The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

ماذا يقولون عن التبرك وتقبيل اليد

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by maldubasi, 2016-12-09 22:22:02

ماذا يقولون عن التبرك وتقبيل اليد

ماذا يقولون عن التبرك وتقبيل اليد

‫ماذا يقولون عن‬
‫التبرك و تقبيل اليد‬

‫تأليف ‪:‬‬
‫الشيخ داود الماحي‬

‫ماذا يقولون عن التبرك‬
‫و تقبيل اليد‬

‫تأليف‬
‫الشيخ داود الماحي‬
‫‪1‬‬

‫ح داود بن سليمان بن عبدالله الماحي ‪8649 ،‬هـ‬

‫فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر‬

‫الماحي ‪ ،‬داود بن سليمان بن عبدالله‬
‫ماذا يقولون عن التبرك و تقبيل اليد ‪ /‬داود بن سليمان بن عبدالله الماحي –‬

‫جدة ‪8649‬هـ‬
‫‪800‬ص ؛‪ 86 48‬سم‬
‫ردمك ‪809-8856-69-008-6 :‬‬
‫‪ – 8‬البدع في الإسلام أ – العنوان‬

‫ديوي ‪466‬‬
‫رقم الإيداع ‪8649/ 0400 :‬‬
‫ردمك ‪809-8856-69-008-6 :‬‬

‫حقوق الطبع محفوظة للمؤلف‬
‫للتواصل مع المؤلف‬

‫جوال ‪66855665596900:‬‬
‫موقع اهل الذكر ‪www.ahle-athekr.com:‬‬

‫‪2‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫‪3‬‬

4

‫المقدمة ‪:‬‬

‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا‬

‫ومن سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده الله فلا مضل له ‪ ،‬ومن يضلـل فلا هادي له‬
‫‪ ،‬وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبـده‬

‫ورسوله ‪.‬‬

‫‪َ ‬يا أَ ُّي َها الَّ ِذي َن آ َم ُنوا ا َّتقُوا ال َّلهَ َح َّق ُت َقاتِ ِه َولاَ َت ُمو ُت َّن إِلاَّ َوأَن ُتم ُّمسلِ ُمو َن ‪1‬‬
‫‪.‬‬

‫‪َ ‬يا أَ ُّي َها ال َّنا ُس ا َّتقُوا َر َّب ُك ُم الَّ ِذي َخ َل َق ُكم ِّمن َّنفس َوا ِح َدة َو َخ َل َق ِمن َها‬
‫َت َساءلُو َن‬ ‫الَّ ِذي‬ ‫ال َّل َه‬ ‫َوا َّتقُوا‬ ‫ِر َجال ًا‬ ‫َزو َج َها َو َب َّث‬
‫بِ ِه‬ ‫َك ِثي ًرا َو ِن َساء‬ ‫َعلَي ُكم‬ ‫ِمن ُه َما‬ ‫َوال َأر َحا َم إِ َّن‬
‫َر ِقي ًبا ‪.2‬‬ ‫ال َّل َه َكا َن‬

‫‪َ ‬يا أَ ُّي َها الَّ ِذي َن آ َم ُنوا ا َّتقُوا ال َّل َه َوقُولُوا َقولاً َس ِدي ًدا ُيص ِلح لَ ُكم أَع َمالَ ُكم‬
‫َو َيغ ِفر لَ ُكم ُذ ُنو َب ُكم َو َمن ُي ِطع ال َّل َه َو َر ُسولَ ُه َف َقد َفا َز َفو ًزا َع ِظي ًما ‪. 3‬‬

‫أما بعد ‪ :‬فقد اطلعت على هذا الكتاب المسمى ‪( :‬الموسوعة اليوسفية‬
‫في بيان الأدلة الصوفية ) لمؤلفه ‪ :‬يوسف خطار محمد ‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة آل عمران آية ‪. 102‬‬
‫‪ 2‬سورة النساء آية ‪. 1‬‬

‫‪ 3‬سورة الأحزاب آية ‪. 01-00‬‬

‫‪5‬‬

‫عندما وقع في يدي يوم السبت الموافق ‪6241/3/7‬هـ وقد ذكر مؤلفه‬
‫أن الناس قد وقع بينهم صراع ونزاع قال ‪ (( :‬ففكرت أن أحسم هذا‬

‫الأمر بشكل تام )) ‪.‬‬
‫ونحن نعلم أن الله تعالى قد أمرنا بالاجتماع وحذرنا من الفرقة‬
‫والاختلاف فقال ‪َ  :‬واع َت ِص ُموا بِ َحب ِل ال َّل ِه َج ِمي ًعا َولاَ َت َف َّرقُوا ‪، 1‬ونعلم‬
‫يقيناً أن هذا الاجتماع الذي أمرنا الله تعالى به هو الاجتماع على الحق لا‬
‫الاجتماع على الباطل ‪ ،‬والحق الذي لاشك فيه هو الإسلام الذي رضيه‬
‫الله تعالى لنا ‪  :‬ال َيو َم أَك َمل ُت َل ُكم ِدي َن ُكم َوأَت َمم ُت َعلَي ُكم ِنع َمتِي َو َر ِضي ُت‬
‫َل ُك ُم الإِسل َا َم ِدي ًنا‪ ، 2‬وهو طريق نبينا صلى الله عليه وسلم الذي قال‪(( :‬‬
‫عليكم بسنتي ))‪ 3‬والذي قال‪ (( :‬وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله‬

‫عليه وسلم ))‪.4‬‬
‫ونعلم يقيناً أن الله تعالى قد أخبرنا بوقوع التنازع بين الناس ‪َ  :‬و َلا‬
‫َي َزالُو َن ُمخ َتلِ ِفي َن ﴿‪ ﴾١١١‬إِ َّلا َمن َّر ِح َم َر ُّب َك‪ ، 5‬وقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ (( :‬وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ‪ :‬ثنتان‬

‫وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة ))‪. 6‬‬

‫‪ 1‬سورة آل عمران آية ‪. 103‬‬
‫‪ 2‬سورة المائدة آية ‪. 3‬‬

‫‪ 3‬أبو داود (‪ ، )4600‬والترمذي (‪. )2606‬‬
‫‪ 4‬البخاري (‪. )5065‬‬

‫‪ 5‬سورة هود آية ‪. 111 – 111‬‬
‫‪ 6‬أبو داود (‪. )4510‬‬

‫‪6‬‬

‫ونعلم أن ربنا تبارك وتعالى أمرنا بالإصلاح بين المتنازعين وحثنا عليه‬
‫‪  :‬لاَّ َخيــ َر ِفي َك ِثيـر ِّمن َّنجــ َوا ُهم إِلاَّ َمن أَ َمـ َر ِب َص َد َقة أَو َمعـ ُروف‬
‫أَوإِصل َاح بي َن ال َّنا ِس‪ ، 1 ‬وقال تعالى ‪  :‬إِ َّن َما ال ُمؤ ِم ُنو َن إِخ َوة َفأَصلِ ُحوا‬

‫َبي َن أَ َخ َوي ُكم ‪.2‬‬

‫ونعلم يقيناً أن الإصلاح إنما هو الأمر بلزوم الصراط المستقيم الذي‬
‫جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ‪ .‬قال تعالى ‪َ  :‬فإِن َت َنا َزع ُتم فِي‬
‫َشيء َف ُر ُّدو ُه إِلَى ال َّل ِه َوال َّر ُسو ِل إِن ُكن ُتم ُتؤ ِم ُنو َن ِبال َّلهِ َوال َيو ِم الآ ِخ ِر‪3 ‬‬
‫فالرد إلى الله معناه‪ :‬الرد إلى كتابه ‪ ،‬والرد إلى رسول الله صلى الله‬

‫عليه وسلم معناه‪ :‬الرد إلى سنته ‪ ,‬كما قال ابن جرير الطبري وغيره‪.‬‬

‫فهذا هو المطلوب ممن أراد الإصلاح بين المتنازعين ‪ ،‬وسوف نقوم‬
‫بإذن الله تعالى بالنظر في موضوعين من المواضيع التي تكلم فيها‬
‫المؤلف وهو موضوع ( التبرك ) وموضوع ( تقبيل اليد ) بعد أن وقفنا‬
‫معه سابقاً في موضوع ( التوسل ) في كتاب ( ماذا يقولون عن التوسل‬

‫)‪.‬‬

‫وفي موضوع ( المولد ) في كتاب ( هل تحب النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ؟ اقرأ ) ‪.‬‬

‫وفي موضوع ( المدد والنظرة ) في كتاب (ماذا يقولون عن المدد‬
‫والنظرة )‪ .‬لننظر في حكمه الذي حكم به هل هو حكم وافق الحق وكان‬
‫على صراط مستقيم ؟ أم أنه حاد عنه فأخطأ الطريق ؟‬

‫‪ 1‬سورة النساء آية ‪. 114‬‬
‫‪ 2‬سورة الحجرات آية ‪. 10‬‬

‫‪ 3‬سورة النساء آية ‪. 51‬‬

‫‪0‬‬

‫فإن كان الأول فالحمد لله أول ًا وآخراً على توفيقه ؛ سائلين الله تبارك‬
‫وتعالى للجميع الثبات على الحق ‪.‬‬

‫وإن كان الثاني أعدناه إلى الطريق الصحيح مع تذكيرنا له بقوله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ((:‬كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ))‪.1‬‬

‫وأوجه إلى المسلمين المحبين لدينهم والمحبين لسنة نبيهم محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم دعوة إلى القراءة بتأمل وإنصاف ‪ ،‬لأننا لا نتنازع على‬
‫َع َرض من َع َرض الدنيا الفانية ‪ ،‬إنما التنازع في أمر من أمور الدين ‪،‬‬
‫وهذا الأمر لاشك أن رسولنا صلى الله عليه وسلم قد بينه ووضحه ‪،‬‬
‫فنحن نقوم بتلمس هذا التوضيح والبيان ‪ ،‬من أجل تحقيق العمل به ‪ ،‬لأن‬
‫جميع من يرغب في رضـا الله تعالى ومحبتـه فلابد أن يعلم أن طريقه‬
‫هو قوله تعالى ‪  :‬قُل إِن ُكن ُتم ُت ِح ُّبو َن ال َّل َه َفا َّت ِب ُعونِي ُيح ِبب ُك ُم ال َّلهُ َو َيغفِر َل ُكم‬

‫ُذ ُنو َب ُكم ‪.2 ‬‬
‫فنبدأ بما ذكره المؤلف مستعينين بالله ‪ ‬مع سؤالنا له التوفيق‬

‫للصواب‪.‬‬
‫كتبه ‪ /‬داود بن سليمان الماحي‬

‫‪ 1‬الترمذي (‪. )2411‬‬
‫‪ 2‬سورة آل عمران آية ‪. 31‬‬

‫‪1‬‬

‫معاني التبرك ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬معاني البركة ‪ :‬للبركة معان شتى تختلف باختلاف‬
‫سياقها من الآية أو الحديث أو الأثر أو الموضوع ‪ ،‬ومن معانيها‬
‫الزيادة والنماء وهما يشملان المحسوسات والمعنويات جميعاً ‪،‬‬
‫والحقيقة أن البركة سر إلهي وفيض زاده الله تعالى ونمى به أعمال‬
‫البر بملازمة القربات الكريمة ‪ ،‬فكانت البركة بهذا ثمرة من ثمرات‬
‫العمل الصالح ‪ ،‬يحقق الله بها الآمال ‪ ،‬ويدفع السوء ‪ ،‬ويفتح بها‬
‫مغالق الخير من فضله ‪ ،‬فالبركة بهذا المعنى لون من الرحمة والفضل‬
‫الرباني ‪ ،‬والخير الشامل ‪ ،‬والفائدة واللطف الخفي الذي يحبو به الله‬

‫أعمال أوليائه وأحبابه الأبرار " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬هذه هي مقدمة ابن خطار للدخول في موضوع البركة اقرأها‬
‫أيها القارئ الكريم لننتقل إلى موضع آخر من كلامه ‪.‬‬

