ونحر نسكه ،ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه ثم دعا أبا طلحة
الأنصاري فأعطاه إياه ثم ناوله شقه الأيسر قال ( :احلقه ) ،وأعطاه
أبا طلحة فقال ( :اقسمه بين الناس ) ".
نقول :هذا آخر كلام ابن خطار فيما يتعلق بالتبرك بشعر النبي صلى
الله عليه وسلم ,وليس عندنا في ثبوته وجوازه في شعر النبي صلى الله
عليه وسلم أدنى شك لأنه ثبت بالدليل الشرعي .
ولم يورد المؤلف شيئاً يدل على جواز فعل ذلك مع شعر غير النبي
صلى الله عليه وسلم .
فإن ثبت وجود شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم الآن تبركنا به
,لكن لا بد أن ُيعلم أنه لم يبق من شعره صلى الله عليه وسلم شيء ,
ومن زعم وجود شيء من ذلك في بعض البلاد فهو كذب لا دليل عليه ,
إذ من الممكن أن يأتي شخص بشعر ثم يزعم كذباً وزوراً أنه شعر النبي
صلى الله عليه وسلم ليربح من وراء ذلك أموال ًا طائلة ,لهذا لا بد من
ثبوت ذلك ,وأنى لم في هذه الأيام ذلك ؟ .
التبرك بعرقه صلى الله عليه وسلم :
قال ابن خطار " :التبرك بعرقه صلى الله عليه وسلم :عن سيدنا
أنس أن سيدتنا أم سليم رضي الله عنها ( كانت تبسط للنبي صلى
الله عليه وسلم نطعاً فيقيل عندها على ذلك النطع ،قال :فإذا نام النبي
صلى الله عليه وسلم أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة ثم
50
جمعته في سك وهو نائم ،قال :فلما حضر أنس بن مالك الوفاة
أوصى إلى أن يجعل في حنوطه من السك قال :فجعل في حنوطه ) .
وفي رواية (:دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عندنا ،
فجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها ،فاستيقظ فقال :أم
سليم ما هذا الذي تصنعين ؟
قالت :هذا عرقك نجعله من 1طيبنا وهو من أطيب الطيب ) .
وفي رواية (:عرق فاستنقع عرقه على قطعة أديم عتيدة فجعلت
تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها فأفاق ،فقال :ما تصنعين ؟
قالت :نرجوا بركته لصبياننا ،فقال :أصبت ) .
وفي رواية أبي قلابة (:فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب
والقوارير فقال :ما هذا ؟ قال عرقك أدوف به طيبي ) .
ويستفاد من هذه الروايات إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على فعل
أم سليم وتصويبه ولا معارضة بين قولها إنها كانت تجمعه لأجل طيبه
،وبين قولها للبركة ،بل يحتمل 2على أنها كانت تفعل ذلك للأمرين
معاً " .
نقول :وهذا أيضاً دليل على جواز التبرك بعرقه صلى الله عليه وسلم
فليس بيننا خلاف في ذلك ,لكن هل يجوز فعل هذا مع عرق غيره
صلى الله عليه وسلم ,هل جمع الصحابة عرق أبي بكر أوعمر أو ...؟
1هكذا في كتاب ابن خطار والصواب ( :في طيبنا ) كما في المصادر التي أحال إليها .
2هكذا في كتاب ابن خطار والصواب( :بل يحمل )...كما في فتح الباري .
51
لم يحصل ذلك منهم مطلقاً ومن زعم خلاف ذلك فعليه أن يأتي بالدليل
الشرعي.
وقبل أن ننتقل إلى موضع آخر من كلام ابن خطار انبه إلى أن قوله:
(وفي رواية (:عرق فاستنقع عرقه على قطعة أديم عتيدة , )...أحال
ابن خطار إلى مسند أحمد وإلى صحيح مسلم ,ويظهر أنه نقلها دون أن
يرجع إلى الأصل ليتأكد من لفظ الحديث فوقع في الخطأ كما وقع فيه
من نقل عنهم .
والحديث عند مسلم ( )4336عن أنس بلفظ(( :كان النبي صلى الله
عليه وسلم يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها ,قال :فجاء ذات يوم
فنام على فراشها ,فأُ ِت َيت فقيل لها :هذا النبي صلى الله عليه وسلم نام في
بيتك على فراشك ,قال :فجاءت وقد عرق واستنقع عرقه على قطعة
أديم على الفراش ففتحت عتيدتها فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في
قواريرها ,ففزع النبي صلى الله عليه وسلم فقال :ما تصنعين يا أم سليم
؟ فقالت :يارسول الله نرجو بركته لصبياننا ,قال :أصبت )) وهو عند
أحمد كذلك .
قال النووي في معنى (ففتحت َعتِي َد َتها)(( :وهي كالصندوق الصغير
تجعل المرأة فيه ما يعز من متاعها )) .
التبرك بجلده صلى الله عليه وسلم :
قال ابن خطار " :التبرك بجلده الشريف صلى الله عليه وسلم :عن
عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال :كان أسيد بن حضير رجل ًا
52
صالحاً ضاحكاً مليحاً ،فبينما هو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
يحدث القوم ويضحكهم فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في
خاصرته فقال :أوجعتني ,قال صلى الله عليه وسلم :اقتص ,قال :
يارسول الله إن عليك قميصاً ،ولم يكن عل َّي قميص ،قال :فرفع
رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فجعل يُـ َقبـِّل كشحه ،فقال :
بأبي أنت وأمي يا رسول الله أردت هذا ) " .
نقول :قال ابن خطار في الحاشية عن هذا الحديث(( :أخرجه أبو
داود ( )7442والحاكم ( , )411/3وصححه ووافقه الذهبي ,وأخرجه
الطبراني في الكبير (. )) )777
وبالرجوع إلى أبي داود في نفس الموضع ُوجد أن عبد الرحمن بن أبي
ليلى يحدث عن أسيد مباشرة وليس في السند قوله(( :عن أبيه))
وكذلك أيضاً في الطبراني الذي أخرج الحديث في معجمه الكبير في
موضعين )777( , )771( :لم يذكر ذلك ,وعلى هذا فيكون سند أبي
داود والطبراني منقطع وذلك أن عبدالرحمن بن أبي ليلى ولد لست بقين
من خلافة عمر كما قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ( )432/1فإذا
كان عمر توفي سنة 43كما هو معلوم ,وانظر الصدر السابق
( , )311/7فيكون عبد الرحمن ولد سنة 67وأسيد بن حضير مات
سنة 40أو 46كما في التقريب (ص )664أي أنه مات وعبدالرحمن
في السنة الثالثة أو الرابعة من عمره ,وقد أشار إلى ذلك ابن مفلح في
الآداب الشرعية ( )473/4حيث قال بعد أن ذكر الحديث السابق:
((إسناده ثقات ,ومات أسيد ولعبد الرحمن نحو ثلاث سنين)) ,وعلى
هذا فلم يسمع عبد الرحمن من أسيد وإنما حدث عنه بواسطة ,وهذه
الواسطة هي والده ولذلك جاء ذكره في المستدرك وفي سنن البيهقي
53
( , )67100فكان على ابن خطار أن يحيل إليهما فقط وينبه ـ إن كان
يعلم ـ إلى ما وقع في أبي داود والطبراني من الانقطاع .
وما ورد في هذا الحديث من تقبيل كشح النبي صلى الله عليه وسلم ,هو
أمر قد جاء الدليل به ,فنحن نقول به أيضاً ونقول :سمعاً وطاعة ,فهل
ورد دليل بجواز فعل هذا مع غير النبي صلى الله عليه وسلم ؟ .
ثم قال ابن خطار " :وعن حبان بن واسع عن أشياخ من قومه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر ،وفي
يده قدح يعدل به القوم فمر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن
النجار ،وهو مستنصل من الصف ـ أي خارج ـ فطعنه في بطنه بالقدح
وقال :استو يا سواد فقال يا رسول الله ! أوجعتني وقد بعثك الله
بالحق والعدل فأقدني ،فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
بدنه صلى الله عليه وسلم فقال :استقد ،فاعتنقه ،فقبل بطنه فقال :
ما حملك على هذا يا سواد ؟
قال :يا رسول الله ! حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن
يمس جلدي جلدك ،فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير ) "
.
نقول :إن ثبت هذا الحديث فإنه يدل على ما دل عليه الحديث السابق .
ثم قال ابن خطار " :وعن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم
لقي رجل ًا مختضباً بصفرة وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم جريدة .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :خط ورس ،فطعن بالجريدة بطن
الرجل وقال :ألم أنهك عن هذا ؟ فأثر في بطنه دماً أدماه ،فقال :
54
القود يا رسول الله ! فقال الناس :أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم
تقتص ؟
فقال :ما لبشرة أحد فضل على بشرتي ،فكشف النبي صلى الله عليه
وسلم عن بطنه ثم قال :اقتص ،فقبل الرجل بطن النبي صلى الله عليه
وسلم وقال :أدعها لك أن تشفع لي يوم القيامة " .
نقول :هذا الحديث أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ( )61031قال
عن معمر عن رجل عن الحسن ثم ذكر الحديث .فهو حديث ضعيف
لأن الحسن البصري ليس من الصحابة فمن الذي حدثه ؟ ثم الرجل الذي
روى عن الحسن مجهول .
ومع هذا نقول :إن ثبت هذا الحديث فإنه يدل على ما دل عليه الحديث
السابق .
ثم قال ابن خطار " :وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول (:
زاهر باديتنا ونحن حاضرته ،وكان صلى الله عليه وسلم يحبه ،
فمشى صلى الله عليه وسلم يوماً إلى السوق فوجده قائماً ،فجاء من
قبل ظهره وضمه بيده إلى صدره فأح َّس زاهر بأنه رسول الله .قال :
فجعلت أمسح ظهري في صدره رجاء بركته ) .
وفي رواية (:فاحتضنه من خلفه ولا يبصره فقال :أرسلني من هذا ؟
فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم ،فجعل لا يألو ما ألصق
ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه فجعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول :من يشتري العبد فقال له زاهر :يا رسول
55
الله ! إذ ًا تجدني كاسد ًا .فقال صلى الله عليه وسلم (:أنت عند الله غال
).
وفي رواية أخرى (:لكن عند الله لست بكاسد أو قال :أنت عند الله
غال ) .
