التوسل وقد‬
‫أجبنا هناك عليها بقولنا ‪:‬إن ثبت هذا عنه فنحن نطالبه بالدليل الشرعي‬

‫على مشروعية هذا الفعل‪.‬‬

‫فإن قيل ‪ :‬لكنه قال ‪ ( :‬فبرأ ولم يعد ) فقد حصل له ما يريد وهو الشفاء‬
‫فيدل ذلك على صحة هذا الفعل ‪.‬‬

‫فالجواب ‪ :‬أن حصول المقصود ـ وهو النفع الدنيوي الظاهر ـ لا يدل‬
‫على صحة الفعل شر ًعا ‪ ،‬فقد ُذكر عن بعض المشركين أنهم انتفعوا‬
‫عندما توسلوا واستغاثوا بمعبوداتهم وهذا فتنة لهم واستدراج فلا يجوز‬

‫أن نثبت مشروعية عمل بمثل هذا ‪.‬‬

‫وتأمل أخي الحبيب هذا الحديث وهو مما أخبرنا به النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم كما في صحيح مسلم (‪ )4637‬عن المسيح الدجال ‪.. (( :‬‬
‫فيأتي القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر‬

‫‪13‬‬

‫والأرض فتنبت ‪ ،‬فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذ ًرا وأسبغه‬
‫ضرو ًعا وأمده خواصر ‪ ,‬ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله‬
‫فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ويمر‬
‫بالخـربة فيقول لها ‪ :‬أخرجي كنوزك ‪ ,‬فتتبعه كيعاسيب النحل ‪ ))..‬ما‬
‫رأيك أخي المسلم أي الفريقين على الحق ‪ :‬الذين اتبعوا الدجال وحصل‬
‫لهم مقصودهم من الغنى المادي أم الذين خالفوه فضاقت أرزاقهم ؟‪..‬‬
‫لذلك نقول ‪ :‬الغاية لا تبرر الوسيلة بل لا بد أن تكون الغاية مشروعة‬

‫ولا بد أن تكون الوسيلة أي ًضا مشروعة ‪.‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬والشواهد كثيرة وإنما أردت بما ذكرته‬
‫الاستشهاد والاستدلال ولم أرد الاستقصاء ومن لم ينفعه القليل لا ينفعه‬

‫الكثير والله أعلم " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬نحن لا نريد الكثير إذا كان بنحو الذي ذكرته سابقاً ‪ ,‬نحن نريد‬
‫منك أن تثبت لنا هذه المسألة بالأدلة الشرعية المعتبرة ‪ ,‬أما ذكر أقوال‬
‫وأفعال َمن ليس قولهم ولا فعلهم حجة فهذا لا يفعله طلاب العلم ‪ ,‬ونحن‬
‫بفضل الله تعالى نفعنا ما علمناه عن سلفنا الصالح ‪ ‬من كونهم لم‬
‫يتبركوا إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم وآثاره ولم يتبركوا بغيره فاكتفينا‬

‫بذلك وكان كثيراً نافعاً ‪ ,‬ومن لم ينفعه هذا في دينه فما الذي سينفعه ؟!‬

‫خــاتمــة ابن خطار في موضوع التبرك ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬الخــاتـمــــــــة ‪ :‬والحاصل من هذه الأحاديث‬
‫والآثار هو أن التبرك به صلى الله عليه وسلم وبآثاره وبكل ما هو‬
‫منسوب إليه ‪ ,‬وكذلك التبرك بالصحابة والصالحين وكل ما هو منسوب‬

‫‪14‬‬

‫إليهم سنة مرغوبة وطريقة محمودة مشروعة ‪ ،‬ويكفي في إثبات ذلك‬
‫فعل خيار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وتأييد النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم لذلك بل وأمره مرة وإشارته أخرى إلى فعل ذلك ‪ ،‬وقد‬
‫تبين أن كثير ًا من الصحابة الكرام كانوا على هذا المسلك كسيدنا ابن‬
‫عمر والخلفاء الراشدين ‪ ‬وأم سلمة ‪ ،‬وخالد بن الوليد ‪ ،‬وواثلة بن‬
‫الأسقع ‪ ،‬وسلمة بن الأكوع ‪ ,‬وأنس بن مالك ‪ ،‬وأم سليم ‪ ،‬وأسيد بن‬
‫حضير ‪ ،‬وسواد بن غزية ‪ ،‬وسواد بن عمرو ‪ ،‬وعبدالله بن سلام ‪،‬‬
‫وأبو موسى ‪ ،‬وعبدالله بن الزبير ‪ ،‬وسفينة مولى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ,‬وسرة خادم أم سلمة ‪ ،‬ومالك بن سنان ‪ ،‬وأسماء بنت أبي بكر‬
‫‪ ،‬وأبو محذورة ‪ ،‬ومالك بن أنس ‪ ,‬وأشياخه من أهل المدينة كسعيد‬
‫بن المسيب ‪ ,‬ويحيى بن سعيد ‪ ,‬وأحمد بن حنبل‪ ,‬والشافعي ‪‬‬