‫مواضع البركة ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬ثم إن الله تعالى بارك القرآن في ذاته فقال ‪:‬‬
‫َت‪َ:‬با َ‪‬ر ََكوقُالس ُمَّر َِّبر ِّبأَنَك ِزل ِذنِيي‬ ‫فقال‬ ‫إِ َلي َك ُم َبا َرك ‪ 1‬وبارك المنازل‬ ‫‪ِ ‬ك َتاب أَن َزل َناهُ‬
‫‪:‬‬ ‫‪ 2‬وبارك اسمه الكريم فقال‬ ‫ُمن َز ًلا ُّم َبا َر ًكا‬
‫من سيدنا إبراهيم‬ ‫الأسرة النبوية‬ ‫‪ 3‬وبارك الله‬ ‫ال َج َلا ِل‬
‫وتبارك في نفسه‬ ‫أَه َل ال َبي ِت ‪،4‬‬ ‫َو َب َر َكا ُت ُه َع َلي ُكم‬ ‫َو‪‬ال َإِركح َرَما ِم ُت﴿ال‪١‬لَّـ‪ِ ٨‬ه﴾‬ ‫فقال ‪:‬‬

‫‪ 1‬سورة ص آية ‪. 21‬‬
‫‪ 2‬سورة المؤمنون آية ‪. 21‬‬
‫‪ 3‬سورة الرحمن آية ‪. 01‬‬

‫‪ 4‬سورة هود آية ‪. 03‬‬

‫‪1‬‬

‫تعالى فقال ‪َ :‬ت َبا َر َك اللَّـ ُه َر ُّب ال َعا َل ِمي َن ﴿‪ 1 ﴾٤٥‬وبركاته كثيرة جد ًا‬
‫في جميع ما خلق ‪. " ‬‬

‫نقول ‪ :‬نحـن نعلم أن البركة من الله ‪ ,‬فإذا وضـعها في شيء سلمنا‬
‫لذلك وآمنا ‪ ,‬لأن الخلق خلقه‪ ,‬والأمر أمره ‪ , ‬وقد ثبت عن نبينا‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال‪(( :‬البركة من الله))‪ ,2‬وإذا كانت البركة من‬
‫الله فلا بد أن يأتي دليل شرعي صحيح يدل على أن هذا المخلوق فيه‬
‫بركة ‪ ,‬وهذه مقدمة مهمة جداً في موضوع البركة لا بد أن نعتني بها‬

‫ونصحبها معنا عند نظرنا في كلام المؤلف ‪.‬‬

‫معنى التبرك بآثار الصالحين ‪:‬‬
‫قال ابن خطار ‪ " :‬ولما كان (التبرك بالشيء) هو طلب البركة بذلك‬
‫الشيء من الله تعالى ‪( ،‬والبركة) هي الزيادة والنماء كان معنى التبرك‬
‫بآثار الصالحين طلب الزيادة من الخير من الله ‪ ‬بجاههم ومنزلتهم‬

‫عنده " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬ذكرنا أن البركة من الله ‪ ‬فلا بد أن يثبت شرعاً السبب الذي‬
‫نطلب منه البركة أما أن نقيم أسباباً من عند أنفسنا ونزعم أن فيها بركة‬

‫فهذا لا يجوز ‪.‬‬
‫فقوله‪( :‬التبرك بآثار الصالحين) من هم هؤلاء الصالحين ؟ وأين الدليل‬

‫الشرعي على جواز طلب البركة منهم ؟ ‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬بجاههم ومنزلتهم عنده) ما هو الدليل الشرعي على جواز‬

‫طلب البركة بجاه الصالحين ومنزلتهم عند الله ‪ ‬؟ ‪.‬‬
‫سننظر في كلام ابن خطار لعله يذكر لنا الجواب على هذه الأسئلة قال‬
‫ابن خطار ‪ " :‬ولقد تكلم كثير من فقهاء المذاهب الأربعة في كتبهم‬
‫الفقهية عن التبرك في مناسبات عديدة وأق ُّروه بشرط أن لا يتجاوز‬

‫‪ 1‬سورة الأعراف آية ‪. 54‬‬
‫‪ 2‬البخاري (‪. )5316‬‬

‫‪10‬‬

‫حدود الشريعة الإسلامية ‪ ،‬واستعمل هؤلاء الفقهاء أنفسهم التبرك‬
‫تأسياً بسلفهم الصالح من الصحابة والتابعين ‪ ‬وعنا بجاههم " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬من المعلوم عند كل طالب علم أن العلماء هم ورثة الأنبياء‬

‫وهذا قد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم حيث قال‪(( :‬إن الأنبياء لم‬
‫ُي َو ِّرثوا دينار ًا ولا درهماً ‪ ,‬إنما ورثوا العلم ‪ , 1))...‬وعلى هذا فوظيفة‬
‫العالم ومهمته هي إبلاغ ذلك الإرث وإيصاله إلى أهله وهم بقية هذه‬

‫الأمة ‪ ,‬فإن كان هؤلاء الفقهاء قد ورثوا مسألة التبرك من نبينا صلى الله‬
‫عليه وسلم فليظهروا لنا هذا الإرث ‪ ,‬أما أن يتكلموا أو يفعلوا بغير دليل‬

‫شرعي فلا ُيقبل منهم فهم لا ُيش ِّرعون وإنما ينقلون الشرع ‪ ,‬ولهذا‬
‫سننظر هل مع هؤلاء الفقهاء دليل على قولهم وفعلهم أم لا ؟ ‪.‬‬

‫وقوله‪( :‬واستعمل هؤلاء الفقهاء أنفسهم التبرك تأسياً بسلفهم الصالح‬
‫من الصحابة والتابعين ‪ )‬هل ثبت عن الصحابة والتابعين أنهم كانوا‬

‫يتبركون بغير رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره الباقية ؟‬

‫قال الشاطبي رحمه الله تعالى في كتابه الاعتصام (‪ ...(( :)471/4‬إلا‬
‫أنه عارضنا في ذلك أصل مقطوع به في متنه ‪ُ ,‬مش ِكل في تنزيله ‪ ,‬وهو‬
‫أن الصحابة ‪‬بعد موته ‪ ‬لم يقع من أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة‬
‫إلى من خلفه ‪ ,‬إذ لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعده في الأمة‬
‫أفضل من أبي بكر الصديق ‪ ‬فهو كان خليفته ولم ُيفعل به شيء من‬
‫ذلك ‪ ,‬ولا عمر ‪ , ‬وكان أفضل الأمة بعده ‪ ,‬ثم كذلك عثمان ‪ ,‬ثم علي‬
‫‪ ,‬ثم سائر الصحـابة الذين لا أحـد أفضل منهم في الأمة ثم لم يثبت‬

‫‪ 1‬أبوداود (‪ , )3641‬والترمذي (‪ , )2612‬وابن ماجه (‪. )223‬‬

‫‪11‬‬

‫لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركاً تبرك به على أحد تلك‬
‫الوجوه أو نحوها ‪ ,‬بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال‬
‫والسير التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم فهو إذاً إجماع منهم‬

‫على ترك تلك الأشياء )) ‪.‬‬

‫أيها القارئ الكريم ‪ :‬هل تأملت كلام الشاطبي رحمه الله تعالى ‪ ,‬ارجع‬
‫واقرأ كلام ابن خطار مرة أخرى ‪.‬‬

‫أصبح عندك الآن من يزعم أن الصحابة كانوا يتبركون بالصالحين ‪,‬‬
‫ومن يزعم أنهم لم يفعلوا ذلك ‪ ,‬فبأي القولين تأخذ ؟‬

‫لا تتعجل أخي القارئ لأن الحكم بين المتنازعين يجب أن يكون بالشرع‬
‫لقوله تعالى‪ِِ  :‬فإن تنازعتم ‪..‬الاية ‪ , 1‬لذلك ننظر في حجة من زعم‬
‫ثبوت هذا عنهم‪ ,‬ومنهم ابن خطار فإن أثبتوا هذا قلنا به وإلا فالحق أولى‬

‫بالاتباع ‪.‬‬

‫وأما قوله‪( :‬وعنا بجاههم) فالسؤال بالجاه أي التوسل بجاه النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم أو جاه الولي قد سبق مناقشة المؤلف (ابن خطار) فيها‬
‫عند مناقشته في موضوع التوسل في كتاب (ماذا يقولون عن التوسل)‬
‫وتبين لنا هناك أنه لا دليل على مشروعية التوسل بجاه الأنبياء ولا‬

‫الأولياء ‪.‬‬

‫تـنـبـيـه ‪ :‬لا يشك مسلم في أن الصالحين فيهم بركة وخير ‪ ,‬وليس‬
‫في الأمة أصلح من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فطلب البركة‬
‫من الصالحين يكون بمصاحبتم ومجالستهم والتعلم منهم ‪ ,‬فقد ورد في‬

‫‪ 1‬سورة النساء آية ‪. 51‬‬

‫‪12‬‬

‫الأدلة الشرعية الحث على مصاحبة الأخيار ومجالستهم ‪ ,‬وحث الشرع‬
‫على احترام العالم والحرص على طلب العلم‪ ,‬فهذا هو التبرك الذي‬
‫أجازه الشرع ‪ ,‬أما التمسح بهم وتقبيل الأقدام والركب والتمسح بنعالهم‬
‫والحرص على بقايا ثيابهم ‪ ,‬بل والحرص على ريقهم وما يتقطر من‬
‫وضوئهم ‪ ,‬ودعائهم وطلب البركة منهم ‪ ,‬فهذا من التبرك الممنوع الذي‬
‫لم يرد الدليل الشرعي بجوازه‪ ,‬إذ لو كان مشروعاً لفعله الصحابة ‪‬‬
‫مع بعضهم فهم أصلح الأمة وأفضلها كما هو معلوم عند كل مسلم ‪,‬‬
‫ولكونه لم يرد عنهم دل ذلك على عدم مشروعيته مع غير النبي صلى‬

‫الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫حقيقة التبرك ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬والتبرك في الحقيقة ليس هو إلا توسل ًا إلى الله‬
‫‪ ‬بذلك المـتبـ َّرك به سواء أكان أثر ًا أو مكاناً أو شخصاً ‪ ،‬أما الأعيان‬
‫فلاعتقاد فضلها وقربها من الله ‪ ‬مع اعتقاد عجزها عن جلب خير‬

‫أو دفع شر إلا بإذنه تعالى ‪.‬‬

‫وأما الآثار والأماكن فلأنها منسوبة إلى تلك الأعيان فهي مشرفة‬
‫بشرفها ‪ ،‬ومكرمة ومعظمة ومحبوبة لأجلها " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬إذا كان التبرك كما زعم ابن خطار هو في الحقيقة من‬
‫التوسل ‪ ,‬فقد علمنا أن التوسل عبادة ‪ ,‬والعبادة لا بد أن تكون مشروعة‬
‫‪ ,‬فإذا زعمنا أن أثراً أو مكاناً أو شخصاً فيه بركة وأن المتمسح به تناله‬

‫تلك البركة فعلينا أن نثبت هذا بالدليل الشرعي الصحيح ‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫فإثبات البركة لموضع من المواضع لابد أن يكون بدليل شرعي ولذلك‬
‫نثبت البركة لمكة والمدينة النبوية والمساجد وغيرها مما ورد الدليل‬
‫بوجود البركة فيه ‪ ,‬لكننا لا نقول بمشروعية التبرك فيه إلا بالوسيلة‬
‫الشرعية ‪ ,‬فمثل ًا التبرك بالمساجد الثلاثة يكون بشد الرحال إليها‬
‫والصلاة فيها هذا هو الذي جاء الدليل به أما أن نستحدث وسائل للتبرك‬

‫بتلك الأماكن لم يرد بها الدليل الشرعي فهذا لا يصح ‪.‬‬

‫ولهذا سنستمر بإذن الله تعالى مع ابن خطار لننظر ماذا عنده‬

‫التبرك بسور القرآن الكريم ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬التبرك بسور القرآن الكريم ‪ :‬عن عائشة رضي‬
‫الله عنها ‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان ينفث على نفسه في‬
‫المرض الذي مات فيه بالمعوذات ‪ ،‬فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن‬

