The words you are searching are inside this book. To get more targeted content, please make full-text search by clicking here.

صرخة سلام. بيتر أرمانيوس

Discover the best professional documents and content resources in AnyFlip Document Base.
Search
Published by Ahmed Amin, 2020-01-11 02:05:51

صرخة سلام. بيتر أرمانيوس

صرخة سلام. بيتر أرمانيوس

‫رواية‬

‫صرخة سـلام‬

‫بيتر أرمانيوس‬

‫الناشر‬

‫‪2‬‬

‫صرخة ســلام‬

‫‪3‬‬

4

‫ا إلهداء‬

‫إالى أبي وأمي ‪..‬‬
‫زوجتي وأبنائي ‪..‬‬
‫إالى القاريء العزيز ‪..‬‬
‫إالى جميع شخصيات هذا العمل ما عدا شريف ‪..‬‬

‫إالى " كوكا " ‪..‬‬
‫تلك الفتاة التي ل يعرف أحد إاسمها الحقيقي أو شكلها أو بلدها‪ ،‬التي ألهبت سمع‬
‫الكثير من شباب قريتي بصوتها الجميل وجعلتهم يتخطون فترة المراهقة بأقل الخسائر!‬

‫‪5‬‬

6

‫شكرًا من القلب ‪...‬‬

‫للصديقة والخت الغالية الكاتبة والروائية الردنية‬

‫َهنـاء عودة‬

‫شكرًا لدعمك المتواصل لي ولغيري ‪..‬‬
‫شكرًا لنك السند وخير من يشجع كل موهبة ل يعلم عنها أحد ‪..‬‬

‫شكرًا لن كلماتنا بدعمك وتشجيعك تخرج إالى النور ‪..‬‬

‫‪7‬‬

8

‫والعلاقات ا إلنسانية يا صديقي كا إلنسان من طين ‪...‬‬
‫بسهولة الطين تتشكل وتتخذ أي شكل يريده أصحابها ‪...‬‬
‫وكالطين الذي يكتسب صلابته بنار التون‪ ،‬كذلك العلاقات تكتسب‬

‫قوتها بنار التجارب والصعاب التي تمر عليها ‪..‬‬
‫فتخرج العلاقات ا إلنسانية منها أكثر قوة وأكثر ثقة من ذي قبل ‪..‬‬

‫وبعد أن تقوى تتحمل صعاب وتجارب الحياة ومحنها ‪...‬‬

‫‪9‬‬

10

‫‪1‬‬

‫ِنت مسروق وجهاز أخرس أصم رغم قدمه‪..‬‬
‫كانت تلك الجملة يتردد صداها في عقله‪ ،‬رغم اللم الشديد الذي يشعر به في رأسه‪،‬‬
‫ورغم السواد الحالك المحيط به وكنه حبيس في جب مظلم في قلب جبل عظيم‪ ،‬إال‬

‫أن تلك الجملة ظلت تتردد وتتردد‪...‬‬
‫ِنت مسروق وجهاز أخرس أصم رغم قدمه !‬
‫ِنت مسروق وجهاز أخرس أصم رغم قدمه !‬

‫ألم‪...‬‬
‫سواد‪...‬‬
‫مفاصل يشعر باللم والخدر فيها‪ ،‬يحاول الحركة ولكنه يشعر وكنه عاجز أو أنه‬
‫مشدود برباط!‬
‫حاول أن يفتح عينيه ولكن ثقل جبال الدنيا معلقة فيها‪..‬‬
‫أهي النهاية؟؟‬
‫أهو القبر أم عذابه؟؟‬
‫أم هو يوم الحساب؟؟‬
‫صه!!‬

‫مهل ًا!‬
‫هناك موسيقى تصدح في الرجاء ‪...‬‬
‫" وصوت الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود"!!‬

‫هل هو ناي الفناء؟؟؟‬
‫صه!!‬
‫مهل ًا!‬
‫ل ‪..‬‬

‫‪11‬‬

‫إانه ليس الناي‪ ،‬فنغمة الموسيقى المترددة يعرفها جيد ًا‪!...‬‬
‫إاذ ًا لبد وأن هذا مجرد كابوس!‬

‫أه فقط لو يستطيع فتح عينيه‪ ،‬حينها سيعلم ماهية كل هذا!‬
‫لع ِلم إان كان كابوس ًا أم كان‪! .........‬‬

‫و َّجه كل قوته إالى جفنيه محاو ًل فتحهما‪ ،‬وبالكاد إاستطاع أن يرى بصيص نور من‬
‫إانفراجتهما الدقيقة‪ ،‬ولكن ثقلهما لم يلبث إال وأطبقهما من جديد ليعود إالى الظلام‪...‬‬

‫لكن ‪..‬‬
‫يوجد نور بالخارج‪...‬‬

‫هو ليس بميت!‬
‫" أنا حي "!‬

‫" أنا حي‪ ،‬وكل هذا مجرد كابوس!‬
‫ها هو ‪..‬‬
‫يوجد نور!‬

‫فقط إان إاستطعت أن أفتح عيني مرة أخرى لرى أين أنا ولماذا ل أستطيع الحركة؟‬
‫هل أصبت بالشلل؟؟‬

‫ولحظ أن تلك الجملة التي كانت تتكرر في عقله قد توقفت ولم يبقى سوى اللم الذي‬
‫يسيطر على كل جسده ويتخبط في أرجاء رأسه‪ ،‬وبقي أيض ًا صوت الناي الذي‬
‫ليس بناي!‬
‫فتح عينيه مرة أخرى‪...‬‬
‫إانه النور‪...‬‬
‫نور أعماه‪ ،‬ف إاضطر أن يغمض عينيه مرة أخرى‪ ،‬ولكن هذه المرة أغلقها بإارادته اللا‬
‫إارادية‪ ،‬فقد إاختفت الثقال المعلقة بجفونه‬

‫لبرهة وفتحها مرة أخرى‪ ،‬وبدأ يستعيد وعيه وذاكرته ومعرفته بالشياء شيئ ًا فشيئ ًا‪...‬‬

‫‪12‬‬

‫فمنذ لحظة لم يكن يعلم من هو أو أين هو؟‪ ،‬ولكن الن إاستطاع التمييز‪.‬‬
‫ذلك النور الباهر ما هوإال إاضاءة معلقة في السقف الذي ينظر إاليه مباشرة‪ ،‬نعم‪ ،‬هو‬

‫الن مسجى على ظهره ولهذا لم تستطع عيناه إاحتمال النظر المباشر إالى الضوء‪.‬‬
‫حرك عينيه في المكان‪ ،‬ولوهلة شعر بالرعب‪ ،‬رعب طفل صغير يقف في منتصف‬
‫الطريق أمام شاحنة مقبلة نحوه وهويشعر بالعجز‪ ،‬ل يعرف ماذا يفعل؟‪ ،‬فقد كل‬
‫قوة على التصرف‪ ،‬لم يستطع الصراخ أو الهرب‪ ،‬إانه العجز والشلل التام وترقب‬

‫المصير مع إاقتراب الشاحنة منه!‬
‫ومع ضجيج بوقها الذي يضغط عليه السائق لمحاولة إابعاده عن الطريق يزداد رعبه‪،‬‬
‫وقلة حيلته‪ ،‬إانه الموت ل محالة‪ ،‬الموت المرعب الذي يرحم الكثيرون ويخطفهم فجأة‬
‫دون أن يعوا أنهم سيموتون‪ ،‬أما هذا الطفل ف إانه يعي ويرى الموت مقبل ًا عليه‪ ،‬فاغرًا‬

‫فاه ليبتلعه‪...‬‬
‫عاجز‪ ،‬وخائف يقف في منتصف الطريق بلا حيلة في إانتظار المعجزة‪ ،‬وهي أن‬

‫تتوقف الشاحنة قبل أن تدهسه أو أن ينتشله أحدهم قبل ذلك‪.‬‬
‫كان ذلك هو نفس إاحساسه عندما بدأ يعي ما حوله‪ ،‬إاحساس الرعب والذعر‪.‬‬

‫ولم يدري لماذا تذكر ذلك الحديث مع صديقته الذي أجراه معها عقب إاعلان‬
‫مستشفى " ‪ ،" ٥٠٠٥٠٠‬الذي إاجتمع فيه فناني مصر لتخليد ذكرى " أحمد زكي "‪،‬‬

‫بجناح كامل لمعالجة مرضى السرطان؟‬
‫قالت له مات أحمد زكي منذ عشر سنوات‪ ،‬ولكنه مازال حي في ذاكرة أصدقائه‪،‬‬

‫ولهذا عملوا على تخليد إاسمه بجناح في مستشفى تعالج السرطان بالمجان كصدقة‬
‫جارية‪ ،‬فهل ياترى أنا وأنت عندما نموت سيذكرنا أحد؟!‬

‫حاول عبث ًا أن يقنعها أن ذلك مجرد شو إاعلامي ليس إال!‪ ،‬ولكنها أصرت أنه حتى‬
‫لوكان مجرد شو‪ ،‬فهيي لفتة طيبة ممن عرفوه وعاشروه لن يفعل مثلها ل معارفه ول‬

‫معارفها!‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫ما الذي بث في داخله كل هذا الرعب المفاجيء؟‪ ،‬ولماذا تذكر ذلك الحديث القديم‬
‫الن؟؟‬

‫صحيح أنه أدرك الن أنه يرقد في مستشفى‪ ،‬وأن صوت الناي الذي كان يظنه‬
‫يصدح بعد فناء الوجود ما هوإال صافرة جهاز القلب الموصول بجسده!‪.‬‬
‫***********‬

‫‪14‬‬

‫كحالم‪ ،‬لم يطل التفكير في الرعب الذي كان يتملكه منذ وهلة‪ ،‬فقد شد إانتباهه تلك‬
‫التفاصيل التي وقعت أمام عينيه‪ ،‬تفاصيل جعلت حدقتا عينيه تتسعان هلع ًا ل‬
‫إارادي ًا!‬
‫فهولم يكن في مستشفى عادية!‬
‫تلك اللمبات المعلقة بالسقف كانت نظيفة والسقف ناصع البياض‪ ،‬والحوائط!‪،‬‬
‫ماهذا؟‬
‫أي غبي سيقوم بطلاء كل جدران مستشفى باللون البيض؟؟‬
‫أل يعلم أنها مكان خدمي؟! وأن المرضى وذويهم سيجعلونها سوداء في أقل من‬
‫أس بوع؟!‬
‫وما هذا أيض ًا؟‬
‫إانه يرقد في غرفة بمفرده!‪ ،‬و ِفي زاوية الغرفة بجوار الشباك توجد شجرة زينة صغيرة‬
‫جميلة وأصيص زجاجي تتعانق فيه سيقان البامبو البيضاء الجذور!‪.‬‬

‫لحت منه إالتفاتة ل إارادية إالى ما حول رأسه على اليمين وعلى اليسار ولكنه للسف‬
‫وجد ما خشاه!‬

‫أجهزة كثيرة موصولة به‪ ،‬فهذا جهاز التنفس‪ ،‬وهذا جهاز القلب‪ ،‬وجهاز يقيس النبض‬
‫والضغط!‬

‫غرفة بيضاء الجدران والسقف ل يشوبه عيب‪ ،‬ل نفايات ول قاذورات تحتل‬
‫الزوايا!‪ ،‬وكنها مستشفى تم تسليمها من المتعهد اليوم ليكون هو أول زوارها!‬
‫إاضاءة السقف ل يوجد بها شيء محروق‪ ،‬ل مخلفات ذباب حول أطرافها!‪ ،‬وذلك‬
‫الخرطوم الذي يخرج من بطنه حامل ًا إافرازاته الدموية إالى الكيس المخصص لذلك‪...‬‬

‫ماذا؟!!‬
‫تب ًا !!‬
‫لم يكن قد إانتبه من قبل إالى تلك الحقيقة الصادمة!‬

‫‪15‬‬

‫حقيقة أنه لبد وأنه مريض‪ ،‬وإال فل َم سيكون راقد ًا على ذلك السرير؟‪ ،‬ول َم شعر‬
‫بذلك اللم وتكسير المفاصل الذي يشعر به منذ أن إاستعاد وعيه؟‪ ،‬ول َم خرج ذلك‬

‫النبوب المحمل بالدم من بطنه‪...‬‬
‫تب ًا‪...‬‬
‫بطنه!‬

‫وكملدوغ من عقرب رفع غطائه البيض لينظر إالى جسده‪...‬‬
‫تب ًا‬
‫تب ًا‬
‫تب ًا‬

‫" أنا عاري تمام ًا !!!"‬
‫وما هذا اللاصق الذي يوجد أسفل سرتي على يمين بطني؟‪ ،‬لماذا هو بهذا العرض؟‬