‫أجمعين ‪ ,‬والحمد لله رب العالمين " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬نعم قد تبين لكل منصف يريد الحق واتباع الدليل لا الباطل‬
‫واتباع الهوى ‪ ,‬أن الأحاديث والآثار تدل على مشروعية التبرك بالنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وبآثاره بإجماع الصحابة ‪ ‬وإقرار النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم لهم على ذلك ‪ .‬ولم يأت دليل واحد يدل على مشروعية‬
‫التبرك بغيره لا من الأحياء ولا من الأموات ‪ .‬فمن وقف مع الدليل‬
‫وعمل بما دل عليه ولم يتقدم عليه فاز وأفلح ‪ ,‬ومن تجاوز الدليل وقدم‬

‫الهوى والرأي خسر وشقي وأحدث في الدين وابتدع ‪.‬‬

‫أيها المسلم اختر لنفسك وسر مع أي الطائفتين أردت لكن اعلم أنك‬
‫مسئول عن دينك فماذا أنت قائل لربك يوم تلقاه ؟ ‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫تقبيل اليد ‪:‬‬

‫قد أفرد ابن خطار موضوع تقبيل اليد بفصل مستقل ولما كان له تعلق‬
‫بموضوع التبرك رأيت أن أتحدث عنه هنا بعد موضوع التبرك كما‬
‫أشرت إلى هذا في المقدمة فنبدأ مع ابن خطار فيما ذكره في موضوع‬

‫تقبيل اليد مستعينين بالله تعالى ‪:‬‬

‫استدلال ابن خطار بقصة اليهوديين ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪" :‬عن سيدنا صفوان بن عسال المرادي ‪ : ‬أن‬
‫يهوديين قال أحدهما لصاحبه ‪ :‬اذهب بنا إلى هذا النبي نسأله ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫لا تقل نبي فإنه إن يسمعك تقول له نبي كانت له أربع أعين ـ كناية عن‬
‫شدة سروره لأن السرور يزيد في حدة البصر والله أعلم ـ فأتيا رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فسألا عن قوله تعالى ‪َ :‬ولَ َقد آ َتي َنا ُمو َس ٰى تِس َع‬
‫آ َيات َب ِّي َنات ‪ 1‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪( :‬لا تشركوا بالله‬
‫شيئاً ولا تزنوا ‪ ،‬ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ‪ ،‬ولا‬
‫تسرقوا ولا تسحروا ‪ ،‬ولا تمشوا ببرئ إلى ذي سلطان ـ وفي رواية‬
‫بدون ذي ـ فيقتله ‪ ،‬ولا تأكلوا الربا ‪ ،‬ولا تقذفوا محصنة ‪ ،‬ولا تفروا‬
‫من الزحف ‪ ،‬وعليكم اليهود خاصة ألا تعتدوا في السبت) فقبلا يديه‬
‫ورجليه وقالا ‪ :‬نشهد أنك نبي قال ‪( :‬فما يمنعكما أن تسلما ؟)‪ ،‬قالا ‪:‬‬
‫إن داود دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبي ‪ ،‬وإنا نخاف إن أسلمنا أن‬

‫تقتلنا اليهود " ‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة الإسراء آية ‪. 101‬‬

‫‪16‬‬

‫نقول ‪ :‬هذا الحديث قال عنه أخرجه الترمذي (‪ )3622‬كما قال ابن‬
‫خطار وقال عنه ‪(( :‬هذا حديث حسن صحيح)) ‪ ,‬وأخرجه الحاكم في‬
‫المستدرك (‪ )40‬وقال عنه‪(( :‬هذا حديث صحيح لا نعرف له علة‬
‫بوجه من الوجوه)) ووافقــه الذهبي على ذلك فقال‪(( :‬صحيح لا نعرف‬
‫له علة)) ‪ ,‬وقال ابن حجر في تلخيص الحبير (‪(( :)63/2‬رواه أصحاب‬
‫السنن بإسناد قوي)) وفي قوله رحمه الله تعالى نظر وذلك أن الحديث لم‬
‫يروه أبو داود ولا النسائي فقوله‪(( :‬رواه أصحاب السنن)) هذا الإطلاق‬