نقول :هذا الحديث يدل على ما دل عليه الحديث السابق .
التبرك بلباسه صلى الله عليه وسلم :
قال ابن خطار " :التبرك بلباسه أو بجبته صلى الله عليه وسلم
:عن سيدنا سهل بن سعد في البردة التي استوهبها من النبي صلى
الله عليه وسلم ،فلامه الصحابة به على طلبها فقال( :رجوت بركتها
حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكفن فيها ) " .
نقول :التبرك بلباسه صلى الله عليه وسلم ثبت في الأحاديث
الصحيحة ولهذا نقول بجوازه ومشروعيته ولا نقول بجواز فعل هذا مع
غير النبي صلى الله عليه وسلم إذ لا دليل على ذلك .
أما الحديث الذي ذكره المؤلف كان الأولى أن يذكر رواية البخاري
( )6461عن سهل بن سعد (( :أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه
وسلم ببردة منسوجة فيها حاشيتها ...قالت :نسجتها بيدي فجئت
لأكسوكها ,فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها ,فخرج إلينا
وإنها إزاره ,فح َّسنها فلان فقال :اكسنيها ما أحسنها .قال القوم :ما
أحسنت ,لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها ثم سألته وعلمت
56
أنه لا يرد .قال :إني والله ما سألته لألبسها ,إنما سألته لتكون كفني .
قال سهل :فكانت كفنه)) .
قال ابن حجر في الفتح ((( :)623/3ووقع لشيخنا ابن الملقن في (شرح
التنبيه) أنه سهل بن سعد ,وهو غلط فكأنه التبس على شيخنا اسم القائل
باسم الراوي)) .
فدل هذا على أن ما ذكره ابن خطار من أن سهل بن سعد هو الذي طلب
البردة خطأ وقع فيه لأنه نقل عن غيره دون تثبت .
وأما ماجاء في هذا الحديث من التبرك بلباسه صلى الله عليه وسلم فقد
أوردناه لك أيها القارئ من طريق غاية في الصحة وهوطريق البخاري
رحمه الله تعالى ,وقلنا لك أن هذا دليل على جواز التبرك بلباسه صلى
الله عليه وسلم ,وليس فيه جواز التبرك بغير النبي صلى الله عليه وسلم
.
ثم قال ابن خطار " :وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما
قالت ( :هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عند عائشة
حتى قبضت فلما قبضت قبضتها ،وكان النبي صلى الله عليه وسلم
يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها ) قال الإمام النووي رحمه
الله تعالى في شرحه على الصحيح ( (: ) 66/86وفي هذا الحديث
دليل على استحباب التبرك بآثار الصالحين وثيابهم ) " .
نقول :هذا الحديث فيه دليل على مشروعية التبرك بآثار النبي صلى
الله عليه وسلم وهذا لا خلاف عندنا فيه ,أما استدلال النووي ـ ومن
وافقه ـ بالحديث على مشروعية التبرك بآثار الصالحين وثيابهم فهذا
50
استدلال لا يصح لأن الصحابة أعلم من النووي ومن معه ,فلماذا لم
يفعلوا ذلك مع الخلفاء الراشدين ,أو مع غيرهم من العشرة المبشرين ,
أو مع أهل بدر ,أو مع أصحاب بيعة الرضوان ؟
هل هناك أفضل من هؤلاء في هذه الأمة ؟
فإذا كان الصحابة لم يفعلوا ذلك معهم ,دل هذا على أنهم فهموا
اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ,ولا شك أن فهم الصحابة
أولى من فهم النووي ,ومن فهم غيره ,فنحن لن نقدم على أصحاب
نبينا صلى الله عليه وسلم أحد من هذه الأمة ,فماذا أنتم فاعلون ؟.
ثم قال ابن خطار " :وفي شرح الإحياء للحافظ الزبيدي ما نصه (:
عن الشعبي قال :حضرت عائشة رضي الله عنها :وهي تقول ( :إني
قد أحدثت حدثاً ولا أدري ما حالي عنده فلا تدفنوني معه فإني أكره أن
أجاور رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أدري ما حالي عنده ،ثم
دعت بخرقة من قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت :ضعوا
هذا على صدري وادفنوها معي لعلي أنجو من عذاب القبر ) ".
نقول :تأمل هذا أيها القارئ وراجع (ص )41وانظر قصة استئذان
عمر أن يدفن في بيت عائشة بجوار صاحبيه حيث قالت (( :كنت
أريده لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي)) مما يدل على أن الحجرة لا
تتسع لأكثر من ثلاثة وهي تعلم ذلك فآثرت عمر على نفسها ,فكيف
تقول هنا(( :فلا تدفنوني معه فإني أكره أن أجاور رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولا أدري ما حالي عنده)) .
51
ولك أيها القارئ أن تتعجب من ابن خطار ألا يلاحظ هذا التعارض
فيرجع إلى مصدر القصة ليعرف هل هي صحيحة أم لا ,أم أن الهوى
ُيعمي و ُيصم فيصبح يجمع ما يرى أنه يؤيده بدون النظر إلى ثبوته .
وقد ذكر ابن خطار أن مصدر هذه الحكاية عن الشعبي هو كتاب شرح
الإحياء للزبيدي فمن أين جاء الزبيدي بهذه القصة ؟
وقد بحثت عنها في الصحاح والسنن والمسانيد فلم أجدها ,ومتنها
واضح النكارة كما وضحت لك .
ومع هذا نقول :إن ثبتت هذه القصة فليس فيها إلا التبرك بثياب النبي
صلى الله عليه وسلم وهذا لا إشكال عندنا في جوازه ,وليس فيها التبرك
بغيره .
فما هو دليلكم على إلحاق غير الرسول صلى الله عليه وسلم به ؟
ثم قال ابن خطار " :وقال الحافظ الزبيدي في الإتحاف ما نصه :
ويروى أن آخر خطبة خطبها معاوية إذ قال (:أيها الناس إن من زرع
قد استحصد ،وإني قد وليتكم ولن يليكم أحد من بعدي إلا وهو شر
مني كما كان من قبلي خير ًا مني ،ويا يزيد ـ يعني ولده ـ إذا وفى
أجلي فولّ غسلي رجل ًا لبيباَ ،فإن اللبيب من الله بمكان ،فلينعم الغسل
وليجهر بالتكبير ،ثم اعمد ـ أي اقصد ـ إلى منديل في الخزانة فيه
ثوب من ثياب النبي صلى الله عليه وسلم وقراضة من شعره وأظفاره
فاستودع القراضة أنفي وفمي وأذني وعيني واجعل الثوب على جلدي
دون أكفاني ) " .
51
نقول :هذا الأثر عن معاوية أخرجه ابن أبي الدنيا في كتابه
(المحتضرين) (ص )11ومداره على ثمامة بن كلثوم وهو لا ُيعرف
كما جاء في كتاب (الكامل في الضعفاء) لابن عدي (. )606/4
فالأثر ضعيف لا يصح ,وما فيه مما يدل على التبرك بآثار النبي صلى
الله عليه وسلم قد جاء في أحاديث أخرى كما سبق وما قلناه هناك نقوله
هنا .
وبهذا انتهى كلام ابن خطار عن التبرك بثياب النبي صلى الله عليه
وسلم وهذا لا خلاف بيننا في مشروعيته ولم يأت بدليل يدل على جواز
فعل ذلك مع غيره .
التبرك بموضع فمه صلى الله عليه وسلم :
قال ابن خطار " :التبرك بموضع فمه صلى الله عليه وسلم :عن
سيدنا أبي بردة قال :قدمت المدينة فلقيني عبدالله بن سلام ،فقال لي
(:انطلق إلى المنزل فأسقيك في قدح شرب فيه رسول الله صلى الله
عليه وسلم وتصلي في مسجده ) " .
نقول :ذكر ابن خطار أن هذا الأثر أخرجه البخاري في صحيحه ,
وهو كذلك ولكنه بلفظ ...(( :المنزل فأسقيك في قدح شرب فيه رسول
الله صلى الله عليه وسلم وتصلي في مسجد صلى فيه النبي صلى الله
عليه وسلم ,فانطلقت معه فسقاني سويقاً وأطعمني تمراً ,وصليت في
مسجده )) .
60
والحديث دليل على جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ,وهذا
لا خلاف عندنا فيه ,فهل يصح هذا مع غيره صلى الله عليه وسلم ؟ .
ثم قال ابن خطار " :وعن سيدنا أنس : أن النبي صلى الله عليه
وسلم دخل إلى أم سليم وفي البيت قربة معلقة فشرب من فيها ـ أي
من فم القربة ـ وهو قائم .قال أنس :فقطعت أم سليم فم القربة فهو
عندنا ) .
والمعنى :أن أم سليم قطعت فم القربة الذي هو موضع شربه صلى
الله عليه وسلم واحتفظت به في بيتها للتبرك بأثر النبي صلى الله عليه
وسلم " .
نقول :ذكر ابن خطار أن الإمام أحمد أخرجه في مسنده ,وهو كذلك
إلا أنه من رواية البراء بن زيد ابن بنت أنس بن مالك وهو مجهول
,فالحديث ضعيف عن أم سليم لجهالة البراء هذا ,وقول الهيثمي في
مجمع الزوائد ((( :)641/7رواه أحمد والطبراني وفيه البراء بن زيد
ولم يضعفه أحد وبقية رجاله رجال الصحيح))
نقول :ومن وثقه ؟! .
لم يوثقه أحد ,ولذلك فالحديث هذا لا يصح عن أم سليم .
لكنه صح عند الترمذي ( ,)6164وابن ماجه ( )3243عن عبد
الرحمن بن أبي عمرة عن جدته كبشة قالت(( :دخل عل ّي رسول الله
صلى الله عليه وسلم فشرب من ف ّي قربة معلقة قائماً فقمت إلى فيها
فقطعته)) ,قال الترمذي :حديث حسن صحيح غريب .
61
فهذا الحديث دليل على جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم
كما سبق وليس فيه التبرك بغيره صلى الله عليه وسلم .
تأمل أيها القارئ :ابن خطار ومن معه يوردون الأحاديث التي ثبتت
وجاءت بمشروعية التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ليستدلوا بها
على جواز التبرك بغير النبي صلى الله عليه وسلم ,وهذا خطأ لأن
الجميع يتفق على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ,فهذه الصفة ـ أي
صفة النبوة ـ لا يشاركه فيها أحد من هذه الأمة ,فكيف يشاركونه فيما
هو من خصائصه وهو مشروعية التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم ,
ومما يدل على صحة هذا الفهم عدم فعل الصحابة لذلك مع غيره صلى
الله عليه وسلم .