‫وأمسح بيده لبركتها ) ‪.‬‬

‫وفي رواية ‪ :‬قالت‪ ( :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض‬
‫أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات ) "‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬هذان الحديثان وغيرهما مما ثبت عن نبينا صلى الله عليه‬
‫وسلم فيه دلالة واضحة على فضل القرآن وبركته وهذا لا إشكال عندنا‬
‫فيه فما ثبت بالدليل الشرعي أثبتناه وآمنا به ‪ ,‬لكن السؤال الذي ُيطرح‬
‫على ابن خطار ومن يسير على نهجه؛ هل في هذا دليل على جواز‬

‫التبرك بالصالحين ؟‬

‫‪14‬‬

‫فكلام الله ‪ ‬صفة من صفاته ‪ ‬والبركة إنما هي من الله تعالى‪,‬‬
‫وخلافنا مع ابن خطار في طلب البركـة من المخلوق الذي لم يرد الدليل‬
‫بمشروعية طلب البركة منه ‪ ,‬أو طلبها بوسيلة غير شرعية ‪ ,‬فهذا‬
‫نطالبه بالدليل الشرعي على صحة دعواه ‪ ,‬فإن أتى به قلنا سمعنا‬

‫وأطعنا ‪ ,‬وإن لم يأت به رددنا قوله ولم نقبله ‪.‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪" :‬وعن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ( :‬فاسترقوا لها فإن بها نظرة ) أي اطلبوا لها من‬

‫يرقيها ‪.‬‬

‫وعنها أيضاً رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ (:‬بها‬
‫نظرة فاسترقوا لها ) يعني بوجهها صفرة "‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬الرواية الثانية وقع فيها سقط يجعل القارئ يظن أن قوله ‪:‬‬
‫(يعني بوجهها صفرة) هو معنى قوله‪( :‬بها نظرة فاسترقوا لها) وليس‬
‫الأمر كذلك ‪ ,‬فالنبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما رأى جارية في‬

‫وجهها َسف َعة والسفعة هي صفرة في الوجه‪.‬‬

‫وهذا أيضاً دليل على مشروعية طلب البركة بالرقى الشرعية من القرآن‬
‫والسنة النبوية ‪ ,‬فلا شك أن الرقية من الصالحين تكون أبلغ من رقية‬
‫غيرهم ‪ ,‬لكن لابد أن تكون الرقية شرعية وتكون الوسيلة التي يتبعها‬

‫هذا الصالح في الرقية وسيلة شرعية أيضاً ‪.‬‬

‫وليس في هذا الدليل الذي ذكره ابن خطار ما يدل على مشروعية طلب‬
‫البركة من الصالحين بذاتهم ‪ ,‬فالصالح يقرأ الرقية من القرآن والسنة‬
‫وببركة هذه الرقية يشفى المريض ولذلك قال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬

‫‪15‬‬

‫(استرقوا لها ) ولم يقل اذهبوا إلى عبد صالح يمسح عليها وببركة هذا‬
‫الصالح سوف تشفى ‪ ,‬وإنما حث على الذهاب إلى الصالح ليرقيها‬

‫فيذهب ما بها ببركة تلك الرقية ‪.‬‬

‫التبرك بقبر النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫تبرك أبي أيوب الأنصاري بقبر النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬التبرك بقبر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫عن داود بن أبي صالح قال‪ ( :‬أقبل مروان يوماً فوجد رجل ًا واضع ًا‬
‫وجهه على القبر فأخذ برقبته وقال‪ :‬أتدري ما تصنع ؟ قال‪ :‬نعم فأقبل‬
‫عليه ‪ ،‬فإذا هو أبو أيوب الأنصاري ‪ ‬فقال‪ :‬نعم جئت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ولم آت الحجر ‪ ،‬سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول‪ ( :‬لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ‪ ،‬ولكن ابكوا عليه إذا‬

‫وليه غير أهله ) ‪.‬‬

‫والحديث فيه التجاء أحد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وتمسحه بقبره الشريف " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬هذا الحديث الذي ذكره ابن خطار أخرجه الإمام أحمد في‬
‫مسنده (‪ )43133‬عن داود بن أبي صالح والمراد به الحجازي‪,‬‬
‫وأخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )1776‬وقال عنه‪ :‬حديث صحيح‬

‫الإسناد ولم يخرجاه ‪ .‬ووافقه الذهبي في التلخيص ‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫وأخرجه الطبراني في الأوسط (‪ ,)6311‬وفي الكبير (‪ )3161‬عن‬
‫طريق شيخه أحمد بن محمد بن أحمد بن رشدين ثنا سفيان بن بشر ثنا‬
‫حاتم بن إسماعيل عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله قال‪ :‬قال أبو‬
‫أيوب لمروان بن الحكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر‬

‫الحديث ‪ ,‬وليس فيه ِذكر القصة ‪.‬‬

‫وأخرجه الطبراني أيضاً في الأوسط في موضع آخر (‪ )412‬بنفس‬
‫السند السابق لكن شيخه فيه هو هارون بن سليمان أبو ذر وليس فيه‬

‫ِذكر القصة أيضاً ‪.‬‬

‫وقد ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد (‪ )6474‬الحديث كما في المسند‬
‫والمستدرك وقال‪(( :‬رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وفيه‬

‫كثير بن زيد وثقه أحمد وغيره وضعفه النسائي وغيره)) ‪.‬‬

‫يتضح مما سبق أن قصة وضع أبي أيوب الأنصاري ‪ ‬لوجهه على‬
‫القبر تفرد بذكرها داود بن أبي صالح الحجازي وهي عند أحمد في‬
‫مسنده وعند الحاكم في مستدركه ‪ .‬وداود بن أبي صالح هذا قال عنه ابن‬
‫حجر في تهذيب التهذيب (‪(( : )613/3‬قرأت بخط الذهبي‪ :‬لا ُيعرف))‬

‫وإذا كان هذا حكم الذهبي فيه فكيف يصحح حديثه ؟ ‪.‬‬

‫الجواب‪ :‬أنه ذهول ونسيان منه رحمه الله تعالى فوافق الحاكم على‬
‫تصحيح الإسناد مع أن فيه من لا ُيعرف ‪.‬‬

‫وقال عنه ابن حجر في التقريب (‪ (( : )66/6‬مقبول )) ‪.‬‬

‫أي حيث يتابع وإلا فهو ضعيف ولم يتابعه أحد في ذكر القصة وعلى‬
‫هذا فهي قصة ضعيفة ‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫وقول الهيثمي‪(( :‬وفيه كثير بن زيد وثقه أحمد وغيره وضعفه النسائي‬
‫وغيره)) تقصير أو ذهول منه رحمه الله تعالى لأنه علل الحديث بكثير‬

‫بن زيد ‪ ,‬وذهل عن داود بن أبي صالح ‪.‬‬

‫وعلى كل حال فالقصة ضعيفة لا تثبت ‪ ,‬هذا من حيث السند ‪.‬‬

‫أما من حيث المتن فمن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ُدفن‬
‫في حجرة عائشة ولم يكن قبره صلى الله عليه وسلم بارزاً وعائشة‬
‫رضي الله عنها كانت تسكن في بيتها فكيف دخل أبو أيوب ‪ ‬بيتها‬

‫وفعل ذلك؟!‬

‫وكيف جاءه فجأة مروان بن الحكم وفعل معه ما فعل ؟!‬

‫فإن قيل ‪ :‬ربما حصل ذلك بعد وفاة عائشة رضي الله عنها ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬حتى بعد وفاة عائشة رضي الله عنها لم يكن القبر ظاهراً حتى‬
‫يحصل ما حصل ‪ ,‬هذا هو الجواب المتبادر ‪ ,‬فإذا تأملت في التاريخ فلا‬
‫يصح ما قيل فقد قال ابن كثير في البداية والنهاية (‪ )62/1‬عن وفاة أم‬
‫المؤمنين عائشة رضي الله عنها‪(( :‬وقد كانت وفاتها في هذا العام سنة‬
‫ثمان وخمسين ‪ ,‬وقيل‪ :‬قبله بسنة ‪ ,‬وقيل‪ :‬بعده بسنة)) ‪ .‬وذكر في نفس‬
‫المصدر (‪ )76/1‬أن وفاة أبي أيوب الأنصاري ‪ ‬كانت في سنة ثنتين‬
‫وخمسين ‪ ,‬وقيل‪ :‬خمس وخمسين ‪ ,‬وقيل‪ :‬قبلها بسنة ‪ ,‬وقيل‪ :‬ثنتين‬
‫وأربعين ‪ ,‬وقيل‪ :‬غير ذلك ‪ .‬ورجح الواقدي وابن كثير وابن الجوزي‬

‫أنه توفي سنة ثنتين وخمسين ‪.‬‬

‫فأنت ترى أيها القارئ الكريم أن أبا أيوب الأنصاري ‪ ‬قد توفي قبل‬
‫وفاة عائشة رضي الله عنها ‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫وعلى هذا فهذا يدل على ضعف هذه القصة من حيث المتن أيضاً ‪.‬‬

‫فالخلاصة ‪ :‬أن القصة ضعيفة سنداً ومتناً ‪.‬‬

‫ومع هذا فقد سرنا مع المؤلف فيما سبق على طريقة وهي‪ :‬الإجابة على‬
‫دليله ولو كان ضعيفاً ‪ ,‬فنستمر على ذلك فنقول ‪:‬‬

‫لو قلنا بصحة ما ذكرته عن أبي أيوب الأنصاري ‪ , ‬فهو َف َع َل هذا مع‬
‫قبر النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬ولم يفعله مع قبور الخلفاء الأربعة‬

‫الراشدين فمن أين أخذت جواز فعل ذلك حتى مع قبور الأولياء ؟!‬

‫تأمل أيها القارئ الدليل الذي استدل به خاص بقبر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وهو لا يقف عنده بل يتعداه ليثبت جواز التبرك بكل قبر قيل فيه‪:‬‬

‫إن صاحب هذا القبر ولي ‪ ,‬فما هو دليله على هذا التعميم ؟‪.‬‬

‫ثم نقول‪ :‬الذي ورد أن أبا أيوب الأنصاري ‪ ‬وضع وجهه على القبر‬
‫‪ ,‬والذي يفعله الناس الآن عند القبور التي يزعمون أنها لأولياء أشد من‬
‫هذا وأكثر فهم يسثغيثون بصاحب القبر ويدعونه من دون الله تعالى‬
‫ويذبحون عنده ويتمرغون بترابه وينذرون له ‪ ,‬وكل هذا لم يقع من أبي‬

‫أيوب الأنصاري ‪. ‬‬

‫ثم نقول‪ :‬هل يمكن أن يفعل الناس اليوم ما فعله أبو أيوب وهو وضع‬
‫وجوههم على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ‪.‬‬

‫الجواب‪ :‬لا ‪ ,‬لا يمكن ذلك وعلى هذا فلا يمكن العمل بهذا الحديث ‪.‬‬

‫فإن قيل ‪ :‬هل تقولون بجواز فعل هذا مع قبر النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫؟‬

‫‪11‬‬

‫نقول ‪ :‬لعلك نسيت أنا ذكرنا لك ضعف هذا عن أبي أيوب الأنصاري‬
‫‪‬‬

‫فكيف نجيز عبادة ونشرعها بحديث ضعيف ؟!‬

‫ولو قلنا بصحة ذلك عنه فهو اجتهاد منه لم يوافقه عليه الصحابة ‪‬‬
‫فقبر النبي صلى الله عليه وسلم موجود في المدينة فلو كان هذا مشروع‬
‫فكيف يترك الصحابة العمل به وهم أهل الهمة والحرص على ما يقربهم‬
‫إلى ربهم ‪ ‬وهم أشد الأمة محبة لنبيها صلى الله عليه وسلم فيتركه‬

‫الجميع ولا يفعله إلا أبو أيوب ‪ ‬فقط من دونهم ؟! ‪.‬‬

‫بل لو كان التبرك بقبر النبي صلى الله عليه وسلم من الدين فلماذا ُيدفن‬
‫صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة ولا ُيبرز قبره ليسهل على الناس‬