‫غير صحيح ‪.‬‬

‫وقوله‪(( :‬بإسناد قوي)) غير صحيح لأن في الإسناد راو ضعيف ‪.‬‬

‫فهذا الحديث مداره عند كل من أخرجه على عبد الله بن سلمة المرادي‬
‫قال عنه الذهبي في الكاشف (‪(( :)776/6‬صويلح ‪ ,‬قال ابن عدي‪:‬‬
‫أرجو أنه لا بأس به‪ ,‬وقال البخاري‪ :‬لا يتابع في حديثه)) ‪ ,‬وقال عنه‬
‫ابن حجر في التقريب (ص‪ (( :)301‬صدوق تغير حفظه )) ‪ ,‬فراوي‬

‫هذا حاله كيف يصح حديثه ؟!‬

‫فالصواب أن إسناد هذا الحديث ضعيف لضعف أحد رواته وهو عبد الله‬
‫بن سلمة المرادي ‪.‬‬

‫ومع هذا نقول‪ :‬هذا الحديث مع ضعفه فيه تقبيل يد النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ورجله ‪ ,‬وهذا أمر سيتضح لنا حكمه إن شاء الله تعالى في‬

‫مناقشة ما يأتي من كلام ابن خطار ‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫استدلاله بتقبيل ابن عمر ومن معه ليد رسول الله صلى الله عليه‬

‫وسلم ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن سيدنا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه‬
‫كان في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬فحاص‬
‫الناس حيصة‪ ,‬فكنت فيمن حاص قال ‪ :‬فلما برزنا ‪ ,‬قلنا‪ :‬كيف نصنع‬

‫وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب ؟‬

‫قلنا ‪ :‬ندخل المدينة فنثبت فيها ‪ ،‬ونذهب ولا يرانا أحد قال‪ :‬فدخلنا ‪,‬‬
‫فقلنا‪ :‬لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كانت‬
‫لنا توبة أقمنا ‪ ،‬وإن كان غير ذلك ذهبنا ‪ ،‬قال‪ :‬فجلسنا لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر ‪ ،‬فلما خرج قمنا إليه فقلنا ‪:‬‬
‫نحن الفرارون ‪ ,‬فأقبل إلينا فقال ‪( :‬لا بل أنتم العكارون) قال‪ :‬فدنونا‬

‫فقبلنا يده ‪ ,‬فقال‪( :‬أنا فئة المسلمين) " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬هذا الحديث مداره عند كل من أخرجه على يزيد بن أبي زياد‬
‫الكوفي كما قال الترمذي (‪(( : )6761‬هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من‬
‫حديث يزيد بن أبي زياد)) ‪ ,‬وهذا الراوي قال عنه ابن حجر في‬
‫التقريب (ص‪(( : )106‬ضعيف كبر فتغير وصار يتلقن وكان‬

‫شيعياً))‪.1‬‬

‫فالحديث ضعيف لا يصح لضعف راويه ‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر كلام العلماء في تضعيفه في تهذيب التهذيب (‪. )210/11‬‬

‫‪11‬‬

‫وهو مع ضعفه ليس فيه إلا تقبيل يد النبي صلى الله عليه وسلم لما‬
‫أخبرهم بما فرج همهم وأذهب حزنهم ولم يكن هذا حالهم معه دوماً ‪.‬‬

‫استدلاله بتقبيل وفد عبد القيس ليد النبي صلى الله عليه‬

‫وسلم ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن أم أبان بنت الوارع‪ 1‬بن زارع عن جدها‬
‫زارع ‪ ، ‬وكان في وفد عبد القيس ‪ ،‬قال ‪ :‬لما قدمنا المدينة جعلنا‬

‫نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله " ‪.‬‬
‫نقول ‪ :‬هذا الحديث لم يروه عند كل من أخرجه عن أم أبان إلا مطر‬
‫بن عبدالرحمن كما قال الطبراني في الأوسط بعد إخراجه للحديث‬

‫(‪. )261‬‬
‫قال عنه الحافظ في تهذيب التهذيب (‪(( :)673/60‬قال أبو حاتم‪ :‬محله‬
‫الصدق ‪ .‬وذكره ابن حبان في الثقات ‪ .‬قلت‪ :‬وقال‪ :‬يروي المقاطيع)) ‪,‬‬

‫وقال عنه الذهبي في الكاشف (‪ُ (( :)416/4‬و ِّثـق )) ‪.‬‬
‫وأما أم أبان بنت الوازع بن زارع فقد ذكرها الذهبي في الكاشف‬
‫(‪ )740/4‬ولم يذكر فيها جرحاً ولا تعديلاً ‪ ,‬وقال عنها الحافظ في‬

‫التقريب (ص‪(( :)777‬مقبولة)) ‪.‬‬
‫فحديث انفرد به هذان الراويان لا يصح لأن السند ضعيف ‪.‬‬

‫‪ 1‬هكذا في كتاب ابن خطار والصواب (الوازع) كما في المصادر التي أخرجت هذا الحديث ‪.‬‬

‫‪11‬‬


Click to View FlipBook Version