التبرك بيده صلى الله عليه وسلم وبموضعها :
قال ابن خطار " :التبرك بيده وبموضعها صلى الله عليه وسلم :عن
محمد بن عبدالملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال :قلت :يا
رسول الله علمني سنة الأذان ،قال :فمسح مقدم رأسه قال (:تقول :
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ترفع بها صوتك ...الحديث وفي
رواية (:فكان أبو محذورة يجز ناصيته لا يفرقها لأن النبي صلى الله
عليه وسلم مسح عليها )
وعن صفية بنت مجرأة (:أن أبا مجذورة كانت له قصة في مقدمة
رأسه إذا قعد أرسلها فتبلغ الأرض .فقالوا له :ألا تحلقها ؟ فقال :إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح عليها بيده فلم أكن لأحلقها حتى
أموت ) ".
62
نقول :حديث أبي محذورة حديث صحيح لكثرة طرقه لكن قول ابن
خطار :وفي رواية (:فكان أبو محذورة يجز ناصيته لا يفرقها لأن
النبي صلى الله عليه وسلم مسح عليها ) هكذا في كتاب ابن خطار
(يجز ناصيته) نقلها كذلك دون تأمل للمعنى وحذف الواو في قوله( :لا
يفرقها) فأصبحت الرواية الأولى تثبت أنه كان يحلق ناصيته ,والرواية
الثانية تنفي حلقه لناصيته .
والصواب أن الرواية الأولى بلفظ(( :لا يجز ناصيته ولا يفرقها)) كما
في كتاب (سنن أبي داود) الذي أحال إليه ابن خطار دون أن يراجعه .
وهذه الزيادة وهي قوله(( :فكان أبو محذورة لا يجز ناصيته ولا يفرقها
لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح عليها )) ,لا تصح لأنها من رواية
عثمان بن السائب قال عنه ابن حجر في التقريب (ص (( :)313مقبول
)) .وقال عنه ابن القطان كما في تهذيب التهذيب ( (( :)601/7لا
ُيعرف )) .وليس هناك ما يشهد لهذه الزيادة ولهذا فهي ضعيفة .
وأما قول ابن خطار(( :وعن صفية بنت مجرأة (:أن أبا مجذورة كانت
له قصة في مقدمة رأسه ))...هكذا في كتابه( :صفية بنت مجرأة)
والصواب (مجزأة) ,ولم يذكر ابن خطار المصدر الذي أخذ منه قول
صفية السابق .
ولك أن تسأل أيها القارئ :كيف يحتج ابن خطار بهذه الرواية وهو لا
يعرف مصدرها ؟ .
وإذا كان لا يعرف مصدرها فكيف حكم بصحتها ,لأن احتجاجه بها
دليل على أنه ُيصححها ؟
63
سأجيبك على هذا :لأنها توافق مذهبه فلا بد أن تكون صحيحة فلا
يهمه معرفة مصدرها ولا يهمه كلام أهل الحديث فيها .
أما نحن فلا بد أن نعرف مصدرها ونعرف الحكم عليها وإن كنا نوافق
على جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم .
فنقول :قول صفية أخرجه الحاكم في المستدرك ( )1616وسكت
عنه الحافظ الذهبي ,والطبراني في المعجم الكبير ( , )1721والهيثمي
في مجمع الزوائد ( )1134وقال عنه(( :رواه الطبراني وفيه أيوب بن
ثابت المكي ,قال أبو حاتم :لا يحمد حديثه)) .
فهذا الأثر مداره عندهم على أيوب بن ثابت قال عنه ابن حجر في
التقريب (ص (( :)667لين الحديث )) ,أي ضعيف الحديث ,وعلى
هذا فما احتج به ابن خطار في هذا الحديث لا يصح الاحتجاج به .
فننظر فيما يأتي من كلامه .
تحري ابن عمر لآثار النبي صلى الله عليه وسلم :
ثم قال ابن خطار " :وعن موسى بن عقبة قال :رأيت سالم بن
عبدالله يتحرى أماكن من الطريق فيصلي فيها ويحدث أن أباه كان
يصلي فيها وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في تلك الأمكنة
،قال موسى :وحدثني نافع أن ابن عمر كان يصلي في تلك الأمكنة "
.
64
نقول :ثبت هذا في صحيح البخاري كما ذكر ابن خطار وفيه تتبع ابن
عمر لآثار النبي صلى الله عليه وسلم .
فهل َت َت َّبع ابن عمر آثار الصديق أو آثار والده الفاروق ؟
وهل في الأمة أفضل منهما ؟
فإذا كنتم تحتجون بفعل ابن عمر فلماذا لا تقفوا كما وقف فتتبعوا
آثار النبي صلى الله عليه وسلم ولا تتعدوها إلى غيرها ؟
ثم لو تأملنا ما ثبت عن الفاروق عمر الذي يعلم الجميع علمه وفضله
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء به حيث قال(( :اقتدوا باللذين
من بعدي أبي بكر وعمر)) 1ثبت عن عمر أنه نهى عن اتباع آثار
النبي صلى الله عليه وسلم ,فقد رأى الناس يبتدرون مسجداً يصلون فيه,
فقال :ما هذا ؟ فقالوا مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ,
فقال(( :هكذا هلك أهل الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً من عرضت له
منكم فيه الصلاة فليصل ,ومن لم تعرض له منكم فيه الصلاة فلا
يصل)) 2و َق َط َع الشجر َة التي ُبويع النبي صلى الله عليه وسلم تحتها خوفاً
على دين الناس , 3فأيهما أولى بالاتباع هدي عمر في هذه القضية أم
هدي ابنه ؟
فكيف إذا علمت أيها المسلم أنه لم يوافق أحد من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم اب َن عمر على قصد الصلاة في الأماكن التي صلى فيها
النبي صلى الله عليه وسلم اتفاقاً لا تعمداً وقصداً .
1أحمد ( , )23213الترمذي ( , )3662ابن ماجه (. )10
2مصنف ابن أبي شيبة ( , )0550مصنف عبد الرزاق (. )2034
3طبقات ابن سعد (. )100/2
65
تأمل أيها المسلم :عمر يخاف على دين الناس من التغير فيأمر
بقطع الشجرة ,فمن هم هؤلاء الناس الذين خاف عليهم ؟
إنهم من التابعين والعهد قريب من عهد النبوة والصحابة كثير متوافرون
ومع ذلك خاف عليهم ,ويأت ابن خطار وعصابته فيحثوا الناس على
فعل ما خاف عمر على التابعين من فعله ,أهؤلاء أعلم من عمر ؟!
أم أن الناس في هذه الأزمان أعلم من الناس في ذلك الزمن ؟!
تمسح يزيد بن الأسود بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ثم قال ابن خطار " :وعن يزيد بن الأسود في حديث حجة الوداع قال
:فلما صلى الصبح انحرف جالساً فاستقبل الناس بوجهه وذكر قصة
الرجلين الذين لم يصليا ،قال :ونهض الناس إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ونهضت معهم وأنا يومئذ أشب الرجال وأجلدهم قال :فما
زلت أزاحم الناس حتى وصلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخذت بيده فوضعها إما على وجهي أو على صدري ،قال :فما
وجدت شيئاً أطيب ولا أبرد من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال
:وهو يومئذ بمسجد الخيف .وفي رواية ( :ثم ثار الناس يأخذون بيده
ويمسحون بها وجوههم) " .
نقول ( :فوضعها) هكذا في كتاب ابن خطار و ُيفهم منها أن النبي صلى
الله عليه وسلم هو الذي وضعها ,وليس الأمر كذلك بل هي (فوضعتها)
كما في مسند أحمد الذي أحال إليه ابن خطار .
66
والحديث يدل على مشروعية التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا
خلاف بيننا فيه .
ثم قال ابن خطار " :وعن سيدنا أنس قال :كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء فما
يؤتى بإناء إلا وغمس يده فيها فربما جاؤوا في الغداة الباردة فيغمس
يده فيها ".
نقول :وهذا كالسابق فيه التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم.
فهل فعلوا هذا مع أحد من كبار الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه
وسلم أو بعد موته ؟ .
تبرك الصحابة بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ثم قال ابن خطار " :وعن نافع أن عبدالله بن عمر حدثه أن النبي
صلى الله عليه وسلم صلى حيث المسجد الصغير الذي دون المسجد
الذي يشرف الروحاء ،وقد كان عبدالله يع ّلم المكان الذي صلى فيه
النبي صلى الله عليه وسلم يقول :ثم عن يمينك حين تقوم في المسجد
تصلي وذلك المسجد على حافة الطريق اليمنى ،وأنت ذاهب إلى مكة
بينه وبين المسجد الأكبر رمية بحجر أو نحو ذلك "
نقول ( :يشرف الروحاء) هكذا في كتاب ابن خطار يشرف بالياء وهو
خطأ والصواب (بشرف الروحاء) بالباء ,كما في المصدر الذي أحال
عليه وهو صحيح البخاري .
60
وقد مر معنا مثل هذا عن ابن عمر وبينا أنه فعل ذلك مع النبي
صلى الله عليه وسلم ولم يفعله مع غيره مما يدل على اختصاص النبي
صلى الله عليه وسلم بذلك .
وبهذا انتهى ابن خطار من الكلام على التبرك بيد النبي صلى الله عليه
وسلم وموضعها ولم يأت بدليل يدل على جواز فعل هذا مع غيره صلى
الله عليه وسلم .
التبرك بموضع قدمه صلى الله عليه وسلم :
قال ابن خطار " :التبرك بموضع قدمه صلى الله عليه وسلم :عن
أبي مجلز أن أبا موسى كان بين مكة والمدينة فصلى العشاء ركعتين
ثم قام فصلى ركعة أوتر بها فقرأ فيها بمائة آية من النساء ثم قال :ما
ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدميه
،وأنا أقرأ بما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
نقول :لا يظهر لي أن مراد أبي موسى أنه يضع قدمه حيث
وضع النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة لأن هذا أمر متعذر ,وإنما
مراده بيان اجتهاده في اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ,كما قال
أبوبكر لعمر يوم الحديبية (( :يا عمر الزم غرزه حيث كان فإني
أشهد أنه رسول الله )) , 1فلا شك أن مراد أبي بكر هو كمال الاتباع
والاقتداء.