‫هل هذه عملية أم أنها إاصابة؟!‬
‫تب ًا!‬

‫اللعنه ‪ ...‬عملية !؟؟‬
‫إاصابة ؟!!‬

‫ويعالجوني في هذه المستشفى الفخمة الدولية التي لبد وأن يكون سعر كوب الماء فيها‬
‫ل يقل عن مائة جنيه؟‪.‬‬

‫فما بالك بغرفة مجهزة بأعلى مستوى؟؟‬
‫لبد وأنهم سيجلوني أدفع ثمن هذا البامبو اللعين أيض ًا!‬
‫وهذه البطانية البيضاء الغبية‪ ،‬أعتقد أنني سأتحمل ثمنها أيض ًا!‬

‫اللعنة‪...‬‬
‫ياخراب بيتك يا شييف‪...‬‬

‫تب ًا!‬
‫حتى اللدغة أصابت أفكاري ل لساني فقط!‬

‫‪16‬‬

‫أين أنا وما الذي حدث؟!‬
‫ويبدو أن حركته‪ ،‬أو أن عودته من غيبوبته قد حفزت الجهاز المتصل بهن فقام‬
‫بإاعطاء إاشارة إالى طاقم التمريض‪ ،‬فلم يمضي الكثير من الوقت حتى إانفتح الباب عن‬
‫حورية ترتدي البيض‪ ،‬ملاك من ملائكة الرحمة كما قال الكتاب وليس كما إاعتاد أن‬

‫يرى!‪.‬‬
‫" حمد ًا لله على سلامتك يا أستاذ شريف"‪.‬‬
‫قالتها وهي تتجه إالى الجهاز لتقرأ بياناته وتسجلها على ورقة الملاحظات التي كانت‬
‫معلقة على طرف سريره‪ ،‬ومن ثم أخرجت من جيبها بعض الحقن لتضيفها إالى المحلول‬

‫المعلق‪.‬‬
‫" ما الذي حدث وكيف أتيت إالى هنا؟"‬
‫" ل أعلم ما الذي حدث؟‪ ،‬ولكن الستاذة رغد هي التي أحضرتك إالى هنا‪".‬‬

‫" نيمفو؟!"‬
‫"نعم ؟!"‬
‫تساءلت الممرضة بإاستغراب‪ ،‬ليجيبها قائل ًا‪:‬‬
‫" ل علي ِك"!‪.‬‬

‫*************‬

‫‪17‬‬

‫راقب الممرضة بصمت وهي تقوم بعملها من حوله ولحظ أنه رغم كونه في مستشفى‬
‫إال أنه لم يعد يشعر بذلك ا إلشمئزاز أو التقزز الذي إاعتاد أن يشعر بهما عند دخول‬

‫المستشفيات العامة أو حتى الخاصة‪ ،‬فهو مصاب بفوبيا المستشفيات!‬
‫كان يكره دخولها‪ ،‬ل بل إانه كان يشعر دائم ًا بالقرف منها‪ ،‬لم يكن يزور أحد في‬
‫المستشفى إال إاذا إاضطر إالى ذلك أشد ا إلضطرار‪ ،‬كن يكون المريض قريبه وطالت‬

‫فترة بقائه في المستشفى!‪.‬‬
‫وكان لزيارته طقوس غريبة ولكنها مقدسة!‬
‫كان يراعي جيد ًا أن ل يلمس أي شيء منذ دخوله المستشفى حتى خروجه منها‪،‬‬

‫ل يلمس أبواب أو جدران أو نوافذ‪.‬‬
‫بالطبع منطقة الحمامات في المستشفى بالنسبة له كمنطقة تشي نروبل‪ ،‬ممنوع ا إلقتراب‬
‫منها بمسافة عشرة أمتار على القل‪ ،‬يتجنب الجلوس حتى ل تلمس ملابسه كراسي‬

‫المستشفى أو أسرتها!‪.‬‬
‫من المستحيل أن ياكل أو يشرب في المستشفى‪ ،‬الشيء الوحيد الذي كان يفعله‬
‫مضطرًا هو مصافحة المريض‪ ،‬يعلم جيد ًا أن هذا شائن وعيب لنه يحمل الكثير من‬

‫عدم احترام للمرضى أو يعتبر قلة تعاطف من قبله لبلواهم‪ ،‬ولكن ل ذنب له!‬
‫لقد جاء المستشفى لداء الواجب وليس ليخرج منها بمرض ينغص حياته‪ ،‬خدمة‬
‫المريض ك إاطعامه أو إاشرابه أو إادخاله للحمام ل يعلم عنها شيء وليس مضطرًا لها!‬
‫تلك الفوبيا أصابته بعدما سمع أكثر من مرة عن أناس دخلوا المستشفيات أصحاء‬

‫وغادروها بأمراض مزمنة!‪.‬‬
‫ذهب أحدهم ليتبرع بالدم فخرج بفيروس الكبد‪ ،‬وأحدهم أصيب بالتيتانوس‪ ،‬غير النبأ‬
‫عن تلوث معدات وأجهزة تلك المستشفى الجامعية التي تخدم ثلاثة محافظات بفيروس‬

‫سي‪ ،‬ذلك النبأ الذي حاول المسؤولين إاخفاؤه‪ ،‬ولكنه علم به من أحد العاملين في‬
‫المستشفى‪...‬‬

‫‪18‬‬

‫قال أنهم إاكتشفوا أن المستشفى ملوثة بالفيروس‪ ،‬فكم ألف شخص أصيبوا دون أن‬
‫يدروا فقط لنهم اكلوا أو شربوا أو إاستعملوا حمام في تلك المستشفى قبل أن‬
‫يكتشفوا أنها ملوثة؟‬
‫كم من زائر جاء لعمل الخير فأصابه الخير في مقتل؟‬
‫ولهذا كان يرى المستشفيات والعاملين فيها ما هم إال أمراض فتاكة قاتلة!‬
‫ولهذا حرص كل الحرص على أن يكون في كامل تركيزه وهو في المستشفى!‬

‫وحتى تلك ا إلجراءات لم تكن كافية بالنسبة له‪ ،‬فكان عليه أن يستحم بمطهر عقب‬
‫خروجه من المستشفى‪ ،‬ل يذهب إالى أي مشوار‪ ،‬ل يصافح أحد أو يعانق أحد بعد‬

‫خروجه من المستشفى‪ ،‬بل إالى المنزل مباشرة ليستحم ويتخلص من تلك الجراثيم‬
‫العالقة به قبل أن يعود لحياته الطبيعية‪.‬‬
‫لكن هذه الفوبيا يبدو أنها تبددت الن!‬

‫فهو ينام على السرير بكل أريحية ولم يتبادر إالى ذهنه أنه ربما يكون قد نام عليه أحد‬
‫من قبل وأن يكون قد نزف عليه أو أنه قضى عليه حاجته؟!‬

‫بل يشعر وكنه في سريره الخاص‪ ،‬وتلك الممرضة التي تتفحص جسده لم يشعر‬
‫با إلشمئزاز منها ولم يراقب حركة يديها على جسده ليطهر مكانها مثلما كان يفعل مع‬
‫ممرضات المستشفيات التي زارها من قبل‪ ،‬بل رأها وكنها عارضة أزياء ل ممرضة‬
‫عادية‪ ،‬حتى أن تلك الفكرة وحدها وكون أنها تلامس جسده العاري بدأت تثيره!‬

‫" ملكة جمال‪ ،‬كم أو ّد مضاجعتها!‪ ،‬لو أخبروني أنها مصابة با إليدز لن يهمني‬
‫ولضاجعتها! "‬

‫هكذا فكر في نفسه‪ ،‬ولكن أفكاره الدنيئة لم تطل كثيرًا كباقي الفكار التي عبرت‬
‫رأسه منذ أن إاستفاق‪ ،‬فقد أنهت الممرضة عملها وبادرته قائله‪:‬‬

‫" أنت الن أفضل حا ًل بكثير‪ ،‬سيمر عليك الدكتور بعد فترة ليطمئن عليك"‪.‬‬
‫وتركته وخرجت‪ ،‬تركته بمفرده يحاول أن يستوعب ما حدث‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫‪2‬‬

‫" نت مسروق وجهاز أخرس أصم رغم قدمه "!‬
‫عادت تلك الجملة لتتردد في رأسه من جديد ولكنه الن أصبح يعي معناها‪ ،‬جملة فيها‬

‫الحل وتفسير كل شيء‪.‬‬
‫خرجت الممرضة من غرفته الفارهة التي سيدفع ثمن كل شيء فيها من دم قلبه وتركته‬

‫وحيد ًا محاو ًل تذكر ما حدث!‪.‬‬
‫بدأ كل شيء منذ ثمانية أشهر تقريب ًا‪ ،‬حين أنشأ تلك الصفحة على الفيس بوك في‬

‫ذلك اليوم المشؤوم!‬
‫صفحة أنشأها ل لشيء إال ليضيع الوقت الثقيل الذي كان عليه أن يمضيه في العمل‪،‬‬

‫فهو عليه أن يقضي ساعتان إاضافيتان في ذلك المكان الذي عمل فيه لمدة خمسة‬
‫س نوات‪.‬‬

‫خمسة سنوات مرت خفيفة سريعة ولكن هاتان الساعتان ثقيلتان عليه جد ًا‪ ،‬فوجد‬
‫ذلك الكمبيوتر وفتح حساب الفيسبوك خاصته وأنشأ صفحة وأسماها ‪..‬‬
‫"صرخة شيف"!‬
‫وكتب‪:‬‬
‫" نت مسروق وجهاز أخرس أصم رغم قدمه"!‬

‫ذلك الجهاز الذي طالما كان منذ خمسة سنوات أسرع جهاز في المكان والن ل أعلم‬
‫إان كان بسبب التربة التي غطت أجزاؤه الداخلية أم بسبب عدم ا إلستخدام أم‬
‫بسبب الدرينالين الذي يتدفق في جسدي بسبب عصبيتي يجعلني سريع ًا في الكتابة‬

‫كفاية لدرجة تجعل الجهاز يبدو كهل ًا مقا نرة بسرعتي؟‬
‫هذا الجهاز رغم قدمه إال أنه ك إانسان بدائي بالنسبة لي‪ ،‬ل يفقه أي شيء عن‬
‫الحروف التي أطبعها عليه الن‪ ،‬ويظهر المعالج التلقائي للكلمات ليعالج كلمات صحيحة‪،‬‬

‫‪20‬‬

‫ما هذا الغباء؟‪ ،‬وكنني أمام إانسان الغاب‪ ،‬أرتدي ملابسي وربطة عنقي وهو يحاول‬
‫تجريدي منها ل لشيء إال لمجرد كونها شاذة عما إاعتاده!‪،‬‬

‫أقسم انه لول حاجتي لتفريغ طاقتي في أي شيء حتى وان كانت مجرد كتابة تافهة لن‬
‫يراها أحد على جهاز عقيم في صفحة مجهولة في شبكة عنكبوتية‪ ،‬إال أن ذلك‬
‫ا إلحساس يريحني نسبي ًا‪...‬‬
‫إاحساس الشكوى‬
‫إاحساس البكاء‬
‫إاحساس ا إلنفجار‬

‫نعم‪ ،‬إانني أبكي وأشكي وأنفجر بحروفي‪ ،‬ولكم كنت أتمنى لوكان بإامكاني فعل أكثر من‬
‫ذلك‪ ،‬كنت أتمنى لو كان بإامكاني تحطيم ذلك الجهاز وهذه الطاولة والغرفة وتحطيم‬

‫نوافذها وحرق محتوياتها كلها!‪.‬‬
‫ولكني ل أستطيع!‬

‫ربما يستغرب من يعرفني منكم هذه المشاعر التي بداخلي‪ ،‬ولكنكم أيض ًا تعرفون جيد ًا‬
‫معنى ا إلحباط‪ ،‬الفشل‪ ،‬معنى أن تكون أحلامك بسيطة جد ًا وتسعى جاهد ًا‬

‫لتحقيقها حتى تظن أنها في متناول قبض أصابعك‪ ،‬وما أن تقبضها حتى تكتشف أنها‬
‫سراب‪ ،‬وهم‪ ،‬ل شيء‪ ،‬وذلك ل لتقصير منك ولكن بكل بساطة لن أحدهم قرر‬
‫ذلك!‬
‫"هذا مالي وأنا حر‪ ،‬وإاذا مو عاجبك‪ ،‬روح إاشتكي!"‪.‬‬
‫كانت تلك الجملة هي المطرقة التي هشمت زجاج روحي وكسرت قشرة فوهة بركان‬
‫غضبي ليثور‪ ،‬ولكنه ثار بداخلي‪ ،‬خنقني ودمرني‪ ،‬أطلق الدمع إالى مقلتي عيني‬
‫بسرعة البرق‪ ،‬وياليتها سالت دموعي‪ ،‬لكنها تحجرت هناك‪..‬‬
‫ترقرقت الدموع بعيني وتحجرت هناك‪...‬‬
‫لمعت في عيني لمحدثي لتشعره بمتعة النصر علي‪ ،‬ووقفت هناك لتقتلني ببطء لنني‬
‫جبان خانع‪...‬‬