‫التبرك به ؟!‬

‫فما سبق يدل على عدم مشروعية التبرك بقبره صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وقد ثبت عندنا أن هذا الذي ُذكر عن أبي أيوب ‪ ‬لم يصح عنه ‪ ,‬فهو‬
‫على هذا يوافق بقية الصحابة ‪ ‬في عدم مشروعية التبرك بقبره صلى‬

‫الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫أرأيت أيها القارئ تبين لك الآن أن ابن خطار استدل بأثر ضعيف ومع‬
‫هذا لم يقف عند ما دل عليه بل تعداه وقاس عليه ‪.‬‬

‫فلا علم بالحديث رواية ولا علم بالحديث دراية‬
‫فكيف َي ْن ُص ُر السن َة من كان هذا حاله؟!‬

‫‪20‬‬

‫تبرك ابن عمر ‪ ‬بمنبر النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وقال القاضي عياض ‪( :‬رؤي ابن عمر رضي الله‬
‫عنهما واضعاً يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر‬

‫ثم وضعها على وجهه ) " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬هذا الأثر أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (‪ )472/6‬قال‪:‬‬
‫((أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك قال أخبرني ابن أبي ذئب عن‬
‫حمزة بن أبي جعفر عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد القارئ أنه‬
‫نظر إلى ابن عمر وضع يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من‬

‫المنبر ثم وضعها على وجهه )) ‪.‬‬

‫وأخرجه ابن حبان في كتابه الثقات (‪ :)6/2‬بنفس الإسناد السابق بدون‬
‫ذكر محمد بن إسماعيل ‪.‬‬

‫وذكره القاضي عياض في كتابه الشفا (‪ )76/4‬كما نقل عنه ابن خطار‬
‫‪.‬‬

‫وإبراهيم بن عبد الرحمن ذكره البخاري في كتابه التاريخ الكبير‬
‫(‪ )467/6‬ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديل ًا ‪ ,‬وكذلك ذكره أبو حاتم‬
‫الرازي في الجرح والتعديل (‪ )666/4‬ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديل ًا ‪,‬‬

‫وذكره ابن حبان في الثقات (‪. )6/2‬‬

‫وحمزة بن أبي جعفر ذكره البخاري في كتابه التاريخ الكبير (‪)76/3‬‬
‫ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديل ًا ‪ ,‬وكذلك ذكره أبو حاتم الرازي في‬

‫‪21‬‬

‫الجرح والتعديل (‪ )406/3‬ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ‪ ,‬وذكره ابن‬
‫حبان في الثقات (‪.)447/1‬‬

‫فلو قلنا بثبوت هذا عن ابن عمر ‪ ‬فماذا فعل ابن عمر ؟ ‪.‬‬

‫وهل فعل هذا مع قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؟‪.‬‬

‫الجواب‪ :‬لا ‪ ,‬لم يفعل ذلك بقبر النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬وإنما فعله‬
‫بمنبر النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫وهل فعل هذا مع غير النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ‪.‬‬

‫الجواب‪ :‬لا ‪ ,‬لم يفعل ذلك مع غيره صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫إذاً الذي فعله ابن عمر أنه وضع يده على شيء من آثار النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ووضع يده على وجهه فلم يستغث بالنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ولم يدعه ‪ ,‬هذا كل الذي فعله ولم يفعل هذا مع أحد غير النبي‬

‫صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫فنقول لابن خطار‪ :‬قف عند النص ولا تتعداه ‪ ,‬لماذا تقيس غير النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم عليه وتزعم جواز التبرك بكل ولي وبقبر كل ولي‬

‫؟!‬

‫فنحن نتفق معك على جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ‪,‬‬
‫لكن هل يوجد شيء من آثاره صلى الله عليه وسلم اليوم ؟ ‪.‬‬

‫الجواب‪ :‬لا يوجد ذلك ‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫وأما غير النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نخالفك في قولك بجواز‬
‫التبرك بهم التبرك الذي لم يرد الشرع بجوازه ونطالبك بالدليل الشرعي‬

‫على جواز ذلك ‪.‬‬

‫تبرك الصحابة ‪ ‬برمانة منبر النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وروى القاضي عياض عن أبي قسيط والعتبي‬
‫‪ ( :‬كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا خلا المسجد ج ُّسوا‬

‫رمانة المنبر التي تلي القبر بميامينهم ثم يستقبلون القبلة يدعون) ‪.‬‬

‫وقال الملا علي القاري شارح الشفا ‪ :‬رواه ابن سعد عن عبدالرحمن‬
‫بن عبدالقاري ‪.‬‬

‫وروى ذلك الشيخ ابن تيمية أيضاً عن الإمام أحمد أنه رخص في‬
‫التمسح بالمنبر والرمانة ‪ ،‬وذكر أن ابن عمر وسعيد بن المسيب‬

‫ويحيى بن سعيد من فقهاء المدينة كانوا يفعلون ذلك " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬هو ليس (أبي قسيط) كما نقله ابن خطار وإنما هو (ابن قسيط)‬
‫كما في المصنف لابن أبي شيبة (‪ , )67116‬وطبقات ابن سعد‬
‫(‪ , )472/6‬بل وحتى في كتاب الشفا للقاضي عياض (‪ )76/4‬الذي‬
‫أحال إليه ابن خطار فالذي يظهر أنه نقل ذلك من غيره دون أن يكلف‬

‫نفسه الرجوع للأصل ‪.‬‬

‫وليس لـ(العتبي) ذكر في المصنف ولا في الطبقات وإنما هو عندهم عن‬
‫(ابن قسيط) ‪ ,‬والذي ذكر (العتبي) القاضي عياض ‪ ,‬وأما ابن تيمية في‬

‫الفتاوى (‪ )430/6‬فإنه قال‪( :‬القعنبي) بدلاً من (العتبي) ‪.‬‬

‫‪23‬‬

‫وقوله‪ ( :‬كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا خلا المسجد) هكذا‬
‫ذكرها القاضي عياض وكذلك ابن تيمية ‪ ,‬وفي المصنف بلفظ‪( :‬رأيت‬
‫نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) ‪ ,‬وفي الطبقات بلفظ‪:‬‬
‫(رأيت ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) ‪ ,‬ولا شك أن‬
‫هناك فرق بين اللفظين ‪ ,‬فالأول‪ :‬حكاية عن كل من كان موجوداً من‬
‫الصحابة في ذلك الوقت‪ ,‬وأما اللفظ الثاني‪ :‬فهو حكاية عن البعض لا‬

‫الكل ‪.‬‬

‫فاللفظ الأول أقوى من حيث المعنى ‪ ,‬لكن القاضي لم يذكر من أين جاء‬
‫به فإذا علمت أيها القارئ أن القاضي عياض قد ولد سنة (‪ )221‬وتوفي‬
‫سنة (‪ )722‬كما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (‪ , )447/64‬فلا بد‬
‫أن تعلم أنه نقل هذا الأثر من المصنف أو من الطبقات ‪ ,‬وليس فيهما هذا‬

‫اللفظ‪ ,‬فدل هذا على عدم ثبوته‪.‬‬

‫ومع هذا نقول‪ :‬إن صح هذا الأثر ففيه أن بعض الصحابة ‪ ‬كان يفعل‬
‫هذا مع أثر من آثار النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلوا ذلك مع قبره‬
‫صلى الله عليه وسلم ولا فعلوه مع غيره صلى الله عليه وسلم ونحن‬
‫ذكرنا سابقاً جواز التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم وبآثاره الباقية‬
‫وهذا الدليل والذي قبله يدل على ذلك ‪ ,‬فمن أين جئت بجواز هذا مع‬

‫غير النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ‪.‬‬

‫لا زلنا نطالبك بالدليل على ذلك‬

‫وقول ابن خطار‪( :‬وقال الملا علي القاري شارح الشفا ‪ :‬رواه ابن‬
‫سعد عن عبدالرحمن بن عبدالقاري) هذه العبارة ذكرها ابن خطار بعد‬
‫أثر ابن قسيط ‪ ,‬فالقارئ يظن أنه متعلق به ‪ ,‬وأن ابن سعد روى عن‬

‫‪24‬‬

‫عبد الرحمن بن عبد القاري أن الصحابة كانوا إذا خلا المسجد جسوا‬
‫رمانة المنبر ‪ ,‬وليس الأمر كذلك ‪ ,‬بل هذه العبارة متعلقة بأثر ابن عمر‬

‫السابق ‪.‬‬

‫وإنما أردت بذلك أن يتبين للقارئ أن ابن خطار ـ للأسف ـ ليس عنده‬
‫علم بالحديث رواية ولا دراية ‪ ,‬وإنما ينقل عن غيره دون أن يحيل إلى‬
‫هذا الغير ‪ ,‬فيظن القارئ أن ابن خطار هو الذي استخرج هذه‬
‫المعلومات من بطون الكتب ‪ ,‬والأمر ليس كذلك ‪ ,‬ولهذا ينقل عن غيره‬

‫الصواب والخطأ ‪.‬‬

‫فلو اقتصر الأمر على الأخطاء المطبعية لكان الأمر أهون ‪ ,‬لكن‬
‫المصيبة أنه ينقل الخطأ ويتبناه لفظاً ومعنى ‪ ,‬دون أدنى نقاش للمعاني ‪,‬‬
‫فمن كان هذا حالُه فليس أهلاً للحكم بين المتخاصمين في قضايا عقائدية‬
‫مهمة ‪ ,‬لكن التعصب لهذا الرأي هو الذي جعله ينقل عن غيره ممن‬
‫يوافقه دون النظر إلى أقوال المخالفين له ‪ ,‬فكان ابن خطار بفعله هذا‬

‫كلابس ثوبي زور ‪ ,‬والمتشبع بما لم ُيعطه‪.‬‬

‫وأما قوله‪( :‬وروى ذلك الشيخ ابن تيمية أيضاً عن الإمام أحمد أنه‬
‫رخص في التمسح بالمنبر والرمانة ‪ ،‬وذكر أن ابن عمر وسعيد بن‬

‫المسيب ويحيى بن سعيد من فقهاء المدينة كانوا يفعلون ذلك) ‪.‬‬

‫فنقول ‪ :‬نعم قد ذكر ذلك الشيخ ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط‬
‫المستقيم (ص‪ )317‬فقال‪(( :‬فقد رخص أحمد وغيره في التمسح بالمنبر‬
‫والرمانة التي هي موضع مقعد النبي صلى الله عليه وسلم ويده ولم‬

‫يرخصوا في التمسح بقبره)) ‪.‬‬

‫‪25‬‬

‫وإذا كان ابن خطار يحتج بكلام ابن تيمية فقد قال الشيخ ابن تيمية في‬
‫نفس المصدر السابق (ص‪(( :)311‬فأما اليوم فقد احترق المنبر وما‬
‫بقيت الرمانة ‪ ,‬وإنما بقي من المنبر خشبة صغيرة ‪ ,‬فقد زال ما ُر ِخص‬

‫فيه لأن الأثر المنقول عن ابن عمر وغيره إنما هو التمسح بمقعده)) ‪.‬‬

‫فإذا كان ما ورد عن السلف إنما هو التبرك بآثار النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لا بآثار غيره وأنت ترى جوازه مع كل ولي وتستدل بفعل السلف‬

‫فهل أنت أعلم بدين الله تعالى منهم ؟! ‪.‬‬

‫قصة طلب عمر ‪ ‬أن يدفن بجوار صاحبيه ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪" :‬ولما حضرت الوفاة أمير المؤمنين‬

‫عمر بن الخطاب ‪ ‬قال لابنه عبدالله ‪ (:‬انطلق إلى أم المؤمنين‬
‫عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬فقل ‪ :‬يقرأ عليك عمر السلام ‪ ،‬ولا تقل ‪:‬‬
‫أمير المؤمنين فإني لست اليوم بأمير المؤمنين ‪ ،‬وقل يستأذن عمر بن‬
‫الخطاب أن يدفن مع صاحبيه ‪ ،‬قال ‪ :‬فاستأذن وسلم ‪ ،‬ثم دخل عليها‬
‫وهي تبكي فقال ‪ :‬يقرأ عليك عمر السلام ويستأذن أن يدفن مع‬
‫صاحبيه فقالت ‪ :‬كنت أريده لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي فلما‬
‫أقبل‪ ,‬قيل ‪ :‬هذا عبدالله بن عمر قد جاء ‪ ،‬فقال ‪ :‬ارفعوا فأسنده رجل‬
‫إليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما لديك ؟ قال ‪ :‬الذي تحب ياأمير المؤمنين أذنت فقال ‪:‬‬
‫الحمد لله ما كان شيء أهم إل َّي من ذلك فإذا أنا قبضت فاحملوني ‪ ،‬ثم‬
‫سلم وقل يستأذن عمر فإن أذنت لي فأدخلوني ‪ ،‬وإن ردتني فردوني‬