1مسند أحمد (. )11130
61
ولو سلمنا أن المراد بالحديث هو وضع القدم على موضع قدم النبي
صلى الله عليه وسلم تبركاً به فسيكون حال أبي موسى في هذا كحال
ابن عمر في تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم ,ولم يرد عنهما مطلقاً
تتبع آثار غير النبي صلى الله عليه وسلم .
فنقول لابن خطار ومن معه ليتكم وقفتم مثلما وقف ابن عمر وأبو
موسى فتتبركوا فقط بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ,ولا تتعدوا
إلى غيرها .
ولك أن تسأل أيها القارئ :هل بقي شيء من آثار النبي صلى الله
عليه وسلم من ثياب أوشعر أو نحوها مما سبق ذكره ؟
الجواب :لا ,لم يبق شيء من ذلك في هذه الأيام ومن زعم غير ذلك
فقد كذب ,لكن بقي أعظم آثاره صلى الله عليه وسلم وهو القرآن الذي
أنزله الله عليه وسنته عليه الصلاة والسلام فهي أعظم ما يتبرك بها
المسلم .
التبرك بالأمكنة :
قال ابن خطار " :التبرك بالأمكنة :قال العلامة ابن حجر رحمه الله
تعالى ( :يتأكد ندب احترام نحو المدارس والربط ومحال العلماء
والصلحاء ،وكل محل علم أنه صلى الله عليه وسلم نزله أو صلى فيه
،فله فضل عظيم على غيره على ممر الدهر ،فيتأكد الاعتناء به
بتحري نزوله والتبرك به كما كان ابن عمر وغيره يفعلون بعد
وفاته صلى الله عليه وسلم ) " .
61
نقول :إطلاق ابن خطار قوله( :العلامة ابن حجر رحمه الله تعالى)
يجعل القارئ يتوهم أنه ابن حجر العسقلاني صاحب فتح الباري بشرح
صحيح البخاري ,فكان على ابن خطار أن يوضح ـ إن كان يعلم ذلك ـ
أن المراد به هنا هو ابن حجر الهيتمي لا العسقلاني ,لأنه إذا أُطلق
فالمراد به العسقلاني .
وأما ما نقله ابن خطار عن ابن حجر الهيتمي في فعل ابن عمر رضي
الله عنهما فقد سبق أن تحدثنا عنه وأجبنا على ذلك .
وأما قوله ( :كما كان ابن عمر وغيره يفعلون بعد وفاته صلى الله
عليه وسلم) لم يثبت فعل هذا إلا عن ابن عمر فمن هم هؤلاء الذين
قال عنهم( :وغيره) ؟
وأما التبرك بالمدارس والربط ومحال العلماء والصالحين ,إن كان
المراد بالتبرك بها هو كثرة الجلوس فيها للتعلم والحرص على مجالسة
الصالحين فهذا تبرك جائز لا إشكال فيه ,أما إن كان المراد هو التمسح
بتلك الأماكن والتمرغ فيها وطلب الشفاء منها وقد يكون في بعضها
أضرحة وقبور ,فهذا أمر يحتاج إلى دليل ,فليس هناك أعلم ولا أصلح
من الخلفاء الراشدين ومع ذلك لم يتبرك الناس بهم لا في زمن النبي
صلى الله عليه وسلم ولا بعده ,وكلام ابن حجر الهيتمي والنووي
وغيرهم في هذا الموضوع نطالبهم فيه بالدليل فليس من حق هؤلاء
العلماء أن يشرعوا أمراً بغير دليل إنما الواجب عليهم أن ينقلوا لنا ديننا
من مصادره الشرعية ,فهاتوا ما يدل على قولكم من مصادره الشرعية
المعروفة عند علماء المسلمين .
00
ويمكن أن نأتي بقول العلماء الذين نهوا عن ذلك فنضرب قول هؤلاء
بهؤلاء ,فمن منهم أصاب الحق ومن الذي أخطأه ؟
الدليل هو الذي يبين ذلك ولذلك نطلب الدليل ليكون حكماً بين
المتنازعين امتثال ًا لأمر الله تعالىَ :فإِن َت َنا َزع ُتم فِي َشيء َف ُر ُّدوهُ إِلَى
ال َّل ِه َوال َّر ُسو ِل إِن ُكن ُتم ُتؤ ِم ُنو َن ِبال َّل ِه َوال َيو ِم الآ ِخ ِر. 1
قطع عمر لشجرة البيعة وتبرك ابنه بها :
ثم قال ابن خطار " :وما يقال من أن أمير المؤمنين عمر قطع
شجرة بيعة الرضوان لتحريم التبرك بقبور الأنبياء والصالحين فليس
في ذلك دليل لهم :فإنه محمول على أنه تخوف أن يأتي زمان قد يعبد
الناس تلك الشجرة وليس مقصوده تحريم التبرك بآثار الرسول ،ولو
كان الأمر كما ظنوا ما كان ابنه عبدالله ينزل تحتها ـ أي تبركاً ـ وكان
يسقيها الماء كي لا تيبس ولا شك أن عبدالله بن عمر أفهم بسيرة أبيه
من غيره " .
نقول َ :من الذي زعم أن ابن عمر كان يسقي الشجرة التي بايع
الصحابة تحتها بيعة الرضوان ؟
ابن خطار نقل ًا عن غيره أحال إلى صحيح ابن حبان ,وسأنقل لك ما
ذكره ابن حبان هناك ( )7072قال(( :عن نافع قال :كان ابن عمر يتتبع
آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل منزل نزله رسول الله صلى
الله عليه وسلم ينزل فيه فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت
1سورة النساء آية . 51
01
سمرة فكان ابن عمر يجيء بالماء فيصبه في أصل السمرة حتى لاتيبس
)) ,وذكره أيضاً البيهقي في السنن الكبرى ( )60026بنحوه ,فهي
شجرة أخرى غير شجرة البيعة كما هو واضح .
وياليت شعري أين ذهب عقل ابن خطار ومن نقل عنهم ,كيف يسقي
ابن عمر شجرة قد قطعت ,وماالذي بقي فيها بعد قطعها يخاف عليه
ابن عمر أن ييبس ؟!
تأمل هذا أيها المسلم واحمد الله على العافية .
وسأنقل لك أيها القارئ من صحيح البخاري ( )4761ما هو غصة في
حلوق هؤلاء قال ابن عمر (( : رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا
اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها )) .
أرأيت أيها المسلم هذا ابن عمر لم يكن يعلم مكان الشجرة
فكيف كان يسقيها ؟!
وحتى لا يزعموا أن هذا مجرد فهم منا فسوف أزيـــدك على ما سبق
بنقل كلام ابن حجر في الفتح ( )661/1في شرح كلام ابن عمر قال:
((وسيأتي في المغازي موافقة المسيب بن حزن ـ والد سعيد ـ لابن عمر
على خفاء الشجرة ,وبيان الحكمة في ذلك وهو أن لا يحصل بها افتتان
لما وقع تحتها من الخير ,فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها
حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر كما نراه الآن
مشاهداً فيما هو دونها )) .
وسأنقل لك أيضاً حديث المسيب بن حزن الذي أشار إليه ابن حجر :
02
عن طارق بن عبد الله قال(( :انطلقت حاجاً فمررت بقوم يصلون .
قلت ما هذا المسجد ؟.
قالوا :هذه الشجرة حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة
الرضوان .
فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته ,فقال سعيد :حدثني أبي أنه كان فيمن
بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ,قال :فلما خرجنا من
العام المقبل أنسيناها فلم نقدر عليها .
فقال سعيد :إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها
وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم)) 1
وأردت بذكر ما سبق أن أثبت لك وقوع ابن خطار ومن معه في الخطأ
على ابن عمر رضي الله عنهما فإن قيل :لكن ثبت في الصحيحين 2أن
جابراً قال :قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية(( :
أنتم خير أهل الأرض )) ,وكنا ألفاً وأربعمائة ولو كنت أبصر اليوم
لأريتكم مكان الشجرة .
نقول :قال ابن حجر في الفتح ( (( :)221/7لكن إنكار سعيد بن
المسيب على من زعم أنه عرفها معتمداً على قول أبيه إنهم لم يعرفوها
في العام المقبل لا يدل على رفع معرفتها أصل ًا )) ثم ذكر قول جابر
السابق وذكر أمر عمر بقطعها لما بلغه أن قوماً يأتون الشجرة
فيصلون عندها .
1البخاري (. )3130
2البخاري ( , )3123مسلم (. )01
03
فأردت بيان خطأ ما ُذكر عن ابن عمر رضي الله عنهما وليس يهمني
الآن ذكر الجمع بين هذه الآثار في خفاء موضع الشجرة أو عدم خفائه .
وأما قول ابن خطار( :التبرك بقبور الأنبياء والصالحين) ,فمن الذي
يزعم أن عمر يحرم التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
وأما ذكر جميع الأنبياء وإلحاق الصالحين بهم فنقول :أأنتم أعلم
بالدين أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
أأنتم أعلم بالدين أم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟
هؤلاء لم يتبركوا بقبور الأنبياء ولا بقبور الصالحين ولا حثوا على ذلك
ولا دعوا
إليه ,وأنتم تجعلون هذا من أعظـم شعـائـر الدين توالون من أجله
وتعادون من
أجله ,كيف علمتم ما لم يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
؟! .
وأما قولك ( :فإنه محمول على أنه تخوف أن يأتي زمان قد يعبد الناس
تلك الشجرة) ما هي صور العبادة التي يمكن أن يفعلها الناس بالشجرة
لذلك قطعها عمر ؟
ليت ابن خطار أجاب عن هذا السؤال .أقــــول :نظرة تأمل في أحوال
كثير من المسلمين في كثير من البلاد وما يفعلونه بالقبور وغيرها مما
يعتقدون فيه البركة ,يوضح لك ما الذي يمكن أن يفعله الناس مع
04
الشجرة لو كانت موجودة ,وسيجد هؤلاء من يبرر لهم ذلك الانحراف
الذي خافه أمير المؤمنين عمر , من أمثال ابن خطار وحزبه .