‫‪21‬‬

‫ياليتها سالت على خد ّي لربما إارتحت‪ ،‬ولكنني لم أبك أبد ًا منذ سنوات طويلة‪...‬‬
‫ل أؤمن بالبكاء‪ ،‬أراه ضعف ول فائدة منه‪ ،‬ولكن اليوم إانفجرت عيني دامعة رغماً‬

‫عني‪...‬‬
‫ربما لنني لم أتوقع ذلك‪ ،‬وربما لن تلك الجملة التافهة من هذا المادي كانت كحذاء‬
‫متسخ يدوس على أخر ما تبقى من أحلامي البسيطة‪ ،‬على حقي ومالي‪ ،‬على رزقي‬

‫الذي عملت لجله سنوات!‬
‫أنا شريف‪ ،‬عملت في هذه المؤسسة خمسة سنوات حتى صارت جزء ًا مني‪ ،‬خمسة‬
‫سنوات وأنا أعمل هنا لمدة عشرة ساعات يومي ًا‪ ،‬فوداع ًا أحلامي البسيطة‪ ،‬وداع ًا‬

‫خلطتي السرية لحشو السمك‪ ،‬وداع ًا تتبيلتي الخاصة من الدقيق وبودرة البقسماط‬
‫والجنزبيل والتوابل الهندية التي كنت أتبل بها قطع الدجاج وأشويها فتخرج مقرمشة‬
‫من الخارج وطرية شهية من الداخل‪ ،‬وداع ًا لخسة سنوات عملت فيها في هذا المطعم‬
‫بكد وجهد وكنه مطعمي‪ ،‬وداع ًا لللف زبون اللذين كانوا ياكلون من يدي يومي ًا‪..‬‬
‫وداع ًا يا مديري الجديد‪ ،‬وداع ًا أيها العاهر الذي لم ترى أي شيء مما كنت أفعله‪ ،‬وكل‬

‫ما رأيته بي هو ثلاثمائة وخمسون دينارًا‪ ،‬هي راتبي!‪.‬‬

‫لم يراني سوى كنقود متحركة‪ ،‬نقود يدفعها كل شهر‪،‬نقود أخذها بدون وجه حق لنه‬
‫يمكن إاستبدالي بإاثنين من عديمي الخبرة‪ ،‬يتم تعليمهما ليقوما بعملي وأكثر منه أيض ًا‪،‬‬
‫سيقومان بمسح الرضيّة وغسيل الطباق وتنظيف النوافذ وغسل الدجاج وفرم‬
‫الفول والحمص لصنع الفلافل‪...‬‬
‫لم يرى أن ما يميزني وما زاد ا إلقبال على المطعم في السنوات الثلاثة الخيرة هو‬
‫خلطاتي المميزة‪ ،‬رأني فقط حفنة من النقود التي سيستطيع توفيرها‪ ،‬هذا الغبي!‬
‫أسف إان كنت قد أطلت عليكم‪ ،‬ونسيت أن أعرفكم بنفسي‪...‬‬
‫أنا شريف‪ ،‬ويناديني أصحابي بإاسم شييف‪ ،‬وهذا لني ألدغ في حرف الراء!‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫أعمل في أحد أفرع سلسلة سلسلة مطاعم شهيرة في الكويت‪ ،‬أنا مصري إاختار أن‬
‫يغترب‪.‬‬

‫إاخترت التعب والتشرد للهروب من أحوال بلدنا الغالية المتدنية وسعي ًا وراء مستقبل‬
‫أفضل لي ولولدي إان لم أستطع لنفسي‪ ،‬ولكن اليوم تم انهاء خدماتي تعسفي ًا وتم‬
‫حرماني من مستحقاتي المالية التي أجازها لي قانون العمل‪ ،‬ولم يكن من حقي أن‬
‫أعترض لن صاحب العمل أراد فقط أن يأكل حقي‪ ،‬وقد فعل!‬
‫أنا الن بلا عمل ول مستحقات‪ ،‬مستحقات خمسة سنوات طارت كما يطير‬
‫العصفور من الفخ بينما يخلصه الصياد‪.‬‬
‫كانت مستحقاتي في مستوى نظري ولكنها تبخرت كما طار العصفور من يد الصياد‬
‫لنه لم يحكم قبضته عليه‪.‬‬
‫ولكنه لم يكن في قبضتي أصل ًا‪ ،‬كان فقط في عقلي!‪.‬‬
‫كنت أشعر بالسعادة كلما مرت علي سنة هنا لنني أحسب مستحقاتي فأجدها قد‬
‫زادت ثلاثون يوم ًا‪ ،‬الن إاذا فكرت في ترك العمل أو إاذا طردوني سيكون معي‬
‫مبلغ محترم ينفعني في بناء شقتي‪ ،‬في تشطيبهان وربما أستطيع شراء محبس لخطب‪،‬‬
‫ولكن لشيء من هذا سيحدث الن‪.‬‬
‫الن علي أن أفكر في كيف سأستطيع تدبر ثمن وجبتي التالية وكيف سأعيش؟!‬
‫تسعة وعشرون عام ًا هي عمري‪ ،‬منهم سبعة سنوات غربة في الكويت والن أعول‬
‫هم ثمن وجبتي التالية!‪.‬‬
‫إانه الهم فعل ًا في صورته الخام!"‬

‫كان ذلك المقال الذي كتبه ونشره على الفيس بوك هو البداية التي جاءت به إالى‬
‫المستشفى‪ ،‬وكان هو بداية كل ما حدث له بعد ذلك‪ ...‬مقال بث فيه كل ما يشعر‬

‫به من سخط وغضب وغيظ‪..‬‬
‫بكت حروفه وابكت الكثيرين‪...‬‬

‫‪23‬‬

‫تعاطف اللف مع المقال‪...‬‬
‫توالت التعليقات والمواساة من كل حدب وصوب‪...‬‬
‫وكان اهم ما يميز المقال هو أسلوبه الرائع في السرد‪ ،‬تلك الملكة التي لم يكن يفطن لها‬

‫قبل ذلك‪...‬‬
‫ظنها الكثيرون نعمته ولكنها كانت نقمته‪ ،‬وبدأت مشاكله بسببها!‪.‬‬
‫بدأت حين إاستقبل في صندوق رسائله طلب ًا غريب ًا‪ ،‬طلب استنكره واقلقه في باديء‬
‫المر ولكنه قال لم ل؟!‪ ،‬ما أكثر ما قد يحدث؟‪ ،‬ولم ل أجازف؟!‬
‫كان الطلب هو أن إاحدى السيدات أرادت منه أن يسرد قصتها ومعاناتها‪ ،‬أرادت‬
‫أن يعلم العالم مدى بؤسها في حياتها‪ ،‬أرادت فعل ذلك من سنوات ولكنها تفتقر إالى‬
‫الجرأة والسلوب‪ ،‬والهم أنها ل تريد أن تفعل ذلك في محيط صغير‪ ،‬ف إان ذلك أشبه‬
‫بالصراخ في غرفة ضيقة‪ ،‬فلن يفيد الصراخ الخافت في إاراحة أوجاع النفس‪ ،‬والصراخ‬

‫بملئ الروح سيصم أذانها‪...‬‬
‫أرادت فعل ذلك في صفحته‪ ،‬حيث وصل عدد المتابعين فيها إالى حوالي أحد عشر‬

‫ألف متابع من مقال واحد كتبه فقط‪.‬‬
‫حكت له قصتها بكل تفاصيلها وطلبت منه أن يصيغها بطريقته وأن ينشرها على‬

‫صفحته‪...‬‬
‫كانت تريد فعل ذلك كصرخة إاستغاثة تطلقها من فوق أعلى قمة جبل‪...‬‬

‫لم تكن قصتها بالشيء الهين أو السهل‪ ،‬فقد كانت شائكة جد ًا‪.‬‬
‫وهو تردد كثيرًا‪ ،‬وخاف من ذلك لنه كان يخشى ردود الفعال إازاءها‪ ،‬ولكنه قرر أن‬

‫يجازف‪ ،‬قرر أن يكتب قصتها وينشرها‪.‬‬

‫*************‬

‫‪24‬‬

‫‪3‬‬

‫نيمفو ‪..‬‬

‫كان إانسياب اللبن من غددها اللبنية سلس ًا إالى فم ذلك المخلوق الحمر الضعيف‬
‫العاجز الذي تحتضنه بيديها‪ ،‬رغم ألف الفواه التي داعبت ورضعت حلماتها الخرساء‬

‫إال أنها لم تشعر بمثل تلك السعادة‪ ،‬ول الدغدغة الناتجة عن سريان اللبن فيها‪.‬‬
‫سقطت رغماً عنها دمعة فرح أعقبتها بقبلة ندية على رأس إابنها وهي تمسح شعيراته‬

‫الخفيفة بيمينها ونظرت إالى أعلى وقالت‪" :‬ربنا يخليك ليا "‪،‬‬
‫ثم أسندت رأسها على حافة السرير خلفها ورفعت الغطاء من أسفل رجلها حتى‬
‫غطت جسدها وجسد إابنها المتشبث بصدرها وأغمضت عينيها وأخذتها الفكار إالى‬

‫بئرها المظلم والمخيف‪..‬‬
‫راحت بأفكارها إالى أيامها التي كانت عقدة حياتها‪ ،‬وحبكتها التي هي فيها الن‪ ،‬غير‬
‫عالمة هل هذا المولود الذي تحمله وعانت من أجل الحصول عليه‪ ،‬هل ياترى سيكون‬
‫الحبل الذي يشنقها أم الحبل الذي يمده الله لها وهي في هاوية بئر اليأس والعذاب‬

‫لينقذها وينقذ روحها السوداء من كحل اليام المصبوغة به؟!‬
‫أرخت رأسها وراحت تتذكر ‪...‬‬

‫وأول ما تذكرته كان تلك الذكريات في أعمق وأظلم زوايا عقلها‪ ،‬تلك الذكريات‬
‫الحاضرة‪ ،‬والتي أبد ًا ل تغيب‪ ،‬ومع هذا تهرب منها أيام وشهور وسنين‪ ،‬ككرباج‬

‫يتحاشى النظر إاليه عبد ُحرث ظهره به‪ ،‬وكعصا يخشاها كلب ُشجت به رأسه‬
‫وكسرت إاحدى ساقيه‪..،‬‬

‫‪25‬‬

‫تلك هي الذكريات التي طالما هربت منها لسنوات طوال‪ ،‬ولكن الن تسوقها أفكارها‬
‫إاليها رغماً عنها وكنها كراكيب قديمة لبد من التخلص منها‪ ،‬وكنها عفن لبد من فتح‬
‫الشبابيك عليها لتطهيرها‪.‬‬
‫تذكرت َاهلها‪..‬‬
‫أبيها‪ ،‬أمها‪ ،‬أخيها وأختها‪ ،‬تذكرت تلك العائلة البسيطة والحياة البسط التي كانت‬
‫تعيشها‪...‬‬
‫بيت صغير في قرية‪ ،‬وأهل يغمرونها بالحب والعطف والحنان‪ ،‬لم يكن لها أحلام أو‬
‫أي طلبات‪...‬‬
‫لم تشعر أنها محرومة من شيء‪...‬‬
‫لم تشعر بالضجر أو الضيق‪ ،‬ل من قريتها الصغيرة ول من شارعهم الضيق الذي ل‬
‫تصله أشعة الشمس إال لدقائق معدودة خلال الصيف‪،‬‬
‫كانت تظن أن حياتها مثالية حتى دق قلبها‪...‬‬
‫تلك العضلة الملعونة بالحياة والموت‪.‬‬
‫فالقلب هو لعنة أبدية وسلاح ذو حدين‪ ،‬يضخ الحياة في جسد ا إلنسان‪ ،‬واذا ما‬
‫نبت فيه الحب فربما يكون الخلود‪ ،‬أو السم الذي يهلك ا إلنسان وأحيان ًا كل من‬
‫حوله‪.‬‬
‫وهذا ما حدث معها‪...‬‬
‫أحبها إابن الجيران‪،‬‬

‫عشقها حتى عشقته‪ ،‬ولنها لم تتعود أن يُرفض لها طلب فقد أخبرت أمها بحبها‪ ،‬والتي‬
‫بدورها هرعت إالى والدها لتخبره بضرورة تفادي المصيبة!‬
‫ولول مرة تعرف للرفض معنى‪...‬‬
‫وإاعتراض َاهلها على حبها إلبن الجيران زادها تمسكاً به‪...‬‬