‫إلى مقابر المسلمين " ‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫نقول ‪ :‬لم يذكر ابن خطار وجه الاستدلال بهذه القصة في موضوع‬
‫التبرك ‪ ,‬والقصة تدل على ما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عندما دفن عثمان بن مظعون ‪ ‬وعلَّم قبره بحجر قال‪(( :‬أتعلَّم بها قبر‬
‫أخي وأدفن إليه من مات من أهلي))‪ , 1‬ففيه استحباب الدفن في مقابر‬
‫الصالحين كما استحب في الدنيا مصاحبتهم ‪ ,‬وفيه استحباب دفن‬
‫الأقارب بجوار بعضهم لتسهل زيارتهم والدعاء لهم ‪ ,‬فهل في هذا تمسح‬

‫وتبرك بذواتهم ؟‪.‬‬
‫تأمل أيها القارئ الكريم ‪ :‬حث الشرع على مصاحبة الصالحين‪,‬‬
‫وعلى اختيار الزوجة ذات الدين ‪ ,‬وعلى الحرص على تزويج صاحب‬
‫الخلق والدين ‪ ,‬وعلى طلب الذرية الصالحة ‪ ,‬فنقول لابن خطار‪ :‬ماذا‬
‫تسمي هذا ؟ هل تسميه تبرك ؟ وهل هو من نوع التبرك الذي تدعو إليه‬

‫؟‬
‫إن كنت تسميه‪ ( :‬تبرك ) فهو من التبرك المشروع الذي دل الدليل على‬
‫مشروعيته ‪ ,‬وإن كنت لا تسميه‪ ( :‬تبرك ) فلا يصلح استدلالك بهذه‬

‫القصة ‪.‬‬

‫‪ 1‬أبو داود (‪. )3206‬‬

‫‪20‬‬

‫نقل ابن خطار لقول بعض من يرى استحباب تقبيل حجرة النبي‬

‫صلى الله عليه وسلم ولمس قبره‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وقال إبراهيم الحربي ‪ (:‬يستحب تقبيل حجرة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ) وقال صاحب غاية المنتهى الشيخ مرعي‬
‫بن يوسف الحنبلي ما نصه ‪ (:‬ولا بأس بمس قبر بيد لا سيما من‬
‫ترجى بركته ) وقال المرداوي في الإنصاف ما نصه ‪ (:‬يجوز لمس‬

‫القبر من غير كراهية ) " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬هل قول إبراهيم الحربي رحمه الله تعالى هو دليل شرعي أم أنه‬
‫يحتاج إلى دليل شرعي ؟‬

‫الجواب‪ :‬أن كل عالم من العلماء لا تقوم الحجة بقوله ‪ ,‬وإنما تقوم‬
‫الحجة بما يذكره من الأدلة ‪ ,‬ومن المعلوم أن الاستحباب حكم شرعي لا‬
‫بد فيه من دليل ‪ ,‬فما هو دليل إبراهيم الحربي رحمه الله تعالى على‬

‫استحباب هذا ؟ ‪.‬‬

‫أيها القارئ الكريم‪ :‬اعلم أن إبرهيم الحربي رحمه الله تعالى قد توفي‬
‫سنة (‪ )411‬كما قال ابن كثير في تاريخه (‪ )76/66‬أي أنه مضى‬
‫قرنان من الزمان لم يذكر أحد من الأمة ذلك ولم يفعله أحد ‪ ,‬فهل كان‬

‫إبراهيم الحربي على جلالته وعلمه أعلم من الصحابة والتابعين ؟ ‪.‬‬

‫ونقول في قول الشيخ مرعي والمرداوي ما قلناه سابقاً‪ :‬أن قولهم لا بد‬
‫له من دليل يدل عليه فما هو دليلهم على أنه يجوز مس قبر من ترجى‬

‫بركته ؟‬

‫‪21‬‬

‫تأمـل أيها المسلم ‪ :‬إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء‬
‫وسيد الأولياء لم تأت آية ولا حديث صحيح يدل على الحث على مس‬

‫قبره صلى الله عليه وسلم فكيف ُيقال هذا مع قبر غيره؟!‬

‫ولو كان هذا ُيف َهم من النصوص التي تجيز التبرك بآثاره صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ,‬فلماذا لم يفهم الصحابة هذا ويعملوا به أم أن ابن خطار‬
‫وعصابته أعلم بالدين من أصحاب سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة‬

‫وأتم التسليم ؟! ‪.‬‬

‫وتأمل الآن أيها المسلم قول النووي رحمه الله تعالى في مسألة مس قبر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم والتمسح به في كتابه الإيضاح (ص‪:)616‬‬
‫((يكره مسحه باليد وتقبيله ‪ ,‬بل الأدب أن يبعد منه كما يبعد لو حضر‬
‫في حياته صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬هذا هو الصواب ‪ ,‬وهو الذي قاله‬
‫العلماء وأطبقوا عليه ‪ ,‬وينبغي أن لا يغتر بكثير من العوام في مخالفتهم‬
‫ذلك ‪ ,‬فإن الاقتداء والعمل إنما يكون بأقوال العلماء ولا يلتفت إلى‬
‫محدثات العوام وجهالاتهم ‪ ... ,‬ومن خطر بباله أن المسح باليد ونحوه‬
‫أبلغ في البركة فهو من جهالته وغفلته ‪ ,‬لأن البركة إنما هي في ما وافق‬

‫الشرع وأقوال العلماء ‪ ,‬وكيف يبتغى الفضل في مخالفة الصواب)) ‪.‬‬

‫تمرغ بلال ‪ ‬بقبر النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وقال السمهودي في وفاء الوفاء ما نصه ‪( :‬‬
‫لما قدم بلال ‪ ‬من الشام لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم أتى القبر‬

‫فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه ) " ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫نقول ‪ :‬قد تقول أيها القارئ‪ :‬هذا هو الدليل الذي طلبته يدل على أن من‬
‫الصحابة من مرغ وجهه على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أعظم‬

‫من مجرد المس ‪.‬‬

‫أقول ‪ :‬وهل ثبت هذا ‪ ,‬ابن خطار ينقل هذا الأثر عن السمهودي فهل‬
‫هذا السمهودي من التابعين ‪ ,‬هل رأى بلالاً ‪ ‬ونقل ذلك عنه أم أنه‬

‫نقله عن غيره؟‬

‫فإن زعمت أنه من التابعين فهذه مصيبة لأن السمهودي ولد سنة‬
‫(‪ , )122‬فلماذا ينقل ابن خطار هذا الخبر عن السمهودي الذي عاش‬
‫في القرن التاسع ويحتج به ‪ ,‬دون أن يرجع إلى مصدره ليتأكد من‬

‫صحته‪ ,‬هل ُيقبل هذا التصرف عند طلاب العلم ؟!‬

‫وإن قلت ‪ :‬بل نقله عن غيره ‪.‬‬

‫نقول‪ :‬من هو هذا الغير حتى ننظر هل يصح هذا الخبر أم لا ؟ ‪.‬‬

‫وأقول لك أيها القارئ ‪ :‬لا تنتظر من ابن خطار أن يخبرك عن ذلك ‪,‬‬
‫لأنه يجمع ما يؤيد اعتقاده ورأيه بدون علم ‪ ,‬وإن أردت مثالاً أبرهن لك‬
‫فيه صحة ما أقول يضاف إلى ما سبق ‪ :‬تحدث ابن خطار عن موضوع‬
‫تقبيل اليد ثم قال‪(( :‬الأحاديث المعارضة للتقبيل والجواب عليها)) وذكر‬
‫هذه الأحاديث ثم قال‪(( :‬فالجواب على هذه الأحاديث‪ :‬أنها ضعيفة لا‬

‫تصلح للمعارضة)) ‪.‬‬

‫تأمل أيها القارئ لقد استشهد ابن خطار بأحاديث كثيرة ضعيفة عندما‬
‫تكلم عن التوسل وكذلك فعل عندما تكلم عن المولد ‪ ,‬فلماذا يحتج بها‬

‫وهي ضعيفة والضعيف لا يصلح للمعارضة كما قال ؟‬

‫‪30‬‬

‫الجواب ‪ :‬لأنها توافق هواه ‪ ,‬فإن خالفت هواه فهي ضعيفة ‪.‬‬

‫وهذا فيه رد عليهم بأنكم تضعفون أحاديث كما يضعف غيركم فلماذا‬
‫تنكرون على من خالفكم بقولكم‪ :‬يضعفون بهواهم ‪.‬‬

‫فها أنتم وقعتم فيما تنكرونه على غيركم ‪ ,‬مع الفرق الكبير بينكم وبينهم‬
‫فأنتم تضعفون بالهوى وأهدرتم القواعد التي قعدها أهل الحديث ‪ ,‬وأما‬

‫هم فيضعفون ويصححون بالنظر إلى كلام أهل العلم بالحديث ‪.‬‬

‫ثم قال ابن خطار في تمام كلامه السابق‪(( :‬أما الحديث الثاني فقد أورده‬
‫ابن الجوزي في الموضوعات ‪ ,‬وعن الدارقطني أنه قال في الإفراد‪:‬‬
‫الحمل فيه على يوسف بن زياد لأنه مشهور بالأباطيل ‪ ,‬ولم يروه عن‬
‫الإفريقي غيره ‪ ,‬وعن ابن حبان أنه قال في الإفريقي‪ :‬يروي‬
‫الموضوعات عن الأثبات)) قرأت أيها المسلم كلام ابن خطار في سبب‬
‫تضعيف الحديث اقرأ الآن ما ذكره سابقاً في موضوع التوسل محتجاً‬
‫به‪ ((:‬ومنها حديث سيدنا أبي أمامة عندما مر به سعيد الأودي ‪ ،‬أو‬
‫الأزدي ‪ ،‬وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة فقال له ‪ :‬يا سعيد إذا م ُت فاصنعوا‬
‫بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪ (( :‬إذا مات أحدكم‬
‫فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس القبر ثم ليقل ‪ :‬يا فلان بن‬
‫فلانة فإنه يسمع ولا يجيب ـ أي لا يستطيع الجواب ـ ثم ليقل ‪ :‬يا فلان‬
‫بن فلانة المرة الثانية فإنه يستوي قاع ًدا ‪ ،‬ثم ليقل يا فلان بن فلانة المرة‬
‫الثالثة فإنه يقول‪ :‬أرشدنا يرحمك الله ولكن لا تشعرون ‪ )) ..‬وقال‬
‫الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير ما نصه‪ (( :‬قوله‪ :‬ويستحب أن‬
‫يلقن الميت بعد الــدفن‪ ،‬وحديث التلقــين إسناده صالح وقد قـواه الضياء‬

‫في أحكامه ))))‪.‬‬

‫‪31‬‬

‫هذا الحديث قال عنه الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) (‪ (( : )613/3‬رواه‬
‫الطبراني في الكبير وفي إسناده جماعة لم أعرفهم )) ‪ ،‬وقال النووي في‬
‫المجموع (‪ (( : )302/7‬إسناده ضعيف )) ‪ ،‬وضعفه الحافظ العراقي‬
‫في تخريج الإحياء (‪ ، )461/2‬وقال ابن القيم في زاد المعاد (‪)704/6‬‬
‫‪ (( :‬لا يصح رفعه )) ‪ ،‬وقال الصنعاني في سبل السلام (‪(( : )74/6‬‬
‫ويتحصل من كلام أئمة التحقيق أنه حديث ضعيف والعمل به بدعة ولا‬
‫يغتر بكثرة من يفعله )) ‪ .‬وقال العجلوني في ( كشف الخفاء )‬
‫(‪ (( : )377/4‬وضعفه ابن الصلاح ثم النووي وابن القيم والعراقي‬