ولا شك أن ابن عمر أفهم بسيرة أبيه ولذلك لم يرد عنه أنه خالف
والده فوالده يقطع الشجرة وهو يسعى لسقيها كما زعم ابن خطار وحزبه
,لا يمكن أن يفعل ذلك رجل من أحاد الناس في ذلك الزمن طاعة لأمير
المؤمنين وعدم الرغبة في إظهار المخالفة ,فكيف تزعمون أن ابن
عمر يخالف ولي الأمر وهو يعلم جيداً أمر الله تعالى :يا ايها الذين
آمنوا أطيعوا الله و اطيعوا الرسول و الي الأمر منكم ,1ومن هو ولي
الأمر إنه عمر بن الخطاب وهو من هو في فضله ومكانته ؟! .
أرأيت أيها المسلم جهلٌ بالمأثور رواية ودراية ويزعمون محبتهم
للنبي صلى الله عليه وسلم
كيف ستحققون المحبة إذا كنتم تجهلون سنته وهديه صلى الله عليه
وسلم ؟! .
التبرك بدار مباركة :
قال ابن خطار " :التبرك بدار مباركة :عن محمد بن سوقة عن
أبيه قال ( :لما بنى عمرو بن حريث داره أتيته لأستأجر منه فقال ما
تصنع منه ؟ فقلت :أريد أن أجلس فيه وأشتري وأبيع قال :قلت :
لأحدثك في هذه الدار بحديث ،إن هذه الدار مباركة على من سكن فيها
مباركة على من باع فيها واشترى ،وذلك أني أتيت النبي صلى الله
1سورة النساء آية . 51
05
عليه وسلم وعنده مال موضوع فتناول بكفه منه دراهم فدفعها إلي
وقال :هاك ياعمرو هذه الدراهم حتى تنظر في أي شيء تضعها .
فإنها دراهم أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فأخذتها ,ثم
مكثنا ما شاء الله حتى قدمنا الكوفة فأردت شراء دار ،فقالت لي أمي
:يابني إذا اشتريت دار ًا وهيأت مالها فأخبرني ،ففعلت ،ثم جئتها
فدعوتها فجاءت والمال موضوع فأخرجت شيئاً معها فطرحته في
الدراهم ثم خلطتها بيدها ،فقلت :ياأمه ! أي شيء هذه ؟ قالت :
يابني ! هذه الدراهم التي جئتني بها فزعمت أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أعطاكها بيده ،فأنا أعلم أن هذه الدار مباركة لمن جلس
فيها ،مباركة لمن باع فيها واشترى)
نقول :هذه القصة قال عنها ابن خطار في الحاشية(( :أخرجه أبو
يعلى)) .وبالرجوع إلى أبي يعلى ( )6276أجد أني لا بد أن أنقل لك
القصة لتفهمها ثم بعد ذلك نعلق عليها قال أبو يعلى :حدثنا يحيى بن عبد
الحميد حدثنا إسماعيل بن عبد الأعلى عن الوليد بن علي عن محمد بن
سوقة عن أبيه قال (( :أتيت عمرو بن حريث أتكارى منه بيتاً في داره
فقال :تكار فإنها مباركة على من سكنها فقلت :من أي شيء ذلك ؟ قال
:أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ُنحرت جزور وقد أمر
بقسمتها ,فقال للذي يقسمها :أعط َعمراً منها قسماً ,فلم يعطني
وأغفلني ,فلما كان من الغد أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين
يديه دراهم ,فقال :أخذت القسم الذي أمرت لك ؟ قال :قلت يا رسول
الله :ما أعطاني شيئاً ,قال :فتناول كفاً من دراهم ثم أعطانيها ,فجئت
بها إلى أمي فقلت :خذي هذه الدراهم أخذها رسول الله صلى الله عليه
وسلم بيده ثم أعطانيها ,أمسكيها حتى ننظر في أي شيء نضعها ,ثم
06
ضرب الدهر ضرباً به حتى اشتريت هذه الدار ,قالت أمي :إذا أردت
أن تنقد ثمنها فلا تنقد حتى تدعوني أدعو لك بالبركة ,فدعوتها حين
هيأتها فقالت لي :خذ هذه الدراهم فنثرتها فيها ثم خلطتها بها وقالت :
اذهب بها )).
وابن خطار قد نقل رواية الهيثمي في مجمع الزوائد ( )1721ولم يذكر
قول الهيثمي (( :وفيه جماعة لم أعرفهم )).
فهذا الحديث ضعيف كما ذكر الهيثمي قال ابن حجر في التقريب
(ص )763عن يحي بن عبد الحميد راوي هذا الحديث(( :حافظ إلا أنهم
اتهموه بسرقة الحديث)). 1
والحديث مع ضعفه ليس فيه دليل لابن خطار ,وإنما الذي فيه هو
التبرك آثار النبي صلى النبي صلى الله عليه وسلم .
التبرك بفضل وضوئه صلى الله عليه وسلم :
قال ابن خطار " :التبرك بفضل وضوئه صلى الله عليه وسلم :
قال :رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة عن أبي جحيفة
حمراء ،ورأيت بلال ًا أخرج وضوء ًا ,فرأيت الناس يبتدرون ذلك
الوضوء فمن أصاب منه شيئاً تمسح به ,ومن لم يصب منه أخذ من
بلل صاحبه وفي رواية (شهدت النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء
وأتى بلال بفضل وضوئه فابتدره الناس فنلت منه شيئاً ) ".
1وانظر كلام العلماء في تضعيفه في تهذيب الكمال للمزي (. )411/31
00
نقول :تبرك الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم أمر أقرهم عليه
النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع الصحابة عليه ولم ينكر أحد منهم ذلك
,وكيف يصح نكير منكر إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر,
لكن هل وقع منهم ذلك مع وضوء أبي بكر أو عمر أو مع أي أحد من
كبار الصحابة ؟
الجواب :لا ,لم يحصل منهم ذلك مع أحد غير رسول الله صلى الله عليه
وسلم .
وإذا لم ُي َت َبرك بكبار الصحابة فكيف يصح التبرك بمن هو دونهم ,
وليس في الأمة أحد أفضل من الصحابة ؟! .
التبرك بتقبيل يد من مس رسول صلى الله عليه وسلم :
قال ابن خطار " :التبرك بتقبيل يد من مس رسول الله صلى الله عليه
وسلم :عن عبدالرحمن بن رزين قال ( :مررنا بالربوة فقيل لنا :ههنا
سلمة بن الأكوع ، فأتينا فسلمنا عليه فأخرج يديه فقال :بايعت
بهاتين نبي الله صلى الله عليه وسلم ,فأخرج كفاً له ضخمة كأنها كف
بعير ،فقمنا إليها فقبلناها ) " .
نقول :هكذا في كتاب ابن خطار ( مررنا بالربوة ) والصواب (
بالربذة ) كما في كتاب (الأدب المفرد) للبخاري ,وقد أحال إليه ابن
خطار في الحاشية .
هذا الحديث انفرد بروايته خالد بن عطاف عن عبد الرحمن بن رزين ,
وحديثهم هذا حديث حسن .
01
وفي هذا الحديث إقرار الصحابي لهؤلاء الذين لم يبادروا بتقبيل يده إلا
بعد أن أخبرهم أنه بايع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فلو كان
المقصود هو التبرك به لصلاحه وهو الصحابي الجليل الذي بايع النبي
صلى الله عليه وسلم في بيعة الرضوان مرتين كما ثبت ذلك في
البخاري ( , )4100لكانوا بادروا إلى تقبيلها عند وصولهم إليه ,لكنهم
لم يفعلوا ذلك إلا بعد أن أخبرهم بمبايعته النبي صلى الله عليه وسلم بها
,فقبلوها تبركاً بأثر النبي صلى الله عليه وسلم
تبرك ثابت البناني بيد أنس :
ثم قال ابن خطار " :وعن ابن جدعان :قال ثابت لأنس ( :
أمسست النبي صلى الله عليه وسلم بيدك ؟ قال :نعم ،فقبلها ) " .
نقول :هذا الأثر أخرجه البخاري في الأدب المفرد ( , )672وابن أبي
الدنيا في كتابه الإخون ( , )622وابن حجر في المطالب العالية
( , )4717ومحمد بن إبراهيم المقرئ في الرخصة في تقبيل اليد ()66
,ومدار هذا الأثر عندهم جميعاً على علي بن زيد بن جدعان وهو
ضعيف ,وقد لخص الحافظ ابن حجر كلام العلماء فيه فقال في
التقريب(ص (( :)206ضعيف )) .
وهذا الأثر على ضعفه لا يدل إلا على ما دل عليه الأثر السابق .
فثابت البناني سأل أنساً :أمسست النبي صلى الله عليه وسلم بيدك ؟ .
فلما قال أنس :نعم ,ق َّبل ثابت يده .
01
فهو كالأثر السابق حيث لم يبادر ثابت بتقبيل يد أنس ,لكن لما علم أنها
يد مست ي َد رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل عليها فقبلها .
تقبيل علي يد العباس ورجله :
ثم قال ابن خطار " :وعن صهيب قال :رأيت علياً يقبل يد العباس
ورجله) " .
نقول :صهيب الراوي هو مولى العباس , أخرج هذا الحديث
البخاري في الأدب المفرد وهو كتاب مستقل غير كتاب الصحيح لم
يشترط البخاري فيه الصحة ,وأخرجه محمد بن إبراهيم المقرئ في
كتاب (الرخصة في تقبيل اليد) وصرح فيه أن صهيباً هذا هو مولى
العباس .
وصهيب هذا لم يرو عنه إلا أبو صالح ذكوان السمان ولم يوثقه إلا ابن
حبان كما ذكر ابن حجر في لسان الميزان ( , )426/7ومثل هذا
الراوي يكون مجهول الحال ,وعلى هذا فحديثه ضعيف .
وليس في الحديث مع ضعفه ما يدل على التبرك ,فإن العباس هو
عم علي , وربما وقع بينهما شيئ فأراد علي أن ُي ًر ِّضي عمه عنه
ولهذا جاء في آخر هذا الأثر عند محمد بن إبراهيم( :ويقول :يا عم ,
ارض عني) ,فالأثر إذاً في تقبيل الوالد والعم لأن العم صنو الأب ـ أي
مثله ـ كما جاء في الحديث الصحيح عند الترمذي ( )3710وغيره ,
وليس له علاقة مع ضعفه بموضوع التبرك ,بدليل أن مثل هذا لم يفعله
10
علي لا مع أبي بكر ولا مع عمر مع أنهما أفضل من العباس ومن
غيره باتفاق الصحابة .