‫فل َم ل تتمسك به وهي أمام فرصة ذهبية لتكون جولييت الجديدة وحبيبها‪ ،‬جارها هو‬
‫روميو العصر؟؟‬

‫‪26‬‬

‫وهربا سوي ًا ظن ًا منها أنها تخلد حبها‪ ،‬ولكن ليس هكذا ُيخلد الحب في القرى!‪.‬‬
‫هربا إالى القاهرة‪ ،‬وهناك إانتهك حبيبها عذرية قلبها وروحها مثلما إانتهك عذرية‬
‫جسدها‪ ،‬ولم يمر سوى أسبوع حتى وكان كزئبق‪ ،‬كبخار ماء ما لبث أن ظهر على‬
‫سطح إاناء يغلي وما عاد له وجود‪ ،‬وإاختفى الحبيب‪ ،‬إاختفى روميو زمانها‪ ،‬وسال‬
‫دمعها حارًا ولم تكن تدري أتبكي نفسها أم تبكي الحال الذي أصبحت به أم تبكي َمن‬

‫غدرها؟!‬
‫بكت بلا صوت‪ ،‬وإاختنقت أنفاسها عندما تذكرت تلك اليام واليام التي تلتها‪،‬‬
‫مسحت دموعها بظهر يمينها وتذكرت أول مقايضة بجسدها بعد أن قرص الجوع‬

‫معدتها الخاوية‪..‬‬
‫علمت أن حبيبها لن يعود ولن تستطيع هي أن تعود لهلها بعار لن تغسله اليام‪،‬‬

‫فباعت جسدها!‬
‫مرة ومرة وعشرات المرات‪..‬‬
‫باعته لتأكل وتشرب وتلبس‪ ،‬ثم تعلمت أن تبيعه لتركب سيارات وتشتري الشقق!‪.‬‬

‫لكن مهل ًا!‬
‫هي لم تبع جسدها!‬

‫ل ‪..‬‬
‫بالطبع لم تبعه!‬
‫بل كل ما فعلته هو أنها إاستخدمته كسوط يجلد جيوب هؤلء الذين يسيل لعابهم‬
‫عليها وتغرق في إانحناءاتها نظراتهم‪...‬‬
‫هؤلء الذين تتوه أصابعهم في جسدها وتجف ألسنتهم لعق ًا في تضاريسها!‬
‫هي ليست بضاعة ل ُتباع‪...‬‬
‫بل هي سجن وعقاب لهم!‬
‫وحتى ل نختلف‪ ،‬فلا تهم المسميات‪ ،‬لنها بالطبع باعت نفسها وجسدها في تلك‬
‫اللحظة التي لم تنصاع فيها لحكم وأوامر أهلها!‪.‬‬

‫‪27‬‬

‫وعاشت حياتها لهدف واحد‪..‬‬
‫وهو تأمين نفسها مادي ًا‪ ،‬فهيي قد علمت أنه ل لن يبقى لها أحد إالى البد‪...‬‬
‫ل أصدقاء ول أحباء ول أقرباء‪ ،‬فالعلاقات البشرية عملة رائجة في كل الدنيا ولكنها‬
‫فقيرة وهذه العملة ل تعرف لحياتها طريق‪ ،‬المال وحده هو الذي سيكون طوق النجاة‬
‫لها‪ ،‬وكنزت كل ما إامتدت إاليه يدها‪ ،‬كل قرش ستوفره الن سيعينها بعد تقاعدها‬

‫لن مهنتها هذه مرهونة بجمالها ونضارتها وما أسرع ذبول نضارة النساء!‪.‬‬
‫ُهن كالوردن تذبل بتلاته وتتساقط سريع ًا فما بالك بوردة عبثت ببتلاتها الكثير من‬

‫اليدي وإامتص رحيقها عشرات‪ ،‬بل مئات النوف؟‬
‫هي غيبوبة‪ ،‬عاشت فيها بإارادتها لسنوات طويلة‪ ،‬لم تصحو منها إال من خلال ذلك‬

‫الفستان القديم الذي أرادت إارتدائه لزبون قديم ولكنه عالي المقام!‪.‬‬
‫وقفت أمام المرأة التي طالما تحاشتها حتى ل تُعيرها بعهرها‪ ،‬وقفت مرتدية ذلك‬

‫الفستان الذي لبسته بصعوبة بالغة‪ ،‬وقفت تنظر لنفسها كمسخ!‬
‫فقد إانهار جسدها دون أن تدري!‬

‫أو ربما كانت تدري ولكنها لم تقارن واقعها أبد ًا بماضيها من قبل‪ ،‬وخير ُمقارن هو ذلك‬
‫الفستان الذي طالما تألقت به فيما مضى‪ ،‬أما الن فهيي تبدو فيه وكنها شوال مكبوس‬

‫بالقطن!‬
‫صدرها فقد قوامه وسال على جسدها كبالونتين مهترئتين‪ ،‬وتلك الخطوط التي تظهر‬

‫في بطنها كثنيات مقيتة والنتوءات التي تظهر جلية بسبب لمعة الفستان وإالتصاقه‬
‫بجسدها‪...‬‬

‫نظرت إالى جسدها وفغرت فمها من صدمتها‪...‬‬
‫من سيدفع المال في هذا الجسد بعد الن؟!!‬
‫حاولت أن تتذكر عمرها‪ ،‬حاولت أن تتذكر السنة التي تركت فيها بيت َاهلها وفي أي‬

‫عام تعيش؟!‬
‫بحثت في هاتفها عن السنة‪ ،‬التاريخ‪...‬‬

‫‪28‬‬

‫فاليام لم يعد لسمائها قيمة لها منذ زمن والسنوات دورانها ل يعنيها بشيء‪ ،‬ولكن‬
‫تلك الفجوات الصغيرة في نسيج حياتنا إان لم نسارع برقعها فسنجد أنفسنا يوم ًا م ًا‬

‫بلا ستر ول غطاء!‪.‬‬
‫وغالب ًا سنكون قد فقدنا كل قوة في أجسادنا حينها‪ ،‬كل قدرة على التحمل وكل قدرة‬

‫لمحاولة ا إلصلاح‪ ،‬عرايا وليس أمامنا سوى إانتظار النهاية ببؤس‪ ،‬متجرعين ألم المرارة‬
‫بسبب الوقات التي أهدرناها سدى وأهملنا إاغلاق شقوق المركب‪.‬‬

‫وكانت تلك اللحظة هي بداية الوعي وبداية الكابوس الذي طالما هربت منه لسنواتها‬
‫الطويلة في عالم الدعارة‪ ،‬عالم دخلته رغماً عنها‪ ،‬دخلته بالحب وإانتهت أيامها فيه وحيدة‬

‫بدون حب‪ ،‬علمت أن أيامها كعاهرة وكنى قد قاربت على ا إلنتهاء ولن يتبقى لها‬
‫سوى الوحدة المقيتة‪ ،‬ستقضي باقي أيامها وحيدة منسية بين جدران قصورها الخاوية‪.‬‬

‫رعب سيطر عليها ليام طويلة تالية‪...‬‬
‫ماذا تفعل؟؟‬

‫كيف تهرب من تلك الوحدة‪ ،‬وما الحل؟؟‬
‫لم يهدها تفكيرها إال إالى ذلك المل الوحيد الذي ظنت أنه ليس من حقها لسنوات‪،‬‬
‫ولكن ليس بعد الن‪ ،‬فتلك هي فرصتها الوحيدة وإال لن يتبقى لها سوى البكاء على‬

‫الطلال‪...‬‬
‫وكان المل هو ا إلنجاب!‪.‬‬
‫أن تُنجب طفل ًا يكون لها ونيس ًا في أيامها ويكون لها سند ًا حين تشيخ وتقوى عليها‬
‫اليام‪ ،‬وتُنسى من ذاكرة كل من ضاجعوها!‪.‬‬
‫وبدأت رحلة البحث عن رجل يزرع في رحمها بذرته ‪...‬‬
‫لم تكن تريد سوى بذرة وإاسم يُطلق على النبتة ‪..‬‬
‫وعقدت صفقتها مع ذلك الرجل الذي طالما حلم بها لسنوات ولكن لم يكن له أي‬
‫فرصة معها‪ ،‬فقد كانت أكبر من إامكانياته‪ ،‬لكنها إاتفقت معه على أن يضاجعها مجان ًا‬
‫مقابل أن تحمل منه وأن يسمى إابنها على إاسمه بلا أي إارتباطات من بعد ا إلنجاب‪...‬‬

‫‪29‬‬

‫ل تريده في حياتها ول تريد منه شيء‪ ،‬بل دفعت له الكثير من المال مقابل هذه‬
‫الصفقة!‬

‫وهذا زاد قناعتها في أنها ل تحتاج إالى رجل في حياتها‪ ،‬فهيي لم تجني منهم سوى الدمار‬
‫وحطام نفسها وروحها‪...‬‬

‫وها هو إابنها ينهل من صدرها‪.‬‬
‫نظرت إالى ابنها بقلق وخوف شديدين وراحت تفكر‪:‬‬
‫"هل يا بني ستكون لي السند أم ستكون أنت سوط القدر الذي سيجلدني على‬

‫ذنوبي التي إاقترفتها في حياتي رغماً عني؟!‬
‫جلبتك إالى هذه الحياة لتكون عكازي وسندي وأخشى أن أكون كمن يستند على‬

‫سيف يخترق صدره ويجلب له الموت‪...‬‬
‫هل ستصدق روايتي عن أبيك الذي مات وأنت في اللفة أم أن ماض ّي‬

‫س يطاردني؟؟‬
‫هل ستصدقهم عندما يخبروك أني عاهرة وأنك إابن حرام؟‪ ،‬أم أنك ستسترني‬

‫بذراعيك وستعوضني عن سنوات حياتي التي أكلها الجراد؟‬
‫وغلبتها دموعها وأحزانها وخوفها من الغد‪ ،‬وكان رضيعها قد شبع ونام‪...‬‬

‫وضعته بجوارها واستدارت على جنبها وحضنته ونامت!‬

‫**************‬

‫‪30‬‬

‫‪4‬‬

‫بعدما نشر شريف قصة نيمفو التي روتها له وطلبت منه أن ينشرها إاشتعلت‬
‫صفحته‪..‬‬

‫كان يعرف أن قصتها لن تمر على متابعين الصفحة مرور الكرام‪ ،‬ولكنه أيض ًا لم يكن‬
‫يعرف أنها ستصل إالى هذا الحد من ا إلنفلات!‬

‫كانت تفاصيلها الحادة تضرب وترًا حساس ًا في قلوب وضمائر الق ّراء‪ ،‬في مجتمع نشأ على‬
‫الفضيلة والتدين الظاهرين‪ ،‬مجتمع إاعتاد فيه المجرم والقاتل والزاني على التمسح بالدين‬
‫ليخفوا سواد أرواحهم‪ ،‬ل يتورع أي منهم عن لبس ثوب العفة والفضيلة أمام الخرين‬
‫ويلقي بحجارة التأنيب والتوبيخ على كل مظاهر ا إلنحلال الخلاقي الذي يرونه حولهم‪،‬‬
‫متظاهرين بأنهم يسيرون على الصراط المستقيم‪ ،‬عالمين أن ل أحد يعرف خباياهم‪،‬‬
‫يذمون الخرون الذين هم مثلهم ل لشيء سوى أنهم ظاهرون ومعروفون بفسادهم أو‬
‫أنهم يجاهرون به‪ ،‬كن وصية الله بوجوب الستر إاذا ما أبتلوا ضوء ًا أخضر لفعل كل‬
‫الشرور في السر ومعاقبة كل من يعلن بلوته‪ ،‬المسؤول الفاسد والموظف المرتشي‬
‫والمرأة الخائنة والزوج المنحل وا إلبن السارق‪ ،‬كلها وجوه لنماذج بشرية واحدة‪ ،‬ا إللتزام‬

‫الظاهري‪ُ ،‬م َّد ِعين الفضيلة ومحاربين من أعلنها حتى وان كانت تلك المحاربة بالقوة‬
‫والشتم!‪ ،‬ل يهم الذى لنه جهاد مقدس‪ ،‬تغيير للمنكر باليد!‬

‫وتحول منشور نيمفو من قصة تروي معاناة إامرأة وصرخة ألم في فضاء إالكتروني إالى‬
‫مجرد غلاف للف التعليقات التي تسب شريف وتلعنها!‪.‬‬
‫عاهرة تستحق الموت!‬