‫والحافظ ابن حجر في بعض تصانيفه وآخرون ))‬

‫فالحديث ضعيف لا يحتج به ولا يجوز العمل به فهو بدعـة كما قال‬
‫الصنعاني ـ رحمه الله تعالى ـ ‪ ،‬وأما قول الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ‬
‫‪ (( :‬إسناده صالح )) فهو مردود فالراوي عن أبي أمامة ‪ :‬سعيد بن عبد‬
‫الله الأودي أو الأزدي لم يترجم له الحافظ بجرح ولا تعديل و كذلك‬
‫الذهبي فهو رجل مجهول ‪ ،‬ولاحظ أيها القارئ الكريم قول الهيثمي ‪(( :‬‬
‫وفي إسناده جماعة لم أعرفهم )) فكيف يكون إسناده صالح وفيه رواة لا‬

‫ُيعرفون ؟ ‪.‬‬

‫ثم إن الحافظ ابن حجر نفسه قد ضعفه في بعض كتبه كما قال العجلوني‬
‫‪ ،‬وقول ابن الحجر بتضعيف الحديث هو الموافق للصواب ‪.‬‬

‫أرأيت أيها القارئ هـؤلاء كلهم ضعفـوا الحديث ولم يلتفت ابن خطار‬
‫إلى قولهم ـ إن كان يعلم ذلك ـ لأنه قول لا يوافق هواه ‪.‬‬

‫ثم بعد الذي ذكرناه نرجع إلى الأثر المروي عن بلال ‪ ‬وهو أثر‬
‫طويل اختصره السمهودي وذكر منه هذا القدر فقط ‪ ,‬وهذا الأثر ذكره‬

‫‪32‬‬

‫ابن عساكر في تاريخ دمشق (‪ )631/7‬وقد ذكره ابن عبد الهادي في‬
‫الصارم المنكي (ص‪ )437‬وبين ضعفه بياناً شافياً‪ ,‬وابن عبد الهادي‬
‫هذا توفي سنة (‪ )722‬أي قبل أن يولد السمهودي بقرن وابن خطار‬
‫يعرف جيداً كتاب (الصارم المنكي في الرد على السبكي) ومع ذلك‬

‫أغفل كلامه وتعامى عنه لأنه لا يوافق هواه ‪.‬‬

‫ولذلك أحيل القارئ إلى ذلك الكتاب وأنقل له قول ابن عبد الهادي‬
‫(ص‪(( :)426‬والحاصل أن مثل هذا الإسناد لا يصلح الاعتماد عليه‬

‫ولا يرجع عند التنازع إليه عند أحد من أئمة هذا الشأن)) ‪.‬‬

‫وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (‪(( :)607/6‬إبراهيم بن محمد‬
‫بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء فيه جهالة ‪ ..‬ترجم له ابن عساكر ثم‬
‫ساق من روايته عن أبيه عن جده عن أم الدرداء عن أبي الدرداء في‬
‫قصة رحيل بلال إلى الشام وفي قصة مجيئه إلى المدينة وأذانه بها‬

‫وارتجاج المدينة بالبكاء لأجل ذلك وهي قصة بينة الوضع)) ‪.‬‬

‫أرأيت أيها القارئ هذا الحافظ ابن حجر يحكم على القصة بأنها‬
‫موضوعة ‪ ,‬فهل سيرجع ابن خطار عن كلامه واحتجاجه بهذه القصة ؟‪.‬‬

‫بهذا تبين أن القصة ضعيفة من حيث السند ‪.‬‬

‫أما من حيث المتن فنقول كما قلنا عند الرد على استدلاله بحديث أبي‬
‫أيوب الأنصاري ‪ ‬كما مر في (ص‪ :)61‬أن القصة ضعيفة المتن‬
‫أيضاً ‪,‬لأن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بارزاً حتى يأتي بلال‬
‫‪ ‬فيمرغ وجهه فيه ‪ ,‬بل ُدفن النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة‬
‫رضي الله عنها وقد كانت تسكن بيتها ‪ ,‬وقد ذكرنا متى توفيت‪,‬وأما بلال‬

‫‪33‬‬

‫‪ ‬فقد توفي قبلها بكثير حيث توفي سنة عشرين كما ذكر ابن كثير في‬
‫تاريخه (‪. )332/7‬‬

‫ومن المعلوم أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مرتفعاً ـ ولا زال‬
‫كذلك ـ فلو مرغ وجهه في التراب فسوف يحتاج إلى البروك على‬

‫الركب كهيئة الساجد فهل يصح السجود على القبر ؟! ‪.‬‬
‫ومع كل ما ذكرناه نقول ‪ :‬لو قلنا بثبوت القصة فإنها خاصة بقبر النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وابن خطار يقول بجواز هذا مع قبور الأولياء كلهم‬

‫فمن أين جاء بهذا ؟ ‪.‬‬

‫زعم ابن خطار أن ابن عمر ‪ ‬وضع يده على قبر النبي صلى الله‬

‫عليه وسلم ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وقد ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما‬
‫كان يضع اليمنى على القبر ‪ ,‬وأن بلال ًا وضع خديه عليه "‪.‬‬
‫نقول ‪ :‬أما ما ورد عن بلال ‪ ‬فقد ذكرنا أنه لا يصح عنه ‪.‬‬
‫وأما ما ورد عن ابن عمر فأين ورد ذلك ؟ ‪.‬‬

‫لم يبين ابن خطار المصدر الذي ذكر ذلك عن ابن عمر ‪ ,‬فلماذا يذكر‬
‫أثراً من غير النظر إلى مصدره ؟‬

‫الجواب ‪ :‬لأنه يؤيد رأيه فهو حجة ولو حكم كل المحدثين بضعفه ‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫تأمل أيها القارئ ابن خطار كحاطب ليل يجمع من هنا وهناك ونحن‬
‫نتحمل البحث عن المصادر والبحث عن كلام العلماء فيه ‪ ,‬هل هذا هو‬
‫الأسلوب العلمي في نقاش المسائل الشرعية ؟! ‪ .‬إذا كان يحتج بهذا‬
‫الأثر فيجب عليه أن يتـثـبـت أول ًا من صحته ‪ ,‬ثم بعد ذلك يقول به ‪,‬‬
‫لأن هذا دين والمسلم يحرص على دينه‪ ,‬ويتبع ما ثبت من الحق ‪ ,‬ولا‬

‫يجوز أن ينتصر لرأيه وهواه ‪ ,‬كما يفعل ابن خطار ومن معه ‪.‬‬

‫هذا الأثر ـ أي أثر ابن عمر ـ أخرجه الإمام مالك في الموطأ (‪)367‬‬
‫برواية يحي الليثي‪ ,‬و(‪ )627‬برواية محمد بن الحسن ‪ ,‬وأخرجه‬
‫البيهقي (‪ , )60076‬وابن سعد في الطبقات (‪ , )671/2‬وابن أبي‬
‫شيبة (‪ , )66763‬وعبد الرزاق الصنعاني (‪ , )1742‬وابن حجر في‬

‫المطالب العالية (‪ , )6316‬وابن عبد البر في الاستذكار‬

‫(‪ , )612/6‬كل هؤلاء الذين ذكروا هذا الأثر لم يذكروا فيه أن ابن‬
‫عمر ‪ ‬كان يضع يده اليمنى على القبر ‪ ,‬بل جاء في السنن الصغير‬
‫للبيهقي (‪ )6374‬بعد أن ذكر الأثر باللفظ السابق قال‪(( :‬وفي رواية‬
‫أخرى‪ :‬بدأ بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه وسلم ودعا‬

‫ولا يمس القبر)) ففيها التصريح بعدم مسه للقبر ‪.‬‬

‫وأخرج هذا الأثر أيضاً إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم (‪ )600‬بنفس اللفظ السابق ثم أورد بعده (‪)606‬‬
‫أثراً عن إسحاق بن محمد قال حدثنا عبد الله بن عمر ـ أي العمري ـ عن‬
‫نافع ‪(( :‬أن ابن عمر كان إذا قدم من سفر‪ ,‬صلى سجدتين في المسجد ‪,‬‬
‫ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيضع يده اليمنى على قبر النبي‬

‫‪35‬‬

‫صلى الله عليه وسلم ويستدبر القبلة ثم يسلم على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ثم على أبي بكر وعمر )) ‪.‬‬

‫أرأيت أيها القارئ لم ترد هذه اللفظة التي استدل بها ابن خطار نقل ًا عن‬
‫غيره إلا عن طريق عبدالله بن عمر بن حفص بن عاصم ال ُع َمري‬
‫ال ُم َكـ َّبر قال عنه النسائي في الضعفاء والمتروكين (‪(( :)16/6‬ليس‬
‫بالقوي)) ‪ ,‬وذكره العقيلي في الضعفاء (‪ , )410/4‬وقد لخص الحافظ‬
‫ابن حجر القول فيه في التقريب (ص‪ )362‬فقال‪(( :‬ضعيف عابد)) فإذا‬
‫كان هذا حاله وانفرد عن غيره من الثقات بلفظ كان هذا اللفظ منكر لا‬

‫يحتج به ‪.‬‬
‫والأثر واضح الضعف أيضاً من حيث المتن كما ذكرنا سابقاً ‪ :‬أن قبر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بارزاً حتى يستطيع ابن عمر أن يفعل‬
‫ذلك ‪ ,‬ولو كان هذا من الدين فلماذا يتفق الصحابة كلهم على عدم إظهار‬
‫قبر النبي صلى الله عليه وسلم ليتمكن المسلمون من التبرك به ‪ ,‬بل‬
‫يستمر قبره صلى الله عليه وسلم على مر العصور مستوراً عن الناس لا‬

‫يستطيعون الوصول إليه ‪ ,‬فلماذا يحصل هذا لو كان هذا من الدين ؟ ‪.‬‬
‫فما استدل به ابن خطار لا يصح سنداً ولا متناً ‪.‬‬

‫وبعد الذي سبق نقول ‪ :‬لو ثبت هذا الأثر فهو خاص بقبر رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فلماذا تعمم الحكم بكل قبر ؟! ‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫استدلال ابن خطار بقول لابن حجر ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ‪ (:‬استنبط‬
‫بعضهم من مشروعية تقبيل الحجر الأسود جواز تقبيل يد الآدمي ) "‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬لم يذكر ابن خطار مصدر هذه المعلومة ‪.‬‬

‫ومع هذا نقول‪ :‬من هم هؤلاء البعض الذين استنبطوا هذا ؟ ‪.‬‬

‫وهل قولهم هذا من باب الاحترام والتقدير كما يقبل الإنسان يد والديه أم‬
‫هو من باب التبرك ؟ وماهو دليلهم على جواز التبرك بتقبيل يد هؤلاء ؟‬

‫‪.‬‬

‫أيها القارئ ‪ :‬ينقل طالب العلم كلام العلماء في المسائل الشرعية‬
‫ليؤيد صحة فهمه لنصوص شرعية وردت في المسألة ‪ ,‬ولا ينقل‬

‫كلامهم على أنه حجة في ذاته‬

‫ولذلك نحن نطالب من زعم جواز التبرك بتقبيل يد الآدمي بالدليل ‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬هم أتوا بالدليل وهو القياس على مشروعية تقبيل الحجر‬
‫الأسود ‪.‬‬

‫نقول‪ :‬تقبيل الحجر الأسود قد جاء الدليل بمشروعيته ‪ ,‬فهل قاس عليه‬
‫السلف من الصحابة والتابعين هذا القياس مع وجود المقتضي لذلك وهو‬
‫وجود كبار الصحابة بينهم ؟ فإذا كانوا لم يقيسوا هذا القياس فهل الخلف‬