تقبيل يد واثلة :
ثم قال ابن خطار " :وعن يحيى بن الحارث الذماري قال :لقيت واثلة
بن الأسقع فقلت :بايعت بيدك هذه رسول الله صلى الله عليه وسلم
؟
قال :نعم .قلت :أعطني يدك أقبلها ،فأعطانيها فقبلتها) " .
نقول :قال ابن خطار في الحاشية( :رواه الهيثمي في مجمع الزوائد)
ولم يذكر أن الهيثمي قال(( :رواه الطبراني وفيه أبو عبد الملك الفزاري
,ولم أعرفه ,وبقية رجاله ثقات)) .وقد روى هذا الأثر ابن أبي عاصم
في كتابه الأحاد والمثاني ( )663لكنه قال( :أبو عبد الملك القارئ) بدل
قول الطبراني في المعجم الكبير (( :)441أبو عبد الملك الفزاري) وقد
ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق أبا عبدالملك القارئ ولم يذكر فيه
جرحاً ولا تعديلاً ,وأما الفزاري فلم يذكره أحد وربما يكون َت َص َّحف
(القارئ) إلى (الفزاري) ,والله أعلم .
وعلى كل فإن السند ضعيف بسبب القارئ .
وإن قلنا بثبوته فليس فيه إلا ما سبق ذكره في أثر سلمة بن الأكوع ,
وأثر أنس .
11
ثم قال ابن خطار " :وعن يونس بن ميسرة قال :دخلنا على يزيد
بن الأسود عائدين ،فدخل عليه واثلة بن الأسقع ، فلما نظر إليه
مد يده ،فأخذ يده فمسح بها وجهه وصدره لأنه بايع رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال له ( :يا يزيد ! كيف ظنك بربك ؟ فقال :حسن ،
فقال :أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( :إن
الله تعالى يقول :أنا عند ظن عبدي بي ،إن خير ًا وإن شر ًا فشر) " .
نقول :هذا الحديث أخرجه أحمد ( , )61076والدارمي ()4736
لكنه لم يذكر إلا المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم ,وابن حبان
( , )126والحاكم في المستدرك ( )7103ولكنه لم يذكر إلا المرفوع
عن النبي صلى الله عليه وسلم ,وصححه ووافقه الذهبي ,والطبراني
في المعجم الكبير ( )466ولم يذكر إلا المرفوع فقط ,والبيهقي في
شعب الإيمان ( )6001لكنه عندهم جميعاً عن حيان أبي النضر .
وأما ما ذكره ابن خطار فهو عن يونس بن ميسرة ,وقد أحال ابن
خطار إلى أبي نعيم في الحلية فقط .
وقد أخرجه أيضاً الطبراني في الأوسط (. )7676
والحديث صحيح وليس فيه إلا ما سبق ,وهو التبرك بأثر النبي صلى
الله عليه وسلم ,وقد سبق هذا في أحاديث مضت معنا ,وذكرنا الجواب
عليها .
12
تقبيل ثابت ليد أنس وعينه :
ثم قال ابن خطار " :وعن ثابت قال ( :كنت إذا أتيت أنساً يخبر
بمكاني ,فأدخل عليه وآخذ يديه ,وأقبلهما وأقول :بأبي هاتين
اليدين اللتين مستا رسول الله صلى الله عليه وسلم ,وأقبل عينيه ,
وأقول :بأبي هاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم
)".
نقول :قال ابن خطار( :ذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية)
وقد أخرجه أبو يعلى ( , )3266والهيثمي في مجمع الزوائد
( )67100وقال عنه(( :رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير
عبد الله بن أبي بكر المقدمي وهو ثقة)) وليس الأمر كما ذكر الهيثمي
رحمه الله تعالى أن :عبد الله المقدمي ثقة ,بل هو ضعيف فقد ضعفه
ابن عدي في الكامل ( )476/2وقال(( :وكان أبو يعلى لا يحدثنا عنه
بحديث إلا قال فيه :وكان ضعيفاً )) ,وذكره ابن حبان في الثقات
( )377/1وقال عنه(( :وكان يخطئ)) ,وضعفه غير هؤلاء كما ذكر
ابن حجر في لسان الميزان (. )413/3
فهذا الأثر لا يصح كما سبق وهو مع ضعفه ليس فيه إلا ما في الأثر
السابق والذي قبله والقول فيه كما قلنا فيهما .
13
تبرك الخلفاء الراشدين بحربة استعملها النبي صلى الله عليه
وسلم :
قال ابن خطار " :تبرك الخلفاء الراشدين بحربة استعملها النبي
صلى الله عليه وسلم :عن الزبير قال :لقيت يوم بدر عبيدة بن
سعد 1بن العاص ,وهو مدجج لا يرى منه إلا عيناه ,وهو يكنى :أبا
ذات الكرش ,فقال :أنا أبو ذات الكرش ،فحملت عليه بالعنزة فطعنته
في عينه فمات ،قال هشام :ف ُأخبرت أن الزبير قال :لقد وضعت
رجلي عليه ,ثم تمطأت فكان الجهد أن نزعتها ,وقد انثنى طرفاها ،
قال :عروة :فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه ،فلما
قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها ،ثم طلبها أبو بكر فأعطاه
إياها ،فلما قبض أبو بكر ,سأله إياها عمر ،فأعطاه إياها ،فلما
قبض أخذها ،ثم طلبها عثمان منه فأعطاه إياها ،فلما قتل عثمان
وقعت عند آل علي فطلبها عبدالله بن الزبير ،فكانت عنده حتى قتل )
".
نقول :وهذا الحديث هو تبرك بأثر من آثار النبي صلى الله عليه وسلم
,وقد سبق أن تحدثنا عن جواز ذلك .
ولا يزال السؤال قائماً :هل فعلوا هذا مع غير رسول الله صلى الله عليه
وسلم ؟
1هكذا في كتاب ابن خطار والصواب (سعيد ) كما في البخاري (. )3006
14
تبرك الخلفاء الراشدين بخاتم النبي صلى الله عليه وسلم :
قال ابن خطار " :تبرك الخلفاء الراشدين بخاتم النبي صلى الله عليه
وسلم والمحافظة عليه :عن ابن عمر رضي الله عنهما قال( :اتخذ
رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من َو ِرق ,وكان في يده ,ثم
كان بع ُد في يد أبي بكر ,ثم كان بع ُد في يد عمر ,ثم كان في يد عثمان
,حتى وقع بع ُد في بئر أريس ,نقشه محمد رسول الله) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :جاء في رواية ( :أنه التمس
فلم يوجد) .
وجاء في رواية ابن سعد ( :أنه كان في يد عثمان ست سنين).
وقال العيني ( :وبئر أريس حديقة بقرب مسجد قباء)
وهذه البئر صارت معروفة اليوم ببئر الخاتم ,وهو خاتم رسول الله
صلى الله عليه وسلم الذي سقط فيها أيام خلافة عثمان ،وقد اجتهد
ثلاثة أيام في استخراجه بكل ما وجده سبيل ًا فلم يلقه ) " .
نقول :لن أتكلم عن تلك الروايات التي أشار إليها ابن خطار لأن
أصل الحديث في البخاري ,وعلى ذلك نقول :ليس في الحديث إلا
التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وهذا سبق أن تكلمنا عنه وليس
فيه التبرك بغير النبي صلى الله عليه وسلم .
ولا يزال السؤال قائماً :هل فعلوا هذا مع غير رسول الله صلى الله عليه
وسلم ؟
15
التبرك بآثار الأنبياء السابقين :
قال ابن خطار " :التبرك بآثار الأنبياء السابقين :عن نافع أن عبدالله
بن عمر ( :أخبره أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
على ال ِح ْجر أرض ثمود ,فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين ،
فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا
للإبل العجين ،وأمرهم أن يستقوا من البئر الذي كانت تردها الناقة) .
وقال النووي في شرحه على هذا الحديث :من فوائد هذا الحديث
جواز التبرك بآثار الصالحين ".
نقول :قرأ َت أيها المسلم كلا َم ابن خطار ,أين التبرك بآثار الأنبياء هنا
؟
تأمل أيها المسلم :جيش العسرة في سفر ,يريدون الماء ,فمروا في
طريقهم على ديار ثمود ,فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن دخول
ديار المعذبين إلا باكين أو متباكين ,كما جاء في حديث ابن عمر
أنه قال (( :مررنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر فقال
لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم
إلا أن تكونوا باكين حذراً أن يصيبكم مثل ما أصابهم ثم زجر فأسرع
حتى خلفها )) 1والمعنى :أنه ساق ناقته سوقاً شديداً حتى جاوز مساكن
ثمود ,وعند البخاري(( :ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز
1البخاري ( , )4150مسلم ( )2110واللفظ له .
16
الوادي)) ,مما يدل على أنه لم يكن يريد الدخول لكن الطريق اضطره
لذلك .
فلو كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه باستعمال ماء البئر
التي كانت ترده الناقة من أجل التبرك لكان الدخول والمرور بتلك الديار
عن عمد لا عن اضطرار ,ولذلك لم تأت كلمة منه صلى الله عليه وسلم
ولا من أصحابه تدل على أن أمره لهم كان من أجل تحصيل البركة
,بل ينهاهم عن دخول ديارهم ويقنع رأسه ويسرع السير فهذا دليل على
عدم مشروعية طلب البركة من تلك البئر ,ولكن لحاجتهم للماء أذن لهم
باستعمال ماء البئر الذي كانت ترده الناقة مع أن هذه البئر قد كان
يشرب منها ثمود أيضاً كما جاء في قوله تعالىَ :قا َل َه ٰـ ِذ ِه َنا َقة لَّ َها
ِشرب َو َل ُكم ِشر ُب َيوم َّمعلُوم ﴿ ,1﴾١٤٤قال ابن كثير في تفسيرها:
((يعني ترد ماءكم يوماً ويوماً تردونه أنتم)) .