‫عاهرة فاجرة ولم تكتفي عند هذا الحد‪ ،‬بل أنجبت طفل ًا بالسفاح!‬
‫بأي حق تنجب بهذه الطريقة؟‪ ،‬أل يكفي ما فعلته في حياتها من ذنوب؟‬

‫لعنة الله عليها وعليك يا شريف‪ ،‬أيها الداعر لنك تنشر هذا الهراء!‬
‫وتطرف أحدهم في التعليق شاتم ًا بقسوة‪:‬‬

‫‪31‬‬

‫" ما العاهرة إال أنت وأمك!‪ ،‬لن أمك ل تختلف كثيرًا عنها!‪ ،‬وإال لكنت أنت من‬
‫ذوي النخوة والرجولة حتى ل تنشر هذا المنكر على المل ضارب ًا بكل قوة أسس‬

‫الخلاق في مجتمعنا المتدين!!!‬
‫وكثير من التعليقات‪ ،‬بل المئات منها تلعنه وتسبه بأبيه وأمه‪ ،‬ومنها ما إاتهمه بأنه‬
‫يؤلف هذه القصص لجذب الق ّراء بطريقة دونية‪ ،‬بجذب الفئة المثارة منهم‪ ،‬وكثيرون‬

‫دعوا بمقاطعة الصفحة وغلقها لنها أصبحت بذيئة وتنشر الفجور!‪.‬‬
‫لم ينصفه أحد‪...‬‬

‫فقد مؤيديه الذين تعاطفوا مع قصته ومأساته‪،‬وكل هذا بسبب نيمفو‪..‬‬
‫" تب ًا!‪ ،‬يبدو أنني قد تسرعت!!"‬

‫إاغتاظ شريف وقرر أن يرد بمنشور جديد‪..‬‬
‫وكتب‪:‬‬

‫" إانتشرت القصة على نطاق واسع‪ ،‬الكثير من إاعادة النشر والكثير من التجريح‪،‬‬
‫ولكن الشعب المتدين الذي أراد أن يغلق الصفحة لم ينتبه أنها قد إازداد عدد قراءها‪،‬‬

‫تضاعف العدد‪ ،‬الكثير من المشتركين الجدد ولكن ل أحد ينصفني في التعليقات!‬
‫لم يكن كل المشتركين شاتمين ولكن بعضهم هزته القصة‪ ،‬أدركوا أنها حقيقية وواقعية‪،‬‬
‫يرونها كل يوم حولهم‪ ،‬أثرت القصة بقلوب الكثيرين والكثيرات ممن يعرفون خبايا هذا‬

‫العالم السود‪...‬‬
‫إامرأة باعت نفسها لرجل سلب روحها قبل جسدها وذهب ل يهمه إاحساسها‪،‬‬
‫ورجل ذهب إالى شقة مفروشة ليمتع نفسه بأجساد العاهرات ول يرى منهن إال‬
‫أجساد جميلة وأعضاء مثيرة له الحق في إاستغلالها كما يحب طالما دفع فيها المال‪،‬‬
‫ناسي ًا وغير مدرك أنه ربما يكون خلف كل منهن مأساة أشد قسوة من مأساة نيمفو‪.‬‬
‫فربما تلك العاهرة التي يدفع فيها هذا المبلغ من المال لتكون عبدة نزواته ورغباته‪ ،‬ربما‬
‫تكون أكثر منه شرف ًا‪ ،‬ربما هي أرملة لم تجد من يسترها هي وأولدها‪ ،‬بل وجدت‬
‫ذئاب تتوق لنهش لحمها في الحرام‪ ،‬ربما هي إامرأة حاولت أن تبحث عن عمل ولو‬

‫‪32‬‬

‫كخادمة ولكنها اكتشفت أن حتى العمل الشريف الذي ل يكفي ما تتقاضاه منه ثمن‬
‫الرغيف الحاف لبد له من بعض التنازلت‪..‬‬
‫وربما‪ ،‬وربما‪ ،‬وربما!‪.‬‬

‫ولكن الحقيقة هي أنه ليس كل العاهرات يفعلن ذلك من أجل المتعة‪ ،‬ليس كلهن‬
‫يفعلن ذلك بسبب شهوة جسد‪ ،‬فهن في أغلب الحيان من كان حظهن في الحياة‬

‫قليل ًا ولم يمتلكن فيها إال أجسادهن‪ ،‬ل أب ول إابن ول زوج ول أخ‪ ،‬بل فقط‬
‫جسد مستعد أنت كرجل في دفع الكثير من أجل إاستباحته‪ ،‬ننعتهم بالعاهرات ولكن‬
‫الحقيقة أن العاهرات الحقيقيات لسن من تجدهن في بيوت الدعارة ‪ ،‬بل أحيان ًا هن‬

‫في بيتك!‪،‬‬
‫نعم ‪..‬‬

‫في بيتك أنت!‬
‫تظن فيهن العفة والشرف‪ ،‬والحقيقة يكتشفها البعض في وقت متأخر جد ًا‪،‬‬

‫يكتشفون أنها غير ذلك تمام ًا!‪".‬‬

‫ونشر ما أراد قوله‪ ،‬لكن المقال الذي كتبه لم يبرد ما بداخله من ثورة وغيظ‪ ،‬وفكر‬
‫في إاغلاق الصفحة ليجنب نفسه كل هذا الكم من ا إلساءه وا إلهانة لشخصه ولهله‪..‬‬

‫" تب ًا!‪ ،‬هل ينقصني كل هذه ا إلهانة وقلة القيمة ؟!"‬
‫"تب ًا لكم أيها الحمقى!‪ ،‬يكفيني ما بي من ألم وكسرة نفس‪ ،‬صفحة مجهولة صنعتها لكتب‬

‫فيها أوجاعي والن تقتحمونها!‬
‫ماذا علي أن أفعل؟!"‬

‫وفار الدم في رأسه واشتعل عقله بالفكار والغضب‪ ،‬فأطفا شاشة الكمبيوتر وغادر‬
‫المنزل‪.‬‬

‫**************‬

‫‪33‬‬

‫‪5‬‬

‫في المقهيى جلس‪ ،‬متذكرًا من هو؟‪ ،‬ومن أين جاء؟‪ ،‬وأيامه الولى مع مع أصدقائه‬
‫في الكلية‪ ،‬زمن ًا كانت الحياة فيه صعبة‪ ،‬فلم تكن المادة سهلة معهم في تلك اليام‪،‬‬

‫حيث كان مصروفهم السبوعي هوعشرون جنيه ًا في عام ‪ ،2٠٠6‬ولهذا كان‬
‫التسيب وا إلنحلال شبه مستحيل بالنسبة لهم‪ ،‬ولكنهم كانوا يتوقون إالى التحرر‪ ،‬إالى‬

‫التمرد‪ ،‬بل إالى الصراخ في وجه الواقع البائس‪...‬‬
‫ل َم ل نشرب سجائر أو شيشة مثل باقي زملائنا في الكلية ؟!‬
‫سؤال ثوري‪ ،‬إاعتراضي‪ ،‬إاحتجاجي سأله أحد أصدقائه وكانت ا إلجابة هي أنهم ل‬
‫يستطيعون تحمل نفقات السجائر كما أن السجائر بها نسبة نيكوتين أكبر تسبب‬
‫إادمانها وهم في غنى عن ا إلدمان في ظل ظروفهم المادية الصعبة!!‬

‫ووقع ا إلختيار على أن يجربوا الشيشة!‬
‫شيشة تفاح!‪ ،‬لن ما عداه صعب ويتعب الحلق كما أفادهم صديق بحكم علمه السابق‬

‫لن والده يدخن الشيشة!‬
‫حل بائس في واقع بائس!‬
‫وكان لهم ما أرادوا‪ ،‬حجر الشيشة الول‪ ،‬حجر تفاح تشاركوه‪ ،‬نشوة الدخان الغزير‬
‫وهو يخرج من بين شفاههم ومن بين أسنانهم خيوط ًا ناعمة كخيوط حريرية‪ ،‬دفق‬
‫غزير ثائر يخرج من أنوفهم إاثر زفرة سريعة‪ ،‬ساعة كاملة وهم يتبادلون الشيشة وسط‬
‫نشوة وسعادة غامرة‪ ،‬سعادة التمرد!‪.‬‬
‫وأخذته الفكار سريع ًا ليعود إالى أيامه الولى بعد التخرج ‪..‬‬
‫تب ًا‪ ،‬ل أريد أن أتذكر هذا البؤس الن!‪ ،‬يكفيني ما بي من بؤس!‬
‫وعاد إالى سيل ذكرياته وهو يتساءل‪ ،‬من أنا؟؟‬
‫وإابتسم نصف إابتسامة صفراء وهو يقول لنفسه‪ ،‬أنا مازلت أنا!‪ ،‬أنا الذي سافرت‬
‫إالى الكويت بعدما تخرجت من كلية السياحة والفنادق بالمنيا عام ‪ 2٠٠٩‬كباقي‬

‫‪34‬‬

‫أصحابي‪ ،‬كنت أظن أن الواقع الجميل ينتظرني مرحب ًا بي‪ ،‬كنت أظن أن شهادتي‬
‫ستخولني أن أكون الشيف حسن‪ ،‬أو الشيف شربيني التالي!‬

‫وقبلها كنت قد ذهبت إالى شرم الشيخ للعمل في أحد الفنادق وكنت أظن أنني‬
‫سأكون الماستر شيف ولكنهم أخبروني أن شهادتي ل تعني شيء وأنها مجرد تذكرة‬
‫لدخولي إالى مطبخ الفندق!‪ ،‬إالى المكان الوحيد الذي يستأمنوني عليه ول يخشون‬

‫من أن أرتكب الخطاء فيه‪ ،‬إالى حوض غسيل الصحون!‬
‫بدأت براتب ‪ ٤٥٠‬جنيه مع توفير الفندق للسكن والطعام وا إلنتقالت‪ ،‬خمسة عشرة‬
‫عام ًا من التعليم جاهدت فيها كثيرًا‪ ،‬وانعزلت عن العالم‪ ،‬ولم يكن بإارادتي‪ ،‬بل بإاجبار‬

‫من أبي وأمي حتى أنتسب إالى كلية من كليات القمة!‪ ،‬والن أنا أعمل براتب ل‬
‫يتجاوز الـ ‪ ٤٥٠‬جنيه شهري ًا!‪ ،‬أي خمسة عشرة جنيه ًا يومي ًا‪ ،‬فساعات العمل اليومية‬

‫هي ‪ ١2‬ساعة‪ ،‬أي أن ساعتي تساوي جنيه وربع!‪.‬‬
‫اللعنة على هكذا واقع!‬

‫فزميلي الذي كان يجلس بجواري في الثانوية وفشل ودخل معهد صحي تخرج الن‬
‫وتوظف في الحكومة بمرتب ‪ ٧٥٠‬جنيه‪ ،‬غير أنه يعمل بعد الظهر في مستشفى‬
‫خاص براتب ‪ ١٠٠٠‬جنيه!‪ ،‬وزميلي الذي كان بجواري في ا إلعدادية وفشل في‬
‫دخول الثانوية يعمل الن نجارًا مسلح ًا في مكان قريب من الفندق‪ ،‬قابلته بالصدفة‬
‫في الشارع وكان يشتكي من أن عمله قليل الجر‪ ،‬وحين سألته عن أجره أخبرني انه‬
‫يتقاضى ‪ ٨٥‬جنيه يومي ًا وساعات عمله هي ‪ ٩‬ساعات وكان أكثر ما يضايقه حينها أنه‬
‫يعمل لدى مقاول ل يفقه شيء‪ ،‬وهذا المقاول هو زميلنا الثالث الذي كان يجاورنا في‬

‫الصف الثالث ا إلبتدائي!‪.‬‬
‫إامتعصت واغتظت وحنقت جد ًا على الدنيا وأحوالها ولكنني صممت أل أستسلم‪..‬‬
‫صممت أن أبني إاسمي بيدي‪ ،‬ل واسطة لي ول ظهر في هذه الدنيا وهذا العالم الجديد‬

‫الذي إاقتحمته بشهادتي‪...‬‬

‫‪35‬‬

‫فأهلي بسطاء من إاحدى قرى مدينة ملوي‪ ،‬وأنا الن أبعد مئات الكيلومترات عنهم‬
‫وعن إامكانياتهم البسيطة وسندهم ودعمهم المادي والمعنوي‪.‬‬

‫مرت ثلاثة أشهر أغسل فيها الصحون قبل أن أترقى ويُسند إالي مهمة إاعداد‬
‫السلطات‪ ،‬وكان ذلك اليوم بالنسبة لي يوم عيد!‪.‬‬