‫أعلم منهم بالنصوص وما ُيقاس عليها ؟!‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫استدلاله بقول للإمام أحمد ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وسئل الإمام أحمد عن تقبيل منبر النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وقبره فلم ير به بأساً " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬أيها القارئ ذكر ابن خطار أن المصدر الذي أخذ منه هذا‬
‫القول هو كتاب البداية والنهاية لابن كثير (‪ )1/4‬ولقد اجتهدت في‬
‫البحث عنها في الكتاب المذكور فلم أجدها ‪ ,‬ولا أظنه صدق في نقله فإن‬
‫هذا القول وقول ابن حجر السابق وما يأتي من قول ابن أبي الصيف قد‬
‫قاله ابن حجر في الفتح (‪ )277/3‬قال‪ (( :‬استنبط بعضهم من‬
‫مشروعية تقبيل الأركان جواز تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدمي‬
‫وغيره ‪ ,‬فأما تقبيل يد الآدمي فيأتي في كتاب الأدب ‪ ,‬وأما غيره فنقل‬
‫عن الإمام أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وتقبيل قبره فلم ير به بأساً ‪ ,‬واستبعد بعض أتباعه صحة ذلك ‪ ,‬ونقل‬
‫عن ابن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل‬

‫المصحف‪ ,‬وأجزاء الحديث وقبور الصالحين )) ‪.‬‬

‫فليس هو من كلام ابن كثير كما نقل ابن خطار ‪.‬‬

‫ومع هذا نقول ‪ :‬لو ثبت أن ابن كثير قاله فمن أين نقله ؟‬

‫إذا كان من هو أعلم منه بمذهب الإمام أحمد نقل خلاف ذلك فهذا ابن‬
‫قدامة الحنبلي في كتابه المغني (‪ )766/3‬يقول‪(( :‬ولا يستحب التمسح‬
‫بحائط قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقبيله ‪ ,‬قال أحمد‪ :‬ما أعرف‬
‫هذا قال الأثرم‪ :‬رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يمسون قبر النبي‬

‫‪31‬‬

‫صلى الله عليه وسلم يقومون من ناحية فيسلمون قال أبو عبد الله‪ :‬هكذا‬
‫كان ابن عمر يفعل قال‪ :‬أما المنبر فقد جاء فيه)) ‪ ,‬فهذا ابن قدامة ينقل‬
‫عن الإمام أحمد أنه ما كان يرى مشروعية تقبيل القبر أما المنبر فإنه‬

‫يرى أنه لا بأس من تقبيله محتجاً بما ورد عن ابن عمر ‪ ‬في ذلك ‪.‬‬

‫وقال ابن تيمية في الفتاوى (‪(( :)76/47‬واتفق العلماء على أن من زار‬
‫قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين ـ‬
‫الصحابة وأهل البيت وغيرهم ـ أنه لا يتمسح به ولا يقبله بل ليس في‬
‫الدنيا من الجمادات ما يشرع تقبيلها إلا الحجر الأسود ‪ ,‬وقد ثبت في‬
‫الصحيحين ‪ :‬أن عمر ‪ ‬قال‪ :‬والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا‬

‫تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك‪.‬‬

‫ولهذا لا يسن باتفاق الأئمة أن يقبل الرجل أو يستلم ركني البيت ـ اللذين‬
‫يليان الحجر ـ ولا جدران البيت ولا مقام إبراهيم ولا صخرة بيت‬
‫المقدس ولا قبر أحد من الأنبياء والصالحين حتى تنازع الفقهاء في‬
‫وضع اليد على منبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان‬
‫موجوداً ‪ ,‬فكرهه مالك وغيره لأنه بدعة ‪ ,‬و ُذكر أن مالكاً لما رأى‬
‫عطاء فعل ذلك لم يأخذ عنه العلم ‪ ,‬ورخص فيه أحمد وغيره لأن ابن‬
‫عمر ‪ ‬فعله ‪ ,‬وأما التمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيله‬
‫فكلهم كره ذلك ونهى عنه)) أيها القارئ الكريم تأمل قول عمر ‪: ‬‬
‫((…ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك))‬
‫الذي يدل على كمال الاتباع والمحبة فهل َقبـَّل النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫شيئاً من قبور الأنبياء لنفعل مثله صلى الله عليه وسلم ؟‬

‫‪31‬‬

‫وتأمل قول ابن تيمية‪(( :‬فكلهم كره ذلك ونهى عنه)) لو ثبت هذا عن‬
‫الإمام أحمد لكان ابن تيمية ـ وهو حنبلي المذهب مطلع عليه وعلى‬
‫غيره من المذاهب ـ أخبر به كما أخبر برأيه ـ أي برأي الإمام أحمد ـ‬

‫في وضع اليد على المنبر ‪.‬‬

‫ولاحظ أيها القارئ أن ابن حجر ـ أو ابن كثير على زعم ابن خطار ـ‬
‫قال‪ُ ( :‬نقل) من هذا الذي نقل عن الإمام أحمد هذا القول ؟‬

‫ومع هذا نقول‪ :‬لو ثبت هذا عن الإمام أحمد فمن المعلوم أن الإمام‬
‫أحمد متمسك بالمأثور وحريص عليه ولا يتكلم في شيء إلا إذا ثبت عن‬
‫السلف ‪ ,‬فإن كان يرى مشروعية تقبيل المنبر فقد علمنا دليله ‪ ,‬فما هو‬

‫دليله على جواز تقبيل القبر ؟ ‪.‬‬

‫استدلاله بقول ابن أبي الصيف ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬ونقل عن ابن أبي الصيف اليماني أحد علماء‬
‫مكة من الشافعية ‪ :‬جواز تقبيل المصحف‪ ,‬وأجزاء الحديث وقبور‬

‫الصالحين " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬ما هو دليله على ما يقول ؟‬

‫وهل كون العالم من أهل مكة يخول له أن يتكلم في الدين بغير حجة ولا‬
‫برهان؟!‬

‫وإن كان ابن أبي الصيف من الشافعية فقد سبق أن ذكرنا قول إمام من‬
‫أئمة الشافعية وهو النووي حيث قال في قبر النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬

‫‪40‬‬

‫((((يكره مسحه باليد وتقبيله ‪ ,‬بل الأدب أن يبعد منه كما يبعد لو حضر‬
‫في حياته صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬هذا هو الصواب ‪ ,‬وهو الذي قاله‬
‫العلماء وأطبقوا عليه)) فإذا كان هذا قوله مع قبر النبي صلى الله عليه‬

‫وسلم فما بالك بقبر غيره ؟ ‪.‬‬

‫وإذا كن َت يا ابن خطار لم تستطع أن تأتي بدليل صحيح صريح يجيز‬
‫تقبيل قبر النبي صلى الله عليه وسلم فمن أين ستأتي بدليل على جواز‬

‫تقبيل قبر غيره ؟ ‪.‬‬

‫وهل كان الصحابة يقـ ِّبلون قبور من مات منهم كشهداء أحد ؟ ‪.‬‬

‫وهل كان التابعون يقـ ِّبلون قبور الصحابة ؟ ‪.‬‬

‫وهل كان الأئمة كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم يقـ ِّبلون‬
‫قبور الصالحين ؟ ‪.‬‬

‫فعلماء مكة والمدينة بل كل الحجاز والشام واليمن وغيرها في عهد‬
‫الصحابة والتابعين لم يفعلوا ذلك ولم يأمروا به وقد مر معنا قريباً قول‬
‫ابن تيمية‪(( :‬وأما التمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيله فكلهم‬

‫كره ذلك ونهى عنه)) ‪.‬‬

‫استدلاله بقول للمحب الطبري ‪:‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬ونقل الطيب الناشري عن المحب الطبري أنه‬
‫يجوز تقبيل القبر ومسه ‪ ،‬وقال ‪ :‬وعليه عمل العلماء الصالحين " ‪.‬‬

‫‪41‬‬

‫نقول ‪ :‬من هم هؤلاء العلماء الصالحون ؟ هل هم من الصحابة ؟ أم‬
‫هم من التابعين ؟ أم من الأئمة المتبوعين ؟‬

‫هذه الدعوى التي ُيفهم منها نقل إجماع العلماء على جواز تقبيل القبر‬
‫ومسه تحتاج إلى دليل لإثباتها ‪.‬‬

‫ثم نحتاج أن نعلم هل هو نقل لإجماعهم على فعل ذلك مع قبر النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقط ‪ ,‬أم مع قبر كل ولي كما هو ظاهر اللفظ ؟‬

‫فإن قيل‪ :‬هو خاص بقبر النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫قلنا‪ :‬هذا الإجماع المزعوم لا ُيقبل ‪ ,‬إذ كيف ُيقبل وقد انتهى عصر‬
‫الصحابة والتابعين وهم لا يفعلون ذلك ولا يرونه من الدين ‪ ,‬فكيف‬

‫يصح إجماع يخالف‬

‫ما كان عليه السلف ؟!‬

‫وإن قيل‪ :‬هو عام بقبر كل ولي ‪.‬‬

‫نقول‪ :‬كيف ُيجمعون على إحداث عبادة لم يرد بها دليل من القرآن ولا‬
‫من السنة ولا من فعل الصحابة ‪ ,‬وإذا كان هذا لا يفعل مع قبر نبينا‬

‫صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فكيف يصح فعله مع غيره ؟!‬

‫ولو تأملت أيها القارئ تجد أن الناشري عاش في القرن التاسع والمحب‬
‫الطبري في القرن الثامن فمن أين أخذ الناشري هذا القول ؟‬

‫ومع هذا نقول ‪ :‬اجتمع عندنا نقل إجـماعين أو اتفاقين متعارضين فهذا‬
‫الطـبري ينقل الجواز ـ مع أن قوله هذا يحتاج أن نتحقق من ثبوته عنه ـ‬

‫‪42‬‬

‫‪ ,‬وابن تيمية ـ كما سبق ـ ينقل المنع ‪ ,‬وكذلك النووي ينقل المنع كما مر‬
‫معنا (ص‪ , )46‬فأي الإجماعين نقدم وبأي الرأيين نأخذ ؟‬

‫لا يجوز لنا أن نتعصب لأحدهما ونقدم قوله بغير دليل ‪ ,‬ولذلك سنطرح‬
‫القولين ونبحث في الأدلة هل هناك ما يدل على جواز ذلك ؟‬

‫إلى الآن لم يثبت شيء شرعي يدل على جواز ذلك فالأصل المنع حتى‬
‫يأتي الدليل بالجواز لأن هذا من العبادة والعبادة لا تثبت إلا بدليل ‪.‬‬

‫إلى هنا انتهى كلام ابن خطار على مسألة التبرك بقبر النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ولم يأت بدليل شرعي أو بنقل صحيح عن الأئمة من‬
‫الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين بجواز ذلك بل الذي ثبت لنا من‬
‫خلال ما سبق أنه لا يجوز ذلك لعدم الدليل عليه ويدل على ذلك أن القبر‬
‫منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا وهو في حجرة عائشة رضي الله عنها‬
‫غير ظاهر للناس فلو كان التبرك به من الدين لأظهره الصحابة حتى‬
‫يتمكن الناس من التبرك به ‪ ,‬فلما أجمع الصحابة على عدم إظهار قبره‬
‫صلى الله عليه وسلم دل ذلك على أنه لا يجوز التبرك به ‪ ,‬فكيف يجوز‬

‫التبرك بغيره ؟!‬

‫التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬

‫قال ابن خطار ‪ " :‬التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ومن حديث‬
‫أنس ‪ (: ‬أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة‬
‫فرماها ‪ ،‬ثم أتى منزله بمنى ونحر ‪ ،‬وقال للحلاق ‪ :‬خذ ‪ ،‬وأشار إلى‬

‫جانبه الأيمن ثم الأيسر ‪ ،‬ثم جعل يعطيه الناس ) ‪.‬‬

‫‪43‬‬

‫وقد جاء في رواية حفص بلفظ ‪ (:‬فبدأ بالشق الأيمن فوزعه الشعرة‬
‫والشعرتين بين الناس ثم بالأيسر فصنع مثل ذلك )ومن حديث أنس ‪‬‬
‫أيضاً قال ‪ (:‬لما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة نحر‬
‫نسكه ثم ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه ‪ ،‬فأعطاه أبو طلحة لأم سليم‬
‫بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم ثم ناوله شقه الأيسر فحلقه ‪ ،‬فقال‬