ومن زعم أن هذا من باب التبرك فإنه يلزمه أمر الناس والسماح لهم
وحثهم على دخول تلك الديار للتبرك بماء البئر ,وهذا يعارض نهي
النبي صلى الله عليه وسلم عن دخولها إلا إذا كنا باكين أو متباكين خشية
أن يصيبنا من العذاب مثل ما أصابهم ,قال النووي في شرح هذا
الحديث(( :فينبغي للمار في مثل هذه المواضع المراقبة والخوف والبكاء
والاعتبار بهم وبمصارعهم وأن يستعيذ بالله من ذلك)) فلم يحث على
إتيان البئر وإنما ذكر ما ينبغي على المار فعله ,فنحن نطالب ابن خطار
ومن معه أن يأتوا بقول لأحد من الصحابة أو التابعين أو أحد من الأئمة
المتبوعين استحب الذهاب وقصد بئر الناقة للتبرك به ,هل يجدون ؟
1سورة الشعراء آية . 155
10
الجواب :لن يجدوا ذلك ,مما يدل على ضعف قولهم .
ثم تأمل أيها المسلم العنوان الذي وضعه ابن خطار( :التبرك بآثار
الأنبياء السابقين) ليس عنده دليل على هذا إلا هذه الحادثة ,وهي لا
تدل على قوله ,فلماذا التهويل ؟! .
التبرك بآثار الصالحين :
قال ابن خطار " :التبرك بآثار الصالحين :جاء الإمام السبكي رحمه
الله تعالى لزيارة الإمام النووي رحمه الله تعالى فوجده قد توفي ،فأتى
إلى دار الحديث وسأل عن مكان جلوس الإمام النووي فدل عليه فصار
يمرغ وجهه ولحيته عليه وأنشد :
وفي دار الحديث لطيف معنى أصلي في جوانبها وآوي
لعـلي أن أمـس بـحـر وجـهي مـكـانا مسـه قـدم النواوي ".
نقول :أيها المسلم اقرأ كلام ابن خطار واضحك ,عجباً له ولأمثاله
فإنه قد نقل هذا من غيره ولم يذكر المصدر الذي نقل منه هذه القصة .
ستقول لي :وما الذي يضحك في هذا ؟
أقول :الجهل الشديد ممن يزعم العلم ,أيها القارئ هل تعلم أن النووي
توفي في عام ( )171وأن السبكي ولد عام ( )113وابن خطار يذكر
أن السبكي أراد زيارة النووي (فوجده قد توفي) ف َمن هو الجاهل هل
هو ابن خطار أم السبكي ؟!
11
ألم يكن السبكي يعلم بوفاة النووي ؟!
أم أن ابن خطار الشافعي المذهب يجهل متى مات َع َلم من أعلام
المذهب وهو النووي ؟
بل ويجهل متى مات من يستدل بكلامه كثيراً على بدع الصوفية وهو
السبكي ؟
أرأيت أيها القارئ ابن خطار كحاطب ليل ,يجمع ما يرى أنه يؤيد قوله
دون تثبت ودون نظر ,وهكذا حال من اتبع الهوى ,فإن الهوى ُيعمي
و ُيصم ,نسأل الله تعالى العافية مما ابتلاهم به .
ومع هذا نقول :قول السبكي وفعله ليس حجة إنما الحجة في القرآن
والسنة فما هو دليل السبكي على ما فعله ؟.
إذا كان أفضل الأمة وهم الصحابة لم يفعلوا ذلك مع أفضلهم وهم
الخلفاء الراشدون فكيف يصح أن ُيفعل هذا ممن هو دونهم مع من هو
دونهم ؟! .
تبرك الإمام الشافعي بثياب الإمام أحمد :
ثم قال ابن خطار " :وعن الربيع بن سلمان قال ( :إن الشافعي رحمه
الله تعالى خرج إلى مصر ,فقال :لي يا ربيع خذ كتابي هذا فامض به
وسلمه إلى أبي عبدالله (أحمد بن حنبل) وأتني بالجواب قال الربيع :
فدخلت بغداد ومعي الكتاب فصادفت أحمد بن حنبل في صلاة الصبح ،
فلما انفتل من المحراب سلمت إليه الكتاب وقلت له :هذا كتاب أخيك
11
الشافعي من مصر ،فقال لي أحمد :نظرت فيه ؟ فقلت :لا ،فكسر
الخاتم فقرأ وتغرغرت عيناه فقلت له :إيش فيه يا أبا عبدالله ؟ فقال :
يذكر فيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له ( :اكتب
إلى أبي عبدالله فاقرأ عليه السلام وقل له :إنك ستمتحن وتدعى إلى
خلق القرآن فلا تجبهم ،فسيرفع الله لك علماً إلى يوم القيامة) قال
الربيع :فقلت له :البشارة يا أبا عبدالله ،فخلع أحد قميصيه الذي
يلي جلده فأعطانيه ،فأخذت الجواب وخرجت إلى مصر وسلمته إلى
الشافعي ،فقال :إيش الذي أعطاك ؟ فقلت :قميصه ،فقال الشافعي :
ليس نفجعك به ولكن ب ّله وادفع إل َّي الماء لأتبرك به) .
وفي رواية ( :قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ( :لا نبتاعه منك ولا
نستهديه ،ولكن اغسله وجئنا بمائه ،قال :فغسلته ،فحملت ماءه
إليه فتركته في قنينة ،وكنت أراه في كل يوم يأخذ منه ويمسح على
وجهه تبركاً بأحمد بن حنبل ) " .
نقول :ذكر ابن خطار في الحاشية أن هذا الخبر أخرجه ابن عساكر
في ( تاريخ دمشق ) ,وبالرجوع إلى المصدر المذكور تبين أن في
سنده من لا ُيعرفون ,ويكفي أن في سنده أبو عبد الرحمن محمد بن
الحسين بن محمد بن موسى ضعفه الذهبي في تذكرة الحفاظ
( , )6021/3وقال عنه ابن حجر في لسان الميزان (:)620/7
((تكلموا فيه وليس بعمدة)) ,وذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد
( :)421/4أنه يضع الحديث للصوفية .
فخبر فيه هذا الراوي لا يصح لضعف السند .
10
ولا يمكن أن يصح عن الشافعي رحمه الله تعالى ما هو ظاهر المخالفة
لمنهج الصحابة والتابعين ,وإليك أيها القارئ قول إمام من أئمة الشافعية
وهو الذهبي الذي قال في كتابه (سير أعلام النبلاء) ( )717/64عند
ترجمته للربيع (( :ولم يكن صاحب رحلة ,فأما ما ُيروى أن الشافعي
بعثه إلى بغداد بكتابه إلى أحمد بن حنبل فغير صحيح )) .
وقول ابن خطار( :الربيع بن سلمان) هذا دليل آخر على سعة علم ابن
خطار بأصحاب إمامه من الشافعية .
اعلم أيها القارئ أنه لا يوجد من أصحاب الشافعي رجـل بهذا الاسـم ,
وإنما هو (الربيع بن سلـيـمان) وعلى ك ٍل سنحسن الظن ونقول هو خطأ
مطبعي .
أيها المسلم :معلوم عندك أن كلام الشافعي رحمه الله تعالى ليس شرعاً
وإنما الشرع في قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم .
وعلى هذا فهذا الخبر على ضعفه لا ُيستدل به على أمر شرعي بل
ُيطلب له تبرير من الأدلة الشرعية ,والأدلة الشرعية ليس فيها هذا .
لذلك لن يستطيع ابن خطار ولا غيره أن يأتي بشيء من ذلك عن الأئمة
الأربعة يكون سنده صحيحاً ثابتاً عنهم أو عن واحد منهم .
11
تبرك الإمام أحمد بثياب الإمام الشافعي :
ثم قال ابن خطار " :وروي عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ( أنه
غسل قميصاً للشافعي وشرب الذي غسله به ) وإذا كان هذا تعظيمهم
لأهل العلم فكيف بمقادير الصحابة ؟ أو كيف بآثار الأنبياء عليهم
الصلاة والسلام ) ؟! " .
نقول :لم يذكر ابن خطار مصدر هذه القصة .
وقوله السابق كاملاً ذكره العيني في عمدة القاري ( )426/6ولم يذكر
لها سند ًا ,فقصة يحتج بها ابن خطار وهو لا يعرف مصدرها فكيف
يمكن معرفة صحتها من ضعفها ,وقد بحثت عنها ولم أجدها ,وقولنا
فيها كقولنا السابق .وكأن ابن خطار أراد ألا يغضب الشافعية فجاء لهم
بهذه القصة التي لا يعرف مصدرها ليبين لهم أن كل ًا من الإمامين ـ
الشافعي وأحمد ـ تبرك أحدهما بلآخر فينبغي للشافعية والحنابلة أن
يتفقوا على صحة قول ابن خطار ولو كان يخالف هدي أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم ,بل ولو كان لم يثبت عن إمام من الأئمة الأربعة ,
فلا مانع عند ابن خطار وحزبه أن يستدلوا بالضعيف بل بالموضوع من
أجل َل ِّم الشمل وجمع الكلمة على البدع والضلال .
نسأل الله تعالى العافية والسلامة
12
تبرك المقدسي بقبر الإمام أحمد :
ثم قال ابن خطار " :وجاء في كتاب (الحكايات المنثورة) للإمام
الحجة ضياء الدين المقدسي رحمه الله تعالى قال (:سمعت الشيخ
الإمام أبا محمد عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي يقول ( :خرج في
عضدي شيء يشبه الدمل ،وكان يبرأ ثم يعود ،ودام بذلك زماناً
طويل ًا ،فسافرت إلى أصبهان وعدت إلى بغداد وهو بهذه الصفة
فمضيت إلى قبر الإمام أحمد وأرضاه ،ومسحت به القبر فبرأ ولم
يعد ".
نقول :هذه القصة قد احتج بها ابن خطار عند كلامه على التوسل وقد
أجبنا هناك عليها بقولنا :إن ثبت هذا عنه فنحن نطالبه بالدليل الشرعي
على مشروعية هذا الفعل.
فإن قيل :لكنه قال ( :فبرأ ولم يعد ) فقد حصل له ما يريد وهو الشفاء
فيدل ذلك على صحة هذا الفعل .
فالجواب :أن حصول المقصود ـ وهو النفع الدنيوي الظاهر ـ لا يدل
على صحة الفعل شر ًعا ،فقد ُذكر عن بعض المشركين أنهم انتفعوا
عندما توسلوا واستغاثوا بمعبوداتهم وهذا فتنة لهم واستدراج فلا يجوز
أن نثبت مشروعية عمل بمثل هذا .