‫أربعة أشهر مرت‪ ،‬بعدها إانتقلت إالى داخل المطبخ الرئيسي وسط الطهاة‪ ،‬حيث إانني‬
‫وبمرتب شهر إاستطعت رشوة المسؤول عنا ليدخلني إالى المطبخ‪.‬‬

‫ودخلت المطبخ ولم أستطع فعل شيء!‪ ،‬ل لنني ل أعرف‪ ،‬ولكن لنني لم أخذ‬
‫فرصتي!‪.‬‬

‫سنة مرت على في هذا المطعم بالذل‪ ،‬ولكني صبرت حتى جاءت أمامي فرصة السفر‬
‫إالى الكويت‪.‬‬

‫لم تكن فرصة كتلك التي نسمع عنها أو نراها‪ ،‬فالفرص عندنا في الصعيد فرص‬
‫مدفوعة وليست مجانية‪ ،‬ولكنها تحسب فرصة من مبدأ أن هناك من سيساعدك‬
‫مقابل مالك‪ ،‬كمين الشرطة الذي تدفع له مقابل سماحه لك بإادخال الطعام إالى‬
‫قريبك في الحجز‪ ،‬وهكذا كان المر‪ ،‬دفعت أربعون ألف جنيه ًا لشخص إلستخراج‬
‫فيزا لي‪ ،‬أربعون ألف ًا في عام ‪ ، 2٠١٠‬جمعها والدي لي عن طريق بيعه لستة قراريط‬

‫كان ل يملك سواها بالضافة إالى إاحدى البقرتان اللتان يقتات من إانتاجهما‪.‬‬
‫خمسة عشرة عاما من التعليم وا إلنعزال عن العالم‪ ،‬وفي النهاية أترك بلدي بحث ًا عن غد‬

‫أفضل‪ ،‬تاركاً أهلي على حافة ا إلفلاس‪.‬‬
‫لم تكن الحياة في الكويت وردية كما هو ُمعتقد بيننا‪ ،‬ول كما تصورها الدراما المصرية‪،‬‬

‫حين يكون البطل شاب مدمن مستهتر‪ ،‬ويشتكي أن السبب غياب والديه في‬
‫الخليج ويرسلون له الكثير من المال الذي كان سبب ًا في فساده‪.‬‬

‫الحقيقة بالنسبة لي وبالنسبة لكل من أعرفهم‪ ،‬والله أعلم بباقي البلد‪ ،‬ما هي إال مجرد‬
‫وهم وسراب سعينا خلفه حتى إاصطدمنا بأرض الواقع!‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫شقة‪ ،‬عبارة عن غرفة وصالة مساحتها ل تتعدى الـ ‪ ٣٥‬مترًا مربع ًا يسكن بها ثمانية‬
‫أفراد‪ ،‬يقيمون فيها إاقامة كامله لسنوات إال بعض الشهور القليلة التي تتخلل هذه‬
‫السنوات حين يغادرون في إاجازة إالى ذويهم في مصر‪ ،‬ثمانية أفراد بكل كراكيبهم التي‬
‫لملموها من فضلات غيرهم اللذين تركوها في الشوارع والتي ظنوا أنها قد تفيدهم في‬

‫هذا السكن‪.‬‬
‫سجادة مستعملة‪ ،‬فُرشت على الرض في الصالة‪ ،‬تحول لونها إالى السود نتيجة مسح‬
‫الرجل فيها بعد الخروج من الحمام‪ ،‬وتفوح منها رائحة العطن والعفن نتيجة مسح عرق‬

‫الرجل فيها بعد خلع الحذية على الباب بعد العودة من العمل‪.‬‬
‫تلفزيون قديم مستعمل‪ُ ،‬و ِضع على منضدة صغيرة تقشر سطحها‪ ،‬وجدها أحدهم في‬

‫الشارع وأحضرها‪ ،‬وعلى الرض بجوار الحائط مساند إاسفنجية مكسوة بقماش‬
‫التنجيد‪ ،‬أخذها أحدهم من انتريه قديم كان موضوع بجوار صندوق قمامة‪ ،‬رغم أنها‬
‫كانت مستعملة حين أحضروها وكانت بالنسبة لصاحبها الصلي قمامة‪ ،‬إال أنها كانت‬

‫أنظف كثيرًا مما هي عليه الن‪.‬‬
‫ح َّمام!‪ ،‬ل داعي لوصفه ول لوصف البانيو الذي فيه!‪ ،‬فلا أعلم إالى الن من الذكي‬

‫الذي ظن أنه من الرفاهية تركيب بانيو في شقق يعلم أنها سيسكنها ُعزاب؟‪.‬‬
‫والمطبخ‪ ،‬لنأتحدث عنه كثيرًا‪ ،‬فالواقع أسوء مما يمكن أن يقال!‪.‬‬

‫فتلك الكائنات الرقيقة جد ًا والتي إاسمها "صراصير"‪ ،‬تعيث فيه وتتحرك في كل مكان‬
‫بلا خوف ول هيبة وكنها تحتمي بعددها أو أنها تعلم أن السكان يعلمون أنه ل داعي‬
‫لقتلها لنها أكثر من أن تموت بالقتل وأصبحت من أهل البيت ول ينازعها أحد في‬

‫ذلك!‬
‫والبوتاجاز‪ ،‬هو شيئ مسطح تستطيع تقشير طبقات السواد من فوقه‪ ،‬وثلاجة‬
‫يفوح منها العفن إاذا ما فتحت ولكنها كانت كافية جد ًا لتبريد المياة وحفظ الطعمة‬

‫يوم ًا أو اثنين على أكبر تقدير وتعتبر أقل الماكن في المطبخ التي تعيث فيها‬

‫الصراصير‪.‬‬

‫‪37‬‬

‫كل هذا ل يهم‪..‬‬
‫كانت الطامة الكبرى في الغرفة التي نقيم فيها‪ ،‬في تلك الحشرة اللعينة التي لم اسمع عنها‬

‫أو أراها قبل أن أتي إالى هنا!‪.‬‬
‫" حشرة البق "!‪.‬‬

‫كان شريف قد دخن حجرين شيشة في تلك القعدة دون أن يعي‪ ،‬عادته كانت شرب‬
‫القهوة وحجرين شيشة وكان يغادر قبل أن ينهيي الحجر الثاني ولكن رحلته في ذكريات‬
‫الماضي الليم سحبته بعيد ًا عن الواقع الذي لم ينتبه فيه أن الحجر الثاني قد تفحم وانه‬

‫يتنفس نارا في صدره‪ ،‬لم ينتبه إالى انه يسعل لنه مازال ينفث من شيشة لم يتبقى‬
‫على حجرها إال الفحم والمعسل المشتعل‪ ،‬غاص في الماضي إالى حد أنه نسي قانون‬

‫الشيشة الول‪...‬‬
‫شرب النار يحرق الصدر!‪.‬‬
‫لم يعي ذلك إال وصبي القهوة يسأله إاذا ما كان يريد تغيير الحجر أم ل؟‬

‫هنا فقط انتبه‪...‬‬
‫انتبه إالى انه كان يقتل نفسه مرتين‪ ،‬مرة بالغوص في الماضي الليم والخرى بتدخينه‬
‫النار‪ ،‬رفض عرض صبي القهوة ودفع الحساب وذهب وبداخله تصميم أل يستسلم‪...‬‬
‫تصميم أن يحيي صفحته ويجعلها مكانا للصراخ‪ ،‬يصرخ هو فيها بما يؤلمه ويصرخ كل‬
‫من أراد الصراخ‪ ،‬وصرخ هو‪ ،‬وصرخت نيمفو‪ ،‬والن جاء الوقت لينقل صرخة لم‬
‫تطلب منه صاحبتها ذلك‪ ،‬إال انه شعر بواجب انساني تجاهها‪ ،‬أو انه ربما هي مجرد‬

‫شماتة الرجل الشرقي في إامرأة تستحق ذلك!‬
‫وعاد إالى منزله‪ ،‬وأضاء شاشة الكمبيوتر وبدأ يكتب عن ‪...‬‬

‫" سمر" !‪.‬‬

‫************‬

‫‪38‬‬

‫‪6‬‬

‫"هل تعرفون أكثر ما يغيظني في جملة "أن المرأة ل تتزين لتعجب الرجال بل هي‬
‫تتزين لنفسها لنها ُجبلت على الجمال "؟!‬

‫هو مغالطة الطبيعة وعدم الوعي الذي بدأ ينتشر من حولنا وأصبحنا نتبناه وكنه‬
‫حقيقة مثبتة‪...‬‬

‫من قال أن المرأة ل تتزين للرجل؟؟‬
‫ما فائدة المرأة إان لم تتزين للرجل؟؟ ألم ُتخلْق من الرجل وللرجل؟؟‬
‫عدم علمك ومعرفة لمن تتزين المرأة ل يعطيك الحق أن تصدر حماقات لمعة رنانة‬
‫يتبادلها الخرون من بعدك لتصبح مثل ًا وقو ًل شائع ًا‪ ...‬أعرف أن كلامي هذا قد‬
‫يبدو عنصري ًا ولن يعجب الكثيرين ول أي أحد من نُون النسوة‪ ،‬ولكن بالله عليكم‬
‫لتتمهلوا حتى أحكي لكم هذه القصة التي كنت شاهد ًا على أحداثها في غربتي‪ ،‬فربما‬

‫تفتح أعينكم على قصص مشابهة تؤيد كلامي‪....‬‬
‫سمر ‪..‬‬

‫هي موظفة إادارية في المكان الذي كنت أعمل فيه‪ ،‬إامرأة بدأت الربعين من عمرها‬
‫حديث ًا‪ ،‬مازلت أذكر ذلك اليوم الذي رأيتها فيه لول مرة‪....‬‬

‫كانت قادمة نحونا أثناء ا إلستراحة وكانت أجمل من أن أصدق أنها حقيقية!‪ ،‬كانت‬
‫ممشوقة القوام ورشيقة ولم أظن أبد ًا أنها تخطت الثامنة والعشرين من عمرها‪،‬‬
‫تضاريسها بارزة‪ ،‬صدرها وانخفاض خصرها وبطنها‪ ،‬ل‪ ..‬أنها أنى نموذجية!‬

‫وتمر اليام واسمع خبر طلاقها من زوجها الذي تجمعهما معا عشرة سبعة عشرة سنة‬
‫وبينهما أولد‪ ،‬سعيد عمره خمسة عشرة عام ًا ونهيى تصغره بسنتين‪.‬‬
‫زواج استمر لسبعة عشرة عام ًا إانتهيى في يوم وليلة‪...‬‬

‫ل لشيء سوى أنها رأت أنها غير قادرة على ا إلستمرار معه‪" ...‬زوج حاضر غائب قلة‬
‫وجوده أحسن "!‬

‫‪39‬‬

‫صدمتني واستفزتني جد ًا تلك الجملة عندما قالتها حين سألتها عن سبب الطلاق بعد‬
‫هذا العمر؟‪ ،‬ولهذا قررت أن أكون قليل الذوق معها وسمحت لنفسي أن اسأل‬
‫أسئلة ل تعنيني‪...‬‬
‫فأنا في الول والخر رجل شرقي ل أتحمل أن تهين إامرأة رجل حتى وإان كنت ل‬
‫أعرفه‪ ،‬فما بالك بتلك التي تهين زوجها وأبو اولدها بعد سبعة عشرة عام من‬
‫الزواج؟‪.‬‬

‫سألتها وسألتها وخرجت منها بالخلاصة التي أرادتني أن أصدقها‪ ،‬وهي أن زوجها يعمل‬
‫صباحا كبائع في أحد المحلات وبالطبع راتبه في دولة كالكويت ل يكفي لدفع ايجار‬

‫السكن فقط ولهذا اضطر أن يعمل عمل ًا مسائي ًا إاضافي ًا ليستطيع أن يوفر بعض المال‬
‫للمعيشة وهذا أيض ًا لم يكفي إلطعام خمسة افواه‪ ،‬هي وأولدهم وامها‪ ،‬ولهذا سمح لها‬

‫بالعمل‪...‬‬
‫كانت تعمل في مكان أخر قبل أن تاني إالينا وكان راتبها قليل ًا ولكنه مع راتب زوجها‬

‫كان يكفي للمعيشة الرغدة‪.‬‬
‫تغير كل شيء بعدما جاءت لتعمل في شركتنا‪ ،‬حيث كان راتبها الجديد أكثر من‬
‫مجموع راتبها القديم ورواتب زوجها‪ ،‬فهويعمل ثلاثة عشرة ساعة يومي ًا وهي تعمل ثماني‬
‫ساعات‪ ،‬هو يعود عصرًا ليأكل وينام ساعة دون أن يستحم ليذهب إالى عمله‬
‫الثاني‪ ،‬ليعود في الحادية عشرة ليستحم ويتعشى وينام‪ ،‬لم يكن لديه الوقت لرؤية‬
‫أولده أو لممارسة حقها الطبيعي في إاخبارها كم هي جميلة وكم هو محظوظ في أن يكون‬