‫‪ :‬اقسم بين الناس ) "‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬التبرك بشعر النبي صلى الله عليه وسلم أمر جاء به النص‬
‫الشرعي ولذلك نحن نسلم بذلك ونقول سمعنا وأطعنا ‪ ,‬فالدين دين الله‬

‫‪ ‬يشرع ما يشاء ويمنع ما يشاء ونحن عبيده ‪ ‬نسمع ونطيع ‪.‬‬

‫فهل ثبت عندكم بدليل شرعي صحيح كهذا جواز التبرك بشعر غيره‬
‫عليه الصلاة والسلام ؟‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن محمد بن سيرين قال ‪ :‬قلت لعبيدة ‪ :‬عندنا‬
‫من شعر النبي صلى الله عليه وسلم أصبناه من قبل أنس ـ أو من قبل‬
‫أهل أنس ـ ‪ ،‬فقال ‪( :‬لأن تكون عندي شعرة منه أحب إل َّي من الدنيا‬

‫وما فيها ) " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬كما قلنا سابقاً أنهم ما فعلوا ذلك بشعر غيره فهذا ابن سيرين‬
‫يفتخر بوجود شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم وعبيدة يغبطه‬
‫على ذلك ولم يذكر أحد منهما شعر أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي‬
‫أوغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فهل في الأمة من هو‬

‫أفضل من الصحابة ‪ ‬؟ ‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن عثمان بن عبدالله بن موهب قال ‪ :‬أرسلني‬
‫أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء ‪ ،‬فجاءت بجلجل من فضة فيه شعر‬
‫من شعر النبي صلى الله عليه وسلم وكان إذا أصاب الإنسان عين أو‬
‫شيء بعث إليها ِمـ ْخـ َضبة ‪ .‬قال فاطلعت في الجلجل فرأيت شعرات‬
‫حمراء ) قال الإمام الحافظ ابن حجر في الفتح ‪ :‬وقد بينه وكيع في‬
‫مصنفه فقال ‪ (:‬كان جلجل ًا من فضة صيغ صوناً لشعرات النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم التي كانت عند أم سلمة ‪ ،‬والجلجل ـ هو شبه الجرس‬
‫يتخذ من الفضة أو الصفر أو النحاس ‪ ،‬وقد تنزع منه الحصاة التي‬

‫تتحرك فيه فيوضع فيه ـ ما يحتاج إلى صيانته) ‪.‬‬

‫وقال الإمام العيني ‪ :‬وبيان ذلك على التحرير ‪:‬‬

‫أن أم سلمة رضي الله عنها كان عندها شعرات من شعر النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم حمر في شيء مثل الجلجل ‪ ،‬وكان الناس عند مرضهم‬
‫يتبركون بها ‪ ،‬ويستشفون من بركتها ‪ ،‬ويأخذون من شعره ويجعلونه‬
‫في قدح من الماء ‪ ،‬فيشربون الماء الذي فيه الشعر ‪ ،‬فيحصل لهم‬
‫الشفاء ‪ ،‬وكان أهل عثمان أخذوا منها شيئاً وجعلوه في قدح من فضة‬
‫فشربوا الماء الذي فيه فحصل لهم الشفاء ثم أرسلوا عثمان بذلك‬
‫القدح إلى أم سلمة ‪ ،‬ووضعته في الجلجل ‪ ،‬فاطلع عثمان في الجلجل ‪،‬‬

‫فرأى فيه شعرات حمراء ‪.‬‬

‫قوله ‪ (:‬وكان إذا أصاب الإنسان إلى آخره ) كلام عثمان بن عبدالله بن‬
‫موهب ‪ :‬أي كان أهلي كذا فسره الكرماني ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬وكان إذا‬
‫أصاب الإنسان ‪ :‬أي منهم ‪ ،‬والذي قاله الكرماني أصوب يبين به أن‬
‫الإنسان إذا أصابه عين أو شيء من الأمراض بعث أهله إليها ‪ .‬أي‬

‫‪45‬‬

‫إلى أم سلمة ‪ ،‬مخضبة ـ بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح‬
‫الضاد المعجمة والباء الموحدة ـ وهي الإجانة ويجعل فيها ماء وشيئاً‬
‫من الشعر المبارك ‪ ،‬ويجلس فيها فيحصل له الشفاء ‪ ،‬ثم يرد الشعر‬

‫إلى الجلجل ) " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬وهذا ـ كما سبق ـ خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن‬
‫الصحابة ‪ ‬أقروا ذلك مع شعر النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬ولم يفعلوا‬
‫ذلك مع غيره ولم يحثوا على فعل ذلك مع غيره فنحن نقف مع الدليل‬
‫وندور حيث دار ونتجه حيث اتجه فهل تفعلون ذلك أنتم أم تتقدمون على‬

‫الدليل وتفعلون ما يمليه عليكم الهوى ؟ ‪.‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وعن جعفر بن عبدالله بن الحكم أن خالد بن‬
‫الوليد قد فقد قلنسوة له يوم اليرموك ‪ .‬فقال ‪ :‬اطلبوها فلم يجدوها‬
‫فقال ‪ :‬اطلبوها فوجدوها فإذا هي قلنسوة خلقة ـ أي ليست بجديدة ـ‬
‫فقال خالد ‪ :‬اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه فابتدر‬
‫الناس جوانب شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة‬

‫فلم أشهد قتال ًاوهي معي إلا رزقت النصر " ‪.‬‬

‫نقول ‪ :‬لا زالت الأدلة تتحدث عن شعر النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وليس فيها ذكر لشعر غيره فنحن متفقون على جواز التبرك بشعره عليه‬

‫الصلاة والسلام ‪.‬‬

‫هذا على القول بثبوت هذا الأثر عن خالد ‪ ‬فقد أخرجه الطبراني في‬
‫الكبير (‪ , )3102‬وأبو يعلى (‪ , )7613‬والحاكم في المستدرك‬
‫(‪ )7466‬وقال الذهبي معلقاً عليه في التلخيص‪ (( :‬منقطع )) ‪,‬‬
‫والمنقطع من قسم الحديث الضعيف ‪ .‬وأخرجه الهيثمي في مجمع‬

‫‪46‬‬

‫الزوائد (‪ )67114‬ثم قال‪(( :‬رواه الطبراني وأبو يعلى بنحوه ورجالهما‬
‫رجال الصحيح ‪ ,‬وجعفر سمع من جماعة من الصحابة فلا أدري سمع‬

‫من خالد أم لا ؟ )) وهذا الأثر مداره على جعفر بن عبد الله ‪.‬‬

‫فالذهبي أثبت عدم سماع جعفر من خالد ‪ , ‬والهيثمي يقول‪(( :‬فلا‬
‫أدري سمع من خالد أم لا)) ‪ .‬ومن علم حجة على من لم يعلم وعلى هذا‬

‫فهذا الأثر ضعيف بسبب الانقطاع كما قال الذهبي رحمه الله تعالى ‪.‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وفي سير أعلام النبلاء للذهبي ما نصه ‪:‬‬

‫( قال عبدالله بن أحمد ‪ :‬رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فيضعها على فيه يقبلها ‪ ،‬وأحسب أني رأيته يضعها على‬
‫عينيه ‪،‬ويغمسها في الماء البارد ويشربه ويستشفي به ‪ ،‬ورأيته‬
‫يشرب من ماء زمزم يستشفي به ويمسح به يديه ووجهه ‪.‬وقد ثبت‬
‫أن عبدالله سأل أباه عمن يلمس رمانة منبر النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫ويمس الحجرة النبوية ‪ ،‬فقال ‪ :‬لا أرى بذلك بأساً ) ‪.‬‬

‫وفي البداية والنهاية لابن كثير ما نصه ‪ (:‬قال أحمد ‪ :‬فعند ذلك قال لي‬
‫‪ :‬يعني قال له المعتصم حين طالبه بالقول بخلق القرآن فامتنع أحمد‪:‬‬
‫لعنك الله ‪ ،‬طمعت فيك أن تجيبني فلم تجبني ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬خذوه واخلعوه‬
‫واسحبوه ‪ ،‬قال أحمد ‪ :‬فأخذت وسحبت وخلعت وجيء بالعاقبين‬
‫والسياط وأنا أنظر ‪ ،‬وكان معي شعرات من شعر النبي صلى الله عليه‬

‫وسلم مصرورة في ثوبي فجروني منه وصرت بين العاقبين ) " ‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫نقول ‪ :‬ما نقله عبد الله بن أحمد عن أبيه الإمام أحمد وكذلك ما نقله‬
‫ابن كثير ليس فيه جديد إنما فيه التبرك بشعر النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫وهذا لا خلاف بيننا فيه ‪.‬‬

‫وقد مر معنا أن الإمام أحمد أجاز التبرك برمانة منبر النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ,‬ولم يرد فيه ذكر للحجرة النبوية وقد ذكرنا قول ابن قدامة‬
‫في المغني‪(( :‬ولا يستحب التمسح بحائط قبر النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫ولا تقبيله ‪ ,‬قال أحمد‪ :‬ما أعرف هذا)) ‪.‬‬

‫وقول ابن تيمية‪(( :‬ولهذا لا يسن باتفاق الأئمة أن يقبل الرجل أو يستلم‬
‫ركني البيت ـ اللذين يليان الحجر ـ ولا جدران البيت ولا مقام إبراهيم‬
‫ولا صخرة بيت المقدس ولا قبر أحد من الأنبياء والصالحين حتى تنازع‬
‫الفقهاء في وضع اليد على منبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لما كان موجوداً ‪ ,‬فكرهه مالك وغيره لأنه بدعة ‪ ,‬و ُذكر أن مالكاً لما‬
‫رأى عطاء فعل ذلك لم يأخذ عنه العلم ‪ ,‬ورخص فيه أحمد وغيره لأن‬
‫ابن عمر ‪ ‬فعله ‪ ,‬وأما التمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيله‬

‫فكلهم كره ذلك ونهى عنه)) ‪.‬‬

‫ويؤيد قول الشيخين ما صح في مسند الإمام أحمد (‪ )6177‬وغيره ‪(( :‬‬
‫أن ابن عباس رضي الله عنهما طاف مع معاوية ‪ ‬بالبيت فجعل‬
‫معاوية يستلم الأركان كلها ‪ ,‬فقال له ابن عباس‪ِ :‬لـ َم تستلم هذين الركنين‬
‫ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما فقال معاوية‪ :‬ليس‬

‫‪41‬‬

‫شيء من البيت مهجوراً ‪ ,‬فقال ابن عباس‪  :‬لقد كان لكم في رسول الله‬
‫أسوة حسنة‪ ,1‬فقال معاوية‪ :‬صدقت )) ‪.‬‬

‫فهل يقول الإمام أحمد بمشروعية مس حائط الحجرة النبوية وهو ممن‬
‫أخرج هذا الحديث ؟!‬

‫ثم تأمل أيها القارئ الكريم ُينكر ابن عباس على معاوية استلامه أركان‬
‫الكعبة كلها لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فما هو رد‬

‫معاوية ؟‬

‫قال‪ :‬صدقت ‪ .‬انظر كمال الاتباع شيء لم يرد عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فكيف يكون من الدين ؟!‬

‫ولذلك سنقول لابن خطار ومن معه هل مس رسول صلى الله عليه وسلم‬
‫قبور الأنبياء أوقـ َّبلها ؟ هل حثنا على فعل ذلك ؟ هل فعله الصحابة مع‬

‫قبره صلى الله عليه وسلم ؟ ‪.‬‬

‫أليس لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ؟ ‪.‬‬

‫فليت ابن خطار ومن معه يقتدون بالصحابة الكرام ‪ ‬في وقوفهم مع‬
‫الأدلة وحرصهم على تطبيق السنة فيكفوا عن الأقوال والأعمال التي لم‬

‫يعملها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحث عليها ‪.‬‬

‫ثم قال ابن خطار ‪ " :‬وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى في‬
‫طهارة الشعر ‪ ( :‬إن النبي صلى الله عليه وسلم فرق شعره بين‬
‫أصحابه ‪ .‬قال أنس ‪ :‬لما رمى النبي صلى الله عليه وسلم جمرة العقبه‬

‫‪1‬‬

‫‪41‬‬


Click to View FlipBook Version