وتأمل أخي الحبيب هذا الحديث وهو مما أخبرنا به النبي صلى الله
عليه وسلم كما في صحيح مسلم ( )4637عن المسيح الدجال .. (( :
فيأتي القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر
13
والأرض فتنبت ،فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذ ًرا وأسبغه
ضرو ًعا وأمده خواصر ,ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله
فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ويمر
بالخـربة فيقول لها :أخرجي كنوزك ,فتتبعه كيعاسيب النحل ))..ما
رأيك أخي المسلم أي الفريقين على الحق :الذين اتبعوا الدجال وحصل
لهم مقصودهم من الغنى المادي أم الذين خالفوه فضاقت أرزاقهم ؟..
لذلك نقول :الغاية لا تبرر الوسيلة بل لا بد أن تكون الغاية مشروعة
ولا بد أن تكون الوسيلة أي ًضا مشروعة .
ثم قال ابن خطار " :والشواهد كثيرة وإنما أردت بما ذكرته
الاستشهاد والاستدلال ولم أرد الاستقصاء ومن لم ينفعه القليل لا ينفعه
الكثير والله أعلم " .
نقول :نحن لا نريد الكثير إذا كان بنحو الذي ذكرته سابقاً ,نحن نريد
منك أن تثبت لنا هذه المسألة بالأدلة الشرعية المعتبرة ,أما ذكر أقوال
وأفعال َمن ليس قولهم ولا فعلهم حجة فهذا لا يفعله طلاب العلم ,ونحن
بفضل الله تعالى نفعنا ما علمناه عن سلفنا الصالح من كونهم لم
يتبركوا إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم وآثاره ولم يتبركوا بغيره فاكتفينا
بذلك وكان كثيراً نافعاً ,ومن لم ينفعه هذا في دينه فما الذي سينفعه ؟!
خــاتمــة ابن خطار في موضوع التبرك :
ثم قال ابن خطار " :الخــاتـمــــــــة :والحاصل من هذه الأحاديث
والآثار هو أن التبرك به صلى الله عليه وسلم وبآثاره وبكل ما هو
منسوب إليه ,وكذلك التبرك بالصحابة والصالحين وكل ما هو منسوب
14
إليهم سنة مرغوبة وطريقة محمودة مشروعة ،ويكفي في إثبات ذلك
فعل خيار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وتأييد النبي صلى الله
عليه وسلم لذلك بل وأمره مرة وإشارته أخرى إلى فعل ذلك ،وقد
تبين أن كثير ًا من الصحابة الكرام كانوا على هذا المسلك كسيدنا ابن
عمر والخلفاء الراشدين وأم سلمة ،وخالد بن الوليد ،وواثلة بن
الأسقع ،وسلمة بن الأكوع ,وأنس بن مالك ،وأم سليم ،وأسيد بن
حضير ،وسواد بن غزية ،وسواد بن عمرو ،وعبدالله بن سلام ،
وأبو موسى ،وعبدالله بن الزبير ،وسفينة مولى النبي صلى الله عليه
وسلم ,وسرة خادم أم سلمة ،ومالك بن سنان ،وأسماء بنت أبي بكر
،وأبو محذورة ،ومالك بن أنس ,وأشياخه من أهل المدينة كسعيد
بن المسيب ,ويحيى بن سعيد ,وأحمد بن حنبل ,والشافعي
أجمعين ,والحمد لله رب العالمين " .
نقول :نعم قد تبين لكل منصف يريد الحق واتباع الدليل لا الباطل
واتباع الهوى ,أن الأحاديث والآثار تدل على مشروعية التبرك بالنبي
صلى الله عليه وسلم وبآثاره بإجماع الصحابة وإقرار النبي صلى الله
عليه وسلم لهم على ذلك .ولم يأت دليل واحد يدل على مشروعية
التبرك بغيره لا من الأحياء ولا من الأموات .فمن وقف مع الدليل
وعمل بما دل عليه ولم يتقدم عليه فاز وأفلح ,ومن تجاوز الدليل وقدم
الهوى والرأي خسر وشقي وأحدث في الدين وابتدع .
أيها المسلم اختر لنفسك وسر مع أي الطائفتين أردت لكن اعلم أنك
مسئول عن دينك فماذا أنت قائل لربك يوم تلقاه ؟ .
15
تقبيل اليد :
قد أفرد ابن خطار موضوع تقبيل اليد بفصل مستقل ولما كان له تعلق
بموضوع التبرك رأيت أن أتحدث عنه هنا بعد موضوع التبرك كما
أشرت إلى هذا في المقدمة فنبدأ مع ابن خطار فيما ذكره في موضوع
تقبيل اليد مستعينين بالله تعالى :
استدلال ابن خطار بقصة اليهوديين :
قال ابن خطار " :عن سيدنا صفوان بن عسال المرادي : أن
يهوديين قال أحدهما لصاحبه :اذهب بنا إلى هذا النبي نسأله ،قال :
لا تقل نبي فإنه إن يسمعك تقول له نبي كانت له أربع أعين ـ كناية عن
شدة سروره لأن السرور يزيد في حدة البصر والله أعلم ـ فأتيا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فسألا عن قوله تعالى َ :ولَ َقد آ َتي َنا ُمو َس ٰى تِس َع
آ َيات َب ِّي َنات 1فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( :لا تشركوا بالله
شيئاً ولا تزنوا ،ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ،ولا
تسرقوا ولا تسحروا ،ولا تمشوا ببرئ إلى ذي سلطان ـ وفي رواية
بدون ذي ـ فيقتله ،ولا تأكلوا الربا ،ولا تقذفوا محصنة ،ولا تفروا
من الزحف ،وعليكم اليهود خاصة ألا تعتدوا في السبت) فقبلا يديه
ورجليه وقالا :نشهد أنك نبي قال ( :فما يمنعكما أن تسلما ؟) ،قالا :
إن داود دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبي ،وإنا نخاف إن أسلمنا أن
تقتلنا اليهود " .
1سورة الإسراء آية . 101
16
نقول :هذا الحديث قال عنه أخرجه الترمذي ( )3622كما قال ابن
خطار وقال عنه (( :هذا حديث حسن صحيح)) ,وأخرجه الحاكم في
المستدرك ( )40وقال عنه(( :هذا حديث صحيح لا نعرف له علة
بوجه من الوجوه)) ووافقــه الذهبي على ذلك فقال(( :صحيح لا نعرف
له علة)) ,وقال ابن حجر في تلخيص الحبير ((( :)63/2رواه أصحاب
السنن بإسناد قوي)) وفي قوله رحمه الله تعالى نظر وذلك أن الحديث لم
يروه أبو داود ولا النسائي فقوله(( :رواه أصحاب السنن)) هذا الإطلاق
غير صحيح .
وقوله(( :بإسناد قوي)) غير صحيح لأن في الإسناد راو ضعيف .
فهذا الحديث مداره عند كل من أخرجه على عبد الله بن سلمة المرادي
قال عنه الذهبي في الكاشف ((( :)776/6صويلح ,قال ابن عدي:
أرجو أنه لا بأس به ,وقال البخاري :لا يتابع في حديثه)) ,وقال عنه
ابن حجر في التقريب (ص (( :)301صدوق تغير حفظه )) ,فراوي
هذا حاله كيف يصح حديثه ؟!
فالصواب أن إسناد هذا الحديث ضعيف لضعف أحد رواته وهو عبد الله
بن سلمة المرادي .
ومع هذا نقول :هذا الحديث مع ضعفه فيه تقبيل يد النبي صلى الله
عليه وسلم ورجله ,وهذا أمر سيتضح لنا حكمه إن شاء الله تعالى في
مناقشة ما يأتي من كلام ابن خطار .
10
استدلاله بتقبيل ابن عمر ومن معه ليد رسول الله صلى الله عليه
وسلم :
ثم قال ابن خطار " :وعن سيدنا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه
كان في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :فحاص
الناس حيصة ,فكنت فيمن حاص قال :فلما برزنا ,قلنا :كيف نصنع
وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب ؟
قلنا :ندخل المدينة فنثبت فيها ،ونذهب ولا يرانا أحد قال :فدخلنا ,
فقلنا :لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كانت
لنا توبة أقمنا ،وإن كان غير ذلك ذهبنا ،قال :فجلسنا لرسول الله
صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر ،فلما خرج قمنا إليه فقلنا :
نحن الفرارون ,فأقبل إلينا فقال ( :لا بل أنتم العكارون) قال :فدنونا
فقبلنا يده ,فقال( :أنا فئة المسلمين) " .
نقول :هذا الحديث مداره عند كل من أخرجه على يزيد بن أبي زياد
الكوفي كما قال الترمذي ((( : )6761هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من
حديث يزيد بن أبي زياد)) ,وهذا الراوي قال عنه ابن حجر في
التقريب (ص(( : )106ضعيف كبر فتغير وصار يتلقن وكان
شيعياً)).1
فالحديث ضعيف لا يصح لضعف راويه .
1انظر كلام العلماء في تضعيفه في تهذيب التهذيب (. )210/11
11
وهو مع ضعفه ليس فيه إلا تقبيل يد النبي صلى الله عليه وسلم لما
أخبرهم بما فرج همهم وأذهب حزنهم ولم يكن هذا حالهم معه دوماً .
استدلاله بتقبيل وفد عبد القيس ليد النبي صلى الله عليه
وسلم :
ثم قال ابن خطار " :وعن أم أبان بنت الوارع 1بن زارع عن جدها
زارع ، وكان في وفد عبد القيس ،قال :لما قدمنا المدينة جعلنا
نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله " .
نقول :هذا الحديث لم يروه عند كل من أخرجه عن أم أبان إلا مطر
بن عبدالرحمن كما قال الطبراني في الأوسط بعد إخراجه للحديث
(. )261
قال عنه الحافظ في تهذيب التهذيب ((( :)673/60قال أبو حاتم :محله
الصدق .وذكره ابن حبان في الثقات .قلت :وقال :يروي المقاطيع)) ,
وقال عنه الذهبي في الكاشف (ُ (( :)416/4و ِّثـق )) .
وأما أم أبان بنت الوازع بن زارع فقد ذكرها الذهبي في الكاشف
( )740/4ولم يذكر فيها جرحاً ولا تعديلاً ,وقال عنها الحافظ في
التقريب (ص(( :)777مقبولة)) .
فحديث انفرد به هذان الراويان لا يصح لأن السند ضعيف .
1هكذا في كتاب ابن خطار والصواب (الوازع) كما في المصادر التي أخرجت هذا الحديث .
11