‫زوجها!‬
‫وبالطبع لم يكن يرى كم هي أصبحت جميلة‪ ،‬لم يلاحظ تغير لون شعرها كل شهر ول‬
‫أن نوعية المكياج قد تغيرت وأصبحت أصليه فلم تعد شفاهها تطبع على الكواب ول‬
‫يتكور الروج بين ثنايا شفاهها ول يسيل كريم الساس بسبب عرقها مخلف ًا خطوط ًا‬

‫طولية بشعة وكنها ممرات سيول طبيعية‪...‬‬
‫جميلة وتجملت أكثر ولكنه لم يراها‪...‬‬

‫‪40‬‬

‫ولكن رأها الكثيرون والكثيرون غيره‪..‬‬
‫رأها من هم بالمقاييس العادية أفضل منه بمراحل‪..‬‬
‫رأها مديرها وزملائها‪ ،‬رأها الزبائن‪ ،‬وكل هؤلء رأوا فيها المرأة المثالية‪ ...‬إامرأة يود‬
‫كل رجل أن يضاجعها ولنها متزوجة ل يصح أن يُطلب منها ذلك مباشرة‪...‬‬
‫ولكن ل ضير في بعض المعاكسة والمجاملة‪ ...‬كانت تمشي وتتحرك بنظرات ا إلعجاب‬
‫والفواه التي تفغر من جمالها وحدة تضاريسها ورجرجة صدرها اذا ما مشت مشي‬
‫الهوينا‪ ...‬كل هذا بالضافة إالى المرتب الذي لم تكن تحلم به في حياتها جعلها تفكر في‬
‫أنها تستحق الفضل!‪ .‬تستحق رجل ًا حقيقيا‪ ،‬ل رجل ًا يأتي إاليها منهارا جائعا نتن‬
‫الرائحة‪ ،‬ل يراها إال كطباخة يطلب منها الكل كلما رأها‪...‬‬
‫رجل ًا أنساه التعب معنى الجنس حتى أصبح يمارسه معها على فترات متباعدة ويمارسه‬

‫بلا شغف ول روح وكنه واجب فُرض عليه‪.‬‬
‫هي جميلة مرغوبة ولكنها على مشارف الربعين‪...‬‬
‫جميلة الن وبئر أنوثتها لم يجف بعد‪ ،‬ولكن سن اليأس يقترب منها بسرعة الصوت‪،‬‬
‫وبعدها ستكون مجرد إامرأة‪ ،‬وستفقد شيئ ًا فشيئ ًا صفة النوثة ورونقها‪...‬‬
‫ستفقد البريق في عيون الرجال عندما يرونها والذي يُشعرها بالنشوة‪.‬‬
‫تطلقت سمر وظنت انه في اليوم التالي سيقف على بابها عشرات الرجال طالبين‬
‫ودها وموافقتها على الزواج منهم‪ ،‬ولكنها كانت أغبى من أن تعلم أن الكثير من الرجال‬
‫يحبون المعاكسة والتمتع بالمرأة دون أن يتزوجوها‪ ،‬فنحن رجال عرب ل نحب الزواج‬
‫إال في أضيق الحدود‪ ،‬إانما هذا ل يمنع بالطبع حقنا بالتمتع بأي أنى طالما لم تمانع ذلك!‪،‬‬
‫فما الضرر الذي سيقع من تبادل حديث معها يمتد لساعة تشعر هي فيها كنها ملكة‬
‫الدنيا وأنني أتمنى تقبيل قدميها وتتوه في نشوة ا إلعجاب بينما أضاجعها أنا في عقلي أثناء‬
‫حديثي معها؟‪ ،‬أتفرس في تفاصيل شفاهها الجميلة وعنقها المنحوت بعناية وشق‬
‫صدرها الذي يظهر ويختفي أثناء تمايلها وحركتها العشوائية امامي؟‬

‫‪41‬‬

‫غبية هي لنها لم تعي تلك الحقيقة قبل الطلاق‪ ...‬غبية هي عندما سمعت كلام امها‬
‫بأنها تستحق من هو أفضل من زوجها بعدما حكت لها عن إاعجاب كل الرجال بجمالها‬

‫في عملها الجديد!‪.‬‬
‫والن‪ ،‬وبعد ثلاث سنوات‪...‬‬
‫أين سمر ؟ أين ذلك الجسد الذي سال بسببه لعاب الرجال والذي كنت أنا منهم رغم‬
‫أنها تكبرني بعشرة سنوات؟!‬

‫سمر الن ما هي إال إامرأة‪...‬‬
‫ولفظ إامرأة أنا ل أطلقه إال على النساء اللائي ل يجب أن ننظر إاليهن إال بكل وجل‬

‫وإاحترام‪...‬‬
‫فقدت كل أنوثتها تقريب ًا‪...‬‬
‫ترهل جسمها بصورة غريبة‪ .‬تدلى بطنها وارتخى صدرها وهرم‪ ،‬الجسد الممشوق‬
‫القوام ُحلت أربطته فصار رخوًا كجسد أخطبوط ميت‪ ،‬إازداد السواد حول عينيها‬
‫وغارت في محجريهما وكنها مدمنة مخدرات‪ ،‬أصبحت المساحيق ل تجدي نفع ًا في‬
‫بشرتها التي أصبحت ترفضها فيذوب المكياج من على وجهها بعد ساعتين من‬

‫وضعه‪...‬‬
‫إانزوت داخل نفسها‪ ،‬بحثت عن الحب ولم تجده‪ ،‬بحثت عن الرغبة في عيون الرجال‬

‫ولكنها كانت قد إاختفت‪ ،‬صارت تلاطفهم ولكنهم جميع ًا تصنعوا اللا مبالة والجهل‬
‫بأنها تحاول نيل إاستحسانهم‪ ،‬بأنها تريد ايقاد بريق الرغبة فيها الذي اعتادت أن تراه‬

‫من جديد ‪..‬‬
‫فمن ذا الذي يضحي بسمعته بمرافقة عجوز شمطاء؟‬
‫إانطفأت سمر بعدما لم يوجد في حياتها من يستحق أن تتزين لجله‪ ....‬تساقط شعرها‬
‫نتيجة انحدار نفسيتها ووعيها أنها ذهبت في بئر النسيان وانها ابد ًا لن تكون فتاة‬

‫أحلام رجل بعد الن‪...‬‬
‫ابدا لن تُعانق مجددا‪...‬‬

‫‪42‬‬

‫لن يضمها حضن دافيء في أبرد ليالي الشتاء‪...‬‬
‫لن تنفعها الوسائد الثمانية التي وضعتها على سريرها لتُشعرها أنها ليست وحيدة في‬

‫هذا الفراغ السريري‪...‬‬
‫السرير والغطاء الذي طالما تشاجرت مع طليقها على حقها في النصف من الغطاء‬
‫والسرير لتأخذ راحتها في التقلب والنوم العميق‪ ،‬الن ها هي بمفردها في السرير‪...‬‬
‫الغطاء الذي كان يدفئها بطرفه أصبح مزدوجا الن ول يبعث الدفء ل إالى أوصالها‬
‫ول إالى روحها التي غلفتها الوحدة وغيمت عليها سحب الندم والخجل‪ ،‬فسقطت ندف‬

‫ثلج الرثاء على النفس وبكاء الجمال الذي يخبو وحيد ًا دون أن يقطفه رجل‪...‬‬
‫بعد هذا يأتيني احمق ويقول أن المرأة ل تتزين للرجل بل لنفسها؟!!! "‬

‫كتب شريف القصة ولكنه لم ينشرها‪ ،‬حفظها لمراجعتها ونشرها فيما بعد‪ ،‬فهو الن‬
‫يحتاج إالى ما هو أهم من مراجعة قصة تافهة عن شخص تافه في صفحة حقيرة لم تجلب‬

‫له سوى ا إلهانة ‪.‬‬
‫كان المهم هو أن يفكر فيما سيفعل؟‪.‬‬
‫كيف سيبحث عن عمل جديد وأين؟‬
‫وخاصة أنه لم يقم بتحديث سيرته الذاتية منذ خمسة أعوام‪ ،‬وبعد رفض الشركة‬
‫إاعطاءه شهادة خبرة بالسنوات الخس التي عمل فيها لديهم حتى ل يستغلها في رفع‬
‫قضية على المؤسسة لرد مستحقاته ‪.‬‬
‫كانت تلك هي نصيحة محامي الشركة للمدير الكويتي " ل تعطيه أي أوراق تثبت أنه‬
‫كان يعمل لدينا حتى ل يكون له الحق في الشكوى وأخذ مستحقاته! "‪ ،‬و كان‬

‫المحامي مصري أيض ًا!‪.‬‬
‫إانقلب على إابن بلده لجل الغريب‪ ،‬نصح نصيحة سوء ل لشيء سوى ليثبت للمدير‬
‫انه جدير بمركزه وانه يخاف على مصالح الشركة ناسي ًا انه أيض ًا موظف ومن الوارد‬

‫جد ًا أن يكوني حالي اليوم هو حاله غد ًا ‪.‬‬

‫‪43‬‬

‫" ولكنه محامي‪ ،‬ولبد أن يؤمن نفسه‪ ،‬المشكلة الن أنا بلا أي أوراق تثبت خبرتي‪،‬‬
‫وكنني عدت من جديد إالى خانة الصفر ‪..‬‬
‫"صفر الخبرة!"‪.‬‬

‫أسبوعا كامل ًا قضاه شريف في تزييف سيرة ذاتية‪ ،‬حيث طلب من بعض اصدقائه‬
‫تزويده بشهادات خبرة من مطاعم عادية‪..‬‬

‫" أي ورق أمل به سيرتي الذاتية وخلاص "!‪.‬‬
‫أسبوع دار فيه على شركات تجهيز الحفلات والمطاعم يوزع فيها اوراقه وتليفوناته لكل‬
‫من يعرفهم‪ ،‬يتصل بكل رقم مطعم يراه امامه ولكن لشيء‪ ،‬كنه ل مكان له في أي‬

‫مكان‪...‬‬
‫" أنا فائض عن حاجة العمل‪ .‬أنا زيادة عن طاقة سوق العمل ا إلسيتعابية‪ ،‬تب ًا لي‬

‫ولحظي!‪ ،‬دولة ويبلغ تعداد من فيها ستة مليون نسمة بسكانها حاملي الجنسية‬
‫والوافدون مثلي وانا ل أجد لي مكان بينهم‪ ،‬ل عمل لي "‪.‬‬

‫فتح ا إلنت نرت عله يجد ما يرفه عنه‪ ،‬فوجد الكثير والكثير من ا إلشعارات والرسائل‪،‬‬
‫ألقى عليها نظرة خاطفة‪...‬‬

‫أنها صفحته تناديه والناس يرسلون إاليه صرخاتهم‪ ،‬ولكنه تذكر تلك القصة التي كان‬
‫قد كتبها ونسي أن يراجعها قبل النشر‪ ،‬وبالفعل راجع قصة سمر ونشرها وعاد إالى‬
‫التعليقات القديمة والرسائل يقرأها وقبل أن ينهيها كانت تعليقات جديدة تتدفق عليه‪.‬‬
‫وكما توقع شريف بعد أن نشر قصة سمر فقد اتجهت المشاركات والتعليقات إاليها‬

‫وصدق حينها من قال أفة امتي النسيان‪...‬‬
‫نسوا نيمفو وأمسكوا في سمر وجلدوها‪ ،‬وكن شريف لم يجلدها بأسلوب سرده‬

‫لقصتها‪...‬‬
‫سرد شريف قصتها بكل حقد الرجل الشرقي تجاه المرأة التي تضرب بعاداته المتأصلة‬

‫في عقله عرض الحائط حتى وان كانت تلك العادات بالية وعفنة‪...‬‬

‫‪44‬‬

‫أنها مقدسات موروثة صحيحة كانت أم ل‪ ،‬ول يجب المساس بها ولكن سمر فعلت‬
‫حين طالبت بحقها في زوج أفضل مما لها‪ ،‬حقها في زوج يكون معها في أواخر أيام‬

‫أنوثتها‪...‬‬
‫ولكنها نست أنها شرقية وهذا ليس من شيم الشرقيات‪...‬‬
‫وكان حظها العاثر أنها وقعت في طريق شريف الذي استغل قصتها كدرجة يطأها‬
‫ليصعد‪ ،‬إاستغلها كمنشور يزيد المتابعين لصفحته ويُنسيهم نيمفو وفي نفس الوقت يفتح‬

‫الباب أمام نوع أخر من الجدل في صفحته‪...‬‬
‫" تب ًا لي من وصولي وانتهازي" !‪.‬‬

‫لم تكد تمر أربعة وعشرون ساعة من نشر قصة سمر ولم يكن الجدل المحتدم بسببها قد‬
‫هدأ بعد إال واستقبل شريف رسالة جديدة في صندوق رسائله‪...‬‬

‫طلب جديد لنشر قصة‪ ،‬كما فعلت نيمفو ولكن هذه المرة ليست صرخة‪...‬‬
‫بل هي عبارة عن " فرد عضلات"‪...‬‬

‫قصة طلب فيها صاحبها أن تُنشر كما هي بأسلوبه وكان ذلك نصها‪...‬‬

‫" أستاذ شريف لقد اعجبتني صفحتك وتأثرت بقصتك جد ًا وقصة نيمفو وسمر‪...‬‬
‫اعجبتني فكرة أن توجه الضوء إالى أمراض المجتمع ا إلجتماعية والخلاقية وها أنا أتطوع‬
‫بأن أكون الشخصية الثالثة والمشكلة الثالثة على صفحتك بعد نيمفو وسمر‪ ،‬وأرجو أن‬

‫تنشر قصتي بدء ًا من هنا"!‪.‬‬

‫*************‬

‫‪45‬‬

‫‪7‬‬

‫" ذلك الصمت الذي يغلف حياتي وتلك العزلة التي اخترتها غطاءا لي دون أن‬
‫يحاولوا أن يفهموا سببها أو يسألوني ابسط السئلة البوية‪" :‬ماذا بك؟ "‬

‫وكنني شفاف بالنسبة لهم أو كنه من الطبيعي والبديهيي والمُحبب بالنسبة لهم أن ل‬
‫يسمعوا صوتي أو حتى ل يرونني لساعات‪ ،‬وإان إاستطاعوا باليام‪ ،‬وحتى‪ -‬كما أظن‬

‫– إان ُمت فهذا راحة لهم!‪ ،‬فأنا أعتقد انهم لم يرغبوا بي أبد ًا!‪.‬‬
‫"نعم‪ ،‬أنا أتذكر عندما كررت أمي مرارًا وتكرارًا أنه يوم اسود يوم حبلت بي‪ ،‬وياليته‬

‫ما جاء‪ ،‬جاتها نيلة الخلفة اللي زي كده "!‬
‫"نعم أنا غير مرغوب بي"‪..‬‬

‫"كان مجيئي مجرد غلطة ولهذا ل أريد أن اختلط بهم‪ " ،‬كثيرًا كثيرًا ما حكت أمي‬
‫وزوجة عمي عن يوم ولدتي‪ ،‬وكيف أن أمي خافت من شكلي لنني كنت صغير‬
‫الحجم جد ًا‪ ،‬مجعد الوجه كجلد فأر حديث الولدة لم ينبت شعره بعد‪ ،‬خافت أمي‬

‫من منظري وخافت أن ترضعني‪...‬‬
‫كانوا يحكون المر مرارًا وتكرارًا مازحين من أمي ولكنهم ل يعلمون أن ذلك الموضوع‬

‫يجرح شعوري‪...‬‬
‫ل يعلمون أن تلك القصة تقتلني وتجعلني اسأل ماذا لو لم تكن حينها جدتي وزوجة‬
‫عمي بجوارها؟؟ هل كان من الممكن أن تقتلني حينها‪،‬؟؟ مع العلم انني الن أشبه‬
‫أبي إالى حد كبير‪ ،‬أبي الذي تزوجته بعد حب دام أربعة سنوات‪ ،‬ولهذا اعتزل في‬

‫غرفتي‪ ،‬ولم اكن اخرج منها إال في أضيق الحالت‪.‬‬
‫تلك الغرفة التي تحولت إالى عالمي الخاص‪ ...‬عالم ل يدري به أحد ول أريد أن يقتحمه‬

‫علي أحد‪ ،‬هذه الغرفة هي أنا‪...‬‬
‫هنا فقط أشعر بكياني‪ ،‬هنا أفعل كل ما أريد دون أن ينتقدني أحد‪..‬‬

‫هنا ل تمل مني الشياء‪...‬‬

‫‪46‬‬

‫نعم ل تمل‪ ،‬فأنا ل اعتبرها جماد بل هي أصدقائي‪...‬‬
‫سريري وغطائي ووسادتي‪...‬‬

‫وسادتي التي تتحول إالى زوجتي في بعض الحيان!‪ ،‬نعم اسمع افكارك التي تحكم علي‬
‫الن!‬

‫كيف تكون زوجتي وأنا مازلت على أعتاب فترة المراهقة؟‪ ،‬ربما ل تدري عزيزي‬
‫القاريء أن سن المراهقة قد انخفض الن بفضل التكنولوجيا وا إلنترنت‪...‬‬

‫فهنا في غرفتي‪ ،‬أنا ذلك الرجل الذي يبلغ من العمر الخامسة والعشرون‪ ،‬الذي يحب‬
‫إامرأة ثلاثينية ووعدها بالزواج ما أن تنفصل عن زوجها!‪ ،‬وانا أيض ًا تلك النى‬

‫العشرينية التي تبحث عن الحب ولديها من الحباب عشرة‪ ،‬ومنهم أحصل على تلك‬
‫الموال التي اصرفها‪ ،‬ربما يظن ابواي انهم هم من يصرفون علي ولكن ل!‪ ،‬فأحبائي‬
‫المغفلين هم من يفعلون ظن ًا منهم انهم يساعدون حبيبتهم التي لم تمنع عنهم أغلى ما‬
‫تملك‪...‬‬
‫جسدها‪...‬‬
‫وربما تسأل نفسك الن‪ :‬من أين لي بجسد النى؟ سأجيبك‪ ،‬من ا إلنترنت ايها‬
‫الغبي!‬

‫كل شيء موجود هناك‪ ،‬كل ماتريده تستطيع تحقيقه على ا إلنت نرت‪ ...‬أهدافك ل تبعد‬
‫عنك سوى بضعة أزرار تضغطها والسر يكمن في معرفة تلك الزرار الصحيحة التي‬

‫تكون كلمات بحث صحيحة لتجد حلمك يقف أمامك‪ ،‬يرقص لك رقصته الغجرية‬
‫طالب ًا منك أن تضاجعه‪...‬‬

‫يدفع الرجال الكثير من المال ولكن النساء تدفع أكثر‪ ،‬فالرجال يدفعون فقط مقابل أن‬
‫يشاهدوا قطعة لحم‪ ،‬وعند مرحلة معينة يصابون بالشمئزار أو بتأنيب الضمير ولكن‬

‫النساء تدفع مقابل الحب‪ ،‬تدفع بلا تفكير‪...‬‬
‫تدفع إالى البد‪ ،‬المهم أن تشعرها انك تحبها جد ًا وانها نصف روحك وقلبك كله‪...‬‬

‫تب ًا لغباء النساء‪!...‬‬

‫‪47‬‬

‫هنا في غرفتي السعادة الخام وأتمنى أحيان ًا أن يختفي أبواي‪...‬‬
‫أن يموتا‪ ،‬فلم يعد يهمني‪ ،‬المهم أن ل يزعجوني بعد الن‪...‬‬
‫تب ًا!‬

‫لقد اندمجت في الحديث معكم ونسيت انه عندي الن موعد غرامي مع علياء‪ ،‬وبالطبع‬
‫لست بحاجة بإاخباركم أنني لست أنا من سأقابلها‪ ،‬بل هو صلاح الذي سيقابلها على‬

‫انه أنا مقابل دفع خمسمائة جنيه"!‪.‬‬

‫كان أكثر ما أثار شريف في هذه القصة أن بطلها هومجرد طفل‪...‬‬
‫طفل لم يخطو في درب المراهقة كثيرًا‪ ،‬صورته وصفحته الشخصية ومنشورات‬

‫أصدقاؤه وتعليقاتهم على منشوراته عادية‪...‬‬
‫صفحة طفل أو مراهق حديث‪ ،‬ولكن حياته السرية بالغة الخطورة‪...‬‬
‫واكثر ما أثار استغرابه أن هذا الطفل يخرج على صفحة مثل صفحة شريف متفاخرًا‬

‫بأفعاله!‪.‬‬

‫"قديم ًا‪ ،‬كنّا نتفاخر ببلوغنا بشرب السجائر من خلف ظهور اهالينا في الحقول البعيدة‬
‫أو أن نستأجر فيديو لنشاهد عليه الفلام ا إلباحية‪ ،‬وكانت أقصى أفعالنا هي محاولة‬

‫تقبيل ابنة الجيران !!"‬

‫" تب ًا يا شريف‪ ،‬لقد ول َّى زمنك‪ ،‬الن اطفال اليوم الذين طولهم اقصر من طول َل ّي‬
‫نرجيلتك يتاجرون بالمشاعر واللحم البيض‪...‬‬

‫طفل ربما لم يقذف قذفته الولى بعد يغوي فتاة ويبيعها لخر مقابل المال‪...‬‬
‫خمسمائة جنيه وهوفي غرفته وانت كبائس ستنشر قصته مجان ًا!‬

‫كبائس تجلس أمام حاسوبك وصفحتك الحقيرة البائسة التي ل تجلب عليك سوى‬
‫السباب‪ ،‬تنشر قصته ل لشيء سوى لنك عاطل‪...‬‬

‫‪48‬‬

‫ولماذا عاطل ؟‬
‫لنك قديم الطراز‪ ،‬فاشل‪ ،‬لم تستطع مواكبة العصر ول تعرف كيفية مجاراته كما يفعل‬

‫اطفال اليوم‪...‬‬
‫أنت شيف يا شييف‪ ...‬أنت مجرد طباخ فاشل! "‪.‬‬
‫ونسخ شريف قصة المراهق ونشرها على الصفحة‪.‬‬
‫**************‬

‫‪49‬‬

‫‪8‬‬

‫وصلت رسالة من نيمفو إالى شريف اعتذرت له فيها عن تأخرها في كتابتها له بسبب‬
‫إانشغالها وبسبب أن إابنها كان مريض ًا جد ًا خلال السبوعين الماضيين‪.‬‬

‫رسالتها كانت اعتذار له بسبب تلك الشتائم وا إلهانات التي تلقاها في التعليقات على‬
‫قصتها‪ ،‬أخبرته أن صنيعه ذلك يحترم عليه وانه كبر جد ًا في نظرها وانها ل تعرف‬

‫كيف تشكره‪ ،‬أخبرته أنها تلك المرة الولى منذ زمن طويل وبعيد منذ أن تركت اهلها‬
‫تشعر أن لها ظهر وسند‪ .‬أصبحت تشعر وللمرة الولى بهذا الشعور " أنا في كنف‬
‫وحماية رجل‪ ،‬أنت يا شريف هو رجلي‪ ،‬نعم أنا ل أعرفك ولم نتكلم كثيرًا وهذا ما‬
‫سأحرص على عدم فعله بعد الن‪ ،‬لن اتركك إال بعدما أعرفك جيد ًا وتعرفني ولكن‬

‫حتى بدون تلك المعرفة أنت أثبت لي كم انك شهم ورجل حقيقي‪ ،‬لو كان اخي‬
‫مازال معي ما كان سيدافع عني مثلما فعلت إاذا ما ظهرت إاشاعة عني بأنني عاهرة‪،‬‬
‫أنت كان من الممكن أن تمسح المنشور‪ ،‬أن تعتذر‪ ،‬أو أن تنضم إاليهم في جلدي ونعتي‬
‫بالعاهرة‪ ،‬ولكنك لم تفعل‪ ،‬ولهذا يا شريف أترك لي مجال الرد على هؤلء الحمقى‪،‬‬

‫سأكتب لك ردي وأرجو نشره كما هو"!‪.‬‬

‫وكتبت ردها ونسخه شريف كماهو بعد أن كتب‪:‬‬
‫" اعزائي متابعي صفحة " صرخة شيف "‪ ،‬لقد تأثر الكثير منكم با إليجاب والسلب‬
‫وتفاعلتم باللين والحدة مع قصة نيمفو وحدث جدل كبير بسببها‪ ،‬نعتها الكثير بالعاهرة‬
‫وتمنوا القصاص منها‪ ،‬وهي قد رأت تعليقاتكم وأرادت أن ترد عليكم بنفسها‪ ،‬وهذا هو‬

‫ردها "‪:‬‬
‫" عزيزي القاريء ا إلنسان الذي أله نفسه وأحل لنفسه سلطة ا إلله وأعطى لنفسه‬

‫الحق أن يدينني ويحكم علي بالعذاب البدي‪ ،‬وكل هذا لماذا؟‪ ،‬لنني عاهرة؟!‬

‫‪50‬‬


Click to View FlipBook Version